الكتاب: العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية المؤلف: علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن ابن وهاس الخزرجي الزبيدي، أبو الحسن موفق الدين (المتوفى: 812هـ) جـ 1: عُني بتصحيحه وتنقيحه: محمد بسيوني عسل جـ 2: تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي الناشر: مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية علي بن الحسن الخزرجي الكتاب: العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية المؤلف: علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن ابن وهاس الخزرجي الزبيدي، أبو الحسن موفق الدين (المتوفى: 812هـ) جـ 1: عُني بتصحيحه وتنقيحه: محمد بسيوني عسل جـ 2: تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي الناشر: مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الباب الأول ذكر انتساب الملوك بني الرسول وكيف كان السبب في دخولهم اليمن واستقلالهم بالملك فيها. قال علي بن الحسن الخزرجي. أعرق ملوك اليمن في الملك في الجاهلية والإسلام ملوك حمير وملوك غسان: ولهذا يقال حمير أرباب العرب وغسان أرباب الملوك. وذلك أن سبأ الأكبر لما حضرته الوفاة طلب أبنيه حمير وكهلان وكان الأكبر وأقعده عن يمينه وأقعد كهلان عن شماله ثم طلب سائر بنيه وبني عمه وجوه قومه وقال لهم: اعلموا أن ولديّ هذين هذا عن يميني وأشار إلى حمير وهذا عن شمالي وأشار إلى كهلان فأعطوا حمير من ملكي ما يصلح لليمين وأعطوا كهلان من ملكي ما يصلح للشمال. فقالوا يصلح لليمين السيف والسوط والقلم ويصلح للشمال العنان والترس والقوس. وحكموا أن صاحب السيف والقلم والسوط لا يكون إلا أمراً ناهيا فاتقاً راتقاً وإن هذه صفات الملك الأعظم وإن صاحب العنان يكون مصرفا لهوادي الخيل في الذبّ عن المملكة وإن الترس يرد به الناس عند اللقاء وإن القوس ينال بها المناوي والمغازي وإن كانا على البعد. ولا يصلح ذلك إلا لحفاظ الدولة القائم بحروبها وسد ثغورها. فتقلد حمير الملك فلم يزل في ولده وولد ولده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 يلي ذلك منهم خالف عن سالف إلى أن قام الحارث الرائش. وتقلد كهلان وولده حفظ الممالك والذب عنها وسد ثغورها. يلي ذلك منهم كابر عن كابر إلى أيام عامر بن حارثة الأزدي المسمى ماء السماء وكان في عصر الحارث الرائش قائما بحفظ المملكة وسد ثغورها على سنن آبائه من كهلان. وكان الحارث الرائش محدثا. والمتحدث بفتح الدال المشددة هو الذي يتحدث على مستقبلات الزمان ويخبر بما سيكون من الحوادث قبل كونها فيأتي الأمر بتصديق ما يقوله. وكان الحارث الرائش كذلك وله في هذا الشأن عدّة قصائد. منها القصيدة التي أولها: أنا الملك المتوج ذو العطايا ... جلبت الخيل من أوطان سام لأغزو أعبدا جهلوا مكاني ... سلالة يافث وقبيل حام بني قحطان فانتجعوا وسيروا ... وحجوا البيت في البلد الحرام بإذن الله حجوا فهو بيت ... توارثه الهُمامُ عن الهمام وكونوا مثل ملطاط بن عمرو ... وذي إنس الغطارفة الكرام فنحن الأغلبون إذا بطشنا ... ونحن المتقون لكل ذام وإنا يوم نغضبُ أو نسامي ... تكاد الأرض ترجف بالأنام وإن نرضى تقر بمن عليها ... ويشرق وجهها بعد الظلام وفينا الملك والأملاك حقاً ... ونحن الأكرمون بنو الكرام أبونا يعرب وسبا أبونا ... ونفخر من يفاخر أو يسامي فان أهلك فقد أثّلت ملكاً ... لكم يبقى إلى زمن التّهامي ويملك بعدنا منّا ملوك ... بنو عزّ كعالية الغمام ويخاف بعدهم منّا ملوك ... يدينون العباد بغير ذام وتنتشر الأساود بعد هذا ... عقاب الله في الآثام ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبيّ لا يرخّص في الحرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يفارق أهله وله كتاب ... يوافق خطه رجع الكلام يسمى أحمدا يا ليت أني ... أُؤخّرُ بعد مخرجه بعام ويملك بعده خلفاء برّ ... ويملك بعدهم أولاد عام ويظهر راية المنصور فيهم ... على خاء إذا نطقوا ويملك بعده رجل نجيل ... على آبائه أزكى السلام وربما إنها أكثر من هذا. فإنه أخبر في هذه القصيدة بمن يملك اليمن من حمير وبنيهم بقوله فإن أهلك فقد أثّلت ملكا ... لكم يبقى إلى زمن التهامي فكان كما قال ولم تزل ملوك قحطان يتوارثون ملك اليمن إلى أن قامت دولة الإسلام. ويعني بالتّهامي النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: ويملك بعدنا منا ملوك ... بنو عزّ كعالية الغمام فكان كما قال يعني الملوك الذين ملكوا اليمن بعد الحارث الرائش وقبل ظهور الحبشة. وقوله: وتنتشر الأساود بعد هذا ... عقاب الله في القوم الآثام فكان كما قال من انتشار الحبشة في اليمن والملك هنالك وكان ملك الحبشة في اليمن على ما قيل إثنتين وسبعين سنة. تداولها منهم أربعة رجال وهم أرياط ثم أبرهة ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروقا بن أبرهة. وقوله: ويملك بعدهم منا ملوك ... ضعيف أمرهم ثقل المرام فكان كما قال. وذلك أن الملوك الذين ملكوا اليمن بعد دولة الحبشة ليسوا كمن تقدمهم من ملوك حمير في العصر الأول. وقوله: ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبيّ لا يرخّص في الحرام يفارق أهله وله كتاب ... يوافق خطه رجع الكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 يسمى أحمدا يا ليت أني ... أُعمر بعد مخرجه بعام فكان كما قال من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه من مكة إلى المدينة مفارقا لأهله وإقامته في المدينة بين الأنصار إلى أن توفيّ صلى الله عليه وسلم. وقوله: " وله كتاب يوافق خطّه رجع الكلام " أي ينزل عليه كتاب باللسان العربي ويكتب بالخط العربي يعني القرآن العزيز قال الله تعالى) إنا أنزلناه قرآناً عربياً (. قال الله تعالى) لسان عربيّ مبين (. وقوله. ويملك بعده خلفاءُ برّ. فكان كما قال من قيام الخلفاء الراشدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيام الخلفاء من بني أُميّة وبني العباس وبملكهم اليمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخير بظهور ملوك غسان في اليمن وتملكهم عليها. فقال: ويملك بعدهم أولاد عام. يريد أولاد عامر فرخّمهُ للضرورة يعني عامر بن حارثة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مأرب بن الأزد ابن الغوث. وإنما أشار إليه دون غيره ممن سلف أو خلف لأنه كان معاصراً له إذ هو قائم معه من ولد كهلان لحفظ الأطراف وسد الثغور وجباية الأموال. فخصه بالإشارة والبشارة. ثم حقق ذلك وأوضحه بقوله: ويظهر راية المنصور فيهم ... على خاء إذا نطقوا ولام فكان كما قال من ظهور الملك المنصور واستقلاله بالملك في اليمن وتواتر ذريته من بعده إلى يومنا هذا وهو عُمر بن علي ابن الرسول. وكان استقلاله بالملك في اليمن في سنة ثلاثين وستمائة من تاريخ الهجرة. وهو معنى قوله على خاء إذا نطقوا ولام. فإن الخاء على حساب الجمّل ستمائة واللام ثلاثون. وكان ملك الحارث الرائش قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة سنة على ما قيل والله أعلم قال علي بن الحسن الخزرجي تجاوز الله عنه. وقد كنت شرحت هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 القصيدة التي قالها الحارث الرائش في جزء لطيف وسميته المحصول في انتساب بني الرسول. وذلك لما شهدت به من صحة انتسابهم. وقل أن يوجد دليل على صحة نسب أحد من الناس كصحة هذا النسب. فصل فلما هلك عامر بن حارثة الأزدي وكان يسمى ماء السماء لجوده وكرمه وقام بالآمر بعده ولده عمرو بن عامر. وتقّل ما كان يتقلد آباؤه من القيام بحفظ المملكة وسد ثغورها واستخراج الإتاوات من أربابها وهو المُسمّى مُزيقياء وفيه وفي ابنه يقول بعض الأنصار أنا ابن مُزيقيا عمرو وجدّي ... أبوه عامر ماء السماء إنما سُمي عامر بن حارثة ماء السماء لأنه مان قومه سنة وقد أخلفت السماء فأجدبت الأرض جدبا شديدا فلم يزل يمون قومه حتى مطروا وأخصبوا فسموه ماء السماء لذلك لكونه خلف ماء السماء ومانهم سنة كاملة. وإنما سُمي عمرو بن عامر مزيقياء لأنه كان يلبس كل يوم حلتين ثم يمزقها آيومه يأنف أن يعود فيهما ويكره أن يلبسها غيره. وعُمّر عمرا طويلا يقال أنه بلغ من العمر ثمانمائة سنة. والله أعلم. وفي أيامه كان خراب السُدّ. وكان أوّل من أسس السُّدّ سبأ الأكبر وأسمه عامر وقيل عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ثم بناه حمير بن سبأ بعد موت أبيه ثم أتمه بعد ذلك الحميري وهو الصعب بن أبي مرائد. وكان السّد من جبل مأرب إلى الجبل الأبلق وهما جبلان منفيان على الجبال الشامخة الممتدة من يمين السّد وشماله. وكان ينصب إلى السدّ من أعلى اليمن سبعون وادياً سوى ما يأتيه من الأنهر الصغار وكان ما فوق السّد بستة أشهر يصل إلى ذلك السد. وكان ماء السد يسقي شهرين في شهرين. وكان ما يلي مأرب من شمال السد لبني كهلان وما يلي الأبلق من جنوبي السد لأولاد حمير. وكان ماؤه يقيم من الحول إلى الحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 إلى سعة الأرض وعموم السقي. وكان للسد ثلاثة ثقوب وكان السد بركة عظيمة فإذا احتاجوا إلى السقي فتحوا الثقب الأعلى فينصبّ الماء في تلك البركة فيسقوا به. فإذا نزل الماء عن الثقب الأعلى فتحوا الثقب الأوسط فينصب الماء منه إلى تلك البركة ثم يسقون منها. فإذا نزل الماء عن الثقب الأوسط فتحوا الثقب الثلث فينصب الماء إلى البركة كما هو. وكانت بلقيس قد جعلت في البركة اثنتي عشرة عيناً. فكانوا يسقون جنانهم وزراعاتهم وما حاولوا من شيء على حسب ما يريدون وأفضل. وكان الخادم يمشي بين الشجر والمكتل على رأسه فيمتلأ من الفواكه من غير إن يتناول شيء بيده ولا يلقط شيئاً من الأرض. وكانت الشمس لا تصل إلى أحد يمشي في تلك الجنان من تراكب الشجر. وكانوا يتعاطوا يتعاطون النيران فيما بينهم مسيرة شهرين في شهرين وقيل مسيرة ستة أشهر في مثلها) آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور (. قالوا: وكان الرجل يسير من بلده الثانية فيقيل بها ويمسي في الثالثة من القرى التي بارك الله فيها وهي قرى بيت الله المقدس) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا (. فلما كفروا نعمة الله أرسل إليهم رسله. فيقال الله أرسل إليهم اثنتي عشر نبيا. وقيل ثلاثة عشر نبيا. فكذّبوا رسل الله وأعرضوا عن طاعة الله. فأرسل الله عليهم سيل العرم والعرمُ المطر الشديد قاله صاحب التّيجان. ثم أخرب الله السُّدّ. فصل ذكر خراب السد قال صاحب التيجان: بينما طريفة بنت لجبر الحجورية زوجة عمرو بن عامر المزيقياء نائمة إلى جانب عمرو في ليلة من الليالي إذ رأت في منامها كأن سحابة سوداء غشيت أرض اليمن فبرقت وأردعت وأصعقت فلم تمر على شيء إلاّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أحرقته. ففزعت من منامها وقامت وهي مرعوبة وقد ذرعت ذعرا شديدا. فسكن عمرو روعتها وسأل عن قصتها. فقالت: والنور والظلماء ليهلكن الشجر ويتلف اليمن ويخرب البلاد ويتشتت العباد. قال: وكيف يكون ذلك. قالت سبع سنين شداد تأتي بالزلزال والأوابد يقطع فيها الولد الوالد. قال لها عمرو: قد نصحت وصدقت فما وجه الرأي قالت سرْ إلى السدّ فإذا رأيت البرق والرعد وطلع النحس وغاب السعد فعند ذلك الجرذ الجرذ إذا رأيته يكثر الحفر ويقلّب بيديه عظام الصخر فقد أزف الأمر فعليك بالصبر ولا تجزع للدهر. قال لها: فمتى ترين ذلك يكون. قالت له: لا أدري غير أنه أمر من الله نزل وحكم منه سبق في الأزل لا ينصرف عن سهل ولا جبل حيثما أراد وصل فليكن منك الحذر الوجل. فانطلق عمرو إلى السد فلم يزل يتعاهده حتى رأى يوما جرذا يحفر السد بيديه ورجليه فكان يقلب الصخرة التي لا يقلبها إلا أربعون رجلا: وكان الجرذ أعمى فلما رأى ذلك رجع إلى طريفة وقال لها رأيت تصديق مقالتك يا طريفة. فقالت له يا عمرو الأسفار دارا بدار وجارا من جار عند ما ينزل الأقدار ويستأثر الليل والنهار. قالت ومتى ذلك. قالت: لسبع سنين ينزل الأمر بيقين بتفريق اليدين ويكثر الرين. وقال قوم أنها السبع الشداد التي رآها عزيز مصر وفسر له روياه يوسف الصدّيق عليه السلام. ففعل عمرو ما أمرته طريفة وكتم الأمر وأجمع أن يرتحل في ولده وقومه وكتم ذلك لئلا ينكره الناس عليه. ثم أنه يوما أمر بعمل مائدة فنحر مائة من الإبل وذبح من الغنم شيئا كثيرا ونادى في العرب أن هلموا إلى مجد مزيقياء. فتأتي له الناس من كل جانب ولم يتخلف عنه شريف ولا وضيع. ثم أمر أكبر أولاده وهو ثعلبة العنقاء جدّ الأوس والخزرج أبو أبيهم حارثة بن ثعلبة العنقاء. وقال له: إذا أمرتك بأمر فلا تأتمر. فإني سأضربك بعنزتي هذه فإذا ضربتك فالطم وجهي. فقال له ثعلبة: والله يا أبت ما أستطيع دفع يدي إلى وجهك ولا تطاوعني نفسي على ذلك. قال: يا بني أن لي عليك حقا فلا تخالف أباك فإذا في ذلك مصلحة لي ولك. فقال له ثعلبة: سمعا وطاعة. فلما طعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الناس وفرغوا وقد اجتمعت أشراف العرب أمر الملك ابنه ثعلبة بأمر فعصاه فضربه بالعنزة فوثب ثعلبة عليه فلطمه. فقال الملك: وأذلاّه يُلطم وجهي يوم مجدي. فوثب سائر أولاده وبنو عمه على ثعلبة ليقتلوه. فقال: لا تفعلوا فإن الرحمة سبقت له في قلبي قبل السخط ومع العجلة الندم ولكني سأعاقبه بما يكون لي نصفة منه. أبيع مالي وعقاري ولا أدع له شيئا ينقلب إليه وأنتقل من مأرب إلى غيرها. فقال أهل البلاد: اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه جميع أموال. فلما أحرز أثمان أمواله أنتقل في ولده وولد ولده وسائر قومه وعشيرته. ثم أخرب الله السد بعد ذلك فأقلع الصخور والقصور الشجار والأنهار فرمى فيها الرمل. فلما رأى من كان تحت السد خرابه وإنهم لا يقدرون على شيء منه هربوا إلى قنن الجبال بالأهليين والأموال. وفاض الماء على السد لكثرة المطر. وخرج الماء من الخلل التي حفرها الفأر. وقد ذكر ذلك الأعشى حيث يقول: وفي ذاك للمؤُتسي أسوة ... ومأرب عفّى عليها العرم رجام بنته لهم حمير ... إذا جاء مؤازر لم يزم فأروى الزروع وأعنابها ... على سعة ماؤهم إذ قُسم فصاروا أيادي ما يقدرو ... ن منه على شرب طفل فُطم كانوا كما قال الله تعالى وتبارك) وبدّلْناهُم بجنّتيهم جنّتين ذواتيْ أُكل خمْط وأثل وشيء من سدر قليل جزيناهم بما كفروا وهل نُجازي إلاّ الكفور (ويروى أن سيل العرم كان قبل الإسلام بأربعمائة سنة. قاله حمزة بن الحسن الأصفهاني. وفي رواية غيره أكثر من ذلك وهي الرواية الصحيحة. والله أعلم. فصل ولما خرب السد وخرج عمرو بن عامر مزيقياء في ولده وولد ولد وعدة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قبائل قومه من مأرب متوجهين إلى البلاد يرتادون أرضا تحملهم أو بلدا يمنعهم فنزلوا بلاد عكّ مجتازين. وكان رئيس عكّ يومئذ شملقة بن الجباب. فسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام عنده حتى يأمروا من يرتاد لهم منزلاً ينزلونه. ووجّه عمرو بن عامر ثلاثة من ولده وهم الحرث بن عمرو بن عامر ومالك بن عمرو وحارثة بن عمرو بأرض عكّ قبل أن يرجع إليه أحد روّاده فاستخلف ابنه ثعلبه العنقاء وهو جد الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن عامر. فتقلد ما كان يتقلده آباؤه من حفظ المملكة وسد الثغور. ولما توفي عمرو بن عامر كما ذكرنا وقع الوباء في قومه بعده واشتد عليهم الأمر فأرسلوا إلى عكّ وقالوا لهم أن هذا الموضع الذي انتم فيه لمقامنا عندكم ونحن سائرون عنكم عن قريب. فكرهت عكّ ذلك فهاجت الحرب بينهم فاقتتلوا قتالا شديدا واستمرّ القتل في عكّ وقتل شملقة ابن الجُباب غيلة وكان الذي تولى حربهم وقتالهم جذع بن سنان وكان شجاعا مقداما فتّاكاً. وكان أعور أصم كثير الكيد عظيم المكر شيطانا من شياطين العرب. وكان ثعلبة العنقاء كارها لذلك من فعله فحلف أن لا يقيم هنالك. فلم يزالوا سائرين حتى صاروا قريبا من مكة. وكان سكان مكة يومئذ جُرهم. فأرسل ثعلبة العنقاء رسلا إلى جرهم فسألهم أن يأذنوا لهم في المقام عندهم فأبوا عليهم فاقتتلوا وظفرت بهم الأزد فأجلوهم عن مكة ووليت خزاعة البيت دهرا طويلا نحو من ثلاثمائة سنة. قال ابن قتيبة: ومات ثعلبة العنقاء بمكة فاستُخلف على قومه أخوه جفنة بن عمرو بن عامر. فتقلد جفنة ما كان يتقلد آباؤه من حفظ المملكة والذب عنها. ولم يزل في مكة مقيما هو وقومه من الأزد حتى ضاقت عليهم مكة وأرادوا الشخوص عنها. وكانت فيهم كاهنة وهي طريفة زوجة عمرو بن عامر مزيقياء. فلما عزموا على الخروج من مكة قالت لهم كاهنتهم من كان ذا هّم بعيد وحمل جليد وبأس شديد فليقصد عُمان المشيد. فنزلوا عُمان فسار أليه بنو نضر بن الأزد فهم أزد عُمان. فنزلوا عُمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 والبحرين ولوا على ما هنالك فهي مساكنهم. إلى اليوم. ثم قالت: ومن كان منكم ذا جرأة وعزيمة وفتك وشهامة وصبر على أزمات الدهر فليقصد الوادي من مرّ. فنزلت هنالك خزاعة فهي مساكنهم في الجاهلية والإسلام. ثم قالت: ومن كان يريد الراسخات في الوحل المطعمات في المحل فليقصد يثرب ذات النخل. فسار إليها حارثة بن ثعلبة العنقاء في ولده من الأوس والخزرج فهي مساكنهم في الجاهلية والإسلام. فلما عزموا على الخروج إلى يثرب قالت لهم: يا أهل الوجوه المضيئة والأنفس الأبية والمناقب السنية انزلوا يثرب القصيّة قبل نزول المنية وطول القضية لتعلموا بعد الجهالة وتبصروا صاحب الرسالة. ثم قالت: ومن كان يريد الثياب الرقاق والخيول العتاق والكنوز والأرزاق فليقصد مناهج العراق. فسار إليها مالك بن فهم الأزدي في قبائل من قومه فغلبوا عليها وصاروا فيها ملوكا فيهم ملوك الحيرة قبل ملوك لخم. ثم قالت: ومن كان يريد الخمر والديباج والحرير والملك والمسامير فليلحق ببُصرى وحفير ولباب دمشق الشام ليملكها أعواما بعد أعوام ويريها فتوة الكرام. فسار إليها جفنة بن عمرو بن عامر في ولده وولد ولده وكان أكثرهم ولدا ويروى أنه كانت له مائة امرأة منكوحة ويار معه عدة من قبائل غسان قالوا: وإنما سمي جفنة لأنه ورث حفنة أبيه التي كان يطعم فيها الناس وكانت جفنة عظيمة يدور بها مائة فارس يأكل منها القاعد والقائم والراكب: وكانت م فصل ة فإذا أتى العيد أُخرجت ورُكّبت وقيّر ظهرها كما يقير السفينة فإذا انقضى العيد فُصّلت وأعيدت إلى موضعها. قال ابن قتيبة: وسار جذع بن سنان قاتل شملقة بن الجباب فيمن سار إلى الشام وكان سيدا من سادات غسان. فلما اطمأنوا أتاهم عامل قيصر يطالبهم بجباية الملك. فقال له جذع بن سنان: نحن قوم غرقى وليس معنا ما نسوقه إلى الملك ولكن خذ هذا السيف وهنا عندك إلى أن يوجد عندنا ما نسوقه إلى الملك. فقال العامل: اجعله في كذا وكذا من أمك فضحك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الحاضرون. وكان جذع بن سنان أصم فلما رأى الجماعة ضحكوا عرف ما قال العامل: فاستلّ السيف وضرب عنق العامل. فقال بعض الحاضرين خذ من جذع ما أعطاك. فذهب مثلا فمضى كاتب العامل إلى قيصر فأخبره بما كان من غسان وقتلهم العامل. فوجه قيصر إليهم جيشا كثيفا ليقاتلوهم ويطردوهم عن البلاد فهزمتهم غسان واخذوا سلاحهم. ثم بعث إليهم جيشا آخر فلم تقم لهم قائمة مع غسان فهزموهم وقتلوا منهم طائفة فلما رأى ذلك قيصر استنابهم على عرب الشام ورفع أيدي سليح عنها. وكانت سليح ملوكا على عرب الشام قبل غسان. ولم تزل غسان ملوكا هنالك إلى أن قامت دولة الإسلام. والله أعلم. فصل ذكر ملوك الشام الجاهلية من غسان قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه: كان أول من ملك الشام من غسان بعد جفنة بن عمرو بن عامر الحارث بن عمرو بن جفنة وهم الحارث الأكبر وكنيته أبو شمر وكان يدعى مُحرّقا لأنه أول من عاقب بالنا وولده يعرفون بآل مُحرق. قال ابن خُمرْ طاش في مقصورته: والشُّمُّ من شمّبني مُحرّق ... من طبق الأرض جنودا كالذبا هذه رواية الاشعريّ: قال: ثم ملك بعده ابنه الحارث الأعرج بن الأكبر وأمه مارية ذات القرطين التي يقال فيها. ولو بقرطي مارية. وهي مارية بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. وقيل مارية بنت ظالم بن وهب ابن الحارث بن معاوية بن ثور وهو كندة وإليها ينتسب ملوك غسان. قال حسان بن ثابت الأنصاري يمدح ملوك بني جفنة: أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بيض الوجوه كريمة أحسابه ... شمّ الأنوف من الطراز الأول وكان خير ملوكهم وأيمنهم طيرا وأبعدهم مغارا. وشدهم مكيدة وهو الذي غزا خيبر وسبأ ثم اعتقهم بعد ما قدم الشام. وسار إليه المنذر ابن ماء السماء للخمي في مائة ألف من قومه وأهل بلاده ووجه إليهم الحارث الأعرج مائة رجل من غسان وأظهر أنه بعث بهم للمصالحة وكان فيهم لبيد ابن يزيد الغساني الشاعر. وكان يومئذ غلاما. فأحاطوا برواق المنذر بن ماء السماء وهجم عليه جماعة منهم فقتلوه وقتلوا جماعة من قومه وأهل بيته ممن كان عنده وطاروا إلى متون خيولهم فنجا بعضهم وقتل بعضهم. وعند ذلك حملت خيول الغسانيين على جموع المنذر فهزموهم وقتلوا منهم طائفة واسروا أخرى. وكان هذا اليوم يسمى يوم حليمة. وذلك أن حليمة بنت الحارث الأعرج طيبت أُولئك المائة بطيب من طيب الملوك ثم لبسوا أكفانهم ثم لبسوا الدروع. من فوقها ثم ساروا نحو المنذر فسمي ذلك اليوم يوم حليمة لذلك ثم ملك بعده ولده الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر. ثم ملك بعده أخوه النعمان بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر وهو الذي قال فيه النابغة الذبياني: هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التمام للحارث الأصغر والحارث الأع ... رج والأكبر خير الأنام ثم لهند ولهند وقد ... أسرع في الخيرات منه إمام خمسة آبائهم ما هم ... أكرم من يشرب صوم الغمام وفيه يقول النابغة أيضا فإن يجزع النعمان نفرح ونبتهج ... وبات معدّا خيرها وربيعها ويرجع إلى كهلان ملك وسؤدد ... وتلك المنى لو إننا نستطيعها وقال ابن قتيبة: وكان للنعمان بن الحارثة ثلاثة بنين. حجر بن النعمان وبه كان يكنى أبوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وعمرو بن النعمان. والنعمان بن النعمان وكلهم كان ملكا. وفيهم يقول حسان بن ثابت الأنصاري: من يغر بالدهر أو يأمن ... من قبيل بعد عمرو وحجر ملكا من جبل الثلج إلى ... جانبي أيلة من عبد وحر ثم ملك بعده أخوه عمرو بن الحارث الأعرج وهو الذي أشار إليه النابغة الذبياني حين فارق النعمان بن المنذر. وفيه يقول: عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة ... ووالده ليست بذلت عقارب قال ابن قتيبة: وكان يقال لعمرو بن الحارث أبو شمر الأصغر. وقال المسعودي: لما هلك الحارث الكبر كان أول ملك بعده الحارث ابن ثعلبة بن عمرو وقال. وأُمه ذات القرطين. قال: ثم ملك بعده النعمان ابن الحارث بن جبلة ابن الحارث بن ثعلبة بن جفنة: ثم ملك بعده عوف ابن أبي شمر. وكان ملكه حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر بغض الأخبار يبين أن حسان بن ثابت وفد على الحارث بن أبي شمر بالشام. وكان النعمان بن المنذر ملك الحيرة يساميه. فقال الحارث بن أبي شمر لحسان بن ثابت. يا ابن الفُريعة بلغني أنك تفضل النعمان عليّ فقال له حسان: وكيف أُفضله عليك أو أساميك به. فوالله لقفاك احسن من وجهك ولأمك اشرف منابيه ولشمالك أجود من يمينه ولقليلك اكثر من كثيره ولثمادك أمرع من غديره ولكرسيك أوسع سريره ولجداولك اغرز من بحوره وليومك أطول من شهوره وإنك لمن غسان وإنه لمن لخم فكيف أُفضله عليك أو أُدله بك. فقال يا الفُريعة أن هذا لا يُسمّع إلا في شعر فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 نُبئت أنّ أبا منذر ... يساميك للحارث الأصغر قذا لك أحسن من وجهه ... وأُمك خير من المنذر ويسري يديك على عسرها ... كيميني يديه على الميسر ومنهم الحارث بن أبي جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن ثعلبة ابن عمرو بن جفنة. ذكره ابن الجون. قال: وكان ملكه ثلاث سنين. قال: ومنهم الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي جبلة بن الحارث بن ثعلبة ابن الحارث بن عمرو بن جفنة. ومنهم جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. وهو آخر ملوكهم ة الله أعلم. وكان عدد ملوكهم ثلاثين ملكا. وقيل اثنين وثلاثين ملكا. وقيل ستة وثلاثين ملكا. ومدة ملكهم ستمائة سنة وست عشرة سنة. وفي بعض التواريخ أن مدة ملكهم ألف سنة وستمائة سنة. فصل قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه: وأورد صاحب التيجان فصلا ذكر فيه أسماء ملوك غسان. وكان يسمى قاتل الجوع. ثم ولده ثعلبة بن مازن. وكان يسمى زاد السفر. ثم ولده امرؤ القيس بن ثعلبة. وكان يسمى بهلول. ثم ولده حارثة بن امرؤ القيس. وكان يسمى الغطريف. ثم ولده عامر بن حارثة. وهو الذي يُسمى ماء السماء ويقال ماء المزن: ثم ولده عمران بن عامر وكان كاهنا: ثم أخوه عمرو بن عامر وهو الذي يقال له مزيقياء: ثم ولده ثعلبه بن عمرو بن عامر واسمه عُلبة ابن عمرو: ثم ابنه عمرو بن جفنة: ثم ابنه الحارث بن عمرو بن جفنة وهو الحارث الأكبر: ثم ابنه الحارث وهو الحارث الأعرج: ثم ابنه الحارث بن الحارث وهو الحارث الأصغر ثم أخوه النعمان ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الحارث الأعرج: ثم أولاد النعمان وهم ثلاثة عمرو بن النعمان وحجر بن النعمان والنعمان بن النعمان بن الحارث: ومن ولد الحارث الأعرج أيضا المنذر بن الحارث الأعرج والأيهم ابن الحارث الأعرج وولده جبلة بن الأيهم وأبو جبلة بن عمرو وهو الذي قتل اليهودي بالمدينة: قال: ومنهم جبلة بن جفنة وثعلبة بن عمرو وعمرو ابن عمرو والمنذر بن الحارث بن جبلة: قال: والأياهم الأربعة هم: الأيهم بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن أبي جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة: والأيهم بن الحارث بن لبي جبلة والأيهم بن جبلة ابن الحارث بن أبي جبلة قال وذكر ذلك ابن الجون في شرح الخمر طاشية عن ابن الكلبي قال وللحارث بن جبلة أولاد النعمان بن الحارث وجبلة ابن الحارث والمنذر بن الحارث أيضا قال وكلهم كان هذه رواية صاحب التيجان والله أعلم. قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه. وقد أثبت الفقيه أبو الحسن حمزة بن الحسن الأصفهاني في كتابه المعروف بكتاب تواريخ الأمم اثنين وثلثين ملكا من ملوك غسان واحدا بعد واحد وعدد ما ملك كل واحد منهم من السنين على الانفراد. وذكر أن جملة تلك ستمائة سنة وسنة وقد حكيت ما حكاه في هذا الفصل الثاني الذي يأتي بعد هذا الفصل. وبالله التوفيق. فصل وقال أبو الحسن حمزة بن الحسن الأصفهاني رحمه الله كان آل جفنة عمال القياصرة على عرب الشام كما كان آل نصر عمال الأكاسرة على عرب العراق. قال وأصل بني جفنة من اليمن ثم من الأزد. وذلك أن الأزد لما أحست وهي بمأرب بانتقاض السد وخشيت سيل العرم في مأرب فتشاءم قوم فنزلوا ماء يقال له غسان بالماء الذي نزلوا عليه وهو ماء بسدّ مأرب. وقيل هو ماء بالمشلل قريب من الجحفة. وقيل هو ماء بين زبيد ودمع وهما واديان للأشعر بين اليمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قال: ثم أنزلهم ثعلبة بن عمرو بن عامر وهو الذي يقال له العنقاء بادية الشام. وكان ملوكها يومئذ من قبل القياصرة سليح بن حلوان بن عمران بن الجان قضاعة. فلما نزلت غسان في جوالر سليح ضربوا عليهم الاتاوة. وكان الذي يتولى جبايتها سُبيط بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن ضجهم بن حماطة فقصد سبيط ثعلبة بن عمرو وطاب من الأتاوة فاستنظره ثعلبة فقال سبيط لتعجلن الأتاوة أو لآخذن أهلك. وكان ثعلبة حليما. فقال لسبيط هل لك في من يربح عليك بهذه الأتاوة. قال نعم: قال عليك بجذع بن سنان. وكان جذع بن سنان فاتكا كما ذكرنا فأتاه سبيط فخاطبه بما خاطب به ثعلبه بن عمرو. فخرج إليه جذع ومعه سيف مذهب. فقال له هل لك أن تأخذ هذا السيف عوضا عن حقك إلى أن أجمع لك الأتاوة. قال: نعم قال. خذه. فتناول سبيط جفن السيف وكان قائمه في جذع. فاستلّه جذع وضرب به سبيطاً حتى برد. فقيل له: خذ من جذع ما أعطاك. فذهب مثلاً: ووقعت الحرب بين سليح وغسان فأخرجت غسان سليحاً من الشام وصاروا بها ملوكا فكان أول ملك من غسان في أرض الشام جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعابة البهلول بن مازن زاد السفر ويقال قاتل الجوع بن الأزد بن الغوث. قال ويزعم الأزد أن عمرو بن عامر إنما سمي مزيقياء لأنه كان يمزق في كل يوم من أيام مملكته حلتين يكره أن يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما غيره فلذلك سمي مزيقياء وقيل لأن الأزد تمزقت في أيامه وافترقت عند هربهم من سيل العرم. فاتخذت العرب افتراق الأزد من مأرب بسيل العرم مثلا فقالوا ذهب بنو فلان أيدي سبأ. ويقال أيادي سبأ. والله أعلم. وكان الذي ملك جفنة على الشام ملك من ملوك الروم يقال له نسطورس فلما ملك جفنة بن عمرو الشام بعد الملوك السليحيين من قضاعة دانت له قضاعة وغيرها من أهل الشام وغيرهم. وبنى جلق والقرية وعدة مصانع. ثم هلك وكان ملكه خمساً وأربعين سنة وثلاثة اشهر. ثم ملك بعده ابنه عمرو بن جفنة خمس سنين وبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الأديار دير حالي ودير أيوب ودير هنادة. ثم ملك بعده ابنه ثعلبة بن عمرو بن جفنة وهو الذي بنى صرح الغدير في أطراف حوران مما يلي البلقاء وكان عمرة ملكه سبع عشرة سنة ثم ملك بعده ابنه الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ولم يبن شيئا وكان ملكه عشرين سنة. ثم ملك بعده ابنه جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ملك بعده ولده الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعابة بن عمرو بن جفنة وأمه مارية ذات القرطين بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وكان مسكنه بالبلقاء فبنى بها الحفير ومصنعة بئر عجاف وقصر أبيرق وكان ملكه عشر سنين. ثم ملك بعده المنذر ولده الأكبر بن الحارث بن ماربة وبنى جأثاء وزرقاء قريباً من القرنين وكان ملكه ثلاث سنين. ثم ملك بعده أخوه النعمان بن الحارث بن مارية وكان ملكه خمس عشرة سنة وستة اشهر ثم ملك بعده أخوه المنذر الأصغر وهو أبو شمر بن الحارث بن مارية وكان ملكه ثلاث عشرة سنة. ثم ملك بعده أخوه جبلة بن الحارث بن مارية وكان منزله بخارب فبنى قصر خارب ومخاربا وممنعة وكان ملكه أربعا وثلاثين سنة. ثم ملك بعده أخوه الأيهم بن الحارث بن مارية وبنى الأديار دير ضخم ودير النبوة وكان ملكه ثلاث سنين. ثم ملك بعده أخوه عمرو بن الحارث بن مارية ونزل السدير وبنى قصر العفار وقصر منار وكان ملكه ستا وعشرين سنة. ثم ملك بعده ابن أخيه جفنة الأكبر بن النعمان الأكبر بن الحارث بن مارية وهو المعروف بمحرّق وهو الذي احرق الحيرة وبه سموا آل محرّق وفيه يقول عدي بن زيد مخاطبا النعمان بن المنذر حيث يقول: سما صقر فأشعل جانبيها ... وألهاك المروّح والغريب فبتن لدى الثويةّ ملجمات ... فصبحن العباد وهنّ شيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وكان سيّارة جوابه: ثم هلك وكان ملك ثلاث سنين: ثم ملك بعده النعمان بن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر بن الحارث بن مارية وكان ملكه سنة واحدة ولم يبن شيئا: ثم ملك بعده ابن أخيه النعمان بن عمرو ابن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر بن الحارث بن مارية فبنى قصر السويداء وقصر خارب. ولم يملك أبوه عمرو ولكنه كان يغزو بالجيوش وهو الذي امتدحه النابغة بقوله حيث يقول: عليّ لعمر ونعمة بعد نعمة ... ووالده ليست بذات عقارب قال عليّ بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه: والذي يظهر لي أن النابغة لم يدرك عصر هذا المذكور فإن المصنف رحمه الله ذكر النابغة في آخر الفصل. وذكر أنه مدح الأيهم بن جبلة. وبين الأيهم بن جبلة وعمرو ابن المنذر الأصغر على ما أثبته هو في التاريخ ما يزيد على ثلاثمائة سنة. ومعلوم أن النابغة كان قريبا من دولة الإسلام. لان حسان بن ثابت عاصره ووفدا معا على النعمان بن المنذر اللخميّ. قال حمزة بن الحسن الأصفهانيّ: وكان ملك النعمان بن عمرو سبعا وعشرين سنة: ثم ملك بعده ولده جبلة بن النعمان بن عمرو بن المنذر الأصغر وكان منزله بصفّين وهو عيْن أُباغ وقاتل النعمان بن ماء السماء وكان ملكه ست عشرة سنة: ثم ملك بعدهُ النعمان بن الأيهم بن الحارث بن مارية ولم يحدث شيئاً وكان ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ثم ملك بعدهُ النعمان بن الحارث بن الأيهم فأصلح صهاريج الرصافةٍ وكان بعض ملوك لخم آخر بها. وكان ملكهُ ثماني عشرة سنة: ثم ملك بعدهً أخوه المنذر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم فلم يحدث شيئاً وكان ملكهُ تسع عشرة سنة ثم ملك بعده أخوه عمرو بن النعمان فلم يحدث شيئاً وكان ملكه ثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر: ثم ملك بعده أخوه حجرُ بن النعمان بن الحارث بن الأيهم بن الحارث بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مارية وكان ملكه ستاً وعشرين سنة: ثم ملك بعدهُ ابنهُ الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث وكان ملكهُ اثنتي عشرة سنة: ثم ملك بعدهُ ابنهُ جبلة بن الحارث بن حجر بن النعمان وكان ملكهُ تسع عشرة سنة وشهراً: ثم ملك بعدهُ ابنهُ الحارث بن جبلة ابن الحارث بن حجر قال: ويسمى الحارث بن أبي شمرٍ. وهو الذي أوقع ببني كنانة وكان يسكن الجابية وكان ملكهُ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهرٍ: ثم ملك بعدهُ ابنهُ النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن حجرٍ وكنيته أبو مرز فبنى ما اشرف على الغور الأيسر وبكاهُ النابغة بقوله: بكى الحارث الجولان ... وحوران منهُ خاشعُ متضائلُ وكان ملكهُ سبعاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهر: ثم ملك بعدهُ الأيهم ابن جبلة بن الحارث بن أبي شمر وهو صاحب تدمر وقصر ترعة وهو الذي أوقع ببني العنبر بن حشر وعامله وفيه يقول النابغة: شلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب ثم ملك بعدهُ أخوه المنذر بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر وكان ملكهُ سنة: ثم ملك بعدهُ أخوه عمروُ بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر وكان ملكهُ عشر سنين وشهرين: ثم ملك بعدهُ ابن أخيه جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر وكان ملكهُ أربع سنين: ثم ملك بعدهُ جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الأيهم بن الحارث بن مارية ذات القرطين وهو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة: واسم جفنة ثعلبة بن عمرو مزيقياءَ بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازنٍ زادِ السفر ويقال قاتل الجوع ابن الأزد بن الغوث وكان ملك جبلة بن الأيهم ثلاث سنين وهو آخر ملوك غسان في أرض الشام: والله اعلم: هذا آخر ما حكاهُ حمزةُ بن الحسن الأصفهاني في كتابه المعروف بتواريخ الأمم والله اعلمُ. واتفق المؤرخون جميعاً أن جبلة بن الأيهم كان آخر ملوك غسان في الجاهلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وكان طوله عشر شبراً وكان إذا ركب مسحت قدمه الأرض وأدرك الإسلام فأسلم في أيام عمر رضي الله عنه ثم انتصر ولحق بالروم. وكان سبب تنصره أن رجلاً وطئَ على طرف ردائه وهو يطوف البيت. فالتفت إلى ذلك الرجل فلطمه لطمة هشمت انفه وكسرت سنه وخضرت عينه فاستعدى ذلك الرجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر أرضه أو أقيدهُ. فقال إني ملك وهو سوقة: فقال لهُ عمر أن الإسلام قد سوَّى بينكما. فقال: أمهلني إلى غدٍ. فأمهلهُ. فلما جنَّ الليل خرج في حشمه وعبيده ومن أطاعهُ من قومهٍ فلحق بالروم وتنصر. ثم ندم على ما كان منهُ. وهو الذي يقول: تنصرت الأملاك من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبَرتُ لها ضررْ تكنفني فيها لجاجُ ونخوةُ ... فكنت كمن باع الصحيحة بالعَوَرْ فيا ليتَ أمي لم تَلدْني وليتني ... رجعتُ إلى القول الذي قاله عمرْ ويا ليتني أرْعى المَخَاض بقفرهِ ... وكنت غريباً في ربيعةَ أو مُضَرْ ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ ... أجاورُ قومي ذاهبَ السمح والبصَرْ أدينُ بما دانوا بهِ من شريعةٍ ... وقد يصبرُ العَودُ الضَّجُورُ على الديَرْ قال عليُّ بن الحسن الخزرجي. ومن ولد جبلة بن الأيهم بنو رسول ملوك اليمن في الإسلام وسأذكرهم في ال فصل الذي سأذكره بعد هذا أن شاء الله تعالى وبالله التوفيق. فصلُ ذكر بني رسول ملوك اليمن في الإسلام قال عليُّ بن الحسن الخزرجي عاملهُ الله بإحسانهِ: كان اسمُ رسولٍ محمد بن هارون بن أبي الفتح بن يوحي بن رستم وهو من ذرية جبلة بن الأيهم بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقياءَ بن عامرٍ ماءِ السماء بن حارثة الغطريفِ بن امرئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 القيسِ البطريق بن ثعلبة البهلول ابن مازنٍ زاد السفر ويسمى قاتل الجوعِ أيضاً بن الأزدِ بن الغوث بن نبت بن مالكِ بن زيدِ بن كهلانَ بن سبأ بن يشجبَ بن يعربَ بن قحطانَ. وكان من قضاء الله وقدرهِ السابق في عملهِ أنه لما تنصر جبلة بن الأيهم كما ذكرنا أولاً ولحق بالروم يومئذ أقام هنالك إلى أن هلك. قيل على شركه وقيل على الإسلام لان أبياته المذكورة التي يقول في أولها. تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ. تشهد برغبته في الإسلام وندمه على مفارقته. والله اعلم بسريرته. فلما هلك هنالك أقام ولدهُ بعدهُ ما شاء الله في بلاد الروم. ثم انتقل ولدهُ ومن انضم إليهم من قومهم إلى بلاد التركمان فسكنوا هنالك مع قبيلة من قبائل التركمان يقال لها مجك هي اشرف قبائل التركمان. فأقاموا بينهم وتكلموا بلغتهم وبعدوا عن العرب فانقطعت أخبارهم عن كثير من الناس. فكان كثير من الناس يظن أنهم من التركمان وهم مقيمون على أنسابهم. فلما خرج أهل هذا البيت إلى العراق نسبهم من يعرفهم إلى غسانً ونسبهم من لا يعرفهم إلى التركمان. وكانوا بيت شجاعة ورئاسة. وكان محمد بن هارون جليل القدر فيهم فأدناه الخليفة العباسي وأنس به واختصهُ برسالتهِ إلى الشام والى مصر ورفعَ الحجابَ فيما بينه وبينهُ فانطلق عليه اسم رسول وشهرَ بهِ وترك اسمهُ الحقيقي حتى جهلً. فلا عرفهُ إلا القليلُ من الناس. ثم انتقل من العراق إلى الشام ومن الشام إلى مصرَ فيمن معهُ من أولادهِ. قال صاحبٌ السيرة المظفريةِ: فلما استوثق الملك لبني أيوب في مصر لم يزل معهم عصبة من بني رسول لعلمهم بتقدم منصبهم في الملك وعلق هممهم وشدة بسالتهم وثبوت آرائهم. فاجتمع رأي بني أيوب على أن يسلموا إليهمُ اليمن. فقال ذوو رأيهم إذا يستقون بها عليكم وينازعونكم في الشام. فأجمع رأيهم على تسييرهم إلى اليمن صحبة الملك المعظم تورانشاه بن أيوب. فخرجوا صحبته بعد أن استحلفهم له أخوهُ الملك الناصرُ يوسف بن أيوب وأوصاهم بحسن صحبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 والنصح في مسايرته وخدمته. وكان لهم في الديار المصرية جلالة ووجاهة وحظ ونباهة. وكانوا خمسة رجال يركبون من بيتٍ واحدٍ: 1 شمس الدين علي بن رسول: 2 بدرُ الدين الحسن بن علي بن رسولٍ: 3 نور الدين عمرُ بن علي بن رسول: 4 فخر الدين أبو بكر بن علي بن رسول: 5 شرف الدين موسى بن علي بن رسول. وكانوا غاية في الشجاعة والأقدام وحسن التدبير في الحرب. لاسيما أبوهم شمس الدين. وكان ولده الأمير بدرُ الدين الحسن بن علي بن رسولٍ لا قوم لهُ في الحرب عدد وإن كثر. وكان نور الدين له عقل ثاقب ورأي صائب. وكان فخر الدين جواداً كريماً. وكان شرف الدين فارساً شاعراً فصيحاً وهو القائل في ذلك: نكون حماتها ونذبُ عنها ... ويأكل فضلها القومُ اللئام معاذ اللهِ حتى ننتضيها ... عقائق في العجاج لها ابتسامُ فسمعه بعض المصريين فقال: خرجت اليمنُ من أيدي بني أيوب. وكان دخول الملك المعظمِ اليمن في سنة تسع وستين وخمسمائةٍ فأمام في اليمن السنة سبعين ثم رجع إلى مصرَ في سنةِ إحدى وسبعين. وترك في اليمن نواباً له يحملون خراجها إليه في كل سنةٍ إلى أن توفي في سنة ستٍ وسبعين وخمسمائة. فلما علم نوابهُ بموته اختلفوا فيما بينهم وتغلب كل واحدٍ منهم على ما تحت يدهِ. فلما علم الملك الناصرُ باختلافهم وتغلبهم على البلاد أرسل أخاهُ الملك العزيز طفتكين بن أيوبَ في قطعة من العساكر وكان دخوله اليمن في يوم السبت الثالث عسر من شوال سنة تسع وسبعين وخمسمائةٍ: فأقام في اليمن إلى أن توفي في السادس والعشرين من شوال سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة. فتولى الملك بعده ولدهُ المعزُ إسماعيل بن طفتكين بن أيوب فلم يزلْ بها إلى أن توفي مقتولاً بيد الأكراد يوم الأحد الثامن عشر من شهر رجب سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة. فتولى الملكَ بعدهُ أخوهُ الناصر أيوب ابن طفتكين بن أيوب فلم يزل بها إلى أن توفي مسموماً ليلة الجمعة الثاني عشر من المحرم سنة عشر وستمائة. وقال الجندي: أول سنة إحدى عشرة وستمائة. وعندي أنه هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الصحيح. وكان الملك الناصر صاحب مصر قد توفي وتولى الملك في الديار المصرية أخوهُ الملك العادل أبو بكر بن أيوب. فلما بلغه علم ما جرى في اليمن من قتل المعز وسم أخيه الناصر. وهما معاً ابنا أخيهِ العزيز. جهز ابن ابنهِ الملكَ المسعود صلاحَ الدين يوسف بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جيش كثيف إلى اليمن وموال كثيرة وحالة كبيرة. وكان يومئذ في سن البلوغ. وكتب إلى الأمير شمس الدين علي بن رسول والى سائر الأمراء المصريين باليمن يأمرهم بحسن صحبته والقيام بما يجب من خدمته. وكان دخول الملك المسعود زبيداً يوم السبت الثاني من المحرم سنة اثنتي عشرة وستمائة. وكان قد قدم قبلهُ سليمان بن تقي الدين عمر بن شاهنشاهَ بن أيوب المعروف بالصوفي ومعهُ جماعة في زي الصوفية وكان قدومهُ بعد وفاة الناصر أيوب بن طفتكينَ. فاستدعته أم الناصر المذكور لما علمت به وكانت يومئذٍ في حصن تعز فقالت لهُ: إنا نخشى أن يطمع فينا العرب ونحن نساء لا حيلة لنا وقد ساقك الله إلينا فقم بملكِ ابن عملك. فأجاب إلى ذلك فأطلعوه الحصن وأجلسوهُ على سرير الملك وحلف الجندُ. وكان ضعيفاً لا درية له بالملك. فاشتغل بالشراب واللعب حتى تصعصع الملك واستولى الإمام المنصور عبد الله بن حمزة على صنعاء وذمار وفسد الأطرافُ. فلما وصل الملكُ المسعود إلى زبيدٍ في التاريخ المذكور واستقر في الدار السلطانية بزبيد وقد ضعف عسكرهُ وكلتْ دوابه أرسل إلى سليمان بن تقي الدين وكان يومئذ في حصن تعز من يخاطبهُ بالصلح على أن يكون الجبالُ لسليمان والتهائم للمسعود. فلما سمع بذلك الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول نزل إلى الملك المسعود وحثه على الطلوع إلى تعز. فطلع وحطَّ على حصنِ تعز ولقيهُ عساكر اليمن بأسرها. فقال له الأمير بدر الدين. أرى أن تكتب إلى الجند الذين هم في حصن تعز كتاباً تقول فيه: أقسم باللهِ تعالى لئن لم تمسكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 سليمان بن تقي الدين لا أصبتم مني عافية. ففعل. فلما وصل كتابهُ إلى الجند نهضوا بأجمعهم إلى سليمان بن تقي الدين فأغلقوا باب المجلس وأمروا إلى الملك المسعود رسولاً يعلمهُ بذلك. فلما علم بذلك أرسل نائبه فطلع فأمسك سليمان وقيدهُ. ثم طلع الملك المسعودُ حصن تعز وكان طلوعهُ يوم الأحد عاشر صفر من سنة اثنتي عشرة وستمائة. واستولى على اليمن بأسره من التاريخ المذكور. وأرسل سليمان بن تقي الدين إلى مصر مقيداً. ولم يزل الأمير شمس الدين عليُّ بن رسول وأولادهُ مقيمين في اليمن مع بني أيوب على أحسن سيرة. وكان الأمير شمسُ الدين عاقلاً كاملاً صالحاً تقياً لهُ رأي ورئاسة ونظرُ وسياسة. وكان له عند سيف الإسلام المحلُّ الأعلى والقدحُ المعلى حتى أن نساء سيف الإسلام لم يكن يحتجبن منهُ لصلاحهِ وحسن سيرتهِ والتماس بركتهِ. ولما كتب الظاهر بيبرسُ صاحب الديار المصرية إلى الملك المظفرِ رحمهُ الله كتاباً يهددهُ فيه ويتوعدهُ أجابهُ الملك المظفرُ رحمة الله عليه بما معناهُ نحن محفوظون ببركة جدنا ولا نخافُ ضرا بحمد الله وبركةِ جدنا رحمه الله. وكان الأمير شمس الدين رحمه الله يسكن في ناحية جبلة ومن مآثره قصر عومان هنالك. وكثيرُ من ذريته يسكنون هنالك إلى يومنا هذا. وكان يحب العلماء والصالحين ويحبونه لحسن سيرته وصلاح سريرته وكان كثيراً ما يتولى في الجهات الخيسية وصحبَ الفقيه الصالح حسن بن أبي بكرٍ الشيبانيَّ. وكان الفقيهُ حسن الشيباني من الصالحين الكبار وكان يرشدهُ لأفعال الخير والرفق بالرعيةِ. فلا يخالفهُ. وكان الشيباني مدعواً له كثيراً. وربما بشره بمصير الملك إلى ذريتهِ: وكانت وفاته رحمه الله في شهر صفر سنة أربع عشرة وستمائة. وقد رأس أولادهُ وانتشر ذكرهم وبعد صيتهم وظهر من شجاعتهم وبراعتهم ما لم يكن في ظن أحد من الناس واشتهروا في البلاد وعرفهم الحاضر والبادي. وكان أتابكُ الملك المسعود في أيام دخولهِ اليمن جمالَ الدين فليتاً. فجهزه إلى صنعاء لحربٍ الإمامِ المنصور عبد الله بن حمزة في شهر جمادى الأولى من سنة اثنتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 عشرة وستمائةٍ. فلم يزل الحرب بينهما إلى أن توفيَ الإمامُ عبد الله بن حمزة. وكانت وفائهُ يوم الخميس الثاني عشر من شهر المحرم سنة أربع عشرة وستمائة. ثم توفي الأتابكُ بعدهُ. وكانت وفاته يوم الخميس سلخ شهر ربيع الأول من السنة المذكورة عند بئر الخولانيّ وقبر في صنعاء يوم الجمعة عشرة شهر بيع الآخر. فلما علم الملك المسعود بوفاة الأتابك فليت خرج إلى صنعاء فدخلها يوم السبت الثامن من شهر جمادى الأولى: وتسلم حصن كوكبان يوم الخميس في الخامس من شهر جمادى الآخرة وفي هذا التاريخ اصطلح السلطانُ الملكُ المسعودُ والإشراف. وعاد الملك المسعود من صنعاء إلى اليمن في شهر رجب من السنة المذكورة وهو مقيم ببني رسول وقد وثق بهم وأنس إليهم وولاهم الولايات الجليلة وأعجبه من حسن طاعتهم وشدة بسالتهم. فولى الأمير بدر الدين صنعاء وجعلها إقطاعاً لهُ. وولى الأمير نور الدين الحصون الوصابية. فأقام فيها مدة. ثم ولاه مكة المشرفة فأقام فيها مدة. وفي مدة ولايته فيها ظهر ابنه الملك المظفر يوسفُ بن عمر فيها وكان يسمى المكي. وكان ظهوره في سنة تسع عشرة وستمائة. ولما فصله من ولاية مكة جعله أتابكه ومتولي أمر عساكره وأموره كلها فلما تقررت الأحوال وهدأت الحروب والفتن تجهز الملك المسعود إلى مصر. وكان خروجه من زبيد يوم النصف من شهر رمضان من سنة عشرين وستمائة. وترك في اليمن نور الدين عمر بن علي بن رسول نائباً نيابة عامة. وترك أخاه بدر الدين في صنعاء خاصة. وحلف لهما الجند المقيمون. وتقدم في التاريخ المذكور. فقام يزعم الصوفي في الحقل وبلاد زبيد. وجبل بني مسلم المسمى سحَّمَر. بفتح السين وأحاء المهملتين وتشديد الميم المفتوحة وآخره راء. فدعا الناس إلى نفسه وأخبرهم أنه داع لإمام حق. فإنصاف إليه من غوغاء الناس وطغامهم جم غفير. فسار إليه نور الدين ومعه راشد بن مظفِّر بن الهرشِ. فقال يرعمُ الصوفي لمن معه. أن قانونا في غد هزمناهم وقتلنا راشد بن مظفر. فوقع القتال فكان كما قال اتفاقاً. فازداد الناس له محبة وصدقاً. وكانت وقعة يزعم الصوفي في سنة اثنتين وعشرين وستمائة. ثم تلاشت أموره وظهر الناس كثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 كذبه وفساد مذهبه. فخرج هارباً من بلد إلى بلد ثم كانت وقعة عُصْرٍ بين الأمير بدر الدين حسن بت علي بن رسول وبين الشريف عزّ الدين محمد الإمام المنصور عبد الله بن حمزة فجمع الشريف عزُّ الدين جموعه من الخيل والرجل. فكانت خيلة سبعمائة فارس وكان رجله ألفي راجل. فقصد بِهمْ صنعاءَ بعد خروج الأمير بدر الدين منها إلى ذرْوان ممداً لأخيه نور الدين بعد الهزيمة. وكان خروج الأمير بدر الدين من صنعاء إلى ذروان يوم الأحد السادس عشر من رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة. فوصل ذروان يوم الاثنين أسابع عشر من الشهر المذكور. فلما بلغه العلم بخروج الشيف عز الدين إلى صنعاءَ ورجع معه أخوه نور الدين على الفور فوصلوا وقد وصل الأمير سالم بن عليّ بن حاتم والأمير عُلْوان بن بشْر بن حاتم إلى صنعاءَ في خيل ورجل من ذمرمر والعروس وحفظوا المدينة. وقد حط الأمير عزُّ الدين في عُصر وتجهز للقتال. ونزل قاصداً صنعاءَ فخرجت الرتبة ومن معها من همذان. ووقع بينهم الطراد بكرة يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب المذكور فاقتتلوا إلى وقت الغداة. وبيناهم في القتال إذ وصل الأمير بدر الدين وأخوه نور الدين ومن معهما. والناس متلازمون في القتال. وقد وقع القتل في الفريقين وكلُّ حافظ لأصحابه. فدخل الأميران القصر وتغذى الناس على السماط. ثم قال الأمير بدر الدين. نستريح أولاً ثم ندخل الحمام أن شاءَ الله ثم نخرج. فوفقوا في القصر قليلاً ثم دخلوا الحمام فلما خرجوا منه حرك الرياح واجتمع العسكر الذين وصلوا معهما وهم مائة فارس يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً. فلما خرجوا من الباب وقف نور الدين في بعض الخيل ذكراً وفئة يرجع الناس إليه أن انهزموا. وتقدم الأمير بدر الدين في الباقين والناس متلازمون في القتال. فرتب أصحابه وحرضهم على صدق القتال والتفت فيهم يمنياً وشمالاً وقال: هَيّ هَيَ. فقالواك هيّ هيّ. وكان هذا شعاره في عسكره وحمل في القوم وصمم فيهم. وحمل سائر أصحابه وصمموا معه. ومنحهم الله النصر والظفر فانهزم جيش الأشراف ولم يقم منهم أحد وولوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 مدبرين. وقتل فيهم قتلاً ذريعاً حتى قيل أنه كسر ثلاثة أرماح وانقطع السيف الذي كان في يده وإطار خيارة الدبوس ولم يرجع من المعركة إلاَّ في يده عرقة الركاب بركابها. ويرى أنه قتل يومئذ فارساً بفارس صرع أحدهما بالآخر. ولم يزل القتل والأسر فيهم إلى أن دخل الليل وغشيهم الظلام. وقتل الشيخ مخلص الدين جابر بن مقبل بعد أن أبلى بلاءً حسناً. وقتل من وجوه العرب جماعة. ووقع في الشريف عزّ الدين نشاب في عينه بعد أن قاتل هو ومن حضر من اخوته وباتوا ليلتهم سائرين قاصدين ثُليَّ ولم ينزلوا عن ظهور خيلهم حتى وصلوا ثُلَّى وقد تفرَّق جمعهم ولم يبق معهم غير أربعين فارساً وهم الأشراف وعبيدهم. وفي هذه الواقعة يقول العمادي السيزري وكان شاعر الملك المسعود رحمه الله ألا هكذا للُملك تعلو المراتب ... وتسمو على رغم العداة المناقبُ فُتوح سرت في الأرض حتى تضوَّعت ... مشارقها من ظيبها والمغاربُ بسيف الجواد ابن الرسول توطدت ... قواعد ملك ربُّه عنه غائبُ فولَّوا ومن طعن القنا في ظهورهم ... عيون ومن ضرب السيوف حواجبُ وكتب السلطان عُلوان بن بشر بن حاتم النامي إلى الشريف عزِّ الدين محمد بن الأمام المنصور عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة أسادات الورى من كل حيَ ... وأسمى في المعالي من يسامي وأربطها لدى الهيجاء بأساً ... وأحمامها إذا عدم المُحامي أُهنئكم قدوم العيد فرضاً ... عليَّ فعدتم في كل عام وأهدي نحوكم أزكى سلامي ... إلى المأموم منكم والإمام وأُسمعكم أحقاً ما سمعنا ... فما يشفي سوى صدق الكلام بأن جموعكم طارت شعاعاً ... ولَّما تخش عاقبة الملام وولت غير كاسبة ثناءً ... فراراً لم تكر ولم تحامي سوى عشر فحياً الله عشراً ... تحامت من بني حام وسام ولم يحضر من الأُمراء إلآً ... شهاب الدين محمود المقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ونور الدين والبدر المرجى ... ليوث الحرب في يوم الصدام وخيلهم إلى مائة وعشر ... وهم ما بين رُمَّاح ورامي فماذا تصنعون إذا اَّلَّمت ... جنود الملك في يمن وشام ولاحت راية المسعود فيها ... كلائحة على أرحام طام هنالك تندمون ولا محيص ... إذا حُمَّ القضاء لدى الحمام فإن تقبل نصيحة ذي واداد ... فإن النصح من شيم الكرام أتيتم طائعين إلى مليك ... شريف النفس ذي منن جسام فتى هُزّت بنو أيوب منِهُ ... حسامُ مَصىً يفُلُّ شبا الحسام وقُلّدت الأمور إليه لما ... غدا لا بالدَّدان ولا الكهام وقالت عند ذلك قول فذّ ... أديب شاعر حسن النظام فأعظ القوس باريها ودعها ... فقد أَودعتها في كف رام فذبَّ برأُيه والسيف عنهم ... وقام بملكهم أوفى قيام فأجابه عز الدين محمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة بن سليمان أبن حمزة يقول أمن برق تأَلق بابتسام ... أرقت ولم تذق طعم المنام لذكر الوصل أو لفراق غيد ... تضيءُ وجوهها جنح الظلام رعى الله الديار وساكنيها ... وروّى ربعها صوب الغمام فلا تعجب لتذكاري فإني ... ذكرت منازل الحي الكرام واعجب من تذكر وصل هند ... كتاب جاءنا من ملك نام سليلهم المتوّج أرضعوه ... لبان المجد من قبل الفطام وأودعه السلام فلا عدمنا ... أنامل نممت أزكى سلامي ويخبر عن طراد الخيل قولاً ... أحقاَ ما يقال من الكلام بأن جموعنا طارت شعاعاً ... وولَّت لم تكرّ ولم تحامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 سوى عشر أغارت غير نُكرٍ ... فعادت جنَّحاً مثل السهام ولو كان الأمير النَّدب فيها ... عماد الدين محمود المقام لزارت بينتنا عُصَبُ عِصابُ ... بكل مهنَّد عَضب حسام ولكن تعدُّ هذا القول عنا ... فلم يحضر ويوم الروع حام وكيف تعدُّ هذا القول نصحاً ... وقد صدعت له صمُّ السِلاّم فوا عجباً تدافع عن حمانا ... وتنُسبنا إلى فعل اللئام وإن كانوا لعمر أبيك أسداً ... بني لدى الوقائع بالصُّرام وقال السلطان مدرك بن حاتم بن بشر بن حاتم على لسان الأمير بدر الدين حسن بن عليّ بن رسول ونور الدين عمر بن عليّ بن رسول وأرسلا بها إلى الديار المصرية سلا ذات سمط الدروالمارن الأقنى ... لدى عُصُر من أصدق الضرب والطعنا ومن شهدت صنعاء لولا بلاؤه ... لما فارقت رعباً ولا وافقت أمنا وقد كانت البيض الخارئد خيفة السبا من أعادنا أساءَ بنا الظنا فلما تدانا الفيلقان عشيَّة ... عدى الهام فيها منهم والظبا منا ورُحنا إلى قصر القُليس نصافح الكوؤس يُغنينا النديم الذي غَنَّا وخيل غَشَنا بالأسنة بعد ما ... تكَدسَّ من هَنَّا علينا ومن هَنَّا ضُرِبْنَ الينا بالسّياط جهالة ... فلما تعارفنا ضُرِبْنَ بها عنا وشيمتنا وَصْلُ السيوف بخَطْونا ... إذا قصرت حتى تبيد العدى طحنا ونحن متى شئنا دسرنا عدوَّنا ... ولا نحتقد حقداً دفيناً ولا ضغنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فلا زالت الأخبار منكم تسرًُنا ... كما سرَّكم في مصر مخبركم عنا فلما اتصل علم هذه الواقعة بالملك المسعود وبني أيوب إلى الديار المصرية رجع الملك المسعود سريعاً إلى اليمن ولم يستقر له قرار هنالك فكان دخوله حصن تعزَّ يوم الاثنين السابع عشر من شهر صفر من سنة أربع وعشرين وستمائة. فأقام فيها بقيّة صفر وشهر ربيع الأول والثاني وجُمادى الأُولى والأخرى وأياماً من رجب. ثم تقدَّم إلى الجند. فلما كان اليوم الخامس عشر من شهر رجب وثب الملك المسعود على بني رسول فقبض بدر الدين حسن أبن علّيِ وفخر الدين بن عليّ وشرف الدين موسى أبن عليّ فقيدهم وأودعهم السجن. قال صاحب العقد: واشتد خوف بني أيوب على ملك اليمن من بني رسول ولم يخافوا أحداً من العرب ولا من الغُزّ كخوفهم منهم. وذلك لما شاهدوه فيهم من الشجاعة والإقدام وعلة الهمة وبُعد الصيت وحسن السياسة وتمام المكارم الأخلاق واجتياز السيادة وأبتناءِ المجد. واكتساب الحمد. ولأجل ذلك ثمَّ عليهم منهم ما كان الكسر فيه مجبوراً والخصم فيه مقهوراً. وكان أمراً مقدوراً. ويُقال أنه قبض نور الدين أيضاً. فلما صاروا جميعاً تحت الاعتقال أطلقه من يومه واستخلصه وكان تأنس به كثيراً ولذلك استنابه في سفرته الأولى وفي الثانية وجعله أتابك عسكره وبعث بإخوته مقيدين إلى عدن قم أرسب بهم في البحر إلى الديار المصرية تحت الحفظ والاعتقال. وكان نور الدين في غاية من العقل والدهاء والجود والكرم وشرف النفس وحسن السياسة وكمال الرياسة. فقلده المسعود أموره كلها. وطلع إلى حقل يحصبُ فأَخذ بلد بني سيف وذلك في ذي الحجة من سنة أربع وعشرين فأقام في الحقل حواً من ثلاثة أشهر: ثم عاد إلى حصن تعزَّ فأقام فيه مدة. ثم عزم إلى العود إلى الديار المصرية. فتجهز لذلك ونزل إلى محوسة زبيد ثم خرج منها متوجهاً إلى الشام في شهر ربيع الأول من سنة ست وعشرين وستمائة قالع الحاتميُّ: وقال الجنديُّ في سنة خمس وعشرين وستمائة انتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وكان سبب عودته إلى الديار المصرة أن عمَّه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إلى رحمة الله تعالى وكان يومئذ صاحب دمشق. فكتب إليه ولده الملك الكامل السلطان يستدعيه إليه ليعطيه دمشق. ففرح فرحاً شديداً حتى أنه سافر وقد أبتدأ به المرض. فطلب أتابكه نور الدين عمر بن عليّ بن رسول وقال له: قد عزمت على السفر وقد جعلتك نائبي في اليمن فإن مت فأَنت أولى بمُلك اليمن من اخوتي لأنك خدمتني وعرفت منك النصيحة والاجتهاد وإن عشت فأَنت على حالك وإياك تترك أحداً يدخل اليمن من أهلي ولو جاءك الملك الكامل ولدي مطوياً في كتاب. فإذا ألح عليك أعلمتني حتى أجتمع أنا وعمي الأشرفُ عليه ونحاربه ونُشغله. فقال له نور الدين: أخشى أن اخوتي يعارضوني. فقال له الملك سعود: أنا أكفيك أمرهم. فقيدهم حينئذ. وقيل أنه لم يقيدهم حتى أمر العسكر بالركوب. وخشي حدوث شيءٍ منهم لميل أكثر العسكر إليهم. وذكر أبو المظفر سبط بن الجوزيّ في كتابه مرآة الزمان أن الملك المسعود تجهز بجهاز عظيم لم يسبقه إليه ملك. من جملته ألف خصي وخمسمائة صندوق من فاخر الأقمشة والملبوس وثلاثمائة بهار من العود الرطب ومن العنبر الفاخر وأربعمائة سرِيّة. ومن الجواهر واللآلئ والأحجار النفيسة ما لا ينحصر وسبعون ألف ثوب صيني معلم بالذهب ومن الصنائع ما لا ينحصر عدده. حتى قيل أن المراكب التي أقلت هذا سبعون مركباً. وذلك أنه صاح في البنادر. من أراد السفر إلى الديار المصرية فليسافر مع الملك المسعود قبل سفره بمدَّة. فأقبلت التجار من كل ناحية بأنواع التجارات والبضائع فاجتمع بهم في ثغر عدن. وقال لهم بيعوني هذه البضائع التي عندكم لتسلموا من العشور. فباعوا عليه فأخذها منهم وكتب لهم بأثمانها إلى اليمن وأحال لهم بجوالات إلى كل ناحية. فصاحوا بالويل والثبور. فلم يلتفت إليهم ولم يحصل لأكثرهم شيء. وعدد الجوزيّ الأصناف التي سافر بها وعظمها حتى أن السامع لا يكاد يصدق بها ولهذا تركت ذكرها. قال: وكان ظالماً شديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الظلم سيئ السيرة في رعيته سفاكاً للدماء حتى قيل أنه قتل في اليمن ثمانمائة سيف من أولاد الحسنين: هكذا ذكر في مرآة الزمان والعهدة عليه. قال عليُّ بن الحسن الخزرجي: هذا شيء لا يقبله العقل ولا يصدقه النقل: ولا يوجد في اليمن كله من أعيانِ الأشراف الحسنين مائة رجل ولا ذكر هذا ولا ما يشابهه أحد من علماء التاريخ باليمن: والله اعلم ولما سافر الملك المسعود من اليمن كما ذكرنا وصل إلى مكة المشرفة وقد اشتد به الألم: فأقام في مكة أياماً إلى أن توفي بها في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر جمادى الأولى من سنة ست وعشرين " وستمائة ": وقال الجندي توفي في مكة مسموماً في رجب وقيل في شعبان سنة 635: وقال ابن عبد المجيد: توفي الملك المسعود في شهر ربيع الأول من سنة 626 وكذا قال الشريف إدريس. قال الحاتمي: وأوصي أن لا يهلب عليه الخيل ولا تقلب السروج وإن يقبر بين الغرباء بمكة قال: ويروى أنه استوهب ثوبين برسم الكفن من بعض الناس: وكان عمره يوم توفي سبعاً وعشرين سنة. والله أعلم. وكان قد حمل معه جميع خراج ملك اليمن من البيضاء والصفراء والجواهر الغالية والطرف والغلمان والجواري فتقدم مملوكه الأمير حسام الدين لؤلؤ بأولاد سيده وحاشيته وأمواله وحشمهِ وآلتهِ كلها من مصر: وكان قد جعل في صنعاء الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زَكرّيٍ واستناب الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسولٍ على اليمن كلهِ سهلهِ ووَعره برّه وبحره وكان ذلك ما أراده الله تعالى وقدّرهُ من إظهار كلمة الملك الرسولي وتمكين بسطته ونشر جناح عدله على الخلق ونفاذ صولته وتقليص ظل الملك الأيوبي وزوال دولته. وفي هذه السنة المذكورة سنة ست وعشرين وستمائة توفي القاضي سري الدين إبراهيم بن أبي بكر بن علي بن معاذ بن مبارك بن تبع بن يوسف فضل الفَرَساني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 يجتمع مع الحافظ في تبع بن يوسف وكان فقيهاً فاضلاً أُصولياً وله مصنفات في الأُصول على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري وكان قاضياً بصنعاءَ. وفي أيامه بن الأمير ورد سار المنارتين بجامع صنعاءَ وأصلحه وبنى الجبانة أيضاً. وهو الذي بنى المطاهير والبركة في جامع صنعاء ولم يكونا قبل ذلك. وكان أول عمارته لذلك في شعبان من سنة ست وستمائة. وكان أحد القضاة الأخيار. ذكر أُلو المعرفة بأيامه أن سيرته كانت محمودة. ويروى أنه اشترى أرضاً فيها شجر كرم ثم حضر عنده خصمان في حكومة بينهما فاتجه الحكم على أحدهما فحكم عليه الحاكم ثم أن المحكوم عليه وصل إلى بيت القاضي ليلاً وناداه فأجابه. فقال يا سيدنا أنا فلان ومعي شريم من صفته كذا وكذا وهاأنا متقدم إلى حضرتك لأقطعها بهذا الشريم مكافأة لحكمك عليَّ فاستوقفه القاضي ثم خرج إليه ولاطفه وربما غرم له ما حكم به عليه. فلما أصبح سعى في ربيع الأرض التي له وقال لا يصلح لحاكم مزرعة. وكانت وفاته على القضاء في سنة ست وعشرين " وستمائة " المذكورة. رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الباب الثاني ذكر قيام الدولة المنصورية وأسبابها قال علي بن الحسن الخزرجي وقد ذكرنا في السابق ما كان من قضاء الله وقدره في اختيار الملك سعود لمولانا الملك المنصور عمر بن علي بن رسولٍ نائباً على اليمن كلهِ سهلهِ ووعرهِ برهِ وبحره وانفراده بالأمر دون سائر الأمراء المصرية وخلو اليمن من بقية بنى أمية وما جبله اله عليه من حسن السيرة وصلاح السريرة ومحبة الناس له وانقيادهم لأمره طوعاً وكرهاً. وكان مع هذا حازماً عازماً سريع النهضة حسن السيرة ثاقب الرأي عاقلاً وديعاً. وكان من ولائه السلطنة في اليمن على بشارات وإشارات. فمن ذلك ما يروى عنه أنه قال: أمسيت ليلة من الليالي مهموماً لعارض لي. فلما مضجعي ومضى نحو من شطر الليل سمعت دويّاً في الهواء فرفعت رأسي وإذا عفريت يهرب من الشواظ حتى حط نفسه عندي وهو يلهث وكأنه معصرة من عظمهِ. فقمت من مضجعي فأخذت إداوة الماءِ فسكبتها في فيه. فلما اطمأن وزال عنه روعه قال أسفر وأبشر يا أبا الخطاب. بالملك من عدن إلى عيذاب ثم ذهب عني. ويروى أن ثلاثة أقوام من الصالحين وصلوا إليه. فقال الأوّل: السلام عليك يا أتابك. فقال له: هو أخي وعليكم السلام ورحمة الله. فقال الثاني: أنت الأتابك وغير ذلك فقال: وما غير ذلك. فقال الثالث: سلطان لليمن وملكها من ذريتك إلى آخر الزمان. وقال صاحب السيرة المظفرية: أخبرني الشيخ الصالح سليمان بن منصور بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 جريبة قال: لما وصل الملك المسعود من الديار المصرية وعبر طريق خبت القحرية كان على قارعة الطريق شيخان من المشائخ الصالحين أحدهما المغيث والآخر الهدس فقال أحدهما: هل ترى ما أرى. فقال له صاحبه: وما ترى قال: أرى شخصاً أن سار العسكر جميعه وإن وقف المعسكر جميعه فقال له صاحبه: لعل ذلك المسعود فقال له: لا بل هو الملك المسعود عمر بن عيّ بن رسول والملك في عقبه إلى آخر الدهر قال صاحب السيرة: وسمعت الحكاية بعينها من جدّي رحمه الله. ويروى أن رجلاً كان على جبل الموسم وهو جبل صغير منفرد في خبت العسلقية من نواحي سهام. وكان الرجل يحرش شجراً من العطب له هنالك بالليل. وقد أقبل الملك المسعود في عسكره وطبلخانته. فسمع الرجل نحب الطبلخانة والعسكر. فقعد متعجباً. فسمع قائلاً يقول وهو قريب من اجبل: أقبَلَ مثل السهم يزجيه الوترْ ... ليس له من ملكه سوى السفرْ هيهات في الأيام طيات أُخر قال: فقصدت موضع الصوت فلم أر شيئاً ولا وجدت أحداً فعلمت أنه من الجن وعلمت أن ملك الملك المسعود لسواه ويحكى أن الشيخ الصالح محمد بن أبي بكر الحكمي صاحب عواجة رأى راية الملك المسعود يوم وصوله من مصر فقال: هذه آخر راية تصل من مصر إلى اليمن. فصل ولما توفي الملك المسعود في التاريخ المذكور ووصل علم موته إلى اليمن قام السلطان نور الدين قياماً كلياً واضمر الاستقلال بالملك وأظهر أنه نائب للمسعود: ولم يغير سكةً ولا خطبةً: وجعل يولي في الحصون والمدن من يرتضيه ووثق به ويعزلُ من يخشى منه خلافاً: ومن ظهر منه عصيان أو خلافُ عمل في قتلهِ وأسره. وكان السلطان نور الدين من أهل العزم والحزم جواداً كريماً سريع النهضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وكان محراباً لا يسأم الحرب. وكان صاحب حلم ودهاءٍ وكان يومئذ مقيماً بزبيدٍ يتولى على البلاد التهامية. وقرر قواعدهُ وسار من محروسة زبيد قاصداً تعزَّ في شوال من سنة ست وعشرين وستمائة. فحطَّ على حصن تعزَّ وحصرهُ حصراً شديداً وضيق على أهله حتى أجهدهم حتى قيل أنهم ابتاعوا من الحنكة فقط بثلاثين ألف دينار ملكية. وفي سنة 627 تسلم حصن التعكر وحصن خدد وتسلم صنعاء وأعمالها. وأقطعها أبن أخيه أسد الدين محمد بن الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسولٍ. فطلع الأمير نجمُ الدين أحمد بن أبي زكريّ حصن براشٍ خائفاً من الملك المنصور. وفي سنة 628 تسلم حصن حبٍّ وبيت عزٍّ وحطَّ على حصن تعزَّ مرةً ثانية فأخذهُ صلحاً على يد القاضي المكين. وتزوّج بنت جودَةَ. وكان زمامها الطواشي نظامَ الدّين مختصُ وكان لبيباً عاقلاً كاملاً في خدمة الملك. ثم طلع إلى صنعاء فحطاَّ على براشٍ وفيه الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زكريٍ وذلك في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفي خلال ذلك وصل إليه الأشرافُ على حصن ذمرمر وهم الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة وأولاده والأمير شمس الدين أحمد بن الإمام وجميع اخوته ووهاَّس بن أبي قاسم فتحالفوا وتعاضدوا وعقدوا بينهم صلحاً عاماً وقالوا له: يا مولانا نور الدين تسلطن في اليمن ونحن نخدمك ونبايعك على أن بني أيوب لا يدخلون اليمن فتبايعوا على ذلك وأشاروا على السلطان بعمارة البرك وأشار نور الدين على الأشراف بعمارة حصن مدّع وثم الصلح بينهم على أحسن الوجوه ولم يجرِ بينهم قتال إلى أيام الإمام أحمد بن الحسين في سنة 646 إلاَّ مرة واحدة وسأذكر سبب ذلك في موضعه من الكتاب. فلما انتظم عقد الصلح وصلهم السلطان نور الدين بمال جزيل وخلع سنيه وأقرَّهم على بلادهم فلما افترقوا على الصلح والسداد اضطرب حال الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زكريّ وعلم حينئذ أن أسبابه انقطعت فراسل السلطان نور الدين في معنى الصلح. ونزل الأمير نجم الدين من الحصن إلى لقاء السلطان فترجل بين يديه وحمل الغاشية. فخلع عليه السلطان خلعاً سنية وأنعم عليه أنعاماً تاماً وعقد له بكريمتهِ ونزل صحبتهُ إلى اليمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ونزل أيضاً الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن عليّ بن رسول في صحبته أيضاً فلما أستقر السلطان في دار ملكه رجع الأمير أسد الدين إلى صنعاءَ. وفي هذه السنة توفي الأمام العلامة ابو العتيق ابو بكر بن الشيخ يحيى ابن اسحق بن علي بن اسحق العياني ثم السكسكي نسبة إلى عُيانة بضم العين المهملة وفتح المثناة من تحتها وبعد الألف نون مفتوحة وآخر الاسم هاءُ تأنيث وهي قرية معروفة. وكان والده الشيخ يحيى من أعيان أهل اليمن في الصلاح والجود والثروة وفعل الخير وكثرة الحج. ولما علم به صاحب بغداد وتحقق حسن سيرته كتب له مسامحة في أرضه وإن تبقى على ذريته ما بقي منهم إنسان. قال الجندي وهي بأيدي ذريته إلى الآن يجزن عليها وذريته اكمل أهل وقتنا في فعل المعروف وإطعام الطعام. وكان كثير الزيارة لفقهاء ذي اشرف فلما سمعهم يثنون على الفقيه إبراهيم حديث بجودة الفقه والدين سأله أن ينتقل معه إلى جبا ليقرئ ابنه أبا بكر المذكور فأَجاب إلى ذلك وسار معه فثقفه به أبو بكر المذكور. وأخذ عن الإمام سيف السنة عدة من كتب الحديث وكان ممن حضر السماع لصحيح مسلم عليه في مدينة الجند. وحجم مكة سنة ثمانين وخمسمائة فلما رجع إلى مدينة زبيد أخذ بها عن الفقيه عباس بن محمد الآتي ذكره أن شاءَ لله تعالى. وكان فقيهاً محققاً مدققاً ذا صلاح مشهور وعلم مذكور فقصده الطلبة من أنحاء اليمن رغبة في علمه وإنسانيته. ومن أخذ عنه ولده يحيى وأخوهُ محمد ومن المشرق أحمد بن محمد ابن منصور الجنيد وعثمان بن اسعد الشعبي وطائفة من فقهاء الجبال ومن فقهاء تهامة إبراهيم بن علي بن عجيل وعلي بن قاسم الحكمي وعلي بن مسعود الكتبي من أهل المحالفة وغيرهم. وهم أكثر فقهاء الجبال أصحاباً. قال الجندي واخبرني الثقة أنه حج سنة ولم يستطع الزيارة إلى المدينة فقلق لذلك قلقاً شديداً فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له يا أبا بكر لما لم تزرنا زرناك فقال بكرمك يا رسول الله فعلت ذلك لي فادع لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي سنة تسع وعشرين " وستمائة " طلع السلطان نور الدين إلى صنعاءَ مرة ثانية وتسلم حصن بكر وكوكبان وحصن براش. وبعث إلى مكة المشرفة أميراً يقال له ابن عيدان مع الشريف راجح بن قتادة وبعث معهما خزانة كبيرة. وهو أوَّل جيش جهزه إلى الحجاز. فنزلوا الأبطح وحاصروا الأمير الذي فيها من قبل الملك الكامل وكان يسمى طغتكين وكان معه مائتا فارس. فأنفق الطغتكين في أهل مكة نفقة جيدة وحلفهم وتوثَّق منهم. فراسلهم الشريف راجح بن قتادة وذكرهم إحسان السلطان نور الدين أيام كان أميراً على مكة من قبل الملك سعود. وكانت ولاية السلطان نور الدين في مكة سنة 617 وفي السنة المذكورة كانت ولادة السلطان الملك المظفر في مكة المشرفة. فلما راسلهم الشريف كما ذكرنا مال رؤَساؤُهم إلى جيش المنصور فأحس بذلك الطغتكين فخاف على نفسه فخرج هارباً في من معه إلى ينبع. وكان في ينبع رتبة الملك الكامل وزردخانة وغلة. فأقاموا هنالك وأرسلوا إلى الملك الكامل رسولاً إلى مصر وأخبروه بوصول عسكر صاحب اليمن وما كان من أهل مكة. فجهز الملك الكامل عسكراً كثيفاً وقدَّم عليهم الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ. فأرسل إلى الشريف سنجة أمير المدينة وإلى الشريف أبي سعد أن يكونا معه. وكانا في خدمة الملك الكامل فوصلوا إلى مكة وحاصروا أبن عيدان والشريف راجحاً وقاتلوهم فقتل ابن عيدان وانكسر اهل مكة وقتل منهم مقتلة عظيمة. وأظهر الطغتكين حقده عليهم ونهب مكة ثلاثة أيام وأخاف أهلها خوفاً شديداًز فلما علم الملك الكامل بما فعل غضب عليه وعزله واستدعاه إلى مصر وأرسل إلى مكة أميراً غيره يقال ابن محليٍّ. فوصل إلى مكة في سنة ثلاثين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وفي هذه السنة توفي الفقيه يحيى بن الفقيه فضل ابن اسعد بن حمير ابن جني أبي سالم المليكي. وكان مولده سنة ستين وخمسمائة. وتفقه بعبد الله بن سالم الأصبحي وتزوج ابنته منيرة ولهُ منها أولاد معروفون تفقه منهم جماعة ومسكنهم قرية الملحمة ولهم فيها مسجد ينسب إليهم وهو شرقيها يعرف بالمسجد الأعلى " وكانت " قراءته البيان على سليمان بن فتح. وكانت وفاته في القرية المذكورة ليلة الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأول من السنة المذكورة والله اعلم. وفي سنة ثلاثين وستمائة أمر السلطان نور الدين بصرب السكة على اسمه وأمر الخطباءَ أن يخطبوا له في سائر أقطار اليمن. وإلى هذا أشار الحارث الرائش بقوله الذي تقدم ذكره حيث يقول: ويظهر راية المنصور فيهم ... على خاءٍ مخففة ولام وقد ذكرنا ذلك في الباب الأول وبالله التوفيق. وفي هذه السنة توفي الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن ابن علي بن أبي علي القَلعْي بفتح القاف وسكون اللام نسبة إلى قلعة حلب بالشام وقيل نسبة إلى قلعة بلدة بالمغرب هذا قول الجندي. وقال الأسنوي في طبقاته أنه منسوب إلى قلعة بينها وبين زبيد نحو يوم ولم يذكر الأسنوي اسم هذه القلعة التي نسبه اليها ولا في أي ناحية هي من زبيد وهذا غلط من الأسنوي والله اعلم. وكان القلعي المذكور فقهياً عالماً كبيراً عاملاً له مصنفات كثيرة مشهورة انتفع الناس بها. منها قواعد المهذب ومنها مستعذب ومنها إيضاح الغوامض في علم الفرائض مجلدان جيدان جمع فيه بين مذهب الشافعي وغيره وأورد فيه طرفاً من الجبر والمقابلة والوصايا. وله احتراز المهذب. وله لطائف الأنوار في فضل الصحابة الأبرار. وله كنز الحفاظ في غرائب الألفاظ يعني أَلفاظ المهذب. وله تهذيب الرياسة في ترتيب السياسة. وله كتاب أحكام القضاة. وله غير ذلك. وأكثر ما توجد مصنفاته في ظفار وحضرموت ونواحيها وعنه انتشر الفقه في تلك الناحية ولم ينتشر العلم عن أحد في تلك الناحية كما انتشر عنه. وأعيان فقهائها أصحابه وأصحاب أصحابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وحج من مرباط فاخذ عنه بمكة وزبيد وغيرهما من البلاد التي مر بها خلق كثير. وكانت وفاته بمرباط في السنة المذكورة وقبره هناك والله أعلم. وفيها توفي الفقيه سلم بن محمد بن سالم بن عبد اله بن خلف بن زبد أبن أحمد بن محمد العامري وكان فقيهاً محدثاً غلب عليه الحديث. وكان زاهداً روعاً تأتيه الناس من البعد للزيارة وقراءّة العلم وانتفع بصحبته خلق كثير منهم الشيخ أحمد بن الجعد وأبو شعبة وغيرهما. وكان من كرام الفقهاء شريف النفس عالي الهمة. ولم يزل على الطريق المرضية إلى أن توفي في السنة المذكورة. وكان مولده في سنة سبعين وخمسمائة والله اعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الله بن علي بن أبي عبد الله بن أبي القسم بن أَسلم المرادي وكان فقيهاً عارفاً ورعاً مشهوراً. وكان أخوه ناجي بن علي فقيهاً غلبت عليه العبادة. وشهر بالصلاح وله كرامات كثيرة وكان كبير القدر شهير الذكر وروي أنه خرج لزيارة الشيخ عمران المتسن صاحب ذُبْحَان فخرج بخروجه جماعة من أهل بلده على عزم السفر لزيارة الشيخ المذكور. فقال الفقيه ناجي ينبغي أن تجعلوا لكم رأساً تمتثلون قوله وتقبلون أمره ولا تخالفونه فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا له يا فقيه أنت أولى من يلي فقال قد رضيتم قالوا نعم فتوثق منهم. وساروا من قريتهم المعروفة بسند من نواحي دلال فوصلوا الجند وصلوا في الجامع بها ثم خرجوا يريدون زيارة مسجد صرب المشهور هنالك وهو خارج عن المدينة فلقيهم فقير فطلب منهم شيئاً فقال الفقيه للذي يحمل زادهم أعط هذا درهماً فأعطاه فرضي بذلك بعضهم ولم يرضَ آخرون ففهم الفقيه ذلك منهم فلما رجعوا إلى المسجد وصلوا فيه العصر جاءَهم فقير عليه مدرعة صوف وصافحهم ثم صافح الفقيه وقبل يده ونزل فيها عشرة دراهم فالتفت الفقيه إلى أصحابه وقال هذه حسنتكم قد عجت لكم لما تغيرت نياتكم. ثم سلم الفقيه الدراهم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 صاحب الزاد فعلموا أن الفقيه قد اطلع على ضمائرهم فاستغفروا الله تعالى عن ذلك وسألوا الفقيه التجاوز عنهم. ومن غريب ما جرى له أنه قرب يوماً طعاماً لأصحاب له ليأكلوا فجاءَهم هر فجعل يتدعك بأرجل الجماعة فضربه بسواك كان عنده فوثب الهر عنهم وقال أنا أبو الربيع فتبسم الفقيه وقال ولا تنفذ علي فما عرفت أن اسمك سليمان. توفي بين المدينتين في قاع البزواءِ ليس له تاريخ محقق. وفيها توفي الفقيه العالم أبو العباس أحمد بن الفقيه مقبل بن عثمان بن مقبل بن عثمان بن أسعد العلبي بضم العين وفتح اللام نسبة إلى جد له اسمه علبة. وكان ميلاده بذي اشرق سنة ست وخمسين وخمسمائة ثم انتقل إلى موضع يسمى عَرَج بفتح العين والراء المهملتين وبعدهما جيم. وهو أول من سكن قريته وكان تفقه بالإمام سيف السنة وبالفقيه زيد بن عبد الله الزبراني وغيرهما. وكان حافظاً محققاً فقهياً مدققاً صنف كتاباً يسمى الجامع يدل على جودة علمه وكتاباً في أصول الفقه سماه الإيضاح وله شرح المشكل في غريب اللمع. وهو أحد الفقهاء الذين كثرت ذراريهم وانتفع الناس بهم وعنه أخذ عمر بن الحداد والسكيل وابناه محمد وأبو بكر وامتحن بقضاء عدن وعاد إلى بلده فتوفي بها في شعبان من السنة المذكورة والله اعلم. وفي سنة 631 جهز السلطان نور الدين خزانة عظيمة إلى الشريف راجح بن قتادة وعسكراً جراراً. فنهض الشريف راجح في العسكر المنصوري واخرجوا العسكر المصريَّ من مكة. وفيها أَرسل السلطان نور الدين هدية عظيمة إلى الخليفة ببغداد. وكان الخليفة يومئذ المستنصر بن الظاهر العباسي وهو والد المستعصم بالله. وطلب تشريفة السلطنة. وكان التقليد بالنيابة كما جرت عوائد الملوك. فعاد الجواب بأن التشريفة تصلك إلى عرفة. فخرج من اليمن يريد الحج. فحج على النجب حجة هنيئة. وهرب منهُ الشريف راجح بن قتادة ولم يحج معهُ. فضاق صدره. فلما قضى نسكه ورجع إلى اليمن رجع الشريف إلى مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وكان الخليفة قد أرسل بالتشريفة والتقليد إليه صحبة الحاج من العراق فبلغ حاجُّ العراق إلى نصف الطريق فقطعت العرب عليهم الطريق ودفنوا المناهل: فإعتاق الحاجُّ في الطريق إلى أن فاتهم الحجُّ فرجعوا إلى بغداد: ولم يصل منهم في ذلك العام أحدُ. وفي سنة 632 وصلت كسوة الكعبة من بغداد: ومعها رسولُ من الخليفة المستنصر إلى السلطان نور الدين: فعلق الكسوة ودخل اليمن إلى السلطان نور الدين: واعلمه أن التشريفة والتقليد يصلانه في البحر على طريق البصرة: فوصلت التشريفة ووصل التقليد بالنيابة في السنة المذكورة: وكان رسول الخليفة إلى السلطان نور الدين بالتشريفة والتقليد رجل يسمى معالي وكان السلطان نور الدين يومئذ في الجند: فارتقى الرسول على المنبر وقال: يا نور الدين أن العزيز يقرئك السلام ويقول: قد تصدقت عليك باليمن ووليتك إياه. والبسهُ الخلعة الشريفة الخليفية على المنبر. وفي هذه السنة " 632 " أرسل السلطان نور الدين إلى مكة المشرَّفة بقناديل من ذهب وفضة للكعبة المعظمة. وأرسل بخزانة كبيرة على يد ابن البصري إلى الشريف راجح بن قتادة وأمر باستخدام الخيل والرجل واعلم أن عسكراً واصلاً من مصر إلى مكة. فلما وصل ابن البصري مكة وعلَّق القناديل وصلَ العسكر المصريُّ إلى مكة قبل أن يستخدم الشريف أحداً فخرج الشريف راجح وابن البصري إلى اليمن. وكان العسكر البصري خمسمائة فارس فيه إمارة. يقال لأحدهم وحد السبعُ. والثاني البندقي. والثالث ابن أبي زكريٍّ. والرَّابع ابن برطاس. والخامس المقدَّم الكبير وهو أمير يقال له جبرائيل. فدخلوا مكة وأقاموا بها. وفي سنة 633 جهز السلطان نور الدين عسكراً من اليمن وقدم عليهم الأمير شهاب الدين بن عيدان. وبعث بخزانة إلى الشريف راجح بن قتادة وأمره أن يستخدم العسكر ففعل. فلما صاروا قريباً من مكة خرج إليهم العسكر المصري فالتقوا في موضع يقال له الخريفين بين مكة والسرين فانهزمت العرب واسر الأمير شهاب الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 بن عيدان فقيَّده الأمير جبرائيل وأرسل به إلى مصر. وفي هذه السنة توفي الفقيه أحمد بن الفقيه إبراهيم بن أبي عمران وكان ميلاده يوم الخميس السابع عشر من شهر شعبان من سنة سبع وخمسين وخمسمائة وكان ثقته بالإمام سيف السنة. ويروى أنه لزم مجلسه إحدى عشرة سنة. وأنه أقام في جامع اب لم يخرج منهُ إلا في قُبران صاحبٍ يعز عليهِ. وبعد ذلك كان يختلف إلى بلدهِ في قليل من الأوقات. فاخذ عن سيف السنة الفقه. والنحو. واللغة. والحديث. والأصول. وحاكاه في أموره كلها حتى في الخط ومات وهو ابن تسع وعشرين سنة. فقال في ذلك شعراً. ولما مضت تسع وعشرون حجةً ... من العمر غرتني وغرت إلى الصبا وأنذرني شيبي بحتفي معجلاً ... فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبا وسمعاً لداعي الحق منك وطاعةً ... وإن كنت بطالاً وإن كنت مذنبا وهي أطول مما ذكرت ونسخ بيده كتباً كثيرة. وكتب على كل منها أبياتاً من قوله يقول فيها وقف خرام وحبس دائم الأبد ... بتأَرجاءَ ثواب الواحد الصمد على الحنابلة المشهور مذهبهم ... من آل بيت أبي عمران ذي الرشد لاحظ فيهِ لبدعي يخالفني ... أو كان معتقداً صدًّا لمعتقد وكان السلطان نور الدين يحبه ويعتقده. ولما بنا مدرسته التي بدرجة المعزية المعروفة بالوزيرية لم يزل يتلطف به ويرسل إليه حتى نزل من بلده وقعد في المدرسة ودرس بها. ثم قال له السلطان نور الدين رحمة الله عليه أني احب أن اقرأَ عليك وترد لي في كل يوم إلى المدرسة يشق علي وعليك وعلى الناس. فإن رأيت أن يأْتيك الركبدار في يوم ببغلة تركبها وتطلع إلينا الحصن فاقرأْ عليك في خلوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فافعل. فاستعفاه من ركوب البغلة. وقال أنا اطلع كل يوم بدرسيّ من أصحابي يؤنسني. فكان يطلع الحصن كل يوم ويطلع معه درسي من أصحابه. فإذا وصل إلى باب السادة وقف الدرسي ويدخل الفقيه من غير إذن. فيقرأُ عليه السلطان ما شاء الله. ثم يخرج الفقيه. فكان هذا دأْبه. وكان السلطان رحمه الله إذا أراد أن ينزل من الحصن يأمر من يسبقه إلى الفقيه يساَل منه أن يقف له على باب المدرسة. فإذا قابل السلطان ذلك الموضع طرح السلام. ثم رفع يده يشير إلى الفقيه أن يدعو فيفهم الفقيه الإشارة فيدعو والسلطان واقف رافع يده. فإذا مسح الفقيه وجهه مسح السلطان وجهه. ثم يتقدم السلطان حيث يريد. ولما دنت وفاته انتقل إلى بلده فتوفي بها عند طلوع الفجر من يوم الجمعة لليلة أو ليلتين من المحرم أول السنة المذكورة. وكان آخر ما فهم من كلامه لا اله إلاَّ الله ولله الحمد وكان يقول من زمن متقدم. يوم الجمعة وليلتها عليَّ تعتليان. ولعل موتي فيهما. وممن أخذ عنه القاضي محمد بن علي وسيأتي ذكره أن شاء الله تعالى. قال الجندي ومن أحسن ما رأيته معلقاً بخطه ما كتبه عقيب سماع البخاري إذ كتبه لقوم أجازهم فيا سامعاً ليس السماع بنافع ... إذا أنت لم تعمل بما أنت سامع إذا كنت في الدنيا عن الخير زاهداً ... فما أنت في يوم القيمة صانع وفيها توفي الفقيه الصالح عثمان بن محمد بن الفقيه فضل بن أَسعد بن حمير بن جعفر المليكي الحميري وكان فقيهاً فاضلاً صالحاً عالماً متأدباً له محفوظات جيدة. وبديهة حسنة وكان حاضر الجواب. يحسن الإيراد نظماً ونثراً. توفي يوم الأحد لثلاث بقين من رمضان من السنة المذكورة. وكان ميلاده آخر نهار الجمعة سلخ شهر المحرم من سنة إحدى وخمسين وخمسمائة والله اعلم. وفيها توفي القاضي أبو الحسن. علي بن عمر بن محمد بن علي بن أبي القسم الحميري. وكان ميلاده سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وأمتحن بقضاءِ إب فكان ذا سيرة مرضية. وكان زاهداً ورعاً ولو لم يكن من ورعه إلاَّ امتناعه من قبض الرزق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 على القضاء في مدينة إب لكفى. ولما حضرته الوفاة أوصى ابنه الأكبر أن لا يتولى القضاء. وأوصى أهله ومن حضره بتقوى الله ولم يزل على القضاء المرضي إلى أن توفي ليلة السبت لست خلون من جمادى الأولى من السنة المذكورة والله اعلم. وفي سنة 634 تسلم السلطان نور الدين حصون حجة والمخلافة ومخلافيهما وكان السبب أن الأمير تاج الدين محمد بن الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة نزل إلى السلطان نور الدين فأَكرمه وانصفه وأقطعه المحلاف فطلع إلى بلاده مسروراً فسوَّلت له نفسه أخذ حصن كوكبان فعامل فيه ودخله أصحابه ولم يبق من أخذه شيء وكان في الحصن رتبة جيدة من الخيل والرَّجل وكان من عادتهم في كوكبان أن تركوا عشراً من الخيل لابسة وخمسين راجلاً بسلاحهم استمراراً على الأبد. فلما طلع أصحاب الشريف خرجت عليهم الرتبة من الخيل ومن معها من الرجل فقتلوا منهم جماعة وطرح أكثرهم نفسه إلى الحيد تردياً. وكان الأمير يحيى بن حمرة قد عمر حصن منابر. وهو في بلاد السلطان مما يلي تهامة يطل على المحالب والمهجم. فلما علم السلطان بما فعل الشريف وولده محمد بن يحيى غضب من ذلك غضباً شديداً. وكان مع السلطان يومئذ الأمير محمد بن حاتم العباسيُّ صاحب حصن عزان المصانع. وكان عزيزاً كريماً عند السلطان. فلما رأى اهتمام السلطان بأخذ حصن منابر. قال للسلطان. أنا أعطيك حصن عزان وأنا أعلم أن الشريف يحيى بن حمزة يرغب إليه. وسلم حصن منابر. فقال السلطان وأنا أزيده عشرة آلاف دينار. فأرسل السلطان وزيره وهو الشيخ ناجي بن أسعد إلى الشريف يحيى بن حمزة وعرض عليه ذلك فلم يقبل وقال قد صرت شريكاً لكم في المهجم. فعاد الوزير بغير شيءٍ. فاشتد غضب السلطان لذلك وكتب إلى الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة متمثلاً بقول الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 إذا لم يكن إلاَّ الأسنَّةُ مركباً ... فلا رأيَ للمضْطرِ إلا ركوبها وكان الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام مُتغيّر الخاطر من عمه الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة في نقضه الذمم والصلح الذي جرى في ذمرْمرَ ولم يمكنهُ التخلي من عمه. فخرج السلطان من محروسه زبيدٍ وقدمَّ تجاههُ الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زكريّ ولقيه المشائخ بنو بطين وغيرُهم واستخدم السلطان العساكر وأنفق الخزائن وأَتلف الأموال. فكانت الأكياس تصبُّ بين يديه صبا كما يُصبُّ أعدالُ الطعام: وسار نحو حجَّة والمِخلاَفة في ستين ألف راجل فاستولى على حجة والمخلافة ومخلافيهما في يوم واحد اتفاقاً لم يتفق لأحد قبلهُ ولا بعدهُ. وأنتجت هذه الفعلات على يحيى بن حمزة أخذ السلطان نور الدين جميعَ ما قد كان صالحهم عليه من البلاد العليا. وهي البونُ والإسناد والحسبُ والحاردُ ومطرة. ولما رجع السلطان من سفره المذكور مؤَيداً منصوراً وصل إليه الأمير جعفر بن أبي هاشم والشيخ حسام الدين حاتم بن علي الجنديُّ من جهة الأشراف فأًصلحوهُ على البلاد التي قد استفتحها لا معارض له فيها. وعاد إلى تهامة. وكان السلطان نور الدين عند مسيرتهِ إلى حجة ومخلافة قد أمر الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بالخروج لمنع الأمير شمس الدين أحمد بن عبد الله بن حمزة أن أراد نُصرَة عمه. فخرج الأمير أسد الدين فحط بالجناب. وكان الأمير شمس الدين بالطرف وكان يومُ قارن وهو من مشاهير الأيام العظام. ولما رجع السلطان نور الدين من غزوتهِ إلى المخلافة قال الأَديبُ جمال الدين محمد بن حميرَ: هنئت بالنصر لما جئت في لجبٍ ... مظللاً بالرُّدَينيات والقصبِ ومرحباً يا رسوليَّ الملوكِ وإن ... غاب السّما كان والجوزاءُ لم تغبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 غزَوت مُبينَ إذ هاجت شقاشقها ... وفي الرُّتَيْنيّ ألفافُ من العرب فاليوم قَلْحَاحُ لا يَرْغُوا بها جملُ ... والذئبُ لو نَطَحتَهُ الشاة لم يثِبِ وهي قصيدة طويلة ثم أن الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة وأولادهُ اعترفوا بالخطأ واعتذروا إلى مولانا السلطان نور الدين فأّعادَ عليهم حجة والمخلافة وحصونهما. وهكذا شيم الملوك يأخذون قهراً ويعيدون عفواً: وفي سنة 635 خرج السلطان نفسه قاصداً مكة المشرفة في ألف فارس وأَطلق لكل جندي يصل إليه من أهل مصر المقيمين في مكة ألف دينار وحصاناً وكسوة. ومال إليهِ كثير من الجند. ثم أَمر الشريف راجح بن قتادة فواجههُ في أثناءِ الطريق. فحمل إليهِ النقارات والكوسات. واستخدم من أصحابه ثلاثمائة فارس. وكان يسايرهُ على الساحل. ثم تقدم إلى مكة: لما تحقق الأمير جبرائيل وصول الملك المنصور بنفسه وأته عيونهً بصحة ذلك وقاربهُ الشريف راجحُ أحرق ما كان معهُ من الحوائج خانة والفرشخانة والأَثقال وتقدَّم نحو الديار المصرية. وكان السلطان يومئذ في السّرِّين. فلم يشعر حتى جاءَهُ نجَّاب من الشريفق: فقال البشارة يا من لا يهزمهُ الأمير جبرائيل وأصحابهُ: فقال له السلطان: من أين جئت فقال: من مكة. قال: ومتى خرجت قال: أمس العصر. فاستبعد السلطان ذلك فقال: ما أَمارة ذلك. فقال هذا الكتاب من الشريف راجح. فعجب السلطان أّشد العجب من مسيرهِ وأَمر المراءَ المماليك أن يرموا ما عليهم على البشير. فأَلقوا عليهِ من ذلك ما أَثقلهُ. وسار السلطان من فوره إلى مكة ودخلها معتمراً في سنة رجب 635. قال صاحب العقد. اخبرني من أثق به أن مولانا أسلطان نور الدين دخل مكة معتمراً ثمان سنين. وكل ذلك في غير أيام الحج. ولما صل الأمير جبرئي إلى المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لقيه الخبر بوفاة السلطان الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب صاحب الديار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 المصرية. فندم كل من مكان معه من العسكر لما لم يميلوا إلى الملك المنصور وكان الأمير جبرائيل أشجع أُمراءِ مصر. ولما دخل السلطان نور الدين مكة أَنفق على عساكره وتصدق بأَموال جزيلة. وجعل رتبة في مكة مائة وخمسين فارساً. وجعل عليهم ابن الوليديّ وابن التعزّي. فأقاموا في مكة. وفي هذه الوقعةِ يقول الأديب جملا الدين محمدُ بن عمير رحمة الله عليه: ما ضرَّ جيران نجد حيثما بعدوا ... لو أنهم وجدوا لي مثل ما أجدُ ومن أَباح لأَهل الدمنتين دمي ... ما فيه لا ديةُ منهم ولا قَودُ وفيها يقول قل للعصائد حثي واذملي وخذي ... مثل النجائب في القفر الذي أخدُ قصي الحديث عن المنصور ما فعلت ... جنوده وعن القوم الذي حسدوا لقيهم بجنود لا عديد لها ... وهم كذاك جنودُ مالها عددُ فزلزل الرعب أيديهم وأرجاءَهم ... حتى السماء رأَوها غير ما عهدوا ولَّوا وكان الذي يلقى بهم أَسداً ... فعاد ثعلب قفر ذلك الأَسدُ ومن يلوم أميراً فرَّ من ملك ... لا ذا كذاك ولا كالخنصر العضدُ وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح محمد عمر بن موسى بن عبد الله الجبرتي بلداً القرشي نسباً. وكان فقيهاً كبير القدر شهير الذكر عالماً عاملاً. أخذ عن جماعة في مواضع شتى. وكان أخذه بعدن عن الفقيه إبراهيم العريطي ثم لما طلع الجبال أخذ عن جماعة. منهم عبد الله بن عبد الرحمن الرهي وغيره وكان صاحب كرامات ومكاشفات. درس في مسجد السنة مدة طويلة. فتفقه به جماعة من الأكابر ومن الأصاغر. ومن جملة من أخذ عنه من المشاهير عمر بن سعيد العقيبي وغيره. ولا يعرف له شيخ غيره في الفقه خاصة. وحكى بعض تلامذته. قال كنت أتولى خدمة الفقيه محمد بن عمر فخرجنا معه يوماً إلى الغيل لا غسل له ثيابه بحضرة. فبينا أنا وهو كذلك إذ اقبل فقيه من أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 المشرق يقال له الخضر وهو يمشي حافياً ونعله في يده. فلما رآه الفقيه تبسم. وقال لي يا فقيه هذا فلان قد جاءَ يريد السلام عليَّ. قلت فما حمله على المشي حافياً. قال كراهة أن يطأَ على ما بناه فخر الدين بن رسول. وعن قريب يبني بنو رسول محلة ويقعد فيها مدرساً. ثم وصل الفقيه الخضر المذكور إلى عند الفقيه محمد بن عمر المذكور. وتسالما مسالمة مرضية. ثم تباحثا ساعة في بعض مسائل الفقه. ثم توادعا وعاد الخضر في طريقه التي جاء منها. ثم لم تظل المدة حتى بنا بنو رسول المدارس وطلبوا الفقيه الخضر ورتبوه مدرساً في المدرسة الرائية. ثم أن الفقيه محمد ابن عمر انتقل من جبلة إلى قرية من مسشار الجند. يقال لها الحمراء. فأقام فيها مدة ثم انتقل إلى وادي عميدة فسكن في قرية يقال لها الطفر. وكان كثير الاجتماع بابن ناصر والفقيه حسين العدبني. والإقامة معهما بقرية الذنبتين. فتوفي بها في السنة المذكورة. وحضر الفقيه عمر بن سعيد دفنه في جماعة من أصحابه رحمة الله تعالى. وفي سنة 636 رجع السلطان نور الدين من مكة إلى اليمن وأقام ابن الوليديّ وابن التعزيّ في مكة كما ذكرنا حتى انقضت السنة المذكورة والله اعلم: وفي سنة 637 وصل الأمير سنجه صاحب المدينة إلى مكة المشرفة في ألف فارس. وخرج عسكر السلطان نور الدين من مكة وأَخلوها له. وفي هذه السنة تسلم السلطان نور الدين حصن الكميم وطلعٍ صنعاء مرةً ثانية. فأَتاه خبر قتل الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زكريٍ. وأَتاه الخبر بهزيمة العسكر من مكة. قال صاحب العقد الثمين. حدثني من أثق به ممن شاهد الحال قال ما رأيت اربط جأشاً ولا أطلق وجهاً من السلطان نور الدين وقد اقبل إليه العسكران مغلوبين مهزومين فلم يتلعثم ولم يتوقف في خبر كسرهم وإصلاح أُمورهم بالخيل والعدد والملابس والنفقات حتى عادوا احسن حالاً واجمل قشرة مما كانوا عليه. ثم أن السلطان نور الدين رحمة الله عليه جهز ابن البصري والشريف راجح إلى مكة في عسكر جرَّارٍ. فلما سمع بهم الشريف سنجة وأصحابه خرجوا من مكة هاربين. فتقدم سنجة إلى مصر. وكان سلطانها يومئذ الملك الصالح نجم الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أيوب بن الملك الكامل. فجهز مع عسكراً فيهم علم الدين الكبير وعلم الدين الصغير. وفي سنة 638 وصلت العساكر المصرية إلى مكة المشرفة فأَخذوها وحجوا بالناس. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو محمد بن راشد بن سالم ابن راشد بن حسن. وكان فقيهاً كبيراً وإماماً جليلاً. تفقه بمحمد بن أحمد بن حديل بسهفنة. ودرس بالمصنعة مدة. فتفقه به خلق كثير منهم القاضي بهاءُ الدين محمد بن سعيد واخوته وابن عمهم قاضي القضاة محمد بن أبي بكر. وعنه أخذ الخطيب علي بن عمر العبيدي وأبو بكر بن ناصر. وكان وفاته في سلخ جمادى الأولى من السنة المذكورة. وتوفي الفقيه الصالح الفاضل عبد الله بن أحمد بن أبي القسم بن أحمد بن اسعد الخطابي. وكان فقيهاً ماهراً معاصراً لعلي بن الحسن الأصابي. وتفقه بمحمد بن مضمون ومحمد ابن أحمد بن حديل. وامتحن بقضاء السَّحُول والمسترق ووحاضة. وكان يسكن قرية الجعامي التي كان يسكنها الإمام زيد الغايشي. لأنه تزوج في ذريته ثم صار إلى هدافة. وتزوج في ذرية الهيثم أهل الجحفة واصله من عرب يقال لهم بنو خطاب بحاءٍ معجمة يسكنون حارة القحمة. وكان وفاته بهدافة في القرية المذكورة. وتوفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن إسماعيل المازني. وكان رجلاً مباركاً فقهياً ذاكراً للفقه له مروءَة. وأصل بلده ذي أشرق. وتفقه بالقاضي مسعود. وتزوج بابنته في حياته فكان أولاده منها. وقيل للقاضي مسعود كيف تزوج المازني وهو رجل فقير. فقال أرجو ببركة العلم أن يكون كافياً لي ولأولادي فكان كما قال. وكان يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وكان مدرساً بالمسجد الذي بناه الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول. على تربة والده الأمير شمس الدين بقرية عكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ويرى أنه صلى يوم الجمعة بذي جبلة. ثم خرج من الجامع يريد بيته. وكان يسكن بذي بجدان مواضع من موقف المسجد المذكور. فلما صار في الطريق لقيه رجل راكب على بغلة حسنة ومعه عدة غلمانٍ. فظنه وزيراً أو قاضياً أو بعض الكبراء من غلمان الدولة. وكان السلطان نور الدين يومئذ في قصر عومان. فسأَل الفقيه عن صاحب البغلة حين قابله فقيل له هذا طبيبُ يهوديَُ يخدم السلطان في هذه الوظيفة. فانقضّ عليه الفقيه واجتذبه من البغلة التي هو عليها وألقاه على الأرض وخلع نعله وضربه به ضرباً موجعاً شديداً وجعل يقول. يا عدوَّ الله وعدو رسوله لقد تعديت طورك وخرجت عن واجب الشرع فينبغي إهانتك. ثم تركه وقد بلغ منه مبلغاً. فقام اليهوديُّ ورجع إلى باب السلطان وهو يستغيث وقد قلت عمامته. فقيل له من خصمك. فقال الفقيه محمد الماربي. فأرسل مولانا السلطان نور الدين رحمة الله عليه رسولاً يسأله عن القصة. فلما جاء الرَّسولُ قال له الفقيه سلم على مولانا السلطان وعرفه أنه لا يحل له أن يترك اليهود يركبون البغال بالسروج ولا يحلُّ لهم أن يترأَسوا على المسلمين ومتى فعلوا هذا فقد خرجوا عن ذمة الإسلام عليهم. فرجع الرسول بالجواب إلى السلطان عن الفقيه والسبب. فلما سمع السلطان ذلك قال لليهوديّ. تقدَّم مع الرسول إلى الفقيه ليعرفك ما يجب عليك من الشرع فتفعله. ثم قال للرسول. قل للفقيه يسلم عليك السلطان ويجب أن تعرف هذا اليهودي ما يجب عليه في الشرع ومتى جاوزه فقد برئ من الذمة. فقال له الفقيه يجب عليك كذا وكذا ولا تفعل إلا ما هو كذا وكذا ومتى تعديت وجب عليك النكال وحل دمك. فانصرف اليهوديُّ ورجع الرسول إلى السلطان فأَخبره بما كان من الأمر. فقال له: إياك أن تتعدى ما أمرك به الفقيه فتقتل ولا ينفعك أحد فإن هذا حكم الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم. فانصرف اليهودي إلى منزله. ولم يزل الفقيه على التدريس في المسجد المذكور إلى أن توفي في سنة 638. وفي سنة 639 استولى السلطان نور الدين على حصنت يُميَن والشواهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وقتل عمار بن الشيبانيّ. وكان عمار مطيعاً ممتنعاً على حصونه. فوفد إليه الأديب محمد بن حمير الشاعر المشهور. فأَقام على باب داره ساعة من نهار فلم يأذن له فكتب إليه رقعة يقول فيها: يا البابٍ أصلحك الله أمرُْ لسن ... أَمضه السير والإدلاج والسهر وافى إلى أرض خولان فصادفها ... مثل القتادة لا ظل ولا ثمر فلما وقف على رقعته وقع على ظهره كتاباً يقول: بل كالغمامة فيها الظل والثمر ثم أذن له فأكرمه وأنصفه وأقام عنده أياماً ثم انصرف عنه فلقيه جماعة من عبيد عمار فنبهوه وأخذوا ما معه. فاتهم عماراً ووقع في خاطره أنه الذي أمرهم بذلك. ثم قدم على السلطان نور الدين فانشده في مجلس الشراب. ما شاق قلبي أَمراجُ وأَكواد ... ولا شجتني أَعلامُ وآثارُ ولا أُسائلُ أَهل النجد أن نجدوا ... ولا أُسائلُ أهل الغوْر أن غادروا قد يزأر الذئب إذ لا حولهُ أَسدُ ... ويصهل العيرُ أن لم يلق خطارُ سررت باليمن الخضراء حين صفت ... لابن الرسول فما من تلك أَكدارُ وكان فيها عطاريدُ زعانفة ... فما بقي من بني البظراء ديَّارُ لكن بقي فردُ ثؤلولٍ تعاب بهِ ... والنار تسهل مركوباً ولا العارُ أن قلتُ لم يبق سلطان سوى عَمر ... قالوا بلى وبقي السلطان عمارُ أو قلت لا قصرَ إلا قصرُ دُملؤَه ... قالوا براشُ يُمين القصرُ والدارُ أو قلت ما أحسنَ المعشارَ من جؤة ... قالوا وليس إلى ذبحان معشارُ فخذ يمنياً ولا تقبل معاذره ... فالكلب حيث خلا بالعظم جبارُ لم يتفق قط سلطانان في بلد ... هل يدخل الغمد بتَّارُ وبتارُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ما غبت إلا رمي بالعين دملؤَة ... وظل ينشد والأقداحُ دوَّارُ وابن المحليّ يميثهُ بملحمة ... كلاهما اتفقا طبل ومزمارُ مولاي لا تحتقرهُ فابن ملجم قد ... عدى بحيدر والدَّار غدَّارُ بئس الخبيئة تحت الفرش قمَّلةُ ... والسدُّ شرُّ كمين تحته الفارُ وفي هذه السنة جهز السلطان نور الدين جيشاً كثيفاً إلى مكة المشرفة مع الشريف عليّ بن قتادة. فلما علم العسكر الذي في مكة من المصريين كتبوا إلى صاحب مصر طلبوا منه مادة. فأرسل إليهم بالأمير مبارز الدين عليّ بن الحسين بن برطاس وابن التركماني ومعهم مائة وخمسون فارساً. فلما علم الشريف عليُّ بن قتادة بوصولهم أَقام بالسرّين وأَرسل إلى السلطان نور الدين يعرفه صورة الحال فتجهز السلطان نور الدين بنفسه إلى مكة في عسكر جرار وخزانة جيدة وعزم شديد فلما علم أهل مصر بقدومه ولوا هاربين وأَخرجوا دار المملكة بمكة على ما فيها من عُدة وسلاح. فدخل السلطان نور الدين مكة وصام بها شهر رمضان من السنة 639 المذكورة. ووصل الأمير مبارز الدين عليُّ بن الحسين في عدة من بني عمه وأصحابه راغبين في خدمة السلطان. فأَنعم السلطان نور الدين عليهم وكساهم جمعاً. وأرسل السلطان نور الدين إلى الشريف صاحب ينبع. فلما أَتاه أكرمه وأَنعم عليه واستخدمه واشترى قلعة ينبع وأَمر بخرابها حتى لا يبقى قرار للمصريين. وأَبطل السلطان نور الدين عن مكة سائر المكوسات والجبايات والمظالم وكتب بذلك مربعة وجعلت قبالة الحجر الأسود ورتب في مكة الأمير فخر الدين السلاَّخ وابن فيروز وجعل الشريف أبا سعد بالوادي. وفي سنة 640 توجه السلطان نور الدين من مكة إلى اليمن. وفيها مات الخليفة المستنصر وتولى الخلافة بعده ولده المستعصم بالله أمير المؤمنين أبو أحمد. وهو الذي يدعى له سائر المنابر إلى وقتنا هذا من سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وفيها وصل حجاج العراق إلى مكة وكان قد انقطع حاج العراق عن مكة سبع سنين فلما يحجج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فيها أحد من العراق من سنة اثنين وثلاثين إلى سنة أربعين. فلما وصل أمير الحاج العراقي إلى مكة كسى البيت وجعل الذهب والفضة على البيت وتصدق بصدقة كبيرة في مكة. وفي هذه السنة توفي الفقيه العلامة الإمام أبو الحسن علي بن قاسم بن العليف بن هيس بن سليمان بن عمرو بن نافع الحلمي الشراحيلي. وكان إماماً كبيراً عالماً محققاً مدققاً. وبه تفقه غالب فقهاء عصره من غالب نواحي اليمن. وله مصنفات مفيدة منها كتاب الدرر في الفرائض. وله مختصر سماه الدرر. بين فيه بعض مشكلات التنبيه سيرها إلى بغداد صحبة الإمام رضي الدين الصغاني. وأجاب عنها جماعة من علماء بغداد. وأجاب عنه أيضاً محمد بن يوسف الشويري. وأجاب عنها هو أيضاً. فكان جوابه أرضى الأجوبة كلها. واصله من حكماء حرض وقدم زبيد بعد أن تفقه على الفقيه إبراهيم بن زكريا. ثم لما قدم زبيد أخذ عن الفقيه عباس ابن محمد. ثم طلع الجبال فقصد ذي أشرق. فأدرك القاضي مسعوداً وأخذ عنه. ومن أعيان أصحابه بزبيد محمد بن الخطاب وعمر بن عاصم وإبراهيم ابن القلقل وعبد الرحمن بن المبارك السجيلي وعمر بن مسعود الابنان وحسن الشرعبي وعبد بن أحمد من السهولة. قال الجندي: ولقد أخبرني الثقة أنه خرج في درسه ستون مدرساً. وكان يحفظ التنبيه ولا يزال حاملاً له. ومقبلاً عليه. فقيل له أنت تحفظه فلم تحمله. فقال احتج به على أهل المراء. وكان راتبه في كل يوم سبعاً من القرآن أخذ ذلك عن شيخه إبراهيم بن زكريا. وكان ذا ورع شديد. لوزم على قضاء زبيد. ولزوم على التدريس فامتنع. ورسم عليه أياماً فلم يجب إلى ذلك. وكان فقيراً يعدم ما يقتاته وفضله أكثر من أن يحصى. وكانت وفاته يوم الخامس من شهر رمضان من السنة المذكورة بزبيد. وقبره في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الناحية الشرقية من مقبرة باب سهام. معروف مشهور وبتبرك عنده. ولما توفي في التاريخ المذكور خلفه ابنه أحمد. وكان فقيهاً مبرزا فرأس ودرس إلى أن توفي يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر من سنة أربع وستين وستمائة. ومن تلامذته إبراهيم بن علي القلقل بقافين مكسورتين بينهما لام ساكنة. وكان فقيهاً محققاً جليل القدر وله فتاوى تدل على فقهه وسعة عمله. لوزم على تدريس المنصورية بزبيد. فامتنع فرسم عليه. فأقام في ارسم أياماً. وكان من اجل الفقهاء قدراً. واليه تنسب القرية المعروفة بجمل القلقل غربي مدينة زبيد قاله الجندي والله أعلم. وتوفي الفقيه العالم أبو محمد عبد الله بن زيد مهدي العريقي من العروق أيامه وهي قرية قريبة من حصن السدف؟ وهي بضم الهمزة وفتح الياء المثناة من تحت ثم ألف ثم ميم مفتوحة وآخره هاء كان فقيهاً دقيق النظر ثاقب الفطنة اتضح له في بعض المسائل ما لم يتضح لغيره. فلم يقلد فيها أمامه. فأنكر عليه علماء وقته إذ لم يطيقوا الإنكار على غيره ممن يقول بقوله كأحمد وداود وكانوا يعظمونه ويثنون عليه. وكان مشهوراً بالعلم والصلاح والأصول وكان جيد الفقه. توفي في السنة المذكورة في جامع الصردف متعكفاً. وكان كثير الاعكتاف به بعد خلو الصردف من الساكن. وفيها توفي الفقيه أبو سعيد محمد ابن أحمد بن مقيل الذي كان فقيهاً فاضلاً تفقه بابيه وهو أحد مدرسي المدرسة المنصورية بالجند. وتفقه به جماعة من أهلها وأعاد إلى بلده فتوفي بها في السنة المذكورة وقبر إلى جنب فبر أبيه والله أعلم. وفي سنة إحدى وأربعين تسلمك السلطان نور الدين جبل خفاش وهو من معاقل اليمن المشهورة في الجهلية والإسلام. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن زكريا في بداية الأمر ثم تلميذه وابن عمه محمد بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن زكريا. فلما توفي محمد بن يوسف خلفه في التدريس هو وأخوه عبد الله بن محمد بن إبراهيم. وكانت وفاة الفقيه عبد الرحمن في السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 المذكورة. وتوفي ابن عمه محمد بن يوسف سنة خمس وعشرين وستمائة والله أعلم. وأما جده إبراهيم بن عبد الله بن محمد ابن زكريا. فكان فقيهاً عالماً محققاً مدققاً ورعاً زاهداً. تفقه بابيه عبد الله ابن محمد ثم بالظوري. وتفقه به جمع كثير من التهائم والجبال وهو أكثر الفقهاء المتأخرين أصحاباً حتى نقل الثقة عن الفقه إسماعيل بن محمد الحضرمي أنه قال لبني زكريا على غالب فقهاء اليمن منة او كما قال فإن غالب طرقهم في الكتب المسموعة عليهم. وانتشر عنه الفقه في اليمن انتشاراً متسعاً فمن أعيان تلامذة الفقه إبراهيم بن عبد الله المذكور موسى بن علي بن عجبل وعبد الله بن عجمان وعلي ابن قاسم الحلمي وعلي بن أبي قاسم ومحمد بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن زكريا وغيرهم. وكان ورده في كل يوم سبعاً من القرآن واقتدى به في ذلك جمع كثير من أصحابه وكانت وفاته في سنة سبع وستمائة والله أعلم. وفي سنة 642 تسلم السلطان نور الدين حصن سمُاة في بلاد خولان. وفي ذلك يقول التاج بن العطار المصري وكان شاعر الملك المنصور رحمة الله عليه ما سماءُ الدنيا على ابن علي ... ببعيد فكيف أرض سماؤه ملكُ يومه لفتح مبين ... في الأعادي وليله للتلاوه واستولى على بلاد علوان الجخدريّ وطرده إلى بلاد الخولان الشامية. واستولى على جميع اليمن الأعلى والأسفل ما خلا ذمرمر وبيت ردم وثلا وتلمص وظفار وكهلان بن تاج الدين والطويلة. وفي هذه السنة توفي الفقه الصالح عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن زكريا وكان فقيهاً ماهراً في التدريس وهو المشار إليه في العلم والفضل والزهد ولما توفي في التاريخ المذكور خلفه ابن عمه محمد بن عمر بن يحيى بن زكريا. وكان فقيهاً فاضلاً وخطيباً كاملاً ولي خطابة زبيد سنتين وتوفي فيها السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة ثلاث وربعين توفي الفقيه المقرئ أبو بكر بن اسعد بن حسين. وكان فقيهاً صالحاً مقرباً حسن الصوت بقراءة القرآن فبلغ السلطان نور الدين خبره فاستدعاه في شهر رمضان ليشفع به فشفع به ليلتين أو ثلاث ليال. ثم مرض فلما اشتد به المرض عاد إلى بلده فتوفي بها في السنة المذكورة والله أعلم. ثم مرض أربع وأربعين توفي الفقيه العالم الإمام الفاضل القاضي أبو الخطاب عمر بن أبي بكر بن عبد الله ابن قيس بن أبي القاسم بن أبي الأعز النحوي اليافعي المعروف بالهزاز. وكان فقيهاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 صالحاً وهو أحد القضاة المتورعين تفقه باه له اسمه عبد الله غاب عني تاريخه. ولما امتحن القاضي المذكور بقضاء تعز سار فيه السيرة المرضية. فكان إذا مات أحد وله أولاد صغار أمر من يجهزه ويقضي دينه فإذا فضل شيء من تركته أمر المؤذن أن يصيح على سطح جامع المعزية المشرف على السوق إلا أن فلان بن فلان توفي إلى رحمة الله تعالى. وخلف من المال كذا وكذا ومن العيال كذا وكذا ومن الدين كذا وكذا فقضي الدين وبقي العيال كذا وكذا فقدر لهم الحاكم في كل شهر كذا وكذا. ثم إذا انفق عليهم في كل شهر أمر المنادي ينادي إلا أن اليتيم فلان بن فلان قد صرف من ماله كذا وكذا. وكان الناس يعرفون أموال الأيتام ومع من هي وما تصرف منها في كل شهر وما بقي لكل يتيم. وهذا أمر لم يسبقه إليه أحد من القضاة ولا لحقه فيه أحد وأصابه في آخر عمره الفالج. فلذلك قيل له الهزاز ولم يزل على القضاء المرضي إلى أن توفي في تعز ليلة الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكان ميلاده لبضع وستين وخمسمائة. واصل بلده العقيرة. ولما توفي في التاريخ المذكور قبر عند حول مجير الدين عند مرتاع البقر في سوق مدينة تعز. وكان له أخ يسمى يوسف كان فقيهاً أيضاً توفي قبله بثمانية أيام. وأما مجير الدين فكان اسمه كافور التقي. وهو أحد خدام سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب وكان يتعانى القراءة ومحبة أهلها وكان يحب العلماء ويحسن الظن بهم. وله اشتغال بطلب العلم الشريف وكان شيخاً في الحديث. وقد روي عنه جماعة من الفقهاء. وهو الذي ابتنى المدرسة المعروفة بالمجيرية في مدينة تعز هنالك تزار ويتبرك بالدعاء عنده. ولم اقف على تاريخ وفاته رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وفي سنة 645 استولى السلطان نور الدين على بلد العوادر وحصونهم. وبلغه عن الأمير أسد الدين بن أخيه أمور مستحسنة. فاستدعاه إلى جوَّة فاتاه. فلما صار أسد الدين في الجوَّة تخوف من عمه خوفاً شديداً فرجع هارباً. فلما بلغ السحول وجد الأمر قد شيع إلى الأمير ناجي صاحب السحول أن يمنع أسد الدين من طلوع النقيل فاشرف عليه ناجي من طاقة بيته وقال له: ارجع إلى عمك فلا سبيل لك إلى النقيل. وكان ناجي المذكور من نصحاء الدولة المنصورية فتحير الأمير أسد الدين وضاق ذرعاً وخشي من غائلة عمه. وكان الأمير أسد الدين يصحب الورد بن ناجي فطلبه وأعمله بما هو فيه من الأمر وأنه خائف من عمه فسلك به الورد بن ناجي طريق القفر ووصل به إلى ذمار من طريق وصاب. وكان دخوله ذمار في أول سنة ست وأربعين وستمائة. وفي هذه السنة أعني سنة خمس وأربعين. توفي الفقيه الصالح يحيى بن فضل بن سعيد بن حمير بن جعفر بن أبي سالم المليكي. وكان مولده ليلة الاثنين لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وخمسمائة. وكان يتفقه بابيه وغيره وفتح له في العلم فارتقى فيه إلى درجة عالية وحاز منه نصيباً وافراً حتى قال الفقيه عمر بن سعيد العقيبي من العلماء المبرزين توفي ليلة الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وتوفي الفقيه الإمام العالم أبو محمد علي بن عبد الله بن الفقيه بأخيه أحمد وبالفقيه إسماعيل الحضرمي. وأخذ عن ابن عمه يحيى بن عمر بن عثمان بن الفقيه محمد ابن حميد. وعن علي بن أبي بكر بن الفقيه محمد بن حميد وتفقه بن جماعة من أهل تعز وولي قضاء تعز. فكان ذا سيرة مرضية إلى أن توفي يوم الجمعة عيد الفطر من السنة المذكورة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وفي سنة 646 قام الإمام أحمد بن الحسين القاسمي فأقامه الزيدية. وكان قيامه في ثُلا في نصف شهر صفر من السنة المذكورة. وبث الدعوة في جميع الأقطار. فأجابه خلق كثير من ناحية اليمن. وأمر بالمحطة على حصون المخلافة. وكان واليها يومئذ القاضي شهاب الدين عمارة بن علي الأصبهاني من قبل السلطان نور الدين. وكانت حصون المخلافة يومئذ بأيدي الشرفاء أولاد يحيى بن حمزة فلما قام الإمام أحمد بن الحسين راسله الأمير أسد الدين على نصرته والقيام معه. فأجابه إلى ذلك وأقام الفتنة على عمه. فاقتضى الحال طلوع السلطان نور الدين لحربهما وقتالهما. وكان لا يملُّ الحرب فتجهز وطلع إلى صنعاء. فلقيه ابن أخيه الأمير أسد الدين إلى ذمار. فاستعطمه واعتذر إليه فرضى عنه وسار بين يديه إلى صنعاء فدخلها يوم الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. فأقام بها إلى يوم الأحد من شهر جمادى الأولى وخرج من صنعاء وحط تحت حصن كوكبان في موضع بقال له الهدادى. ثم طلع الضلع وحط في الرُّحام إلى خوشان. ويقسم المادة والتنفيس على حصون الخلافة. فحال دون ذلك السواد الأعظم من أهل المعازب. فعاد من الرحام إلى خوشان. وكان الإمام في ثلاَّ فكان القتال في العقاب تحت حصن ثلاَّ. وفي بعض الأيام يكون القتال تحت حصن من حصون المصانع. فوقعت بينهم حروب عظيمة. منها اليوم المعروف بيوم العقاب. قتل فيه من عسكر الإمام تسعون رجلاً بالنشاب. وكان أمير القتال يومئذ مبارز الدين علي بن الحسين بن برطاس. تولى القتال بعد ذلك الأمير أسد الدين. والسلطان في محطته بخوشان. ثم جهز عسكر إلى بلد بني شهاب. وكان مقدم العسكر الأمير عبد الله بن الحسن بن حمزة. فحط في حدَة وسباع وخالف معه بنو شهاب وبنو الراعي وأهل حضور فنهض السلطان نور الدين إلى بلد بني الراعي. وكانوا قد عَّمروا موضعاً يقال له حجر الجواد في جبل حضور فأخبره ورتب في جبل حضور عسكراً من الرجل. ومال إليه جماعة من بني الراعي. وذلك في شعبان من السنة 646 المذكورة. ثم سار إلى جهة بني شهاب فأتلف زروعهم. ووقع هنالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 حروب كثيرة ورجع السلطان إلى صنعاء فدخلها يوم الجمعة الثاني من شهر رمضان من السنة 646 المذكورة. ثم جهز السلطان ابن أخيه أسد الدين إلى بلاد هذاذ في السابع والعشرين من شهر رمضان. فاستولى علي مصنعة بني خوَّال فقتلهم في شوال وقتل أهل علاَّنة في ذي القعدة واخرب ستارة في آخر ذي القعدة. وخرج العسكر المصوريُّ من صنعاء إلى عَتمان فقتلوا جماعة من أهل عتمان في ذي القعدة أيضاً. ورجع الأمير أسد الدين إلى صنعاءَ فأقام بها أياماً. وخرج السلطان نور الدين من صنعاءَ إلى بلد بني شهاب في اليوم التاسع والعشرين من ذي الحجة. فحط في الحقل غربي صنعاءَ وأمر العسكر فأخربوا زروع حدة وسباع ووقع هنالك. وفي هذه السنة 646 المذكورة عزل السلطان نور الدين الأمير فخر الدين السلاخ عن مكة وأعمالها وأَمّر المسبب عوضه بعد أن أَلزم نفسه مالاً يؤديه من الحجاز بعد كفاية الجند وقود مائة فرس في كل سنة. فتقدم إلى مكة بمرسوم السلطان فدخلها وخرج عنها الأمير فخر الدين السلاخ فأقام ابن المسبب أميراً بمكة ست وأربعين والتي بعدها فغير في هذه المدة جميع الخير الذي وضعه السلطان نور الدين وأَعاد الجبايات والمكوس بمكة وقلع المربعة التي كانت للسلطان كتبها وجعلها على زمزم واستولى على الصدقة التي كانت تصل من اليمن وأخذ من المجد بن أبي القاسم المال الذي كان تحت يده لمولانا السلطان الملك المظفر وبني حصناً بنخلة يُسمى العطشان واستحلف هذيلاً لنفسه ومنع الجند النفقة فتفرقوا عنه ومكر مكراً فمكر الله به. ولما تحقق الشريف أبو سعد منه الخلاف على السلطان وثب عليه وأخذ ما كان معه من خيل ومماليك وقيده وأحضر أعيان أهل الحرم وقال: ما لزمته إلا لتحققي خلافه على مولانا السلطان فعلمت أنه أراد أن يهرب بالمال الذي معه إلى العراق وأنا غلام مولانا السلطان والمال عندي محفوظ والخيل والعدد إلى أن يصل إليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مرسوم السلطان فيه. فوردت الأخبار بعد أيام يسيرة بوفاة السلطان. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاصل أبو العقيق أبو بكر بن محمد بن ناصر بن الحسين الحميري نسباً وكان فقيهاً زاهداً ورعاً متقللاً عن الدنيا لا يلبس إلا ما يغزله حريمه من العطب الذي يجلب من تهامة ويكره عطب اليمن. ويقول بلغني أنه قد اغتصبها الملوك. ثم متى كل أعطاه نساجا تحقق دينه وأمانته لئلا يخلطه بغيره. وكان له حول لا يأكل إلا منه لأنه ورثه من أهله. وكان لا يقصر ثيابه بل ما تقدم منها جعله عمامة. وما كان جديداً جعله رداءاً. وكان إذا اقبل المسجد بالذنبتين أنار المسجد. حتى أن الذي يطالع في الكتاب يجد النور على كتابه فيرفع رأسه ليرى سبب ذلك فما يرى إلا الفقيه قد دخل المسجد ومناقبه كثيرة. وكان تفقه بالحسن بن راشد المقدم ذكره. وأخذ عن أبي الحديد وابن خديل ومحمد ابن اسعد بن ظاهر بن يحيى وغيرهم. وتفقه به جماعة منهم منصور بن محمد الأصبحي عم الفقيه محمد الأصبحي وعبيد بن أحمد الهشامي. وعنه أخذ محمد ابن أحمد بن خديل ولد شيخه. وكان فقيهاً محققاً. وله شعر مستحسن ومن شعره قوله الوطءُ في دبر الحلال محرم ... ومخالف في خمسة أحكام إذن وتعبين وحلّ مطلق ... والفيء والإحصان في الإسلام وكان في عصره رجل من الصوفية متعاني الرقص اسمه عطية يسكن قرية الباقر يقول أن النبي صلى الله عيه وسلم كان يرقص سمع الفقيه ذلك عنه شق علي فقال قصيدة في ذلك المعني منها قوله نبئت أن بهاقراً ظهرت به ... لعب الولايد معلما بزفير حاشى لأحمدان يرى متلاعباً ... وعطية في ذاك غير خبير ويروى أنه أصبح يوماً في حلقة تدريسه فجاءَه بعض أصحابه فقال له رأيت في المنام كان فوق رأسك حمامات كثيرة متجمعات. وبينهن طائر له عليهن تمييز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 بالخلقة والصورة. فبينا أن أتعجب منه ومنهن إذ به قد غاب عنهن وظني أنه نزل في الأرض فحين فقدته الحمام أخذت في التفرق. فقال الفقيه أنا الطائر والحمام أصحابي.؟ ثم قال استعدوا للموت وأوصى ولم تطل مدته بعد لك فتوفي بعد أيام قلائل. وكانت وفاته يوم الخميس عاشر شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة 647 نهض السلطان نور الدين من محطته بالحقل إلى مخلاف صداء. فأخرب زرعه وتقدم إلى بيت نعامة وفيه الشرفاءِ وعسكرهم وبنو شهاب وبنو الراعي وأهل حضور إلى قرية داعر. فحاربهم السلطان هنالك وقتل جماعة منهم وأخرب القرية. وذلك في المحرم من السنة المذكورة. ولما كان يوم السابع عشر من المحرم المذكور طلع عسكر الإمام أحمد بن الحسين حصن كوكبان على حين غفلة من أهله. فلما استقلوا في رأسه خرج عليهم المرتبون فقتلوهم أبرح القتل. وكان الإمام قد أغار بكرة ذلك اليوم إلى كوكبان ووقف تحت الحصن فلما قتل عسكره عاد إلى حصن ثلاَّ من فوره وعاد مولانا السلطان نور الدين إلى صنعاء فأقام بها إلى يوم الثاني عشر من شهر صفر. ووصل إليه الأمير أحمد بن يحيى بن حمزة فخرج إلى لقائه فأكرمه ودخل به صنعاء وأنعم عليه بحصن تكريم. تم تقدم السلطان إلى جهة اليمن فحط في قرة العين يوم الثلاثاء الثالث من شهر ربيع الأول وجعل طريقة على ينعم لقتال من فيها. وكان فيها الأمير عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة والأمير أبو هاشم بن صفي الدين. فحاربهم العسكر المنصور وقتل من عسكرهم جماعة. ثم تقدم السلطان إلى جهران ومعه الأمير أسد الدين محمد ابن الحسن بن علي بن رسول مشيعاً لهُ. فاجتمع أهل بكيل وأهل غابين وأهل الصبح وأهل تلك النواحي وعسكر الإمام. ومقدمهم الشريف الضياء وكانوا نحو عشرة آلاف راجل ومائة وخمسين فارساً وأرادوا أن يمنعوا السلطان من التوجه إلى ناحية بكيل وركزوا في نجد النونة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فهزمهم العسكر المنصوري وقتل منهم كثيراً وأخرب غابين والصبح وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة 647. وفي سنة 647 وصل الأميران موسى وداود ابنا عبد الله بن حمزة إلى ظهر في خيل ورجل. وكان في صنعاء أستاذ دار الأمير أسد الدين وهو عز الدين المهندس رتبة. فحارب الشريفين وطردهما من ظهر. وعاد الأمير أسد الدين إلى صنعاء من زمار بعد نزول السلطان نور الدين إلى اليمن فلزم أهل البلاد وعسكر الإمام نقيل الغائرة ومنعوه من الطلوع إلى الكميم في لقاء الخزائن فاجتمعت شخيان البلاد كافة وعسكر الإمام وهموا بأخذ الخزائن وكانوا نحواً من أربعة آلاف راجل ومائة وخمسين فارساً فقاتلهم وهزمهم جميعاً. ثم خالفت عليه البلاد وأترق عسكره من غزو العرب وهربوا إلى الإمام ولم يبق إلا مماليكه. فما اكترث بشيء من ذلك ولا خطر له على بال. وكانت الحرب بينه وين الشرفاء سجالاً على قلة عسكره وإقبال الناس على الإمام. ثم كانت وقعة قارن بين الإمام أحمد بن الحسين وبين بني حمزة. فقتل من بني حمزة طائفة واسر طائفة وكان يوماً مشهوراً. وهو يوم الأربعاء 14 من شهر شوال من السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصلح عبد الله المازني وكان فقيهاً مشهوراً صالحاً ورعاً نفقه بعمر بن سعيد العقبي وكان صالحاً تقياً ولما توفي في التاريخ المذكور ودفن وقف شيخه على قبره ساعة وهو مصغ إلى القبر ثم قال بشرني والله يا تاج بشرني يا تاج فسأله بعض أصحابه عن موجب ذلك فقال لم أر من سبق الملكين قبل أن سألاه غير هذا. وكان الفقيه يلقبه بالتاج وكانت وفاته في رجب من السنة المذكورة. وفيها توفي الشيخ أبو موسى عمران الصوفي وكان من أعيان مشايخ الصوفية صحب الشيخ عليا الحداد بحق صحبته للشيخ عبد القادر الجيلاني. كان لزوماً للسنة نفوراً عن البدعة متعلقاً بأذيال العلم وله كرامات كثيرة. ويروي أنه اشتغل يوم جمعة بصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فلم يزل في قيام حتى فاتته الجمعة وانقضت فلزم الخلوة واعتكف فلم يزل في قيام وصيام حتى وافقته الجمعة الأخرى. وكانت وفاته في السنة المذكورة. وفي هذه السنة استشهد السلطان نور الدين رحمة الله عليه في قصر الجند ليلة السبت التاسع من ذي القعدة. وثب عليه جماعة من ممالكيه فقتلوه. وكان استكثر من المماليك حتى بلغت ممالكيه البحرية ألف فارس. وقيل ثمانمائة. وكانوا يحسنون من الفروسية والرمي ما لا يحسنه مماليك مصر وكان معه من المماليك الصغار قريب منهم في العدد خارجاً عن حلقته وعساكر أمرائه. ويقال أن الذي شجعهم على ذلك وآنسهم ووعدهم بما اطمأنت إليه نفوسهم ابن أخيه أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. وذلك أنه كان مقطعاً صنعاء من قبل عمه المنصور ثم أراد أن ينزعه منها ويجعلها لولد شمس الدين يوسف المظفر. فعزَّ ذلك كثيراً على أسد الدين فعامل المماليك على قتل عمه فقتلوه في التاريخ المذكور فلم ير أسد الدين بعد قتل عمه يوم سعد أبداً. تجري التقادير على خلاف التقادير. ويروى أنه لما رجع السلطان نور الدين رحمة الله عليه من حرب الإمام ودخل مدينة الجند وصل إليه رسول من ملك الهند قبل وفائه بيومين أو ثلاثة أيام. فحضر في مجلس السلطان وأدى رسالة مرسله. فأكرمه السلطان وأنعم عليه. فلما خرج قال لترجمانه. قد قرب أمده إلا أنه أبو ملك وجد ملك ومن ذريته ملوك. ثم قال قولاً بالعجمي فوجده. يأخذها ذو شامة من بعده ويلتقيها مسعد من بعده لا تنقضي من نسله وولده. وكان السلطان نور الدين ملكاً كريماً حاذقاً حليماً حسن السياسة سريع النهضة عند الحادثة وكان شريف النفس عالي الهمة فارساً شجاعاً مقاماً محراباً لا يمل الحرب. ومن الدلائل على ذلك طرده العساكر المصرية عن مكة المشرفة مرة بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أخرى. ولم يقنعه استقلاله باليمن بعد أن كان نائباً لهم فيها بل قاتلهم عن مكة وطردهم عنها وعن الحجاز. واستمال عدة من عساكرهم. وممن استماله من الأمراء الأمير مبارز الدين علي بن الحسين ابن برطاس والأمير فيروز الذي ذريته الأمراء بنو فيروز أصحاب أب قال الجندي: ويقال أن الأمراء بنو فروز تديروا أباَّ من زمن قديم يعني من قبل أيام الملك المنصور. والله أعلم. ولما قتل السلطان نور الدين في مدينة الجند ولم يكن يومئذ أحد من أولاده حاضراً بل كان الملك المظفر في المهجم واخوته ووالدتهم في حصن تعز بسبب جهاز الست عازبة ابنة السلطان الملك المنصور عروساً على شريف من أهل مكة فانتقلت بهم إلى الدملؤَة فاجتمع بنو فيروز وحملوا السلطان في محل وقصدوا به تعز فدفنوه في المدرسة الأتابكية بذي هزيم لكونه كان مزوجاً على بنت الأتابك سفر المعروفة ببنت حوزة. وكان مولانا السلطان الملك المظفر رحمة الله عليه يعرف ذلك لهم ويشكرهم على ما فعلوا ولذلك اقطعهم لإقطاعات الجليلة وحمل لشمس الدين طبل خانة ولأخيه فخر الدين أخرى وكانت له عندهم حظوة عظيمة. وكان السلطان نور الدين رحمه الله قد أثر آثاراً حسنة فما أثره المدرسة التي بمكة المشرفة بحيث يغبطه عليها سائر الملوك. وابنتي في مدينة تعز مدرستين تعرف إحداهما بالوزيرية نسبة إلى مدرسها الوزيري والثانية الغرابية نسبة إلى مؤذنها وكان رجلاً صالحاً اسمه غراب كان مؤذناَ فيها. وابتني مدرسة في عدن. وابتني في زبيد ثلاث مدارس يعرفن بالمنصوريات مدرسة الشافعية ومدرسة الحنفية ومدرسة الحديث النبوي. وابتني مدرسة في حد المنسكية من وادي سهام. ورتب في كل مدرسة مدرساً ومعيداً ودرسه إماماً ومؤذناً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. ووقف على الجميع أوقافاً بعيدة تحملهم وتقوم بكفايتهم جميعاً. قال الجندي: وابتني في كل قرية من التهائم مسجداً ووقف عليها أوقافاً جيدة. وكان النوري مفازة عظيمة فيما بين حس وزبيد هلك الهارون فيها فأبتني فيها مسجداً وجعل فيه إمامين واشترط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 لمن يسكن معهما مسامحة فيها يزرعه فسكن الناس معهما حتى صارت هنالك قرية جيدة وانتفع الناس بها نفعاً عظيماً. قال علي ابن الحسن الخزرجي. وأظنها إنما سميت النوري نسبة إليه لكونه الذي أحيي ذلك الموضع وكان يلقب نور الدين كما ذكرنا. والله أعلم. وابتني بين المدينتين حصوناً كثيرة ومصانع ورتب فيها الرجال. وآثارها هنالك إلى عصرنا هذا وأمر بعمارة البرك وهو جبل متصل بالبحر فيما بين مكة واليمن ورتب فيه العساكر الجيدة لمحاربة بني أيوب. وأرسل الشيخ معيبد بن عبد الله الأشعري صاحب رفح إلى الشيخ موسى بن علي الكتاني صاحب حّلْي ابن يعقوب بأن يتصدى لمحاربة بني أيوب. وكان موسى بن علي الكتابي ممن يضرب به المثل في الجود والكرم. فلما وصل إليه الشيخ معيبد برسالة السلطان نور الدين سمع وأطاع. وقال: أي شيءٍ تحملني من ضيافة هذا الرجل يعني معيبداً. فقاد إليه خمسين فارساً فقادها معيبد بأسرها إلى السلطان نور الدين. فأثنى عليه عنده وقال صاحب هذه النفس يصلح لمن يجري عليه اسم الأمير فأَجرى عليه اسم الإمارة من ذلك الوقت. وكان للسلطان نور الدين من الولد ثلاثة رجال وهم المظفر والمفضل والفائز. وكان المظفر أكبرهم. وظهر في أيام أميرية أبيه في مكة المشرفة سنة تسعة عشر وستمائة وقيل سنة عشرين وستمائة وهو الذي تولى الملك بعد أبيه وكان أبوه قد أقصاه وقدم أخويه عليه موافقة لأُمهما بنت حوزة وكانت قد غلبت عليه حتى أنه استحلف العسكر لابنه المفضل وهو أصغر من المظفر. وكان شاعره التاج بن العطار. وهو أحد فضلاء أهل مصر والأديب محمد بن حمير أحد فضلاء أهل اليمن فاجتمعا يوماً في مجلس الشراب. فقال له أبن العطار يا مولاي إني شاعرك من الديار المصرية وأراك تفضل أبن حمير عليَّ وتنعم عليه أكثر مني. فقال له السلطان أنه حاضر القريحة سريع البديهة وأنتم يا أهل مصر وإن كنتم أهل فضل وأدب فإنكم تبطئون. ثم التفت إلى أبن حمير وقال له. ما تقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فالتفت ابن حمير إلى أبن العطار وقال ارتجالاً: متشعر بعمامة معقودة ... لو بعثرت ملت الفضاء خميرا وأبوك عطار فما بال ابنه ... يهدي الصنان إلى الرجال بخورا قال وكان به شيء من ذلك. فضحك السلطان نور الدين وقال: أجبه فأفحم. وحضر في مجلس الشراب يوماً عند السلطان نور الدن وكان عنده يومئذ ابن أخيه الأمير أسد الدين. وكان للأمير أسد الدين شاعر من أهل المشرق يقال له علي بن أحمد فجعل أسد الدين يثني على شاعره المذكور. فقال السلطان نور الدين لابن حمير ما تقول. فقال ارتجالاً. أنا البحر فياضاً بكل غريبة ... أحلى بها المنصور درّاً وجوهرا وما أن أبالي عن عليّ بن أحمد ... وعن شعره ذقن ابن أحمد في المسك فقال له السلطان نور الدين: وما منعك من قافية الراءِ. قال خوف ابن أخيك هذا: وكان ابن حمير شاعراً فصيحاً جيد القريحة حسن البديهة وهو القائل في مدح مولانا السلطان نور الدين حيث يقول: قد قيل جاورْ لتغني البحر أو ملكاً ... أنت المليك وأنت البحر يا عمرُ ما حاز ما حزت لا عربُ ولا عجم ... ما شاد ما شدت لا جن ولا بشرُ إذا الجدود بهم أبناؤُهم شرفوا ... أو فاخروا فبك الأجداد تفتخرُ والكل أنت وفيك السر أجمعهُ ... فلا يغرَّنك أن غابوا وإن حضروا عزُّوا بعزّك أولاهم وآخرهم ... كما بأحمد عزت كلها مضرُ وقال أيضاً يمدحه من قصيدة أخرى قل للقوافي قفي على عمر ... إياك أن تخدعي فتنخدعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 حولي المكان الرفيع توتفعي ... ولا تحولي الوضيع تتضعي من خمدت ناره أن أبا ... أحمد نيرانه على السفعِ وكان السلطان نور الدين حنفي المذهب ثم انتقل منه إلى مذهب الشافعي. قال الجندي في تاريخه: أخبرني شيخي أحمد بن علي الحرازي بإسناده عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إبراهيم العسلي المحدث بزبيد وكان أحد شيوخ المنصور. أخبرني السلطان نور الدين المنصور من لفظه أنه كان حنفي المذهب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول له يا عمر صرت إلى مذهب الشافعي. أو كما قال: فأصبح ينظر في كتب الشافعي ويعتمد مذهبه. وكان يصحب الشيخ والفقيه صاحبي عواجة وهما ممن يشده بالملك. وصحب الفقيه محمد بن إبراهيم العسلي. وقرأ عليه وكان يحب العلماءَ والصالحين. وآثاره وأفعاله حميدة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الباب الثالث أخبار الدولة المظفرية وفتوحها قال علي ابن الحسن الخزرجي: لما توفي مولانا السلطان الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول في التاريخ المذكور سار المماليك بأجمعهم إلى محروسة زبيد ثم ساروا منها إلى فشال: وكان فيها الأمير فخر الدين أبو بكر بن علي بن رسول مقطعاً بها من عمه السلطان الشهير نور الدين عمر بن علي بن رسول فلقبوه الملك المعظم وحلفوا له وقصدوا مدينة زبيد. وكان فيها يومئذ ذات الستر الرفيع الدار الشمسي كريمة مولانا السلطان الملك المظفر ووالدته والطواشي تاج الدين بدر الملقب بالصغير. وكان مسجوناً في سجن زبيد حبسته بنت حوزة لكونه كان محب الملك المظفر فأَخرجته الدار الشمسي من السجن وأعطته مالاً جزيلاً. فاستخدم الرجال وأمرته بإغلاق أبواب المدينة وحفظها وحراسة أَسوارها. فرتب المقاتلين على الدَّرب وحارب المماليك والأمير فخر الدين على كره من أمير المدينة وناظرها. وكان الأمير يومئذ مملوكُ اسمه قانمان والناظر غريب يعرف بالشرف. وكان السلطان الملك المظفر يومئذ غائباً في إقطاعه بالمهجم وكان غير طيب النفس من والده لما قدَّم عليه أخوته المفضل والفائز. وكانت أمهما بنت حوزة قد استمالته وغصبت عليه وأقصت ولده السلطان الملك المظفر وكريمته الدار الشمسي عن أبيهما حتى أنه حلَّف العسكر لولده المفضل. فهم السلطان الملك المظفر تلك السنة بالخروج عن اليمن والمسير إلى الخليفة المستعصم بالعراق. فلما بلغه الخبر بوفاة والده شق عليه وانثنى عزمه عن الخروج من اليمن وتحير في أنه ضاق ذرعاً لما عرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 له من الحوادث العظيمة والخطوب الجسيمة من فقد والده وانحياز المماليك بأَسرهم إلى ابن عمه فخر الدين وحصارهم لزبيد وأسد الدين على صنعاءَ وأعمالها وقيام الإمام أحمد بن الحسين في البلاد العليا وانتشار صيته واستيلائه على معظم البلاد العليا وحصونها واستيلاء أخويه المفضل والفائز على الحصون والمدائن والخزائن ولم يكن في يده إلا قائم سيفه إلا أن القلوب مملوءَة بمحبته. قام مشمراً وجمع من معه من العسكر واستخدم من العرب خيلاً ورجلاً. وخرج من المهجم بإشارة الشيخ أبي الغيث بن جميل وسار إلى وبيد بجد وجد وتوفيق وسعد. وكان من دلائل سعادته أنه لما عزم على المسير أمر بتحميل آلته وخزانته فلما شرعوا في التحميل أخرجوا صندوقاً مملوءاً ذهباً ووضعوه ورجعوا للآخر. فمر رجلان من العرب فاحتملا الصندوق الأّول. فلما خرج الخزانون بالصندوق الآخر فقدوا الأول فلم يجدوه فوقفوا متحيرين فانتهى العلم بذلك إلى السلطان فطلب مشائخ العرب وأّمرهم باقتفاء الأثر: فخرجوا من فورهم يطلبون الأثر فما برحوا يقصون الأثر حتى وقفوا على اثر مبرك الجمل الذي حمل عليه الصندوق فوقفوا ينظرون يميناً وشمالاً فرأوا موضعاً هنالك على غير هيئة غيره: فنبشوه فوجدوا الصندوق ما فضَّ له خاتم فحملوه ورحبوا به فكان هذا من أعظم دلائل الفتح والسعادة. وكان خروج السلطان من المهجم في عساكره المنصورة في 28 من ذي القعدة سنة 647 ولم يزل المحطة والحصار على زبيد إلى أن علموا أن السلطان قد صار في الطريق قاصداً زبيداً فارتفعوا حينئذ ولما خرج السلطان الملك المظفر من المهجم إلى زبيد كان كلما مرَّ بقبيلة من العرب استخدم خيلها ورجلها وسار في خدمته من رؤساء العرب علي بن عمران القرابلي والشيخ محمد بن ذكري الحدقي والشيخ أحمد بن أبي القاسم وكان شيخ مشائخ سرود وحضر الفقيه يحيى بن العمك وكان مقدم الرماة: وخرج الشيخ ذكري بن القرابلي على هجين راكباً: فقال له الشيخ علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أبي بكر السودي وكان يلقب مخلص الدين وهو وزير مولانا السلطان. يا شيخ ذكري تكون من اكبر الجند وتركب على هجين وحق رأس مولانا السلطان لأركبن بغلة فخر الدين أن انعم الله بها على مولانا السلطان. قال له: قد انعم الله بها عليه. قال: فسوف نرى وكان جملة عسكر مولانا السلطان مائة وخمسين فارساً وألفي راجل وكان فخر الدين في ستمائة من المماليك وألف راجل ولما صار السلطان في أثناءِ الطريق لقيه بزوال من قال له هذا فخر الدين في الجم الغفير على عدوة الوادي قال فنهنه العسكر فركب السلطان حصاناً شديداً أشقر وأخذ قناة في يده. وكان فارساً حسناً فعطف رأُس حصانه وقال يا عرب أين تفرون عنا. أما ترضون أنفسنا بأنفسكم ثم جعل يقول أنا يوسف. قال: فوا الله لقد رأَيتكم في عسكر يتزايد إلى الإقدام كما يتزايد البحر. ولما علم الأمير فخر الدين ومن معه من المماليك بمسير السلطان الملك المظفر نحوهم اضطربوا اضطراباً شديداً وعزم فخر الدين على طلوع الجبل واللحاق بأخيه إلى صنعاءَ فاجتمع رؤساء المماليك وأعيانهم الذين لا ذنب لهم وهم الأكثر وكتبوا إلى مولانا السلطان كتاباً يطلبون فيه الذمة فأذمَّ لهم السلطان على أن يلزموا الأمير فخر الدين والجماعة الذين قتلوا فأجابوا على ذلك ولزموا الأمير فخر الدين وهو في خيمته وقطعوا طنباً من إطنابه وكتفوه به وساروا بأجمعهم إلى السلطان بعد أن لزموا الجماعة الذين قتلوا السلطان هذه رواية الجندي وقال صاحب العقد الثمين كان السبب في لزمه أن فخر الدين لما علم بمسير مولانا السلطان نحوه كاتبه وراسله وبذل له الطاعة وتسليم المماليك وهو يقول: لا تجمعوا علينا بين قتل أبينا وإخراج الملك من أيدينا فامتثلوا أمره واستمعوا قوله وقيدوا فخر الدين وساروا به إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وحكى صاحب العقد الثمين أيضاً قال. وسمعت من مولانا السلطان يقول: كان السبب في لزم المماليك للأمير فخر الدين انهم خرجوا من المحطة يتطلعون الأخبار فوافاهم بريد الأمير فخر الدين ومعه كتب منه إلينا بما يسؤهم. فعادوا إلى المحطة ولزموه ووصلوا به تحت الحفظ. وكان الأمير شمس الدين علي بن يحيى العنسي ظاهره مع السلطان وباطنه مع الأمير أسد الدين وأخيه. وكان شاعراً فصيحاً كريماً واصله من عنس قبيلة من مذحج فكتب إليه الأمير أسد الدين يحثه فيه على القيام ويحرضه على فكاك أخيه فخر الدين وفيه يقول: لو كنت تعلم يا محمد ما جرى ... لشتتنها شعث النواصي ضمرا ترمي بها دربي تَعِزَّ على الوحي ... لتنال مجداً أو تشيد مفخرا لابد أن تنجي أخاك حقيقة ... منها وأما أن تموت فتعذرا أن ابن برطاس تمكن فرصة ... آهٍ على موت يباع ويشترى صح يال حمزة تأْت واخصص احمدا ... لتخص من بين النجوم الأزهرا يعني الإمام أحمد بن الحسين والغالب عندي أنه غنما يعني الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة فإنه كان يومئذ رئيس بني حمزة. والله أعلم. لما وصل المماليك بالأمير فخر الدين إلى السلطان الملك المظفر أذم عليهم وآنسهم من نفسه كثيراً. وسار يريد محروسة زبيد فكان دخوله زبيدا في 10 ذي الحجة سنة 647 في موكب عظيم وعليه جلالة الملك وأبهة السلطنة فلما قعد على السماط واستقر في دار الملك قامت الشعراءُ بالمدائح يهنئونه بالملك فانشد الشعراءُ شيئاً كثيراً وقام الفقيه سراج أبو بكر بن وعاس من جملة الحاضرين يهنئ السلطان بما فتح الله عليه فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أن غاب أفق الملك عن أفق العلا ... فانظر ضياءَ الشمس قد ملأ الملأ أو كان جفن الملك أمسى ارمدا ... فاليوم أصبح بالمظفر اكحلا لا تجزع الدنيا لفقد مليكها ... رزئت برضوي واستعاضت يذبلا ما كان رزءُ الملك إلا غيهبا ... غم الورى واتاه صبح فأنجلا بالملك عاد الكسر جبراً وانثني ... جيد العلا حالٍ وكان معطلا هي دولة غرا وهذا مالك ... أضحى الزمان به أغر محجلا لم يرض غيرك يا أبا عمر لها ... فاستجلها أن العرائس تجتلى مازلت معترفاً بنعمة ربها ... متضرعاً لقدومها متبتلا أو ما تراها في زبيد تزدهي ... وتميس في حلل المفاخر والحلا أمهرتها وافي الصداق فما لها ... كفوءُ سواك ولا تريد تبدلا جاءتك طائعة ولم تهزز لها ... رمحاً ولم تشهر عليها منصلا فل للذي رام التملك جاهلا ... وسعى فضلَّ عن الطريق وضللا ما أنت والملك الذي لا سرُّه ... باد عليك ولست فيه مؤَهلا ارجع إلى كاس الطلا ودع الغلا ... للمغمد الأسياف في هام الطلا ولصاحب الجيش الذي سد الفضا ... وفلا بحد السيف ناصية الفلا وأعاد ريحك حين هبت أزيبا ... نكبا بريح منه هبت شمالا أولى الورى بالملك والده الذي ... ما انفك في نسب المفاخر أولا هي دولتي وأنا الذي أَملتها ... والله يعطي عبده ما أملا ولما قبض السلطان الملك المظفر على الأمير فخر الدين ودخل المدينة زبد كما ذكرنا واستقر ملكه فاجتمع له عسكر أبيه واحتملت حواصل التهائم وانشرح صدره وطابت نفسه استأْذنه مشايخ العرب في الرجوع إلى بلادهم فقعد لوداعهم في قاعة سيف الإسلام ودخلوا عليه للوداع فوهب للشيخ ذكرى بن القرابلي بغلا من دواب الأمير فخر الدين يسمى الدراج ووهب للشيخ علي بن عمران القرابلي بالمقصرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وكتب للشيخ محمد بن أبي ذكرى بلعسان وكساهم وانعم عليهم واحسن جوائزهم فعادوا إلى أوطانهم فرحين مسرورين. وفي سنة 648 استولى السلطان الملك المظفر على تهامة بأسرها وأطاعه أهلها وحملت إليه حواصلها وخرج من مدينة زبيد إلى عدن فسار طريق الساحل فاستولى عليها وعلى الحج وأبين في صفر من السنة 648 وتسلم حصن يمين ومنيف وحصون بلاد المعافر جميعها في صفر من السنة وكان أول بلد دخله من البلاد جباء فلقيه القاضي محمد بن أسعد الملقب بالبهاء واختطب له بها فهي أول بلد اختطب له فيها من الجبال. ثم حط على حصن تعز في شهر ربيع الأول من السنة 648 وكانت محطته في الموضع بدار السعيدة وهو بالجبل فيما بين الجاهدية وعسق وكتب إلى الشيخ علوان بن سعيد الجحدري يطلب منه رجالاً من مذحج فوصله بجيش جرار فأقام محاصراً للحصن إلى أن تسلمه في شهر جمادى الأولى من السنة 648 بخديعة منه وذلك أنه قبض في يوم من الأيام بريداً جاءَ من المفضل ووالدته من الدملؤَة إلى أمير الحصن وزمانه وكان أمير الحصن يومئذ علم الدين الشعبي والزمام أستاذ يقال له عنبر فلما قبض البريد أخذ ما معه من الكتب وفضها وأمر من زوَّر على الخط حتى القنه ثم كتب إلى الأمير علم الدين الشعبي على لسان المفضل ووالدته أن يقبض الزمام ويسجنه وكتب إلى الزمام بمثل ذلك وجعلت أوراقه بين أوراق البريد ووهب للبريد ما أرضاه ووعده بالخير وتقدم البريد بالكتب إلى الحصن فلما قبض الأمير والزمام على ما كتب به إليه همَّ كل واحد منهما بصاحبه وكانا متصافيين ثم انهما اجتمعا واطلع كل واحد مهما على ما عنده فاتفقا على أن يكتبا معاً إلى المظفر ويتوثقا لأنفسهما منه ففعلا وسلما إليه الحصن في جمادى الأولى من السنة 648 فجعل الخادم زماماً لبنت أسد الدين وكان خادماً فيه خير ونال الشعبي عنده حظوة عظيمة ثم أنه أَقطعه صنعاءَ فلم يزل بها إلى أن توفي وقيل أقام السلطان محاصراً للحصن نحو ستة اشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فلما طال مقامه كتب إلى خالته بنت حوزة يسألها أن تسلم إليه حصن تعز ويكون ولده الأشرف معها وأخوه وأمهما رهائن عندها وأرسل بهم إليها فكتبت إلى الأمير بتسليم الحصن إليه فتسلمه منه ثم تسلم حصن حب في رجب من السنة 648 وفي ذلك يقول الأديب جمال الدين محمد بن حمير حيث يقول وان ملك ولي فذي دولة ابنه ... وفي يوسف نعم الخليفة عن عمر أغاربها من بكن ملحاءَ غافق ... محجلة الأرساغ واضحة الغرر ونادت زبيد يا مظفر مرحباً ... أَضاءَ بك النادي وقربك المقر وسار إلى حب وحبُّ يحبه ... وما حب يعصيه ولو شاءَ ما قدر حصون أَتته وهي بالشرع إرثه ... وبالسيف ليس السيف إلا لمن قهر وفي أثناءِ هذه المدة المذكورة اتفق الإمام أحمد بن الحسين والأمير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة وقصدا الأمير أسد الدين محمد ابن الحسن إلى صنعاءَ فخرج منها وطلع حصن براش وكان خروجه من صنعاء يوم الثاني من جمادى الأولى من السنة 648 ودخل الإمام صنعاء يوم السابع من الشهر المذكور ودخل معه كافة الإشراف وأجابته القبائل واستولى على صنعاء وأعمالها ثم على ذمار وجهاتها وكان الأمراء الحميريون وهو غير واثق بهم وهم كذلك. قال صاحب العقد الثمين وأقام الأمام في صنعاء نحواً من سنة والأمير أسد الدين في براشٍ يغاديهم بالقتال ويراوحهم وقد اجتمعت عليه العرب مع الإمام فلما طال عليه الأمد واشتد عله الأمر راسل الأمير شمس الدين أحمد ابن الإمام على أن يصلح بينه وبين الإمام فأشار عليه الأمير شمس الدين بالرجوع إلى مولانا السلطان وملازمته والارتسام تحت أمره ثم التقى الأمير أسد الدين والأمير شمس الدين إلى الجبوب واتفقوا على أن الأمير شمس الدين يسعى في الصلح بين الأمير أسد الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وبين الإمام وإن الإمام يجهز الأمير أسد الدين إلى اليمن لحرب ابن عمه السلطان الملك المظفر فإذا صار قريباً من السلطان سعى من سعى في الصلح بينه وبين السلطان فاتفق الأمر على ذلك وسعى من سعى في الصلح بينه وبين الإمام فاصطلحوا على ذلك واتفقوا وانتزم الأمر وتجهز الأمير أسد الدين وسار في صحبة الأمير أحمد بن علوان وغيره من بني حاتم وجهز الإمام معه أيضاً الأمير عبد الله بن سليمان بن موسى في مائة فارس وخرج الأمير أسد الدين في عسكر عظيم ولم يزل سائراً حتى حط في الشوافي فلما علم به السلطان الملك المظفر خرج في عسكره حتى حط مقابلاً له فسعي بينهم في الصلح بنو حاتم وغيرهم حتى انتظم وغيرهم حتى انتظم أمر الصلح وكان اللقاء في الموسعة وركب السلطان فرسه المشمر واقبل في جلال ملكه واحتفال جنده وكثرة عسكره واقبل الأمير أسد الدين يمشي راجلاً فلما قرب ترجل له السلطان وتسالما وهما راجلان ثم ركب السلطان وسار الأمير أسد الدين قدامه راجلاً وحمل الغاشية بين يديه حتى دخل على السماط فلما بلغوا المرتبة الشريفة قال السلطان للأمير أسد الدين بسم الله يا أمير فقال: حاشاك يا مولانا هذا موضعك وموضع أبيك وهذا موضعي وموضع أبي. ثم انتزم الأمر على ما شرعوه من الصلح وخرج له من الأنعام العميم ما هالهُ حتى قال ليت شعري هل أبقى مولانا السلطان في خزائنه شيئاً. ثم أن السلطان رحمه الله عليه جهز مادة مائة فارس إلى صنعاء وجعل مقدمهم الناسف اليحييّ ثم ورد أمره على الأمير أسد الدين بالعود إلى صنعاءَ فسار مبادراً في عسكره وأصحابه ولما بلغ الإمام العلم بذلك جهز عسكره إلى نقيل الغائرة وظن أنهم يمنعون عسكر السلطان من طلوع النقيل فلم يقم عسكره في وجه العسكر المظفري ساعة واحدة فلما علم الإمام بوصول أسد الدين في العساكر المظفرية خرج من صنعاء إلى سباع بعد أن أخرب قصر الأمير أسد الدين وقصر أخيه الأمير فخر الدين وترك السيد الحسن بن الوهاس الحمزي وأخاه وغيرهما من الأشراف والعرب رتبة في صفوة فقصدهم الأمير أسد الدين في العساكر السلطانية فأخذهم برقابهم وأطلعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 حصن براشٍ ثم طلع السلطان صنعاء في ذي الحجة من سنة 648 وفي سنة 649 رجع السلطان من صنعاء إلى اليمن وفيها تسلم حصن التعكر في أول المحرم سنة 649. وفي آخر الشهر المذكور وصل العلم بقدوم الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول من مصر وقدوم أخيه فخر الدين أبي بكر بن علي بن رسول فأوجب ذلك الصلح بين السلطان وبين الإمام فاصطلحا. ثم أن مولانا السلطان كتب إلى كافة النواب بالتهائم بإكرام عميه وألقيتم بحالهما وكتب إلى عمته المعروفة بالنجمية وهي يومئذ بالتعكر يقول لها أن رأيت أن تلقى اخوتك فافعلي ففرحت بوصولهما فرحاً شديداً لأنها كانت تبرُّ أهلها خاصة والناس عامة وكان محمد بن خضر قد صار من خلف السلطان وأمه زهراءَ بنت الأمير بدر الدين وكانت من أعيان النساء حازمة لبيبة وهي التي ابتنت المدرسة المنسوبة إلى بني خضر بقرية الحبال وفيها قبرها وقبورهم وكان محمد بن خضر قد أساءَ إلى السلطان وخالف عليه خلافاً ظاهراً ثم عاد عن ذلك فقال له السلطان يا محمد انزل مع جدتك والق جديك فنزل مع الدار النجمي وجهزها السلطان أتم جهاز ولما نزلوا نزل السلطان بعهم فلقي عميه في حيس فخرجا في لقائه قلما توجهوا ترجل بعضهم لبعض وتسالموا ثم ركبوا خيولهم ودخلوا إلى مدينة حيس فلما استقرَّ بهم القرار أمر السلطان بالقبض على عميه المذكورين بدر الدين وفخر الدين وعلي محمد خضر وقيدهم وطلع بهم مقيدين ثم تمثل بقول الأول أقول كما يقول حمار سوءٍ ... وقد ساموه حملاً لا يطيق سأصبر والأمور لها اتساع ... كما أن الأمور لها مضيق فأما أن أموت أو المكاوي ... وأما ينقضي عني الطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فلما دخلوا دار الأدب المذكور وجدوا فيه الأمير فخر الدين الصغير أبا بكر بن الحسن بن علي بن رسول وكان أول من سجن منهم فكتب الأمير شمس الدين علي بن يحيى إلى الأمير شمس الدين يحقق له ما كان من الأمر وفي أثناء ذلك يقول: ودادي ذلك الود القديم ... وعهدي ذلك العهد القديم وبين جوانحي مما أراه ... جحيم منه تحترق الجحيم وقلت قدوم بدر الدين فيه ... لنا فرح فما نفع القدوم فبلغ خبره إلى مولانا السلطان فأغضى عنه وكان يكرمه ويقطعه الإقطاعات النفيسة ولا يظهر له شيئاً مما يبلغه. وفي هذه السنة 649 تقدم المجد بن أبي القاسم برسالة الشريفة المظفرية إلى المواقف المطهرة العباسية ببغداد وقيل كان الرسول إلى بغداد الأمير عز الدين جعفر بن أبي القاسم فسار على طريق براقش إلى العراق واتخذ الأدلة من البادية وسلك طريق الرمل على الرواحل البحرية فحكى ابن أخيه ساروا من براقش إلى العراق أربعة عشر يوماً فلما حضر مقام الخليفة ببغداد عرض الكتاب وقرأه الخليفة المستعصم ودعا لمولانا السلطان الملك المظفر فأمر الخليفة أن يكتب له منشور وولاهُ العهد. ثم قال الخليفة انظروا كم جائزة صاحب اليمن فقالوا عشرة آلاف دينار فقال عز الدين بن أبي القاسم وكم جائزة صاحب مصر فقالوا أربعين ألفاً فقال لا أقبل لمخدومي دونها فقال له الوزير أن إقليم مصر أكبر من إقليم اليمن فقال عز الدين ما كان في اليمن من نقص فإن أوصاف مخدومي يجبره فقال الخليفة لقد سررنا بمقالتك ثم التفت إلى الوزير وقال اخبروه بجائزة صاحب مصر. ثم كتب الخليفة إلى السلطان كتاباً يأمره فيه باستئصال الإمام أحمد ابن الحسين وأكد الوصية على الأمير عز الدين في ذلك ثم سار ابن أبي القاسم وسار معه رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الخليفة فلما وصل إلى السلطان البسه الخلعة وقرأَ له المنشور وولاهُ العهد بوكالة المستعصم له في ذلك وسلم له الإجازة وأقام في دار الضيافة فحمل له السلطان ما يستغرق الجائزة وغيرها. ولما قتل الإمام أحمد بن الحسين كما سيأتي ذكره أن شاءَ الله تعالى كتب مولانا السلطان إلى الخليفة يعلمه بذلك فلما بلغ الرسول براقش لقيه الخبر بقتل الخليفة ودخول التتر ببغداد. وفي هذه السنة اصطلح السلطان الملك المظفر وأخواه المفضل والفائز وأقطعهما لحجاً وأبين. وفي آخر السنة كان وصول رسول الخليفة إلى مكة المشرفة بكسوة الكعبة وتشريفه المظفر الذي تقدم ذكرها وبالنيابة المذكورة فكسى البيت وتقدم إلى اليمن فوصل إلى السلطان بالتشريفة والنيابة. وفي سنة 650 اصطلح الإمام والأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. ودخل الأمير أسد الدين في طاعة الإمام وباع عليه حصن براش بمائتي ألف درهم وانتفض ما بين الإمام والسلطان من الصلح وذلك في رجب من سنة 650. وسيره في عسكر جرار إلى ذمار وجهز معه عسكراً من قبله وجعل عليهم الشريف عز الدين هبة بن الفضل العلوي. فلما اتصل العلم بمولانا السلطان جرد لهم الطواشي تاج الدين بدراً والأمير شمس الدين علي بن يحيى. فوقع بين الأمير شمس الدين علي بن يحيى وبين الطواشي تاج الدين مشاجرة فرجع الأمير شمس الدين علي بن يحيى إلى الأبواب الكريمة الشريفة وسار الطواشي تاج الدين وحده في العساكر المظفرية. فلما رأى الأمير أسد الدين والشريف عز الدين هبة بن الفضل ما هالهم من العساكر المظفرية هربوا إلى السواد ولزموا الجبل وأرسلوا إلى الإمام يطلبون منه المدد فأمدهم الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام وجميع العرب من بني شهاب وسنحان وأهل حضور وغيرهم فحصل بينهم العساكر المظفرية. فلما رأى الأمير أسد الدين والشريف عز الدين هبة بن الفضل ما هالهم من العساكر المظفرية هربوا إلى السواد ولزموا الجبل وأرسلوا إلى الإمام يطلبون منه المدد فأمدهم الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام وجميع العرب من بني شهاب وسنحان وأَهل حضور وغيرهم فحصل بينهم وبين العساكر المظفرية عدة وقائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ظهرت فيها بسالة المماليك. ثم أن الإمام تابع الإمداد إليهم ولم يترك أًحداً من القبائل الأَجهزة إليهم. فلما رأَى الأمير أسد الدين تكاثف عسكر الإمام وتواتر الإمداد إليه أدركته الحمية العربية وعطفته الأواصر اليعربية فانذره الطواشي تاج الدين وصوب له العودة وقال له: انك إذا رجعت بهذا المعسكر سالماً وافراً طلع به مولانا السلطان فلا يقوم في وجهه واحد. فعاد الطواشي إلى ذمار ثم سار إلى اليمن. وفي هذه السنة استولى السلطان على حصن الدُّملؤّة. وكان سبب ذلك أنه أرسل بولده الأشرف وأخيه وأمهما وبالطواشي ياقوت إلى خالته بنت حوزة وجعلهم عندها رهائن. فسلموا الأمر وعاملوا الرتبة وقيل: بل طلعت الدار الشمسي كريمة مولانا السلطان مغاضبة لأبيها وشاكية منه إلى أخويها وخالتها بنت حوزة وأظهرت الشكوى من أبيه االمظفر. وكان معها الطواشي ياقوت وأَقامت عندهم أياماً وهي تستميل الخدام وتصلح أَحوالهم وتستخدم الرتبة إلى أن أحكمت الأمر. ثم قيل لبنت حوزة أن البقرة الفلانية في الجوة ولدت عجلاً برأْسين. فأرادت النزول إلى الجوة لتنظر البقرة وعزمت على الدار الشمسي أن تنزل معهم. فاشتكت مرضاً فلم تنزل فنزلت بنت حوزة وأولادها. فلما نزلوا أوقد الطواشي ياقوت النار في رأْس الحصن. وكانت الإمارة بينه وبين السلطان الملك المظفر أن يوقد ناراً في أعلى الحصن. فلما رآها السلطان نزل من فورة وكان السلطان يومئذ في حصن حبَ. وقيل في تعكر. فركب في مائة نفر وسار فقطع أكثرهم في الطريق. وثبت معه جماعة منهم النقيب منصور. فلما صار السلطان قريباً من باب الحصن نزل والنقيب منصور قائم بين يديه. فقال من هذا: فقال عبدك منصور. فتفاءَل به حينئذ وانعم عليه وكساه ورفع مرتبته وولاَّه بعد ذلك بعض الجهات. قال المصنف رحمه الله. وكان النقيب منصور رئيساً كاملاً هماماً عاقلاً ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 تزل الرياسة في ولده وولد ولده إلى يومنا هذا. وكان منهم الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور. انتهت به الرياسة إلى أن صار نائب السلطان الملك المجاهد في المملكة اليمنية بأسرها. ومنهم الأمير عز الدين هبة بن محمد بن أبي بكر بن يوسف بن منصور. وكان أميراً بزبيد وكذلك ابن عمه الأمير نجم الدين محمد بن إبراهيم أيضاً تولى مدينة زبيد مدة طويلة. وسنذكر من لابد من ذكره. ولما وصل السلطان إلى باب الحصن بالدملؤَة وجد أخاه الفائز قائماً على باب الحصن ولم يفتح له. فقال له: هذا وسبعون الحصون لا معنا ولا معكم. وساق عنه ففتحوا له الباب فدخل ودخل معه من وصل حينئذ من غلمانه وخدمه. وكان ذلك يوم التاسع عشر من القعدة. وقيل يوم الخامس والعشرين منه في السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام العالم العامل أبو الحسن علي بن مسعود ابن علي بن عبد الله بن المحرم بن أحمد الساعي ثم الكتبي. وكان إماماً كبيراً ذا فنون كثيرة. واشتغل في أول عمره بالقراءات السبع حتى أتقنها. ةتفقه في قراءَته بحراز ثم عاد إلى بلده وقصد الفقيه أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن يربل إلى جبل تيس فقرأ عليه المهذب ثم ارتحل إلى جبا فاخذ البيان عن الفقيه أبي بكر بن يحيى وأخذ عن أبي بكر الحجوزي. ثم عاد إلى المخلافة فرأَس بها ودرَّس فلما ظهر الإمام عبد الله بن حمزة وغلب أمره في تلك الناحية خرج الفقيه المذكور في جمع من الطلبة نحو من ستين طالباً وقصد تهامة فأقام بها مدة. فلما توفي الإمام عبد الله بن حمزة وهدأّت الفتن عاد الفقيهُ إلى بلده المخلافة أيضاً فلبث بها مدة. وقدم الشيخ الصالح أبو الغيث بن جميل إلى بلد الفقيه وابتني هنالك رباطاً وأقاما متعاضدين فلما ظهر الإمام أحمد بن الحسين واشتدت شوكة الزيدية انتقلا عن المخلافة وعاد إلى تهامة. فنزل الشيخ أبو الغيث مع الفقيه عطاءٍ وهو الذي تنسب إليه القرية الفقيه عمرو ولم يزل هنالك إلى أن توفي في السنة المذكورة. وكان إماماً جليل القدر تفقه به خلق كثير. وانتشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 عنه الفقه في جهة حجة وغيرها انتشاراً عظيماً. ولما تولي كما ذكرنا وصل الشيخ أبو الغيث معرباً به إلى تلميذه الفقيه عمرو ومن حضر من أهله وكان زاهداً ورعاً يرى أنه ما قبض ديناراً ولا درهماً أو كمال قال. ويرى أن حلقته كانت تجمع ثمانين متفقهاً أكثرهم ذو فقر وحاجة وإيثار. ويحكى أنه حصلت عليهم أزمة فتضرروا بها ضرراً عظيماً. فعلم بذلك بعض أهل القرية ولم يكن في قدرته ما يقع موقعاً من كفايتهم فبعث بقُرص من الطعام لشخص منهم فاثر ذلك الشخص به صاحباً له ثم اثر ذلك الشخص به آخر ثم اثر الآخر آخر حتى عتاد القُرص إلى الذي حصل له ابتداءً فأخذه ووصل به إلى الفقيه واخبره بالأمير فأعجبه ذلك وقال الحمد لله الذي جعل في أصحابي صفة من صفات أصحاب الصفة وأنصار نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصائصة ومن يوق شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون. ثم جمع الدرسة وقسم القُرص على عدد رؤُوسهم لقمةً لقمة. وفي سنة إحدى وخمسين رجع الأمير أسد الدين بمن معه من لعسكر إلى البلاد العليا وفسد ما بينه وبين الإمام. وذلك أنه لم يحصل له من قيمة براش إلا الشيءُ اليسير ولم يف له الإمام بما عاهدوه عليه من أمر البلاد. فسار نحو البهيمة في طريق المشرق. وكان في صحبته الأمير عليب بن وهاس في جماعة من خيله حتى بلغ عمقين وجرذان وهي أودية بالمشرق. فضاقت عليهم المسالك هو والأمير علي بن وهاس واشتدت بهم الحال وقصدتهم العساكر المظفرية ولم يروا بدّاً من قصد الشيخ علوان بن عبد الله الجخدري على ما بين الأمير أسد الدين والشيخ علوان بن عبد الله الجخدري من العداوة والبغضاء في أيام الدولة المنصورية. فلما نزلوا عليه لقيهم بالرحب والسعة وأنزلهم في العروسين وحمل إليهم الضيافات وأَجارهم. فقصدهم السلطان وحط في بلاد الشيخ علوان واخرب منها مواضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 كثيرة واحرق مواضع أخرى. ولم يزل الشيخ علوان يلاطف السلطان ويراجعه ويسأله الذّمة للأمير أسد الدين حتى أذمَّ له على يده. فقال الشيخ علوان في ذلك وكان من فصحاء العرب: سلام على الدار التي في عراصها ... معاهد قوم لا يذم لهم عهد أناخوا علينا نازلين وفيهم ... طوال القنا والمشرفية والجردُ ليوث شرى خاضوا الرمال فذل ... لوا مقاولها فارتاع من خوفهم نجد رموا موضع الشمس احتساباً بالأن ... فس أمانتها موت، على العزأَ وحمد إلى أن سرى البرق اليماني لامعاً ... بدملؤَه العز التي ما لها ندُّ فراموا له بزل الركاب على الوجى ... وقادوا إليه الخيل من فوقها الأسد يقودهم الملك الذي في يمينه ... عوارف منهن المنية والرفد تحف به القوم الذين سيوفهم ... عقائق حمر لا يلائمها غمد رأَوا مورداً عذباً فلما دنوا له ... وقد اشرعوا قلن المقادير لا ورد قضى أسد الدين القضاءَ برمحه ... إلى علم زهر المجوم له عقد فجاش عليهم للمظفر عارض ... له البيض برق والطبول به رعد همام أبي أن يسلم الملك فانبرى ... وحوليه أرباب الزعامة والجند يسوقهم سوق السحاب يحثها ... نسيم الصبا حتى أَلم بنا الوفد أكارم كانوا لي عدواً فاصبحوا ... ينادون يا علوان هل ذهب الحقد فقلت لهم في فرع تيماءَ فانزلوا ... أَلا مرحباً هذا السمؤَل والفرد مددت لهم ظل العروسين دائماً ... بسطت لهم أيدي الرخاء الذي مدوا فشكراً لمن أدنى ركاب محمد ... إِليَّ وأهداه لي الفلك والسعد فاصبح أرباب الزعامة حولنا ... وما رابني منها الوعيد ولا الوعد ملوك دنا بعض لبعض فأصبحت ... كتائب عزمي وهي بينهم سد وأسد إلى أسد تدانت فصدها ... على حنق ما بينها الأسد الورد فمن الفخار العرب مثلي ومن لها ... كمثل مقامي في المكاره أن عدُّوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فحسبي إني الحرُّ من آل يعرب ... وإني لمن آوى إلى كينفي عبد ولما أذم السلطان الملك المظفر للأمير أسد الدين كما ذكرنا نزل الأمير أسد الدين فيمن معه من أصحابه إلى السلطان فلقيه بالموسعة فأكرمه وأنصفه وسار الأمير أسد الدين ماشياً بين يدي السلطان بسيفه على عاتقه. فلما دخلوا على السماط وقف وخدم. ثم أن السلطان حمل إليه أموالاً جليلة وأمده بعسكر كثيف. وأمره بالمسير إلى صنعاء. فسار أسد الدين في العسكر إلى صنعاء فعلم به الإمام فخرج من صنعاء ودخلها أسد الدين. ثم طلع السلطان إلى صنعاءَ في رجب من السنة المذكورة وطلع صحبته الأمير علم الدين علي بن وهاس فحط في درب عبد الله. وكان الإمام يومئذ في تسارع فخرج من تسارع فاخرب السلطان تسارع وبساتينها وعاد إلى اليمن فتسلم حصن دروان من الشيخ الورد بن محمد ابن ناجي. وفي هذه السنة قتل الشريف أبو سعد بمكة وكان مدة ولايته عليها أربع سنين إلا شهراً. فدخل بنو عمه إلى داره فقتلوه في وسط الدار وكان الذي قتله حماد بن حسن وحج بالناس في ذلك العام وأقام بمكة. وفي هذه السنة اختلف الإِمام والأمير شمس الدين أحمد ابن الإِمام عبد اله بن حمزة وبنو عمه من بني حمزة واستنصروا بالسلطان فأمد السلطان على الأمير أسد الدين يوم الخامس من ذي الحجة وقد وصلت الخزائن السعيدة إليه فالتقى الأمير شمس الدين في براقش بعد أن رجع الأمير شمس الدين من مأرب ثم ساروا جميعاً فحطوا على الزهراء فأخذوه. وأخرجوه. وفي هذه السنة توفي الشيخ الصالح المشهور أبو الغيث بن جميل الملقب بشمس الشموس. قال بعض العلماء وهذا لقب على ملقب باستحقاق وكان في بدايته قاطع الطريق وكان سبب توبته أنه صعد شجرة يريد أن ينظر السفر إذا أقبلوا فبينما هو على الشجرة يتأمل الطرق إذ سمع قائلاً يقول يا صاحب العين عليك العين فوقر ذلك في قلبه فنزل عن الشجرة مستكن القلب ونفسه تنازعه في الإنابة. فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 يجد لذلك غير الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الملك بن أفلح بزبيد فوصل إليه وعرض عليه أمرهُ وسأَله أن يأخذ عليه اليد فاخذ عليه اليد وأّلزمه الخدمة للزاوية فأقام يخدمها بالحطب والماءِ وفي بيت الخلاءِ دهراً ثم تقدم المراوعة بعد ذلك إلى الشيخ علي الأهذل فأقام عنده أياماً هذبه فيها تهذيباً مرضيّاً فكان يقول خرجت من أبن أفلح لؤلؤةً عجماء فثقبني الأّهذل. ثم طلع الجبال الشامية بعد ذلك فظهر له فيها أحوال خارقة فمال إليه عالم عظيم من العامة والرؤَساءِ وصحبه جماعة من الفقهاء. فلما ظهر الإمام عبد الله بن حمزة وقوي أمر الزيدية بالجبال الشامية نزل الشيخ إلى تهامة ونزل بنزوله الإمام العلامة الفقيه علي بن مسعود المذكور أولا فسكن الشيخ أبو الغيث رحمه الله مع الفيه عطا على كره من أهله. ثم قام الأمام أحمد بن الحسين وبلغهُ أن الشيخ مقبول الإشارة مسموع القول كتب إليه طمعاً في ميله وميل أهل تهامة كتاباً صدره) قل يا أهل الكتاب تعالواْ إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم إلا نعبدَ إلا الله ولا نشرك بهِ شيئاً ولا يتخذَ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللهِ فإن توَلواْ فقُولوا اشهدوا بأَنَّا مسلمون (. ثم قال القصد يا شيخ الاجتماع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسلام. فلما وصل الكتاب مع بعض الشيعة قال الشيخ لرجل من أصحابه اقرأْ كتاب الشريف. فلما قرأَه وفرغ من قراءَته قال لهُ الشيخ اكتب) أن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون (. الحمد لله فالق الإصباح. ومرسل نسيم الرياح. إلى فسحة مبدأ عالم الأشباح والصلاة والسلام على سيد الأنام ومصباح الظلام وعلى آله وصحبه السادة الكرام.) أما بعد (فقد وصلنا كتاب السيد الشريف يدعونا لإجابته ولعمري إنها طريق سلكها الأولون واقبل عليها الأكثرون. غير أنا نقر منذ سمعنا قوله تعالى) له دعوة الحق (لم يبقِ فيها متسع لإجابة الخلق. فليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه ولا أن يفرط في يومه بعد أمسه. فليعلم السيد قلة فراغنا لما رتم وليبسط العذر والسلام " فذكروا أن رسول الشريف وقف مع الشيخ وبعث بالكتاب رسولاً. ويروى أنه كتب إليه الشيخ أحمد بن علوان الذي يأْتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ذكره فيما بعد أن شاءَ الله تعالى كتاباً يقول فيه. أَما بعد فإني أخبرك: جزت الصفوف إلى الحروف إلى الهجا ... حتى عرفت مراتب الإبداع لا باسم ليلى استعين على السرى ... كلا ولا ليلى تقل شراعي فأجابه الشيخ أبو الغيث بن جميل: من الفقير إلى الله تعالى أبي الغيث أبن جمي أغذي نعمة الله في محل الحضرة إما بعد فإني أخبرك حلَّى في الاسم القديم باسمه ... واشتقت الأسماء من أسمائي وحباني الملك المهيمن وارتضى ... فالأرض ارضي والسماءُ سمائي يا ابن علوان أبت المراهم الشافية أن تقع على جرحك الخبيث حتى تعدم بمرر العقاقير. وكان الشيخ رحمه الله كير القدر شهير الذكر صاحب ترقية ومجاهدة قلَّ أن يوجد لهُ نظير. وفضائله أكثر من أن تحصى واشهر من أن تذكر. ومن كلامهِ قوله شكوتك إلى ما في يديك دليل على قلة ثقتك بالله ورجوعك في حال الشدة إلى المخلوقين دليل على انك لا تعرف الله وفرحك بشيءٍ تناله من الجنيا دليل على بعدك من الله. وقد قيل أن هذا من كلام أبي يزيد البسطامي أو أحد نظرائه والله أعلم. وسئل الشيخ رحمه الله عن المستحق لاسم الصوفي فقال هو من صفا سرُّهُ من الكدر وامتلأَ قلبهُ من العبر وانقطع إلى الله عن البشر واستوى عنده الذهب والمدر. وسئل مرة أخرى عن ذلك فقال الصوفي من كان بعهد الله موف. ومن دعائه اللهم إني أَسأَلك يا روح روح الروح ويا لب لب اللب ويا قلب قلب القلب هب لي قلباً أعيش به معك فد خلقت كلما هو دونك لأجلك فاجعلني ممن شئت من هذه الجملة. وروي عن الفقيه الإمام الصالح إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحضرمي أنه قال جري بيني وبين بعض أصحاب الشيخ أبي الغيث بن جميل كلام من اجله فقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 له قد كان الشيخ يخطئ في بعض كلامهِ في المجالس فقال لا وأنكر عليَّ إنكاراً شديداً فلما كان الليل رأيت الشيخ بعد العشاءِ تمثلت لي صورته فقال لي أخطأْنا كثيراً ووقعنا كثيراً ولكن قلت منا العزائم وصفحت عنا الجرائم وسامبني البدع الموصوفون بضرهم إلا من كان فيه أربع خصال أن يكون لله لا له للناس لا لنفسه سالكاً طريقةً وهي طريقة واحدةُ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام. ثم قال لي أحذر بنات الطريق فإنهن يلتمسن اللمحة والنظرة. فسئل الفقيه عن بنات الطريق فقال هي الكرامات التي تعرض للسالك في طريقه الذي لاحظها حجب عن مقصوده. وكانت وفاة الشيخ على الحال المرضي عازفاً عن السماع منذ مدة نهار الأربعاءِ لخمس بقين من جمادى الأولى من السنة المذكورة. وتربته مشهورة في بيت عطا وهي قرية من أعمال سردد وجعل عليه التاجر بن الخطبا قبة عظيمة والله أعلم. وخلف الشيخ فيروز وكان فيروز كبير القدر وهو من أصحاب الشيخ محمد بن أبي بكر الحكمي صاحب عواجه. وكانت وفاته في سنة اثنتين وتسعين وستمائة. وفي هذه السنة المذكورة أيضاً توفي الأديب جمال الدين محمد بن حمير الشاعر المشهور. وكان أوحد شعراء عصره وهو من شعراءِ الدولة المنصورية وكان يصحب الشيخ والفقيه صاحبي عواجه وله فيهما عدة قصائد وشعره فيهما وفي غيرهما كثير مشهور متداول وله ديوان شعر جيد وهو عزيز الوجود. ورأيت بخط الفقيه الإمام العلامة أبي العباس أحمد بن عثمان بن بصيص النحوي بيتين من الشعر وهما أَما قصائد قاسم بن هتيملٍ ... فمذاقها أحلى من الصهباءِ هو شاعر في عصره فطن ول ... كن ابن حمير اشعر الشعراء ويقال أن هذين البيتين لابن سحبان قالهما وقد سئل أي الشاعرين المذكورين اَفصح. وكانت وفاة ابن حمير في مدينة زبيد ودفن في مقبرة باب سهام شرقي قبر الشيخ الصالح مرزوق ابن حسن الصوفي بينهما الطريق هنالك إلى قرية المخريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وغيرها من وادي رمِع والله أعلم. وفي سنة اثنتين وخمسين سار الأمير أسد الدين محمد بن الحسن ابن علي بن رسول. والأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور عبد الله ابن حمزة والعساكر المظفرية إلى مدينة صعده. وكان الإمام أحمد بن الحسين يومئذٍ في صعدة فلم يكن بأسرع من دخول الأميرين المذكورين في العساكر المظفرية إلى مخلاف صعده فهرب الإمام إلى غلاف. وجعل السيد الشريف الحسن بن وهاس ذمةً في صعدة في نصف العسكر وسار في النصف الثاني إلى علاف فأقامت المحطة على صعدة نحواً من شهرٍ. والشريف شمس الدين والأمير أسد الدين يغاديانهم ويراوحانهم القتال حتى انقطعت عنهم المادة. وفي أثناءِ هذه المدة فقئت عين الشريف جمال الدين علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة. ثم فتحت صعدة وأسر الشريف السيد الحسن بن وهاس. وكانت المدينة محشوَّة بأهلها فنهبت منها أموال جمة وأخذت منها غنائم عظيمة وأَخذوا سبعين رأساً من الخيل واجار الأمير أسد الدين أجزل الناس وستر النساءَ. وشحن براش صعدة شحنة عظيمة. ورتبا في صعدة الأمير عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام وهبة ابن الفضل ورجع الأميران إلى صنعاءَ. وفي ذلك يقول الأمير عز الدين عزان بن سعيد بن نسر بن حاتم على لسان الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام ممتدحاً السلطان الملك المظفر بقصيدة من القصائد الطنانة وهي سلام مشوق وده ما تصرما ... يزورك من نجد وإن كنت متهما سلام كنشر الروض باكرهُ الحيا ... فأضحى أنيقاً مشرقاً متبسما يخصط من قربٍ وإن كنت نائياً ... ويهدي تحياتي فرادى وتوأما فيا أيها الملك المظفر والذي ... حمى قصاب الملك أن تتهدَّما ويا دافعَ الجلَّي إذا الخطب مبهمُ ... وقد جنَّ ليل الحادثات واظلما ويا مخجل الأنواءِ والبرق خلَّبُ ... إذا جاد برقُ من نوالٍ واسحما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ملكت فلم تفخر ونلت فلم تظل ... وجدت فلم تترك على الأرض معدماً وصلُت فلم تترك عليها معانداً ... ولو أنه يرقى إلى الجو سُلَّما إليك أبا المنصور أهديت أحرفاً ... أبثك أخباراً وإن كنت أعلما وإني لما أوليتني من صنائع ... لاستنجد الأخبار كي اشفي الظما واستنهض العزم السعيد وطالما ... حللت بهِ عقداً من الهمّ مبرما لأنعم ناراً أو لا كبت حاسداً ... وأفضي لبانات النفوس وانعما فشمر لشيد المجد إذ أنت أهلهُ ... وتمم على اسم الله تُدْعَ متمما فلم يبق في الأقوام إلا حُثالة ... تهبُّ بها ريح الصبا أن تبسما نهضنا بجيش منك يطموا عبابه ... يضيق به رحب الفضا حيث يمما يجول بقاع الأرض شرقاً ومغرباً ... ويطوي رباها محرماً ثم محرما ويغشى لظى الحرب العوان كانهُ ... طنين ذبابٍ عندهُ أن ترنما نزلنا بوادي الحوف نرعى جميلهُ ... ونذكر عهداً كان فيه تقدما فلما قضينا نحوهُ كل حاجةٍ ... وجئنا المراسي وهو كان محرما صعدت بنا أَعمال صعدة شبحاً ... تبارى كأمثال الشموس تهتما ولاحت على الأقطار أعلام يوسف ... كان شعاع الشمس منها تسنما وصاحت طيور السعد في كل وجهة ... تبادر بالترحاب إذ كنَّ وُجَّما فلا ملكُ إلا وأرخى قيادهُ ... ولا قائمُ إلا تولى وأَحجما ولا حيَّ إلا استيقظوا بعد هجعة ... وكانوا سكارى قبل وذاك ونُوَّما ولله دَرّ الأريحي محمد ... شقيقك محمود الثنا مانع الحما فوا الله ما جشمتهُ لملمةٍ ... على مثل حد الشيف إلا تجشما ولا قلت مهلاً يا خليلي وقد بدا ... به الشر؟ ُّ إلا كفَّ ثم تبسما فيا ابن الملوك الغر من آل جفنه ... غدا مجدهم فوق السماك مُخيما لأّنت صفي الود إذ أنت أهلهُ ... ولا ارتضي الاَّك ركباً ومغنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ولا يقطعن بيني وبينك قاطعُ ... إلى أن نزور جنة الخاد فأعلما خلفت برب الناس حلفة صادق ... مؤَكدة لم أخشَ في ذاك مأثماً وبالمصطفى جدي وبالمرتضى أبي ... ومن طاف بالبيت العتيق واحرما لوَ أنّي رأَيت الدين لله خالصاً ... وأعطيت ملكاً يملأُ الأرض والسما لما سمحت نفسي بدين محمد ... ولو لم أدق من بارد الماء مطعما فلما رأيت الحق ملقى زمامه ... وليس سوى الدنيا مراداً ومشتما تنكست عن تلك السبيل ولم أعج ... عليها ولا في رفضها متندما وعدت أرعى سوامه ... ولم أذَّكر نجداً ولا أَبرق الحما ويممت محمود الطرائق يوسفا ... فلله ملكاً ما أعزَّ واكرما لقد فخرت غسان منهُ بماجدٍ ... حماها وأعلاها سماكاً ومرزما مجيباً إلى داعي التكرم والندى ... وان هو لم يدع ابتدا وتكرما فصام قرير العين في خقض عيشه ... ولا زال مأْوى للوفود ومنتما ولما عاد الأميران شمس الدين وأسد الدين إلى صنعاء بمن معهما من الإسراء كان دخولهم صنعاء يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. ولما دخل شهر شعبان من السنة المذكورة وصلت الخزائن السعيدة والأوامر الشريفة المظفرية بخروج الأمير أسد الدين صحبة الأمير شمس الدين إلى الطاهر فتجهز الأميران وخرجا بالعساكر المصورة المظفرية وقصدوا بلاد حاشد وهو مخلاف ابن وهاس فخرجوا فيها مواضع ثم نهضوا إلى مصنعة بني القديم فأخذوها ونهضوا إلى النواب ثم إلى الطاهر فأخذوا موضعاً يسمى الأبرق. ثم قصدوا الإمام أحمد بن الحسين إلى موضع من بلاد حمير يسمى الهجر وكان قد جمع جموعاً كثيرة إلى نقيل الخضاب وأمرهم بحفظ ذلك الموضع. ففرق الأميران عساكرهما في جوانب النقيل فقطعوا الطريق على عساكر وهزموهم هزمة شنيعة وقتلوا منه مقتلة عظيمة. وكان في جملة من قتل الفقيه حميد بن أحمد المحلي الزيدية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وفضلائها ولهُ من التصانيف الجامعة والرسائل المفردة إلى الملوك والعلماء ما ليس لأحد وقتل معهُ من الفقهاءِ والشيعة كثير واسر شمس الدين أحمد بن يحيى بن حمزة وكان خلفاء الإمام علي بن حمزة وهرب الإمام بعد أن اشرف على الهلاك ثم تحصن في حصن طلب المصانع. ثم رجع الأميران إلى الطاهر وأرادا التقدم إلى حوب فاختلف عليهما العسكر فقفلوا إلى صنعاء في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفي هذه السنة أخرج الشريف حماد بن حسن من مكة أخرجه الشريف راجح وأبو نمي وإدريس فأقام بها راجح ثلاثة أشهر ثم أخرجه ولده غانم وأقام بها إلى شوال فأخرجه منها أبو نمى إدريس فأقاما بها شهر شوال. وفي شوال جهز السلطان الأمير مبارز الدين الحسين بن علي بن رطاش إلى مكة المشرفة في مائة فارس فلقيه الأشراف على باب مكة فكسرهم وقاتل منهم جماعة ودخل مكة وحج بالناس. وفي شوال أيضاً تجهز الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة إلى الأبواب الشريفة السلطانية هو وأخوه داود بن الإمام وجماعة من بني حمزة وكان السلطان يومئذ في محروسة زبيد. فلما وصلوا خرج السلطان في لقائهم وأكرمهم وانصفهم وكان له من المقابلة والإتحاف ما لم يسمع بمثله وضربت لهم الخيام والمطامح على باب الشبارق من زبيد مدة أفادتهم فاجتمعوا بالسلطان ثلاثة أيام وكانت أقامتهم شهرا وأظل عيد الأضحى وهم بالباب الشريف وقال الأمير شمس الدين يمدح السلطان الملك المظفر رحمهما الله لعلّ الليالي الماضيات تعودُ ... وتبدو نجوم الدهر وهي سعود على منزل ما بين نعمان واللوى ... وجرَّت عليه الرامسات برود وكانت به العين الغواني أوانساً ... فأضحت به العين الوحوش ترود تجرُّ أنابيب الرماح ومبتنى ... قباب طباءٍ ريقهن برود فيا دارنا بين العنينة والحمى ... هل الروض روض والزرود زرود فكيف بمن أضحى ظفار محله ... ومن بات قد حالت عليه زبيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 هوايَ بنجدٍ والمنى بتهامةٍ ... متى نلتقي بالمتهمين نجود وان فتى دامت مواثيق عهده ... على مثل ما لاقيتهُ لجليد ولما سرى البرق الشآمي هاج لي ... جوى واشتياقاً ليس فيه مزيد فهل لجنوب الريح أن تلثم الثرى ... بنشر تحيات لهنَّ صعود على أربع بين الصعيد وصعدة ... وبين براشٍ لي بهنَّ عهود مشاعر حج الطالبين فلا الأّذى ... قريب ولا نجح الرجاء بعيد كرمن فلا يخشى النوائب عندها ... منيب ولا يخشى الهوان طريد ملاعب أمهار الجياد وملتقى ... مجامع لا يشقى بهنّ وفود وأبراج أشباه المها في كِناسها ... عليهنّ من نسج العفاف برود نعمنا أيام لا البغيُ نافث ... بنارٍ ولا بين الرجال حقود ظلالي فيها للورى غير قالص ... وبري حوض لست عنها أذود وقومي قوم الروع جن وفي الندى ... بحور وحلماً كالجبال ركود فنحن نطول الناس عزّاً وتنتهي ... إلى الأفق أيدينا ونحن قعود إلى أن دعى داعٍ إلى البغي للورى ... وأعلن منهم كاشحُ وحسود ودلّ علي الحلم قومي وأُسست ... ممالك لم تنظم لهنَّ عقود وأنكر إحساني الذين خلودهم ... عليهم إذا استشهدتن شهود فكم مات من قوم فحيوا بحلمنا ... وكم أخلفت سحبُ ونحن نجود بسطنا على العرب المكارم بسطة ... لنا أبطوتهم والطلول جحود ولما صبرنا ظنت الناس أننا ... ذللنا وإنا سادرون سمود فما سنَّ فينا الناس إلا ظلامةً ... كما سنَّ في قتل الحسين يزيد لقد أنكرتنا الناس كل فضيلةٍ ... كأَنَّا نصارى ملةً ويهود لما قصدت الملك ذا التاج يوسفاً ... علمت بان الهم ليس يعود دعوتُ فلباني فتىً لا مزبد ... ملولُ ولا واهي اليدين بليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ومالي لا أُرخي الركاب إلى ذرى ... به الشهب شهب والصعيد صعيد وألقيتُ كفي في أنامل لم تخن ... عهوداً ولم تخلف لهنَّ وعود وما ابن أبي عفص بجون الذي له ... الحميري الملك وهو فريد مكارم سنتها الملوك ويوسفُ ... لآثار ما سنَّ الملوك يشيد فسوحك مقصود وكفك قاهر ... وجدّك منصورُ وأنتَ حميد صبرت على حمل العظائم فانتهت ... إليك العلي أن الصبور سعيد وفي كل يوم أنت تبدو على العدى ... بخطب وتبدي في الندى وتعيد سبيل فتى لا الموت يطرق همهُ ... ولا الموت فيما يتقي فيحيد ويعلم أن الدهر ليس بدائم ... وإن خلود المكرمات مفيد أنخنا بك الآمال وهي ركائب ... لإرسائها لطف الإله يعود وقد كنت عرَّبت الرواحل برهة ... وأطرقت حتى لا يقالُ مريد وداويت لابن العم داءً وجدتهُ ... على الصبر ينمو خطبه ويزيد فأدنيت من أمواج بحرك غمرة ... أصول بها فيمن بغى فيبيد وخف بسرجي الترك والعرب فاغتدى ... بعونك ركني اليوم وهو شديد كذا يستعيد الحرُّ بالحرِّ واثقاً ... بربٍّ لهُ كل الملوكِ عبيد بمن نصر المظلوم في كلماته ... بنصرٍ لهُ أهل السماءِ جنود فدم في ظلال الملك ما هبت الصبا ... وما جنَّ في جنح الظلام وعود ولما عزم الأمير شمس الدين على الرجوع إلى بلاده حمل إليه السلطان من الأموال والخيول والكساوي والطرف مالا يعلمه إلا الله. واقطعه مدينة القحمة وجهز معهُ مائة فرس من المماليك والحلقة فتقدم الأمير شمس الدين إلى الجوف واستباحه. وكانت له وقعات عظيمة وفي هذه السنة توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 يحيى بن إسحاق بن علي إسحاق العياني ثم السكسكي. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بأخيه أبي بكر بن يحيى بن اسحق المقدم ذكره وأخذ عن الإمام سيف السنة. وكان جداً صالحاً يغلب عليه الاشتغال بكتب الحديث. وكان بوفاته لثلاث بقين من شعبان من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه أبو السعود بن الحسن بن مسلم بن علي بن عمر المفضلي الهمداني. وكان فقيهاً ماهراً تفقه بابن مضمون وأبي عبد الله العمرانيين وأخذ عن علي بن أبي بكر التباعي. وارتحل إلى عدن وأخذها عن القاضي إبراهيم بن أحمد القرنطي. وكان زميله في القراءة حسين العديني وسفين الأبيني وولده أبو بكر والسبتي الشحري وغيرهم. وهو والد الفقيه حسين صاحب الفراوي واحد شيوخ القاضي عبد الله العرشاني. ودرس بعكار بعض المبادئ إلى أن توفي في ذي القعدة من السنة المذكورة وفيها توفي الشيخ الإمام أبو الربيع سليمان بن موسى بن سليمان بن علي بن الجون الأشعري الفقيه الحنفي. وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً بالفقه والنحو واللغة وعلم الأدب. وله صفات حسان منها شرح الخمر طاشية وهو شرح جيد سماه الرياض الأدبية يروى أنه صنفهُ وهو ابن ثماني عشرة سنة. وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر. ولما ظهرت السبوت في زبيد وعمل فيها المنكر هاجر إلى الحبشة فأقام بها إلى أن توفي في السنة المذكورة في قرية يقال لها رون بضم الراء الأولى. ولما توفي في التاريخ المذكور كتب الفقيه أبو بكر بن دعاس إلى الفقيه أبي بكر بن حنكاش يعزيه عنه بأبيات يقول فيها غير أنا نقولُ ما دامَ فينا ... نجل عيسى لم نُرْزفي في نجل موسى ولعمري يوسى عليه ولكن ... ببقاءِ الإمام ذا الجرح يوسى وفي سنة ثلاث وخمسين جمع إشراف مكة جمعاً عظيماً وقصدوا الأمير مبارز الدين الحسين بن علي بن رطاس وحاصروه في مكة حصاراً شديداً ودخلوا عليه مكة من رؤوس الجبال وقاتلهم في وسط مكة فكسره وقتلوا جماعة من أصحابه ولزموه فاشترى نفسه منهم وعاد إلى اليمن هو والجد الذين كانوا معهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وفي سنة أربع وخمسين توفي الطواشي تاج الدين بدر بن عبد الله المظفري. وكان ذا همة عالية ونفس أبية وكان خادماً للحرة بنت حوزة إلا أنه كان متظاهراً في أيام السلطان نور الدين بحب الظفر فأمرت به سيدته فحبس في جبس زبيد فلم يزل إلى أن وصل العلم بقتل السلطان نور الدين فلما علم بذلك خرج من السجن قهراً على السجان وصار إلى والدة السلطان الملك المظفر وكريمته. وكانوا عليهم يومئذٍ في زبيد فحرض والدة السلطان وأخته على القيام بحفظ زبيد. واستخدم الرجال وحفظ الأبواب وقبض مفاتيح أبواب المدينة وشاجر الوالي يومئذٍ. وكان الوالي الذي في زبيد اسمه قائماز وشمر تشميراً تاماً. وقاتل المماليك عن منها فلما دخلها الملك المظفر احسن إليه وحمل له طيلخاته واقطعهُ إقطاعات جيدة. وكان شجاعاً فارساً عاملاً رئيساً حسن السيرة له آثار محمودة. ومن مآثره الحسنة المدرسة التي بزبيد المعروفة بالتاجية وهي التي تسمى في وقتنا هذا بمدرسة المبردعين وإنما سميت بذلك لان المبردعين كانوا يعملون البرادع عندها وهي مختصة بالفقه. وله أيضاً المدرسة المعروفة بمدرسة القرّاء بزبيد وقفها على قراّء القرآن السبعة. وفيها مدرسة للحديث النبوي. وفي كل مدرسة من هذه المدارس الثلاث مدرس وطلبة وأمام ومؤَذن في أوقات الصلاة الخمسة وأوقف عليهن وقفاً جيداً يقوم بكفاية الجميع منهم. وله أيضاً دار مضيف لإطعام الطعام فيه شيخ ونقيب وقيم لإطعام الواردين وأمام ومؤَذن للقيام بالصلوات الخمس في أوقاتها. وله وقف أيضاً يقوم بكفاية الجميع وجميع ذلك بزبيد. وله في الجبل مدرسة في قرية الوجيز. وكانت وفاته في مدينة تعز في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة تحقيقاً وقيل تقريباً. ويقال أنه مات مسموماً والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الرحمن بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 حديث وكانت ولادته سنة تسعين وخمسمائة. وكان فقيهاً نبيهاً عارفاً محققاً قائلاً بالحق عاملاً به. ويروى أن السلطان نور الدين عمر بن علي بن رسول وجبت عليه كفارة جماع في شهر رمضان بالنهار. وكان يومئذٍ في الجند فأمر الوالي أن يجمع له الفقهاء من الجند وأعمالها فاستدعاهم الوالي فحضروا وحضر هذا الفقيه من جملتهم فقعد لهم السلطان قعوداً خاصاً وادخلوا عليه جميعاً فلما اطمأن بهم المجلس سئلوا عن المسأَلة فأجابوا بما يجاب عليه سائر الناس. ولم يتكلم الفقيه عبد الرحمن معهم بشيء في ذلك فقيل لهُ لم لا تتحدث كما تتحدث الجماعة فقال اشتهي اعرف صاحب المسأَلة فقيل له هو مولانا السلطان فقال لا يجزيه إلا صوم شهرين وإما الإطعام والإعتاق فلا يجزيه. فنازعه الفقهاءُ الحاضرون في ذلك فقال الغرض بالكفارة حسم مادة معاودة الذنب ولا تنحسم مادة معاودة الذنب في هذا الفعل من مولانا السلطان إلا بذلك فاعجب به السلطان. والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح أحمد بن محمد الشكيل بن سليمان بن أبي السعود الطوسي. وكان مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وفي سنة ولادته توفي صاحب البيان. وكان المذكور فقيهاً عارفاً صالحاً ذا دعوة مستجابة تفقه بأحمد بن مقيل. ثم بالحسن بن راشد من العماقي. ثم بأحمد الصواري ونسخ بيده عدة كتب واشترى كذلك ووقفها على طلبة العلم ببلده من ذريته وغيرهم. وتزوج امرأة من بني ايمن من أهل العماقي وهي أم ولديه مسعود وعبد الله. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة. وقبره مشهور مقصود للزيارة وطلب الحوائج يسمع ليلة الجمعة فيه من يقراُ القرآن في كثير من الأوقات. وكان ولده مسعود بن أحمد من عباد الله الصالحين عارفاً بالفقه ورعاً زاهداً عابداً لم يعرف له صبوة. ويروى أن جماعة من أترابه تذاكروا النساءَ وهو حاضر معهم فقال أما تستحون من الله عن نظرهن فوا الله ما أكاد أحقق لون أمي. ولم يزل على أحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 حال. واكمل سيرة إلى أن توفي قبل أبيه يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة اثنين وأربعين وستمائة والله أعلم. وفي سنة خمس وخمسين وقع قحط عظيم فارتفع سعر الطعام ارتفاعاً كليّاً في صنعاء وصعدة والطاهر ومات كثير من الناس جوعاً. وأقام ستة اشهر فأكل كل الناس الكلاب والسباع. وفي هذه السنة اجتمع علماء الزيدية وفيهم الشيخ محمد بن أحمد بن الرصاص فعابوا على الإمام أحمد بن الحسين أشياء من سيرته وطعنوا عليه وأنكروا أفعاله إنكاراً عظيماً فأمر بإخافتهم فلحقوا بالمعازب. وقيل خرجوا من جوب على وجه الغضب إلى بلاد صفي الدين فأرسل الإمام إليهم الحسن بن وهاس ليسمع ما عابوا عليه فقال له خواصه لا ترسله إليهم فانهم يستميلونه فخالفهم وإرساله. فلما وصل إليهم ناظروه فاستمالوه وصار واحداً منهم فاجتمعت كلمتهم وصار رأسهم فكاتبهم الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام يطلب منهم الاتفاق على حرب الإمام فأجابوه إلى ذلك فسرَّ سروراً عظيماً وخرج من صنعاء وطلعوا إليه من المعازب فاجتمعوا بالبون وصارت كلمتهم واحدة واجمعوا على قتاله بعد أن سألوه المناظرة فيما عابوه من سيرته. فكتب الأمير شمس الدين إلى مولانا السلطان يعلمه بميل الشيعة عن الإمام واستمده بمال فأَرسل إليه بمائة ألف درهم مع الشريف علم الدين حمزة بن الحسن فوافاهم بالمال قبل الوقعة بساعة فكانت الكاشات مطروحة بين الخيام حتى كان ما كان. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام البارع عبد الله بن محمد بن قاسم ابن محمد بن أحمد بن حسان الخزرجي الأنصاري وكان فقيهاً صالحاً تفقه بمحمد بن حسين الأصابي وأخذ عنه شرح اللمع لموسى بن أحمد بن يوسف الأصابي كما أخذه عن مصنفه. وأخذ عن الشيخ نطال بن أحمد بن علي السرددي ودرس بذي هريم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 المدرسة التي أحدثها الطواشي نظام الدين مختص. وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر رمضان من السنة المذكورة. وفيها توفي الصالح أبو عبد الله محمد بن علي بن منصور المعروف بحزب بكسر الحاءِ المهملة وسكون الزاي وآخره باءُ موحدة. وكان فقيهاً صوفيّاً ناسكاً سعيداً صلى الصبح بوضوءِ العشاءِ ثلاثين سنة وتوفي على الطريق المرضي صبح يوم الجمعة الخامس عشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة ست وخمسين اجتمع الأشراف والشيعة على قتال الإمام أحمد ابن الحسين وكان اجتماعهم لسواد فخرج الإمام في عسكره ومضى من حصن مدع نحوهم. وكان ظاهر الأمر من الفريقين اللقاء للمناظرة لا للحرب. فحط الإمام في موضع قريب منهم يقال له المنظر فوق سوان فاعترضه طلائع الأشراف دونها ووقع الطراد وتذامرت عليه الأشراف من كل جانب وفشل عسكره ولم يثبتوا وكانوا ثلاثمائة فارس ونحواً من ألفي راجل وكان بنو حمزة يومئذٍ ثمانين فارساً وأربعمائة راجل. فلما رأى الإمام انهزام عسكره عدل إلى موضع قريب منهُ فاستقام فيه وظن الناس يقاتلون عنهُ فهربوا عنه وأسلموه فريداً فعقرب فرسهُ حينئذٍ وتولى قتاله رجالة رأسهُ وجاءوا به إلى الأمير شمس الدين والى ابن الرصاص وسائر فقهاء الشيعة. ثم حمل بعد ذلك إلى ظفار وطيف به الحصون والأسواق ثم إلى أن الأمير علي بن موسى بن عبد الله أمر بتكفينه ودفنه في المشهد فصده عن ذلك أهل المشهد فقبر تحت حصن القاهرة في موضع الكنف والأزبال حتى أمر الأمير شمس الدين بإنزاله إلى سواية وقبره مع جبلة فقبر في موضع يسمى المشرعة من غيل سوايه فأقام في ذلك الموضع ثلاث سنين. ثن نقل إلى دسين فهو هنالك إلى يومنا هذا وقبره معروف يزار ويتبرك به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قال الجندي واخبر الثقة أن موضع قبره الأول بسواية يوجد عنده رائحة المسك. وكان قتلهُ يوم الأربعاء سلخ شهر صفر من السنة المذكورة ويقال أنه قتل في اليوم الذي قتل فيه الخليفة المستعصم في بغداد. قالهُ الجندي. وكان الخليفة المستعصم قد كتب إلى السلطان الملك المظفر يأمره بأحمد بن الحسين حين بلغه ظهوره وإقبال الناس عليه ووعده على ذلك إقطاع مصر. وكان الإمام أحمد بن الحسين رحمهُ الله امثل أئمة الزيدية المتأخرين علماً وجوداً وكرماً. وللعشم بن هتميل فيه غرر المدائح الحسان موجودة في ديوانه. ولما قتل الإمام أحمد بن الحسين كما ذكرنا في تاريخه المذكور كتب الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة إلى السلطان الملك المظفر كتاباً يخبره فيه بذلك وأرسل بالكتاب رسولاً على الفور معجلاً وكانت نسخة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم يحدد الخدمة ويشكر النعمة لله تعالى ثم للمقام السلطاني خلد الله ملكه. وينهى صدورها من المصف بسواية ورأس أحمد بن الحسين بين يديه " شعر " وأبيض ذي تاج أشاطت رماحنا ... بمعترك بين الفوارس أقتما هوى بين أيدي الخيل إذ فتكت به ... صدور العاولي تنضح المسك والدما ولما كان يوم الجمعة ثالث قتل الإمام دعا الشريف أبو محمد الحسن وهاس إلى نفسه الإمامة فبايعه الشيعة والأشراف وبعض عامة الزيدية. وتأخر الباقون. فلما بايعهُ ممن ذكرنا سار إلى صعدة وسار أيضاً الأمير شمس الدين على اثر الوقعة إلى الجوف ثم إلى جهة صعدة في كافة أصحابه واقتسم هو والشريف حسن بن وهاس الحصون والبلاد نصفين. ولما علم السلطان ببيعة الحسن بن وهاس خرج في عساكره المنصورة إلى الموسعة. ثم أسل الأمير أحمد بن علوان إلى الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام إلى صعدة وقد ظن به الظنون فرجع الأمير أحمد بن علوان بما أرضاه من العلم فرجع إلى تعز المحروس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وفي هذه السنة جهزَّ السلطان عساكره المنصورة صحبة الأمير مبارز الدين الحسن بن علي بن رطاس إلى مخالف حجة. فاستولى على بعض حصونها. وفي هذه السنة اشتد القحط والغلاء بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين ومات كثير من الناس ولا سيما فقهاء الزيدية والحمزيين. وكان أول من مات منهم الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة. وكان سيد الجمزيين في زمانه لا يساميه أحد منهم في رئاسته ولا سيادته. توفي في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وقيل في الثالث عشر من جمادى الأولى. وكانت وفاته بصعدة فتولى رئاسة الحمزيين بعده أخوه الأمير نجم الدين موسى بن الإمام عبد الله بن حمزة فلم يلبث أن هلك بعد أخيه شمس الدين. ثم مات أخوهما الحسن بن الإمام عبد الله بن حمزة ومات طائفة من أولاد وهاس سليمان وعبد الله والمؤيد إبراهيم. فقام برئاسة الحمزيين الأمير صارم الدين داود بن الإمام واتفق هو والإمام الحسن بن وهاس مدة وحالف عليهما محمد سليمان بن موسى بن داود بن علي بن حمزة وسليمان ابن حمزة. فمال إلى خدمة مولانا السلطان. ولما رجع الأمير مبارز الدين ابن رطاس من مخرج حجة إلى أبواب السلطانية جهز السلطان إلى حجة أيضاً الأمير شمس الدين بن علي بن يحيى في جيش كثيف. وكان فيها الأمير أبو الحسن أحمد بن قاسم بن عم الإمام أحمد بن الحسين. فلما وصل الأمير شمس الدين علي بن يحيى إلى مفرق وهو واد بين المحلافة وحجة كتب الأمير شمس الدين علي بن يحيى إلى الأمير أبي الحسن أحمد بن قاسم بيتاً واحداً وهو: أبا حسن ما جئت مفرق طالباً ... لمفرق لكن غير مفرق اطلب فأجابه الفقيه نظام الدين قاسم بن أحمد الشاكري على لسان الأمير أبي الحسن أحمد بن قاسم ببيت واحد وهو: أبا حسن قد يجلب اليوم ما ترى ... وقد ربما احتكتِ بالأفْعَاءِ عقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ولم يلبث الأمير شمس الدين علي بن يحيى أن يرجع إلى الأبواب الشريفة السلطانية وتسلم السلطان حصن اسبح في ذي الحجة من السنة المذكورة ثم أمر السلطان بالمحطة على حصن الكميم. فحط عليه الأمير أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى والأمير شمس الدين علي بن يحيى في العساكر السلطانية. وفي سنة تسع وخمسين تسلم السلطان حجة وحصونها وحسن الريعة وتسلم هَدَاد وفيها تسلم حصن الكميم. وكان الأمير أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى قد مال إلى خدمة السلطان كما ذكرنا. وبنى في وضع يسمى الروق في بلاد بني ضرار فضاق الأمير محمد بن الحسن بن علي بن رسول منهُ. فأخذه مملوكه الأمير جمال الدين أقوس الألفي فحط على الورق حتى كاد يأخذه ثم طلع مولانا السلطان إلى مخلاف ذمار فأخذ باش قهراً بالسبق فأخربهُ واستأسر ولد الأمير أسد الدين في جماعة كثيرة. ثم أخذ أروق وأخربهُ أيضاً. ولما خالف الأمير أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى على الإمام الحسن بن وهاس استولى على الحوف. فسار إليه الأمير صارم الدين داود بن الإمام في عسكره والأمير علم الديم علي بن وهاس في عسكر أخيه. وكان محمد بن سليمان في سوق دعام. فلما وصله العسكر قاتلهم فكسروه ودخلوا عليه الدرب قهراً فالتجأَ إلى دار فيه فدخلها فدخل عليه السحن بن محمد الحجافي فقتلهُ وثؤر بأبيه محمد بن حجاف. وكان سليمان ابن موسى قد اسر محمد بن حجاف في جماعة من أصحابه ثم ضرب أعناقهم صبراً. فظفر ابنه في هذا اليوم بمحمد بن سليمان فقتله بأبيه. وكانت جملة القتلى في هذه الوقعة نحواً من مائة رجل. ولم يبث الأمير صارم الدين داود بن الأمام. والإمام الحسن بن وهاس أن اقترفا وصار بينهما تباعد اشد التباعد. وفي هذه السنة وقعت الزلزلة في صنعاء يوم الرابع من ذي الحجة ولم تخرب شيئاً. ثم وقعت زلزلة أخرى بالمغرب أخرجت جبالاً وهدمت مواضع كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وكانت في الثاني والعشرين من ذي الحجة أيضاً. وفي هذه السنة تولى السلطان أمر الحرم الشريف وعمارته. وأقام منارة وخدمة وجوامك خدامة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن الحسين الأصابي وكان فقيهاً أصوليّاً نحويّاً لغويّاً كامل الفضل عارفاً بالحديث والتفسير. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وتفقه بمحمد بن جديل من أهل سهعنة ويحيى بن فضل وغيرهما. ولما ابتنى السلطان الملك مدرسته التي في معزية تعز رتب فيها مدرساً فهو أول مدرس ترتب فيها. ثم لم يقف بها غير اشهرٍ قلائل وتوجع فرجع إلى السحول. وكان يسكن قرية يقال لها المعيرير بعين مهملة ورائين مهملتين بينهما ياءُ ساكنة على وزن مفيعيل وهو ناحية من نواحي المخادر. وتوفي بها في السنة المذكورة وحمل على أعناق الرجال إلى المحفد ودفن قبلي المدرسة. وقبره اشهر من أن يزار. ويجد الزائر عند قبره رائحة المسك خصوصاً ليلة الجمعة. قال الجندي وهو أول من سن الأذان لمن يسد اللحد على الميت وقد اعتمد ذلك كثير من الناس. قال وسألت شيخنا أبا الحسن الصبحي عن معناهُ فقال هو معناهُ عن الفقيه أبي الحسن علي بن الحسن الأصابي وكان فقيهاً عالماً ولعله أخذ من الأذان في إذن المولود ويقول أول خروجه من الدنيا وهذا أول خروجه إلى الآخرة. وتفقه به خلق كثير منهم عمر السهوي وأبو بكر بن عبادي وغيرهما وله مصنفات في الأصول منها كتاب ضمنه الرد على الزيدية وكتاب ضمنه الرد على من يكفر بأول الصلاة. قال الجندي رحمه الله قرأته على محمد بن أبي الرجا بروايته عن مصنفه المذكور. ويروى عنه أنه قال حججت سنة فبلغني أن الشيخ أبا الغيث قد تكلم بتفسير القرآن على المشكل منه فانتخبت من وسيط الواحدي عشرة مسائل واستثبت حقائقها. فلما رجعت من الحج مررت ببيت عطا فدخلت على الشيخ فوجدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الناس يتغدون والشيخ قاعد على سرير في طرف الرباط فامرني النقيب بالقعود والغداء ففعلت. ثم لما فرغ الناس وتفرقوا قلت أريد أن اسأَل الشيخ ففتشت أول مسأَلة فلم أجد ثم الثانية ثم الثالثة حتى أتيت على العشرة فكأَني لم أُحط بشيءٍ منها علماً والشيخ مطرق فحين لم أجد شيئاً رفع الشيخ رأْسه إليَّ ثم قال ليتأَدب بعض الناس. فغلب على ظني أنه عناني فقمت إليه فقبلت كفه واستأْذنته في السفر فأذن لي فسافرت. وفي سنة ثمان وخمسين طلع السلطان بن علي بن رسول في ذمرمر المذكورة. وكان الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول في ذمرمر فطلب من مولانا السلطان أن يجهزه إلى حضرموت فساعده إلى ذلك وزوَّده فخرج إلى الخوف فلقيه حصن بن محمد بن حجاف وعبد الله بن منصور بم ضيغم فطلبوا منه النصرة على آل راشد بن منيف فأجابهم فكانوا خلف مولانا السلطان فوقعت الحرب بينهم فقتل طوق بن حمدان في جماعة من آل راشد. فلما اتصل العلم بمولانا السلطان ضاق صدره على الأمير أسد الدين وتعذر على الأمير أسد الدين المسير إلى حضرموت فتوجه نحو ظفار الأَشراف فأقام فيه أياماً ثم خرج الأمير صارم الدين داود بن الإمام في عساكره والأمير أسد الدين محمد لن الحسن فيمن بقي من مماليكه وقد كان لحق أكبرهم بالسلطان وتأَهبوا لحرب الإمام الحسن بن وهاس فالتقوا بعصافر فانهزم أصحاب الإمام وثبت هو ثباتاً حسناً وقاتل قتالاً شديداً. وكان فارساً شجاعاً من الشجعان المشهورين فانهزم عنهُ أصحابه ولم ينهزم. وكان لا ينهزم أبداً وكذلك أسر ثلاث مرات هذه المرة الثالثة وفي كلها يأسره الأمير أسد الدين محمد بن الحسن وهذا من عجائب الاتفاق. فلما أُسر الإمام كما ذكرنا سجنه الأمير صارم الدين داود بن الإمام فأقام عنده في الأسر عشر سنين. ثم أخرجه بعد عشر على ما سنذكره أن شاء الله وأقام السلطان في صنعاء ونواحيها إلى شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. ثم بعده إلى اليمن وترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الأمير شمس الدين علي بن يحيى في صنعاء مقطعاً بها وبأعمالها فلم يقم إلا قليلاً حتى وصل الأمير أسد الدين محمد بن الحسن فحط في المدورة فوق الحمراء وكان يغير إلى صنعاءَ فأغِارت خية عشية إلى صنعاءَ فخرج العسكر لقتالهم فقتل مملوكه الأمير جمال الدين أفوس الألفي أُصيب بسهم. وكان الذي رماه الأشقر أحد مماليك أسد الدين أيضاً ولكنه قد صار من جملة العسكر السلطاني. وكان الألفي أحد الشجعان المشهورين بالشجاعة والكرم. ولما علم السلطان بما كان من أسد الدين جهز الأمير علم الدين سنجر الشعبي معبراً إلى صنعاءَ فارتحل أسد الدين من محطته ولحق ببلاد الأشراف ولم تقم له راية بعد لذلك. وأعاد الأمير علم الدين المحاط على براش ولقي الأمير أسد الدين يتردد من ظفار إلى طفر ثم لحقته مضرة شديدة حتى أنه باع ثيابه ثم كتب إلى السلطان كتاباً يقوله فيه: فان كنت مأْكولاً فكن أنت آكلي ... وإلاَّ فأدركني ولما أمزّق فأمر السلطان علي بن يحيى والأمير عبد الله بن العباس إلى الأمير أسد الدين فما زالا بهِ حتى نزل معهما إلى السلطان وإنما أرسل إليه السلطان الأمير شمس الدين علي بن يحيى لما يعلم بينهما من المحبة والصداقة فلما وصل الأمير شمس الدين إلى الأمير أسد الدين بكى عنده وتأّلم من القبض على أبيه وأخيه فقال له لعلك في القرب انفع لهم من البعد. ولعلنا ننتظر فرصة من الدهر فنكون كذا وكذا فنقل ذلك إلى السلطان. وكان السلطان يومئذ في محروسة زبيد. فلما وصلوا زبيد أمر السلطان بالقبض عليه وعلى علي بن يحيى فقيدهما وأرسلهما إلى حصن تعز فقال في ذلك القاضي سراج الدين أبو بكر بن دعاس. ما دان في فلك الأيام ذا أبداً ... كلاّ ولا دار للأقوام في خلد أن الكسوف جميعاً والخسوف معاً ... في ساعة في نزول الشمس في الأسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فلما دخل الأمير أسد الدين على أبيه وعمه وأخيه وابن عمه وابن أخته محمد بن حصر جعلوا يعاتبونه ويخاصمونه فقال لهم يا قوم لا نكون مثل أهل جهنم كلما دخلت أمي لعنت أختها. فلم يزالوا في اسجن حتى توفوا إلى رحمة الله تعالى. ولما قبض الأمير شمس الدين علي بن يحيى كما ذكرنا. وكان مقطعاً في صنعاء طلع الطواشي نظام الدين مختص عقيب ذلك فأقام في صنعاءَ ورجعت المحاط على مدة وتراش وطفر. ثم طلع بعد ذلك فيروز فأقام أياماً قلائل. ثم طلع الأمير هبة بن الفضل مستخلصاً للأموال فاستخلصها على أثم ما يكون. ثم تسلم الحصن حصن حيرة في شهر رجب. وكان بناه بنو وهاس فاخرب بعد التسليم ثن تسلم حصن مدة في ذي الحجة من السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو الخطاب عمر بن مسعود ابن محمد بن سالم الحميري نسباً إلا يبني بلداً. وكان فقيهاً صالحاً متورعاً متعففاً ملازماً للسنة تفقه بمحمد بن إسماعيل الحضرمي وعلي بن قاسم الحكمي وبطال بن أحمد الركبي وعلي بن عمر الحضرمي وإبراهيم بن علي بن عجيل وغيرهم. وعرف بصحبته الحضر كثيراً. وكان مدرساً بذي هريم بالمدرسة النظامية وتفقه به جمع كثير. ويقال أنه خرج من أصحابه أربعون مدرساً منهم محمد بن سالم اليابه وإبراهيم بن عيسى الجندي ومحمد بن محمود السفالي وسعد بن انعم بن مصنعة وغيرهم. ولم يزل على الطريق المرضي إلى أن توفي رحمة الله عليه في الثامن من شوال من السنة المذكورة وقبر في مقبرة صينية في ناحية من نواحي مدينة تعز ولما توفي في التاريخ المذكور خلفه تلميذه سعيد بن منصور بن محمد بن أحمد الجيشي بجيم وياء مثناة من تحتها ساكنة ثم شين معجمة. وكان واده يلقب بأنعم واصل بلده مصنعة سير. وكان فقيهاً محققاً درس بعد شيخه في المدرسة المذكورة إلى أن توفي سنة أربع وسبعين وستمائة وقبر إلى جنب قبر شيخه ثم خلفه ابن شيخه عبد الله بن الفقيه عمر بن مسعود فلم تطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مدته فتوفي في سنة خمس وسبعين والله أعلم. وفي سنة تسع وخمسين تسلم السلطان رحمه الله حصن عصدان في المحرم من السنة المذكورة. ثم تسلم حصن براش في رجب من الشريف أحمد بن محمد العلوي وعوضه عنه المصنعة وعزان من بلاد حمير ومالا أعطاه إياه. وفي شهر رمضان من السنة المذكورة طلع الأمير علم الدين سنجر الشعبي إلى صنعاء مقطعاَ لها ولأَعمالها وقد تأَهب الركاب العالي إلى مكة المشرفة لأداءِ فريضة الحج فخرج في حصن تعز في شوال من أسنة المذكورة. وكان له من الصدقات أتى مكة في البحر والبر ما لا يعمله إلا الله وكان رحمه الله يسير في البر والمراكب تسايره في أبحر بالعلوفات والأطعمة فلما قارب مكة حرسها اله تعالى خرج الشريفان عنها إدريس ابن قتادة وأبو نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة خوفاً منهُ ثم دخل مكة في عساكره وجنوده داعياً ملبياً خاشعاً متضرعاً عاري الرأس والجسد حتى قضى حق الطواف. ثم تقدمت العساكر والجنود فحطت في الحجون ولم تزل إلى أن قضى ما يجب عليه من الوقوف بعرفة فوقف في ناحية الصخرات وطلعت أعلامه الشريفة وأعلام صاحب مصر فقال له الأمير عز الدين محمد بن أحمد بن الإمام هلا اطلعت أعلامك يا مولانا السلطان قبل إعلام المصريين فقال له أتراني أؤَخر أعلام ملك كسر التتر بالأَمس أقدم أعلامي لأَجل حضوري ثم مضى في حجه حتى أتمهُ ثم قصد البيت الشريف وحلَّ لهُ ما حرّم عليه. ولم يزل مدة إقامته بمكة يصلي المغرب على قبة زمزم ثم يطوف وارداً وصادراً وخدم البيت الشريف وأخذ المكسحة وتأبط القربة وغسلهُ ثم ضخمهُ بالغوالي الفاخرة مقام يحق لذي الكبريا ... ءِ أن يبدلهُ بالخضوع رأينا به الملك رب الفخار ... أبا عمر ذا النوال الهموع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 خشوعاً مروعاً لتقوى الإِله ... وما كان من قبله بالمروع ثم أقام في مكة عشرة أيام بعد الحج يفرّق الصدقات المبرورة حتى وصلت صدقاته إلى كل منزل بمكة وعمت جميع الحجاج على اختلاف أنواعهم وجهز حاج مصر بالأنعام العام والأزواد والمراكب وكسى البيت المعظم وأنعم على رؤَساءِ الحرم بالتشريفات ونثر على البيت الذهب والفضة. ولما أزمع الرحيل تقدمت الاستاق المباركة إلى البير المعروفة بالبيضاء ثم ودع البيت باكياً مستعبراً وعاد سعيداً مقبولاً ولم يزل يوالي البر وينشر العرف في كل محطة حتى وصل بلاده. وفي هذه السنة توفي الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مصباح بن عبد الرحيم الأحولي العنسي. وكان مولده سنة سبع وخمسمائة أخذ عن إسماعيل بن سيف السنة وعن محمد بن مضمون وأبي حديد وغيرهم. ثم لما سمع بمعمر ارتحل إليه فوجده قد توفي قبل قدومه بقليل. فدخل بلد يزد فاخذ عن الفقيه محمد بن إبراهيم اليزدي ثم عاد إلى جبلة فأقام بها ببيع العطر وهو يشتغل بقراءَة الكتب. فلما ابتنى الدار النجمي المسجد الذي تنسب إليهم في جبلة جعلوه مدروساً فيه حتى توفي. وعند أخذ جمع كبير وقُصد من الأماكن البعيدة لعلو سنده وغرر روايته. وكان رجلاً صالحاً لما أهل له من التدريس. وممن أخذ عنهُ الفقه عمر بن سعد العقيني. ولم تزل ذريته يتوارثون تدريس المسجد بعده لا يعسر ذلك عليهم وكانت وفاته لأربع بقين من ذي القعدة من السنة المذكورة. وأما معمر المذكور الذي كان في الهند وقصد الفقيه زيارته كما ذكرنا فكان أسمه براءٍ مفتوحة وتاءٍ مثناة من فوقها وآخره نون على وزن وثن مفتوح أوله وثانيه. قيل أنه توفي سنة إحدى عشرة وستمائة في جزيرة بالهند تسمى فروزاً اخبرني من أثق به أنه وجد هكذا مكتوباً بخط الفقيه الإمام القطب أحمد بن موسى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 عجيل. قال حكى لي من حضر موته في التاريخ المذكور قلت وأما الحفاظ فلا يثبتونه وقال الحافظ الذهبي لا حقيقة لهُ في الوجود. وإن صح وجوده فإنه شيطان يبدو للناس ليفتنهم. لان مثل هذا لتواتر الدواعي إلى نقلهِ ولتواتر الأخبار عنهُ. هذا لفظه بعينه ذكره في كتابه المغني والله أعلم وفي هذه السنة توفي الفقيه أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الحواري. وكان مولاده في مدينة زبيد وبها تفقه ثم صار إلى عدن وصحب الفقيه إبراهيم السرددي وآخاه ثم لما توفي أنزله قبره بعد أن اضطجع فيه قبله وكأنه فعل ذلك تأَسيساً بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بام علي بن أبي طالب حين أراد دفنها. وهو ممن أخذ عن الصنعاني وكانت وفاته في السنة المذكورة. وقيل في سنة ثمان وخمسين والله أعلم. وفي سنة ستين وستمائة رجع السلطان من حجته المبرورة فدخل مدينة زبيد في أحسن زي واكمل آلة ذلك في شهر صفر من السنة المذكورة. وكان الشريف يحيى بن محمد السراجي قد دعا إلى نفسه في ناحية حصور وما والاها في آخر سنة تسع وخمسين وستمائة فأجابه اجزل أهل تلك الناحية. فخرج إليه الأمير علم الدين سنجر الشعبي مواثباً له فانهزم العسكر إلى المغرب وعاد الأمير إلى صنعاءَ فسار الشريف يحيى إلى بلد بني فاهم فامسكوه وسلموه إلى الأمير علم الدين فكحله في ذي الحجة من السنة المذكورة سنة ستين وستمائة. وفي هذه السنة توفي الفقيه علي بن عمر بن مسعود وكان فقيهاً جيداً صالحاً ولي قضاء صنعاءَ برهة من الزمن وكان الفقيه عمر بن سعيد أخاه لأمه فاستعفى السلطان نور الدين فأّعفاه وحج في آخر عمره. فلما رجع من الحج إلى مدينة زبيد. توفي بها في صفر من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 سعيد بن الفقيه منصور بن علي بن عبد الله بن إسماعيل ابن أبي الخير بن مسكين. وكان في نهاية من الزهد والورع والعبادة مع الاشتغال بالقراءَة. قال الجندي أخبرني الفقيه الخبير بأحوال الناس من أهل جيله خاصة قال كان هذا سعيد بن منصور مصاحباً لابن مصباح واتفقا على أن من كان لهُ في شيءٍ من الكتب سماع أسمهُ صاحبه وانتزم ذلك بينهما. وكان بين ألفيه سعيد وبين الفقيه عمر بن سعيد صحبة ومؤَاخاة ومعاقدة أن من مات منهما قبل صاحبه حضرهُ الآخر وتولى غسلهُ والصلاة عليه. فلما مات الفقيه سعيد في بلده دلال. وكان قد أوصى أن يرسل إلى الفقيه رسولاً يعلمهُ بموته عند أن يموت. فلما توفي بادر الوصي أرسل رسولاً إلى الفقيه عمر بن سعيد يعلمهُ بموته. فلما بلغ الرسول الطريق لقي الفقيه عمر بن سعيد مقبلاً. فلما واجه الرسول قال له مات الفقيه قال نعم. ومن كراماته ما يروى أن زريعاً الحداد. وكان زريع من الصالحين المتورعين دخل على الفقيه سعيد بن منصور يوماً عقيب عي عرفه فقال يا سيدي رأّيت ما أَحلى الحج هذه السنة فنظره القيه نظرة بزورار ففهم زريع كراهة الفقيه لذلك فسكت مستحيياً ثم جعل الفقيه يغالط الحاضرين بكلام آخر ففهم الحاضرون المعنى فوقف حتى انصرف الحاضرون جميعاً عن مجل الفقيه. ثم قال يا سيدي سبحان الله نحن نحبكم وصحبنا كم ويحصل لكم هذا النصيب الوافر ولا تشركوننا فيه ولا في بعضه. فأراد الفقيه مدافعته بالكلام وإنكار ما أراد فلم يقبل من الفقيه ذلك الكلام وكان يأْنس بالفقيه كثيراً ثم قال لهُ سأَلتك بالله يا سيدي إلا ما أخبرتني كيف تفعلون هل هو طيران أم خطو أم ما ذلك. فقال الفقيه هو شيءُ لا يستطيع تكييفه وإنما هو قدرة من قدرة الله تعالى يختص برحمته من يشاءُ من عباده وبالله التوفيق. وفي هذه السنة توفي الشيخ الرئيس الماجد علوان بن عبد الله بن سعيد الجحدري ثم المذحجي المعروف بالكردي لقباً وكان قيلاً من أقيال اليمن وأوحد أعيان مشايخ الزمن. وكان كريماً شجاعاً مقداماً مطعاماً مطعاناً عفيف الأزرار مجتهداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فيطلب الأجر والثناء وملك ناحية عظيمة من شرق اليمن وهي حجر ونواحيها وتغلب على حصون كثيرة منها العروسين ووعل والبورة ونعمان شرقي الجند وحارب ملوك الغز ولم يظفروا منه بطائل. وكان السلطان نور الدين في مدته قد حط عليه عدة محاط بالمقطعين من أُمرائه وطلخاناتهم إذا جاءَ وقت ما يضربون النوبة ترتج الأرض وترتعب النفوس فيقول علوان لقومه يا مدجح لا تفزعوا فإنما هي جلود بقز وله قصيدة في التأليب على حرب السلطان نور الدين يقول فيها: من تاب عن حرب نور الدين من جزع ... فإنني عنهُ ما عمرتُ لم أَتبِ وكاتب السلطان الملك الكامل إلى الديار المصرية وسأَل منه الإعانة في حرب نور الدين فأعانه بأموال جمة. ولم يزل السلطان نور الدين يتطلف به ويبذل فيه الرغائب حتى أُتي به إليه أسيراً فحسبه في حصن جب فلما صار في السجن أكثر التضرع إلى الله تعالى والدعاء بالخلاص فيقال أنه رأَى في النوم قائلاً يقول لهُ ادع الله بهذه الكلمات: اللهم إني أسأَلك بما ألهمت به عيسى من معرفتك وما علمته من أسمائك التي صعد بها إلى سماواتك وبما علمتهُ من ربوبيتك ووحدانيتك إلا فككت أسري برحمتك وكرَّر ذلك حتى حفظه فلم يزل يدعو بهذا الدعاء أياماً حتى أطلقهُ الله وأعاد إليه حصونه. ومن محاسن أفعاله أنه كان متى بلغه أن يتميمه قد بلغت الزواج ولم تتزوج ولم يُرغب خطبها هو واحضر لها مالاً له قدر فإذا خلا بها طلقها وربما يطلقها قبل أن يخلو بها فتُرغب من بعده إما للمال أو شحاً على زوجاته لها بعده وكان هذا دأْبه. ولما توفي السلطان نور الدين في تاريخه المذكور وطلع ولده السلطان الملك المظفر من تهامة استعان به على أحد تعز فأَقبل إليه بنحو من عشرين ألف رجل من مذحج. وكان شاعراً فصيحاً حسن الشعر ومن شعره قوله: والله لا استوطنت أرضاً تربها ... مسك إذا حظي بها مقسومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وعلام أُوطنها وعرضي وافرُ ... والرزق من أُفق السما مقسومُ لا آمن الأيام وهي معارةُ ... فوق التراب فحسبيَ القيومُ ومن شعره قوله أيضاً إذا كان قول الحق والحق قولهُ ... بمحكمة والملك في آية الملكِ معزُّ لمن شا والمذلُّ لمن يشا ... فكيف اعتراضي قوله الصدق بالشك ونفسك فاتركها عن الهم والأذى ... فراحتك العظمى لك الله في الترك فما الأمر إلا للذي صيَّرَ الورى ... وتسييرهم في لجنة البحر بالفلك وموجدهمُ من غير وجدان سابقٍ ... ومفنيهمُ بعد التكاثرِ بالهلكِ ولا تشك ما لاقيت من غير منصف ... إلى مثلهِ لكن إلى منصفٍ تشكي ولما تاب وحسنت توبته قال يعاقب نفسهُ: وقد كان ظني الغي واللهو إِنما ... يكونان في عصر الشباب العرانق فلما أتاني الشيب وانقرض الصبي ... نظرت وذاك الغي غير مفارق فقال بلى لكن رأَيتك ربما ... تكون بإحدى الحالتين موافقي فقلت له لا مرحباً بك بعدها ... وانك مني طالق وابن طالق فقال سمعنا ما حلفت بهِ لنا ... وكم مثله قد قلتهُ غير صادق فقلت أَمن بعد الطلاق فقال لي ... وأَي طلاق للنساءِ الطوالق فقلت له لي منك جار يجيرني ... فقال ومن هو قلت ذو الطول خالقي فوَلى لهُ مني ضجيجُ فقلتُ لا ... تضجُّ وبادر نحو كل منافق وشعرهُ كثير وديوانه مجلد ضخم والغالب عليه الجزالة وهو عزيز الوجود وكانت وفاته في السنة المذكورة على اصح ما قيل وقبر في موضع من بلده يعرف بالمرجانة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العتيق أبو بكر عبد الله بن محمد بن عمر بن محمد بن أبي عمران الملقب بالصوفي. وكان فقيهاً زاهداً صالحاً ورعاً متفنناً متقناً درس ببلده ثم درس ببلد صهبان ولم يزل بها حتى دنت وفاته فعاد إلى بلده فتوفي بها في السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة إحدى وستين تسلم السلطان حصن الجاهلي اشتراه من الشريف أحمد بن قاسم القاسمي في شهر بيع الأول. ثم تسلم حصن السوا في شهر رجب من السنة المذكورة. ثم تبارت العساكر المنصورة في شوال إلى حصن دمرمر فكانت محطة في الحصن الأبيض ومحطة في الحصن الأحمر ومحطة في أكمة ابن سنية ومحطة في الهامة. ووصل الأمير عز الدين محمد ابن أحمد بن الإمام والأمير عز الدين هبة بن الفضل وبذلوا لأهل دمرمر مائة ألف دينار وحصن بريس وحصن فده ووادي طهر وغير ذلك من الكسى والأنعامات فلم يقبلوا فأصابهم مرض لم يسمعوا بمثله كان إذا أصاب أَحداً سقطت أضراسه كلها فيقيم بعد ذلك نحواً من خمسة عشر يوماً ثم يموت. فهلك منهم طائفة في مدة يسيرة. وفي هذه السنة أرسل السلطان بكسوة البيت وكسوة الحجرة الشريفة على صاحبها افضل الصلاة والسلام. وفيها توفي الفقيه الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفَشلَي. وكان فقيهاً كبيراً محدثا مولده في الرابع عشر من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة وأخذ عن جماعة الأكابر كالشريف أبي حديد وابن حروبه الموصلي وغيرهما وارتحل إلى مكة والمدينة وأخذ عن أعيان المشايخ هنالك كابن أبي الضيف وعمر بن عبد المجيد القرشي وغيرهما. وأخذ عنه كثير من أهل اليمن وغلب عليه علم الحديث فكان إماماً فيه وهو أحد مشايخ أبي الخير بن منصور وممن أخذ عنه أحمد بن علي السرددي وغيرهُ. وكانت له مكانة عند الملك المنصور نور الدين ثم عند ولده السلطان الملك المظفر. وسمع عليه عدة من كتب الحديث. وكانت وفاته يوم الأربعاء عاشر شهر رمضان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 من السنة المذكورة. ركب دابتهُ يوماً في مدينة زبيد يريد بعض حوائجه فمرَّت الدابة عند كلب فنبحها فجفلت منهُ فوقع الفقيهُ من ظهرها على الأرض ميتاً في التاريخ المذكور. أَما والده إبراهيم القشلي فكان رجلاً صالحاً ذا عادات وكرامات وهو شيخ الشيخ أحمد الصياد والذي كان يدله على الطريق إلى الله تعالى بحيث حكى صاحب سيرته عنهُ أنه قال لما فتح الله عليَّ بما فتح لم يسلم لي الفقهاء والمشايخ غير هذا الشيخ إبراهيم الفشلي فإنه أخي وقسيمي في الدنيا والآخرة وكان يثني عليه ثناءً حسناً هكذا ذكر مؤَلف سيرة الشيخ أحمد أبي الخير الصياد نفع الله بهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد بن الفقيه إبراهيم بن أحمد الوزيري. وكانت وفاتهُ سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ونشأَ نشوءَ البدو ولم يشتغل بشيءٍ من العلم حتى بلغ عمرهُ أربعين سنة. وكان إذا بلغ إلى ابن عمه أحمد بن عبد الله بن أَسعد بن إبراهيم لم يكد يصافحهُ ولا يتركهُ يدنو منهُ ويطوي عنهُ حصر الطهارة حتى جاءَهُ يوماً فبالغ ابن عمه في التحرز منهُ واظهر لهُ ذلك فقال لهُ لِمَ تفعل هذا معي فقال لهُ يغلب على ظني إنك لا تتحرى من نجاسة وإنك جاهل لا تعرف ما ينبغي لك اجتنابهُ. فلما سمع مقالة ابن عمه هذه دخله غيظ عظيم وخرج فلحق بعبد الله بن محمد الحساني الخزرجي المقدم ذكره أَولا فتفقه به ثم عاد إلى ابن عمه فأكمل عليه قراءَة كتب الفقه. فلما عزم ابن عمه على الحج إلى بيت الله الحرام استنابه على التدريس فدرس بالوزيرية وعنهُ أخذ جماعة كثيرون منهم ابن النحوي وابن التائه من أهل تعز وحسن بن علي من أهل أب وغيرهم وكانت وفاتهُ في سلخ ذي القعدة من السنة المذكورة. حكى تاريخ وفاته صاحب العطايا السنية. ولم يذكر الجندي لهُ تأريخاً والله أعلم. وفيها توفي الأديب سعيد وكان رجلاً صالحاً عابداً لهُ بعض اشتغال بالكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 والقراءة ولم يزل على احسن سيرة إلى أن توفي في سلخ شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فحضر دفنه خلق كثير لا يكادون يحصرون منهم الفقيه عمر بن سعيد العقيبي والشيخ علي صاحب المقداحة. وكان دفن الأديب سعيد في آخر النهار في قرية يقال لها الفراوي بفتح الفاء فبات أكثر الناس في القرية. وكان أهل بيته فقراء لا يملكون شيئاً فاتاهم من الجيران توزة فيها لوح وقدرة فيها زوم. وكان الفقيه عمر بن سعيد والشيخ علي صاحب المقداحة ممن أمسى هنالك تلك الليلة فتقلد أحدهما بكفاية الناس من ذلك اللحوح وتكفل الآخر بكفايتهم من ذلك الزوم. فقام أحدهما على إِناءِ اللحوح والآخر على إِناءِ الزوم ولم يزالا يطعمان الناس حتى صدروا كلهم عن كفايتهم والله أعلم. وفي هذه السنة توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن اسعد بن عبد الله ابن سعيد المقري المذحجي العسني بنون بعد العين والسين. وكان فقيهاً عارفاً بالفروع والأصول ولهُ في كل منهما تصنيف مفيد. وولي قضاء عدن برهة من الدهر. وكان موصوفاً بالورع وجودة الفقه غواصاً على دقائقه عاملاً به. قال الجندي سمعت شيخي أبا العباس أحمد بن علي الحراذي يذكر هذا الرجل ويثني عليه ثناءً بليغاً. وكان ممن أدركه وقرأ عليه وأخبرني أنه كان يعجبه الاختلاط بالفقهاءِ والمواصلة لهم. وكان مدرس عدن والمعيد بها والطلبة يصلون بكرة كل يوم إلى بابه ويحضرون مجلسه فيلقاهم بالبشر والإكرام. فإذا اطمأَن بهم المجلس جعل يلقي عليهم المسائل من الكتب التي يتعانون قراءَتها فمن وجده ذاكراً شكره ووعده بالخير وحثه على الاجتهاد. وكان ذا مكارم أخلاق وكرم طباع قل ما قصده أحد إلا أنحفهُ بما يليق بحاله. وكان كثير الصدقة متنزهاً عما يتهم به كثير من الحكام وكان كثير الصدقة على الفقراءِ والمساكين في كل يوم بدينار خبز. وكانت وفاته في عدن يوم الثلاثاء لاثني عشرة ليلة بقيت من صفر من السنة المذكورة وقبره في القطيع رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وفي سنة اثنين وستين تسلم السلطان الحصون الحميرية. وتسلم مدع من بني وهيب وعوضهم حصن بنت أنعم ومالاً اشترطوه. فطلع الأمير علم الدين إلى مدع بعد أن دخلته العساكر المظفرية. وفيها من المقدمين الحسن بن بهرام ومحمد بن ربيع وغيرهما. وقد كان الأمير صارم الدين داود بن الإمام أقام الشريف الحسين بن محمد العطاري واستمد به رجاء منه أن يتنفس على أهل ذمرمر وعلى أهل مدع فلم يتفق له ذلك ولم يكن للإمام عوده الله من النصر والظفر فلما قبض الأمير علم الدين حصن مدع وقبض الوهبيون حصنهم والمال الذي اشترطوه. وهو ستون ألفاً سقط في أيدي الأشراف ورأوا انهم قد ضلوا. ثم وردت الأوامر الشريفة على الأمير علم الدين الشعبي بالتقدم إلى ابن أقس والزاهر وأخذهما وكان تسليمهما في ذي القعدة من السنة المذكورة. ووصل العسكر المنصور صعدة في ذي الحجة منها. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح القاضي أحمد بن ثمامة. وكان من أهل العبادة والصلاح وامتحن بقضاء الضحى ومرض مرضاً شديداً وكان يخرج أوقات الصلاة بين اثنين يستعين بهما في الخروج ليصلي مع الجماعة فصلى يوماً الظهر واضطجع بعد الصلاة فغلبتهُ عينهُ فنام حتى دخل وقت العصر فأيقظوه للصلاة فوجدوه قد مات. وكان يوم وفاته في السنة المذكورة. وفيها أيضاً توفي الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن اسعد بن إبراهيم الوزيري بلداً الأنصاري نسباً وكان فقيهاً ماهراً تفقه بابيه عبد الله ابن اسعد ودرَّس بالوزيرية بعد أبن مضمون وبه سميت الوزيرية لطول إقامته في تدريسها وإقامة ابن عمه أيضاً. ثم أراد الحج فسافر إلى مكة المشرفة في أيام السلطان نور الدين بعد أن استخلف ابن عمه أحمد ابن محمد ابن إبراهيم الوزيري المذكور أولاً. فلما قضى الحج وعاد احبَّ سكنى زبيد فسأَل من السلطان نور الدين أن يأْذن له في سكناها فأذن له في ذلك فاستوطنها وجعله مدرساً في المنصورية العليا بزبيد فاخذ عنهُ عدة من أهل زبيد منهم عمر بن عاصم وغيره. وممن أخذ عنهُ يحيى بن زكريا ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 يزل مقيماً في مدينة زبيد إلى أن توفي في السنة المذكورة ودفن في مقبرة باب القريب فكان له أربعة أولاد أَفقههم سليمان سكن مخلاف شرعب. وكان فقيهاً صالحاً زاهداً ورعاً تفقه في بدايته بابيه ثم بالفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وأخذ عن أبي الخير بن منصور وعن السلطان علا السمكري وكان يقول شعراً حسناً ومن شعره ما قاله في الزهد وهو قوله: سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ... ولابدَّ من زاد لكل مسافر ولابد في الأسفار من حمل عدة ... ولاسيما أن خفت سطوة قاهر وفي هذه السنة توفي الأمير بدر الدين الحسن بن علي بن رسول في السجن ودفن عند أبيه بعكار بوصية منه وكان فارساً شجاعاً مقداماً لا يوجد لهُ نظير في عصره وشهرته تغني عن وصفه وهو الذي بنى المسجد بعكار عند تربة أبيه شمس الدين علي بن رسول ووقف عليه وقفاً جيداً ورتب فيه إماماً ومؤّذناً ودرسةً وقيماً. وكان وقفه يقوم بكفاية الجميع منهم وإطعام من وفد إلى المسجد وهو باق إلى الآن والله أعلم. وفي سنة ثلاث وستين قبض محمد بن الوشاح الشهابي. وفي شهر شعبان منها تسلم السلطان حصن ذمرمر سلمه أهله لما أصابهم من الجهد والمشقة فطلبوا الرفاقة والذمة ونزلوا إلى الأبواب السلطانية فأعطاهم السلطان ستة وعشرين ألفاً وتصدق عليهم بحصن قدة. وفي شهر رمضان تسلم السلطان الفص الكبير ثم تسلم براش الباقر بن محمد بن مفضل الوهبي في شهر ذي الحجة وفي هذه السنة توفي الفقيه العالم أبو يحيى عثمان بن الفقيه يحيى بن الفقيه فضل وكان فقيهاً متأَدباً بارعاً له محفوظات كثيرة وبديهة حسنة وكان حاضر الجواب نظماً ونثراً وكان شاعراً فصيحاً محسناً ومن شعره قولهُ طوبى لمن عاش بعض يوم ... ونفسهُ فيهِ مطمئنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ولا لهُ في الملا عدوُّ ... ولا لخلق عليه منة وحضر يوماً جماعة من الفقهاء على طعام صنعه لهم الأمير شمس الدين علي بن يحيى العسني وكان بين ذلك الطعام صفحة مملوءَة لحوحاً وزوماً فتاقت نفس الفقيه إليه أكثر من غيره فكان يمد يده إلى الصفحة وكانت الصفحة على بعد منه فقال الأمير: بَعُدَ اللحوح عن الفقيه الأوحد ... عثمان بل خير البرية عن يد فأجابه الفقيه مرتجلاً: ترد المراسم أن أردت بنقله ... ويطول منك الباع أن قصرت بدي فقام الأمير مسرعاً من مكانه واحتمل الصحفة بما فيها ووضعها بين يدي الفقيه ثم لما انقضى الطعام قال الأمير شمس الدين للفقيه يا سيدي إني رأَيتك تحب اللحوح وقد وهبت لك الحربة الفلانية تكون باسم اللحوح فاقبلها مني فقبلها وكانت تسوى ألف دينار. فرحم الله علي بن يحيى ما كان الطف شمائله واجزل نائله وأكثر فضله وفضائله. وكانت وفاة الفقيه عثمان المذكور يوم الأحد لثلاث بقين من رمضان من السنة المذكورة. ولما توفي الفقيه عثمان في التاريخ المذكور خلفه ابنه يحيى بن عثمان بن يحيى بن فضل وكان مولده يوم الجمعة لخمس خلون من صفر سنة سبع عشرة وستمائة. وكان فقيها ورعا دئبا نقالاً للفروع عارفاً بها نزل إلى ذي جبلة فدرس في المدرسة الشرفية. وكان يطلع بلده في كل سنة يقف فيها شهرين أيام انتقال الغلة ثم يرجع إلى جبلة وقد اجتمعت عليه وقف المدرسة المذكورة فيصرف له الناظر نفقته في السنة فيرد منها نفقة شهرين لأجل غيبته عن المدرسة فقيل له يوماً أن المدرسين قبلك كانوا يغيبون أكثر مما تغيب أنت ويأخذون نفقة السنة كلها فقال لا تسأَلون عما أجرمنا ولا نسأًل عما تعملون. وكان يصرف ما يقتضيه من النفقة على المحتجين من الطلبة وفيما يطلبه منهُ أهل الديوان في خراج أرضه وتوفي رحمه الله في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 النصف من صفر سنة ثمان وسبعين وستمائة. وفي هذه السنة توفي الشيخ الصالح علي بن أحمد الرميمة وكان شيخاً مباركاً يصحب الشيخ مدافع ولزم طريقة العزلة في جبل صبر. قال القاضي محمد ابن علي اخبرني الشيخ علي بن الرميمة أن أكله في السنة اثنا عشر زبديَّاً يكلفه أهله على ذلك. وكان الزبدي التعزي يومئذٍ ثمانية أرطال قال وهذا القدر يأكله الواحد المنفرد في شهر واحد. وكان صاحب مكاشفات وكرامات ظاهرة. حكى القاضي محمد بن علي رحمهُ الله قال كان الشيخ عبد الله بن عباس قد بعثه الملك المظفر رسولاً وبعث معه الأمير المعروف بابن الداية فلما صار وصل العلم أن عبد الله بن عباس توفي إلى رحمة الله تعالى وكان يصحبني فمررت ببابه فسمعت في بيته البكاء فطلعت إلى الشيخ علي بن أحمد الرميمة وأخبرته بوفاة ابن عباس ففي علق ساعة ثم رفع رأُسه إليَّ وقال لم يمت إلا ابن الداية وأما الشيخ ابن عباس ففي عافية فانزل واخبر بذلك أهله فنزلت مسرعاً وأخبرتهم ثم بعد أيام وصل الخبر بموت ابن الداية ولم يزل هذا الشيخ على الطريق المرضي إلى أن يوم الجمعة بعد صلاة الضحى وهو الخامس والعشرون من رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح المشهور أبو الخطاب عمر بن سعيد ابن أبي السعود بن أحمد الهمذاني العقيبي. وكان مولدة سنة عشر وستمائة. وكان عالماً عاملاً ورعاً فاضلاً عابداً زاهداً جامعاً لطريقي العلم والعمل وفقاً في كبره وصغره. روي عنهُ أنه قال خرجت يوماً أريد المعلاية وأنا صغير يتيم ومعي كسرة خبز فلما صرت في الطريق من ذي عقيب وجبلة أَكلت شيئاً من الكسرة التي معي فلقيني شخص حسن الهيئة فقال لي أنت فقيه وتأكل بالنهار فاستحييت من كلامه فكان غالب أيامه صائماً وكان غالب أصحابه يرون سبب مواظبته على الصيام من أجل ذلك وتفقه بمحمد بن عمر الخبيري المذكور أولاً وأخذ عن غيره كمحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 مصباح وارتحل إلى وصاب فاخذ بها شرح اللمع لموسى الأصابي عن الفقيه أبي بكر الحناجي أخذه له عن المصنف وأخذ عنه شيئاً من كتب الحديث وكان يحفظ جامع البخاري من الصحيح عن ظهر غيب وقرأَ البيان على الفقيه عبد الله بدار يزيد في أيام القاضي أسعد وحج سنة فمرَّ في طريقه بالشيخ أبي الغيث ابن جميل فسلم عليه وسأَله أن يسمح له على صدره ولما ودعه سأله أن يبصق في فيه فبصق له ثم سافر فقيل للشيخ كيف أنت والجبلى فقال رجلاً كاملاً. قال الجندي ولقد سمعت جماعة من العلماء وغيرهم مجمعين على زهده وورعه وكمال عبادته وحسن فقهه وصيانة عرضه وكان كثير الصيام لا يفطر غير الأيام المكروهة ثم لا يأكل من الأطعمة إلا ما يعرف حله. وكان شديداً في الطهارة مبالغاً فيها وكان إذا أراد الاغتسال نزل في قميصه في جارة عظيمة فينغمس فيها مرتين أو ثلاثاً ثم يخرج إلى صفا هنالك فلا يبرح يصلي عليه حتى تجف ثيابه وأمره في الطهارة شديد. قال ولقد رأيت الصفا الذي كان يصلي عليه فرأيت في موضع سجوده أثراً ظاهراً قال وأخبرني أبو بكر بن أحمد المازني عن الفقيه عبيد بن صالح عن الفقيه عمر بن محمد بن مصباح أنه رأى والدهُ محمداً وقد توفي في طريق الحج بمدينة حلي بن يعقوب فقال له ما فعل الله بك فقال غفر لي وأدخلني الجنة ويل للمتقشفين فقلت له كيف هو قال بخير ويل للمتقشفين ويل للمتقشفين فسألته عن الفقيه عمر بن سعيد المذكور وكان قد توفي فجعل يعظم ويصف ما أعطاه الله ويقول فقال نعم لكنه قشف ظاهره وباطنه لكنه قشف ظاهره وباطنه وجعل يكرر ذلك مراراً. ويروى أن رجلاً وصل إلى الفقيه أحمد بن جديل وقال له يا سيدي الفقيه رأيت قبلي التعكر نوراً من الأرض صاعداً حتى خرق السماء فما ذلك يا سيدي فقال له ذلك القطب ويوم يموت ترتج الأرض لموته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 قال الجندي وأخبرني جماعة من أصحابه أنهم كانوا يتذاكرون ذلك ويقول بعضهم بحضرة الفقيه ربما أنه أتى فيتبسم الفقيه ويقول وربما فاخبرني جماعة لا أتهم منهم أحداً في ذلك أن الرجفة كانت وقت الظهر من يوم الجمعة والناس يتأهبون للصلاة. وكانت وفاة الفقيه ليلة السبت بين المغرب والعشاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة آخر شهور السنة المذكورة. وقبره على مرمى بيته ومسجده وتربته أكثر الترب قصداً في الزيارة قلَّ أن ينقطع الزائرون عنها ليلاً ونهاراً. ومما يحكى أن بعض الظلمة من المتصرفين كان كثير التردد إلى الفقيه والصحبة له وربما كان سبب موته شرق بشيء من الشراب فوصل من نعاه إلى الفقيه فأخبره بحاله الذي مات عليه فقال لأصحابه بسم الله سيروا بنا إلى هذا الصاحب فوافقوه بظواهرهم دون بواطنهم فلما صاروا في أثناء الطريق التفتت الفقيه إليهم وقال للذي يتحقق أنه أكثرهم كراهة لذلك يا فلان يا فلان إنما يُقام على الساقط وأما غيره فينجو برجلية. وكراماته كثيرة مشهورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الكبير زريع بن محمد بن عبد الواحد بن مسعود بن عبد الله الباجي الهمداني. وكان فقيهاً كبيراً فاضلاً وأهله من أبين وكان أبوه محدثاً تفقه زريع بمحمد بن إسماعيل الحضرمي وبعلي بن قاسم الحكمي. وكان صاحب روايات وأخبار مستحسنات. وكانت له كرامات ظاهرة وأسانيد عالية وعنه أخذ ابن الرسول في بدايته. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو العباس أحمد بن علي وكان فقيهاً بارعاً تفقه بتهامة على الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وبه سمى ولده وذكران ببركة دعائه حصل لابنه إسماعيل ما حصل وذلك أنه لما اخبره بولادته وأنه سماه إسماعيل لذكائه فقال له الفقيه إسماعيل بارك الله فيه. وكانت وفاة الفقيه المذكور في مصنعة بني قيس في السنة المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وفي سنة أربع وستين تقدم الأمير فخر الدين بكتمر القلاب في العساكر المنصورة فحط على المصنعة وعزان فاستنجد الأمير فخر الدين بن عبد الله بن يحيى بن حمزة. والأمير شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم بالشريف مطهر واستنجد به أيضاً أهل بيت أردم لما لزم محمد بن الوشاح فطلع الشريف مطهر إلى حصن الطويلة. وخرج الأمير علم الدين الشعبي فحط في الرجام وجهز العساكر إلى المغرب وجبل نيس فاستفتحها وعمر موضعاً فوق الطويلة يسمى غراب وأكن وأقامت على الطويلة نحواً من سبعة أشهر. وفي شهر جمادى الأولى تسلم السلطان حصن المصنعة وحصن عزان. وأنعم على الأمير فخر الدين عبد الله بن يحيى بن حمزة، وشجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم ثلاثين ألفاً فسلما الحصنين وأي حصنين هما منكبي الشوامج اليمنية. وروقى المصانع الحميرية لم يقمع أحدهما قامع ولا طمع فيهما من الملوك طامع. وقد كان الأمير جمال الدين فليت حط عليهما في عساكر مصر واليمن ثم لم يكد ينجو بنفسه إلا بعد أن نهبت المحطة وما فيها من النجنيقات والزردخانة والخروج والحوايج خانة بعد أن انفق عليهما مائتي ألف مثقال ذهباً. وكان تسليمها وتسليم دمان أيضاً في جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم تسلم السلطان بعدهما الفص الصغير في شهر رمضان. ثم تسلم حصن بيت أردم أيضاً في ذي القعدة. ثم تسلم القفل وشمسان من بني شهاب. ثم اللحام في القعدة اشتراه من أولاده الشريف سليمان بن موسى. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير شجاع الدين عباس بن عبد الجليل ابن عبد الرحمن التغلبي. وكان أميراً كبيراً واصل بلده جبل ذخر بفتح الذال المعجمة أيضاً وآخره راء. وكان ذا مال جزيل وجاه عريض وكان أكثر ماله من التجارة وكان أميراً في مدينة زبيد وتأمر في عدن وله آثار حسنة. وكان أكثر الناس صدقة ومعروفاً وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 إذا اقبل الحجاج من الحج وهو في بلدٍ ومرُّوا عليه كساهم ويعطيهم ما وصلهم إلى بلدهم وإن كانوا من البلد التي هو فيها أعطاهم ما يزيلون به وعناء السفر. وقد يتشبه ناس بالحجاج في زيهم ويأتون إليه فيعطيهم ما يليق بحالهم. وله من الآثار الدينية مدرسة زبيد عمرها ابنه محمد بعد موت أبيه وهي الدار التي كانوا أبوه يسكنها. وله أيضاً في قرية السلامة مسجد يعرف بمسجد عباس وهو غربي تربة الشيخ الصالح علي بن الغريب وله مسجد في قرية أبيات حسين ومدرسة في بلدة ذخر في موضع يعرف بالحبيل بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة. وله في كل موضع من هذه المواضع وقف جيد يقوم بكفاية المرتبين فيه وكانت وفاته بزبيد في السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الربيع سليمان الملقب بالجنيد بن محمد بن أسعد بن همدان بن يغفر بن أبي النهى. وكانت ولادته سنة اثنتين وستمائة وكان والده فقيهاً فاضلاً تفقه بمحمد بن الحافظ علي بن أبي بكر العرشاني واصل بلدهم ريمة المناحي. وعنه أخذ ابنه سليمان وكانت وفاة الوالد بقرية العدن من بلد صهبان في سنة خمس وعشرين وستمائة. وأما ابنه سليمان فكان فقيهاً جليلاً سيداً نبيلاً امتحن بقضاءِ مدينتي اليمن زبيد وعدن ثم غوفي من الجميع وعاد إلى بلده ثم انتقل إلى ذي اشرف وكان عابداً زاهداً مقصوداً مشهوراً باستجابة الدعاءِ وكان الفقيه عمر بن سعيد العقبي كثيرا ما يزوره ويأْمر أصحابه بزيارته وكانت له كرامات يحل قدرها عن الحصر وببركته وإشارته عمل الطواشي نظام الدين مختص المظفري من مظاهر الجامع بذي اشرف. وكانت وفاته رحمة الله عليه على الحال المرضي ظهر يوم الأربعاء النصف من شهر صفر من السنة المذكورة رحمهُ الله وقبر بالعدينة حيث قبر بنو الإمام وهي بفتح العين وكسر الدال المهملتين وسكون الياءِ المثناة من تحت وفتح النون وآخرها تاءٍ تأْنيت وهي مقبرة كبيرة قديمة شرقي القرية ذي اشرف قبر فيها جمع كثير من الأفاضل الأخيار رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وفيها مات الفقيه الصالح المشهور أبو بكر بن محمد بن رشد بضم الراء وفتح الشين وكان هو وأخوه فقيهين صالحين وغلب عليهما الزهد والعبادة ويقال أن قدومهما إلى زبيد كان قبل قدوم الحضارم ورغبا في صحبة الشيخ الصالح علي بن مرتضى خليفة الشيخ الصالح محمد بن أبي الباطل الصوفي نفع الله الجميع. وتوفي أخوه عمر بن محمد بن رُشَد بعده بسنة وذلك في سنة خمس وستين وستمائة وهو جد الفقيه المشهور محمد عبد الله الحضرمي أبو أمه. وفيها توفي الفقيه الإمام البارع أبو العتيق أبو بكر بن عيسى بن عثمان الأشعري المعروف بابن حنكاش العلامة الحنفي المشهور وكان فقيهاً عاملاً عالماً إماماً في المذهبين وكان من صدور الفقهاء تفقه بالشريف عثمان بن عتيق الحسيني وغيره وكان لوحد أهل عصره اجتهاداً في طلب العلم ونشر المذهب حتى قيل لو لم يوجد لمات مذهب أبي حنيفة في اليمن. ويروى أنه أتى على كتاب الخلاصة ثلاثمائة شرف وانتهت إليه رئاسة أصحابه مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وكان يقرئ أهل المذهبين واجتمع على صلاحه المؤَالف والمخالف. فمن احسن ما ذكر من سيرته أنه منذ درَّس ما رؤي نائماً قط في رمضان ليلاً ولا نهاراً واصل بلده العنبرة قرية من قرى الوادي زبيد قريبة من البحر وهي التي تخرج مها علي بن مهدي ولما ابتنى السلطان نور الدين المدرسة التي في زبيد التي خص بها أصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنه وقف له هذا الفقيه في بعض الطرق وقال لهُ يا عمر ما فعل بك أبو حنيفة إذ لم تبن لأصحابه مدرسة كما بنيت لغيرهم فأمر ببناء المدرسة الثانية وجعل فيها موضعاً لأصحاب الإمام أبي حنيفة وموضعاً لأصحاب الحديث النبوي وكان خطيباً مصقعاً وشاعراً مفلقاً. ومن شعره في سن الحداثة ما أنشدهُ سبطه عمر بن علي العلوي حيث يقول: زبيد ودع شرق البلاد وغربها ... ولا تتحدث عن عراق ولا مصر أَجل نظراً فيها تعاين خريدة ... مليحة ما بين التراب والنحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 بلاد بها فاح النسيم معنبراً ... وأعقب مسك الليل كافورة الفجر وتفقه به جماعة كمحمد بن علي الصديقي وابن أبي سوادة وعلي ابن عمر وعمر بن علي العلوي وهو ابن بنته ومحمد بن عمر الأبح. ولما كان يوم الاثنين السابع عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة احتضر بعد أن مرض أياماً فحضره من أصحابه جمع كثير وذلك بعد طلوع الشمس فسأَلهم عن اليوم ما هو فدعى بطعام فأكله ثم قال لصهره علي بن عمر العلوي ارفع صوتك أنت والجماعة بلا اله إلا الله فقالوا يا فقيه إذا لم نذكرك ذكرتنا قال نعم فهللوا وجعل خواتيم سورة يس من قوله) أَوَليس الذي خلقَ السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم الآية (وجعل يكرر ذلك ثلاث مرات رافعاً بها صوته ثم تشهد عقيب ذلك وفاضت نفسه وصلي عليه ظهر ذلك اليوم وحضر دفنه جمع عظيم حتى قيل لم يكد يتأَخر عن حضور دفنه أحد من أهل زبيد. ويروى أن بعض أهل زبيد رأى شخصاً من أهله كان قد توفي قبل ذلك بسنين. فلما توفي الفقيه أبو بكر بن حنكاش ودفن كما ذكرنا رأَى الرجل الذي من أهل زبيد قريبهُ في النوم فقال له ما فعل الله بك فقال حبست منذ مت مع جماعة فلما توفي الفقيه أبو بكر بن حنكاش شفع فينا فأطلقنا وغفر لجميع من في المقابر ببركة قدومه رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن عمر العلوي وكان مولده سنة ثمان عشرة وتفقه بابن حنكاش المذكور كما ذكرنا وكان فقيهاً فاضلاً له تفضل ومكارم أخلاق. توفي بعد شيخه بأربعة أشهر. في تاسع شهر شعبان من السنة المذكورة. وهو جد ابن الأبح وعقبهُ كثير في زبيد والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن سير بن إسماعيل بن الحسن الواسطي. وكان فقيهاً فاضلاً قدم نعم أولاً وأخذ عنهُ جماعة شتى من كتب الحديث منها قريب العهد المروي عم أمعمر بالهند ثم سافر إلى الجند لغرض الرجية بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فأخذته بطنهُ وتوجع فلما أحس بثقل المرض طلب جملاً وحمل عليه فلما وصل الجمل على باب الجند برك فضربوهُ فلم يقم فقال بخ بخ لكم يا أهل الجند هذا علامة. موتي وقد وعدني ربي أن يغفر لي ولمن قبر حولي. ثم أُعيد إلى الموضع الذي نزل فيه أولا وهو المدرسة الشعيرية فتوفي مبطوناً غريباً لبضع وعشرين ليلة مضت من رجب من السنة المذكورة وقبره تحت جبل صرب مشهور مزار رحمهُ الله. وفي سنة خمس وستمائة قتل الأمير فخر الدين بكتمر الغلاب وكان السلطان الملك المظفر قد أمرهُ بعمارة الزاهر وجرَّد معه مائة فارس وخمسمائة راجل فقصده الأشراف بنو حمزة فقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه الذين كانوا معهُ وكان ذلك في شعبان. ولما قتل في التاريخ المذكور انحاز أصحابهُ الباقون إلى براقش فبرز أمر مولانا السلطان على الأمير علم الدين الشعبي بالتقدم إلى جهة الطاهر في عساكره وطلعت عساكره المنصورة إلى جهة حَجَّة ووقعت هنالك حروب عظيمة وتفاقم الأمر فاقتضى الأمر الرشيد والرأْي السديد طلوع الملك الأشرف عمر بن يوسف إلى جهة حجة لإطفاء نار هذه الفتنة فخرج في عساكره المنصورة حتى حط في الدبايب في محطة جده الملك المنصور ثم وجه المقدمين من العساكر إلى حجَّة فحصروا حصن مبين وكان فيه الشريف مُطهَّر. فلما اشتد عليه الحصار خرج مرفقاً واستولى العسكر المنصور على الحصن فأمر الملك الأشرف حينئذٍ بخرابه فخرب خراباً كلياً ثم صرف همته بعد فتح مبين إلى حصن الخلافة في ذي الحجة منها وهي الموقر وقراضة والعكاد وكحلان والعرانيق الثلاثة وكان فتحاً عظيماً له في حجة والمخلافة لم يكن لأحد قبلهُ من الملوك إلا الجده المنصور رحمة الله عليهما. وكان فتح حجَّة في شهر رمضان من السنة المذكورة وفتح المخلافة في ذي الحجة منها. وفي هذه السنة المذكورة تقدم السلطان إلى بلد الجحافل دنينه وما والاها وكانوا قد أفسدوا فقتل منهم جماعة وأذعن الباقون ونزلوا عن الخيل ورهبوا وظهر حسن طاعتهم ورجع السلطان من بلادهم مظفراً منصوراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فقال القاسم هتيمل يمدح السلطان الملك المظفر يوسف بن عمرو يهنئهُ بالظفر: قل يا نسيم لأهل الضال والسمر ... ما صدَّ سامركم عن ذلك السمرِ واشرح حديث الغضا والنازلين به ... وان تجلت بشرح الكل فاختصر وهات من عطرات الحي ما حملت ... من مسكهن حواشي ذلك العطر نشدتك اله لا وريت عن خبر ... مما علمت ولا موَّهت في خبر فتحت رمزك سرُّ ما نممت به ... إلا وأنت من الواشي على حذر ما كان من شرحة الوادي أهل عصرت ... أعطانها لتعاطي ذلك الثمر وهل نشجن قلوب إليهم غلتها ... من ظلها الطلق أو من مائها الخصر يا صفقة الغبن غرَّتني جويريةُ ... فبعت قلبيَ منها بيعة الغرر باتت ترَوّعني بالبين طالبةً ... فتلي فلم تبق في قلبي ولم تذر خوطيَّة القد لا طول ولا قصر ... في قدها فهي بين الطول والقصر جنيَّةُ في مغيب الشمس يحجبها ... عن أمها وأبيها قوة الخفر حوريةُ شهدت آيات بهجتها ... ونورها أنها ليست من البشر كأنما هي في تركيبها خرطت ... من صورة الشمس أو من صورة القمر جسم ارق من الخمر الشمول على ... قلبٍ قساوته أقسى من الحجر إذا رمى طرفها عن قوس حاجبها ... أصمتك بالرمي عن قوس بلا وتر ما أطيب العيش لولا علة حكمت ... فيها بموت الضنى من ميتة السعر فجانب الناس وانظر في تفاضلهم ... إلى الطباع ولا تنظر إلى الصور فان طعمت برزق من يدي ملك ... فاطلب من الله واطلب من يدي عمر مولى الملوك الذي لو انهم وزنوا ... بظفره نقصوا وزناً عن الظفر أغرُّ بالشرف العلوي زينتهُ ... كزينة الخيل بالأوضاح والغرر مظفرُ ما أتت من وقعةٍ يدهُ ... إلاَّ مسوَّمة الأظفار بالظفر ترى المصانع والغيطان منهُ بشمسي ... العدواة ليلى السرى نهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 لا يستريح ولا يفضي بهِ سفرُ ... ما سار آل رسول الله في اليسير وعزمةٍ كل حدٍّ من صرامتها ... أمضى من الموت أو أمضى من القدر لو أن هيبتهُ أو بعض هيبته ... تلقى على الفلك الدوار لم يدر أحيي التتابع والأّدواء فاشتملت ... بالعدل دولة قحطان على مضر وجال في الأرض حتى قال ساكنها ... هذا خليفة ذي القرنين والخضر إن الخلافة قد آمت وقد فنيت ... عنها ملوك بني العباس والتتر وان طلبت مطاراً للتي عضلت ... فقد وجدت جناحاً طائراً فطر هذا قميصك إما قُدَّ من قُبُلٍ ... كابن النبي وأما قدَّ من دبر فانهض لعذرتها وأعلم بأنك أن ... أهملتها كانت الاحدى من الكبر وما أظن قناة الدهر أن عجمت ... بطاعن لي بها تخلو عن الخور يهني دقينة أن الله عوَّضها ... من الدآدي ببيض البيض والغرر غر الجحافل حصناها وما علموا ... أن الزجاجة لا تقوى على الحجر أَرسلت صاعقة في غيم بارقةٍ ... تردي وتبرق في رعدٍ بلا مطر فسلموا الخيل واعتاضوا بها حمراً ... فاعجب على حمر منهم على حمر أعميتهم فتمنوا انهم خلصُوا ... عور العين ومن للعمي بالعور جاءوُك يا شمس إرسالاً وقد بذلوا ... لك الحكومة في الأنثى وفي الذكر اسمع بقيت مصاناً عن منافسة ... الأَغيار في الملك محروساً من الغير أني امرؤُ في فمي ماءُ وفي كبدي ... جراحه من أمير غير مؤْتمر قد ذُقت من غصص الدنيا وفجعهتا ... ما كان منهُ جميل الصبر كالصبر أن جرجر العود فانظر ما بغاربه ... فانه أن رغا يرغوا من الدبر وانظر إليَّ بعينٍ منك راحمةٍ ... لا تقصدن غير وجه الله في النظر والبس من الحبر الموشى مذهبةً ... ينسيك مذهبها موشيةً الحبر وفي هذه السنة المذكورة توفي الشيخ الصالح العارف بالله أبو الحسن أحمد ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 علوان الصوفي صاحب يفرس قرية من نواحي جبا. وكان مولده في قرية عقاقه بضم العين المهملة وألف بين قافين وآخر الاسم هاءُ وهي قرية من قرى جبل صبر معروفة ونشأَ في قرية تعرف بذي الجنان من جبل ذخر ولم يزل على ترفة ورعونة على ما جرت عليه عادة أولاد الكتاب لان والده كان كاتباً للملك المسعود بن الملك الكامل. ثم شب شباباً حسناً فكان قارئاً كاتباً عارفاً بالنحو فاضلاً في اللغة والكتابة وشعره وكلامه في التصوف دليل على ذلك. وذكر بعض نقلة أحباره أنه دعتهُ نفسه وهو شاب إلى قصد باب السلطان والتعرض للخدمة وخرج من قرية ذي الجنان وسار نحو باب السلطان فبينما هو سائر في أثناء الطريق إذ بطائر اخضر قد وقع على كتفه ومد منقاره إلى فيه ففتح فصبَّ فيه الطائر شيئاً فابتلعه الشيخ ثم عاد من قوره إلى بلده فلزم الخلوة أربعين يوماً فلما كان يوم الحادي والأربعين خرج من المعبد وقعد على صخرة يتعبد فانقلبت الصخرة عن كف فقيل له صافح الكف فقال ومن أنت فقال أبو بكر فصافحه فقال له قد نصبتك شيخاً والى ذلك أشار في شيء من كلامه الذي يخاطب به أصحابه حيث يقول وسيحكم أبو بكر الصديق ثم التقى له الحب في قلوب الناس والوجامة وظهرت لم كرامات كثيرة وتحكم لهُ جمع كثير ثم ارتحل إلى الشيخ أبي الغيث بن جميل فاخذ عنهُ اليد أيضاً والبسه الخرقة الشريفة وكان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم. وكان يقول شعراً حسناً ومن شعرهِ من قصيدةٍ طويلة يحث فيها السلطان على العدل وحسن السيرة هذا: يا ثالث العمرين افعل كفعلهما ... وليتفق فيه منك السر والعلن واستبد عدلاً يقول الناظرون له ... نعم المليك ونعم البلدة اليمن عار عليك قصورات مشيدة ... وللرعية دور كلها دمن وصنف كتاباً في الوعظ نحى فينه منحنى ابن الجوزي فلذلك يقال له جوزي اليمن وله في التصوف فصول كثيرة يتكلم فيها على لغات شتى وقيل لبعض العارفين من أين كان الشيخ يعرف تلك اللغات وهو عربي ولم يعرف له خروج عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 بلده فقال كانت روح الشيخ أحمد مهبطاً لأولياء الله ولهم لغات كثرة يتكلمون بها على لسان الشيخ فينطق بها ما يقولون. وكان الشيخ أشوق إلى كلامه من سامعيه. وكان متى علم أن في السامعين لكلامه من لا يفهمه قال معرضاً به يا واقفاً في الماء وهو عطشان. وفي آخر الأمر تأهل بامرأَة من أهل يفرس فسكن معها وترك قريته ذا الجنان ولم يزل بها حتى توفي ليلة العشرين من شهر رجب من السنة المذكورة ودفن على باب المسجد وهو القبر الملتصق بالمسجد على يسار الداخل إليه وكان له ولد يسكن ذا الجنان وكان على طريق مرضي إلى أن توفي عشرة شهر شوال من سنة خمس وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفي هذه أسنة أيضاً توفي افقه الإمام العالم البارع أبو عبد الله بن أبي بكر بن الحسين بن عبد الله الزوقري الركبي المعروف بابن الحطاب لان أباه كان يسكن قرية النويدرة التي هي على باب سهام من مدينة زبيد وكان يبيع الحطب فيها. وكان ميلاد الفقيه في آخر المائة السادسة وتفقه بالفقيه علي بن قاسم الحكمي واطلع على علوم شتى وكان فقيهاً باراً أصولياً فرعياً فرضياً حسبانياً مفسراً مقرئاً يقرأ القراءات السبع وكان يقول أنا ابن عشرين ليس لي مناظر في شيء منها. ويرى أن بعض الأكابر من أهل زبيد عمل وليمة وطلب أكابر الفقهاء فحضروا وحضر من جملتهم الفقيه علي ابن قاسم وتأخر ابن الحطاب المذكور وطال بطؤُه عن حضور الجماعة ثم وصل بعد ذلك والناس جميعهم في انتظاره فأقبل ييمس عليه ثياب مرتفعة فقصد المجلس غير محتفل بأحد فقال شيخه علي بن قاسم ما هذا العجب مع هذا الصبي فنقل إليه المجلس ما قاله الفقيه. فقال متمثلاً يقول أبي الطيب: أن اكن معجباً فعجب عجيب ... لم يجد فوق نفسه من مزيد ثم قال وكيف لا اعجب وأنا ابن عشرين لا أجد من يناظرني في شيء منها فنقل الكلام إلى الفقيه علي بن قاسم فقال شغله الله فكان من أمره ما كان. ولما تفقه ابن الحطاب وبرع على أهل عصره انتقل من قرية النويدرة إلى مدينة زبيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وتزوج بنت شيخه علي بن قاسم الحكمي وحاز مسجد الأشاعر على أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهُ وأقام يدرس فيه وإذا دخل وقت الصلاة يأمر المؤذن بالأذان ثم يبادر إلى أداء الصلاة في أول وقتها فتعب من ذلك أصحاب الإمام أبي حنيفة وكان لا يكاد يوجد لا مدرساً لعلم أو مقبلاً على صلاة وكان غالب تدريسه في مسجد الأشاعر وتارة في المسجد الذي عند بيته وهو المسجد المعروف بمسجد الأمير فخر الدين في حافة الخبازين شرقي الموضع المعروف بالمدرك ولم يزل هذا دابه برهة من الزمان فلما كان ذات يوم من الأيام استدعى بأخيه أبي الخير بن أبي بكر الحطاب الذي هو جد بني الحطاب الموجودين في قرية النويدرة فقال لهُ يا أخي أني رأيت البارحة ربي تعالى فقال لي يا محمد أنا أحبك فقلت يا رب من أحببته ابتليتهُ فقال لي استعد للبلاء وأنت يا أخي فكن على أهبة من أمري. ثم أنه خرج في يومه ذلك إلى مسجد إلا شاعر بزيد فصلى فيه العصر مع الجماعة ثم رجع إلى بيته مسرعاً فلما صار في أثناء الطريق غشي عليه فمرَّ به الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وهو في تلك الحال فأكبَّ عليه وقبله بين عينيه وقال أهلاً بك يا محبوب ثم حمل إلى بيته وكان ذلك وهو ابن خمس وعشرين سنة وكانت زوجته بنت شيخة الفقيه علي بن قاسم الحكمي ففسخ عليه نكاحها واشترى له من ماله جارية وخطبت زوجته فقالت لا أريد به بدلاً حياً ولا ميتاً فكانت الجارية تخدمه وتقوم بحاله وتحفظهُ في ساعة غفلاته ووطئها فولدت له ابنتين عاشت إحداهما إلى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وكان من أكثر الناس حفظاً للآثار والأخبار والأشعار وكان الطلبة من أهل عصره وأصحابه يقرؤون عليه في الأوقات التي يكون فيها معافاً وكان يقول شعراً حسناً. قال الجندي اخبرني والدي يوسف بن يعقوب قال كنت أحب هذا الفقه على ما أسمع عنهُ واكره أن أراهُ وهو على ما بلغني عنهُ من الحال فجاءَني بعض الأصحاب يوماً وقال لي أريد أن تذهب معي إلى الفقيه محمد بن الحطاب لأسّلِمِ عليه وكان الرجل يصحبه أيضاً فرافقتهُ وسرت معهُ إليه فلما دخلنا عليه سلمنا فرد علينا السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ردَّاً حسناً ثم قال للرجل يا محمد هل جئتنا بشيء فقال ما جئت إلا بنفسي فقال مرتجلاً: أتانا أخُ من غيبة كان غلبها ... وكان إذا ما غاب تنشده الركبا فقلنا له هل جئتنا بهدية ... فقال بنفسي قلت نطعمها الكلبا قال الجندي ونحو ذلك ما اخبرنا الشيخ أبو الحسن علي ابن الشيخ الفاضل منصور بن حسن عن أبيه قال دخلت أنا والمقري محمد بن علي بن الفقيه محمد بن أبي بكر الحطاب فسأَله المقري عن مسألة في الحيض مشكلة فأبانها له ثم انشدهُ: لو علمنا مجيئكم لبذلنا ... مهج النفس او سواد العيون وفرشنا على الطريق خدوداً ... ليكون المرور فوق الجفون وأوصافه الحسنة جمة كثيرة لا يمكن استيعابها. وكانت وفاته بزبيد وقبر في مقبرة باب سهام وقبره معروف مشهور مزار وتبرك به وعند قبره قبر رجل من التابعين وقيل من الصحابة والله أعلم. وفي هذه السنة توفي الفقه الصالح ابن إبراهيم بن صالح بن علي بن أحمد العبري وكان فقيهاً صالحاً وعاصر الخضري المعروف بالبرهان وولي قضاءَ تهامة اجمع فكان قضاؤه مرضياً وكان على يد عمارة الجامع المظفري بالمهجم في أيام الملك المظفر وكان من أهل الدين والدنيا وممن يأخذها ومن وجها ويضعها في مستحقها كثير البر والمعروف وله مكارم أخلاق وكان يضرب به المثل في الكرم وكان في حلقة تدريسه أكثر من مائة طالب وكانت لهُ مروءة وشفقة على الأيتام. ويروى أنه كان يعمل في النصف من شعبان من الحلوى شيئاً كثيراً يفرقهُ على الأيتام وعلى الضعفاء وعلى الخواص من أصحابه ولا يدع فقيهاً في البلد إلا واساه بشيءٍ من ذلك ومكارمه أكثر من أن تحصى. ولم يزل على الحال المرضي إلى أن توفي في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى ولما توفي رحمهُ الله في التاريخ المذكور صار القضاء الأكبر بعده إلى الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وخلفه في رئاسة البيت ابن أخيه علي بن محمد ابن إبراهيم بن صالح والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وفيها توفي الفقيه العالم أبو محمد عمرو بن علي بن عمرو بن محمد بن عمرو بن اسعد بن أبي جعفر بن عباس التباعي. وكان يلقب بمظفر الدين وولد في بلد بني شاور سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وصحب الفقيه علي بن مسعود المقدم ذكره وتفقه بن ثم طلع الجبال وقصد جبا فأدرك الشيخ أبا بكر بن يحيى فاخذ عنهُ عربي الهروي ثم قصد مصنعة سير فقرأ فيها على الحسن بن راشد مسند الإمام أحمد بن حنبل وهو ممن أخذ عن ابن أبي الصيف وابن أبي حديد وغيرهما من الكبار ثم قصد مصنعة سير مرة أخرى في سنة ثمان وخمسين وستمائة فاخذ القضاء عنه بها شيئاً من مسند الإمام أحمد بن حنبل. ولما انتهى في الفقه انقطع عن شيخه علي بن مسعود وهو إذ ذاك ببيت حليفة عند الشيخ عمران بن قبيع القرابلي فاشترى موضعاً عند أبيات حسين وابتنى فيه مسكناً وأزدرع ما زاد على موضع البناء وكان قد تزوَّج بابنة أخي شيخه علي بن مسعود وبروك لهُ في الذرية منه بركة ظاهرة. وكان تزويجه بها سنة ثمان وعشرين وستمائة. ويروى أن الفقيه المصري خرج من بلده وقد صار فقيهاً فقصد زبيد وناظر فيها فقهاءَها فلم يجد عندهم مقنعاً فتمتل بقول الأول: لما دخلتُ اليمنا ... رأيت وجهي حسناً أُفٍ لها من بلدة ... افقهُ مَنْ فيها أَنا ثم عاد من فوره وكلما مرَّ بفقيه قصده وناظره حتى أتى بيت حسين فأراد الاجتماع بالفقيه علي بن مسعود فقصد مدرسته وهو إذ ذاك مقيم مع تليمذه هذا عمرو بن علي الساعي. وكان أول من لقبه عمرو بن علي فظن أنه الفقيه علي بن مسعود ففاتحه السؤال فلم يزل عمرو يجيبه ويستزيده حتى تم سؤاله ثم ألقى عليه عمرو سؤَالات أجاب عن بعضها وتأخر عن بعض. فقال له الفقيه عمرو كيف ترى وجهك الآن إشارة إلى البيت الذي بلغه أنه تمثل به إذ كان قد بلغهم تمثلهُ به. فقال يا سيدي المعذرة إلى الله ثم إليك يا أبا الحسن فعلم الفقيه عمرو أنه لم يعرفه وإن في ظنه أنه الفقيه علي بن مسعود. فقال إنما أنا بعض تلاميذة الفقيه علي. وأما الفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 علي فهو ذاك في محراب المسجد فأقدم إليه فقدم إليه وقد علم أنه لا طاقة له به. وقال في نفسه إذا كان هذا درسي من درسه فكيف يكون المدرس ثم دخل على الفقيه وسلم عليه. وسأل منه الدعاء. وكان عمرو كبير القدر معظماً عند أهل العصر. وكان شيخه علي بن مسعود يثني عليه ثناءً حسناً ويقول هو أكثر أصحابي أخذاً عني وهو الذي لقبه بمظفر الدين وأعطاه كتبه في آخر الأمر واستخلفه على تدريس أصحابه فدرس واشتغل بالفقه والعبادة. وتفقه به جمع كثير من أهل تهامة والجبال. وممن تفقه به ابنه محمد بن عمرو وعلي بن إبراهيم وأحمد إلى أن توفي عصر يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه اله تعالى. وفيها توفي الشيخ الصالح أبو محمد عيسى بن حجاج العامري الغيثي نسبة إلى الشيخ أبي الغيث أولاً وهو أحد أصحابه واصله من عرب يقال لهم أبو عامر يسكنون جبلاً تحت حصن الشرف المذكور في بلد وصاب وهو قرب من سوق المجمع وبلادهم تعرف ببلاد أسل وكان الشيخ عيسى صاحب كرامات وصاحب حال ومقال وصاحب تربية وعلم من علوم الصوفية وكانت وفاته في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وستين تسلم السلطان حصون علوان الجحدري وهي العرائس. وفي شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة وردت الأوامر الشريفة على الأمير علم الدين سيجر الشعبي بالتقدم إلى صعدة فخرج إليها في خمسمائة فارس وثلاثة آلاف راجل فحط في الجوف ثم تقدم نحو صعدة وجمع أمير صارم الدين داود بن الإمام كافة بني حمزة وعسكراً عظيماً فيهم عسكر بن سجر وفيهم م الرُّحل واحدة فحفظوا تلك الطريق بالخيل والرحل فلما وصل الأمير علم الدين إلى النقيل المذكور حط في أسفله ضحوة نهار تغدى وغدى الناس جميعاً ثم وقف إلى الظهيرة ورتب الأمير ابن نور في مائتي فارس وألف راجل في المحط ثم لبست الخيل وطلعت النقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فلم يجد أحد فيه مسلكاً لضيقه ووعارته وكثرة العسا كرفيه فلما رأى الأمير علم الدين سجر الشعبي ذلك تقدم في كتبية عظيمة من فرسان الخيل وأجواد الرجل وطلع في موضع آخر شعروا حتى صار معهم مستديراً لهم فلقيه الأمير عم الدين حمزة بن الحسن بن حمزة. وكان يومئذ فارس بني حمزة غير مدافع فكان أول من صرع منهم ثم انكسر عسكر الأشراف وقيل عسكر ابن مسحر. وكان فارساً شجاعاً فولوا مدبرين وأخذت طبلخاناتهم وسار العسكر المنصور في أثرهم فمال الأمير داود بن الإمام إلى براش صعدة ودخل الأمير علم الدين صعدة وقدامه رأس الشريف حمزة بن الحسن بن حمزة ورأس عسكر بن مسحر وأخرب في صعدة عدة مواضع وخرج إلى مخاليفها فأخربها أيضاً ونهب الناس كل من وجدوه في مخلاف صعدة ثم عاد إلى صعدة فأقام فيها أياماً ثم قفل إلى صنعاء ظافراً منصوراً. وفي هذه السنة أمر السلطان بتحلية باب الكعبة بالذهب والفضة على يد ابن البعري. ووصل رسول صاحب مصر إلى اليمن بالمكتابات والهدايا فتوفي الرسول باليمن في آخر السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه صالح بن علي بن إسماعيل الحضرمي، وكان فقيهاً صالحاً عابداً زاهداً ورعاً تفقه به أحمد بن سليمان الحكمي ومحمد ابن إبراهيم الشكر وغيرهما. وكانت وفاته رحمة الله تعالى عليه في سلخ شهر شعبان من السنة المذكورة. وفيها توفي الطواشي نظام الدين مختص المظفري. وكان مولى الغازي بن جبريل ثم خدم مع السلطان نور الدين فجعله لآلة ولده المظفر فرباه أحسن تربية وأدبه أحسن أدب. ولما صار أمر السلطنة إلى السلطان الملك المظفر حمل له طبلخانة وأقطعه إقطاعاً حاملاً، فكان كفؤاً لما ندب إليه. وكان شجاعاً مقداماً عالي الهمة. وكان راغباً في طلب الأجر وبقاء الذكر كثير الصدقة. وابتنى عدة مدارس وآثاره باقية إلى عصرنا هذا. ومن مآثره المدرسية النظامية في زبيد ثم المسجد المعروف بمسجد السابق النظامي نسبة إلى عبد له. ثم مدرسة بذي هُزَيْم ناحية من نواحي تعز. وله مدرسة في ذي جبلة. وأخرى في موضع تعرف بالوحص بفتح الواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وسكون الحاء المهملة وآخره مهملة أيضاً وهو موضع قريب م نحصن بحرانه والله أعلم. وفي سنة سبع وستين تسلم السلطان حصن براش صعدة من الأمير عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام بعد أن رهن الأمير عز الدين ابنه وابنته. ثم ورد الأمر على الأمير علم الدين سنجر الشعبي بالمحطة على ثلا فحط عليه محاطَّ كبيرة وذلك في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة وأخذ البعيرة قهراً بالسيف ورتب فيها من يحفظها. وفي هذه السنة سار الأمير موسى بن الرسول والأمير مغلطاي أحد المماليك البحرية في عسكر من الباب الشريف مع الأمير عز الدين محمد بن أحمد بن الإمام للمحطة على تلمص. فلما اشتد الحصار على ثلا وتلمس اجتمع الأشراف والعلماء من الزيدية على الأمير صارم الدين داود بن الإمام وسألوه أن يخرج الحسن بن وهاس للنصرة به على رفع هاتين المحطتين. فأخرجه على كره منه خرج به الشريف علي بن عبد الله بن طيار إلى حصنه المنقاع فلما اجتمعت عساكرهم قصدوا صعدة فثبتوا التي على تلمص فانهزم مغلطاي بالمماليك إلى فللة. فأجارهم جولان وساروا بهم طريق تهامة. وأما موسى بن الرسول فتخفر بقوم من العرب يريدون نجران فعلم به الأشراف فتبعوه حتى أدركوه معهم فقتلوه دعمة تحت حصن تلمص في نصف شهر جمادى ورجع الأشراف من صعدة فجمعوا جموعاً عظيمة وقصدوا علم الدين الشعبي إلى ثلا فنزل من المحطة وكان سبب نزوله أن المكان وعر والخيل لا تقع فيه فخاف على الرتب فنزل وأنزلهم فدخل الأمير جمال الدين على عبد الله ثلا في رجل كثير وانحاز الأمير علم الدين إلى سام وسار منها إلى صنعاء فدخلها في شهر رمضان من السنة المذكورة. ثم خرج الأمير علم الدين إلى الطاهر الأعلى والأسفل فأَخر بهما خراباً كلياً وعاد إلى صنعاء. وفي هذه السنة حج صاحب مصر وهو السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري من الديار المصرية إلى مكة المشرفة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الأمير نجم الدين عمر بن يوسف الرين وهو أخو الملك المظفر لامه. وكان أميراً كبيراً ذا همة عالية وسيرة حسنة. ومن أثاره المدرسة المعروفة بالعمرية في مدينة تعز نسبة إليه وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة. والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الإمام أبو محمد الحسن بن القاضي أبي الحسن علي بن عمر بن محمد بن علي بن قاسم الحميري. وكان شديد الاجتهاد في طلب العلم ومطالعة كتبه حتى ذكر الفقيه أنه أقام سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء ولم يكن يسأل عن طعام ولا شراب حتى يؤتى به ولا يشتغل بأهل ولا ولد. قال الجندي أخبرني الثقة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه في جماعة منهم الإمام الشافعي فاستحيى وقال يا رسول الله بِمَ استحققت هذه الزيارة فقال باجتهادك في طلب العلم وتتبعك الأسانيد العالية. وكان فقيهاً مباركاً رحالً في طلب العلم روى شرح ابن يونس للتنبيه عن محمد ابن عبد الله بن الحسن الأنصاري الخزرجي عن المصنف. وبلغهُ أن الفقيه محمد الهرمل لهُ رواية سندها قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتحل إليه فلما وصل إليه أخذ الرواية عنهُ فقال له ابن الهرمل نحب أن نسمع عليك البيان فأجابه إلى ذلك فكان وقت أن يسمع يقعد هذا الفقيه على الهرمل على السرير ويقعد هذا الفقيه دونه وقت قراءة البيان قد يرفع الفقيه محمد رأسه إلى السقف فيرى حنشاً مخرجاً رأسهُ من السقف وهو مثل المستمع ولا يزال هذا دأبه حتى تنقضي القراءة فاخبر الفقيه به الجماعة فقال ابن الهرمل هذا رجل من فقهاء قرأ عليَّ التنبيه والمهذب وهو الذي سألني أن أسألك إسماعنا البيان ولما قدم الشيخ علي بن بشير الواسطي مدينة الجند وصار إلى تعز أخذ عنهُ هذا الفقيه. قال الجندي وذيل طبقات ابن سمرة ومن تعليقه أخذت تاريخ جماعة من الفقهاء فكانت وفاته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن أسعد كرامات وآثار مشهورات. وكان رصيناً في دينه وعقله لا يأخذ العلم إلا عمن خبره وتفقه بابن ناصر ويعمر بن الحداد. ويروى أنه قدم عليه البلد رجل غريب متظاهر بالعلم ومعرفته وعرض للفقيه وأصحابه أن يقرئهم فقال له الفقيه أنا لا أخذ العلم إلا عن من تحققنا دينه وأمانته وأنت غريب علينا ربما أوقعتنا في محظور من حيث لا نشعر. ولم يأخذوا عنه شيئاً. وكان شديد الورع عظيم الزهد قليل الكلام إلا في مذاكرة العلم وذكر الله تعالى وبه تفقه جماعة منهم محمد ابن أسعد الجعيم وأبو بكر بن أحمد التباعي وغيرهما. ولما تحقق السلطان الملك المظفر صلاحه زاره إلى منزله بسفنهد ودخل مدينته وسأل أن يطعمهُ شيئاً فدخل الفقيه موضعاً من بيته واخرج له وللقاضي إليها خبزاً من برولم يكن يعهد معه شيءُ فأكل السلطان والقاضي ما أكلا ثم أخذا شيئاً ليتبركا به يعهده. وكان إذا مشى اطرق إلى الأرض ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً. توفي ليلة الجمعة أول وقت العشاء في شهر شعبان من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه سراج الدين أبو بكر بن عمر بن إبراهيم بن دعاس الفارسي نسباً وكان أديباً فاضلاً فقيهاً في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهُ. ونال حظوة من السلطان الملك المظفر وابتنى مدرسة في مدينة زبيد خص بها أهل مذهبه لم تكد تخلو من مدرس وهي التي تعرف بالدعاسية فيما بين سوق المنحارة والسوق الكبير وكان شاعراً فصيحاً وله شعر رائق توفي في مدينة زبيد مهجوراً من السلطان لإدلال حدث منهُ على السلطان في حقه وحق وزيره البهاء فطرد من تعز إلى مدينة زبيد فأقام بها إلى أن توفي في جمادى الآخرة من السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة ثمان وستين تجهيز الأمير علم الدين الشعبي إلى صعدة فدخلها يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الثالث من صفر من السنة المذكورة. وفي شعبان منها وقع الصلح بين السلطان والأشراف بني حمزة. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو زكريا يحيى بن زكريا بن محمد بن أسعد ابن عبد الله بن الكلالي ثم الحميري وكان فقهاً فاضلاً تفقه في بدايته بأهل الملحمة ثم تفقه بالحسن بن علي وأخذ البيان عن عبد الله الهمداني وأخذ عن اسحق الطبري ومحمد بن مختار الرداري ودرَّس في المدرسة المعروفة بالغرابية في مدينة تعز إنشاء السلطان نور الدين وكان فقيهاً عارفاً بالفقيه نقالاً توفي يوم الأحد لإحدى عشر ليلة بقيت من شهر رمضان من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه العامة عبد الله بن يحيى بن أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن لهيب الهمداني نسباً وكان مولده سنة تسعين وخمسمائة تقريباً قاله الجندي وأدرك أحمد بن إبراهيم الأكشيبي أحد أصحاب الشيخ الإمام يحيى ابن أبي الخير وسمع عليه البيان فانتشر عنهُ سماع البيان بالسند العالي فاستدعه السلطان الملك المظفر فأخذ عنه بحضرة القاضي بهاء الدين وبعض أهله. وسألهُ يوماً فقال له يا فقيه لكم سمعت البيان فقال لخمس وعشرين سنة فقال وعلى ابن كم فقال على ابن خمس وثمانين سنة وكان عمرهُ حين سألهُ تسعين سنة تقريباً. فقال لهُ بعض الفقهاء ومتى كانت قراءَتك فقال سنة ستة عشرة وستمائة. ولما ابتنى الشيخ علي بن محمد بن عبد علي الحميري مدرسة في قرية الحُجْر بضم الحاءِ المهمة وسكون الجيم جعل هذا الفقيه مدرساً بها فكان الناس يأتون إليها ويأْخذون عنهُ فيها. ويروى عنهُ أنه قال مرة كنت أيام طلبي العلم كثيراً ما أَرى النبي صلى الله عليه وسلم ولقد اعرف مرة إني كنت سائراً إلى الشيخ الذي أنا أقراُ عليه فاشتقت إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فملت عن الطريق ونمت فرأَيته صلى الله عليه وسلم ثم أنا الآن لم أجد ذلك وكان يتأَسف على ذلك. وكانت وفاته في قرية مسورة بفتح الميم وسكون السيم المهملة وهي تحت حصن بيت عز رحمهُ الله تعالى. وقيل عاش إلى نيف وثمانين والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وفيها توفي الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن عبد الله المعروف بصاحب المقداحة وكان من أعيان العباد ومشاهير الزهاد. قال الجندي أخبرني الفقيه العارف بكثير من أحوال الناس أن هذا الشيخ كان في بدايته راعياً لغنم له في بعض نواحي المشرق. وكانت له زوجة فبينا هما ليلة على سقف بيتهما إذ أقبل فقير إليهما فقالت المرأة لزوجها قم إلى هذا الفقير واعتذر إليه فإنا قد تعيشنا وليس معنا شيء نطعمه منه فقام الشيخ مبادراً فأمسكت رجلاه فدخل في نفسه أن ذلك حال من الفقير فغير نيته وعزم على تلقيه وإدخاله المنزل ثم قال لامرأته قومي اطبخي لنا شيئاً نأكله فكرهت فأَخذ عوداً لها ليضربها فقامت فصنعت لهم شيئاً وأتت لهما به فأَكل الشيخ والفقير وهما يتحادثان فلما فرغا مسح على رأس الشيخ وصدره ثم ودعه وسار ثم أن الشيخ عزم على الحج فأَعطى زوجته بعض الغنم الذي معه وباع الباقي فتزود بثمنه وسار إلى مكة. فلما قضى الحج عاد إلى بلده عازماً على خدمة الفقراءِ في بعض الربط فقدم الجند وبها عدة من المشايخ أصحاب الأحوال والكرامات فقصد شيخاً منهم يعرف بعبد الله بن الرُّميش بضم الراءِ وفتح الميم وسكون المثناة من تحت وآخرهُ شين معجمة ونسب بني الرميش في بني مسكين. قاله الجندي فالتزم خدمة الرباط فذكروا أنه امتحنهُ ولم يحكمهُ وأراد اختباره كما جرت العادة من المشايخ فظهر له منهُ أمور كثيرة وأحوال خارقة فأراد أن يحكمه فقيل لهُ أنه ليس من أصحابك إنما هو من أصحاب الشيخ أبي الغيث فقال لهُ يوماً يا علي تقدمَّ إلى الشيخ أبي الغيث فاصحبهُ فهو شيخك فبادر ونزل تهامة. فذكروا أن الشيخ أبا الغيت كان يقول لأصحابه يقدم عليكم رجل كبير من هذه الجهة في هذه المدة ويشير إلى الطريق فجاءَ منها فكان الفقراء يخرجون كل يوم إلى تلك الجهة يلتقونهُ فلما كان اليوم الذي وصل فيه خرجوا يلتقونهُ فوقفوا حتى أحرقتهم الشمس فلما دخلوا البيت قد الشيخ علي فدخل الرّباط فلما رآهُ الشيخ رحب بهِ وحكمه من ساعته وقد كان على معلوم حصله في نظر الشيخ الرميش لهُ بالجند فازداد بنظر الشيخ أبي الغيث حسناً حتى كان من أعيان الطريق يقولون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 نساجة صاحب المقداحة الرميش وقصارة الشيخ أبي الغيث. ثم عاد إلى الجيل بعد مدة وقصد مسجداً خراباً في موضع يعرف بالمقداحة فاعتكف فيه ولم يكن يومئذٍ فيه ساكن إنما يأْتيه الرعاءُ أحياناً. فلما علم به الناس أتوهُ وسكنوا عندهُ وبنوا له المسجد. ثم بنوا له رباطاً وتحكموا على يده فرباهم احسن تربية بإلزام الصيام والقيام والزهد والورع واقبل الناس على الشيخ من كل ناحية بالفتوحات الكثيرة فكان يقبلها ولا يبيت عنده شيء منها. واجتمع عندهُ جمع كثير ولازموا الجمعة والجماعة وساروا في طريق القوم والشريعة ولم يتجاوز الشريعة منهم أحدُ. فظهر في أصحابه جماعة أخيار وكان لا يميز نفسهُ على أصحابه فإذا وصل فتح وصل إلى الصغير منهم كما يصل إلى الكبير ومناقبهُ أكثر من أن تحصى. ولم يزل على الطريق المرضي إلى أن توفي ليلة الثلاثاء لست بقين من جمادى الأخرى من السنة المذكورة والله أعلم رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الإمام الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي الهرمل وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم يسكن العطفة قرية بين كدرا سهام والعجمة وهي بكسر العين المهملة وكان من كرام الفقهاء وذوي الإحسان فيهم يقوم بالمنقطع من الطلبة. ويروى أنه لما توفي بكي عليهِ في أربعين بيتاً فسئلوا عن سبب ذلك فقالوا كان يقوم بكفايتنا ولا يعلم بنا أحدُ. وكان ورعاً شديد الورع. يروى أن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي قدم عليه في بعض الأيام فنزل عنده في جماعة من أصحابهِ فسأَلهُ عن صابون ليغسل بهِ ثيابه. فقال لهُ منذ سمعت أن الغز يطرحون الجلجلان على الناس كرهت الصابون والغسل بهِ فلا اغسل ثيابي إلا بالحطم. فقال الفقيه إسماعيل لأصحابه لقد فاق علينا هذا الرجل بورعه. وله مصنَّفُ في الفقه سماهُ التحفة ضمنهُ زيادات الوسيط على المهذب يدخل في مجلدين يوجد مع أهل شحينه. وهو الذي قراَ البيان على الفقيه حسن بن علي الحميري. وكان بعض فقهاءِ الجن يسمع لقراءَتهِ وقد تقدم ذكر ذلك. وكان مشهوراً مذكوراً وامتحن بالعمى في آخر عمره وأَعاد الله عليه نور بصره. وكانت وفاته ليلة الاثنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لثمان خلون من رجب من السنة المذكورة في قريته المذكورة بعد أن تفقه به جماعة منهم علي الصربدح وعلي بن أحمد الحجنفي وعلي بن عبد الله العامري وإسماعيل بن علي الرقاني وجماعة كثيرون والله أعلم. وفي سنة تسع وستين قتل الشريف إدريس صاحب مكة وترتب بعده فيها أبو يمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة والياً فأقام بها إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر من سنة سبعمائة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله الحسين بن أبي السعود ابن الحسن بن مسلم بن علي الهمداني. وكان ميلاده سنة خمس وعشرين وستمائة فسلك طريق العبادة حتى توفي على ذلك. وكان وفاته لليلتين مضتا من شعبان من السنة المذكورة. وحضر دفنهُ خلق كثير أحصى القراء فيهم فكانوا سبعمائة رجل. وكان لهُ من الولد ثلاثة أكبرهم محمد مولده لليلتين خلتا من ذي الحجة آخر سنة اثنتين وخمسين وستمائة. وكان صاحب قراءات ومسموعات وغلبت عليه العبادة. وكان من أكثر الناس تلاوة للقرآن مع الزهد والورع إلى أن توفي على ذلك ليلة الاثنين لخمس بقين من شهر ربيع الأول أحد شهور سنة تسعين وستمائة. والثاني أحمد مولده يوم الأحد تاسع ذي الحجة من سنة إحدى وستين وستمائة. وكان فقيهاً مجتهداً محصلاً ورعاً زاهداً تفقه بمحمد بن أبي بكر الصبحي وكان كثير التردد إلى الفقيه أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي ويراجعهُ فيما يشكل عليه من المسائل. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من سنة سبع وتسعين وستمائة. والثالث أبو القاسم مولدهُ في رجب سنة ثلاث وستين صحب الفقيه ومال إلى طريقة التصوف وصحب الشيخ عمر القدسي وتحكم على يده ونصبهُ شيخاً. وكان على حال مرضي من سعة الأخلاق وإيناس الوارد والاشتغال بمطالعة الكتب والبحث عن فوائدها إلى أن توفي في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة رحمة الله عليهم أجمعين. وفي هذه السنة أَيضاً توفي الفقيه الفاضل عثمان بن محمد بن سوادة الحضرمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الحنفي وكان فقيهاً فاضلاً وهو من أتراب الفقيه أبي بكر بن حنكاش ومعيدا معهُ وبه تفقه الفقيه يحيى بن عطية وغيره وكانت وفاته يوم الاثنين الحادي عشر من رجب من السنة المذكورة. وفي سنة سبعين وستمائة ورد الأمر العالي بإعادة المحاط على ثلا مرة ثانية فكانت المحطة على الجناب فحصروا أهل ثلا وضيقوا عليهم وأجهدوهم حتى أيقنوا بالهلاك. وتسلم السلطان حصون المصانع باعهُ عبد من عبيدهم يسمى محمد بن نفيل. وفي هذه السنة قام الإمام إبراهيم بن أحمد بن تاج الدين الهدوي وكان قيامهُ في ذي الحجة منها ودعا إلى نفسه فأجابهُ أهل حصور وبنو الراعي وبنو شهاب وغيرهم من بلاد عنس وزبيد. ونهض الشرفاء والإمام إلى جبل يسمى طما. وكان الأمير علم الدين في الجماب فنهض لمحطته وحط تحت حصن كوكبان ونهض الشرفاء من محطتهم إلى حارة بني شهاب. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن عمر القاضي عمر الهزاز المقدم ذكره. وكان مولده يوم الخميس ثامن عشر شوال من سنة إحدى وستين وستمائة. وكان موسوماً بالفقه والدين والعبادة والزهد والورع ولوزم على أن يتولى القضاء بعد أبيه فامتنع. وكان السلطان الملك المظفر يجله ويعتقد صلاحه وربما زاره إلى بيته سرّاً وكان يستدعي دعاءَه كثيراً. وله مصنفات رحمهُ الله في الفقه وتوفي بعد صلاة الظهر من يوم الاثنين لأربع بقين من شوال من السنة المذكورة رحمهُ الله. ولما علم السلطان الملك المظفر بوفاته كتب إلى أولاده يسأَلهم أن يدفنوهُ في التربة التي هي قبلي جامع بمدينة تعز ففعلوا ولم يكن يدفن فيها الأحواض بني رسول من القرابة والسراري والأولاد الصغار وخلف عدة من الأولاد النجباء انتهت إليهم الرئاسة في الدولة المؤَيدية وسوف يأتي ذكرهم أن شاءَ الله. وفيها توفي الفقيه الفاضل يحيى بن سالم بن سليمان بن الفضل بن محمد ابن عبد الله الشهابي ثم الكندي انتقل به أبوهُ من بلد بني شهاب إلى ذي جبلة فاستوطنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وتفقه بها ابنه يحيى المذكور وأخذ عن محمد بن عبد الله المازني وكان أول من بدر مدرساً في المدرسة العربانية وكان فقيهاً فاضلاً لهُ مروءَة وكرم نفس وكان يصحب الرشيد شاد الدواوين في صدر الدولة المظفرية. فلما توفي الرشيد نُقل إلى السلطان أن مع هذا الفقيه مال الرشيد فطولب باثني عشر ألف دينار وصُودر فلم تطل مدته بل وتوفي غيظاً في المدرسة المذكورة عشي الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام البارع أبو علي يحيى بن إبراهيم بن العمك. وكان من أعيان العلماء وكان في أول أمره رئيساً على قومه يركب الخيل ولا يشتغل بشيءٍ من طلب العلم. وكان سبب اشتغاله بطلب العلم أنه خطب امرأَة من بني خطاب هي ابنة الفقيه أبي بكر بن خطاب فامتنع الفقيه أبو بكر من تزويجه إياها وقال لهُ لست كفئا لها فانك رجل جاهل فانف من قولهِ فاشتغل بطلب العلم حتى صار إماماً واشتغل بفن الأدب وبرع في النحو واللغة والنسيب والعروض وغير ذلك. وكان ممن يضرب به المثل في حسن الجوار والوفاء بالذمم وله في ذلك أخبار يطول شرحها. وكان شجاعاً مقداماً كريماً جواداً شاعراً فصيحاً حسن الشعر له في السلطان الملك المظفر عدة مدائح وصنَّفَ كتباً في النحو وغيره. ومن مصنفاتهِ في الأدب كتاب الكامل في العروض والوافي وهو كتاب جليل والكافي أيضاً. وكتبهُ أحسن ما صنَّف أهل اليمن تحقيقاً وتدقيقاً. ومن شعره أيضاً ما قالهُ في مدح السواد وهو هذا: اعد لي حديثك يوم الكثيب ... وسلّي بهِ عن فؤَادي الكئيب عشية سوداءَ قد أقبلت ... تسارقني لحظها من قريب وقد أمنت رصدة الكاشحين ... وسمع الوشاة وعين الرقيب تبدت لنا من خلال البيوت ... تجرر فضل الرداءِ القشيب أرتنا النقا والقنا مائلاً ... قوام القضيب وردف الكثيب مولدةُ من بنات الموال ... كمثل الغزال الغريب الربيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فان لامني الناس في حبها ... فما لائمي أبداً بالمصيب يقولون سودا ولو أنصفوا ... وما ذاك لو أنصفوا بالمعيب فلولا السواد وما خصهُ ... به الله من حسن سّرٍ عجيب لما كان يسكن وسط العيون ... ولا كان يسكن وسط القلوب ولا زيَّن الخال خد الفتى ... ولا حسَّنَ النقش طرس الأديب أَما حجر الركن خير الحجار ... أما المسك أطيب من كل طيب أَما شغف الناس في دهرهم ... بحمد الشباب وذم المشيب ولا تُحْسِن العين مرهى الجفون ... ولا الكف ما لم يكن بالخضيب ولا كل عينٍ كعين المحب ... ولا كل قلب كقلب الحبيب وكان جامعاً بين رئاستي الدين والدنيا معظماً عند الملوك. يروى أنه كان في قريته رجل غريب مستجير به منتسب إليه فهمَّ الرجل بسفر إلى بعض الأماكن فاكترى دابة من بعض قرابة الشيخ إلى موضع غرضه وسافرا معاً فلما صارا في أثناء الطريق قتلهُ الرجل الذي أكرى عليه الدابة وأخذ ما معهُ وعاد إلى القرية كأّنهُ لم يفعل شيئاً فبلغ خبرهُ إلى الفقيه يحيى فبغت من ذلك وأَقام أياماً فلما كان يوم الوعد والناس جميعاً في السوق أمر بلزم القاتل فلزم وجيء به مربوطاً فأمر بقتله فقتل في السوق على رؤُوس الإشهاد ولما اشتغل الفقيه يحيى بطلب العلم وظهرت ثمرة اجتهاده خطب ابنة الفقيه أبي بكر بن خطاب وراجعه في زواجها فزَّوجهُ إياها فولدت لهُ عدة أولاد ولم تزل عندهُ إلى أن فرَّق بينهما الموت. وكانت وفاة الفقيه رحمهُ الله في السنة المذكورة وقيل في التي بعدها والله أعلم. وفي سنة إحدى وسبعين أرسل الإمام إبراهيم بن أحمد بن تاج الدين الشريف جمال الدين محمد بن عبد الله إلى حصورَ وبلد بني شهاب وبلاد بني الراعي فتلقوه بالطاعة. وكان وصوله إليهم في سبعة نفرٍ فصلى بالناس أول جمعةٍ في سبعة آلاف. وفيها خالف الأشراف إلى سليمان بن موسى مع الإمام وهم في أهل جهران وكان السلطان رحمهُ الله قد أقطعهم نواحي ذمار ثم تسلم منهم اللجام وقامت معهم علماءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الزيدية في تلك الناحية فساروا في جموع عظيمة إلى ذمار فدخلوها قهراً وقتلوا جماعةً من الرتبة الذين كانوا فيها وخفروا الباقين وأخربوها خراباً كلياً. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة. وسار الإمام إبراهيم والأمير صارم الدين داود بن الإمام والأمير عز الدين محمد بن شمس الدين وسائر الأشراف يريدون جدّة وساعاً فمروا على الحبة ولم يكن في صنعا إلا ابن نجاحٍ في مائة فارس من عسكر السلطان وكان الشعبي وعسكره في محطته بالجناب خوفاً على رتب ثلا فانصرف الأَشراف من صنعا قلما كان آخر الليل دخلها الأسدية وكانوا تسعين فارساً نقاوة عسكر صنعاءَ وفرسانهم فطلع الشعبي في بقية عسكره قمرّ على المحاط التي على ثلا فقواها وسار إلى شبام ومن شبام إلى صنعاءَ وحصل بينه وبين الأَشراف قتال عظيم وجمع الأَشراف جمعاً عظيماً وساربهم علي بن عبد الله فارتفع عن ثلا. وسار بعسكره قاصداً الدروة وفيها الورد بن ناجي ولم يكمل عمارتها فهجم عليهم آخر الليل فأخربها وعاد إلى أصحابه بسباع. فاقتضى الحال طلوع الركاب العالي إلى ناحية ذمار فلما وصلها اقبل إليه تلك الناحية رغبةً ورهبةً في شعبان من السنة المذكورة. فأقام في ذمار أياماً وأمر بعمارة دربها. ثم سار يريد صنعاءَ فحط في درب عبد الله وانحاز الأشراف إلى بيت خبيص فطلع عليهم الأمر علم الدين الشعبي فكانت وقعة بين الناهم قتل الأشراف بنو صفي الدين وجماعة من عسكر الأشراف. وكان ذلك في ذي القعدة من السنة المذكورة. ثم تقدم السلطان إلى صنعاءَ في الميدان في ذي الحجة. وفي هذه السنة بعث السلطان بكسوة البيت المعظم على يد قاسم بن محفوظ. وفيها توفي الفاضل أبو الحسن علي بن الحسين النحلي وكان فقيهاً محققاً غواصاً على دقائق الفقه عارفاً به كثير الاشتغال به تفقه به جماعة من أهل عصره. وكان كريماً جواداً شريف النفس عالي الهمة وكان كثير السعي في حوائج الأصحاب والقاصدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 من الطلاب وربما قدم على أخيه الفقيه محمد بن حسين إذا عوتب في ذلك يقول تلك بنات المخاض راتعةُ ... والعود في كورِهِ وفي قَتَبهْ لا يستفق من مضاض رحلتهِ ... من راحة العالمين في تعِبهْ وكف بصرهُ في آخر عمره. وكانت وفاتهُ في ذي الحجة من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الصالح فيروز صاحب الشيخ أبي الغيث بن جميل. وكان كبير القدر شهير الذكر. وكانت يدهُ للشيخ محمد لن أبي بكر الحكمي صاحب عواجه. وبعد وفاة شيخه صحب الشيخ أبا الغيث صحبة مخصصة وكان من أكابر الصوفية وأهل الكرامات فيهم. ولما حضرت الشيخ أبا الغيث الوفاة استخلف الشيخ فيروز في رباطهِ وعلى أصحابهِ فقام بذلك قياماً مرضيّاً إلى أن توفي في السنة المذكورة. وفي سنة اثنتين وسبعين دخل السلطان الملك المظفر صنعاءَ وكان دخوله يوم الثامن عشر من المحرم فأقام بها ونهض الأشراف إلى حصور واجلب معهم أهل حصور كافة وحطوا على عزان واجهدوا من فيه ووقع الخطاب على تسليم عزان وسلامة من فيه من العسكر فنزل العسكر وقبض الأشراف الحصن. ووصل عقيب ذلك أحمد بن جابر وشرع صلحاً بين الأشراف وبين السلطان خاصة ثم الإمام وكافة الناس عموماً. فتقدم السلطان إلى اليمن في شهر ربيع الأَول من السنة المذكورة ثم جرَّد عساكره المنصورة لقصد بيت خيّض فأخذهُ قهراً ووجد العسكر فيه خمراً كثيراً فكسروا أوعيته وأراقوه فقال غازي بن المعمار وعند أَمير المؤمنين عصابةُ ... يقولون بالبيض الحسان وبالسمرِ فان تكن الأشراف تشرب خفيةً ... وتُظهر للناس التنسك في الجهرِ وتأْخذ من خلع العذار نصيبها ... فأني أَمير المؤمنين ولا أدري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وكان فتح بيت خيّض يوم الجمعة سلخ شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ولما دخل العسكر السلطاني بيت خيّض كما ذكرنا انهزمت الأشراف من خدة وسباع فأخرجهما السلطان خراباً شنيعاً وقطع أشجارهما وكانت فيهما أشجار قديمة لها مقدار مائتي سنة فما ترك فيهما شيئاً. ويقال أن شجرة لوز عقرت فوجد فيها لوح من رخام مكتوب فيه غُرست سنة أربعين من الهجرة. وأمر السلطان بعمارة الجبل المسمى قرن عنيز وسماهُ طفاراً وشحنهُ من أصناف الشجر ونهض بمحطتهِ إلى الصافية قافلاً إلى اليمن في شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة وسار الأمير علم الدين الشعبي صحبة ركابه العالي إلى ذمار فوقف الأمير علم الدين في ذمار وتقدم الركاب العالي إلى اليمن. وفي هذه السنة خال الأمير الحسام بن البدلي في براقش وتغلب عليها وكان والياً فجرَّد له السلطان الأمير علم الدين الشعبي وأمر الأمير اردم بالوقوف في صنعاءَ وتقدم علي بن حاتم صحبة الأمير علم الدين إلى براقش فراسل الحسام بن البدلي وقبح عليهِ فعلهُ ووعدهُ بعطف مولانا السلطان عليهِ وما زال بهِ حتى أخذ لهُ شيئاً من الصدقات السلطانية براقش وعاد إلى صنعاءَ ثم اصطلح السلطان والإمام وسائر الأشراف وكان الصلح عن السلطان للأمير محمد بن حاتم بن عمرو بن علي الهمذاني. واتفق للأشراف مخرج إلى نجران عقيب الصلح فقتل فيه الأمير علم الدين علي بن وهاس قتلته يام. وفي هذه السنة توفي الشيخ عبد الوهاب بن يوسف بن عزان العرنقي وكان شيخاً رئيساً من أعيان الرؤَساءِ شجاعاً مقداماً كريماً يحمل جواداً مهيباً عند الأعداء. وكان يتولى بلد العوادر بمال معلوم يحمل إلى السلطان. وكان يفعل الخير كثيراً ابتنى مدرسة في حصن الطفر ووقف عليها وقفاً جيداً ورتب فيها مدرساً وَدَرَسةً وكان ممتحناً بشرب المسكر فقدم مرة زائراً من بلده للفقيه عمر بن سعيد العَقَيبي فلما دخل عليهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 المسجد ربط منديلهُ في رقبتهِ ثم إلى رجل الفقيه وقال لا افتحهُ حتى تعطيني عهداً على التوبة وذمة من الشراب فراودهُ الفقيه على الترك فلم يفعل فأجابهُ إلى ذلك وعاهدهُ على التوبة. وكان ذلك في شهر رمضان فكان ذلك سبب توبته. ويروى أنه لما كان يوم العيد هم بشراب شيءٍ من الخمر كان قد أدخرهُ لذلك اليوم فأمر بإحضار شيءٍ منهُ فلما صار الكأس في يده وأهوى به إلى فمه أحس في ظهره بضرب السياط كلنها النار فرمى بالكأْس من يده وركض الإناء الذي فيه خمر برجله فكسره وأمر من حينئذٍ صائحاً يصيح في بلده بتحريم الخمر وشدَّد في شرّها تشديداً عظيماً ولم يشرب بعدها مسكراً. وحج في هذه السنة المذكورة سنة اثنتين وسبعين وستمائة. فلما انقضى حجه خرج يريد زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة على ساكنها السلام. فلما دخل المدينة ووقف موقف الزائرين من التربة الشريفة سمعهُ جماعة يقول يا رسول الله أنا جارك من العود إلى الظلم اللهم لا تعدني إليه. فتوفي عائداً من الزيارة على رجليه من المدينة فحمله أصحابه ورجعوا به المدينة وقبروه في البقيع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الشيخ إبراهيم بن محمد بن حجر وكان مشتغلاً بشيءٍ من القراءة ثم غلبت عليه العبادة والتنسك فسكن مكة وأَقام بها إلى أن توفي في شوال من السنة المذكورة. ويروى أنه اعتمر في السنة التي توفي فيها في رجب وشعبان ستين عمرة وفي رمضان خاصة ستين عمرة حكى ذلك الجندي في تاريخه. وفي سنة ثلاث وسبعين حصل قحط عظيم في البلاد ومات من الناس عالم لا يحصى وأَكل الناس الميتة. وفي شهر ربيه الآخر أخذ حصن كوكبان جماعة من الخواليين واستولوا عليهِ فارتفع رأْس كل مفسدٍ وهاج الناس للخلاف. وفي هذه السنة توفي الفقيه أبو الحسن أحمد بن يحيى بن الفقيه محمد بن مضمون وكان مشاركاً في العلم ولكن اشتغاله بأُمور الدنيا اكثر. وكان مشهوراً بالكرم وكثرة إطعام الطعام حتى أفنى من ماله جملةً مستكثرة فبلغ علمه إلى الأمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 شمس الدين علي بن يحيى العسني فأدركتهُ عليه شفقة. وكان بصحبة فدخل عليه يوماً زائراً له مع جماعة من الفقهاءِ وكان قد أعلم بحاله فلما أراد الناس الخروج من مجلس الأمير استوقفه الأمير فلما خلى المكان قال له يا فقيه بلغنا عنك انك كثير التفريط لما في يديك وأنت فقيه ودخلك قليل من وجه حلال وما خَرَجَ عنك لا يكاد يقع لك عوضه إلا بمشقةٍ وأظنك تريد الاقتداءَ بنا ولا ينبغي لك ذلك لانَّا نحن محصولنا كثير من غير كلفة يسهل علينا خروجه كما يسهل علينا دخوله ثم وبخه على فعله وحذره من مرارة الفقر والفقيه ساكت مطرق ثم قال لهُ أحب أن تعاهدني انك لا عدت إلى شيءٍ من هذا فقال له الفقيه استخير الله الليلة وآتيك غداً أن شاءَ الله بما قويت عليه عزيمتي. أربعين فلما كان تلك الليلة صلى صلاة العشاء ثم صلى صلاة الاستخارة ونام فرأَى قائلاً يقول لهُ يا فقيه أحمد انفق فانك ممن وُقي شح نفسه فلما أصبح غدا إلى الأمير فأخبره بمنامهِ وما قيل لهُ وأنه باقٍ على ذلك الأمر فبكى الأمير وقال في أَي صورةٍ ما شاءَ رَكَّبكَ ولم يزل على حالهِ إلى أن توفي في السنة المذكورة تقريباً كما قال الجندي. وفيها توفي القاضي الأجل الصالح عيسى بن الفقيه علي بن الفقيه محمد ابن أبي بكر بن مُفَلَّت بضم الميم وفتح الفاءِ واللام المشددة وآخرهُ تاءً مثناة من فوقها. وكان فقيهاً ورعاً دينّاً عفيفاً وهو أحد من تعُدُّه الفقهاء من حفظة المهذب وولاة القاضي أبو بكر بن أحمد قضاء الجند فأقام بها قاضياً خمساً وأربعين سنة لم يذكر عنه ما يذكر عن غيره من نقص الحكام. ولما أَراد السلطان الملك المظفر زواج الحَّرة مريم ابنة الشيخ العفيف استدعاه فلم يعقد له حتى استكمل شرائط العقد ولم يتساهل في شيءٍ من ذلك. فاعجب السلطان بذلك وقال لو كان متساهلاً في شيءٍ من حكمه لتساهل معنا. فكان عندهُ معظماً وكانت جامكيته من جزية اليهود في الجند وهي خمسة عشر ديناراً. وكان كثيراً ما يُدان ولا يدان من أهل الجند تورعاً وكان لهُ أرض قريبة من الجند وارض ببلده ثابتة منها ما يقوم بكفايته وكان الغالب على حاله المسكنة والضعف. وتوفي مديوناً نحواً من ستمائة دينار وكان عمرهُ أكثر من مائة سنة لم يتغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 له عقلُ ولا اختل له فهمُ وكان يحضر المجالس الفقهية والمواكب الملكية يستضاء برأْيه وينتفع بعلمه إلى أن توفي ليلة الأربعاء الحادي عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفي سنة أربع وسبعين خرج الأمير علم الدين الشعبي إلى مخلاف ذمار لقبض الواجبات السلطانية وترك المماليك الأسدية جميعهم رتبة في صنعاءَ مع ابن العلاب وسار مع الأمير علم الدين منهم رجل واحد فوقع بين ذلك الرجل وبين الداوي أحد مماليك الأمير علم الدين خصمة على شراب فقتله الداوي في مسير الأمير علم الدين إلى ذمار وهرب القاتل فلما علم المماليك الأسدية بقتل صاحبهم قاموا وقعدوا وكانوا قد أعجبتهم نفوسهم فخالفوا على السلطان واستولوا على صنعاءَ وقبضوا على موجود الشعبي وذلك في الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكاتبوا الإمام والأشراف بالوصول إليهم فوصلهم الشريف علي بن عبد الله يوم السابع والعشرين من الشهر في سبعة آلاف راجل وكان في جبل حصور ثم جاءَ الإمام والأمير صارم الدين داود بن الإمام والإمام عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين وسائر الأشراف فدخلوا صنعاءَ يوم الخامس من شهر جمادى الأولى وأقاموا في صنعاءَ وركب الإمام يوم الجمعة إلى جامع صنعاءَ ورَقي منبره وأذَّن المؤذن في منارته حي على خير العمل وخالطهم من الجذل والعجب أمر عظيم ولو علموا عقبى الأمور لقابلوا ... أوائلها بالحزم واطرحوا العُجبا ولكنهُ المقدور يلوي بذي الحجى ... فيَسلبهُ أن حُمَّ آراءه سلْبا وكانوا جميعاً على عزم الخروج من صنعاءَ إلى ذمار وربما طمعوا فيما خلف ذمار أن الأمير علي بن عبد الله ركب في بعض الأيام إلى الأمير صارم الدين داود بن الإمام فتراجعوا في أمورهم فقال الأمير داود أني رأَيتكم يا هؤلاءِ الشرفاء مذ دخلتم صنعاءَ ملتم إلى الراحة والدعة وأنفسكم تحدثكم بالخروج من صنعاءَ إلى دمار ثم إلى اليمن ومناصبة السلطان. وهذا رأي فاسد. فلو نظرتم في أموركم أولاً ثم نظرتم بعد ذلك إلى الخروج من صنعاء إلى دمار كان أصوب فلا تغتروا بحديث هؤلاء الغز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الذين قد صاروا في جيشكم فوالله لو قد شموا ريح الملك المظفر وشاموا برقهُ لقد بانت لكم دخيلة أمرهم ثم إني أستفهمكم هل رأيتم أحداً وصلنا من همدان وهم الجزء الوافر وهل أحد يردهم عن صنعاء بعد إخلائنا عنها ألم يأمر إليهم أن يواكبوا إلينا فقالوا نحن لا نوكب حتى يجوزوا بلادنا فجزناها وما أتانا أحد منهم وكذلك سيحان هل هذا إلا تربص وترقب واستطلاع لما يأتي من ناحية اليمن والملك المظفر لا يترك بلاده ولا مدينته وما الذي شغله عن المبادرة والطلوع فانظروا في أموركم. فقال لهُ الأمير علي بن عبد الله النظر في أمورنا كلها إليك ونحن بين يديك فقال والله إنكم لترمون عن قوس واحد الإمام منكم والمأموم والعربي والعزي فقال ما الرأي الذي تأمرنا به وما هو الأصوب فقال الصواب أن قبلتموه أحد وجهين. أما الأول فنقف في صنعاء ونحن بثلاثمائة فارس نصبح كل يوم قرية من قرى همدان وسيحان حتى يدخلوا في طاعتنا أذلةً وهم صاغرون. وأما الوجه الثاني فنخرج إلى حافد ونخلي صنعاء ونخربها فنحن ثلاثمائة فارس وخمسة آلاف راجل أي قبيلةٍ ملنا عليها أخذناها ونحن نعود إلى معقل وحرز حريز. ومع ذلك لا يقدم علينا أحد ولا يدخل حد إلى صنعاء ونحن على هذه الصفة. ثم قاما وخرجا إلى الإمام فلم يكن غقيب ذلك إلا الخروج إلى ناحية جهران وتبطيل آراء الأمير صارم الدين فبرز الإمام إلى الميدان ثم نهض الجميع منهم إلى بئر الخولاني ثم نهضوا إلى العمري تحت الكميم فلما خيموا بالمعري أمر الإمام على الأمير علي ابن راشد ابن خالد بن عطوة أن يتقدم إلى حدار ويستنهض خاله الشيخ الحسام بن الفضل في كافة أصحابه من سيحان فتقدم حينئذٍ إلى الشيخ المذكور فلما وصل إليه وأخبروه برسالة الإمام فقال مالنا تأخر عن الوصول إلى الإمام فأمسى عندهُ فلما كان بعد مضي شطر من الليل وصل رسول من السلطان الملك المظفر بكتاب إلى الشيخ الحسام بن الفضل وإذا فيه صدورها من الحقل ونحن على المسير إلى صنعاءَ أن شاء الله تعالى ونحن نشعركم الوصول إلينا ونحذركم الاغترار بهؤلاء الشرفاء فسقط في يد الشيخ الحسام بن الفضل ودخل على علي بن راشد فأيقظه من منامه وأوقفه على كتاب السلطان وقال له قم وتقدم إلى الإمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وأخبرهُ بهذا فما بقي لنا إليه وصول. فلما وصل علي بن راشدٍ إلى الإمام اخبرهُ الخبر فطلب الإمام كافة الشرفاء واخبرهم الخبر فاضطربوا وقالوا للأمير صارم الدين ماذا ترى فقال قد أشرت عليكم في صنعاءَ فلم تقبلوا وأنا اليوم لا آمركم بالإقدام ولا آمركم بالإحجام أن أقدمتهم لم تأمنوا الكسرة وإن احجبتهم فهي كسرة الأحجام ولكن ارحلوا هذه الساعة قبل تشييع الخبر بطلوع السلطان فنهض الجميع منهم من العمري وانحدروا في نفيل الغارة وشاع الخبر بوصول السلطان فاضطربوا وتحيَّرُوا فعادت المماليك إلى صنعاء ثم تقدم الشرفاء فحطوا في معير ونهضوا إلى أفق بكرة يوم الخميس وكان غرضهم النهوض بكرة يوم الجمعة إلى الجبجب فخرج الأمير عز الدين في ستين فارساً تستطلع الخبر فجاءوا وقد حطَّ الركاب العالي في دمار فأغارت خيلهم على أطراف المحطة فأمر السلطان أن لا يخرج إليهم أحد وحرم على الناس الركوب. فعاد الأشراف إلى محطتهم بأفق وقالوا وصلنا إلى السلطان فما خرج إلينا أحد والغالب أن المحطة ضعيفة فأمسوا في محطتهم مسرورين فلما كان صبح يوم الجمعة لم يشعروا حتى أطل عليهم فارس من الخيل فركب الأشراف وما شكوا إنها غارة لأجل غارتهم بالأمس فركب الأمير صارم الدين في نحو من أربعين فارساً وأمر الناس بالوقوف حتى يعود فما كان أسرع من عودته فاجتمعوا إليه وقالوا لهُ ما الخبر فقال هذا الملك المظفر في عساكره وكتايبهِ بعدي فقلوا فما ترى قال ما أرى إلا الصبر والحرب فإنه يوم عصيب. ثم طلب أهل أُفق وقال لهم اخبروني أَين عورة بلدكم وأَمر الإمام أن يقف في الحصن فإن وقع كسرة كان بعيداً عن القتال. وأما ما كان من أَمر السلطان فإنه لما حطَّ في ذمار وصل إليه الأمير علم الدين الشعبي وقال لهُ يا مولانا السلطان اليوم يوم الجمعة وهؤُلاءِ العرب لا يستخيرون الصلاة إلا بعد الإمام. فإن تأخر عنهم مولانا السلطان إلى بعد الجمعة اجتمع معهم من العسكر ما لا تنحصر وكانت حربهم أَشد. فقال لهُ السلطان دعهم فلانا لا نريد سفك الدماءِ يوم الجمعة وأي أَي حالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 كانوا فإِنهم مهزومون فلم يقبل منهُ الشعبي ما قال بل قام من عندهِ وجمع عسكرهُ وأَخذوا عدتهم وجعلوا طريقهم على باب خيمة السلطان. فأَرسل السلطان إليه أن يقف فلم يفعل بل سار في عسكره نحوهم. فنهض حينئذ السلطان وأَمر العسكر بالركوب وسار نحو أُفق فأَقبل علم الدين الشعبي فقصد الأَكمة التي فيها الأمير داود بن الإمام ثم أَبلت العساكر يتلو بعضها بعضاً ثم أَطل السلطان على الجبل الأسود في شرذمة من عساكرهِ وجنودهِ فكأنما اشتمل الجبل بثوبٍ ابيض غطى جوانبهُ كلها. ولما قصد الأمير علم الدين الأضكمة بعسكرهِ انهزمت الأشراف وحصلت العساكر على الغنيمة العظيمة ونجا الأمير صارم الدين داود بن الإمام وكافة الحمزيين بعد مشقة شديدة ثم أَحاطت العساكر المنصورة بالإمام في الحصن فأَسروه وقتلوا طائفةً ممن كان معهُ منهم الأمير أحمد بن محمد بن حاتم ووزير الإمام القاضي ابن أبي النجم وتمزَّق الشرفاءُ في تلك الأودية وتركوا محطتهم بما فيها ونزلوا عن خيولهم وتركوها قياماً تضطرب في أَرسانها ووصل العسكر بالإمام وسائر الأسرى إلى السلطان فلما وصل الإمام إلى السلطان وهو مكشوف الرأُس سلم وهنأ بالظفر فهنأَه السلطان بالسلامة وأَكرمهُ وآنسهُ وأَمر بستر رأْسهِ. وكان قد همَّ بهِ جماعة من المماليك فزجرهم السلطان وشتمهم واركبهُ بغلةً فكان يسير بينهُ وبين الصاحب بهاء الدين حتى دخل بهِ حصن تعز فأَودعهُ دار الأّدب. فلم يزل بهِ معزَّزاً مكرَّماً يحمل إليه في كل يوم عشرة دنانير ملكية والطعام بكرة وعشية والكسوة لهُ ولمن معه من حريمٍ وخدمٍ بقدر كفايتهم. فقال لقد كان لنا في سلم السلطان غنيً عن حربهِ وكتب عَلَى باب مجلسهِ. هذي منازل سادةٍ أجواد ... ومحلُّ جودٍ شاملٍ وأياد قصر الخورنق والسدير مقصر ... عنهُ وذو الشرفات من سنداد ولم يزل على الإعزاز والإكرام في مجلسهِ إلى أن توفي في التاريخ الذي يأتي ذكرهُ أن شاءَ الله تعالى وفي هذه الواقعة يقول القسم بن علي بن هُتيْملٍ يمدح السلطان الملك المظفر بوَّأت حزب الله دار قرار ... وأَحلَّ حزب الله دارَ بوار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ووضعت أوزار الذنوب بوقعةٍ ... ما حر بها موضوعةُ الأوزار مشبوبة الطرفين تردي الجحفل ال ... جرار نحو الجحفل الجرار شنعاءَ ما حسَّ الفوارس جمرها ... إلاَّ رمت شرراً على الأشرار هي كالفجار الصعب أو كحنين أو ... كالشعب أَو كبغاث أَو ذي قار راوحت بين الموكبين لراحةٍ ... لك في سروج الخيل والأكوار وسريت في غسق الدجنة طاوياً ... بعد المشقة كالخيال الساري عَجلاً إلى الحرب العوان فحيّها ... ركضاً على قدرٍ من الأقدار لاقى بنو الهادي وحمزة ضعف ما ... لاقت سليم بجانب الثرثار أنسيتهم ما سنَّ عمك فيهم ... بالأَمس في عصرٍ بيوم ذمار عميت قلوبهم ففضت سرابهم ... بعمى قلوبهم عن الأبصار طلبوا ذمار فرد سعدك ذالها ... دالاً وأي هزيمةٍ ودمار حفوا بسيدهم فلما أيقنوا ... بالموت طاروا عنهُ كل مطار صبوا السياط على قوارح خيلهم ... هرباً عن المهرات والأمهار فكأَنهم شُهب البزاة تبللك ... بالغيث فانقضَّت إلى الأوكار نكصوا عن الإقبال من ملمومةٍ ... مذ أقبلت نكصت على الأدبار شمسية عُمرية علوية ... جفنية الإيراد والإصدار شهباءُ محكمة العفاص كأَنها ... تحت السنور جنة النعار فنجوا وإبراهيم يأْمر نفسهُ ... بالكر لا بالفر خوف العار حتى إذا حمي الوطيس وأحصرت ... عنهُ السوابق أيما إحصار حملتهُ مرَّة روحهِ متحصناً ... في الحصن لا متخفياً في الغار لم يلق من يلوي عليهِ ولم يجد ... أحداً يقاتل من وراءِ الأحجار فأَسرتهُ مستبسلا وحفظتهُ ... شرفاً بأَفضل حوطةٍ وجوار جدُّ يفض شبا الصفا بزجاجه ... قهراً ويقتل نازلاً بجوار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وأخو الصبابة ما عليهِ غضاضة ... في الصبر أن لطمتهُ ذات سوار أحييتهُ بالعفو ثمَّ لقيتهُ ... ببشاشةٍ وسكينةٍ ووقار ووهبتهُ دمهُ بجاه محمدٍ ... ورضى عليّ وجعفر الطيار لو أن غيرك يا مظفر صادهُ ... لكساهُ ثوبي ذلة وصغار عان طمست قيامهُ ومقامهُ ... وتركته خبراً من الأخبار أغرتهُ بالنقض الغواة فأُهلكوا ... وثمود كان هلاكهم بغرار لو شاور المختار في غزواتهِ ... رجعت عليهِ مشورة المختار يا فرحة البلد الحرام ويا ضيا ... جوّ العراق وفرحة الأمصار جاءَتهم البشرى فكاد سرورهم ... يقضي على بادٍ هناك وقار وكان من قص الصحيفة فيهمُ ... بالأسر فض لطيمة العطار يا يوسف الحسن بن نور الدين يا ... ملك الملوك ومالك الأحرار يا أفضل الحيين في خيرٍ وفي ... شّرٍ وفي نقضٍ وفي إمرار عشقتك أبكار العلى فنكحتها ... طفلاً وليس نكاحها بشغار وإذا بنوك تكنفوك تحيرت ... أبصارها في الشمس والأقمار صور سرى فيها الكمال فأُودعت ... ما ليس في بشرٍ من الأبشار فكأَنها خلقت تعالى الله من ... فخرٍ وكل الناس من فخَّار أخليتم شرقي هذاد وعزة ... من راشدٍ ويمين من عمار وخلا الرياشي بن راشد خيفةً ... منكم ولم يكُ حاذراً بحذار وابن المعثور لو يغيث بعوضة ... لحضارةٍ ما بات في عقار وإذا أردت تلمصاً وطفار لم ... يعجزك ملك تلمصٍ وطفار ماذا أقول وعبد عبدك يا أبا ال ... منصور سيد يعرب ونذار ولما أسر الإمام إبراهيم كما ذكرنا أراد الأشراف أن يقيموا بن هاوس بعدهُ إماماً فكرة فقال الحاي في ذلك قصيدة يمدح بها السلطان الملك المظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أقبلت في لجب تسد فضاءَهم ... من خلقهم وأمامهم يتجلجل وإلى ابن هاوس أتوا من فورهم ... مستنهضين قيامهُ فاستعجلوا فأَجابهم وإذا تكون عظيمة ... ندعى لها أين الإمام الأول ولما رجع السلطان من ذمار أمد علم الدين بمال جزيل فسار إلى صنعاءَ وكانت طريق الأشراف يوم هزيمتهم المغارب ولحقتهم مضرَّة شديدة وساروا إلى حصن ذمار المعروف بالخواليين وكان في يد الشريف علي بن عبد الله فأقاموا فيه مدةً والأمير صارم الدين يراسل الإمام مطهر بن يحيى ويستدعيه الإمامة. فلما وصل إليه الزمهُ القيام بالإمامة فدعى إلى نفسه فأَجابهُ كافة الزيدية. فأقام الأشراف مدَّة في بلد بني شهاب على غير قاعدة ثم حصل عقيب ذلك بين السلطان وبين الأمير صارم الدين مراسلات أفضت إلى الصلح فيما بينها فاخرج الأمير صارم الدين الإمام مطهر والشريف علي بن عبد الله وتصوَّراتهم يحفظون الحصون ويحاربون فيها فكان الأمير علي بن بن عبد الله يختلف بن الحصون فتارةً في كوكبان وتارةً في ردمان وأخرى في القاهر وعران. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي بن إسماعيل الحضرمي. وكان كبير القدر شهير الذكر من كرام الفقهاء وخيارهم وكان جواداً كريماً. يروى أنه ما سأَلهُ سائل شيئاً من الدنيا فرده وربما لقيهُ السائل فأَعطاه بعض ثيابهِ حتى أنه كان يأتي عليهِ وقت يعجز فيهِ عن الخروج من عدم الثياب. ويروى أنه عاهد الله لا رد سائلاً قط. حكي أنه سأَلهُ سائل يطلب شيئاً فدخل منزلهِ فلم يجد إلا الطعام الذي تطبخهُ الخادمة فأخذهُ بإنائهِ وذهب بهِ إلى السائل فأَعطاه إياه. وكان الفقيه إسماعيل يعظمهُ ويقول هو أزهدنا وأعلمنا وأَورعنا وامتحن بحصر البول فكان يقل مجالسه الناس لذلك. وكانت وفاته رحمهُ الله في زبيد يوم رابع المحرم من السنة المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وفيها توفي الفقيه الفاضل سعيد بن منصور بن محمد بن أحمد الجيشي بالجيم والياء المثناة من تحتها والشين المعجمة وهو الذي يقال لهُ سعيد بن أَنعمَ وكان أُبوهُ يلقب بأَنعمَ وكان فقيهاً محققاً درس بعد شيخه عمر بن مسعود في مدرسة ذي هريم وأَصل بلدهِ مصنعة سير وكان حسن السيرة وتوفي في السنة المذكورة وقبره عند شيخهِ المذكور في مقبرة صينة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن موسى المعروف بالحرف. تفقه بابن الرسول وكان قاضياً في ناحية من نواحي أَبين وتوفي بهما في هذه السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي القاضي اسعد بن مسلم. وكان من أهل الدين والمروءة شهد له بالخير أَعيان زمانه. ويروى أنه اجتمع برجلي زمانه عمر بن سعد العقيبي وسليمان الجندر رحمهم الله تعالى في بيته فباتا في صلاة وقيام وركوع وسجود. وبات القاضي نائماً قال الفقيه عبيد السهولي وكنت معهم ليلتئذ فتحيرت هل أُوافقهما في الصلاة والقيام أَو أوافق القاضي في النوم وبقيت متردداً فأَوجز الفقيه صلاته ثم سلم وقال لي يا فلان أن صاحبك هذا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا تعلمه بذلك وتزوَّج بابنة القاضي مسعود بن علي فاتت له بابنتين وابن تزوج إحداهما القاضي بهاءُ الدّين والأخرى أخوه حسان ولم يزل القاضي اسعد على أَحسن سيرة إلى أن توفي يوم الأربعاء العشرين من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وسبعين وستمائة تسلم السلطان حصن الريشة في ذي الحجة من السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عبد الله ابن الفقيه عمر بن مسعود بن محمد بن سالم الحميري وكان فقيهاً عالماً عاملاً كاملاً مبرزاً في جميع أنواع العلوم درس بعد أبيه بمدرسة ذي هُزَيْمٍ إلى أن توفي رحمة الله عليه في السنة المذكورة. وفي سنة سبع وسبعين حط الأمير علم الدين الشعبي على الحصون الحصورية وهي القاهر وعزَّان فاستمد الشريف علي بن عبد الله بالأشراف فلم يمده أحد منهم إلا الإمام مظهر بن يحيى فإنه جمع جمعاً عظيماً وقصد الشعبي إلى محطته وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 بالرّعلا. فوصلت عساكره القاهر. وعجزوا عن قصد علم الدين إلى المحطة. فلما رأَوا أمورهم إلى نقصان طلب الأمير جمال الدين علي بن عبد الله لقاءَ الأمير شمس الدين علي بن حاتم وتحدث معه في أَمر الصلح. فقال الأمير جمال الدين خذول لي من مولانا السلطان مائة ألف دينار وأعطوني في رهينة منكم في تسليم المال. ولم يزل إلى أن اتفقوا على تسليم ألفي دينار ويخرجون من الحصون ويسلمونها فانعقد الأمر على ذلك. وصاحت الصوائح لهم بالذمة. وسلموا كافة الحصون الحضورية وفي شهر رمضان تسلم السلطان حصن ردمان. وخرج من فيه من الأشراف وعاد الشريف علي بن عبد الله على الظاهر والإمام إلى المعازب. وفي هذه السنة توفي الشيخ والفقيه الإمام العارف بالله أبو الفدا إسماعيل بن الفقيه الصالح محمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن إسماعيل ابن أحمد بن ميمون الحميري اليزني نسبةً إلى ذي يزن الملك المشهور. وكانت ولادة الفقيه إسماعيل يوم التاسع من ذي الحجة من سنة إحدى وستمائة ويروَى أنه لما تزوج أمه قيل له يا محمد يأْتيك ابنان محدث ومحدث الأول بفتح الدال. والثاني بكسرها. وكان تفقه بابيه وعمه علي بن إسماعيل. ثم أخذ عن جماعة من الكبار. كيونس بن يحيى والبربان الحصري وغيرهما. وكان نقالاً لفروع الفقه غواصاً على دقائقه. وله مصنفات مفيدة. منها شرح المهذَّب وغيره. ثم ارتحل إلى زبيد لغرض الزيارة في طلب العلم. فتزوج بابنة الفقيه أبي بكر بن حنكاش المقدم ذكره وبابنة الفقيه أبي الخير الذي سيأتي ذكره فيما بعدُ أن شاءَ الله تعالى وغلب عليهِ حب استيطان زبيد. واجتمع به السلطان الملك المظفر غير مرةٍ وسمع عليه البخاري. وولي القضاء الأكبر في تهامة فأقام فيه نحو سنة فاستخلف في القضاءِ من وثق بدينهِ وورعهِ واشترط عَلَى كل قاض إلا يحكم إلا بمحضر من الفقهاءِ. فيقال أنه خوطب يا إسماعيل رضيت بالنزول عن التسمي بالفقه إلى التسمي بالقضاء أو كما قيل. وقيل بل كان كثير التردد إلى تربة الشيخ الصالح أحمد بن أبي الخير الصياد. وكان قد يجد عندها دليلاً على صلاح حالهِ فنوجي هنالك بذلك فعزل نفسهُ من القضاءِ. ومما يروى عنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أنه دخل بيت قاضي زبيد. وكان من خواص أصحابهِ وزوج أُخته. فوجد في بيته ثياباً من الخَزَ. وكان لا يعرف معهُ شيئاً من ذلك. فقال لهُ من أَين لك هذه الثياب فقال من تركتك يا أبا الذبيح فقال ذبحني اله أن لم أعزلك ثم عزله نفسهُ بعده. وكان مبارك التدريس انتفع بهِ خلق كثير من فقهاءِ اليمن. ومن عجيب ذلك ما روي عن الفقيه الصالح محمد بن معطن. وكان من الفقهاء الزهاد قال كنت في بلدي فعرض لي أن اقرأَ النحو فرأَيت في المنام قائلاً يقول لي اذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأْ عليه النحو فعجبت من ذلك لأنهُ لم يشتهر بمعرفةٍ تامة في النحو. ثم قلت قد حصلت الإشارة فعزمت على السفر من بلدي وهي قرية الرقبة من قرى وادي رمع. فسافرت حتى دخلت الضحى. فوجدت الفقيه في حلقة التدريس من أصحابه. فلما رآني سلمت عليهِ فرد عليَّ ورحب بي وقعدت بين أصحابه. فقال لي يا فقيه قد أجزتك في جميع كتب النحو فأّخذت ذلك بقبولٍ وعدت بلدي فما طالعت شيئاً من كتب النحو إلا وعرفت مضمونه ببركة الفقيه رحمه الله تعالى ونفع بهِ. قال الجندي. واخبرني الثقة عن الفقيه حسن الشرعبي أنه سمعهُ يقول رأَيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي ليلة من الليالي فقلت يا رسول الله من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فقال هم الدرسة فلما كان الليلة المقبلة رأَيته صلى الله عليه وسلم. فقلت يا رسول الله أي الدرسة هم قال هم درسة الفقيه التنبيه والمهذّب. فقلت يا رسول الله فدرسة القرآن قال أولئك أصفياءُ الله. وكانت وفاة الفقيه نفع الله بهِ يوم التاسع من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام البارع أبو عبد الله محمد بن الحسن الصمعي وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً متفنناً وغلب عليه فن النحو. وله فيه مصنفات كثيرة مفيدة. وله مصنف في العروض وتفقه بهِ جماعة. وهو الذي درس قبل السرَّاج في المدرسة المنصورية بزبيد. وله عبارات مرضية توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن حزابة بضم الحاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 المهملة وفتح الزاي والباء الموحدة. وكان تفقهه بأَبي شعبة المذكور آنفاً وأخذ شيئاً من الأصول عن السلعاني. وكان سبب تفقههِ أنه اشترى وعاءَين من الأرز من الفقيه أبي بكر بن حجر فأكل أحدهما. ثم لما فتح الوعاءَ الآخر وجده أبو بكر بن حجر احسن من الأول. فاسترجع وقال بعتك ما لم أَرهُ فلا يصح البيع. فحملته الأَنفة على قراءَة الفقه فقراَ على أبي شعبة. ثم أن أَبا بكر بن حجر حدث معه حادث سرور استدعى شيئاً من الزعفران. وكان الزعفران يومئذ معدوماً لا يوجد إلا عند ابن حزابه المذكور. وكان عطاراً فوصل الفقيه أبو بكر بن حجر إليه وعوَّل عليه في شيءٍ منهُ فأَجابه قال يا فقيه بعتك معلومةً من غير نظر الزعفران. ثم استدعى بوعائه فلما فتحهُ قال يا فقيه بعتك ما لم أَره فالبيع فاسدُ. فتوقف أبو بكر بن حجر. وناوله الفقيه دراهمه فأَخذها وهم بالرجوع بغير قضاء حاجةٍ. فذكره ابن حزابة بما فعل معه يوم أرز ثم باعه مراده من الزعفران ولم يرده خائباً. وكانت وفاة ابن حزابة قبل وفاة شيخه أبي شعبة بأيام قلائل في السنة المذكورة والله أعلم. وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن حسن بن علي الفارسي بلداً التمي نسباً. وكان أَصل بلده من بلاد فارس دار جرذ بكسر الجيم وسكون الراء وآخره ذال معجمة. كانت فيما تقدم دار ملك فارس. وكان أهل هذا الرجل بيت وزارة ملوك فارس قاله الجندي. قال ونستهم ترجع إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وارتحل والد هذا الفقيه المذكور من بلد فارس إلى مكة المشرفة فجاور فيها ست عشرة سنة. ثم قدم عدن فتديرها وظهر له فيها الولد المذكور. فلما أَراد الولد الاشتغال قرأَ على السلعاني الفقه والمنطق والأُصول وأخذ عن الصغاني اللغة. وأخذ عن الشريف الطب والمنطق والموسيقى وعلم الفلك وبه اشتهر. وله فيه مصنفات عديدة وله في الموسيقى كتاب دائرة الطرب ورسالة فيها. وكتاب في وضع الألحان. وكتان التبصرة في علم البيطرة ولايات الأناق. في خواص الأَوفاق. وكتاب في معرفة السموم. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وفي سنة سبع وسبعين توفي الأمير الأجل الكبير أسد الدين محمد بن الأمير الكبير بدر الدين الحسن بن الأمير الأجل الكبير شمس الدين بن علي ابن رسول الغساني وكان من أكمل بني رسول في الدين والشجاعة واكرم وعلو الهمة وكان أسداً قوياً شديداً وبقوته يضرب المثل. وكان يقبض على الركاب الحديد فيضم بعضه إلى بعض. وهو الذي رمى الهلال الذي على منارة صنعاء بدبوس من حديد فأسقطه عن مستقره. وكان كريماً جواداً. قل ما قصده إنسان إلا وأناله مقصوده. وأجل عطاءه ورفده وله من الآثار الدينية مدرسته التي في مدينه ابٍ. ومدرسته التي بالحبالى وفيها قبره وقبور جماعة من ذريته. وبنى سدَّا في قرية قرنة. ووقف على الجميع أوقافاً جيدة تقوم بكفاية الجميع. ولما سجنه ابن عمه السلطان الملك المظفر اشتغل بالقراءة فكان يستدعي الفقهاء إلى موضعه فيقرأ لهم ويحسن إليهم لاسيما الفقيه أحمد ابن علي السرددي. أنه كان رأس المحدثين يومئذ في مدينة تعز. فقرأ عليه عدة من مسموعات الحديث. ونسخ عدة من الكتب والمصاحف والمقدمات ووقفها ف عدة من الأماكن ولم يزل على أحسن حال إلى أن توفي يوم الثالث عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وله عقب كثير. وأولاد من خيرة أولاد الأمراء. وكان افضل أولاده أبو بكر. كان كاملاً عاقلاً متأدياً يقول الشعر حسناً: إذا لم أقاسمك المسرة والأسى ... ولم أجد الوجد الذي أنت واجد ولم اسهر الليل الطويل كآبةً ... فما أنا مولود ولا أنت والد وهذا البيتان من قصيدة له كبيرة كتب بها إلى أبيه وهو في السجن رحمة الله عليهما. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر بن يوسف المكني الحنفي وكان فقيهاً جليل القدر مشهوراً ورعاً راضياً من الدنيا بالكفاف وكان عالي الهمة شريف النفس عالماً عاملاً مشهوراً نحوياً متأدياً مترسلاً عارفاً بالطب شيخه في ذلك أبو سواده. وكان يقري أهل المذهبين كما كان شيخه. قال الجندي اخبرني الثقة من أصحابه أنه قال له يوماً عل قرب من وفاته رأيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 كأن القيامة قد قامت وأحضرت الأئمة بين يدي الله تعالى. وهم أبو حنيفة. ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل. فقال الباري جل جلاله. إني أرسلت إليكم رسولاً واحداً بشريعة واحدة فجعلتموها أربعاً ردوها عليهم ثلث مرات فلم يجبه أحد. فقال له أحمد بن حنبل يا رب أنت قلت وقولك الحق لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً. فقال له تكلم فقال يا رب من شهودك علينا قال الملائكة قال يا رب لنا فيهم القدح. وذلك انك قلت وقولك الحق.) وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض حليفةً. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء (فشهدوا علينا قبل وجودنا. فقال الباري جلودكم تشهد عليكم. فقال يا رب كانت جلودنا لا تنطق في الدنيا وهي تنطق اليوم مغصوبة. وشهادة المغصوب لا تصح فقال الباري جل جلاله أنا أشهد عليكم. فقال يا رب حاكم وشاهد فقال الله تعالى اذهبوا فقد غفرت لكم. ثم لما كان في السابع عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. رأى بعض أحبار أهل زبيد أن منارة مسجد الأشاعر قد سارت من مكانها حتى خرجت من المقابر وتغيبت فيها فتوفي الفقيه بعد ذلك وخرج الناس لدفنه فرأى الرائي أن للفقيه قبراً في الموضع الذي غابت فيه المنارة فعلم إنها عبارة عن الفقيه رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن سالم علي العنسي بنون بين العين والسين المهملتين. وكان يُعرف بابن التائه تفقه بعمر بن مسعود الأبيني وبالوزيري وأخذ عن المقدسي. واتهم في دينه ولم يزل مهاجراً للفقهاء منافراً لهم حتى أمكنه الدخول على البهاء وهو يومئذٍ متولي الوزارة والقضاء فحلف لهُ أنه ما تغير عن معتقده وأوقفهُ على كتاب صنفهُ في معتقد السلف قبل منهُ بعض قبول. وكانت وفاتهُ ليلة الفطر من السنة المذكورة. وقيل يوم عبد الفطر قبل الصلاة من السنة المذكورة والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن مسعود بن إبراهيم بن سالم بن أبي الخير بن محمد الصحاوي وكان مولدهُ في النصف من شعبان سنة ثماني عشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وستمائة وتفقه في بداءته بابن يعيش وبعبد الله بن عبد الرحمن وأخذ درجة الفتوى بعدهما وارتحل إلى عدة من الأماكن في طلب العلم. وكان رجلاً صالحاً فاضلاً مبارك التدريس خرج من أصحابه ثلاثة نفر تفقه بهم خلق كثير وأجمع الناس على صلاحهم وعملهم وحسن فقههم وربما قدمهم الناس عليه وهم صالح بن عمرو وعبد الله الحساني وأبو بكر بن العزاف فكان يفتخر بهم ويقول ليس لأحدٍ من أهل العصر مثل هؤلاء الثلاثة. أما ابن العزاف فمتقن للفقه وأما صالح فمتقن للفرائض وأما الحساني فهو الفاضل بعدهما. وكانت وفاتهُ بذي السعال في السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفي سنة ثمان وسبعين كان فتح مدينة ظفار الحبوضي وقتل صاحبها سالم بن إدريس وقتل معه يومئذ نحو من ثلاثمائة رجل وأسر خلق كثير. وكن السبب في ذك حدوث مجاعة عظيمة وقحط شام وقع في بلد حضرموت. فما قبل صاحبها إلى سالم بن إدريس وطالبوا منه ما يدفعون به كل تلك السنة عنهم وسلموا إليه مصانع حضرموت وحسنوا له ذلك ورغبوا له في فأجابهم إلى ما طلبوا وخرج معهم إلى حضرموت لثمام ما قد شرعوا فيه وهو أمر لم يسبقه إليه أحد من آبائه ولم يعلم دهاهم ولا مكرهم. فلما أخذوا منه جميع ما طلبوا سلموا إليه المصانع فقبضها وعاد إلى ظفار. ورأى أنه قد أفلح وأنجح. وإن حضرموت قد صارت تحت يده وفي قبضته. فلما رجع إلى ظفار مال أهل حضرموت ميلةً واحدةً إلى مصانعهم فأخذوها طوعاً وكرهاً ولم يكن دونها حائل يحول بينهم وبينها فأصبح لأمال ولا بلد وكاد يهلك أسفاً على تضييع أمواله في غير مواضعها فاتفق من القضاء المبرم أن مولانا السلطان الملك المظفر رحمه الله عليه ندب سفيراً إلى ملوك فارس بهدية جيدة وصحبته جماعة من التجار فصرفتهم الريح ورمت بهم إلى ساحل ظفار فقبضهم سالم بن إدريس وقبض ما معهم من الهدية والأموال والبضائع وسوَّلت له نفسه أن هذا جبران ما فات عليه في حضرموت فراسلهً السلطان بذلك وكاتبهُ وقال لهُ لم يجر بذلك عادة من اهلك ونحن نحاشيك من قطع السبيل وأنت تعلم ما بيننا وبين والدك وما بيننا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وبينك والمكانة يننا وغير أنا نتأدب بآداب القرآن الكريم قال الله تعالى) وما كنا معذبين حتى نبعثَ رسولاً (فازداد غلظةً وجهلاً ورجع الجواب يقول فيه هذا الرسول وأين العذاب وغير ذلك من الجهل ثم لم يكن بعد ذلك إلا أنه أفسد صاحب الشحر راشد بن شجيعة وحملهٌ على العصيان فمال إليه هرباً من الخراج الذي عليه لصاحب اليمن وكان عليه خراج معلوم يحمله في كل سنة إلى الخزانة المعمورة فكان حتفه في سوء رأيه: والأمر لله رُب مجتهدٍ ... ما خاب إلا لأنهُ جاهدْ ومتق والسهام مرسلةُ ... يجيص عن حائص إلى صارد فخرج الأمر غقيب ذلك إلى والي عدن وهو الأمير شهاب الدين غازي بن المعمار بالتقدم إلى ساحل ظفار بالسواقي والرجال فوصل ظفار ولم تكن حرب طائلة ثم عاد إلى عدن المحروسة. فلما رجع ابن المعامر من ظفار نهض سالم بن إدريس وسولت له نفسهُ الغارة على ساحل عدن ولم يكره ذلك صاحب الشحر. فوصلت غارته في البحر إلى الساحل ساحل عدن وكان السلطان يومئذ في الجند فاستنكر الناس ذلك الأمر من سالم بن أدرس إذ لم يقدم على مثله صاحب الهند ولا الصين ولا ملوك فارس فاستشاط السلطان غيظاً وخرج أمرهُ بعمرة الشواني والمراكب والطراريد وأنواع مطايا البحر وتقدم ركابه العالي إلى ثغر عدن المروس والمقدمين وانفق من الذهب والفضة ما يزيد على عدد الحصى وجهز الأمراء والمقدمين والعساكر المنصورة من الخيل والرجل وملأ البر والبرح خيلاً ورجلاً وأزواداً وسارت العساكر ثلاث فرق فرقة في البحر وهم معظم الرجل فيهم الشيخ فارس بن أبي المعالي الجزائري والشيخ محمد بن محمد بن ناجي والشيخ الهمام بن علي بن غواص المليكي وشمس الدين بن المكبوس والشيخ بدر الدين حسن بن علي المذحجي وهو أكثرهم جيشاً. وكان المقدم على أهل البحر الأمير سيف الدين سنقر الترنجلي نقيب المماليك البحرية. وسارت الفرقة الثانية مع الشيخ بدر الدين عبد الله بن عمرو بن الجنيد وهم العرب وكانوا ثلاثمائة فارس ساروا على طريق حضرموت قهراً على رقاب أهلها وهي مشحونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 بقلاع بني الحبوضي وأحلافهم ولم يكن في تلك الجهة من أحلاف السلطان إلا أبا شماخ والشيخ عمر بن علي بن مسعود وفيهم أيضاً ميل إلى بني الحبوضي. قال صاحب العقد الثمين وبلغني أن الشيخ بدر الدين عبد الله بن عمرو بن الجنيد وأصحابه ما فارقوا الحرب ليلةً واحدةً حتى عبروا حضرموت وما زال أصحابهُ تخلفون عنهُ حتى وصل إلى ظفار الحبوضي في مائة فارس وثلاثة عشر رجلاً بعد خمسة اشهر من يوم خرجوا من صنعاء. وسارت الفرقة الثانية عن طريق الساحل وهم أربعمائة فارس من المماليك البحرية وحلقة السلطان. وكان مقدم المماليك الأمير حسام الدين لؤلؤ التوريزي وهو أمير العلم المنصور والمقدم على الحلقة الأمير فيروز وكان المقدم على الجميع الأمير شمس الدين أردمر أستاذ دار وقال له السلطان أنت تقتل سالماً أن شاء الله تعالى فأني رأيت فيما يرى النائم أن حيةً عظيمةً خرجت إليَّ من كوة فقلت لك اقتلها يا أردمر فقتلها وعدت إلى مقامك. وكانت طريق الأمير شمس الدين صعبة وعرة لأنها في شواهق الجبال وجبال من كثب الرمل فكان يسير هو ومن معه أضعف السير والمواكب في البحر تسير معارضة لهم فإذا بعدت بهم الطريق فيستريحوا لأنهم يتناولون من المراكب ما أرادوا من الطعام والتمر وسائر الحبوب والحوائج خانات ثم أنواع السلاح من القنا والسيوف والزرد والبيض والخفاتين والسقي والسهام والتراس والأوضاف ومن نعال الخيل واللجم وسائر أنواع العدد على اختلاف أحوالها من المنجنقيات ستة بجميع عددها وآلتها ورجالها وأحجارها. وقال بلغني أنه رست عليهم في البحر ألف قطعة والقطعة عبارة عن الجوالق العظيمة من أنواع الشحن فما فقدت ثم كانت الأسواق في البحر قائمة كأعظم ما يكون من أسواق المدن وفيها من أصناف الطباخين والخبازين وأرباب الصناعات ولم تزل كل فرقة تسير على حسب ما يمكنهم من السير حتى جمع الله بينهم في يوم واحد على بندر ريسوت. هكذا ذكر صاحب العقد الثمين فأقبلت مطابا البحر من الشواني يقدمها الحواسك والسنابيق كأنها العقبان. ثم أقبلت الطرابيد وهي المركب الأعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وقدامها السفن وكأنها بعض الملوك والسيوف مسلولة والإعلام منصوبة والطبلخانات راجفة. وفي هذه الطريدة الخزانة السعيدة ومبلغها أربعمائة ألف. وأما القماش من البندقي والسوسي والموصلي والزبيدي شيُ لا يحيط به الحصر فلله دره من ملك ملأت البر والبحر كتائبه ووسعت العرب والعجم مواهبه ورغائبه وبالله أنه أحق قال عمرو بن كلثوم التغلبي حيث يقول ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وظهر البحر نملؤُهُ سفينا ولما اجتمعت العساكر المنصورة في بندر ريسوب كانت الخيل خمسمائة فارس والرجل سبعة آلاف راجل فقال بعضهم لبعض قد رأيتم ما نحن فيه من إنفاق الأموال وركوب الأهوال والتواني حينئذ منا عجز وخور ولم يبق إلا الحزم والعزم فساروا حتى بلغوا عوقد وهي محلة من محال ظفار فارجف عليهم بأن خيل حضرموت وصلت إلى ظفار وكذلك خيل البحرين فتذامروا فيما بينهم وقالوا إنما جئنا للقتال لا لغيره وأين تعز منها ولم يكن ظنهم أن سالم ابن إدريس يبرز إليهم فينا هم كذلك إذ أقبلت عساكر ظفار يقدمها سالم ابن إدريس فلما رآهم العسكر المنصورة تأهبوا للقائه فصف لهم على بعدٍ من المدينة وصفوا له. فكان الشيخ عبد الله بن عمر بن الجنيد وأصحابه في الميسرة وكانت الحلقة في الميمنة وكان الأمير شمس الدين أردمر في القلب ولم يكن بأسرع من أن التقوا واصطدموا صدمةً واحدةً فجالت العساكر المظفرية جولة واحدة ابتلعت منها نحواً من خمسين فارساً. ثم كانت الهزيمة فما نجا من أهل ظفار إلا من استأسر فقتل منهم نحواً من ثلاثمائة قتيل وأسر منهم نحواً من ثمانمائة أسير وأخذ من العبيد ما شاء الله. وقتل سالم بن إدريس فيمن قتل ولم يكن له قاتل واستبق الناس إلى باب ظفار. وكان الأمير شهاب أحمد بن أردمر قد تركه أبوه في المحطة فجاءَ العلم منهً ليلاً إلى أبيه والأمراء مجتمعون على باب المدينة بان رأس سلم بن إدريس قد صار عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقيل بل عرف أخوه موسى مصفحة وملوظته فقال هذا مصحف أخي وما أظن أخي إلا مقتولاً فطلبوه بين القتلى فوجدوه قتيلاً فحمل وقبر بعد أن أخذ رأسه. وكانت الوقعة يوم السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة. وطلب أهل ظفار الذمة فأذم لهم الأمير شمس الدين أردمر ودخلت الأعلام السعيدة المظفرة مدينة ظفار يوم الأحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور. ووقع العفو عن الناس كلهم ولا يؤخذ لأحد منهم شيء واختطب الخطباء على منابر ظفار بالألقاب الشريفة المظفرية في يوم الجمعة الثالث من شهر شعبان. وتسلم العسكر السلطاني مدينة شيام في حضرموت يوم الثامن من شهر رمضان وقبض كافة بني الحبوضي يوم السادس والعشرين من شهر رمضان من قصر ظفار وأرسل بهم الأمير شمس الدين أردمر إلى الأبواب الشريفة فأمر السلطان بحملهم إلى زبيد فلم يزالوا تحت الصدقات السلطانية حتى انقرض آخرهم ولم يبقَ منهم أحد في وقتنا هذا. ولما افتتح السلطان رحمهُ الله مدينة ظفار في التاريخ المذكور كما ذكرنا وقتل سالم بن إدريس ارتعدت الأقطار القصية هيبةً للسلطان وامتلأت من خوفه قلوب ملوك فارس وأصحاب الهند والصين لما رأوا من علو همتهِ وعظيم نقمته. أرسل صاحب عمان بهديته فرسين ورمحين إلى الأمير شمس الدين أردمر وهو يومئذ في ظفار ووصلت هدايا صاحب الصين ووصل صاحب البحرين إلى زبيد ورتب الأمير شمس الدين أردمر في ظفار نائباً وهو الأمير سيف الدين سنقر الترنجلي وجعل الحسام التوريزي معه وعدهُ من مشاريخ العرب ومقدمي الرجل وعاد إلى اليمن. وقال صاحب السيرة المظفرية يمدح الملك المظفر من قصيدة طويلة منها هذا فاسأل به الأيام فهو عقيدها ... والعلم فهو مصنف ومؤَلف واسأَل شَبَام وحضرموت ومن بها ... أَو عبد يوسف صادق أَم مخلف أَم راضها بالسيف اغلب لم يزل ... للحق ينصف والأَعادي ينسف إذا أصبحت ببقاع حريم خيلهُ ... كالطير للمهج الكرائم يخطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 يرمي العدى بشواظ كل مثقف ... فيهِ لمعوجّ الطغاة مثقّف فهناك ما بيتُ نعى بتهامةٍ ... إلا بسيف أبي الممهد تقطف من لا يفوت عليهِ نيل مرامةٍ ... لو أنه خلف الكواكب يقذف هو في الأعابد كالأقارب حاضرُ ... كالشمس من كل المطالع تشرف ومن الملوك الصيد تحت لوائهِ ... فرق وأُخرى في حديد ترسف ليست ظفار بمعظم في ملكه ... بل في مواهبهِ تهون وتضعف كالبحر ليس يزيد في أمواجه ... نهرُ وليس يضرُّهُ من يغرف أظفار بدع من مدائن حازها ... بالسيف لا تحصي ولا هي تحصف أَم تلك بدع من حصون شواهق ... تبدو فتنكر في النجوم وتعرف ألقت بساحتك الرحال ملوكها ... فبظل بابك شملهم متأَلف أَدنيت قاصيهم فككت أَسيرهم ... أَلبستهم أَمنت من يتخوَّف هي عادة لك من قديم لم تزل ... للذنب تغفر والشدائد تكشف كم من ملوكٍ قد أضعت دماءَهم ... لما عصوك ولم تُضِع من خلفوا قال صاحب العقد الثمين وقال أخوه كندة مهنئاً للسلطان الملك المظفر رحمة الله عليهِ: بسم الله الرحمن الرحيم) فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين (مطالع صدق بالنصر نورها. وتباشير صدق تضاعف على العالمين سرورها. وسطوات ملك دفع من البدعة بطلها. وجيوش نصر عقدت الأرض لمشارق قساطلها. وهدمت من ربوع البغي منزالها. حتى حلت الخسار. ونزلت بوائق البوار. بمن نهض فلم يقدر. وزاحم فلم يصبر. فالحمد لله الذي حبا لمولانا المقام الأعظم السلطاني العالمي العاملي الجوادي الرحيمي الملكي المظفري خلد الله ملكه في عصور الأزمان ومعاطف الملوان وهذا الفتح المبين. واخمد بسيفه نار المبطلين. وليست ببكر لم يرَ الناس مثلها ... ولكن علوان كان مثل لها قبلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وحين وردت البشارة وضح الحق للمرتابين. وازدادت طمأنينة قلوب المطمئنين. وعاين الناس هاماتٍ مقطعة ... جاءت من البحر تسري بين أمواج تؤُمها هامةُ كانت متوَّجةً ... أَودى بها الملك الصنديد ذو التاج ساق المظفر جيش النصر من عدَن ... يأْتم في البحر أفواج بأفواج وأَفعمَ البرَّ حتى ضاقَ واسعهُ ... بجحفلٍ لجب الأصوات عجَّاج من كل معاجةٍ تعدو وتسكنها ... وكل نهدٍ حموم السد معاج كتائبُ لأبي المنصور ما فترت ... لفرط أينٍ وتهجيرٍ وأدلاج تشق في فلوات البيد سابحه ... بحراً من الرمل إلا أنه ساج يا طول ذلك من جلٍّ ومرتحل ... وكثر شدٍ والجام وأسراج حتى وردت ظفاراً بعد ما نبذت ... ما في البطون من أفلاءٍ وأمشاج وبعد أن عقدت في عوقد فتناً ... ما كان سالمها بالسالم الناج ما أنعلت ثم حتى منهم انتعلت ... نصالكم من دم الأجواف ثجاج تعساً لسالم من غاوٍ لقد سلكت ... بهِ الغواية نهجاً شرَّ منهاج فصار مورد أمرٍ غير مُصْدِره ... وصار ولاَّج حربٍ غير خرَّاج أضحت بعوقد منهُ جثة طرحت ... والرأْس في كل أرض فوق معراج رام المضاهاة جهلاً فاعتدى سفهاً ... ولا مضاهاة بين الدرّ والعاج ولا زالت الثغور معمورة. والجيوش مؤيدة منصورة. وعقود التهاني منتظمة السلوك. والجنود المظفرية قافلة بجماجم الملوك. ما همر ركام. وسجع على فروع الأيك حمام. ولما افتتحت ظفار كما ذكرنا انقادت حضرموت فجعل السلطان أميرها محمد بن محمد بن ناجي فأقام مدة ثم رجع إلى تعز فقيل له كيف عاملت أصحاب حضرموت قال لما حللت بشبام زاحمني رجل يقال لهُ يماني أعظمهم رجلاً فجمع عسكراً عظيماً لقتالي وجمعت أيضاً عسكراً لقتاله وطاولته في الحرب حتى انفق ما كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 عندهُ من صامت وناطق ولم يبقَ عندهُ شيءُ وكنت استمد من مولانا السلطان فلما لم يجد شيئاً ينفقه على من معه وصلني بنفسه فلما أناخ بعيره على باب داري ودخل الحاجب يستأذن لهُ فقلت لهُ يصل. فلما دخل عليَّ قال لي أعلم لما أردت الخروج إليك أشهدت جماعة أهل بيتي إني عل ذمة ابن رسول وذمتك يا محمد قل فقلت لهُ وهما عليك ثم أكرمتهُ وأحسنت إليه وجعلت لهُ موضعاً بكفيه وعاد إلى أهله على أحسن حال فجرى على ذلك النمط أربعة أقوام أحاربهم حتى يؤدوا أنفسهم إليَّ وبعد ذلك لم يرفع رأسه إليَّ أحد من أهل حضرموت. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو محمد سعيد بن أسعد بن علي الحراري واصل بلده قرية المراح في راس وادي نخلان وكان حافظاً لكتاب الله تعالى في ذي أشرق وكان حسنَ الصوت والخط فاستدعته الدار النجمي إلى ذي جبلةَ فصار بينهم معلماً عندهم. وكان السلطان الملك المظفر يختلف إليهم في أيام أمريته فحصلت بينهم وبينه معرفة فلما صار الملك إليه سأل من عمته الدار النجمي أن تؤثره به ففعلت فجعله معلماً لولده الأشرف فنال نصيباً وافراً من الدنيا وكان كثيراً ما يصدهُ عن أمور غير لائقة. فلما توفي ترحم عليه الأشرف وقال لقد كان يردنا عما لا يليق بنا. وهو الذي عمل الحوض الأسفل من النقيلين وجرَّ إليه الماءَ. وكان الغالب عليه الخير وصحبه الفقيه إسماعيل الحضرمي وأمثاله. وكانت محاضرة عند الأشرف جيدة وتأهل بامرأة من أهل السمكر واستوطنها. ولم يزل بها إلى أن توفي في شهر شوال من السنة المذكورة وكان له ثلاثة أولاد أكبرهم عمر خدم الأشرف سنتين. ثم صحب الفقيه أبا بكر التعزي الآتي ذكره وشغف به فترك الخدمة وتزهد وبعد ذلك سلك الطريق المعتادة. واشتغل بالزراعة وغيرها إلى أن توفي لعشر بقين من جمادى الأولى من سنة سبع وسبعمائة. وكان أخوه اسمه عل بن سعيد وكان كثير التلاوة للقرآن. واعتزل الناس حتى توفي سنة ست عشرة وسبعمائة. وكان اسم ابنه الثالث محمد رحمهم الله. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو زكريا يحيى بن عثمان بن يحيى بن فضل بن اسعد بن حمير بن جعفر بن أبي سالم المليكي. وكان ميلاده آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 نهار الجمعة الخامس من شهر صفر من سنة سبع عشرة وستمائة. وتفقه بابيه. وكان فقيهاً خبيراً كاملاً عارفاً ورعاً فاضلاً. واليه انتهت رئاسة التدريس بعد إيابه وكان ذا دين. وورع وزهد وفضل وكرم نفس درس في المدرسة الشرقية في جبلة وكان يطلع بلده أيام الحصاد فيقف شهرين هنالك. ثم يقطع من نفقته في المدرسة نصف الشهري بغيبته عن المدرسة. وإذا قبض ما يستحقه إنما يصرفه على المحتاجين من طلبة العلم. ولم يزل على أحسن سيرة إلى أن توفي في النصف من صفر من السنة المذكورة. رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وسبعين كانت الفرحة السعيدة فاستدعى السلطان رحمه الله الأمر علم الدين سنجر الشعبي إلى محروسة زبيد. واستدعى كافة الأشراف الحمزيين إلى أبوابه السعيدة. فلم يصل منهم إلا الأمير جمال الدين علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة. والأمير عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة. واعتذر الأمير صارم الدين داود بن الإمام. وسائر الشرفاء. فلم يزل الأمير عز الدين والأمير جمال الدين على الأبواب الشريفة بسبب الفرحة كما ذكرنا. فقبض الأمير صارم الدين داود بن الإمام عبد الله بن حمزة حصينهما. وكان لعز الدين تعز صعدة. فطلع الصاحب بهاء الدين محم بن اسعد العمراني محاكماً للأمير صارم الدين داود فحط بالجنان بالنون وكان الأمير صارم الدين بالمصنعة الجبل المطل عليها. فكانا يلتقيان على الثالث والرابع. والأمير علم الدين في صنعاء فلم يتم بينهم أمر ورأى الصاحبي من تعجرفهم وأدلالهم بكثرة عساكرهم وسوء فعالهم ما غاظه فكتب إلى السلطان يعلمه بذلك. فرد جواب السلطان يقول أن لم يدخلوا فيما قد شرطوه فانبذ إليهم وأشعرهم النقض فتوقف الصاحب عن النقض رجاء أن يعودوا ورجع إلى اليمن. وفي هذه السنة استعاد السلطان حصن كوكبان من الخواليين بحصن ردمان واثنين وعشرين ألفاً. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن أحمد بن أسعد الأصبحي الفقيه الخطيب وكان فقيهاً صالحاً ذا دين وصلاح وورع وكان خطيب القرية المعروفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بالذمتين. وكانت وفاته ليلة الجمعة لست بقين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وهو والد الفقيه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي صاحب المعين. وسأذكره في موضعه أن شاء الله تعالى. وفي سنة ثمانين وستمائة وقع النقض بين السلطان والأشراف فنزول الأمير جمال الدين علي بن عبد الله والأمير عز الدين محمد بن أحمد بن الإمام إلى الأبواب الشريفة. فلم يزالا هنالك حتى انفصل أمرهما على تسليم حصينهما المنقاع وتعز صعدة. فقبضهما نواب السلطان في المحرم أول سنة إحدى وثمانين وستمائة. وفي هذه السنة المذكورة اعني سنة ثمانين وستمائة. توفي الفقيه الإمام الحافظ أبو الخير بن منصور بن أبي الخير الشماخي السعدي نسباً الحضرمي نزيل زبيد. وكان فقيهاً إماماً حافظاً عارفاً. أدرك جماعة من الأكابر وأخذ عن أصحاب السلعة بمكة كابن الجميزي بجيم مضمونة وميم مشددة مفتوحة وياء مثناة من تحتها وبعدها زاي ثم ياء النسب. وأخذ عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عراف صاحب احور عن يحيى بن أبي نصير الطفاوي عن الإمام القلعي وتطلع على علوم كثيرة منه الفقه والنحو واللغة والحديث والفرائض والتفسير. وصنف ما يدل على جودة معرفته. وأخذ عن الإمام بطال بن أحمد الزكي. ولم يكن في آخر عمره نظير في جوده العلم وضبط الكتب بحيث لا يوجد له في آخر عمره نظير في الضبط. قال الجندي أخبرني في جماعة ممن أدركه أنه كان لا يوجد إلا وعنده كتاب ينظر فيه ومحبرة وأقلام يصلح بها ما وجد في الكتاب من غلط أو سقط أو تصحيف وكانت وفاته بزبيد في سنة ثمانين وستمائة وعمره يومئذ سبعون سنة وجمعت خزانته من الكتب ما لم يجمعه أحد من نظرائه. ويقال أنه كان فيها مائة أم سوى المختصرات والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الكبير يحيى بن عبد الله بن الفقيه الكبير محمد بن يحيى. وكان فقيهاً محققاً ذا كرامات ومكاشفات وبه تفقه جمة كثير وقصده الطلبة من نواحٍ شتى وقصده فقهاءُ تعز. وكان رأسهم يومئذ أبو بكر بن آدم الجبرتي الذي تقدم ذكره فأَخذوا عنه البيان. قال الجندي وكانت وفاته على طريق البيت سنة ثمانين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وستمائة. أخبرني بذلك فقيه جبار وحاكمها والله أعلم. وفيها توفي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن منصور الجنيد وكان فقيهاً تقياً خيراً تفقه بحسن بن راشد وبعمر بن يحيى وغيرهما ثم امتحن بقضاء ذي اشرق واليه انتهى تدريسها فذكروا أنه كان يوماً جالساً في مجلس التدريس فقال لأصحابه اليوم نحن فقهاء وغداً نكون صوفية. فلما كان من الغد قدم عليه رجل من أهل بعدان صوفي من أصحاب الشيخ عمر بن المسن يقال له جبريل فقال له يا علي كن معنا ومد يده إليه فحكمه ثم نصبه شيخاً وأَذن له في التحكيم. وكان الفقيه أبو بكر التعزي يومئذ في أول ظهوره وتعرضه للشهرة. وتظاهر بصحبة الصوفية ومحبتهم. وكان يومئذ شاباً فوصل إلى هذا الفقيه وتتلمذ له وكان من اظرف الناس في اجتلاب القلوب إليه فاحبه الفقيه علي لأنه يتواضع له ويعظمه ثم اجلبه إلى تعز وتلطف له بتدريس المدرسة الأسدية في معزية تعز. فأَجابه إلى ذلك. فنزل ودرس بها مدة ولم يزل إلى أن توفي في مستهل ذي الحجة من السنة المذكورة والله أعلم. وفيها توفي الفقيه أبو بكر بن عبد الله الريمي وكان فقيهاً كبيراً تفقه بعلي بن قاسم الحكمي. وتفقه به جماعة كثيرون كأحمد بن سليمان الحلمي وعمه عيسى وغيرهما فكانت وفاته في السنة المذكورة تقريباً. قاله الجندي قال وخلف ولدين فقيهين هما عبد الله ومحمد. فكان عبد الله معيداً فيها مدة ثم حصل عليه بن أيمن وجعل مكانه الفقيه محمد بن أبي بكر الناشري ليستعين به في نيابة الحكم إذا خرج إلى بلده والله أعلم. وفيها توفى السلطان أبو السمو العلاء بن محمد بن العلاء الوليدي الحميري قال الجندي واصل بلده عفينة بفتح العين المهملة وكسر الفاء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون وآخر الاسم هاء وهي من معشار تعز سكنها جماعة من قومه يعرفون بالأحاصر أهل رياسة مباثلة وانتقل إلى السمكر وكان يختلف إلى الجند وزيران وجبلة والى تعز ونواحيها وجبا. فأَخذ في أجند عن ابن المبردع وغيره وأخذ بزيزان عن ابن رفيد وبتعز عن علي السردي وغيره وبنواحي جبا عن أحمد بن علوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وبجبلة عن محمد بن مصباح وكان رجلاً صالحاً بورك له في دينه ودنياه وكان الشيخ أحمد بن علوان يثني عليه وبوده وأجازه في جميع مقروءَاته ومسموعاته ومنظوماته ومنثوراته. ومن عظيم ما كان بينه وبين الشيخ أحمد بن علوان من الألفة والمحبة أنه متى انقطع عن الوصول إليه والزيارة له وصله الشيخ إلى السمكر وأقام عنده أياماً. قال الجندي توفي على رأس ثمانين وستمائة وهي السنة المذكورة. وفي هذه السنة أيضاً توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله الحسين بن علي بن عمر ابن محمد علي بن أبي القسم وكان مولده لخمس بقين من جمادى الأولى من سنة ثمان وستمائة تفقه ثم غلبت عليه العبادة. ويروى أنه في أيام قراءَته ترتب في مدرسة عومان مع الفقيه يحيى بن سالم فذكروا أنه باع شيئاً من كليته بدراهم ثم ربطها في طرف ثوبه ثم احتاج أن يأْخذ شيئاً منها لبعض الأمر فلما فتح عنها وجدها عقارب فلفظها من ثوبه ولم يعد بعد ذلك إلى أخذ طعام المدرسة. وكان يكثر زيارة القبور ومتى صار في طرفها خلع نعليه وحملهما في يده ولم يزل على أحسن صورة إلى أن توفي يوم الخميس ثامن عشر المحرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح يعقوب بن محمد التربي نسبة إلى قرية من قرى وادي زبيد يقال لها التربة بضم التاءِ المثناة من فوق وسكون الراءِ وفتح الباءِ الموحدة وآخر الاسم هاءُ. ثم انتقل إلى موزع فتفقه بها على الفقيه بكر بن علي بن يحيى وكان على طريق الورع الكامل يزار للتبرك وينتفع به. وكان يدخل على نساء العرسانيين للشهادة في النكاح وغيره ولما اقطع السلطان المظفر ولده الملك الواثق موزع وكان قد نزل إليها فأقام بها مدة بلغه علم صلاح هذا الرجل فزاره إلى بيته نهاراً فلم يشعر الفقيه حتى قيل له هذا الملك الواثق صاحب البلد على الباب يستأذن عليك في الزيارة فأذن له فلما وصل سلم عليه فرد عليه الفقيه السلام ورحب به فسأله الدعاءَ فدعا له ثم خرج فتعب الفقيه من ذلك اشد التعب. ثم سأَل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 تعالى ان ينقله فلم تطل أيامه بعد ذلك فتوفي. وكانت وفاته في السنة المذكورة تقريباً كما قال الجندي والله أعلم. وفيها توفي الشيخ الفاضل عمر بن الشيخ الصالح مدافع بن أحمد بن محمد المعيني وكان محبوباً عند أبيه ونال منه حظّاً وافراً. وكان لا يقصده أحد بسوءٍ إلا وبلي بلاء ظاهراً. وكان من المترفين يلبس الثياب الفاخرة. ولم يزل مجللاً محترماً عند السلطان إلى أن توفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وكان والده الشيخ مدافع بن أحمد ممن فتح اله عليه بالدين وأخذ يد التصوف عن الشيخ ابن الحداد نحو أَخذه عن الشيخ الجليل عبد القادر الجيلاني. وكان مدافع بن أحمد ممن اجتمع الناس على صلاحه وكماله. ولما فقد الشيخ أبو العيث بن جميل شيئاً من أحواله وصل إلى الشيخ مدافع وأَقام عنده في قرية الوجيز في مسجد قريب من بيته فأعاد الله عليه ما فقده وصحبه جماعة من أعيان الصوفية كعثمان بن سادح وعلي المرميمة وعمران الصوفي من عبلة وغيرهم. وكان الملك المسعود ابن الملك الكامل يومئذٍ صاحب اليمن من قبل أبيه وكان كثيراً ما ينزل من الحصن فيقف في الميدان أَو في المطعم يطعم الجوارح الصيدية فرأَى العسكر يروحون طريق الوجيز فسأَل عن ذلك فقيل لهُ انهم يروحون لزيارة رجل من الصوفية كبير الحال فبحث عنهُ فقيل لهُ أنهم يروحون لزيارة رجل من الصوفية كبير الحال فبحث عنهُ فأُخبر أن لهُ قبولاً عظيماً عند سائر الناس فأَحب أن يطلع على أمره واظهر أن غرضهُ زيارتهُ ووصل إلى بابهِ. وكان من عادة الشيخ مدافع أنه لا يجتمع بهِ أحد من الناس من أّذان الصبح إلى قريب من الزوال فوصل الملك المسعود إلى بيت الشيخ والشيخ مقبل على صلاة الضحى فوقف على الباب ينتظر الأذن والشيخ في صلاتهِ لم يعلم بوصوله فلما طال وقوفه على باب الشيخ وكلما خرج أحد من الفقراء قال الشيخ مشغول والساعة يخرج. اغتاظ من ذلك ورجع قبل أن يعلم به الشيخ وتوهم أنه ربما حدث منهُ ما حدث من رغم الصوفي فأمر بقبض الشيخ مدافع فقُبض وكان قبضهُ في عشرة رمضان من سنة سبع عشرة وستمائة فأقام محبوساً في حصت تعو إلى سلخ شهر ربيع الأول من سنة ثماني عشرة وستمائة ثم سفر به إلى الهند فدخل بلد الدنيول فأقام بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 شهرين وثلاثة أيام ثم خرج منها لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثماني عشرة وستمائة ثم دخل ظفار فأقام بها ثمانية عشر يوماً وتوفي هناك رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وثمانين طلع الأمير جمال الدين علي بن عبد الله وخرج الأمير علم الدين الشعبي في عسكر وساروا جميعاً إلى الظاهر فحط الأمير على الدين الشعبي على الكولة وشرع في عمارتها ومعه الأمير عز الدين وحط الأمير جمال الدين علي بن عبد الله على حصن كحل وأشيح الظاهر الأعلى فأخذهما في اقرب مدة وعاد الأمير علم الدين إلى محطته وقد رتب في الدخصة والحبسيين والذروة بعض النقاء في عساكر جيدة. ثم رتب الشريف علي بن عبد الله بالكولة مائة فارس وألف رجَّال وأضاف إليه سائر الرتب ونزل هو والأمير علم الدين نحو سوانة ولم ينقل الأمير علم الدين محطته من الكولة إلا بعد سنة حتى استقامت أمور الرتب على ظفار من الناحية العليا ثم نهض إلى الناحية السفلى في سوانة هو والأمير عز الدين فعمر درب سوانة وشحنه ورتب فيه الأمير عز الدين في الناحية السفلى. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير شمس الدين علي بن يحيى العنسي نسبة إلى عنس من مذحج بنون وهي من قبيلة كبيرة من قبائل مذحج. وكان لهُ من السلطان نور الدين مكانة عظيمةُ وحمل طبلخانة وقطعهُ إقطاعاً جيداً وكان السلطان نور الدين ابن عمتهِ وقيل ابن أخته ولم يزل معززاً مكرماً إلى أن توفي المنصور واشتغل الملك المظفر بالملك فمال إلى أولاد عمه أَسد الدين وأخيه فخر الدين فلما لزم فخر الدين وحبسه المظفر كما ذكرنا أولاً كتب إلى أسد الدين يحثه على القيام واستنقاذ أخيه من السجن ويقول لو كنت تعلم يا محمد ما جرى ... لشَنَنْتها شعث النواصي ضُمَّرَا جرداً تراها في الأَعنَّة شُرَّباً ... تفري السباسب والنبات المقفرا ترمي بها دربي تعزّ على الوجى ... لتقيم عذراً أَو تشيّد مفخرا فأجابه ابن دعاس بأبيات احسن منها لا اذكر منها إلا بيتاً واحداً قوله انظر إلى عدنٍ أطاعت أمرهُ ... والى تعز ومكةٍ أم القرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ولما بلغ شعر علي بن يحيى إلى السلطان الملك المظفر تغافل عنهُ وأبقاه على حاله إلى أن مات المنصور وهو عليها وفي نفسهِ شيءُ عظيم فلما كانت سنة ثمان وخمسين تعب أسد الدين من كثرة الخلاف على ابن عمه وخشي من العرب القتل أو الأسر فأرسل إلى السلطان يريد الصلح فطلب السلطان يومئذٍ الأمير شمس الدين علي بن يحيى وأرسلهُ إلى أسد الدين ليسعى في الصلح بينهُ وبين السلطان فطلع إليه رسولاً بسبب الصلح فنزلا معاً. وكان السلطان يومئذٍ في زبيد فلما وصلا إلى زبيد أخلى لهما موضعاً من الدار فنزلا فيه ثم أمر بالقبض عليهما في آخر يومهما ذلك فقبضا. وأرسل بهما إلى حصن تعز ولم يزالا في السجن إلى أن توفيا رحمة الله عليهما. وكان علي بن يحيى رجلاً كريماً شاعراً فصيحاً وكان يحب الفقهاء والصالحين ويحسن إليهم كثيراً وكان مع صحبتهِ لهم يتواضع لهم ويتأَدب معهم ويقبل شفاءتهم وكان مهما أمره به الفقيه ائتمر. وكان الفقيه يدعو له ويذكره بالخير فقل للفقيه إذا هذا رجل ظالم فقال أن دخل علي بن يحيى النار فإنها صحبة حمار بن والله لا مات إلا طاهراً مطهراً فقيل له وما تطهيره قال القيد والحبس فتما عليه ومات مسجوناً وعلم صدق ألفيه. وكانت وفاتهُ يوم الاثنين سلخ شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وكان قد ابتنى مدرسة في بلده ووقف عليها وقفاً جيداً حاملاً لكل أولاده فلما افتقروا عادوا إليه واستأثروا به والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الله بن أبي بكر بن مقُبل لدين وكان مولده سنة ثمان وثمانمائة وتفقه بجدهِ أحمد وكان زميله في الدرس والقراءَة عمر بن الحداد وعرض عليهِ بنو عمران ولاية القضاء بعدَن وقد كان جدهُ بها فامتنع وكره ذلك وكانت وفاتهُ في قريتهم التي تسمى عرج في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه النبيه جمال الدين محمد بن حسين بن علي بن المحترم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الحضرمي وكان فقيهاً فاضلاً أديباً لبيباً غلب عليهِ فن الأدب وكان خطَّاطاً مجيداً فسأَل المظفر عن رجل يصلح لتعليم ولده المؤَيد فأرسل إليه فاستدعى به وأمره بالتعليم فعلم وأجاد وكان المؤَيد ببركة تعليمهِ من أعيان الملوك عقلاً ونبلاً. وكانت وفاته ليلة الاثنين مستهل الحجة من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الله بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي الحضرمي وكان فقيهاً صالحاً مباركاً ذا كرامات مشهورة. ومن غريبها ما ذكر أنه مرَّ على باب السلطان بزبيد نوَبة خليل تضرب ومن العادة أنه لا يستطيع أحد أم يمرَّ هنالك لا راكباً ولا ماشياً ما دامت تضرب فمرَّ الفقيه راكباً ولم يقل له أحد شيئاً فعجب الحاضرون من ذلك. وكان مبارك التدريس درَّس بالمدرسة الشمسية بذي عدينة من تعز وكانت وفاته في العشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وفيها توفي الإمام الكبير محمد بن نجتح وكان من أمراء الدولة المظفربة ولهُ طبلخانة وإقطاع جيد وهو الذي ابتنى المدرسة المعروفة بالنجاحية بالناحية الشرقية من المغربة في مدينة تعز وأوقف بتعز وأخرى بالجَند وكان كثير فعل الخير والمعروف وامتحن في آخر عمرهِ بالعمى وأقام كذلك مدة ثم توفي يوم الاثنين ثامن القعدة من السنة المذكورة وخلف ابناً اسمهُ " كذا في الأصل عاش بعدهُ سنة وستة أشهر " ثم توفي في جمادى الأولى من سنة ثلاث وثمانين وستمائة ولم يعقب وله ذريةُ من قبل النساء يعرفون ببني السلاح. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن مصباح بن عبد الرحيم الأحولي. وكان فقيهاً فاضلاً زاهداً ورعاً شريف النفس عالي الهمة حسن المقابلة. وكانت وفاتهُ في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتين وثمانين انهدم القصر بصنعاء على الأمير علم الدين سنجر الشعبي فمات هو وجماعة ممن كان معهُ تحت الهدم. وحكى صاحب العقد في كتابهِ قال كنت ممن حضر يومئذٍ في المجلس مع الأمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 علم الدين دخلت إليه يومئذٍ ومجلسهُ يغصُّ بالناس فحضر غداؤُهُ فتغدى الناس معهُ وانقضت حوائجهم وخرجوا ولم يبقَ في المجلس إلا الأمير علم الدين وصهرهُ محمد بن يزيد ومملوكان للأمير صغيران وأبو بكر بن عمار وكاتب الأمير وقاضي الشرع عمر بن سعيد وأنا وأخي علي بن حاتم. فوقفنا إلى أن أذن المؤَذن للعصر فقام الأمير فصلى وعاد إلينا ثم قال لمملوكه احمل الماءَ للجماعة يصلون فطهرنا وصلينا ثم عدنا إلى ما كنا فيه من الحديث فلم نشعر إلا ودخل علينا غبار من أقرب الشبابيك إلى الأمير فقام وسأَل مملوكه ما سبب ذلك الغبار فانتثر علينا غبار وتراب من السقف فهممنا بالخروج فانحطم السقف الأسفل من تحتنا قبل الأعلى وذلك آخر عهد بعضنا ببعض وكان الهدم في أول وقت الظهر فوقفنا تحت الهدم إلى المغرب وكنت اقرأ ما احفظ من القرآن وأدعو بما تيسر من الدعاءِ وأتضرَّع إلى الله ولم يبقَ في خاطري إلا الموت فما شعرت إلا بالمساحي فوق رأسي فكان حسها يقرب قليلاً حتى فتشوا عن رأسي ووجهي فذكرت الله تعالى فاستخبروني عن نفسي فقلت أنا بخيرٍ أن شاءَ الله تعالى فسأَلوني عن الأمير فقلت هو قريب فأخرجوني وحفروا عن الأمير فوجدوهُ ميتاً قد وقعن على رأسهِ خشبة عظيمة واستمر الحفر عن الجماعة فاخرجوا القاضي عمر بن سعيد سالماً وهلك الباقون ولم يصلوا إلى آخرهم إلا آخر الليل. وفي هذا التاريخ كانت وفاة الأمير علم الدين سنجر الشعبي. وكان أميراً شجاعاً فارساً مقداماً لهُ همة عالية ومواقعهُ مشهورة مذكورة في اليمن الأعلى. وكان متديناً متنسكاً محافظاً على الصلوات في أوقاتها سفراً وحضراً مع شدة البرد في الجبال حتى أنه يكون يقال ما يصلي أحد في المحطة إلا الأمير. وكانت تكة شراويله أو سراويله إذا وضعت على المعسر تضع ولدها للفور. وهو من مماليك الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل الأيوبي وإنما سمي الشعبي لأنه كان في بيت المماليك وهو صغير ولم يكن يعرف من فسقهم ولا من شيطنتهم شيئاً فكانوا يسمونهُ شعيباً أي أنه عريُّ لا يشينه شيءُ من أفعال المماليك. ولما وقع هذا الحادث العظيم اضطراب الناس في صنعاء وأعمالها وبلغ العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 إلى الأمير صارم الدين داود بن الإمام فجمع عسكره والمماليك الأسدية وتوسموا قصد الأمير جمال الدين علي بن عبد الله ورفع المحاط عن ظفار فخرج الأمير عز الدين بلبان دويدار الأمير علم الدين الشعبي من صنعاءَ في مائة فارس وخمسمائة راجل إلى البون وجاءَت عيون الأمير صارم الدين إليه بالعلمِ فخرج بعسكره إلى الظاهر الأسفل وعرد عن الظاهر الأعلى ثم سار إلى حوب. ولما وصل العسكر المجرد من صنعاءَ إلى الأمير جمال الدين أغار على الأمير صارم الدين إلى حوب ثم عاد إلى ظفار ثم طلع محطة الأمير فخر الدين بن فيروز في عسكر اليمن إلى صنعاءَ فاستقرَّت المحطة على ظفار بعد ذلك نحواً من سنة. وفي هذهِ السنة توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد ابن علي بن أبي القاسم الرياحي وكان قاضياً مرضيّاً في غاية من الزهج والورع والاقتصاد في مطعمهِ وملبسهِ. وكان مولدهُ في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وأصل بلدهِ إب وكان والدهُ قاضياً بها فلما دنت وفاتهُ حَذَّر ولدهُ محمداً من القضاء فلما توفي والدهُ لم يتعرَّض لهُ امتثالاً لأوامر أبيه لهُ فحدثت عليهم مظالم ومشاق كثيرة فقالت له والدتهُ يا ولدي اذهب إلى سير واعلم قاضي الأقضية بوفاة أبيك وما جرى عليك وعلى اخوتك من العنف والظلم فلعله يجعلك مكان والدك فتستتر عن الظلم فحينئذٍ تقدم إلى قاضي الأقضية وأعلمهُ بوفاة أبيه فعاد إلى البلد فأقام بها قاضياً سالكاً للطريق المرضية. وكان تفقه بمحمد بن مضمون فلما توفي قاضي تعز ابن أبي الأعز بعث إليه وولاَّه القضاء في مدينة إب. وكان القاضي محمد بن علي عالماً عاملاً ناسكاً ورعاً كثير السعي في قضاء حوائج الناس غير متكبر ولا متجبر. قال الجندي أخبرني الثقة عن الثقة أنه رأى القاضي محمد بن علي يمشي حافياً في هاجرة النهار ونعله في يده قاصداً من المعزية إلى ناحية المحاريب في مدينة تعز قال فقلت له يا سيدي لم فعلت هذا قال بلغني عن النبي صلى الله عليهِ وسلم أنه قال) من مشى في حاجة أخيه المسلم حافياً كان لهُ أجر عظيم (أو نحو مما قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ويروى عنهُ أنه خرج يوماً حافياً مقرعاً فلقيه بعض من يعرفه فصافحهُ وسار بسيرهِ لينظر أين يقصد فإذا هو قد قصد بيت أمير بدار الملك المظفر فلما وقف على الباب بادر الخادم إلى الأمير فاعلمهُ بوصوله فخرج الأمير مسرعا وقبل يديهِ ثم قال له يا سيدي لم وصلت وهلاَّ أرسلت إليَّ كنت أصلك فقال القاضي أنا أحقُّ بالأجر فإن ساعدتني كنت شريكي فيهِ فقال لهُ الأمير وما الذي تريد يا سيدي فقال وصلني أولاد فلان وذكروا انك حبست والدهم بالسوية وهم فقراء محتاجون وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مشي في حاجة أخيه المسلم حافياً حاسراً أتاهُ اللهُ أجراً عظيماً فلذلك جئت فقال يا سيدي إنما حبس بأمر السلطان ولا يمكن إخراجه إلا بعد مراجعةٍ ثم استدعى الأمير بدواة وقرطاس وكتب إلى السلطان يعلمه بوصول القاضي إليه حافياً حاسراً وأنه يشفع في فلان وأرسل بالكتاب رسولاً فعاد الجواب من السلطان بإطلاق الرجل ولم يخرج القاضي من بيت الأمير إلا بالرجل معهُ وكان معهُ عند المظفر محلُّ عظيمُ وجاهُ جسيم من طريق الورع والصلاح. قال الجندي وأخبرني الفقيه عثمان الشرعبي وهو الذي علقت عنهُ أخبار هذا القاضي وغيره من فقهاء تعز المتقدمين. قال كتب أهل بلدٍ غير بلدهِ يشكون قاضيهم إلى السلطان الملك المظفر فكتب السلطان إلى القاضي بهاء الدين انظر في أمرهم فالقضاة كلهم في النار إلا محمد بن علي وذلك لما تحقق من ورعهِ بعد البحث الشافي عنهُ على يد من يثقهُ. ومن بعض ما يروى عنهُ أن بعض التجار حضرته الوفاة فاستدعى القاضي محمد بن علي إلى بيتهِ أتاهُ القاضي إلى بيتهِ خلا بهِ وقال لهُ إني بنيت هذا الموضع على يدي بمال جزيل لا أكاد أحصر مبلغهُ وأولادي كما ترى صغار وقد نزل بي ما ترى ولا أستطيع إعلام أحد منهم وقد أعلمتك بهِ لتكون وديعةً عندك فقال لهُ القاضي لا بأس بذلك. ثم أمره أن يوصي إلى رجل خبير بأموره الظاهرة ففعل ثم توفي الرجل وكبر أولاده فأتلفوا ما ظهر لهم من التركة وأرادوا أن يبيعوا البيت من شدة حاجتهم فمنعهم القاضي فأَقاموا مدةً في ذلك الحال ثم بلغهُ صلاحهم فصبر مدَّة ثم أمر من يختبرهم فوجدوهم قد رشدوا فأخبر القاضي بذلك وأتاهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 القاضي إلى بيتهم ففرحوا بهِ وأدخلوهُ البيت ليتبركوا بهِ فقال للأرشد منهم افتح هذا الموضع ففتحه فخرج ذلك المال فقال لهُ القاضي هذا أمانة عندي من والدك إليك لتتصرَّف بهِ على نفسك وعلى اخوتك بالمعروف فسأَلهُ الولد أن يأخذ منهُ شيئاً ويحتسب بهِ الولد من نصيبهِ فلم يفعل. ويروى عن الأمير غازي بن يونس التعزي قال كنت أيام شبابي قاعداً في البيت إذ بطالبٍ يطلبني إلى القاضي فداخلني منهُ فزع عظيم ثم زال ذلك عني لما أعلم من عدل القاضي وحسن سيرته فسرت إليه فحين رآني تبسم فلما دنوت منه سلمت عليه فرد عليَّ بوجه مسفر. ثم قال هل لأبيك من ولدٍ غيرك فقلت لا فقام ودخل بيته وأمرني بالدخول خلفه فدخلت ولم يكن في البيت أحد. فسار أمامي حتى جاء المطبخ فلما توسط أشار إلى موضع وقال لي افتح هاهنا ففتحت فظهر لي أنالا فأخرجته فأَمرني بفتحه فوجدته مملوءاً ذهباً فقال لي خذ هذا المال واحتفظ بنفسك فهو عندي وديعة لأبيك ولم أسلمه آلتيك إلا بعد سؤَالي عنك. وأعلمت انك عاقل رشيد ولا ولد لأبيك غيرك. والحمد لله الذي منَّ عليّ ببراءة ذمتي قبل الموت. وأخباره كبيرة مشهورة. وكان كثير العبادة مصاحبا للعباد. وكان يصحب على الرميمة أحد عباد جبل صبر. ويكثر زيارته ويخبر عنه بأشياء كثيرة. وكان يقول ما على قلبي هم إلا أن أكون في بعض المساجد أو الربط حتى أستفرغ بقية عمري في عبادة الله تعالى. ولم يزل على القضاء المرضي ممتحناً به إلى أن توفي يوم السبت الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن سفيان بن الفقيه أبي القبائل عبد الرحمن بن منصور بن أبي القبائل. وكان مولده لثمان خلون من جمادى الأخرى سنة سبع وستمائة. تفقه بعمر الجرادي وبالصوفي من أهل الملحمة وبابن مصباح وغيرهم. وكانت أمه بنت الشيخ علي بن عجل. وكانت امرأة صالحة قارئة لكتاب الله تعالى ذات مروءَة قدم الفقيه سفين إلا بيني إلى جبلة لغرض الزيارة فعزمت عليه فأدخلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 البيت. وكان نزوله في مسجد السنة. ويقال أنها ولدت ابنها هذا سفين تلك المدة فلذلك لقبه به ويقال أنه خطبها فقال لا أتزوج بعد أبي القبايل أحداً. ولا أغير صحبته بغيره وكان شديداً في ذات الله قائلاً بالحق آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ثم كان بينه وبين الفقيه عمر بن سعيد العقيبي مودة حتى توفي على الحال المرضي في السنة المذكورة وقبر بمحيطان ودفن إلى جنب قبر أبيه. وكانت وفاة الفقيه أبي القبائل في سنة تسع وستمائة رحمهما الله تعالى. وفيها مات الفقيه الصالح عثمان بن محمد بن علي بن أحمد الحساني ثم الحميري. وكان يعرف بابن جعام بفتح الجيم والعين المهملة وتشديدها وبعد الألف ميم وأصل بلده جبلة. وكان فقيهاً صالحاً ورعاً صادق الحديث. وكان يقارض أهل جبلة بأموال جزيلة إلى عدن وكان من خبره منهم لا يسمح به أن يقارض غيره محبة فيه ووثوقاً بدينه وأَمانته وبركاته وكان يجمع ما يتحصل له من ذلك. فلما اجتمع له ما اجتمع اشترى أرضاً فسكنها وبورك له في ذلك رغبة في الحل. ويروى أنه كان إماماً في المدرسة النجمية فظهر له في بعض بدنه جرح استنصر ولم يكد يبرأُ بل لم يزل يسيل منه ماء أو ما يشبه الماءَ فكره الصلاة بالناس لذلك تورعاً فقيل له استنب لك نائباً ببعض نفقتك. فقال لا حاجة لي بذلك ثم عرض عليه الطين والقرية فاشتراهما وكانت القرية غير مسكونة وإنما كان فيها رجل يخدم صاحب الأرض ويحرث له فلما صارت ملك الفقيه انتقل إليها من جبلة وليتني بيتاً وانتقل بأولاده وزوجته ابنة عمران الصوفي. وكان قد تفقه على فقهاء جبلة ولازم الفقيه أَبا بكر بن العزاف أن يطلع معهُ إلى قريته ويسكن معه في المنزل فقال له يا فقيه تقف معي ويكون لك نصف هذه الأرض فلم يوافقه إلى ذلك. وفارقه وصار إلى تعز. وأَقام الفقيه مقبلاً على القراءة والعلم والعبادة منفرداً في تلك القرية إلى أن توفي في سلخ شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وثمانين طلع الملك الواثق إلى صنعاء مقطعاً لها فدخلها يوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وتسلم حصن براش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 صنعاء وقبض على الأمير سيف الدين بلبان العلمي دويدار. وكان قد ظهر منه ما يوجب ذلك. ولما تضايقت الأحوال بالأمير صارم الدين داود بن الإمام عن علي الإمام الحسن بن وهاس القيام معه فأَبى عليه فعرض عليه الإمام مظهر بن يحيى فأبى عليه أيضاً لما يعلمون من قبح سيرته مع الأئمة ومخالفته لهم فعمد إلى ابن أخيه وهو إبراهيم بن الإمام. وكان قد قرأَ شيئاً يسيراً في العلم وليس بكامل الإمامة ولا الغيرة. فأقامه إماماً وأخرجه إلى تلا ولبس به على العامة واجتمع معه عسكر كثير ثم خرج بهم إلى الظاهر فانحاز منهم الشريف علي بن عبد الله إلى جبل المنقاع إذ لم يكن معه من العسكر ما يقاتلهم به فقاتلوا على الكولة والحبسين فلم يظفروا منهما بشيءٍ فقصدوا المثقل والمنارة فأخذوهما قهراً ثم ساروا نحو صعدة فطلب الأمير علي بن عبد الله المادة والعسكر فجهز إليه الملك الواثق الفهد بن حاتم في سبعين فارساً من همدان والأمير شمس الدين أحمد بن ازدمر في ثلاثين فارساً وخمسمائة راجل. فلما وصلوا الكولة إلى الأمير جمال الدين في العسكر المنصور نحو صعدة وكان العسكر يومئذ نحو أربعمائة فارس وألف راجل فساروا حتى دخلو صعدة. وكانت محطة الأشراف تحت تلمص فتراكزوا نحواً من شهرين ووقعت حروب شديدة وعقرت خيول كثيرة من الفريقين. فكان الأمير جمال الدين يعدم الخيل ويطعم الطعام ويتولى الأمور بنفسه ويباشر المحطة ليلاً ونهاراً. وكان السلطان رحمه الله يجهز إليه الخزائن ونفقات العساكر قبل استحقاقها. فعجز الأمير صارم الدين عن مقاومته فخرج هارباً على جبل بني عويمر على سواد عدان ثم على شطب حتى دخل بلاد الشريف علي بن عبد الله معارضاً له حتى حط في الجنات. وفي هذه السنة توفي الإمام الفاضل إبراهيم بن أحمد بن تاج الدين الهدوبي في حصن تعز أسيراً. وكان من الشجعان المشهورين والفرسان المذكورين. وكان يقول شعراً حسناً ومن شعره قصيدة يصف فيها أسره ويعتذر فيها خطب أَلم فأَنساني الخطوب معا ... وصير القلب في أحشائه قطعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 حتى إذا جاء من خلفي ومن قبلي ... عساكر حملوا الأنصاف والقطعا وامسكوا السيف من خلفي مغادرة ... والرمح قد امسكوه والجواد معا وكنت في موضع مستصعب حرج ... لم أَلق فيهِ لسعي الطرف متسعا ثم انتهيت إلى سوح بهِ ملك ... يحل بيتاً من العلياء مرتفعاً فجاد بالعفو والإحسان شميتهُ ... ولم يزل للعلى والجود مصطنعاً وهي أطول مما ذكرت وإنما اثبت منها ما يستدل به على ما فيها. وكانت وفاتهُ في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وقبرهُ في مقبرة تعز معروف يزار ويتبرَّك بهِ وتطلب عندهُ الحوائج رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الإمام أيضاً أبو محمد الحسن بن وهاس الجمزي وكانت وفاتهُ في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة وتوفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أحمد ابن الفقيه اسعد بن الهيثم. وكان مولده يوم الخميس عشرة صفر من سنة تسع عشرة وستمائة. وتفقه بالفقيه أبي بكر بن ناصر وولي قضاء بلده. وكان يتردد بين بلده والجند وتعز. وكان وفاته لسبع بقين من رجب من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وكان له ولدان هما يوسف وأبو بكر. فأما يوسف فكان ميلاده عشرة شهر ربيع الأول من سنة خمسين وستمائة. وتفقه أولاً بأبيه ثم بمحمد بن أبي بكر الأصبحي. وكان حاكم بلده كما كان أبوه وكان ينوب القاضي عمر بن سعيد على قضاء صنعاء. وكان وفاته لتسع من شوال سنة تسع وستمائة. وسنذكر أخاهُ في موضعهِ من الكتاب أن شاء الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو عفان عبد الله بن أحمد بن أبي القسم بن أحمد بن اسعد الخطابي نسبة إلى عرب يقال لهم بنو خطاب يسكنون حارة دوال صاحب هُدّافه بضم الهاء وفتح المهملة وبعد الألف فاءُ ثم هاءُ وكان مولده سنة ثماني عشرة وستمائة. وتفقه بعلي بن أبي السعود وبعثمان الوزيري ثم غلب عليه التصوف والعبادة ويقال أنه أُوتي اسم الله الأعظم. وكان له مكرمات عظيمة وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 صبوراً على إطعام الطعام. قال الجندي حصلت في يدي نسخة التنبيه الذي له فوجدت فيها بخطه مكتوباً في بعض ورقات الكتاب ما مثاله. حدثني الفقيه السيد الأجل الفاضل الكامل الموفق يحيى بن أحمد بن زيد بن محمد بن دهير بن خلف الهمذاني وفقهُ الله تعالى أنه رأَى في المنام في منتصف جمادى الآخرة في نصف الليل الآخر سنة ست وستمائة أنه كان في مسجد رسول الله صلى الله عليهِ وسلم فوجد القبة التي على قبره وقبر صاحبيه رضي الله عنهما منكشفة من غير تخريب وقد بقي منها ما يغطي القاعدة ومن القائم إلى مقعد الإزار فدنا منها فوجد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما قاعدين متوجهين إلى القبلة قال فاستقبلتهم من وراء الجدار الباقي وجعلت القبلة إلى ظهري ثم أُعطيت نوراً في قلبي وطلاقة في لسامي وقلت يا رسول الله القرآن كلام الله غير مخلوق قال نعم بحرف وصوت يسمع ومعنى يفهم قال نعم قال فقلت فمن قال أن القرآن مخلوق كافر نعن قلت وإن صلى وصام وآتى الزكاة وحج البيت هل ترجى له الشفاعة قال لا قلت يا رسول الله طلاق اليتامى باطل أَو صحيح فقال صلى الله عليه وسلم. باطل باطل وأنا اشك في الثالثة. وغالب ظني أنه قالها. ثم قلت يا رسول الله تارك الصلاة كافر قال نعم قلت يا رسول الله فهؤُلاءِ يرعون البقر والغنم ويحيعلون وهم يشهدون أن لا اله إلا الله وإن محمداً رسول الله ويؤُتون الزكاة متى وجدوا ويحجون البيت إذا استطاعوا ويصومون شهر رمضان ويحبون الصلاة ولكن يقولون هذه الدواب تنجسنا وإذا أتجعلنا أيضاً تنجسنا أهم كفار أَم مسلمون. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطعت عن الكلام. فقال أبو بكر وعمر نكتب لك بهذا كتاباً لا ينسى فسكت ولم أَدرِ ما شغلني عن القول لهما يكتبان لي ذلك. وكانت وفاة هذا الفقيه عثمان على الطريق الكامل من الزهد والعبادة وإطعام الطعام في السنة المذكورة بعد أن امتُحن بالجذام حتى سقطت رجلهُ اليمنى من الكعب ويبس من يدهِ اليمنى إصبعان. وكان عظيم الحال لهُ كرامات كثيرة يطول تعدادها رحمهُ الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن حسين البجلي وكان تفقه بعمه إسماعيل ووُلي القضاءَ في بلده وكان فقيهاً فاضلاً ورعاً وكانت وفاتهُ في السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفي سنة أربع وثمانين جهز مولانا الملك الواثق عسكراً إلى المنقب وخشي أن يخرج الأمير صارم الدين من ثُلاَ إلى البلاد الشهابية فحصروهُ في ثلاَ فتداركه الشيخ بدر الدين عبد الله بن عمر بن الجنيد وسعى في الصلح بينهُ وبين السلطان وارتفعت المحاط وعاد الكل إلى صنعاءَ. وكان الصلح على خلاص رهينة الأمير صارم الدين داود وهو ولده محمد بن داود وكان في حصن الدملؤَة وعلى تعديل حصن القُفل بظفار وانعقد الصلح على ذلك واستمرت الذمة والصلح برهة من الزمان. وفي هذه السنة توفي الفقيه العلامة أبو الخطاب عمر بن عاصم بن عيسى اليعلي بياء مثناه من تحت. وعين ساكنة مهملة وآخره لام وبعدها ياء النسب وهو بطن من كنانة. وكان فقيهاً كبيراً فاضلاً متفنناً عارفاً بالفقه والنحو واللغة والحديث. وكان يقول شعراً حسناً تفقه بعلي بن قاسم الحكمي وبه تفقه كثير من الناس. وممن تفقه به أبو الحسن الأصبحي صاحب المعين. والفقيه يوسف بن يعقوب الجندي ووالد البها صاحب التاريخ وغيرهما. واليه انتهت رئاسة الفتوى والفقه بزبيد وأَظن المدرسة العاصمية إنما تنسب إليه. وحصل بينه وبين قاضي الأقضية عليه وكان والنائب يعانده في مدرسته ويقابله بما لا يليق وكانت له عند المظفر مكانة حسنة فكتب إلى السلطان يشكو من النائب في قصيدة من شعره يقول في أولها خربت مدارسكم معاً يا يوسف ... وفتى وحيش لو علمت لمتلف فلما وقف السلطان على كتابهِ وكان قاضي القضاة حينئذٍ عند السلطان فقال لهُ السلطان يا قاضي بهاء الدين من الناظر على مدارس زبيد فقال ابن وحيش يا مولانا فقال لا يكون لهُ على مدرسة الفقيه ابن عاصم نظر فقال سمعاً وطاعة. ثم كتب إليه السلطان قد صرفناه عن النظر في مدرستك فاجعل عليها ناظراً من شئت. وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 القائل في ذم المدارس بيعُ المدارس لو علمت بدارس ... يغلو وأخسر صفقةٍ للمشتري دعها ولازم للمساجد دائماً ... أن شئت تظفر بالثواب الأوفر ومن تصنيفه زوائد البيان على المهذب في كتاب. ويقال أن ذلك سبب الوحشة بينهُ وبين قاضي القضاة بهاء الدين أحد قرابة صاحب البيان فإنه نقل إليه أنه قصد بذلك حط البيان وإن لا يتلفت إليهِ مع وجود المهذب مع أن كتابهُ لم يكد يشتهر ولا يتداول بين الناس. وكانت وفاته عند طلوع الشمس من يوم الخميس لخمس بقين من شهر ربيع من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي وكان فقيهاً ورعاً زاهداً عالماً بالفقه تفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. وكان لا يتعلق بشيٍ من الدنيا ولا يتعلق بأهلها وعلقهُ دين عظيم هرب بسببه إلى الجبال وبلغه أن قضاة سير يفعلون المعروف فقصدهم وأَقام عندهم فسأَلهُ بعضهم عن المعتقد فأَجابهُ بما أنكر عليهِ السائل فأفضى ذلك إلى شقاق وتكفير فخرج الفقيه هارباً وبلغ القضاة ذلك فلم يعجبهم وأمروا برده إليهم فلم يوجد فشق عليهم فشكوا إلى أَخيهم القاضي بهاء الدين الوزير يخبرونهُ بقصتهِ ويسأَلونهُ أن يبحث عنهُ بتعز ففعل فلما جاءهُ بجلهُ وأكرمهُ واعتذر إليهِ من فعل ذلك المجادل ثم سأَلهُ عن سبب قدومهِ فأخبرهُ بدينهِ فسعى له في قضاء دونهِ وزيادة. وتوفي في مدينة زبيد في المحرم أول السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي القاضي الفقيه أحمد بن حمزة بن علي بن حسن الهرامي ثم السكسكي وكان فقيهاً فاضلاً متأَدباً وكان يقول الشعر ودرَّس في مدينة حصن الظفر وهي التي أحدثها الشيخ عبد الوهاب بن رشيد. ثم توفي في بلدة العماني وكانت وفاتهُ في صفر من السنة المذكورة. وفيها توفي القاضي أبو حفص عمر بن سعيد بن محمد بن علي الربيعي وكان فقيهاً محدثاً أخذ عن أَخيهِ لأبيه علي بن عمر وعن غيره وتولى قضاء صنعاءَ حين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 عزل عنه. وكان من افصح الناس وأحسنهم. وأية للحديث والتفسير. وكان إذا حضر مجلساً لم يكن لأحد فيه ذكر دونهُ. ويروى أن محفوظهُ خمسة آلاف حديث. وكان السلطان الملك المظفر يعظمهُ ويبجلهُ ورزقهُ على القضاء جزية اليهود في جهته. وكانت دنياه متسعة اتساعاً عظيماً. ومن عجيب ما جرى له أنه كان قاعداً مع الأمير الشعبي في دار السلطان في صنعاءَ إذ خرَّ عليهم السقف وهم جماعة منهم محمد بن حاتم الهمداني وأخوه ومحمد بن زيد صهر الشعبي فمات الجميع تحت الهدم وسلم القاضي المذكور ومحمد بن حاتم. وكان القاضي يحكي أنه لما تهوَّر الدار رأى رجلاً كبير السن التقى عنهُ خشبة وسحقاً وسقفهما عليه فلم يصله الهدم. وكان هذا القاضي عظيم القدر شهير الذكر معظماً عند كبراءِ العصر. انتشرت فضائله شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً ولا أعلم أحداً من أهل عصره اشتهر كاشتهاره حتى رأيت مجلداً لطيفاً في مناقبه تصنيف الفقيه علي بن أبي بكر الفراء الصنعائي وجاءَ تقليدهُ من بغداد متوَّجاً بالعلامة الشريفة العباسية المستعصمية وفيه من التعظيم لجلاله والتنويه بقدره ما يليق به. وكانت ولايته من مدينة إب إلى نفسه ومضت أحكامه في هذه البلاد كلها ونفذت. وأخذ عنهُ جماعة من أهل صنعاءَ وغيرهم. وكان له عدة أولاد لم يقم أحد منهم مقامهُ وكان من زواحا في صنعاءَ وكانت وفاته في السنة المذكورة وقيل في سنة خمس وثمانين والله أعلم. وفي سنة خمس وثمانين وستمائة ضرب الدرهم السعيد المظفري في مدينة صعدة في شهر جمادى الأخرى. ونزل الأمير جمال الدين علي بن عبد الله إلى الأبواب السلطانية فتلقاه الملك لمسعود والقاضي بهاء الدين الصاحب إلى الحوبان وحضر المقام السلطاني للفور وأَقام أياماً ثم حملت له طبلخانة خمسة أحمال وخمسة أعلام وزاده مع البوابين الخشب والجارود ومطرت وحصن دهان فانشأَ قصيدة يمدح بها السلطان ويقول وأعلمت بالأعلام يوسف إنني ... صفيُّ وإني عبد حادثة ذخرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وحركت بالكوشات ما كان ساكناً ... ولكن به عن سمع تحريكها وقر وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن محمد بن حجر ابن أحمد بن علي بن حجر الأزدي نسباً والهجري بلداً. وضبط حُجْر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وآخره راء. وكان يُعرف بابي حجر وسكن عدن وكان مولده سنة ثماني وتسعين وخمسمائة تقريباً وكان فقيهاً محدثاً له مسموعات وإجازات. وكان دنياه واسعة وكان متورَّعاً أن يخلط ماله بشيءٍ من الشبه وكان لا يعامل من يتهمهُ بذلك وكان لا يحتكر في بيعه. قال الجندي وأخبرني والدي يوسف بن يعقوب رحمه الله قال كان رجل في مدينة الجند عطَّاراً وكان أصله من مدينة إِب وكان لا يتجاوز في الدرهم إنما يأْخذ الواحد من العشرة فاتفق له سفر إلى عدن ليشتري عطراً فوصل إلى هذا الفقيه وسأَله عما يريده من الحوائج فقال لهُ كلها موجودة فناولهُ صرَّة دراهم فقال الفقيه لبعض عبيده خذها وأنقدها فقال الأبي لا تحتاج أنقاده فليس في بلدي من يحتكر الدرهم مثلي فقال له الفقيه وأنت تحتكر الدرهم قال نعم قال أعد له دراهمه فما تدخل بين دراهمي فأعادها عليه وانصرف خائباً وكان كل من قدم عدن من أهل الفضل إنما ينزل في الغالب على هذا الفقيه فينزله في بيت من بيوته على قرب منهُ. ويكون الناس يجتمعون إليهِ للقراءة في مسجد السماع. ويسمى مسجد السماع لكثرة ما يسمع فيه من الكتب على وأرديه. وكان جملة من قدم عليه الفقيه أبو الخير بن منصور بن أبي الخير وربما قيل أنه أخذ عنهُ. وقد أخذ عن أبي حجر جماعة من أهل عدن وغيرها منهم الفقيه أحمد الحراري وأحمد القزويني ومحمد بن حسين الحضرمي وغيرهم. وبلغ الفرض الزكوي من ماله أربعين ألفاً وقيل ستين ألفاً يتصدق بذلك في غالب أيامه حتى كادت تنقطع صدقته. ولم يزل ذلك إلى أن توفي ليلة الأربعاء الخامس من صفر من السنة المذكورة وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وخلف ولدين هما محمد وعبد الله فأما محمد فتفقه وزوجه والده على بنت بعض التجار يقال لهُ إدريس السراج. وكان فيه سخاءُ مفرط لا يليق شيئاً ولا يخيب لهُ قاصد أبداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فتضعضع حاله وركبه دين كثير بعد وفاة أبيه فوصله بعض مستحقي الدين وطالبهُ واغلظ لهُ في القول وسمَّعهُ كلاماً فاحشاً. وكان قاعداً على باب داره فدخل من فوره الدار وعمد إلى حبل فشنق بهِ نفسه وذلك يوم الجمعة لأيام مضين من ذي القعدة من السنة المذكورة. فرأّى بعض الأخيار من أهل عدن تلك الأيام أنه قائم على باب المسجد الذي يقال لهُ مسجد إياب إذا بجماعة قد اقبلوا من باب عدن قاصدين المدينة وعليهم هيئة سنيًّة ولهم وجوه مضيئة فسأَل الرجل عنهم فقيل له هذا رسول الله عليهِ وسلم وجماعة من الصحابة يريدون الصلاة على رجل من أهل المدينة يموت غداً. فلما أصبح الرجل وجرى لهذا محمد بن أبي حجر ما جرى ولم يمت في ذلك اليوم أحد غيره وصل الرجل إلى الموضع الذي يصلي فيه على الموتى وقعد فيه ينتظر وصول الميت المذكور ليصلي عليه من جملة الجماعة قال فأخذت ونمت مجنباً وقد فكرت وقلت ما يتصوَّر لمثل هذا أن يصلي عليهِ النبي صلى الله عليهِ وسلم وقد شنق نفسهُ فسمعت قائلاً يقول لي لا تفتك هذه الجنازة فهو هذا الرجل بعينه فاستيقظت وجددت الوضوء وتقدمت إلى باب بيت الميت فشيعت جنازته وحضرت الصلاة عليه ودفنه. قال الجندي وأخبرني شيخي أحمد بن علي الجزائري أنه كان للفقيه أبي حجر عدة بنات صالحات في الغالب فذكرت إحداهن أنها رأَت أباها بعد موت أخيها بمدة فقالت له يا أبت ماءَ بك فقال منذ وصلنا أخوك نحن في ملازمة الله تعالى أن يغفر له جنايته على نفسه فلم يفعل ذلك إلا بعد مشقة شديدة وأشراف على اليأس من ذلك. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن معطٍ وكان فقيهاً صالحاً أصلهُ من حارة وادي زبيد من قرية تعرف بمحل مبارك. ومن أصحابه المتقدمين المقارنين له في السن والرتبة محمد بن علي الصريفي. وكان فقيهاً مشهوراً من أصحاب أبي حنيفة الإمام رضي الله عنه. وله تصنيف حسن يسمى الإيضاح تفقه بجماعة منهم الملكي وغيره وله ذرية يعرفون به. توفي في مدينة زبيد في أثناء السنة المذكورة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وفي سنة ست وثمانين احتال الأمير صارم الدين داود بن الإمام في فكاك حصنه القفل وحشي عليه القوات فتقدم إلى جهة صعدة وأصلح أموره فيما بينه وبين أخيه نجم الدين موسى بن أحمد بن الإمام فاستنجدوا بالإمام مطهر. وحملوه على الخروج إلى ناحية صعدة فخرج من دروان إلى حجر وجمع جموعاً عظيمة وسار نحو صعدة وجاءته خولان فقاتل على الدرب فأخذه قهراً. وقتل الرتبة الذين كانوا فيه وهم نحو من ثمانين راجلاً وأسروا الوالي غلاب وقتل من عسكر الإمام خمسة النشاب ثم سار الإمام ومعه الأمير نجم الدين موسى بن أحمد إلى الجوف فأخذوا الفجرة وسواقة وطلعوا الظاهر. وحرقوا الكولة والدحضة وحطوا على الزاهر ووثب الأمير صارم الدين بن الإمام على حصنه القفل فحط عليه وأرسل إلى مولانا السلطان الملك الواثق بالنقض فجهز الملك الواثق مائتي فارس من الغز والعرب. ومقدمهم الشريف جمال الدين علي بن عبد الله وأمرهم بطلوع الظاهر فلم يهيأ لهم الطلوع ثم جهز السلطان الملك المظفر أستاذ داره الأمير شمس الدين علي بن الهمام في خيل من اليمن وأمره بالغارة على الزاهر. فلما وصل إلى صنعاء خرج الملك الواثق بشحنة إلى دروة وجهز الأمير علي بن محمد بن عبد الله والأمير شمس الدين أستاذ داره لرفع المحطة عن الزاهر. فلما علم بهم الأشراف ارتفعوا عن الزاهر. وطلع الإمام إلى الظاهر واشتدت محطة الأمير صارم الدين على القفل. وعاد الملك الواثق إلى صنعاء. فكثرت الأراجيف والعوار في البلاد واضطربت البلاد اضطراباً شديداً وتفاقم الأَمر واشتد وخالف أهل المشرق وأهل المغرب. وفسدت البلاد من نقيل إلى صعدة. فلما حدثت هذه الحوادث أرسل السلطان ولده الملك الأشرف إلى صنعاء مقطعاً بها. واستدعى ابنه الواثق فدخل الملك الأشرف صنعاء يوم الثامن من جمادى من السنة المذكورة. ثم خرج منها إلى محطة ذيفان ثم سار نحو الظاهر وطأَة شديدة وأخرب اجزل الظاهر الأعلى وأجزل الظاهر الأسفل ووصلت عساكره المنصورة عنان وخيوان ولم يمتنع شيء منه في الظاهر ولا بلغ أحد حيث بلغ وقاتل عن العنة مراراً وأمر بعمارة الكولة. ورتب الشريف علي بن عبد الله واطل عيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 رمضان الكريم وهو محتم في الكولة. وكان احسن عيد وأبهجه. ولما أخرب الظاهر كما ذكرنا وحضر الأمير صارم الدين في العنة وقوى الرتب على ظفار وعمرها ورتب الأمير إلى بلد الأمير عبد الله بن علي بن وهاس فأخرجها وقطع أشجارها وكرمها. وأخرب فيها دروباً من زمان الجاهلية. ثم نقل من بلاد بن وهاس إلى صنعاء فخرجت العساكر من صنعاء في لقائه وحشدت الجنود فلم ير يوماً اعجب ولا أبهج ولا أكثر جموعاً من ذلك اليوم فدخل من باب النصر. فلما حاذى القصر السعيد فرش لجفائه ثياب الحرير المعلمة بالذهب. ونثر على الناس من البيضاء والصفراء ما لا يحصر فأقام في صنعاء والأمور منتظمة والثغور منسدة والحرب على العنة والحصار على ظفار. والإمام مطهر في ينعم في جبل ينعم لا يميل أحد إليه من العرب والأمير صارم الدين محصور في العنة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل علي بن أسعد بن محمد بن إبراهيم بن تبع بن علي بن منصور المنصوري نسبة إلى جده المذكور في انتهاءِ النسب كان علي بن أسعد بن منصور فقيهاً فاضلاً مشهوراً تفقه بأحمد بن عبد الله الوزيري. وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين المذكورة في قريته المعروفة بالقدمة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبع وثمانين جرى حديث الصلح فاصلح الأمير صارم الدين بعد استيلائه على القفل. وصاحت الصوائح بذلك في محروسة صنعاء يوم السبت الثاني عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم وقع الصلح بين الإمام وبين الملك الأشرف وصاحت الصوائح بذلك يوم العاشر من جمادى الأخرى من السنة المذكورة. ولم يصلحه على شيٍ من البلاد ولا من الرعايا إلا على بعض القبائل الأَخيار كبني حي وبني سحام والأعروش وبني مطعم. ثم قفل إلى اليمن فكان خروجه من صنعاء يوم الجمعة عشرة شهر رجب من السنة المذكورة ثم طلع الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 المؤَيد صنعاءَ وصله جميع الناس من العرب ووصل الأمير جمال الدين علي بن عبد الله. ووصل رسل الأشراف كافة بالخيل ضيفة فأَقام مدة في صنعاءَ ثم خرج إلى جهات ذمار وتغير الصلح بينه وبين الإمام مطهر بن يحيى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل محمد بن علي بن عمر الشرعبي المعروف بابن المسود الحلي. وكان فقيهاً متفنناً أخذ الفرائض عن ابن معاوية والفقه عن ابن عاصم والريمي. وهو الذي أصم في مدرسته التي أنشأَها الأمير سيف الدين سنقر وهي التي تعرف في مدينة زبيد بالعاصمية وكانت وفاته في أثناء السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه النبيه أبو الحسن أحمد بن محمد بن عيسى الحواري وكان فقيهاً في علم الكلام ولهُ فيهِ مصنفات على مذهب الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري. وكان تفقه فيهِ على البيلقاني بعدن. وكان يغلب عليه طريقة التصوف وأخذها عن البيلقاني أيضاً وأخذ عنهُ جماعة من أهل تعز وزبيد وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله. وقيل في سنة تسع وثمانين والله أعلم. وفيها توفي الطواشي افتخار الدين ياقوت بن عبد الله المظفري. وكان خادماً حازماً ذكيّاً لبيباً وهو الذي أرسله الملك المظفر صحبة ولده الأشرف إلى الدملؤة ليكون الأشرف رهينة عند عميه المفضل ويستميل قلوب المرتبين بالقول والفعل حتى أحكم الأمر. ثم عرض عارض أوجب نزول الفائز والمفضل ووالدتهما بنت حوزة إلى المنصورة أو قيل إلى الجوة فلما صاروا خارج الحصن ثار الطواشي ياقوت بمن معهُ في الحصن وملكه لسيده المظفر ولم يزل ياقوت نائباً لسيده في الحصن إلى أن توفي في سلخ القعدة من السنة المذكورة. وكان صاحب عسفٍ وحروب وكان مع ذلك كثير الصدقة مجلاً للعلماءِ والصالحين وابتنى مدرسة في منصورة الدملؤة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمان وثمانين رغم المرتبون بحصن براش في شهر رجب فسار إليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الملك المؤَيد فقتل منهم طائفة وأّخذه منهم قهراً. وفي هذه السنة وثب جماعة من حصهم على حصن بنت انعم وكان الإمام مصلحاً عليهِ. وكان في شرط الصلح أنه رأَى قبيلة بعدت من أحد الحصنين وامتنعت بحصن أو جبل فانهم غرماءُ للسلطان والإمام وإن الإمام والسلطان يتفقان على من أَحدث حدثاً ويعتضدان عليهِ فلما حدث من هؤُلاء ما حدث أمر السلطان بالمحطة على حصن بنت انهم وطلب من الإمام خروج من يخرج من جهتهِ للمحطة عليهم فلم يفعل الإمام ولا ساعد على شيٍ من ذلك. وفي هذه السنة توفي الفقيه النبيه أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن زكريا وكان فقيهاً فاضلاً مولده سنة تسع عشرة وستمائة وتفقه بابن عمه محمد بن عمر بن يحيى بن زكريا وأخذ عن صالح بن علي بن الحضرمي وولي قضاء الكدراء من قِبَل بني عمران وقدم فاخذ عنهُ أبو بكر بن محمد بن عمر كتاب الوجيز. وكانت وفاته في السنة المذكورة. وخلفهُ في القضاء ولده أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن وكان أحد أجواد زمانه شريف النفس عالي الهمة. وامتحن في آخر عمره بفقر مدقع وعزله عن القضاء بنو محمد بن عمر بغير وجهٍ يوجب العزل والله أعلم. وفيها توفي الشيخ الفاضل أبو الخطاب عمر بن عبد الرحمن بن حسان القدسي وكان والده من أهل دمشق وأمه من عسقلان فاجتمعا بالقدس وأَقاما هنالك فتزوجها فولدت له هذا الولد سنة أربع وقيل سنة ست وستمائة ولحق بأم عبيدة وهو ابن اثنتي عشرة سنة فأدرك الشيخ نجم الدين المعروف بالأخضر وهو من ذرية أخي الشيخ الصالح أحمد الرفاعي فاخذ عليهِ العهد وتربى بين يديه. فلما رأَى كماله أمره أن يدخل مكة ويحج ثم يدخل اليمن لينشر فيه الخرقة الرفاعية واخبره أنه يجتمع فيهِ برجل ينتفع به في دينهِ ودنياه. ففعل ذلك ولما دخل اليمن اجتمع بالفقيه عمر بن سعيد العقيبي فأقام عندهُ بذي عقيب أياماً وذلك في سنة تسع وأربعين وستمائة فشهره عمر وبجلهُ ثم اسكنهُ موضعاً على قرب منهُ يعرف بالمعر ثم انتقل منهُ إلى أماكن كثيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 بنى له فيها ربط كثيرة حتى كان آخر رباط سكنه الدهوب تحت مدينة إب فلم يزل حتى توفي بعد أن انتشرت عنهُ الخرقة الرفاعية لاسيما في جهة المخلاف. وكانت وفاتهُ ليلة الجمعة لثمان بقين من شهر ربيع من السنة المذكورة رحمهُ الله. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الرحمن بن الفقيه يحيى بن سالم الشهابي وكان فقيهاً خيراً سليم الصدر انتهت إليهِ رئاسة الفقه والفتيا بذي جبلة وكانت أمور الفقهاء إنما تنتظم برأيه. ولما بنيت المدرسة الشرفية بذي جبلة ونسبتها إلى الأمير شرف الدين موسى بن علي بن رسول المتوفى في مصر رحمه الله تعالى. كان الفقيه عبد الرحمن المذكور أول من درس بها وكان يومئذ اكبر الفقهاء وكان الفقهاء بذي جبلة لا يطلعون من مصلى العيد يوم العيد إلا إلى بيتهِ يدخلون إلى سماط يعمله لهم فلما توفي والده بالعومانية انتقل إليها عن ولم يزل بها مدرساً إلى أن توفي في جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمهُ الله. وفي هذه السنة توفي القاضي الأمثل الأوحد الأكمل أبو بكر بن محمد ابن الفقيه أحمد الجنيد. وكان فقيهاً صالحاً دينّاً حبراً تفقه في بدايته بعمه عبيد بن أحمد ثم مسعود ثم صحب الفقيه الصالح عمر بن سعيد العقيبي وأخذ عنهُ ثم امتحن بقضاء جبلة فسار سيرة مرضية ثم امتحن بقضاء عدن فكان الزاهد المعروف والعادل الموصوف واجمع أهل عدن على عدالتهِ ونزاهته وصيانة عرضهِ وأخذ بعدن الوسيط للغزالي عن الفقيه عبد الرحمن الأبيني واستفاض ورعه عند الأمراء في اليمن وغيرها. ولما دخل الملك المظفر عدن أثنى التجار على القاضي ثناءً حسناً بعد سؤَال السلطان عنهُ. ثم حدثت قضية أوجبت حضور القاضي إلى مقام السلطان فأمر السلطان بطلبهِ فوصل الرسول وعليه ثياب البذلة وثيابه مع الغسال فرجع الرسول وأعلم السلطان بذلك فازداد عند السلطان مكانة وقال قد " مضى " لهذا الحاكم مدة في هذه البلاد وهو لا يملك إلا بذلة واحدة أن هذا لأمر عظيم. ثم حضر القاضي إليها فقال له السلطان يا قاضي بهاء الدين بلغنا أن القاضي فقير ويجب أن تزيد في رزقه فكم ترى نزيده فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 عشر دنانير وكانت ثلاثين ديناراً فعتب التجار على القاضي بهاء الدين حيث لم يجعل الزيادة أكثر من ذلك وحملوه كان ذا سيرة محمودة. قال الجندي أخبرني الخبير بحاله قال كانت سيرته أنه إذا صلى الصبح ذكر الله تعالى ساعة ثم يقوم إلى زيارة ترب الصالحين فيبدأُ بتربة الشيخ جوهر ثم ابن قيدر ثم بتربة ابن أبي الباطل ثم يقوم منها إلى مسجد أبان فيصلي فيه الضحى ثم يأْتي إلى مجلس الحكم فيعقد فيه ما شاءَ الله يقضي بين الناس ثم يدخل منزله فيقيل فيه ساعة ثم هذا دأْبه إلى أن توفي ليلة الخميس السادس من شهر رجب من السنة المذكورة وقبر في القطيع إلى جنب قبر القاضي محمد بن أسعج العيسي رحمه الله عليهما. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن محمد بن عثمان بن أبي الفوارس القيني نسبة إلى قين من عك تفقه في الجبل على الإمام بطال بن أحمد بن الركبي وأخذ عن علي بن مسعود وأبي حديد وغيرهما. وكان الفقيه إسماعيل كثير التكرر لزيارته. توفي في السنة المذكورة تقريباً قاله الجندي والله أعلم. وفيها ولد الفقيه الفاضل أبو عمرو عثمان بن يوسف بن شعيب بن إسماعيل. وكان فقيهاً نبيهاً تفقه بالفقية صالح بن عمرو البرهي. وارتحل إلى حبأ فأَخذ عن عبد الله بن عمر ثم ارتحل إلى تهامة فأّخذ بها عن إبراهيم ابن علي البجلي صاحب شجينة. وأخذ عن إسماعيل الحلي ثم عاد إلى بلده وولي القضاء بها. وكان ميلاده لخمس مضين من صفر من السنة المذكورة ولم أَتحقق تاريخ وفاته والله أعلم. وفي سنة تسع وثمانين توفي الأمير صارم الدين داود بن الإمام المنصور عبد الله بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة وكانت وفاته في من صفر وكان من وجوه الأشراف وصدورهم. وكان شاعراً صبيحاً ومن شعره قصيدة يمدح بها الملك المظفر ويسأَله خلاص ولده محمد وكان رهنهُ في قلعة الدملؤّة وهي التي يقول فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 أعاتبه في الهجر أم لا أعاتبه ... واصبر حتى يرعوي أم أُجانبه فمن مبلغ عني إلى الملك يوسف ... أبي عمر معطي الجزيل وواهبه فشفع أبانا في بنيه فانه ... شفيعك في الذنب الذي أنت كاسبه فيقال أن الخليفة رحمه الله لما قرأَ هذا البيت بكى. وقال أخلصه كرامة لجده صلى الله عليه وسلم. ويقال أنه رأَى النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهه وقال لأَجازينك يوم القيامة بها. وفي هذه السنة نزل السلطان إلى زبيد بسبب الفرحة التي أنشأَها لتطهير أولاد أولاده ونزل بسببها الملك المؤَيد من صنعاء ونزل الشريف جمال الدين علي بن عبد الله والأمير نجم الدين موسى بن أحمد بن الإمام فكان ذلك سبباً لقوة إمارة الأمير همام الدين سليمان بن القسم ابن عمه الأمير صارم المتوفى إلى رحمة الله تعالى فملك الأمير همام الدين حصون ظفار. وسار إلى تلمص بصعدة. فقبضه فلما رجع مولانا الملك المؤّيد إلى صنعاء وقد انتقض الصلح بين الأمير والسلطان كما ذكرنا تظاهر الإمام بنقض الذمة. ولما نقض الإمام الذمة جاءَت كتب أهل المشرق بالطاعة لمولانا السلطان فطلع مولانا الملك بجيوشه وعساكره فلم يبق أحد من قبائل المشرق إلا وصل ودخل في طاعته رغباً ورهباً. ومنهم من امتنع فقاتل الملك المؤَيد الممتنعين وأَخرب ديارهم فدخلوا في طاعته قسراً واستولى الملك المؤَيد على كافة المشرق جميعه فأخرجه. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير محمد بن عباس بن عبد الجليل وكان قد نال مرتبة مع السلطان الملك المظفر وحمل له طلبخانة وجعله من جملة حرفائه. وكان أميراً كبيراً شهماً فارساً شجاعاً مقداماً لكن غلب عليه العجب فكثر عليه " التشكي " إلى السلطان. ونقل عنه إلى السلطان أمور لا يحتمل الملوك بعضها فلزمه وأَمر بكحله وكان ذلك في زبيد بسنة ثلاث وتسعين وستمائة. فانتقل إلى بيت الفقيه ابن عجيل وسكن هنالك. ولم يزل يتردد بين زبيد وبيت الفقيه إلى أن توفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن أبي بكر بن أحمد القايشي. وكان مدرساً في الجند تفقه بيحيى بن محمد بن ملح وبغيره وأخذ عن عثمان بن رقيد من أهل زيران وكانت وفاته في السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه النبيه أبو العتيق أبو بكر بن محمد بن سعيد بن علي الحفصي ثم الأزدي فالحفصي نسبة إلى العشاري أبي عمرو حفص المعروف بالدوري أحد من قرأَ على الإمام أبي عمرو بن العلاء البصري والأزدي نسبة إلى الأزد وهي قبيلة مشهورة من قبائل اليمن وهو المعروف بابن العراف. وكان فقيهاً حافظاً بالفقه عارفاً به وكان مولده ومنشأه في قرية ذي السفال. وكان تفقه على محمد بن مسعود ودرس في أول أمره بذي جبلة في المدرسة الرابية ثم انتقل إلى تعز بسؤَال من القضاة بني عمران فدرس بالوزيرية وأشفق عليه بنو عمران وسأَلوه أن يكون مدرساً لأبناء حسان ونائباً لهم في الحكم. فأقام على ذلك أياماً. ثم اعتذر عن الحكم فعذر عن الحكم بابن النحوي وتفقه به جماعة منهم ابن النحوي وابن دريق وابن الصفي وعبد الله الريمي وغيرهم. وكانت وفاته يوم عرفة بعد صلاة الصبح من السنة المذكورة. وعمره يومئذ ثمان وأربعون سنة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر بن علي بن اسعد. وكان اصله من الصفة بني عزلة من جبل عنة والصفة بكسر الصاد المهملة وعنة بفتح العين المهملة والنون المشددة. وهو اسم جبل من جبال اليمن التسعة. ظهر فيها جماعة من الفقهاء والعباد. وكان مولد الفقيه أبي بكر هذا في العاشر من شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة. وتفقه بأبي بكر بن العراف وابن التائه وأخذ النحو عن المقدسي المقدم ذكرهما. وكانت وفاته ليلة الجمعة الرابع من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح موسى بن عمر بن المبارك بن مسعود بن سالم ابن سعيد بن عمرو بن علي بن أحمد بن مسيرة الجعفي. وكان فقيهاً صوفياً عارفاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 سالكاً. اشتغل بالفقه مدة بسهفنة على ثم ارتحل إلى تهامة فتفقه بها على الفقيه إسماعيل الحضرمي. ثم صحب الشيخ محمد بن الفصيح أحد أكابر أصحاب الشيخ أبي الغيث فرباه تربية الصوفية حتى صار كاملاً وأمره بالعود إلى بلده. فكان فقيهاً صوفياً وظهرت له كرامات كثيرة كان يبعد من الطعام السنين إنما يشرب بعد العشاء لبناً بعد أن يخلط فيهِ خبر مسحوق وكان هذا دأْبه غالب دهره. ويروى أنه مرض له ولد فأرادت أمه أن تعمل له فروجاً فقال أن تعملي لكل واحد من أولاد الفقراءَ فروجاً فروجا وإلا فلا تفعلي. وكان يُقال لهُ جُنَيْد اليمن وعلى الجملة فمناقُبه كثيرة ثم كان من تأَخر عن الجماعة من أصحابه ضُرب ومن طلع عليهِ الفجر وهو نائم ضُرب ولم على يزل الطريق من المجاهدة بظاهره وباطنهِ إلى أن توفي في المحرم أول شهور السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عثمان بن علي بن سعيد بن سارج وكان فقيهاً صوفياً تفقه ثم تصوَّف وصحب الشيخ مدافع والشيخ علي الرُّميمة واشتهرت له كرامات كثيرة مأْثورة وحكايات معروفة مشهورة توف على الطريقة المرضية يوم الاثنين مستهل ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسعين وستمائة سار الملك المؤَيد من صنعاءَ في عساكره إلى جبل اللوز فقابل الإمام مظهر بن يحيى هنالك وكان الإمام مظهر بن يحيى قد رتب ابن عمه الشريف اسعد بتنعم وفيه حرمه وأولاده فقاتلهُ الملك المؤَيد أياماً على الجبل ثم طلعه عليهِ قهراً في خامس المحرم أول سنة وتسعين وستمائة. وفي هذه السنة المذكورة اعني سنة تسعين وستمائة توفي الفقيه الإمام العلامة قطب اليمن وعلامة الشام واليمن أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر ابن عجيل. وكان مولده في شهر رمضان المعظم أحد شهور سنة ثمانٍ وستمائة وكان إماماً من أئمة المسلمين عالماً عاملاً صالحاً ورعاً زاهداً لم يكن في الفقهاء المتأَخرين من هو أدق منه نظراً في الفقه ولا أعرف به منهُ غوَّاصاً على دقائق الفئة موضحاً لغوامضة معدوداً تاج العلماء وختام أهل الحقائق اجمع على تفضيلهِ المخالف والمؤَالف ولم يتردد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 في صلاحه وفقهه جاهل ولا عارف تفقه بعمه إبراهيم بن علي وبه تفقه جمع كثير من نواح شتى. وكان مبارك التدريس دقيق النظر فيهِ والى ذلك أشار الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الصبحي صاحب المعين حين سئل عن شيءٍ من معاني كلامه على بعض مشكلات المهذب فأجاب عن ذلك وبينهُ ثم أثنى على الفقيه وقال ما مثلنا ومثل هذا الإمام إلا كما قال أبو حامد الأسفرائني في حق ابن شريح نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه. وكان صاحب كرامات مشهورة ومآثر مذكورة يظهر منها ما يظهر عن كره منهُ. قال الجندي اخبرني والدي عن بعض ثقات أصحاب الفقيه أنه قال حضرنا يوماً وجماعة عند الفقيه فتذكرنا كرامات الصالحين وربما عنيناه على وضربنا له مثالاً بأهل عواجه وبالفقيه إسماعيل الحضرمي ومن ماثلهم فقال لكل ولي كرمة أَما فلان وما ظهر من كراماته فهو نقص من الإناء واحب أن ألقى الله تعالى بإناءٍ ملآن. وكانت الملوك تصلهُ وتزوره وتعظم قدره وتقبل شفاعته ويريدون مسامحتهُ بما يجب عليه من الخراج السلطاني فلا يقبل ذلك ويقول أحب أن أكون من جملة الرعية الدفاعة. وكان كثير الحج إلى مكة المشرفة وإذا حج معهُ خلق كثير من أهل اليمن تبركاً به وإنساً فلا يكاد يتعرض لهم أحد من العرب بسوءٍ وإن تعرَّض أحد له لم يفلح فكانت القافلة التي تسير إلى مكة في البر في عصرهِ وبعد عصره بدهر طويل إنما يقال لها قافلة ابن عجيل سواءُ سار معها أَو سار معها غيره من الفقهاء وهذا من اعجب الأشياء وما أشبه هذا يقول الأول قد مات قوم وما ماتت مكارمهم ... وعاش قوم وهم في الناس أموات وكان متى دخل مكة اشتغل الناس بالسلام عليه عن كل شيءٍ ومتى صار في المطاف أَو في الحرم ترك الناس أشغالهم واَقبلوا على مصافحته وتقبيل يده تبركاً فيقول انتم في بيت الله ومحل بركته ورحمته وإنما أنا واحد منكم مخلوق مثلكم فلا يزدادون بذلك إلا إقبالاً عليه. قال الجندي وحكى بعض الثقات أنه سمع رجلاً من أهل مكة من أهل الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 والعلم والصلاح يقول لي كذا وكذا سنة فذكر مدة طويلة قلَّ من يعيشها. وفي كل سنة يدخل مكة من العلماءِ جمع كثير ففيهم من يجاور ويقيم وفيهم من يذهب إلى بلده فما رأَيت أحداً فيهم إلا ونور الكعبة وعظمتها يزيد عليهِ إلا ما كان من ابن عجيل فإنه متى دخل الحرم زاد نوره وعظمته على نور الكعبة بحيث لا يبقى للناس تعلق بغيره. ثم كان متى قدم المدينة فعل الناس معهُ كذلك فيقول لهم اتقوا الله هذا نبيكم وهؤلاء صحابته وإنما أنا رجل منكم فلا يزداد الناس إلا إقبالاً عليهِ. وكان إذا ضجر من الناس بمكة والمدينة يغيب عنهم لقضاء مأَربهِ من قراءَة أَذكر أَو صلاة وهذا غالب شغله. وكان إماماً في الفقه والأصولين والنحو واللغة والحديث والفرائض وهو أحسن من ضبط الفنون وقرَّت بمذاكرته العيون. قال الجندي وأخبرني الثقة من فقهاء عصره أنه قال ارتحلت من بلدي إلى الفقيه أزورهُ وكنت قد أعددت مسائل فقهية وأصولية وكلامية. فلما وصلت إلى الفقيه وسلمت عليه واطمأَن بي المجلس أَقبلت اسأَلهُ عن الفقهيَّة وهو يجيبني ثم عن الأصولية وهو أيضاً يجيبني ثم عن الكلامية فقال أمهلني فأضمرت في نفسي قصوره عن ذلك. ثم لما انفض المجلس وكان حافلاً دخل الفقيه منزله ثم استدعى بي إليه وقال أن العقول لا تكاد تحتمل جواب ما سأَلت عنهُ وربما حصل بيننا مراجعة واعتراضات تشوّيش على بعض السامعين لكن هات السؤَال الأول فأوردتهُ فجاوَب عليه جواباً شافياً ثم أوردت بقية الأسئلة فجاوَب عليها كذلك فحمدت الله تعالى على ذلك وعظم عندي وله مسائل كثيرة سأَلهُ عنها عدة من الفقهاء الإجلاء فأجابهم بأحسن جواب وأَبينه. ولم يكد أحد من فقهاء عصره إلا افتقر إلى فقهه ومعرفته ولم يسمع أنه افتقر إلى معرفة أحد منهم في جواب ولا سؤَال. ولم يزل على ما ذكرنا من التدريس ومجاهدة النفس إلى أن توفي يوم الثلاثاء بين صلاتي الظهر والعصر لخمس بقين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وكان الملك الواثق إبراهيم بن الملك المظفر يومئذ في مدينته فشال وكانت يومئذٍ إقطاعه من أبيه وهو على نصف مرحلة من بيت الفقيه تقريباً فلما علم بوفاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الفقيه ركب في خاصته وحضر غسل الفقيه وكان من جملة الغاسلين ثم لما حمل إلى تربته كان من الحاملين وتولى إنزاله في قبره مع من تولى ذلك فغبطه على ذلك كثير من أعيان زمانه. وكان للفقيه عدة أولاد منهم إسماعيل كان فقيهاً فرضياً توفي في سنة سبع عشرة وسبعمائة. وموسى كان فقيهاً حبراً ديناً تفقه بأبيه وتوفي في سادس شعبان سنة عشرين وسبعمائة. وإبراهيم كان فقيهاً ديناً ورعاً يحب الاعتزال قلَّ من يجتمع به من الواصلين إليه تفقه بأبيه وأخذ النحو عن الفقيه عمر بن الشيخ من أهل شريح المهجم توفي سنة سبع وعشرين وسبعمائة رحمة الله عليهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن علي بن محمد بن مغلب وكان فقيهاً بارعاً عارفاً بالفروع والأصول تفقه بأبيه ثم بفقهاء المصنعة ثم بالفقيه عمر بن مسعود الأبيني بذي هريم. ثم بأحد الوزيرين وربما قيل بهما. وكان فقيهاً كبيراً وهو آخر من يعد فقيهاً من بني مغلب. قالهُ الجندي وكانت الجند مورد العلماء ومستقر الملوك وهي مسكنه فكان يأخذ عن كل من ورد إليه من العلماء فاكتسب علوماً جمَّة. وكان معظماً عند أهل الدولة والبلد وكرههُ بنو عمران لأنه لم يكن يخضع لهم ولا يلتفت إليهم فكانوا يذكرون للسلطان عنهُ أموراً قبيحة منزهُ عنها وإنما كان غرضهم بذلك إسقاطه عند السلطان فوقر كلامهم في أذن السلطان الملك المظفر. وكان قد استفاض ين الناس صلاحه وعمله فقعد السلطان يوماً في مجلس حافل بأعيان دولته ولم يكن الوزير فيهم فتذاكروا الجند ومن فيها من العلماء فذكروا هذا إبراهيم بن عيسى فقال السلطان أنه يذكر لنا عنهُ أشياء لا تليق فذكر بعض الحاضرين للسلطان وحقق لهً أنه ليس في الجند أحد افقه منهُ ولا أصلح وإنما لهُ أعداء يكرهونهُ ويحسدونهُ ويكذبون عليهِ كراهة لهُ أن يتصل بكم. فوقع ذلك في قلب السلطان ثم أمره ولدهُ الأشرف أن يستدعيه ويقرأ عليه ففعل ذلك فلما حضر وجدهُ فقيهاً كاملاً ورجلاً مباركاً فلازمهُ على أن يكون له وزيراً فلم يفعل فجعل لهُ انتقاداً جيداً في كل سنة. وتفقه به جماعة منهم أبو بكر بن مليح وأبو بكر بن المغربي ويوسف ابن يعقوب الجندي والد المؤرخ. وأخذ عنهُ أبو الحسن علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أحمد الأصبحي وجمع كثير. وكان لبسه القطن وتوفي في الجند في عشرة شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن الحسين بن أبي السعود بن الحسن بن مسلم بن علي الهمداني. وكان مولده لليلتين من ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وستمائة. وكان صاحب قراءات ومسموعات وغلبت عليه العبادة وكان من أكثر الناس تلاوة للقرآن مع الزهد والورع إلى أن توفي على ذلك ليلة الاثنين لخمس يقين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الرحمن بن سعد بن علي بن إبراهيم بن أسعد بن أحمد بجمعة والفقية عمر بن سعيد العقيبي أسعد بن أحمد. وكان مولده سنة ست وثلاثين وستمائة بعمه عمر بن سعيد ولزم مجلسه بعده وعكف عليه أصحابه. وكان كثير الحج والزيارة وهو أول من ادخل العزيز شرح الوجيز إلى الخيال ومنه أخذ الشيخ أبو الحسن الأصبحي عن أبيه وصحح به معينه. وتفقه به جماعة من أهل عصره. وكانت وفاته يوم الأحد لإحدى عشر ليلة خلت من المحرم أول شهور السنة المذكورة. وعمره يومئذ ثلاث وخمسون سنة قاله الجندي. والله أعلم. وفيها توفي الفقيه البارع أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن يوسف بن أبي الخل. وكان مولده ليلة الأربعاء السادس عشر من شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة. وتفقه بعمه صالح وتزوج ابنته وغالب تفقهه بالإمام إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيه عصره فقيهاً محجاجاً غواصاً على دقائق الفقه عارفاً بأخبار المتقدمين صاحب فنون متسعة. ولما تحقق الملك المظفر كماله ونبله وفضله وعمله وأنه يصلح لقضاء الأقضية استدعاه إلى تعز فلما وصل تعز استدعاه السلطان إلى مقامه واستحضره فرأى رجلاً كاملاً فسأله أن يلي قضاء الأقضية بتهامة فاعتذر وسأل من السلطان الأذن في العود أي بلاده فأذن له فسافر من فوره. وكان قد اعترضه أَلم فلم يصل حيس إلا وقد أشفى فتوفي بها وقبر في مقبرة حَيس الشرقية على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 يمين الخارج من حيس إلى قرية السلامة. وكانت وفاته يوم الأربعاء السادس من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى ويقال أنه مات مسموماً والله أعلم. وفيها توفي الشيخ أبو الحسن علي بن عمر المعروف بالأَهدل. وكان كبير القدر شهير الذكر يقال أن جده محمد قدم من العراق إلى اليمن على قدم التصوف وهو شريف حسيني فسكن أجواف السوداء من وادي السهام وأولد هنالك. وكان ابن عمه هذا علي بن عمر محمد على طريقة مرضية وأختلف فيمن أخذ عنه اليد فقيل أنه مجذوب. وقيل بل صحب رجلاً سائحاً من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني يقال له محمد بن سنان الأحوزي وقيل بل رأَى أَبا بكر الصديق فصافحه وأخذ عنه يد التصوف. وقيل صحب الخضر عليه السلام. قال الجندي وسمعت بعض أصحابه وذريته يقولون كان الشيخ يميل إلى تبجيل الاحوزي. ولما توفي على قدم السياحة إذ لم يزل ذلك دأبه خرج الشيخ علي بن عمر إلى أصحابه فنعاه إليهم وأمرهم بالاجتماع للصلاة عليه فاجتمعوا وصلوا عليه. وكان الشيخ صاحب تربية وكرامات وأحواله أكثر من أن تحصر. وكانت وفاتهُ في أثناء المذكورة تقريباً والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو القبائل عبد الرحمن بن الحسن بن علي بن عمر بن محمد بن علي بن أبي القسم الحميري. وكان من الرجال المعدودين وكان تفقه بأبيه ثم بالفقيه إسماعيل الحضرمي والقاضي عباس صاحب في المظفرية ثم الفصل إلى مدرسة ذي هريم ثم إلى الناجية. ثم لزم بيته بمعزية تعز وحصل عليه في آخر عمره مرض شديد وتطاولت عليه أيام المرض فأراد الطلوع إلى صنعاء لاعتدال هوائها فاكترى من رجل غريب وسافر معه فلما انفرد به في الطريق قتله وأخذ ما معه. وكان قتله في السنة المذكورة تقريباً والله أعلم. وفي سنة إحدى وتسعين أخذ الملك المؤَيد جبال اللوز فطلعها في خامس المحرم كما ذكرنا. وقتل طائفة من عسكر الإمام وخرج الإمام هارباً في طريق متوعرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وشعوب لم تسلك قبل ذلك فخرج على بلاد بني وهاس ثم على الظاهر إلى أن سار إلى ذروان. وعلا الملك المؤَيد جبال اللوز إلى صنعاء ظافراً مسروراً فأقام فيها بقية عامه ذلك. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام الفاضل أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن محمد بن منصور الأصبحي. وكان فقيهاً كبيراً عالماً عارفاً محققاً مدققاً موفقاً في الجواب مبارك التدريس تفقه به جمع كثير من نواحٍ شتى وله عدة مصنفات منها المصباح مختصر في الفقه. والفتوح في غرائب الشروح والإيضاح في مذاكرة التنبيه. والوسائل. والترجيح. وفضائل الأعمال. والإسراف في تصحيح الخلاف. وكان الناس قد عكفوا عليه حتى ظهر كتاب المعين تصنف تلميذه أبي الحسن علي ابن أحمد الأصبحي. فاشتغل الطلبة وغيرهم بالنظر فيه عن غيره. وكان هذا الفقيه رجلاً عابداً زاهداً متورعاً كثير التلاوة للقرآن. وكان راتبه كل يوم من الأسبوع سبعاً من القرآن. وفي شهر رمضان ستين ختمة يقرأُ في كل يوم ختمة وفي كل ليلة ختمة فلما جاءَ شهر رمضان الذي توفي عقبيه ختم خمساً وسبعين ختمة وكان شديد الورع من صغره لا يأكل إلا ما تحقق حله. ولقد أَقام في مصنعة سير فوق عشرين سنة لا يأكل لهم طعاماً إنما يأكل من كيلته من وقف وقفهُ القاضي أبو بكر بن أحمد على من يدرس في جامع المصنعة وكان كثير العبادة وزيارة الصالحين والمساجد المباركة. وممن تفقه به الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الأصبحي والفقيه عبد الوهاب بن الفقيه أبي بكر بن ناصر وعبد الله بن سلم وأبو بكر بن الليث ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن عبد الله بن أسعد العمرانيان وغيرهم. وكانت حلقته تجمع أكثر من مائة فقيه في غالب الأوقات وربما بلغوا أكثر من مائتين في كثير من الأوقات ثم ضاقت به المصنعة فانتقل عنها إلى مدينة إِب فتلقاه أهلها بالإجلال والإكرام واحتملوا من جاءَ معهُ من الطلبة وقاموا بكفاية الجميع ما داموا منقطعين. وتوفي على أَحسن حال يوم الجمعة السادس من شوال من السنة المذكورة رحمه الله. وعمره يومئذ تسع وخمسون سنة. وقبر إلى جنب قبر الإمام سيف السُّنَّة ورآه بعض الفقهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بعد موتهِ في المنام فقال له ما فعل الله بك. فقال أخذ بيدي وأدخلني الجنة. وفيها توفي الفقيه الصالح محمد بن يَنَال بياءٍ مثاة من تحتها مفتوحة ونون بعدها ألف ولام. وكان أبوه بليغاً سكن بذي جبلة ثم تأَهل بها فظهر له هذا المذكور فنشأَ نشوءاً حسناً وتفقه بأهل جبلة. وكان جيداً حسن الأُلفة كثير المحفوظات فقيهاً فرضياً درَّس بالشرفيَّة إلى أن توفي أول السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنين وتسعين حصلت الوحشة بين الشريف جمال الدين على ابن عبد الله وبين الملك المؤَيد فتخوَّف الشريف جمال الدين من الملك المؤَيد فترك الوصول إليه وأخرج حريمه من صنعاءَ ليلاً فنمي ذلك إلى الخليفة فكتب إلى الشريف علي بن عبد الله يسأَله عن سبب تخلفه عن الوصول فكتب إليهِ الشريف جواباً يقول فيه أن ابنك ملك شاب قادر وأخاف منه بارة وأكثر ما تقول أَخطأَ داود. فعاد جوابه معاذ الله أن يفعل ذلك وإن يفعل أبوه فلم تطب نفس الشريف وبقي على الامتناع ثم تأَكدت الوحشة وتظاهر الأمير جمال الدين بالخلاف ومراسلة الإمام. وكان الإمام في حصنه بحجة والأمير في حصنه براش في المعازب فأجابه الإمام وطلع إليه بعسكر عظيم وحشر الأمير جمال الدين ومن معه من أهل شظب وأهل الظاهر والتقى بالإمام وقصد الجميع منهم الكولة وحطوا عليها أياماً فلم يتصلوا بشيءٍ منها. وبعد ذلك اتفق كافة الأشراف واختلفوا وهدموا ما بينهم من الذحول والقتل واجتمعوا على حرب السلطان فكتب بعض الأشراف إلى الملك المؤَيد كتاباً يقول فيه تنح عن الدست الذي أنت صدره ... وعدّ عن الملك الذي حزته غصباً رويدك أن الله قد شاءَ حربكم ... وصيرني الرحمن في ملكه حرباً سأجلبها شعثا إليك سواريا ... مضمرة جرداً مطهمة قبا عليها ليوت من لؤَي بن غالبٍ ... بها ليل بسامون قد مارسوا الحربا فما في جبال اللوز عارُ لسدٍ ... غدت وأكفاف السحب من دونه دربا فأجابه الملك المؤَيد بكتاب وأبيات يقول فيها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 رويدك لا تعجل فما أنت بعلها ... سيأتيك فتَّاك يعلمك الضربا فان تك ذا عزم فلا تك هارباً ... كعادة من قد صرت من بعده عقبا وسائل جبال اللوز عنا وعنكم ... فأفضلكم ولى وخلفكم نهبا فعاملتكم بالصفح إذ هو شميتي ... وما انتم تعفون عن واقع ذنبا ولما اتفقت كلمة الأشراف واجتمعوا على حرب السلطان جرد عساكره المنصورة. وطلعت خزانته المعمورة من اليمن فكانت الخيل نحواً من ألف فارس والرجل نحواً من عشرة آلاف راجل وخرج الملك المؤَيد في عساكره من صنعاء وعساكر أبيه التي طلعت من اليمن فطلع الظاهر وحط في الماجلين فحصل بينه وبين الأمير جمال الدين علي بن عبد الله بن علي بن وهاس خطاب ومراسلات. ثم التقوا واصطلحوا. وقد عاد إلى الملك المؤَيد بعد أن حلف له على الوفاء فأقام الملك المؤيد هنالك شهراً. ثم طلع الظاهر وأقام في الظاهر الأَعلى أياماً ثم نهض إلى الظاهر الأسفل ثم قصدهم إلى ما جل الصعدي فوقع هنالك قتال عظيم وولت الخيسل والرجل من عساكر الأشراف حتى صاروا بالأكمة الحمراء فخالف بنو شهاب وأهل حضور وانحازوا من عسكر السلطان إلى عسكر الاشراف وردوا ردة صادقة فقتل خمسة أنفار وعاد الملك المؤَيد إلى محطته ثم نهض إلى الكولة ولم يقف غير ليلة واحدة ونهض إلى البون وطلب منهُ الأمير عبد الله بن علي بن وهاس عسكراً يقف معهُ فأعطاهُ خيلاً ورجلاً ورجع إلى صنعاءَ. وفي هذه السنة اقطع السلطان الملك المظفر ولده الملك الواثق إبراهيم ابن يوسف ظفار الحبوضي فسافر إليها في البحر من عدن في شهر رمضان ولم يزل إلى أن توفي في التاريخ الآتي ذكره أن شاء الله تعالى. وفيها توفي القاضي الأجل أبو محمد عبد الرحمن بن القاضي محمد بن أسعد ابن محمد بن عبد الله بن سعيد المقري العبسي المذحجي. وكان مولده في الثامن عشر من جمادى الأخرى من سنة سبع وأربعين وستمائة. وكان ذا عبادة وزهادة واجتهاد في العلم. وولي قضاءَ عدن مدة فكادره رجل من التجار يقال له بن مكاس بان كذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 عليه إلى السلطان فحمل السلطان كلامه على الصدق وأَمر بعزل القاضي فعزل عن قضاء عدن ولم يفلح التاجر بعد ذلك بل أخرجه الله من عدن واسكنه بين الكفار في الهند وصار غلاماً لملك منهم إلى أن توفي على حالة غير مرضية. ولما انفصل القاضي من عدن كما ذكرنا ورجع إلى بلاده من ذي اشرف حسده بعض أهل الوقف فكاده إلى القضاة أهل سير فكرهوه وظهر له منهم ذلك فلاذ بالملك الأشرف توقياً لشرهم فجعله والياً وأحسن إليه. فلم يزل معه مجللاً إلى أن توفي في آخر يوم من رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نجاح المعروف بابن ثمامة بثاءٍ مثلثة مضمومة وميمين مفتوحتين بينهما ألف وآخر الاسم هاء تأنيث. وكان مولده سنة سبع وعشرين وستمائة وتفقه بألفيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وتزوَّج بابنته فولدت له ولدين هما إسماعيل ابن علي ومحمد بن علي واستخلف الفقيه إسماعيل على قضاء القحمة فذكر عنه حسن السيرة وكمال القضاء ولم يزل حتى جاء خصمان أدعى أحدهما على الآخر شيئاً. وكان المدعى عليه قد تقدمت له هدية إلى القاضي وصحبه قبل القضاء " كذا في الأم ". وكان مبارك التدريس أثنى عليه الفقيه جمال الدين محمد بن عبد الله الحضرمي. قال وكان من ابرك المدرسين تدريساً. وكان عظيم الخشية سريع العبرة عند ذكر الله تعالى وكان يسمى البكاء لذلك. وكان ممن يزار ويتبرَّك به. وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وخلف ابنه إسماعيل فكان فقيهاً كريم الأخلاق. وتوفي في جمادى الأولى من سنة تسع وسبعمائة. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الخطاب عمر بن محمد بن أحمد بن مصباح العنسي بالنون وكان فقيهاً حسن السيرة كثير الحج يقال أنه حج ستاً وثلاثين حجة. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وتسعين تجهز الملك المؤَيد للحرب والطلوع إلى ناحية حضور والبلاد الشهابية. فخرج من صنعاء وحط في القبة فوقع بينه وبين الأمير جمال الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 علي بن عبد الله مراسلة وخطاب في معنى الصلح على أن الملك المؤَيد يرجع إلى صنعاءَ وإن إتمام الصلح يكون في ظفار ولم يرد الأمير جمال الدين بذلك إلا الخديعة لأنه كان غير أهبة للحرب فرجع الملك المؤَيد إلى صنعاءَ وتجهز الأمير جمال الدين للمسير إلى ظفار واستصحب معه مشايخ البلاد وأكابرها. وجهز الملك المؤَيد وزيره الفقيه شرف لدين أحمد ابن علي بن الجنيد في خمسين فارساً من المماليك البحرية ومائتي رجَّال وما يحتاج إليه من الخام والمطابخ والآلة وجماعة من الجاندارية والبردارية فخرج من صنعاءَ وحط تحت ظفار في ورود ثم طلع إلى ظفار في جماعة من الجند وجماعة من الرجال وتحدثوا في أمر الصلح وأوجدوا الوزيران أن الأشياء تامة وما مرادهم إلا إصلاح أمرهم واستلحاق من تأَخر عنهم من أصحابهم مثل الأمير موسى بن أحمد بن الإمام والأمير جمال الدين عبد الله بن علي بن وهاس فكاتبوهما واستمالوهما فخالفا على السلطان أَيضاً ودخلا ظفار موكبين فاتفقوا جميعاً وحلف الكل منهم للأمير همام الدين سليمان بن القسم. فلما اتفقت كلمتهم اجتمعوا بالفقيه شرف الدين وقد كتبوا كتاباً بسبب الصلح. وتشرَّطوا فيه أشياء لم تجرِ بها عادة وقالوا نحن لا نصالح إلا على ما قد ضمنَّاه هذا الكتاب فأرسل به إلى مخدومك. فصدره الوزير إلى الملك المؤَيد فلما وقف على مضمونه أرسله إلى والده الخليفة فلما قرأَه الخليفة استنكره ولم يكن له جواب إلا خروج الأمر العالي إلى ولده الملك المؤَيد يأمره بالخروج في عساكره إلى البلاد الشهابية والحضورية وتجهز الأمير بدر الدين حسن ابن بهرام والفهد بن حاتم إلى ناحية صعدة فخرج الملك المؤَيد إلى البلاد الشهابية فأخرب منها عدة مواضع ثم نهض إلى ناحية حضور فأخرب فيها مواضع أيضاً في حارة الجبل ووصل الأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى ابن حمزة بعسكر جرار نحو من ألفي راجل مادة للأمير جمال الدين علي بن عبد الله وخرج الأمير همام الدين سليمان بن القسم من ظفار فحط في موضع يسمى قسط من بلاد ابن وهاس قريب من الرحبة. فكان الملك المؤَيد يحاربهما تارة في رهقه وتارة في حبل حضور. وصبح بيت شعيب فأخذه قهراً بالسيف وقتل أهله ثم عاد إلى بلد ابن وهاس فأَخذ قرية بني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 القديم واخرب البلاد وعاد إلى صنعاء في شعبان من السنة المذكورة. فوقع عقد ذمة في باب السلطان بالصلح بينهُ وبين الأشراف. وأَما جريدة صعدة فكان مقابلتهم الأمير نجم الدين موسى بن أحمد بن الإمام في نحو من ثلاثمائة فارس ما خلا الرجل فوقعت بينهم حروب حصل القتل في الفريقين ثم حصلت ذمة ثلاثة اشهر ثم نزل الملك المؤَيد إلى الأبواب السلطانية ونزلت رسل الأشراف لتمام الصلح وخرج الأمير علي بن عبد الله إلى ناحية المشرق فابتنى مصنعة تنعم وأجابه أهل المشرق قاطبة واتصل بالأمير سليمان بن محمد سليمان بن موسى وكان في ناحية ذمار وركن اليأس إليهم ووقع الفساد في البلاد فورد أمر السلطان بطلوع الملك الأشرف إلى البلاد العليا بسبب الصلح فتقدم إلى صنعاءَ فكان دخوله صنعاءَ يوم الاثنين العاشر من ذي القعدة من السنة المذكورة. فوصل إليه أهل المشرق قاطبة وكافة أهل حضور والأمراء الشهابيون وجاءَ بنو الراعي إرسالاً ثم خرج الأمير علي بن عبد الله من ظفار إلى ردمان فخرج أمر مولانا السلطان الملك الأشرف على الأمير بدر الدين محمد بن حاتم بالمضي إلى ردمان والمسير مع علي بن عبد الله إلى صنعاءَ. وقد كان الأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة وصل إلى الشريف علي ابن عبد الله وأَقام عنده في ردمان فنزلا معاً صحبة الأمير بدر الدين محمد ابن حاتم إلى الملك الأشرف بصنعاءَ. فلما وصلوا القلعة لقيهم الأمير صلاح الدين أبو بكر بن الملك الأشرف مؤْنساً لهم ومشرفاً. فلما صاروا قريباً من المدينة لقيهم الملك الأشرف بنفسه في عساكره وجنوده فسلموا عليه ودخل الجميع منهم تحت ركابه حتى وصلوا القصر السعيد فأكرمهم وقابلهم بالقبول ولم يبقَ أحد ممن شهر نفسه بالخلاف إلا وصل إليه رغبة ورهبة. وقال في ذلك أخو كندة يمدح الأشرف في قصيدة أولها. هو في انتقاد البيض طب صيرف ... فتنحَّ عنهُ فربما لا يعرفُ يرتاح من كل الملاح إلى التي ... في ثغرها بردُ يرف وقرقفُ واسأَله عما شئت من أَلم الهوى ... يخبرك فهو المستهام المدنفُ ما فارق العلمين حتى علما ... أجفانه كيف المدامع تذرفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 أبداً ولا عنت بعسفان المها ... إلا وعَنَّ له هوىً متعسفُ ولطالما سارت غرائب نظمهِ ... وسمت فكان له النقاع المشرف مدحُ إذا رُويت أشاد بذكرها ... عمر وشرفها المليك الأشرف عقل به وسمت ومن تنكيرها ... أضحت بطيب ثنائه تتعرَّفُ وبضاعة حليت فشتى ريحها ... فيما لديهِ مخطبُ ومعرَّفُ ملك بيمن قدومهِ باب الرجا ... فتح وسحب الجود جودُ وكَّفُ فرمُ تشذر فالوغا مشبوبة ... والخيل تعدو والركائب توجفُ ومعوَّدُ للنصر مشهورُ بهِ ... راياتهُ بدمِ الفورس ترعُفُ وأفا وليُّ العهد جاد عهادنا ... وأَماننا من كل ما يتخوَّفُ برد تقمصه الممهد خصهُ ... بلباسهِ الملك المظفرَّ يوسفُ قل للأولى زعموا بان عنادهم ... ما كان حتى كلفوا ما كلفوا ليعد إلى المحبوب كل مكلفٍ ... فلديه ملكُ بالرضا متعطفُ أوْ فليثق أن لجَّ في طغيانهِ ... بعقاب يوم ليس فيهِ منصفُ هذا ملاذ الخائفين وهذهِ ... عين الحياة فمن احب فيعرفُ هذا ابن سيد يعربٍ ومليكها ... هذا الجواد السيد المتغطرف حرام الخلافة ما عداهُ فخائفُ ... من حوله يتخطف المتخطفُ شن الو قبلهُ ... في الصيت إلا آخر متخلفُ وتأَلفت فيه تكن ... إلا بسيرة عدلهِ تتأَلَّفُ ودعا مناديه الأنام فلم يكن ... للخلق عند ندائهِ متوقفُ يغشون باب متوجِ ما أن لهم ... عنهُ وعن غشيانهِ متصرفُ ويروعهم خلف الحجاب مملَّك ... يمضي وينجز ما يقول ويسعفُ سهل لمن والاه عدلُ منصفُ ... وعرُ لمن عاداهُ حتفُ متلفُ عمت مراحمهُ وعمَّ عقابهُ ... فهو النسيم يهبُّ فيهِ الحرجفُ قال صاحب العقد ثم اقبل الملك الأشرف على حديث الصلح فيما بينهُ وبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الأشراف كافة على يد الأمير جمال الدين علي بن عبد الله وتمت الأمور وصاحت الصوائح واطلَّ عيد النحر والخلق كلهم على بابه من الشرق والغرب والغز فخرج إلى الميدان في عساكره المحشودة. ثم انقلب إلى المصلى إلى أفخم حال وأَعلى شأْن ووقف في صنعاءَ في الحجة والمحرم. وفي سنة أربع وتسعين تجهز الملك الأشرف للنزول إلى اليمن فكان خروجه من صنعاءَ يوم الجمعة الثاني عشر من صفر من السنة المذكورة. فلما وصل إلى تعز واستقر بها اختصهُ والده بالملك العقيم ومكنه أزمة الأمر القويم وخرج التقليد الكريم. بمشهد من الملوك العظماء والجحاجح الكرماء. ناطقاً بفصل الخطاب. وإنارة التحقيق وأصواب. بما يربي على الروض غب السحاب. ويزري بفريد الدر في عُنق الكعاب. قائلاً بعد الحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قال المصنف رحمهُ الله وكان للمظفر رحمه الله من الآثار الحسنة ما هو مشاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 إلى الآن. فمن ذلك المدرسة التي أنشأَها في معزية تعز المعروفة بالمظفرية جعل فيها مدرساً ومُعيداً وعشرة من الطلبة ورتَّب فيها إماماً ومؤذناً ومعلماً وعشرة أيتام يتعلمون القرآن وقيما ووقف عليها ما يقوم بكفاية الجميع منهم. وابتنى مسجداً في معزية تعز يعرف في وقتنا هذا بالمسجد الجديد ورتَّب فيهِ إماماً وخطيباً ومؤَذنين وقيمين ووقف عليهِ ما يقوم بكفايتهم الجميع.؟ وله دار الضيف بذي عُدينة أيضاً. وابتنى الخانقة التي في مدينة حيس ورتب فيها إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. وجعل طعاماً للواردين في كل يوم مد من الحب بمد أهل اليمن يزيد على حمل الجمل الضخم الشديد خارجاً عن اللحم والتمر. ووقف ويقال أن وقف الخانقة المذكورة التي في مدينة حيس في كل سنة من الطعام. ومن مآثره الجامع المظفري الذي في مدينة المهجم رتب فيهِ مدرساً ودرسه وإماماً وخطيباً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً ووقف عليهم وقفاً جيداً يقوم بكفايتهم. ومن مآثرهِ أيضاً الجامع في واسط المحالب ورتب فيهِ إماماً وخطيباً ومؤذناً ومعلماً وأيتاماً ووقف عليهم ما يقوم بكفايتهم. وابتنى مدرسة في ظفار الحبوضي وأوقف عليها ما يقوم بكفاية المرتبين فيها. وابتنى خادمه بدر المظفري في مدينة زبيد مدرسة للفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنهُ ومدرسة لأصحاب الحديث ومدرسة لقراء القرآن الكريم بالقراءات السبع ودار مضيف ورتب في مدرسة الفقه ومدرسة القراء ودار المضيف في كل موضع إماماً ومؤذناً وقيماً ووقف على الجميع ما يقوم بكفايتهم. وكانت دولة الخليفة رحمه الله تعالى أقرب إلى العدل والرأفة وكان يجالس العلماء والصاحين. وكان رحمه الله مشتغلاً بالعلم أخذ من كل فن بنصيب قرأ الفقه على الفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي وغيره والحديث على الفقيه محمد بن إبراهيم الفشلي وعلى الفقيه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري وقرأ النحو واللغة على الشيخ بن يحيى إبراهيم الحمك وقرأ المنطق على الفقيه أحمد بن عبد الحميد السرددي وجمع أربعين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى عليهِ وسلم عشرين في الترغيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وعشرين في الترهيب. وحدثني الفقيه جمال الدين محمد بن عبد الله الريمي وسمعتهُ غير مرَّة يقول طالعت أمهات كتب الحديث من كتب مولانا الخليفة المرحوم فوجدتها كلها مضبوطة بخط يده حتى أن من رآها يقول لم يكن له شغل طول عمره مع كثرة اشتغاله بالعلم في فنون شتى واشتغاله بأمور المملكة. وقال معلمه الفقيه محمد بن الحضرمي كان مولانا الملك المظفر يكتب كل آية من كتاب الله تعالى وتفسيرها فيحفظها ويحفظ تفيرها على ظهر قلبه غيباً. وكان له في علم الطب يد طولي. ولما افتتح مدينة ظفار الحبوضي ذكر في كتابه إلى الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر أنه يحتاج إلى طبيب لمدينة ظفار لأنها وبيئة. وقال ولا يظن المقام العالي أنا نريد الطبيب لأنفسنا فإنا نعرف بحمد الله من الطب ما لا يعرفهُ غيرنا وقد اشتغلنا فيهِ من أيام الشبيبة اشتغالاً كثيراً وولدنا عمر الأشرف منت العلماء بالطب وله كتاب الجامع ليس لأحد مثله. وكان المظفر رحمهُ الله متضلعاً من العلوم. ويؤَيد ذلك ما رأيت بخطه في جزءٍ من تفسير فخر الدين الرازي ما نصه: نقول طالعت هذا التفسير من أوله إلى آخرهِ مطالعة محققة ورأيت فيهِ نقصاناً كثيراً وجاءَني من الديار المصرية أربع نسخ من قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز فرأيت فيها النقصان على حاله فلم اقنع بذلك بل اعتقدت أنه من الناسخ فأرسلت رسولاً قاصداً إلى خاسان إلى مدينة هراة فجاءَني بنسخة المصنف وقد قرئت عليهِ فرأيت فيها النقصان على حاله وتبيضاً كثيراً فانظر إلى هذه الهمة العالية في تحقيق العلوم والاجتهاد فيها ومطالعة هذا التفسير الجامع للعلوم. وكان محباً للرعية ومحسناً إليهم لا يكلفهم فوق ما يطيقونهُ. وإذا شكا أهل جهة من عامل من العمال أو كاتب من الكتاب عزله عنهم ولا يعيدهُ إلى تلك الجهة أبداً خوفاً من عائلته عليهم. وكان إذا زادت جهة في الخراج على المعتاد أو نقصت عن الخراج المعتاد سأَل عن سبب الزيادة والنقصان فإن كانت الزيادة من بدعة أبدعها العامل أو النقصان لخراب في الجهة أدب العامل أدباً بليغاً وصادرهُ وترك استعماله البتة. وكان يأْمر الولاة والمقطعين بالعدل في الرعية وتبجيل العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ويروى أنه كان لهُ خمسمائة فارس في مصر يجاهد الإفرنج ويحمل حواتكها من اليمن مع ما كان يحمله إليهم من أصناف الهدايا والتحف. ويروى أن ملك الصين حرم على المسلمين في بلده الختان فتعبوا من ذلك وضاقوا فكتب إليه السلطان الملك المظفر رحمهُ الله كتاباً يشفع إليه في الإِذن لهم وأرسل إليه بهدية سنية توافق مراده فقبل شفاعته وأذن لهم في ذلك. وظهر له من الولد سبعة عشر ذكراً مات أكثرهم في سن الطفولة وعاش منهم بعد وفاته خمسة رجال وهم: عمر الأشرف. وداود المؤيد. وإبراهيم الواثق. وحسن المسعود. وأبو المنصور. وكلهم ولي ملكاً وخطب له على المنابر وضربت السكة على اسمهِ إلا المسعود فإنه لم يتصل بشيءٍ من ذلك. وكان وزيره القاضي بهاء الدين محمد بن أسعد العُمراني. ومدحهُ عدَّة من الشعراء الفصحاء المشهورين منهم الشاعر المشهور محمد بن حمير وكان أوحد عصرهِ أدرك صدراً من دولتهِ ولهُ فيهِ غرر المدائح في أيام إمارتهِ وأيام خلافته. وهو القائل يهنئهُ في أيام إمارته وقد أقطعه والدهُ رمع وظهر له يومئذِ ولده الملك الأشرف فقال يهنئهُ هنيت بالولد الميمون والبلدِ ... ولا برحت سعيداً مدَّة الأبد في غرَّة البدرِ في عمر الشوامخ في ... سعادة المشتري في جبهة الأسد أُعيذهُ بعد أسماءِ الإِلهِ بقل ... وقل وقل وبحمد الواحد الصمد من العيون ومن ريب المنون ومن ... دقس المنون ومن نفاثة العقد ومنهم القاسم بن هتيمل شاعر المخلاف السليماني رحمه الله. وكان فصيحاً حسن الشعر مداحاً وله في السلطان الملك المظفر رحمة الله عليه عدة قصائد من المشهورات من ذلك قوله: اَّعدلي أَحاديث الفريق وكرر ... وهات لنا عن حاجر ومحجر وكيف الله أًرتاضه ... ترف برقراق النضارة أخضر تطل طله ... بأَبيض في أَحوى النبات وأصفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 كان دهاق أرب يمم فوقه ... سبائب مرّ أو درانك عبقر إذا ما النسيم الرطب صافح تربه ... تعطر من حوذانه المتعطر وهل من نسيم الريح والرند نفحة ... ممسكة في طي نشر معبر ويا لائمي في نفحة حنيت بها ... ضلوعي على جمر الغضا المتسعر أرحني فما صدري بهضب عمانه ... فاسلو ولا قلبي صفاة المسيفر ومن لي ويوم الدجن ليس بمشمس ... مضيءٍ وليل الحظ ليس بمقمر بساقيه تسعى إليَّ بأَُزهر ... رذوم بذي لونين أحمرٍ أحمر إذا باشرته بالبنان تعصفرت ... أناملها من صبغة المتعصفر تدل بخصر في النطاق مؤَنث ... لطيف وصدر في العناق مذكر ترى الليل فوق الشمس في خيزرانة ... مرنحجة في حقنها المتمرمر تذلل فإن يشمخ عليك بأنفه ... عزيز فلازم عزة المتكبر ولا تكترث واجزع من الضيم آنفاً ... ولن لم يكن بد من الصبر فاصبر فقد قدم المقدار غير مقدم ... وقد أخر المقدار غير مؤخر ودالت على الإسلام للشرك دولة ... حنين وأحد فيض بدر وخيبر ولا وأبي لا ذقت راحة عيشةٍ ... إذا أنا لم أظفر بعفو المظفر فتى ورث الإذواءَ غير مدافع ... وأحرز فضل الأسدين ومنذر أعم سماحاً من سماحة حاتم ... وأعظم بأساً من بسالة عنتر تحاط ثغور الملك منهُ بقادر ... على كون ما لم يقض أو لم يقدر أعز رسوليّ يزر قميصه ... على القمر التم الخضم المظفر سماح كفيض اليم في هضب يذبل ... ووجه كبدر هو الملك الموفى على ملك تبع ... على علاعن ملك كسرى وقيصر قل الحق واعجب من مليك مملك ... رقاب الرعايا لا أمير مؤمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فوا الله ما تدنو أكاسر فارس ... إليه ولا تسمو تبابع حمير ولو وزن الأملاك منهُ بخنصرِ ... لما وزنوا منهُ قلامة خنصر أحامل أعباء الخلافة إذ وهت ... دعائم عباس وأركان حيدر أقلني فلم اعثر وهبني لأَفرخ ... كزغب القطابين الأفاحص قعر ولا تقف بي عمرو بن هند وطرفة ... ورأي أنوشروان في برز جمهر وهب لي ذنباً قد أتيتك تائباً ... من الذنب واستغفرتك الذنب فاغفر فلو إنني في الأبلق الفرد نازل ... لأدركتني أوم في قلال ذمرمر وماذا يضر البدر أن طن تحتهُ ... بعوضة حس أو ذبابة مجزر وما أنا قدر لا حبيب لطيء ... فأبقى ولا كنت الوليد لبحتر ولست وإن خُوّلت ما لست أهلهُ ... بأفصح من أهل الزمان وأشعر ليهن سراج الدين أن قد أنلتهُ ... مكانة فتح من خلالة جعفر لك الخير فعل الخير في غير أهله ... لعمرك فعل غرسهُ غير مثمر فهل لك من رام يفوّق ما رمت ... يداهُ وما يرمي بأفوق أزعر أخافطنة أن يمنع النصف يحتسب ... غناءً وإن يُعْطَ النفاية يشكر وانك إن أهملتني وتناسخت ... عليَّ الليالي من سنين وأشهر أتاك وإن كنت الغني عن الذي ... يحيك بتفويف الصباغ المحبر من اللاء ما غنى الوليد بل بلبل ... بهن ولم يخلع على ابن المدير خوالد يفنى عمرَ لقمان عمرها ... ولقمان أفنى عمر سبعة أنسر وحاشاك أن علي قصيدتي ... براقش أو تضحى كلمة جحدر ومدائحه فيه كثيرة مشهورة. ومهم الفقيه سراج الدين أبو بكر ابن دعاس وكان شاعراً ماهراً فقيهاً نبيهاً نحوياً لغوياً. وكان أحد جلساء الخليفة وخصيصاً بهِ. وكان الخليفة رحمهُ الله يثني عليهِ ويفضلهُ على ابن حمير ويقول إنما ابن حمير ويقول إنما ابن حمير صاحب خلاعة. وكان ابن دعاس المذكور متوسعاً في العلم. وكان من أهل زبيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 ينسبونهُ إلى سرقة الشعر ويقولون إذا حوسب الشعراءُ يوم القيامة يؤْتى بابن دعاس للحساب فيقول هذا البيت لفلان وهذا الصدر لفلان وهذا العجز لفلان فيخرج بريئاً ويروى أنه لما حج السلكان الملك المظفر ورجع إلى اليمن اسٍتأذنهُ بن دعاس من المهجم للتقدم قبل ركابهِ إلى زبيد. فقال له أتريد أن تتقدم لتجمع شعراً من الدواوين وتلقانا بهِ. ثم أذن له في التقدم فلما دخل الخليفة زبيد انشده ابن دعاس يوم قدومه قصيدة باهرة وأول بيت منها لابن الحجاج البغدادي وهو: ليس في قدرة ولا إمكان ... نيل ما نلت يا مليك الزمان وفيها يقول هاك شعراً منظماً لم أغز ... فيه لا مصحف ولا ديوان فقال لهُ الخليفة نهيناك عن الدواوين فتعديت إلى المصحف. ولما قدم العماد الأعمش بكتاب الدرج من مصر قال فيهم ابن دعاس المذكور أهدى العماد نحونا ... من مصر كتاباً غرز سفيروا بقائراً ... لكنها على غرر ولم يكن كما قال وإنما كانوا أهل فضل وفواضل. ويرى أنه لما قدم أبو الظاهر البيلقاني الأنصاري إلى عدن وكان عالماً متفنناً أعلم الخليفة به فأمر بتجهيزه إلى حضرته فلما حضر المقام السامي أمر السلطان من باحثهُ فوجده كاملاً فأَراد الخليفة رحمه الله أم يقرأَ عليه شيئاً في المنطق فاستشار ابن دعاس فقال له أما علمت يا مولانا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البلاء موكل بالمنطق " فتطير الخليفة من قوله وقال لقد حلت بيننا وبين الانتفاع به. ومنهم المسحي أحد شعراء الشام وهو القائل في السلطان الملك المظفر رحمهُ الله تعالى لكم كيمياء الملك صحت وغيركم ... يعالج في تحصيلها الماءَ والملحا وتصبح أقلام الوقائع في الوغى ... سراعاً على أعدائكم تكتب الفتحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الباب الرابع ذكر قيام الدولة الأشرفية الصغرى قال المصنف رحمه الله لما توفي السلطان الملك المظفر رحمه تعالى كما ذكرنا في تاريخه المذكور قام بأمر الملك بعده ولده الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول فاستولى على الحصون والمدن وسائر المخاليف والبلاد كلها. وكان ملكاً سعيداً عاقلاً فاضلاً أديباً لبيباً حسن السيرة وادعاً. وكان قد اشتغل بطلب العلم في أيام إمارته حتى برع في عدة من الفنون وشارك فيما سواها وصنف مصنفات كثيرة وكان محبوباً عند الناس على اختلاف حالاتهم وتباين طبقاتهم. ولما علم أخوه الملك المؤَيد بموت والده وكان في الشحر يومئذٍ كما ذكرنا خرج من الشحر يريد اليمن لطلباً للملك. قال ابن عبد المجيد فلما قرب من اليمن وصل إليه كتاب من أخيه الملك المنصور يحذره وعرض عليه حصن السَّمَدَانِ وكان يومئذ في يده فشكر له هذا الصنيع وكان متردداً بين الأقدام والأحجام فبينا هو كذلك إذ وصله كتاب القاضي موفق الدين علي بن اليحيوي يقول فيه قد شاع الخبر انك واصل إلى اليمن وسمعت من محقق أن أخاك السلطان الملك الأشرف قد أرسل نفرين من الفداوية إليك فالحزم الحزم واحترز في نفسك. فلما جاءَه كتاب القاضي موفق الدين بما ذكرناه اشتد عليه الأمر وسار مجدّاً. فلما وصل أبين وكان فيها عسكر من جهة الملك الأشرف هرب المقدم إلى اليمن في طائفة من العسكر ومالت طائفة أخرى إلى الملك المؤَيد فجهز أثقاله وحريمه إلى حصن السهدان وجهز معهم عسكراً فوصلوا على السلامة وعزم على حصار عدن وأخذها لينظر أين يبلغ معه أخوه فتوجه إلى عدن وتأَملها فرأى في بعض نواحيها درباً ضعيفاً متشعثاً فطلب صياداً من الصيادين الذين يصطادون حول الجبل وسأَله عن الجبل وعن طرقه وهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 هو سهل أَو ممتنع وهل فيه طريق يفضي إلى باب عدن أم لا. ففكر الصياد أن فيه طريقاً يصل الإنسان منها إلى باب البلد فقال له تقدر أن تأخذ معك عسكراً وتسير بهم إلى الموضع الذي ذكرت قال نعم. فكتم السلطان أمره واستوقفهُ عنده. فلما كان بعد صلاة المغرب أرسل معهُ من أجواد الرجال ثلاثمائة رجال وأوصاهم أن لا يظهروا حتى يروا السلطان بالقرب منهم فساروا صحبة الصياد. ولما أَصبح الملك المؤَيد جمة عسكره وتوجه نحو الباب. وكان الوالي قد جمع عسكراً من داخل البلد لحفظ الباب. فلما قرب منهم الملك المؤَيد وتأَهبوا لقتاله ثار عليهم أولئك الرجال وصاحوا من رأْس الجبل ونزلوا إلى الباب فملكوهُ وهرب الوالي وعسكره إلى داخل المدينة وصاحوا الأمان الأمان فأذم عليهم السلطان واستدعاهم إلى عنده فخرج إليه الوالي والنظار وأعيان البلد وصدور التجار رغبة ورهبة فاستولى على عدن ولم ينلها من أرباب الطمع أحد ورجع إلى الأجنة وهو في أشد ما يكون من الفرحج وجعل يتمثل بقول الشاعر إذا لم يكن إلا الأَسنة مركباً ... فلا رأْي للمضطر إلا ركوبها ثم تقدم السلطان إلى لحج وأبين فاستولى عليهما وامتلأَ اليمن هيبة منه وقلوب الناس محبة له. فلما سمع السلطان الملك الأشرف ما كانه مه في عدن ولحج وأَبين وإن الناس مالوا إليه كما يميل الحديد إلى المغناطيس جهز ولده الناصر في ثلاثمائة فارس فساروا إلى الراحة ووقف فيها. ووصل الشريف جمال الدين علي بن عبد الله من البلاد العليا فجهزه السلطان الملك الأشرف في خيل والحقه بولده الناصر. ثم طلب الجيوش من صنعاءَ وغرها وجهز ولدي الأمير شمس الدين أردمر نجم الدين وبدر الدين. فكثرت الجموع وتأَلبت الخيل من ناجية. ولم يكن يومئذ مع الملك المؤَيد إلا عسكره الذي وصل بهِ من الشحر وجماعة من الجحافل مقدمهم عمر بن سهيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن عبيد بن أبي بكر بن عبد الله البلعاني وكان فقيهاً فاضلاً ولد في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وستمائة. وتفقه بعلي بن قاسم الحكمي صاحب زبيد وعمر بن مفلح فقيه أَبين وبأحد الوزيرين ودرس في معزية تعز في النجاحية. وعنهُ أخذ جماعة من أهل تعز وغيرها. وإثنى عليه الفقيه عفيف الدين عثمان الشرعبي في تعليقته. وكانت وفاته نهار الخميس الرابع عشر من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عبيد بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود بن عليان الزحمي وكان فقيهاً عارفاً. ولد يوم الثاني من ربيع الآخر من سنة اثنتي عشرة وستمائة وتفقه بالفقيه. وبعلي بن الحسين الأصابي وبمحمد بن يحيى بن إسحاق وابن أخيه يحيى بن أبي بكر بن إسحاق وغيرهم. ويروى عنه رحمه الله أنه قال رأَيت ليلة إني سائر في طريق فوردت على ثلاث طرق يمناهن متسعة ويسراهن ضيقة والتي بينهما بين بينِ فتحيرت أيهن أسلك ثم قوي عزمي على سلوك الوسطى فلما صرت فيها لقيني رجل فقال أتدري ما الطريق قلت لا. قال أم الكبيرة فطريق ابن حنبل والوسطى طريق الشافعي والثالثة طريق مالك. ثم ارتحل إلى زبيد فاخذ بها الفرائض عن سعد بن معاوية والتنبيه عن الفقيه علي بن قاسم فقيه زبيد وسمع البيان عن عبد الله بن يحيى. ولما حج أخذ في مكة عن ابن النعمان التبريزي وتفقه به جماعة من بلده. وكانت وفاته فجأّة ليلة الاثنين لثمان بقين من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح سبأ بن عمر الدمني. وكان فقيهاً صالحاً حبراً قرأّ القرآن للسبعة القراء حتى أتقن. وكانت قراءَته على رجل من صهبان وأخذ كتب الحديث عن عبد الله بن أسعد الحديقي وتفقه. ثم قدم عدن فترتب في مسجد السوق صاحب المنارة. وكان يقرأ فيه القرآن والحديث وعنهُ أخذ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الحارزي كتاب البخاري ومسلم وامتحن في آخر عمره بكفاف بصره. وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وفي هذه السنة توفي المقري الفاضل أبو محمد عبد الرحمن بن القاضي عبد الله بن أسعد بن الفقيه محمد بن موسى العمراني. وكان مقرئاً مجيداً فاضلاً عارفاً بالقراءات مشهوراً بها محققاً لها. وله في اللغة معرفة حسنة. توفي في سلخ شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح الفاضل أبو حامد محمد بن أبي بكر بن أحمد ابن دروب صاحب ريمة إلا وكان فقيهاً بارعاً صوفياً تفقه بالجحيفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن أسعد بن علي بن فضل الصعبي المعروف بالجعميم بكسر الجيم وسكون العين المهملة وبعدها ميم مكسورة وياءُ وميم. وكان فقيهاً صالحاً تقياً مبارك التدريس موفقاً في الفتوى تفقه بابي العباس أحمد بن عبيد بن يحيى مقدم الذكر ودرس بعده وسأَلهُ جماعة من فقهاء سهقنة أن يسمعهم تفسير النقاش فتهيأَ لذلك فقال له بعض أولاد القاضي أسعد بن مسلم أحب يا فقيه أن تجعل ذلك عندي في داري يريد أن تقوم بكفاية الجميع من الجماعة فأجابهُ إلى ذلك. وسار من سهفنة إلى دار يزيد فاجتمع إليه خلق كثير. قال الفقيه صاح وكنت القارئ الغالب الكتاب والجماعة يسمعون. قال وكان الفقيه قد تنعس في اثناءِ القراءَة فتغلب على الظن أنه لا يسمع فأردت أن أكاسر عن القراءة إذا بي أَرى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع الفقيه وهو يقول لي اقرأْ يا صالح فقرأْت ولم اسكت بعد ذلك. ثم رأيت الفقيه قد فتح عينيه عقيب ذلك وتبسم إليَّ خاصة. فلم ادر ما تحت تبسمه من معنى. وكانت وفاتهُ في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وتسعين وستمائة سارت العساكر الأشرفية من الراحة إلى الجوة إلى كثيب القشيب. وسار إليهم المؤَيد بين ولديه الظافر والمظفر كما قال الشاعر تراهُ من نفسهِ ... في جحفل لجب فلما اصطدم الناس هزمهم حتى أعقلهم بالكثيب فنزل الشريف علي ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الصغرى عبد الله ووجوه العسكر فملكوا بعض العرصة. واصطدموا صدمة أُخرى فاهتزمت الجحافل وولوا الأدبار وهم معظم عسكره فرجع إلى الدرب على حامية وقد نهبت خزانته وآلتهُ وأحاطت العساكر بالدرب من كل ناحية فدخل عليه ابن أخيه محمد الناصر ووقف معهُ مليّاً ثم خرجوا جميعاً إلى خيمة قد ضربت فلم يزالوا بهِ حتى تقيد هو ووالداه وأقاموا بقية يومهم هنالك. واصبحوا سائرين إلى الجوة. وكان السلطان الملك الأشرف واقفاً بها منتظراً لما يحدث من إخبارهم فلما أتاهُ العلم بتقييدهم بكى بكاءً شديداً وأمر بإكرامهم وأرسل بهم إلى حصن تعز فوصلوا يوم الأحد التاسع عشر من المحرم من السنة المذكورة فاسكنوا دار الأدب. وأمر السلطان الملك الأشرف لهم بترتيب الأطعمة والأشربة وجعل عليهم خادماً اسمهُ كافور البتولي. وكان إذ ذاك مقدماً على المماليك فكان فيما يقال عنهُ يكسر الخبز إذا دخل عليهم وربما يفتش الربادي. ولما صار في السجن كما ذكرنا كتب إليه الفقيه أبو بكري بن محمد بن عمر اليحيوي كتاباً يقول فيه:) بسم الله الرحمن الرحيم. والضحى والليل إذا سجى (. ما ودعك ربك ضعيفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وأخبرني الفقيه محمد بن إبراهيم الصنعاني قال اخبرنا شيخنا الفقيه العلامة نفيس الدين سليمان بن إبراهيم العلوي قال حدثني جدي القاضي شرف الدين أبو القاسم بن عبد الرحمن الأشرفي أنه قال وجد ورقة مكتوبة بخط القاضي بهاء الدين فاستضعف خطه جداً. ثم أرسل بها إلى السلطان الملك المجاهد رحمه الله يعجبه من ذلك فأجاب رحمه الله نعم سيد الوزراء لسيد الملوك هذا لفظه بعينه. وكان أيضاً خطيباً مصقعاً لبيباً ذا دهاءٍ وسياسة ولم حسن نظر في تدبير المملكة. وكان يحترم الفقهاءَ ويجلهم وهو أول من جمع له الوزارة والقضاء باليمن في الدولة المظفرية. وبعده القاضي موفق الدين علي بن محمد اليحيوي في الدولة المؤَيدية. ثم القاضي موفق الدين عبد الله بن علي بن محمد اليحيوي في الدولة المجاهدية ثم القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس في الدولة الأشرفية. وهؤلاءِ جملة من جمع له القضاء والوزارة إلى هذا التاريخ وهو سنة اثنين وثمانمائة. ولم يزل القاضي بهاء الدين في وظيفتي الوزارة وقضاء الأقضية كما ذكرنا إلى أثناء سنة أربع وتسعين وستمائة. فلما كان في شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة. وأقام السلطان المظفر رحمه الله ولده الملك الأشرف في الملك والمملكة وقلده أمور البلاد والعباد. أشار القاضي بها الدين على السلطان الملك المظفر أن يكون أخوه القاضي حسام الدين حسان وزيراً للأشراف. فأمر الخليفة بذلك وبقي القاضي بهاء الدين على قضاء الأقضية وأخوه حسان يراجعه بما يرد عليه من أمر التهائم إلى أن توفي القاضي بهاء الدين في النصف من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه الله. وفي هذه السنة توفيت الدار الشمسي وهي ابنة السلطان الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول. وكانت امرأَة عاقلة عفيفة حازمة لبيبة. وكانت تحب أخاها المظفر حبّاً شديداً ويحسّنِ سياستها وتدبيرها حتى اتصل بالملك إذ كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 يومئذ بزبيد حين توفي والدهما. فشمرت وبذلت الأموال للرجال حفظت المدينة حتى وصل أخوها من المهجم إلى زبيد ملكها فهي أول مدينة ظهر فيها ملكه. ثم كانت هي السبب في أخذ الدملؤه وقد تقدم ذكر ذلك. ولذلك كان يبرها ولا يخالف لها رأْياً. وكانت ذات صدقة ومعروف ومآثرها كثيرة منها المدرسة المعروفة بالشمسية بذي مدينة من مدينة تعز لها وقف جيد على إمام ومؤَذن وقيم ومدرس وطلبة ومعلم وأيتام يتعلمون القرآن وابتنت مدرسة في زبيد معروفة بالشمسية أيضاً في جنوبي سوق المعاصر وأَوقفت عليها أيضاً وقفاً جيداً يقوم بكفاية المرتبين فيها. وهي التي تولت كفاية المؤَيد ابن أخيها. وكانت تحبه حبّاً شديداً. وسافرت معهُ إلى الشحر فتوفي أخوها السلطان الملك المظفر وهي هنالك فرجعت هي والمؤَيد فلما اعتقل المؤَيد كما ذكرنا صارت إلى تعز فنزلت في مدرسة أخيها المظفر وأقامت فيها أياماً فمرضت فاشتد بها المرض فانتقلت إلى دار المؤَيد ابن أخيها فلم نزل به حتى توفيت في شهر رجب من السنة المذكورة رحمها الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل يوسف بن أحمد بن الفقيه حسين العديني وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً بالفقه والفرائض وهو ممن ارتحل إلى تهامة فقرأ فيها الخلاصة على الفقيه عمر بن عاصم بزبيد. وزار الإمام العلامة أحمد بن موسى بن عجيل. وكانت وفاتهُ في قرية للذنيتين لأربعه بقين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه أبو العباس أحمد بن علي السرددي. وكان فقيهاً مجوداً وغلب عليهِ فن الحديث. وأدرك الشيوخ الأَكابر من تهامة والجبال والواردين إليهما من غيرهما. من تهامة محمد بن إبراهيم القشلي وإسماعيل ابن محمد الحضرمي وعمر السباعي. ومن الجبال محمد بن مصباح وغيرهُ. وأما القادمون فجماعة منهم العماد الإسكندري والقطب العسقلاني وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 حشيش وإسحاق الطبري. وعنهُ أخذ غالب فقهاء تعز كتب المسموعات كالبخاري ومسلم. وغالب كتب الحديث. وكانت كتبه محققة مضبوطة عند الفقهاء المحققين. وكانت وفاتهُ في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح الإمام أبو محمد عبد الله بن عمر بن سالم الفائشي. وكان مولده سنة تسع وخمسين وستمائة تقريباً. قالهُ الجندي وكان فقيهاً فاضلاً مقرئاً نحوياً له معرفة جيدة في الفقه والقراءات والنحو ولهُ مصنف جيد نحا فيه نحو البابشاذية سماه اللوامع. ولهُ يدُ في الأصول واللغة والحديث. وسافر إلى أبين فاخذ بها عن محمد بن إبراهيم وعن ابن الرسول. ثم سافر إلى تهامة فأخذ بها عن الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل. قال الجندي ثم قدم علينا الجند فاخذ عنه أربعين الإمام بطال بروايتها لها عن التهامي بن بطال مصنفها. قال وكان أوجه أهل البلد ديناً وعلماً. فلما مرض واشتد به المرض دخل عليه جماعة من الفقهاء يزورونهُ فدعوا لهُ فجعل يوصيهم بتقوى الله وكلما دعوا لهٌ بالعافية أعرض عن ذلك. فقالوا لهُ أنا نجدك في عافية وكلامك كلام من قدآيس من العافية وأيقن بالموت فقال إني رأيت الباحة أن سقف بيتي هذا كشف حتى رأيت السماء ونودت مها اقدم يا فقيه من باب الترحيب ونوديت باسمي واسم أبي أقدم مرحباً بك فعلمت أن أجلي قد دنا. فتوفي وهو على تدريس النجمية يوم الأربعاء لإحدى عشر ليلة خلت من شعبان من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله بن عمران الخولاني. وكان فقيهاً مقرئاً محدثاً. ولد سنة إحدى وستمائة. وقرأ القرآن بجياً والفقه والحديث على عشرين شيخاً. أكثرهم أخذاً عنهُ حسن بن راشد وأبو بكر بن ناصر. وكان الغالب عليه المسموعات والإجازات. وحج ثلاث سنين ودرس في مصنعة شير وفي الجند. وكان مسكنهُ في الجهة عزلة يعرف بريد براءٍ مكسورة وياءٍ مثناة من تحتها وآخر الاسم دال مهملة. وكان فقيهاً شخياً عالي الهمة. وتوفي في العزلة المذكورة ليلة الاثنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 لسبع خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة رحمهُ اللهُ تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن علي ابن إبراهيم بن أسعد الهمداني يجتمع مع الفقيه عمر بن سعيد العقيبي في أسعد بن أحمد. وكانت له قراءات وسماعات وإجازات واشتغل عن العبادة وكان مشتغلاً بالفقه والدين من الصلاة والصيام والزكاة والحج. وارتحل إلى تهامة فاخذ بها عن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي. قال الجندي وعليه قرأت الأربعين سريع الدمعة. ومتى سئل الدعاء مد كيفه ودعا وهو يبكى واستولى رأسه لموضع بعد ابن عمه عبد الرحمن المذكور أولاً. ولم يزل على حالٍ مرضي إلى أن توفي يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله. ولما بلغ خبر وفاته إلى الفقيه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي طلع الذي عقيب وحضر دفنه وأقام هنالك يوماً أو يومين بسبب القراءة على تربته ثلاثة أيام. فبلغه خبر وفاة القاضي بهاء الدين الوزير محمد بن أسعد العمراني المذكور أولاً فسافر من هنالك إلى المصنعة يعزي. وقرأ بعض أيام القراءة ثم عاد إلى بلده رجمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أسعد محمد بن موسى العمراني. وكان فقيهاً فاضلاً درس مدة في جامع المصنعة قال الجندي وعنهُ أخذت بعض كافي الصردفي والمهذب وبعض مصنعة في الرقائق وهو كتاب سماهُ: جامع أسباب الخيرات. ومثير عزم أهل الكسل والفترات. وهو من احسن كتب المتعبدين. ولهُ مختصر سماهُ البضاعة. في فضل صلاة الجماعة. قال وهو من المختصرات البديعة في ذلك. والتبصرة في علم الكلام. وشرح التنبيه شرحاً شافياً لائقاً اجمع الفقهاء على سماعه بعد فراغه من جميع فقهاء الجبال. وكان فيهم عدة من أكابر العصر قال وسمعت عليه بعضه وقرأت عليه جميع مصنفه الذي سماه البضاعة وإيضاح الأصبحي. وكانت وفاتهُ في شهر شوال من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وفي سنة ست وتسعين توفي السلطان الملك الأشرف محمد الدين عمر بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لسبع بقين من المحرم أول شهور السنة المذكورة. وكان ولده الناصر يومئذٍ في القحمة والعادل في صنعاء لأمر أراده الله تعالى فاتفقت آراء الخدم الخاصة والعامة والستور الكريمة على إبراز بدر الجود. وإصباح شمس الوجود. وإن يزأر الليث في غابه. وإن يستقر الحق في نصابه. وان يسوس الدولة نعمانها. وإن يتسلم الحكمة لقمانها. فلما كان السحر من تلك الليلة تقدمت الأكابر من الخدام إلى مولانا السلطان الملك المؤيد وهو في مجلسه فأخبره بانتقال أخيه الملك الأشرف إلى رحمة الله تعالى فناله من الأسف ما ناله لفقد أخيه وداخل المسلمين من السرور ما كاد يذهب بنفوسهم. ومن فرح النفس ما يقتل. ولما خرج من سجنه طلب من والي الحصن سيفاً يكون في يده فأتى بثلاثة سيوف له ولولديه وسار حتى وقف على رأس أخيه وبكى بكاءً شديداً وتأسف عليه تأسفاً عظيماً ثم خرج من عنده وقد أمر بتجهيزه فقعد في تخت الملك إلى أن طلع الفجر فلما لاح ضوء الفجر أمر نوابة الحصن أن يصيحوا بالترحم على الملك الأشرف وبالصباح السعيد على الملك المؤيد فسبحان من لا يزول ملكه. ولا يبيد سلطانه. وكان الملك الأشرف ملكاً سعيداً صالحاً براً باخوته وقرابته محباً لهم. وكان رؤوفاً للرعية عطوفاً عليهم وحصل في مدته في اليمن جراد عظيم استولى على الزرع والثمار فاشتكت الرعية إليه فأمر بمسامحتهم فتوقف الوزير عليهم وهو القاضي حسام الدين بن حسان بن أسعد العمراني ولم يمض المسامحة لهم كما أمر السلطان فاشتكوه إلى السلطان ثانية فكتب إليه يا فلان اقتصر عنهم ولا تفرقهم علينا فإنه يصعب علينا جمعهم. ومن مناقبه رحمه الله تعالى أن رعية النخل بوادي زبيد كانوا قد تلفوا من الجور الشديد وإفلات الملوك عليهم فبلغ بهم الأمر أن من كان له نخل لا يزوجه أحد وأي امرأة كان لها نخل لا يتزوجها أحد إلا مغرور. وكان الرجل الذي ليس له نخل إذا تزوج امرأة لا نخل لها يقال عند عقد النكاح بينهما ومن سعادتهما أنه لا نخل لأحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 منهما. لما ولي الملك الأشرف أمر من افتقد النخل فأزال عن أهله ما نزل بهم من الظلم. فهو أول من سن العديد بالفقهاء العدول وتبعه على ذلك بعده رحمهم الله أجمعين. وكان له من الولد محمد الناصر وأبو بكر العادل. ووزيره القاضي بهاء الدين وزير والده فلما توفي القاضي بهاء الدين استوزر أخاه القاضي حسام الدين واستعفى القاضي بهاء الدين عن الوزارة وبقي على قضاء الأقضية وإنما كان أخوه حسان يستشيره فيما يتعاظمه من الأمر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 الباب الخامس ذكر أخبار الدولة المؤيدية وما كان فيها قال علماء السير والأخبار لما توفي السلطان الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول رحمة الله عليه وأعلن الصائح بالترحم عليه والصباح السعيد على السلطان الملك المؤيد كما ذكرنا ارتجت المدينة وانزعج الناس وماج بعضهم في بعض فأمر السلطان بفتح أبواب الحصن فكان أول من طلع إليه من الناس الوزير القاضي حسام الدين حسان بن أسعد ين محمد بن موسى العمراني وزير أخيه المرحوم فاجتمع به وحلف لهُ الإيمان والمغلظة واستحلف له الجند والأمراء واعيان الدولة فيختلف عليه منهم اثنان ولم يمتنع عليه سهل ولا جبل ولا بلد ولا حضر. جرت أموره كلها على السداد والوفاق. وكتب تاج الدين الموصلي في ذلك اليوم مكاتيب إلى بلاد التهائم بأجمعه والى الجبال بأجمعها والى جهة صنعاء والأشراف فدخل الناس في الطاعة أفواجاً وأمر بتجهيز أخيه وتنفيذ وصيته فخرجوا به من الحصن في صبيحة الليلة التي توفي فيها وإمامه الظافر والمظفر يمشيان واعيان الدولة جميعاً حتى دخلوا به مدرسته التي أنشأها في معزية تعز فدفن بها وأقام القراء عليه سبعة أيام كما جرت عادة الملوك. وهنأه جماعة من الشعراء منهم الأديب شائق الدين يوسف بن محمد العنسي بقصيدة بديعة استهلال بارزة في قالب الكمال وهي: القوس مرترة في كف باريها ... فليعلم الناس قاصيها ودانيها وليلبس الكل منهم درع مسكنة ... كي يصبحوا في أمان من مراميها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وكل نعمة من ندا ملكٍ ... أبغي سالبها والذل كاسيها يهنئ المؤيد بل تهنئ خلافته ... أني أهنيه منها ما أهنيها خليفة الله من بعد الخليفة يا ... ملك الملوك جميعاً لا أحاشيها أن الخلافة ما قرت ولا هدأت ... حتى رمت نفسها كف حاميها أضحت محجلة الأيام مذ وقعت ... في كف داوودها غرا لياليها وفيها يقول: أن الرعية في أمنٍ وفي دعة ... وفي بُلَهْنيةٍ إذ أنت راعيها وكم يد لهزبر الدين قد حملت ... لغير طالبها منها وراجيها بلاد غسان ما انفكت دعائمها ... لما أنت من معاليه معاليها ترى لملك آسٍ لوالده ... سقاه قبل أياديه وهاميها وهنأه العفيف عبد الله بن جعفر بقصيدة أولها: أملك داود أم ملك ابن داود ... ما أن أقيس بكنعان ونمرود أفي الرواق هزبر تحت غابته ... أم الهزبر هزبر البأس والجود بين السماء وبين الأرض مزدحم ... ومن القنا والظبا والشرب والقود ومن ذوائب رايات إذا رفعت ... حسبتها طاردات بعد مطرود تدافع الريح أن يجتاز ساحتها ... طوراً وتكمل طوراً في الأماليد كان أمواج بحر الهند من زرد ... تفيض ما بين موضون ومسرود لله من طود ملك في السماء سما ... وظل أمن على الآفاق ممدود ورثت دولة غسان كما ورثت ... آباؤك الغلب من أجدادك الصيد نامت جفون البرايا في حماك وفي ... أجفان سيفك أي تسهيد فالأرض مشرقة والسحب مغدقة ... والنبت ما بين مخضود ومنضود ولي مواعد من نعماك صادقة ... ومنك نعرف إنجاز المواعيد كم انعم لك أيام الخليفة لي ... قد كان أول مسقي بها عودي ولما علم الملك الناصر جلال الدين محمد بن الملك الأشرف بوفاة أبيه واستيلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 عمه على الملك والسلطنة وكان في أقطاعه القحمة بادر إلى باب عمه متمثلاً أمره فلما وصل إلى عمه اقبل عليه واحله من العز محلة عظيمة. ثم وصل أخوه فعاملهُ معاملة ترضيه من الكرامة والإنصاف وعرض عليهما الاستمرار على أقطاعهما فاستعفيا عن الآمرية وقالا لا نحب خدمة بعد الوالد. وكان الواسطة بينهما وين السلطان الفقيه أبو بكر بن محمد بن عمر اليحيوي وأخذ لهما من السلطان عهداً وثيقاً أنه لا يغير عليهما ولا على أحدهما وأخذ عيهما أن لا ينازعاه ولا ينازعه أحد منهما. وكنا بين السلطان الملك المؤيد وبين الفقيه أبي بكر اليحيوي المذكور صبحة أكيدة ومحبة شديدة. وكان السلطان رحمه الله يعتمد رأي الفقيه أبي بكر في جميع ما يشير به عليه. وكنا الفقيه أبو بكر أوحد أهل عصره وعلماء زمانه. فلما حصل ما ذكرنا من قصة الدعنس وسجن السلطان الملك المؤيد في حصن تعز اغتم الفقيه أبو بكر على ما ناله غماً شديداً. واتصل العلم بالملك الأشرف أن الفقيه أبا بكر قصد المخالفة وإثارة الفتنة فاستوحش منه الملك الأشرف. وعلم الفقيه بالمكيدة فكتب إلى السلطان قصيدة يقول فيها: تبغون قتلي ومالي فيكم غرضُ ... غير النجاة على مجموع أحوالي وتزعمون بان الجن طوع يدي ... هل يقهر الجن إلا بالملأ العالي مهلاً فهذا عصا موسى وحربته ... وتاج منزر معها تاج عطكال وذي الهياكل والأجراس أجمعها ... وذي البثور وذا المزراق يا عال وذي الحراب أولى الأملاك كلهم ... ما ينثني حدها عن هتك أجيال ظننت أَني دعوت الله ذا غضب ... عليك بالهلك يا حاشا لأمثالي ما كنت أدعو على شيءٍ بلا أدب ... وقد تمسكت من طه بأذيال وخاتم الرسل لم يدعو على نفرٍ ... آذوهُ جهلاً فلم يعبأْ بجهَّال وفارق الدار والأهلين مرتحلاً ... إلى المدينة حسب الأمر لا قال وقام من بعده الصديق محتسباً ... حتى قضى نحبه في سم مغتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أبو حسين قضى وابناه نحبهما ... سمّاً وقتلاً بأسيافٍ لضلاَّل كذا ابن ادهم لم يدعو وقد عبثوا ... وصبَّ بالرأس منه بول بوال وشبهوا لحية منهُ وقد كرمت ... على المهيمن علجاً غير ذي بال فلم أحول ولا حالوا ولا عجلوا ... ما ثمَّ أمر بدا يقضى بإعجال من ذاك منهم ترى لم يدر كيف أتى ... بعرش بلقيس داعي الله في حال وكلما ترتضوا مني وتنتقموا ... ما القول قولي ولا الأفعال أفعالي فاحكم بما شئت أن صبراً وإن عجلاً ... فالأمر اقرب من فعل على بال هل يحرق السجن من ملاه أدبه ... إلا أخو الجهل بالآتي وبالحال فليس شهران مما يقتضي عجلاً ... إن كنت تسمع فانظر صدق أقوالي عشرون شهراً توالى لا تجاوزها ... وليس آخرها يقضي بإكمال ويدخل الدار من لا يرتضيه لها ... فصائح منكم يدعوا بأعوال لم تنكروا النص والتنزيل ويحكم ... ووعد ربي ما هذا بإجمال فاسمع لما قلتهُ وارقبه مصطبراً ... ولا تعرج على قيلٍ ولا قال وخذهُ بالجد لا هزلاً ولا كذباً ... فليس ذا القول من أقوال هزَّال وهذه الأبيات من وقف عليها علم بمكان الشيخ العارف من علم المعارف وفي ذلك كفاية لمن تأمل والله أعلم. ثم توجه الفقيه بعد إنشاء هذه القصية إلى ناحية وصار هارباً من الملك الأشرف فأقام هنالك إلى أن توفي الملك الأشرف في التاريخ المذكور فلما استولى السلطان الملك المؤيد على الملك والمملكة رجع الفقيه إلى مدينته واجتمع بالسلطان وفرح به فرحاً شديداً. واستوزر أخاه الصاحب موفق الدين علي بن محمد بن عمر بن اليحيوي المعروف بالصاحب وكانت وزارته في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وصنع له ما يصنع للوزراء من رفع الدواة وعقد الطيلسان وفوض إليه قضاء الأقضية وكان ثابتاً في أموره كلها لم يكن معهُ من الطيش والعجلة شيء ونفذ أمرهُ في البلاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وعاضده السلطان على ذلك وتقدم عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 السلطان تقدماً كلياً لم يسمع بمثله وانطلق عليه اسم الصاحب انطلاقاً كلياً في أقطار اليمن حتى صار علماً في حقه كالصاحب بن عباد في العراق فجمع أولاده واخوته لا يكادون يعرفون حتى يتعرفون به إما بنبوة أو أخوة. ولما استوزره السلطان كما ذكرنا في تاريخه المذكور برز أمر السلطان على القاضي حسام الدين بن أسعد العمراني أن يكن هو وأخوته سهفتة على الأعزاز والإكرام ولم يغير عليهم حال من الأحوال. ثم بلغ السلطان من الناصر ابن أخيه على جهة النصح لعمه أن عبداً للقاضي حسان طلع إلى جهة عومان ووجد معتقة من الأشرفية كانت تحت القاضي بهاء الدين محمد بن أسعد فتحدث العبد معها بحديث أسره إليها أن معه قارورة السم من عند سيده القاضي حسان بن أسعد أمره أن يتلطف إلى من يتصل بالملك المؤيد ويسقيه منها وإن غرض القاضي وبني أبيه أهلاك بني رسول قاطبة. فلما اتصل العلم إلى السلطان بهذا غضب غضباً شديداً وطلبهم بحسبة أموال الأيتام وغلل الموقوفات في مدة نظرهم عليها فما أجابوه إلى شيء من ذلك أبداً فقبض عليهم وبنى لهم سجناً على باب دار الولاية استكفاءً لشرهم. ومن صحب لدنيا طويلاً تقلبت ... على عينه حتى يرى صدقها كذباً وقد كان في قلب السلطان من ولدي أزدمر نجم الدين وبدر الدين ومن ابن الهكاري استياء من يوم الدعيس فأمر بالحوطة عليهم فقبضوا فأرسلهم إلى حصن الدملؤة ثم قبض بعدهم أمير جاندار فجعل معهم في دار الأدب بالدملؤة. وفي خلال ذلك قدمت بعدهم رسل الأشراف على السلطان بالتهنئة بالملك ولعقد الصلح وقد كانوا عقيب موت الأشرف رحمة الله عليه استولوا على الكولة وأحرقوها واخذوا حصني اللجام ونعمان وعلى مدينة صعدة وأصلحوا على ذلك وكان الإمام مطهر بن يحيى حاطاً على كحلان الشرف فطلبه الأشرف للدخول معهم في الصلح ورفع المحطة فأمرهم بالصلح وطيبهم ولم يزل حاطاً على الحسن حتى أخذه. وفي هذه السنة نزل السلطان الملك المؤيد زبيد وكان نزوله في شهر جمادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الآخرة بعد أن أقطع ولده المظفر صنعاء والظافر الفخرية والحربين فتوجه الملك المظفر إلى صنعاء في رجب من السنة المذكورة فاستعاد حصن ود من بني الحرث في آخر شعبان بهد أن زماه بالمنجتيق. ورجع السلطان إلى تعز في شعبان وصام في مدينة تعز. ونزل الملك المظفر من صنعاءَ في أول النصف الثاني من رمضان وكان نزوله بسبب العيد فعيَّد في تعز ثم عاد إلى إقطاعه. واستعاد السلطان حصون حَجَّة في ذي الحجة وأخذ المخلافة من الصارم إبراهيم بن يوسف بن منصور. وكانت في يده من سنة إحدى وتسعين وستمائة. واشترط الصارم شروطاً منها إقطاع مَوزع ونصف حَيس والذمة الشاملة والعفو عما جناه. وفي هذه السنة اظهر الملك المسعود خلافاً على أخيه السلطان وكان مقطعاً بالأعمال السرددية ومقيماً بها فأوقع وسار إلى حرض فاستولى عليها وكان قد وصل ولد أسد الإسلام محمد بن الحسن إلى عمه السلطان المؤَيد وهو في مدينة تعز فأكرمه وانصفهُ وأبقى أباه على إقطاعه فلما خالف الملك المسعود على أَخيه وسار إلى حرض جمع العساكر وجاءَه الأشراف السليمانيون وسقط إليه من الجبال والجَوف خيل كثيرة فاجتمع معه عسكر عظيم. فجهز السلطان لحربه أَخاه الملك المنصور أيوب بن يوسف ووزيره القاضي موفق الدين الصاحب وولده الظافر عيسى بن الملك المؤَيد وأرسل معهم ثلاثة أفيال فساروا إليه في عسكر جيدٍ من عسكر الباب. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن عمر بن إسماعيل ابن زيد يحيى العزيزي لقباً والشعبي نسباً. وكان فقيهاً عارفاً بالصوليين والفروع والنحو واللغة. وهو من قوم من الشعوب يقال لهم بنو الشاعر من بطن يقال لهم بنو أحمد يسكن بعضهم في سامع وبعضهم في إكنيت بكسر الهمزة ويكون الكاف وكسر النون وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره تاء مثناة من فوقها. تفقه بالفقيه منصور والشعبي. وكان شريف النفس عالي الهمة مجللاً عند أهل بلده وغيرهم. وكان شجاعاً في الحرب فتاكاً عداءً يذكر من عدوه أنه كان إذا عدا خلف ظبي في البيداءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 لزمهُ مجاورة. وكان يقول شعراً رائقاً. وكان له أعداء يغزونه في جمع كثير يريدون قتله ونهب بيتهِ فيخرج إليهم ويقاتلهم ويهزمهم وحده وربما قتل أَو جرح فيهم. وكان يكرم واصليه ويحسن إليهم. وكانت وفاتهُ رحمهُ الله تعالى في جمادى الأولى من السنة المذكورة. وكان له من الولد محمد بن علي ومنصور بن علي تفقه بشيخه منصور الشعبي. فأما منصور بن علي فعكف على الفقه والحديث وتقنه والنحو واللغة والفرائض والأصول والحساب. وكان مع ذلك شجاعاً وله بصيرة في الصناعات كالتجارة والخياطة وغيرهما. وكان يقول الشعر أيضاً وامتحن بقضاء الدملؤَة من قبل ابن الأديب فأقام فيه مدة يسيرة ثم توفي أول سنة ثماني عشرة وسبعمائة. وأما أخوه محمد بن علي فإنه خدم في الدولة المؤَيدية كاتب الإنشاء وكان ذا دراية ثابتة وكان يقول شعراً مستحسناً. وكان كريم النفس وله مروءَة طائلة. ويحب أبناء جنسه من الفقهاء والطلبة ويعتني بحوائجهم. وكانت وفاته في غرة رجب من سنة ثماني عشرة وسبعمائة رحمهم الله تعالى. وفي هذه السنة المذكورة توفي الفقيه الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد عرف بمكرم بن مسعود بن أحمد بن سالم العدوي نسباً والمكرم لقباً. وكان فقيهاً صالحاً زاهداً ورعاً متمسكاً بالأثر. وكان عارفاً بالنحو والفقه واللغة والحديث. وكان ذا سيرة مرضية مواسياً للأصحاب كثير الذكر. ولما مرض دخل عليه أصحابه يعودونه فجعل يستحل منهم واحداً واحدا فقيل له لا تجزع فأنت في خير وعافية. فقال لم يبق من عمري سوى خمسة أيام. فقيل له بم عرفت هذا. فقال رأَيت الحق نهار أمس فهممت أن أتعلق بهِ فقيل لي بعد ست فوقع في قلبي إنها ستة أيام وقد مضى لي يوم فكان كما قال. فلما حضرته الوفاة أُغمي عليه فلما أفاق قال لمن حوله أين الثوب الذي أعطاني ربي. ولازم على ذلك ملازمة شديدة فأعطوه ثوباً من ثيابهم فردَّه. فقال أن ثوب ربي لا يشبه ثياب الآدميين وما كان ربي ليرجع في هبته. ثم عاد في غشيته وكان آخر كلام سمع منه إلا إِله إلا الله. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن البناء واصله من ظفار الأشراف. تفقه في بدايته في مذهب الزيدية ثم غرز عمله فصار مجتهداً لا يقلد إماماً ولا غيره. وكان كثير العزلة عظيم الورع إلى أن توفي في السنة المذكورة وقيل كانت وفاته في سنة خمس وسبعين وستمائة. وفي هذه السنة توفي السيد الأجل الفاضل يحيى بن محمد بن أحمد بن علي بن سراج بن الحسن السراجي نسبة إلى جده سراج أحد الأشراف الحسينيين وكان إماماً كبيراً في مذهب الزيدية وعليه عكفوا مدة حتى أدعى الإمامة ونزل مع قوم يقال لهم بنو فاهم في حصن لهم وأطبق على أجابته خلق كثير من الناس وحسده الأشراف الحسينيون على الرئاسة. وكانت قراءَته للعلم في تهامة على الإمام أبي العباس أحمد بن موسى بن عجيل. ولما ادعي الإمامة كما ذكرنا كان الأمير في صنعاءَ يومئذٍ الأمير علم الدين الشعبي فحبسه أياماً ثم كحله فأرسل الله على الذين لزموه الجذام حتى أن الرجل إذا أصابه هذا الداء يعتزل في كهف من الكهوف لئلا يتعدى الداءُ منه إلى غيره ولا يدري حتى قد انبعث الداءُ بالباقين من أهله. ثم تغيرت روائحهم بحيث لا يستطيع أحد أن يقربهم من نتن الرائحة فهلك كثير منهم في مدة يسيرة وألقى الله بينهم العداوة والبغضاء فما برح بعضهم يقتل بعضاً حتى قلَّ عددهم ولم يبق منهم إلا اليسير. وأَقام السيد في صنعاءَ مكحولاً يؤخذ عنه العلم ويأتيه النذور من المسلمين إلى أن توفي في صفر من السنة المذكورة في مدينة صنعاء وقبر في مسجد الأجذم وقبره من اجل المزارات الصنعائية يتبرك بالدعاء عنده وتستنتج عنده الحوائج فتقضى. قال ابن عبد الحميد زرته مراراً ورأَيت منهُ آثاراً حميدة. ويوجد عنده رائحة المسك ليلة الاثنين وليلة الجمعة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبع وتسعين ركب الملك المسعود فيمن معه من العساكر التي جمعها من المخلاف الأَسفل ومن انضم إليه من أهل الجوف وغيرهم يريد المحالب فواجهه العسكر السلطاني المؤيدي صحبة الملك الظافر عيسى ابن الملك المؤَيد. والصاحب علي بن محمد التحيوي فيما بين المحالب وحرض فلما تراءَى الجمعان وتهيأَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 للحرب الفريقان رأى الملك المسعود أنه مغلوب لا محالة فأذعن إلى الصلح قبل اصطدام الخيل فقبض العسكر السلطاني عليه وعلى ولده أسد الإسلام. وكان ذلك في المحرم من السنة المذكورة فساروا بهما إلى الحرم الشريف السلطاني فحنا عليهما واسكنهما دار الأدب من حصن تعز فأقاما فيه أياماً ثم أطلقهما وأمرهما بسكنى حيس. وقدر لهما جامكية جيدة حاملة لهما ولمن معهما من حاشيتهما وخدمهما مكارمُ تسع الجاني بنائلها ... وتُورث الضد عزّاً بعد إذلال وفي شهر صفر من السنة المذكورة نزل الملك المظفر متبرئاً من صنعاء ولم يكن دخلها إنما كان واقعاً في ذمار. وفي شهر ربيع الأول قتل الشيف سليمان بن محمد بن سليمان بن موسى قتله عبيدة بالوادي الحار. وفي شهر ربيع الآخر طلع الأمير سيف الدين طغريد للمحطة على حصن شَخَبٍ فوثب عليه. ولزم جماعة من مشائخ مذحج. ونزل في آخر ليلة من جمادى الآخرة. وهي ليلة السبت وقع مطر عظيم في قطر اليمن فعمَّ اليمن كله. وكان حدوثه على مضي النصف من الليلة المذكورة. وكان فيه رعد عظيم وريح شديدة. وكان معزم المطر في تهامة حتى قيل إنها أخرجت سفناً من ساحل الشرجة والأهواب بما فيها. وطرحتها على الساحل. وهدمت حصوناً شامخة في جبال تهامة وأقلعت أشجاراً عظيمة بأصولها. قال المصنف رحمه الله وأظنها المطرة التي تسمى مطرة السبت فإنها مشهورة مذكورة. وكانت في آخر المائة السابعة وقل من يعرفها في عصرنا هذا سنة ست وتسعين وستمائة. وأدركت جماعةً ممن يعرفها وقد انقرضوا الآن لتقادم العهد. وفي شهر شعبان طلع الأمير جمال الدين علي بن بهرام إلى مأرب فعمر الحرمة وأعاد أمورها كما كانت على أَحسن قاعدة ملوكية. وفي هذه السنة توفي الإمام مظهر بن يحيى وكانت وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من شهر رمضان المعظم من السنة المذكورة. وكانت بذروان حجة. وفي النصف الثاني من شهر رمضان المذكور طلع الملك المظفر إلى صنعاء. وقد كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 السلطان جهز عسكره إلى حجة. منهم أستاذ دائرة الأمير الكبير بدر الدين محمد بن عمر بن ميكائيل. والفقيه شرف الدين أحمد بن علي الجنيد للمحطة على ابن الصليحي بيمين وعلى عمر بن يوسف بالطفر. فسلما الحصنين ونزلا على الذمة. ثم توجه الركاب العالي إلى البلاد العليا. وذلك عند امتناع الأشراف من الصلح فكان دخوله صنعاء لخمسة أيام بقين من ذي القعدة من السنة المذكورة ثم طلع الظاهر يوم الرابع عشر من ذي الحجة. وكان طلوعه في اليوم المسفر صاحه عن ليلة الكسوف القمري ويقال مع السعادة ما للنجم من اثرٍ ... فلا يضرُّك مرّيخ ولا زحل ولما استقر السلطان بالمعسكر يوم الأحد سار يوم الاثنين نحو المنقاع بعساكره فقاتل عليه ثم عاد إلى محطته. وقد كان الأمير بن وهاسٍ والشيخ قاسم بن منصور صاحب ثلا خالفا على أصحابهما الأشراف. ووصلا إلى السلطان قبل طلوعه الظاهر. فصدر مع أولاد الشيخ قاسم ابن منصور الأمير علم الدين قاسم بن حمزة والأمير الصارم إبراهيم بن يوسف بن منصور في عسكره إلى بلاد حمير والطرف لحرب الأمير تاج الدين وأقام على العسكر ثمانية عشر يوماً في أثنائها دخلت عساكره صعدة مع الأمير جمال الدين علي بن بهرام. والأمير أسد الدين محمد بن أحمد بن عز الدين فذاكر لهم الأمير نجم الدين موسى بن أحمد والأمير أحمد بن علي والشريف محمد الهادي. ولما افترقت عساكرهم نزل الأمير موسى إلى حصنه عزان فخرب العسكر داره وبستانه. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن سعيد السعدي نسباً إلا بيني بلداً المعروف بابن الخطيب. وكان أبوه خطيباً في قرية من قرى أبين تعرف بالطرية. وكان مولده بها يوم الجمعة السادس من شهر رمضان من سنة أربع وعشرين وستمائة. فلما شب وقرأَ القرآن خرج من بلده طالباً للعلم فوصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قرية الضحى من نواحي سردد فأدرك الفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي فأَخذ عنه بعض شيءٍ ووجده مشغولاً بالعبادة قليل الفراغ لإقراءِ العلم فعزم على الانتقال إلى بعض الفقهاء وخرج عن القرية لذلك. فعلم بن الفقيه محمد بن إسماعيل فتبعه وأعاده وجاء به إلى ولده إسماعيل وقد تفقه وهو معتكف في المسجد يطالع الكتب. فقال له يا ولدي قد ألزمتك إقراء هذا الفقيه وتعليمه فقال حباً وكرامة. فكان أول من لزم مجلس الفقيه إسماعيل وتفقه به ولم يزل عنده حتى كمل تفقهه. ثم حصلت له عناية من الفقيه إسماعيل فاستغرق في العبادة وظهرت له كرامات وكان كثيراً ما يرى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أمور مشكلة فبينها له. ولما كمل تفقهه وصار مملياً من سر الله عاد إلى بلده الطرية فلم يطب له فدخل مدينة عدن وسكن مسجداً يعرف الآن به بناحية حرام الشوك. فتسامع به أهل بلده وقصدوه إلى المسجد وترددوا إليه حتى شغلوه عن العبادة فتعب لذلك اشد التعب. وشكا إلى بعض خواصه ذلك فقال يا فقيه سلهم قرض شيء من أموالهم فعمل ذلك مع أحدهم فاعتذر وخرج وصار كلما لقي أحداً من أصحابه خبره أن الفقيه سأله قرض شيء من ماله فاعتذر منه فعرفوا أنهم متى وصلوا الشيخ سألهم كما سأل الأول فلم يعد أحد بعد ذلك يأتي الفقيه وانقطع الناس عن الوصول إليه فاستراح لذلك أشد راحة. وكان في عدن رجل مغربي له بنات وفيه خير ومحبة للعلماء والصالحين وعنده دنيا واسعة فوصل إلى الفقيه وصحبه وائتلف به ائتلافاً شديداً وزوجه واحدة من بناته فولدت له عدة أولاد وصحب الفقيه جماعة من أهل عدن وانتفعوا به نفعاً عظيماً وتهذبوا وصاروا أهل عبادة وزهادة. وأقام الفقيه في عدن مدة ثم خرج منها قاصداً تهامة فلما وصل موزع وقد علم بوصوله فقيهاً وحاكمها يومئذ الفقيه حسن الشرعي. خرج في لقائه فلما التقاه أكرمه وانصفه وأنزله في بيته وبجلهُ وعظم حرمتهُ. فلما رآه الناس تأسوا به ثم أن الفقيه أعجبته موزع فتديرها وظهرت له فيها كرامات تخرج عن الحصر حتى أن كل من جنى ذنباً وهرب على ناحية الفقيه لا يقدر عليه أحد أبداً ولا يقصدهُ أحد بشر ما دام في جوار الفقيه. ولما مرض الفقيه مرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 موته الذي مات فيه دخل عليه جماعة يعودونه في يوم سبت فقال يكون يوم الثلاثاء جلبة عظيمة يالها من جلبة. فكانت وفاته في يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وقبره في المقبرة التي قبر فيها الفقيه يعقوب وغيره من فقهاء موزع والى جنبه قبر الكاشغري في وسطها والشرعبي في شرقها ويعقوب في غربها رحمة الله عليهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن الحسين بن أبي السعود ابن الحسن بن مسلم بن علي الهمداني. وكان مولدهُ يوم الأحد تاسع الحجة من سنة وتسعين وستمائة. وكان فقيهاً مجتهداً محصلاً ورعاً زاهداً تفقه بمحمد بن وكان كثير التردد إلى أبي حسن الأصبحي ويراجعه فيما يشكل عليه من المسائل ومن ورعه أنه كان في قرية العراوي شي يعتاده وهو قدر جيد من الطعام وهو من أملاك وقفها أهل الدار الشمسي وبراً فتورع هذا عنه ولم يقبله. وانقطع ذلك عن القائم بالقرية إلى عصرنا. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لثلاث عشرة بقين من ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو حفص عمر بن عبد الله المعروف بابن عقبة نسبة إلى بني عقبة القضاة الذين ذكرهم ابن سمرة في قضاء جبلة. وكان تفقه بالفقيه عبد الرحمن بن سعيد العقيبي وغيره من فقهاء جبلة ودرس في مدرسة الجبالي. وتوفي في صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمان وتسعين نهض السلطان الملك المؤيد أول يوم من المحرم من محطته إلى أطراف الظاهر فوقف هناك ثمانية أيام ثم نهض إلى جهران فوقف فيها ثمانية أيام أيضاً. ثم نهض فحط بالظاهر الأسفل. وكان قد أخرب دار الأمير همام الدين وبستاناً له. ثم سار نحو جبل ظفار فتأهب الأشراف لقتاله فأحرقت ما حوله من الأعشاب. ووصله الأمير محمد بن داود بن الإمام فوقف عندهُ أياماً ومات في المحطة. وفي هذا التاريخ وصل شريف السيد محمد بن الهادي المعروف بالقطابري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 إلى الأشراف فأرادوا أن يقدموه إماماً وكان كاملاً فامتنع من ذلك. فلما كان يوم الاثنين الثالث من صفر نهض السلطان من محطته مبات بالكولة وأقام يوم الثلاثاء ثم سار يوم الأربعاء فحط في القصر عند أشيح فأقام هنالك يوم الخميس وسار يوم الجمعة السابع من صفر فحط على البقاع بعساكره وجنوده. فملأت جيوشه تلك الأماكن كلها وانتشرت في تلك الجهات. إذا حلَّ في ارض بناها مدائناً ... وان سار عن أرض توت فلما اصبح يوم السبت الثامن من الشهر المذكور نصب المنجنيق على الحصن المذكور وحاصره حصاراً شديداً وهو يومئذ للأمير جمال الدين علي بن عبد الله ولم يكن يومئذ فيه وإنما كان فيه ابنه الشريف إدريس ابن علي فزحفت العساكر المنصورة على الحصن ثلاثة أيام متوالية فكتب الأمير جمال الدين علي بن عبد الله إلى سائر الأشراف كتباً متتابعة يطلب منهم النصرة وهم يغالطونه ويعتذرون بالعجز. فلما اشتد عليهم الأمر كاتب في معنى الصلح وحصل خطاب ومراجعات. واستقر الحال على أن الأمير جمال الدين يواجه الصاحب موفق الدين فوصل إليهِ. واتفق حضور الملك المنصور والملك المظفر فاجتمعوا جميعاً وساروا بأجمعهم إلى المقام الشريف السلطاني. فلما علم السلطان رحمة الله عليه بوصول الأمير جمال الدين علي بن عبد الله ركب من مخيمه للقائه وقد صاروا بالقرب منهُ. فأكرمه وانصفه وانعقد الصلح بينهم وأخذ للأشراف ذمة سبعة اشهر وسلم لأجلها حصن ذيفان لان السلطان امتنع من الذمة عليهم. فلما استقر بالمحطة طلب من السلطان دخول الإعلام الشريفة الحصن اظهراً لطاعة والتسليم فنصبت في أعلى الحصن وكذلك العظيمة خفقت ذوائبها في أعالي الحصنين ولقد أحسن الحسن بن هاني حيث يقول من كان بالسمر العوالي خاطباً ... جلبن لهُ بيض الحصون عرائساً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ولما انتظم الصلح وتسلم السلطان الحصنين المذكورين العظيمة والميقاع قال العفيف عبد الله بن جعفر يمدح السلطان الملك المؤيد ويذكر أخذه للحصنين المذكورين فقال إرث الخلافة في يديك مشاعُ ... وغرارُ سيفك شاهدُ قطاع شمس رأَت غلب الملوك شعاعها ... فقلوبها منها تطير شعاعُ تبع التتابع في عناصر حمير ... والى المناقب هم لهُ أَتباعُ عمرو وعمرو ذو الجناح ومنذرُ ... والأَيمانِ وفايش وكلاعُ ماء السماءِ سقى منابت اصلهِ ... ريّاً فأَورق عرقهُ النزاعُ فلقد أَعاض بيوسف يقطان لا ... نكل ولا وكلُ ولا مجزاعُ أَرى إلى الشرق القصي بشرب ... خطواتها نحو المغار سراعُ والشمس من لمع الحديد كليلةُ ... والجو من سمر اليراع يراعُ وفيالق سالت هوادئ خيلها ... سيل الأَتىّ تداولتهُ تلاعُ تسري فمن زُرق الأَسنة فوقها ... نارُ ومن أسل الوشيح شعاعُ غسلت مياه سيوفها ماء الدجي ... فتشابه الإصباح والأهزاعُ ينحو بها مبدأ النجوم طوالعاً ... ملكُ مطيعُ للإِلهِ مطاعُ ليس العظيمة بالعظيمة عند من ... لسيوفهِ ميقاعها ميقاعُ لم يشقَ وافدهم إليه وهل ترى ... يشقى أمرهُ وجليسهُ القعقاعُ فغنمت أَدعيةً بأفواهٍ لهم ... فيهنَّ من ثدي البتول رضاعُ وحفظت حقاً للنبي محمدٍ ... فيهم ولست بما حفظت تضاعُ أَمؤَيد الإسلام داود الذي ... للعالمين بفضلهِ إجماعُ ما يلتقي شرق البلاد وغربها ... إلا إذا ما امتدَّ منك الباعُ أَهويت بالسيف العداة كما هوى ... وُد بسيف محمدٍ وسواعُ الله أَعطاك السعادة كلها ... ماذا يضرُّ وربك النفَّاعُ وهي أطول مما ذكرت وهذه عيونها ثم اقبل السلطان رحمهُ اله تعالى على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الأمير جمال الدين علي بن عبد الله إقبالاً عظيماً وأزال عنهُ ما في خاطره وجدد له حمل الطبلخانة وحمل لهُ من الأموال والكساوي شيئاً كثيراً. ووصل ذلك كله إلى الميقاع. فخرج لإنشاء الرضاء مزفوفاً بالطبلخانة تحت خوافق الأعلام الهزبرية. وأعاد له بلاده التي كانت له. وفي أول يوم من شهر ربيع الأول ارتفع السلطان من المحطة إلى صنعاء. أمام الكتيبة تزهى بهِ ... مكان السنان من العامل قال الشريف إدريس وسرت في خدمته مع والدي وعدت من هناك وقد كنت خرجت إليه في محطة الميقاع فانصفني وأكرمني وأمر لي بمال جيدٍ وكسوة نفيسة وحصان جواد ولما استقر السلطان في صنعاء وصله أمراء الأشراف ومشايخ العربان. ووصل في جملتهم الأمير نجم الدين أحمد بن علي بن موسى بن الإمام لتمام صلح الأشراف فتم على تسليم اللحام ونعمان وصعدة وقسمة بلاد مدع كما كانت أيام الخليفة. وسارت البشائر بما استولى عليه من الممالك. ثم توجه السلطان طالباً قبة العز من مدينة تعز وفي صحبته الأمير جمال الدين علي بن عبد الله والأمير نجم الدين أحمد بن علي بن موسى بن الإمام والأمير جمال الدين عبد الله بن علي بن وهاس وأمراء العرب. وقد دانت له البلاد والعباد فأقام في تعز أربعة اشهر. وفي هذه المدة ظهر للسلطان ولده الملك السعيد من الجهة الكريمة ابنة الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. وكانت له فرحة عظيمة ولم تطل مدته بل توفي بعد أيام قلائل فكان كما قال التهامي حيث يقول: يا كوكباً ما كان اقصر عمرهُ ... وكذاك عمر كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر ... بدراً ولم يمهل لوقت سرار ثم توجه السلطان إلى زبيد في شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة وصحبته أمراء الأشراف ومشايخ العرب ودخل بجيشه مدينة زبيد فأقام فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 شهر شعبان الكريم فصام رمضان في مدينة تعز وعيَّد عيد الفطر بها. واستودعه الأمير جمال الدين علي بن عبد الله يوم العيد وهما على السماط وتوجه إلى بلاده في شوال. وحكى الشريف إدريس في كتابه قال تذاكرنا عند والدي رحمه الله إنصاف السلطان له وما أعطاه من يوم خروجه من الميقاع في سلخ صفر إلى أن فارقه في مستهل شوال فحسبناه جملاً لا تدقيقاً فكان اكثر من سبعين ألف دينار ملكية خارجاً عن الكسوات والخيول والعروض والآلات. وما أشبهها بقول القائل تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا وفي شهر ذي القعدة قدم الملك المظفر حسن بن داود إلى إقطاعه بصنعاء. وكان قد نزل مع أبيه يوم نزوله. فكان دخوله صنعاء يوم الاثنين ثالث عشر ذي القعدة من السنة المذكورة. فأقام بها إلى سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة. وتقدم الركاب العالي إلى عدن. وكان تقدمه في آخر شوال من السنة المذكورة فأقام هنالك إلى سلخ ذي الحجة وعيَّد عيد النحر بها وكان السماط في حقات تحت المنظر السلطاني على شاطئ البحر وقام الشعراء على السماط بأنواع الممادح. وبعد عبد الله بن جعفر فأرسل بقصيدته صحبة الشيخ محمد بن خطاب فانشدها وهي قصيدة طنانة من مختارات شعره أعلمت من قاد الجبال خيولاً ... وأَفاض من لمع السيوف سيولا وأماج بحراً من دلاصٍ ذاخرٍ ... جرَّت أُسود الغاب منهُ ذيولا ومن القسي أَهله ما ينقضي ... منها الخصاب من النصول نصولا وتزاحمت سمر القنا فتعانقت ... قرباً كما يلقى الخليل خليلا فالغيث لا يلقى الطريق إلى الثرى ... والريح منهُ لا تطيق دخولا سحب سرت فيها السيوف بوارقاً ... وتجاوبت فيها الرعود صهيلا طلعت أسنتها نجوماً في السما ... فتبادرت عنها النجوم أُفولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 تركت ديار الملحدين طلولا ... مما يبيح بها دماً مطلولا والأرض ترجف تحتها من أفكل ... والجوُّ يحسب شلوه مأْكولا حطمت حجافلها الجحافل حطمة ... تدع الحمام مع القتيل قتيلا طلبوا الفرار فمد شيطان القنا ... فأَعاد معقلهم بهِ معقولا عرفوا الذي جهلوا فكل غضنفرٍ ... في الناس عاد نعامة أجفيلا أين الفرار ولا فرار وبعدهم ... من ليس يترك للفرار سبيلا ملكُ إذا هاجت هوائج بأْسهِ ... ترك العزيز من الملوك ذليلا يقفو المظفر والشهيد مآثراً ... وعلىً وفخراً في الملوك أًثيلا وافى إلى عدنٍ كمقدم جدهِ ... سيف بن ذي يزن الكرين أصولا بحرُ إلى بحر يسرُّ بمثلهِ ... عيذاب ينذر دجلة والنيلا وتقبلت عدنُ جبينك والتقت ... في ملتقاه سعادة وقبولا فالشمس تحسد تاجك المعقود وال ... كليل يحسد ذلك إلا كليلا لو يستطيع الثغر كان مقبلاً ... بالثغر منهُ ركابكم تقبيلا أن جاوزت هذي الشمائل بحره ... جعلت مذاق الماء منهُ شمولا أنت الذي الدنيا ميسرة بهِ ... والناس ينتظرون جيلاً جيلا فاليوم قد وهب الإله لخلقهِ ... ظلاًّ على الأَقطار منهُ ظليلا وأَتى لهم بدر السماء بذمةٍ ... مكتوبةٍ لا يظلمون فتيلا الهزبر غسان بن قحطان الذي ... يدعوهُ في النسب القبيل قبيلا في كل يومٍ لا برحت مقابلا ... فتحاً من الملك الجليل جليلا في حيث ما رفعت بنودك نُزّلت ... آيات نصرك فوقها تنزيلا لولا العوائق والعلائق لم أَغب ... عن ظل بابك بكرةً وأَصيلا ومن التكرُّم والتفضل لم يزل ... عذري إلى صدقاتكم مقبولا لا زال توفيق الإِلهِ مقارناً ... لك حيث كبت إقامة ورحيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وقدم التجار المقيمون بالثغر النقاديم النفيسة على عوائد الملوك فردها السلطان وأمر بإفاضة الخلع عليهم والتشاريف والمراكب من البغال المختارة بالعدد الكاملة والسروج المذهبة والزنانير المنوعة. وأجرى نواخيذ الهند على جاري عادتهم. وأمر بإكرام النواخيذ والتجار المترددة إلى الثغر المحروس وأمر بأبطال ضمان بيت الخل. وأقام بفضله موسم العدل. وشاهد موسم الخيل من باب الطويلة. وسارت النواخيذ والتجار الكارمية ناشرين لواء عدله في أمصارهم. وابتسم الثغر عن مقابلته وعاد قافلاً إلى مدينة تعز. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح عبد الله بن أحمد بن محمد الشكيل وكان مولده سنة سبع عشرة وستمائة أخذ في بدايته عن أبيه ثم عن ابن ناصر بالذبيتين ثم عن عبد الله بن عمران الخولاني المتقدم ذكره. وكان جميل الخلق حسن القامة ذا لحية حسنة. ولقد سمع منه كثير يقول ما ذقت مسكراً قط مع كونه في بلادهم كثيراً ولا فاتتني صلاة لوقتها منذ بلغت ولا أتيت كبيرة. ويروي عن الفقيه صالح بن عمر الرهي أنه رأى في منامه قائلاً يقول إذا أردت أن تنظر شيبة أبي بكر الصديق فاخرج ضحى ليلتك هذه إلى صلب ذي السقال تلق الرجل. قال فصليت الضحى وقتها ثم خرجت نحو الصلب الذي أشار إليه المخبر في النوم فلم الق ذا شيبة إلا عبد الله بن شكيل ماشياً ومعه صاحب له يحمل مشعله فلم اشك أنه المعني فسلمت عليه وتبركت به. وكانت وفاته ليلة الجمعة بعد صلاة المغرب غرة ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه الصالح إبراهيم بن الفقيه محمد بن إبراهيم المارني. وكان مولده سنة خمس عشرة ستمائة وتفقه بعمر بن سعيد وهو اكثر من تروى كراماته ودرس بعد الفقيه أبي السعود في حياة شيخه. ومن غريب ما يروى عمر من الكرامات أنه قال حصلت عليّ حمى حتى انقطعت بسببها أياماً في البيت فسأل الفقيه عني فاخبره اخوته بذلك فاتاني يزورني إلى ذي محدان. وقال لي يا إبراهيم أتحب أن اكتب لك عزيمة تعلقها عليك وبشرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أن لا تفتحها ولا تنظر ما فيها فقلت نعم فاستدعى بدواة وقرطاس. وكتب سطراً لم ادر ما هو ثم طوى الورقة وناولنيها وامرني بتعليقها على عضدي بخيط ففعلت. فلم أكد أتمم تعليقها حتى انقطعت عني الحمى فعجبت من ذلك فقلت في هذه الورقة اسم عظيم وأظن الفقيه حسدني عليه. ثم فتحتها. فوجدت فيها مكتوباً بسم الله الرحمن الرحيم لا غير فعجبت من ذلك وداخلني بعض ما يدخل العارف من المعروف إذ بالحمى قد عودتني بحالة أشد من الأولى فرحت إلى الفقيه وأخبرته فقال لعلك فتحت العزيمة فقلت نعم فقال اكتب لك غيرها بشرط أن لا تنظر فيها فقلت سمعاً وطاعة. فكتب مثل ذلك. وأمر من عمل لها خيطاً وعلقها عليَّ فلم تأتني فلبثت أياماً ثم فتحتها فوجدت فيها ما وجدت أولا. فداخلني شيء ما هو دون ما داخلني أولا فلم أقم حتى عادت الحمى فرحت إلى الفقيه وسلمت عليه فقال هل نظرت في العزيمة فقلت نعم فقال ألم أنهك اقتصر عن ذلك وأنا أكتب لك غيرها. فأجبت بالطاعة وكتب لي غيرها فلما علقها انقطعت الحمى فحمدت الله تعالى ولم أفتش العزيمة إلا بعد سنتين عديدة فلم أجد غير ما وجدت في الأولى والثانية فقبلت ذلك ووضعته على رأسي فلم تعد لي الحمى بعد ذلك ولما صار القضاء إلى بني محمد بن عمر جعلوا هذا إبراهيم قاضياً في جبلة فأقام مدة يسيرة. وتوفي وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن أسعد بن محمد بن يوسف الحجاجي ثم الركبي وكان مسكنه بقرية تعرف بأروَس بهمزة مفتوحة وراء ساكنة. وواو مفتوحة وآخره سين مهملة. وهي من ناحية الدملؤة تفقه بعبد الله بن عبيد السجعي. ثم ارتحل إلى عدن فاخذ بها عن الفقيه أبي بكر المقري وأخذ عن السلفاني وكان فقيهاً عارفاً درس في بلدة وأخذ عنه بها جماعة وانتفعوا به. وكان مبارك التدريس فمن تفقه به محمد ابن أبي بكر مسبح. وعبد الله بن عبد الرحمن حاكم الدملؤة. وعلي بن محمد السحيلي. ومحمد بن عمر الخطيب وعبد الله بن أبي بكر الخطيب قاضي الجوة وأبو بكر بن محمد الأشعري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قال الجندي. ولما منحت بحسبة عدن جعلت ابحث عن أحوال حكامها وفقهائها القاطنين والواردين فسمعت أهل عدن يذكرون عن هذا أنه كان ذا قضاء مرضي وإنه لم يصل أيام بني محمد بن عمر قاض مرضي السيرة في الظاهر والباطن غير هذا الفقيه. وكانت وفاته في السنة المذكورة في ناحية المفاليس رحمة الله. وفيها توفي الفقيه الصالح ابن عمر يوسف بن عمران بن النعمان بن زيد الحرازي وكان فقيهاً صالحاً حبراً عالماً ورعاً زاهداً وولي قضاء الجند. وكان متحرباً ولم تطل مدته وتوفي على النهج المرضي في أول السنة المذكورة. وفي سنة تسع وتسعين أخذ الملك المظفر حصن غراس بالسيف قهراً وأخذ قبله حصن أرياب وهما للإسماعيلية. وأقيمت لذلك في صنعاء فرحة عظيمة وكسى جامعها بأنواع الملابس. وأمر أمير البلد أن يلبس الدكاكين والأسواق واظهروا سب الإسماعيلية. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير جمال الدين علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان بن حمزة في حصنه الميقاع. وكان من رؤوس الأشراف ووجوههم وأعيانهم وصدورهم. وكانت وفاته يوم الثامن من جمادى الآخرة من السنة المذكورة. وعمه يومئذ نيف وسبعون سنة ولما توفي في تاريخه المذكور تمثل بقول زياد الأعجم حيث يقول مات المغيرة بعد طول تعرض ... للقتل بين أسنة وصفاح ولما مات الشريف جمال الدين اجمع أهله على تقديم ولده الأمير عماد الدين إدريس. وكان الريف إدريس من أعيان الرجال جامعاً لخصال الكمال فارساً هماماً شجاعاً مقداماً أدبياً أريباً عاقاً لبيباً جواداً كريماً عفيفاً حليماً جامعاً لأشتات العلوم من المنثور والمنظوم وهو مصنف كتاب كنز الأخبار في التواريخ والأخبار. وله غيره من التصانيف المفيدة لاسيما في التاريخ. ولما توفي والده كما ذكرنا كتب إلى السلطان الملك المؤيد يعرف خاطره الكريم أنه ثمرة شجرة غرسها إنعامه وغصن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 دوحة إكرامه وتقدم شكر بن علي القاسمي إلى الباب الشريف فقرر له عند السلطان. وكتب إليه بان يصل إلى الأبواب الشريفة وأرسل له بذمة سلطانية فلما وصلته الذمة السلطانية تقدم إلى الباب الشريف وكان وصوله آخر ذي القعدة من السنة المذكورة. وكان السلطان يومئذٍ في تعباب فأحضر للسلام إلى دار السلام فتلقاه السلطان بالترحيب التام والإجلال والإكرام واتفق حضور عيد النحر من السنة المذكورة. فبرز الأمر الشريف إلى أتابك العساكر المنصورة لأنه لا يستفتح الميدان أحد غيره مقدماً على كافة الأمراء ووجوه الدولة فكان كذلك ولما كان بعد العيد جرى الكلام على تسليم ما تحت يديه من الحصون وكان تحت يده العظيمة والميقاع فرأى أن تسليمها عنوان السلامة لأنه عنده عدالة فخشي أن يؤخذ عليه فيهم إلى المساعدة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل الإمام أبو العباس عباس المساميري ثم الرافعي وكان مسكنه قرية القرشية من وادي رمَع. وكان فقيهاً فاضلاً كبير القدر شهير الذكر من أقران الفقيه أبي الخير بن منصور المحدث بزبيد وكان كثيراً ما يقول أبو الخير أكثر كتباً مني وأنا أكثر علماً منه. وكان يغلب عليه فن الأدب ويقول شعراً جيداً لا يطلب أعلم إلا الحرُّ ذو الكرم ... أو من لهُ حسب الآباءِ والشيم أَو لوذعيُّ أبي سيدُ فطنُ ... مقبَّلُ يقظُ مستقبل الفهم إما ذوو الصّدِ ممن قد ذكرتهمُ ... بالفلس عندهم من اشرف الهمم أُفّ لهم ولدنياهم وما جمعوا ... وحبذا الجهبذ النقاد للكلم كل امرئ راسب في العلم عنصرهُ ... فانهُ في اقتباس العلم ذو قدم وفيها توفي الفقيه الحسن علي ابن محمد الحكمي كان فقيهاً فاضلاً عارفاً تفقه بعلي بن إبراهيم النخلي. ودرَّس في حياته مدة وانتفع به جماعة وتزوج بابنة أخيه الفقيه عمر بن إبراهيم وظهر له منها أولاد. ولم يزل على التدريس إلى أن توفي في صفر من السنة المذكورة رحمهُ الله. وكان له ولد سلك مسلكاً غير لائق وتوفي هنالك والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وفي سنة سبعمائة تسلم السلطان الحصون التي كانت تحت يد الشريف إدريس بن علي في سادس عشر المحرم. وأمر السلطان أن يجري على عادة أبيه فحملت له الطبلخانة والإعلام وأمر له بسبعة آلاف دينار وتحف وملابس وخيل ومماليك. وركب الأمراء والأجناد إلى الخدمة الشريفة تحت خوافق الإعلام السلطانية وارداً وصادراً وانثنى إلى داره فيمن معه من العسكر المنصور. ودخلوا إلى سماط جليل الشأن مختلف الطعم والألوان. وقبض المنشور بإقطاع مدينة القحمة. وقال في ذلك قصيدة يمدح فيها السلطان يقول فيها عوجاً على الربع من سلمى بذي قار ... واستوقفا العيس لي في ساحة الدارِ وسائلاها عسى تنبئكما خبراً ... يشفي فؤداي ويقضي بعض أوطاري وقال في أثنائها يا راكباً بلّغن عني بني حسن ... وخص حمزة منهم عصمة الدارِ أنَّ المؤَيد أَسماني وقرَّبني ... واختارني وهو حقّاً خير مختارِ أعطى وأمطى وأسدى كل عارفةٍ ... يقصر الشكر عنها أيَّ إٌقصارِ واختصني بولاءٍ منهُ فزت بهِ ... فاصبحَ الزند مهُ أَيما وارِى فلست أخشى لريب الدهر من حدث ولا أُبالي بأهوالٍ وأخطارِ وكيف خوفي لدهري بعدما علقت ... كفي بملكٍ شديد البطش جبارِ الأروع الأغلب الغلاب والأسد الليث الهصور الهزبر الضيغم الضاري بمن إذا خفقت راياته خضعت ... له الملوك وخافت حكمة الجاري وقابلتهُ بمن تهواهُ باذلةً ... ما يرتضي من أقاليم وأمصارِ ثم تقدم الركاب العالي إلى تهامة فكان مسيره من تعز يوم السبت الثالث من صفر. فلما دخل زبيد أقام بها إلى أيام في شهر ربيع الأول. ثم نهض يريد الأعمال السرددية فدخل المهجم في ألف فارس من عسكره. وهنأه عدة من شعراء دولته. منهم الفقيه العفيف عبد الله بن علي بن جعفر الشاعر المشهور فقال: لو كان يقدر أن يكون الزائرا ... لك سردد لمشى إليك مبادرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 منع الجماد جموده أن يعتري ... عتبات بابك وارداً أو صادرا وتمرَّغت ارض على الأرض التي فيها مقامك أوجهاً ومحاجرا شرَّفت مهجم سردد فتشرفت ... ورفعتها فوق النجوم مفاخرا أوردتها رجراجة جفنيةً ... خضراء طامية لقبض عساكرا بحرُ إذا ما الريح سارت فوقه ... جعلت لمسلكها البنود قناطرا شرعت صدر الخيل في حافاتهِ ... حتى حبست الفلك فيه مواخرا أذكرته مَفْدى أبيك لمكةٍ ... وإنابةً منه فاصبح ذاكرا وكفاهُ فخراً أن يمس قساطلاً ... لركابكم ومناسماً وحوافرا حظ يكون بهِ تراب بلاده ... مسكاً ويرمعه يعود جواهرا عجباً لحلمك في الخلائق عادلاً ... ولحكم كفك في الخزائن خاطرا ولحد سيفك أين غاية حدهِ ... إذ ليس يبرح في الرقاب مسافرا نار يقبضة راحةٍ فيّاضةٍ ... كالبرق يصطحب الغمام الماطرا ولقد تعدى في الطلا أفعاله ... ضرباً وكن لها الفتوح مصادرا ثبتت أصول الملكِ بين بيوتكم ... فسقيتموها سؤْدداً ومآثرا فحكت أواخركم بذاك أوائلاً ... وحكت أوائلكم بذاك أواخرا أنجبت من جرثومة ملكيةٍ ... حسن المظفر ثم عيسى الظافرا أعجزت أَلسنة الخلائق كلها ... مدحاً فكيف أكون وحدي قادرا فبقيت يا ركن الخلافة دائماً ... أبداً وكان لك المهيمن ناصرا فأقام السلطان في المهجم أياماً ثم نقل إلى زبيد. فتقدمت العساكر المنصورة إلى بلاد المعازبة لفساد ظهر فقتل منهم جمعاً كثيراً ونهب أموالهم نهباً شديداً وسلموا الرهائن فتركت رهائنهم في زبيد. وتقدم السلطان إلى النخل في أوائل شهر رجب فقام هنالك أياماً. ولما عزم على الطلوع على تعز تقدم ولده الملك الظافر إلى صنعاء مقطعاً بها فلقيه القبائل إلى نقيل صيد. فلزم أهل صعدة خاصة وأخذ خيلهم لموجب فعلوه. وسار إلى رداع ثم إلى ذمار. ثم دخل صنعاء في العشر الأواخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 من رمضان. وسار السلطان من زبيد يريد تعز في النصف من رجب. وفي أواخر هذه السنة وقع بين السلطان والأشراف مكاتبات بسبب حوادث بين الأمير محمد بن أحمد بن موسى بن أحمد والأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى فتحرك السلطان إلى الجند وطلب المناخات السعيدة من التهائم. وتقدم الأمير سيف الدين طفريل الخازندار إلى ذمار وعزم السلطان على طلوع البلاد العليا فوصل القاضي الذماري بما يرضي السلطان من رهائن الأشراف وتمام الصلح. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عثمان بن أبي بكر بن منصور الشعبي وكان من الفقهاء الناسكين مشهوراً بكثرة الصيام والقيام وقل ما يفطر من الأيام إلا قليلاً. وتفقه أولاً بفقهاء المصنعة وبأهل سهفنة ثم ارتحل إلى تهامة فتفقه بها أَيضاً على الإمامين إسماعيل بن محمد الحضرمي وأحمد بن موسى بن عجيل وكان كثير الحج والزيارة إلى أن توفي في السنة المذكورة تقريباً. فكانت وفاتهُ في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودفن في البقيع مع الصحابة رضي الله عنهم. وفي هذه السنة توفي الشيخ أبو بكر بن الشيخ علي الأهدل. وكان فقيهاً شيخاً فاضلاً. ويروى أن الشيخ أَبا الغيث بن جميل مرَّ بهم في بعض أسفاره فأقام عندهم أياماً في رباطهم واجتمع عنده يوماً جماعة من الفقهاء وسأَلوهُ عن عبارة الشيخ أبي بكر وأجاب السائل. فقال الشيخ أبو الغيث خذوا جوابكم منكم. وكان رجلاً مباركاً فاضلاً. وغلب عليه التصوف وطال عمره حتى قيل أنه بلغ عمره مائة سنة وخمس عشرة سنة توفي في السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الشيخ الفاضل منصور بن حسن بن منصور بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد الفرسي نسباً بالفاءِ المضمومة والراءِ الساكنة والسين المهملة قبل ياءِ النسب. ولد في شهر رمضان من سنة سبع عشرة وستمائة. وكان أحد أعيان الكتاب في الدولة المظفرية وصدر المؤَيدية ولم يكن فيهم نظير في كتب الأدب ولا في كثرة المحفوظات نظماً ونثراً ومهما أشكل من ذلك في وقته إنما يرجع إليه في الغالب. وأخذ عن الإمام الصنعاني المقامات وغيرها. وأخذ عن غيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 كزكريا بن يحيى الإسكندري عدة من كتب الحديث وغيرها. ويقال كان محفوظه من الشعر يزيد على عشرة آلاف بيت. وكان غالب أوقاته ناظراً إما في عدن وإما في جبلة وهما من أعظم محطات اليمن وما عرف يغلط في الحساب ولا خيانه لخدوم ولا بظلم الرعية. وتوفي وهو ناظر في جبلة في اليوم العاشر من المحرم من السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة إحدى وسبعمائة سار السلطان من الجند إلى الدملؤَة فأقام فيها عشرين يوماً. وعاد إلى تعز وعزم على طلوع البلاد العليا فاستدعي الشريف عماد الدين إدريس بن علي من القحمة. فلما وصل تعز اتصل العلم أن الأشراف بني علي أصحاب المخلاف السليماني قتلوا المقدم خطبا وأخذوا من رتبته أربعين فارساً وكان مقيماً بالراحة في مائة فارس فبرز مرسوم السلطان إلى الشريف إدريس بالتقدم نحوهم. وأضاف إليه عسكراً من الحلقة المنصورة ومشد زبيد أحمد بن الحربتري والأمير المتولي بحرض. فسار العسكر المنصور إلى الراحة ودخلوها قهراً آخر شعبان من السنة المذكورة. وخرجوا هاربين فتبعهم العسكر إلى نحو اللؤْلؤَة. وحرق العسكر قرى المفسدين ثم انهم طلبوا الذمة والصلح وإعادة الخيل التي أخذوها من الراحة. وتسلم نائب السلطان الراحة وهو الشريف علي بن سليمان بن علي وانثنى العسكر المنصور قائلاً إلى الحرم الشريف السلطاني. الأخرى من هذه السنة أوقع الأمير سيف طغريل بالجحافل والعجالم. وكان يومئذٍ مقطع لحج فقتل منهم نحواً من أربعين رجلاً. ثم أوقع بهم وقعة ثانية في ناحية الدعنس فقتل منهم نحواً من سبعين رجلاً. وفي آخر شعبان من السنة المذكورة طلع السلطان إلى البلاد العليا فأقام بالجند أياماً وبالموسعة أياماً وبصنعاءَ أياماً ثم خرج منها إلى الظاهر من بقيل عجيب. وكان السبب الذي أوجب طلوعه ما فعله الأميران موسى وتاج الدين في الصلح من حراب تعز والقنة. ثم دعوة ابن مظهر إلى نفسه بالإمامة واجتماعه بالأشراف في حوت وتقدمه إلى الطرف. ونزل الأمير تاج الدين إلى حجة المخلافة وقد خالف إليه بنو شاور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وغيرهم من قبائل العرب فاحرق العارضية وعاد. فلما طلع السلطان من بقيل عجيب لقيه الأمير موسى بن أحمد إلى هنالك والأمير عبد الله بن وهاس وطلع السلطان جبل ظفار من جبل صبح. واستولى على القنة يوم الثلاثاء آخر يوم من رمضان فحط فيها بجميع عساكره. وسار بكرة يوم الأربعاء. واشرف ظفره على ظفار من الجهة التي تلي القاهر من غربيها ونزل جماعة من العسكر يقاتلون في الساقية وقتل نقيب الملك المنصور وعاد السلطان إلى القنة فأقام بها ثمانية أيام وشرع في عمارتها فلحق العسكر فيها مضرَّة شديدة من عدم الماسِ والزاد فبلغت القربة عشرة دراهم والزبدي الدقيق كذلك. ولما تحقق السلطان مضرة العسكر أمر بان تنتقل المحطة إلى ورور ورتب في القنة الأمير نجم الدين موسى بن أحمد ورتب في تعز الحسام بن مسعود ابن طاهر وهو الحصن القديم الذي أخربه سليمان بن قاسم. وأمر بعمارة الموضعين ونصب في تعز منجنيق فاضرَّ بهم المنجنيق غاية الضرر واستمر الرمي والحصار وقد يقع قتال بعد قتال في بعض الأوقات تحت باب النصر بين أهل المحطة وأهل ظفار. ثم أصاب المحطة آفة فمات كثير من الجمال خاصة. وكان السعر تارة يرخص فيبلغ الزبدي أربعة دراهم وقد يعلو فيبلغ سبعة دراهم. واشعر على العسكر بالزحفة والقتال فدقت الكوسات الهزبرية وخفقت السناجق السلطانية فأشبهت البروق اللوامع. فرأَى الأمير علم الدين سليمان بن قاسم أنه إذا دام هذا الأمر أدى إلى خراب بلاده فأعمل الحيلة في ذلك فأخرج بني أخيه وجماعة من الأشراف إلى خارج درب ظفار عند باب جبير. وكان وزيره علي بن دحروج فصاح بأعلى صوته أن الأمير والأشراف يسأَلون من السلطان أن يشرف عليهم فخدموا لهُ بأجمعهم وقالوا نحن غلمان السلطان. فطلب ابن دحروج ذمة يصل بها إلى المخيم فأُجيب إلى ذلك فنزل ومثَّل بالمقام السلطاني. واستقرَّ الأمر على أن الشريف سليمان بن قاسم يبيع على السلطان تلمص بخمسين ألف دينار ويرهن بذلك أحد ولدي أخيه محمداً وداود ووزيره علي بن محمد بن دحروج وإن يخرب السلطان تعز المعمور على ظفار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 والقنه وعلى أن الأمير تاج الدين يسلم حصن الحدة والحقوب. فقال من حول السلطان هذه مصلحةُ عظيمة فإن السلطان يملك صعدة بغير شك. وهذه الرهائن وثيقة لمن صدق. فأجاب السلطان إلى ذلك وقبض الرهائن بعد أن صاح لهم بالطيب واطلع لهم المال المشروط. وجهز السلطان الفقيه شرف الدين أحمد بن علي الجنيد في عسكر لقبض تلمص. وأرسل الشريف سليمان بن قاسم رسولاً معهم من أحد ثقاته وتقدموا جميعاً إلى صعدة. وعيَّد السلطان عيد النحر في ورور. وتخلف الشعراء لبعد الشقة فلم يحضر منهم إلا الأديب شائق الدين يوسف العنسي فقام يوم العيد بقصيدة بديعة. وهي: الملك يوم ينام منه عيون ... حتى يسيل من الدماء عيون لولا ادالتك المصون من العدى ... ما بات وجه الدهر وهو مصون ضمنت لك الملك السيوف وكل ما ... ضمن السيوف فإنه مضمون وافيته بكتائب أعلامها ... النصر والتأْييد والتمكين من كل أرعن مكفهر أصبحت ... منه سهول الأرض وهي حزون لو شئت تورد بعضه جيحون ما ... أَرواه جيحون ولا سيحون كم نقع ليل قد دجا من ركضه ... فجلاه سرد دلاصه الموضون ضاقت لكثرته البسيطة كلها ... فمقامها في الشرق أين يكون فدع الحصون بلاقعاً من أهلها ... فلقد أَصلتهم عليك حصون ملوا السكون بها وظني انهم ... قد ملهم أيضاً هناك سكون فأطحنهم طحن الردى بكتائب ... هي للطغاة جميعهم طاحون فارض إرثك كلها من تبع ... فاعقل حديثي فالحديث شجون غمدان قصركم القديم وقصركم ... صرواح كان وقصركم بينون أظهرت بالجيش العرمرم كلما ... أَخفت ظهور منكم وبطون خرب ظفار ولا تدع كحلان تا ... ج الدين فهو لملكهم قانون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 واقبض ظفار ولا تدعه معجلا ... يابن الملوك ففوقه لك دون أنت المؤَيد بالإله فلا تخف ... ممن يكيدك جاهداً ويخون هذى الخلافة سعدها بك طالع ... في حيث كنت ووجهها ميمون لولاك للإسلام يا ملك الورى ... لتنكر المفروض والمسنون فبقيت للإسلام ما سطع الضحى ... كهفاً يلوذ بظلك المسجون وأرسل الفقيه عفيف الدين عبد الله بن جعفر بقصيدته إلى المحطة بورور وهي التي يقول فيها فعلت بمهجته النوى أفعالها ... ما حدت تلك الحداة جمالها متحملاً ثقل الهوى لما رأَى ... عِيسَ الأحبة حملت أثقالها وفيها يقول يا منصبي البكرات في طلب الغنى ... ما أن تراقب أينها وكلالها أن لم تشد رحالها يوماً إلى ... سرح الحرير فلا تشد رحالها ساد الملوك فلا تكون مثاله ... أَبد الزمان ولا يكون مثالها ودعت بداود الهداية حيث ما ... عثرت فقال لها لما وأقالها وحوى الخلافة لم تكن إلا له ... طول الزمان ولم يكن الإلها ملك إذا شن الجياد لغارة ... جعل الخدود من الملوك نعالها وتذكروا بالمنجنيق عليهم ... يوم القيامة إذ رأوا أهوالها فرموا إليها بالحصون مخافة ... من رميها ومن القسي تنالها لو لم يطعك ظفارها وتعزها ... وسما فسها سمت أحبالها وغللت منها في الشمال يمينها ... وغللت منها باليمين شمالها يا ابن المظفر يا هزبر الدين يا ... داود منتخب الورى مفضالها لا زلت تقسم المرجى فضله ... من راحتيك وللعدى آجالها ولما كان يوم الجمعة الخامس عشر من الشهر المذكور نهض السلطان من محطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 ورور وسار نحو خربان فزحف عليه يوم الثامن عشر من الشهر المذكور فقاتل العسكر قتالاً شديداً وبلغ الشفاليت باب الحصن. ووقع عنده هنالك الطعن والضرب ونزل السفاليت المكسورة. فاخرب أهل الحصن المحمولة. ورجع الشفاليت للقتال فوجدها قد أْخربت. وإلا فما كان دون فتحه شيء. وقتل من العسكر جماعة رمياً بالنشاب فمنهم الأمير محمد ابن الشعبي فأمر السلطان عليهم بالمحطة ونصب المنجنيق. فأقام ثمانية أيام. ثم سار إلى صنعاءَ وترك في المحطة على خربان الأمير شمس الدين عباس بن محمد بن عبد الجليل. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير الشريف أبو تمي محمد بن أبي سعد بن علي بن قتادة الحسني صاحب مكة حرسها الله تعالى. وكان أميراً كبيراً له حظ وافر في الأمرية راغباً في الأدب وسماعه. وله الإجازات للشعراء الوافدين عليه من إطلاق الخيال وإجازات القصائد. قد كان لما اتصل السلطان الملك المؤَيد بالملك جهز تلك السنة علمه المنصور ومحمل الحج السعيد صحبة القائد بن زاكي فتلقاه الشريف أبو تمي بالإجلال والإكرام. وخفقت ذوائب العلم المنصور على جبل التعريف بعرفة. وأعلن مؤّذنه على قبة زمزم بمناقب السلطان على رؤُوس الإشهاد فسمع تلك الأوصاف من ضمه ذلك المقام الشريف. وحلف السلطان الملك المؤَيد الإيمان المغلظة ولبب على قميصه على مقتضى ما جرت به العادة ووصل إلى الشريف المذكور ما اقتضته المواهب السلطانية مما كان قرره الخليفة من العين والغلة والكساوي والطيب والمسك والعود والصندل والعنبر والثياب الملونة والخلع النفيسة. وكان مبلغ العين ثمانين ألف درهم ومبلغ الغلة أربعمائة مد. واستمرت أمريته على مكة ونواحيها اكثر من خمسين سنة. وكان له من الولد اكثر من عشرين ولداً. فافترقت أولاده بعده. وافترقت الأشراف والقواد مع أولاده. فكان طائفة منهم مع وميثة وحميضة وطائفة أخرى مع أبي الغيث وعطيفة فاستقوى رميثة وحميضة على أبي الغيث وعطيفة فلزماهما فأقاما في محبسهما مدة ثم احتالا فخرجا وتجورا في بعض بيوت القواد والأشراف فأجاروهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ولما وصل الحاج المصري تلقاهم أبو الغيث فمالوا إليه فلما انفصل الموسم قبض أمير الحاج المصري على الشريف بن رميثة وحميضة. وكان أمير الحاج يومئذ الأمير الكبير ركن الدين بيبرس فسار بهما إلى مصر مقيدين وأمر في مكة محمد بن إدريس وأبا الغيث وحلفهما لصاحب مصر فأقاما أياماً ثم أن الشريف أبا الغيث اخرج محمد بن إدريس واشتد الأمر وجرت بينهما حروب كثيرة قتل فيها جماعة من الأشراف. ثم إن الشريف أبا الغيث كتب إلى السلطان الملك المؤَيد ببذل الطاعة والخدمة والنصيحة وأرسل برهينة فقبل منه السلطان ذلك. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل محمد بن علي بن عيسى العكاري نسبة إلى قوم يقال لهم الاعكور. وهم بيت من السكاسك قاله الجندي وكان فقيهاً حبراً تفقه بالفقيه علي بن أحمد الأصبحي صاحب المعين وحج معه في هذه السنة فدخل مكة محرماً بعمرة فلما حل من عمرته قصد مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للزيارة فزار الضريح النبوي وأقام أياماً هناك. ثم قفل نحو مكة حرسها الله تعالى فتوفي في وادي مر عائداً من الزيارة في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر بن مسعود. وكان فقيهاً فاضلاً يسكن قرية العراهد. وكان مستجاب الجعوة تفقه بالفقيه أبي القسم الزيلعي وبغيره. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله بن سلمة الحبيشي الوصابي. وكان ذا علم وعمل وزهد وله الشهرة في التعبد والصلاح وكان قد تفقه بالفقيه إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل المازني وعلى غيره من العلماء. وتولى القضاء في ناحية وصاب. ولم يزل على الطريقة المثلى إلى أن توفي يوم الاثنين الخامس عشر من جمادى الأخرى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن علي بن جبير. وكان فقيهاً عارفاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 محققاً ولد في شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وستين وستمائة وتفقه في بدايته بخاله الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الأصبحي ثم الإمام محمد بن علي ابن أحمد الأصبحي ثم الفقيه صالح بن عمر ثم بفقهاء تعز كابن صفي وابن النحوي ثم ارتحل إلى عدن فأخذ بها عن أبي العباس القزويني وعن أبي العباس بن الحواري. وأخذ صحيح مسلم عن التاجر المعروف بالشهاب صقر البكربتي لعلو سنده فيه. ثم رجع إلى بلده ودرَّس في المدرسة الجديدة بالحمُيراءَ في مدينة تعز. وكانت وفاته في شهر محرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتين وسبعمائة جهز السلطان الملك المؤَيد رحمه الله الشريف إدريس بن علي فاخرب الجاهلية ورجانة وجهز الأمير شمس الدين عباس بن محمد إلى جبل جشم فأَخرب زورعهم. وكان السلطان رحمه الله قد قض رهائن الأشراف حين أراد النهوض من محطة ورور وهم الأميران محمد بن أحمد بن القاسم وأخوه الأمير داود بن أحمد بن القسم والشيخ علي بن دحروج وولده وولد القاضي أحمد الذماري. وجهز الفقيه شرف الدين أحمد بن علي الجنيد لقبض تلمص. وصدَّر معهُ الأشراف رسولاً منهم كما ذكرنا. فامتنع أيهل الحصن من تسليمه وسلموه إلى الشريف أبي سلطان فسار الشريف شكر إلى الأشراف بظفار لتمام ما قد قيدوه من تسليم حصن تلمص فأقام عندهم أياماً. ثم وصل كتابه بطلب وصول الأمير محمد بن حاتم فسيرهُ السلطان إليهم. وفي خلال ذلك وصل الأمير سيف الدين طغريل من أقطاعه بلحج فاقطعه السلطان صنعاءَ وذلك في النصف الثاني من صفر. وأقام الأمير شكر والأمير محمد بن حاتم أياماً بظفار. ثم عاد إلى السلطان بذمة ستة أشهر على رهائن أُخر بذلها الأشراف. وطال الحديث في ذلك فغضب السلطان غضباً شديداً وجهر الأمير سيف الدين طغريل والأمير بن وهاس فحطوا في ورور ومعهم الشيخ محمد بن علي دحروج في الترسيم وقد اظهر الخدمة والنصيحة وتكفل للسلطان بأخذ ظفار في ثمانية أيام. فلما صاروا في ورور صدروا جيشاً فلزموا القنة وشرعوا في عمارتها وأقامت المحطة بورور. ووقع في البلاد قحط شديد فبلغ الزيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 في المحطة أربعة دنانير واكثر من ذلك. وخلا كثير من البلاد من أهلها وماتوا جوعاً وابتيعت الأطيان بأرخص الأثمان. وعم القحط اليمن جميعه سهلاً ووعراً واستمر الشريف أبو سلطان في تلمص وخالف الأمراء إلى عز الدين وعاودوا أهل صعدة من فللَة. وجهز السلطان الأمير نجم الدين موسى بن أحمد إلى صعدة لصلاح أمرها. وجهز الأمير عباس بن محمد في عسكر إلى بلاد الأمير تاج الدين لحربه. ولزم الأشراف القاضي محمد الذماري وأخذوا ما وجدوا في بيتهِ. وفي شهر رجب وقع في مخلاف صنعاء أمطار عظيمة والسع على حاله ودخل ظفار من هذا المطر ما ملأ مواطنه. ولم تزل المحطة على تلمص وظفار وازداد الغلاء حتى بلغ الزيدي من الدقيق في المحطة ثلاثين درهماً. وفي بواقي آثام من رجب تداعى الناس إلى الصلح على رد المال المسلم في تلمص فسلموا منهُ ستة عشر ألفاً وحريراً وحلياً باثني عشر ألفاً وامتهلوا في الباقي إلى عشرة أيام في شوال ورهنوا فيه ولدي الأمير أحمد بن قاسم. وحصن المدارة على يد الأمير وهاس. واخرج بنود حروج حريمهم من ظفار وسكنوا صنعاءَ. وسلم الأمير تاج الدين الحدود ورهن ولده مه رهينه الأمير سليمان بن قاسم وانعقد الصلح بين السلطان وأصحاب ظفار وتاج الدين على أن السلطان يحارب تلمص ويفعل فيه ما شاء ولا عيب. وفي هذه السنة اقطع السلطان رحمه الله الشريف عماد الدين إدريس ابن علي لحجاً حين انفصل منها طغريل وذلك في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فسار إليها فوصلها يوم الرابع من شهر ربيع الآخر. وكانت الجحافل قد جمعت جموعاً. وحطت بالصعيد فلما وصل الشريف عماد الدين إلى الدعبس ارتفعوا من محطتهم. فأغار عليهم العسكر فأدركوا جماعة منهم يوسف بن مدقة فقتلوه واحترزوا رأسه وأقامت الجحافل بعد ذلك بصهيب مدة وهم يعدون إلى الساحل وغيره ثم قصدهم الشريف عماد الدين ولقبه الأمير بدر الدين محمد بن الحسن بن نور. وكان مقطع أمين يومئذ فدخلوا عليهم موضعاً يسمى الشعبة. وبلغوا مواضع من بلادهم لم يبلغها أحد من العساكر السلطانية قبل ذلك. ولما رجع الأمير عماد الدين من غزوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 جهز عسكرا فظفروا بإبراهيم بن سعد بن عبد العزيز وكان فارس الجافل يومئذ فقتلوه واحترزوا رأسه فظفرت خيل الصعيد بخمسة من العجالم فقتلوهم. وفي شهر شعبان من هذه السنة توجه السلطان إلى اليمن فدخل حصن تعز المحروس آخر يوم من شعبان وقيل أول يوم من رمضان. في هذه السنة توفي الملك العادل صلاح الدين أبو بكر بن الملك الأشرف وكانت وفاته رحمه الله في قرية ضراس وفي آخر شهر رمضان طلع الشريف عماد الدين إدريس بن علي إلى تعز المحروس بسبب العيد. وحضر جماعة من الشعراء وقام الفقيه عفيف الدين عبد الله بن جعفر بقصيدة طنانة من عيون شعره فأنشدت يوم العيد وهي أثمار هذا القضيب الرطب ألوان ... كرم وطلع وتفاح ورمان أهكذا الفضة البيضاء قد نبتت ... غصنُ وزهر بها في الخد عقيانُ ظبيُ مباسمه در وريقنه ... خمر وأنفاسه روح وريحانُ وأضرم الحسن في أمواج وجنته ... ناراً لها مهج الأكباد قربانُ عجبت إذ نبت المرجان في فمه ... وقبلها لم يكن في العذب مرجان تصوير شخصك في عينيَّ ممتنع ... أن يلتقي لي فوق النوم أجفان هذى دموعي بوجدي فيك شاهدة ... ينبيك بالشان ما يجري به الشان ما اختص ناظرك الساجي لأنفسنا ... بفتنة كل شيءٍ منك فتان لا تمش بالصب في طرق الهوى مرحاً ... واقصد كما قال في فحواه لقمان أَتستبيح جهاراً قتل أَنفسنا ... والأَرض فيها هزبر الدين سلطان سيف من الله لولا حده عبدت ... مع المهيمن أصنام وأَوثان ملك مكارمهُ غيث ونجدتهُ ... غوث وأيامهُ أَمن وإيمان في سلمه لشديد الناس مدراَة ... يرضى الإله وحد السيف غضبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مستحسنات صفات الناس قد جمعت ... فيه فدعهم فأَهل الأرض إنسان لم لا ويوسف شمس الدين منبتهُ ... ومنبت الأصل قابوس ونعمان وتبع الأكبر السامي وذو يزن ... عم وبيتك صرواح وغمدان إذ كان في فرع صنعاء بناؤُهم ... قد تستضيءُ سمرقند وحلوان تلك المعاهد من قحطان أن عدموا ... فللمؤَيد عادوا مثل ما كانوا كَأَنما الشهب من ظلمائه قنص ... تخطفته من الرايات عقبان كأَن رؤوس رماح فوقها رفعت ... منها على الجوّ أَحواض وغدران فيها القنا شهب والحلو ملتهب ... والسيف محتطب والقوس مرنان كأَن حصن ظفار تحت لجتها ... من الهلاك ابن نوح وهي طوفان حتى تظنوا بأَن الأرض قد طويت ... وان موضعها خيل وفرسان يمدها من دواهي الأرض ماثلة ... تمخضت بحجاز وهي عيدان مطاعة كلما نادت برفع يدٍ ... تبادرت نحوها دور وحيطان حتى إذا طحنتهم تحت كلكلها ... شهباء منها يطيش الإنس والجان تشفعوا بكتاب الله وارتفعت ... أمامهُ صحف فيهنَّ قرآن فرد عنهم حياء من كرامتها ... زاكي الأُصول كريم الخَيمْ يقظانُ ومنَّ داود في الأَسرى فأَطلقهم ... دوداً وإن هزبر الدين منان وواثق القنة الشماء مشرقة ... على ظفار بها جيش وبنيان كمثل جنة نون الأرض تحرسه ... من أَن يميل لهُ بالأرض أركان ما ضرَّ داود مال ظل ينفقه ... داود بحرُ به المرجان مجان ما صاع من ضيعوه في رفاقتهم ... لقد وقفت لهم في حيث ما كانوا واستحسنوا الغصب في أمواله فأبى ... بكفك تحمى وهي جيران أنت المليك الذي في عصره أمنت ... من عصرهن عناقيد وقنوان وطهر الله أرضاً أنت مالكها ... من أن يكون لها كفر وعصيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 جددت في مشترى عنقي لكم شرفاً ... وللعبيد من المعروف إثمان سقيت غرسي بأنعام تجدده ... ومن سجاياك للإحسان إحسان هنئت يا مالك الدنيا ابن مالكها ... ثلاثة هن للأفواج صيوان نصر وجيش قدوم جاءَ بعدهما ... عيد بوجهك من داود مزدان وفي الليالي فنون من سعادتكم ... أن الليالي لما تهواه خزان فلا برحت على مر الزمان كذا ... ولا خلت منك أوقات وأحيان وفي هذه السنة المذكورة أمر السلطان رحمه الله ببناء مدرسته المعروفة بالمويدية في ممزية تعز ورتب فيها إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن الكريم ومدرساً على مذهب الإمام الشافعي معيداً وطلبة للعلم الشريف ومقرئاً يقرئ القرآن بالسبعة الأحرف ووقف عليها من الأراضي والكروم ما يقوم بكفاية الكل منهم ووقف عليها عدة من الكتب النفيسة. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير نجم الدين موسى بن الأمير الكبير شمس الدين أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة وكانت وفاته يوم السادس والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة في نواحي سعدة ورحمهُ الله تعالى. وفيها توفي القاضي عمران بن القاضي عبد الله بن أسعد بن محمد بن موسى العمراني وكان فقيهاً فاضلاً وأخذ أيضاً حسناً واستوزره إبراهيم بن الملك المظفر فلما اقطعه والده إقليم ظفار امتنع أهله العمرانيون عليه من السفر مع مخدومه فلم يسافر معه وأقام مع أعمامه بتعز وتولى القضاء بها ثم صودر أهله كان من اشد الناس عداء يوم أنزل هو وعمه محمد بن حسان ابن أسعد إلى زبيد على صفة الرهائن فأقام في زبيد تحت الاعتقال إلى أن توفي في السنة المذكورة وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو القاسم بن علي بن موسى الروائي الحربي لقبا والزيلعي بلداً. وكان فقيهاً عارفاً فاضلاً تفقه بتهامة على فقهها الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وأحمد بن موسى بن عجيل فأخذ على محمد بن علي بن عمر الإمام ثم طلع الجبال فورد مدينة إب فرتب مدرساً في مدرسة لبني سنقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فانتفع به الناس انتفاعاً عظيماً لا سيما أهل إب وما قرب منها وكان يعرف المهذب معرفة شافية ولم يزل بأب إلى أن توفي بها في هذه السنة المذكورة وله يومئذ نيف وتسعون سنة وقبر في حناط الإمام سيف السنة إلى قبر الفقيه محمد الأصبحي ورحمة الله عليهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه البارع أبو حفص عمر بن عيسى محمد بن سليمان المسلمي ثم العامري. وكان منزله العفلة بضم العين المهملة وسكون الهاء وفتح اللام وبعد اللام هاء تأنيث. وكان فقيهاً متأدباً راوياً للشعر ويقول شعراً حسناً وكان عارفً أدبياً أربياً مقبول الكلمة في بلده توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. فيها توفي الفقيه البارع أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن عبد الحميد المسابي نسبة إلى قوم يعرفون ببني المساب وشهر بابن الحميدي نسبة إلى جده عبد الحميد. وكان في بدايته إسماعيلياً. ثم انتقل إلى مذهب الشافعي. وتفقه بابن جبر وبالقاضي عمر بن سعد في الفقه والحديث وأخذ الأصول على رجل غريب يعرف بالأريلي وأخذ النحو عن الوشاح وأيه انتهت رئاسة الفتوى في مدينة صنعاء ونواحيها على مذهب الإمام الشافعي وتوفي في شوال من السنة المذكورة وله نيف وتسعون سنة والله أعلم رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح محمد بن عمرو بن محمد بن عمرو الساعي وكان فقيهاً ورعاً وصالحاً فاضلاً عارفاً بالفقه والحديث تفقه بابيه عمرو بن علي وبسليمان بن الزين وأخذ عن أبي الخير بن منصور الشماخي. وكان له صهر يصحب عباس بن عبد الجليل. فلما توفي الأمير عباس بن عبد الجليل وشا بعض الوشاة إلى الملك الأشرف بصهر الفقيه. وذكر أن تحت يده مالاً لأمير عباس فلزم الأشرف وأراد مصادرته فتقم الفقيه إلى باب الأشرف وكان يومئذ في المهجم إذ هي أقطاعه من أبيه المظفر فلما علم الأشرف بوصول الفقيه إلى بابه استدعاه فلما دخل عليه رحب به وأكرمه واجله فلما كلمه في صهره قال له قد شفعتك فيه بشرط انك تقف تدرس في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 المسجد الذي بناه الوالد في أواسط المحالب فأجاب بالقبول والطاعة. ثم تقدم ودرس في المسجد المذكور مدة وهو قلق غير راض وكان مهما حصل له من الطعام أنفقه على الطلبة المنقطعين أو في بعض وجوه البر ولم يزل على ذلك حتى دخل عليه يوماً فقير فسلم عليه وسأله أن يكتب له شفاعةً إلى صاحب الحادث بان يركبه في بعض الجلاب إلى جده فكتب له الفقيه فلما فرغ قال له لفقير يا فقيه أجدك في فكر وفي نفسك شيء وقد أحببت أن أسمعك أبياتاً توافق المعنى وهي كن عن همومك معرضاً ... وكل الأمور إلى القضا وابشر بعاجل فرحة ... تنسى بها ما قد مضى فلربما اتسع المضيق ... وربما ضاق الفضا ولرب أمر مسخط ... لك في عواقبه رضا الله يفعل ما يشا ... فلا تكن متعرضاً فوقع في نفس الفقيه الترك للمسجد والزهد في جميع العلائق ثم جعل يفكر في الأبيات ثم أفاق فمل يجد الفقر. فطلبه وأمر من تبعه الطريق فلم يوجد له خبر فخرج الفقيه من فوره عن المسجد سائراً قاصداً يريد بلده فمر بالجبرية وهي قرية من قرى تلك الناحية. وكان فيها تلميذ لأبيه فلقيه هنالك فاستوقفه يريد إكرامه فوافقه ودخل لمسجد بينما يهيئ رأسه شاخصاً ببصره إلى السماء حتى انقضى النهار وبقي مطروحاً لا يجيب ولا يتكلم. فحمل عن المسجد إلى بلده فادخل يته فأقام سنة لا يفهم منه أمراً ولا أكل شيئاً من الطعام غير شربة لبن ثم فتح عليه عقيب ذلك بمكاشفات وكرامات وبكلام في الحقيقة. فمن قوله لذعات الغفلة في قلب المراقب أعظم من لدغات الحيات والعقارب. ثم أقام سنة أخرى لا يأكل شيئاً وفي السنة التي مات فيها أقام تسعة أشهر لم يذق طعاماً. ثم أكرمه أهله قبل موته تسعة أيام على طعام وكانت وفاته يوم الاثنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ثاني عشر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة أيضاً توفي الفقيه الفاضل أبو محمد الحسن الشرعبي نسبة إلى شرعب بن سهل بن زيد الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العطمي بن عبد شمس الملك بن وايل بن الغوث بن حمدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ أو إلى الناحية التي تسمى شرعب. وهي ناحية مشهورة قبلي مدينة تعز سميت باسم شرعب بن سهل المذكور. وكان المذكور فقيهاً فاضلاً بارعاً في الفقه مشهوراً خرج من بلده نقدم زبيد. وكان فقيهاً يومئذ علي بن قاسم الحكمي ثم خرج من زيد فقدم موزع فأقام بها مدة ثم انتقل عنها إلى البرقة فأقام بها أيضاً فلم تطب له فطلع إلى تعز وقصد القاضي بهاء الدين وهو يومئذ قاضي القضاة ووزير فشكى عليه حاله فولاه قضا موزع والزمه الدخول فيه الزماً. فنزل إلى موزع قاضياً فسار في القضا سيرة مرضية ووقفت عليه امرأة من الرسابيين أرضاً وبنت مسجداً وسألت من الفقيه أن يكون مدرساً في ذلك المسجد وله غلة الأرض الموقوفة فأجابها إلى ذلك. وتفقه به جمع كثير من موزع ونواحيها. وفي تلك المدة ابتنت الحرة مريم بنت الشيخ العفيف زوجة السلطان الملك المظفر مدرسة في زبيد وهي المدرسة المعروفة في زبيد بمدرسة مريم. وتعرف بالسابقية أيضاً. ثم سألت من الفقيه أن يكون هو الذي يدرس فيها إذ كان أكبر فقهاء الوقت العاملين وذلك لما بلغهم من فضله فاستدعاه السلطان إلى تعز وسأله أن ينتقل إلى زبيد بسبب التدريس في المدرسة المذكورة فاشترط إبقاء. ولده في قضاء موزع نائباً. فأجيب إلى ذلك ثم انتقل إلى زبيد فدرس في المدينة المذكورة. قال الجندي وأدركته فيها فقرأت عليه بعض المهذب تبركاً لما ذكر أنه من أكابر أصحاب الفقيه علي بن قاسم. وقد تفقه به جماعة وقصدهُ الطلبة من نواحٍ كثيرة. وأقام في زبيد عدة سنوات حتى كبر وهرم وضعف عقله وبصره. ثم عاد إلى موزع وجعل مكانه في تدريس المدرسة المذكورة محمد بن عبد الله الحضرمي. وكان إذ ذاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 معيدهُ في هذه السنة المذكورة وهي سنة المجاعة الشديدة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل محمد بن يوسف بن شعيب بن إبراهيم. وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً تفقه بابن النحوي وابن البويم. وكانت وفاته في المحرم من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفي سنة ثلاث وسبعمائة وصل الأمير بدر الدين مكتوب المرقبي سفيراً من الديار المصرية إلى اليمن يخبر بانتصار المسلمين على عسكر التتر بمرج الصفر وكانت عدة قتلى في الوقعة المذكورة يومئذٍ مائة ألف قتيل فاحتفل السلطان بالرسول الوارد إليه بكتاب النصر ودقت الطبلخانة وأعلن السرور والبشائر وخرج أعيان الدولة بأسرهم من الوزراء والأمراء والمقدمين يتلقون السفير. وقال الشريف إدريس بن علي في ذلك لم تأتك الرسل من مصرٍ وساكنها ... إلا مؤدية حقاً لكم يجبُ وحين لاحت قصور الحصن لاح لهم ... من نور وجهك ما لا تستر الحجب واستقبل العسكر المنصور فانصدعت ... قلوبهم فهي في أجوافهم تجب كتائب مثل ضوء الشمس قسطلها ... غيم فساروا بليلٍ والقنا شهب خفت بهم فرأوْا أسداً ضراغمة ... عاداتهم في الورى أن غولبوا غلبوا وكيف لا والأمين الروح يقدمهم ... في كل روع وحيزوم به يثب وعاينوا منك وجهاً طال ما سجدت ... لهُ الملوك وقامت باسمه الخطب وأمر السلطان رحمهُ الله تعالى بإكرام السفير المذكور وإنزاله مكاناً يناب حاله. وأفيض عليه الأنعام التام. وكتب له جواب في معنى ما جاء به وعاد إلى مخدومه قافلاً إلى مصر. ثم وصلت الأخبار بوصول عسكر جرار من الديار المصرية إلى مكة المشرفة حرسها الله تعالى فاخذ السلطان بالحرم. وتوجه من تعز إلى زبيد في آخر ذي القعدة وأمر بعمارة البرك. وبعث بمقدم في قطعة من العسكر المنصور إلى هناك. ولما انقضى الحج وصل العلم بان الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة في الديار المصرية حج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 في جيش عظيم. وإنه تصدق على أهل الحرمين بصدقة عظيمة. قال ابن عبد المجيد في كتابه بهجة اليمن ان صدقته تنيف على ستمائة ألف درهم. ومن الغلة الجيدة المحمولة في البحر من جهة القصير إلى جدة عشرة آلاف أردب وإنه لم يترك بالحجاز في تلك السنة من عليه دين. قال بلغني أنه أدخل أقطاعه وضماناته مستأجراته وأجرة عقاره بمصر والشام في يوم مائة ألف درهم خاصة لحراسه خارجاً عن كلفته المختصة بحاشيته انتهى. وفي هذه السنة وصل رجل من التجار من بلاد الخطأ عن طريق الصين يقال له عبد العزيز بن منصور الحلبي بمال يعظم شأنه وكان معه من الحرير ثلاثمائة بهار البهار الواحد ثلاثمائة رطل بالبغدادي ومن المسك المفرغ في أواني الرصاص أربعمائة رطل وخمسون رطلاً ومن الفخار الصيني جملة مستكثرة ومن الأواني الشم المطعمة بالذهب من الصحون الكبار جملة جيدة. ومن الثياب المختلفة الألوان مثل ذلك. ومن المماليك والجواري شيء كثير. ومن الفضة الماس خمسة أرطال زعم إنها صدقة للمحرمين على يديه من تجار تلك الناحية فتقرر عشور ما وصل به إلى ثغر عدن المحروس ثلاثمائة ألف درهم. فلما استقر بعدن توجه إلى الباب الشريف فتلقاه الكريم الهزبري بالأنعام العام فقم بين يدي نجواه هداياً عيناً وتحفاً استحسنها فبرز المرسوم بقبولها. وأفاض السلطان عليه خلعاً نفيسة وأعطاه المراكب السنية. وكتب عوضاً عما قدمهُ بأضعاف ذلك. وتقدم المرسوم الشريف إلى نواب الثغر المحروس بإجلاله واحترامه. وخير بين السفر والإقامة فاختار الرحلة إلى صور مصر ونواحيها ليحدد عهداً بأهله. وفي هذه السنة المذكورة أوقع الشريف إدريس بن علي بالجحافل وقعة أبان فيها عن همة علوية وشهامة حسنية. وكان جملة من اجتمع فيها من الجحافل أربعين فارساً وألفاً ومائتي راجل. وكان الشريف في مائتي راجل وأربعين فارساً فقتل من الجحافل مقتلة عظمة وقتل من العسكر نفر يسير منهم الشريف علي بن محمد الأبرص وهو ابن عم الشريف إدريس وفي هذه الوقعة يقول الشريف عماد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الدين إدريس بن علي رحمهُ الله حيث يقول ولو لم تخني عند صنوى كبوه ... من الأحمر الحناس ما فات مطلب ولكن خرصان الرماح تشاجرت ... هنالك حتى كاد يؤدي ويعطب فلو كان فيمن أدركته رماحنا ... صريع لنا وثأر يعد ويحسب فقد صرعتت حوليه سبعون أغلباً ... تهاد أهم في القفر ذئب وثعلب وفي هذه السنة توفي الأمير أبو سلطان المستولي على تلمص وكان قد اتفق هو والأمير جمال الدين علي بن بهرام على تسليم الحصن للسلطان وتراهنا على ذلك فغلب المرتبون بعد موته على تمام الأمر وباعوه بعد موته على الأمير علي بن موسى بن أحمد بن الإمام فسار نحوه بشحنةٍ من الطعام آخر الليل. فلما علم بن بهرام خرج من صعدة نحوهم. فوقع بينهم قتال شديد وتلازم الأميران علي بن موسى علي بن بهرام وقتل فارسان من الفريقين. وكان السلطان قد أرسل الأمير علي بن موسى لصلاح صعدة. وأرسل الأمير عباس بن محمد بن عبد الجليل إلى بلا تاج الدين لمحاربته. فكان من علي بن موسى ما كان. ولما طلعت الشحنة إلى تلمص وصل الأمير المؤيد بن أحمد الهدوي. وكان من علماء الزيدية وفضلائها وذوي السن والرئاسة فأقام في محطة الأشراف أياماً. وكانت محطتهم تحت حصون الأمير موسى. وفي خلال ذلك وصل الأمير محمد بن مظهر بن طليمة قاصداً صعدة فلقبه الأمير المؤيد بن أحمد إلى بلدي عوير ثم لقبهم الأشراف بجمع جيد من الخيل وساروا جميعاً يريدون تلمصاً فركب الغز من صعدة وعارضوهم فحصل بين العسكرين قتال عظيم. فانهزمت ميمنة عسكر السلطان وميسرته وثبت القلب ثباتاً حسناً فلما انهزم أصحابهم لم يتمكنوا الاستقرار بعد انهزام الجيش فساروا بعدهم. وقتل يومئذ أيبك الحجازي الأشرفي وكان من الشجعان المعدودين وقتل معه ثلاثة فرسان وأربعة من الرجل وأخذ من أخيل سبعة رؤوس وسار الأشراف من فورهم إلى مدينة صعدة. وذلك في النصف الثاني من شعبان من السنة المذكورة. فأقتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الأشراف في صعدة أياماً ثم كاتبوا في الصلح فانعقدت الذمة إلى سلخ الحجة على إخلاء صعدة من الفيقين. ونزل الشريف شكر إلى الأبواب الشريفة السلطانية لتمام الصلح وسار معه الشريف داود بن عز الدين فلم ينصف فعاد غاضباً إلى أصحابه فعلموا على تمام الذمة. وجهز السلطان جيشاً للأمير شمس الدين عساس بن محمد في مائتي فارس ومقدمين من مذحج في آخر القعدة وتراسلوا في الصلح على تمام الذمة الأولى. وفي هذه السنة توفي الملك الظافر قطب الدين عيسى بن الملك المؤَيد. وكانت وفاته في حصن تعز يوم الرابع والعشرين من المحرم. وحضر دفنه أخوه الملك المظفر وعمه الملك المنصور. وكافة أعيان الدولة وقبر في مدرسة والده التي أنشأها في ناحية المعزية من مدينة تعز ورثاه العفيف عيد الله بن جعفر بقصيدة بديعة الاستهلال فأولها يحق لكل قلب أن يذوبا ... من الحزن الذي صدع القلويا على قطب رسولّيٍ جوادٍ ... أُصيب بهِ الورى لما أُصيبا وكان ملكاً ذا همة بارعة. وعزمة لإبكار المعالي فارعة. وأمر والده السلطان يومئذٍ بذبح خيله الخواص حين حملوه على الرقاب. وما كان أحقه بقول الأول فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى ... ترجى الحيا منهُ وتخشى الصواعقا وفيها توفي الفقيه الإمام العلامة أبو الحسن علي بن أحمد بن أسعد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي الفتوح بن علي بن أبي الفتوح بن علي بن صبح الأصبحي. وكان مولده لخمس بقين من ذي الحجة سنة أربع وأربعين وستمائة. وتفقه بالفقيه عبد الوهاب بن الفقيه أبي بكر بن ناصر. ثم بابن خاله محمد بن أبي بكر وعليهِ أتقن الفقه وحققه فكان غالب قراءَته عليهِ بالمصنعة يختلف إليه من الذيتين كل يوم اثنين وكل خميس وقد يقف في المصنعة الأيام ذوات العدد. ثم لما أكمل الفقه أخذ عنهُ كتب الحديث أيضاً وكان من المحققين للفقه العارفين به لم يكن له نظير في عصره وتصنيفه الموجودة تشهد بذلك. ومن تصانيفه المعين وغرائب الشرحين وأسرار المهذب وكفى بالمعين شاهداً. وله فتاوٍ كثيرة مشهورة. وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فقهاء عصره جميعاً يرجعون إلى قوله ويسأَلونه ويعتمدون جوابه وكان جميل الخلق دائم البشر حسن الألفة محب الأصحاب ويتأَلفهم ويعجبه اجتماعهم. وله كرامات كثيرة ومكاشفات. واجمع أهل عصره على ورعه وزهده ونزاهة عرضه وانه يقول الحق ولو على نفسه. وتفقه به عدة من أهل عصره من نواح شتى منهم سعيد بن أبي بكر وسعيد بن العودري وعمر الحبيشي ومحمد بن جبير وإسماعيل ابن أحمد الحلي ومحمد بن علي وعمه حسن وهما من العماكر. وعبد الله بن عمر ابن ايمن وأبو بكر بن المقري من أهل تعز. وأبو بكر بن حاتم السلماني وأبو بكر المغربي من الجند ويوسف بن النعمان. هؤلاءِ شهروا وقد أخذ عنه جمع كثير من غيرهم. ودرس في المدرسة المظفرية أياماً قلائل ثم امتنع من التدريس بها. ومن غريب ما يروى عنه أنه خرج يباشر أرضاً له للزراعة وفيها إنسان يحرث على ثورين له فنظرها مليّاً ثم سأَل الغلام الذي يحرث له هل عندهُ شيءُ من الماءِ ليشرب منه. فأشار الحارث له إلى موضع فقصد الفقيه ذلك الموضع فوجد هنالك حنشاً عظيماً فقتله الفقيه. وإذا بالفقيه يجد نفسه في ارض لا يعرفها بين أقوام لا يعرفهم لهم خلق غريب. وفيهم من يقول للفقيه قتلت أخي. وبعضهم يقول قتلت أبي. وبعضهم يقول قتلت ابني. ففزع الفقيه منهم فزعاً شديداً. فدنا منهُ شخص وقال له قل أَنا بالله وبالشرع فقال أنا بالله وبالشرع فمضى هو وهم حتى أتوا داراً فخرج إليهم منها شيخ على هيئة الرخمة البيضاء فقعد على شيءٍ مرتفع فادعى عليه بعض أولئك فدنا منه صاحبهُ الأول وقال له قل ما قتلت إلا حنشاً فقال ما قتلت إلا حنشاً. قال قاضيهم سمعت بإذني هاتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من تشبه من الهوام فلا قود عليه ولا دية. قال فسقط في أيدي القوم وتأخروا عنهُ وتركوه وإذا بالفقيه في موضعه عند الماءِ الذي يريد أن يشرب منهُ. قال فلما رجع إلى الغلام الذي يحرث قال له إني رأَيتك واقفاً عند الماءِ ثم لم أَرك بعد ذلك. ثم ما عتمت حتى رأيتك الساعة في موضعك فأين كنت. قال ما كان شيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مما ذكرت وما كان إلا خيراً إن شاءَ الله تعالى. وكان الفقيه مسدد الجواب موفقاً للصواب. وانتفع الناس بكتبهِ التي صنعها نفعاً عظيماً وطارت في البلاد وارتحل بها إلى الأماكن البعيدة. وكان الملوك يجلونهُ كثيراً. وسامحهُ السلطان الملك المظفر في أرضه. ثم سامحه الملك الأشرف بأكثر مما سامحهُ أبوه. وكان وجيهاً عند الخاص والعام وإليه انتهت الرئاسة في اليمن أجمع. وكانت وفاتهُ في ليلة الأربعاء الرابع عشر من المحرم من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الخطاب عمر بن أبي بكر عمر بن الشيخ الحافظ علي بن أبي بكر الغرشاني كان فقيهاً نبيهاً كريماً سخي النفس يطعم الطعام ويكرم من قصده. وكان صاحب إجازات وسماعات ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم السابع عشر من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو العباس أحمد بن سليمان الحكمي. وكان مولده سنة خمس وأربعين وستمائة. وتفقه بصالح بن علي الحضرمي والريمي. وكان مشهوراً بالذكاءِ والفقه التام. وإليه انتهت رئاسة الفتوى في مدينة زبيد وأعمالها وبه تفقه جمع كثير. وكان مدرس المنصورية بزبيد ثم عزل عنها في أول سنة سبع وتسعين وستمائة. وذلك في أول الدولة المؤَيدية فلزم بيته واقبل على نشر العلم تارة في بيتهِ وتارة في الجامع إلى أن توفي سخر ليلة الاثنين الثامن من شهر شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الخطاب عمر بن علي اللحي الزيادي. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بالريمي واستمر مدرساً في الهكارية بزبيد وأعاد بالنظامية. وكان مذكوراً بالخير إلى أن توفي ليلة الجمعة الثالث من شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل عثمان بن عبد الله بن أبي بكر بن علي الوهبي ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الكندي. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بالفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وابن عمه محمد وكان معاصراً لأحمد بن عبد الله الوزيري توفي في مدينة زبيد لأربع خلون من صفر من السنة المذكورة رحمه الله. وخلفه ابن له اسمهُ محمد توفي بعد أبيه في رجب من السنة المذكورة بعد أن بلغ عمره سبعاً وخمسين سنة والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العتيق أبو بكر بن عيسى بن عمر وكان يعرف بالسراج. وكان فقيهاً كبيراً مشهوراً من أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وكان صالحاً سليم الصدر تغلب عليهِ البداوة لكونه من أهل البادية من قرية من وادي زبيد تعرف بالهرمة. وكان قائلاً بالحق آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا يحاشم في ذلك صغيراً ولا كبيراً. وكان مدرساً في المنصورية الحنفية بزبيد بعد الصمعي. وكانت وفاته في زبيد يوم السابع من شهر جمادى الآخرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو الخطاب عمر بن علي العلوي الحنفي وكان فقيهاً ماهراً ورعاً كريماً جواداً. ولد سنة أربع وستين وستمائة وتفقه بجده لامه ألفيه الإمام أبي بكر بن عمر بن حنكاش وابتنى مدرسة في مدينة زبيد خص بها أهل مذهبه من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله. وله تصنيف حسن جيد يدخل في سبعة مجلدات يسمى منتخب الفنون. وكان شاعراً فصيحاً مفوهاً. وقد أودع المذكور كثيراً من شعره وهو كتاب نفيس حسن ممتنع يدل على إطلاع كثير وعلم غزير وكان له خزانة كتب ليس لأحد مثلها يقال أنه كان فيها خمسمائة ديوان من الشعر. وكان له عدة أولاد وهم محمد وأبو بكر وعلي وعثمان وإبراهيم وإسماعيل ويوسف وداود وغيرهم. وقد انتهت رئاسة العلم إلى ولده إبراهيم وانتهت رئاسة الدنيا إلى ولده يوسف وهما أكثر أولاده ذرية وامتحن الفقيه عمر المذكور في آخر عمره بخدمة الملوك فصادره السلطان الملك المؤَيد مصادرة شاقة توفي عقيبها. وكانت وفته يوم السابع من رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر عبد الله بن محمد بن سليمان وكان يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 بابن زريق واصله من جبلة. وكان فقيهاً حبراً لهُ مروءَة تفقه بابن العزَاف وابن الصفي وابن عباس. وكان مآلفاً للأصحاب واستمر مدرساً في الوزيرية. وكان القضاة بنو محمد بن عمر يشفقون عليه إلى أن توفي على ذلك غرة جمادى الآخرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو القاسم بن علي بن عامر بن حسين بن علي ابن أحمد الهمداني. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بحجَّة. وكان قد قدمها في جملة عسكر علي بن عبد الشغدري. ثم ولي قضاء عدن من قبل بني محمد بن عمر فأقام في القضاء هنالك سنين إلى ان توفي على ذلك ليلة الخميس الثاني عشر من القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه المشهور أبو بكر بن قيصر. وكان فقيهاً ماهراً تفقه بابي الحسن الأصبحي وغيره. توفي في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عثمان بن الفقيه هاشم الحجري. وكان فقيهاً ماهراً تفقه بالفقيه عمر بن علي الساعي ثم صحب الشيخ عيسى بن حجاج الغيثي والشيخ علي السنيني. ففتح الله عليهِ في الحكمة فكان يقول أقوالاً كثيرة. وفسر أقوال المحققين تفسيراً نافعاً. وكان يتكلم بحضرة الشيخين فيقبلان منهُ ولا ينكران عليهِ. توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل محمد بن عيسى بن عمر بن عثمان الهرمي الملقب بالصفي وهو أخو الفقيه أبي بكر بن عيسى المعروف بالسراج الحنفي المذكور أولاً. وكان الصفي فقيهاً ويغلب عليه الأَدب وله شعر رائق ويتعانى الزراعة توفي في السنة المذكورة. وكان له ولد اسمهُ يوسف كان من أعيان الرعية خيراً جيداً له مروءَة قلَّ أن تلد النساءُ مثله. توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الخير أحمد بن إبراهيم بن سالم بن مقبل كان فقيهاً خيراً محبّاً لأبناءِ الجنس توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وفيها توفي الفقيه الصالح أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن شبيل تصغير شبل. قال الجندي نسبهُ همدان وكان يسكن ريمة الأسابط. وكان فقيهاً صالحاً عارفاً بالفقه توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد الحكمي. وكان فقيهاً صالحاً عالماً درَّس بالعاصمية في زبيد إلى أن توفي في المحرم أول شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن صالح الحسيني نسبة إلى جد له أسمهُ حسين. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بتهامة على عمرو بن علي الساعي وعلى عبد الله بن محمد الدياني. وكان فقيهاً نقالاً لفروع المذهب. وكان الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل يراجعهُ ويثني عليه. وله أجوبة فقهية تدل على تجويده. وكانت وفاته في السنة المذكورة تقريباً والله أعلم. وفي سنة أربع وسبعمائة توجه الأمير جمال الدين نور بن حسن من حرض إلى صعدة مدداً لعباس بن محمد بن عباس وعلي بن بهرام. فأَخرب الأمير عباس بن محمد زرع الأشراف بصعدة ومخاليفها. ودخل علائق ومحريم نيف وثلاثين فارساً في ثغر صعدة وثلاثمائة رجال ونزل الجوف. ثم وصل صنعاءَ ثم توجه نحو اليمن. فلما خلت صعدة من العسكر جمع آل شمس الدين عسكرهم ونزلوا الجوف فأقاموا بسوق آل دعام ثلاثة أيام وقد جمعت المخاليف السلطانية في الراهز وكانت لهم عمولة في نعمان. وفي صفر لزم السلطان الأمير أسد الدين محمد بن أحمد بن عز الدين وولدهُ والشريف شكر بن علي القاسمي وأمر بلزم أولاده حيث كانوا. وذلك لما وقع في خاطر السلطان من فعلهم في صعدة وتلمص فأَدبهم بآداب مثلهم. وفي هذا التاريخ برز الأمر العالي بتجهيز الأمير أسد الدين محمد ابن نور سفيراً إلى الديار المصرية فاتصل العلم أن الأمراء بمصر عبثوا بالسلطان وإن البلاد على غير وضع فأَخر السلطان ذلك العزم وحمل لابن نور أربعة أحمال طبلخانة وأربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 أعلام وعاد إلى أقطاعه. وفي جمادا الأولي من السنة المذكورة زالت الشدة وارتفع الغلاء ورخصت الأسعار في جميع نواحي اليمن ورجع المقدم الذي تقدم لعمارة البرك وهو موسى بن أبي بكر بن علاءِ الدين وكان الشريف طاهر ابن أبي يُمي قد وصله إلى البرك من مكة حرسها الله تعالى قاصداً للباب الشريف السلطاني فسارا معاً فلما بلغا قريباً من اللؤْلؤَة لقيتهم جهينة فانهزم العسكر وتأخر الشريف طاهر على الناس فقتل وأخذت أثقالهم ودوابهم. وفي شهر رجب من السنة المذكورة تقدم الركاب العالي من زبيد إلى محروسة تعز فأقام شعبان وحصل عليه توعك عقيب طلوعه فأرجف الناس بذلك وامتلأ اليمن خوفاً فمنَّ الله تعالى بعافيته في النصف الأَخير من شعبان ولم يزل في ثعبات إلى يوم العاشر من شهر رمضان ثم طلع الحصن وكان يوم طلوعه يوماً مشهوداً. وفي شهر شوال أقطع السلطان ابن بهرام مدينة أبين وأعمالها. وتجهز ابن نور نحو الديار المصرية في أول شوال وقد أقطعهُ السلطان القحمة فسار في أوائل الشهر المذكور بأنواع التحف السنية من الفضيات على اختلاف أنواعها كالطشوف والأباريق والصلاحيات والمجامر والأكر والقرابات وسواري العود والصندل والقطع الكبار من العنبر ونوافج المسك وما عظم شأنهُ من فخار الصيني واليشم من الصحون والزبادي ما لم يكن شرحه من الحسن. ومن الخدام الحبش والقنا الهندي والمراقد الصينية ومن المراتب المذهبة والشاشات الرفاع والسلقانيات. ومن الثياب المذهبة الصينية ما عظم شأنها. ومن الأواني والأطباق والصناديق مملوءَة بالمسك المفرغ والشاه صيني والكافزر التيار جملةً أخرى. وما يتعلق بالحوائج خاناة كالفلفل والقرنفل والزنجبيل واللك والبقم أبَهَره. ومن الوحوش كالفيل وحمار الوحش والزرافة كلها مكسوة بالحرير والأطلس الملمع بالذهب ومن الخيل المسومة العربية الأصائل اللائقة بحال المرسل إليه. نقل ذلك مركبان عظيمان. ومثل هذه الهدية لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 تكاد تتأَخر بين عامين أو ثلاثة طلباً للمودة والمحبة واستمرار على ما يعهد من الصحبة. وفي هذه السنة توجه الأمير سيف الدين طغريل نحو الباب الشريف متبرئاً من صنعاءَ بسبب معارضة حصلت بينه وبين الطواشي ياقوت متولي الأملاك السلطانية فأَبرأهُ السلطان منها وأقطعها ولدهُ المظفر وسار نائبهُ لقبضها في ثاني عشر ذي القعدة. ثم أن الأمير شمس الدين عاد إلى عمان مرة أخرى وجاءَهم الإمام محمد ابن المطهر إلى هنالك فجهز السلطان لحربهم الأمير سيف الدين طغريل فقصدهم إلى عمان فنزلوا الجوف فقصدهم إليه فطلعوا صعدة فسار بعدهم وأغار إلى فللة وأخرب ما قدر عليه من مخلافهم. ووقعت ذمة إلى آخر القعدة. وعاد إلى صنعاء فدخلها خامس خروجه من صعدة. وفي شهر ذي الحجة كانت الوقفة بالجمعة وحج خلق كثير من مصر وكان الأمير الحاج الكبير ركن الدين بيبرس الحاسكي وحج معه عدة من الأمراء المصريين. ووصل معهم الشريفان رميثة وحُمًيصة ولدي أبي نمي. وكانا بمصر معتقلين كما ذكرنا أولاً. فلما انقضى الحج أحضر الأمير ركن الدين بيبرس الشريفين أخويهما أبا الغيث وعطيفة وعلمهما أن صاحب مصر قد ولى أخويهما رميثة وحُمَيصة فلم يقابلا بالسمع والطاعة. فحصلت بينهما منافرة. وكان في مكة والمدينة غلاء عظيم حتى بلغ المد الحنطة عشرين درهماً والذرة ستة درهماً. واستمر رمثية وحُمَيصة في البلد وأظهرا حسن السيرة وأبلا شيئاً من المكوس. وفي هذه السنة وصل عبد الباقي بن عبد الحميد من ثغر عذر إلى الأبواب الشريفة السلطانية يريد أن يكون كاتب الإنشاء فحصلت معارضات أوقعت عدم الاستمرار وكان عمره يومئذٍ ثلاثاً وعشرين سنة. فلما لم يتفق له ذلك توجه نحو الديار المصرية وهو ينشد قول الشاعر أيا ماء العذيب وأنت عذبُ ... تعرَّضَ دونك الماء الوخيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وفي هذه السنة توفيت الحجة المصونة بنت الأمير الأجل الكبير أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول زوج مولانا السلطان الملك المؤيد وكانت عنده عزيزة كريمة لأنها بنت عمه ابن عم أبيه. وكانت كثيرة المروءة حسنة الشفاعة. فعز عليه فقدها وأمر بالقراءة عليها في سائر جوامع مملكته. وحملت من رأس حصن تعز تحت الشخانات الحرير وإمامها ملوك بني رسول. ودفنت في مدرسته التي أنشأها. وكان دفنها يوما مشهوداً رحمة الله عليها. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن آدم المعوف بالجبرتي نسبة إلى ناحية من بلاد الحبش يقال لها جَبَرت وكان فقيهاً ورعاً زاهداً صاحب مسموعات وإجازات أخذها عن الإمام أبي الخير بن منصور الشماخي وغيره. وهو الذي يعرف به مسجد الجبرتي الذي في مدينة زبيد عند الخان الجديد المجاهدي.. وكان غالب دهره لا يفارق المسجد إلى أن توفي على ذلك ليلة الأحد الثالث من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن أبي القسم الشعبي وأصله من أشعوب دنجان. وكان رجلاً صالحاً كثير العباد له قدر عظيم عند الناس. توفي في السنة المذكورة وخلفهُ ولدهُ أبو الخطاب عمر بن أبي بكر. وكان من خيار أولاد الفقهاء شريف النفس عالي الهمة له دين رصين. وكان صبوراً على إطعام للخاص والعام فلذلك لحقه دين كثير. وتوفي على الحال المرضي سلخ صفر من سنة تسع عشر وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن أحمد العسيل. وكان مولده لأربع عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة وأربعين وستمائة وأهله يعرفون ببني عسيل من فقهاء قائمة بني حبيش وخطبائها. قدم هذا إلى جبلة طالباً للعلم ثم تقدم إلى رباط المقداحة على حياة الشيخ علي بن عبد الله فجعله إماماً له وللجماعة. ويروى أنه رآه يوماً وفي يده خاتم فضة فأبعدها منه ثم لما عاد إلى جبلة أقبل على قراءة الفقه. فلما كان في بعض الأعياد التي يتحارب فيها أهل جبلة وأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 البادية دخل الفقيه سفين الجامع فلم يجد فيه أحداً إلا هذا الفقيه مكباً على مطالعة البيان فأعجبه ذلك منه وعزمه على القعود معه ثم زوجه بابنته. ولما توفي استخلفه على مسجده فلم يزل به مدة. ثم ارتحل إلى مصنعة سير فتفقه بها. ومن شيوخه الذين تفقه بهم أبو بكر العراف وعباس البريهي وصهره سفين. ولما ولى بنو محمد بن عمر بامرأتهِ وولدين له. وكانا قد تفقها فلما وصلوا حازان توفيت الزوجة رحمها الله في منتصف شعبان من السنة المذكورة ثم لما صاروا في مكة توفي ولده الأصغر وكان اسمه أحمد وكان جيداً تقياً شريف النفس عالي الهمة. ثم حج الفقيه وابنهُ الآخر فلما انقضى الحج عزما على الرجوع إلى اليمن فتوفي الفقيه في جدة سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة رحمهم الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أحمد بن عمر الزيلعي الحبرتي وهو الذي يعرف بصاحب المحمول نسبة إلى مسجد على ساحل المحالب. وكان فقيهاً كبير القدر مشهور الذكر معروفاً بالعلم والعمل صاحب كرامات ومكاشفات. قال الجندي أخبرني الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد الحلي وكان قدم علينا الجند قال قدمت عليه زائراً فبينا أنا عنده إذ قدم عليه جماعة يزورونه ومعهم دراهم قد جاءوا بها فوضعوها بين يديه فعجل يقلبها بمسواك في يده درهما درهماً فاخرج منها ثلاثة دراهم فردها على شخص وستة عشر درهماً ردها على شخص ثم أمر الخادم بقبض الباقي فداخلني من ذلك تعجب كثير. فحلوت ببعضهم فسألت عن سبب رد الفقيه الدراهم التي ردها. فقال أن الذي جئت بالثلاثة الدراهم وليست مني بل أعطتنيها عجوز تحت يدها أيتام ولم يمنعها من الوصول إلا خشية أن يعرفها الفقيه فيردها عليها وقد جعلتها بين دراهم مني فانتقاها الفقيه فأخرجها كأنه قد عرفها وإما الستة عشر درهماً فاسأل عنها صاحبها فهو ذاك الرجل. فأتيت الرجل الذي أشار إليه وسألته عن قصة رد الدراهم فقال هي من شيخ الصميين كان مرض له فرس فنذرها للفقيه أن شفي فرسه. فلما شفي وعلم إني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 واصل إلى الفقيه أمر بها معي لعلمه أن الفقيه لا يأخذها منه لو وصل بها ولا يقبلها منه. فلما اجتمعت جماعة معهم دراهم فتح ناولهم إياها فجعلوها بين دراهمهم فأخرجه الفقيه بأعيانها وأعادها إليَّ كما رأيت. قال الجندي وسألت هذا الذي اخبرني عنه بقصة الدراهم عن سيرته فقال أنه كان لا يكتسب بحراثة ولا زراعة ولا دروزة ومتى علم بأحد من أصحابه أنه بدروزة طرده وكرهه. وتوفي في قرية اللحية تصغير لحية الرجل وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح حسين بن أبي بكر بن حسين السودي بفتح السين المهملة نسبة إلى بني سود. وكان فقيها صالحاً فاضلاً مشهوراً بالفقه والصلاح وشهرت له كرامات كثيرة وكان معظماً عند الناس. تفقه على سليمان بن الزبير ثم غلبت عليه العبادة والورع وسلوك طريق فقهاء الناحية لكن بلغ الملوك عنه أنه يتصل بإمام الزيدية في عصره وهو محمد بن مطهر فكرهوه وهموا بأذيته فكان لا يستقر في موضع ينالونه فيه. وكان ينكر على القراء الرقص والسماع فلذلك أجمع الفقراء والفقهاء عليه ولم يزل حذراً من السلطان حتى توفي في السنة المذكورة بعد الفقيه أحد الزيلعي بشهرين أعني المذكور قبله. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو سعيد محمد بن الفقيه عبيد بن أحمد بن مسعود. وكان فقيهاً ماهراً ولد في شوال من سنة إحدى وخمسين وستمائة تفقه بأبيه. وكان ذا دين وورع وصلاح توفي في السنة المذكورة والله أعلم. وفي سنة خمس وسبعمائة أقطع السلطان الأمير سيف الدين طغريل أبين فنزل إليها في النصف الأخير من المحرم وانفصل عنها ابن بهرام. فلما وصل الأبواب الشريفة منفصلاً من أبين أمر السلطان أربعة أحمال طبلخانة وأربعة أعلام وأقطع الأعمال الرحبانية. وكانت الأشراف آل شمس قد غزوا حرض قبل وصول ابن بهرام إليها وافسدوا في نواحيها. وكان فيها مقدم ورتبة من عسكر السلطان فخرجوا لقتال الأشراف وقاتلوهم عند المدينة فانهزموا إلى الدرب ودخل الأشراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المدينة فنهبوا ما أمكنهم ورجعوا من فورهم. وخالف الأشراف بنو حمزة وانضم إليهم ابن وهاس فجهز السلطان حينئذٍ الأمير بدر الدين محمد بن عم بن ميكائيل إستاد داره في جيش أجش إلى جهة صنعاء فوقف هنالك إلى آخر شهر رمضان. ونزل بعد تمام الصلح بين السلطان وبين الأشراف على أن للسلطان ثلث مخلاف تلمص وقبضت رهائنهم على ذلك. ورجع أهل مدينة صعدة إلى صعدة فسكنوها. وفي آخر شهر شعبان من السنة المذكورة تبرأ الملك المظفر من صنعاء وتوجه إلى حرم أبيه فاقطعها السلطان الأمير سيف الدين طغريل فسار حصناً فلما وصل ذمار أقام بها إلى شهر ذي القعدة. وقبض في مدة وقوفه حصناً من حصون بني عبيدة. وفي الرابع والعشرين من رمضان اقطع السلطان الأمير عماد الدين إدريس بن علي أبين وما ينضاف إليها. وفي النصف من شوال أمر السلطان بإعادة الجحافل على جوامكهم قد قطعها منهم منذ سنتين على سبيل الأدب. وفي هذه السنة المذكورة رجع الأمير أسد الدين نور من الديار المصرية بعد أن عومل بما يجب من الإكرام. ووصل معه سفير من هنالك يقال له مبارز الدين الطوري فأقام في تعز أياماً. وحضر المقام السلطاني فقوبل بالإكرام والأنعام. ثم سار إلى زبيد أقام إلى أن تهيأ له السفر إلى مخدومه فسافر. وفي هذه السنة المذكورة حج من مصر والمغرب وبلاد العراق والعجم ومن اليمن خلق كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى. واجتمع في عرفة ثلاثة ألوية لصاحب اليمن ولصاحب مصر ولصاحب العراق حذابذة وهو الشجاع باللغة التركية. وحصل الحرب بمنى بين المصريين والحجازيين. وكان أمير الركب المصري الأمير سيف الدين أنغه وكان فظاً غليظاً سفاكاً مقدماً على الجرائم. فقتل جماعة من السرو وشظهم ولم تدخله شفقته عليهم ولا رحمة. وفي هذه السنة توفي الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الكاشغري نسبة إلى بلد في أقصى بلاد الترك. وكان حنفي المذهب. وقدم مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 حاجاً فأقام فيها أربع عشرة سنة صنف أيها كتاباً سماه مجمع الغرائب ومنبع العجائب يدخل في أربعة مجلدات. ثم انتقل إلى مذهب الشافعي هنالك فسئل عن ذلك فقال رأيت القيمة قد قامت والناس يدخلون زمرة بعد زمرة فسرت مع زمرة منهم أيريد الدخول فحدثني شخص وقال الشافعية يدخلون قبل أصحاب أبي حنيفة فلا جل هذا أردت أن أكون مع المتقدمين وتظاهر بمذهب الصوفية. وابتنى ربطاً كثيرة في أماكن متفرقة. وحكم جماعة أيضاً ولما دخل اليمن ورأى أن الغالب في اليمن مذهب الشافعي تظاهر به وقرأ كتبه فقرأ المهذب في إب على الفقيه يحيى بن إبراهيم وإما النحو وغالب مصنفات ابن الجوزي ورتبه القاضي بهاء الدين في المدرسة المظفرية بتعز. وكان انثنى رباطاً في ساحل موزع وغرس هنالك نخلاً كثيراً وكان يختلف إليه في أيام ثمرته ويعود إلى مدينة تعز عند فراغه فلما كان في سنة خمس وسبعمائة نزل إلى موزع في أيام ثمرة النخل فأدركتهُ الوفاة هنالك. فلما توفي قبر عند قبر الشيخ الصالح الخطيب المقدم ذكره رحمة الله عليهما. وفيها توفي الفقيه الفاضل عيسى بن أبي بكر الحكمي. وكان فقيهاً حبراً ديناً تفقه بالفقيه أبي بكر عبد الله الريمي. وامتحن في آخر عمره بكفاف البصر إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح محمد بن أبي بكر بن رُشَيد بضم الراء وفتح الشين. وكان فقيهاً صالحاً ورعاً زاهداً درس في المنصورية بزبيد بعد الفقيه أحمد بن سليمان الحكمي لما عزل عنها. ولم يزل على التدريس إلى أن توفي وقت الأذان بالظهر من يوم الأربعاء ثاني عشر شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الطيب ظاهر بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عيسى المهدي اصله من قرية الملكحي ولي قضاء بغدان مدة وكان تفقه بجبلة بعبد الله بن علي العرشاني ولم يزل حاكماً حتى توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وفي سنة ست وسبعمائة ملك السلطان حصن الفرائع وهو مصاقب الطويلة بحيث يختلف بينهما النشاب والحجر. فحط الريف تاج الدين علي بالفرائع ولزم حصن سريت. فخرج الأمير سيف الدين من صنعاء في شهر ربيع الآخر والأمير عباس بن محمد فكسروه وشحن الأمير سيف الدين الحصنين بأنواع الشحن بعد أن عمرها ورجع ظافراً منصوراً. وكان رجوعه في شهر شعبان. وفي يوم الثالث عشر من شهر جمادى الأخرى وكان ميلاد السلطان الملك المجاهد في مدينة زبيد. وقيل كان ميلاده في العاشر من شهر رمضان من السنة المذكورة في مجلس في دار المعروفة بدار السلطنة زبيد ويعرف المجلس بمجلس الولادة لكونه ولد فيه والله أعلم. وفي النصف الأخير من جمادى الأخرى المذكور أخذ ابن أصهب حصن النشابة بوصاب وهو حصن عظيم يناطح النجوم وبلتبس بالغيوم من أحرز الحصون وأمنعها وأضرها وانفعها وهو من آخر معاقل اليمن والذي يحط عليه لا يراه لأنه في رأس جبل عال وليس له إلا طريق واحدة فأهم السلطان وأخذه فجهز الوزير موفق الدين إلى جبلة فجمع منها الرحل وسار السلطان إلى زبيد مبادراً كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي حيث يقول أشد من الرياح الهوج بطشاً ... وأسرع في الندى منها هبوباً ثم خرج السلطان فحط على النشابة أياماً فأذعن ابن أصهب بالطاعة ووقف على قدم الاستطاعة ونزل على الذمة الشريفة وتسلم السلطان الحصن المذكور وتسلم حصوناً أخرى وانثنى راجعاً. فلما استقر في مدينة زبيد عملت الأفراح وضربت البشائر وهنأه بذلك شعراء دولته. وهنأه الفقيه عفيف الدين عبد الله بن جعفر فقال: ترك الجبال أشم قاعاً صفصفاً ... من وعده ووعيده ما اخلفا متقاضياً ميراثه مستشهداً ... سمر العوالي والصفيح المرهفا تغفو عيون الصابرين نفوسهم ... عن نيل ما طلبوا وكلاً ما غفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 جمع الجيوش إلى المغار ولو أَتى ... للحرب قبل جيوشه فرداً كفى لا يستقر الدارعون نفوسهم ... حسب الرماد يعاصف أن ينسفا دأْب المؤَيد أن يسل على العدى ... سيفاً ودأْب رقابها أن تقطفا يرضى ملوك الأرض ايسر حقها ... منهُ وتفرح من وفاهُ باللفا لا تقدر الآثام ترفو خرقهُ ... أبداً ولا الأيامُ تخرق ما رفا العاقد الرايات لم يك زاجراً ... طيراً بمسرحها ولا متعيفا بخبائس للحرب ليس خنائس ... تمسي وتصبح في المراكز عكَّفا قامت عقاب المنجنيق وراءَها ... فأشار مولانا بان تتخلفا جمعت جناحيها ومدت عنقها ... للسير في أَثر الخميس وتزحفا نوءُ يجلجل من زبيد رعده الساري فصاب وصاب غيثاً وكَّفا حتى إذا ما السيف بالغ خطوة ... فيها وحثحثه السباق فأوجفا وجرت سيول من دم لو أنها ... ماءُ لكان ربيعهم والصيّفا ورأَوا من النيران حول قلاعهم ... عدد الكواكب في السماء ونيفا فتوجسوا أن الطبول زلازل ... كادت بهم وبطودهم أن تخسفا طرحوا نفوسهم على أبوابهِ ... فعفى ومثل أبي المظفر من عفا هربوا إليه منه فاعتصموا بهِ ... ولكم أَجار الهارب المتخوّفا مستشفعين بآل بيت محمدٍ ... أَهل الشفاعة للمسيءِ إذا هفا فأّقال عثرتهم وعاد بهم إلى ... ما أَورثته بنو الرسول من الوفا واتت عقائل في الححال فجاوبت ... منهُ الكريمَ الطاهر المتعففا من لم يمدَّ إلى الخنا طرفاً ولم ... يسحب إلى طرق الفواحش مطرفا يدعون يا سلطان عفواً بالرضا ... فأَجابهم وأَثابهم وتعطفا نظر البوارق من بلاد ربيعةٍ ... وفدت وخاف بلمعها أن تخطفا وهي قصيدة طويلة هذا عنوانها وفي شهر شوال من السنة المذكورة نقض الجحافل الصلح وأغاروا على لحج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فقتل بينهم عباس بن أبي سقرة وكان من وجوههم وفرسانهم. وكان في ثامن الشهر أغاروا على الأجنة فقتل أيضاً أحمد بن سقرة وكان أعظم من أخيه محلاً فيهم. وفي يوم العشرين من القعدة تجمعوا جموعاً كثيرة وقصدوا الأجنة أيضاً ولم يستقروا عندها فرجعوا طريق الرحاح فتبعهم العسكر وأدركوهم بعد العصر وقد أصابهم سموم وتفرقوا فقتل العسكر منهم نحواً من أربعين رجلاً فانكف شرهم وفسادهم. وفي سنة سبع وسبعمائة جاءت النجوع إلى ناحية حوض فجرد السلطان لهم إلى تلك الناحية نحواً من ثلاثمائة فرس من حلقته المنصورة فأغاروا عليهم وشتتوا شملهم. وفي هذه السنة المذكورة هرب الشريف محمد بن خالد من زبيد وكان السلطان يومئذٍ بها وترك رهينة أمه وأخته. وفي جمادى الأولى خالف والي سبعان على الأمير تاج الدين وباع الحصن على السلطان فصدهُ الأمير تاج الدين وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة فجرد السلطان لحرب الأمير تاج الدين سيف الدين طغريل وسار معه بالمنجنيق لرمي عزان فلما صار بالضلع التقى بالأمير تاج الدين وأخيه الأمير علم الدين حمزة أو كان ملتقاهم اسفل عقبة بكر فاتفقوا على الصلح وعلى خدمة السلطان وحلفهما على ذلك وخلع عليهما ورجع إلى محطته ومعه الأمير علم الدين حمزة فلما أصبحوا من النهار الثاني طلعت الأعلام السعيدة المنصورة السلطانية حصن بكر وخفقت ذوائبها هنالك طاعة السلطان. ثم نزل الأمير تاج الدين إلى المحطة فانصفه الأمير سيف الدين وخلع عليه وأعطاهُ جنداً وكساً غلمانه وأصحابه. وانعقد الصلح بينهم وبين السلطان خمس سنين وتوجه الأمير سيف الدين إلى الباب الشريف وصبحته الأمير علم الدين حمزة ابن أحمد صهر الأمير تاج الدين محمد بن أحمد ولم يكن وصل أبواب السلطان قبل ذلك. وكان معه ابن أخيه عبد الله بن تاج الدين وجماعة من العرب. وفي هذه السنة عزم الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة في الديار المصرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 على أن يجهز الأمير بيبرس في جيش كثيف إلى اليمن. وأمر على الأمير عز الدين الأشقر شاد الدواوين أن يتقدم إلى جهة قوص لعمارة المراكب فعمر نفيفاً وخمسين مركباً. وقدر الله موته وموت أولاده وعائلته وجميع أهل داره في أيام قلائل ولم يبق منهم أحد. فرجع الأمير سيف الدين سلار عن ذلك الرأي وأشار بأن يحضر الفقهاء والقضاة ومشائخ الخوانق وأصحاب الزوايا وأرباب الخير والصلاح إلى مقام السلطان الملك الناصر ليعلموه أن هذا الأمر لا يحل الأقدام عليه لان اليمن بلاد الإيمان وهي بلاد العلم والعلماء والفقهاء والصلحاء وأرباب الخير وملكها ثابت الولاية مستمر الحكم قد انعقد الإجماع عليه فلا يجوز البغي عليه. فرجع السلطان عن ذلك الرأي وجعل هذا لتأخير المشير. ولما علم السلطان الملك المؤيد بذلك منع الكارم تلك السنة حتى الرسول بالعلم بذلك واستقرت الأمور على تسفير رسول من الديار المصرية إلى اليمن ومتعمم فكان الرسول رجلاً يسمى السعدي من مماليك الملك الظاهر. والمتعمم القاضي شمس الدين محمد بن عدلان أحد القضاة. وكان مضمون الرسالة تقرير الحال وإن السلطان قد رجع عما قدم عزم عليه. وفي خلال ذلك الرغبة إلى الصلح والموادعة. ثم توجه الرسولان إلى بلاد اليمن فحضرا مقام السلطان وكان السلطان يومئذ مريضاً لا يستطيع الكلام واتفق أن حدث بالأمير الواصل مرض أفضى به إلى الموت فتوفي في الثالث والعشرين من جمادى الأولى من سنة ثمان وسبعمائة. وكانت وفاته بزبيد في ظاهر المدينة. ورجع القاضي شمس الدين إلى الديار المصرية وصحبته جواب ما جاءَ بسببه. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل محمد بن عيسى بن علي بن محمد ابن أبي بكر بفتح اللام. وكان فقيهاً حافظاً لكتاب الله تعالى ومن احسن الناس لجهة به من سمعه يقرأ استغرب قراءته وطرب له. رتبهُ بنو عمران إماماً في الجامع بعد أبيه ولم يكن لديه فقه شاف. فلما انفصل بنو عمران أقام إماماً بعدهم نحو سنة ثم فصله بنو محمد بن عمر فأقام منفصلاً عدة سنين إلى أن توفي في الجنيد. وكانت وفاته في السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن عبد الله الجبرتي واصلح من جبرت وهي ناحية من نواحي بلاد السواد. وكان فقيهاً فاضلاً قدم طالباً للعلم فأقام بالمصنعة أياماً فقرأ على الفقيه محمد بن أبي بكر الأصبحي فتفقه به ثم بتلميذه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي صاحب المعين ثم رتبه القاضي إماماً في قبة هنالك جعلوها مسجداً. ثم لما خرجوا عن سير خرج هذا الفقيه إلى الذبيتين فأقام بها إلى أن توفي في السنة المذكورة. وقبره قريب من تربة شيخه الإمام أبي الحسن علي بن أحمد المذكور رحمة الله تعالى عليهما. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن عبد علي المعروف ووالده بالصفي الميموني. وكان فقيهاً فاضلاً جيداً في بدايته بفقهاء تعز كان البابة وابن العراف وغيرهما. وارتحل إلى تهامة فأخذ عن الفقيه إسماعيل ابن محمد الحضرمي وغيره. ثم لما عاد إلى الجبل درس بذي جبلة. ثم انتقل إلى تعز فدرس بالرشيدية. ثم لما ابتنى الملك الأشرف مدرسته بالمغربة جعله مدرساً بها. فلم يزل بها إلى أن توفي الملك الأشرف في تاريخه المذكور أولاً وكان وقف الملك على مدرسته وإنما كان يتفقد الفقيه في سائر أوقاته فلما توفي الملك الأشرف كما ذكرنا أولاً قيل للفقيه هل لا انتقلت إلى بعض هذه المدارس فإن وقف هذه المدرسة لا يحملك. فقال لا أغير صحبة الأشرف حياً ولا ميتاً. وكان أخذه لكتب الحديث عن الفقيه أبي العباس أحمد بن علي السرددي وعن إسحاق الطبري وعن إبراهيم بن عجلان. واليه انتهت رئاسة الفتوى في مدينة تعز ونال من الأشرف مكانة جيدة. وكان موته فجأة ليلة الخميس بقين بن صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الحسن علي بن عثمان الأشبهي وكان فقيهاً عارفاً قدم اليمن غريباً من ناحية الحجاز فلما وصل تعز أقام في السفينة أياماً فأخذ عنه جماعة من الفقهاء فبلغ العلم به إلى قاضي القضاة يومئذ وهو الصاحب موفق الدين فرتبه مدرساً في المدرسة المظفرية. وكان يدرس كتاب الحاوي الصغير ولم يكن يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 كتب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ولا كتب الشيخ أبي حامد الغزالي فاخذ الناس عنه الحاوي الصغير وغيره. ويقال أنه كان مدرساً ببغداد ومعيداً ولما وقف على كتاب المعين تصنيف الفقيه علي بن أحمد الأصبحي اعجب به واستنسخه وقال ما كنت أظن أن مثل هذا يوجد في زماننا ثم لم تطب له الإقامة في اليمن فاستأذن في السفر إلى عدن وسافر إلى عدن هذه السنة المذكورة سنة سبع وسبعمائة فذكروا أن المركب الذي سافر فيه غرق والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الفاضل الخضر بن عبد محمد بن مسعود الحبي نسبة إلى قبيلة من خلان يعرفون ببني حبي وكان فقيهاً مرضياً تفقه بأحمد بن سليمان الحكمي وأخذ عن محمد بن عمر بن علي الساعي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح صالح بن أحمد بن محمد بن يوسف بن أبي الخل وكان فقيهاً كبيراً عالماً وعاملاً ورعاً كثير الصيام والقيام وكان يقو لدرسته لا تأتون إلا في وقت كراهة الصلاة لأنه كان لا يمل الصلاة ليلاً ولا نهاراً تفقه بعمر بن علي الساعي. وكان غالب أيامه صائماً لا يفطر غير الأيام المكروهة للصوم وكان راتبه في كل يوم وليلة ألف ركعة. وامتحن في آخر عمره بالعمى فكان يعرف الرجل الداخل عليه قبل أن يتكلم. وكانت وفاته في السنة المذكورة بعد أن جاوز عمره سبعين سنة رحمه الله تعالى. وفي السنة المذكورة توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد عمر بن علي بن محمد الخزرجي الأنصاري الساعدي نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرجي. وكان مولده سنة تسع وثلاثين وستمائة. وتفقه بعلي بن ابن إبراهيم النحلي. وكان أول من لزم مجلسة. وكان الفقيه عمر بن إبراهيم زميله في القراءة وهو من أتراب محمد بن حسين من أهل عواجه. ودرس هذا محمد بن عمر في جامع المنكسة. وهو جامع أحدثه السلطان الملك المظفر يوسف بن عمرو جعل فيد مدرساً ودرسة. ولم يزل هذا محمد بن عمر على التدريس به إلى أن توفي إلى رحمة اله تعالى يوم التاسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 من المحرم وقيل يوم العاشر منه من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمان وسبعمائة اتفق عمارة القصر السلطاني المسمى بالمعقلي في ثعبات. وكان فراغه في النصف من صفر من السنة المذكورة. وهو قصر قصرت المحاسن في نواحيه. وأطلعت الإجادة في أفق معاليه. أجمع أرباب اختراق الآفاق أنه لا مثل له في شام ولا عراق. وأنهم لم يشاهدوا مثله أبداً وهو مجلس طوله خمسة وعشرون ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً بسقفين بغير أعمدة له أربع مناظر بأربعة وراشن ليس فيه إلا رخام وذهب وإمامه بركة طولها مائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً على حافاتها صفة طيور ووحوش من صفر أصفر ترمي الماء من أفوافها. وفي وسط البركة فواره ترمي الماء إلى السماء فيبلغ مداً بعيداً. وقباله شاذر وإن بعيد المدا يصب ماؤه إلى البركة المذكورة كان لوح من بلور لا يمكن التعبير عنه بغير هذا وفي المجلس شبابيك تفضي إلى بستان عجيب المنظر حسن المختبر والمخبر. وكان الصناع في عمله مدة سبع سنين قال المصنف أيده الله وسمعت من حكى ممن أدرك أيام عمار أنه كان يطلع في كل يوم نحو من سبعين بغلة من الصناع الغرباء ما بين نجار ودهان ونحاس وصانع ومكندج ومرخم ومزخرف. ومصور خارجاً عمن يركب الحمير ومن لا يركب من اتباعهم. وهذا ما عدا صناع البلاد وهم أضعاف أضعافهم. ولما فرغت عمارته على الصفة المذكورة أمر السلطان رحمه اله تعالى بعمل فرحة عظيمة جامعة حضرها أعيان الناس. بل عامتهم على اختلاف حالاتهم وتنوع طبقاتهم.؟ وكان السلطان رحمة الله عليه ينظر إليهم من الطبقة الثانية وأمر بإضافة الخلع على أعيان الناس وأجرى للمجمع من كرمه نوالاً وبلغهم من جوده آملاً. وهنأه الشعراء بذلك. وفي هذا عبد الله بن جعفر يقول هنئت قصراً على كل القصور سما ... يا حبذا برج سعدٍ فيه بدر سما بنيتهُ مستجدّاً تستجدُّ به ... نصراً من الله قد أجرى بهِ القلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ويلتقي الأَمن واليُمن المقيم به ... والخلد والعز والأفراح والنعما ففي الخلافة آياتُ تشاهدها ... وقوف سقف ولا شيءُ به دعما أًنصر التبر مبذولاً لطالبه ... فنال من دونه ذوباً به رقما بين الحدائق والأعناب قد نشرت ... منها ثياب تلف الوهد والاكما كأَنما عاد غُمْدان كمبدئه ... واظهر الله من أستاره إِرما كأَن أربعة الجوزا رواشنه ... والجركتان كأَن الفرقدين هما بين الشبيهين شاذروان قِبلته ... هما الجناحان وهو القصر بينهما تظل منه صفوفُ الماءِ ساجدة ... مؤَباتٍ لسلطان الورى خدما إلى سواقي رخام فوق فسقية ... فاعجب لجامد ماءٍ فيه ذائب ما ولخورنق حين المعقليّ بدا ... كمثل ضدٍّ إذا قابلتهُ انهزما لم يستطع لوقوفٍ في مناظرة ... أَمامهُ فتولى عنهُ محتشما كأنه رب جيشٍ قد طلعت لهُ ... ففرَّ عنك بروحٍ منهُ مغتنما فحلهُ في سعود في علويدٍ ... في رفعة في بقاءٍ ليس منصرما في حقن كل دم أو كشف كل غما ... أَوري طل ظما أوَ منع كل حما أصحييت من يوسف السامي مآثرة ... فمذ وُجِدْتَ بحمد الله ما عدما وقال عبد الباقي بن عبد المجيد في ذلك ويمدح السلطان الملك المؤَيد رحمه الله تعالى دع رامة الوادي ودع سمراتها ... واترك بيوت الشعر في ابياتها والحظ منازل آل جفنة في العلى ... من ارض صهلتها إلى ثعباتها تجد القصور الشامخات على السها ... شرفاً تريك العز في شرفاتها تلك الجنان أما ترى أنهارها ... قد أعربت بالطيب عن ثمراتها تجلى زواهرها ويشرق زهرها ... فكأَنها الأقمار في هالاتها مثل المجرة في انتظام قصورها ... أين المجرة من نما زهراتها برزت بها الأغصان شبه عرائس ... نظمت عقود الدر في آيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 في كل عود من سواجع طيرها ... عود يريك اللحن من نغماتها فخرت بها ثعبات أمصار الورى ... بجميل منظرها وجل صفاتها وسمت بعينيها وحسن نباتها ... وتسلسل الأنهار في بحراتها فلذا بها الطاووس فرَّق ريشهُ ... فشياته في العين مثل شياتها ما سعت بوار وغوطة ... يوماً بأزهى من بها غوطاتها بنيانها من عسجد ومياهها ... من فضة تجري على حافاتها وبها مشيد المعقليّ فكم به ... من صنعةٍ فخرت بحسن ثباتها قصرُ يقصّرُ عن لحاق كماله ... باهي النجوم إذا سمت بسماتها هذي المنازل لا منازل غيرها ... في حسنها الباهي وفي حسناتها فلكُ به الملك المؤَيد طالعُ ... كالشمس كاشفة دجى ظلماتها فلك به الأفلاك جامدة على ... مجرى بما يختار من حركاتها متعوّد بذل النوال لقاصد ... والنفس جارية على عاداتها أيامهُ للقاصدين مواسمُ ... وبواسم عن فضلها وهباتها ملكُ لهُ في العلم أو في غايةٍ ... أَرْبت على الأملاك في غاياتها بذ الملوك أبو المظفر في العلى ... لما علت هماته هماتها حازت مناقبهُ شتات فضائلٍ ... فلذاك أضحى جامعاً لشتاتها يلقى أعاديه كتائب جيشهِ ... والنصر معقود على راياتها لم تلقَ أن شاهدت ضوء جبينه ... خططاً من الأيام في نكباتها أيامهُ مخلوقة لهباته ... مقصورة أَبداً على لذاتها وهذه قصيدة طويلة هذا عنوانها ولما فرغ بناء المعقلي في التاريخ المذكور أمر السلطان ببناء قصرٍ ثان في بستان صالة وتوجه إلى محروسة زبيد يوم الرابع من جمادى الأولى فأقام بها نصف شهر وتوجه نحو مدينة المهجم فأقام بها إلى يوم الثلاثاء التاسع عشر من شهر رجب وسار إلى حجة في جيش أجش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 يخف أعزلا قود عليه ... ولادية تساق ولا اعتذار تريق سيوفهُ مهج الأعادي ... فكل دمٍ أراقتهُ جبار وذلك حين طال الحصار على الطهرين ولم يتصل المقدمون إلى غرض فوصل السلطان إلى الجاهلي يوم الثالث والعشرين من رجب وتسلم الطهرين يوم الرابع والعشرين من رجب. ونقل المحطة والمنجنيق إلى شمسان وتواتر القتال عليه ورماه بالمنجنيق فعمل فيه المنجنيق عملاً عظيماً. وكان الملك المظفر والصاحب موفق الدين ينزلان لحضور الزحفة عليه وتطاول عليه القتال إلى النصف من شعبان. ثم سلمهُ صاحبه وبعد تسليمه وصل الأمير تاج الدين إلى المحطة. وقد كان وصل قبله الأمير ابن وهاس وصاحب ثلا وعساكر اليمن الأعلى حتى امتلأت حجة بالعساكر. وتوسط ابن وهاس في الصلح لصاحب جراف. فعاد إلى الخدم السلطانية ورهن ولده وتوسط أيضاً في صلح الإمام محمد بن مطهر على تسليم عزان وبراش ثم رجع السلطان من حجة. وكان انفصاله عنها يوم السبت التاسع عشر من شعبان. فدخل المهجم يوم الثالث والعشرين منه. وخرج من المهجم يوم الخامس والعشرين منه متوجهاً إلى زبيد. فأقام بها وصام شهر رمضان وعيَّد العيد بها. وفي اليوم السادس عش من شوال وصل الأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة إلى الأبواب السلطانية بزبيد بعد الامتناع الشديد والمرام البعيد. فأكرمهُ وأتحفهُ وانصفهُ. ولك يكن قبل ذلك وصل إلى السلطان. وكان من أعيان الشرفاءِ ورؤَسائها. وهو صاحب الحصون الغربية كحلان والطويلة. وعدة حصون كثيرة من الحصون الصغار. فعامله السلطان بأنعامه. وأفاض عليه صيّبِ إكرامه. وتوجه الركاب العالي إلى بحر الأهواب على ساحل زبيد. فركب الفيل عند دخوله الغارة. وأردف الأمير تاج الدين خلفه. فارتاع قلب الشريف من ركوب الفيل. وفي ركوب الفيل يقول عبد الباقي بن عبد المجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الله أولاك يا داود مكرمة ... ومعجزاً ما أتاها قط سلطان ركبت فيلاً فظل الفي في رهج ... مستبشراً وهو بالسلطان فرحان لك الإله أذل الوحش اجمعه ... هل أنت داود فيها أم سليمان وأقام السلطان في البحر أياماً. ثم عاد إلى زبيد فأقام فيها أياماً ثم توجه إلى تعز فدخلها يوم السابع والعشرين من ذي القعدة وأحضر الأمير تاج الدين للنزهة والفرجة في قصور ثعبات وقراصة وصهلة وصالة فرأى ملكاً كبيراً وجنة وحريراً. ولما وصل السلطان إلى ثعبات كما ذكرنا هنا الأمير عماد الدين إدريس بن علي بقدومه إليها في أول العشر من ذي الحجة فقال تهنى بك العشر الكريمة والشهر ... وتزهو بك الأيام والملك والدهر وباليمن والإقبال حلت ركابكم ... بحيث استقر الملك والنهي والأمر سمت ثعبات فوق كيوان رتبة ... وطالت على الآفاق وابتهج القصر وأشرق نور المعقلي كأنما ... تَبَدىَّ لنا من بين أركانه الفجر وقد كان ظن الهجر لما رحلتم ... ورام اصطباراً وهو ليس له صبر فلما أْتت منكم بشائر حجةٍ ... وما فعلت فيها صوارمك البتر تسلى عن البعد الملم وسره ... لك العز والإقبال والفتح والنصر وحين بدا فيه جبينك مشرقاً ... ولاح صياءُ منه يحسده البدر زها حين ما جل ابن جفنة صدره ... ولا غزوان يزهو بك الدست والصدر لعمري لقد آنستموا غرضاً به ... وما رضيت بعداً تهامة والبحر ولا يئست منكم أباطح مكة ... وما زال مشتاقاً لك البيت والحجر وفي كل ارض من سطاك مخافة ... وفي كل قلب من مخافتكم ذعر وفوق محل الشمس قدراً ورفعة ... ضربتم رواق المجد فاتضح الفخر وقلدتم كل الأنام صنائعاً ... فما أحد من رق إحسانكم حرُّ فلا زلت للدنيا وللدين بهجة ... لياليكم زهو وأيامكم غرُّ تجدد في الأيام كل مسرة ... تدوم وتبقى ما لآخرها حصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وفي شهر شوال من هذه السنة أخذ محمد بن عامش وولده من مشائخ حجة حصن ما دون وقتلا صاحبه علي بن صفصفة وأخاه إسحاق. وفي شهر ذي القعدة وصل العلم من مكة المشرفة أن أهل مصر سلطنوا ركن الدين بيبرس الخاسكي وتسمى بالملك المظفر وكان السبب في ذلك أن بيبرس وسلار استوليا على الملك وتصرفا على الأموال والخزائن ولم يكن للسلطان منهما إلا اسم السلطنة فراجعهم في الحج وجهز أولاده في الركب المصري وسار هو نحو دمشق ليسير مع الركب الشامي. فلما خرج من مصر وملك نفسه صار نحو الكرك وصدر مماليكه بعد أولاده فاستعادوهم ولزم نفسه عن مصر وأهلها فسلطنوا بيبرس كما ذكرنا. وفي هذه السنة المذكورة ظهر من الشريفين رميثة وحميصة في مكة المشرفة من الجور والعنف والطمع في أموال الناس ما لم يعهد منهما قبل ذلك. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بكر بن زاكي اليعلوي نسبة إلى عرب يعرفون ببني يعلي وكان رجلاً مباركاً صالحاً. وكان من أعرف الناس بفن القرآن وانتفع الناس به وقصدوه من نواحٍ شتى. وأخذوا عنه مصنفات في علم القرآن. وشهر عنه أنه كان يقرئ الجن أيضاً ومسكنه قرية أسخن بهمزة وسين مهملة وخاء معجمة ونون على وزن أحمد. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وسبعمائة توجه الشريف عماد الدين لافتتاح الشرفين وصحبته العساكر المنصورة واتفق أن ولد علي بن صعصعة تمت له عمولة في حصن مادون فدخلته العساكر السلطانية وتمكنوا منه ولزموا ابن عامس وولده وتسلم نواب السلطان الحصن. وكذلك حصن الحربوش في بلد الحبر أيضاً تسلمه العسكر أيضاً. ووصل أمر السلطان بتسليم ابن عامس وولده إلى ولد علي بن صعصعة وابن عمه وولد إسحاق بن صعصعة فقتلاهما بأبويهما عند باب الجاهلي وتقدم الشريف بالعساكر من الظهيرة نحو الشرف الأعلى فاستولى على بلد سعد ببلد الحبر وحصن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 القاهرة ببلد المحاسنة وأخذ رهائن أهل الشريفين وتوجه نحو الشرف الاسفل يوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول فحط بلقحاح وتسلم في يومه ذلك حصن القفل وكان في يد ابن مقرعة مولى الشريف إبراهيم بن قاسم واجتمعت عساكر الشرفين مع العساكر السلطانية فكان الجميع خمسة آلاف فقصد بهم الأمير عماد الدين جبل الساهل وهو من أحرز الجبال وامنعها. وكان عند الشريف يحيى بن أحمد القاسمي يقاتل منه فجعل الشريف عماد الدين بني عمه في عسكر العرب أول الناس. وسار في العسكر السلطاني آخر الناس فلم يلقهم دون حصن أصاب أحد من الناس فحط عليه وأّخذه واستولى على حصن الناصرة وسار نحو جبل المسهلة فدخل الشريف يحيى بن أحمد القاسمي رعب عظيم. وطلب الصلح على تسليم حصن العروس وهو مستقر الشريف حيث أمواله وطعامه وحصن شمسان وحصن السمول ولم يبق في يده إلا المنصورة فانتقل إليها وسلم ولده رهينة في نزوله إلى الباب الشريف السلطاني. فلما صفا الشرف الأسفل ولم يبق فيه إلا حصن المسولة للأَشراف أهل جبل الحرام. ومنهم بالباب محمد بن علي وأخوه يطلبان بيعها على السلطان. فحط عليه الأمير عماد الدين في العسكر المنصور ثلاثة أيام فسلمه أصحابه بألفي دينار وطلوع الشريفين من الباب. وجاءَت البشارة إلى السلطان وقد اشتراه الصاحب من الشريفين بخمسة آلاف وإفراس وكساوي فَسُرَّ السلطان بأَخذه وأبطل ما شرع فيه الصاحب. وسار الشريف عماد الدين إلى الشرف الأعلى. وفي يوم الاثنين السادس عشر قتل الأمير سيفد الدين طغريل قتله الأكراد في ذمار وكان على باب المدينة في قصر السلطان. وكان قد طلب جريدة من الباب فطلعت إليه جريدة جيدة بسبب تسليم القطع التي في البلاد فتوهموا أنه يريد القبض عليهم فقصدوه لغر الليل فاتاه النذير في تلك الليلة مراراً فضيع الحزم. وكان أمر الله قدراً مقدوراً. فلما عزموا على قتله اجمعوا وخرجوا من المدينة فقصدوا محطة عسكر صنعاء فعقروا خيلهم وساروا نحو القصر فأَخذوا الإسطبل فجاءهم عسكر السلطان من المماليك البحرية وغيرهم فكسروهم وطردوهم عن القصر إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 باب المدينة. ورجعت المماليك إلى الأمير سيف الدين وهو في القصر وسألوه الخروج إليهم فامتنع ولم يحفل بهم فتفرق العسكر عنه ثم قصده الأكراد فحاصروه إلى بعد طلوع الشمس فخرج إليهم على ذمة فقتلوه معه صهره وهو أستاذ داره وكاتبه ووالي ذمار وأربعة من مماليكه. فكان جملة من قتل معه ثمانية نفر وهو تاسعهم ونهبوا المحطة وما فيها من جمل وعدد وهرب من هرب سالماً. ولما وصل العسكر إلى السلطان وقد أخذت خيولهم وعددهم وأثاثهم عوضهم السلطان عما فات. وجهز العسكر مع الأمير شجاع الدين عمر بن القاضي العماد وهو يومئذ أمير جاندار وسير الأمير عباس بن محمد نحو صنعاء على طريق تهامة وحجة ومعه مال جيد استخدم به عسكراً فتأَني ابن العماد في مسيره حتى خرج عباس من صنعاء وفيه الأمير علم الدين حمزة بن أحمد والأمير بن وهاس وصاحب ثلا وهمدان وعيال شريح وغيرهم فكان دخولهم هم وابن العماد ذمار في يوم الأحد وقد انحازت الأكراد إلى الوادي الحار واستولوا على حصن هزان وشحنوه ورتبوا فيه جماعة فقصدتهم العساكر إلى الوادي فقاتلوهم ثلاثة أيام فقتل في يوم منها ثلاثة من الأكراد وأُخذت خيلهم. ثم تفرقت الأكراد في كل ناحية وخرب العسكر المنصور أموال الفضل بن منصور وعاد العسكر إلى ذمار فتوجه الأشراف نحو بلادهم وأَقام الأميران بذمار. وحصلت المكاتبة والمراسلة بين الأكراد والإمام بن مظهر فأَجابهم وسار إلى بلدي شهاب وطلب الأكراد إلى هنالك فأجابوه وسار عباس بعسكر صنعاء إلى صنعاء وسار الأكراد والإمام وغيرهم إلى قرن عنتر فأَخذوه قهراً وقاتل من كان فيه وكان فيه نحو من مائة رجل. وأخذت العرب بيت برام وبيت ردم. وقاهر حضور وردمان بني خوال وزحف الإمام على صنعاء آخر شهر رمضان. وكان الأمير عباس قائماً بعض العسكر بن بستان السلطان ورجعوا ورجع الإمام إلى حدة وسباع فأقام بها هنالك وكان معه من الأكراد وغيرهم نحو من مائة فارس وتابعت الإمداد نحو صنعاء ثم طلع السلطان بنفسه النفيسة فلما وصل ذمار جعل رحيله من ذمار صبحاً فأمسى على باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 صنعاء فلم يطمع الإمام في معاودة القتال عليها. وفي شهر شوال خالف الشرفاء إلى شمس الدين في صعدة واخرجوا إليها الكردي وسيروه على طريق حوض فغضب السلطان وجهز ولده الملك المظفر إلى قاع بيت الناهم. فحط هنالك يوم السادس من ذي القعدة ولوقته سار إلى بيت حبيض فاستولى وظهرت عساكره على الإمام ابن مطهر بجدة فانهزم هو ومن معه من الأكراد طريق الحارة إلى حافد ثم طلعوا إلى سبا وكان الميعاد بين السلطان وولده الملك المظفر إلى يوم الثلاثاء بان يركب العسكر السلطاني من صنعاء إلى حدة فاستعجل الملك المظفر آخر نهار الاثنين فكانت عجلته سبباً لسلامة ابن مطهر والأكراد ولكل اجل كتاب. وفي أول ذي القعدة نقض الأمير تمام الدين الصلح الذي بينه وبين السلطان وكاتب آل شمس الدين باللقاء والاتفاق وأقام الإمام محمد بن مطهر بجبل رهقة والأكراد في الروبة والملك المظفر في محطته في قاع بيت الباهم مدة نصف شهر وعامل محمد بن الذئب الشهابي في الإمام والأكراد فطلع العسكر الجبل فانهزم الإمام والأكراد ثم نزلوا طريق مفحق وافترقوا من هنالك فسار الإمام نحو ذروان. ثم سار نحو ظليمة فعيد بها عيد الأضحى وسار الأكراد نحو طوران ثم وصل الأمير علي بن موسى إلى الإمام محمد بن مظهر ووصل معه آل الإمام فقصدوا الشريف لما بلغهم من تأَخر الفقيه على العسكر وافتراقهم من أَجل ذلك. فطلعوا من طريق كحلان فركز لهم الأمير عماد الدين فعادوا خائبين نحو الظاهر وقصدوا القنة وليهم الأمير همام الدين إلى هنالك فحطوا عليها ثلاثة أيام ثم افترقوا ورجع الأمير همام الدين ظفار وسار الإمام محمد بن مطهر والشريف علي بن موسى إلى صعدة. وفي غرة ذي الحجة أمر السلطان بالقبض على الشريف جمال الدين عبد الله بن علي بن وهاس وولديه داود والمؤَيد بصنعاء. واحتج عليه بأُمور أوجبت ذلك وسير العساكر مع عباس بن محمد للمحطة على حصنه عزان وسير معه المنجنيق وعيد السلطان عيد الأضحى في صنعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وفي هذه السنة توفي الأمير تاج الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة وكانت وفاته يوم العشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة وكان مع السلطان من يوم نزل إليه إلى زبيد في شوال من السنة الماضية إلى يوم وفاته رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام الفاضل رضي الدين أبو بكر بن محمد بن عمر اليحيوي وكانت وفاته في مدينة زبيد وكان مولده في شهر رجب من سنة ست وأَربعين وستمائة وكان تفقه بأبيه وبغيره كابن النابه. وربما أخذ عن المقدسي ثم تصوف وصحب الأكابر من الصوفية كابي السرور وغيره وحج مكة فلقي فيها جمعاً من الأكابر وانتسخ كتباً من كلام ابن العربي الصوفي فعكف عليها واعتقد ما فيها ثم لما عاد إلى اليمن أقبل عليه أَعيان الأمراء والملوك والخواتيم وصار لهم معتقد عظيم. ومثل أصحابه عنه أُموراً تدل على صلاحه وجلالة قدره. وحصل بينه وبين الملك المؤَيد ائتلاف وصحبة قبل مصير الملك إليه واعتقد صلاحه اعتقاداً جاوز الحد وكان مظهراً لإقامة المعروف والنهي عن المنكر وإبطال الخمر وما شابهه. ولم يكن السلطان مغيراً ما فعله اعتقاداً أن ما فعله هو الصواب. وله أشعار معجبة ويقال إن بإشارته انتقلت الأوقاف من حكام الشرع إلى أرباب الدواوين. ولم تكن قبل إلا إلى حكام الشرع الشريف. وكان نزوله إلى زبيد في سنة ثمان وسبعمائة فأقام بها إلى إن توفي في لسلة الخميس لعشر بقيم من شهر ربيع الآخر من سنة تسع المذكورة. وحضر دفنه أخوه القاضي موفق الدين علي بن محمد بن عمر الصاحب نزل مزعجاً عليه من تعز فأدركه منزولاً به وقبر إلى جنب قبر الشيخ الصالح علي بن أفلح في مقابر باب سهام رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه القيه الصالح عثمان بن الفقيه يحيى بن الفقيه وكان فقيهاً حيراً وله قريحة في الشعر ومن قوله بيتان يجمع فيهما أُولو العزم وهما. أولو الحزم فاحفظهم لعلك ترشد ... فنوح وإبراهيم هود محمد قال المصنف أيّده الله إنما هذا بيت واحد ولكنه مقفى إلا أن يكون سقط البيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الثاني من الأصل فيمكن ذلك ولأنه لم يستوعب أهل العزم في البيت المذكور. فدل على سقوط بيت آخر والله أعلم. وهو الذي خمس مديح ابن حمير الذي أوله يا من لعين قد أَضرَّ بها السهر ... وأضالع جُدْب كوين على الشرر فقال قلبي المعنى حار حلفاً للفكر ... وكذاك سمعي خانني ثم البصر ودموع عيني في المحاجر كالمطر ... يا من لعين قد اضربها السهر وأضالع جُدْب طوين على الشرر وكانت وفاته مبروقاً يوم الحادي عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة والله أعلم. وتوفي الفقيه الفاضل أبو الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله بن عمران المتوجي بضم الميم وفتح التاء والواو ومع التشديد وجيم قبل ياء النسب. وكان مولده سنة ست وأربعين وستمائة بمخلاف شيبة. ثم سار إلى تعز فدرس فيها في المدرسة العمرية. وكان يغلب عليه العزلة والانفراد والعبادة وكلفه دين عظيم. فارتحل إلى عدن بسبب قضاء دينه. فأدركته منيته هنالك فتوفي بها يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الرئيس محمد بن بطال بن محمد بن بطال بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي نسبة إلى قبيلة كبيرة يقال لهم الركب من ولد أنعم بن الأشعر يسكنون مواضع كثيرة في عدة نواح من اليمن كان جده محمد بن بطال يخدم السلطنة. وتولى ناحية المفاليس مدة فلما هلك تولى بعده ولده بطال بن محمد فأقام مدة في ولايته ثم قتله بعض بني عمه وكان ولده هذا محمد بن بطال رهينة في الدملؤَة عند خادم يقال له ياقوت فأقامه مقام أبيه وولاه الجهة فقوي أَمره به واكتسب أَموالاً وصحب أعيان الدولة فقوي بذلك أَمره واستمر على ذلك دهراً طويلاً فهرب منه الذين قتلوا أَباه وكان يحب الرئاسة ويتقرب إلى الرؤُساء من أهل الدين والجنيا إلى أن توفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن مفلح الكوفي وكان فاضلاً أخذ عن ابن الحرازي القراءات والفقه وكان خيراً من أكثر الناس إحساناً إلى ابن الحرازي وكان أبوه مفلح صاحب دنيا واسعة وكان ولده هذا علي يتحمل الغالب من مؤُنة ابن الحرازي من طعام وكسوة له ولعياله. فكان ابن الحرازي يجتهد في اقترابه فوق ما يجب ويبالغ في إكرامه. ويؤُثره على سائر الطلبة لذلك فكان يحسن إلى سائر الطلبة أيضاً ويواسيهم. ثم حج في آخر عمره. وامتحن بالفقر. وكانت وفاته في ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل إسماعيل بن علي بن محمد بن أحمد بن نجاح المعروف بابن ثمامة. وأمه بنت الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيهاً عارفاً حسن الأخلاق وكريم النفس توفي إلى رحمة الله تعالى في جمادى الأولى من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه المقري أبو عبد الله محمد بن عمر بن وكان ميلاده في شهر محرم أول سنة أربعين وستمائة وقرأ القرآن وصحب الأستاذ أَبا وسبب صحبته اتصل بالملك الواثق وسافر معه إلى ظفار وغلب على أمره ولم يزل وزيراً له إلى أن توفي هنالك وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة عشر وسبعمائة تسلم الأمير شمس الدين عباس بن محمد ابن عباس حصن ظفار ونقل محطته نحو ظفار وحط بالطفة عند حصن تعز ونصب المنجنيق عليه فرغب الأشراف في الصلح وأذعنوا للخدمة الشريفة على يد الشيخ نجم الدين محمد بن عبد الله بن عمر بن الجند بصعدة ورهن الأشراف على تمامه. وسار معدا نحو السلطان إلى صنعاء فأَتم السلطان ما فعله وصاح الصائح بالصلح ليلاً على كره من الأمير عباس مقدم الحرب يومئذ. وكان ذلك خديعة من الشيخ ابن الجند لما علم مضرة أهل ظفار أن أقام عليهم الحصار فاستغاثوا به فبادر مسرعاً لرفع المحطة عنهم فعدها السلطان له من جملة الذنوب وأتم السلطان ما تقرر من الصلح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وتوجه السلطان من صنعاء إلى محروسة تعز يوم الخامس والعشرين من صفر وترك في البلاد الصنعائية الأمير أسد الدين محمد بن حسن بن نور مقطعاً بها. وفي هذه السنة المذكورة تسلم الأمير عماد الدين إدريس بن علي حصن المفتاح مضافاً إلى ما تسلم من حصون الشرفين وسلم الجميع إلى نائب السلطان. وهو حسن بن الطماح بن ناجي وقد ولاه السلطان جهات الشرق. وفي السابع عشر من جمادى الآخرة تقدم الركاب العالي من محروسة تعز إلى محروسة زبيد. وفي هذا التاريخ اصلح الأكراد ودخلوا في الطاعة بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وبذلوا الطاعة من أنفسهم ولجئوا إلى الحرم الشريف متفيئين ظلاله مستمطرين نواله فعادت الشنشنة الرسولية عليهم بالإقبال واستقر الحال على بقاء هزان بأيديهم واستخدم من أراد الخدمة منهم وتسلم خمس رهائن. وفي هذه السنة أقطع السلطان الأمير جمال الدين نور حسن بن نور الأعمال الصعدية والجوفية والجثة بتهامة وعوض الأمير عماد الدين عن الجثة بالقحمة. وفي جمادى الآخرة سار الإمام محمد بن مطهر يريد لقاء الأكراد وقد طلبوه فوصل برأْس الناقر وأَقام ينتظرهم فبدأَ لهم في الصلح فاصلحوا السلطان على أنفسهم فرجع الإمام إلى ورور وطلع السلطان من زبيد إلى تعز في آخر ذي القعدة من السنة المذكورة. وفي هذه السنة حج من مصر عدة من الأمراء في عسكر كثيف وكان قصدهم لزم الشريفين رميثة وحُميَضة. فلما علما بذلك نفرا من مكة ولم يحصل العسكر على قبضهما. فلما انقضى الحج ورجعت العساكر المصرية إلى مصر عادا إلى مكة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو الخطاب عمر بن عثمان بن يحيى ابن إسحاق وكان مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة. وكان فقيهاً مجوداً غلب عليه الاشتغال بالحديث. وكانت وفاتهُ في صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح عبد الرزاق بن محمد الجبرتي الزيلعي ويقال أنه شريف النسب. وكان فقيهاً فاضلاً من أهل المروءة والدين محباً في السعي في قضاءِ حوائج الأصحاب راغباً في ذلك. ودرس بالناجية في مدينة تعز وتفقه بمحمد بن عباس وعلي بن أحمد الجنيد. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة. ويروى أنه لما حُمل نعشه وساروا به نحو المقبرة جاءَ طائر من الهواء فدخل في أكفانه ولم يُرَ بعد ذلك والله أعلم. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن الفقيه عبد الرحمن بن الفقيه يحيى بن سالم وكان فقيهاً عارفاً بالفقه والأصول ذكيّاً درس بعد أبيه وصحب الفقيه أبا بكر بن محمد بن عمر بن اليحيوي مدة طويلة فنال مالاً جيداً وبسببه جعل أمر المدرسة إليه والى أهله وأبعثهُ الملك المؤَيد سفيراً إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم حماز علي أبي نمى صاحب مكة لأمر كان بينهما فلزم أبو نمى وصادره هو وصاحبه بمال فاقترضوا من حجاج اليمن وعادوا. قال الجندي وأظن ذلك كان في سنة ثمان وتسعين وستمائة. وكانت وفاته في سنة عشر وسبعمائة بعد أن اتسعت دنياه اتساعاً كبيراً والله أعلم. وفيها توفي الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن أبي القاسم بن أحمد بن أسعد نسبة إلى عرب يسكنون جارة يقال لهم بنو خطاب. وكان مولده سنة ست عشرة وستمائة وتفقه بابن ناصر المذكور أولاً. وكان فقيهاً محققاً مدققاً سكن قرية من مخلاف جعفر يقال لها منزل جديد بفتح الجيم وكسر الدال المهملة. وامتحن في آخر عمره بالعمى وتوفي على ذلك في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله ولد صاحب المقداحة. وكان خرج في حياة أبيه قاصداً السياحة والتعبد فبلغ مدينة ظفار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الحبوضي وأقام هنالك مدة. فلما توفي والده وخلا الموضع من قائم يقوم فيه أرسلوا له رسولاً قاصداً وسأَلوهُ الوصول إليهم فوصل وابتنى رباطاً على صفة رباط ظفار وقام بالموضع قياماً مرضياً إلى أن توفي في سلخ جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد محمد بن أحمد الخلي نسبة إلى قرية بحجر يقال له الخلة بفتح الخاء. وكان فقيهاً عارفاً صالحاً ورعاً عابداً زاهداً تفقه بأحمد بن جزيل بسهفنة والفقيه إسماعيل الحضرمي وعاد إلى بلده فاخذ عنه ابن أخيه إسماعيل ابن أحمد بن علي ثم عرض لهذا الفقيه أن سلك طريقة الزهد والعبادة فابتنى رباطاً وأنفق ماله على الواردين والقاصدين ولم يزل به حتى توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة حصل من الإمام محمد بن مطهر عزم عظيم وتوجه إلى الشرق في جمع من العساكر. وكان قد أيصاب قبائل الشرق من ولاة السلطان بعض ما يكرهونه فسار بهم الإمام نحو جبل الساهل فلم يظفر منه بشيءٍ. وطلع بلد المحانشة فقاتل على القاهرة واستولى عليها وأخذ حصن هبيب وجبل سعد والشجعة والمفتاح وأجابه أهل الشرف الأعلى كافة فنزل السلطان إلى تهامة وجرد الجرائد إلى تلك الجهة وأمر الشريف عماد الدين إدريس بالتوجه إليها على عادته فسار إلى جبل أقناب وجمع العساكر وكاتب القبائل فما أجابوا وسار إلى عكاش في اليوم السابع من شعبان فقاتلهم ثمانية أيام وكان عسكرهم يومئذٍ ألفا وخمسمائة وكان كل يوم ينقص من عسكره جماعة واستمد الإمام بقبائل حجة وشطب والأهيوم وقبائل الشام فاقبلوا إليه فقصدوا المحطة يوم الخامس عشر من شعبان في ستة آلاف راجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فانهزم العسكر السلطاني قبل وصول الإمام ولم يبق إلا الشريف عماد الدين في أربعة أفراس فأُسر الشريف عماد الدين وقتل ابن عمه قاسم بن الإبريس وأسّر خاله وسلم الرابع بعد أن عقر حصانه وقتل في الوقعة الأمير جمال الدين غازي بن أبي بكر بن خضر. وكان يومئذ والي الموقر والمخلافة والسرددية وقتل سبعة من الرجل. وأَقام الشريف عماد الدين مأْسوراً نحواً من نصف شهر. ثم افلت فلحق بحصن عزان الذي لابني شرحبيل فجمع الإمام جموعه وزحف عليه فلم يظفر بشيءٍ. وتسلم الأمير حصن المفتاح يوم الخامس عشر من شهر رمضان بعد أن أفرغ ابن الطماح جميع ما فيه من شحنة وصبر وهو ومن معه على أهون القوت. وانتقل الشريف عماد الدين إلى الظفر حصن الإماء بني صفي الدين في نصف شهر رمضان. وقد كان السلطان جهز ولده الملك المظفر والصاحب موفق الدين إلى الشرف قبل الواقعة فلقيهما الخبر وهما بالمهجم فسارا وحظا في قلحاح. ثم ساروا إلى موضع محطة الشريف عماد الدين فهزموا عسكر الإمام وقتل السيخ الرّياحي صاحب جبل تيس. ثم انتقل الشريف من الحصن المذكور إلى محطة الملك المظفر بقلحاح فأقام عنده على أحسن حال إلى الرابع عشر من شوال وأمره بالإقامة في جبل الساهل وترك عنده من العسكر ألف راجل. ونزل المظفر والصاحب موفق الدين إلى تهامة. وتجهز الأمير شمس الدين عباس بن محمد بن عباس إلى حجة لحرب إبراهيم بن مطهر بذروان فقط عباس في سهل شمسان. ولما تطاولت الفتنة بين السلطان والإمام استقرَّ الحال على ذمة من السلطان مدة سنة كاملة يستريح الناس من الفتنة وتضع الحرب أوزارها ورجع الملك المظفر والصاحب والأمير شمس الدين إلى الأبواب السلطانية بزبيد. وفي هذه السنة توفي السلطان الملك الواثق إبراهيم بن السلطان الملك المظفر شمي الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول في ظفار الحبوضي وكان فريداً في محاسنه وله معرفة في الأدب ومشاركة في فنون العلم وكان يقول الشعر ويحسر عليهِ الجوائز السنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ومن يك ذا ود بن يوسف صنوه ... فليس غريباً أن يرى بكريم ويروى آن ولد أحمد الرفاعي وصل إلى ظفار يريد الحج فتلقاه السلطان بالإجلال والإكرام فأقام عنده ثلاثة أيام في الضيافات النفيسة وكان يرسل له كل يوم في مدة الضيافة بألف دينار ملكية وتشريف فتلك شِنْشنِةَ مظفرية وأخوة هزبرية. فلما وصل العلم بوفاته أمر السلطان بالقراءَة عليه سبعة أيام وحضر القراءَة ملوك بني رسول وأعيان الدولة ووجوه الناس في كل يوم ينصرفون بعد القراءة إلى سماط نفيس حتى انقضت السبعة الأيام رحمه الله تعالى. وفيها توفي القاضي منتخب الدين إسماعيل بن عبد الله بن علي الحلبي بلداً المعروف بالنقاش الملقب بالمنتخب وكان رجلاً فاضلاً كاملاً له جاه عريض وثناءُ مستفيض سافر من بلده إلى مكة المشرفة فأقام بها مدة ثم ارتحل إلى اليمن وقد تكرر ذكره فيها. فلما قدم زبيد وواليها يومئذٍ نجم الدين ابن الخِرْتبِرتي كتب إلى الملك يعلمه بوصوله فأمر السلطان أن يبجل ويعظم ويعزَّز ويكرَّم. وكان متورعاً متزهداً له يد في الفقه والأصول وصحب الفقيه عمر بن عاصم مقدم الذكر ثم بعد ذلك حصل مجلس ذكروا فيه الصحابة رضي الله عنهم والمفاضلة بينهم فسمع منه تقديم علي عليه السلام على غيره من الصحابة فاتهموه بالرفض وأشاعوا ذلك عنه فلزم بيته وهجرهم وتعانا الزراعة وكان محترماً فيها لأجل ما كان المظفر يجله ويحترمه ويوصي به الولاة ثم تزوج السلطان الملك المؤَيد ابنته فولدت له المجاهد رحمه الله عليهم أجمعين وكانت وفاة المنتخب المذكور في مدينة زبيد في السنة المذكورة وأمر السلطان بالقراءة عليه في جامع المغربة ثلاثة أيام رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله ابن محمد بن جابر بن أسعد ابن أبي الخير العودري ثم السكسكي وكان يعرف بالرباعي لأنه كان له أربع أصابع وكان تفقه بفقهاء الجند كإبراهيم بن عيسى وغيره. وأخذ النحو عن أحمد ابن أبي بكر وغيره وجمع كتب الحديث على عبد الله بن عمران الخولاني وحصل بينهُ وبين أهل قريته وحشة فنفر بسببها إلى البلد العليا فعلم للشريف علي بن عبد الله ولديه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 داود وإدريس وحصلت له شفقة كلية من الشريف وأقام معه مدة سنين فانتفع أولاده به وقرأُ القرآن واستخلص الشريف له خراج أرضه من السلطان فلم تزل مسموحة إلى أن توفي. وجمع كتباً كثيرة في الأدب وغيره. وكانت وفاته في النصف من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن مياس الوافدي. وكان فقيهاً جيداً تفقه بأهل عدن وكان ينوب ابن الجنيد على القضاء بعدن فلما توفي ابن الجنيد جعل مكانه فسار سيرة الغالب عليها الخير وكان يتعانى التجارة مع المسافرين في البحر والزراعة في بلدة لحج وكان مسكنه مسكن أخواله القريطين. فما أنه العليا على قضاء عدن سنين حتى ولي القضاء الأكبر بنو محمد بن عمر فعزلوه من عدن وجعلوه حاكماً في بلده واستمر بعده في القضاء الحجافي واستمر هو على القضاء في بلده إلى أن توفي وكانت وفاته في شهر رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بن الحسين بن محمد بن أحمد بن مصباح. وكان مولده سنة اثنتين وستين وستمائة. وكان فقيهاً عالماً بارعاً عارفاً بالفقه توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة طلع السلطان الملك المؤَيد من زبيد إلى تعز وكان خروجه من زبيد أول يوم من المحرم من السنة المذكورة. وفي اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول قتل الشريف عماد الدين يحيى ابن تاج الدين. وكان سبب قتله أن بعض القبائل من أهل ملحان جزوه على آخرين غيرهم وعذلوا فيه وفي عسكره فلما أَراد الخروج رد حصون أهل العدالة قبل انفصاله من الجبل فدعموا فيه فقتل وقتل معه نيف وأربعون رجلاً من أصحابه. وفي هذا التاريخ وصلت رسل الإمام إلى الشريف عماد الدين إدريس ابن علي للسعي في الصلح بينه وبين السلطان قبل انقضاءِ الذمة فسيرهم الشريف إلى الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الشريف فتلقاهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عمر بن الجند وكان الصاحب موفق الدين يومئذٍ مريضاً. فاستقر الأمر على صلح عشر سنين أولها جمادى الآخرة من السنة المذكورة. على أن الشرف الأَعلى وحصونه والحبر بحجة وصاحب بيت ردم وشركاءه وأموال آل الوشاح حيث كانت وظفر به وهاس وسائر ما هو معروف للإمام بحجة وظليمة وغيرهما إليه وثلاثة آلاف دينار في كل سنة. وصاح الصائح في تعز بالصلح عشر سنين فلما تمَّ صلح الإمام وانفصل عنه الأكراد جرد السلطان من عسكر الباب مائتي فارس ورجل مدجج للحظة على هزان. وأمر الأمير أسد الدين محمد بن نوران يسير بعسكره من صنعاءَ فتوجه الشيخ إلى الجند حينئذٍ وعقد صلحاً للأكراد على ترك دخول ذمار ورداع وترك الإقطاع وإن تستمر رهائنهم بالعروس. وأمر السلطان الأمير أسد الدين بسكنى ذمار واستيطانها فامتثل الأمر. وفي الثالث من جمادى الآخرة سار السلطان إلى الجند بسبب الصيد فأقام هنالك إلى الحادي عشر منه وعاد إلى تعز ثم سار إلى زبيد يوم الرابع والعشرين منه فدخل زبيد يوم الرابع من رجب. وفي ليلة الجمعة السابع عشر من شهر رجب احترقت دار المرتبة بتعز لأسباب اختلف الناس فيها فتلف فيها شيءُ كثير من الأثاث والفروش والكتب النفيسة وغير ذلك مما لا ينحصر. وكان في حملة ما احترق بشخانتان كبيرتان كاملتان من الزركش إحداهما صفراء والأخرى حمراء وكان السلطان يومئذٍ في زبيد وفي يوم السبت الثامن والعشرين من رجب خرج السلطان إلى فشال بسبب الصيد فأقام هنالك إلى آخر الشهر المذكور ورجع إلى زبيد. وفي هذه السنة أمر السلطان بإنشاءِ قصر بزبيد على ظاهر باب الشبارق في البستان الذي أمر بإنشائه المعروف بحائط لبيق. وكان صورة بناء القصر يومئذٍ إيوان طوله خمسة وأربعون ذراعاً وفي صدره مقعدة ستة اذرع وله دهليز متسع وفوق الدهليز قصر بأربعة أواوين يشرف على البستان المذكور من جميع نواحيه. وفي هذه السنة حج الملك الناصر صاحب مصر في مائة فارس من مماليكه وستة آلاف مملوك على الهجن وسلاحهم القسي فوصل مكة المشرفة في اثنين وعشرين يوماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 من يوم خروجه من دمشق محرماً مقرعاً فطاف بمرأَى من الناس وكان أعرج قبيح العرجة فقضى مناسكه كلها فلما حل حلق رأْسه وأَحسن إلى الناس وتصدق وعاد ومعه الشريف أبو الغيث ابن أبي نمى. وقد هرب رميثة وحميضة لما أحسا بوصوله خشيا أن يقبض عليهما فخرجا من مكة ونهبا التجار الواصلين إلى مكة نهباً شديداً ولم يتركا لأحد شيئاً وفعلا من الأفعال القبيحة ما لا يفعله أحد. وأقاما غائبين عن مكة حتى فرغت أيام الحج وعادا إلى مكة. وفي شهر شعبان من هذه السنة حصل على الملك المظفر حسن بن السلطان المؤّيد توعك في جسمه وذلك بعد وصوله من الشرف. وكان من قبل طلوعه غير طيب وكانت الحمى لا تفارقه مع سعال. فلما اشتد عليه الأمر أمره والده بالطلوع فطلع فاشتد به الأمر في رمضان فهمَّ السلطان بالطلوع ثم توقف. فلما كان يوم العيد أتاه خبر أزعجه فأمر الصاحب موفق الدين بالطلوع لفوره فطلع يوم العيد وقت الظهر وهو يوم الاثنين فوصل تعز يوم الثلاثاء عند طلوع الشمس وخرج السلطان من زبيد ظهر يوم الثلاثاء فدخل تعز يوم الخميس وأرسل لابنه إلى ثعبات وأرسل الأطباء لمعالجته فلم يزدد إلا ضعفاً ونحفاً. ولم يزل كذلك إلى أن توفي في يوم الأحد السادس من ذي القعدة بعد أن أوصى وتثبت في وصيته. وفي جملة وصيته أن لا يُصاح عليه ولا يُشق عليهِ ثوب ولا يُغطى نعشه إلا بثوب قطن وإن لا يُعقر على قبره شيءُ من خيله وإن يُدفن في مقابر المسلمين. فنفذ والده وصيته في جميع ما أوصى به إلا في الدفن فإنه أمر أن يدفن عند أخيه الظافر في المدرسة المؤَيدية في معزية تعز. وكان من اجل الملوك قدراً وأوصى في جملة وصيته لن يُبتنى له مدرسة في قرية المحارب وإن يجرى لها الماء وإن يجري الماءُ منها إلى حوض تحتها. ففعل والده جميع ذلك. وكان يوم دفنه يوماً مشهوداً. وحضر دفنه ملوك بني رسول بأجمعهم وشهدوا القراءَة سبعة أيام وأمر والده بالقراءة عليه في سائر مملكته. وكتب العفيف ابن جعفر إلى السلطان يعزيه بهذه الأبيات: أمولى الملوك وسلطانها ... ويا من له طاعة تفترض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 فلا ملكُ ناقضُ عقدهُ ... ولا ملكُ عاقدُ ما نقض ولا عوض منك في ذا الورى ... وكل الورى أنت منهم عوض وفي يوم العاشر من ذي القعدة توفي القاضي جمال الدين محمد بن احمد ابن محمد بن عمر اليحيوي وهو الذي كان ينوب عن القاضي موفق الدين الصاحب في قضاء الأقضية فكان يباشر الأحكام ويفصل القضايا ولا يعارضه أحد وكان الغالب عليه سلوك طريق الزهد بحيث أن أكثر أهله وأصحابه يقولون عنه أنه لم يكتسب شيئاً من الدنيا. وكان عمه أبو بكر هو الذي يربيه ولم يصر إليهم أمر القضاء والوزارة إلا بعد أن تفقَّه وتعبَّد وحج وجاور في مكة والمدينة وعرف الناس يمناً وشاماً وحجازاً ولم يكتسب شيئاً من الدنيا كما اكتسب أهله أجمعون ولا تزوَّج امرأَّة قط وكانت إشارته من إشارة عميه أَبي بكر وعلي ولم يخالفاه وفي أصحاب عمه أَبي بكر جماعة يعترفون له بالصلاح وربما يفضلونه على عمه أبى بكر. وقال الجندي كانت وفاته يوم الخميس تسع عشر ذي القعدة من السنة المذكورة والله أعلم. وفيها توفي القاضي موفق الدين الصاحب علي بن محمد بن عمر اليحيوي المعروف بالصاحب. وكان رجلاً كاملاً رئيساً فاضلاً فقيهاً نبيهاً فصيحاً شهماً ولي الوزارة والقضاء في الدولة المؤَيدية إلى يوم وفاته. وكانت وفاته يوم الثالث من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد السبتي. وكان فقيهاً فاضلاً محققاً حسن الأخلاق مرضي الفتوى وردت منه أسئلة إلى الفقيه الإمام أبى الحسن الأصبحي صاحب المعين تدلُّ على تحقيقه وتدقيقه. وكان ممن يذكر بالكرم وعلو الهمة وشرف النفس وحسن القيام بمن قصده من أبناء الجنس وغيرهم. نقل ذلك عنه جميع المسافرين ولا يمكن تواطؤهم على كذب. وكان خطيباً فصيحاً مصقعاً. توفي على الطريق المرضي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث عشرة وسبعمائة توجه السلطان من تعز إلى الجند فأقام فيها مدة. وفي شهر ربيع الآخر برز مرسوم السلطان إلى الأمير أسد الدين محمد بن حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 بن نوربان يخرج من ذمار ويحط على حصن هزان وينصب عليه المنجنيق ففعل ما أمر بهِ ونصب المنجنيق عليه ووصل الأمير شمس الدين عباس بن وهاس معزولاً من حرض. وفي شهر ربيع الآخر قتلت الأكراد حسن بن إياس والي صنعاء في ستة نفر من الغز منهم بن الغلاب والتاج بن العز وابن منقار وجماعة من الرحالة فجرَّد السلطان عباس بن محمد في خمسين فارساً غير عسكره فخرجوا من تعز يوم الخامس من جمادى الأولى فأقاموا مع ابن نور في محطته ولم يزل المنجنيق يصك هزان حتى أتلفه إتلافاً كليّاً لم يعلم قط إن كسفاً عمل في حصن ما عمل المنجنيق في هزان. فلما ضاق الأمر على الأكراد واشتد عليهم ورأُوا الموت عياناً لجئوا إلى السلطان فكاتب لهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عمرو بن الجند واستعطف خاطر السلطان عليهم وراجع في ذمة وبرز أمر السلطان بالذمة عليهم للأمير إبراهيم بن شكر والجلال بن الأسد فحضروا مقام السلطان بالجند ودخلا تحت الطاعة واستعطفا خاطره الشريف فرجع إلى شنشنته الكريمة وعفى عنهم بشرط أن لا يبدو منهم ما يوجب الغبار عليهم وسلموا هزان وعادوا إلى ذمار على عادتهم في الخدمة. وأمر السلطان برفع المحاط عنهم فارتفعت عنهم في مستهل رجب من السنة المذكورة. وتوجه الأمير أسد الدين محمد بن حسن بن نور إلى صنعاءَ والأمير عباس بن محمد إلى بلاد همذان لخراب زروعهم وبلادهم والمحطة على بيت أنعم لأنهم بدا مهم ما لا يحسن. فأمر السلطان بخراب زروعهم في مقابلة ما فعلوه. وفي هذا التاريخ تقدم الركاب العالي إلى زبيد فدخلها يوم الثاني عشر من رجب المذكور ووصل إلى السلطان وهو مقيم بزبيد الأمير الكبير الهادي ابن عماد الدين وداود بن موسى مخاطبين في الأمير أسد الدين محمد بن أحمد ابن عز الدين فلم يجابا إلى خروجه من السجن. وبرز أمر السلطان بتوجه الأمير عماد الدين إدريس بن علي إلى صوب صهيب في جمع كثير من الخيل والرجل فأقام في بلاد الأشاودة حتى رهنوا رهائن أكيدة ثم سار إلى مقمح فاخرب العسكر بلدهم وأتلفوا عليهم طعاماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 كثيراً واتلف الشريف للجحافل زرعاً كثيراً وغيره. وفي أول يوم من ذي الحجة اخرج السلطان الأمير جمال الدين عبد الله بن علي بن وهاس من سجن تعز. وكان السلطان يومئذ في زبيد فنزل الأمير جمال الدين وصحبته والي تعز إلى الباب الشريف مخاطباً في رجوعه إلى الخدم الشريفة. ويسلم حصن ظفر فأُجيب إلى ذلك. وكانت إقامته في السجن أربع سنين لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً فأقام في زبيد أياماً وقد نزل إليهِ جماعة من أصحابه وبني عمه فاعلموه بامتناع ولده على الحصن المذكور. فسأَل من السلطان أن يقبل أولاده وبني عمه رهينة مع أربع حلل من حريمه قد صرن في صنعاء ويترك يطلع على حسب حاله ليتوصل إلى دخول الحصن ويسلمهُ إلى نواب مولانا السلطان فأذن له في ذلك فسار أي ولده. ولما طلع الحصن وتمكن منه أَخرج ولده وأمره بالمسير إلى الباب السلطاني. ويسلم الحصن إلى نواب السلطان. وفي هذه السنة وصل الشريف أبو الغيث بن أبى نمى من مص في عسكر جرار إلى مكة فيهم من المماليك الأتراك ثلاثمائة وعشرون فارساً وخمسمائة فارس من أشراف المدينة خارجاً عما يلحقهم من المتخطفة والحرامية فلما علم بهم رميثة وحميضة هربا إلى صوب حلي بن يعقوب واستولى الشريف أبو الغيث على مكة وكان المقدم الأمير سيف الدين طقصنا. فلما وصل المحمل السعيد والعلم المنصور المؤيدي برز الأمير سيف الدين طقصنا والشريف أبو الغيث للقائه وطلعا به جبال عرفات على عادته. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عثمان بن عبد الله بن الفقيه محمد بن يحيى بن إسحاق بن علي بن إسحاق الغاني ثم السكسكي. وكان فقيهاً صالحاً عارفاً محققاً تفقه بتهامة على الفقيه عبد الله بن علي بن إبراهيم بن عجيل وأخذ عنه أخيه يحيى. وكان كثير العزلة في بيته ويدرس فيه وقلَّ أن يخرج عنه إلا يوم الجمعة. وكان زاهداً ورعاً متعبداً لزوماً للسنة. قال الجندي اخبرني ابن أخيه الفقيه علي بن أبى بكر. وكان أحد فقهائهم أنه أًسرَّ إليه أنه قال: " رأَيت رؤْيا إن عشت لا أخبرت بها أحدا وإن مت فأنت الخيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 رأَيت لثمان بقين من رجب جماعة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنا وقبَّل بين عينيَّ اجعلها عندك وديعة وذخراً فاغفر لي يا خير الغافرين " وما أظنني أعيش بعدها. فقلت ولم ذلك قال إن ابن نباتة الخطيب رأَى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله فلم يعش بعد ذلك إلا أثنى عشر يوماً. ثم أنه لم يعش بعد ذلك إلا عشرين يوماً بل توفي يوم السبت الخامس من شعبان من السنة المذكورة وهو ابن ثلاث وستين سنة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفيت الحرة المصونة مريم ابنة الشيخ الشمس بن العفيف زوج السلطان الملك المظفر. وكانت من عقائل النساءِ طاهرة عاقلة لبيبة لها عدة مآثر جيدة منها المدرسة التي في زبيد وهي التي تسمى السابقية وكثير من الناس يقولون مدرسة مريم وهي من احسن المدارس وضعاً رتبت فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً للفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ومُعيداً وطلبة وأوقفت على الجميع وقفاً جيداً يقوم بكفايتهم وابتنت في تعز مدرسة في المعزية في الناحية التي تسمى الحميرا ووقفت عليها وقفاً جيداً ولها مدرسة في ذي عقيب وهي التي دفنت فيها. ودار مضيف. وكانت وفاتها بجبلة في جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمها الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل عمر بن محمد بن مسعود بن يحيى بن محمد بن المبارك. وكان فقيهاً عارفاً مجتهداً تفقه بالإمام أبى الحسن علي بن أحمد الأصبحي وقبله بشيخه محمد بن أبى بكر الأصبحي وبابن الرنبول وأصل بلاده قائمة بني حبيش. وكان مدرساً في مدرسة شنين في بلد السحول. وكان يختلف بين بلده والسحول إلى أن توفي مقتولاً من بعض قطاع الطريق وكان قتله في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. ثم إن شيخ البلاد بحث عن قاتله حتى عرفه فأَخذه برقبته وأَتى به إلى قبر الفقيه يوم ثالث القراءة عليه واستدعى الشيخ بولد الفقيه وكان له ولد صغير فأَعطاه الشيخ فأْساً وقال اضربه به فهو قاتل أبيك فقربه حتى قتله بعد ساعة لصغره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وفي هذه السنة توفي الأديب الفاضل أبو محمد عبد الله بن علي بن جعفر أديب اليمنيين وشاعر الدولتين وكان شاعراً فصيحاً بارعاً فاضلاً ظريفاً بليغاً وقد أوردنا في كتابنا هذا من شعره ما فيه دليل على فضله. وكان ذا دين رصين لم يحك عنه شيءُ يشين دينه ولا عرضه. وكان وصولاً لرحمه قائماً ناصحاً باذلاً لهم جاهه وقد خالطته ولم أحك عنه ما حكيته إلا عن نظر لا عن خبر. وكان كثير العبادة محافظاً على الصلوات المفروضة والمسنونة نظيف الأدب صائن العرض واستمر كاتب إنشاء في الدولة المؤَيدية. وكان مداحاً للملوك والأمراء في عصره وله مدائح كثيرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وله مدائح ربانية. وكان أهله الذين يقوم بهم نحوا من أربعين بيتاً. وتوفي في النصف من جمادى الأولى من السنة المذكورة وقيل في السابع منه والله أعلم رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو القاسم بن الحسين بن أبى السعود الهَمْداني نسباً الفراوي بلداً. وكان ميلاده في شهر رجب من سنة ثلاث وستين وستمائة. وكان المشار إليه في الفقه والزهد والورع والدين والقيام بأمن الموضع ومال إلى الطريقة الصوفية وصحب الشيخ عمر المقدسي وتحكم على يده فنصبه شيخاً. وكان على حال مرضي من سعة الأخلاق وإيناس الواردين إليه والقيام بحالهم. والاشتغال بمطالعة الكتب. وحج مراراً وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع عشرة وسبعمائة سار الشريف أبو الغيث بن أبى نمى والأمير سيف الدين طقصنا إلى صوب حلي بن يعقوب يريدان رميثة وحميضة فلم يجدا لهما خبراً وكانا قد لحقا ببلاد السراة. فلما وصل الأمير سيفد الدين طقصنا إلى حلي لم يدخلها بل قال هذه أوائل بلاد صاحب اليمن ولا ندخلها إلا بمرسوم من السلطان الملك الناصر وعاد على عقبه. وفي صفر من السنة المذكورة سلم الأمير عبد الله بن علي بن وهاس حصن ظفر عدالة إلى الأمير سليمان بن محمد صاحب العروس. وسلم إليه حصن اللخام فانتقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 إليه ونقل ما كان معه في ظفر من أهل وخبرات وسلم ظفر وخرج منه. وأخرجت رهائنه من صنعاء ووصلت كتب الأمير سليمان بقبضة ليلة الخميس الرابع من شعر ربيع الأول فضربت البشائر وكسى المبشرون وجهز السلطان أصحابه وأولاده الرهائن وسيرهم إليه. ونزل الأمير عبد الله إلى الباب الشريف السلطاني فرفعت له الطبلخانة والأعلام وأقطع مدينة القحمة. وفي ليلة العشرين من شهر ربيع الآخر توفي الشريف عماد الدين إدريس بن علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي ابن حمزة وكان شريفاً ظريفاً شجاعاً كريماً جواداً متلافاً. وكان عالماً لبيباً عاقلاً أريباً متصفاً بصفات الإمامة. وكان شاعراً فصيحاً بليغاً. وقد تدم من شعره ما شهد بفضله. وهو مصنف كتاب كنز الأحبار في معرفة السير والأخبار. وهو كتاب حسن ممتع. وله عدة تصانيف في فنون كثيرة. ومدحه عدة من الشعراء فكان يميزهم الجوائز السنية. وكان رحمه الله تعالى غاية في الجود والكرم والشجاعة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن علي بن عبد الله الزيلعي الفرضي شهر بذلك لإحكامه علم الفرائض والحساب مع أنه كان مشاركاً في العلوم الدينية. مشاركة مرضية لاسيما الفقه والحديث والتفسير والنحو. وكان تفقهه بالفقيهِ أبي العباس احمد بن موسى بن عجيل. وأخذ الحديث على الإمام أبى الخير بن منصور وانتفع بهِ جمع كثير من زبيد وغيرها. وكان من خيار الفقهاءَ واستمر مدرساً في المدرسة الناجية بزبيد من قبل بني محمد ابن عمر وتوفي على ذلك. وكانت وفاتهُ في أثناء السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل الكبير أبو بكر بن احمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الصائغ وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً محققاً متفنناً تفقه بابن حنكاش. وتأَدب بابن دعاس. وكان فاضلاً في النحو والفقهِ والأدب. توفي في مدينة زبيد في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل مفضل بن أبى بكر بن يحيى الخياري الهمداني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 والخياري منسوب إلى خيار وهم قوم من همدان يسكنون جبل عنة تفقه بفقهاء تعز كمحمد بن عباس الشعبي وغيره. واستمر مدرساً في المدرسة المنصورية بالجند. فقرأَ عليه جماعة من أهل الجند كابن الصارم وغيره. قال الجندي وعنه أخذت الوجيز والمستعذب ومنسك مكي وغيرها. ثم استمر قاضياً في الجند مع التدريس إلى أن توفي في صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو العتيق أبو بكر بن عمر بن سعد المعروف بابن النحوي. وكان ميلاده في شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً محققاً تفقه بابن آدم وابن العراف والوزيري المتأَخر وبعبد الله بن محمد الحضرمي. وكان مبارك التدريس قلَّ ما قرأَ عليه أحد إلا انتفع. وكان يذكر بشرف النفس وعلو الهمة استنابه بنو عمران في القضاء فأقام كذلك إلى أن انقرضوا فعزله بنو محمد بن عمر في أول قيامهم وبقى على تدريس المدرسة العرابية إلى أن توفي بعد أن تفقه به جماعة منهم عمر بن أبى بكر العراف وغيره. وكانت وفاته في منتصف شوال من السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه البارع أبو بكر بن احمد بن عمر بن مسلم بن موسى الشعبي المعروف بابن المقري. وكان مولده ليلة الخميس في رجب من سنة خمس وسبعين وستمائة وكان فقيهاً بارعاً متفنناً بجماعة من أهل تعز أولا ثم ارتحل إلى الدبيتين فاكمل تفقهه على الإمام أبى الحسن علي بن احمد الأصبحي ثم عاد بلده. وكان فاضلاً في الفقه والنحو والفرائض والعروض والحساب. ودرس في المدرسة الاشرفية في مدينة تعز بعد ابن الصفي. وتوفي على ذلك ليلة الثلاثاء العاشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام البارع ابن محمد صالح بن عمر بن أبى بكر بن إسماعيل البريهي. وكان مولدة سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان فقيهاً بارعاً فاضلاً عالماً محققاً مدققاً متقناً تفقه بمحمد بن مسعود المذكور أولا واليه انتهت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 رئاسة الفنون بعده في ذي السفال وارتحل هو والإمام أبو الحسن علي بن أحمد الأصبحي إلى أبين فأخذ عن ابن الرنبول. وكان هذا صالحاً فقيهاً فرضيّاً حسابيّاً نحويّاً لغويّاً عارفاً بالحساب والجبر والمقابلة. وله تصنيف جيج في الفرائض قصد به شرح الكافي الذي للصردفي. وعنه أخذ الإمام أبو الحسن الأصبحي نظام الغريب في الفقه وغيره. وبه تفقه جماعة منهم محمد بن احمد بن سالم وأبو بكر بن علي وابن أخيه واحمد الشوافي وجماعة كثيرون. وممن أخذ عنه ابن أخيه محمد بن عبد الرحمن وإبراهيم الأصبحي وحسن العماكري. وكان يقول لأصحابه كما كان يقول الصعبي إن بلغت ثمانين سنة عملت لكم سكراته فتوفي قبل ذلك اليوم. وكانت وفاته ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. قال الجندي وفي كل ليلة ترى على قبره نوراً صاعداً إلى السماء حتى يظن الجاهل أن ثم ناراً توقد أخبر بذلك من شاهده مراراً. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو بكر بن محمد بن علي بن محمد ابن سعيد الرعيني المعروف بابن المقري. وكان مولده سنة اثنتين وأربعين وستمائة وكان ترباً لابن الحرازي وزميلاً له قل ما قرأ كتاباً إلا وسمعه معه. وكان محققاً في علم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة. ولما صار تدريس المدرسة بعدن إلى ابن الحرازي جعل هذا معيداً فأقام مدة طويلة في الإعادة. قال الجندي وأخبرني بعض من قرأَ عليه الفرائض قال كنت أغلط في ضرب المسأَلة وأستمر ثم أستدرك فأريد تغيير ما قد صوَّرته على البحث فيقول لا تطمس إلا من موضع كذا فاعمل بما قال فأجده صواباً. قال وكان ذا حمية على الأصحاب وصولاً لرحمه. وكانت دنياه متسعة بخلاف ابن الحرازي فإنه كان الغالب عليه الفقر. وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح صالح بن جبارة بن سليمان الطرابلسي المغربي وكان رجلاً مباركاً فقيهاً محدثاً صالحاً خشوعاً. أخذ في بلده عن محمد بن إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الأنصاري التلمساني وانتفع به جماعة من أهل عدن وغيرها واخذوا عنه. وكان كثير الخشوع. قال الجندي اخبرني عبد الله بن أبي حجر أنه أقام سبع سنين يصلي خلف هذا الفقيه قال فكان يصلي الصبح بطوال سور المفصَّل وقد يصلي بالزخرف والأحقاف. وكان خاشعاً تتحدر دموعه على خديه. وأدركته الوفاة وهو بعدن في السنة المذكورة وقبر إلى جنب قبر أبى شعبة رحمة الله تعالى عليهما. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو إسحاق إبراهيم بن احمد بن سالم بن عمران الشهابي المنبهي. وكان ميلاده سنة ثلاث وسبعين وستمائة تفقه بأخيه وأبيه وكان أحد أعيان زمانه في الزهد والورع والعلم أخذ بطرفي الأمرين واشتهر بفضل الذكرين. ويروى أنه نسخ المهذب وهو يدرس القرآن بدرس على كل جزء منه عشر ختمات مع نسخة فدرس أربعين ختمة على أربعة مجلدات وهذا أمر غريب لان الناسخ لا يستطيع عمل شيء آخر مع النساخة وهذا دليل على الكرامة الواضحة توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة وصل الأمير علاء الدين كشدغدي ومعه جماعة من المطلوبين من الديار المصرية والشامية. وكان الأمير علاء الدين المذكور أستاذ دار الملك المظفر صاحب حماة. وكان فاضلاً في أبناء جنسه جمع بين شهامة السنان وفصاحة اللسان. وكان على ذهنه جملة من أشعار الجاهلية والمخضرمين وغيرهم من المحدثين والمولدين وكان يعرف شيئاً من أنواع البزدرة. ويقال أنه كان يعرف شيئاً من ضرب الملاهي وتقدم عند السلطان تقدماً كليّاً لم يعهد مثله فقابله السلطان رحمة الله عليه بالإقطاع المتسع ورفع له الطبلخانة وعقد له الألوية وجعله من جملة ندمائه. وفي هذه السنة رجع الشريف حميضة أبي ابن نمى إلى مكة وقتل أخاه أبا الغيث واستولى على مكة فغضب من ذلك السلطان الملك الناصر وجهز جيشاً كثيفاً صحبة الشريف سيف الدين عطيفة. فلما علم حميضة بوصولهم هرب من مكة فاستولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 عطيفة على مكة ولحق حمضة بالشرق. وفي هذه السنة تولى القاضي جمال الدين محمد بن الفقيه رضي الدين أبي بكر بن محمد بن عمر اليحيوي قضاء الأقضية. وكان السلطان يعظمه إكراماً لأبيه. وكان عمره يومئذ عشرين سنة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام العلامة أبو الحسن علي بن الفقيه إبراهيم ابن محمد بن حسين البجلي. وكان مولده سنة ثلاث وقيل سنة أربع وثلاثين وستمائة. وكان رجلاً مباركاً مشهوراً بجودة الفقه وكرم النفس وحسن الأخلاق. تفقه في بدايته بعمه إسماعيل ثم ارتحل إلى بيت حسين فأكمل تفقهه بالفقيه عمر بن علي التباعي فأخذ عنه المهذب أخذاً مرضيّاً والزمه أن يتغيبه فتغيبه تغيباً ميز فيه بين الفاء والواو وأخذ عنه البيان وغيره وتهذب به تهذباً معجباً ثم سار إلى الفقيه احمد بن موسى بن عجيل فاخذ عنه أيضاً ثم عاد إلى بلده فسكن قرية شحينة ولزم طريق الورع لزوماً تاماً. وأقام يدرس فاتاه الناس من القرب والبعد واشتهر بالعلم والصلاح. وكان من أشرف أهل عصره نفساً وأدراهم بالعلم حسّاً وأكثرهم للكتاب والسنة درساً. قال الجندي واخبرني عبد الله بن محمد الأحمر أحد المدرسين بزبيد قال صبحت الفقيه علي بن إبراهيم ولزمت مجلسه عشرين سنة ما عملت سائلاً سأله فاعتذر بل يعطيه ما سأل. وكان مستعملاً لجميع الطاعات الواجبة والمستحبة استعمال مداومة. وكان من ابرك الفقهاء تدريساً. قال واخبرني محمد بن عبد الله الحضرمي فقيه زبيد ومفتيهاً في عصره قال لما جئت إلى الفقيه علي بن إبراهيم أريد أن اقرأَ عليه وأنا على حال متبلبل أريد أَن أجمع قلبي على تحصيل العلم فأول درس قرأته عليه قمت وأنا بخلاف ما أنا عليه من الرغبة. فكان في نفسي عدة مسائل قد اشتبهت عليَّ فحين بدأْت وقرأْت عليه أول يوم عرضت أنا على خاطري جميع المسائل فما عرضت مسأَلة في خاطري إلا زال إشكالها وتبين لي خطؤها من صوابها. وما زلت أجد الزيادة إلى وقتي هذا وما أشك أن ذلك من بركته. قال وكان لديه دنيا واسعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 إن وقف في بيته أطعم الواردين والزائرين والطلبة المنقطعين. وكان كثيراً ما يحج فيصرف في الطريق وفي مكة وما يجاوز الحد. وأحصوا حجاته فكانت نيفاً وثلاثين حجة. وكان من أكثر الناس تعقلاً للفقه وأحسنهم تغيُّباً للمهذب خرج من بين يديه نحو من مائة مدرس ولم يكن في مدرسي تهامة ولا الجبال المتأخرين أكثر أصحاباً منه. وكانت وفاتهُ يوم الثاني عشر من المحرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن احمد بن يحيى بن مضمون وكان فقيهاً عارفاً نحويّاً بارعاً ولي قضاء صنعاء من قِبَل بني محمد بن عمر وكان شديد الأحكام مبالغاً في إقامة الحق وإقامة مذهب السنة وإماتة البدعة. وكان يحلف الإسماعيلية بإيمان تشق عليهم. ثم بلغه أن بعضهم لما مات ودفن دفن معه مصحف فأمر من ينبش القبر عنه وأخرج المصحف فشق ذلك عليهم وكادوه وبذلوا في عزله الأموال الجزيلة فعزل بغير وجه يوجب العزل فعاد إلى بلاده وأقام مدة ثم رتبه بعض أولاد أسد الدين مدرساً في مدرسة جده بأب فلم يزل بها حتى توفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو حفص عمر بن أبى الربيع سليمان الملقب بالجنيد بن محمد بن اسعد بن أبى النهى. وكان إماما فاضلاً صالحاً له كرامات كثيرة تفقه بسعد الغولي. وتوفي يوم الثامن من المحرم أول شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الأجل الفاضل أبو العباس احمد بن أبى بكر بن اسعد بن زريع بن أسعد تفقه بالفقيه صالح بن عمر البريهي تفقهاً جيداً. وكان عارفاً مجتهداً ذا صيانة وعفة وعبادة ودرَّس بسهفنة على حياة شيخه وتوفي لسبع بقين من ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ست عشرة حصل على السلطان مرض شديد حتى خيف عليه منه التلف واشرف منه على الهلاك وارجف بموته. فيروى إن القاضي جمال الدين محمد بن أبى بكر بن محمد اليحيوي راسل الملك الناصر جلال الدين محمد ابن الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الأشراف بالأمور الباطنة وأمر أن ينشر دعوة إنابته من عمه وكتب الكتب إلى المدائن. فلما انتشر ذلك العلم خرج السلطان الملك المؤَيد مسارعاً من تعز إلى الجند وهو في أثر الوعك فخشي ابن أخيه من ذلك فالتجأَ إلى جبل سورق وهو جبل حصين مطل على مدينة الجند فجهز السلطان له العساكر وكان مقدمها الأمير جمال الدين نور بن حسن بن نور فحط عليه وأحاط بالجبل من كل ناحية فطلب الملك الناصر الذمة من السلطان فأذم عليه فنزل إليه على الذمة وحصل بينهما اتفاق وصلح. ويقال أنه عرف السلطان سبب ذلك وإن الذي حمله على ذلك الفعل إنما هو القاضي جمال الدين محمد بن أبى بكر اليحيوي فلما تحقق السلطان الأمر عزل القاضي جمال الدين عن القضاء واعتقله في حصن تعز وفوَّض أمر القضاء إلى القاضي رضي الدين أبي بكر بن أحمد بن عمر الأديب أحد الفقهاء الشافعية. وكان ذلك بمحضر من السلطان وجماعة كثيرة من فقهاء الجبال والتهائم فحصل الإجماع عليه. وكان فقيهاً فاضلاً له سلطة في العلم يعرف جانباً كبيراً من المعقولات والمنقولات مع حنكة وتجربة قد حلب الدهر أشطره. وفي هذه السنة المذكورة توفق الفقيه الفاضل أبو حفص عمر بن علي الضفار من أهل عدن. وكان يصحبه بن الخطيب المقدم ذكره ولكن غلبت عليه الزهادة والعبادة وخلف شيخه في مسجده المعروف به في عدن فلا يكاد المسجد يخلو من درسة ومتعبدين. وكانت وفاته ليلة الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح علي بن أسعد بن علي الحراري. وكان فقيهاً زاهداً عابداً معتزلاً عن الناس كثير التلاوة ولم يزل على ما ذكرناه من حسن السيرة إلى أن توفي رحمهُ الله تعالى وكانت وفاته في السنة المذكورة. وفي سنة سبع عشرة وصل القاضي أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد من دمشق على طريق مكة بطلب من السلطان الملك المؤَيد فناله من إحسانه ما صغر عنده إحسان من مضى من الأجواد الكرماء. وولي كتابة الإنشاء في المملكة اليمنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وكان أوحد عصره وفريد دهره فصاحة وفضلاً وسؤدداً ونبلاً. ومن شعره قوله يمدح السلطان الملك المؤَيد رحمة الله عليه وهو يومئذ في الإيوان بقصر الحائط المعروف بحائط لبيق يا ناظم الشعر في نعم ونعمان ... وذاكر العهد في لبنا ولبنان ومعمل الفكر في ليلى وليلتها ... بالسفح من عقدات الضال والبان قصر فبالواد من وادي زبيد علاً ... عالي النار عظيم القدر والشان به التغزُّل أحلى ما يرى لهجاً ... فدع حديث لييلات بعسفان هذا الخورنق بل هذا السدير أتى ... في قصر داود لا في قصر غمدان قصر بناه هزبر الدين مفتخراً ... فشاد ذلك بان أيما بان فقف بساحته تنظر بها عجباً ... كم راحة هطلت فيها بإحسان أنسى بإيوانه كسرى فلا خبر ... من بعد ذلك من كسرى بإيوان سامي النجوم علاً فهي راجعة ... عن السمة " لإيوان " ابن غسان تود فيه الثريا لو بدت سُرجُاً ... مثل الثريا به في بعض أركان تحفه دوح دهر كله عجب ... كم فيه من فنن زاهٍ بأفنان من أبيض يقق حال بأحمره ... يميس في حلتي در ومرجان تجمعت فيه ألوان محيرة ... للعقل في سرها الزاهي بإعلان إذا حللت به أبصرت معجزة ... الشام اصبح في واد بسيلان فالسنبل الغض والورد الطري معاً ... من أخضر ناصع أو أحمر قان صنوان حصن به من كل فاكهة ... وكم رأَى مختليه غير صنوان ظل ظليل وماءُ سلسل غدق ... تخاله من صفاءٍ بطن ثعبان هذا وكم فيه من ورقاء صادحةٍ ... يغنيك عود لها عن ضرب عيدان كأنهنَّ قيان والقصور لها ... في ذلك الدست أوراق لأغصان تهوى الغزالة لو أضحت مقبلةً ... منه مراشف أَنهار لنيسان وكيف يمكنها والدوح منعقدُ ... فحالة الشمس عنه حال ظمآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 فأرضه كسماءٍ منه مشرقة ... وهاهما في بديع الوصف شبهان توافق الناس في أوصافه فلذا ... لم يختلف قط في أوصافه اثنان كان بنيان داود وبهجته ... صرح القوارير من آرا سليمان أخفت مآثرهُ البادي نضارتها ... ما شاده تبَّعُ في رأْس غمدان كم شاد من قصره العالي مراتبه ... في الفخر فاجتمعا في الجو فخران لله موكبه الزاهي بَروْنقه ... لما استقلَّ بفرسان وشجعان مثل البحور ولكن في اكفهم ... قواضب تتلالا مثل نيران على المهمة ألقت التي ... قيد الأوابد من آل وسرحان من كل أشهب صافي الجسم تنظره ... في الحرب نجماً هوى في إثر شيطان بكل احمر زاهٍ في ملابسهِ ... يختال من لونها في نسج عقيان وكل ادهم مثل الليل قد طلعت ... كالصبح غرته الغرَّا بإتقان أَما الكميت اشربهُ ... سميه فبدا في حال نشوان إذا مشوا في صباح عاد من رهج ... ليلاً كواكبه أطراف خرصان على الأكف شواهين لمالكهم ... وهما صيد نسر فوق كيوان كالصبح في أُخريات الليل هبتها ... والنرجس الغض منها وسط أجفان مشفوعة بفهودٍ جلّ منظرها ... سليطة لا تُرى إلا لسلطان قد ألبست حدق الغزلان فانبعثت ... مثل الجديدين في إفناء غزلان ما سار مالك هذا الجمع مقتنصاً ... إلا انثنى ظافراً في ثوب جذلان وهذه القصيدة طويلة اقتصرنا منها على هذا الذي ذكرناه وفي هذه السنة المذكورة دخل العسكر المنصور فلله وملكوها وضربت البشائر في سائر البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وفيها وصل رسول صاحب هرموز بالهدايا والتحف فقابله السلطان بما يجب وأكرمه وأنصفه. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح المقري عبد الكريم بن إسماعيل وكان يسكن قرية الوجي بفتح الواو وكسر الجيم كسراً مشبعاً وهي على قربة من مدينة جبار كان هذا عبد الكريم عارفاً بالقراءات السبع أخذ عن الحداء وكان من صالحي زمانهم وأخيارهم ما قرأ عليه أحد إلا انتفع ولا حقق عليه أحد شيئاً فنسيه. وكان في أول الأمر نساجاً ينسج الثياب. وكان القارئ يقرأ عليه وهو يشتغل فلا يفوته من غلطه شيء. ثم ترك النساجة في آخر عمره واشتغل بالخياطة ولم يزل كذلك إلى أن توفي. وكان قوته من صنعته وربما جاءَه ضعيف فلم يرده خائباً. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح النجيب إسماعيل بن الفقيه الصالح أبى العباس أحمد بن الفقيه الصالح المشهور موسى بن الفقيه علي بن عمر بن عجيل. وكان فقيهاً محققاً عارفاً فرضيّاً ماهراً. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن الفقيه الإمام أبى الحسن علي بن الفقيه أحمد بن أسعد الأصبحي. وكان مولده يوم السابع عشر من رجب سنة خمس وسبعين وستمائة. وكان تفقهه بابيه وكان رحمه الله عارفاً وهو الذي خلف والده في التدريس وعكف عليه أصحابه وحج بعد أبيه. ثم لما عاد من الحج أقام مدَّة. وكان للوزراء في بني محمد صيت في القرية فجعل علماؤهم يشوشون عليه ويؤذونه وربما دخل بعض علمائهم بيته وأخذ منه شيئاً فاشتكى بهم فلم ينصف منهم فخرج من القرية مهاجراً إلى ناحية حجر فأقام في قرية الظاهر هنالك عند الفقيه عبد الرحمن فاقبل أهل تلك الناحية على الفقيه إقبالاً حسناً فأقام هنالك عدة سنين إلى أن توفي القاضي موفق الدين الوزير وابنا أخيه علي بن محمد ومحمد بن احمد. واستمر ابن الأديب في القضاء الأكبر كما ذكرنا فأمره في المدرسة المنصورية بتعز وهي التي تعرف بالغرابية. فأقام فيها مدة ثم فصله فعاد إلى بلاده فتوفي بها في شهر جمادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الآخرة من السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح العابد أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أُسيد بضم الهمزة وفتح السين وسكون الياء وآخره دال مهملة بن أسحم بفتح الهمزة ويكون السين وفتح الحاء المهملة وآخره ميم. كان فقيهاً عابداً صالحاً حبراً توفي في السنة المذكورة رحمه الله. وفيها توفي الفقيه البارع احمد بن أبي بكر المعروف بابن الأحنف. وكان ميلاده سنة إحدى وأربعين وستمائة سمي أبوه بذلك لحنف كان به تفقه بعباس بن منصور وغيره من فقهاء جبلة وله مصنفات مفيدة في التفسير واللغة والحديث. وكان عارفاً حافظاً نقالاً للمذهب درس في المدرسة الشرقية ثم انتقل إلى المؤَيدية بتعز فدرس بها وانتفع به جماعة ثم عاد إلى بلده جبلة فتوفي بها لعشر بقين من جمادى الآخر سنة سبع عشرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل إبراهيم بن عمر بن إبراهيم المذحجي الجبيري نسبة إلى جدله اسمه جبير تصغير جبر بالجيم والباء الموحدة. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه في ابتدائه ببعض فقهاء حبر ثم بعثمان بن عبد الله وابن عمه عبد الله بن عمر الإسحاقيين. وكان يسكن معشار حصن ثمين في قرية يقال لها نابه. وتوفي في قريته المذكورة في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو بكر محمد بن الفرسي الملقب بالفخر. وكان مولده في المحرم سنة ست وخمسين وستمائة. وكان فقيهاً فاضلاً متفنناً لطن يعلم الحساب كأبيه وأخذ هذا العلم عنه. وكان رجلاً عاقلاً لبيباً قلما قصده قاصد أمر إلا وأعانه بما يليق من الأمور. وحصل بينه وبين الوزراء في الدولة المؤَيدية ألفة ومحبة فاجتلبوه إلى خدمة السلطان الملك المؤّيد والوقوف على بابه. فلم يزل كذلك إلى سنة ست عشرة وسبعمائة ثم حصل على القاضي جمال الدين محمد بن أبي بكر ما ذكرنا من العزل والاعتقال وتعدى الأمر إلى أصحابه وأصحاب أهله. وكان هذا المذكور في عدن فاستدعاه السلطان إلى تعز وأحضر من تكلم عليه بأنه تكلم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الدولة. ووافق ذلك كراهة من السلطان له فبعث إلى نائب لحج وأمره بمصادرته فصادره مصادرة شاقة وعذبه عذاباً شديداً. ثم حصل من استعطف له قلب السلطان فأمر باطلاعه إلى تعز. فطلع وهو الميم من شدة الضرب فتوفي بالهشمة في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه شرف الدين احمد بن الفقيه علي الجنيد بن الفقيه أحمد بن الفقيه محمد بن منصور بن الجنيد وكان مولده في صفر من سنة تسع وخمسين وستمائة. وكان فقيهاً حافظاً حاذقاً عارفاً تولى إعادة الأسدية في مدينة تعز بعد أن كان أبوه فقيهاً. وكان الفقيه أبو بكر بن محمد بن عمر اليحيوي يحسن النظر في حاله وحال اخوته مراعاة لصحبة أبيهم ثم إن السلطان الملك المؤَيد دعته نفسه إلى القراءة في أيام أبيه الملك المظفر فسأل عن فقيه صالح فارشد إلى الفقيه محمد بن عباس الشعبي. فسأَله أن يقرئهُ فاعتذر وأشار إلى هذا ابن الجنيد. فاستدعاه المؤَيد وعرفه بغرضه فقال له أشتور والدي يعني الفقيه أبا بكر بن محمد بن عمر اليحيوي فقال له ألم تذكر لنا إن والدك قد توفي فاخبره بمن يعني فاستشار الفقيه. فأشار عليه فقراَّ عليه المؤَيد فحصل بينهما من الألفة والمحبة والأنس ما حصل بحيث صار يركب بركوب السلطان. وطلع معه إلى صنعاء على بغلة بزنار كما يركب الوزراء وكان الناس في صنعاءَ يقبلون بابه ويصيحون عليه. ولم يزل معه حتى سافر إلى الشحر بسنة أربع وتسعين وستمائة. فلما توفي المظفر وحصل من الأشراف المؤَيد ما حصل من النزاع واسر الملك المؤَيد تفرق أصحابه فلحق هذا بشيخه فأقام عند الفقهاء بني النخلي. فلما صار الملك إلى الملك المؤَيد وصل إليه الفقيه ورجع على حالته الأولى. ولم يزل على شفقة المؤَيد وكان فقيهاً أصولياً نحوياً لغوياً. وله في الشعر يد حسنة وله في التصوف كلام مرضي ولأهل السمكر فيه اعتقاد حسن. وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عيسى محمد بن خليفة وكان فقيهاً كبيراً متورعاً ما قرأَ عليه أحد إلا انتفع وربما بلغ طريقة الاجتهاد أو قريباً منها وكان يلبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الملابس الفقهية قاصداً بذلك تعظيم العلم وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل هارون بن عثمان بن محمد علي الحسائي ثم الحميري وكان فقيهاً ورعاً زاهداً له مسموعات ومقروءات وكان ذا دين وأمانة وورع وزهد وكان كثير الحج وكان فيه من المعروف ومحبة العلم وكان حريصاً على اكتساب الحل فبورك له في ذلك. وتوفي على الطريق المرضي وهو عائد من الحج في قرية تعرف بقنونا في أول المحرم أول السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثماني عشرة وسبعمائة وصل القاضي صفي الدين عبد الله بن عبد الرزاق الواسطي يطلب حب من السلطان وصرف السلطان عليه إلى حال وصوله من الذهب العين نحواً من ألفي مثقال. فلما وصل كما ذكرنا صرف السلطان إليه شد الاسْتيِفاءِ وحظي عند السلطان حظوة عظيمة وانبسطت يده في الدواوين وكان زوجاً لابنه الأمير علاء الدين كشدغدي وهو الذي عينه السلطان فسار بالناس سيرو عفيفة ثم توجه إلى عدن فحمل منها إلى السيد الخزانة المعمورة بثلاثمائة ألف دينار ملكية. فلما وصل بها لقي السلطان في الجند فأكرمه وأنصفه وعظم قدره. وفي هذه السنة توجهت الرسل إلى مصر وهم الأمير بدر الدين حسن ابن الأسد ومن جرت العادة بمسيره في خدمته فقابلهم السلطان الملك الناصر أحسن مقابلة. وفي هذه السنة رتب الأمير علاء الدين كشدغدي عساكر السلطان المنصورة على ترتيب العساكر المصرية. وجعل لها جناحاً للميمنة وجناحاً للميسرة. وجعل خلف السلطان عصائب كثيرة. وركب المماليك بالنفخ وجعل منهم طائفة طبردارية وركب السلطان بهذا الزي. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو محمد الحسن بن علي بن الفقيه يحيى بن ألفيه فضل وكان يسكن قرية المنظاري ويدرس في مدرسة بنتها امرأَة ووقفت عليها وقفاً جيداً. وكان صاحب دنيا واسعة فلما خشي من الظلمة على نفسه وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 المدرسة لاذ بالفقيه أبى بكر بن محمد بن عمر اليحيوي. وتزوج ابنة أخيه عمر. وكان مستقيم الحال بذلك حتى هلك الوزير واخوته وانحطت حالهم. فحصل عليه بعض تعسف فلما جعل والد الفقيه أبى بكر قاضي القضاة. وأقام ما أقام في القضاءِ ثم فصل بابن الأديب صودر هذا الفقيه وحبس وعزر وجرى عليه شيءُ كثير. فلم تظل مدته بعد ذلك بل توفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن أسعد الأصبحي أخو الإمام علي بن أحمد الأصبحي صاحب كتاب المعين. وكان مولده في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين وستمائة تفقه في بدايته بأخيه. ثم ارتحل إلى أبين فقرأَ على الفقيه أبى بكر بن الأديب وتفقه في أبين وعدن ولحج وكان يتردد من هذه القرى للقراءة عليه. وانتفع بالقراءَة عليه انتفاعاً كليّاً. أخذ عنه المهذب والتنبيه والوسيط واللمع ثم عاد بلده وأقام في المسجد بالذنبتين فقرأَ مدة ثم اشتد به الفقر فعاد إلى تعز فدرس بها في عدة من مدارسها. وفي آخر الأمر درس في مدرسة الحميرا. وكان متنسكاً تقياّ له دين متين ولم تعرف له صبوة. وكان من أهل المروءات. وتوفي يوم السابع عشر من شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي القاضي يعقوب بن أحمد بن الفاضل تفقه بابن الصريدح ثم بعبد الله بن إبراهيم بن علي بن عجيل وأخذ الفرائض عن الفقيه علي بن أحمد الحميري. ثم ولاه القاضي علي بن محمد بن عمر قضاء المحالب وهو شاب فكان يحكى عنه سيرة المعجبين. ولما صار القضاء إلى محمد ابن أبي بكر عزله وصادره مصادرة شديدة فأقام مريضاً في القحمة عقيب المصادرة إلى أن توفي وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع المحقق منصور بن علي بن عمر بن إسماعيل بن زيد بن يحيى العزيزي لقباً الشعبي نسباً. وكان فقيهاً عارفاً مجوداً شجاعاً له بصيرة في الصناعات كالخياطة والنجارة وغيرهما. وكان يقول الشعر أيضا وله قصيدة حسنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 في المعتقد يتبرأ فيها من كل معتقد يخالف الكتاب والسنة وعرضها على الفقيه صالح بن عمر البريهي فارتضاها وأخذها عنه بان ترك بعض أصحابه يقرؤُها بحضرته وحضرة جماعة من أصحابه حينئذ واستخاروها منه. وكان قد أتقن النحو واللغة والفرائض والأصول والحساب. وامتحن في آخر عمره بقضاء الدملؤَة من قِبل ابن الأديب وأَقام عليه مدة مقتربة ثم توفي في مستهل المحرم أول السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي أخوه محمد بن علي بن عمر وكان ممن يخدم الدولة المؤَيدية كاتب إنشاء وكانت له درية ثاقبة ويقول شعراً حسناً. وكان محب أبناء جنسه من الفقهاء والطلبة ويعتني بحوائجهم توفي في مستهل رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عفان عثمان بن محمد المعروف بالشرعبي وكان فقيهاً ظريفاً تفقه بمحمد بن علي القاضي وبابن عباس الشعبي. قال الجندي وعنه أخذت غالب فقهاء تعز. وكان قد ألف في ذلك كتاباً مختصراً قلما أخبرته بما جمعت أعجبه ذلك وأعطاني ما قد جمعه فوجدته قد ذكر منهم جمعاً كثيراً لكنه لم يذكر ميلاداً ولا وفاة. وكان من خيار الفقهاء وأعيانهم وممن يرجى بركة دعائه. وكان جميل الخلق كثير البشاشة درَّس في المدرسة الأسدية التي في تعز مدة طويلة. وكانت وفاته ليلة الأحد السابع من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفيت الجهة الكريمة جهة دار الدملؤَة ابنة مولانا السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وهي التي تسمى نبيلة. وكانت امرأَة صالحة تقية بارة بأهلها محسنة إلى من لاذ بها وابتنت مدرسة في مدينة تعز ومسجداً في جبل صبر وابتنت مدرسة في مدينة زبيد وهي التي تسمى الأشرفية في جنوبي مسجد الميلين ووقفت على الجميع أوقافاً تقوم بكفاية الكل. وكانت مقيمة في حصن تعز حتى حصل بين المؤَيد أخيها وبين ابن أخيه الناصر بن الأشرف ما حصل فاستوحش السلطان منها فأمرها بسكنى المدينة فنزلت من الحصن وسكنت في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ناحية المعزية من مدينة تعز إلى أن توفيت وكانت وفاتها في منتصف المحرم من السنة المذكورة رحمها الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل يوسف بن محمد بن مضمون. وكان قد ولي قضاء عدن من قبل بني محمد بن عمر فأقام على ذلك سنين ثم فصلوه وأقاموا عوضه الفقيه أبا بكر بن الأديب بن مضمون على حساب مال المستودع ومعرفة ما قبض منه وما صرف فقال له القاضي محمد بن علي بن مياس هذا أمر ليس إليك وهذا يروح إلى من ولاه يفتصل معه فخرج من عدن على كرهٍ منه فأقام مدة ثم أمره قاضي الأقضية قاضياً في صنعاء فلم يزل بها إلى أن ولي ابن الأديب القضاء الأكبر فعزله عن صنعاء فرجع إلى بلاده متولياً بعض جهاتها فأقام بها إلى أن توفي في مستهل جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله يحيى بن محمد بن يحيى بن الرخا ابن الحنان بن أبى القسم الحميري. وكان مولده سنة أربع وستين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً تفقه بأبيه غالباً ودرَّس في أماكن كثيرة منها مصنعة سير ثم درّس في مدرسة الحرة جلل بنجلان ثم انتقل إلى مدرسة أضراس فلم يزل بها إلى أن توفي غريقاً في البحر قاصداً للحج في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى الخل. وكان فقيهاً عارفاً بالتفسير والحديث وعلم الحقيقة طلع إلى تعز مع جماعة من أهله يشكون من بعض عمال المهجم إلى السلطان الملك المؤَيد فأشكاهم بعض الأشكاء ثم رجعوا قاصدين بلدهم فمرض في الطريق فوصلوا به حبيش وقد توفي في ثناء الطريق فقبر عند ابن عمه احمد بن الحسن وكانت وفاتهُ في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو الخطاب عمر بن أحمد بن عبد الله بن جعمان. وكان فقيهاً بارعاً وغلب عليه علم الفرائض وكان فيه محموداً توفي عائداً من الحج في مدينة حَلْى ابن يعقوب. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وفيها توفي الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بن الفقيه علي بن أحمد الحرازي وكان مولده سنة ثلاث وأربعين وستمائة تفقه بالفقيه عبد الرحمن الأيني وبأبي شعبة وأخذ عن أبي حجر وغيره. ولما قدم المقري عبد الله البكراوي أخذ علم القراءَات وقرأَ عليه الحروف السبعة وكان بها عارفاً وأخذ أيضاً عن المقري شيئاً. وكان عارفاً بالفقه واللغة والنحو والحديث وبظاهر الأصول. وكان من ابرك الناس تدريساً قل ما قرأَ عليه أحد إلا انتفع به لبركته وحسن تدريسه وانتفع به خلق كثير من عدن وغيرها. وامتحن بالقضاء لما ولي ابن الأديب القضاء الأكبر وكان من خيار أهل زمانه. ومن غريب ما يذكر عنه أنه لم يعلم له صبوة وحج. وكانت وفاته سحر ليلة الثلاثاء لسبع بقين من رجب من السنة المذكورة رحمه الله. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح محمد بن إبراهيم بن سالم بن مقبل وكان فقيهاً فاضلاً مباركاً تفقه بالفقيه إسماعيل الحلي. وكان من أهل المروءات والحميات على أبناء الجنس والدين قدم سهفنة فأخذ عن فقيهها وأخذ عن أبى الخير بن منصور وسيط الواجدي وعن صالح بن علي الحضرمي. وكان يروي عنه وإليه هاجر ولد الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي فآنسهُ وبش له وتوسع له ولأهله عدة سنين حتى رجع ولد الفقيه إلى بلده ولم يزل الفقيه على السيرة المرضية إلى أن توفي بذي حيران ودفن مع أهلها. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع عشرة وسبعمائة توجه السلطان الملك المؤَيد إلى الأعمال الشهانية فوقف في الكدراء وعزل بعض النواب وأمر آخرين. وكان القاضي صفي الدين مستمر الحكم في الدواوين. وفيها فوض السلطان الملك المؤَيد إلى الأمير علاء الدين كشدغدي نيابة السلطنة والأتابكية على العساكر المنصورة وتقدم في هذه الوظيفة تقدماً لم يسمع بمثله وحصل بينه وبين القاضي صفي الدين صهره منافسة في الظاهر والباطن. وفي هذه السنة أيضاً حصل من السلطان تغير على الأمير شجاع الدين عمر ابن علاء الدين الشهابي فعزله عن وظيفته وقبض عليه وأودعه السجن ونسب إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 حديث من جهة الملك الناصر فأَقام أسبوعاً في السجن ثم تحقق للسلطان براءَته فأطلقه وحصل بين الأمير شجاع الدين وبين القاضي جمال الدين منازعات طويلة وأحضر القاضي جمال الدين إلى مقام السلطان جماعة يشهدون على الأمير شجاع الدين بكلام كثير متعلق بالملك الناصر. وحضر الملك الناصر يومئذ مقام السلطان ونفى عن الأمير شجاع الدين جميع ما ذكر عنه وحقق للسلطان ما كان من القاضي جمال الدين فغضب السلطان غضباً شديداً على القاضي جمال الدين وسلمه إلى القاضي صفي الدين ليستخلص منه مالاً كثيراً فصادره مصادرة قبيحة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح محمد بن أبي الحسن بن احمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن إبراهيم بن حسين بن حماد بن أبي الخل. وكان أبوه احمد بن محمد أول من درس منهم فلما هلك خلفه ابنه هذا محمد المذكور. وكان فقيهاً فرضيّاً زاهداً متورعاً. وكان تربا لابن عمه احمد بن الحسن المذكور أولاً وبلغ عمره ثمانين سنة. ولم يتزوج. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي ابن عمه وهو الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف وكان فقيهاً فرضيّاً نحويّاً تفقه بابيه وتوفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل محمد بن عبد الله بن أبي السرور وكان فقيهاً صالحاً تقيّاً خيراً وكانت وفاته رحمه الله تعالى في السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الخطاب أحمد بن عمر الحميري وكان فقيهاً فاضلاً زاهداً ورعاً ذا عبادة وامتحن في آخر عمره بالعمى. وكان تفقه على أبيه وتوفي رحمه الله تعالى في السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن الحسن بن عطية بن علي بن عطية الشعدري وكان ميلاده سنة إحدى وخمسين وستمائة تفقه بعم أبيه أحمد بن علي بن عطية. وولي قضاء المهجم وانفصل عنه وكان قد ولي الخلافة قبل المهجم. ولما فصل من المهجم ولي قضاءَ بلده إلى أن توفي في رجب من شهور سنة تسع عشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفي سنة عشرين وسبعمائة مرض الأمير علاء الدين كشدغدي مرضاً شديداً أفضى به إلى الموت وحصلت مرافعات كثيرة على القاضي صفي الدين عبد الله بن عبد الرزاق. وحقق كتاب الدواوين في المقام السلطاني أنه أخذ جملة من المال فعزله السلطان عن يد الاستيفاء وفوض الأمر في ذلك إلى الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب بن الجواد. وكان أميراً كبيراً عالي الهمة حسن التأني وسأَل من السلطان رحمه الله تعالى أن لا يجعل عقوبة أحد على يديه. وإن مهما تعين من المال للدواوين أمر السلطان أمير جاندار باستخراجه وهذا أكبر دليل على خيره. وفي هذه السنة المذكورة وصل القاضي الأجل محي الدين يحيى بن عبد اللطيف التكريتي من الديار المصرية على طريق مكة المشرفة وأحضر إلى مقام السلطان جوهرً كثيراً من الزمرد واللآلئ. وتقدم عند السلطان تقدماً حسناً. وأحل محل الوزارة. وسلم إليه السلطان من خالص ماله مائة ألف دينار من المال الخالص على حكم التجارة. وكتب له إلى عدن بخمسين ألفاً فلما نزل إلى عدن تصرف فيها تصرف المالك وكان قابضاً على الوزارة. وفي هذه السنة أيضاً وصل الأمير بدر الدين حسن بن أحمد بن المختار الإمام الفاضل العارف بعلوم الأوائل من الهيئة والهندسة وعلم المخطى. وكان مشاركاً فيكل فن وضارباً في كل علم بنصيب. ولم يكن في البلاد المصرية ولا البلاد الشامية من يناسبه في معرفته مع اتساعها وفرح السلطان بوصوله فرحاً شديداً. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن عمر الأحنف وكان فقيهاً ورعاً وكان إماماً في المدرسة الأشرفية بذي جبلة توفي لخمس بقين في شهر رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن أبي الرجا الجناب بن أبي القاسم الحميري. وكان مولده سنة سبع وثلاثين وستمائة وتفقه في بدايته بالفقيه علي بن الحسن الآصابي وبابن النابه. وهو أول من رتب في المدرسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 المظفرية طالباً مع الفقيه علي بن الحسن وولاه بنو عمران قضاء الناحية وتدريس مدرسة الرخة. فلما صار القضاء إلى بني محمد بن عمر عزلوه. وكانت طريقته مرضية إلى أن توفي في سلخ المحرم من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الإمام العلامة عبد المؤْمن بن عبد الله بن راشد البارقي ثم التميمي هكذا قال الجندي وذكر أنه منسوب إلى عرب يسكنون ناحية من بلد بني شهاب. ويعرفون ببني بارق نسبة إلى عمرو بن براقة. وكان أحد رؤساء العرب الذين قتلوا مع الحسين بن علي رضي الله عنهما. وكان عبد المؤْمن المذكور ممن رسخ في السمعلة. وأَقام فيها مدة طويلة إلى أن ثار ابن خمسين سنة. ثم تشكك في كونهِ على الحق أم على الباطل فجعل يزور المشاهد المشهورة. والترب المباركة. ويسأَل الله تعالى أن يريهُ الحق حقّاً ويرزقهُ اتباعه. فمالت نفسه إلى الانتقال إلى مذهب الإمام الشافعي فحين علم الإسماعيلية بذلك شق عليهم. وهموا بقته فتقدم إلى القاضي وهو يومئذ عمر بن سعيد وأخبره بقصته وإنه يريد الدخول في مذهب الشافعي لكنهُ يخشى من الإسماعيلية. فقدم به القاضي عمر بن سعيد إلى الأمير علم الدين ينجر الشعيبي وأخبراه بالقصة فقال الأمير علم الدين من سكب عليك كوز ماءٍ سكبت عليه كوز دم فتاب على يد القاضي بحضرة الأمير وأخذ منهما العهود والمواثيق على حمايته وتوثق منهما وخرج من فوره وتظاهر بترك السمعلة والدخول في مذهب أهل السنة. وجعل يسب الإسماعيلية ومذهبهم. ويذكر قبائح أفعالهم فحين سمعوا منه ذلك سعوا في قتله أشد السعي لكن الدولة قهرتهم. وكان عبد المؤْمن رجلاً مباركاً زاهداً ورعاً لازماً طريق القناعة غالب أوقاته في مسجد الجامع بصنعاء حتى قيل أنه لازم الاعتكاف أربعين سنة. وكان كثير التلاوة لكتاب الله في المصحف. وكان يقرأُ كتب الحديث وقرأَ بعض كتب اللغة وبداية الهداية. ولم يزل على الطريق المرضي إلى أن توفي في سلخ صفر من سنة عشرين وسبعمائة. وهي السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح إبراهيم بن الفقيه علي بن إبراهيم النحلي وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ميلاده سنة ثلاث وستين وستمائة تفقه بأبيه وكان من أعيان الفقهاء الفضلاء الآخذين عن أَبيه. وكان أبوه يحبه حباً شديداً ويفضله. فسئل عن ذلك فقال كنت عند والدته حين وضع في الخيمة التي وضعته أُمه فيها فحين سقط إلى الأرض أضاءت الخيمة وأنارت حتى أني عددت جوانح الخيمة. قال الجندي وأخبرني الخبير بحاله أنه كان من أخير أولاد الفقهاء ديناً وكرماً ومعرفة للفقه وعبادة غالب أيامه الصيام ولياليه القيام. وكان كثير الإطعام قل ما تلد الأخيار مثله. توفي على أكمل طريق مرضي ليلة الجمعة سابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح موسى بن الفقيه الإمام العلامة أبي العباس أحمد بن موسى بن علي بن عجيل. وكان فقيهاً صالحاً فاضلاً ديناً خيراً تفقه بأبيه وكان مشهور الفضل والصلاح توفي يوم السادس من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح محمد بن عمر بن حشيبر بضم الحاء المهملة وفتح الشين المعجمة وسكون المثناة من تحتها وكسر الباءِ الموحدة وآخره راء. وكان فقيهاً زاهداً ورعاً صاحب كرامات له في الحكمة كلام عجيب. توفي في غرة ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وصل القاضي محي الدين من عدن وحصل بينه وبين القاضي صفي الدين مرافعات كثيرة. واتفق لمحي الدين اتفاقات ليست بحسنة فنقص ذلك القبول من جهة السلطان. وكان في ذلك يطلب الوزارة ويجتهد ويسعى في تحصيلها فلما ألح وأكثر قال السلطان كلا لا وزر ثم أراد السلطان أن يجبر خاطره فأركبهُ يوم العيد عيد الفطر في موضع الوزارة وركب بالطرحة على عادة الوزراء المصريين. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن شبا الشعبي وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بمحمد بن أبي بكر الأصبحي وتزوج ابنته وهو وصيه. وكان منصوبه على أولاده وولي قضاء بلده من قبل بني محمد بن عمر مدة ثم انفصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 عنه وكانت وفاته في شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن اسعد الحديفي نسبة إلى قوم يقال لهم الاحدوف. وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بالعماري وسكن قرية الخصابتين وكان صبوراً على إطعام الطعام وإكرام الأنام. عظيم العبادة إلى أن توفي. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الله العامري الملقب جمال الدين وكان يعرف بالمدرس لطول إقامته على التدريس بالمهجم وشهرته فيه. وكان مولده سنة أربعين وستمائة وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو الحسن علي بن قاسم الحكمي. وكان تفقه الإمام جمال الدين بخاله الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي. وأخذ عن الإمام أحمد بن موسى بن عجيل وهو من أبرك فقهاء تهامة تدريساً. وأكثرهم نشراً للعلم أخذ عنه جمع كبير وصنف عدة مصنفات منها شرح التنبيه شرحاً مفيداً أثنى عليه غالب الفقهاءَ وله شرح الوسيط أيضاً. وذكروا أنه أقام على التدريس في المهجم نحواً من خمسين سنة. ولذلك كثر أصحابه وانتشر عنه الفقه وامتحن بقضاء المهجم من قبل بني محمد بن عمر. ثم لما صار القضاء الأكبر إلى ولد الفقيه أبي بكر بن محمد بن عمر اليحيوي استدعاه فعزل نفسه حين وصله الطلب. وكان سهل الأخلاق لين الجانب سليم الصدر مشهوراً بالبركة وكانت وفاته في مستهل صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. قال الجندي أخبرني الثقة إن بعض الفقهاءِ من الحضارم رأَى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة موت الفقيه ورأَى مع النبي صلى الله عليه وسلم صاحبيه أبا بكر وعمر والفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي وابنه إسماعيل فقال لجده محمد يا جد من هؤُلاءِ معك يعني النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر جئنا جميعاً في طلب الفقيه جمال الدين فاستيقظ الرائي من نومه وأذبه يسمع قائلاً يقول مات الفقيه جمال الدين رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن حسين وكان فقيهاً فاضلاً كريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 النفس حسن الأخلاق وكان محفوظه من كتب الفقه الوجيز ولم يدرس في جامع القرية. وانتفع به جماعة وكانت وفاته يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي السلطان الملك المؤَيد رحمة الله عليه وكان قد عزم على النزول إلى زبيد كجاري عادته في كل سنة فبرز إلى قصر الشجرة فأقام فيه نحواً من عشرة أيام بسبب مرض أصابه فلما اشتد به المرض وهو في قصر دار الشجرة أمر ولده السلطان الملك المجاهد بطلوع الحصن ولم يكن له يومئذ ولد غيره فطلع الحصن آخر نهار الاثنين سلخ ذي القعدة من السنة المذكورة. وتوفي والده السلطان المؤَيد بعد نصف الليل من ليلة الثلاثاء أول ليلة من ذي الحجة. وقد ترك الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب بن الجواد. وكان يومئذ نائب السلطنة وأتابك العسكر وأستاذ دار السلطان ونزل بنزوله جماعة من العسكر وأعيان الأمراء. فثبت ثباتاً حسناً وحفظ نظام السلطنة وضرب إركاً على الشجرة إلى آخر الليل بالسلطان المرحوم إلى الحصن فحطوه في دار العدل وكان رحمه الله قد أوصى أن يغسله جماعة من الفقهاء منهم الفقيه الطفاري والبها الجاندار. وإن تكون آلة الغسل كلها مدر يشترى من السوق وإن يشترى كفنه من السوق فاشترى له ذلك كما ذكر. فكان أول شيءٍ استنكره الناس من ولده المجاهد وحمل من دار العدل إلى مدرسته إلى أنشأها في معزية تعز فدفن بها وكان يوم دفنه يوماً مشهوداً فيالها من مصيبة تركت العامة حيارى والخاصة سكارى. خرجوا بهِ ولكل باكٍ خلفه ... صعقات موسى يوم دك الطورُ حتى أتوا جدثاً كأَن ضريحه ... في قلب كل موحد محفورُ والشمس في كبد السماءِ مريضة ... والأرض راجفة تكاد تمورُ وكان له من المآثر التي أنشأها في معزية تعز المعروفة بالمؤَيدية وجعل فيها مدرساً ودرسة ومعيداً وإماماً ومؤَذناً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومقرئاً يقرئ القرآن بالسبعة لا حرف ووقف عليها من الأراضي والكروم ما يقوم بكفايتهم ووقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فيها خزانة من الكتب النفيسة وابتنى في أيامه عدة من المآثر. فابتنت كريمته التي تسمى جهة دار الدملؤَة مدرسة في مدينة زبيد ومسجداً فيتعز ومدرسة في ظفار الحبوضي أيضاً وجددت مسجداً في مدينة زبيد. وابتنى الخاندار مسجداً في مدينة تعز وهو الذي بين المعزية وعدينة وعنده الأحواض وبه تعرف إلى الآن فيقال مسجد الخاندار. وابتنى الأمير محمد بن ميكائيل الذي كان أستاذ داره مدرسة في زبيد وهي التي قبالة باب الشبارق تمر المجرى تحتها وهي الآن خراب. وكان السلطان المؤَيد ملكاً جباراً شجاعاً مقداماً شهماً جواداً. كريماً متلافاً. له في الشجاعة والجود فعلات مشهورة يعرفها الخاص والعام. وكان رحمه الله مشاركاً في كثير من العلوم قد أخذ في كل فن وشارك في كل علم وكان يحفظ مقدمة طاهر بن بابشاذ وكفاية المتحفظ في اللغة وأجمل للزجاجي قراءة وأخذ التنبيه أيضاً لأبي إسحاق الشيرازي قراءة محققة وطالع الكتب المبسوطة في كل فن وسمع الحديث النبوي من الشيوخ الموثوق بهم ممن علا سنده. وأجازه الشيخ الإمام المبجل أبو العباس أحمد بن محمد الطبري شيخ السنة بالحرم الشريف في البخاري والترمذي وناوله صحيح مسلم وأجازه في باقي الأمهات على حكم روايته من الكتب التي سمعها واستجازها وما صنفه في كل فن وما وجد له. واختصر كتاب الجمهرة في التبرزة وبين في مختصره ما لم يبينه صاحب الكتاب من عمل التدنيق ووصل الجناح وشرح طردته إلى أبي فراس شرحاً شافياً وهي التي أولها ما العمر ما طالت به الدهور ... العمر ما ثمَّ به السرورُ ونقل جانباً من أشعار الجاهلية والمخضرمين والمولدين. وجمع من مصنفات العلم على اختلاف أنواعها من علم قراءَاتها وقرائها وحديثها وفقهها وأصولها وفروعها وحقيقتها وأدبها ومعرفة أيام عربها من تاريخها ونسبها وأشعارها على اختلاف طبقاتها شيئاً كثيراً والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الباب السادس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ذكر أخبار الدولة المجاهدية قال الأشراف أبو العباس إسماعيل بن العباس تولاه الله بحسن ولايته. كان مولانا السلطان الملك المؤيد رحمه الله ملكاً شهماً شجاعاً مقداماً جواداً هماماً عالي الهمة شريف النفس كريم الأخلاق حميماً وضيئاً حسن الشمائل. للشمس فيه وللرياح وللسحا ... ب وللبحار وللأسود شمائل ولديه ملعفان والأدب المفا ... د وملحباء وملمات مناهل وكان كامل الأوصاف لين العريكة حسن السياسة صادق الفراسة شديد الحركة شديد المملكة. قال ابن عبد المجيد لما استقرت قاعدة السلطان الملك المجاهد في الملك عزل الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب وفوض نيابة السلطنة إلي الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور وجعله اتابك العسكر. وكان قبل ذلك شاد الدواوين في الدولة المؤيدية وكتب له بذلك منشورين لهما وقرئا بمحضرهما. وحصل بين السلطان وبين ابن عمه الملك الناصر جلال الدين محمد بن الملك الأشرف مراسلة تقتضي أمانا وعهوداً. فأرسل إليه من جهته الفقيه شهاب الدين عبد الرحمن الظفاوي وهو معلم السلطان والطواشي شهاب الدين صلاح ليحفاه للسلطان فحلف كما يجب الأيمان ثم أرسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الملك الناصر وكيله وهو الفقيه جمال الدين محمد بن الوشاح ليحلف للسلطان فحلف له كما يجب الأيمان. ولما تمكن الأمير الشجاع عمر بن يوسف بن منصور من السلطان وعظمت منزلته عنده سعى في خلاص المعتقلين في معقل الدملؤة وكان فيه ممن اعتقله السلطان المؤيد الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر المظفري وأخوه الأمير بدر الدين محمد بن ازدمر والأمير نجم الدين أحمد بن أزمر الخازندار الفارس المظفري والأمير شمس الدين اطينا أمير خازندار الخليفة. والشريفان داود وأخوه ابنا الشريف قاسم بن حمزة وقد كانت لهم يد طويلة. وطرد الأمير جمال الدين بن يوسف بن يعقوب بن الجواد عن الباب وتكلم عليه عند السلطان بأنه مشؤوم وغلب عمر بن يوسف إلى الباب وحملت له الطبلخانة وضبط الباب ضبطاً عظيماً. وكان من أذكياء الرجال ودها متم واعرفهم بتدبير المملكة. وفي سنة اثنتين وعشرين نزل السلطان من الحصن وكان نزوله يوم الثالث من المحرم فسار آلي دار الشجرة فأقام بها. ويروى انه لما أراد النزول من الحصن آلي دار الشجرة أرسل رسولاً آلي بعض المتصدرين يومئذ في علم الفلك يأمره أن يختار له وقتا جيدا في ذلك اليوم. فنزل السلطان من الحصن في ذلك الوقت الذي قد اختير له ففزع الرجل لما علم بنزول السلطان في ذلك الوقت فسال باقي أهل فنه عمن اختار للسلطان ذلك الوقت الذي نزل به فقالوا له كلهم ما اختاره له أحد سواك. فقال والله ما عملت أن مراده النزول وهذا الوقت الذي نزل فيه من الحصن وقت مكروه وربما انه لا يرجع إليه إلا في حالة معكوسة. ثم أن الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور أوقع في قلب السلطان من الملك الناصر شيئا فأمره بقبضه. فأرسل الأمير شجاع الدين جماعة لقبضه فلما علم الناصر بذلك لجأ إلى تربية الفقيه عمر بن سعيد بذي عقيب فتبعه الجماعة إلى التربة المذكورة وقبضوه من التربة ولم يراعوا حق الجوار. ثم رجعوا به إلى تعز. وكان ذلك في العشر الوسطى من صفر من السنة المذكورة. فلما وصلوا به إلى تعز أمر السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 بسجنه فسجن في حصن تعز فأقام محبوسا في الحصن إلى سلخ جمادى الأولى. ثم أمر السلطان به إلى سجن عدن وأرسل مائة فارس تسير به إلى هنالك. وكان السلطان رحمه الله قد تقدم إلى الجند في غرة شهر ربيع الأول فأقام فيها أياما وفي خلال ذلك نصب الفقيه عبد الرحمن الظفاري قاضي قضاة بمحضر جماعة من فقهاء تعز. وأقام بعد ذلك أياما ثم توجه إلى الدملؤة في أثناء شهر ربيع الأول فأقام فيها أياما. وافتقد خزانته ونزل ولم ينعم على أحد بشيء كما جرت العادة. فلما نزل من الدملؤة وتقدم إلى نعمات فأقام فيها إلى يوم الأربعاء الثامن من شهر جمادى الآخرة. وقال ابن عبد المجيد إلى النصف منه ضج أُمراؤُهم وقلوب العسكر نافرة منه. وقد سعى إبراهيم في فساد دولته وقرروا قاعدة عند الملك المنصور أيوب بن السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر. فلما كمل سعيهم الذي أرادوا اجتمعت الأمراء والمماليك الكبار وقصدوا دار الشجاع عمر بن يوسف بن منصور وكان يسكن في ناحية المجاذيب من مدينة تعز فقتلوه وقتلوا معه صهره الأمير بدر الدين محمد بن علي الهمام. وكان معهم الفقيه عبد الرحمن الظفاوي قاضي القضاة والشيخ محمد بن عثمان العيسى من عيس حكم فقتلوه أيضاً وخرجوا من فورهم أيضاً إلى ثعبات فلزموا السلطان هنالك ونهب في تلك الليلة عدة بيوت في المغربة والمجاذيب ممن ينتمي إلى مولانا السلطان ورجعوا إلى الملك المجاهد أسيرا فأقام عنده تحت الحفظ ثلاثة أيام وهو يستخلف العسكر فحلفوا له الأيمان المغلظة. فلما كان اليوم الرابع طلع الملك المنصور الحصن في ناموس المملكة وزي السلطان وطلع بالسلطان الملك المجاهد معه تحت الحفظ فجعله في دار الأمارة على الإعزاز والإكرام يؤتي إليه كل يوم بما يحتاجه ويشتهيه من طعام وشراب وحريم ولما استقر الملك المنصور في الحصن أرسل لأبن أخيه الملك الناصر فلما وصل إلى الجند تلقاه بالطبلخانة وأقطعه المهجم إلى عدن وعقد للأمير بدر الدين حسن بن الأسد الأولويه. ورفع له الطبلخانه واقطعه حرض ثم عقد لولديه الملك الكامل بأمور الدين والملك الواثق شمس الدين ورفع لهما الطبلخانه. وجعل لكل واحد منهما إقطاعاً جيداً وأرسل ولده الملك الظاهر أسد الدين إلى الدملؤة وفي خدمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ياقوت التعزي وفوض نيابة السلطنة إلى الأمير شجاع الدين عمر بن علاء الدين الشهابي. فأقام أياماً فحصلت بينه وبين الأمراء البحرية مخافره فصرفه السلطان عن نيابته وجعل مكانه الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب بن الجواد المعروف بالخصي وفوض إليه أمر الباب كله وأقام السلطان الملك المنصور في سلطنته إلى ليلة السبت السادس من شهر رمضان وذلك على رواية ابن عبد المجيد ثمانون يوماً. وعلى الجندي نحو من تسعين يوماً انصرف فيها من المال نحو من سبعمائة ألف دينار خارجاً عن المركوب والملبوس. ثم كان من قضاء الله وقدره أن تقدم بعض غلمان الملك المجاهد رحمة الله عليه إلى بلاد العربيين واتفق هو وجماعة منهم كان مقدمهم بشر الذهابي وعاملوا رجلا يقال له بن الفوارس على طلوع الحصن من قفاه باتفاق جماعة من عبيد السربخاناه فأدلوا لهم الحبال وأطلعوهم رجلاً رجلاً. وكانوا أربعين. فلما صاروا كلهم في الحصن أرادوا أن يثوروا فمنعهم عبيد الشربخانات وقالوا لهم لا تحدثوا حادثة حتى نقول لكم فامسكوا عندهم إلى أن أصبح الصباح ونزل الخادم بمفاتيح أبواب الحصن. فلما علم عبيد الشريخانات والمعسكر الذي معهم بنزول الخادم والمفتاح خرجوا عليه فضربوه بأسيافهم. وقبضوا المفاتيح ولم يشعر الملك المنصور حتى دخلوا عليه بمجلسه الذي أمسى فيه فقبضوه منه وخرجوا يريدون الملك المجاهد وكان والي الحصن والرتبة يبيتون في دار المضيف. فلما أشرف عليهم أهل الحصن ونادوا بشعار المجاهد قاتل أمير الحصن قتالا شديداً حتى قتل. وارتجت المدينة فركب الملك الناصر وركب معه كثير من العسكر. ووصلوا اسفل الحصن فلم يتهيأ لهم فيه عمل وأبوابه مغلقة. وركب سائر الأمراء البحرية إلى الملك الناصر وقالوا له أن كان الملك المنصور مات أو قتل أو قبض فأنت أولى بالملك. فاجتمعت كلمتهم على ذلك وابعث المدينة خيلاً ورجلاً يريدون طريقاً إلى الحصن فما وجدوا فلما رآهم السلطان الملك المجاهد كذلك وعلم ما أجمعوا عليه عجب من فعلهم. وقال سبحان الله ما في هؤلاء من يذكر لوالدي حسنة عليه ولا جميلا إليه ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 أمر صائحا يصيح من أعلى الحصن بأعلى صوته يقول يا أهل تعز بيوت المنصورية لكم حلال فرجعت الأمراء والملوك إلى بيوتهم خوفا من النهب وغشيهم السواد الأعظم. وكان يوما عظيما فلم يمض نصف النهار إلا وقد كتبت إليه والدته جهة صلاح تقول له أعلمك يا ولدي أن بنات عمك وسائر نساء الملوك هتكوا ونهبوا ولم يبق لهم باقية. وقد صاروا في حصر المساجد والمدارس فأقاموا صائحا صيح في الناس من أخذ شيئا من بيوت الملوك فليرده. وأمر بقبض أولاد الملوك فقبض الملك الناصر وولده زين الإسلام. وقبض الملك الكامل بأمور الدين بن الملك المنصور فكان كل واحد من الملوك مسجوناً وحده. واستولى السلطان الملك المجاهد رحمه الله مرة ثانية وحصل بينه وبين المماليك عهود وذمم وكتب لهم ذراعة بالأمان والوفاء. ونادى لهم بذلك في الأسواق وفي مجامع الناس وبعد أيام قلائل أمر بإطلاق الملك الناصر ونومار الدين بن الملك المنصور. واستناب في سلطنته الثانية الأمير جمال الدين نور بن حسن. وطلب من عمه الملك المنصور أن يكتب له كتاباً إلى ولده الظاهر بتسليم الدملؤة فكتب له بذلك فلم يمتثل وامتنع من تسليمها فجهز السلطان له عسكراً مقدمه من الأمير شجاع الدين عمر بن علاء الدين. والشيخ أحمد بن عمران العبابي والشيخ عمر بن أبي بكر العنسي. وخامر جماعة على الملك الظاهر من الأشعوب فساروا بعسكر السلطان طريقاً يفضي إلى الدملؤة نحواً من شهرين فكثر القتل في الفريقين وطالت مدة الحرب. وكان معظم ذلك في ناحية حبا من أرض المعافر فلما طال الأمر خادعهم الظاهر بأن أعطى ابن العنسي مالاً فارتفع عن المحطة وتلاحق به كثير من الناس فانهزمت المحطة وارتفع أهلها وتركوا كثيراً من أموالهم وثقلهم وفي هذه السنة توفي الفقيه أبو الخطاب عمر بن محمد بن مسعود الحجري وكان فقيها فاضلاً تفقه في بدايته بالفقيه إسماعيل الخلي ثم لما كان في السمكر بسؤال من أهلها درس على الفقيه صالح جعل يختلف إليه في السمكر حتى اكمل قراءته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ولما ولي ابن الأديب القضاء جعله قاضياً في القرية فأقام على ذلك نحو سنة ثم انصل وبقي على التدريس والخطابة إلى أن توفي في النصف من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه إبراهيم بن يحيى بن سالم بن سليمان بن الفضل بن محمد بن عبد الله الشهابي الكندي وكان فقيهاً حبراً غلبت عليه العبادة واستمر مدرسا بعد ابن محمد بن عبد الرحمن في العومانية وبعد ذلك على التدريس وهو أجود أولاد الفقيه يحيى وكان عالي الهمة سخي النفس إلى أن توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل عثمان بن أبي بكر بن سعيد بن أحمد المرادي وكان فقيهاً فاضلاً مشهوراً بشرف النفس وعلو الهمة وإطعام الطعام. تفقه أبي عبد الله الدلالي وتفقها بذي أشرق. وكانت وفاته على الطريق المرضي في سلخ المحرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن الفقيه عبيد بن أحمد بن مسعود بن عليان بن هاشم الرحمي. وكان مولده سنة ثلاثة وستين وستمائة تفقه بأبيه وغيره وولي القضاء في مدينة. زبيد من قبل بني محمد بن عمر فأقام هنالك عدة سنين. قال الجندي وكان يسير على أغراضهم وانفصل سنة تسعة وسبعمائة بأبي شكيل الشحري. ولم يزل متدبراً في زبيد مستوطناً بها مدة. ثم استمر مدرساً في المدرسة التاجية بزبيد وهي التي تعرف بمدرسة المبردعين إلى أن توفي في مستهل جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الصمد بن سعد بن علي بن إبراهيم. وكان مولده ثاني صفر من سنة ست وخمسين وستمائة. وسلك طريقه عمه عمر بن سعد من القيام والصيام والعبادة مع الاشتغال بالعلم ومحبته له. وتفقه بإبراهيم المازني أحد أصحاب عمه وكان يسكن قرية الثمد وهي غربي قرية عمه بثاءً مثلثة مفتوحة وآخر الاسم دال مهملة. وكان مشهوراً بالدين والصلاح وبه يضرب المثل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وكانت قريته مأمناً للخائفين وملاذاً للمتحوزين وبيته مقصداً للزائرين توفي في النصف من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن الأمام أبي الذبيح إسماعيل ابن محمد الحضرمي تفقه بأبيه وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً بفروع الفقه مشهور البركة في التدريس والفتوى وهو من جملة الفقهاء الذين حضروا مقام السلطان الملك المؤيد للنظر في قضية أبي شكيل وأبي بكر بن علي المشير وكان ذلك في قصر الجند سنة ست عشر وسبعمائة. وأشار إليه السلطان بالنظر فيها فلم يفعل وأشار إلى غيره فلم يقبل. ويقال انهم ما دخلوا مقام السلطان حتى أنفقوا على ما كان منهم وهو الإشارة بقضاء ابن الأديب فكان الأمر كما ذكر. ورجع الفقهاء إلى بلادهم بعد أن أعطى السلطان للفقيه أحمد المذكور مالاً جزيلاً لقضاء دين عليه كتب له به إلى عامل المهجم. وكانت وفاته في قرية الضجى لأيام يقين من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وتوفي بعده ابن أخيه الفقيه الفاضل أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيهاً محفقاً تفقه بعلي بن محمد الحلي وولده محمد بن علي الحلي وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو اسحق إبراهيم بن الفقيه أحمد بن الفقيه إسماعيل بن الحضرمي. وكان فقيهاً محققاً تفقه بعلي بن محمد الحلي وولده محمد بن علي. وكانت وفاته شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وفيها توفي الفقيه الصالح أبو اسحق بن الفقيه أحمد بن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيهاً صالحاً كثير الملازمة للمسجد وأقام معتكفاً نحواً من عشرين سنة. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة قبل أبيه بنحو ثمانية أيام رحمهما الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الخطاب عمر بن إبراهيم بن محمد بن حسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 النحلي. وكان ميلاده سنة سبع وعشرين وستمائة وأقام مدة طويلة لم يتعلق بشيء من قراءة العلم فلما رأس أخوه علي بن إبراهيم وارتفع ذكره. وكان اصغر من عمر نشط حينئذٍ فقرأ على أخيه وتفقه به وكان صاحب دنيا متسعة يحج كثيراً وكان يطعم جماعة من الطلبة ويقربهم. وابتنى مسجداً في قريته بالآجر والنورة وأقام فيه مدة يدرس فيه ويقصده الضيف والزائر وامتحن بالعمى في آخر عمره. وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عمر العربقي بضم العين المهملة وفتح الراء نسبة إلى قرية من أعمال حسيس يقال لها العريق بضم العين المهملة وفتح الراء تصغير عرق. ثم سكن قرية من نواحي موزع يقال لها جاعمة بجيم وألف وعين مهملة مكسورة على وزن فاعلة. وكان رجلاً مباركاً ورعاً زاهداً كاملاً في سلوك الطريق مشهوراً بالخير والصلاح والكرامات الظاهرة. وكان يزردع مواضع في الوادي فما تحصل منها صرفه في مصالحه وفي طعم الواردين إليه. وكان شريف النفس عالي الهمة له رغبة في طلب العلم يعجز الوقت عن نظيره في جميع أحواله وتوفي في عشر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي المقري الفاضل إقبال. وكان عبداً صالحاً هندياً لخادم يقال له إقبال أيضاً ويعرف سيده بالدوري. وكان عارفاً بفن القراءات تفقه على ابن الجزاري صاحب عدن. ولما سافر سيده من عدن خرج إقبال هذا من عدن أيضاً وسكن مدينة المهجم فحصل عليه عسف من بعض ولاتها فأرتحل منها إلى تعز فتوفي بها. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الصالح أحمد بن موسى بن عمر بن المبارك بن مسعود بن سالم بن سعد بن عمر بن علي. وكان شيخاً صوفياً فقيهاً عارفاً توفي في سلخ شعبان من السنة المذكورة رحمه الله. ودفن عنده والده وابن عمه صوفي بن يحيى في رباط أثعب بهمزة ومثلثة وموحدة بينهما عين مهملة والله اعلم. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أبي الرجا وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 ميلاده سنة ثمان وسبعين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً عالماً واستمر مدرساً في مدرسة البرحة وتوفي على الطريق المرضي في النصف من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وعشرين كتب الملك الظاهر إلى الأمير بدر الدين حسن بن الأسد يستدعيه إلى خدمته فأجابه إلى ذلك ووصله في جمع كثيف فجهزه نحو الجند حتى أخذها يوم الأحد الثالث والعشرين من ربيع الأول. وكان فيها من قِبَل المجاهد يومئذٍ ابن أخيه قطب الدين أبو بكر بن الملك المظفر حسن بن داود وإبراهيم بن شكر وجماعة من المماليك البحرية فخامرت المماليك ومالوا إلى ابن الأسد وحلفهم للملك الظاهر فحلفوا له فخاف قطب الدين على نفسه فسرى من الجند فأصبح في تعز على موادعة بينه وبين ابن الأسد وأقام ابن الأسد في الجند أياماً قلائل ثم توجه نحو تعز في عسكر جرار من الأكراد والمماليك وغيرهم وواجهه الغياث بن الشيباني من ناحية الدمينة. وكان الغياث بن الشيباني قد وصل إلى الملك الظاهر في خلال ذلك فأكرمه ولأعظمه وحباه بمال جزيل وأمره بالتقدم إلى تعز فحطوا جميعاً على حصن تعز فأقامت المحطة سبعة أيام. فلما كان اليوم السابع ارتفع ابن الأسد منهزماً بعد أن قتل من أصحابهما أكثر من مائة نفر. وكان جملة من قتل من أهل تعز نحو من اثني عشر رجلاً. ولما ارتفعت محطة بن الأسد عن حصن تعز كما ذكرنا توجه نحو الجند وتقدم معه من المماليك نحو من خمسين فارساً وساروا من الجند إلى الظاهر وهو بالدملؤَة فأحسن إليهم وطيب نفوسهم. فلما علم السلطان بذلك انقبض عنهم ولم يطلق لأحد منهم جامكية فتبعوا وطال عليهم الأمر حتى باع كثير منهم عدته وبعض ثيابه فجاهروا السلطان بالقبيح وتكرر منهم القبيح والأذى. فلما كان يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الآخرة صاح الصائح من الحصن بأمر السلطان رحمه الله بإباحة المماليك قتلاً وأسراً ونهباً وأمر السلطان على الزعيم أن يخرج في عسكر تهامة ويحفظوا طريق الجند وطريق الشجرة وأمر إبراهيم بن شكر أيضاً أن يخرج في عسكر تهامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ويحفظوا طريق تهامة وذي هزيم ففعلوا وخرجت على خيولهم فقتل منهم خمسة نفر في الميدان وواحد عند حمام الحاي ولزم منهم جماعة فأطلعوا الحصن إلى السلطان فجلد منهم نفرين الأساوي وآخر وشنق خمسة. فلما كان يوم السابع من الشهر المذكور شنق منهم أيضاً اثنين. وفي يوم الاثنين الرابع عشر شنق منهم اثنين فجميع من قتل وشنق منهم وجلد كلهم ستة عشر رجلاً. ولما خرجت المماليك من تعز ساروا إلى قرية الخوخية فأقاموا فيها أياماً ثم توجهوا نحو زبيدة وكان واليها يومئذ محمد بن طرنطاي وهو أحد أعيانهم فأدخلوا زبيدة بمساعدة بعض أهلها ذلك في غرة شهر رجب من السنة المذكورة فملوكها للظاهر واستولوا عليها. وكان الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر يومئذ في قرية السلامة فطلع إلى السلطان وتقلد له بأن يستعيد له زبيد فحمل له السلطان أربعة أحمال طبلخانة وجهز معه نحواً من خمسمائة فارس وستمائة راجل ونزل معهم الزعيم والمشد ابن العماد فنزلوا بأجمهم وحطوا في بستان المنصورة فيما بين القرتب وزبيد. فخرجت المماليك من زبيد وقصدوهم إلى المنصورة على حين غفلة وقد افترق جمعهم فأنهزم العسكر. ومن جملة من انهزم الزعيم وكان أحمد بن ازدمر غائباً لم يباشر الوقعة وثبت ابن العماد في جماعة من العسكر قتل معظمهم وسلم الباقون واقبل الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر وكان غائباً عن الوقعة فأُخذ أسيراً فدخلوا به زبيد وكانت الواقعة يوم الاثنين الثامن رجب وأقام الأمير نجم الدين أسيراً في زبيد إلى أن توفي آخر شعبان من السنة المذكورة. وفي شهر شعبان المذكور من السنة المذكورة خالف عمر بن الدويدار في لحج وأَبين وسار إلى عدن فحاصرها نحواً من عشرين يوماً حتى أخذها بمساعدة بعض المرتبين من يافع وخطب فيها للظاهر. وكان دخوله عدن لأيام بقين من السنة المذكورة. وكان أمير عدن يومئذ الأمير بدر الدين حسن بن علي الحلبي فقبض عليه ابن الدويدار وبعث به إلى الظاهر وعث به الظاهر إلى السمدان فحبس هنالك. ونزل جعفر بن الأنف من الدملؤة إلى ابن الدويدار فأقام معه في عدن إلى العشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 من شوال ثم طلع إلى الدملؤة بخزانة جيدة وبر كثير. وفي شهر ذي القعدة جهز الظاهر إلى الجند عسكراً مقدمه الأمير بدر الدين محمد بن عمر بن علاء الدين الشهابي ومعه جماعة من البحرية كالقصري وطعشر وغيرهما. وكان وصولهم الجند يوم السابع من ذي القعدة فحاربهم أهل الجند حرباً شديداً فعادوا خائبين إلى قرية العربة فأقاموا بها. وكان في الجند وال كثير الغدر والمكر يقال له ابن حسين كان يأُخذ جامكية من المجاهد وجامكية من الظاهر ولعب بهما معاً. وكان من أسواءَ الولاة حالاً وتصرفاً وأكثرهم خيانة لله وللمسلمين. فلما ارتفعت المحطة عن الجند كما ذكرنا فرق الوالي المذكور ابن حسين على أهل الجند ونواديها إذناً عظيماً فأضرَّ بالناس فعزله السلطان بابن الحجازي وولاه حصن تعز فتشاءم الناس به. وكان معه شفاليت يتغلبون على بيوت الناس وينهبون فكانوا سبب كل قبيح. وفي هذه السنة توفي السلطان الملك المنصور أيوب بن مولانا السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول وكانت وفاته يوم الأربعاء ثاني شهر صفر من السنة المذكورة في دار الأمارة في حصن تعز معتقلاً ودفن في مدرسة والده في مدينة تعز المعروفة بالمظفرية رحمه الله تعالى. وفيها توفي مولانا الملك المسعود تاج الخلافة الحسن بن مولانا السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وكانت وفاته في مدينة حيس يوم الثالث والعشرين من شهر المحرم أول شهور سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وهي السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل يوسف بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن يحيى وكان فقيهاً فاضلاً معروفاً بأمانة والصبر وكان غالب ودائع أهل تلك الناحية إنما تكون عنده عارفاً في فن الفرائض مجوداً ولد سنة سبع وثمانين وستمائة وتوفي في هذه السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي الجدائي نسبة إلى صقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 من الحبشة يقال له جداية بكسر الجيم ودال مهملة وألف بعدها ياءُ مثناة من تحت مفتوحة وآخرها هاءُ. وكان يعرف بالزيلعي اخذ عن ابن زاك بحراز ثم عن الغيثي بوصاب وأخذ عن المقري عدا المذكور أولاً. وكان مجوداً في علم القراءات والنحو وعنه اخذ جماعة. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفضل أبو الحسن علي بن محمد الأصبحي تفقه بالإمام علي بن أحمد الأصبحي تفقهاً جيداً ثم سار إلى زبيد فتفقه ببعض فقهائها. وكان على ذاك يسكن في مدينة زبيد إلى أن توفي بها في السنة المذكورة وقيل بعدها والله اعلم. وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن علي بن جبير. وكان ميلاده في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وستمائة. وكان فقيهاً مجتهداً في بدايته بخاله الفقيه محمد بن أبي بكر الأصبحي ثم بالأمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي ثم بصالح بن عمر البريهي ثم بفقهاء تعز كأبن الصفي وابن النحوي وغيرهما. ثم ارتحل إلى عدن فأدرك بها ابا العباس أحمد ابن علي الحرازي وابا العباس القزويني فأخذ عنهما وأخذ عن التاجر المعروف بالشهاب صقر الكريني ثم عاد إلى بلده. وكانت وفاته في المحرم من السنة المذكورة. وقيل في الحجة من السنة التي قبلها رحمه الله تعالى والله اعلم. وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الحيلوتي نسبة إلى كورة حيلو وهو جبل ببلاد فارس. وكان ميلاده سنة ثمان وأربعين وستمائة في بلد فارسي. وكان فقيهاً عارفاً يعرف كتاب الحاوي معرفة تامة لم يقد اليمن من هو اعرف منه به وصنف على منواله كتاباً اكبر منه سماه بحر الفتاوى. وقدم إلى تعز من طريق الحجاز في سنة سبع عشرة وسبعمائة ولم يكن غرضه الوقوف في اليمن فأجتمع به القاضي يومئذ عمر بن أبي بكر العراف في ذي عدينة فأكرمه وانصفه ولازمه على الوقوف فوقف في المدرسة المؤيدية مدرساً في دار الضيف وصار يتردد للتدريس إلى المؤيدية ثم ضعف فاستناب أبا بكر بن جبريل. ثم حصل بينه وبين ابن الأديب وحشة فعزله عن أسبابه كلها ونسبه إلى صحبة أعدائه. وكان كلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 استخرج خطاً من السلطان بإعادته على أسبابه دافعه ابن الأديب بالكلام. ولما طال انقطاعه استخرج من السلطان الملك المجاهد خطاً بالعود على أسبابه فلم يساعده ابن الأديب فسار إلى عدن في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة فتوفي في الطريق رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو حفص عمر بن عبد الله بن سليمان الكندي نسباً والعتمي بلداً. وكان مولده سنة سبعين وستمائة تقريباً. وكان تفقه بأبي القسم والأصبحي محمد بن أبي بكر وبصالح بن عمر البريهي. وكان إمام مدرسة حسن بن فيرقذ إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن إسماعيل بن مسيح. وكان ميلاده لأربع بقين من رمضان سنة اثنين وتسعمائة. كيوسف بن عبد الملك. وكان معروفاً بجودة الفقه ودرس مع بني بطال مدة ونظر في كتبهم وانتفع بها انتفاعاً جيداً. وكانت وفاته على الطريق المرضي في مستهل القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن الفقيه عمر بن الهيثم المشهور. وكان ذا فضل ودين ومعرفة بالفقه. وامتحن بالعمى في آخر عمره. وقتله أهل الفساد في شهر شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين بن أبى السعود الهمداني. وكان ميلاده ليلة الأحد الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وستمائة تفقه بالفقيه صالح بن عمر ورزق بصيرة في العلم وزهداً في الدنيا وتوفيقاً في الدين واليه أشار أهل بلده بل آهل عصره في الدين والصلاح ويذكرون له كرمات لا تحصى تدل على خيره وفضله وغالب اشتغاله بالفقه مع كمال العبادة. وكان يزوره العلماء والفقهاء وأرباب الدولة في زمانه ويتبركون به. وكان كثير الورع وإطعام الطعام آلي أن توفي على الطريقة المرضية يوم الخميس من شهر شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وفيها توفي الطوشي الأجل أبو السعود شهاب الدين صلاح بن عبد الله المؤيدي. وكان خادماً حازماً يقضاً ذا رئاسة وكرم نفس. وكان زمام الملك المؤيد ثم جعله زماماً لام ولده الملك المجاهد فشهرت به فما تعرف إلا بجهة صلاح. وكانت وفاته يوم الثاني والعشرين من رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عمران موسى بن الحسين الحميري. وكان فقيهاً فاضلاً ذا عبادة عالية وورع كامل. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي القاضي شرف الدين أبو القاسم حسان بن الفقيه اسعد بن الفقيه محمد بن موسى العمراني وزير الملك الأشراف عمر بن يوسف بن علي بن رسول. وكان أحد أعيان زمانه فضلاً ورئاسة ونبلاً. ونكب هو وأهله في الدولة المويدية وجرى عليهم من المصادرة والهتك ما قد شهر وذكر. ولم يزل في خمول آلي أن توفي السلطان الملك المؤيد رحمة الله عليه وعليهم أجمعين. فلما تولى السلطنة ولده السلطان الملك المجاهد عطف عليهم وأعادهم آلي مما كنهم وأجرى عليهم جريات سنية إلى أن توفي القاضي المذكور. وكانت وفاته يوم الحادي عشر من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وعشرين اقتتل أجناد الحصن والشفاليت الذين هم مع ابن حسين الأمير في الحصن وكانوا اكثر من الأجناد أضعافاً مضاعفة فاستعاذت الأجناد بأهل المغربة واستعاذ أهل المعربة بأهل صبر أيضاً. فكان الشفاليت ومن في الحصن يداً واحدة وكان أهل المعربة وأهل صبر يداً واحدة وتطاولت الحرب بينهم فكتب بعض أهل تعز إلى المماليك الذين في زبيد يخبرهم بأن الحرب بين العسكر وأهل المدينة فخرجت المماليك من زبيد إلى تعز فوصلوا تعز يوم الثالث من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فحطوا ما بين الأجناد والسائلة ولم يحصل منهم على أحد غيار. وفي هذا التاريخ نزل الملك المفضل وأخوه الملك الفائز أبناء الملك المظفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 حسن بن داود بن يوسف بن عمر وتوجهوا نحو تهامة فيمن معهما مغاضبين لعمهما السلطان الملك المجاهد لما انقطعا من الإقطاع والجا مكية فأقاموا في قرية السلام ثم انتقلوا إلى بيت الفقيه ابن عجيل فلما كان يوم الأحد الحادي والعشرين من ربيع الأول قدم عمر بن تاليال العلي الدويدار آلي تعز بعد أن نهب الجند نهباً شديداً فحط على الجبل في موضع المدرستين المجاهدين والأفضلية. وكان قد أرسل إلى عدن من يطلع المنجنيق فاطلعوا بعض أخشابه في البحر إلى موزع وبعضها في البر رقاب فلما وصلوا به ركبوه ورموا به عدة أحجار فلم يؤثر شيئا فأرسلوا إلى من يأتيهم بمنجنيق آخر فأرسل لهم الظاهر به صحبة الافتخار ياقوت. وفي هذا التاريخ ظهر لمولانا السلطان من ابن حسين ما كان يستره من المكر والنفاق فأخرجه من الحصن إخراجاً جميلاً. وكان الغياث بن نور مع السلطان في الحصن وكان بمكانة عنده فخادع السلطان وخرج من الحصن أيضاً وتقدم إلى الظاهر في الدملوة فحلف له أنه ناصح مجتهد فصدره الظاهر صحبة المنجنيق فكان له من الاجتهاد ما يدل على خبث أصله لأنه قابل السلطان بالقبيح البليغ الذي لا سبب له ولا سابقة توجبه. فكان يرمي إلى الحصن في كل يوم بأربعين رجلاً. قال علي بن حسن الخز رجي وحدثني حسين بن عبد الله بن منصور قال حدثني حسن بن موسى بن بعلان عن جارية يقال لها نخبة بنون مضمومة وخاء معجمه ساكنة وباء موحدة بعدها التاء تأنيث من جوالي موالينا جهة صلاح والدة السلطان الملك المجاهد. وكانت ممن في الحصن أيام الحصار قالت لقد اشتد علينا الحصار يومئذ وكان مولانا السلطان الملك المجاهد رحمه الله ينتقل في يومه وليلته إلى عدة مواضيع. ولقد اذكر عشية من العشايا وقد قربنا لمولانا السلطان ظهوره فتوضأ وفرغ ونحن عنده في موضع من الحصن ووالدته بالقرب منه واقفه في موضع وإذا بجدار من جدار الحصن قد انشق فخرج منه غلام تام الخلقة وله دبوقة إلى آخر ظهره فأكب على مولانا السلطان فاعتنقه وحمله بسرعة من ذلك الموضع الذي كان قاعداً فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 إلى موضع آخر ففزعنا جميعنا جميعاً وطارت عقولنا مما رأينا فلما وضعه في الموضع الذي وضعه فيه وقع حجر من حجارة المنجنيق في الموضع الذي كان فيه قاعداً لم يمل عنه يميناً ولا شمالاً فلما وقع الحجر في ذلك الموضع وأتلفه قال مولانا السلطان لذلك الرجل من أنت يا أخي الذي من الله بك علي. فقال أنا والله أخوك حقيقة وأبى والله وأبوك داود المؤيد وأمي الجارية فلانة ولكني أخذت من بطن أمي فربيت مع الجن حتى صرت كما ترى. ولما رأيت أن هذا الحجر قاتلك لا محالة حملتك عن ذلك الموضع محبة لك وشفقة عليك واعلم يا أخي أنى قد أنفقت أنا وصاحب الحصن بصيبص أن نقاتل معك في اليوم الفلاني فاجمع من معك لذلك اليوم فأنا سنبلغ ما نريد من نصرك واستودعك الله ومضى. فدخل في الموضوع الذي خرج منه ثم أقبلت والدته موالينا جهة صلاح رحمة الله عليها وهي طائرة العقل على ابنها فلما وصلت إليه جلست عنده تستخره عن ذلك الرجل وما كان منه فاخبرها بما قال ثم سألها عن الجارية فقالت صدق والله ولقد كانت حاملاً لأبيك حتى أشرفت على الولادة فأصبحت يوماً من الأيام وقد مسح ولدها من بطنها وكأنها لم تكن حاملاً ولم يظهر لحملها اثر بعد ذلك وعاشت بعد ذلك مدة وهلكت. ولما كان اليوم الذي وعده فيه بنصرته جمع السلطان أصحابه وخرجوا للقتال فأثروا فيهم أثراً ظاهراً على قلتهم وكثرة العدو. وما هو ألا بقتال قوم آخرين والله اعلم. ولما كان يوم العاشر من شوال هم المماليك برفع المحطة ونزول البهائم فتعب من ذلك ابن الدويدار فاجتمع بهم وفتح عليهم الرأي فقالوا نحن بلا جامكية فأعطاهم ألف دينار فاقتسموا الألف وأقاموا. وفي هذا التاريخ قصدت المعازبة القحمة وأخربوها وكانت إقطاع الشريف داود بن قاسم بن حمزة فلما بلغه الخبر بخرابها نزل ونزل معه جماعة من المماليك مغيرين فقتلوا من المعازبة طائفة وتراجعت القحمة وابتنى الناس بيوتهم فيها فأصلحوا مساكنهم. وفي هذا التاريخ اقبل الزعيم في العساكر من أصحاب صعدة والأكراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 أصحاب ذمار من بني السوغ وبني الأسد وبني علاء الدين واشرف المخلاف السليماني فعيدوا عيد الأضحى في المحالب. وكان ابن طرنطاي قد نزل إلى حيس واستناب السنبلي على المحطة. فلما علم المماليك بوصول الزعيم والعساكر التي معه اجتمعوا في الكد راء واقام الأشراف في المهجم أياماً قلائل ثم توجهوا نحو الكد راء فلقيتهم المماليك في الوادي المسمى جاحف. فكان يوم جاحف المشهور كانت الأشراف ومن نحوا من ألف وثلاثمائة فارس ونحوا من ألف راجل فاقتتلوا قتالاً شديداً وكان يوماً من الأيام المشهورة فقتل فيه من كل طائفة طائفة وانهزم المماليك هزيمة شنيعة بعد أن قاتلوا قتالاً شديداً وتضعضع صف الأشراف لولا ثبات علي بن موسى وقوله للأشراف إلى أين المهرب. وكانت الواقعة في النصف الأخير من ذي الحجة من السنة المذكورة. فقتل من الأعيان المماليك أيلبه والسراجي وأزبك الصارمي ولظينا المحمودي ويقال أنه كان أشجع من المماليك كلهم وأسر من أعيانهم الأقصري والصارم بن ميكائيل وابن الريا حي. وكان القصري من شجعانهم أيضاً فوقف به فرسه يومئذ وأسروهم الأشراف بقتله فمنع عنه الشريف علي بن موسى وقال مثل هذا لا يقتل ولو كان في أصحابه عشرون رجلاً مثله ما قمنا في وجوههم ساعة واحدة. وأما المحمودي فإنه قاتل قتالا شديداً فأصيب في يده اليمنى بضربة فبطلت عن الحركة فلما وقعت الهزيمة خرج على وجهه فوقع في بلد المعازبة وكان قد قتل في كل قبيلة من الغزب فلما عرفوه قتلوه. ولما رجع المماليك إلى زبيد بعد الهزيمة أطلق الإشراف القصري بولد ابن علاء الدين وكان المماليك قد حبسوه في زبيد. ولما بلغ الخبر إلى تعز بهزيمة المماليك في جاحف. وكان منهم طائفة في محطة الدور يدار فلم يستقر لهم قرار ارتفعوا من المحطة وتركوا ابن الدويدار فلم يستقر له قرار له بعدهم. وكان مستأنساً بالمماليك فارتفع في آخر ليلته وكان ارتعاعهم جميعاً ليلة العشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة. فلما ارتفعت المحطة عن تعز رجع جماعة إلى السلطان منهم الغياث بن نور فقابله السلطان بالقبول وسار بن الدويدار ومن معه إلى لحج فأقام بها أياماً يجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 العساكر بعدن يريدها لنفسه على كره من الظاهر وغيره وفي هذه السنة توفيت الجهة الكريمة ماء السماء ابنة السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن علي بن رسول وأمها بنت أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. وكانت من أخير الواتين كثيرة الشفقة والإحسان إلى ألا هلها وغيرهم وكان لها من الآثار المثبتة للذكر المدرسة التي في مدينة زبيد المعروفة بالواثقة لبيت أخيها الملك الواثق جعلت فيها إماما ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً وطلبة يقرؤون العلم ووقفت عليهم من أملاكها ما يقوم بكفايتهم. وكانت وفاتها في قرية التربية قرية من قرى وادي زبيد معروفة يوم السادس من شعبان من السنة المذكورة ودفنت عند الشيخ الصالح عيسى الهمار رحمه الله عليهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد أبا حسان الحضري الشامي. وكان قدم زبيد وهو ابن أربعين سنة. وتفقه في أبيات حسين ثم سافر إلى مكة المشرفة فأدرك ابن السبعين واخذ عن أصحابه. وكانت له يد في التصوف وفي النحو والحديث وصنف فيها وكان ورعاً زاهداً عابداً صحب الفقيه إسماعيل الحضرمي وجماعة من أصحاب أبى الغيث بن جميل وابن عجيل. وتوفي على ذلك وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمة الله عليه بعد جاوز عمره مائة سنة لم يتغير له سمع ولا بصر ولا ذهن وتوفي عن عدة بنات وولد ذكر فتوفي الولد بعد أبيه بمدة يسيرة. وكان وفاته في سنة سبع وعشرين وسبعمائة ولم يكن له من الذكور ألا هذا بعده كما ذكرنا رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل إسماعيل بن أحمد بن علي بن محمد بن سليمان المسلى نسبا الخلي بلدا نسبة إلى قرية بحجر تعرف بخلة بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام قبل هاء التأنيث وكان فقيهاً مبارك متفنناً أولا بعمه ثم بمحمد بن أبي بكر أبى ألا صبحي ثم بالإمام علي بن أحمد ألا صبحي ثم بابن الرسول وأخذ عن صالح بن عمر وغيره وليس في تلك الجبال التي في شرقي الجند فقيه معروف بالفقه والتحقيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 غيره وكانت وفاته يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الأمام أبو العباس أحمد بن بكر بن إبراهيم الرسول المخزمي بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الزاي وكسر الميم وآخره ياء نسب نسبة إلى قوم يقال لهم المخازمة وهم بطن من كنده وكان مولده في سنة ست وثلاثين وستمائة وتفقه في بدايته بزريبع ثم ارتحل إلى الضحى فأخذ عن الأمام إسماعيل بن محمد الحضرمي وعليه أكمل التفقه وهو أصحابه معرفة للفقه وغزارة في النقل وقد قيل أنه أخذ عن الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل وكان عارفاً بالفقه والحديث والتفسير زاهداً مبارك التدريس أخذ عنه جمع الكثير من نواح شتى منهم الإمام علي بن أحمد ألا صبحي وصالح بن عمر البر يهي وعبد الله بن سلم وسلمان بن محمد الصوفي وإسماعيل بن أحمد الحلي ومحمد الحرف ومحمد بن أحمد أبا مسلمة وولده ومحمد بن علي ألا حوري ومات طالباً سنة تسع وتسعين وستمائة. ومحمد بن أحمد السبتي الشجري. ومحمد بن يعقوب من لحج من بني الحميدي وغرتهم وما من هؤلاء ألا من رأس ودرس وامتحن بالعمى في آخر عمره وكان يقرئ في بيته وله كرمات ظاهرة وكان وفاته يوم الثاني والعشرين من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وعنه اخذ ولداه محمد وأبو بكر وتفقها وتوفي محمد في سنة تسع وسبعمائة وتوفي أبو بكر بعد أبيه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة الأتي ذكرها أن شاء الله تعالى. وفي هذه السنة المذكورة توفي الفقيه الفاضل أبو علي الحسين بن عمر ابن علي بن الفقيه عثمان بن حسين وكان فقيها عارفاً متورعاً فطناً ذكياً توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وعشرين وسبعمائة سار ابن الدور يدار من لحج إلى عدن وكان خروجه أليها في صفر من السنة المذكورة فحاصر أهلها حصاراً شديداً. فخودع بالصلح وكان ذلك بإشارة من الملم المجاهد إلى والى عدن وهو ابن الصليحي سراً وكان يظهر له انه طاهري وجماعة من الغر بني خليل والجمال الحصى وغيرهم فأصغى ابن ألد ويدار إلى الصلح ومراده أيضاً الغدر بهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 فلما اصطلحوا وتم الصلح خارج الباب قال للوالي أنى أريد الدخول إلى الدينة فقال له لا يا مولانا البلد بلدك. ولكن المصلحة أن تدخل في جماعة من العقلاء ممن تشويش على الناس فدخل في جماعة من أصحابه فأمسى وأمسي بشرب في خواصه. فلما دخل الحمام فقعد في مخلعة فقال له بعض أصحابه يا مولانا أخذت هذه البلدة للظاهر أو للمجاهد فلم يجيبه فكرر عليه السؤال فهز رأسه وكان عنده حينئذ جاندار يقال له المياح قد فهم مراده فقال هذا الظاهر وهذا المجاهد وهو يشير إليه فتبسم فنقل ذلك الكلام إلى الوالي فجمع الوالي جماعة من أصحابه وهجم عليه فامسكه وقيده ثم قتله. وكان قتله يوم السابع من شهر ربيع الأول وكان أخوه في المحطة في بقية العسكر خارج البلد فصاح الصائح إلى أهل المحطة يخبرهم بقتله فخرج أهلها منها هاربين ولحق أخوه بالحصن الذي قد بناه المعروف بمنيف فأقام فيه أياماً قلائل فآخذته بطنه فهلك ولما قتل ابن الدويدار كما ذكرنا جهز ابن الصليحي عسكراً إلى لحج فقبضها ثم أن أخا ابن الدويدار كتب إلى الطاهر يستمده فأمده بابن وهيب والركن ابن الفخر وجماعة من الخيل والرجل فوصل بهم إلى الزعازع فخرج ربيع بن الصليحي وابن عمه جعفر وغيرهما ومن المعسكر فخذلهم الجحافل وباعوهم فقاتلوا حتى قتلوا ولمل نزلت المماليك ومن معهم من المحطة كما ذكرنا أقاموا في قرية السلامة أياماً ثم توجهوا إلى زبيد فلما دخلوا المدينة قصدوا بيت القصري وهجموا عليه بيته فارتاب منهم ورجب وقال ما ترسمون يا حاسكية فقالوا تخرج عن زبيد فأنت صاحب إقطاع وقد رسم مولانا السلطان الملك الظاهر أن الشهابي يكون والي البلد وطريطبة الهمداني مشدها وبهادر الصقري مشد المشدين. وكان الصقري يومئذ في زبيد فحين علم بوصولهم ركب إليهم إلى بيت القصري فلما وصل إليهم رحب بهم خصوصاً وعموماً وقال للقصري ما قالوا لك لاحقا فقال السمع والطاعة واوجدهم التجهز والخروج فلما افترق جميعهم ذلك استدعى القصري بأعيان العوار ين من أهل زبيد ووعدهم بتسليم أربعة آلاف دينار على انهم يلزموا له الصقري والشهابي والهمداني والشريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 داود بن قاسم بن حمزة فقصدوهم إلى بيوتهم فامتنعوا على أنفسهم وتركوا خيلهم وخرجوا ونهب العوار ين بيوت المماليك يوم الخميس وليلة الجمعة نهباً شنيعاً. فلما كان يوم الجمعة اجتمع العوار ين كلهم وقصدوا بيت القصري وطلبوا منه المال الذي وعدهم به أربعة آلاف دينار. وكان عنده حينئذ الشريف داود بن قاسم بن حمزة والسنبلي فقالوا ما يكفي هؤلاء ما قد نهبوه من بيوتنا وبيوت أصحابنا وسائر العسكر فطردهم القصري وهددهم ووبخهم فلما سمعوا ذلك منه صاحوا عليه صيحة واحدة. وداروا حول بيته وأمطروا عليه وعلى من معه الحجارة من كل ناحية فاغلق باب بيته دونهم وقاتلهم غلمانه ساعة من النهار. ثم ركبوا عليه البيت من قفاه فلما أحس بهم ركب حصانه وركب معه أصحابه وغلمانه وأخذوا سلاحهم وخرجوا قاصدين لباب الشبارق بعد أن قاتلوا قتالاً شديداً فنهب العوار ين بيت القصري وكان فيه مال جزيل. قال علي بن الحسن الخز رجي وحدثني والدي رحمه الله قال بينما الناس يوم الجمعة في مسجد الجامع بزبيد إذا قبل جماعة من العوار ين والخطيب على المنبر وكان فيهم شخص يقال له القعموص وكان من شياطينهم وشجعانهم. فقال للخطيب يا فقيه اخطب للملك المجاهد. فقال له الخطيب ما أمرنا بهذا أحد قال وانظر إلى هذه الحربة في يدي والله لئن قال أحد غير هذا القول لأجعلن هذه الحربة فيه ووقف هو وأصحابه عند المنبر يسمعون الخطيب حتى خطب باسم السلطان الملك المجاهد. وكان ذلك يوم الجمعة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فلم يخطب بعد ذلك للظاهر على منبر من منابر تهامة. وفي هذا التاريخ وصل شمس الدين الملك المفضل وأخوه الفائز قطب الدين من بيت الفقيه بن عجيل فدخلا زبيد لما صارت لعمهما الملك المجاهد فأقاموا ولما خرجت المماليك من زبيد على صفة ما ذكرنا اجتمعوا في حيس وتقدم أعيانهم إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 الملك الناصر محمد بن الملك الأشراف وكان يومئذ في قرية السلامة فلما اجتمعوا به لازموه على القيام بالملك. ووعدهم من أنفسهم بالطاعة على ما يجب فسار معهم إلى زبيد يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأول فحطوا في البستان الشرقي على باب الشبارق ومعهم نحو من سبعين فارسا فجرى بينه وبين أهل زبيد قتال شديد ساعة من نهار ثم انتقل الناصر إلى قرية التربية فأقام فيها نحوا من شهر يجبي أموالها ووصل إليه ابن علاء الدين وابن الأسد وغيرهما من الأمراء فحلفوا له على الطاعة فجمع عسكر وقصده زبيد فخرج إليه شمس الدين المفضل وجماعة من العسكر إلى فشال فاقتتلوا هنالك فانهزم شمس الدين المفضل وقتل جماعة من أصحابه ثم سار الناصر إلى زبيد فحط في قرية التربية ثم زحف إلى زبيد فخرج إليه العوار ين فقاتلوه قتالاً شديداً فاستأجرهم العسكر ساعة ثم عطفوا عليهم فقتلوا منهم نحوا من عشرين رجلاً ورجع الناصر ومن معه إلى فشال فكتب آهل زبيد إلى السلطان الملك المجاهد وسألوه أن يرسل إليهم وليا يحفظ المدينة وعسكرا فأرسل حسين بن علي بن حسين والياً وأرسل من العسكر ناساً بعد ناس فيهم الغياث بن نوز وعبد النبي بن السودي وبيدرة. وطعشر وإبراهيم بن فيروز. فاجتمع في زبيد نحو من مائتي فارس. وفي هذا التاريخ كتب الصقري إلى مولانا السلطان الملك المجاهد رحمه الله يطلب منه ذمة شاملة فأجيب إلى ما طلب فقدم على مولانا السلطان في آخر شهر ربيع الآخر فانزل في بيت نوز وحمل له السلطان خمسة أحمال طبلخانه وخمسة أعلام وأقطعه مدينة حيس. وفي سلخ شهر ربيع الآخر أحرقت قرابة السلامة إحراقاً عظيماً وهلك في الحريق نحو من خمسين نفساً من الآدميين خارجاً عن أصناف الدواب وذهب فيه من الأموال ملا ينحصر وكان معظم أموال الناس فيها. وفي يوم العشرين من جمادى الأول قدم ابن السوع من بلاده ذمار إلى مدينة الجند فأقام فيها يومين أو ثلاثة ثم جاءه من السلطان طلب حثيث وأرسل له بكسوة إلى الجند. وأمر أعيان العسكر بلقائه ودخل على السلطان فكساه كسوة ثانية. وحمل له يوم الجمعة الخامس من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 جمادى الآخر أربعة أحمال طبلخانة وأربعة أعلام. ثم خرج السلطان بعد صلاة من يوم الجمعة المذكورة يريد الجوة وجمع من الخيل والرجال فدخل الجوة يوم السبت سادس الشهر المذكور والغب في ميدانها وفي رجوع السلطان من الجوة نهب العسكر أم قريش قرية بني مسلمة. وكان قد بلغ السلطان انهم محبون للظاهر. وكان دخول السلطان تعز يوم الأحد السابع من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ وصل جماعة من أهل زبيد إلى السلطان الملك المجاهد فدخلوا عليه وقبلوا قدميه وسألوه أن ينزل إليهم إلى مدينة زبيد وعرفوه انه أن نزل زبيد فلا يقابله أحد إلا بالسمع والطاعة وان لم ينزل فلا بلاد له ولا للظاهر فعزم على النزول تهامة. فكان تقدمه إلى زبيد يوم الأربعاء العاشر من الشهر المذكور وكانت طريقة على بلاد المغلسي في وادي نخله فدخل السلامة صبح يوم الخميس حادي عشر الشهر المذكور فأمر من فوره من صاح بالأمان لكافة الناس فوصله غالب من فيها من الجند كعباس بن عبد الجليل ونوز بن حسين بن نوز وغيرهما فانم على الجميع وتقدم تحت ركابه السعيد إلى زبيد ولم يتأخر عنه ألا السنبلي والشهابي فانهما سألاه أن يفسح لهما ليحجا إلى مكة المشرفة ففسح لهما عن طيبة ثم سار إلى زبيد فكان دخوله إلى زبيد يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر المذكور فحط في البستان الشرقي المشهور بحائط لبيق وحصلت المكاتبة والمراسلة بينه وبين أعيان العسكر. وكان الملك الناصر والعسكر جميعاً في محل زريق وهم جمع كثير وجم غفير وفي ظنهم أن السلطان لا ينزل من الحصن أبداً فلما كان يوم الاثنين الخامس عشر من السنة المذكورة قصدهم السلطان فخرج من زبيد آخر النهار فأمسى رحمه الله في محل القلقل واصبح يوم الثلاثاء سائرا إلى النخل فأرسل الملك الناصر رسلا يحققون له الخبر فوقفوا له في أثناء الطريق لينظروه من بين الأشجار فلما عرفوه وتحققوه عادوا إلى محطتهم وأخبروا الناصر وأصحابه بذلك فانحلت عزائمهم وافترقت كلمتهم وارتفعت محطتهم فتقدم الناصر والأشراف بين الواثق وابن طرنطاي وعدة منم المماليك إلى قرية السلامة. ولما وصل السلطان إلى النخل أقام في الدار إلى صلاة الظهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 ووصل الأمير عز الدين قتادة يسأْل ذمةً لولد بن علاء الدين ولبقية العسكر فأَذم عليهم السلطان وسألهم عن الناصر وابن طرنطاي فقالوا لا نعلم أين توجهوا. فركب السلطان لفوره ورجع إلى زبيد فوصله الفقيه علي بن أبي بكر الزيلعي صاحب قرية السلامة ووصل معه الفقيه علي بن نوح واجتمعا بالسلطان. وشاع الخبر أن الناصر في قرية السلامة فجهز السلطان ولد أخيه المفضل في قطعة من العسكر وجماعة من العوارين فقصدوا السلامة صبح يوم الخميس الثامن عشر فأحاطوا بيت الفقيه ودخل المفضل بيت الفقيه في جماعة فقبض الناصر بن الأشرف والأشرف بن الواثق وابن طرنطاي وخرج بهم يوم الخميس المذكور إلى حيس فلما صاروا قريباً من حيس عطف بهم نحو تعز. وسار فيمن معه من العسكر فدخل بهم تعز صبح يوم السبت العشرين من الشهر المذكور. وقد قيدوا من الحبيل وتلقاهم أهل تعز فكان أوباشهم يسبونهم ويؤذونهم ولولا مدافعة المفضل عنهم لأتوا على ابن طرنطاي. فلما أتوا بهم تعز جعل الناصر وأبن عمه في برج الرماد وجعل ابن طرنطاي في سجن العامة. فأقام الملك الناصر في السجن إلى أن توفي ليلة الخميس عشرة شهر رجب من السنة المذكورة وقبر يوم الخميس مع والده في المدرسة الأشرفية في معزية تعز. وفي نزول السلطان من تعز إلى زبيد وتقدمه إلى النخل ولزم المذكورين يقول الفقيه جمال الدين محمد بن منصور العامري رحمه الله تعالى وعرض يحدو به راعد ... يحن في الجو حنين اللقاح يسوقه البرق بأسواطه ... إذا ونى مال عليه وصاح وفيها يقول لما تلاقينا وقد أثمرت ... بالموت أطراف غصون الرماح وللمنايا سحب ماؤُها ... يجري على حد متون الصفاح سالت نفوس بين حد الظبا ... كالماء يجري بين خضر البطاح ومضمرات الخيل كرّاتها ... كرّات صب مبتلى بالملاح فأقبلت خضرا يمانّية ... عجاجها بالمسك والند فاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 سبقته تحمل أثقالها ... تمشي رويداً مثل مشي الرداح بلا ولي أنكحت نفسها ... لا ينكح الهيجاء إلا سفاح ملاحها لا يشتهي وصلهم ... وربَّ وصل فيه حتف متاح وهي قصيدة طويلة لم اظفر منها إلا بهذا القدر قال الجندي وفي هذا التاريخ وصل المبشرون إلى السلطان بوصول الغارة إليه من الديار المصرية فوقف السلطان رحمه اله لهم في مدينة زبيد حتى قدموا عليه. وكان وصولهم زبيد يوم الأحد السابع عشر من شهر رجب من السنة المذكورة. وكانوا ألفي فارس وألف راحلة فيهم أربعة أمراء والمعول على أميرين منهم وهما الأمير سيف الدين بيبرس والأمير جمال الدين طيلان وكان معهم اثنان وعشرون ألف جمل يحمل عددهم وأزوادهم فلما أشرفوا على المدينة خرج السلطان في لقائهم إلى الفوز الكبير في عسكره وخاصته. فلما دنا منهم ودنوا منه ترجلوا له وقبلوا الأرض بين يديه وساروا في خدمته ساعة وقد أمروا القراشين أن يضربوا خمة هنالك فمالوا إليها وسألوه المصير إليها معهم فساروا إلى الخيمة فدخلوها ودخل السلطان معهم فأخرجوا صندوقاً فيه عمامة بعدبتين وخلعة فاخرة فألبسوه الخلعة والعمامة ثم ركبوا بأجمعهم وركب السلطان وساروا جميعاً في خدمته حتى حطوا على باب الشبارق خلف المدينة من الناحية الشرقية. فأقاموا أياماً قلائل ثم تقدم السلطان إلى تعز في معظم عسكره وبعض العسكر المصري إذ لا يسعهم الطريق إذا ساروا دفعة واحدة. فكان دخول السلطان تعز يوم الخامس والعشرين. من الشهر المذكور. وخرج في العسكر المصري من زبيد متوجهين إلى تعز فلما وصلوا تعز عاثوا فيها وفي نواحيها وانتشروا إلى الجند ونواحيها من الجهة الشرقية وبلغوا من الجهة اليمنية حدير ومن ناحية القبلة سهفنة وكانوا لا يجدون طعاماً إلا أخذوه ببخس الثمن وانتهبوا بيوتاً كثيرة في هذه النواحي حتى عدم فيها الطعام وصار لا يجلب إلا من البعد. وارتفع السعر وضاقت البلاد على أهلها ضيقاً شديداً وضربوا كثيراً من الناس حتى قتلوهم تحت الضرب الشديد. ونهبوا قرية عقافة وسبوا حريمها وباعوهم كما يباع الرقيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وقطعوا جميع الزرع في مدينة تعز ونواحيها. وفي مدة إقامتهم في تعز أرسلوا جماعة منهم إلى الظاهر صاحب الدملؤة فأقاموا عنده نحواً من ثمانية أيام فيقال انه اخرج لهم مناشير قد كتبت له انه اصلح من المجاهد وأعطاهم ذهباً كثيراً وحرضهم على قبض الملك المجاهد فأجابوه إلى ذلك ووعدهم من نفسه بمال عظيم. فلما رجعوا إلى تعز عزموا على ما أمرهم به فوصلوا الشجرة بأجمعهم ووقفوا بأجمعهم على باب السلطان واستأذنوا عليه فاعتذر عن مواجهتهم بأنه في الحمام وخرج من باب السر وطلع الحصن من فوره. وكتب إلى مقدميهم أن قد بلغ شكركما وهذا خطنا بأيديكم يشهد بوصولكما وانقضاء الحاجة بكما ثم لم يكادوا يلبثوا بل قصدوا صبر من ناحية عيدان فقاتلهم أهلها وقتلوا منهم نحواً من أربعين رجلاً ورجعوا مكسورين فقبضوا الصقري ووسطوه وسحبوه ثم علقوه على أثلة في سوق الرعد. ثم قبضوا الغياث بن نور وأقاموا إلى ثلاثة أيام في شعبان وتجهزوا للسفر وساروا بالغياث بن النور تحت حفظهم فراجعهم السلطان فيه وبذل لهم مالاً جزيلاً لغرض له فيه فلم يفعلوا ورجعوا في طريقهم الذي جاءوا فيها فنهبوا تهامة نهباً شنيعاً. ولما وصلوا زبيد حيل بينهم وبين دخولها فحطوا خارجها وكان أميرها يومئذ شجاع نجم الدين محمد الحريري وكان السلطان قد ولاه لما تحقق خيانة بن حسين فأمر بلزمه وإيداعه السجن. ولما صار العسكر المصري في حرض وسطوا الغياث بن نور وكانوا قد ساروا به مقيداً في عنقه وكان السلطان رحمه الله قد الزم الزعيم أن يسعى في فكاك الغياث بن النور من أيدي المصريين ولو بنصف خراج اليمن فتبعهم الزعيم وكاتبهم فيه فيقال أنه كان السبب في هلاكه وأنه أغراهم به حتى وسطوه وذلك لئلا يزاحمه في المرتبة والقرب من السلطان ثم سار العسكر المصري متوجهين إلى الشام ولما فصل العسكر المصري من تعز أول شعبان كما ذكرنا خرج السلطان بعد مسيرهم يريد الجند فحط في الحوبان ثم تقدم من الحوبان فحط في قاعها ثم سار فبات في الرجامية ولم يزل سائراً حتى اصبح في لحج فوصل إليه بن ناصر الدين بمائتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 فارس ثم تقدم الزعازع فأتاه علي بن الدويدار بمائتي فارس ومائة راجل فخلع عليه السلطان وعلى بن المعز وعلى جماعة من الجحافل وكان ذلك ليلة النصف من شعبان. فلما اجتمع الناس للصلاة حضر معهم السلطان وصلى مع الناس في الجامع ثم ركب آخر ليلته يريد عدن وخرج معه سائر العسكر فحط في مسجد المياه يومين ثم أمر العسكر بالزحف على أهل عدن فزحفوا وقاتلوا فخرج من عدن عسكر لم يكن بالذي فقتل ثلاثة من الشفاليت فتشوش السلطان من العسكر الواصل لكونهم لم ينصحوا وربما أنهم هّموا فيه بسوء فأمر بلزم بن الدويدار وابنه وابن أخيه وأستاذ داره الملقب بالمعز وآخر يعرف بابن بلتوت وأمر بتقييدهم والاحتفاظ بهم ثم قبض السلطان حصن ابن الدويدار المسمى عزاف واستولى على ما فيه وهو قريب من الشحر وأقام السلطان في المحطة على باب. عدن سبعة أيام ثم انتقل إلى الأحبة فحط في البستان فأقام فيها ثمانية أيام ثم حصل في المحطة اضطرب فأرتحل السلطان يريد زبيد على طريق الساحل فلما بلغ السلطان الغرة أمر بتغريق ابن تركوث فغرق هنالك. وكان دخول السلطان زبيد في أثناء شهر رمضان فاستقر في زبيد. وطلع الطواشي حصير من زبيد إلى تعز فأنزل آلة العيد الطبلخانة وغيرها. وطلع في صحبته بخزانة جيدة وطلع بمرسوم من السلطان فشنق ابن طرنطاي يوم الأربعاء السابع عشر من شهر رمضان المذكور في موضع محطته يوم كان محاصراً للسلطان فم يزل مشنوقاً هنالك إلى يوم الاثنين والعشرين منه ثم أنزل وقبر بعد أن أكلت منه الكلاب. ولما عيّد السلطان عيد الفطر في زبيد خرج من زبيد يريد بلد المعازبة في شوال فخربها وأحرقها واستولى عليها ونهب العسكر بلادهم نهباً شديداً وقتل منهم جماعة ومات علي ابن الدويدار في فشال ومات المعز أستاذ داره في نخل المدني والسلطان يومئذ حاط هناك وقد أمر بقطع النخل لما كثر فسادهم. وفي هذا التاريخ وصل الزعيم من الجهات الشامية فواجهه في فشال راجعاً من بلاد المعازبة فسار في خدمته إلى زبيد ولما دخل السلطان راجعاً من بلاد المعازبة قبض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 أبا بكر بن إسرائيل في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة. ولما استقر السلطان في زبيد اقطع بن شكر حيس واقطع الملك المفضل المهجم فتقدم إليها فلما مرَّ بالكدراء وهو سائر إلى المهجم لقي ابن حسين وكان واليها فقبضه قبضة شنيعة بأمر السلطان وضربه ضرباً مبرحاً. ثم تقدم إلى المهجم صحبته فلم يزل يعذبه بأنواع. العذاب كما كان يفعل بالناس. ثم بعد ذلك أمر به فوسط وقطع رأسه وطيف به قال الجندي فما رأيت ولا سمعت في عصرنا بأخبث منه سيرة في دينه ودنياه. ولما كان يوم الخامس عشر من ذي القعدة تقدم القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن إلى الديار المصرية بهدية سنية وكان مسيرها في البحر من ساحل زبيد. وسار ابن مؤمن بنفسه في البر إلى ساحل الحادث فركب من هنالك وساروا. ولما وصل الزعيم إلى السلطان كما ذكرنا كان هو الغالب على أمر السلطان ولا سيما في الجهات الشامية قال الجندي وحدثني الثقة إنه أحدث فيها عدة من الحوادث الرديئة وتصرف فيها تصرف المالك وأبطل صدقات الملوك من مسامحات الفقهاء وأرباب المناصب كبني الحضرمي وبني أبي الخل وغيّر على كثير من الناس فغيّر الله عليه. ومن أعظم الذنوب الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. وفي هذه توفي الفقيه الفاضل أبو محمد الحسن بن بن عمر العماكري وكان مولده في جمادى الآخرة من سنة سبعة وسبعين وسبعمائة. وكان فقيهاً حسن السيرة أمثل من يشار إليه في معرفة الفقه في نواحي الجند تفقه في بدايته في الأمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي فلما توفي الأمام انتقل إلى ذي اشرق باستدعاء أهلها. وكانت وفاته ضحوة يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول من السنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن محمد بن سبأ الريمي العياشي الياءِ المثناة. والشين المعجمة نسبة إلى جد له اسمه عياش وأصله من ريمة الأشابط تفقه أولاً في مدينة إِب على الفقيه يحيى بن إبراهيم ثم ارتحل إلى تعز فتفقه بابن العراف وأبن الصفي وغيرهما من فقهاء تعز ثم جعل معيداً في المدرسة المظفرية في ناحية المحاريب بتعز. ثم انتقل عنها إلى مدرسة ابن نجاح ثم عزل منها. وكان من أخير الفقهاء ولم تزل أحواله تنتقل إلى أن توفي في الثالث والعشرين من رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر ابن الفقيه أحمد المازني. وكان مولده يوم الجمعة الثالث من صفر سنة سبع وستين وستمائة. وكان فقيهاً فاضلاً فرضياً عارفاً تفقه بفقهاء جبلة واخذ الفرائض عن المزيحفي المشهور في بادية زبيد. ولما توفي عمه إبراهيم جعل قاضياً مكانه في مدينة جبلة فأقام هنالك عدة سنين. فلما تولى القاضي محمد بن أبي بكر سنة أربع عشرة عزله وهمَّ بمصادرته فخرج هارباً من تعز ولحق بذي عقيب مستجيراً بها وتولى كفايته وأعانته محمد بن الحسين بن علي بن رسول ولم يزل على ذلك إلى أن توفي ليلة الأربعاء الخامس من شهر ربيع من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر فريد بن سعيد وهو ابن أخي الفقيهين عبد الرحمن وعبد الصمد. وكن مولده لخمس مضين من شوال سنة سبع وسبعين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً عفيفاً ورعاً قنوعاً تفقه بعمران بن عقبة من أهل جبلة وبعمه عبد الصمد ومحمد بن إبراهيم. وارتحل إلى وصاب فأخذ بها عن الغيثي وكان في وقته فقيه أهل بلده وامتحن بمرض طويل. وكانت وفاته يوم الثامن عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأديب البارع منصور بن عيسى بن سحبان. وكان شاعراً فصيحاً بليغاً مداحاً هجاءً حسن السبك جيد المعاني من افصح الشعراء المجودين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 توفي مقتولاً بيد الأشراف الحرانيين. وكان قد هجا الأشراف وعدة من رؤساء العرب وهجا الملوك. وله في مدحهم القصائد المختارة. وكان قتله في ذي القعدة أو في ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن يوسف بن عمر بن إبراهيم النخلي. وكان فقيهاً عارفاً فاضلاً محققاً تفقه في بدايته بجده إبراهيم ابن علي ابن إبراهيم وبعبد الله بن محمد الأحمر الخزرجي. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه المشهور أبو العتيق القاضي رضي أبو بكر بن أحمد بن عمر الأديب. وكان مولده سنة إحدى وستين وستمائة. وكان فقيهاً بارعاً عارفاً بالفقه والحديث والأصول والمنطق تفقه بعمر بن أبي الغيث وبمشقر ثم انتقل إلى تهامة فأخذ عن بعض بني عجيل ثم عاد بلده فأقام مدة طويلة على طريق النسك ثم سافر إلى مكة وصحب ابن زريق أحد فقهاء تعز فلما عاد من الحج علم به بنو محمد بن عمر فطلبوه وولوه قضاء عدن مستمراً على القضاء بها فلم يتركه بنو محمد بن عمر يسير على مراده بل ألزموه أن يسير على سيرة وضعوها له وألزموه ذلك فضاق فعزل نفسه عن عدن وأقام على قضاء أبين واستمر عوضه في عدن القاضي يوسف بن مضمون فلم يحسن سيرته ففصل وأعيد ابن الأديب في سنة ست وسبعمائة. ولم يزل إلى سنة ست عشرة وسبعمائة على قضاء عدن. ثم استمر قاضي قضاة فاستمر على قضاء زبيد أبو شكل وأقام هو على القضاء الأكبر إلى أن توفي السلطان الملك. لمؤيد واستمر مولانا السلطان الملك المجاهد ففصله وأمر في القضاء الأكبر الفقيه عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن الظفاري فارتحل ابن الأديب في سلخ صفر من سنة اثنين وعشرين وسبعمائة ولزم منزله في الزعازع فلما لزم السلطان الملك المجاهد واستمر عمه الملك المنصور في السلطنة وقتل القاضي عبد الرحمن الظفاري استدعى الملك المنصور بابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الأديب المذكور. فطلع في شهر شعبان من سنة اثنين وعشرين فأمره في القضاء الأكبر فأقام بقية أيام الملك المنصور. فلما عاد الملك المجاهد في السلطنة استأذنه القاضي أبو بكر بن الأديب في الرجوع إلى بلاده فأذن له فسار إلى بلاده فأقام فيها إلى أن توفي وكانت وفاته في الحادي والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وعشرين تقدم السلطان إلى تعز في شهر المحرم فكان دخوله تعز يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور في عسكر جيد. وطلع معه الزعيم عشية فحط السلطان في بستان الشجرة ونزل أهله إليه في دار الشجرة نحواً من تسعة أيام فخرج الزعيم عشية من العشايا يسير فبينما هو يلعب على فرسه إذا اصطدم هو وفارس آخر فسقط الزعيم عن ظهر حصانه سقطة شنيعة غاب حسه فيها ساعة من نهار. فلما أفاق حمل إلى داره على بغلة ومعه من يشده عليها فركب السلطان في النهار الثاني إلى قريب من دار الزعيم يريد زيارته ورجع ولم بزره. ويقال انه زاره في وقت آخر والله اعلم. ثم تقدم السلطان إلى الجند وكان تقدمه إليها يوم الأحد الرابع عشر من صفر فأقام فيها يوماً أو يومين. ثم أمر ابن شكر أن يتقدم إلى تهامة ويقف فيها فتقدم من الجند إلى تهامة وتقدم السلطان إلى عدن فكان خروجه من الجند يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر المذكور فحط في الرجامية. ثم سار منها إلى عدن فوصل الأحبة يوم الثالث والعشرين من صفر فلبث إلى صبح الخميس الخامس والعشرين من الشهر المذكور ثم غزا المياه يوم الخميس وكان في المياه عسكر من قبل الظاهر فحصل بين العسكرين حرب عظيم فانهزم العسكر الظاهري هزيمة شنيعة. وقتل منهم مقتلة عظيمة نحو من سبعين رجلاً فيهم عمر بن السواق هذا ولم ينصح غالب العسكر ولما انهزم العسكري الظاهري منعهم الظاهر من دخول عدن فوقفوا في المياه. وقتل من العسكر المجاهدي أربعة نفر أحدهم شاوش البغلة يقال له أبو بكر بن حمزة ثم أقام السلطان في الأحبة ستة أيام. ثم حصل آخر فقتل من عسكر السلطان فارسان ولزم ابن أخي ابن السوع وانهزم عسكر مولانا السلطان إلى جبل حديد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ولما علم السلطان ملزم ابن أخي ابن السوع غلب على ظنه أن الأكراد غير ناصحين وكان الناس قد تحدثوا بذلك. ثم عاد السلطان إلى الأحبة فأقام بها نحواً من نصف شهر ثم غزا إلى جبل حديد فخرج عسكر عدن وحصل يومئذ حرب شديدة وقاتلت الشفاليت قتالاً عظيماً وظهر نصحهم ونصح معهم الملك المفضل وداود بن عمر بن سهيل والأسد بن صالح وجماعة نصحهم ونصح معهم الزعيم وصاح أهل عدن للشفاليت بالطيب وشتموا الغز شتماً قبيحاً وعاد السلطان إلى الأحبة فلما كان يوم الثامن من شهر ربيع الآخر قبض مكتب لابن الأسد بريد عدن وقبضت كتبه منه وإذا بها أنه واصل هو والإمام محمد بن مطهر في ألف فارس واثني عشر ألف راجل فاضطربت المحطة لا سيما محطة الأكراد. وهم معظم العسكر فتأَيد السلطان وتأَمل العسكر وظهر له أنهم غير ناصحين لا سيما الأكراد فخشي السلطان البيعة. فركب وتقدم تعز فوصل الجند صبح يوم الخميس لنيف وعشرين من شهر ربيع الآخر ثم تقدم تعز فوصل الجند صبح يوم الخميس لنيف وعشرين من شهر ربيع الآخرة ثم تقدم تعز يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى فحط في الشجرة وأقام بها أياماً ثم تقدم إلى بلاد العوادر يوم الأربعاء الثامن عشر من الشهر وقتل منهم جماعة ثم عاد إلى تعز وقدم الملك الفائز وابن شكر من تهامة في جمادى الأولى فمرَّا على بلد بني أستاني فأخرباها خراباً شنيعاً. ثم دخلا تعز في آخر الشهر المذكور فأقاما أياماً ثم عاد ابن شكر إلى إقطاعه حيس وموزع. وفي شهر جمادى الآخرة خرج الظاهر من عدن إلى لحج وخرج جميع من كان معه من أصحابه فسار هو طريق الخبت وسار الباقون طريق هبيب فطلع الظاهر السمدان وأقام فيه. وفي شهر شعبان تقدم السلطان إلى زبيد فأوقع بالعوارين وقبض شيخهم محمد الدعيسي وجماعة كثيرة منهم فشنق منهم طائفة وقتل آخرين بالسيف وكان ذلك يوم الثلاثاء ثامن وعشرين شعبان المذكور. وكان قد اقطع قطب الدين أخاه مدينة حرض فبلغه عنه انه قد خرج عن الطاعة فسار إليه من زبيد وكان مسيره إليه يوم السبت العشرين من شوال ولم يزل يتلطف به حتى انتزعه من حرض. ولما خرج السلطان من زبيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وكان شيخهم يومئذ أحمد الأسد شوال وكان الوالي بها يومئذ عبد الرحمن بن الفخر المعروف بالركن بن العفاء فهرب من زبيدا إلى حلة المجانية. وظن أن أهل المدينة كلهم راضون بذلك. فاجتمع أهل المدينة في ليلتهم وساروا بأجمعهم في طلب راضون بذلك. فاجتمع أهل المدينة في ليلتهم وساروا بأجمعهم في طلب المفسدين فأمسكوا جماعة منهم وشنقوهم حتى رجع الأمير فتولى أمرهم فشنق طائفة منهم وكحل طائفة أخرى ورجع السلطان إلى زبيد. وفي هذا التاريخ قدم القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن من الديار المصرية ومعه نحو من ثلاثين فارساً من المماليك وكان قدومه يوم الاثنين التاسع والعشرين من ذي القعدة وعيد السلطان عيد الأضحى في مدينة زبيد وحصل عليه بعض وعك فطلع تعز ثم من الله تعالى بالعافية. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي بكر المعروف باليماني من أهل حرار وكان فصيحاً عارفاً أديباً له ذكر مشهور وكرم مذكور. وكان صبوراً على إطعام الوافدين وأكرم الواردين والسعي في قضاء حوائج الناس إلى الأماكن الغريبة والبعيدة يقول القول عند كل أحد وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبع وعشرين طلع السلطان حصن العسكر وكان طلوعه يوم الأحد الخامس من المحرم فأقام فيه أياماً وفي أثنائها تقدم الزعيم إلى تهامة. وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى أخذت منصورة الدملؤة بمساعدة مرتبيها وجعل فيها عسكر من جهة السلطان وطلع القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن إلى جبلة ليعمل في فتح الجبل المعروف ببعدان وطلع بعسكر جيد خيل ورجل وذلك بعد أن وصل ابن السوع إلى تعز ومعه ابن شكر فقابلهم السلطان مقابلة جيدة وخلع عليهم وأحسن إليهم ووصل معهم جماعة من مشائخ مذحج وأعيانهم فطلبوا من السلطان مالاً يبذل لهم على فتح الجبل فبذل لهم السلطان مالاً جيداً وطلعوا يوم السابع من جمادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 الآخرة إلى جبلة فحط القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن في جبلة وحط ابن السوع معه في أب. وحط الزعيم في وادي ضبا وطلعت مذحج جبل بعدان وفتحوا فيه الحرب فلم يتم لهم فيه ما يريدون فقيل كان سببه عدم الوفاء بما بذل لهم وقيل غير ذلك. وطلع أهل الشوافي إلى أهل بعدان بمكاتبة من ولد الفقيه أبي بكر محمد بن عمر اليحيوي. وكتب أيضاً كتباً إلى الملك الظاهر وقد كان من السلطان على وجه خير واقترب أمان. ولما لم يتفق فتح الجبل كما ذكرنا نزل القاضي جمال الدين محمد ابن مؤْمن من جبلة وابن السوع من أبو الزعيم من محطته بوادي ضبا بطلب ممن السلطان وأقام السلطان في تعز إلى شهر رمضان ثم خرج متوجهاً إلى عدن يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان حتى حط بالأحبة ونزل معه الزعيم وهو يومئذ أتابك العسكر. وكان مشكور التدبير حسن الثناء يعمل كل يوم سماطين بكرة وعشية لذوي الحاجة من العسكر وذلك في وقت قد عز فيه الطعام وقل وجوده. ولم يزل السلطان يغزو عدن وتخرج إليه عسكر وخيل ورجال وكانت الحرب بيتهم سجالا وظهر من الحمراني وجماعة من المماليك وأولاد تعز سوء أدب وسفه باللسان. وأقام القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن في المحطة إلى أن دخل شهر الحجة. ثم تقدم تهامة وصحبه ابن مفضل لجباية الأموال بها فتقدم المذكور في طائفة من العسكر فعيدوا الأضحى في الغارة ثم توجهوا إلى زبيد. وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع إسحاق إبراهيم بن الفقيه أحمد ابن موسى بن عجيل وكان فقيهاً دينياً ورعاً يحب الاعتزال قلما يجتمع به أحد من الناس الواصلين إليه وأخذ الفقه عن أبيه والنحو عن الفقيه رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جامع المباركي المعروف ابن العجمي. والمباركي نسبة إلى شيخ لوالده احمد. وكان من أهل شيراز ما زار مريضاً قط ودعا له إلا عوفي من مرضه فسمى مباركاً لذلك ونسب إليه أصحابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وكان ولده هذا محمد رجلاً فاضلاً فقيهاً محدثاً صوفياً أخذ عن جماعة من أعيان المدرسين كالفقيه أحمد بن أبي الخير وأمثاله وكان فيه مروءة وحسن خلق وكرم نفس. وكان بيته موئلا للمنقطعين من الفقهاء والمتصوفين وصنف كتاباً في الرقائق واستمر خطيباً في مدينة زبيد مدة طويلة إلى أن توفي يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو الحسن أحمد بن الفقيه علي الجنيد بن الفقيه أحمد ابن منصور الجنيد وكان مولده في صفر من سنة سبع وخمسين وستمائة ولما توفي والده في التاريخ المذكور استمر هذا معيداً في المدرسة الأسدية بتعز وجدب الفقيه أبو بكر بن محمد بن عمر اليحيوي عليه وعلى اخوته مراعاة لصحبة أبيهم وأسد الملك المؤَيد في أيام آمريته وقرأ عليه وارتفعت منزلته عنده. وكان فقيهاً أصولياً نحويا شاعراً فصيحا وله في التصوف كلام مرضى وشعر رائق وتوفى يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن بكر بن محمد بن عمر اليحيوي وكان مولده في السابع عشر من ذي الحجة من سنة أربع وسبعين وستمائة وبوقفه وولي قضاء الأقضية في سنة أربع عشرة وسبعمائة فقام كقيام أبيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان عالي الهمة شريف النفس يقوم بالمنقطعين من أهل العلم وغيرهم وعمل في أيامه مآثر جيدة لم يعملها أحد من أهله ولا من غيرهم واجلب الماء إلى المدرسة الشمسية بذي عدينة بعد أن انقطع مدة وتوفي مقتولاً صبراً على يد السناني في شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفى الفقيه الفاضل أبو محمد بن أحمد الحضرمي وكان يسكن قرية في جبل يافع يقال لها رخمة باسم الطائر المعروف وكان مذكوراً بالدين والورع والصلاح والزهد والعبادة وتولى حكم بلده سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وتوفي في سنة سبع وعشرين المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفى الفقيه الصالح أبو مسلمة محمد بن الحضرمي وكان مولده قرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الطرية بأبين وكان تفقه بأبين على ابن الرسول وعلى علي بن إبراهيم التهامي وإبراهيم الحرف ثم قدم لحج وتديرها بأنس من ابن مناس وامتحن بالعمى وحصر البول إلى أن توفي في شهر السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة وعشرين تقدم القاضي جمال الدين محمد بن مفضل نحو الجهات الشامية وأقام ابن مؤْمن في مدينة زبيد إلى أن رجع إليه ابن مفضل بأموال الجهات الشامية فساق منها مالاً جزيلاً ولم يزل السلطان رحمه الله في محطته بالأَحبة والزعيم في سائر العسكر في المحطة على عدن وهو صاحب الباب وكان على أحسن طريق من وضع الأشياء في مواضعها وفعل ما يذكر عنه. وفي أوائل صفر من السنة المذكورة باع رتبة الدملؤَة الحصن على يد من هو في المنصورة فبادر الأمير عز الدين وموالينا الأدر الكرام جهة صلاح بإرسال الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني ليقبضها فخرج مسرعاً من تعز بمال نقد وخلع فلما طلع حصن الدملؤَة لاطف وبذل حتى استمكن وكان مبذوله فيها ستة آلاف دينار ملكية غير الخلع والكساوي وكان في الحصن يومئذ نور الدين وولد له ووالدة الظاهر وبنت فأَرسل لهم السلطان عز الدين طلحة بن أخت الزعيم فلما وصل المنصورة انزلوا إليه فسار بهم تحت الحفظ إلى حصن تعز فجعلوا في دار الإمارة من الحصن المذكور وقيد الرجال منهم هذا والسلطان يومئذ في محطته على باب عدن. ولما كان آخر شهر صفر كلاماً وأخذ جمعاً من الشفاليت وطلع بهم من جهة التعكر ليلاً فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر المذكور زحف السلطان على عدن فخرج أهلها لحربه على عادتهم فخرج عليهم العسكر المجاهدي من ورائهم وصاحوا باسم السلطان ففشل أهل عدن وفتح باب المدينة فدخل الزعيم والملك المفضل بعد الظهر. ووصل السلطان بعد العشاء من ليلة الجمعة فبات في التعكر فلما اصبح صبح يوم الجمعة الرابع والعشرين من الشهر المذكور نزل السلطان من التعكر وسار إلى الخضراء على طريق الدرب. فلما كان يوم السبت استدعى بجماعة من المماليك وجماعة من الشفاليت الظاهرية وهو في الخضراء فطلعوا بهم إليه فأمر بقتل جماعة من المماليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وجماعة من الشفاليت والحمراني ومولد اسمه السغولي والهمذاني والشهابي ونزلوا بالوالي والناظر محمد بن الموفق والد الفخر بن الرضى الذي قتل في الشحر وكحل من الرجل جمع كثير. ولما كان اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول أمر بشنق ابن أيبك وابن الموفق وغرق ثمانية منهم الجرباني والزمغري. وأقام السلطان إلى يوم العشرين من جمادى الأولى ثم خرج من عدن يريد الدملؤة فدخلها في غرة جمادى الآخرة فأقام فيها نحو نصف شهر ثم نزل منها إلى الجوة ثم سار إلى الجنيد فدخلها آخر يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر المذكور. ووصل الأمير عز الدين صالح بن ناجي يوم الخميس غرة شهر رجب في عسكر جيد وأعلام وطبلخانة فأقام أياماً وساعة قدموه دخل على مولانا السلطان القصر وضربت له خيمة خارج البلد فخرج إليها بعد السلام. فلما كانت ليلة الخميس الثامن من الشهر المذكور سرق من خيمته مال وقماش له قدر. وفي شهر شعبان وصل حسن بن الأسد من ذمار وصحبته هدايا للسلطان فيها خيل جياد وفي جملتها فرس لا نظير له طوله ثمانية أشبار بالتحقيق. وفي الثامن من شهر شعبان. خالف الأمير عز الدين في حصن تعز واخرج الخدام الذين فيه وأمر بنهب بيت الزعيم وبيت ابن مؤمن والرشيدية. ثم كاتب السلطان واعتذر مما صنع فتقدم إليه الطواشي جوهر الرضواني وهو يومئذ زمام الباب الشريف فسأل ذمة فعاد الطواشي يخبر ذلك. ووصل ولده الأسد بن صالح ووصل معه جماعة من فقهاء تعز المدرسون والحاكم بها محمد بن عمر بن عبد الله ورأس الفقهاء يومئذ أبو بكر بن جبريل فقصدوا باب السلطان فأذن لهم بالحضور وقابلهم السلطان احسن مقابلة. ورجع السلطان الفقهاء بذمة للأمير عز الدين صالح. ووصل القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن من عدن بخزانة جيدة نقداً وعرضاً. ووصل الأمير عز الدين صالح إلى السلطان يوم السادس عشر من الشهر المذكور. ووصل صحبة الفقهاء فدخلوا على السلطان إلى البستان وفي خلال ذلك الحضور أمر السلطان على الطواشي كافور ويران أن يتقدم لقبض حصن تعز فتقدم لفوره في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 جماعة من الأصباهية. وحصل من السلطان كلام حاصله عتاب وأوجده طيبة نفسه. وخرج الفقهاء وصالح من عند السلطان وتقدم الفقهاء إلى تعز. وسكن صالح في بيت من بيوت الجند. فلما كان يوم العشرين من شعبان المذكور خرج السلطان في جماعة قليلة وأشعر على كافة العسكر بالخروج فخرجوا سراعاً إلى الميدان فطلب صالح وولده من جملة الناس فتقاعد ثم خرج وهو غير راض وخرج معه ولده وجماعة من الشفاليت. فلما وقف صالح وابنه في طرف الميدان برز لهما الزعيم ودعاهما على إنه يشاورهما ثم أبعدهما إلى وسط الميدان ومعه جماعة من أصحابه قد أشار إليهما فقالوا لهما التزما وبادروهما بالطعن والضرب فما نزل صالح من بغلته إلا ميتا وأما ابنه فقاتل ساعة ثم قتل فلبثا بقية يومها وليلتها ويومها الثاني إلى الليل والليلة الثانية إلى نصف الليل مكبوبين على وجوهما. ثم أمر بدفنهما فدفنا ولما كان يوم الثالث والعشرين تقدم السلطان إلى تعز فحط في بستان الشجرة وطلع السلطان الحصن يوم السادس والعشرين من الشهر المذكور وفي شهر رمضان خالف بعض أهل صبر على ابن منير فاخذ الحصن من يد قوم يعرفون ببني شريف. وفي يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المذكور أوقع الملك المفضل بالأهمول في جهة موزع وكان قد كثر فسادهم وقصدوا موزع فخرج إليهم الملم المفضل فهزمهم هزيمة شنيعة وقتل منهم نحوا من مائة نفر وجز رؤوسهم فذلوا بعد ذلك ذلاً شديداً. وفي اليوم السادس والعشرين قبض حصن الشرف لولانا السلطان. وخرج يوم الخامس من شوال من تعز يريد الشرف فدخله يوم السادس وأقام فيه أياماً ثم رجع إلى تعز فأقام في الحصن أياماً ثم تقدم إلى تهامة يوم السبت الخامس والعشرين من ذي العقدة وأقام فيها إلى آخر السنة وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل محمد بن عثمان بن محمد بن عمر الهزاز. وكان فريد قومه على ما قيل شريف النفس فقيهاً مدرساً في مدرسة أم السلطان بعد والده ثم ترتب في المؤيدية وأعاد المدرسة إلى ابنه فأقاما مستمرين إلى أن توفي في السنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن عمر بن مدافع. وكان من أخير أولاد المشايخ له اشتغال بالعالم واستمر مدرساً في المدرسة التي في ناحية الوزير وكان فيه مكارم أخلاق وفضل وأنس للأصحاب توفي السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل محمد بن علي بن جابر الجبائي نسبة إلى البلد المقدام ذكره. وكان فقيها فاضلا متقناً ولد سنة ثمان وستين وستمائة وتفقه بابن أبي مسلم وبالفقيه الليث. وكان مدرس البلد ومفتيها. وحج في سنة ثماني عشر وعشرين وسبعمائة فتوفي في الطريق ظناً قاله الجندي رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الرحمن بن الجنيد بن الفقيه عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن زكريا. وكان فقيهاً فاضلاً مدرساً ولد سنة ثلاث وستين وستمائة وتفقه بعلي بن إبراهيم بن محمد بن حسين صاحب شحينة ودرس مدة في بلاده ثم انتقل إلى قرية أخرى. فلما مرض وأحس بالموت أمر أن ينقل إلى الشويراء فتوفي بها في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح الوارع الزاهد أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي السعود. وكان فقيهاً صالحاً عالماً وكان زميله في القراءة ابن الرسول وتوفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وعشرين وسبعمائة وصل الحجاج وأخبروا بخصب الحجاز وإن الوقفة كانت الجمعة. وفي صفر حصل من بعض أهل منصورة الدملؤة مخامرة وأدخلوا جماعة من الأشعوب وانتبهوا غالب بيوت أهل المنصورة الذين لم يخامروا معهم ثم كاتبوا الظاهر يخبرنه بقبض المنصورة له ويطالبون منه الممادة بالمال والرجال فرجع جوابه بكراهة ذلك وأنه لا مال عنده ولا رجال. فأخربوا غالب بيوت المنصورة فلما بلغ العلم بذلك إلى السلطان الملك المجاهد وكان يومئذ في مدينة زبيد جرد الطواشي صفي الدين جوهر الظفاري في مائة رجل وثلاثين فارساً وكان مقدمهم الشامي فلما علم بهم الأشعوب هربوا من المنصورة فقبضها الطواشي أمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الدين أهيف وطلع الشامي إليها وطلع الطواشي جوهر من الجناب بالخيل والرجال إلى تعز. ووصل السلطان من تهامة يوم الخامس عشر من صفر. وكان مريضاً قد علق به جدري فأقام في الحصن أياماً وتوفي له ولد ثم ولد آخر ومن الله بعافيته في شهر ربيع الآخر فأمر باستخدام الخيل والرجل وطلب الرجال من كل جانب ولم يعلم أحد أين يريد. وفي أول جمادى الأول نزل السلطان من الحصن إلى الشجرة ثم تقدم نحو عدن فأقام بها إلى العشرين من رجب. وفي خلال ذلك صودر ابن مؤمن بمال جزيل واستمر ابن الغنمي شاد الدواوين ثم طلع السلطان من عدن إلى أبين وحضر الكتيب في ليلة السابع والعشرين من رجب وتصدق بصدقة جليلة فلما انقضت أيام الكتيب في ليلة السابع عاد إلى عدن وأقام بها أياماً ثم طلع إلى محروسة تعز في أثناء شعبان فأقام في الحصن إلى أن انقضى عيد الفطر وفي أثناء أقامته اخرج ابن عمه من السجن وهو الأشرف بن الواثق وتزوج السلطان على كريمته بنت الواثق في الثامن من شوال ودخل بها في آخر الشهر المذكور. وفي خلال ذلك طلعت قافلة من عدن فقبضها أهل الهجر فغزاهم السلطان في رابع شهر ذي العقدة وقتل منهم عدة ثم طلع الدملؤة فأقام فيها مدة ثم نزل الجوة فعيد فيها عيد الأضحى. ولما انتصف شهر الحجة خرجا السلطان على الأشعوب وحصل قتال شديد أياماً. وانهزم عسكر السلطان يوم التاسع عشر من الشهر فقتل الحسام بن ظاهر وقريب له وجماعه من العسكر خيل ورجل وفي هذه السنة توفي الإمام أبي الخير منصور بن أبي الخير الشماخي وكان فقيها عالما عاملا وهو شيخ مشايخ الحديث باليمن وأحد أعلام الزمن وكان موصوفاً هو ووالده بجودة الضبط والإتقان وعنها انتشر علم الحديث وسمع عليه السلطان الملك المؤيد سنن أبي داود سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وكانت وفاته في يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل هندوه بن عمر بن سلم الخولاني وكان مولده ليلة الجمعة العشرين من شهر رمضان سنة سبعين وستمائة. وكان له ثلاثة اخوة علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وعبد الله وعبد الرحمن فاشتغل علي وعبد الرحمن بالقراءات السبع واشتغل عبد الله وهنده بالفقه وكان تفقههما بجباء ولما أخرب السلطان الملك المؤيد خولان هرب المذكور عن بلدهم. فلما تفقه هندوه رجع إلى بلاده وسكن أخوه عبد الله في نواحي قدس إلى أن توفي هناك في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسكن في قرية الحباجر مدة ثم انتقل إلى بلاده ورجع إليها وأما عبد الرحمن فغاب وانقطع خبره. وتوفي هندوه يوم السابع من شهر رمضان السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الفاضل أبو محمد الحسن بن محمد بن نصر بن علي عرف بمختار الدولة وكان مختار الدولة وزير أحد العبيديين ملوك مصر. وقدم أبو محمد اليمن في أيام الملك المؤيد فلم يصف له معه حال. وكان من أعيان القضاة الواصلين من مصر وكان عارفاً بالحساب والأصول والفلك والنحو والفرائض والجبر والمقابلة. فقام في تعز مدة فلم يصف لها مع المجاهد وقت فسافر عن تعز في سنة أربع وعشرين وسبعمائة فقام في التهائم حتى ارتفعت المحاط ثم عاد إليها فقام أياماً ثم جعل كتاباً للخزانة والإنشاء. ولما نزل السلطان عدن نزل صحبه ركابة فتطلع عليه وعرف فضله فجعله من جملة خواصه ولم يزل على ذلك مستقيم الحال إلا أن توفي في سلخ شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن سليمان بن أحمد بن صبره الحميري وكان فقيهاً مجوداً ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة في قرية من معشار حصن أنور من وادي مسرعة أخذ عند محمد الأصحبي وقرأَ الفرائض على طاهر. وولى القضاء مدة وكان إمام الجامع ودرس في بعض مدارس فيروز. ولم يزل على أحسن حال إلى أن توفي في شهر شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصحابي أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد الزيلعي العقيلي نسبة إلى عقيل بن أبي طالب صاحب قرية السلامة من وادي نخلة وكان اصل بلدهم بطة قرية من قرى الحبشة ولذلك يقال لهم بنو الزيلعى وكان أول من قدم منهم قرية السلامة جدهم محمد فتأهل بها فظهر لها أبو بكر ثم تأهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 بأمرائه من أهل العقيلية فظهر لها على المذكور وأخوه أيضاً. وهم بيت صلاح وعلم. وكان علي بن أبي بكر فقيهاً ناسكاً كثيراً طعام الطعام وكان كثير الحج وكذلك كان والده. وتوفي بمكة المشرفة آخر شهر الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاثين وسبعمائة أخذ السلطان حصن يُمَيْن من الغياث بن السناني قهراً على يد الزعيم بعد حاصره مدة حصاراً شديداً وهرب ابن السناني إلى ناحية ذخر ثم حصل الصحابي بين السلطان والظاهر في الحرم ثم اخذ السلطان ذخر قهراً بالسيف وخرب بلاد الغياث بن السناني خراباً شديداً بعد أن ولى في قدس والياً وولى في حصن يمين والياً وهو الطواشي جوهر الظفاري وفي حصن سامع طاهر بن الحسام بن طاهر الذي قتل أبوه فقتل من الأشعوب كثيراً. وفي هذه السنة أصلح الغياثي بن السنان على يد الزعيم وتوثق له بالأيمان المغلظة وفصل إلى الباب الشريف وسلم بلاده بأسرها ثم لقدم السلطان إلى تعز في اثني عشر ألفاً وقيل في سبعة عشر ألفاً خارجاً عن الخيل من الترك والعرب والأكراد والأشراف وغيرهم. وكان أستاذ داره يومئذ الشرف بن حباجر وأتابكه الزعيم وأمير خان داره أقباي. فلما استقر السلطان في تعز وجد أهل تعز على أخبث ما كانوا عليه من الخلاف وخرق العرض والشتم الشنيع فلما كان ليلة الأحد والعشرين من الشهر المذكور طلب السلطان العسكر وسائر المقدمين ووجه كل مقدم في قطعة من العسكر إلى ناحية من جبل صبر ففتحوا عليهم الحرب من عدة نواحي وغشيهم العسكر من كل طريق وطلع السلطان الجبل وتسنمه فلم يصل الموادم حتى قد صار عنده نحو من أربعين رأساً وسار في عسكره يريد الحصن وشنق في طريقة طائفة منهم ولم يزل يتبعهم وفي كل بلاد وشنقهم في كل طريق ويجز رؤوسهم حتى ذلوا ذلاً شديداً وهرب شيخهم ابن منير إلى الحشا فقام فيها إلى أن توفي هنالك في النصف من جمادى الآخرة وبعد خمسة عشر يوم من يوم الوقعة أمر السلطان صائحاً يصيح بالذمة الشاملة على صفوف أهل صبر ومن لا يحمل السلاح. ولما نزل السلطان من صبر أَقام في ثعبات. فلما كان اليوم الرابع من شهر ربيع الآخر سار إلى الجند. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وفي هذا التاريخ حصل من الملك المفضل وسيف بن حسن بن داود إلى السلطان كلام كثير وأن قصده الخروج عن الطاعة فطلبه السلطان إلى الجند فلما وصل لزمه وقيده وأرسل به إلى حصن تعز فأقام مسجوناً إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. وفي اليوم الثامن من شهر ربيع المذكور وصل العسكر بالقاضي إبراهيم بن محمد بن عمر بن اليحيوي ومعه بعض أولاده فأودعهم السجن. وفي يوم الثالث عشر من الشهر المذكور قدم الشيخ عبيد بن مهجف وكان مستولياً على حصن التعكر وحافظاً له فخرج غالب العسكر في لقائه ونزل مع الأمير الزعيم فلما كان يوم الرابع عشر أطلق خطه إلى ابنه بأن يسلم الحصن والعهد إلى نائب السلطان فطلع به الطواشي بارع فقبض الحصن ليلة الخميس الخامس عشر من الشهر المذكور. ولما كان يوم الثالث من شوال تقدم في عساكره المنصورة إلى بلد المعافر وفرق المحاط عليها. وكانت محطته في منصورة الدملؤة وكان القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن يومئذ صاحب الباب وكان بينه وبين الزعيم من البغضاء ما قد علمه الخاص والعلم وليس لذلك سبب إلا التنافس على الرياسة والتقدم عند السلطان فأوقع ابن مؤمن في قلب السلطان ما أوحشه عنه وذلك انه اخبره انه اتفق هو والغياث بن السناني على الميل إلى الظاهر وأيّد ذلك في قوله الشرف بن حباجر وكان ابن حباجر صديقاً لأبن مؤمن فوقع في قلب السلطان من ذلك أمر عظيم وصدقهما. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح محمد بن علي الزيلعي. ويروى عنه أنه كان يقول أنه شريف حسيني وكان فقيهاً متقناً صالحاً ورعاً تفقه بإسماعيل الحضرمي وبعلي بن صالح الحسيني وأخذ عن عمر السروي وغيره وكان معروفاً بالفقه والصلاح وإصابة الفتوى وشرح اللمع شرحاً مفيداً. وكان وفاته في السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن أحمد بن موسى بن عجيل وكان فقيهاً نبيلاً ورعاً جواداً عالماً عاملاً ناسكاً. وكان تفقه بخاله علي بن أحمد الصريدح وكان أجود اخوته فقهاً وورعاً وعلماً وعملاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قال الجندي توفى على رأس الثلاثين وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفيها توفى الفقيه الصالح الجواد أبو العباس أحمد بن علي بن منامس الوافدي صاحب لحج وكان من أَعيان الزمان كرماً وفضلاً وجوداً ونبلاً ما صحب أحداً قط إلا وكان له عليه الفضل وما وصله طالب إلا وأعانه. قال الجندي سمعت الشريف إدريس يثني عليه بالكرم وبالفقه. ويقول ما كنت أظن أن في اليمن مثله ولا أظن مثله في غيرها. وتوفى لأيام مضت من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وفي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة أوقع السلطان بالزعيم لما أوقع ابن مؤمن في قلب السلطان منه فاستوحش منه السلطان واسودّ ما بينه وبينه ولا علم للزعيم بشيء من ذلك. وكان الزعيم صاحب إطعام لا سيما في المحاط فإنه لا يكاد ينقطع. فاتفق أن عمل سماطاً وكان السلطان قد زحف على أهل مطران ذلك اليوم فاجتمع به الزعيم وعرفه أنه عمل سماطاً للعسكر كافة وسأل من السلطان حضور السماط وان يمشي معهم تلك الليلة فأجابه السلطان إلى ذلك فرجع إلى موضعه وسعى في لتميم السماط والزيادة فيه ولما علم ابن مؤْمن بذلك بادر إلى السلطان وهو ابن حباجر وعرّفاه أنه ما مراده إلا القبض على السلطان والقيام بالدولة الظاهرية فما شك السلطان في ذلك مع تقدّم ما قد أوقعا في قلبه فنهض من فوره إلى منصورة الدملؤَة فدخلها بعد صلاة المغرب واستدعى الزعيم من فوره فلما وصل أمر بقتله فقتل وقطع رأَسه ولزم جماعة من أصحابه وقيدهم ولم يسلم من خاصته إلا القاضي جمال الدين محمد بن حسان وكان كاتب الزعيم يومئذ فيما دق وجل وعليه مدار أمره. ولما قتل الزعيم كما ذكرنا واخذ السلطان مطران وعاد إلى تعز عرض ابن مؤْمن يذكر الغياث بن السناني وانه ركن من أركان الفساد فأعرض السلطان عن إجابته إلى ما يريد وقال هذا رجل قد توثق مني بالأَيمان المؤَكدة ولا أنقض ما عقدت له على نفسي ولا أشك أنه قطعة فساد ولكن قد أمنته ولكن إذا ادعى عبد الرحمن اليحيوي أنه قتل أخاه ظلماً أحضرناه له شرعاً. فأشار ابن مؤْمن إلى القاضي وجيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 الدين في ذلك واستحضر ابن السناني وطلب السلطان قاضي الأقضية وهو القاضي عبد الأكبر وحضر أعيان الفقهاء ووجوه الدولة وادعى وجيه الدين على الغياث أنه قتل أخاه ظلماً وعدواناً فأنكر ابن السناني ذلك من دعواه فقال الحاكم للقاضي وجيه الدين أقم البينة وإلا استحلفه الأيمان الشرعية فالتفت وجيه الدين إلى السلطان وقال يا مولانا السلطان عندك شهادة أريد أداءها فقال السلطان ما عندي شهادة لك ولا له ولكنه كتب إليَّ كتاباً يخبرني فيه بقتل أخيك فقال يا مولانا السلطان أريد حضور الكتاب فأمر السلطان في مقامه ذلك من احضر الكتاب فلما قرئ الكتاب على الحاضرين اعترف ابن السناني أنه خطه وأنكر أن يكون باشر القتل. فقال له الحاكم قد توجه الحكم عليك لأنك اعترفت أن هذا الكتاب كتابك وقد أقررت في الكتاب انك قاتله فسأل القاضي وجيه الدين من السلطان أن يمكن من غريمه فأمر السلطان بتسليمه إليه فسلم إليه فقبضه ورسم عله من ساعته واخرج إلى الجهملية فقتل في السلف. وكان قتله بعد قتل الزعيم بمدة يسيرة. وفي هذه السنة أمر السلطان بإنشاء المدرسة التي عمرها في ناحية الجيل من مدينة تعز وجعلها مدرسة وجامعاً وخانقة ورتب فيها إماماً وخطيباً ومؤَذناً وقيماً ومدرّساً يقرؤون الفقه ومحدّثاً وطلبة يقرؤون الحديث ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن وشيخاً ونقيباً وفقراء وطعاماً للواردين ووقف عليها وقفاً جيداً يقوم بكفاية الجميع منهم. وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع أبو محمد الحسن بن أحمد بن سالم بن عمران المنبهي السهلي وكان مولده في شعبان سنة سبع وثمانين وستمائة وكان تفقه بالفقيه صالح بن عمر وارتحل إلى جباء فأخذ عن الفقيه جمال الدين عثمان الجبائي ونقل التنبيه غيبا وحصل المنهاج للنواوي نسخاً ونقلاً في أربعة اشهر وحفظ بعض المهذب لأبي إسحاق الشيرازي غيبا وكان أوحد زمانه علماً وعملاً وفضلاً وورعاً مشهوراً بالصلاح. ولما بلغ درجة في الوصف عالية تناقلها الناس عنه. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن أبي السعود الهمداني الفراوي وكان فقيهاً جيداً فاضلاً زاهداً ورعاً. وكان وثمانين يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث مولده وستمائة. وكان تفقه بأخيه. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة جرد السلطان العساكر إلى المخلاف وفتح الحرب عليهم من كل ناحية فقبض حصن حبّ في ذي القعدة من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه أبو الخطاب عمر بن عثمان بن محمد بن علي بن أحمد الحبائي الحميري وكان فقيهاً صالحاً ورعاً استظهر القرآن الكريم وقرأ التنبيه قراءة محققة على فقهاء جُبْلة وسمع بعض المسموعات على غيرهم وكان بارعاً توفي في ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل الأديب أبو الخطاب عمر بن عيسى بن محمد ابن سليمان المنسكي ثم العامري وكان مسكنه الغُقْء بضم العين المهملة وسكون القاف وكان فقهياً متأدباً ويروى من الشعر شيئاً وله مشاركة جيدة في كثير من العلوم مقبول الكلمة في بلده. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وثلاثين قبض السلطان سائر الحصون الحدقية وأذعنت القبائل طوعاً وكرهاً واتسقت المملكة ودخل المخالفون في الطاعة وأمر السلطان رحمه الله بعمارة سور ثعبات ولم تكن مسورة قبل ذلك وجعل لها أبواباً ورتب على الأبواب حراساً وحفظةً واستقر الملك وهرب أصحاب الملك الظاهر منه لما ضاق بهم الأمر ولم يجدوا ملاذاً يلوذون به. فكتب الملك الظاهر إلى القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين بن حباجر بأن يسعى له في الصلح والصفح ويطلب له ذمة شاملة عليه وعلى من معه من أهله وغلمانه فأجاب مولانا السلطان إلى ذلك وأرسل القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين بن حباجر بالتقدم إليه ليصل في صحبتهما فتقدما إليه إلى السمدان بالذمة الشريفة فوصل صحبتهما. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو العتيق أبو بكر بن الفقيه يحيى بن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الرجا. وكان فقيهاً فاضلاً مشهوراً ديّناً ورعاً معروفاً بجودة الفتوى في جبلة ونواحيها. ولد سنة سبع وستين وستمائة تفقه بأبيه وكان هو المشهور المشار إليه في وقته بجودة الفقه إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة نزل الملك الظاهر من السمدان على الذمة الشاملة صحبة القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين فأمر السلطان بتطليعه الحصن وان يودع دار الإمارة على الإعزاز والإكرام موسى بن حباجر فأقام به إلى شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة وتوفي رحمه الله تعالى. فلما بلغ علم موته إلى السلطان أمر على الحاكم بمدينة تعز يومئذ وسائر أعيان الفقهاء بها أن يشاهدوه وقت غسله ويتفقدوا أعضاءه فلم يجدوا فيه أثراً وإنما مات حتف أنفه فغسل وكفن وصلى عليه وقبر في تربة الملوك بعدينة وهي التربة التي هي ملاصقة لجامع عدينة من الناحية القبلية. وفي هذه السنة كملت عمارة سور ثعبات وركبت أبوابها وصارت مدينة حصينة وعمر جامعها وأجري إليه الماء ورتب فيه إماماً ومؤَذناً وخطيباً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن الكريم ومحدثاً يقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف السلطان عليهم وقفاً جيداً يقوم بكفاية الجميع منهم. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو حفص عمر بن الفقيه أبي بكر بن أحمد بن الفقيه علي بن أبي بكر الساعي تفقه أولاً في بلدة المخادن ثم ارتحل إلى زبيد فتفقه بأحمد بن سليمان الحكمي وغيره ودرس في مدرسة ميكائيل التي أنشأَها في زبيد وكان فقيهاً فاضلاً ذا معرفة شافية في الأصول والفروع معروفاً بشرف النفس وعلو الهمة. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة أوقع السلطان بالقاضي جمال الدين محمد بن مؤمن. قال علي بن الحسن الخزرجي واخبرني الفقيه إسماعيل بن علي بن تمامة وكان من نقلة الأخبار أن القاضي جمال الدين كانت قضيته في سنة سبع وثلاثين والله أعلم. قالوا وكان ابن مؤمن رجلاً حسوداً لذوي الأقدار لا يزال يغرى السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 بذوي المكانة من علمائه حتى يهلكهم فتلف بسعايته كثير من الناس. وكان القاضي موفق الدين عبد الله بن علي بن محمد بن عمر اليحيوي المعروف والده بالصاحب أوحد زمانه فصاحة وصباحة ورياسة وسياسة قل أن يأْتي الزمان بمثله. وكان ابن مؤمن يحسده حسداً كثيراً لكماله وتأَهله للرياسة فكان يحط من قدره عند السلطان ويقع فيه ويغريه به مرة بعد أُخرى فصودر مراراً ثم صودر مرة على يد ابن مؤمن فرسم عليه ترسيماً عنيفاً وضيق عليه ضيقاً شديداً وقصد هلاكه. وكان لابن مؤمن نقيب على بابه يقال له سعيد. وكان بينه وبين القاضي موفق الدين أُنس شديد لم يعلم به ابن مؤمن فاطلعه النقيب على مراد ابن مؤَمن فيه فسأَل منه إحضار دواة وقرطاس سرّاً إلى المستحم فأَحضر له دواة في نصف جوزة وقلماً فكتب وهو في المستحم إلى السلطان كتاباً لطيفاً يقول فيه يا مولانا الغارة الغارة. أن تكن روح أقل العبيد فبيدك يا مولانا السلطان ولا بيد ابن مؤمن وبعدّتك وإن يكن الغرض المال فأدركوني فإني على آخر دقيقة من عمري مع ابن مؤمن ويضاف أقل العبيد إلى من شئتم. فلما وقف السلطان على كتابه أرسل جماعة من الجاندارية فهجموا بيت ابن مؤمن ونزعوه من يده وجاءَوا به إلى الباب الشريف فأضافه السلطان إلى أمين جاندار. فضمن عنه بعض أهله بعشرة آلاف دينار وأطلق من يومه ذلك. فكان القاضي موفق الدين من يومئذ يحرر على خط ابن مؤَمن. وكان بن مؤمن يخط خطاًّ حسناً فلم يزل يحرر على خطه حتى أتقنه حرفاً بحرف وحاكاه في هيئته كلها. فلما أتقنه كتب بخطه إلى كافة القبائل من أصحاب بعدان والشوافي وغيرهم وهو يقدح في السلطان وبسيرته ويطلب منهم أن يمكنوه من الحصون ويعدهم من نفسه بكل خير وبجميع ما يحبونه عاجلاً وآجلاً. وأسقطت الأوراق في الطرق فالتقطها الناس من السيارة وغيرهم ووقف عليها من وقف فحمل إلى السلطان شيء منها فلما وقف عليها ما شك أنها خطة فوقع في نفسه منه شيء عظيم. ثم أن القاضي جمال الدين لما أمكنته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 الفرص انتهزها وواطأ جماعة من الحرفاء وخواص السلطان أن يكثروا ذكر ابن مؤمن وأفعاله القبيحة فما يذكرونه إلا بكل ذكر قبيح حتى اشمأَز منه السلطان واسودّ ما بينه وبينه وحقق القاضي موفق السلطان للسلطان خيانة ابن مؤمن من وجوه كثيرة. فلما عزم السلطان على الفتك به أقبل عليه إقبالاً كليّاً بخلاف العادة حتى لا يقطع أمراً إلا بإشارته ووعده بالوزارة شفاهاً. وكان قبل ذلك مستمرّاً في قضاء الأقضية وحمل له أربعة أحمال طلبخانة وأربعة أعلام. وكان قاضياً مقطعاً ويتحدث في أمر الوزارة. وكان الباب كله بيده. فلما كان يوم الجمعة طُلب إلى ثعبات طلباً حثيثاً وكان يسكن المعزية مدينة تعز فطلع بعد صلاة الجمعة. فلما دخل ثعبات من باب تعز قبض هنالك ورسم عليه ترسيماً عنيفاً وحيز في باب تعز وأمر السلطان من ساعته على الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني بأن يركب ويهجم بيت ابن مؤمن ويقبض جميع ما كان فيه. فركب وهجم البيت وقبض جمع الآنية وقبض دوابه وفرشه وجواريه. ثم أودع السجن بثعبات فأقام فيه إماماً. ثم أرسل السلطان به إلى المعسكر فقتل هنالك وقبر في البقيلين وقبره هنالك معروف مشهور. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام البارع أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمر بن علي الأحمر الخزرجي الساعدي الأنصاري وكان فقيهاً بارعاً عالماً متفنناً محققاً مدققاً درس مدة في مدينة زبيد واخذ عنه بها جماعة من فقهائها وكان امثل من يشار إليه في العلم والتواضع والصبر على التدريس طلبه السلطان الملك المجاهد في تعز للتدريس في المدرسة التي أَنشأَها في مدينة تعز فكان أول مَنْ درس فيها ثم عزل عنها وعاد إلى زبيد ثم طلب إلى تعز أَيضاً للتدريس في المدرسة المجاهدية فأقام فيها مدرساً إلى أن توفي هنالك في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وثلاثين قبض السلطان على جميع الحصون السُردُدِية. وفي هذه السنة المذكورة ظهر الدرهم الجديد الرياحيّ وبرز أمر السلطان أن لا يؤخذ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 الرعية والتجار في جميع أموال الخراج إلا هذا الدرهم الجديد فتضررت به الرعية. وكانت العادة في الدولة المؤَيدية والمظفرية والمنصورية أن يطلب من الرعية ما يتوجه عليهم من الخراج في الغلة على حكم السعر في ذي الحجة الماضي. وكان السعر في تلك السنة قد ارتفع في ذي الحجة ارتفاعاً عظيماً وانحط في أيام الصراب انحطاطاً كليّاً مع ظهور هذا الدرهم الجديد الرياحي فتضررت به الرعية ضرراً عظيماً وانكشفت أحوالهم وهرب طائفة منهم وفيهم من صبر. فلما انقضت السنة تركت الرعية في وادي زبيد الحرث وتفرقوا في أثناء البلاد ولم يعمر منهم إلا قليل عجزوا عن الحرث لقلتهم. وفي سنة سبع وثلاثين وسبعمائة نزل السلطان من تعز إلى زبيد لما بلغه خراب الوادي وافتراق الرعية وكان رحمه الله محبّاً للرعية ومشفقاً عليهم فلما استقر في محروسة وبيد صاحت الصوائح للرعية بالأمان وكشف المظالم التي يشكونها فوصلوا إلى الباب الشريف فبرز أمر السلطان بحضور جماعة من كبرائهم فحضر منهم أربعة نفر وحضرت الأمراء والوزراء والحجاب والكتاب وكان حضوراً عظيماً. فقال السلطان للوزير عرّف رعيتنا ما هو الذي يشكونه منا حتى نزيله عنهم. فقال الوزير للرعية يا هؤلاءِ الرعية ما هو الذي تشكونه من مولانا السلطان وما سبب هربكم وترككم عمارة بلادكم. فقالوا والله ما نشكو من مولانا السلطان شيئاً. وإنما نشكو من سعر ذي الحجة. فقال السلطان وما هو سعر ذي الحجة. فقالوا يا مولانا السلطان صرنا نطلب بما يتوجه علينا للديوان السعيد من كل مغل في وقت الصراب ووقت الطعام ورخصه ولكنهم يطلبون منا سعر السنة الماضية وقت ارتفاع الأسعار وعدم الطعام فلا يتعلق المد إلا بعدة إمداد كثيرة. والذي يتوجه علينا للديوان السعيد إنما هو طعام من عين ما ازدرعناه أو ثمنه في وقت الطلب فهذا السبب الذي اضربنا وهرّبنا. فقال السلطان هذا والله ظلم بين ولا لوم عليكم إذا هربتم. ثم طبق الدواة وكان من عادته أنه إذا طبق الدواة في مجلس الحضور انفض المجلس. فلما طبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 الدواة كما ذكرنا خرج الحاضرون بأجمعهم ولم يبق إلا الوزير والحاجب فأمر السلطان على الوزير أن يأْمر كتاب الدرج بكتب منشور بإجراء النواصف لجميع الرعية بالتهائم. وذلك شيء لم يسبقه إليه أحد من الملوك وهو أن يأْخذ في كل نصف شهر أضبط سعر للديوان السعيد فيكون في كل شهر سعر أن سعر لمستهله وهو من أول يوم فيه إلى آخر الخامس عشر. وسعر لسلخه وهو من يوم السادس عشر إلى آخر الشهر. ولم يزالوا على ذلك إلى أن توفي قدس الله سره. فكانت هذه الفعلة من حسناته المشهورة. قال علي بن الحسن الخرزجي. ولما توفي السلطان الملك المجاهد رحمه الله سمعتُ الرعية تعدّد له حسنات كثيرة منها ثلاث حسنات لم يسبقه إليهن أحد إحداهن زيادة ميعاد في جميع الجهات في التهائم كلها على اختلاف قطائعها ولم يسبقه إلى هذه الزيادة أحد من الملوك. الثانية إجراء النواصف في جهات التهائم كلها ولم يسبقه إليه أحد. الثالثة إجراء مزال الربع في جميع الجهات وكانت هذه الثلاثة في آخر عمره. وقد قال صلى الله عليه وسلم العمل بالخواتيم فرحم الله مثواه وبل بوابل الرحمة ثراه. وفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة طلع السلطان إلى ذي جبلة وأَقام في دار السلام ودرد العساكر إلى ذمار صحبة الأمير زين الدين قراجا في أربعمائة فارس وأَحد عشر أَلفاً من الرجل وأصحبهم منجنيقاً فحطوا على ذمار حتى أخذوها قهراً. ثم حطوا على حصن هرّان حتى أَخذوه قهراً. وكان ذلك في ذي الحجة من السنة المذكورة. واستمر الأمير زين الدين قراجا والياً بها. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عمر بن أحمد بن سالم بن عمران المنبهي السهلي وكان ميلاده في مستهل رمضان من سنة ست وسبعين وستمائة. وتفقه بأهل الجبال ثم إلى تهامة وتفقه بها على فقهاء زبيد. وكان غالب أَخذه فيها عن الفقيه الإمام أبي عبيد الله محمد بن عبد الله الحضرمي. وكان المذكور فقيهاً فاضلاً عالماً عاملاً عارفاً متفنناً ولم يزل في زبيد حتى توفي بها في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة انفصل الأمير زين الدين قراجا عن ولاية ذمار واستمر فيها ابن الحجازي فساءَت سيرته وخالف عليه الأكراد وحصروه في هرّان أَياماً ثم نزل إلى باب السلطان وقد فاتت البلاد فاغتاظ عليه السلطان وغضب غضباً عظيماً وصادره بمائة ألف دينار وقبض دوابه أربعين رأساً من جياد الخيل المشهورة وستين جملاً. وفي هذه السنة أمر السلطان بتجديد سور زبيد وعمارة أبوابها وخنادقها وكان متولي العمارة يومئذ الأمير شجاع الدين عمر بن عثمان بن مختار. وكان هو يومئذ أميرها ومشدّها وناظرها فاستمرت العمارة بها إلى سنة أربعين وسبعمائة. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن سالم بن عمران بن عبد الله ابن جبران بضم الجيم وسكون الباء الموحدة المنبهي نسبة إلى منبه بن خولان وكان صاحب عبادة وفقه وأُنس للواصل إليه. وكان كثير العبادة والتلاوة والعزلة عن الناس. وكان إذا دخل شهر رمضان اعتزل عن الناس ولا يتكلم بشيء من أمور الدنيا ولا يكاد يوجد في عصره شبيه له وكان ميلاده في سنة خمس وخمسين وستمائة. وتوفي في سلخ ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربعين وسبعمائة أمر السلطان بإنشاء المدرسة التي في مكة المشرفة المعروفة بالمجاهدية ووقف عليها وقفاً جيداً من أَملاكه المباركة يقوم بكفاية الجميع وجعل وقفها في ثلاثة مواضع من وادي زبيد موضع في أعلاه. وموضع في أسفله. وموضع في أَوسطه نظراً للمرتبين واحتياطاً لهم خوفاً أن يتغير موضع فيكون في غيره ما يستعينون به سنتهم إلى العام المقبل فرحمة الله عليه ما أَحسن نظره. وأطيب خبره ومخبره. وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة انقضت عمارة سور زبيد وجددت الأبواب الثمانية وزخرفت شراريعها حتى كانت كالنجم الزاهر. وفي هذه السنة أفسد المعازبة بالتهائم فساداً شديداً فنزل السلطان من تعز كجاري عادته فلما صار في حيث أَغار إلى بلاد المعازبة ولم يدخل وحط بالعسكر في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 بلادهم وأمر بقطع نخل المدبي فقطع من أُصوله. وقتل من المغاربة عدة مستكثرة وأَمسك آخرين فلعب الفيل ببعضهم وغرق الباقين في البحر ثم كان آخر أَمرهم أن شيخ عليهم امرأَة منهم يقال لها بنت العاطف وكساها فكانت تركب دابة من الحمر أو ناقة وتقود المعازبة بأَسرهم بعد الفساد الشديد والطغيان العظيم. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام الصالح أبو العتيق أبو بكر بن جبريل ابن أوسام العدلي بفتح العين والدال المهملتين. وكان فقيهاً صالحاً حرّاً أديباً تقياَ شريف النفس وأهله في بلاد السودان أهل دين وخير وكان تفقهه بجماعة منهم جمال الدين أحمد بن علي العامري شارح التنبيه وموفق الدين علي بن أحمد الصريدح. والإمام أبو الحسن علي بن أحمد الأصبحي صاحب المعين. ولما توفي الإمام أبو الحسن الأصبحي انتقل المذكور إلى تعز ودرس بالأتابكية ثم درس في الشمسية وكان مبارك التدريس وحصل عليه دين كثير فانتقل بسببهِ إلى زبيد. ودرس في المدرسة الصلاحية إلى أن توفي في شهر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتين وأربعين سافر السلطان إلى مكة المشرفة يريد حج بيت الله الحرام وسار في ركابه من الجيوش والعساكر ما يزيد على حد الوصف خيلاً ورجلاً فكان تقدمه من تعز المحروسة صبح يوم الخميس السادس من شوال من السنة المذكورة ودخل زبيد يوم الثلاثاء حادي عشر شوال المذكور في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما تبصرن بالآذان يرمي بها البلد البعيد مظفر ... كل البعيد لهُ قريب داني فحط في بستان الراحة المعروف بحائط لبيق. وكان تقدمه من زبيد يوم الجمعة الرابع عشر من شوال وصحبته الشريف الخطير الأمير عز الدين ابن رميثة بن أبي نمى صاحب مكة يسير صحبة ركابه. وكان دخوله المُهْجَم صبح يوم الجمعة الثامن والعشرين من الشهر المذكور. فأقام فيها إلى ثالث ذي القعدة ثم ارتحل منها في التاريخ المذكور فكان دخوله على بن يعقوب يوم الأحد الخامس عشر من ذي القعدة فأقام فيها إلى يوم الثامن عشر ثم ارتحل منها في التاريخ المذكور فكان وصوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وادي يلملم يوم الاثنين سلخ ذي القعدة. فأَمر السلطان بنصب الأحواض فنصبت وملئت ماء وطرح فيها من السويق والسكر ما شاء الله تعالى وسبلها للناس فشرب منها الصغير والكبير وتصدق على الناس بصدقة عظيمة من الدراهم والثياب للإحرام. ووصل يومئذ الشريف رميثة بن أبي نمى وهو يومئذ صاحب مكة ووصل معه سائر الأشراف وأكابر أهل مكة وحضروا عند السلطان فتصدق على الجميع منهم على قدر مراتبهم. وأعطى الشريف رميثة أربعين ألف درهم من الجدد المجاهدية وأعطاه من الكسوة وأنواع الطيب من المسك والعنبر والعود شيئاً كثيراً وخلع عليه وعلى من معه من الأشراف وأعطاه عدة من الخيل والبغال كوامل العدد والآلات. ثم ارتحل السلطان فأَمسى على بئر علي عليه السلام أول ليلة من ذي الحجة فاصبح يومه هنالك ثم سار فكان وصوله مكة ليلة الأربعاء الثاني من ذي الحجة فدخل مكة عشاءً وطاف طواف القدوم وسعى ودخل البيت المعظم بعد الطواف والسعي فلما خرج من البيت دخل مدرسته المجاهدية. ثم خرج إلى المخيم آخر ليلته فلما اصبح صلى صلاة الصبح ثم دخل مكة فأقام بها في مدرسته نهار الأربعاء الثاني من ذي الحجة المذكور وليلة الخميس ويوم الخميس وهو يشاهد الكعبة المشرفة ومن يطوف بها. فلما كان يوم الجمعة وصل الركب المصري ومن معه من المغاربة والتكاررة ولما كان بعد صلاة الجمعة طلب أمير الركب المصري فكساه كسوة سنية. ووصل الركب الشامي يوم السبت الخامس من ذي الحجة صحيح أهل الشام من الصفديين والحلبيين وغيرهم وتصدق السلطان على أمير الركب الشامي بكسوة حسنة وذلك في يوم الاثنين السابع من الشهر المذكور وفي يوم الثلاثاء الثامن من الشهر المذكور ركب السلطان في عساكره المنصورة إلى منى وأمسى بها ليلة الأربعاء التاسع من ذي الحجة فلما أصبح سار إلى الموقف الشريف في عساكره وجنده في تواضع وخشوع ... وتأَدب وخضوع ونفس لا تميل إلى خسيس ... وعين لا تدار على نظير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وكانت الوقفة المباركة يوم الأربعاء فلما أذن المؤّذن الظهر يوم عرفة صلى بصلاة الإمام وركب نحو الصخرات يتوخى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل واقفاً بين يدي الله سبحانه وتعالى في تقديس وتهليل وتسبيح وتبجيل إلى آخر النهار. وفي آخر النهار وصل أمير الركب المصري وأمير الركب الشامي وسأَلاه المثول بين يديه بتقبيل كفه الشريف فأذن لهما فوصلا وقبلا كفه الكريمة مراراً وأكثرا من الدعاء له. فلما غربت الشمس سأَلاه أن يأْذن لهما في المسير في خدمته فأَمرهما أن يسيرا في عساكرهما ومحاملهما فقبلا يده وانصرفا وتوقف هو ومن معه من عساكره وخواصه فلم يزل في بكاءٍ وخشوع ودعاءٍ وخضوع والحاضرون يبكون لبكائه ويؤَمنون على دعائه فلما غشيه الليل ستر في عساكره المنصورة إلى الموقف بمزدلفة. ولم يزل بها إلى أن صلى الصبح يوم النحر وأخذ حاجته من الحصى لرمي الجمار ثم سار إلى منى وقد حفت به العساكر وأَحاطت به الفرسان همام إذا ما هم أمضى همومه ... بأرعن وطء الموت فيه ثقيل وخيل براها الركض في كل بلدة ... إذا عَرَّست فيها فليس تقيل ولم يزل سائراً إلى الجمرة الكبرى فرماها هنالك وسار إلى مخيمه وسارت عساكر الشام ومصر بين يديه إلى المخيم فأقام يومه ذلك وهو يوم الخميس العاشر من الشهر فلما كان يوم الجمعة سار إلى مكة المشرفة وطاف بها طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فرمي الجمار الثلاث وبات ليلة السبت الثاني عشر في منى فلما أصبح يوم السبت الثاني عشر هرب أمير جاندار من الخدمة وكان قد تنسك وتاب إلى الله تعالى فأقر السلطان في وظيفته الأمير حسام الدين لاجين في التاريخ المذكور. وأقام السلطان في منى يوم الرابع عشر ثم تقدم إلى مكة المشرفة صبح يوم الاثنين وطاف بها طواف الوداع. فلما كان يوم السابع عشر برز السلطان إلى خارج باب النحر وأَشعر على كافة العسكر بالتأَهب وسافر آخر يوم الثامن عشر فاصبح على بئر آدم فأقام هنالك يوم السبت التاسع عشر ثم سار في عساكره قليلاً قليلا فكان دخوله حلى ابن يعقوب يوم الأحد الخامس من المحرم فأقام بها إلى يوم الخميس التاسع من الشهر. وفي إقامته بها أمر الأمير صارم الدين داود بن كشد غدي أستاذ دار الباب الشريف. ثم ارتحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 السلطان من حلى ابن يعقوب آخر يوم الخميس فكان وصوله إلى حَرَض ليلة الاثنين العشرين من الشهر المذكور. فلما أصبح في حرض يوم الاثنين تصدق بصدقة جليلة على سائر الناس. وأَقام فيها أياماً ثم ارتحل المَحَالِب يوم الجمعة الرابع والعشرين وقد عمل صاحب المحالي طلعات على باب الدار وأقام الفرحة بوصول السلطان فأقام السلطان فيها أياماً ثم ارتحل فدخل المهجم يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من الشهر المذكور. وقد عمل صاحب المهجم طلعات تمشى على العجلات بمن فيها من المغاني وأهل الطرب وفرش من الثياب الحرير عند قدوم السلطان شيئاً كثيراً. وكان خروج عسكر السلطان من المهجم آخر نهار الأربعاء التاسع والعشرين فصبح الكَدْرا يوم الخميس سلخ المحرم وكان خروجه من الكدرا آخر يوم الجمعة فصبح فشَال يوم السبت ثاني يوم في صفر وقد عمل صاحب فشال طلعات ومداريه ومغاني. وفي ذلك اليوم وصل السلطان الملك المؤَيد داود بن السلطان وصحبته الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان في العساكر المنصورة من الخيل والرجل ما يضيق عنه الفضاء. ثم ارتحل السلطان عن فشال ليلة الأحد فصبح مدينة زبيد يوم الأحد الثالث من صفر في العساكر المنصورة. والجيوش المتكاثرة. وقد أَحدقت الفرسان من كل مكان تحف أغرّ لا قود عليه ... ولا دية تساق ولا اعتذار تُريق سيوفه مهج الأعادي ... فكل دم أَراقته جبار فحط في بستان الراحة المسمى حائط لبيق. وقد عمل أمير زبيد ومشدها وناظرها ومشد الأملاك بها من الطلعات المزينة بالذهب والفضة والمدارية المزخرفة وفرشوا من الثياب شيئاً كثيراً. وفرش الملك المؤَيد بن مولانا السلطان وفرش الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان. وكان أمير زبيد يومئذ الأمير نجم الدين محمد أحمد الخَرْتَبِرْتي ومشدها وناظرها القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن قبيب ومشد أملاكها الشهاب بن عبد الرحمن أخو الحكيم الزبيدي. وكان ذلك اليوم يوماً عظيماً مشهوداً وأقام في زبيد يوم الأحد ويوم الاثنين. وفي يوم الثلاثاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الخامس من الشهر تقدم السلطان إلى نخل الأبيض وكان ذلك الوقت استواء النخل فأقام في النخل الثلاثاء والأربعاء في قصره المعروف بالفائق. وأمسى ليلة الخميس السابع من الشهر في قصره بزبيد فأقام فيه إلى يوم الأحد العاشر من الشهر. ثم ارتحل فاصبح يوم الأربعاء في حيس وكان فيها من الطرب والمغاني والطلعات ما يعجب ويطرب فأقام إلى يوم الخميس الرابع عشر من الشهر. ثم ارتحل منها فأمسى في الزراعي وصبح يوم الجمعة في الروض. فلما كان يوم السبت السادس عشر انعم على كافة العسكر بشيءٍ كثير من الذهب والفضة وأعطاهم من الكساوي والخلع على قدر مراتبهم وكان دخوله تعز يوم الأحد السابع عشر من الشهر في بزة حسنة وعسكر جرار من الملوك والوزراءِ والأشراف والأمراء. من كل ابيض وضاح عمامته ... كأنما اشتملت نوراً على قبس وخرج في لقائه الملوك والفقهاء واعيان البلد وخرج عامة الناس وخاصتهم فوقف لهم في الجُبيْل وقبلوا كفه الكريمة واكثروا من الدعاء له وهو يؤَمن على دعائهم ويقول كثر الله أمثالكم. فلما انقضى سلام الفقهاءِ وأَتباعهم سار في مواكبه وكتائبه ولم يزل سائراً إلى قصره وبستانه بالجهملية وقد عمل أهل تعز من الطلعات التي تمشى على العجل والمدارية شيئاً كثيراً فأقام في بستان الجهملية إلى صبح يوم الأربعاء العشرين من الشهر المذكور. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح جمال الدين محمد بن يوسف الصبري وكان قاضي مدينة تعز فتوفي بعرفة يوم عرفة من السنة المذكورة فحمل إلى الأبطح بمكة ودفن قريباً من تربة الفقيه على بن أبي بكر الزيلعي صاحب قربة السلامة. وكان فقيهاً مجوداً عارفاً محققاً اخذ الفقه عن جماعة من العلماء كالفقيه عمر الشعبي وابن العزاف وكان نحويّاً لغويّاً عارفاً بالقراءات السبع والفرائض والجبر والمقابلة درس في المدرسة المعروفة بالغزالية في مدينة تعز ثم انتقل إلى المظفرية. وامتحن بالقضاء في آخر عمره ثم سافر به السلطان إلى مكة المشرفة فتوفى يوم عرفة مبطوناً كما ذكرنا رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وفي سنة ثلاث وأربعين استقر السلطان في بلاده ولبست البيوت وعملت الفرحات سبعة أيام وأَنفق السلطان على العسكر المنصور نفقة أربعة اشهر. ووقع مطر عظيم عام في يوم التاسع عشر من الشهر المذكور فدفع الوادي زبيد في آخر ذلك اليوم دفعة عظيمة فوصل السيل قربة المُسَلِّب من وادي زبيد بعد صلاة المغرب فاحتمل معظم القرية. وسال في السيل من سكانها نحو من مائة وخمسين نفساً ما بين رجل وامرأَة وصغير وكبير وهلك من البقر والغنم والحمير شيءُ كثير ولم يبق من البيوت المسكونة إلا شيءُ يسير. وافتقر يومئذ كثير من أهلها. وانتقل أهل القرية من موضعهم إلى موضعهم اليوم وهو قبلي القرية القديمة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح إبراهيم بن مهنا بن محمد بن مهنا وكان فقيهاً ورعاً ناسكاً وكان مولده سنة تسع وثمانين وستمائة وهو أحد الفقهاء المدرسين على مذهب الإمام أبي حنيفة. واستمر مدرساً في المدرسة الدعاسية بزبيد. وكان ذا مروءَة وخلق حسن توفي في أثناء السنة المذكورة وقيل أن وفاته كانت في سنة سبع وأربعين والله اعلم رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن عبد الوهاب وكان فقيهاً فاضلاً تقه بذي السفال على الفقيه صالح بن عمرو على ابن أخيه محمد ابن عبد الرحمن. وولى قضاء صعدة مدة ثم عاد إلى تعز وجعل له رزقاً في جامع المهجم فأقام بها إلى أن توفي في سنة ثلاث وأربعين رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وأربعين خالف الملك المؤَيد على أبيه في شهر رمضان وكان إقطاعه الجثة فاستولى على مدينة المهجم فجرد إليه السلطان العساكر صحبة القاضي موفق الدين ثم جرد الأمير سيف الدين طغي الخراساني في عشر آخر. وفي هذه السنة حط السلطان في عساكره على جبل شورق وارتفع منه في النصف من المحرم. وفيها ظهرت عجيبة من العجائب وذلك أن جارية يقال لها غناء من بيت الأمير بدر الدين محمد بن الفخر وضعت ولد أربعة اشهر وجهه وجه جدي وله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قرنان وأربع عيون عينان من قدام وعينان من خلف وآذانه في راس الكتفين في كل كتف أذان وأنفه أعوج وله سن وناب ولسان ابن آدم متلسن أعني مخرج وشعره بين الجنبين وله أربع أرجل في كل رجل أربع أصابع وكوع حمار وله عجز مشقوق وله من قدام فرج ذكر ومن خلفه فرج أُنثى فسبحان الخلاق العليم الفعال لما يريد. وكان ولادته يوم الأحد سلخ شهر رجب من السنة المذكورة والله أعلم. وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن عمران المنبهي السهلي وكان فقيهاً ورعاً صالحاً فاضلاً مولده ثامن ذي القعدة من سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وكان تفقه بالفقيه صالح بن عمر ثم ارتحل إلى جباء وتفقه بالفقيه عثمان وكان يحفظ كتاب التنبيه لأبي اسحق ومنهاج النواوي غيباً وكان له في الفرائض يد طولى. وكان له في الفقه معرفة تامة وصلاحه مشهور وكان سليم القلب عن الأحقاد الطارئة وتوفي في السنة المذكورة. ويروى أنه لما توفي وقبر توفي بعده أحد أولاده فقبر إلى جنبه وقد افتتح قبره فالتمسوه في القبر فلم يجدوه فيه أعاد الله علينا من بركاته في الدنيا والآخرة. وفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة أصلح الملك المؤَيد ورجع إلى طاعة أبيه وضمن له القاضي شمي الدين يوسف بن الصاحب والأمير سيف الدين طغى الخراساني الرضا من أبيه فوصل إلى آخر المحرم أول الشهر من السنة المذكورة. فلما وصل مدينة تعز ودخل على أبيه عاتبه على ما فعل وضربه وحبسه فمات بعد ذلك بأيام قلائل رحمه الله. وكان سبب خلافه استكثاراً من أبيه حين قدَّم عليه أخاه المظفر وكان المظفر الصغير والمؤَيد الكبير فانف من ذلك هذا سبب خلافه. وفي شهر رمضان من السنة المذكورة أخذ السلطان كيكة من جبل السورق. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد القاسم بن عبد الرحمن المؤْمن بن عبد الله بن راشد وكان فقيهاً فاضلاً نحويّاً لغويّاً قرأَ النحو قراءة متقنة في صنعاء واقرأَه فيها مدة ثم ارتحل إلى تعز ودرس النحو في المدرسة المؤَيدية. وأَخذ المهذب قراءة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 ابن جبريل. وكان أيضاً معيداً في المؤَيدية. ودرس في مدينة ذي هُزَيْم ثم عاد إلى صنعاء وأقام فيها مدة يسيرة ثم عاد إلى تعز فتوفي فيها في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وأربعين تسلم السلطان جبل السورق جمعيه وذلك في الثاني والعشرين من ربيع الأول من السنة المذكورة. وفي ذي القعدة منها تقدم السلطان إلى عدن فأقام فيها أياماً وتفرج موسمها. وفيها توفي الأمير أسد الدين محمد بن الملك الواثق إبراهيم بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول وكان عاقلاً شهماً فارساً مقداماً سقط عليه الدار الذي سكنه في عدن رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن محمد بن أحمد بن سالم بن عمران ابن أحمد بن عبد الله بن جبران المنبهي السهلي وكان فقيهاً ذكيّاً عارفاً ولد سنة تسع وتسعين وستمائة. وتفقه بالفقيه صالح بن عمر البريهي. وكان أحد المعدودين المشار إليهم بجودة الفقه في ناحية السحول وكان حسن التدريس موفقاً في الفتوى وتوفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبع وأربعين رجع السلطان من عدن إلى زبيد وتفرج في زبيد على السبوت ونزل النخل فأقام فيه أياماً ثم سار إلى البحر كجاري عادته. فكانت قصة الملك الفائز قطب الدين أبي بكر بن حسن بن داود بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول. وذلك أن المماليك الغرباء لما تأَخرت نفقاتهم اجتمعوا واتفقوا على لزم السلطان في البحر لأنه هنالك فير غير حرز منيع وافق رأُيهم على سلطنة الملك الفائز أبي بكر بن حسن بن داود. فوصل إليه جماعة من أكابرهم ليلاً وعرفوه صورة الأمر فقال لا أوافقكم على شيء من هذا ولا أصحبكم في شيء منه قالوا فأنا نسعى في الأمر حتى نتمه فإذا تم الأمر فما حجتك. قال ما أظن هذا يتم وان تمَّ فلا إكراه فخرجوا من عنده واتفقوا على انهم يقصدون السلطان إلى البحر ويظهرون أنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 مطالبون بالنفقة. وافترقوا على هذا الرأي فلما عزموا على الخروج تقدم واحد منهم. وأخبر السلطان بالأمر وقال هؤُلاءِ هم بعدي فركب السلطان للفور وسار يريد النخل في طريق غير الطريق المعروفة. وأرسل نفرين من الجماعة أن يسيروا في الطريق المعتادة لينظروا من في الطريق منهم فلما وصل قصره المشيد في السوجين واجهه النفران اللذان أرسلهما. فاستخبرهما عمن وجدا في الطريق. فاخبراه انهما لقيا الغرباءَ قاطبة على دوابهم. فأرسل السلطان حينئذ إلى الأمير سيف الدين الخراساني والطواشي نظام الدين حصين وقيل بارع في عبيد السلاح وغلمان البغلة وقال تقدموا إلى قطب الدين وجيئوا به طوعاً وكرهاً وانظروا هيئته فتقدموا بأجمعهم إليه. فلما وصلوا موضعه دخل عليه الطواشي والأمير وقد أحاط العسكر بالموضع فوجدوا دوابه كلها مشدودة فقالا بسم الله يا مولانا قم طلبك عمك إلى مقامه الشريف فلم يجد بدّاً من ذلك فقربا له بغلة فركبها وساروا بأجمعهم إلى السوجين. فلما وصلوا به اشرف عليه السلطان وعاتبه ووبخه وأمر بقيده والتقدم به إلى تعز فقيدوه للفور وخرجوا به في ليلتهم فلما وصلوا به إلى تعز لم تطل مدته بل توفي عن قريب. وكان قبضه ليلة الثلاثاء السابع عشر من ريع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي آخر الشهر طلع السلطان إلى تعز وأتلف جماعة من الغرباء قتلاً وشنقاً وتغريقاً. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحضرمي وكان أوحد أهل زمانه فقهاً ونسكاً وهو أكبر فقهاء زبيد في عصره لا يختلف في ذلك اثنان. وكان مولده في سنة ثلاث وستين وستمائة وكان تفقه بابيه ثم بعلي بن إبراهيم البجلي وبابن ثمامة. وبأحمد بن سليمان الحكمي ثم ارتحل إلى ناحية المهجم فأقام في بيت ابن أبي الخل وأخذ عن أحمد بن أبي الحسين وانتهت إليه رياسة الفتوى في زبيد ونواحيها وكانت وفاته ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله محمد بن عمر بن موسى النهاري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 المشهور صاحب الكرامات المشهورة والمقامات المذكورة وكان أوحد أهل زمانه علماً وعملاً واجمع الناس على صلاحه وزهده وقلما وصله زائر إلا خاطبه باسمه واسم أبيه واسم بلاده وأين مسكنه منها. ومن كلامه رحمه الله تعالى الدنيا مدينتي وجبل قاف حصني ومحضري من الفرش إلى العرش والدليل على ذلك أنى آتى الناس بأسمائهم وأسماء آبائهم وما احتووه في قلوبهم وأين مساكنهم ومن صحبني وصحبته أَمن من الفزع الأكبر وأنا فقير لا زرع ولا بقر الماء والمحراب والرزق على الوهاب. اللهم خلصنا من المدر وصفنا من الكدر وأنت عنا راض غير غضبان يا ملك يا ديان. اللهم هذه الأيادي واصلة متصلة بحبلك المتين الذي لا ينقطع. وحصنك المنيع الذي لا ينظلع. واجعل هذه الصحبة والاخوة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم من كادنا فكده ومن تعدى علينا فأهلكه واحمنا بحمايتك لا حامي ولا ضائر لنا سواك بذرنا حبيبات وعليك النبات بيت بيت. وكان يقول وحق الحق ومن له الحق ومن سمى نفسه الحق صاحب الحوض وعدني بحوض أشرب منه وأَسقي من أحب ونحن بين الروضة والمنبر وكان وفاته يوم الخميس سابع المحرم أول شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة خالف أهل الشوافي وكان أول خلافهم في شهر صفر من السنة المذكورة فجمع السلطان عساكره من كل ناحية ومكان وسار إليهم بنفسه في جنود لا قبل لهم بها ووجه البحر يعرف من بعيد ... إذا يسجو فكيف إذا يموج وكان خروجه إليهم في آخر شهر ضفر من السنة المذكورة واستولى على الجبل وأهله يوم السادس من شهر ربيع الأول. ولما ظفر بهم قتل منهم طائفة بالسيف وغرق طائفة في البحر وكحل طائفة أخرى وأذلهم ذلاًّ شديداً ونزل السلطان إلى زبيد فأقام فيها أياماً وصام شهر رمضان في المدينة وعيّد عيد الفطر بها. ثم توجه إلى عدن في شوال أو في ذي القعدة من السنة المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل الريهي وكان فقيهاً مجتهداً عالماً ورعاً نقالاً للفقه إليه انتهت رياسة الفتوى والفقه في الجند ونواحيها تفقه بعمه صالح بن عمر واخذ وسيط الغزالي عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي واخذ عنه المعين ودرس بالمدرسة التي أنشأها خادم الدار النجمي سنة ثمان وعشرين وستمائة. وولي التدريس في المدرسة المؤَيدية ثم عاد إلى بلده واختصر شرح صحيح مسلم. وله فتاوى جمعها بعض أصحابه وكان مشاركاً في كثير من فنون العلم وكانت وفاته في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة رجع السلطان من عدن إلى زبيد فأقام فيها أياماً وتفرج في النخل كجاري عادته ثم سار إلى البحر فأقام هنالك أياماً ثم طلع تعز. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل جمال الدين محمد بن منبر الزيلعي وكان أحد فقهاء المحدثين بزبيد وكان فصيحاً صبيحاً له خط حسن مشهور توفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأمير الكبير شهاب الدين أحمد بن علي بن إسماعيل الحلبي النقاش وكان ذا همة عالية ورتبة سامية وكان وجيهاً عند السلطان وأَقطعه إقطاعاً حسناً يقوم بكلفته في السنة كلها وكان ناسكاً له عبادة ونقشف توفي ليلة الاثنين السادس من ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وقيل كانت وفاته في سنة خمسين وسبعمائة. وفي سنة خمسين وسبعمائة قتل الشيخ عكم بن وهبان صاحب أبيات حسين وكان قد كثر منه الفساد والخروج عن الطاعة وفعل أفعالاً قبيحة في تجار بيت حسين وغيرهم. وكان يقتل وينهب في البلاد وهو مقيم في القرية فتغافل عنه السلطان مدة لا يذكره ولا يذكر عنده فلما كانت هذه السنة المذكورة نزل القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار لجباية أموال الجهات الشامية. فلما وصل المهجم وقد أَوصاه السلطان في حديثه تزوج امرأَة من بنات عمه وأحسن إليهم إحساناً كثيراً وأنسوا به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وأقام في المهجم أياماً ثم سار إلى بيت حسين فأقام فيها أياماً فسألوه أن يستذم له من السلطان فقال لا تفعلوا فإن السلطان قد نسيه فلا تذكروه به. قالوا فإنه يجب أن يدخل إليك قال إذا قد عزمنا على السفر إلى المهجم وأما الساعة فلا فاظهر لهم أنه لا يريد دخوله إليه. فلما عزم على الرجوع قال لا يأتيني إلا ساعة الركوب وكان عزمه بعد صلاة المغرب فرتب جماعة من الغز عنده فلما استأذنوا له أذن فدخل فأخذوا سلاحه فلما تجرد عن سلاحه وقعوا به فقتلوه. وقتلوا معه رجلاً آخر من بني عمه. واحتزوا رؤوسهما. وركب وركب العسكر معه وخرجوا بالرأسين معهم. وسار إلى المهجم. وكان قتله ليلة الأحد الثالث عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الفاضل شهاب الدين أحمد بن مليح النحوي وكان فقيهاً ظريفاً نحوياً لغوياً وكان نادرة الزمان لطافة وظرافة لين الجانب دمث الأخلاق حسن المعاشرة وامتحن في آخر عمره بالعمى وكان وفاته في النصف الأخير من ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وخمسين عزم السلطان على الحج فتجهز وتوجه إلى مكة المشرفة وكان تقدمة من تعز يوم الرابع والعشرين من شوال وترك الأمير شمس الدين بن القاهري والياً في الحصن والطواشي أمير الدين أهيف معه في الحصن مقدماً وشداده. وترك القاضي موفق الدين عبد الله ابن على اليحيوي شداده في تعز. وكان يومئذ وزيراً وقاضي قضاة وترك القاضي جمال الدين بارع في حصن أرباب في عسكر جيد من الخيل والرجل وأعطاه مالاً على حفظ تلك الناحية الشرقية وجعل في حصن تعز من أولاده المظفر والصالح. ومن الأولاد الصغار يومئذ الظافر والأفضل والناصر والمنصور والمسعود. وتقدم بالعادل معه إلى مكة المشرفة مع جدته جهة صلاح. فلما تقدم قاصداً ما ذكرنا تقدم القاضي موفق الدين إلى جبلة يوم الأحد الثاني من ذي الحجة لأمر أوجب ذلك فأقام فيها. ولما دخل السلطان مكة المشرفة دخل معه الشريف بقية بن رميثة وكان أخوه عجلان قد طرده عن مكة فلاذ بالسلطان وسافر معه فلما صار في مكة نقل إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الشريف عجلان أن السلطان يريد يولي أخاه البلاد ويترك معه عسكراً من اليمن وأنه يريد يلزمك ويسير بك صحبته إلى اليمن فوقع الكلام في قلبه. فدخل على أمير ركب مصر وقال أن صاحب اليمن يريد أن يقف في مكة بقد تقدمكم وينزع كسوة البيت ويسكوه بكسوة قد جاء بها معه من اليمن. ويريد أن يولي في مكة والياً من جهته ويترك معه عسكراً ويغير أوضاعكم ولا يترك لكم في مكة أمراً ومن المصلحة أن لا تفوت. وإن لم تفعلوا تقدمت معكم وتركت مكة وبرئت من العهدة. فوقع هذا الكلام في قلوبهم. فاتفق رأُيهم على الإقدام عليه. فلما كان يوم الثاني عشر ركبوا بأجمعهم وانتهبوا المحطة على حين غفلة وأحاطوا بمخيم السلطان وهو في جماعة قليلة فرأَى السلطان أنه أن قاتل قتل هو ومن معه لقلتهم وكثرة العدو فبرز إليهم وسأًلهم أن لا يعترضوا أحداً من الناس ففعلوا وساروا بين يديه إلى محطتهم مرجلين وهو على بغلة على ما يجب من التبجيل والتعظيم وضربوا له خاماً خاصّاً فأنزلوه وسأَلوه أن يصطحب من غلمانه من شاء فاختار الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي وتوجه معهم إلى الديار المصرية. وسارت الأدر الكرام جهة صَلاح إلى مكة وسار معها الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني وسائر غلمان السلطان فلما دخلوا مكة أقاموا فيها واسترجعوا شيئاً كثيراً من الخيل والبغال والحمير والجمال والآلات ثم ساروا متوجهين إلى اليمن فيمن معهم من المقدمين كالقاضي جمال الدين محمد بن حسان والقاضي فتح الدين عمر بن الخطباء والقاضي صفي الدين أحمد بن عمار وسائر المعسكر. وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع أبو الحسن علي بن نوح الأبوي بضم الهمزة وفتح الباء وكسر الواو نسبى إلى أبي بن كعب الأنصاري الصحابي. وكان فقيهاً فاضلاً بارعاً حنفي المذهب نقالاً للحديث حافظاً لمعانيه. وكان ينقل الهداية عن ظهر الغيب واصل بلاده بلاد السودان مما وراء البحر. وكان أول وقوفه في قرية السلامة عند الفقيه أبي بكر الزيلعي المذكور أولاً ثم دخل زبيد فاستمر مدرساً في المنصورية الحنفية في زبيد. فأَخذ عليه جمع كثير وكان مشهوراً بالفقه والصلاح وكان وفاته في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وفي سنة اثنتين وخمسين وصل الحاج عمر بن زريزر ثاني يوم من المحرم. وكان ابن زريزر هذا رجلاً من أهل قرية التُّربة بوادي زبيد. وكان يحج كل سنة ولا يتقدمه أحد في الرجوع إلى اليمن بعد انقضاء الحج البتة البتة فيصل بأخبار الموسم وخبر من حج في تلك السنة من الملوك والأمراء وغيرهم ووصل في صحبته في هذه السنة بأوراق من مكة فضربت الطبلخانة ثلاثة أيام. ثم شاع الخبر بما تضمنته الأوراق. وفي ذلك اليوم وصل القاضي موفق الدين من جبلة إلى تعز ولما اتصل العلم بالطواشي جمال الدين بارع وعلم بنزول الوزير من جبلة نزل من أرباب ووقع في نفسه أن السلطان لا يرجع اليمن أبداً وأنه ربما اتفق الأمر على قيام واحد من أولاد السلطان فيكون هو صاحب الباب. فلما صار في الجند هو وكافة العسكر الذي معه كتب إليه الطواشي أمين الدين أهيف كتاباً يقول فيه عرفني ما سبب نزولك من عهدتك وما مرادك بهذا العسكر الذي جمعته من كل مكان فلم يجد عذراً يقيمه. فكتب جواباً يقول فيه ما وصلت إلا بأمر الوزير كتب لي أن أصل بعسكر الجبل جميعه فوصلت بهم فان تأْمرني بالوصول وصلت. وإن تأْمرني بالرجوع رجعت. ولم يكن الوزير كتب إليه في شيء من هذا فلما وقف الطواشي أهيف على كتابه طلب القاضي موفق الدين إلى الحصن فطلع وطلع القاضي عفيف الدين عبد الأكبر والفقيه تقي الدين عمر بن عبيد علي فقبض الطواشي أهيف على الوزير ورسم عليه وحبسه عنده في الحصن. ثم قبض الأمير شمس الدين يوسف بن القاهري أمير الحصن وكاتبه ونقيبه. وكان ذلك يوم السبت الحادي والعشرين من اشهر المذكور. فلما علم الطواشي بارع يقبض الوزير وأمير الحصن سرى ليلاً من الجند فأصبح في المدرسة المجاهدية في تعز متحيراً فأَمر الطواشي أهيف من لزمه من المدرسة المجاهدية فلزم واطلع حصن تعز يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من الشهر. ثم قابل بينه وبين الوزير فقال الوزير للطواشي بارع أن كنت كتبت إليك كما تقول فأوقفني على كتابي إليك فقال الطواشي وأين أجد كتابك الساعة وقد اخذ جميع ما كان معي فأمر بهما فقيدا وباتا في الحصن وأمر في ليلته تلك الأمير شمس الدين يوسف بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 القاهري وبالنقيب والكاتب فاصبحوا مطروحين في الجند يوم الخامس والعشرين من الشهر. ولما كانت ليلة السبت الثامن والعشرين أمر الطواشي أهيف بشنق الوزير والطواشي بارع فلما أصبح أمر بهما فقبرا في المقبرة بتعز. وفي يوم الأربعاء الثاني من شهر صفر أمر الطواشي أمين الدين أهيف على الشيخ رضي الدين أبي بكر بن حسن بن الفضل أن يكون نائب القاضي فتح الدين في الوزارة وفي يوم الثالث من صفر أمر القاضي عفيف الدين عبد الأكبر في قضاء الأقضية. ولما خرج عسكر السلطان من مكة كما ذكرنا وتوجهوا نحو اليمن ساروا على هيئتهم. فلما وصلوا حرض وكان فيها الأمير نور الدين بن ميكائيل فأمرت موالينا الآدر الكرام جهة صلاح على القاضي جمال الدين محمد بن حسان أن يقف فيها لما يعلمون من سكينته وحسن تدبيره. ثم سارت في بقية العسكر حتى دخلت في مدينة زبيد. فأقامت فيها أياماً ثم سارت إلى تعز فيمن معها من العسكر فوصلتها ليلة الأربعاء السادس عشر من شهر صفر. فوقفت في المحلية وبرز أمرهم العالي بأَن يضرب الطبلخانة نوبة جليل ولم تك تضرب قبل ذلك ووصل معهم القاضي فتح الدين والقاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار والطواشي نظام الدين خضير. وكتبت إلى الطواشي أهيف أن يرسل إليها بالملك المظفر والملك الصالح ليسلما إليها فنزلوا وسلموا إليها ووقفوا عندها في المحلية. فلما صاروا عندها طلعت الحصن وطلبت الطواشي أهيف فاستخلفته وتوثقت منه وأمرته أن يطلب الأولاد من المحلية فطلبهم فطلعوا يوم الخميس السابع عشر من صفر. وفي يوم الرابع والعشرين من الشهر المذكور وصل رجل يسمى الجمري بأوراق من السلطان كتبها له من المدينة فضربت الطبلخانة لأجل ذلك. وفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول وصل الفضل بن الحرازي براس ابن قمار صاحب بعدان إلى مدينة تعز فكسى كسوة وأعطى مالا يستغني به. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور وصل القاضي جمال الدين محمد بن علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الفارقي بابتداءات من السلطان كتبت له من مصر وضربت الطبلخانة لأجل ذلك ثلاثة أيام. وفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الآخر وصل الحاج مفتاحِ الشداد بابتداءات من السلطان فضربت الطبلخانة لأجل ذلك سبعة أيام وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر وصل العلم أن السلطان خرج من مصر متوجهاً إلى اليمن فلما سار أياماً أمر صاحب مصر برجوعه إلى مصر. وفي هذه السنة حصل في اليمن موت عظيم فتوفي في يوم الخميس غرة جمادى الأولى سبعون إنساناً في مدينة تعز. وفي غرة جمادى الآخرة وصل الشريف سليمان بن الهادي صاحب صعدة فأقام في تعز أياماً ومرض فتوفي في يوم الخميس الخامس والعشرين من رجب. وفي آخر شهر رمضان قبض الأشعوب حصن سامع وقتلوا من الرتبة خمسة عشر رجلاً. وخالف أهل بعدان وكان أول خلافهم من أبٍّ. وفي يوم الخامس من شوال نهب الأشعوب جباء. وفي يوم السابع من شوال قتل عباس بن جسمر قتله بنو عمه. وفي عشر من الشهر المذكور خرج العسكر المنصور لقتال الأشعوب وفيهم القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار وأحد بني زياد والأمير الحسام ابن عبد الغني فأخذوهم قهراً بالسيف ورجعوا إلى تعز ظافرين. وكان رجوعهم يوم السابع والعشرين من الشهر المذكور. وفي التاريخ المذكور وصل رجل يقال له العشيري وشيخ يقال له الجمري بأوراق من الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني من مكة وأخبروا بوصول السلطان وأنه قد صار في أثناء الطريق فضربت الطبلخانة سبعة أيام وعملت فرحة عظيمة وبرز أمر موالينا الآدر الكرام جهة صلاح بتجهيز العساكر للقاءِ السلطان. فلما كان يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة وصل من السلطان بابتداءات شريفةٍ من سواكن فضربوا لأجله الطبلخانة ثلاثة أيام. وبرز العسكر للقاءِ السلطان يوم الرابع عشر من ذي القعدة وتقدمت الطبلخانة صحبة العسكر بأعلام جدد وخلعات جدد وبزة حسنة وآلة كاملة قد هيئت لوصوله. وتقدم الأمير بهاء الدين السنبلي إلى المخلاف آخر ذلك اليوم. ولما دخل العسكر زبيد أقاموا فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 يومين أو ثلاثة ثم توجهوا نحو الجهات الشامية. وكان خروج السلطان من البحر إلى ساحل الحادث يوم الاثنين السادس من ذي الحجة فسار إلى المهجم وعيَّد فيها عيد الأضحى من السنة المذكورة. وفي ليلة الجمعة السادس عشر من ذي الحجة وصل رسول من مولانا السلطان إلى موالينا جهة صلاح فنزلت من حصن تعز يوم الثامن عشر إلى المحلة وتقدمت حينئذٍ ليلة التاسع عشر من الشهر المذكور. ونزل صحبتهم بقية العسكر وأولاد الملوك. فكان دخولهم زبيد يوم الحادي والعشرين من الشهر المذكور. وتقدم السلطان من المهجم الزبيد في عساكره المنصورة حتى إذا عقدت فيها القباب له ... أهلَّ لله باديه وحاضره وجددت فرحاً لا الغم يطرده ... ولا الصبابة في قلب تجاورهُ وكان دخوله بستان الراحة من زبيد يوم الأربعاء الثامن والعشرين من ذي الحجة. وقد عملت الفرحات والطلعات وزينت المدينة وفرح الناس بوصوله فرحاً عظيماً فأقام في محروسة زبيد أياماً. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام الحافظ أبو اسحق إبراهيم بن عمر ابن علي بن محمد العلوي. وكان فقيهاً نبيهاً حنفي المذهب عارفاً محققاً واليهِ انتهت الرياسة في علم الحديث باليمن. وكان أخذه عن كبار العلماءِ كابي العباس بن أحمج بن أبي الخير الشماخي وإبراهيم بن محمد الطبري والحجار وغيرهم. وعنهُ أخذ فقهاء العصر واليهِ كانت الرحلة من الآفاق وحضر مجلسه جلة العلماء وكان جامعاً بين فضيلتي العلم والعمل. وكان متواضعاً سهل الأخلاق كثير البشاشة مسموع القول له قبول عظيم عند الخاص والعام درَّس في مدرسة أم السلطان بزبيد وهي المعروفة بالصلاحية. وكان ميلاده سنة ثلاث وتسعين وستمائة وتوفي وقت صلاة العشاءِ من ليلة السبت العشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح المشهور أبو بكر بن أحمد دعسين القرشي وكان فقيهاً بارعاً متفنناً زاهداً ورعاً باذلاً نفسه لطلبة العلم تفقه به كثير من الناس من أهل الجبال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 والتهائم. وكان مشهوراً بالعلم والصلاح والتواضع يسعى من موضع إلى موضع في ثوب واحد إذا لم يجد لحافاً ولم يشتغل بكسب شيءٍ من الدنيا. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الصبري. وكان فقيهاً بارعاً ذكيّاً تفقه بالفقيه عمر بن سعيد التعزي وبالفقيه عمر بن أبي بكر العرَّاف. وكان عمره عشرين سنة حفظ القرآن العزيز ونقل التنبيه والمنهاج غيباً وأخذ من النحو واللغة ما أعجز أمثاله ودرَّس في المدرسة السابقة بالحميرا. وكان ميلاده في التاسع عشر من صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وخمسين أقطع السلطان ولده المظفرِ فشال وأقطع الصالح الكدراء وأمرهما بالتقدُّم إلى إقطاعهما فتقدما. ولذلك في أول شهر المحرم. ثم تقدم السلطان من زبيد إلى تعز فكان دخوله يوم العاشر من المحرم. فلما استقر في بلاده شفعت إليه والدته جهة صلاح في إطلاق المسجونين من الملوك فأطلقهم جميعاً وكانوا ثلاثة نفر. شمس الدين محمد بن الملك المنصور أيوب بن يوسف بن عمر وزين الإسلام أحمد بن محمد الناصر ابن الملك الأشرف عمر بن يوسف بن عمر. والثالث المفضل شمس الدين يوسف بن حسن بن داود بن يوسف بن عمر. وأطلق أيضاً معهم الشيخ عمر بن حسين الزميلي. وكان مسجوناً أيضاً ثم أمرهم بسكنى قرية السَّلامة فسكنوها إلى أن توفوا إلى رحمة الله تعالى. وأقام السلطان في تعز إلى شهر جمادى الأولى. ثم نزل فأقام فيها بقية جمادى الأولى وشيئاً من جمادى الآخرة. ثم تقدَّم إلى تعز وتقدَّم معه والداه الصالح والمظفر. فلما استقر في تعز جهز عسكراً لأهل بعدان. فكان القاضي صفي الدين أحمد ابن محمد بن عمار في محطة ومعه قطعة من العسكر. وكان القاضي فتح الدين في محطة ومعهُ قطعة من العسكر. وكان الطواشي أمين الدين أهيف في قطعة من العسكر من محطة ثالثة وشرعوا في بيعة في الجبل فلم يتفق لهم ذلك فأقاموا إلى شهر شعبان ونزلوا. وفي شهر شعبان الكريم أرسل السلطان بهدية جليلة وسار فيها ولده الناصر أحمد وسار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 معه القاضي فتح الدين عمر بن محمد بن الخطباء. والأمير شمس الدين علي بن حاتم والطواشي نظام الدين حضير فتقدموا جميعاً إلى الديار المصرية. فتوفي الطواشي في عيذاب وقبر هنالك ولما وصل خبر وفاته بادر السلطان بإرسال الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني فتقدم مسرعاً فلم يدركهم إلا وقد دخلوا مصر. وفي هذه السنة توفي الفقيه الأوحد أبو الحسن علي بن الفقيه أحمد بن علي بن الجنيد وكان فقيهاً ماهراً نحويّاً لغويّاً بارعاً في علم الطب تفقه بجماعة من فقهاء تعز وأخذ عن ابن الأديب وعن ابن الأحمر ودرس في المدرسة الأسدية بتعز. وكان حسن الأخلاق كريم الطبع شريف النفس عالي الهمة وكان يقول شعراً حسناً على طريقة الفقهاء ثم انتقل إلى مدينة زبيد فسكنها واستوطنها واستمر بعيداً في مدرسة أم السلطان المعروفة بالصلاحية في زبيد. وولي القضاء الأكبر إلى أن توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الماهر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر بن سلمة الحبشي الوصابي وكان مولده عاشر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فنشأَ نشوءاً صالحاً وختم القرآن في اقرب مدة وتفقه على والده. وكان ذا فهم وفطنة محباً في جميع العلوم ملازماً للقراءَة زاهداً عابداً كارهاً للدنيا رافضاً لها إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وخمسين وسبعمائة برزامر السلطان يقبض المشايخ بني زياد ومصادرتهم على يد الأمير بهاء الدين بهادر المجاهدي وكانوا ثلاثة نفر أحدهم مقطع لحج وأبين. والثاني ناظر الجهات الجملئية يحكم من المفاليس إلى المعافر. والثالث كان ناظر الجباية والتغزية يحكم إلى حد بطحوات وأَكثر عليهم الكلام وحسدوا وأُغرى السلطان بهم وكان لهم فضل ومروءة ومكارم أخلاق. وكان الناس يقولون هم برامكة الوقت لفضلهم وجودهم واستيلائهم على معظم مملكة اليمن. فنقل إلى السلطان عنهم ما غيَّر باطنه وظاهره فأوقع بهم وصودروا مصادرة قبيحة حتى هلكوا في المصادرة جميعاً في مدينة الجوه ودفنوا فيها فقبورهم هنالك والله أعلم رحمهم الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وفي شهر صفر من السنة المذكورة انفصل الملك المظفر من إقطاعه بفشال واستمر فيها الأمير شجاع الدين عمر بن العماد فكانت ولايته سبباً لخراب التهائم وذلك أنه لما تولى في الجهة المذكورة كانت ولايته على يد القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب وكان القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب المذكور ببعض الأشاعر ويتابعهم متابعة شديدة لميلهم إلى القاضي جمال الدين محمد ابن إحسان الوزير وكان القاضي شهاب الدين أيضاً غساني النسب فلم تعطفه عاطفة فأَخذ ابن العماد أَخذاً شديداً لمتابعتهم ولاسيما الشيخ أحمد بن عمر بن عبد الله الاشعري. فلما دخل ابن العماد فشال. وكان دخوله في جمادى الأُولى طلب الشيخ أحمد بن عمر وقال له أريد منك خمسة آلاف دينار. فقال بأَي حجة فقال مالك طريق إلا على تسليمها طوعاً وكرهاً فخرج الشيخ من عنده. وتقدم إلى قرية المخيريف ولم يأْته بعدها فكتب إليه يطلبه فاعتذر عن الوصول ثم طلبه مرة أُخرى فاعتذر وقال لا ادخل فشال أبداً. فكتب ابن العماد إلى القاضي شهاب الدين يعلمه بامتناعه عليه فكتب القاضي شهاب الدين إلى السلطان يسأَله أن يكون الأمير حسام الدين لاجين مقدماً في فشال فأُجيب إلى ذلك. فنزل الأمير الحسام لاجين إلى فشال. فركب ابن العماد إلى المخيريف لجباية الأموال بها. وكان خروجه إلى المخيريف يوم الثالث عشر من ذي القعدة. فلما وصل المخيريف دخل في عسكر جيد من الخيل والرجل فطلب الشيخ أحمد بن عمر فوصل إليه في جماعة من أهله وعبيده. فلما دخل عليه هد عليه وأسمعه من الكلام ما لا يحسن فخرج الشيخ وهو في أشد ما يكون من الغيظ. فلما جن الليل عول على رجل من أهل البلد أن يدخل على الأمير ويصلح بينه وبينه بما يرى فيه المصلحة فتقدم ذلك الرجل إلى الأمير وحادثه ساعة ثم شرع في حديثه فلم يتفق له معه أمر بل وجده على أخبث نية فيه. وكان آخر كلامه والله ما لي طريق إلا على أخذ رأْسه ولا أخرج من المخيريف إلا به. فخرج ذلك الرجل إلى عند الشيخ أحمد بن عمر وأَخبره بجميع ما سمع من الأمير فقال له الشيخ جزيت خيراً. فلما أصبح الشيخ ركب حصانه وطلب ابنه علي بن أحمد وكان ابنه فارساً فتاكاً فأوصاه بالأمير وخرج على حصانهِ لبعض الأمور فطلب ابنه نفرين من بني عمه وعبداً من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 عبيد أبيه ودخلوا على الأمير من غير إذن فوقعوا عليه. وكان عنده أحد غلمانه فلما نظرهم الغلام أخذ شيئاً من سلاحه وقصدهم فانفرد له واحد منهم فتضاربا حتى وقعا على الأرض قتيلين ومضت الجماعة على الأمير فقتلوه موضعه فتشعشع العسكر فقالوا لهم كلكم في الأمان والضمان فخرجوا ولم يتعرض لهم أحد وكان قتله يوم الرابع عشر من القعدة من السنة المذكورة فاستمر القاضي عفيف الدين عثمان بن سليمان بن طلحة الدوري فوصل وقرر أحوال الناس. وفي هذه السنة نزل السلطان إلى زبيد في آخر شهر ربيع الأول فأقام فيها أياماً. وتوفي القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار المعروف بالنشو وكان وفاته ليلة السبت الثالث عشر من شهر ربيع الآخر وقبر عند قبر الأمير بدر الدين حسن بن علي الحلبي على جنب طريق الزّيبة من باب سهام. وطلع السلطان تعز في أول شهر جمادى الأولى فلما استقر في تعز أمر القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار وزيراً في الباب الشريف. وفي أول ليلة استمر في الوزارة حرقت الركبخانة وحرق جميع ما كان فيها من ذهب وفضة وجواهر وسروج وغير ذلك مما يساوي بثلاثمائة ألف دينار. وفي شهر رجب استخدم السلطان العساكر ونهض إلى المخلاف فحط في دار السلام من جبلة. وحط الطواشي صفي الدين أبو معلق والصارم بن حباجر والمشايخ بنو ناجي في مصال. وكان معهم من العسكر أربعمائة فارس وثمانية آلاف راجل. وكان الأمير البهاء السنبلي والقاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب والأمير بدر الدين علي بن إسماعيل بن إياس في مدين وكان معهم من العسكر مائة فارس من الباب وخمسون من الأكراد وأربعة آلاف راجل فأحاطت العساكر بالجبل وضيقوا على أهل بعدان ضيقاً شديداً. فلما رأى السيري ما هم فيه من الضيق وتزايد الأمراء أراد الحيلة في ذلك وكان رجلاً دهياً مكاراً فطلب فقيراً من المدروزين ووهب له شيئاً ووعده بشيء آخر. وقال له أريد منك أن تنفعنا حتى ننفعك قال وبماذا أنفعكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 قال نتقدم إلى خيمة السلطان ونقول للزمام عندي نصيحة للسلطان وأريد مواجهته ولا اذكرها إلا له. فإذا دخلت على السلطان قلت له يا مولانا السلطان أنا رجل فقير مدروز وبت هذه الليلة في المسجد الفلاني من بعدان. فلما كان نصف الليل وصار جماعة إلى المسجد ووقفوا ساعة ثم جاء جماعة آخرون فإذا هم أهل بعدان وجماعة من أهل الشعر. فاتفقوا وتحالفوا على أن أصحاب الشعر ينزلون إليكم مغيرين ومستنهضين لكم في فتح الحرب على أهل بعدان. فإذا افتتح الحرب وطلعتم للقتال أحاطوا بكم وأشاروا لأهل بعدان بالجملة فيأخذونكم باليد وهم واصلون إليكم غداً أو بعد غد وقد والله أكلنا صدقاتكم غير مرة وإحسانكم علينا وعلى غيرنا كثير. وأردت أن أطلعكم على ما قد اجمع رأيهم فلا يطلعوا إلا على أهبة. فقال له السلطان بارك الله فيك ووهب له نحواً من خمسين ديناراً. وكان أهل الشعر يقاتلون مع السلطان قتالاً عظيماً. وكان القاضي جمال الدين يشكرهم للسلطان ويثنى عليهم عنده وفي مكاتباته. فلما أظل العيد أمرهم القاضي جمال الدين بأن ينزلوا إلى الباب الشريف لأجل العيد. وفي ظن القاضي جمال الدين أن السلطان يكسوهم ويحسن إليهم فانهم يزدادون بذلك اجتهاداً في القتال ومحافظة على النصيحة. فلما علم السيري بأنهم سينزلون إلى باب السلطان صنع هذهِ المكيدة. فلما نزلوا إلى الباب الشريف طلب السلطان عبيد السلاح وجماعة من الغز ولزم منهم ثمانية عشر شيخاً وقيدهم للفور وأطلعهم حصن تَعْكَر وهرب من أصحابهم من هرب. فلما اتصل العلم بأهل الشعر هجموا المحطة ولزموا القاضي جمال الدين محمد بن حسان والأمير البهاء السنبلي وحرّقوا المنجنيق فارتفعت المحاط وهرب الأكراد إلى ذَمَار وارتفع السلطان إلى الجَنَد واتصل الخلاف وظهر الفساد في كل ناحية. وفي هذه السنة نزل القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار لاستخراج أموال الجهات الشامية. وكان نزوله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه الصالح تقي الدين عمر بن أبي بكر العرَّاف. وكان مولدهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 في تاسع المحرَّم من سنة ثمان وثمانين وستمائة. تفقه بابن النحوي وتزوَّج ابنته. ولما احتضر ابن النحوي أوصى إليه في ضم تركته وقضاء دينه فقام بذلك أتم قيام. ثم خلفهُ في تدريسه بالعربية فوقف فيها مدة ثم حج سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجاور بمكة سنتين ثم رجع إلى اليمن فقابله المجاهد بالإجلال والإكرام. وكان له عنده منزلة عظيمة وأمرهُ مدرساً في مدرسته التي أنشأها في مدينة تعز وجعل نظر الخانقة بحيس. وكان يعدُّ من أهل الزهد والورع وسعة العلم. وكان شريف النفس بشوشاً وامتحن بقضاء تعز مدة في أيام ابن الأديب ثم عزل عنه. وكان وفاته يوم السابع من جمادى الآخرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع عفيف الدين عبد الأكبر بن الفقيه أحمد الجنيد وكان فقيهاً عاملاً عابداً زاهداً ورعاً حسن السيرة. ولى قضاء السحول في مدة ثم تولى القضاءَ في مدينة تعز وأقام فيه مدَّة ثم تولى قضاء الأقضية في أيام الملك المجاهد. وكانت سيرته مرضية وكان له فهم جيد وحسن نظر وسياسة في الأحكام يعجز عنها غيره. وكانت وفاته بالسهولة في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وخمسين وسبعمائة استورد القاضي شهاب الدين أحمد ابن قبيب أمر السلطان إلى صاحب فشال أن يغير بالعسكر المنصور على الأشاعر وأن يغير بالقرشيين عليهم وكتب إلى القرشيين يأمرهم بالغارة على الأشاعر كما ورد الأمر الشريف فخرج المقدم لاجين في السكر السلطاني من فشال وخرج أهل القرشية أيضاً في جمعهم وسبق العسكر قبل وصول القرشيين فاقتتلوا ساعة من نهار فانهزم العسكر ورجعوا خائبين. وأقبل أهل القريشة عند هزيمة العسكر فاقتتلوا قتالا شديداً حتى قتل من كل طائفة ثم افترقوا فقال الشيخ أحمد بن عمر يا هؤلاء الناس ما لنا بقتا السلطان من طاقة فارتفعوا عن البلاد فارتفعوا عنها وتفرَّقوا في وادي زبيد وفي الجوار. فكان خروجهم من البلاد سبب خراب التَّهائم كلها وذلك أن المعازبة اتفقوا هم وأهل القرشية على الفساد فاخرجوا وادي زبيد ووادي رِمَع شيئاً فشيئاً. وكانت الأشاعر ترساً على الودايين ولجاماً في رؤوس المعازبة. فلما غابت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الأشاعر عن البلاد تقلبت المعازبة ووجدوا مقرَاً في طرف البلاد. ثم أن القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار رجع من الجهات الشامية في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكان في صحبته عدة من غز الرتب نحو من مائتي فارس فاتفق رأيهم على غزو المعازبة فقصدهم العسكر المذكور يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكانت المعازبة حلالاً في أطراف الوادي رمع بعد خراب المخيريف. وقد كثرت خيلهم يومئذٍ فلما وافاهم العسكر استتروا عنهم حتى أخذ العسكر شيئاً من أموالهم واجتمعت خيل المعازبة بأسرها وحملوا على العسكر وقد افترق العسكر فهزموهم هزيمة شديدة وقتل المقدم لاجين وقتل معه طائفة من العسكر فأخذوا من الخيل شيئاً كثيراً فرجع ابن سمير إلى فشال فأقام فيها إلى شهر رمضان. ووصل الشجاع ابن يعقوب أميراً في رمع فأقام إلى آخر السنة. وفي هذه السنة جهز السلطان هدية جليلة إلى الديار المصرية وتقدم فيها الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني فالتقاهم شعب عند جبل الزقر فانصلحت القطعة التي فيها الطواشي فهلك هو وجماعة من الذين معه. وكان هذا جوهر الرضواني معدوداً في أهل الرياسة معروفاً بكرم النفس وعلو الهمة وعذوبة الأخلاق خدم الجهة الكريمة جهة الطواشي شهاب الدين صلاح والدة مولانا السلطان الملك المجاهد وجعلته زمام بابها وأضافت إليه أمورها كلها فارتفع شأَنه وكان له سيرة حسنة. ونال من السلطان ثقة تامة وعول في كثير من الأمور عليه وندبه سفيراً في الهدية الأولى لما توفي الطواشي خضير. فقام في ذلك أحسن قيام وعاد على أحسن حال ثم ندبه في هذه الهدية فتوفى كما ذكرنا وكانت وفاته في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة وقبر في مقبرة باب سهام رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وخمسين قويت شوكة العرب المفسدين في التهائم فاجتمع المعازبة وأهل القريشة ورماة البسيط والقحراء ومن انضم إليهم وقصدوا قرية المخيريف بأجمعهم في آخر شهر المحرم فأحاطوا بالقرية فخرج أهل القرية لقتالهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 فقتل الشيخ أحمد بن عمر بن عبد الله الأشعري وقتل معه جماعة من أهل القرية وكانت الوقعة في آخر النهار فلما أصبحوا انتقلوا عن القرية وخرب بخرابها طائفة من قرى رمع وهي الرقبة والمكابرة والحلة والمقترعة والمضرب والبطة والكحلاني ومحل كهلان. وخرب أيضاً بعض قرى الوادي زبيد ولكن تراجعوا بعد أيام. وأما هذه القرى المذكورة من رمع فما رجع منعا إلا الرقبة فان أهلها رجعوا وأقاموا فيها مدة ثم خرجت أيضاً ثم رجعوا وأما القرى المذكورة فلم يرجع منها شيء إلى وقتنا هذا. ثم استمر القائشي فضمن وادي زبيد ورمع والقحمة فاختبطت عليه البلاد وما عرف ما يفعل فحمل من وادي رمع خمسة عشر ألفاً فلما تحقق السلطان عجزه فصله وأمر القاضي جمال الدين محمد بن حسان الوزير وكان استمراره في آخر السنة المذكورة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو يعقوب إسحاق بن الفقيه أحمد بن يحيى بن زكريا وكان ميلاده لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانين وستمائة. وكان تفقه بأخويه محمد وداود وغيرهما ودرس في الأتابكة بذي هزيم ناحية من نواحي تعز ثم درس بالمؤَيدية وتفقه به جماعة من أهل العصر. وكان ممن يعّد محققاً وكان عارفاً بالفقه نقالاً للمذهب لا تدور الفتوى في تعز إلا عليه. ثم على الفقيه أبي بكر بن جبريل. وكان عالي الهمة شريف النفس توفي في أثناء السنة المذكورة بزبيد وقبر في مقبرة باب سهام شرقيها وقيل كانت وفاته في سنة ستين وسبعمائة والله أعلم رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأمير الكبير أقباي بن عبد الله الحاجب التركي وكان ذا ديانة ونسك وله مقامات مشكورة قل أن يوجد نظيره في أبناء جنسه وكانت وفاته يوم الأحد السابع عشر من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبع وخمسين وسبعمائة اشتد فساد العرب في التهائم وكثرت خيول العرب المفسدين وأخرجوا عدة من القرى وانقطعت الطرق وانضم القرشيون إلى المعازبة فكانوا يغيرون على أطراف البلاد للقتل والنهب والحريق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وفيها أقطع السلطان ولده الملك الصالح القَحْمَة فسار إليها وقد عظمت شوكة العرب وعظم الفساد فلم يصنع شيئاً وكان فيها المحصور. ثم أن القاضي جمال الدين محمد بن حسان جمع العسكر الذي معه في فشال وطلب عسكر القحمة وجمع فيها جمعاً كثيراً من العرب وقصد القرشية فأغارت المعازبة بخيلها ورجلها فانهزم العسكر وقتل من الرجل طائفة وجماعة من الخيل وفي جملة من قتل الأمير سيف الدين الشهابي أستاذ دار الملك الصالح وكان فارساً شجاعاً وكانت الوقعة يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة. وحمل القاضي جمال الدين محمد بن حسان نيفاً وسبعين ألفاً من رمع وشكر السلطان همته وفي سنة ثمان وخمسين انفصل القاضي جمال الدين محمد بن حسان من رمع واستمر فيها الملك الصالح واستمر الأمير شمس الدين علي بن حسن الحلبي في القَحْمة. وفي هذه السنة وصلت التجار من الجهات الشامية بعدة من الخيل يريدون بها موسم عدن كما جرت عادتهم فلما دخلوا فشال رأتها الأشاعر ونظروا انتشار الفساد في البلاد فاخذوا الخيل الواصلة إليهم بأسرها وكان أخذهم للخيل يوم الرابع عشر وكان ذلك بموافقة الوالي كما قيل وهو الأمير بدر الدين حسن بن باساك فلما ركبوا الخيل امتنع المعازبة من وادي رمع. فأمر السلطان بقبض الأمير المذكور فقبض في شهر رمضان وكان الذي قبضه الأمير بهادر المجاهدي وهو يومئذ أمير جاندار الباب وطلع به تحت الحفظ إلى السلطان فأمر السلطان بشنقه فشنق في آخر شهر رمضان المذكور. ونزل الملك الصالح إلى أقطاعه فشال في شهر شوال ونزل بعده الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان في عسكر من الباب نحو من سبعين فارساً خارجاً عن عسكر الملك الصالح. ولما امتنعت المعازبة عن وادي رمع باجتماع الأشاعر في فشال اجتمع المعازبة وقصدوا مدينة القحمة فحرقوها وأخرجوها ونهبوا أهلها نهباً شديداً وانتقل أميرها إلى بيت الفقيه ابن عجيل بنشبه وثقله. ولما وصل الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الصالح فشال ومعه الوزير في العسكر كما ذكرنا انتقلت الأشاعر من فشال إلى قرية الغزالين وهي أَعلى وادي رمِع فأقاموا هنالك وتركوا سائر البلاد خوفاً من السلطان فكانت المعازبة تغير على وادي زبيد تمر في حدود المخيريف وهي خراب لا ساكن فيها وكثر تكرارهم هنالك فتبعهم جماعة من خيل الأَشاعر من الغزالين فقتلوا منهم ثلاثة نفر من الفرسان وهم حسن بن بهيلة وكان كبيراً من كبرائهم سناً وقدراً وكان قتله في شوال من السنة المذكورة. فأَرسلت المعازبة إلى سائر قبائل العرب المفسدين كالقحرا ورماة البسيط ومقاصرة الشام والعامريين واجتمعت دؤال بأسرها وكافة القرشيين خيلاً ورجلاً وقصدوا الأشاعر إلى الغزالين وتركوا كافة الخيل والرجل في ثلاثة مكامن من غربي الغزالين بمسافة. وأَتاهم نحو من عشرين فارساً من شرقي القرية فساقوا أموال الأشاعر وساروا بها نحو تلك المكامن المذكورة فتبعهم الأشاعرة فانبعثت عليهم المكامن فلم يرجع من الأشاعر في تلك الليلة إلا من لم يُعرف. وكانت القضية في وجه الليل فكان الحاضرون أكثرهم لا يعرفون الأشاعر ولا يعرف بعضهم بعضاً. وكان ذلك يوم الثلاثاء السابع والعشرين من ذي القعدة فقتل من الأشاعر يومئذ وممن معهم سبعة وثلاثون نفراً منهم خمسة وعشرون فارساً واقتلعت خيلهم. وكان في جملة المقتولين يومئذ الجلال ابن معيبد وعبد الله بن القلقل وابن قرين وأبو بكر بن الدبر وكان أفرس أهل عصره وأشجعهم. وفي يوم الثامن والعشرين صبحت المعازبة فشال فخرج الملك الصالح والوزير محمد بن حسان ومن معهم من العسكر وانتقلوا إلى مدينة زبيد وخرجت فشال وارتفع الحكم عن وادي رِمَع بأسره. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عمر بن محمد بن الجبلي بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وكان فقيهاً عارفاً مشتغلاً بالفقه كان من اعلم أهل عصره بالطب في مدرسة زبيد وانتفع به كثير من الناس. وله أوصاف في الطب يعرفها كثير من أهل زبيد. وكان فقيراً قانعاً بما هو فيه من العيش صابراً على ذلك إلى أن توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وفيها توفي الفقيه الصالح ابو عبد الله محمد بن عثمان بن حسن بن شنيبه المقري وكان عارفاً بالقراءَات السبع وطرقها مشاركاً في الفقه والحديث والنحو أَخذ علم القراءة عن عدة من الأئمة منهم المقري علي بن شداد. وموسى ابن راشد الحرازي ويوسف بن محمد الأصابي الجعفري. واخذ بمكة عن الإمام برهام الدين إبراهيم بن مسعود بن إبراهيم المروزي. والشيخ أبي زكريا يحيى بن عبد العزيز بن سالم الزواوي واخذ الحديث عن الإمام أبي اسحق إبراهيم بن عمر العلوي. وانتفع به كثير من الناس في فن القراءة خاصة وعليه قرأَت القراءات السبع أفراداً وجمعاً. واخبرني شفاهاً انه رأَى في النوم انه يقرأْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي تسع وخمسين وسبعمائة نزل السلطان إلى زبيد في عسكر جيد وأرسل لابن ميكائيل إلى حَرَض. فوصل أيضاً في عسكر ووصل معه طائفة من غز الرتب. فخرج السلطان في جمع كثيف يريد المعازبة والقرشيين فارتفعوا عن بلادهم ولم يظفر السلطان منهم بأَحد فحرّق بلادهم ورجع. وفي هذه الغزوة قتل ياقوت عبد ابن ميكائيل وكان فارساً شجاعاً إلا أنه لا يعرف البلاد. فلما انفرد عن العسكر قتل. ولما رجع السلطان إلى زبيد أقام أياماً ثم طلع تعز ورجع ابن ميكائيل إلى بلاده حّرَض وتقدم السنبلي إلى إقطاعه الجثة ونزلت المعازبة وسائر المفسدين إلى بلادهم فلما استقروا أقاموا أياماً ثم اجتمعوا نحو الكدراء في آخر شهر صفر فأخربوها وحرقوها فارتفع الحكم عن وادي سَهَام واتصل الخراب والفساد وانقطعت السبل وصار أهل زبيد لا يتصلون بأهل المهجم وأهل المهجم لا يتصلون بأهل زبيد. وفي اليوم السابع من شعبان من السنة المذكورة قصدت المعازبة والقرشيون النخل من وادي زبيد فنهبوا أهله وانقطع الحكم فيه وخرج أهله منه لا يملك أحدهم قوت يومه ثم اقتسموا النخل فكان الأبيض للقرشيين والمغارس العليا لبني يعقوب من المعازبة والمغارس السفلى لبني بشير وارتفعت أيدي أهل النخل عن أملاكهم وتملكه العرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وفي اليوم الثالث والعشرين من شوال اجتمعت طوائف الفساد من المعازبة والرماة والقحرا وقصدوا الجثة وفيها يومئذ الأمير بهاء الدين السنبلي فأحاط العرب بالقرية ومن فيها فخرج إليهم الأمير بها الدين السنبلي ومن معه فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل جماعة من العسكر وقتل محمد بن السنبلي وأخوه مقبل وجرح أبو بكر جراحة شديدة وكان معدوداً من جملة القتلى وانحاز السنبلي ومنه معه من بقية العسكر إلى المهجم وأميرها يومئذ الكمال ابن التهامي. ثم اجتمعت العرب جميعاً في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة وأرسلوا إلى أهل سُرْدد يشتورونهم في قصد المهجم وكان رئيس بني عبيدة يومئذ حسن بن أبي القاسم ورئيس الزيديين ابن حفيص فاتفقوا على قصد المهجم يوم الاثنين الثالث من ذي الحجة من السنة المذكورة فوصلت المعازبو والرماة والقحراء إلى المهجم في اليوم المذكور قبل طلوع الشمس وتأَخر أهل سردد فوقعت الهزيمة في العرب فقتل منهم اكثر من مائة رجل وأقبل ابن حفيص وأهله من الزيديين وحسن بن أبي القاسم العبدي في أهله من بني عبيدة فلقيهم الهارب من العرب فرجعوا من حيث جاءوا. وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع ابو الغيث محمد بن راشد السكوني وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً متفنناً جامعاً لعلوم شتى من الفقه والنحو واللغة وعلم المعاني والبيان والعروض والقوافي وله مصنف لطيف يدل على جودة معرفته وصفاء ذهنه وتدقيق فطنته وولي القضاء مدى في فشال. ثم انتقل إلى زبيد فدرس بها في المدرسة العفيفية ثم ولي القضاء في مدينة زبيد مدة. ثم نقله السلطان الملك المجاهد إلى مدرسته التي أنشأَها في مدينة تعز بناحية الجبيل فأقام هنالك إلى أن توفي مسموماً على ما قيل في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ستين وسبعمائة نزل القاضي شهاب الدين أحمد بن علي ابن قبيب ونزل معه من أولاد السلطان الولد المسمى أحمد الناصر في عسكر جيد من الباب فوقف في زبيد شدَّاده وكانت خيول العرب تدور حول المدينة في كل يوم لا تغيب أبداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ولما كان يوم النصف من شهر ربيع الآخر جاء الشيخ أبو بكر بن عراب القرشي المعروف بالهبل وكان داهية الزمان ووصل معه ابن عمه علي ابن محمد بن عمر بن عراب يريدان حاجة من زبيد. وكان من عادة العرب في ذلك الوقت أن من بدت له حاجة إلى المدينة وصل ووقف خارج المدينة على حصانه وان من وجده من الخطابة أو الحشاشين أو غيرهم أرسله إلى من يريد من معارفه يطلب منه الحاجة التي جاء بسببها ويعلمه بمكانه الذي هو فيه. فلما وصل الهبل وابن عمه كما ذكرنا أرسلا رسولاً إلى الأمير الصارم ابن نشوان وكان يظهر لهم الصداقة هو وغيره لاحتياج الناس إليهم. فلما جاء الرسول وأعلمه بمكانهما صنع لهما طعاماً نفيساً وكذلك كان يصنع هو وغيره. ثم انه جعل لهما في ذلك الطعام شيئاً كثيراً من البنج واخرج لهما ماء مطيباً وفيه ما فيه من البنج أيضاً فأكلا بحسب الكفاية وشربا من الماء ووفقا ينتظران الحاجة التي جاءَا بسببها فأثر فيهما البنج تأثيراً كلياً. وكان الهبل لا يعتاد مسكراً فلما وجد من نفسه ما وجد من الانحلال عرف أن الطعام مشغول. وكان ابن عمه يعتاد المسكر وقد كان في ذلك اليوم استعمل شيئاً منه فلما وجد من نفسه ما وجد ظن إنه عمل المسكر الذي كان استعمله فلما أيقنا بالشر قاما ليركبا فرسهما فركب الهبل وعجز ابن عمه عن القيام من موضعه ذلك. وقيل إنه ركب وسقط عن فرسه. فأخذ الهبل فرسه وسار بالفرسين معاً. وهذا الفعل من الصارم بن نشوان بإشارة ابن قبيب. وكان قد أرسل جماعة من العسكر حينئذ إلى باب النخل وأقام جماعة فوق السور ينظرون ما يكون من الأمر. فلما نظروا الهبل قد ركب فرساً وجنب الآخر صرخوا عليه وخرج بعسكر فلزموا علي بن محمد ووجدوه مطروحاً لا يعقل شيئاً فاركبوه جملاً ودخلوا به المدينة. وأما الهبل فإنه ساق فرسه لما خرج العسكر من زبيد فلما صار في أثناءِ الطريق سقط وقد اشتد عليه الأمر وحمى النهار ففطس وسار الفرسان يطرَّدان حتى دخلا القرشية فصرخ الصارخ في القرية وخرج أهل القرية يقصون أثر الخيل حتى وجدوا الهبل ميتاً قد تفطر جسمه من شدة الرمضاء فحملوه وقبروه وأقام ابن عمه معتقلاً في زبيد إلى أن نزل السلطان في ذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 القعدة. وفي يوم الأربعاء الخامس من شهر رمضان وقع مطر شديد في مدينة زبيد ونواحيها وكان ابتداؤَه وقت آذان العصر إلى ما بين المغرب والعشاء فهدمت بيوت كثيرة على أصحابها. ومات تحت الهدم على ما سمعت في مدينة زبيد نحو من ثمانين إنساناً ولم يبق بيت من بيوت المدينة صغيراً كان أو كبيراً إلا ما تشعث بعضه ومنها ما استولى عليها الخراب وهو كثير أيضاً. وفي شهر ذي القعدة نزل السلطان إلى زبيد في عسكر جيد يريد الخروج على المفسدين من العرب وأرسل إلى الأمير نور الدين محمد بن مكائيل فلم يصل بل دافعه بالكتب مرة بعد أخرى وكان قد حسن له جماعة من بطانته أن يستولي على الجهات الشامية وهي سَهَام وسُرْدد ومَوْر ورحبان وبترك دؤَال ورمع خراباً فإذا قد استقوى بأموال الجهات المذكورة وغلب عليها قصد بعد ذلك زبيد وحينئذ تتسق له التهائم بأسرها وهي أمهات الأموال فيعجز السلطان وغيره عن مقاومته فوقع هذا الكلام منه موقعاً ورأى إنه كائن لا محالة فامتنع عن الوصول إلى السلطان. وحصل من قضاء الله وقدره في الخيل من دواب السلطان وغيره داء يقال له مشفرا وقيل مشيفر فهلك في مدة يسيرة من خيل السلطان والعسكر عدد كثير حتى كاد يستولي عليها كلها فأخر السلطان عزم الخروج في ذلك الوقت. وفي هذه السنة توفي القاضي جلال الدين علي بن محمد بن أبي بكر بن عمار وكان يومئذ يتولى الوزارة للسلطان وكانت له رياسة وسياسة وكان عاقلاً ساكن الريح حسن السيرة وتولى نظر عدن قبل أن يتولى الوزارة وكانت وفاته يوم الثالث والعشرين من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأمير صارم الدين داود بن إبراهيم الدمرداشي وكان أميراً كبيراً عالي الهمة من كبراء الأمراء ممكناً عند السلطان له سيرة حسنة وكانت وفاته في سلخ صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وستين طلع السلطان من زبيد في غزة شهر صفر فلما استقر في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 تعز نزل القاضي عفيف الدين عثمان بن سليمان بن طلحة الدوري في جماعة من العسكر ووقف في زبيد مقدماً عوضاً عن القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب. وطلع ابن قبيب إلى الباب الشريف. وقد استولى الخراب على معظم التهائم ولم يبق من وادي زبيد إلا ثلاث قرى أو أربع وإلا المدنة وكانت الخيل تظل تدور حولها كل يوم. وفي هذه السنة وصل الشريف الكبير علي بن محمد المعروف بابن الجارية إلى مدينة المهجم وكان معه جماعة من بني الحمزة الشرفاء فخرج في لقائه أمير البلد الشجاع بن يعقوب ومقدمها يومئذ الأمير شمس الدين علي بن حاتم وبعض مشايخ العرب. فلما وقفوا في الميدان وأرادوا أن يلعبوا تنازعوا في التقدمة فاقتتلوا فانحاز أهل المدينة ومن معهم من عسكر أباب إلى المدينة. ومنعوا الشريف وأصحابه من دخول المدينة. فاصلح بينهم الأمير شمس الدين علي بن حاتم ودخلوا المدينة وجلس الشريف فيالدار. ثم أن بعض غلمان الأشراف اخطأَ على واحد من أهل المدينة فلزم وأتى به إلى الشريف فأمر بقطع يده فقطعت للفور فغضب الأشراف وخرجوا من المهجم راجعين إلى بلادهم. وبقى الشريف علي بن محمد في جماعة من أصحابه. وكان السلطان قد أحال له على الأَمير صارم الدين داود بن خليل صاحب المحالب بمال فانتقل إلى المحالب بسبب ذلك. فدافعه صاحب المحالب ولم يعطه إلا التافه اليسير. فلما رأى الشريف انه غالب له على حوالته خرج إليه في جماعة من أصحابه فدخل عليه بيته وقتله فيه وأخذ من بيته ما وجده فيه من المال والقماش والدواب والسلاح وكان قتله ليلة الجمعة السادس عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة. فلما علم الأمير شمس الدين علي بن حاتم بقتل داود بن خليل أرسل إلى القائد وهاس وبعث إليه بعكسر المهجم وقد جعل عليهم شرياً يقال له علي بن حازم وأمر على القائد أن يسير في العسكر والعرب لقتال الشريف وإخراجه من بلاد السلطان. فسار القائد وهاس والشريف بن حازم فيمن معهما من العسكر وعرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 البلاد إلى المحالب فخرج إليهم الشريف علي بن محمد وسأَل من القائد أن يمهله يومه ذلك. فإذا كان الليل خرج من بلاد السلطان. فقال القائد ما تخرج إلا الساعة وإن لم تخرج راضياً خرجت غير راض فلم يجبه إلى الخروج فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل القائد وقتل معه تسعة نفر وانهزم الباقون هزيمة شديدة. وكان ذلك يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المذكور. فلما علم ابن حاتم بذلك ارتفع من المهجم ورجع إلى السلطان وكان رجوعه في البحر من ساحل الجردة. ولما قتل القائد كما ذكرنا سار الشريف علي بن محمد من المحاب يريد المهجم فدخلها يوم الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور وأمامه رأس القائد ورؤوس أصحابه الذين قتلوا معه فلما دخل الشريف المهجم قبض الشجاع بن يعقوب أميرها يومئذ وولى فيها الكمال بن التهامي ولم يزل يعذب ابن يعقوب حتى هلك من شدة العذاب. وكان وفاته ليلة الجمعة السابع من شهر جمادى الثانية من السنة المذكورة. ولما استولى على المهجم أرسل جماعة من الغزالي المحالب فوقفوا في البستان فقصدهم العرب فهربوا من المحالب فنهبها العرب وحرقوها. ثم خرجت القواد في كل ناحية والى كل قبيلة من قبائل العرب يستغيرون بهم فجمعوا المعازبة والرماة والقحراء وعرب وسردد وقصدوا الشريف في المهجم فخرج إليهم فهزمهم إلى الحرمة. ثم عاودوه في النهار الثاني فخرج إليهم فانهزموا إلى أطراف المدينة ثم تفرقوا عنه وعاودوه في اليوم الثالث فأحاطوا بالمدينة فوقف الشريف يمانعهم إلى آخر النهار ثم انه استذم المعازبة وخرج في ثقله بالليل فلما اصبحوا دخلوا المدينة ونهبوها وحرقوها واخذوا منها أموالاً لا تحصى ولا تحصر وذلك في يوم الاثنين الثاني من شهر رجب من السنة المذكورة واستولى الخراب على التهايم كلها ولم يبق الا زبيد وحرض. فلما استولى الخراب على البلاد كما ذكرنا ثار الأمير نور الدين محمد بن ميكائيل واستخدم العساكر وحدثته نفسه بتصديق ما خيل له أصحابه فطلب أشراف صعدة وغيرهم فلما اجتمعت العساكر عنده في حرض قدم الأمير شهاب الدين أحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 بن علي بن سمير. وكان فارساً هماماً فصيح اللسان حديد الجنان فسار بالعساكر من حرض إلى قرية البرزة فأقام فيها وكانت المحالب يومئذ خراباً فأراد أن يعمرها وتكون إقامة العسكر في البرزة وأرسل إلى الرعايا يطلب منهم واجبات الديوان. فلما وصل كتابه إلى الضميين امتنعوا عن الوصول إليه وأرسلوا العرب السرددية يطلبونهم لحربه وقتاله فأسرعوا إليهم فاجتمعت العرب من الضميين ومن انضم إليهم وعرب السرددية وقصدوا ابن سمير ومنع معه إلى البرزة فخرج إليهم فيمن معه من العسكر فاقتتلوا قتالاً شديداً ووقعت الهزيمة في العرب فقتل من العرب نحو ثلاثمائة إنسان فيهم من أهل الواسط أكثر من مائة رجل. وكانت الوقعة يوم الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة. ولما انقضت الوقعة سار ابن سمير ومن معه من العسكر إلى المحالب واستولوا عليها ودخل العرب في طاعتهم طوعاً وكرهاً. وفي هذه السنة توفي الملك المنصور عمر بن السلطان الملك المجاهد رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة أيضاً توفي رجل غريب في جامع المرثاة من حارة وادي زبيد فأقام في الجامع أياماً ثم توفى له كنفاً فحفروا له قبراً ولفوه في حشر الموز وربطوه بشعار وأدخلوه القبر فلما استقر في اللحد وصل الشيخ يوسف ابن نجاح الصوفي بثوب يريد تكفينه فيه فوجدهم قد أنزلوه في اللحد فنزل يريد أن يخرجه من القبر فلم يجد في القبر إلا حشر الموز فأخرج الحشر إلى خارج القبر ودفنوا القبر ترابا على غير ميت وهو معروف بقبر الغريب والله أعلم. وفي سنة اثنتين وستين سار العسكر من حدود المحالب إلى سردد وذلك في أول شهر صفر من السنة المذكورة فاجتمعت عرب سردد جميعاً في بيت حسين ثم خرجوا من بيت حسين يريدون العسكر فلما اتجهوا هربت العرب من غير قتال فتبعهم العسكر وقتلوا منهم شيئاً كثيراً ولكنه اقل من القتلة الأولى وسلبوا سلبا كثيرا ودخلوا بيت حسين فحرقوا بيت العبيد والشرجة وبيوت بني وهبان وكانت هذه الوقعة عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 عدابة العروس ووقفت العسكر في بيت عطا وأطاعت العرب وسلموا الواجبات السلطانية ودخلوا الطاعة ثم انتقل العسكر إلى المهجم فدخلوها يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول واستولى العسكر على ملك الناحية بأسرها. وفي يوم السابع من شهر رمضان اقتتلت المعازية والقرشيون وكانوا يومئذ جميعاً في النخل بوادي زبيد فقتل يومئذ ابنا العظامي رجلان من المعازبة قتلهما القرشيون. فسافروا يومئذ ثم اتفقوا على الهدنة حتى ينقضي أمر النخل. وكان النخل يومئذ تحت أيديهم معاً فكان هذا أول خلف وقع بينهم. فلما انقضى أمر النخل وارتفع كل أحد منهم إلى بلاده أغارت المعازبة في آخر شهر رمضان وقتلوا من القرشيين رجلاً يقال له داود بن رزام. ثم أغاروا غارة أُخرى في أول شوال وقصدوا القرية فخرج إليهم القرشيون فاقتتلوا عند بيوت المجانبة فقتل من القرشيين رجلان أحدهما يقال له العباسي والآخر الجعالي. ثم أن القرشيين طلبوا الذمة من السلطان والدخول في الطاعة فأَذم عليهم ذمة شاملة فاصلحوا وطلبوا النصرة من السلطان على المعازبة فأمر السلطان بمناصرتهم وخرج العسكر إليهم فأغاروا يوم الثاني عشر من شوال فقتلوا من المعازبة تسعة رجال فيهم الحيق بن الحري وحرقوا عليهم البريت والكرنبسة ونهبوهم وأخرجوهم من ذلك الحد. فجمعت المعازبة خيلها ورجلها في آخر شهر شوال وقصدوا القرشية فخرج أهل القرشسة إليهم فاقتتلوا فقتل من القرشيين نحو من أربعين رجلاً فيهم عيسى من الهبل وقتل من المعازبة رجل واحد يقال له مفرح بن الأسحم وأغار القرشيون بعد ذلك في شهر ذي القعدة فقتلوا من المعازبة رجلاً يقال له ابن العقيد وابنه وثلاثة أنفار. ثم جمعت المعازبة جمعاً عظيماً من قبائل الشام وغيرها وقصدوا القرشية آخر يوم من القعدة فوصلوا إلى طرف القرية العليا ووقعت الهزيمة فيهم فقتل منهم ومنن معهم نحو من ثلاثمائة رجل وكانت الوقعة مشهورة وفي ذلك يقول الفقيه محمد بن سرداح القرشي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 ثلاث مئين قتلهم لا حقيقة ... ولكن تقريباً لعلم المسائل واحتز من رؤوس القتلى في هذه الوقعة اكثر من مائة رأْس وطلعت الرؤس إلى تعز وكان السلطان يومئذ بها وكسى الجماعة الواصلين بالرؤس وجرد السلطان عسكراً جيداً صحبة القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن قبيب والأمير بهاء الدين بهادر السنبلي وأمرهما بالتقدم إلى الجهات الشامية فسارا من تعز إلى زبيد ثم خرجا من زبيد يريدان المهجم فيمن معهما من العسكر فلما توسطوا بلاد الرماة اجتمعت العرب من كل ناحية عليهم وقصدوهم في جموع كثيرة فاهتزم العسكر وقتل ابن قبيب وكانت الوقعة في حد سهام وقد خرجوا من عواجه فحمل ابن قبيب وقبر في عواجه. واهتزم السنبلي إلى العامرية فأرادوا قتله فسار إلى بني معمة أصحاب بيت المدور ثم سار من بيت المدور إلى الزيدية وكانت الوقعة يوم الثلاثاء الحادي عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة. ولما علم ابن سمير وكان في المهجم كما ذكرنا بان السنبلي قد صار في الزيدية جمع جموعاً كثيرة وأرسل لطوائف العرب وقصد السنبلي إلى الزيدية يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة فخرج السنبلي إلى حصن منابر فأقام فيه أياماً ثم رجع إلى السلطان في طريق الجبل ورجع سائر المنهزمين إلى السلطان فكساهم وانعم عليهم وصرف لهم دوابَّ وسلاحاً. وفي هذه السنة المذكورة توفيت الآدر الكريمة جهة الطواشي شهاب الدين صلاح والدة السلطان الملك المجاهد وكان وفاتها في مدينة تعز ودفنت في مشهدها المعروف هنالك. وكانت امرأَة سعيدة عاقلة رشيدة حازمة حليمة سخية كريمة ذات سياسة ورياسة وكرم نفس وعلو همة. ولما غاب ولدها السلطان الملك المجاهد في مصر وكانت غيبته عن البلاد أربعة عشر شهراً وهي القائمة في البلاد فضبطت البلاد وجمعت العساكر ولم يكن في ذلك الوقت الحسن احسن من تلك السنة خصباً وأماناً وعدلاً وإحساناً ولها آثار حسنة في الدين. وكانت تحب العلماء والصلحاء وتكرمهم وتجلهم وتعظمهم وكانت تدور بيوت الناس تتفقدهم بالعطايا الوافرة. وقل أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 يأتي الزمان بمثلها وما أحقها بقول أبي الطيب المتنبي حيث يقول ولو كان النساءُ كمن ذكرنا ... لفضلت النساءَ على الرجال وما التأْنيث لاسم الشمس نقص ... ولا التذكير فخر للهلال ومن مآثرها الدينية المدرسة المعروفة الكبيرة المشهورة بالصلاحية في مدينة زبيد ورتبت فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً ونازحاً للماء إلى المطاهر بها ومدرساً للشرع ومدرساً في الحديث النبوي. ومدرساً في النحو وطلبة في كل فن من الفنون المذكورة ومعلماً وأيتاماً من خيار ما تملكه ما يقوم بكفاية الجميع وابتنت قبالة المدرسة المذكورة خانقة رتبت فيها شيخاً ونقيباً وفقراء وأوقفت عليهم وقفاً جيداً حسناً كافياً وابتنت في قرية المسلب من وادي زبيد وجعلت فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً ونازحاً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً على مذهب الإمام الشافعي ومدرساً على مذهب الإمام أبى حنيفة وطلبة في المذهبين وسيلاً لشرب الدواب وغيرهم. وابتنت مسجداً في قرية التريبة من وادي زبيد ورتبت فيه إماماً ومؤَذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً ودرسه يقرءون القرآن وسبيلاً لشرب الجواب. وابتنت أيضاً في قرية السلامة مدرسة وهي التي على يمين السالك إلى تعز ورتبت فيها إماماً وخطيباً ومؤَذناً وقيماً ونزاحاً للماء إلى المطاهر والى السبيل هنالك ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً للفقه على مذهب الإمام الشافعي ومدرساً للحديث النبوي وطلبة مع كل مدرس وأوقفت على الجميع أوقافاً جيدة نفيسة تقوم بكفايتهم وتزيد. وابتنت مسجداً في مدينة تعز في ناحية المحلية أيضاً وأفعالها في الخير كثيرة وكانت وفاتها يوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي القاضي فتح الدين عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن الخطبا القرشي المخزومي. وكان أحد الرجال المعدودين فضلاً ونبلاً ورياسة وسياسة وكان عاقلاً فطناً ذكيّاً مفرطاً في الذكاء مشاركاً لذوي الصناعات الدقيقة والجليلة ويزيد على فضلائهم زيادة ظاهرة لا أعرف أحداً سبقه في جودة الصنعة. وكان يخط خطاًّ حسناً ونال حظوة عظيمة عند السلطان الملك المجاهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وتولى الشد الكبير والخاص. ثم اىستوزره بعد ذلك وكان حسن التدبير والسيرة طاهر السريرة إلى أن توفي في مدينة تعز يوم التاسع والعشرين من صفر أحد شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وستين خالف الملك الصالح والملك العادل على أبيها السلطان الملك المجاهد وكان خروجهما من تعز في العاشر من صفر من السنة المذكورة والله اعلم. وفيها قتل المقاصرة أخا ابن سمير فأغار عليهم أخوه الأمير الشهاب أحمد ابن سمير فنهب بلدهم وحرقها ولم يلق منهم أحداً وكان قتله يوم الثامن عشر من المحرم ولما رجع ابن سمير من الغارة على المقاصرة طلع حسن منابر فقبضه وذلك يوم الرابع والعشرين من المحرم المذكور والله أعلم. وفي هذه السنة أدعى ابن ميكائيل السلطنة وكان ذلك في شهر صفر من السنة المذكورة فخطب له الخطباء في المهجم والمحالب وحرض وما ينضاف إليها من القرى في الناحية المذكورة. وضربت السكة على اسمه وتسمى في الخطبة بالشريف الحسيب النسيب من أسرى بجده ليلة الاثنين إلى قاب قوسين محمد بن ميكائيل الحسيني الفاطمي النبوي. وكانت مدة سلطنته أربعة وعشرين شهراً أولها صفر من سنة ثلاث وستين وآخرها سلخ المحرم من سنة خمس وستين والله أعلم. وفي هذه السنة قتل الشيخ أحمد بن حفيص الزيدي وكان شيخ الزيديين في عصره فصادره ابن سمير في المهجم إلى أن قتله ليلة الخميس من رجب من السنة المذكورة والله أعلم. وفي يوم التاسع والعشرين من رجب المذكور أغار الأمير بهادر السنبلي على المعازبة وأغار معه أهل القرشية فحرقوا الأقطعية وقتلوا ثلاثة من فرسان المعازبة وهم ابن اليماني وابن العنيزي وابن خلف المكني وكانت المعازبة قد اجتمعت وقصدت القرشية على حين غفلة في يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر. وكان خروجهم على أهل القرية السفلى فخرج أهل القرية إليهم فلما توافقوا هم والمعازبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 على مصافهم أَقبل أهل القرية العليا معارضين لهم فاهتزمت المعازبة هزيمة شديدة وقتل منهم نحو من سبعين رجلاً فيهم من الكواكرة ثلاثة وعشرون رجلاً وفيهم من سائر بيوت المعازبة لا يطاق وقتل من القرشيين يومئذ سبعة نفر فيهم إبراهيم الزيلعي كان من فرسانهم المشاهير. وفي يوم الثامن والعشرين وصل السفراء من الديار المصرية وهم الطواشي صارم الدين نجيب والقاضي جمال الدين محمد بن عمر الشريف والقاضي جمال الدين محمد بن الفارقي والأمير شمس الدين علي بن حاتم ووصل معهم عدّة من أمراء الترك فقابلهم السلطان أَحسن مقابلة. وفي هذه السنة توفي الطواشي شمس الدين صواب صبري وكان المجاهد رحمه الله قد جعله زمام بابه وتولى في أيامه بعض الجهات فكانت سيرته مرضية. وكانت وفاته في يوم الأربعاء غرة شهر شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أَربع وستين خالف الملك المظفر على أبيه السلطان الملك المجاهد وأَفسد المماليك الغرباء الواصلين صحبة السفراء وكان خروجه من تعز ليلة الاثنين السادس والعشرين من المحرم بعد أن هجم اصطبل السفر الذي للسلطان وأخذ ما فيه من الخيل وأخذ من المناخ ما احب ونزل نجد عدن واستخدم جماعة من العقارب وأمرهم بالتقدم قبلة نحو باب عدن فلما تقدموا قبله وقدر أنهم قد صاروا في الباب تبعهم في الذين معه من المماليك فواجهه في الطريق جمل يحمل بطيخاً كثيراً. فنزل المماليك بأجمعهم فأكلوا من ذلك البطيخ حاجتهم. ولما وصل العقارب الباب من عدن وقفوا عند البوابين ينتظرون وصول المظفر ومن معه فلم يظهر لهم علم. فلما طال وقوفهم تشوش منهم البوابون لطول مقامهم من غير حاجة فنحوهم عن الباب فلم يقبلوا منهم فرأَى البوابون كلامهم غير منتظم فطردوهم عن الباب فلم ينطردوا وظهر لهم من الأمر ما أحوجهم إلى قتالهم وإغلاق الباب فلما أغلقوا الباب أَقبل المظفر وأصحابه وقد فات الأمر. فخرج الأمير وأهل المدينة فتقاتلوا ساعة من نهار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ثم رجع المظفر إلى الحج وأبين.. وكان الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان يومئذ في أبين فقبضه المظفر وقبض ولده علياً وصادرهما أياماً ثم أَطلقهما. ولما وصل العلم إلى السلطان بما كان من المظفر جهز له جيشاً وقدم عليه بهاء الدين السنسبلي وبعض الأَشراف الحمزيين وسار السلطان إلى الجؤَةِ وسار السنسبلي ومن معه نحو المظفر. والتقوا في موضع يقال له الشراجي فانهزم السنسبلي ومن معه وقتل منهم طائفة فنزل السلطان إلى عدن بسبب ذلك. وفي هذه السنة أَصلحت المعازبة وأذم عليهم السلطان وطلعوا إلى تعز واجتمع شيخهم الذي يسمى العطور بالسلطان وتكفل له بإصلاح التهائم وجرد السلطان عسكراً إلى زبيد. وأمرهم بالتقدم إلى فَشَال والوقوف فيها حتى يرجع أهلها إليها ويتقرروا فيها. ثم ينتقل العسكر منها إلى القَحْمَةِ فيقفوا فيها حتى تعمر أيضاً ثم ينتقلون إلى أَكَلْدرَاء. فلما اجتمع العسكر في زبيد اتفق العسكر والقرشيون على قتل المعازبة فغقال العسكر للمعازبة إنّا لا نخرج من المدينة حتى يتقرر إلينا أن كنتم مصلحين فوصل عدّة من وجوههم ودخلوا المدينة واطمأَنوا بها فلما عزموا على الخروج إلى فشال أوقع الغز والقرشيون بالمعازبة فقتلوا منهم بضعاً وعشرين رجلاً وكان القتل يوم الثلاثاء العاشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وكان فيمن قتل يومئذ الشيخ محمد العكور وكان يومئذ شيخ المعازبة وقتل معه اثنان من إخوته. وقتل يومئذ عمر بن سهيل وابن الأقدر وحسين ابن عبادة وابن العجمي وسهيل بن الحاذق ومكيمن بن فلان بن الأقدر والقصد أن الذين قتلوا كلهم فرسان ومشاهير وسلم منهم جماعة كانوا عند القاضي ناصح الدين أبو بكر بن علي بن مبارك فامتنع عليهم وخشي أن يغلب عليهم فأرسل بهم إلى السجن فأقاموا فيه يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس فلما كان يوم الجمعة هجم الغز عليهم فقتلوهم وكانوا بضعة عشر رجلاً فكان جملة من قتل من المعازبة نحوا من أربعين رجلاً كلهم فرسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 ولما نزل السلطان إلى عدن كما ذكرنا أقام بها وجرد العساكر لولده المظفر فلم يظفر به أحد. وكان المظفر فتاكاً مهيباً لا يعاقب إلا بالسيف قد استباح عدة من الأنفس بغير وجه لا يأْخذه على أحد شفقة ولا رحمة ولهذا احرمه الله تعالى الملك انه بعباده خبير بصير. وتوفي السلطان الملك المجاهد في عدن في مدة إقامته فيها وكانت وفاته يوم السبت الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة. فاتفق الحاضرون من أهل الدولة على قيام الملك الأَفضل ورأوا أنه اصلح للبلاد والعباد. وكان من جملة من نزل معه إلى عدن في تلك السفرة فحضرموت والده. وكان الملك المجاهد رحمه الله تعالى ملكاً سعيداً عاقلاً رشيداً جواداً لبيباً شجاعاً مهيباً عالماً ذكياً فطناً لوذعياً من جوده وسخائه ما اخبرني به الفقيه الإمام العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله الريمي وكان ممن يختص به السلطان الملك المجاهد قال أَعطاني السلطان الملك المجاهد في أول يوم دخلت عليه أَربعة شخوص من الذهب وزن كل شخص منها مائتا مثقال مكتوب على وجه كل شخص منها. إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ... على الناس طرّاَ قبل أن تتفلت فلا الجود يفنيها إذا هي أَقبلت ... ولا الشح يبقيها إذا هي ولت وكان مشاركاً في عدة من الفنون ويقال انه اعلم بني رسول وكان شاعراً فصيحاً ومن شعره قوله نلت أنا العز بأَطراف القنا ... ليس بالعجز المعالي تُجتْنَا نحن بالسيف ملكنا اليمنا كل فخر تدعى الناس لنا ... أعرق العالم في الملك أنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 أنا شبل للملوك زين الكتب ... يوسف جدي وداود أبي فالشهيد الملك زاكي الحسب وعليّ القتيل عالي المنصب ... جدنا بعد رسول جدنا إن تكن أضحت علاهم خبرا ... فالعلي مسني بالعين يرى أنا كالليث إذا ما زأَرا أنا كالليث إذا ما زخرا ... المنايا في يميني والمنا أبذل المال ولا أجمعه ... كل عاف نحونا منجعه وإذا القرن طغى أصرعه وإذا ولى فلا أتبعه ... وإذا لاذ بعفوي أَمنا شيم تشبه ملك الشيما ... يمنُ لي من جدودي القدما ثم ملك الشام من ماءِ السما يعشرون الناس طرارغما ... من هنا أو من هنا أو من هنا وهو الذي مدن ثعبات وبني سورها واخترع فيها المخترعات الفائقة والبساتين الرائقة وبني فيها المساكن العجبة. والقصور الغريبة. وله من الآثار الدينية مدرسة في مكة المشرفة ملاصقة للحرم الشريف يصلي المصلي فيها وهو يشاهد البيت الحرام رتب فيها إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً ومدرساً وطلبة. وابتنى مدرسة في مدينة تعز وجعلها جامعاً في تلك الناحية وهي ناحية الجبيل ورتب فيها إماماً ومؤَذناً وخطيباً وقيماً ومدرساً للفقه ومحدّثاً وطلبة ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن وجعل فيها خانقاه. ورتب في الخانقاه شيخاً ونقيباً وفقراء. وابتنى جامعاً أيضاً في ثعبات ورتب فيه إماماً ومؤَذناً وخطيباً وشيخاً للحديث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. وابتنى أيضاً جامعاً في النويدرة على باب زبيد ورتب فيه إماماً وخطيباً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأَيتاماً يتعلمون القرآن ونزاحاً للماء ومدرساً للفقه وطلبة. وابتنى عند بستان الراحة بزبيد مسجداً ورتب فيه إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. وابتنى الزيادة الغربية في جامع مدينة تعز. وابتنى مدرسة في دار العدل بتعز وجعل فيها خانقاه ورتب فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً وشيخاً ونقيباً للفقراء ووقف على الجميع أوقافاً جيدة في وادي زبيد وتعز من محاسن أملاكه ورباعاً وضياعاً وكان محبّاً للعلماءِ مشفقاً على الرعية وله في العدل والرفق والرعية أوصاف حسنة وأفعال مستحسنة. وهو أول من سن النواصف للرعية وأول من زادهم في القطائع معاداً مستمراً في كل قطيعة. وفي آخر أيامه أزال للرعية الربع من كل ما ازدرعوهُ وكانت الرعية في أحسن حال رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 الباب السابع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 ذكر قيام الدولة الأفضلية ووقائعها قال علي بن الحسين الخزرجي لاطفه الله تعالى في الدارين لما توفي السلطان الملك المجاهد رحمه الله تعالى في التاريخ المذكور اجتمع كبراء حضرته وأمراء دولته على قيام دولة السلطان الملك الأَفضل العباس بن علي بن داود ولم يكن في أولاد المجاهد حاضرهم وغائبهم من هو أَشد منه ولا أَعقل ولا أَولى ولا اكمل للأمر منه وان كان فيهم من هو أكبر منه سناً. فما الحداثة من حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب فبايعهُ الحاضرون من الخاصة والعامة ووجوه أهل الدولة يومئذ. ولما انتظمت بيعته ونفذت كلمته أَنفق على العسكر نفقه جيدة في يومه ذلك إلى الليل واصبح سائراً بوالده إلى محروسة تعز وجملة العسكر يسيرون أمامه بعد أن ظلاه بالممسكات وجعله في تابوت من خشب. فكان دخوله تعز آخر يوم الخميس سلخ جمادى الأولى من السنة المذكورة. فاستقر في قصر ثعبات فلما اصبح يوم الجمعة غرة جمادى الأخرى نزل الناس خاصتهم وعامتهم فحضروا دفن السلطان الملك المجاهد وكان يوماً مشهوداً. واستمرت القراءَة عليه سبعة أيام. وكان محمد بن ميكائيل قد استفحل أَمره في حرَض واستولى على الجهات الشامية لخلاف العرب وخراب التهائم واشتغل الملك المجاهد عنه بخلاف أولاده وهم الصالح وأعادل والمظفر. وكانت الأطراف مضطربة وقد انفتح في كل ناحية منها باب فساد. فلما مات المجاهد رحمه الله قويت شوكة الفساد وازداد طمع ابن ميكائيل في البلاد ورأَى أن موت المجاهد من الأَسباب الدالة على ثبات سلطنته. فجع جموعه وسار من حرَض إلى المهجم في عسكر جرار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 إذا رفلوا لم يعرفوا البيض منهم ... سرابيلهم من مثلها والعمائم ثم جرد العساكر إلى زبيد يتلو بعضها بعضاً. فلما علم السلطان بذلك جمع أَكابر أهل دولته وفرَّق فيهم الأموال وأمرهم باستخدام الرجال وحمل للأمير بهاءِ الدين حملاً وعلماً وأَمرهُ بالتقدم إلى زبيد. واستوزر القاضي جمال الدين محمد بن حسان. وتقدم ابن سمير في عسكر ابن ميكائيل يريد زبيد فكان وصوله إلى زبيد يوم الخميس الثاني عشر من شهر رجب في نحو سبعمائة فارس ورَجْل لا ينحصر. فلما حط في العرق قبالة زبيد تقدم من أصحابه أهل عشر من الخيل يطلبون الذمة ويستأْذون في الخدمة. وكان القائم يومئذ في زبيد أبو بكر بن علي بن مبارك الملقب ناصح الدين. وكان رجلاً عاقلاً وقوراً شديد البأْس حسن السياسة كريم النفس فأَذَمَّ للواصلين وكساهم للفور جميعاً وأَنفق عليهم نفقة جيدة وأضمر بالقيام على دوابهم وأَجرى لهم ما يقوم بكفايتهم بكرة وعشية. ولما أصبح ابن سمير يوم الجمعة ركب في عسكره إلى باب المدينة فقاتله أهل زبيد قتالاً شديداً إلى أن حمى النهار وافترق الناس. فلما كان عشي يوم الجمعة خرج عسكر زبيد من الباب الشرقي وهو باب الشبارق. وركب ابن سمير في عسكره ومن معه من الخيل والرجل واشتد القتال إلى أن غربت الشمس فقتل من كل فريق جماعة وانهزم العسكر السلطاني وثبت ناصح الدين بن مبارك ثباتاً حسناً وثبتت معه جماعة من العسكر حتى رجع العدو ولم يظفر بشيءٍ وأَمسى الناس في تلك الليلة في حراسة شديدة وحزم عظيم وأَصبحوا يوم السبت على مصافهم من غير قتال فاستذم جماعة من الرَّجل ودخلوا المدينة. فلما كان ليلة الأحد وصل رسول جماعة من الأشراف إلى القاضي ناصح الدين يطلبون الذمة فأَذم عليهم وعرَّف رسولهم أن يصلوا إلى ناحية باب القرتب ليلاً فلما وصلتهم الذمة خرجوا في ليلتهم من المحطة يتسللون وقصدوا باب القرتب ففتح لهم فدخلوا وكانوا نحواً من سبعين فارساً فكساهم القاضي ناصح الدين وأَنفق عليهم كما أَنفق على أصحابهم فلما اصبح يوم الأحد الخامس عشر من الشهر المذكور علم ابن سمير بما كان من الأشراف فاستوحش من بقية العسكر ولم يأمن إليهم ولا وثق بأحد منهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وخشي على نفسه التبعة. فطلب وجوه العسكر وفرَّق فيهم شيئاً من المال ووعدهم بالجامكية والأنعام عند وصول الخزينة. وانفرد بأكابرهم وقال لهم اعلموا أَني أَدرى منكم بالبلد وأهلها والمسافة بيننا وبين المهجم ثلاثة أيام ليس فيها مدينة معمورة ولا كلمة مسموعة وكل أهلها داعية فساد. والمصلحة أن نرفع المحطة إلى بيت الفقيه ابن عجيل. فاستصوبوا رأْيه فانتقل بمحطته إلى بيت الفقيه فأَقام فيها يوماً أَو يومين ثم انتقل إلى القحمة. فلما استقر في القحمة وكانت يومئذٍ خراباً لا ساكن فيها أَمر بعمارتها وأقام فيها هو ومن معه من العسكر. وفي يوم السادس عشر من شعبان حملت الرايات السعيدية الأفضلية. وفي شهر ذي القعدة أغار ابن سمير من القحمة إلى حارة وادي زبيد فحرق قرية المَوْقر وقتل من أهلها جماعة ولزم آخرين فسار بهم إلى القحمة وصادرهم بشيءٍ من المال. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمر بن أبي بكر إسماعيل البريهي السكسكي بقرية ذي السّفِال. وكان فقيهاً فاضلاً ورعاً صالحاً عالماً عاملاً صوفيّاً جمع بين الطريقتين وحاز شرف المنزلتين. وكانت له كرامات ومقامات وكان مشاركاً في عدة من أنواع العلوم فقيهاً نحويّاً محدّثاً مفسراً صوفيّاً تحكم على يد جماعة من الفضلاء وحج بيت الله الحرام عدة سنين. وكان له مع العرب حكايات يطول شرحها وكان حسن الأَخلاق عذب المنطق له صيت عظيم على التدريس. توفي إلى رحمة الله تعالى في شهر المحرم من السنة المذكورة رحمه الله ورضوانه عليه. وفي سنة خمس وستين وسبعمائة نزل الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي بالعساكر المنصورة الأفضلية من الأشراف والأَكراد ونزل صحبته الأمير بهاء الدين بهادر السنسبلي وجماعة من المماليك وكان نزولهم يوم العاشر من المحرم فدخلوا زبيد يوم الثالث عشر من المحرم المذكور. ثم انتقلوا إلى فشال يوم الرابع عشر فأقاموا إلى يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور وقصدوا ابن سمير إلى القحمة فلما علم بهم ابن سمير خرج إليهم فيمن معه من العسكر والأشراف والعرب. فكان يوماً ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 بعده من الأيام فانهزم ابن سمير ومن معه هزيمة شديدة ولم يلتفت ولكنه ولي وللطعن سورة ... إذا ذكرته نفسه لمس الجنبا فقتل أخوه الأعور يومئذ وكان فارساً شجاعاً. وقتل الأمير شمس الدين على بن داود بن علاء الدين وهو ابن أخت الأمير نور الدين محمد بن ميكائيل وقتل من أَحابه عدة مستكثرة ودخل العسكر السلطاني القحمة فاحتووا على ما فيها من خيل وبغال وجمال وسلاح وأَثاث وغير ذلك. وافترق العسكر الذي كان مع ابن سمير واستذم بعضهم واهتزم الباقون. فأمسى خبر الهزيمة يومئذ في المهجم فخرج ابن ميكائيل منها في ليلته سائراً نحو حرَض. فأقام في حرَض أَياماً. فلما علم بوصول العسكر السلطاني إلى المهجم ترك حرَض وخرج منها يريد صعدة وفيه يقول الشريف مطهر بن محمد بن مطهر. لجهلك لم تخش الذي بأسهُ يخشى ... ولم ترهب الأَفعى ولا الحية الرقشا وأَرداك من منَّاك في الملك مثلما ... تردّى ضحى من ظهر ناقته الأَعشى ولجت طموم البحر وهو غطمطم ... ومن ولج التيار لاقى به القرشا أَغرّك إرخاء المجاهد سترهُ ... عليك ولم ينهاك منه لذي يخشا عفى عنك صفحاً في الظلام إذا انجلى ... بفضل وإحسان وفي الليل إذ يغشى فلما ثوى وابتزَّ في العزة ابنهُ ... وربك يعطي الملك من خلقه من شا ففاجاَّك العباس منهُ بصولةٍ ... فغشاك منهُ يا محمد ما غشا وَليت فلم تؤْمن سريّاً ولم تخف ... غويّاً ولم تنه الفحوش عن الفحشا فلما استوى العباس في الملك وانجلت ... دياجير للنظار في جنحها أَعشا دعانا فلبينا نداهُ بعصبةٍ ... تَرُش الثرى من ضربها بالدما رشا بهاليل من أبناء فاطمة التي ... قضى فضلها في الخلق من خلق العرشا أَتوك ببيض ضربها يقطف الكلى ... ويختطف الأشلا ويخترق الأَحشا فلما استقرت في فشال فشلتم ... كما فشلت للأسد في رعيهن الشا ثمان ليال ظلمت جندك القنا ... كما جعلت بيض المواضي لها فرشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 أَلم تر أن الملك يؤتيه من يشا ... إله السما الجبار مبتدع الإنشا تأَن وقف في حيث أوقفك القضا ... فمن فاته إيوانه سكن الحشا ولما دخل العسكر السلطاني في القحمة أقام فيها يومه ذلك يوم الثلاثاء. ثم توجهوا نحو الكدراء ثم ساروا منها إلى المهجم. فكان دخولهم المهجم يوم الجمعة السادس والعشرين من المحرم فأَقام العسكر فيها أياماً. ثم توجه الأمير فخر الدين زياد الكاملي إلى حرَض فدخلها في صفر من السنة المذكورة فجعل فيها الأمير سيف الدين الرومي أميراً وجعل معه طائفة من المماليك الأَجواد. واستوسقت البلاد كلها في أسرع مدة وعمرت القرى والمدائن. واتصل الناس بعضهم ببعض. واستمر القاضي ناصح الدين أميراً في المهجم وتفرَّدت الأحوال وزال الليث في غابةِ واستحق الحق في نصابه. وفي شهر ربيع الآخر كان ختان أولاد السلطان الملك الأفضل وكان ذلك يوم الأحد الثالث عشر منه. وأسست المدرسة الأفضلية في ناحية الجبيل من تعز المحروسة يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رجب من السنة المذكورة. ولما أن في زبيد وقت السبوت ندب السلطان رحمه الله الأمير شمس الدين علي بن الحسام وجماعة من بني حمزة فيهم الشريف قاسم بن أحمد صاحب الموقر فأَقاموا في النخل أياماً كما جرت العادة. فكان فساد القرشيين في كل يوم يزداد. فلما كان ليلة الثامن عشر من شوال اجتمعوا وهجموا النخل. وكان مشدة يومئذٍ القاضي برهان الدين إبراهيم بن يوسف الجلاد. فنهبوا طائفة من النخل فخرج العسكر في طلبهم وكانوا قد جعلوا عدة مكامن. فلما توسط العسكريين المكامن انبعث العدوّ من كل ناحية فقتل من العسكر جماعة الخيل فيهم الشريف قاسم بن أحمد صاحب الموقر وقتل من الرجل طائفة وغشيهم الليل. ووصل في تلك الليلة الأمير بهاء الدين السنبلي من القحمة فاتاه الخبر عشاء فركب من فوره يريد النخل فدخله آخر الليل واجتمع بالمقدّمين فأقاموا في النخل محوا من خمسة عشر يوماً حتى انقضى أمر النخل وارتفع رسمه. فلما ارتفع رسم النخل وصل الطواشي صفي الدين أبو مَلْعق في أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 شهر ذي القعدة بخزانةٍ جيدة وعسكر جيد فيهم الشريف جمال الدين محمد بن تاج الدين الحمزي صاحب الطَّوِيلَة والأمير شجاع الدين حسين ابن حسن بن الأسد الكردي فأَنفق الطواشي صفي الدين على العساكر جميعاً وقصدوا القُرَيْشيِةَ يوم السابع من القعدة فقتل من وجوه الفريشيين وشجعانهم نحواً من مائة رجل من أَجوادهم وفرسانهم وشجعانهم ومشاهير رجالهم. وفي جملة من قتل منهم يومئذ عبد الله بن محمد بن عمر بن غراب وكان أحد الفرسان المشهورين في زمانه فراسة وشجاعة ونهبت القرية نهباً شديداً ورجع العسكر من فوره إلى زبيد ظافراً منصوراً. فأقام العسكر في زبيد أَياماً. ثم خرج الأمير بهاء الدين بهادر السنبلي فحط في القريْشِيةَ وكان أهلها قد انتقلوا منها إلى العَرمَة فلما صاروا هنالك طلبوا الذمة وسلموا نصف الخيل التي معهم ورهنوا عدة من أولادهم فأذم عليهم السلطان ورجعوا إلى قريتهم. وفي سنة ست وستين وسبعمائة كان رجوع أهل القرية إلى بلادهم وفيها استمر الأمير سيف الدين الخراساني مقطعاً في حرض وانفصل عنها الأَمير سيف الدين الرومي وأقطعه السلطان القحمة. وفي هذه السنة أوقع الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي بالمعازبة فقتل منهم مقتلة عظيمة. وسار العسكر المنصور إلى المدبي فقطعوا شيئاً كثيراً من نخلة وذلك في شهر شعبان من السنة المذكورة وفي شهر رمضان نزل محمد بن ميكائيل من صعدة إلى المنيعة من أعمال حرض في عسكر كثيف من الخيل والرجل فواجهه عسكر السلطان هنالك. فانهزم ابن ميكائيل هزيمة شديدة وقتل من أصحابه جمع كثير فيهم أربعة من الفرسان ومن الرجل نحو من مائة وسبعين. ونزل السلطان زبيد في شوال فأقام فيها أياماً ثم تفرج في النخل وكذلك في البحر ثم توجه نحو الجهات الشامية لقبض خيول العرب فقبضها بأسرها في مدة يسيرة ثم عاد إلى زبيد. وفي سنة سبع وستين طلع السلطان إلى تعز بعدة من خيول العرب نحو من مائتي رأس ووصل ابن سمير إلى السلطان على الذمة الشريفة وكان وصوله يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الخميس الرابع من شهر صفر من السنة المذكورة. ووصل الملك المظفر إلى حوض في عسكر جرار من أصحاب الإمام فنهض إليهم صاحب حرَض فانهزموا ورجعوا من غير قتال. ووصل رسول صاحب ظفار الحبوضي وهو الفقيه أبو محمود بهدية وتحف وطلب لصاحب بلاده نيابة من السلطان فكتب له بذلك وذلك في شهر جمادى الأخرى. وفيها تقدم القاضي جمال الدين سفيراً إلى الديار المصرية وصحبته من الهدايا والتحف ما يليق بحال المُهْدِى والمُهْدِى إليه. وكان تقدمه في اليوم العاشر من شهر ربيع الأول من مدينة تعز. ووصل محمد بن الفهد صاحب ثُلاَ إلى الأبواب السلطانية مستوفداً فأكرمه السلطان وأنصفه ووصل جماعة من الأشراف المعدودين إلى الأبواب المكرمة صحبة الأمير عماد الدين يحيى بن أحمد الحمزي فقابلهم السلطان بالإكرام والإنعام العام. وفي شهر رمضان من هذه السنة المذكورة وقع في تعز مطر عظيم اخرب بستان المحلية وعدة من قصورها ومنازل كثيرة هلك فيها كثير من الناس سحبهم السيل من البيوت وكانت مطرة لم يعهد مثلها. وفي هذه السنة توفي الأمير سيفد الدين الرومي وكان أميراً كبيراً جليلاً عاقلاً حسن السيرة مقداماً مهذباً. وكان وفاته في مدينة القحمة وهو مقطع بها رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمان وستين وسبعمائة وصل القاضي جمال الدين محمد بن علي الفارقي من الديار المصرية بالهدايا من صاحب مصر والمماليك. وكان وصوله يوم الثامن من شهر صفر. وفي شهر ربيع الأول أمر السلطان بحمل أربعة أحمال طبلخانة وأربعة أعلام للأمير سيف الدين طغى الأفضلي. وفيها قصد الملك المظفر وابن اليماني فخرج إليهم صاحبها في عسكره لقتالهم فانهزموا ورجعوا خائبين وذلك في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة. ووصل رسول صاحب كنباية ورسول ملك السند بالتحف والهدايا إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 الأبواب السلطانية ووصلوا بغراسات شجر الفلفل الأحمر والأصفر والأزرق واستمر الأمير صارم الدين داود بن موسى بن حبابر أَميراً في الشجر. وكان سفره من عدن يوم السادس والعشرين من شوال. وفيها استمر الأمير بهاء الدين الظفاري مقطعاً في حرض والقاضي جمال الدين محمد بن إبراهيم الجلاد مقطعاً في فشال. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير بهادر السنبلي وكان أَميراً كبيراً شجاعاً مقداماً فارساً مشهوراً وكان من أعيان الأمراء في الدولة المجاهدية. ونال من الملك المجاهد شفقة تامة وهو الذي أنشأَه وحمل له أربعة أحمال من الطبلخانة وأربعة أعلام وأقطعه مواضع عديدة من جهات المملكة اليمنية وكان مشهوراً بالشجاعة والفراسة وكانت وفاته يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام البارع أبو الفضل بن أحمد بن عثمان ابن أبي بكر بن بصيص النحوي الحنفي الزبيدي بفتح الزاي وضمها. وكان إمام الحفَّاظ وشرف النحاة وختام الأدباء انتهت إليه رياسة الأدب. وكانت الرحلة إليه وكان بارعاً في فهمه وله تصانيف مفيدة وأشعار جيدة شرح مقدمة ابن بابشاذ واخترمته المنية قبل تمامه وهو شرح جيد مفيد انتحل فيه الأسئلة الدقيقة وأجاب عنها بالأجوبة الحقيقة وهذب منهاجها ونشر مقاصدها. وله المنظومة المشهورة في العروض. ولم يزل على حسن طريقه باذلاً جهده إلى أن توفي في يوم الأحد الحادي عشر من شهر شعبان من السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح تقي الدين عمر بن عبد الله المكي الفقيه الحنفي المحدث. وكان فقيهاً محدثاً عارفاً مشاركاً في عدة من فنون العلم تفقه في زبيد على الفقيه برهام الدين إبراهيم بن عمر العلوي والفقيه موفق الدين علي بن نوح والقيه صارم الدين إبراهيم بن مهنا وطلب تدريس الحديث في المدرسة المجاهدية لتعز سنة سبع وأربعين. وكان حسن التدريس فاستمر في المدرسة المذكورة إلى أن توفي في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 شهر رمضان. وكان مولده على ما قيل سنة ثلاث عشرة وسبعمائة في مدينة زبيد رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وستين استمر الأمير بهاءُ الدين بهادر المجاهدي أميراً في مدينة زبيد فحدث فيها ما حدث من الفساد. فأمر السلطان الأمير علاء الدين شنجل والياً وعزل البهاء المجاهدي. وفي هذه السنة حصل في المعازبة قتل كثير واحتز منهم اكثر من خمسين رأساً. وفيها قبض حصن خَدَد ومعشاره بالشوافي وانفصل الأمير بهاء الدين الظفاري من حرض. واستمر فيها الأمير سيف الدين طغى الا فضلى وكان حاد المزاج قريب النفس كثير الغيظ قليل الاحتمال ضعيف السياسة. وكان أشراف حرض غير محتكمين فلما رأى ما هم عليه من الخلوج والخروج عن الطاعة ظاهراً وباطناً لم يجرهم على ما يعتادونه من المقطعين فتنافرت القلوب بينهم وبينه. فلما رأى ذلك منهم قبض على جماعة منهم وحبسهم عنده فطالبوه بإخراجهم مطالبة حثيثة فقتلهم فنزع الباقون أيديهم عن الطاعة. فلما علم السلطان بما كان منهم ومنه نزعه عن البلاد خوفاً وحسماً لمادة الفساد وأعاد الأمير بهاء الدين الظفاري وقد كانوا يعرفونهُ فلم ينفق له استصلاح قلوبهم فأصرُّوا على الخلاف والمنافرة قولاً وفعلاً. وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أسعد بن علي بن منصور المعروف بالنظاري رحمهُ الله نسبة إلى قرية في بعدان تسمى النظار ونسبه في ذي رعين. وكان فقيهاً فاضلاً حسن السيرة صالح السريرة اخذ عن جماعة من كبار العلماء كالفقيه إبراهيم العلوي والفقيه إبراهيم الوزيري. توفي مبطوناً في غرة ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر بن أحمد بن درُّوب وكان فقيهاً فاضلاً تفقه بعمر بن المقرئ من بلده وأخذ الحديث عن عثمان الدناني من أهل وصاب. وكان وفاة الفقيه المذكور في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أحمد بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سلمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 الحبشي الوصابي. وكان مولده سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة. وكان فقيهاً فاضلاً له شهرة طائلة وشيمة فاضلة مشار كافي كثير من العلوم وله عدة تصانيف مفيدة منها كتاب الإرشاد إلى معرفة ساعات الإعداد وهو تصنيف عجيب وله ديوان شعر كله حسن جيد ليس له في زمانه نظير. تفقه بابيه واحمد عن أبي جبريل المقدم وعن قاضي عبد الأكبر. وانتفع به جماعة كثيرة. وكان وفاته في سلخ المحرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع أبو بكر بن علي بن موسى الهاملي الملقب سراج الدين وكان فقيهاً فاضلاً جليل القدر عارفاً بالفقه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى. وكان فروعياً أصولياً نحوياً لغوياً منطقياً شاعراً فصيحاً بليغاً نظم بداية المهتدى نظماً جيداً ودرَّس في المدرسة المنصورية بزبيد. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة سبعين وسبعمائة قبض السلطان حصن القاهر وقبض من مشايخ العنسيين نحواً من ثمانية عشر شيخاً وقتلهم جميعاً. وفي شهر جمادى الأولى تقدم السلطان إلى محروسة الدملؤَة وصحبته خزانة عدن وتهامة وجملة من هدايا تجار الكارم ووضعها في الخزائن المعهودة ووصل السفراء من الحبشة بالهدايا والتحف في شهر شوال من السنة المذكورة. وفيها وصلت هدية صاحب كاليقوط ووصل شيء كثير من غرائب الأشجار والأطيار فأمر مولانا السلطان بالأشجار فغرست في بستان دار الديباج وفيه فل أبيض وفل أصفر ووردُ وغير ذلك. وفي شوال لزم الأمير سيف الدين طغى أمراء الأشراف بحرض كما ذكرنا وقتلهم في الشهر المذكور. ونزل السلطان إلى محروسة زبيد فعزل الامير علاء الدين شنجل وأمر الأمير شهاب الدين أحمد بن سمير والياً في زبيد. وأقام السلطان في زبيد أياماً ثم توجه نحو المهجم فبسط ابن سمير يده في البلاد وصادر الناس مصادرات عنيفة لا أصل لها. ولزم أناساً وحبسهم من غير سابقة واتلف بعضهم وطلب من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 بعضهم مطلباً عنيفاً فافتدوا أنفسهم منه بما طلب. ولم يزل على هذا الأمر إلى أن رجع السلطان من المهجم فلما استقر ركابه العالي في مدينة زبيد أمر بالقبض عليه واستمر عوضه الأمير علاء الدين شنجل وصودر مصادرة قبيحة على يد القاضي رشيد الدين عمر بن أحمد الشتيري. وفي هذه السنة المذكورة تصدَّق السلطان رحمه الله تعالى على كافة الرعايا في سائر جهات المملكة اليمنية بان يمسح بالذراع المظفري فسماء الناس الأفضلي لكونه الذي أجراه لهم صدقة تامة وعامة لا يختص بها أحد. دون أحد وهي من إحدى فعلاته المشهورات. وأجرى لبعضهم مزال خمس فيما تدور عليه الحبال ولبعضهم مزال الربع صدقة مؤبدة يتصل بها القوى والضعيف رحمه الله تعالى رحمة واسعة. وفيما استمر القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم مشدَّا في وادي زبيد المبارك. وفيها توفي القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن عمر اليحيوي. وكان غلمان الدولة المجاهدية ولي إمارة الجند في آثام المجاهد ونال من المجاهد شفقة تامة وكان محباً للصوفية وينسب إليهم. وولى نظر الأوقاف في الدولة الأفضلية. وكانت وفاته ليلة الثلاثاء السابع من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وسبعين خرج الأشراف بحرض على الأمير بهاد الدين الظفاري ورفعوا أيديهم عن الطاعة ووصلهم السيد إبراهيم بن يحيى الهدوي والأمير نور الدين محمد بن ميكائيل في عسكر كثيف وجماعة من بني حمزة فحصروا الأمير بهاء الدين في دار حرض أياماً كان يقاتلهم بكرة وعشية فخانه جماعة من أصحابه وأسلموه. فلما رأى ما نزل به استأمن من الشريف شمس الدين علي بن محمد المسمى مسلة وخرج متوجهاً إلى اليمن. وكان السلطان رحمه الله تعالى قد ندب القاضي جمال الدين محمد بن عمر الشريف والقاضي تقي الدين عمر بن محمد بن محيا في جماعة من العسكر لجباية الأموال في الجهات الشامية. فلما صاروا في المهجم نزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الأشراف على حرض كما ذكرنا وحاصروا الأمير بهاء الدين فكتب القاضي جمال الدين محمد بن الشريف إلى مقام السلطان يحقق له حقيقة ذلك الأمر ويستمده بالعسكر فأمده بالأمير شمس الدين على بن إسماعيل بن إياس والأمير سيف الدين طغى. فلما استولى الأشراف على حرض أقاموا فيها أياماً ثم توجهوا نحو المهجم فارتفع الشريف ومن معه إلى الكدراء ووصله الأمير شمس الدين علي بن إياس والأمير سيف الدين طغى. فلما وصل الأشراف المهجم أقاموا فيها اياماً ثم توجهوا نحو الكدراء فارتفع ابن الشريف وسائر عسكر السلطان إلى القحمة. وكان في القحمة يومئذ فخر الدين زياد ابن أحمد الكاملي فاجتمع العسكر عنده واستعدوا لقتال فقصدتهم الأشراف إلى القحمة يوم الأربعاء ثالث عشر شهر جمادى الأولى. وكان السلطان قد أرسل بخزانة جيدة صحبة الأمير شمس الدين بن إياس خارجاً عن خراج الجهات الشامية التي تحت يد ابن الشريف فاقترفت كلمة المقدمين وأمسك كل منهم ما عنده من المال ولم ينفقوا على العسر شيئاً فقصدهم العدوّ وهم على غير اتفاق فتخاذلوا وانهزموا وقتل ابن الشريف والقاضي تقي الدين عمر ابن محيا والأمير سيف الدين طغى وقتل جماعة من الغز والعرب وأسر الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي وانهزم ابن إياس في بقية العسكر إلى زبيد فلما دخلوا زبيد على هذه الحالة أجتمع أرباب الفساد من كل ناحية واختلف العوارين بالليل على قتل ابن إياس. فلما أصبح يوم الخميس الرابع عشر من الشهر المذكور ركب ابن إياس إلى دار السلطان وركب بركوبه أمير المدينة وهو الأمير فخر الدين أبو بكر بن نور ومشدّ الوادي يومئذ وهو القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم وناظر البلاد وهو الأمير جمال الدين محمد بن على العرس وصاحب فشال وهو القاضي جمال الدين محمد بن إبراهيم الجلاد. واتفقوا جميعاً على أن يعدوا العسكر فاجتمع العوارين من أهل زبيد ومن انضم إليهم من غيرها وتقدموا إلى الأمير شمس الدين ابن إياس وطالبوا بالنفقة عليهم كسائر العسكر فشتمهم الأمير شمس الدين وزجرهم بالكلام ووبخهم وأمر العسكر بلزمهم وكانوا نحواً من عشر رجال وهم أعيانهم ولم يعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أن على باب الدار منهم جمّاً غفيراً. فلما أمر بلزمهم بطش بهم العسكر فامتنعوا بسلاحهم وصفر الصافر وكان أمر الله قدراً مقدوراً فانقلبت المدينة بمن فيها من عوارين البلد وعوارين الشام وسائر العرب العرباء على العسكر فنبهوهم في ساعة واحدة. وكانت المدينة قد امتلأَت بالعربان والعسر من الشام وكان في ظن الأمير أن كافة العربان الواصلين من الشام يقولون بقوله ولم يعلم أن الجميع داعية فساد وطمع. فلما رأَى ما رأَى من السواد الأعظم قام هارباً وهرب سائر المقدمين المذكورين وافترق العسكر فدخل الأمير موضعاً من الدار فتبعه جماعة من العوارين فقتلوه وصت صلاة المغرب من ليلة الجمعة الخامس عشر من الشهر المذكور. فلما أصبح صبح يوم الجمعة حمل من موضعه ذلك وغسل وكفن ودفن في داخل المدينة قبالة باب الشبارق عند المسجد المعروف بمسجد السدرة. ولما طلعت الشمس يوم الجمعة الخامس عشر من الشهر المذكور وصل الأشراف بأجمعهم إلى مدينة زبيد وحطوا في البستان الشرقي ودخل الشريف يحيى بن حمزة الهدوي في جماعة من أصحابه من السور برأْي بعض العوارين فوقفوا في المدينة ساعة يدورون على بيوت غلمان السلطان ويتأَملونها وأَمر صائحاً يصيح بذمة الله وذمة الإمام على كافة الناس ثم قال لمن معه من العوارين افتحوا الباب للعسكر يدخلوا المدينة له رجل من مشايخ العوارين يقال له ابن العدني المصلحة يا شريف أن ترجع إلى أصحابك وتمهلونا هذه الليلة حتى نجتمع بأكابر أَهل البلد. فقال له وهل في البلد من هو أكبر منكم قال نعم معنا فقهاء وتجار ورعية ومن لا نتعدى أمرهم فان رضوا بكم فتحنا لكم الباب ومرحباً بكم وإن لم يرضوا بكم فيا حجر يا حجر ويا سيف يا سيف ويعطى الله النصر من يشاءُ. فقال الشريف وما في الكلام إلا هذا قال له نعم. فرجع الشريف هو وأصحابه الذين معه وكانوا نحواً من سبعة أو ثمانية نفر فانزلوا من الدرب ورجعوا إلى أصحابهم واشتد القتال ساعة من نهار. وكان هذا قبل زوال الشمس من يوم الجمعة الخامس عشر من الشهر المذكور. فلما زالت الشمس وحضر وقت الصلاة لم يحضر الجامع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الناس إلا وأقل من نصفهم بل من ثلثهم وتأَخر كثير من الناس ولم يحضر القاضي ولا الخطيب وغاب كثير من الأعيان فتأهب الناس لصلاة الظهر فقام الفقيه أبو بكر الوصابي المعروف بالمكي فصعد المنبر وخطب خطبة مختصرة ولم يذكر السلطان فيها فبكي كثير من الناس بكاءً شديداً حتى كانوا كأَن بين أيديهم ميتاً. ثم نزل وصلى بالناس فلما انقضت الصلاة خرج الناس بأجمعهم إلى موضع شرقيّ الجامع يقال له المبرك وأرسلوا للعوارين فوصل جماعة منهم فقال لهم الحاضرون يا مشايخ ما هذه الأفعال التي فعلتموها في البلاد قتلتم نائب السلطان ونهبتم غلمانه ونهبتم المدينة ما عرفنا ما مرادكم أن كان غرضكم أن تسلطنوا واحداً منكم فقولوا لنا وإن كان عزمكم على دخول الأشراف فانصحونا وان كانت البلاد بلاد السلطان عرفتم الناس بما أنتم فاعلوه فمن أحب الوقوف في البلاد وقف ومن أحب الخروج عنها خرج فعرفونا عزمكم الذي قد عزمتم عليه فقالوا والله يا فقهاء ما نحن إلا عبيد السلطان وغلمانه لو يقصنا بالمقص ما رضينا بأحد غيره فقال لهم الحاضرون إنا نخشى أن يأتي غيركم من أصحابكم ويقول غير هذا القول قالوا والله يا فقهاء ما أحد يقدر أن يقول غير هذا القول أبداً ولو كنا نريد الأشراف كنا قد فتحنا لهم الأبواب ولكن والله يا فقهاء ما نقدن إلا من قدمتم ولا نؤَخر إلا من أَخرتم وما أشرتم به علينا قبلناه. قالوا فتقدموا إلى عند الأمير سيف الدين الخراساني فانه عبد السلطان وأولى من حفظ بلاده ولا تتهمه في شيءٍ فتقدموا بأجمعهم إليه ودخلوا عليه وقالوا من حفظ بلاده ولا نتهمه في شيءٍ فتقدموا بأجمعهم إليه ودخلوا عليه وقالوا يا مولانا أنت عبد السلطان وغلامه وهذه بلاد السلطان فاحفظها ونحن نقاتل بين يديك ولا يتخلَّفُ أحد منا عن القتال. فقال الأمير سيف الدين وأنا انفق عليكم وعلى كافة الناس ذهباً وفضة. فصاح الصائح بالأمان وبذمة السلطان على كافة الناس فظهر حينئذ من العسكر أناس كانوا مختفين في المدينة نحواً من مائة وثلاثين فارساً من عسكر السلطان واجتمع من الرجْل شيء كثير. ولما أصبح صبح يوم السبت السادس عشر من الشهر المذكور ولم يظهر من أهل المدينة على الأشراف علم ركب الأشراف بأجمعهم وداروا حول المدينة فوجدوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الدرب من ناحية باب النخل متخلخلاً ففتحوا الحرب من هنالك فقاتلهم أهل المدينة قتالاً شديداً فقتل من أهل المدينة نحو من أربعة عشر إنساناً بالنشاب وقتل من الأشراف فارس واحد كان قد نزل عن فرسه وقاتل رجَّالاً حتى وصل إلى اسفل الدرب وأراد أن يطلع الدرب قهراً فواجهه رجل من العوارين يقال له دهيس فتطاعنا مليّاً فأصابت الشريف طعنة كان فيها اجله وقتل جماعة من رَجْلهم ورجعوا إلى محطتهم في البستان الشرقي ولم يكن بعد ذلك اليوم قتال ولم يزالوا في محطتهم والأبواب مغلقة إلى يوم الثاني والعشين من الشهر المذكور. ثم استمروا راجعين إلى الشام فكانت إقامتهم بالكدراءِ. ولما ارتفعت المحطة عن زبيد وصل الطواشي أمين الدين أهيف في عسكر جيد من الباب السلطاني فتخوف منه أعوارين وأغلقوا أبواب المدينة فوقف في البستان السلطاني خارج المدينة فاشتد خوف العوارين منه وتواترت الإمداد إلى الطواشي. فكان العوارين يحرسون الأبواب حراسة شديدة والطواشي يظهر لهم انه لا حاجة له في دخوله المدينة وإنما وقوفه لانتظار باقي العسكر. ثم يتقدم إلى الجهات الشامية في العساكر كلها ثم طلب مشايخ العوارين وحلفهم على حفظ المدينة وكساهم كسوة جيدة وأوجدهم انه متوجه إلى الشام وان السلطان لم يأْذن له في الدخول إلا عند رجوعه من الشام فآمنوا وما آمِنوا. ولم يزل الطواشي يرقب غفلات العوارين عن حراسة الباب حتى اطمأَنوا وملوا من طول الحراسة. فلما كان يوم الأربعاء الثالث من شهر رجب أشعر الطواشي على العسكر أن يكونوا على أُهبة. وجاءته عيونه فأخبروه أن الباب مفتوح وليس هنالك أحد من العوارين. فأَمر جماعة من الخيل فساقوا إلى الباب فملكوه فأمر الطواشي أن يسقط أحد المصرعين من الباب الأول وكذلك من الباب الثاني فاسقط وصرخ الصارخ في المدينة فما وصل أول العوارين إلا وقد دخل العسكر فركب الطواشي حينئذٍ واستنهض باقي العسكر من الخيل والرجل ووقف هو خارج المدينة وأمر العسكر بالدخول ولم يزل واقفاً موضعه حتى أتى بعدة رؤوس من القتلى. ثم دخل وأمر جماعة من العسكر يدورون حول المدينة يتلقون الهارب فكان يوماً عظيماً ونهبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 المدينة نهباً شديداً وقتل في ذلك اليوم نحو من أربعين رجلاً. ولما كان عند آذان العصر أمر صائحاً يصيح بأمان الناس وترك النهب ولا أمان على المفسدين. ولما كان يوم الخميس الرابع من الشهر المذكور جرد الجرائد إلى القرى في طلب المفسدين فكان يؤتى بهم ولا خطاب لهم إلا السيف. وفي هذا التاريخ قيد الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي في المهجم وصدروا به إلى صعدة في جماعة من الخيل والرجل ولما صاروا به في حد بلاد القائد ففكه القائد وأطلقه وطرد العسكر الذين كانوا معه مجردين إلى صعدة وقال له القائد توجه حيث شئت فطلع حصن المنابر ثم نزل منه إلى ملحان وكان هنالك يومئذٍ العفيف عبد الله بن الهليس. ثم خرج من ملحان إلى الصباحي ثم إلى قرن عامر. وفي آخر شهر شعبان خرج الطواشي من زبيد يريد القرشيين وكانوا قد انتقلوا إلى العرمة فقصدهم إلى هنالك فقتل منهم محمداً البابلي فارساً شجاعاً مشهوراً وقتل معهُ جماعة من الرجل فأرسلوا للأشراف إلى الكدراء وللعوارين إلى الجبل فوصلوهم فاجتمع من الأشراف والعوارين والقرشيين جمع كثير فقصدوا زبيد. وكان الطواشي مقيماً في القوز وكان يأمر العسكر بالركوب والتيسر إلى الأماكن النازحة. فلما كان يوم الأحد السابع عشر من رمضان ركب من العسكر نحو من مائة فارس وساروا نحو وادي رمع فواجههم الجم الغفير من الأشراف والعوارين والقرشيين. فأرسل المقدم من يعلم الطواشي ويستنجده وواجههُ القوم فقاتلوا قتالاً شديداً وثبت كل حزب للآخر. فبينا هم كذلك إذ وصل العسكر وهم مشتغلون في القتال فانهزم الأشراف والعوارين والقرشيون ومن معهم هزيمة شديدة وقتل منهم يومئذٍ نحو من خمسين رجلاً فيهم عدة من مشاهير العوارين وباقيهم من الأشراف والقرشيين. ولما كان أواخر شهر شوال نزل الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر السنبلي في عسكر جيد من الباب الشريف فارتفع بعض الأشراف من الكدراء إلى المهجم. وفي شهر ذي القعدة نزل من بني حمزة جماعة فلما دخلوا المهجم أقاموا فيها أياماً قلائل وخرجوا منها عاصين يريدون بلادهم. فلما صاروا في أثناء الطريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 قصدوا ملحان يريدون العفيف عبد الله بن الهليس فأكرمهم وانصفهم وأرسلهم إلى الأمير فخر الدين زياد بن أحمد فوصلوه في آخر ذي القعدة وفي أول ذي الحجة ارتفع السيد إبراهيم وبقية العسكر من الكدراء إلى المهجم حين سمعوا بوصول عسكر السلطان والأمير فخر الدين أبي بكر بن بهادر السنبلي. فلما كان يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة ارتفعوا من المهجم إلى المحالب فأمسوا فيها ليلة واحدةً وأمسوا سائرين لا يلوى أحد على أحد. ودخل الأمير فخر الدين المهجم يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجة ودخل الأمير فخر الدين أبو بكر السنبلي يوم الأحد الثاني من ذي الحجة المذكور فأقاموا في المهجم أياماً وتقدموا إلى حرض فأقاموا فيها أياماً قلائل ورجع زياد إلى السلطان وأقام ابن السنبلي بها مقطعاً. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير شهاب الدين أحمد بن سمير وكانت وفاته في المصادرة ثاني يوم المحرم أول السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه شمس الدين علي بن محمد بن يوسف العلوي تحت المصادرة أيضاً مع القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم وفي سنة اثنتين وسبعين نزل السلطان إلى محروسة زبيد وكان دخوله المدينة يوم الخامس من جمادى الأولى وكان الوالي في زبيد يومئذ الأمير فخر الدين أبو بكر بن المفضل الخرازي ففصله عن ولاية زبيد وولاه مدينة فشال فقال مشايخ القرشيين فاعمل الحيلة في وصولهم إليه فلم يصلوا فأمَّر السلطان الأمير فخر الدين أبا بكر بن السنبلي في جماعة من العسكر إلى القرشية ولقيهم بن الخرازي من فشال. فلما صاروا في القرشية طلبوا مشايخ القرشيين لسبب المباشرة في بلادهم فوصل معظم المشايخ وتأَخر آخرون فأمر ابن السنبلي بالقبض عليهم وكانوا ستة عشر رجلاً فقيدهم ووصل بهم يوم السبت السادس عشر من الشهر المذكور. وكان صاحب القحمة قد لزم الشيخ محمد ابن حجر وأربعة من قرابته وأرسل بهم إلى السلطان فأودعهم السجن. فلما لزم مشايخ القرشيين كما ذكرنا أمر السلطان بتلف الجميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فوسط منهم خمسة نفر وسمر ثلاثة وشنق الباقون. وذلك في يوم الأحد السابع عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة. وكان فيهم من مشايخ القرشيين وأعيانهم الشيخ علي بن محمد بن عمر بن غراب وولده الذي يقال له الكندروس والشيخ عمر حوالي وولده حميضه والشيخ محمد بن عمر بن عروة والشيخ محمد بن علاء الدين وأباح السلطان قريتهم وأجلاهم عنها واسكنها قوماً آخرين وتشتت القرشيون في البلاد وصاروا من طوائف الفساد. وأقام السلطان في زبيد جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجباً وشعبان ورمضان وشوالاً وذا القعدة وذا الحجة. وفي ذي الحجة استمرَّ الطواشي أمين الدين أَهيف. وكان استمراره يوم الحادي عشر من ذي الحجة المذكورة فاستمر في ولايته إلى أن هلك في تاريخه الآتي ذكرهُ أن شاء الله تعالى. وهي الولاية المشهورة. كان يحكم وهو في زبيد على من في عدن وفي تعز ومن في حرض. وكان يحكم على ما وراء البحر من أهل عوان وزيلع وغيرها من البلاد الشاسعة. ذلك أنهُ كان إذا اشتكى إليه إنسان بغريم له غائب عن البلاد وأعمالها وكان في أي بلد من بلاد السلطان كتب له محضراً وأرسل بهِ جماعة من الجند والأعوان فإما أرضى خصمه وإلا وصل وقام بحجته فان امتنع عن الوصول أَو التسليم الزم الطواشي أهله وأقاربه أو وكيله أو عبيده بتسليم ما توجه عليه وان لم يكن له عاقلة في البلاد الزم الواصلين من أهل بلده الذي هو فيها إذ وصلوا إلى زبيد بتسليم ما يتوجه عليه. وكان السلطان قد أطلق يده في البلاد فلا يعلوا أمره أمر. وفي سنة ثلاث وسبعين تقدم الركاب العالي إلى محروسة تعز في شهر المحرم. وفي هذه السنة نزل الشريف نور الدين محمد بن إدريس بن تاج الدين الحمزي في طائفة من الأشراف أصحاب المشرق ووافقهم الأمير نور الدين محمد ابن ميكائيل وانضم إليهم الشريف جمال الدين محمد بن سليمان بن مدرك فقصدوا حرض وكان فيها يومئذ الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي فعاثوا في البلاد. وطلع الأمير فخر الدين إلى باب السلطان مستمدّاً فكساه السلطان كسوةً فاخرة وانعم عليه وجرَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 معه عسكراً من الباب وجماعة من بني حمزة وأمره أن يأخذ من الرتب ما شاءَ. فنزل في عسكر جرار وخزانة جيدة. وكان نزوله في أول شهر ربيع الآخر فتوجه نحو المهجم وقد استقرَّ فيها ابن ميكائيل وأصحابه المذكورون وابن همائيل ومن معهم. واشتد القتال بينهم ساعة من نهار ثم انهزم ابن ميكائيل وأصحابه الأشراف هزيمة شديدة وقتل الشريف محمد بن إدريس في نحو من مائة إنسان. وكانت الوقعة آخر النهار فلما حصلت الهزيمة في ذلك الوقت سترهم الليل فاتخذوا جملاً وحملت رؤوس المقاتيل إلى السلطان وهو في تعز. ثم نزل السلطان إلى تهامة في النصف من جمادى الأولى وسار الأمير فخر الدين إلى حرض ونواحيها فخالف عليه أهل جازان وانضم إليهم أصحاب المخلاف السليماني فقصدهم الأمير فخر الدين في عساكره إلى جازان وحط عليهم حتى أذعنوا إلى الصلح بعد أن قتل منهم جماعة في شوال. وفي هذه السنة توفي الطواشي صارم أدين نجيب زمام الباب الشريف وكان سيد الزمامية في عصره حليماً كريماً خطاطاً كريم النفس حسن الأخلاق قل أن يكون مثله في أبناء جنسه وكان وفاته في مدينة الجوة وقبر هنالك رحمه الله تعالى. وفيها توفي القاضي جمال الدين محمد بن حسان الوزير وكان رجل الزمان عاقلاً كاملاً لبيباً مهيباً صاحب البأْس الشديد والرأي السديد وكان سيد الوزراء في زمانه كامل الأوصاف حسن السيرة جيد التدبير نصوحاً لهُ عزم وحزم قليل الكار لو كانت البيض والقنا ... كآرائه ما أعيت البيض والرعف يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه ... وتستعرف الألفاظ من لفظه حرف رحمه الله تعالى وفيها توفي الفقيه الإمام البارع برهان الدين إبراهيم بن عيسى بن مطير الساكن في أبيات حسين من نواحي سردد وكان فقيهاً نبيهاً عالماً عاملاً صالحاً ورعاً زاهداً حسن المذاكرة مبارك التدريس محبوباً عند الخاص والعام توفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة من السنة المذكورة. وكان ميلادهُ ليلة الاثنين لأربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 بقين من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل المتقن المحقق جمال الدين أبو زيد محمد بن عبد الرحمن بن أبى السراج بن عثمان الأشعري السدوسي الحنفي. وكان فقيهاً عالماً عاملاً فطناً ذكيّاً ورعاً له فهمُ ثاقب ورأْيُ صائب تفقه بالفقيهين إبراهيم بن عمر العلوي وإبراهيم بن مهنا وأخذ علم الجبر والمقابلة عن الفقيه موسى بن علي النحلي المعروف بالجلاد. وله تعاليق حسنة واعتراضات جيدة واختصر شرح الخوارزمي. وكان مبارك التدريس حسن الإقراء مراعياً لطريقة مشايخه رحمه الله عليهم وتفقه به عدة من أهل المذهب. وكان لا تزال وصيته تحت رأسه فلما أحس بالموت آثر كل من كان له عليه شيءُ قلَّ أو كثر. وكانت وفاته في السنة المذكورة وعمره يومئذ ثلاث وخمسون سنة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وسبعين تقدم الركاب العالي من زبيد إلى تعز وكان تقدمه في أيام الخريف وكانت سنة كثيرة الأمطار فوقع على السلطان والعسكر في وادي المخيشيب مطر عظيم فامتلأَ الوادي ماءً وسال بطائفة من الناس فضلاً عن الجواب وغيرها. وفي هذه السنة تولى الوزارة القاضي تقي الدين عمر بن أبى القاسم بن معيبد. وكان أحق من قيل له سيد الوزراء لما جمع الله فيه من الخصال الحميدة والأوصاف العديدة. وكان استمراره يوم الخميس الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تقدم السفراء إلى الديار المصرية مرة أخرى صحبة القاضي جمال الدين محمد بن علي الفارقي والأمير ناصر الدين محمد بن علي الحلبي وكان تقدمهم في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفي شوال تقدم السلطان إلى زبيد فسكنها واستوطنها وعمل الخفية فيها. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح المشهور أبو بكر بن محمد بن يعقوب السودي بفتح السين المعروف بابن ابي حربة. وكان أحد علماء الحقيقة ومشايخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 الطريقة عالماً عاملاً له كرامات مشهورة وكان فصيحاً يطعم الطعام ويكفل عدة من الأرامل والأيتام. توفي في جمادى الأخرى من السنة المذكورة في قرية الواسط من قرى مور ودفن فيها. وكان يوم وفاته ودفنه يوماً مشهوراً رحمه الله تعالى. وفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة طلع السلطان من محروسة زبيد إلى مدينة تعز كعادته ونزل في شوال من السنة المذكورة فأقام فيها أياماً. ثم تقدم إلى النخل فتفرج فيه مدَّة. ثم سار إلى البحر من ساحل الأهواب فأقام هنالك إلى آخر السنة المذكورة. وفي هذه السنة قتل الأمير الكبير سيد الأمراء فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي غيلة وخديعة في حد القحرية وكان يومئذ مقطعاً في الجثة فتزوّج امرأَةً من العرب وكان يتكرر إليها ويبيت معها. فلما كثر تكرره إليها ومبيته عندها رصده بعض بني عمها فدخل عليه وهو نائم فقتله رحمة الله عليه. وكان سيد الأمراء في زمانه لا يقاس بغيره ولا يقارنهًُ أَحد. وكان سريع النهضة عند الحادثة شجاعاً رئيساً جواداً نفيساً كثير العدل والأنصاف متحبباً إلى الرعية محبوباً عند كافة الناس. وكان قتله في ليلة الخامس من رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي شهر ذي الحجة من السنة المذكورة قتل الشيخ أبو بكر بن معوضة السيري صاحب بعدان غيلة على فراشه واحترز رأْسه وحمل إلى حضرة السلطان وكان أحد رجال الدهر وأًفراد العصر عزماً وحزماً وهو الذي استولى على حصون بعدان ونزع يده عن الطاعة. وفي سنة ست وسبعين طلع السلطان من تهامة في أول السنة المذكورة بعد قتل السيري. ولما قتل الشيخ أبو بكر السيري كما ذكرنا كتب ولدهُ محمد بن أبي بكر إلى الإمام صلاح بن علي يستنجده على بلاد السلطان فانجده بنفسه في ما شاء من خيل ورجل. وجمع السيري جموعه وسارا جميعاً يريدان تعز فوصلا مدينة الجند يوم السادس من شهر رمضان فأقاما هنالك ثلاثة أيام. واستخدم السلطان جمعاً كثيراً من الفارس والراجل وكتب إلى كافة القبائل تحظ الطرق التي يمرُّ فيها الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 واستوحش الإمام أمره. وكان يقدّم الحزم في أموره كلها فاستمر راجعاً في غير الطريق التي جاء فيها وجدّ في السير حتى خرج من حدود بلاد السلطان وتعلق ابن السيري ببلده وحصونه وكان مبارز الرفدي ممن نزل إلى الأمام وسار معه وكثر سواده. فلما ارتفع الأمام من الجند كما ذكرنا جرد السلطان جماعة من العسكر للرفدي فأخذوه وجاءُوا به إلى السلطان فأمر السلطان بقتله وقتل ولم ينزل السلطان تهامة في هذه السنة. وفيها تقدم إلى عدن في شهر شوال فجعل طريقه على الحج وأقام في عدن أياماً فنشر شيئاً من العدل ما لا يعهد وكسى النواخذ وأَبطل كثيراً مما أحدثه العمال وصار التجار تذكره بالجميل ونائله الجزيل إلى كل ناحية في البر والبحر. ثم تقدم أَبين فأقام فيها أياماً قلائل واصطاد كثيراً من حمر الوحش ثم رجع إلى عدن ولم يقم فيها إلا يومين أو ثلاثة أيام ثم سار إلى محروسة تعز. وفي سنة سبع وسبعين وصل السفراء من الديار المصرية صحبة القاضي جمال الدين محمد بن علي الفارقي ووصلوا من الهدايا والتحف بشيءٍ كثير وكان وصولهم في شهر المحرم من السنة المذكورة. وفي هذه السنة نزل الإمام صلاح بن علي إلى تهامة بجيوش عظيمة من الخيل والرجل فرأَى ولاة البلاد لا طاقة لهم به فانشمروا من البلاد إلى زبيد فاجتمعوا وسار الإمام في الجهات الشامية فنهبها عسكره وأخربوها وسار في عسكره وجموعه إلى مدينة زبيد فوصلها غرة شهر رجب من السنة المذكورة فأقام شرقي المدينة ثلاثة أيام وهو يدور كل يوم حول المدينة فلم يجد فيها طمعاً. ويقال انه طلع منارة جامع النويدرة فرأي في المدينة أمماً لا تحصى قد احتشدوا من كل ناحية فاجتمعوا فيها فراعه ما رأَى من كثرة الناس فيها. وكان الطواشي أَهيف في المدينة أميراً يومئذ قد طلب مشايخ القرى وأمرهم بجمع رجالهم وإن يكونوا على أهبة بينما يصلهم علمه وأن لا يتأخر منهم أحد فيعاقب اشد العقوبة. وكان قد عزم على أن يقصد المحطة في ليلة من الليالي بالعسكر الذي في زبيد وبكافة أهل القرى فوصله العلم من بعض أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 القرى فانشمر راجعاً ولم يقف اكثر من ثلاثة أيام وسار في اليوم الرابع راجعاً. قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بالحسنى كنت يومئذ في مدينة زبيد فأخبرني رجل من أهل سهام لا اتهمه فيما اخبرني به. كان الإمام صلاح حاطّاً على باب المدينة في الناحية الشرقية قبل أن دخل المدينة بليلة أو ليلتين. قال رأَيت الليلة كان حصل قتال بين عسكر الإمام وأهل المدينة فبينما الناس يقتلون إذ خرج رجل من زبيد عظيم الخلقة طويل القامة على فرس كأعظم ما يكون من الجمال لا من الخيل وعلى الفرس والفارس ثياب كلها خضر وحوله من الناس جمع كثيف. فلما خرج في جمعه ذلك ورآه عسكر الإمام انهزموا بين يديه فتبعهم في ذلك الجمع فتوجهوا نحو الشام ولم يلتفت منهم أحد فكان آخر العهد بهم. فلما سمعت هذه الرؤْيا منه مع ما أعلم من صدق حديثه في جميع الحالات وحسن سيرته أيقنت بهزيمة القوم. فأصبح الإمام وجيشه متوجهين نحو الجهات الشامية في صبح ليلة الرؤْيا أو صبح الليلة الثانية والله أعلم. وفي هذه السنة استمر الأمير ركن الدين عبد الرحمن علي بن الهمام في حَرَض والأعمال الرحبانية مقطعاً بها. وفي شهر رمضان من السنة المذكورة جرَّد الأمير صارم الدين داود بن موسى بن حباجر إلى ناحية ذمار في عسكر كثيف من الخيل والرَّجل فقبض عدة حصون هنالك وأجابته العرب رعباً ورهباً واخرب قرىً كثيرة. فوجه الإمام جيوشاً عظيمة لقتاله فلم تقم لهم قائمة ثم جمع الإمام جموعاً أُخر واستنجد بأهل صنعاء ونصب خيامه في الحقل مقابلاً لمحطة ابن حباجر وأرسل عيونه يحققون له أخبار العسكر يوماً فيوماً وساعة فساعة حتى وصل إليه بعض عيونه مع القضاءِ السابق يخبره بافتراق العسكر في ذلك اليوم انه ليس في المحطة إلا نحو من أربعين فارساً فانتهز الفرصة وصدم المحطة بنفسه ومن معه في حال افتراق العسكر وكان في المحطة من الزيدية أناس كثير قد استخدمهم الأمير. فلما اصطدم العسكر أحاطوا حول الإمام فأُسر الأمير وقتل ناس من العسكر وانتهبت المحطة وذلك في شهر صفر من سنة ثمان وسبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وفي سنة ثمان وسبعين طلع الأمير بدر الدين محمد بن إسماعيل بن إياس في العسكر المنصور مغيراً إلى الحقل ومنع عساكر الإمام من حدود البلاد السلطانية وأقام هنالك يشن الغوائر في كل ناحية وعلى كل قبيلة وبذل الأموال وملك قلوب الرجال. وفي هذه السنة خالف الشريف محمد بن سليمان بن مدرك في حَرَض ونزع يده عن الطاعة ووافقه على الخلاف جماعة من الأشراف وقالوا بقوله وأَقام باقيهم على طاعة السلطان. فلما كان يوم الثاني عشر من جمادى الأولى حصل المصاف بوادي رحبان من أعمال حرض بين العسكر السلطاني والأشراف المخالفين فقتل الشريف محمد بن سليمان وقتل معه جماعة من أصحابه وأُخذت رءوسهم وحملت إلى زبيد ثم إلى تعز. وكان السلطان يومئذ في تعز بل في الجوة فقام برياسة الأشراف بعده يوسف بن سيف الدين وأخوه أحمد المسمى عصيرة. وكان صاحب حرَض يومئذ الأمير ركن الدين عبد الرحمن ابن علي الهمام. وفي آخر جمادى الآخرة نزل السلطان من محروسة تعز إلى مدينة زبيد فدخلها أول يوم من رجب فأقام أياماً في قصره المعروف بالخورنق ثم سار إلى وادي رمع في طلب الصيد فاصطاد هنالك شيئاً كثيراً ورجع إلى قصره المعروف بالخورنق فأقام فيه. ثم وصل ولدهُ مولانا السلطان الملك الأشرف من محروسة تعز. وكان وصوله إلى زبيد يوم الجمعة الرابع عشر من شعبان الكريم مطلوباً طلباً حثيثاً ليقضى الله أمراً كان مفعولا. فكانت مدة إقامته عنده ثمانية أيام من الجمعة إلى الجمعة. ثم توفي السلطان الملك الأفضل يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر شعبان الكريم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. فاتفق رأي الجماعة من رؤَساء الدولة على قيام ولده مولانا السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن العباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول. فاجتمع كبراء الدولة وعظماؤُها وصلحاء الأمة وعلماؤُها وانعقدت بيعته المذكورة في التاريخ المذكور وحضر أمراء العسكر وكبراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الأشراف ومشايخ العرب وحلف الجميع منهم وانتظمت الأمور وتقررت أحوال الناس ولم يمد أحد يده ولا رفع رأسه. ثم شرعوا في جهازه وغسله وتكفينه والمسير به إلى تربته الشريفة بمدينة تعز المحروسة. وكان دفنه يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر شعبان الكريم. وكانت القراءَة عليه في سائر المملكة اليمنية سبعة أيام رحمهُ الله تعالى. وكان ملكاً شهماً يقظاً حازماً عازماً أبيّاً ذكيّاً فقيهاً مشاركاً للعلماء في عدة فنون من العلم عارفاً بالنحو والآداب واللغة والأنساب وسير العرب وسير الملوك. وصنف عدة من الكتب منها كتاب نزهة العيوم في تاريخ طوائف القرون لم يحذ على مثاله ولم ينسج على منواله وهو كتاب نافع جدّاً وله أيضاً كتاب العطايا السنية في المناقب اليمنية يحتوي على طبقات فقهاء اليمن وكبرائها وملوكها ووزرائها. وله كتاب نزهة الأبصار في اختصار كنز الأخبار. واختصر تاريخ ابن خلكان. وله كتاب بغية ذوي الهمم في انساب العرب والعجم وله غير ذلك. وهو الذي جدد سور زبيد وعمر خنادقها بعد أن انهدم سورها وخرجت خنادقها وأنفق في عمارة ذلك جملة مستكثرة. وأجرى للرعية في معظم جهات اليمن مزال الربع مما أزدرعوه وفي بعضها الخمس. وأجري لهم الذراع الشرعي في المساحة وبينه وبين الذراع الأرضي فرق. وكان كريماً جواداً يضع الهبات موضع التعب ووهب للشريف علي بن الهادي مائة ألف دينار ملكية زوادة له يوم تقدمه إلى بلاده. وكان شجاعاً جلداً شديد البأس قوي النفس قصده الإمام صلاح بن علي في جموع كثيرة لا تنحصر من الخيل والرجل لمواقعة ابن السيري. وجمع ابن السيري ما يجاوز حد الحصر فبلغ جمعهم الحوبان. وكان يومئذٍ مقيماً بثعبات فما تزلزل ولا تحول. وولي الملك في قطر اليمن وفي البلاد من طوائف الفساد ما يزيد على ألفي فارس فضلاً عن القرناءِ والأضداد ففرَّق كلمتهم واستأصل شأفتهم. وكان له من المآثر الدينية المدرسة التي أنشأها في مدينة تعز في ناحية الجبيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 منها. أمر فيها بعمارة منارة لم يكن في البلاد مثلها وذلك إنها على ثلاث طبقات الأولى مربعة الشكل صحيحة الأركان والطبقة الثانية مثلثة الأركان قائمة الحروف والطبقة الثالثة مسدسة الشكل عجيبة المنظر. ورتب في المدرسة المذكورة إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً في الشراع الشريف ومعيداً وعشرة من الطلبة ومحدثاً وشيخاً صوفيّاً ونقيباً وفقراء وطعاماً للفقراء الوردين فأوقف عليهم أطياناً ونخلاً وكروماً ورباعاً ما يقوم بكفاية الجميع منهم. وابتنى مدرسة في مكة المشرفة قبالة باب الكعبة المعظمة ورتب فيها مدرساً ومعيداً وعشرة من الطلبة وإماماً ومؤَذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن الكريم وأوقف عليها وقفاً جديداً. وله كثير من الآثار الحسنة والسير المستحسنة. وتوفي عن سبعة أبناء ذكور كلهم أكبرهم السلطان الملك الأشرف إسماعيل. والثاني عبد الله المنصور. والثالث علي المجاهد. والرابع محمد المفضل. والخامس أبو بكر المؤَيد. والسادس عمر المظفر. والسابع عثمان الفائز. والثامن داود مات صغيراً قبل أبيه. وكان وزيرهُ القاضي جمال الدين محمد بن حسان. فلما توفي في تاريخه المذكور استوزر بعده القاضي تقي الدين عمر بن القاسم بن معيبد ورثاه جماعة من الفضلاء بعدة من القصائد المختارات ونال الناس عليه حزن شديد. تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوح جنته. وقد أثبت من جميع ما رثي به من الشعر قصيدة نظمتها يومئذ لما عزب عليّ حفظ غيرها فجعلتها سداداً من عوز وهي بكت الخلافة والمقام الأعظم ... والملك والدين الحنيف القيمُ والشمس والقمر المنير كلاهما ... والأرض تبكي والسما والانجم والبيت والحرم الشريف بمكةٍ ... والحجر والحجر اليماني الأسحم والبيض والبيض المهندة الظبا ... والسمهرية والقسي والأسهم ومدارس العلم الشريف وأهله ... والمسلمون فصيحهم والأعجم جزعاً على الملك المتوَّج بالبها ... من قبل يعقد تاجه وَينظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الأفضل بن علي الذي ساد العلى ... وبنى منار المجد وهو مهدَّم وحمى ثغور المسلمين بعزمه ... والسيف يقطر من جوانبه الدم الأروع الطلق الفرافصة الهصو ... ر القسور الورد الهزبر الضيغم والعارض الهتن الأجش المرجحن ... الوابل الغدق الملث المثجم والصارم الذكر الجاز المشرفي ... القاطع العضب العضوض المخذم ومصرف الملك الجموح ولم يزل ... بالسيف ينقض ما يشاءُ ويبرم ملكُ له عنت الملوك وأذعنت ... قهراً ودان الأغلب المتعظم وأطاعهُ الدهر العصيُّ وأهله ... طوعاً وكرهاً كافر أو مسلم فأتاه حكم الله جل جلاله ... وهو المليك العدل فيما يحكم حكم على كل البرية لم يكن ... مستأخر فيهم ولا مستقدم فتغيّر القمر المنير لفقده ... والشمس كاسفة تنوح وتلطم والأرض راجفة تميد بأهلها ... والجوّ مُغْبَرّ الجوانب مظلم وبكل أرضٍ من تهامة حسرة ... وبكل بيتٍ في زبيد مأتم نزلت ملائكة السماءِ لدفنه ... وملوك يعرب في العزاء تقدموا سبأ وحمير والعريحج وابنه ... وزهير الشامي وياسر ينعم والصعب ذو القرنين والهدهاد والصم ... باح ذا يبكي وذا يترحَّم وأتى أبو كرب وحسان ابنه ... وشقيقه وأبو الضجاعم ضجعم وملوك غسان ولخم وكندة ... وأبى الجلندي وابنه والأَيهم وأتى الشهيد ويوسفُ وسليله ... عمر وداود الهزبر الضيغم وعلي بن داود المجاهد قائم ... يبكي ومدع العين قانٍ عندم يا وحشة الدنيا ووحضة أهلها ... إذ قيل مات التبعيُّ الأَعظم من للمواكب والكتائب في الوغى ... والخيل في أرسلنها تتحمحم من للطغاة وللبغاة مدمر ... من للضلال وللفساد مهدّم من للكتاب يفضه ويحجب عن ... مضمونه في صدره ويترجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 هيهات ولي الفضل بعدك كله ... والجود ولي والعطا والأَنعم يا أيها الليث الهصور لدي الوغى ... يل أيها البر الرحيم الأكرم يا أيها الجبل الأشم المرتقى ... يا أيها البحر الخِضَمَُ الخضرم يا أَيها القمر المنير ضياؤُه ... يا أَيها الغيث الهتون المثجم غالتك غائلة الردى صرفاً ولم ... يغن الحسام ولا اللسان اللهذم كلا ولا خولُ ولا حشمُ ولا ... خدمُ ولا مالُ به يستخدم فسقالك من سحب الرضا مغدودوق ... وأهلا العرى مسحنفر لا يثجم في كرم يوم بكرة وعشية ... ما غرَّدت ورُقُ ولاحت أنجم فلئن ذهبت فلما ذهبت حقيقةً ... ولئن مضيت فما مضت لك أنعم ودَّعتنا وتركت فينا ماجداً ... يبني مآثر جفَنَةٍ ويتمم الأشرف الملك الذي في تاجه ... قمر يلوح وفي المقامة ضيغم الحازم اليقظ الجواد اليعربي ... الهزبري الأَفعوان الأَرقم والقائد الخيل العتاق إلى الوغى ... سعياً تعادى بالكماة تحمحم بين الصواهل والعواسل والظبا ... قمر الخلافة زندها والمعصم وأخو الفضائل والفواضل والذي ... في كل كف منه بحر خضرم ملك له شم الملوك خواضعُ ... محك إذا التقت الجيوش غشمشم ليث لدى الهيجاء في عريسهِ ... متهللُ لوفوده متبسم من آل جفنة من بني ماء السما ... من سرّ غسان الذين هم هم ذو سيرة مرضية ما شادها ... في عصره الرَّاضي ولا المستعصم طلق الجبين أغر لا فظُّ ولا ... جهمُ ولا متكبرُ متعظم فالله يسعدهُ ويمتعنا به ... ما دام فوق الأرض يمشي مسلم ويزيده ملكاً إلى الملك الذي ... أولى ويكفيه الردى ويسلم ما جن ليلُ وانجلى صبح وما ... باتت حمامات الحمى تترنم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الباب الثامن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 ذكر قيام الدولة الأشرفية الكبرى وبعض أيامها قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بالحسنى: لما توفي السلطان الملك الأفضل رحمة الله عليه في تاريخه المذكور وحصل الإجماع على قيام ولده السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن العباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر ابن علي بن رسول الخائض الغمرات غير مدافع ... والشمَّري المظعن الرعميسا ملكُ تصور غايةً في آية ... تنفى الظنون وتفسد التقييسا لما سمعت به سمعت بواحدٍ ... ورأيته فرأيت منه خميسا ولحظت أنمله فسال مواهباً ... ولمست منصله فسال نفوسا وكان انتظام بيعته بعد صلاة الجمعة من اليوم الحادي والعشرين من شعبان فلما انتظم الأمر باطناً وظاهراً. وجرى القلم بالسعادة أولاً وآخراً أنفق على العسكر نفقةً جيدة وسار بوالده إلى محروسة تعز فدفن يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر المذكور. واستمرَّت القراءَة عليه سبعة أيام. ثم برزت أوامره إلى سائر الجهات بتقرير الأحوال واستخدام الرجال وأقام بقية شعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وصدر ذي الحجة والكتب من كل بلدٍ تصل إليه. والعرب من كل ناحية تفد عليه. وهو يجيب عن كل كتاب بما يقتضي. ويقابل كل واصل إليه بما يحب ويرتضى. حتى استوسقت البلاد دانيها وقاصيها. وأذعنت البرية طائعها وعاصيها. فلما انقضت أيام العيد. عزم على المسير إلى زبيد. فدخلها يوم السادس عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 في جحفل ستر العيون غباره ... فكأَنما يبصرن بالآذان وفوارس تحيي الحمام نفوسها ... فكأَنها ليست من الحيوان وفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة برز أمر السلطان بعديد النخيل من وادي زبيد وكان قد تضرر منه أهله وانقرض منه شيء كثير. وكان من جملة المندوبين عبد الرحمن بن الوجيه. فلما تقدم المذكور إلى التخيل من جملة الجماعة المندوبين رأى رجلاً يقطع نخلة مثمرة فعنفه وتوعده ووبخه وتهدده فسقطت النخلة عليه وهو على دابته فقتلتهما معاً فاعتبر به الباقون من أصحابه. والسعيد من وعظ بغيره. فكان عديد النخيل في هذه السنة المذكورة أول حسنة من حسناته. ثم برز أمره العالي على وزيره القاضي تقي الدين عمر بن أبي القاسم معيبد يأمره بالتقدم إلى الأعمال الرحبانية لأمر أوجب ذلك. وكان الوزير المذكور حسن السياسة. كامل الرياسة. فأقام بها مدة يقرر أحوالها. ويستخرج أموالها. ونزل السلطان النخل فأقام فيه مدة. ثم تقدم إلى البحر ثم ارتفع إلى زبيد في آخر شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. ولما انقضى رسم النخل بوادي زبيد تقدم السلطان إلى محروسة تعز في آخر الشهر المذكور. ووصل الوزير من الجهات الشامية إلى تعز المحروسة وكان دخوله تعز يوم الثامن من شهر جمادى الآخرة. ثم عزم السلطان على نزال تهامة فكان خروجه من تعز يوم الاثنين السادس عشر من الشهر المذكور. فأقام فيها بقية جمادى ورجباً ونصف شعبان. وفي مدة إقامته أَمر القاضي موفق الدين علي بن محمد بن سالم مشدّاً في زبيد وناظراً بها. ولما انقضى النصف من شعبان عزم على الطلوع إلى تعز بسبب الصيام فكان جخوله تعز الحادي والعشرين من شعبان المذكور. فأقام بها إلى عيد الأضحى. وكان صيامه رمضان في مدينة تعز. ولما انقضت أيام عيد الأضحى تقدم السلطان إلى زبيد فدخلها يوم السادس عشر من ذي الحجة. وفي هذه السنة توفي الشيخ الأَجل فخر الدين أبو بكر بن إبراهيم اليونسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 بالياء المثناة من تحت. وكان رجلاً فقد طاف المسالك. ودخل عدة من الممالك. فلما وصل اليمن قطن بها وسكن وخدم السلطان الملك المجاهد مدة طويلة. ثم خدم السلطان الملك الأفضل مدة إقامته في الملك وكان حسن المحاضرة. وقد يروى روايات تخرج عن حد العقل عما شاهده من ممالك العجم. وكان وفاته يوم الخامس عشر من شعبان في مدينة تعز دفن بالأجناد رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة أيضاً توفي الأمير نور الدين محمد بن ميكائيل وكان أميراً جليلاً نبيلاً عالي الشأن حسن السيرة كريم النفس بسط البنان يحب العلماء والصلحاء ويدنيهم من مجلسه ويعطيهم عطاءً جزيلاً ويعظم حالهم. وكان في أيام إمارته وانقياده للدولة الرسولية يقال له ملك الإماء. فلما نزع يده عن الطاعة وادعى السلطنة ونازع السلطان في بلاده وحاربه جهز له السلطان الملك الأفضل جيشاً كثيفاً فاجتثه من أصله وطرده عن البلاد فلم تقم له راية أبداً. فلاذ بالإمام علي بن محمد الهدري فأعطاه حصن المفتاح وما يضاف إليه يقتاته. فلم يزل به إلى أن توفي. وكانت وفاته ليلة الجمعة السادس عشر من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثمانين وسبعمائة أمر السلطان بعمارة القصر المسمى دار النصر في ناحية القُوّرِ من زبيد وفيها جرد السلطان عسكراً كثيفاً إلى بلد المعازبة وكان مقدم الجيش القاضي تقي الدين عمر بن أبي القاسم بن معيبد الوزير فهربوا من الخبت إلى الحازة فتبعهم وضيق عليهم ضيقاً شديداً وقتل منهم طائفة فتشتتوا في كل ناحية. وفي هذه السنة تقدم السلطان إلى المهجم فأقام فيها أياماً قلائل ثم رجع إلى زبيد فأقام إلى سلخ شهر رمضان. وفي هذه السنة المذكورة صام السلطان في زبيد أول سنة صامها في زبيد. وفي اليوم الثالث من شهر شوال تقدم الركاب السلطاني من زبيد إلى محروسة تعز فأقام بها إلى عيد الأضحى ثم نزل تهامة. وكان نزوله في النصف الأخير من ذي الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وفي هذه السنة توفي الشيخ الصالح تقي الدين طلحة بن عيسى بن إبراهيم ابن أبي بكر بن عيسى الهيار. وكان أحد رجال الطريقة وأصحاب الحقيقة صواماً قواماً عابداً زاهداً ورعاً مشهوراً له كرامات ظاهرة. وكانت وفاته يوم السادس عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. توفي في مدينة زبيد وقبر في مقبرتها الشرقية من ناحية باب سهام وعلى قبره قبة عالية وقبره مشهور يزار ويتبرك به نفع الله به في الدنيا والآخرة. وفي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة اجتمع المماليك الغرباء واختلفوا على أمر لم تظهر لأَحد حقيقته فنظرهم السلطان وهم يلبسون خيلهم ويأخذون سلاحهم فاستغرب أمرهم فأرسل عيوناً له يأتونه بأخبارهم فرفع إليه عيونه وأخبروه انهم على أهبة قتال وجمع سلاح ولكنهم مفترقون في أماكنهم في القرية فأجابهم لعبيد السلاح وغلمان البغلة فقصدوهم إلى أما كنهم قبل أن يجتمعوا فخرجوا على وجوههم هاربين ولزم بعضهم فاتلف وفي ذلك اليوم أمر السلطان بلزم عمه الملك الظافر هاشم بن علي بن داود فاعتقله أياماً ثم أطلقه وأحسن إليه. وما العصب الطريف وإن تقوى ... بمنتصفٍ من الكرم التلاد وكان ذلك من فعلهم يوم عاشوراء وفي هذه السنة وقع الحريق في مدينة زبيد فحرق السوق كله ومما وازاهُ شرقاً وشمالاً. وحرق في تلك المدة عدة أماكن من زبيد وغيرها وكان الحريق المذكور في شهر المحرم من السنة المذكورة. وفي هذه السنة أفسدت المعازبة فساداً شديداً وقصدوا طريق البحر مرةً بعد أخرى فجرد لهم السلطان عسكراً من الباب وأمر على صاحب القحمة وصاحب فشال بمواجهة العسكر في يوم معلوم فاتاهم العسكر من كل ناحية ومكان. ولم يكن لهم مهرب إلا البحر فدخلوه فغرق منهم طائفة وسلم الباقون. واستذم أناس منهم وأسر آخرون. وكان مقدم العسكر الأمير سيف الدين بشتك الحاجب فأقام عليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 يكفكف عنهم سمو العوالي ... وقد شرقت بطعنهم الشعاب ومن في كفه منهم قناة ... كمن في كفه منهم خضاب فرفع السيف عنهم ورجع إلى السلطان بالرؤوس والأسارى فأمر السلطان بقتل جماعة من الأسارى ممن يعرف بالفساد وأطلق الباقين وأضاف السلطان أمر الوادي رمع إلى الأمير سيف الدين بشتك فاستناب في الجهة المذكورة الفقيه رضيّ الدين أبا بكر بن أحمد بن عبد الواحد وكان فقيهاً حسن السياسة إلا أنه كان ضعيف الفراسة فجعل المعازبة غرضاً لسهامه. وضريبة لحسامه. فشتت جموعهم. وأَخلى ربوعهم. وقتل منهم عدة. في أقرب مدة. وفي العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر تقدم الركاب العالي إلى تعز المحروسة فأقام فيها أياماً. ثم تقدم في عسكره المنصور نحو المخلاف فأخذ مدينة أَب قهراً بالسيف. ثم سار نحو أرباب فأخاط بها علماً ثم رجع إلى تعز فأقام فيها أياماً قلائل. ثم توجه نحو تهامة فدخلها غزة شعبان من السنة المذكورة وكان صيامه رمضان في مدينة زبيد. وفي هذه السنة أضاف السلطان أمر القحمة إلى الأمير سيفد الدين بشتك فتقدم إليها فقصده المعازبة في جمع كثيف. وقد جعلوا له ثلاثة مكامن في ثلاثة أماكن فخرج إليهم فاستدرجوه إلى أن توسط في المكامن فأحاطوا به وبمن معه فقاتل حتى قتل. وقتل معه يومئذ الفقيه أبو بكر بن أحمد بن عبد الواحد وجماعة من العسكر وكان قتلهم يوم الحادي والعشرين من شوال من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تقدم الأمير فخر الدين ابو بكر بن بهادر السنبلي صحبة المحمل ولعلم المنصور إلى مكة المشرفة وسار بمسيره حج اليمن فحج حجّاً مبروراً وسعي سعياً مشكوراً. مصحوب السلامة في ذهابه وإيابه وفي هذه السنة تقدم الركاب العالي إلى ثغر عدن المحروس فأقام فيها أياماً وأبطل من المكوس المحدثة شيئاً كثيراً. وفيها توفي القاضي تقي الدين عمر بن أبي القاسم بن معيبد الوزير وكان أحق من قيل له سيد الوزراء أديباً عاقلاً مهيباً جواداً كريماً شجاعاً حليماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 لم يحكه الفضل ولا جعفر ... كلا ولا يحيى ولا خالدُ كالبدر والبحر وليث الشري ... والود إلا أنهُ واحدُ وكان حسن السياسة. كامل الرياسة. له فكرُ ثاقب. ورأْيُ صائب. فصيح اللسان. كثير الفضل والإحسان. سخيّاً وفيّاً. أبيّاً ذكيّاً أعدى الزمان سخاوةً بسخائه ... ولقد يكون به الزمان بخيلا ولي الوزارة في سنة أربع وسبعين وتوفي في المحرم من سنة إحدى وثمانين وعمره أقل من خمسين سنة والله أعلم. وكانت وفاته في مدينة تعز وقبره بالأجيناد. ولما توفي في تاريخه المذكور ولي الوزارة بعده ولده القاضي نور الدين علي بن عمر بن أبي القاسم بن معيبد وكان مدة وزارة القاضي تقي الدين المذكور ست سنين وعشر أشهر وثمانية أيام. وفي سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة رجع السلطان من عدن إلى زبيد فأقام في زبيد مدة السبوت وغزا بلاد بني ثابت فقبضها وقبض حصن قوارير. وفي شهر صفر من السنة المذكورة وصل الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر السنبلي من مكة المشرفة وصحبته محمل الحج والعلم المنصور فوشي به بعض الوشاة إلى السلطان وروي عنه ما كان وما لم يكن فاعتقله السلطان وسجنه فأقام في السجن معتقلاً إلى يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان ثم أطلقه. ولما انقضى رسم النخل بوادي زبيد تقدم السلطان إلى تعز فأقام بها وفي أواخر شهر رجب تقدم السلطان إلى مدينة الجوة فأقام فيها وفي البياض إلى الخامس عشر من شعبان. ثم طلع تعز فأقام فيها وصام شهر رمضان هذه السنة في تعز. وفي يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان أطلق السلطان الأمير فخر الدين أبا بكر بن بهادر السنبلي من السجن لما تحقق براءَته مما قيل عنه. وكان السلطان رحمه الله حليماً كريماً متأَنياً. ولو كان عجولاً لكان قد اتلف طوائف من الناس. وهذه من شيم الملوك قلَّ أن يوجد في الملوك مثله أمتعنا الله به وزاده ... في الأرض تمكيناً وعزّاً وعلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 ولا أرانا فيه مكروها ولا ... سوءاً من الأسواءِ ما طيرُ شدا وتقدم السلطان إلى زبيد يوم الثالث من شوال فدخلها يوم الخامس من الشهر فأقام أياماً ثم تقدم إلى بلد المعازبة وكانوا على حذر منه. فلما علموا بمسيره إليهم زهدوا في الأموال وتعلقوا برؤوس الجبال فنهب العسكر بلادهم نهباً شديداً وحرقت قراهم وكان الوقت غير مساعد فرجع السلطان إلى زبيد ثم طلع إلى تعز في عشر ذي القعدة فأقام بها إلى آخر السنة. وفي سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وقع الحريق في زبيد أيضاً في ناحية السوق وكان نحواً من الحريق الأول فقلَّ من حرق في المرة الأولى وسلم في الثانية وقلَّ من سلم في المرة الأولى وسلم في الثانية فانضر به أناس كثيرون. وفي هذه السنة استمر القاضي موفق الدين علي بن محمد بن سالم بالأعمال السهامية فأقام فيها بضعة وعشرين يوماً شملهم فيها بالآداب وعذبهم بأنواع العذاب فبلغ عمله إلى السلطان ففصله وأضافه إلى الطواشي أمين الدين أهيف فصادره مصادرة شديدة هلك فيها. وكان وفاته ليلة الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة ابطل السلطان في أيم الملك عن الرعية مصالحة العطب وكانت بدعة منكرة أبدعها بعض النواب في أيام الملك الأفضل فأبطلها السلطان وهي من مستحسنات فعله وأعفى أهل القرى من أهل وادي زبيد عن قبال نخل الأملاك السلطانية وكانت بدعة أحدثها بعض النواب أيضاً. وفي شهر جمادى تقدم السلطان إلى تعز فأقام بها إلى آخر شهر شعبان ثم توجه إلى زبيد فدخلها في آخر شهر شعبان وصام شهر رمضان فيها. فلما انقضى شهر الصيام سار إلى بلاد بني ثابت فاستولى عليها ثم قصد بلاد الركب فتسلمها ثم سار إلى حصن بني عليّ وهو الذي يسمى حصن رأْس وهو في جبل عسر عال مشمخر. وكان قد كثر من أهله الفساد والعصيان والبغي والعدوان فلما قصدهم السلطان في التاريخ المذكور هربوا من الحصن وتركوه خالياً. فقبضه السلطان ورتب فيه رتبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 يحفظونه ورجع ظافراً منصوراً. وفي هذه السنة توفي الفقيه شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم بن صالح الحضرمي المقري. وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً عاقلاً نبيلاً لبيباً أريباً حسن الأخلاق لين الجانب محبوباً عند الناس. وكان مدرساً في المدرسة الواثقية بزبيد وهي التي يسميها بعض الناس النورية ومعيداً في المدرسة الأشرفية إلى أن توفي يوم الحادي والعشرين من ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة أربع وثمانين أمر السلطان بمصادرة الأمير شمس الدين علي بن حسنم السقين. وكان في أول حاله معلماً للطبردارية ومقدماً على أهل فنه وقربه السلطان قرباً كليّاً حتى جعله شاد الدواوين وكسب أموالاً كثيرة من وجوه مختلفة فساءَت أخلاقه وكان شرساً فظّاً وتارةً ليناً سهلاً إلا أنه يحط مقدار ذوي الأقدار وينتهك حرمتهم ومن جهلت قدره نفسه ... رأَى غيره منه مالا يرى فلما تحقق السلطان أمره صرفه عن التصرف وطالبه بما احتجن من الأموال فسلم بعضاً وبعضاً. وساق نقداً وعرضاً. ثم أمر السلطان بإطلاقه فهرب إلى الحجاز. وفي شهر جمادى الأولى استمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد النظاري وزيراً. وكان له عدة أعداء فقدحوا فيه عند السلطان فاسود ما بينه وبين السلطان واستوحش منه السلطان فأمره بالانصراف إلى بلاده وهذه شيمة الملوك التأَني في الأمور. فلما أمره السلطان أن يرتفع عن بلاده ارتفع إلى بلاد بني يغنم. فلما علم به الإمام راسله واستدعاه إليه فلما وصل إليه آنسه من نفسه وقدر له ما يقوم بحال كفايته فأقام عنده. ثم تقدم السلطان إلى تعز فأقام بها إلى آخر شهر رجب. ثم توجه إلى زبيد فدخلها غرة شهر شعبان فأقام بها وصام شهر رمضان فيها في الدار المسماة دار التشفيع في القوّر. وفي هذه السنة وصل عدة من اشرف مكة ومن القواد يريدون الخدمة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 باب السلطان فقابلهم السلطان بالقبول التام وأقاموا على الإعزاز والإكرام فلما انقضى شهر شوال طلبوا الفسح في إقبال الحج والموسم فزودهم السلطان وتقدموا في أول شهر ذي القعدة. فلما وصلوا قريباً من المحالب انحازوا إلى طوائف المفسدين وقصدوا مدينة المحالب في جمع كثيف فخرج إليهم أميرها يومئذ وهو الركن بن الهمام فيمن كان معه لقتالهم فانهزم هو فقتلوه وقتلوا جماعة ممن معه ونهبوا أطراف البلاد. ثم توجهوا نحو حَرَض فخرج إليهم أميرها يومئذ بهادر الشمسي فقتل كبراءَهم وشتت شمل الباقين. ولما علم بهم صاحب مكة منعهم من دخولها فلم يدخل أحد منهم إلا سرّاً. وفي هذه السنة كتب السلطان رحمه الله تعالى لأصحاب الشرج العليا من وادي زبيد بزيادة معاد في القطيعة وذلك في سبع جهات وهي المأوى والبقر والريان ونابط ومبرج والنقض والبداني صدقة مستمرة. وتصدق على أهل ضاحي جميعاً بان نكون قطيعتهم دينارية في كل معاد واحد إلا ما سقى بالوادي فانه يكون في كل عشرة معاود منه مد ديواني. وهذا معدود من أفعاله الحسان. وفي هذه السنة توفيت الآدر الكريمة جهة الطواشي جمال الدين طعن الأفضلي الأشرفي والدة مولانا السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن العباس وكانت عقيلة الزمن وسيدة نساء ملوك الشام واليمن وإذا لم تجد من الناس كفئا ... ذات خدرا أرادت الموت بعلا وكان لها الآثار الحسنة. والأفعال المستحسنة. ومن مآثرها المسجد الذي ابتنته على باب دارها دار الأمان في ناحية المغربة من مدينة تعز وهو مسجد حسن واسع وجعلت فيه بركة ومطاهر وجرت إليه ساقية من الماء ينتفع به الناس نفعاً عاماً ولها عدة مكارم. وكانت تفعل الخير كثيراً وعتقت عند موتها كثيراً من الجواري والخدام وأوصت بصدقة مستكثرة على الفقراء والمساكين وعلى جملة أناس معينين وأوصت بحجة وزيارة. قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه فندبني السلطان رحمه ال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 له تعالى للحج عنها والزيارة فزودني أربعة آلاف درهم. ولما رجعت من الحج والزيارة سامحني في خراج ارضي ونخلى يومئذ مسامحة مستمرة مؤَيدة مستقرة. جزاه الله عني افضل الجزاء. وفي هذه السنة توفي القاضي حمال الدين محمد بن إبراهيم الجلاد. وكان أوحد أعلام الدهر. وأوحد أعيان العصر. وكان فقيهاً عارفاً فاضلاً جواداً كاملاً له فعلات في الجود مشهورة. ومقامات في الفضل مذكورة. قرأَ على الفقيه علي بن نوح وغيره. وكان بارعاً في علم الحساب والفلك وبنى مدرسة في مدينة زبيد لأهل مذهبه أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وكان يحب العلماء ويجلهم. ولم يزل في خدمة السلطان حتى ولي السدود الأربعة وأقطعه السلطان الملك الأفضل حَرَض ثم اقطعه فشال. وتوفي وهو ناظر في الثغر المحروس بعدن وولي النظر والولاية بها مدة. ولم يتفق هذا لأحدٍ قبلة. وكانت وفاته في جمادى الآخرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. ويروى أن ميلاده في سنة أربع وعشرين وسبعمائة والله أعلم. وفي سنة خمس وثمانين وسبعمائة نزل السلطان تهامة في شهر المحرم فأقام بها. وفي شهر جمادى الأخرى خرج عمران السنجى إلى بلد المعازبة ووافقهم على الفساد في البلاد بعد أن كان أحد خواص السلطان فدل قبح فعله على خبث اصله. فأغار هو والمعازبة في جمع كثيف فخرج سرعان الخيل من العسكر فلحقوهم وقد نهبوا شيئاً من المواشي فعطفت عليهم تلك الجموع فقتلوا أبا بكر بن الدمرداش ودادو بن حسن بن علي الأنف ولزموا خادماً من الخدام وهو الطواشي صفي الدين جوهر الصيني ومملوكاً وعبداً حبشياً فهرب عليهم الخادم ثم عاثوا في البلاد. وأكثروا في الأرض الفساد. وكان الوقت غير مساعد بالخروج إليهم. والمحطة عليهم. وفي هذا التاريخ استمر القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي ناظراً في الثغر المحروس فكان حسن المعاشرة. جيد المباشرة. وفي شهر شعبان تقدم الركاب العالي من تهامة إلى محروسة تعز فكان صيامه شهر رمضان في مدينة تعز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 ووصل الشريف الخطير والأمير الكبير داود بن محمد بن داود بن عبد الله بن يحيى بن الحسن بن حمزة بن سلمان بن حمزة صاحب صنعاء اليمن وسلطان أشراف الزمن. إلى الأبواب الشريفة السلطانية فقوبل بالإجلال والإعظام. والإفضال والإنعام ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم وفي شهر ذي القعدة صادر الطواشي أمين الدين أهيف كاتبه عبد الطيف بن محمد بن مؤَمن مصادرة عنيفة فتوفي في المصادرة في غزة ذي الحجة من السنة المذكورة واستصفى ما ظهر له من ماله. وفي هذه السنة توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الله التهامي حاكم الشرع بزبيد. وكان أحد الفقهاء المبرزين عارفاً بالمذهب حسن الأحكام تقيّاً غير متهم في شيءٍ. وكان ميلاده سنة إحدى وسبعمائة وتولى القضاء. ولم يزل قاضياً إلى أن توفي في السنة المذكورة. وكان معظم أسراره في زبيد وتولى قضاء المهجم نحواً من ست سنين. وكان أَحد أَفراد الدهر توفي في شهر جمادى الأخرى من السنة المذكورة عن أربع وثمانين سنة ونيف والله أعلم. وفيها توفي القاضي الأجل شمس الدين محمد بن أحمد بن صقر الدمشقي الغساني وكان فقيهاً نبيهاً عارفاً بارعاً في عدة من الفنون. وكان متولي قضاء الأقضية في قطر اليمن برهة في أيام المجاهد ومدة أيام الأفضل وصدراً من أيام الملك الأشرف إلى أن توفي في آخر شهر شوال من السنة المذكورة رحمه الله. واستمر بعده في القضاء الأكبر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس المقري وكان كاملاً فاضلاً لبيباً عاقلاً. وفي سنة ست وثمانين وسبعمائة تقدم السلطان إلى محروسة زبيد في أول المحرم فأقام فيها. ووصل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي من الجهات الشامية وصحبته جماعة من العسكر فلما صاروا في حد بلاد المعازبة انبعثت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 عليهم خيول المعازبة وفيها يومئذ موسى بن العكور رئيس بني يعقوب. فلما رآهم العسكر اخذوا هبتهم للقتال فاقتتلوا ساعة من نهار فقتل ابن العكور واحتزوا رأْسه يعضدهُ المقدور من بين صحبه ... على ثقة من دهره وأمانِ وهل ينفع الجيش الكثير التقاؤه ... على غير منصور وغير معانِ فاخذ العسكر رأسه ودخلوا به إلى زبيد في أَخر شهر المحرم من السنة المذكورة. وفي شهر صفر وصل الأمير شمس الدين علي بن حسن السقيم من مكة المشرفة إلى باب السلطان مظهراً حسن الرعاية وأكيد الرغبة فقابله السلطان بالقبول فلما اطمأَن به المقام نقل إلى السلطان عنه قبيح الكلام فأمر السلطان بتأْديبه لا بتعذيبه ثم خوطب فيه فعفا عنه وأطلقه وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا وفي هذه السنة أمر السلطان بعمارة قرية معقل التي غربي محل القلقل وأمر أن يكتب لهم منشور بتخفيف القطيعة هنالك في الضاحي والوادي ترغيباً لهم ليسدوا ذلك الثغر عن تطرّق المفسدين إلى طريق النخل والى الوادي فلم تساعد العمال إلى ذلك مراعاة لشيء آخر. وفي غرة جمادى الأولى قصد المعازبو طريق النخل في جمع عظيم وكان السلطان يومئذ في أنخل فأمر على العسكر بالخروج في طلبهم فخرجوا سراعاً فهزموهم وقتل من المعازبة عمر بن حسن بن عقد وكان أشجع فرسانهم وقتل معه جماعة منهم واسر ولد عمران السجنى الذي يسمى الوشاح. فلما وصل به العسكر إلى باب الدار أمر السلطان بقتله وقابله بغير المعهود من فعله وحلم الفتى في غير موضعه جهل وفي النصف من شهر جمادى الأولى استمر القاضي شهاب الدين أحمد ابن أبي بكر الناشري قاضياً في مدينة زبيد المحروسة وأعمالها عوضاً عن القاضي إبراهيم بن أحمد التهامي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وفي آخر شهر جمادى الأولى جرَّد السلطان العساكر المنصورة إلى بلد المعازبة وأشعر على صاحب فشال وصاحب القحمة بمواجهة العسكر السلطاني في وقت قد عينه لهم فوصل كل منهم من ناحية وجاءَهم الموت من كل مكان وظنوا إنه أُحيط بهم فانهزموا إلى ناحية البحر فأتلف السيف منهم طائفة والبحر أُخرى وغرق من نسائهم وأبنائهم شيء كثير ففقد منهم عدة بيوت لم يبق من أهلها أحد. وفي هذا التاريخ استمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي مشدّاً في الأعمال السرددية فأقام هنالك مدة يسيرة وانفصل عنها في أول شهر رجب. وفي شهر رجب استمر القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد ناظراً في الثغر المحروس بعدن فسار سيرة مشكورة. وتوجه السلطان من تعز إلى زبيد يوم السادس عشر من شعبان. وفي شهر رمضان استمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي في الأعمال اللحجية مستخلصاً للموال. فلما سار نقل عنه السلطان ما غير باطنه وظاهره عليه. فأرسل بعده إلى المتولي بلحج وهو الأمير شجاع الدين عمر بن سليمان الإبي أن يبقى على ولايته ومتى وصل الوجيه العلوي فيقبضه ويتقدم به إلى الثغر المحروس تحت الحفظ. فلما وصل القاضي وجيه الدين إلى حدود البلاد كتب إلى الأمير شجاع الدين الإِبي يعلمه بوصوله إلى الجهة المذكورة فخرج الأمير شجاع الدين الإِبي في عسكر كثيف. فلما توافقا أوقفه على مرسوم السلطان الذي وصله وتقدم به صحبته إلى عدن فلما دخلها سلمه إلى النواب فقبضوه منه وأودعوه السجن هنالك. فأقام هنالك في الاعتقال سنة عشر شهراً. وصام السلطان رمضان هذه السنة في دار الفوز بزبيد. وفي آخر شهر رمضان وصل الطواشي جمال الدين مرجان بخيل المعازبة بني بشير وطلب لهم من السلطان ذمة فأذم عليهم ذمة شاملة وحلفهم برد البيض عنهم ... وهامتهم لهم معه معار وفي شهر شوال أمر السلطان بعمارة القيسارية في قرية المملاح ليرتفق بها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 العسكر المقيمون عنده وغيرهم. وتقدم الركاب العالي إلى تعز المحروس في غرة ذي القعدة من السنة المذكورة. وفي شهر ذي القعدة هذه أمر السلطان بقتل ابن شرف الصنعاني. وكان سفيراً بينه وبين الإمام قال انه خان في سفارته وأفشى من السرّ ما أودعه السلطان فأمر السلطان بقتله لسوءِ فعله. ومن آداب الملوك أن يغفروا كل جريرة ويعفوا عن صغيرة وكبيرة إلا ثلاثة أشياء فإنها لا تغفر عندهم إفشاء السر والطعن في المملكة وإفساد الحُرَم. وفي هذه السنة أمر السلطان بالزيادة في المكيال بزبيد وأعمالها. وكان عيار الزيدي السفقري الذي قرره سنقر الأتابك مائتين وأربعين درهماً فأقام برهة من الزمان على هذا ثم زاد فيه بعض أولي الأمر ثمانين درهماً فصار عبارة عن ثلاثمائة وعشرين درهماً. فأقام على هذه الصفة مدة طويلة إلى آخر الدولة المجاهدية. فلما كان سنة إحدى وستين وسبعمائة زاد فيه الجمال ابن العروس وكان يتولى الحسبة بزبيد يومئذ والشهاب بن الخرتبرتي وكان أمير زبيد يومئذ فيه أربعين درهماً. وكان هذا حد الكلام فيه. ثم لعب به المحتسبون في زبيد فكانوا يزيدون فيه زيادة غير محققة. فلما تفاحش الأمر فيه في الدولة الأفضلية وانتهى إلى الأشرفية لاحظه السلطان رحمة الله عليه وتحقق أن هذا مضر بالرعية ولا مصلحة للديوان فيه قلما ينقل على صورة الأمر أمر رحمه الله أن يقرر على أربعمائة درهم وقال إذا بطلنا فحش الزيادات كلها دفعةً واحدةً يكون في ظاهر الأمر فحش ونحن نبطلها أن نبطلها شيئاً فشيئاً. فلما كان ما كان من هذه السنة من ارتفاع السعر وقل وجود الطعام أمر السلطان بأن يكون الزيدي خمسمائة درهم نظراً منه في تنفيس السعر على الناس في ذلك الوقت. فاستمرَّت الزيادة وانضرَّ بها كافة الحراثين وانتفع غيرهم. بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد وفي آخر السنة تجهز السلطان إلى تهامة فدخلها في آخر شهر ذي الحجة. وفي سنة سبع وثمانين جرد السلطان الأمير شمس الدين علي بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 الواشعي في مائة فارس إلى القحمة معونةً لصاحبها يومئذٍ وهو الأمير بهاء الدين بهادر اللطيفي وأمرهم بالمغار على بني يعقوب فقصدوهم إلى القاهرة وحرقوها ونهبوا أموالهم وشتتوا أحوالهم فطلبوا الأمان على نفوسهم وتسليم الخيل إلى باب السلطان. ووصل مشايخ بني يعقوب فأذم عليهم السلطان وكساهم ثم جرد السلطان الأمير فخر الدين أبا بكر بن بهادر السنبلي للمحطة على أهل الخنكة وتقدم صحبته عسكر من باب السلطان وأضيف إليه الواشعي وأصحابه المذكورون. وفي هذا التاريخ وصل سلاح الجحفلي إلى باب السلطان على الذمة الشريفة وقابله السلطان بالقبول. ووصلت الهدية من الديار المصرية يوم الحادي عشر من شهر ربيع الآخر وتقدم الركاب إلى تعز يوم الحادي والعشرين من الشهر المذكور ووصلت رؤوس الجرائح إلى باب السلطان يوم الأحد ثاني شهر جمادى الأولى وأقام السلطان في تعز يوم السادس من شهر جمادى الآخرة ثم توجه نحو تهامة فكان دخوله زبيد يوم العاشر من الشهر المذكور. وفي ليلة الاثنين الثاني والعشرين من الشهر المذكور توفي القاضي نور الدين علي بن القاضي تقي الدين عمر بن أبي القاسم بن معيبد الوزير الأشرفي. وكان رجلاً كاملاً حازماً عازماً جواداً كريماً ذكيّاً فهيماً مشاركاً في كثير من العلوم سعيد المباشرة وجيهاً عند السلطان مهيباً عند أرباب الدولة محبّاً للعلم والعلماءِ حسن السياسة كامل الرياسة. للشمس فيهِ وللرياح ... وللسحاب وللبحار وللأسود شمائل وكانت مدة وزارته ست سنين وأربعة أشهر واثنين وعشرين يوماً. وفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من الشهر المذكور استمر القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي في الوزارة عوضاً عن القاضي نور الدين علي بن عمر بن معيبد. وفي اليوم الثامن من رجب وصلت هدية صاحب دهلك إلى باب السلطان وفيها فِيَلُ ووحوش وغير ذلك مما يستطرف وتقدم السلطان إلى البحر يوم الثامن عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 فأقام في قرية المتينة أياماً ثم رجع إلى زبيد يوم الثالث والعشرين من الشهر المذكور. وفي أول شعبان وصل العلم إلى السلطان أن الإمام في جمع عظيم وإنه يريد الخروج على بعض النواحي. ثم وصلت الكتب أن الإمام يريد الخروج إلى تعز. ووصل الخبر بذلك صبح يوم الجمعة الرابع والعشرين فبرز آخر يومه ذلك. وسار آخر ليلة السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور يريد تعز. وفي ذلك اليوم قصد الإمام جبلة ونهب بعضها وكان أهلها متخاذلين. ودخل السلطان تعز يوم الاثنين السابع العشرين من الشهر المذكور. ولما علم الإمام بوصول السلطان رجع مدبراً وقد عث عسكره في البلاد فأقام السلطان في تعز وصام رمضان فيها. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور استمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس وزيراً وكان إليه قضاء الأقضية كما ذكرنا أولاً. وفي شهر رمضان المذكور وصل العلم بظهور تيمورلنك التركي واستيلائه على مملكة الشرق وانه متوجه إلى الشام. وفي عيد الفطر من هذه السنة أمر السلطان أولاده بالركوب إلى الميدان ولم يكونوا خرجوا قبل ذلك. وفي هذه السنة توفي الطواشي أمين الدين أهيف المجاهدي كان رجلاً حازماً شديد البأس صعب المراس سفاً كافتاً كافظاً غليظاً حازماً دهياً أبياً عظيم الهيبة شديد النفس وكان شجاعاً مقداماً في الحرب ناصحاً للسلطان خدم أربعة من الملوك وهم: المؤيد والمجاهد والأفضل والأشرف. وكان يجل العلماء ويحترمهم وله مكارم أخلاق وعقيدة صادقة. أقام ولياً في بيد خمس عشرة سنة إلا أياماً قلائل. وكان قليل الطمع في أموال الناس متدنياً في نفسه لا يكون إلا على طهارة كاملة لا يعرف شيئاً من النفاق إلا أنه طائش السيف أتلف كثيراً من الناس بحق وباطل تجاوز الله عنه. وفي هذه السنة ظهر جواد كثير في اليمن فاتلف معظم زرع البلاد وطائفة من نخل زبيد. وفي غرة ذي القعدة توجه السلطان إلى زبيد فدخلها يوم الخميس من الشهر المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 واستمر الطواشي جمال الدين مرجان أميراً في زبيد يوم السادس من ذي القعدة. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح جمال الدين محمد بن يوسف بن إبراهيم بن عجيل وكان رئيساً في أهل بيته في وقته ذلك لا يشابهه منهم أحد وكان جواداً كريماً حسن السيرة متواضعاً تقياً براً. وكان وفاته في العشر الأولى من ذي الحجة. وفيها توفي الفقيه الصلح شهاب الدين أحمد بن الفقيه الصالح رضى الدين أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن علي بن إسماعيل الحضرمي. وكان فقيهاً صالحاً تقياً براً عارفاً بالمذهب انتهت إليه رياسة التوى في زبيد وكان تفقه بعمه محمد بن عبد الله وغيره وتفقه به كثير من الناس وكان متواضعاً حسن التدريس باذلاً نفسه لمن قصده مختصراً في دنياه كثيراً. وكان وفاته يوم السادس من رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي يوم التاسع من الحجة استمر الفقيه الأجل الدين محمد بن عبد الله الريمي في القضاء الأكبر في المملكة اليمنية كان يومئذ أوحد أهل العصر علماُ وأحسنهم فهماً. علامة العلماء واللج الذي ... لا ينتهي ولكل بحر ساحلُ وفي يوم العشرين من الشهر المذكور تقدم السلطان من زبيد نحو الجهات الشامية فأقام هنالك إلى آخر السنة. وفي سنة ثمان وثمانين وسبعمائة كان السلطان في الجهات الشامية فأقام إلى يوم عاشوراء وعزم على الرجوع إلى زبيد. فلما وصل في القحمة يوم الثاني عشر خرج صنوه ملك المنصور عبد الله بن العباس يريد التقدم إلى فشال فصادف جمعاً من العرب المفسدين وهو على بغلة منفرداً عن حاشيته وغلمانه ولم يكن عنده منهم إلا نفران فحملت عليه الخيل وكان يظنهم من جملة العسكر فلما حملوا عليه وليس معه سلاح ولا مركوب إلا البغلة التي هو عليها انتزع الدبوس وساق على أحدهم فاعترضه آخر وطعنه طعنة بالرمح فاضت منها نفسه رحمه الله تعالى. فحمل إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 زبيد ثم إلى تعز ودفن في تربة والده وكان دفنه يوم الخامس عشر من الشهر المذكور. وكان دخول السلطان زبيد يوم الأربعاء من الشهر المذكور. فأمر بالقراءة عليه في زيد سبعة أيام في الجامع. وفي يوم السابع عشر من الشهر المذكور جرد السلطان العساكر إلى بلاد المعازبة فلم يجدوا فيها أحداً فنهبوا وحرقوا القرى ولم يظفروا بأحد ولا وجدوا أحداً. وفي غرة شهر صفر أمر السلطان بكتب منشور لأهل وادي سهام يتضمن الصدقة عليهم بزيادة معاد في القطيعة. فكانت هذه من فعلاته الحسان. وفي هذا التاريخ أستمر الأمير عز الدين بقية بن محمد بن الفخر والياً بزبيد فسار بالناس جميعاً سيرة حسنة وارتفق بولايته كل أحد من الناس على اختلاف طبقاتهم. وفي النصف من صفر المذكور أوقع الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي بالمقاصرة فقتل منهم طائفة وحمل من رؤوسهم إلى باب السلطان نحواً من خمسين رأْساً. وفي الثامن عشر من الشهر المذكور وصل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي مطلوباً إلى باب السلطان وكان في سجن عدن كما ذكرنا أَولاً. فأَذم عليه السلطان وآنسه بنفسه وتحقق السلطان براءَته مما قيل عنه. وكان أحد الرجال الكملة رأْياً وعقلاً ورياسةً ونبلاً وأَفضالاً وفضلاً. وفي سلخ صفر نزلت العرب عن الخيل وسلموها إلى الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي بعد أن أجلاهم عن أوطانهم وقتل طائفة من فرسانهم. وفي التاسع عشر من شهر ربيع الأَول وصلت هدية من الديار المصرية إلى السلطان ووصل صحبة الهدية جماعة من عمال الحرير بالإسكندرية. وفي اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الآخر وصل من خيول العرب أربعة وثلاثون رأْساً أرسل بها الشمسي ووصل هو بالباقي يوم السادس عشر ووصل بأموال الجهة الشامية. وفي اليوم التاسع عشر من الشهر المذكور وقع حريق في الثغر المحروس بعدن وكان حريقاً شديداً فاتلف من المدينة شيئاً كثيراً من البيوت والأموال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 ولم يعلموا سبباً حتى قلَّ من قال أن ناره نزلت من السماء وقدرة الله أَعظم من ذلك. وكان نزول السلطان النخل يوم السبت الرابع من جمادى الأولى فأقام في النخل والبحر إلى يوم العشرين من الشهر المذكور. ورجع إلى زبيد فأقام بها إلى الخامس والعشرين. وتقدم إلى تعز مصحوباً بالسلامة فكان دخوله تعز يوم الأحد الرابع من جمادى الآخرة. وفي سلخ جمادى الآخرة ثارت الفتنة بين أهل جبلة وأهل التعكر وغيرهم فاقتتلوا قتالاً شديداً أول يوم ثم في اليوم الثاني انهزم جبلة هزيمة شنيعة ونهبت المدينة وانتقل عنها بعض أهلها إلى إِبّ. وفي شهر رجب أوقع الأمير بهاء الدين الشمسي بالواعظات فقتل منهم طائفة واسر طائفة وكانوا قد مدوا أيديهم في الفساد وقطع السبيل. فلما أوقع بهم أقمعوا. وفي يوم العشرين من شعبان توفي الأمير الكبير الشريف الحسيب النسيب شهاب الدين أبو سليمان أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى صاحب مكة حرسها الله تعالى. وكان أميراً جواداً كريماً سيداً حليماً حسن السيرة في البلاد والعباد. وفي أَيامه رغب كثير من التجار في سكنى مكة لعدله وحسن سيرته. ولما توفي في التاريخ المذكور قام بعده ولده محمد بن أحمد وكان أبوه في مدة حياته قد حبس جماعة من الأشراف أحدهم عنان بن مغامس بن رميثة وابن عمه بقية بن رميثة ومع أحدهما ولد له. وكانوا قد غيروا على الشريف أحمد في البلاد بعض غيار فنفروا عنه وخرجوا عن مكة خائفين له فتبعهم أخوه محمد بن عجلان إلى الموضع الذي هم فيه ورادوهم على الرجوع فلم يطمئنوا فكفل لهم عن أخيه الرضا التام وانهم لا يأتيهم منه ضرر أبداً فرجعوا إلى مكة. فلما صاروا في مكة أمر الشريف أحمد بلزمهم وبحبسهم فأتاه أخوه فقال له أني كفلت لهؤلاء القوم عنك فلا تخيبني معهم فإما أن ترضى عنهم وإلا فاتركهم يرجعوا إلى الموضع الذي كانوا فيه ثم رأْيك بعد. فلم يفعل هذا ولا هذا. فقال له أخوه إذا لم تفعل شيئاً من هذا فاحبسني معهم فإني الذي أتيت بهم فأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 بحبسه معهم. فأقاموا في الحبس سنتين أو ثلاث سنين في حياة الشريف أحمد. فلما توفي في التاريخ المذكور وتولي بعده ولده محمد كما ذكرنا أشار على الولد من أشار بكحلهم. وكان قد هرب من الحبس عنان بن مغامس فأمر الشريف محمد بن أحمد بكحل الباقين فكحلوا في محبسهم في يوم واحد من غير جرم يوجب ذلك. وفي هذه السنة صام السلطان في مدينة تعز. وفي غرة شهر رمضان المذكور أمر السلطان القاضي موفق الدين علي بن أحمد الضرغاني ناظراً في الثغر المحروس والأمير بدر الدين محمد بن علي الشمسي أميراً فيها. وفي أثناء شوال تقدم السلطان إلى زبيد فدخلها يوم الرابع عشر من شوال. فلما كان يوم الثامن من القعدة حرقت قرية المملاح الأسفل بزبيد حريقاً شديداً أهلك فيه جماعة من الآدميين وتلف مال كثير من الصامت والناطق. واتفق أن وقع والناس غائبون عن منازلهم في صلاة الجمعة فلم يدركوا منها شيئاً. وفي غرة ذي الحجة حمل كتاب التفقيه في شرح التنبيه تصنيف القاضي الأجل جمال الدين محمد بن عبد الله الريمي على رؤوس المتفقهة من بيت المصنف إلى مقام السلطان مرفوعاً بالطبلخانة. وكان أربعة وعشرين جزءاً فحباه السلطان بثمانية ألف درهم إعظاماً للعلم ورفعاً لدرجته إذ هو بركة الدنيا والآخرة. وفي هذا التاريخ قتل الشريف جمال الدين محمد بن أحمد بن عجلان صاحب مكة المشرفة. وذلك أن الشريف عنان بن مغامس لما هرب من حبس مكة بعد وفاة ابن عمه أحمد بن عجلان كما ذكرنا آنفاً تقدم إلى مصر وحضر في مقام السلطان وحقق له ما كان من فعل الشريف محمد بن أحمد لما توفي والده الشريف أحمد بن عجلان وكونه كحل الجماعة المذكورين وهم رحمه وذرية رسول اله صلى الله عليه وسلم وفي بلد الله الحرام ولم يكن لهم سابقة توجب ذلك. فلما سمع السلطان مقالته ولاه أمر مكة فرجع عنان إلى مكة صحبة أمير الحج. فلما صاروا قريباً من مكة خرج الشريف محمد بن أحمد بن عجلان ليلتقي المحمل السلطاني جرياً على العادة. فلما ترجل للسلام كما جرت العادة قتل وهرب غلمانه وخدمه وعبيده ومن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 معه من بني عمه. فانتهب كثير من الحج في ذلك اليوم. ودخل عنان مكة أميراً وأشرك معه في الأمر ابن عمه محمد بن عجلان وقد صار مكحولاً. وفي هذه السنة توفي الملك المسعود عبد الله بن السلطان الملك المجاهد وكانت وفاته في قرية السلامة من بادية حيس يوم التاسع والعشرين من المحرم أول السنة المذكورة. وفيها توفي الفقيه جمال الدين محمد بن علي بن ثمامة. وكان فقيهاً صوفيّاً ناسكاً حسن السيرة متواضعاً. واستمرَّ مدرساً في المدرسة النظامية بزبيد بعد أبيه إلى أن توفي. وله مصنفات في الحقيقة واختصر المنهاج للنواوي والمعين. وكان من مشايخ الصوفية توفي في آخر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه البارع تقي الدين عمر بن سعيد التعزي عن ثمان وثمانين سنة. وكان فقيهاً عالماً جيداً حسن التدريس عارفاً بالشرع والفرائض حسن الخلق متواضعاً تفقه به طائفة من الناس وولي القضاء في مدينة تعز مدة طويلة واستمرَّ مدرساً في المدرسة المظفرية في معزبة تعز إلى أن توفي يوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ الصالح حسان بن الشيخ الصالح بكر بن محمد بن حسن ابن مرزوق الصوفي. وكان رجلاً صالحاً تقيّاً متواضعاً حسن السيرة قانعاً رحمه الله تعالى. توفي يوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وفيها توفي القاضي رشيد الدين عمر بن أحمد الشتيري. وكان أحد غلمان السلطان. وصدور الأعيان. ولي شد الاستيفاء واقطعه السلطان الملك الأشرف وادي رمع وحمل له حملاً وعلماً. وكان عفيفاً عالي الهمة حسن المباشرة إلا أنه غير متعلق بشيءٍ من العلوم توفي يوم الخامس من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الأمير الكبير الشريف الأجل الخطير الحسن بن إدريس الحمزي. وكان أَحد الشرفاء الأجواد. والرؤَساء الأَمجاد. وأمر السلطان بالقراءَة عليه في تعز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 ثلاثة أيام. وكانت وفاته في شهر رمضان من السنة المذكورة. وفيها توفي الأمير الكبير الأجل الخطير الشريف المعظم سلطان الأشراف داود بن محمد بن إدريس بن عبد الله بن يحيى بن الحسن بن حمزة بن سليمان ابن حمزة صاحب صنعاء. وكانت وفاته في قرية المملاح بزبيد فجهزه السلطان بأربعة آلاف درهم ومر بدفنه في تربة قد دفن السلطان فيها بعض ولده وصلى عليه الوزير وحضر دفنه السلطان فمن دونه من سائر الناس ونزل قبره الفقيه سراج الدين عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي وأضجعه فيه السلطان وفقه الله على شفير القبر. وكان شريفاً جواداً عالي الهمة توفي يوم الثامن عشر من ذي القعدة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عفيف الدين عبد الله بن الفقيه الصالح حسن ابن إبراهيم بن أبي السرور. وكان أوحد عصره علماً وعملاً ورياسة ونفاسة وكان له قبول عند كافة الناس على اختلاف حالاتهم. توفي في ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح المشهور جمال الدين محمد بن عيسى الزيلعي العقيلي صاحب الحية. وكان أروع أهل العصر وأشدهم خوفاً لله تعالى قلَّ أن يأتي الزمان بمثله رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وثمانين وسبعمائة تقدم الركاب العالي إلى تعز المحروس فدخلها يوم الثالث من المحرَّم. وفي آخر الشهر المذكور وصل الأمير بهاء الدين الشمسي إلى الأبواب السلطانية بما صحبه من أموال الجهة الشامية وصحبته من التحف والهدايا شيء كثير فأمر السلطان على كافة العسكر أن يخرجوا في لقائه فخرجوا وكان السلطان في دار الشجرة. وفي شهر صفر افتسَحَ الأشراف الحمزيون من السلطان وأرادوا الرجوع إلى بلادهم ففسح لهم وزوّدهم بستة وخمسين ألف درهم من الجدد الأشرفية. وفي شهر ربيع الأول اصطلح الإمام همدان وسلموا إليه القلعة وفيرة ولم يبق تحت أيديهم إلا ذمرمر. وكان رئيس الإسماعيلية يومئذ الشيخ فخر الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 المدعي في الجزيرة اليمنية عبد الله بن علي بن محمد الأنف. وفي السابع والعشرين تقدَّم السلطان إلى تهامة. وكان دخوله زبيد يوم الثالث من شهر ربيع الآخر فأقام بها إلى يوم السادس عشر من الشهر المذكور وتقدم إلى الدار المسمى سرياقوس في رأْس الوادي زبيد فأقام هنالك آثام ثم رجع إلى قصره في دار النصر يوم التاسع عشر. وكان ابتداء السبوت يوم الثاني والعشرين منه. ونزل السلطان النخل يوم السبت الثامن من شهر جمادى الأولى. ثم سار إلى البحر يوم الأحد التاسع فأقام به إلى يوم الجمعة الثالث عشر ثم رجع إلى النخل. وفي شهر جمادى الأخرى وقع حريق في زبيد في ناحية متاجر حسان يوم التاسع منه. وفي هذا التاريخ تقدم الأمير بهاءُ الدين الشمسي إلى بلاده. وتقدم الأمير فخر الدين السنبلي إلى الجثة مقطعاً بها. وتقدم السلطان من النخل إلى زبيد يوم الخامس عشر. وفي اليوم الثالث عشر وصلت خزانة جيدة من الأمير البهاءِ الشمسي ووصل معها من رؤوس المفسدين نحو من خمسين رأْساً. وفي اليوم الثاني والعشرين تقدم السلطان من زبيد إلى محروسة تعز فكان دخوله تعز أول يوم من رجب. وفي يوم الجمعة من شعبان وقع في نواحي زبيد مطر شديد واظلم الجو نصف النهار قبل صلاة الجمعة وحصل برق يومئذٍ في ناحية صمع من وادي رمع فأصاب ثلاثة تفر كانوا تحت شجرة هنالك فهلكوا لفورهم. وفي النصف من شهر شعبان حصل في نواحي عدن زلازل شديدة وأَقامت أياماً وسقط بعض دور عدن وفزعوا عند ذلك إلى تلاوة القرآن وقراءَة البخاري من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الخامس من شهر رمضان وصل القاضي نور الدين علي بن عمر المحلي التاجر الكارمي بهدية جليلة من الديار المصرية إلى السلطان فأكرمه السلطان غاية الإكرام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وفي رمضان المذكور قصد الإمام مدينة رَيام فنهب منها مالاً جليلاً وقتل من أهلها طائفة وقتل من أصحابه طائفة. ولما رجع الإمام عنها قصد عسكره أرياباً فأتلفوا زرعه وقاتلهم أهل أرباب وقتلوا منهم جماعة ونهبوا كثيراً من خيامهم وأزوادهم وأَثقالهم. وفي الثالث من شوال تقدم السلطان الجوة فأقام فيها أياماً وأَمر القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي ناظراً في الثغر المحروس بعدن عوضاً عن القاضي موفق الدين الضرعاني. واستمرَّ القاضي شمس الدين علي بن محمد بن حسان أميراً هنالك. ووصلت هدية من دَهلك فيها فيل وزارفة ونعامة ووحوش مختلفة. وفي شهر ذي القعدة جمع الإمام عساكر المشرق وسار بهم نحو عدن فكان وصوله لَحج يوم الأحد الثالث عشر من ذي القعدة وزحف عسكره إلى عدن فخرج إليهم أهل عدن فقاتلوهم قتالاً شديداً وقتل من عسكره طائفة وطائفة من أهل عدن أيضاً وكان ارتفاعه عن عدن يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور. وقد أُصيب رجل من أصحابه كان فارساً شجاعاً مقداماً أصابه منهم على باب عدن فمات آخر يومه أو آخر ليلته والله اعلم. ووقع في أصحه مرض شديد وموت ذريع فاستمرَّ راجعاً إلى بلاده لا يلوى على شيءٍ. وفي هذه السنة وصل الشريف علي بن عجلان من الديار المصرية بعسكر جيد وقد ولي الإمارة في مكة المشرفة. وكان وصوله إليها في العشر الأول من ذي الحجة. فلما علم ابن عمه عثمان بن مغامس بوصوله هرب من مكة وتركها ودخلها عليُّ بن عجلان مستمرّاً. وفي سنة تسعين وسبعمائة أمر السلطان بعمارة الجامع في المملاح. وكان احتطاطه يوم الخميس الخامس عشر من المحرم. وتقد السلطان إلى سرياقوس من وادي زبيد يوم الثالث والعشرين من الشهر فأقام أياماً هنالك إلى يوم التاسع والعشرين منه ووصلت رؤوس الواعظات. وكان قد أوقع بهم ابن العلوي. وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 سلخ الشهر المذكور رجع السلطان إلى دار النصر. ووصل العلم في التاريخ المذكور بوصول الأشراف إلى حَرض فجرَّد لهم السلطان الأمير بدر الدين محمد بن علي بن الشمسي والأمير بهاء الدين بهادر الشمسي. وفي النصف من شهر صفر وصل الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر السنبلي من الجثة برؤوس جماعة من المفسدين وبجماعةٍ من الأسارى فأمر بهم السلطان إلى السجن. وفي يوم الرابع والعشرين من شهر صفر فصل القاضي شهاب الدين أحمد ابن أبي بكر الناشري عن القضاء بزبيد. واستمر عوضه بن عمه القاضي جمال الدين محمد بن عبد الله الناشري. ووصل الأمير بدر الدين محمد بن علي بن إياس إلى باب السلطان من تعز فلما كان غرة شهر ربيع الآخرة أمرهُ السلطان مقطعاً في وادي رمع. وفي اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور وصل العلم بدخول العسكر المنصور حرَض وخرج المفسدين منها. وفي ليلة الخامس عشر من الشهر المذكور حرق طائفة من قرية المملاح بزبيد حريقاً شديداً وحرق في هذه السنة عدة من الأماكن. وفي يوم السابع عشر من الشهر المذكور أمر السلطان بإعادة القاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الناشري على القضاء بزبيد وأعاد ابن عمه القاضي جمال الدين إلى مكانه بالأعمال التهامية. وكان كل واحد منهما محبوباً عند أهل بلده. وفي الحادي والعشرين من الشهر جاءَ وادي زبيد بسيل عظيم حتى قيل انه كان نحواً من أربعة أَنواع وجاءَ نحو النخل فاتلف كثيراً منه بعد أن أتلف جانباً من محل ماتع ومحل حرين وشرذمة من الحجوف استولى على بيوتهم ودوابهم وبعض أهل يهم ولم يترك من نخل المغرس إلا قليلاً. وكان سيلاً عظيماً لا يُعهد مثله. ووصل صاحب مَشَار إلى باب السلطان في عدد كثير من أصحابه فقابلهم السلطان بالإنعام العام والتفضل والإكرام. وكان وصوله في اليوم الثاني والعشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 من الشهر المذكور. وفي يوم الرابع عشر من شهر جمادى الأولى حصلت مشاجرة بين الأمير بزبيد هبة بن الفخر وبين حاكم الشريعة المطهرة في زبيد على أْرض من أراضي الوادي زبيد كل منهما يريد أن يزرعها لنفسه فكان القاضي يرسل شركاءَه إلى الأرض والأمير يرسل غلمانه يمنعونهم من حرثها. فلما كان في التاريخ المذكور خرج القاضي وشركاؤه وجماعة من أعوانه. فأرسل الأمير جماعة من غلمانه وأمرهم بمنع الشركاء فلم يمتنع القاضي ولا من معه فبطش بهم غلمان الأمير وطردوهم عن الموضع وضربوا القاضي وجرحوه ثلاث جراحات وكان السلطان يومئذٍ في النخل فلما بلغه العلم على زيادة ونقصان وصل بنفسه إلى زبيد آخر يوم الخامس عشر من الشهر المذكور. فلما تحقق الأمر على جليته فصل الأمير عن الولاية بزبيد لإهماله الشريعة المطهرة وتفريطه في الخصوم وصادره بثلاثة آلاف دينار عن كل جراحة ألف دينار تأديباً له وقياماً بما يجب من حق الشرع الشريف. واستمر الطواشي مرجان أميراً في زبيد في التاريخ المذكور. وفي يوم السابع عشر من الشهر المذكور وصل عمران السجي أبو بكر بن سبا إلى باب السلطان على ذمة الأمير بهاءِ الدين اللطيفي فقابلهما السلطان بالقبول. وأقام السلطان في زبيد إلى يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر المذكور ثم تقدم إلى النخل فأقام فيه أياماً ثم سار إلى البحر وفي سلخ الشهر المذكور أعاد السلطان الأمير عز الدين على ولايته في زبيد لما علم السلطان من حسن سيرته في الناس ومحبتهم له. وكان رجوع السلطان من البحر. ووصلت كتب الوزير القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس تخبر بحركة عسكر من المشرق. فجرد السلطان الطواشي جمال الدين ثابتاً والأمير بدر الدين محمد بن علي بن إياس إلى تعز. وفي هذا التاريخ جرد السلطان الأمير غياث الدين عيسى بن محمد بن حسان إلى الجهات الشامية لاستخراج الأموال من تلك النواحي. وكان أميراً شهماً خيراً. وأمر القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد لاستخراج مال النخل من الجهات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الموزعية فتقدما يوم الثلاثاء الرابع من شهر جمادى الآخرة. وفي يوم الخامس من الشهر المذكور وقع حريق في دار السلطنة فتشعث منه مواضع كثيرة. وفي يوم التاسع من الشهر المذكور تقدم السلطان إلى البحر وحضر مشايخ الصوفية بأسرهم إلى هنالك لإقامة سماع المحيا على ساحل البحر في الليلة العاشرة من الشهر المذكور. وأقام السلطان على البحر إلى يوم الأحد السادس عشر وتقدم إلى زبيد. ووصل الأمير غياث الدين عيسى بن محمد بن حسان بأموال الجهات الشامية ووصل بثلاثين رأساً من جياد الخيل. ووصل القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد بأموال الجهات الموزعية. وتقدم السلطان إلى تعز يوم الاثنين الخامس عشر من رجب. وفي غرة شعبان أَغار عسكر من الأشراف على بعض جهات المحالب فاستاقوا أموالها فأغار عليهم الأمير بهاء الدين اللطيفي. وكان يومئذ أميراً بالمحاب فاستنقذ المال ولزم منهم نفرين أحدهما ولد محمد بن سليمان بن مدرك والآخر ولد يوسف بن حسن وأرسل بهما تحت الحفظ إلى باب السلطان فأودعهما السلطان دار الأدب. وفي هذا التاريخ أَغار الأمير بدر الدين حسن بن الخراساني على أهل الحنكة وقد بلغه الخبر أن بعض أشراف المشرق وصل إليهم بخيل اشتروها فهجم عليهم الأمير ولزم الشريف المذكور وأرسل به إلى الباب الشريف وقتل منهم جماعة. وفي النصف من شهر شعبان وصلت هدية الأمراء أصحاب حلي بن يعقوب على يد القاضي حسام الدين عيسى بن عبد الله بن الهليس. وفي اليوم الرابع من رمضان استمرَّ القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد الجلاد ناظراً في الثغر المحروس عوضاً عن القاضي شرف الدين حسين ابن علي الفارقي. وفي اليوم السادس عشر من الشهر المذكور وصل القاضي برهان الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 إبراهيم بن عمر المحلي المصري التاجر الكارمي بهدية جليلة المقدار فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمشموم ومن التحف شيء كثير ومن الخيل والبغال وكلاب الصيد وسباع الطير ما يستحسن ويستطرف شيء كثير. وصام السلطان هذه السنة في تعز المحروس. فلما كان يوم الرابع من شوال تقدم إلى تهامة فكان دخوله زبيد يوم العاشر من الشهر المذكور فأقام بها إلى سلخ الشهر المذكور. وفي النصف الأخير من شوال برز مرسوم السلطان بان يجعل وعد زبيد يوم الخميس وكان وعدها وسوقها يوم الجمعة وكان كثير من الناس يتعلقون بالبيع والشراء عن حضور الجمعة فأمر السلطان بتغييره لذلك. وفي ليلة الثامن عشر من ذي القعدة وقع مطر عظيم ورياحُ شديدة في ناحية الحجاز مما يلي حلي ابن يعقوب فغرق في تلك الليلة من سفائن الحجاج السائرين في البحر إلى مكة المشرَّفة ثمانية عشر سفينة وقيل إِحدى وعشرون فيما بين مكة وحلي ابن يعقوب. وهلك فيها طائفة عظيمة من الناس وتلفت أموال جليلة. وفي يوم الجمعة السابع والعشرين من ذي القعدة المذكورة أُقيمت صلاة الجمعة في الجامع المبارك الذي أنشأَه مولانا السلطان في القُوّر وقد تقدم تاريخ عمارته واختطاطه. وفي سلخ ذي القعدة استمرَّ القاضي سراج الدين عبد الطيف بن محمد بن سالم مشدّاً في وادي زبيد بعد أن كره ذلك فلم يقبل منه فامتثل الأمر. وكان أوحد رجال العصر خبرةً واجتهاداً ونصحاً ورشاداً فظهر من نصحه واجتهاده ما لا يتصوَّر من أَحد قبله فأضاف إليه السلطان كثيراً من الوظائف فقام بالجميع قياماً مرضيّاً. وفي غرة ذي الحجة استمرَّ القاضي شرف الدين أبو القاسم بن عمر بن معيبدٍ ناظراً بالثغر المحروس عوضاً عن القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد الجلاد. وتقدم الركاب العالي من زبيد إلى تعز المحروس يوم الجمعة الخامس والعشرين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 ذي الحجة فكان دخوله تعز يوم الاثنين الثامن والعشرين من الشهر المذكور. وفي هذه السنة توفي الفقيه شهاب الدين أحمد بن محمد المتيني وكان فقيهاً مجوداً في مذهب الإمام أبي حنيفة عارفاً بالنحو والفرائض والقراءَات السبع. وكان أَديباً جيداً تقيّاً حسن السيرة أَخذ الفقه عن الفقيه أبي يزيد وكذا الفرائض أيضاً عنه وكان مدرساً في مدرسة ابن الجلاد وناظراً إلى أن توفي. وكانت وفاته يوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح عفيف الدين إبراهيم الجبلي. وكان في أول أمره سفلوتاً يخدم من جملة العسكر ثم ترك الخدمة وحمل السلاح وأَقبل على عبادة الله تعالى والانقطاع إليه. وكان زاهداً وظهرت له كرامات كثيرة واستوطن في آخر عمره بيت حسين وترك زبيد ولم يزل هنالك إلى أن توفي في اليوم الثاني عشر من شهر رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الشيخ الصالح أبو بكر بن محمد بن سلامة الساكن في موزع وكانت موطنه. وكان رجلاً صالحاً ناسكاً فقيهاً حسن السيرة له كرامات كثيرة. وكان كثير الحج والزيارة قد زبيد في آخر شوال من السنة المذكورة فأقام بها إلى السابع من ذي القعدة ثم تقدم إلى بلاده موزع بعد أن صلى الجمعة في زبيد فتوفي يوم الأحد التاسع من ذي القعدة في أثناء الطريق فحمل إلى قريته موزع فدفن بها يوم الاثنين العاشر من ذي القعدة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي القاضي الأجل الوزير وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن عباس المقري. وكان خير وزير. وكان فقيهاً نبيهاً عارفاً بارعاً حليماً ذكيّاً متضلعاً مشاركاً في كثير من العلوم عارفاً بالشرع والنحو والفرائض يقول شعراً حسناً. وولي كتابة الإنشاء في الدولة الأفضلية ثم قضاء الأقضية في الدولة الأشرفية ثم تولى الوزارة فيها. وكان مألفاً للأصحاب توفي يوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة فكانت وزارته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام رحمه الله تعالى. وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة تقدم السلطان إلى بلاد صهبان وأمر بالمحاط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 عليها فنهب العسكر من بلادهم شيئاً كثيراً وقتلوا منهم جماعة فطلبوا الذمة من السلطان فأجاباهم إلى ذلك وسلموا الرهائن فأمر برفع المحاط عنهم ورجع السلطان إلى تعز فدخلها في النصف الأخير من شهر صفر وأقام أياماً وتقدم نحو تهامة يوم الجمعة الثاني والعشرين من صفر فدخل زبيد يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور فأقام في زبيد أياماً وأرسل لنواب الجهات الشامية فوصلوا يوم الأحد التاسع من شهر ربيع الأول. وفي هذه السنة استمر القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد وزيراً. كان استمراره يوم السبت الثاني من شهر صفر من السنة المذكورة. ووصل الأمير بدر الدين الخراساني صاحب القحمة والقاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي صاحب الكدراء يومئذٍ والأمير بهاء الدين اللطيفي صاحب القحرية. فلما خليت الجهات الشامية من العساكر نزل عسكر من أصحاب الإمام في النصف من شهر ربيع الأول فأخربوا الجهات الشامية وانضم اليهم كثير من طوائف الفساد فقويت شوكتهم ونزل الإمام في جيوش المشرق فارتفع صاحب حرض وصاحب المحالب وصاحب المهجم ووصلوا جميعاً إلى باب السلطان في يوم الثامن عشر من الشهر المذكور. وكثرت الأراجيف في البلاد فأمر السلطان وهو يومئذ في زبيد بعمارة الخندق الثاني وهو الذي كان دفنه الأهيق ثم عمر السوي الثاني الذي على الخندق الثاني. وكان ابتداء العمارة في يوم التاسع عشر. فلما كان يوم الثالث والعشرين من الشهر المذكور أمر السلطان أمراء الجهات بالانصراف إلى جهاتهم فتقدموا في التاريخ المذكور. وفي غرة شهر ربيع الآخر جهز السلطان عسكراً جيداً ومالاً فلما وصل إليهم كان مقر العسكر في حدود القحرية. فلما تتابعت الإمدادات ارتفع المفسدون عن البلاد. وكان وقت ارتفاعهم يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الآخر بعد أن قتل منهم في أبيات حسين نحو من خمسين رجلاً. ورتب السلطان الفقهاء المدرسين في الجامع المبارك الأشرفي بقرية المملاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وأمرهم بالتدريس جمع الطلبة ونشر العلم وكانوا ستة مدرسين مقري الكتاب الله تعالى بالقراءات السبع. ومحدث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومدرس في الشرع الشريف على مذهب الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس الشافعي. ومدرس في الفرائض. ورتب مع كل واحد منهم جماعة من الطلبة ورتب فيه إماماً ومؤذنين وقيمين وخطيباً ومعلماً يعلم الأيتام القرآن وشيخاً صوفياً. قال علي بن الحسن الخزرجي وكنت أحد المدرسين المرتبين فيه لإقراء القرآن بالقراءات السع فأعجبني ما رأيت من اجتماع العلماء في الجامع المذكر واشتغال كل طائفة بما ندبت له فقلت في ذلك: ضحك الزمان بواضح الثغر ... مستبشراً بالعز والنصر في دولة زادت زبيد بها ... شرفاً على بغداد بل على مصر بالأشراف الملك الذي ذكرت ... أيامهُ في سالف الدهر من لا شبيه ولا نظير له ... واسأَل ملوك العصر في العصر هذا الذي تعنو الملوك له ... وتظل تحت النهي والأمر ملكُ كريم النبعتين معا ... من سرّ غسانٍ ومن فهر لا شيرويه ولا بويه ولا ... زنكي ولا ريزي وسل تدري عباس الهزبر ومن في ... الناس كالعباس ذي البشر وعلى من كعليّ لا أحد ... يشبهه في المعروف والنكر وكذاك داودُ ويوسفهُ ... ناهيك من بحر ومن بر وكذا أبو الفتح الرضي عمرُ ... وعلُّيه ورسول ذو القدر أكرم بهم من سبعةٍ نسقاً ... كالسبعة الأفلاك إذ تسري غرُّ بهاليلُ غطارفهُ ... من جَفنةٍ لغطارفٍ غُر أيامهم غرُّ محجلةٌ ... بفعالهم والحمد والشكر ولأَنت شمسهمُ وبدرهمُ ... لا زلت مثل الشمس والبدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 يا سيد العربين دعوة ذي ... ودٍّ وذي حمدٍ وذي شكر يا من تَتوَّج بالمفاخر لا ... بالدرّ والياقوت والشذر وحمى ثغور المسلمين معاً ... بالبيض والعسَّالة السمر وبعزمةٍ جفنيةٍ صدمت ... بَوميضها برقوق في مصر والناس في أَمنٍ وفي دعةٍ ... والذيب يرعى الشاء في القفر والعلمُ عزَّ وعزَّ حاملهُ ... فتراه بعد الطيّ في نشر وعصابة العلماءِ قاطبةً ... يدعون في سرّ وفي جهر لما جمعتهم جميعهم ... ونظمتهم كالسلك والدر في جامع رحب البناء فسي ... ح السوح لا ضنك ولا وعر وجمعت فيه العلم أجمعه ... في المذهبين رفيعي القدر والسبعة القرَّاء كلهم ... براوية المقري عن المقري وكذا الفرائض والحديث وعل ... م النحو والتصريف والشعر وسطرتهم سطراً على سنن ... أكرم بذاك السطر من سطر وترى أبا العباس محتبيّاً ... يروي حديث الطاهر الطهر والناشريّ كأنهُ قمرُ ... متبلجُ ومعيدهُ القحري وبجنبهِ عبد الطيف ومن ... حوليه مثل الأنجم الزهر وعلى المطيّبِ وابنهُ معهُ ... ناهيك من طودٍ ومن بحر وعلي بن أحمد لا نظير له ... شيخ شيوخ الجبر والجذر ولمقرئ القرآن تقدمة ... ومحلهُ في أول الذكر ومعلمُ الصبيان ليس لهُ ... في البدو مثلُ لا ولا الحضر والدملؤي خطيبنا عمرُ ... ما مثله في الوعظ والزجر وبنو القرافي كلهم حضروا ... وإمامنا موسى أخو الخضر والشيخ حيدر والشريف وأص ... حابُ لهم في الفضل والفقر فجزاك ربُّ العرش مغفرةً ... عن كل ما قدَّمتْ من وزر وبلغت في الدنيا نهايتها ... وكفيت صرف نوائب الدهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 يا بهجة الدنيا وساكنها ... يا زينة الميدان والقصر يا غيث يا بحر النوال ويا ... ليث الشرى يا طيب الذكر أنا عبدك القن المحب ولا ... أَنسى الذي أَوليت من بر فلأَشكرنك في الحياة ومن ... بعد الممات هناك في القبر لا زلت في عز وعافيةٍ ... لا تنقضي ما غرد القمري واستقبل الملك العقيم علي ... رغم العدا في أطول العمر عمرُ مضى من خمسه سدساً ... سبعُ وثمن السبع من عشر وفي يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر المذكور استمر القاضي شرف أدين سليمان بن علي الجنيد قاضياً في زبيد عوضاً عن القاضي شهاب الدين أحمد ابن أبي بكر الناشري والقاضي موفق الدين علي بن عثمان المطيب قاضياً على مذهب الإمام الأعظم رحمه الله تعالى. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور وصل الأمير بهاء الدين بهادر الأشرفي وكان يومئذٍ أميراً في عدن. ووصل الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر الشمسي وكان في ناحية أَبين في عسكر جيد من الخيل والرجل. وفي يوم الخامس من جمادى الأولى وصل ثلاثة عبيد من عبيد الإمام صلاح الدين إلى باب السلطان ووصل معهم رجل من أعرب فقابلهم السلطان بالقبول وأنعم عليهم. وفي يوم الاثنين السابع من الشهر المذكور أمر السلطان على أصحاب النويدرة بالانتقال من قريتهم لقربهم من السور والباب فانتقلوا وابتنوا قرية فيما بين باب سهام وباب الشبارق وابعدوا ببنيانهم عن السور وأقاموا هنالك إلى أن أذن السلطان في رجوعهم إلى قريتهم في التاريخ الآتي ذكره أن شاءَ الله تعالى. وفي النصف من شهر جمادى المذكور استمر الأمير شهاب الدين أحمد ابن علي الشمسي أميراً في الثغر المحروس فتقدم إليها. وفي سلخ شهر جمادى الأولى استمر الطواشي جمال الدين مرجان مقطعاً في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 القحمة وكان قد ظهر من العرب فساد كثير فحسم مادتهم. وفي يوم السبت سابع جمادى الآخرة تقدم السلطان إلى تعز فدخلها يوم الاثنين السابع عشر من الشهر المذكور. ووصل الخبر إلى زبيد بوصول الإمام في جيش عظيم فانتقل أهل النويدرة إلى زبيد وانتقل أيضاً أهل المملاح. وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين من الشهر المذكور وقع الحريق في النويدرة آخر النهر المذكور فطارت الرياح بالنار إلى زبيد فحرق من باب سهام إلى باب الشبارق. وكان يوماً عظيماً ولم تزل النار تشتعل إلى آخر الليل من ليلة الخميس وتلفت فيه أموال عظيمة وطعام كثير. ووصل الإمام إلى زبيد يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المذكور في جيوش عظيمة وكانت محطته شرقي باب سهام. فلما كان يوم الثالث والعشرين ركب في جيوشه وطاف على المدينة ليرى أي موضع اقرب لقضاء حاجته بعد أن رتب على كل باب طائفة من عسكره فكان القتال على أربعة أبواب المدينة. وظهر له أن الباب الغربي وما يليه أيسر أَخذاَ من سائر الجهات خصوصاً من المخاليل التي يهرج منها الماء من الأمطار ففتح الحرب من هنالك. وكان في كثرة من العسكر مع اشتغال أهل المدينة بالقتال على كل باب فزحف أصحابه وزحف بهم أصحاب التراس يميناً وشمالاً وقصدوا السور فحفروه بالمحافر وامتد أهل النشاب مع كثافتهم فرشقوا أهل المدينة فأنزلوهم عن السور وانهزم أهل المدينة عن السور لكثرة النشاب. وكان معظم العسكر السلطاني الذي في زبيد مخامرين فهربوا وتركوا القتال. فارتجت المدينة وصرخ النساء في كل ناحية فخرج أهل المدينة من منازلهم وطلعوا الدرب وقاتلوا قتالاً شديداً وضربوا ضرباً عظيماً ولم يقتل من أهل زبيد في ذلك الوقت أحد وكان على قلة النخل جماعة من الأصباهية فاعترضوا أصحاب الإمام الذين قصدوا المخاليل فصرعوا منهم جماعة فرجعوا على أعقابهم خائبين وانقطع طمعهم عن المدينة وأيسوا منها فجعلوا شغلهم بالتحريق في النويدرة وفي قرية المسرة وحافة الودن والمملاحين ودورات السلطان الخارجة عن المدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 فلما كان يوم الاثنين السادس والعشرين وصلت كتب الأمير بهاء الدين الشمسي إلى المقدمين في زبيد يخبرهم أنه قد صار في القرشية ويستشير المقدمين في وقت يهجم فيه المحطة ليلاً ويخرج أهل المدينة إليه في ذلك الوقت فرجعت إليه كتبهم بالجواب. فلما علم الإمام بوصوله إلى القرشية ووصول كتبه إلى زبيد درَّد طائفة من عسكره يستطلعون الخبر فلقوا جماعة من أصحاب الشمسي فناوبت بينهم سجال القتال فقتل مملوك والتزم من أهل حرض فارسان فوصلوا بهما إلى الإمام فاستخبرهما فأخبراه الخبر وأطلعاه على حقيقة الأمر. وفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين سار راجعاً إلى بلاده في الطريق التي جاءَ فيها. ودخل الشمسي زبيد يوم الأربعاء الثامن والعشرين فأقام في زبيد هو ومنه معه إلى يوم الثالث والعشرين من شهر رجب. ثم تقدم نحو الجهات الشامية وتقدم مرجان إلى القحمة واللطيفيّ إلى ناحية سهام وسار الشمسي نحو المحالب واستقرت الأحوال. وفي سلخ شهر رجب المذكور وقع الخلف بين أشاعر وادي زبيد وبين الفرس فقتل من الأشاعر اثنان ومن الفرس واحد فخافت الفرس من الأشاعر وكانوا جميعاً في قرية واحدة فانتقلت الفرس عن القرية ولم يطمئنوا بها ثم سكنوا قرية قبالة قرية الحجف بعد أن قادوا للأشاعر ولم يكن القتل في القرية وإنما اقتتلوا في الوادي على سقى مَحارثهم ولم يكن بينهم قبل ذلك خلف وإنما كانوا يداً واحدة على من سواهم. فلما كان ما كان من القتل والقود ورجعت الفرس إلى أماكنهم وسكنوا القرية المذكورة التي هي قبالة قرية الحجف كثر الكلام بينهم وتزايد مرَّةً بعد أُخرى وانبسطت السنتهم على الأشاعر بما لا يحسن من الكلام ونقل الناس عنهم قبيح الكلام حتى كانت الوقعة الثانية في سنة أربع وتسعين وسأَذكرها في موضعها أن شاء الله تعالى. وفي الرَّابع عشر من شعبان تقدم السلطان إلى جبلة فنزل في دار السلام ووصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 أحمد بن أبي بكر السيري رسولاً من أخيه محمد بن أبي بكر السيري يطلب اللامان ويبذل الدخول في الطاعة وأرسل مع أخيه بولده مظفر بن محمد فقابلهما السلطان بالقبول وكساهما وأَنعم عليهما إنعاماً تامّاً وجوَّب لمحمد أَنه لابدَّ له من الوصول أن كان صادقاً فيما يقول. وتقدم السلطان إلى مدينة إِب ونزل محمد بن السيري باذلاً ما يجب عليه من الطاعة فقبل ركاب السلطان وِمُثّلَ بين يديه وبذل تسليم ما تحت يده من الحصون فظهر للسلطان نصحه فكساه وأَنعم عليه إنعاماً عامّاً وآنسه من نفسه وأضمره بالعود إلى موضعه وحفظ ما تحت يده من البلاد فرجع آخر يومه وكان وصوله إلى السلطان في آخر شعبان. وفي غرة شهر رمضان جرد السلطان العساكر إلى المحطة على حصن نعم وأمر محمد بن السيري أن يجرد من أهل بعدان عسكراً آخر إلى نعم لكونهم من أهل البلاد فجرد منهم عسكراً جيداً. ولكن كان اكثر أهل بعدان مخامرين فسعوا فساد المحطة وباعوا العسكر وكانت البيعة ليلة الخميس الحادي عشر من الشهر المذكور. فانفضت المحطة وانهزم طائفة من العسكر وثبت آخرون وأغار محمد بن السيري وأهل بعدان على الصوت فانكشف الأمر وتفرَّق أهل البيعة وظهر أَمرهم فمسكوا وقتل منهم طائفة. ثم وصل الإمام بعد ذلك إلى نعم فاشتد القتال وطال الأمر إلى اليوم السابع والعشرين من الشهر. وفي يوم السابع والعشرين رجع الإمام إلى ذمار وارتفعت المحطة عن نعم. وأَقام السلطان في دار السلام من جبلة. وكان صيامه رمضان هذه السنة في دار السلام من جبلة. وفي شهر رمضان المذكور استمر الشمس السعرديّ ناظراً في الثغر المحروس عوضاً عن القاضي شرف الدين أبي القاسم بن معيبد. وفي أثناء الشهر المذكور قبض محمد بن طلحة الزميلي في مدينة تعز لزمه الوالي يومئذ وهو الطواشي صفي الدين جوهر الصيني. وكان محمد بن طلحة المذكور أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 غلمان السلطان وللسلطان عليه وعلى أخيه عون بن طلحة شفقةُ تامة. وكان محمد بن طلحة شرس الأخلاق سفَّاكاً فتَّاكاً فاشتكوه إلى السلطان فطرده السلطان وأهمله وقلاه. فانضم إلى الإمام وكثر سواده وتكلم في حضرته بما أراد ونزل معه إلى زبيد واطلعه على كثير من عورات البلاد ثم رجع إلى تعز مستخفياً فعلم عليه فأُخذ كما ذكرنا. وأَرسل به الطواشي إلى السلطان في دار السلام فأمر به السلطان إلى السجن في حصن تعز فاطلع إلى حصن التعكر من يومه ذلك. وأقام السلطان في دار السلام إلى العاشر من شوال. ثم طلع الشوافي وأَمر بالمحطة على الرازجيّ صاحب حصن سافة من أعمال خدد. فلما اشتد القتال وضاق ضيقاً شديداً سأَل ذمةً شاملة من التسليم وبذل تسليم الحصن فأجيب إلى ذلك فنزل بأولاده ونسائه وخدمه وقبض منه الحصن المذكور يوم السادس عشر من شوال. وأقام السلطان هنالك أياماً قلائل ثم نزل على السحول ورجع إلى دار السلام من جبلة فأقام فيه إلى الرابع عشر من القعدة ثم توجه إلى تعز فدخلها يوم الخامس عشر من القعدة ثم تقدم إلى زبيد يوم الجمعة السادس عشر. وفي هذا التاريخ قتل العبد منصور مقدم عسكر الإمام وكان قتله في حدود الوادي مور. وكان سبب قتله أن الإمام لما رجع من محطة نعم في السابع والعشرين من شهر رمضان كما ذكرنا أقام في ذمار إلى أن مضت أيام من شوال. ثم جرد الإمام عسكراً إلى تهامة فنزلوا على حرض وكان فيه من المقدمين العبد منور ويحيى بن الباقر الحمزي وقاسم بن المهدي في عدة من فرسان العرب ووجوه الشرف. وكان وصولهم حرضاً يوم التاسع من ذي القعدة فأقاموا فيها أياماً قلائل وخرجوا يريدون المحالب. وكان خروجهم يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي القعدة. وكان الأمير بهاء الدين الشمسي يومئذ في المحالب فأتاه الخبر يوم الخميس الخامس عشر بخروج العبد منصور ومن معه من حَرض إلى الساحل يريدون المحالب وإن جمعهم دون كل مرة فجمع الأمير أصحابه وعرَّفهم بكل ما وصل إليه من الخبر وقال لهم هذه غنيمة ساقها الله لكم فالحزم الحزم العزم العزم. وخرج آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 ليلة الجمعة السادس عشر وفرقهم ثلاث فرق فلما أصبح الصباح أَقبل العبد منصور وأصحابه وفي ظنهم أن الشمسي وأصحابه قد صاروا في المهجم فلما صار العبد وأصحابه في البرزة حقق لهم وقوف الشمسي فيمن معه من أصحابه من العسكر فالتفت العيد منصور إلى أصحابه وقال أَرى المصلحة أن نرجع إلى حرض من غير قتال وننتظر ما يأْتينا من المدد. وكان رأْياً صائباً لو قبلوهُ. فقال له ابن الباقر وما خوفنا منهم والله لو قد رأَوا وجه فرس منا ما وقفوا وان وقفوا فأنا أكفيكهم فتراجعوا بالكلام ورجع من اخبر الشمسي بوصولهم فاستنهض أصحابه وعبي كل طائفة في موضع وسار هو في القلب فتواجه العسكران فحمل يحيى بن الباقر وحمل معه طائفة من أصحابه وقصدوا القلب فوقع يحيى علي مملوك من العسكر فقتله وأقبل أصحاب الميمنة وأصحاب الميسرة جميعاً فانهزم وأصحابه هزيمة شنيعة وضيّقت عليهم الخيل من كل مكان فقتلوا من الخيل والرجل شيئاً كثيراً وقتل العبد منصور ولم يعرفه قاتلوه وقتل قاسم بن المهدي وولده ومات كثير من الناس عطشاً ونهبت دوابهم وسلاحهم وأَزوادهم ولم يرجع منهم إلا الأقل وكان ذلك يوم الجمعة السادس عشر من ذي القعدة المذكور. وفي ذلك النهار خرج السلطان من تعز يريد زبيد فدخلها يوم الأحد التاسع عشر واجهه الخبر بهزيمتهم إلى حيس. وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة تقدم القائد علي بن سعد بعلم الحج المنصور الأشرفي من مدينة زبيد واتصل العلم انه دخل جُدَّة يوم الخميس السادس من ذي الحجة. فكان مسيره من زبيد إلى جُدّة سبعة أيام وهذا شيء ما علمنا بمثله في زماننا ولا فيما قرب منه. وعيَّد السلطان عيد الأضحى في مدينة زبيد. وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح المشهور محمد الصامت. وكان رجلاً خيراً ورعاً وإنما سمي الصامت لأنه كان لا يكلم أحداً ولا يتكلم إلا بالدعاء والذكر وما لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 بدَّ منه من إذكار الصلوات وغيرها كرد السلام وغيره وعاش مدةً طويلة في مدينة زبيد وهو على هذه الصفة وهذا إنما هو لمن لا يعرفه وأما من يعرفه من أهل بيته فيتكلم معهم بالشيءِ اليسير أَعاد الله علينا من بركاته وقبر في مقبرة باب سهام قريباً من تربة الشيخ الصالح أحمد بن أبي الخير الصياد في ناحية الشرق منه. وكان وفاته ليلة الأحد الرابع من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ الصالح طلحة بن عيسى الهتار توفي شابّاً وكان حسن السيرة كثير الحج إلى بيت الله تعالى والزيارة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقبر رحمه الله مع والده في قبته المعروفة في مقبرة باب سهام وكان وفاته يوم السبت السابع من شعبان من السنة المذكورة. وفيها توفي الأمير الكبير فخر الدين أبو بكر بهادر الشمسي الأشرفي وكان أميراً كبيراً مشهورً أحد نصحاء السلطان حافظاً لما يتولاه. خدم السلطان الملك المجاهد ثم خدم السلطان الملك الأفضل ثم خدم السلطان الملك الأشرف. وكان وفاته يوم الخامس والعشرين من السنة المذكورة في مدينة تعز وقبر في مقبرتها بالأجناد رحمه الله تعالى. وفي سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وصل الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي إلى باب السلطان بزبيد وكان وصوله يوم الثالث من صفر وبين يديه رأْس العبد منصور على رمح طويل معمم بمنديل وأمامه عدد من الشفاليت ومضلع وصنج ونفير ورمحه يحمل أمامه رمحاً ملوساً وحصانه المسمى بالبلح يجنب خلفه وبعده عدة من رؤوس القتلى ما خلا رؤوس الأشراف فان الأشراف الذين يخدمون على باب السلطان من بني حمزة سألوا من السلطان أن لا يدار برؤوس قربائهم فأجابهم السلطان إلى ما سألوا. ووصل الأمير بهاء الدين بعده من الخيل القلائع فوهب له السلطان منها ستة رؤوس. وفي يوم الثاني عشر من الشهر المذكور استمر الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر السنبلي مقطعاً في حرض وتقدم السلطان إلى تعز يوم السادس عشر من شهر صفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وقد أمر القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد سالم بعمارة المساجد والمدارس والسبل وأضاف إليه شد الأوقاف المباركة بوادي زبيد المحروس وان يعيدها كما كانت. وكان الخراب قد استولى على كثير من المساجد والمدارس حتى الصقها بالأرض وبعضها أمثل من بعض. فأما الذي عمر بعد أن كان داثراً فالمدرسة المنصورية الحنفية وموضع الحديث بها والسيفية الصغيرة والنظامية والعفيفية والميكائلية. ومسجد الأتابك ومسجد نجم ومسجد الطواشي فاخر ومسجد الطيرة ومسجد السلطان عباس الظفاري ومسجد أردمر ومسجد الساباط ومسجد بن الهمام ومسجد الخيزران ومسجد خليخان ومدرسة التربية ومسجد الصياد بها ومسجد الرند ومسجد القرتب وسبيله والسيل القاتني على باب سهام وسبيل المنظر وسبيل فشال واحدث السبيل الذي على باب الجامع بزببد. وأما الذي معظمه خراب والأقل فيه قائم فالمنصورية العليا والاشرفية والسابقية والسيفية الكبيرة والتاجية والفقهية ومسجد السابق النظامي ومسجد قنديل ومسجد عصون ومسجد الحاجة سماع ومسجد الأمير عباس بن عبد الجليل والخانقة الصلاحية بزبيد ومدرسة المسلب وسبيل المنصوة ومسجد الجبرتي والقبة القاتنية ومسجد الحثاثة وسبيل الربد وسبيل التربية وسبيل الصلاحية بزبيد وسبيل باب النخل ومسج بستان الراحة والخانقة التاجية وجامع النويدرة وسبيله وسبيل الطنبغاء. وما الذي معظمه قائم وما فيه خراب فالمدرسة الصلاحية والفاتنية والفرحانية وسبيلها ومدرسة الميلين والعاصمية والشمسية والهكارية ومدرسة القراء والحديث بها ومسجد الست جهة رشيد والمسجد الجامع بزبيد وسبيل الطواشي خضير. فهذه خمسة وستون موضعاً من المآثر الدينية فقام في ذلك كله قياماً كليّاً واجتهد وأعاد معالم الوقف على حقائفها المعتادة ورسومها القديمة وأحيا السبل الداثرة وقام في ذلك حق القيام حتى شكره الخاص والعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وفي شهر ربيع الأول كتب أهل الشوافي إلى الإمام يستدعونه إليهم فجمع جموعه من الزيدية وغيرهم وسار إلى أن بلغ بلد الشوافي فأجابه بعضهم وحط على حصن الدرج بمن معه من العسكر ومن أجابه من أهل الشوافي وضيقوا على الرتبة ضيقاً شديداً حتى أخذوه في شهر ربيع الآخر. وفي يوم السادس والعشرين زحف الإمام بجيوشه على حصن خَدد وخرج إليه المرتبون وقاتلوه قتالاً شديداً فقتلوا من عسكره اثني عشر رجلاً وحملوا بعض رؤوسهم إلى السلطان. وكان السلطان يومئذ في دار الشريف بتعز. وكان ارتفاع الإمام عن خَدَد يوم الثامن والعشرين من الشهر المذكور. وفي سلخ شهر ربيع الآخر وقع الخلاف بين الشهالبين وبني الفقيه سكان النخل فقتل الشهالبون من بني الفقيه وحلفائهم رجلين وحرقوا محلتهم وكان هذا أول خلف وقع بينهم فأمر السلطان بأدب الشهالبين والتغليظ عليهم فتأَدبوا عشرة آلاف دينار. وفي يوم السادس عشر من جمادى الأولى أمر السلطان علي القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر الوزير بالتقدم إلى المخلاف فتقدم في التاريخ المذكور فأقام في جبلة في قطعة من العسكر. وفي أثناء إقامته خالف الشيخ عبد الباقي الصبهاني ونزع يده من الطاعة وكان صهره محمد بن السيري يدافع عنه مدافعة ظاهرة والباطن بخلاف ذلك فجمع الوزير العسكر والقبائل من التعكر وغيره وغزا بلاد الصهباني وكان قد لزم جبل ثلم وأراد أن يبني فيه حصناً. وهذا سبب الخلف بينه وبين الدولة فغزاه الوزير بالعساكر واخرب بلاده كلها وقصره المشهور الذي في الهادس وحملوا حضيرته إلى جبلة وأرسل بها الوزير إلى السلطان وهو يومئذ في الدملؤَة فشكره على ذلك وأنعم عليه. وكان علي بن داود الحبيشي قد ظهر منه عصيان وخروج عن طاعة السلطان فذل عند هذه القضية ووصلوا جميع القبائل مستذمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وفي يوم الأربعاء التاسع عشر من الشهر المذكور تقدم السلطان إلى الدملؤَة لأمر أوجب ذلك فأقام هناك إلى سلخ شهر جمادى الأولى ثم رجع إلى تعز. وفي هذا التاريخ استمرَّ الأمير بهاء الدين الشمسي أميراً بأَبين وتقدم إليها وتوجه الركاب العالي إلى زبيد فدخلها يوم العاشر من الشهر المذكور فأقام في زبيد أياماً ثم تقدم إلى النخل يوم الثامن والعشرين من الشهر المذكور فأقام في النخل إلى يوم العاشر من شهر رجب ثم قصد البحر فأقام به أياماً قلائل ثم رجع إلى زبيد. وفي غرة شهر شعبان تقدم السلطان إلى تعز فدخلها يوم الرابع من شعبان. وفي النصف من شهر شعبان برز مرسوم السلطان باستمرار القاضي زكي الدين أبي بكر بن يحيى بن أبي بكر بن أحمد بن موسى بن عجيل في القضاء الأكبر في أقطار المملكة اليمنية ولقبه القاضي زكي الدين. وكان فقيهاً نبيهاً عالماً فطناً لوذعيّاً أَلمعيّاً أديباً لبيباً كامل الأوصاف مشاركاً في عدة من فنون العلم وليس له نظير. وصام السلطان هذه السنة في تعز وكان جل أقامته في دار الشجرة وعيد في دار الشجرة. وفي ليلة الاثنين التاسع من شوال انقض كوكب عظيم من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال وقت صلاة العشاء فكان له ضوء عظيم زائد على ضوءِ القمر زيادة كثيرة وبعد مغيبه بقلي وقعت هدة عظيمة حتى سمعت أن بعض العقلاء قام من موضعه فزعاً مرعوباً يظن أن منزله قد انهدم أو انهدم بعضه من شدة ما سمع. وفي اليوم الثاني عشر من شوال تقدم السلطان من تعز إلى مدينة زبيد فدخلها يوم السادس عشر من الشهر المذكور فأقام في القُوّرِ أياماً ثم دخل زبيد فأقام أياماً وعيَّد عيد الأضحى. وفي يوم عيد الأضحى وقع حريق في ناحية المجزرة فاستولى على بيوت كثيرة وعلى جانب من السوق. وفي ذلك اليوم قتل الشيخ علي بن محمد العجمي شيخ الأشاعر في فَشَال وكان قتله بعد صلاة العيد في قرية فشال والذي قتله جماعة من بني الدريهم وكان السبب في ذلك أن بني الدريهم أغاروا على عبيد العبادل ليأْخذوا شيئاً من ماشيتهم وكانوا إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أَخذوا شيئاً من الماشية أتاهم العبيد قيفدونه منهم. فلما كان في هذه السنة أغاروا على العبيد فوجدوهم على حذر فتقاتلوا فجرح بعض العبيد وكان من مشايخهم. فلما أحس بنفسه قال لا يفوت القوم فإني مقتول وكانت العرب قتلته بين العبيد لأنهم آمنون من سطوة العبيد عليهم. فوقع العبيد على رئيس الحرس وهو علي بن النهاري فقتلوه وكان فارساً شجاعاً مقداماً. وكان أبوه شيخ بن الدريهم وكبيرهم فحمل الولد مقتولاً إلى محلة أهل هـ ودفنوه بها فقال أبوه والله لا قتلت بابني عبيداً ولا أقتل إلا أكبر العبادل وأسلم دية العبدلي المقتول. وكانت العبادل أكثر عدداً وبني الدريهم أكثر شرّاً. فما برحوا على هذا الأمر حتى وجدوا غرة من الشيخ علي بن محمد العجمي في يوم عيد الأضحى المذكور فقتلوه كما ذكرنا ظلماً وعدواناً. وفي هذه السنة توفي الطواشي جمال الدين ثابت الخازندار الأشرفي. وكان خادماً سعيداً وحيداً في جنسه في عصره. وكان وفاته يوم الأحد سابع شهر المحرم أول شهور السنة المذكورة ودفن في مقبرة باب سهام في الناحية الشرقية منها قريباً من قبر الشيخ الصالح طلحة بن عيسى الهيار رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الإمام العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله الريمي. وكان فقيهاً عارفاً محققاً مدققاً نقالاً للنصوص بارعاً في المذهب. وهو الذي صنف التفقيه في شرح التنبيه أربعة وعشرين مجلداً. وكانت له حظوة عند الملوك صحب السلطان الملك المجاهد ثم صحب ولده السلطان الملك الأفضل إلى أن توفي ثم صحب السلطان الملك الأشرف وولاه قضاء الأقضية في المملكة اليمنية بأسرها وجمع من المال ما لا يجمعه أحد من الفقهاء البتة. ولكن من وجوه مختلفة عفا الله عنه. وكان له مكارم أخلاق باذلاً نفسه وماله للطلبة. وجمع من الكتب شيئاً كثيراً وغلى قيمة الأعماد. وكانت وفاته في اليوم الرابع والعشرين من صفر وقبر على باب تربة الشيخ الصالح أحمد بن أبي الخير الصياد في مقبرة باب سهام رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الأمير الكبير الأجل بدر الدين محمد بن علي بن إياس وكان أميراً كبيراً شهماً جواداً حازماً سريع النهضة عند الحادثة يتولى الأمور بنفسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 بدايته كنهاية غيره من أبناء جنسه. وكانت وفاته في العشر الأولى من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه العالم أبو العباس أحمد بن موسى بن علي الجلاد النخلي الفرضي الحنفي وكان فقيهاً فاضلاً في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى إماماً في الفرائض والجبر والمقابلة والحساب له مصنفات مفيدة اخذ عن والده وعن غيره وانتفع به خلق كثير لاسيما في الفرائض والحساب والهندسة. وكانت ولادته في الثامن والعشرين من ذي الحجة في آخر سنة سبعمائة. وتوفي في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة تقدم السلطان إلى فَشال وأمر بالمحطة على بني الدريهم الأَشاعر الذين قتلوا الشيخ علي بن محمد العجمي. وكانوا قد انتقلوا إلى الجبل وكثر فسادهم ونهبهم فلما حضرهم السلطان أذعنوا وطلبوا الذمة وبذلوا الدخول تحت الطاعة وتسليم الأدب فأذمّ عليهم السلطان وأمرهم برفع المحطة عنهم. وفي هذا التاريخ استمر الأمير سيف الدين مبارك شادّ مقطعاً في حَرَض عوضاً عن الأمير فخر الدين أبي بكر بن بهادر السنبلي. ورجع السلطان إلى زبيد فدخلها يوم السبت الرابع والعشرين من المحرم. وتقدم السلطان إلى تعز يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور فكان دخوله تعِز يوم الأحد الثالث من صفر. وفي هذا التاريخ وصل الإمام إلى بعدان في جيش أًجيش فحط عليهم ولم يبرح يقاتلهم أياماً حتى أن أهل بعدان سيبوا الماء في أجوال هنالك مزروعة قضباً فأقام الماءَ يوماً وليلة. فلما كان اليوم الثالث فتحوا الحرب واستجروا عسكر الإمام حتى أبعدوا بهم وقد جعلوا كميناً. فلما أمعن أصحاب الإمام في الطلب لأهل بعدان عطفوا عليهم وثار الكمين من موضعه ولزموا لهم الطرق فلم يجدوا طريقاً إلا في ذلك القضب الذي قد سيب فيه الماء فرسبت الخيل والرجل فقتل منهم طائفة. فكان ذلك سبب هزيمتهم وارتفع الإمام وسار إلى ذمار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وفي غرة شهر ربيع الأول تقدم السلطان إلى حصون المداد وترك على كل حصن منها محطة حتى تسلم جميعها إلا الحصن الذي يسمي ريسان فان ولد علي بن محمد بن مظفر أقام فيه وهرب والده علي بن محمد بن مظفر وترك البلاد بأسرها فأقام السلطان فيها نواباً من غلمانه الثقات ورجع إلى تعز فدخلها صبح يوم الأحد الحادي والعشرين من الشهر المذكور وكانت غيبته عن تعز عشرين يوماً. قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله بإحسانه وحدثني الفقيه أبو الحسن علي بن محمد الناشري أن عسكر السلطان سار إلى بلد الهمول في شهر ربيع الأول المذكور فكبسوا واحدة من قراها في ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع الأول المذكور فاخبروا انهم وجدوا فيها مولودة صغيرةً لها أربع أيادي وأربع أرجل فسبحان الخلاق العليم القادر على ما يشاءُ. وفي العشر الأواخر من الشهر المذكور انفصل القاضي شرف الدين سليمان ابن علي الجنيد عن القضاء بزبيد وأمره السلطان قاضياً في مدينة تعز. وتولى القاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الناشري قضاء زبيد فسار بالناس سيرة صعبة أتعب فيها نفسه وغيره فكثر ساكوه هذا مع ورعه وعفته وفقهه ومعرفته. ففصله السلطان وأمّر أخاه القاضي موفق الدين علي بن أبي بكر الناشري. فكان استمراره يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وكان قبل ذلك حاكماً في الأعمال الحيسية فنقله منها إلى زبيد في التاريخ المذكور. وفي يوم الحادي والعشرين من لشهر المذكور تقدم السلطان من مدينة تعز إلى الثغر المحروس فدخلها يوم الاثنين السابع والعشرين منه. وفي يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من الشهر المذكور ظهرت هالة على الشمس لمضي ثلاث ساعات تقريباً إلى آخر الساعة السادسة. وكانت هالة كبيرة بينها وبين قرص الشمس من كل ناحية نحو من عشرة اذرع في رؤية العين. وكان لونها لوناً عجيباً لا يمكن أحد يعبر عنه عبارة حقيقية بل هو بحكم التقريب بين البياض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 والصفرة والحمرة والخضرة وفي دائرها ألوان مختلفة دائرة عليها وبعد الجميع شعاع أبيض كأنه الفضة البيضاء وسمعت عدة من الأكابر المعمرين يقولون انهم ما رأَوا مثلها أبداً ولا سمعوا من أحد ممن تقدمهم أنه رأَى مثلها. وفي يوم الأربعاء التاسع والعشرين كسفت الشمس. وفي يوم الثالث من شهر جمادى الأولى ظهرت على الشمس مثل الهالة الأولى المذكورة آنفاً. وكان ظهورها بعد مضي ثلاث ساعات من النهار إلى آخر الساعة التاسعة. واضمحلت عند أذان العصر من النهار. ولما دخل السلطان عدن في التاريخ المذكور أقام فيها شهر جمادى الأولى وعشراً من جمادى الأخرى ثم ارتحل إلى محروسة زبيد فكان دخوله زبيد يوم الرابع والعشرين من جمادى الأخرى فأقام فيها خمسة عشر يوماً. وفي مدة إقامته في زبيد استمر الأمير بهاءُ الدين الشمسي مقطعاً في حَرَض عوضاً عن اللطيفي. واستمر الأمير بهاءُ الدين اللطيفي في الأعمال السرددية. وفي هذا التاريخ سار الإمام من بلده في جموعه من طوائف الزيدية فقصدوا بني شاور فبسط العسكر أيديهم وعاثوا في البلاد وقتلوا الفقيه الإمام العلامة أبا العباس أحمد بن زيد الشاوري وقتل معه جماعة من أهل بلده ونهب بيت الفقيه المذكور. وكانت فيه أموال جمة مودعة للناس عند الفقيه وكان الفقيه في غاية من العلم والعمل. وكان قتله في يوم الأَحد الحادي عشر من شهر رجب رحمه الله تعالى. وكان قتله ظلماً وعدواناً ولم تطل مدة الإمام بعده بل عوجل في أقَرب مدة ما كان أقصر وقتاً كان بينهما ... كأنه الوقت بين الورد والقرب ورثاه بعض قرابته الفقهاء الشاوريين بقصيدة يقول في أولها ألا شَلَّتْ يمينك يا صلاح ... وعجل يومك القدر المتاح وفي يوم التاسع من رجب تقدم السلطان إلى النخل فأقام فيه بقية شهر رجب وتقدم إلى البحر غرة شهر شعبان. فأقام فيه ستة أيام ورجع إلى النخل وارتفع يوم الثامن الشهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وفي يوم السادس من شعبان ركب الإمام صلاح لبعض ما يريد من الأمر فبينما هو سائر على بغلته إذا قبل طائر من الجو فأَصاب وجه البغلة فنفرت البغلة نفرة شديدة ألقت الإمام عن ظهرها فتعلقت رجله في الركاب فازدادت البغلة نفوراً لما سحبته وبقيت رجله في الركاب فانعسفت رجله وقيل رجله ويده وكان في موضع وعر فلم يتمكن الحاضرون من أَخذه حتى لزموا البغلة أو قيل عقروها ثم حمل من موضعه ذلك على أعناق الرجال إلى أن دخلوا به حصن ظفار. وكان سقوطه يوم السادس من شعبان. فأقام هنالك أليماً أياماً ثم انتقل إلى صنعاءَ فدخلها في العشر الأولى من شوال في جمع عظيم وهو يجد شيئاً من الألم ولكنه يظهر الجلد. فأقام في صنعاء أليماً وقيل حدث به مرض آخر في النصف الأخير من شوال فلم يزل كذلك إلى أن توفي يوم الثالث من ذي القعدة وقيل يوم الثاني منه من السنة المذكورة والله أعلم. وفي الرابع عشر من شعبان وصلت كتب ابن المدادي إلى السلطان يبذل تسليم حصن ريسان والدخول تحت الطاعة ويطلب ذمة شاملة فأجابه السلطان إلى ما سأل وسلم الحصن المذكور. وتقدم السلطان إلى تعز يوم السابع عشر من الشهر المذكور. فكان دخوله تعز يوم العشرين منه. وصام رمضان هذه السنة في مدينة تعز في مدينة ثعبات. واستمر الجمال المصري المكي محتسباً في مدينة زبيد في شهر رمضان المذكور فقام بالوظيفة قياماً مرضيّاً وأمعن النظر في مصالح المسلمين. وفي شهر رمضان برز أمر السلطان بعمارة الزيادة الشرقية التي في جامع عدينة من مدينة تعز واستحث الناس على فراغها حتى فرغت كما هي الآن فانتفع الناس بها انتفاعاً عظيماً بخلاف الزيادة الغربية التي عمرها السلطان الملك المجاهد في أيامه. وأمر يومئذ بتسوير مدينة الجند. وكان سورها قد اندرس ولم يبق له أثر فأعاده على الحالة الأولى وربما هو اليوم أحسن مما كان والله أعلم. وفي يوم الثامن من شهر رمضان المذكور أخذ رجل من البهادرة في مدينة تعز ذكروا أنه ساحراً وكان يتشبه بالمسلمين فكحل وقطعت يده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وفي شهر رمضان من هذه السنة أصاب الناس مجاعة عظيمة في التهائم وتأخر الغيث عن أيام إتيانه فارتفع السعر وهلكت البهائم وانقطعت السيول فاكتشفت أحوال كثير من الناس وابتاع مُدَّا الطعام بنيف وتسعين دينار. وابتاع السمن في أيام عيد الفطر كل أربعين قفلة بدرهم. ثم حصل المطر في آخر شهر رمضان وسالت الأودية ثم تنفس السعر في نصف شوال وتواترت الأمطار ووصل الطعام الجديد. وفي يوم الحادي والعشرين من شوال تقدم الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي إلى الجهات الشامية لجباية الأموال منها. وفي يوم السابع والعشرين تقدم علم الحج المنصور من مدينة تعز إلى مكة المشرفة فدخل مدينة زبيد يوم لجمعة سلخ شهر شوال. وكان تقدمه من زبيد يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة. وفي ذلك اليوم وصل الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي بأموال الجهات الشامية. وفي يوم التاسع من ذي القعدة تقدم السلطان من محروسة تعز إلى مدينة زبيد فدخلها يوم الخميس الثالث عشر من الشهر المذكور فأقام في بستان الراحة ثمانية أيام. ثم دخل إلى دار السلطنة بزبيد يوم الحادي والعشرين من الشهر فأقام هنالك أياماً ثم سار إلى سرياقوس يوم الاثنين الرابع والعشرين من الشهر المذكور. وفي يوم الخامس والعشرين تقدم القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي لاستخراج أموال الجهات الشامية وهو يومئذ مشد الدواوين كلها. ورجع السلطان من سرياقوس يوم الثامن والعشرين وعيَّد عيد الأضحى في بستان الراحة وأقام هنالك إلى يوم التاسع عشر ثم تقدم إلى سرياقوس فأقام هنالك ثلاثة أيام ورجع إلى زبيد وأقام إلى الثامن والعشرين. وفي يوم الجمعة السادس والعشرين من الشهر المذكور صلى السلطان الجمعة في جامع زبيد وهي أول جمعة صلاها في جامع زبيد. وفي هذا التاريخ كتب أهل النويدرة كتاباً إلى السلطان يسأَلون منه الإذن في إعادتهم إلى قريتهم الأولى على باب سهام فأذن لهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وفي سنة أربع وتسعين انتقل أهل النويدرة إلى قريتهم الأولى وكان انتقالهم إليها في أول يوم من المحرم أول شهور السنة المذكورة. وأمر السلطان على القاضي شهاب الدين بالتقدم إلى فشال لاستنهاض أموال الخراج فأقام هنالك أياماً ووصل سريعاً بالمال المتحصل من الجهة المذكورة. وفي آخر الشهر المذكور وصل الشريف المهدي بن عز الدين الحمزي صاحب تلمص ووصل بعده الشريف شمس الدين سليمان بن يحيى المعروف بحجرية. وفي هذا التاريخ أمر السلطان على القاضي سراج الدين عبد اللطيف ابن محمد بن سالم المشد يومئذ بزبيد أَن يباشر القضاء الذي يسمى الجهمي من نخل وادي زبيد وان يغرسه فابتدأَ في غرسه في أول هذه السنة المذكورة فبادر ممتثلاً للأمر وغرسه في أيام قلائل. وكان عدته ألفا ومائة وأربعين نخلة أو قريباً من ذلك وهو الذي يسمى الرياض في هذا الوقت. ووصل الوزير من الأعمال الرمعية بحواصلها يوم الاثنين السادس من صفر وبعد أيام قلائل وصل الشيخ شهاب الدين أحمد بن حسن بن ناجي صاحب السحول في أهله وقرابته إلى باب السلطان فقابله السلطان بالقبول والإحسان فأقام ثمانية أيام في تعز. ثم تقدم لقبض الحصن المعروف بذي الحرسة فقبضه. وفي ليلة الثلاثاء العشرين من صفر من السنة المذكورة رأَى السلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال علي بن الحسن الحزرجي أخبرني الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الرداد. قال كتب إليَّ مولانا السلطان الملك الأشرف كتاباً وأوقفني على كتابه إليه. قال وأخبرني بعد الكتاب مشافهة أنه رأَى في التاريخ المذكور وكان يومئذ مقيماً في دار العدل في مدينة تعز. قال رأَيت كأني في مرج يشبه الماء الحار الذي هو فيما بين تعز وعدن وكأني بين نخل وسدر وموضع يشبه ساحل الغارة إلا أنه لا يجر هنالك وكان في طرف المكان مجلس بعيد من الموضع الذي نحن فيه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم أجمعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 هنالك والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على قعادة بلا حصير حبالها عتق كأنها حبال قعادة الرعاءِ عليها اثر الغنم والبقر وإذا بي أقبلت أنا وعلي وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قال مد يدك نبايعك وكأني لم أفهم إلا وأنا معظم الشأْن كأني مثل الذين وصل إليهم بقبائل أُريد أن انصرهم وهم مثل الفرجين بي. فمددت يدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعني فقمت من ساعتي بعد المبايعة وأنا أقول لهم ما يخرج ولا يبرق في بعض الطرقات من هؤلاءِ الفعلة الصنعة. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم قم فنهضت أنا وعلي رضي الله عنه وركبنا على فرسين وسرنا وإذا بنا في عدن عن يميننا بحر وعن يسارنا جزائر من جبل أحمر وأنا أقول له إشارة بإصبعي من هنا كان يريد الفاعل الصانع يدخل عدن يعني الإمام. وإذا بنا رجعنا إلى الجماعة وقد صار النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على قعادة لي صغيرة أرجلها من صندل أحمر والبساط الذي اقعد عليه وهو بساط من حرير وعلى النبي صلى الله عليه وسلم دراعة شيخ ثم اندرس. فلما كان الليلة الثانية وإذا بي أرى جماعة وهم أبو بكر وعمر وعلي ونحن على تلك الحال التي فارقتهم فيها الليلة الأولى ولم أرَ النبي صلى الله عليه وسلم وكأني أروم معاصرة عمر فانتبهت فزعاً. فلما كان الليلة الثالثة وإذا بي أرى الجن وأنا مثل المتفرس عليهم وعليهم شرافوشات الصناعة وصورهم مثل صور الآدميين لا فرق إلا أني أفهم أنهم من الجن فتعجبت من هذه النكتة العجيبة. قال علي بن الحسن الخزرجي هذا منام عجيب يدل على بشارات وإشارات حسنة ولا يصلح أن يكون إلا لمثله أصلحه اله صلاحاً حسناً وفقهه للعمل بما يرضيه أنه على ذلك قدير. وفي يوم الخامس من شهر ربيع الأول توفي الشريف صاحب بكر. وكانت وفاته بمدينة تعز. وفي يوم العاشر من الشهر توفي القاضي صدر الدين عبد الحق بن الفقيه موفق الدين علي بن عباس المقري وكان طلع هو والشريف المذكور من زبيد في محمل مترافقين في الطريق فسقط بهما المحمل فتكسرت أعضائهما فحملا إلى تعز أَليمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 فماتا في تاريخهما. وفي اليوم الثاني عشر من الشهر المذكور وصل الشيخ شمس الدين علي بن الرياحي السرحي شيخ مشايخ العرب طائعاً مختاراً. ووصل معه أهله وقرابته فقابلهم السلطان بالقبول فاصرف له وللواصلين معه ثلاثمائة وخمسين قطعة من الملابس الفاخرة واركبه بغلة بزيارة وحمل له خمسة آلاف دينار. وفي هذا التاريخ حصل حريق في زبيد وكان ابتداؤٌه من ناحية المجزرة فأخذ شرقاً وشمالاً فحرقت فيه بيوت كثيرة وتلفت فيه أموال جمة. وفي هذا التاريخ حصل في مدينة تعز ونواحيها منه شيءُ يسير وتوفي في تلك الليلة الأيام الطواشي معتب الأشرفي زمام الجهة الكريمة والدة مولانا الملك الناصر واخوته أولاد مولانا السلطان الملك الأشرف تولاه الله بحسن ولايته. وتوفي الأمير شمس الدين علي بن أحمد الواشي وكان فارساً شجاعاً مقداماً في الحرب حسن الشمائل لطيف الخلق والخلق. وتوفي الفقيه الفاضل شهاب الدين أحمد بن بدير النساخ الأشرفي. وكان حسن الحظ تقياً توفي شاباً رحمه الله تعالى. وفي الخامس والعشرين من الشهر المذكور وصل علم الحج المنصور من مكة المشرفة ووصل عدة من الحجاج واخبروا انه وصلت كتب إلى مكة المشرفة وألقيت في المقامات الأربعة نسخها متقنة في المعنى مختلفة في بعض الألفاظ وقعت لي نسخة منها فأثبتها وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. ومن عبد الله المهدي المنتظر خليفة سيد البشر أمير المؤمنين محمد بن عبد الله بن بنت رسول الله. هذه بشارة وبشرى. وتذكرة إلى أم القرى. يدعو إلى رب العالمين بما ورد في الكتاب المستبلين. وأسند إلى الصحيح من سيد المرسلين. وأصحابه المطهرين. صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. أجيبوا إمامكم. تجدوا الحق أمامكم. بدواع سليمة. لموارد سليمة. فما دعوت لهذا الشأن. حتى دعاني الملك الديان. فأجبته داعياً فائتمروا بما أمرت. والتزموا بما التزمت وكونوا كالبنان. أو كالبنيان. كالعترة الواحدة في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الأديان. هذه سجية الأعوان والأكوان. أسرعوا وسارعوا أيما إسراع. وأقبلوا إلى الله في صحة الإقلاع) إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (. وبعد السلام عيكم ورحمة الله وبركاته والدعاء وصيتكم وصلى الله على سيدنا محمد وآله ورضى الله على الصحابة أجمعين واتباعه الطاهرين وجعلنا نتبع أمرهم ونقفو أثرهم ونفع بهم آمين آمين آمين انتهى. وفي يوم الاثنين سلخ شهر ربيع الآخر أمر السلطان بحمل أربعة أحمال طبلخانة وأربعة ألوية للأمير شهاب الدين أحمد بن علي بن الشمس واستمر عوضه في عدن الأمير عز الدين هبة ابن الأمر سيف الدين سندمر. وبرز مرسوم السلطان ومنشور كريم إلى الأمير شهاب الدين بالتقدم إلى الجهات المخلافية. وفي هذا التاريخ المذكور اقتتل الأشاعر الفرس بوادي زبيد فقتل من الفرس خمسة رجال أجواد ونهبت محلتهم وحرق بعضها. كان مشايخ الأشاعر يومئذ في زبيد فلزمهم المشد وهو القاضي سراج الدين عبد اللطيف ابن محمد بن سالم وهم النهاري الأحمر وولده أبو القاسم المهرس فأدبوا في قتل الخمسة المذكورين خمسة عشر ألف دينار. وفي غرة شهر جمادى الأولى وصل مرسوم السلطان منشور كريم إلى زبيد يتضمن الصدقة على كافة الرعية بزيادة معاد في كل قطيعة في كافة جهات المملكة اليمنية صدقة مستمرة وان يعفوا عن مصالحة العطب في وادي زبيد يوم الرابع من شهر جمادى الأولى. كانت هذه من فعلانة الحسان. وقرى المنشور في الجامع بإفشال يوم الجمعة الحادي عشر بمثل ذلك وكذلك في سائر الجهات وكثر الدعاء للسلطان وانتشرت صدقته في كافة الجهات اليمنية. وفي يوم السابع من الشهر المذكور تقدم الأمير شهاب الدين أحمد بن علي بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 الشمسي إلى ناحية المخلاف فقبض حصن نعم ورتب فيه الأمير بدر الدين محمد ابن علي بن عمر بن ناجي وتوجه إلى ناحية أرياب. وفي يوم الأحد الثالث عشر من شهر جمادى الأولى ظهرت هالة على الشمس مثل الهالة التي ظهرت في السنة الماضية. وفي يوم الخامس عشر وصل شيخ الجحادر في جمع كثيف من قرابته وأهله إلى باب السلطان باذلاً من نفسه الطاعة فقابله السلطان بالقبول وكساه وأكرمه. وفي يوم السادس عشر وصل الشريف الجليل الكبير النبيل أبو الفضائل الهدوي إلى باب السلطان فأنصفه السلطان وأكرمه وتواترت القبائل من كل ناحية. وفي اليوم الحادي والعشرين من الشهر المذكور كان ظهور أولاد السلطان الملك الأشرف وهم الصغار. وفي هذا التاريخ هرب أحمد بن السيرى من غير سبب يوجب ذلك. وفي أول شهر جمادى الآخرة نزل السلطان إلى زبيد فدخلها يوم السابع من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن أحمد التهامي وهو آخر من ولي القضاء من أهل بيته. وفي هذا التاريخ أمر السلطان بعديد النخل من وادي زبيد على يد القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم وندب القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي بعديد نخيل الجهات اليمنية فتقدم إليها في الخامس عشر من جمادى الأخرى. وتقدم السلطان إلى نخل الأبيض يوم العشرين من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ انهدم من حصن تعز من نواحي السنبلة على جماعة مات منهم اثنان وسلم الباقون. وفي يوم الخامس والعشرين وصل الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي من الجهات الشامية ووصل صحبته تسعون رأساً من جياد الخيل. وجرده السلطان إلى المداد فكان تقدمه إلى هنالك يوم العاشر من رجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وفي هذا التاريخ استمر القاضي جمال الين محمد عمر بن شكيل بالأعمال التهامية عوضاً عن القاضي شجاع الدين بن علي العلوي. واستمر القاضي شجاع الدين عمر بن علي العلوي المذكور مشداً في المحالب. وانفصل الأمير سيف الدين مبارك شاه عن الجهة المذكورة وأضيفت إلى ابن السنبلي واستمر القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد الجلاد مشداً في رمح. وتقدم السلطان إلى النخل يوم السادس عشر من رجب فأقام في النخل إلى السادس عشر من شعبان. وفي غرة شعبان توفي الطواشي الدين ظريف الأشرفي زمام الباب السعيد وكان خادماً خداماً قائماً بما يتوله. وطلع السلطان من النخل يوم السابع عشر من شعبان المذكور. وتقدم إلى تعز يوم الثامن عشر. وكان دخوله يوم الثالث والعشرين من الشهر المذكور. وصام السلطان رمضان هذه السنة في تعز فكانت إقامته في دار الوعد. وفي يوم العاشر من رمضان المذكور وصل ولد الحبيشي من الشوافي أرسل به اخوته ومعه عدة من عسكر البلاد. وفي ذلك اليوم وصل القاضي شرف الدين الفارقي بخرج نخل الجهات الموزعية. وفي يوم الثامن عشر من الشهر المذكور وصلت خيول أهل الخنكة أرسل بها الأمير بهاء الدين الشمسي. وكانت نحواً من أربعين رأساً. وفي آخر شهر رمضان وصل إلى باب السلطان الأمير قيسون وكان السلطان قد طرده يوم قضية المماليك في القور وقد تقدم ذكرها. فلما رجع إلى السلطان كساه وانعم عليه وأعادهُ إلى حالته الأولى. وعيد السلطان عيد الفطر في دار الشجرة. وفي أيام عيد الفطر هرب الشريف بن أبي الفضائل من تعز وكان قد تزوج امرأة من سناء الملوك. فلما رأى ما عليها من الحلي جزل في عينيه فسعى في أخذه وهرب به بلاد حتى أن الناس سموه أبا الفضائل. وما انقضى شهر رمضان عزم السلطان على تطهير أولاده فشرع في تحصيل ما لابد منه مما تدعوا الحاجة إليه من الجزائر على اختلاف أنواعها من الطير وذوات الأربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 ومن الحنطة والسمون والعسلان والأرزاز ومن الرمان والعدس والقرطم والحمر والزبيب واللوز والسكر والزعفران والنشا والفلفل وسائر التوابل والمصطكى والقرفة والسنبل والجوز بوَّا والسوسن. وما لابد منه من البقول على اختلاف أجناسها وأنواعها. ومن أنواع التمر والليمون وسائر الفواكه ومن الحطب والسبيط والشمع والبيض. وآنية الصيني واليشم والقاشاني والفخار من الصحون والزبادي والجرر والأدواج والكيزان البيض والطباشير والقراريب والمطاهر. ومن أنواع الرياحين كالفل والورد والنرجس والياسمين والمنثور والكاذي والاترج والبلح وأشباه ذلك. ومن أنواع الطيب كالمسك والعود والصندل البنفسج والشند والند والعنبر وماء والورد والغوالي وما لا يدخل تحت العد والحصر شي كثير. ووصل الأمراء والمقدمون من سائر الجهات فوصل القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم مشد وادي زبيد. وكان وصوله يوم الحادي والعشرين من شهر شوال. ثم وصل الأمر عز الدين هبة بن محمد الفخر وهو صاحب زبيد يؤمئذ وكان وصوله يوم الرابع والعشرين من الشهر المذكور. وتقدم علم الحج المنصور يوم السادس والعشرين من محروسة تعز إلى مكة المشرفة واستعمل من قصور الشمع الملونة والشموع المزهرة شي كثير. ولما انقضى شهر شوال المذكور طلب صناع الحلواء فاشتغلوا منها شيئاً كثيراً. وأخرج لهم من الصحون الصيني خمسمائة صحن مما لم يستعمل قط خارجاً عما قد استعمل قبل ذلك. ومن الفخار الزبيدي شي كثير للمضروب خاصة. ومن سائر الأنواع كالمشبك والقرعية القاهرية والشيزرية والخشخاشية والفانيذ ومن البطاطيخ واشباه الطير وغيرها وما يتنوع من ذلك واحتفل أهل الدار بل سائر الناس لذلك احتفالاً عظيماً فاستحضروا من المحصنات نحواً من ثمانين امرأة. واستحضروا من النساء الأمراء والمقدمين والقضاة والمتصرفين وأكابر أهل البلد فلم يتخلف منهن امرأة. وحمل الأمراء والمقدمون وكبار أهل الدول التقاديم النفيسة إلى باب الدار. فحمل في اليوم الثالث من ذي القعدة من بيت الأمير بدر الدين بن علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الشمسي نحو من ستين حمالاً يحملون الشمع والمزهر والمقصور الملونة والمشام المشبوكة وشيئاً يجل عن الوصف ويزيد عن الحصر. وكذلك الطواشي صفي الدين جوهر بن عبد الله الصيني أمير الحصن يومئذ بتعز. وحمل القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي والقاضي رضي الدين أبو بكر بن عمر الصائغ والأمير بهاء الدين بهادر بن عبد الله الشمسي والأمير بدر الدين حسن الخراساني والشيخ شرف الدين السفساف وأرسل الأمي فخر الدين أبو بكر الغزالي صاحب حصن صبر بعدة مستكثرة من الحمالين يحملون أنواعاً من أشجار بلاده من الكاذي وقصب السكر وقضبان الآس والثوم والأخضر والفول الأخضر وألواناً كثيرة من الأعناب وغيرها. وصار كل من حمل حملاً ممن ذكرناهم وغيرهم يجعل قبل محموله رأسين من البقر كبيرين على أتم ما يكون من الحسن وعليهما ثوبان من الحرير الملون وتصل معه عدة من المغاني والزناجين والبواقين يزفون كل حمل إلى باب الدار المعروف بدار النصر من ثعبات المعمورة. فإذا وصلوا الباب المذكور قام مقدم الجزارين فينزع الثياب الحرير ويذبح ما وصل من الجزائر فإذا ذبح ما أتى به إلى هنالك أخذه من حضر من الغلمان كالسواس والحمالة والبواقين وغلمان البساتين وأهل الإسطبل والفيالين وغيرهم من ينخرط في سلكهم. وفي يوم السادس من الشهر المذكور أمر السلطان بركوب العساكر المنصورة إلى الميدان السعيد بثعبات المعمورة بكرة وعشية فلم يتخلف أحد من الوزراء الأمراء والمقطعين والمشدين والمقدمين وسائر الجند من الخيل والرجل ثلاثة أيام والطلبخانات تخدم في مواضعها ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً. وكان الطهور المبارك يوم الخميس والتاسع من الشهر المذكور فحضر الناس على اختلاف طبقاتهم من الوزراء والأمراء والمقطعين والمشدين وكتاب الدواوين والقضاة والفقهاء وكبار أهل الوقت. ودخل الجميع من الناس إلى سماط قد أتقنه طهاته. وتناصفت في الجنس جهاته. لم ير الراءون أعظم منه بعد أن أفضت الخلع الملوكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 والشاشات المذهبية على كبراء الدولة وكسي الحاضرون على اختلاف حالاتهم من غلمان السلطان خاصة. ثم خرجوا من مجلس السماط إلى مجلس الحلواء فأخذوا منه بحسب ما أرادوا. ثم قاموا إلى سماط فيه من الجوز واللوز والزبيب والعنب والسوبيا والفقاع والفستق والبندق وما يشبه ذلك شيء كثير. ثم قاموا إلى مجلس الطيب فاستعملوا منه شيئاً كثيراً من البخور والنسك والماء ورد والشند والغالية. وكان يوماً مشهدواً لم يكن في الدهر مثله. قال علي بن الحسين الخزرجي عامله الله بإحسانه وكنت ممن حضر ذلك وشاهده شيئاً فشيئاً. وحضر عدة من فصحاء الشعراء بالقصائد الفاخرة وأجيزوا الجوائز السنية وهم الفقيه موفق الدين علي بن محمد الناشري والفقيه سراج الدين عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي والفقيه رضي الدين أبو بكر بن فارس والفقيه عفيف الدين عثمان بن أبي الأصبحي وألفيه نور الدين علي بن إياس الحموي والفقيه برهان الدين إبراهيم بن أبي بكر العزيزي والفقيه شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الصبري والفقيه برهان الدين الحجافي والفقيه موفق الدين علي الطيني والفقيه بدر الدين حسين علي الحجازي. ولم يمكني إثبات قصيدة أحد دون أحد وفي جمعهم تطويل وملل. ورأيت أن لا أخلي هذا السرور العظيم عن قصيدة كنت ممن قال في ذلك الفرح والسرور ما يعد به من جملة المحبين فاثبت قصيدتي التي قلتها يومئذٍ وأنا أعلم إنها دون كل ما قيل ولكن ألجأت الضرورة إليها وهي: هبَّ النسيم معنبر النفحاتِ ... وشد الحمامُ بأطيب النغماتِ وتضوَّع اليمن الخصيب بأسرهِ ... بالطيب من عدنٍ إلى عرفات وتأَلق البرق الكليل فأشرقت ... أنواره في حندس الظلمات فرحاً بتطهير الملوك الأكرمي ... ن الأعزمين الجلة السادات أسد الحروب إذا الرماح تشاجرت ... يوم الوغى وأهلة الجلسات أولاد مولانا ومالك عصرنا ... قمر الخلافة صادق العزمات الأشرف بن الأفضل بن علي بن دا ... ود بن يوسف قسور الغابات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 أشباهه في الخلق والخلق الرضى ... والحزم والحركات والسكنات والجود يوم السلم والأفضال وال ... إقدام يوم الروع والفتكات فالدوح ترقص في غلائل سندس ... والجوُّ ينثر لؤْلؤ القطرات والروض معتم النبات بنرجس ... وشقائق تزري بكل نبات والناس في فرح وفي مرح وفي ... لعبٍ وفي طربٍ وفي لذات والطير ذا شادٍ وهذا زامرٌ ... فوق الغصون بأفصح الأصوات والكل يدعو باختلاف لغاتهم ... في كل ما وقت من الأوقات يا رب مهد للممهد ملكه ... وانصره واحرسه من الآفات وافتح له فتحاً مبيناً واكفه ... صرف الردى وتغير الحالات حتى تدين له البلاد بأسرها ... بالسيف من مصر إلى قلهات الأشرف الملك الذي عم الورى ... بالفضل والإحسان والحسنات وأخو الفضائل والفواضل والنهي ... والمكرمات الغر والجفنات ملك له تعنوا القبائل طاعة ... وله يدين الكسروي العاتي وأماجد المتعطف المتفضل ال ... متطول المتهلل القسمات في وجهه نور الهدى متشعشع ... متكشف عن واضح الآيات يغزو فيغزو الطير فوق جيوشه ... والوحش معه يسير في الجنباب ذو فطنة ينبيك بعد غد بما ... سيكون بعد غد بما هو آت وسماحة وفصاحة وصباحة ... وشجاعة ورجاجة وأبات وموارد مشهورة ومشاهد ... مذكورة ومكارم وصلات وأبانة ورصانة وشجاعة ... وبراعة وفراسة وثبات وسعادة أغنته يوم نزاله ... عن سل صمصام وهز قنات يا سيد الخلفاء دعوة خادم ... يدعو الإله بصالح الدعوات في كل يوم بكرة وعشية ... قبل الصلاة وبعد كل صلاة بالعز والإقبال ما طير شدا ... والسعد والتوفيق في الحركات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وفي يوم الجمعة العاشر من ذي القعدة أجاز السلطان جماعة من الشعراء وغيرهم ذهباً وفضة وانتشر جوده وغمر كثيراً من الناس بره. وفي يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر المذكور برز مرسوم السلطان بان يحمل للشريف فخر الدين عبد الله بن إدريس بن محمد بن إدريس بن علي ابن عبد الله بن حسن بن حمزة حمل وعلم وجرده إلى بلاده العليا. وحمل له من المال نحواً من سبعين ألفاً خارجاً عن الكساوي والخيل والآلات. وكان تقدمه إلى تلك الجهات المذكورة يوم الثالث والعشرين من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ وصل عبد الإمام المسمى ويحان إلى باب السلطان راغباً في الخدمة فكساه السلطان وقبله ووكل أمره إلى الله تعالى. وفي غرة ذي الحجة تقدم السلطان إلى زبيد فدخلها يوم الثالث من الشهر المذكور فأقام في بستان الراحة وعيد عيد النحر فيه. وفي التاسع من ذي الحجة الحرام وصل أولاد القائد إلى باب السلطان يطلبون الخدمة والوقوف في الباب السعيد تحت الصدقات السلطانية فقابلهم السلطان بالقبول وانعم عليهم. وفي يوم الثاني عشر استمر القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد عبد الله الناشزي قاضياً في تعز المحروس وتقدم الأمير بهاء الدين الشمسي إلى الجهات الشامية كما كان فيها وكان تقدمهُ في محرم الثالث عشر من الشهر المذكور. وفي يوم الثامن عشر من الشهر المذكور نزل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 محمد النظاري من حصن منائر أي مدينة المهجم على الذمة الشريفة السلطانية فأقام في المهجم إلى آخر الشهر المذكور. وفي هذه السنة المذكورة توفي الطواشي كمال الدين فاتن والى ثعبات وكان خادماً عظيماً رؤية وسماعاً وكان جباراً مهيباً فتاكاً سفاكاً وله من المآثر الدينية المسجد الذي أنشأه في معزية تعز فزق حافة الملح تجاوز الله تعالى عنه. وفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة وصل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد النظاري إلى الأبواب الكريمة مشتملاً بالذمة الشريفة. وكان دخوله زبيد يوم السبت الحادي والعشرين من المحرم من السنة المذكورة. فلما وصل إلى الباب السعيد اقبل عليه السلطان وكساه كسوة فاخرة وقدم له بغلة بزيار وأمر له بإقامة سماط في بيته للواصلين معه من العسكر وطلبه بعد ثلاثة أيام إلى المقام الشريف فلما حضر عاتبه معاتبة لطيفة وآنسه من نفسه أنساً تاماً. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور اسلم يهودي في مدينة زبيد فاركب بغلة وزف بالموكب وكسى كسوة فاخرة. ولما من الله تعالى بعافية أولاد مولانا السلطان من ألم الختان أمر السلطان بعمل فرحة في زبيد ودخل أولاد السلطان الحمام الصلاحي فلما خرجوا منه زفوا إلى الدار الكبير السلطاني في جملة العسكر وكان عسكر زبيد ومشدها وناظرها أمام الناس كلهم وقبلهم عبيد السلاح وغلمان البغلة بأسرهم وبعدهم الغزو الجمدارية والخدام ونقباء العسكر والجاروشية وبعدهم الوزراء وكتَّاب الدواوين وأستاذ الدار وبعدهم الخدام الكبار والمماليك والملوك بعد الناس كلهم على خيولهم في أحسن زي واجمل هيئة وكان سائر الناس يمشون على اختلاف طبقاتهم من أحراث إلى الوزير وأمامهم الطبول والمغاني. وكانت الطبلخانة تخدم على باب الدار الكبير وحضر من الخلق ما لا يحصنهم إلا الله تعالى. ولبست الطلعات ثياب الحرير فكان هنالك يومئذ طلعتان إحداهما تسير على أربع عجل تارة إلى ناحية الشام وتارة إلى ناحية اليمن والأخرى تدور كما تدور المعصرة. وفي كل واحدة من المغاني. والرقاصات ما يدهش الناظرين وحضر يومئذ كافة الجند وأصحاب الرتب والشفاليت على السماط الكبير ولم يتخلف أحد منهم. وحضر كبراء الدولة والقضاة والفقهاء وسائر الأمراء السماط وكان سماطاً حسناً فيه من أنواع الطبائخ والألوان والأطعمة ما لا يعرف أكثره. وانتقل منه الحاضرون إلى سماط من الحلوى فيه من جميع أنواع الحلوى وكان يوماً تام السرور حسناً أوله وآخره وذلك يوم الاثنين الثامن من شهر صفر من السنة المذكورة. ووصلت خزانة جيدة من سهام أرسل بها القاضي جمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 الدين محمد بن عمر الشكيل. ووصل أيضاً خزانة أخرى من عدن صحبة الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي ووصلت أيضاً خزانة من الجهات الشامية وأرسل بها الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي. واستمرَّ الأمير غياث الدين عيسى بن محمد بن حسان أستاذ دار السلطان. وكان استمراره هذا يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ استمرَّ الأمير يوسف الدين قيسون أمير علم الباب السعيد. وفي ليلة الثالث والعشرين أمر السلطان بتأسيس دار النصر في القُوّرِ الأَعلى ووضعت عتبته يوم الثلاثاء غرة شهر ربيع الأول. وفي هذا التاريخ تقدم السلطان إلى حيس ثم سار إلى الأَوشج فيطلب اصطياد حمير الوحش فأقام هنالك أياماً قلائل ثم رجع إلى زبيد فدخلها يوم الجمعة الحادي عشر من الشهر المذكور. وفي غرة الشهر المذكور تقدم الطواشي جمال الدين مرجان إلى القحمة مقطعاً هنالك. وكان قد ظهر من المعازبة ما ظهر من الفساد فصادف من أَعيانهم محمد بن علي بن خشير ورجلاً آخر معه فقتلهما صبراً. فلما كان يوم الثاني عشر من الشهر المذكور ركب الطواشي مرجان فيمن معه من العساكر وقصد المعازبة فقتل منهم رجلين وافترق العسكر في طلب النهب في عدة نواح فاجتمع العرب ورجعوا على الطواشي ومن معه فهزموهم وقتل عدة من الرجال الذي معه وخادم يقال له دينار ومملوك آخر. فلما وصل العلم بذلك إلى السلطان جرد إليه العساكر. فارتفعت المعازبة إلى الجبل ثم وصل شيخ بني بشير صحبة الفقيه الصالح إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن موسى ابن أحمد بن موسى بن عجيل يطلب ذمة السلطان له ولقرابته ويبذل الطاعة فأذم عليه السلطان. وفي اليوم الرابع والعشرين وصل الأشراف أصحاب جهران إلى باب السلطان ووصل بعدهم ابن الأنف. وكان وصوله في يوم السادس والعشرين فكساه السلطان وأنعم عليه وحمل إليه ألف دينار برسم الضيافة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وفي هذا التاريخ برز مرسوم السلطان إلى المشد يومئذ بزبيد وهو القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم بأن يعمر النخل المشتري من ورثة العز الآمدي ويغرسه فبادر المشد إلى ذلك فغرس في النخل المذكور نحواً من خمسة آلاف نخلة في مدة يسيرة وهو الذي يسمى الربوة. وفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الآخر استمرَّ الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر السنبلي مقطعاً في القحرية والمقصرية. وتقدم السلطان إلى محروسة تعز يوم الخامس عشر من شهر ربيع الآخر. فلما دخل حيس رفع إليه إن أميرها الأمير جمال الدين محمد بن عمران الفايشي مد يده إلى شيءٍ من مال الخراجي بها فأمر السلطان على مشد الدواوين وهو القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي أن يلزم العامل المذكور بتسليم ما أَخذ. فأنكر أن يكون أخذ شيئاً. وكان حسن المعاملة فيما بينه وبين الناس فصادره المشد كما ورد الأمر الشريف فتوفي في المصادرة يوم الأربعاء الحادي والعشرين من الشهر المذكور. وفي يوم الرابع والعشرين من جمادى الأولى وصل علم الحج المنصور من مكة المشرفة. وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الأولى دفع الوادي زبيد بماءٍ عظيم. قيل إنه أَعظم من سنة سيلة المسلب. وضرر هذا السيل ضرر عظيم في الوادي اخرب جانباً من محل مانع وشيئاً من محل طرقوه وشيئا من محل حريرة وأتلف في النخل جملة مستكثرة من النخيل وبيوتاً كثيرة. وفي يوم الرابع من جمادى الآخرة توفي الشيخ أبو بكر القرافي المؤذن عن سن عاليةٍ واصله من قرافة مصر صم سافر إلى مكة وأقام بها مجاوراً. ثم دخل اليمن صحبة السلطان الملك المجاهد في سنة حجته الأولى وهي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. وكان رجوعه إلى اليمن في سنة ثلاث وأربعين فأقام مؤذناً معه على بابه السعيد إلى أن توفي المجاهد في التاريخ المذكور أولاً. ثم استمر على الوظيفة مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 السلطان الملك الأفضل إلى أن توفي في التاريخ المذكور. ثم استمر على الوظيفة مع السلطان الملك الأشرف إلى هذا التاريخ المذكور. وكان للسلطان عليه شفقة تامة فاستمر ولده من بعده على وظيفته إلى أن توفي رحمه الله تعالى. وفي يوم التاسع من جمادى الآخرة تقدم السلطان من محروسة تعز إلى زبيد فدخلها يوم الخميس الثاني عشر من الشهر المذكور. ووصل إلى باب السلطان خزانة جيدة من المحالب صحبة الأمر سيف الدين فطلبه ووصل بعدة رؤوس من الخيل. وحصل في عشاء يوم الجمعة العشرين من الشهر المذكور مطر عظيم جداً وهو الثاني من أيار. وكانت الأمطار قبله متوالية من أول نيسان. وفي يوم الثامن والعشرين من الشهر المذكور قتل الشيخ محمد بن عبد الله ابن فخر النخلي. وكان الذي قتله رجل يقال له مكمين أحد بني الرجوي المناسكة ضربه بمهرية في رأسه ضربتين أو ثلاثاً ثم هرب إلى بلدة المعازبة. وفي سلخ الشهر المذكور أمر السلطان بعديد المساجد والمدارس التي في زبيد فكان عددها مائتين وبعضاً وثلاثين موضعاً وعدت المعاصر في زبيد فكانت نحواً من سبعة أو ستة وعشرين عوداً. وفي اليوم الثاني والعشرين من رجب تقدم السلطان من زبيد إلى النخل فأقام فيه إلى الثامن عشر من شعبان ثم أقام في البحر فأقام فيه أربعة أيام ثم رجع إلى النخل يوم الخميس الثاني والعشرين فأقام إلى يوم الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور. ثم انتقل إلى زبيد فأقام في بستان الراحة وفي هذه السنة صام السلطان شهر رمضان في بستان الراحة. وفي شهر شعبان الكريم أرسل الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي بالشريف الذي يقال له أبو هدبا تحت الاعتقال. وفي يوم الأربعاء السادس من رمضان وقع في زبيد حريق عظيم. وكان ابتداؤه من قبلي الجامع فبلغ إلى الخان ثم إلى سوق المعاصر. وفي هذا الحريق المذكور حرقت اللجنة التي تعرف بلنجة الرهائن وكان يوماً عظيماً. وفي شهر رمضان المذكور وصل كتاب من كالقوط إلى السلطان مترجماً عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 القاضي بهاء وعن التجار المقيمين فيها ببذل طاعتهم للسلطان ويستأذنونه في إقامة الخطبة له بها ولم يك يخطب فيها لأحد من ملوك اليمن ولا ملوك مصر ولا من غيرهم. وكان صاحب دلى قد غلب عليهم في أول الدهر. وكذلك أيضاً صاحب هرموز فكانوا يخطبون لهما معاً. فلما جاءت كتبهم إلى السلطان بما ذكرناه قبل ما بذلوه من الطاعة وانعم عليهم إنعاماً تاماً وأذن لهم في ذلك وكساه القاضي كسوة سنية. وكانت نسخة الكتاب الواصل منهم ما هذا مثاله وبالله التوفيق: بسم الله الرحمن الرحيم. رب سلم وبلغ. وفي حاشية الكتاب المملوك الأصغر والمحب الأكبر قاضي بلدة كاليقوط وجماعة رؤَسائها. وفي صدر الكتاب بعد البسملة وأسأَل من دوَّر الفلك الدوَّار. وسير النجم السيار. أن يطول عمر مولانا المعظم. ومالكنا الموقر المكرم. ملك الوزراء في العالم شهاب الدين فلك المملكة قطب سماءِ السلطنة. ذي المناقب العلية. والمناصب الجلية. ملاذ الكبراءِ. وملجأْ العظماء. عميدا لمصر. عماد العصر. الذي تزجى الركائب في حرمه. وتزكى الرغاب من كرمه. جامع فضيلتي العلم والكرم. حائز وسيلتي الفضل والنعم. قاضي نور الملة والحق والدين. مغيث الإسلام والمسلمين. راحة الخلائق أجمعين. أدام الله جلاله. ومدَّ في الخافقين ظلاله ولا زالت دولته صافية المشارع. ضافية المدارع. ونعمه مترعة الحياض. ممرعة الرياض. ولا برح أحباؤَه في صعود. وأعداؤَه في بدود. وينهى إلى عمله الشريف. ورأْيه المنيف بعد تقبيل تراب الحضرة العالية والدعاء لامتداد دولته القاصية. إن جماعة بلدة كاليقوط منهم التجار الكرام. والبدور العظام. لما التمس من الداعي أن يشرف المنبر بذكر ألقاب مولانا السلطان الأعظم. الخليفة المعظم. محرر ممالك العرب والعجم. سيد سلاطين الشام واليمن. السلطان السيد الأجل الملك الأشرف خلد الله ملكه. وبالغوا كل منهم بالذكر لمناقب مولانا السلطان خلد الله ملكه والخلفاء المتقدمين. والأَئمة الماضين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 مثل ما يتشرفون الخطباءُ الأحد عشر في أحد عشر بلداً منها بلدة نلنبور تشرف منبرها بذكر ألقاب مولانا السلطان خلد الله ملكه هذه السنة الجديدة ورغب منهم بذلك. ثم لنحيط علم مولانا دام عزه. وكان قبل هذا التاريخ جماعة من أطراف البلاد مثل السجالة والهرموز والسمطرة وغير ذلك يلتمسون شرف المنبر بذكر ألقاب سلاطين بلادهم ما قدروا على ذلك وصرفوا من الأموال ما لا حصر فيه ولا عدد. والآن قد أجاب الداعي بإجابة ما التمسوه الجماعة المذكورون. وتشرف المنبر بذكر ألقاب مولانا السلطان الأعظم الخليفة المعظم سيد سلاطين العرب والعجم السلطان السيد الملك الأشرف خلد الله ملكه. وأبقى عدله وزاد كل يوم دولته بمحمدٍ وآله. والسؤَال من صدقات مولانا أدام الله عزه خروج الأمر العالي إلى النواب والمتصرفين في الديوان المحروس ليرقموا اسمه في صحائف الخطباء المعدودين المتقدمين ويرسموه مع رسوم المعدودين محصلاً بذلك الأجر الجزيل والذكر الجميل. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. فأما سبب كتابي إلى جنابكم لا زال عالياً فهو بإشارة جماعة بلدة كاليقوط منهم جمال الدين يوسف الغساني ونور الدين علي القوي وزين علي الرومي ونور الدين شيخ علي الأردبيلي وسعد الدين مسعود وشهاب الدين أحمد الحوري وغيرهم من التجار المعدودين كلهم قد اتفقوا بذلك ليحصل التفاخر والتسامي فان من تمسك بذيله واعتصم بحبله نال في الدنيا مناه. وفي الآخرة مبتغاه. وقال الدال على الخير كفاعله وفاعله في الجنة. ولا يحتاج المولى إلى المبالغة ومولانا أهل العفو والكرم. ولا يحرمه من جزيل شفقاته. وجميل تعطفاته. وإن يعده من جملة الخدماء المواظبين بالعبودية. ثم الرأي أَولى والأمر أَعلى وسلام على سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين أسأَل الله تعالى أن يصون ساحته الكريمة من نكبات الزمان. ويحرسها من طوارق الحدثان. إنهُ كريم منان. رؤف رحيم ثم سلام على المجلس جلالة ورحمة الله وبركاتهُ وعلى من يخصهم من المواظبين بالعبودية بأجزل التحية والسلام. هذا آخر الكتاب وفي الحاشية أيضاً ما مثاله تحريراً في الثاني من شهر ربيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الثاني لحجة خمس وتسعين وسبعمائة. هذا جملة ما في كتابهم وبالله التوفيق ونعود إلى سياقه الدولة السعيدة الأشرفية أتم الله سعودها ودمر عدوَّها وحسودها. وفي العشر الأواخر من رمضان جاءَت كتب أهل الشحر يخبرون بهزيمة الخائن ابن نور وإنه خرج منها هارباً وقبضها بعده غلام السلطان الشماسي. وفي غرة شوال استمر الأمير شمس الدين علي بن محمد بن حسان والياً في الثغر المحروس. وكان خروجه من زبيد متقدماً إلى عدن في اليوم الثاني من شوال. وفي الخامس من شوال استمر القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد الجلاد في شد الاستيفاء. واستمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي أميراً في المحالب وحمل له السلطان حملاً وعلماً وأقطعه حرَض وجعل إليه النظر في الأعمال السرددية فتقدم إلى الجهات المذكورة آخر يوم الأحد الثامن من شهر شوال. وجرد السلطان معه عسكراً جيداً يستعين بهِ على طوائف المفسدين من عرب الجهات وغيرهم. وفي هذا الشهر المذكور توفي القاضي وجيه الدين عبد الرحمن ابن محمد النظاري رحمة الله عليه يوم السابع من الشهر ودفن في مقبرة باب سهام غربي قرية النويدرة وجنوبي قبر الشيخ الصالح أحمد بن الخير الصياد نفع الله به وحضر دفنه كافة أهل المدينة ووجوه غلمان السلطان الوزير وممن دونه. وكان رحمه الله رجلاً كاملاً لبيباً عاقلاً شهماً جواداً مشاركاً في فنون العلم رحمه الله تعالى. وفي يوم الثامن من شوال تقدَّم السلطان إلى محروسة تعز وقد استمر الأمير سيف الدين قيسون أميراً في الجند عوَضاً عن الأمير فخر الدين ابن السنبلي. وكان دخول السلطان تعز يوم الأحد الخامس عشر من شوال. وفي يوم الاثنين السادس عشر من شوال توفي الفقيه محمد بن شافع. وكان من أصحاب الشيخ الصالح إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي. وكان قد حضر يومئذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 سماعاً للفقراءِ. فلما غنى المغني في السماع دخله شيءُ من الوجد فقام من موضعه وقعد عن المغنى ساعةً ثم رمى بنفسه على المغنى واعتنقه ساعة ثم فترث قواهُ مغشياً عليه فتركوه ساعة ثم كشفوا عن وجهه فوجدوهُ ميتاً. وكان رجلاً خيراً كثير السعي في قضاء حوائج الناس ويحب إدخال السرور عليهم. وكان بيته مأوى لمن أراد من الفقراء وغيرهم من الأصحاب ولم يكن له ولد ولا زوجة. وكان في بيته نحو من ثلاثين سنوراً ما بين ذكر وأنثى وهو يشتري لهم ما يأكلونه ويطعمهم ويهتم بهم رحمة الله تعالى. وكان دفنه يوم الثلاثاء السابع عشر من شوال وقبر عند قبر القاضي وجيه الدين النظاري رحمة الله عليهما. وفي يوم الحادي والعشرين من شوال المذكور توفي أبو بكر السلاسلي وهو رجل من أهل زبيد. وكان قد تنسك وصحب الصوفية وجاهد نفسه وهام حتى ألقى الثياب التي عليه. وكان يسير في المدينة عرياناً لا شيءَ عليه وهو يدور في الشوارع والسكك على تلك الحالة وأن ألبسه أحد ثوباً أو قميصاً فلا يبقى عليه أكثر من يوم واحد ويطرحه ولم يزل كذلك إلى التاريخ المذكور. فلما كان ليلة السبت الحادي والعشرين من الشهر المذكور وصل إلى بيت أختٍ له في المدينة ودق عليهم الباب ففتحوا له الباب فوجدوه وقد ألقى نفسه على الأرض فحملوهُ ودخلوا بهِ البيت فأشار لهم بيده إلى السرير فوضعوهُ عليه فأمسى عندهم ملقىً على ذلك السرير فأصبح ميتاً وقيل مات في أول يومه ذلك فدفن آخر يوم السبت في مقبرة باب القرتب قريباً من الباب وحضر دفنه جمع كثير من أهل زبيد وحضر والي زبيد ورؤساؤُها ولم يكن مرض قبل تلك الليلة والله اعلم رحمه الله تعالى. وفي يوم الأحد تاسع ذي القعدة وصل الأمير شهاب الدين أحمد بن علي بن الشمسي من المخلاف إلى تعز. وفي الخامس عشر من ذي القعدة تقدم علم الحج المنصور إلى مكة المشرفة واستمرَّ الأمير بهاء الدين الشمسي في القحرية والمقصرية في يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة وسافر إلى جهاته المذكورة من زبيد يوم الخميس الثاني من ذي الحجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فأوقع بالمقاصرة فقتل مهم نحواً من عشرين وأسر جماعة آخرين ونهب من أموالهم شيئاً كثيراً. وفي الرابع من شهر ذي الحجة أسلم يهودي في مدينة زبيد وكان إسلامه في المدرسة الأشرفية في حضرة القاضي موفق الدين علي بن أبي بكر الناشري الحاكم يومئذٍ بزبيد فكساه القاضي ثم كساه الأمير عز الدين هبة ابن محمد الفخري وكان يومئذٍ أميراً في زبيد. وفي العشر الوسطى من ذي الحجة غلا البُر في مدينة زبيد خبزاً وحباً ودقيقاً فأقام نحواً من ثمانية أيام ثم جلب بعد ذلك ورخص رخصاً تاماً بحمد الله. وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة توفي القاضي زكي الدين أبو بكر ابن يحيى بن أبي بكر بن أحمد بن موسى بن عجيل بمدينة تعز وقبر في مقبرتها صبح يوم الرابع والعشرين من الشهر المذكور. وكان أوحد زمانهِ فطنةً وذكاءً لا يوجد له نظير. قرأ كثيراً من فنون العلم وبرع في كل فن وأسند إليه السلطان القضاء الأكبر في أقطار المملكة اليمنية. فكانت مدته في القضاء ثلاث سنين وأربعة أشهر وثمانية أيام رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة توفي الفقيه الماجد رضيّ الدين أبو بكر بن عبد الغفار ابن الفقيه أحمد بن أبي المخير الشماخي. وكان رجل الزمان وسيد أهل بيته كلهم وأكثرهم مروءَةً وأرجحهم عقلاً وأكملهم فضلاً. وكان فيه نفع كثير لسائر الناس ومروءَة طائلة رحمة الله. عليه وحضر يوم دفنه خلق كثير الوزير فمن دونه. وكان دفنه يوم الخميس التاسع عشر من شهر صفر رحمه الله تعالى. وفي سنة ست وتسعين أغارت المعازبة يوم الخميس من المحرم إلى نحو الأوشج وكان رجوعهم في اليوم السابع من الشهر فترصد لهم أهل وادي زبد في الطرق التي يعتادون المرور فيها فوقعوا في حد أهل الهرمة وكانوا ثلاثة عشر فارساً. فقتلوا منهم فارساً يقال له موسى بن العلس. وكان كبيراً من كبرائهم ورئيساً من رؤَسائهم وأخذوا فرسه وفرساً آخر ودخلوا يوم الثامن بالرأس والفرسين إلى مدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 زبيد فكساهم المشد ووهب لهم دراهم كثيرة. وفي هذا التاريخ تقدم السلطان من تعز إلى محروسة زبيد فدخلها يوم الأحد الحادي عشر من الشهر المذكور فأقام في قصر بستان الراحة أياماً ثم انتقل إلى قصر دار النصر بالقوز الأعلى. وفي آخر الشهر قتل الأمير شهاب الدين مثقال. وكان والياً في ناحية قرعد فقتله أهل بلده خديعة. وكان أميراً جواداً شهماً حسن السيرة رحمه اله تعالى. وفي سلخ الشهر المذكور قتل إسحق بن محمد بن إسحق الكاتب. وكان قتله في مدينة حَرض قتله جماعة من العسكر وبنو سبأ. وكان رجلاً شريراً بذيء اللسان عفا الله عنه. وفي هذا التاريخ تقدم القاضي شهاب الدين الوزير إلى الكدراء لاستخراج الأموال بها. وفي يوم الثامن عشر من صفر توفيت الجهة الكريمة جهة الطواشي الأجل جمال الدين معتب بن عبد الله الأشرفيّ أم أولاد مولانا السلطان الملك الأشرف طول الله عمره. وكانت وفاتها في القصر من دار النصر ودفنت ضحى يوم الأربعاء التاسع عشر من الشهر المذكور في التربة المعروفة بها هنالك شرقي تربة الشيخ الصالح زين الدين طلحة بن عيسى الهتار. وفي يوم وفاتها وصل الصاحب من الكدراء وحصل في ليلة وفاتها ويوم دفنها مطر عظيم عام في البلاد. واستمرَّت القراءَة عليها سبعة أيام. فلما انقضت السبع رتب السلطان على قبرها مائة قارئ يقرءون ليلاً ونهاراً فأقاموا شهراً وكساهم جميعاً وأجازهم ورتب عشرين قارئاً منهم مؤبدين وبنى لهم عشرين بيتاً هنالك يسكنونها ولحقه عليها حرز عظيم وأسف شديد وعقر على قبرها يوم وفاتها عدة رؤوس من الإبل والبقر وأتلف كثيراً من البهائم. وكانت امرأة كثيرة الخير تفعل المعروف كثيراً على يد غيرها خارجاً عما تتظاهر بفعله من أفعال البر وهي أم أربعة من أولاده الذكور وهم عبد الرحمن الفائز وأحمد الناصر والعباس الأفضل وعلي المجاهد. ولها من المآثر الدينية المدرسة المعتبية في الواسطة من مدينة تعز فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 إمام ومؤَذن وقيم ومدرس وطلبة ومعلم وأيتام يتعلمون القرآن. ولها عدة سبل في مقاطع الطرق يردها السارح والرائح. كانت تأمر بإصلاح الطرق والمدرجات والعقبات ومما يتضرَّر بهِ المارُّون من الشجر وغيره. ورثاها جماعة من الشعراءِ منهم الفقيه موفق الدين علي بن محمد الناشري والفقيه جمال الدين محمد بن علي الراعي والفقيه رضي الدين ابو بكر بن عبد الله الهبيري والفقيه شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقرئ وغيرهم من الأفاضل البلغاءِ ولم يك على ذهني الساعة شيءُ من قصائدهم. وقد اثبت قصيدةً كنت قلتها يومئذٍ وجعلتها من عوز وهي: تعزَّ ولا تجزع لنائبه الدهرِ ... وقابل عظيم الرزءِ بالحمد والصبر ولا تكترث إن بان خطبُ فقد قضى ... بما قد قضى في الخلق ذو الخلق والأمر لمل امرئ كأس من الموتِ مترع ... ولكننا نسري إلى أجل يسري فحمداً على حُلْو القضاءِ ومُرّةِ ... وصبراً فان الصبر من شيمة الحرّ على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة ... وكل بذا يدري وان كان لا يدري فكم من قرونٍ قد مضوا لسبيلهم ... فهم بين أطباق المهامة والقفر وكم أمة خلت بعد أمةٍ ... كما قد خلى في الشهر أمس من الشهر وكم من ملوكٍ قد مضوا وتتابعوا ... كمنتثر السلك العظيم من الدر فعوّضك الرحمن صبراً وعصمةً ... وأجراً على عظم الرزية في القدر ولا زال عفو الله يسقى ضريحها ... يهنون بالبشرى من الله والبشر وكم من مليكٍ حافياً من أمامها ... ومن خلفها يمشي وأدمعهُ تجري لقد أوحشت منها قصور منيعةُ ... وكانت إذا ما أسفرت زينة القصر بكتها السما والأرض يوم وفاتها ... وأمسى سحاب الأفق أدمعه تسري فيا ليلةً ما كان أوحش بتها ... وقد كنت ذا بأسٍ شديدٍ وذا صبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 فحسبي من يوم تقضي وليلة ... وحسبي من صدّ صُددت ومن هجر وسقياً لأيام تقضت عهودها ... ورعياً لعصر قد تقضَّى من العصر فيا أم عباسٍ ويا أم أحمدٍ ... ويا أم عبد الله يادرة النحر لقد طال ليلى بعد ليلتك التي ... تمنيت فيها إنها ليلة الحشر فإن كنت قد غيبت عني فلم يغب ... خيالك عن عيني وذكرك في فكري وما أنت إلا الشطر مني حقيقةً ... وما شطر شيءٍ بالغنىّ عن الشطر وما راقني من بعد وجهك رائقُ ... ولا شافني ما في العيون من السحر ولم يلهني قرب الحبيب الذي دنا ... ولم يشفني طيف الخيالِ الذي يسري على وجهك الميمون حيّاً وميتاً ... سلام يزيد العطر عطراً إلى العطر وما غرَّدَت وُزقُ وما حنَّ راعدُ ... وما لاح برقُ يستطير ويستشري يهوّن جدي فيك إنك في الورى ... من الذاكرين الله في ساعة الذكر وما فيك من نسكٍ وما فيكِ من تقىً ... وما فيكِ من سرٍّ وما فيكِ من بر وعلمي بانَّ الموت لابدَّ واقعُ ... وأنىَ أجزى بالتجلُّدِ والصبر ولاشك عندي ثم لا شك إنما ... تنقلتِ من قصرٍ منيفٍ إلى قصر فلو جاز ان تُفدَى لما غلىَ الفدى ... ولو كان بالأعمار شطراً إلى شطر ولو جازان تحمى حميت من الردى ... بهنديةٍ بيضٍ وأرماحنا السمر ومقربةٍ قبٍّ عتاقٍ شوازبٍ ... وأُسدٍ غطاريفٍ حجاحجةٍ غر بها ليل من غسان من آل جفنةٍ ... فروعهم فرعي ونجرهم نجري ولكن أمر الله للناس غالبُ ... وكلهم تحت الإرادة والقهر قال علي بن الحسن الخزرجي عامله الله ولما كان بعد أسبوع من وفاة الجهة الكريمة توفيت الدار السعيد جهة حافظ بنت مولانا السلطان الملك المجاهد قدس الله سره في الجنة. وأقام السلطان الملك الأشرف بعد وفاة جهته المذكورة شهراً كاملاً في قصره دار النصر لا يدخل ولا يخرج إلا في جوف الليل إلى التربة المرحومة يقرأ ما تيسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 من القرآن ويرجع. فلما كان يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول انتقل السلطان من دار النصر إلى الدار الكبير السلطاني بزبيد. وفي هذا التاريخ تزوَّج السلطان بالجهة الكريمة جهة الطواشي جمال الدين مرجان الأشرفي. وأقام السلطان في مدينة زبيد شهراً كاملاً. وفي آخر الشهر المذكور وصل علم الحج المبارك من مكة المشرفة إلى مدينة زبيد ثم بعد أيام انتقل السلطان إلى الدار الصلاحي فأقام فيه أياماً ثم رجع إلى الدار الكبير لمضي ثمان من شهر ربيع الآخر. فلما كان ليلة السادس عشر من الشهر المذكور أغار السلطان في العسكر المنصور إلى بلد المعازبة. وكانت جواسيسهم لا تبرح في المدينة. فلما عزم السلطان على غزوهم جاءَتهم جواسيسهم بالخبر فارتفعوا هاربين فلم يدرك منهم إلا من لا يؤْبه له فقتل بعضهم وسلم الباقون فنهب العسكر قراهم ومحالهم ولم يكونوا خرجوا إلا بالمواشي فقط فأقام السلطان والعسكر في بلادهم يوماً واحداً ثم رجع إلى المدينة فدخلها يوم السابع عشر من الشهر المذكور عازماً على العود إليهم والمحطة عليهم فأقام في زبيد بقية يوم السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر في إصلاح عدد الحرب وتفقد آلاتها وخرج يوم العشرين في جيش أجيش. جياد تعجز الارسان عنها ... وفرسان تضيق بها الديار بخف أغرّ لا قود عليه ... ولا ديةُ تساق ولا اعتذار فحط في القرية المعروفة ببيت الفقيه ابن عجيل وأرسل الخازندار إلى زبيد وأمره بحمل مائة ألف دينار من المال وما أَمكنه من الدروع والكازغندات إلى زبيد والخوذ. فتقدم الخازندار إلى زبيد مبادراً وحمل جميع ما طلب منه. فلما وصله الخازندار سار من بيت الفقيه بن عجيل في جملة عساكره المنصورة. وكانت الخيل يومئذٍ ستمائة لابس والرجل ألف وثمانمائة قوس خارجاً عن أصحاب التراس من الجلادة فحط على عبيد الخنكة. وكانت محطته في القرية المعروفة ببيت العقار فهرب العبيد عن بلادهم فنبههم العسكر نهباً شديداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فلما كان يوم الثالث من يوم وصوله إليهم ركب في العسكر المنصور وسار معه بحملين من الطبلخانة والمزمار وراية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورايته المنصورة فدخل بلاد العبيد وقد كانوا أرسلوا عيوناً لهم فلما سمعوا بركوب السلطان والعسكر ارتحلوا بنسائهم وأولادهم ودوابهم ولم يصبح في الهيجة منهم أحد. فنهب العسكر محلتهم ورجع السلطان أى محطة المنصورة. وفي مدة وقوف السلطان في المحطة المذكورة وصل مشايخ الرماة إلى باب السلطان وأَحضروا ما عندهم من الخيل. وكانت خيلهم يومئذٍ ثلاثة عشر ووصل مشايخ الزيديين بالخيل التي معهم فعوضهم السلطان غيرها وأمر بأن يكتب لهم منشور كريم بتخفيف قطيعة الضاحي ورجعوا إلى محلتهم مسرورين فلما طال وقوف السلطان في المحطة أرسل العبيد بالخيل التي معهم جميعها وجملتها إحدى وعشرون رأْساً. وكان جملة وقوف السلطان في بيت العقار اثني عشر يوماً. وفي آخر الشهر المذكور أَوقع الأمير بهاء الدين الشمسي بالمقاصرة فقتل منهم نحواً من ثلاثين نفراً واخذ رؤوسهم وأرسل بها إلى السلطان فجاءَته وهو في المحطة المذكورة. وفي غرة شهر جمادى الأولى انتقل السلطان من المحطة المذكورة إلى مدينة الكدراء. ثم تقدم إلى المهج فلقيه الأمير بهاء الدين الشمسي وعجلان بن الهليس وأخوه عيسى ونور الدين الصنعاني. وكانت الذبائح والفرش الحرير من العرج عرج حنيش إلى المهجم فأقام السلطان في المهجم نحواً من عشرة أيام وانفق على العسكر نحواً من خمسين ألف دينار. وأحضر الشمسي خيل عرب السرددية وبنى حفيص وبني عبيدة وأهل الدويرة وبني زيد نحواً من أربعين رأْساً وودي أهل الغنيمة ستة رؤوس. ثم انتقل السلطان إلى المحالب فلقيه القاضي وجيه الدين عبد الرحمن ابن محمد العلوي والأمير سيفد الدين قيسون ودخل السلطان إلى المحالب في جيش عظيم. وحمل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي من الضيافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 ما حمله. وحمل مع الضيافة ثلاثة عشر ألف دينار وقاد من جياد الخيل حينئذٍ اثنين وعشرين رأْساً ومن الثياب الفاخرة بألفي دينار. ووصل عسكر حرض وصحبتهم من الخيل الجياد عشرون رأْساً وأمر السلطان على الوزير بالركوب إلى بلد القائد وإحضاره فركب إلى المنصورة ووصل بالقائد أبي بكر بن أحمد بن علي ووصل معه أخوه وعمه فدخلوا على السلطان فأذمَّ عليهم وآنسهم من نفسه الشريفة وخلع عليهم وتقررت أحوالهم ورجعوا إلى بلادهم على ذمة السلطان فأرسل القائد أبو بكر بثلاثين رأْساً من الخيل. ثم إن السلطان ركب يوماً إلى بلد القائد في عساكره فارتاع القائد لذلك فأمر أصحابه بالشد فشدوا وركبوا. فعلم السلطان بجمعهم فقصدهم فواجهه القائد فقبض عليه. ودخل السلطان المنصورة وصاحت صوائحه بالأمان فلم يمد أحد يده إلى شيء أبداً فوقف السلطان في المنصورة إلى آخر النهار. ورجع إلى المحالب بالقائد معه تحت الاعتقال وطلب منه الخيل فاحضر من الخيل مائة واثني عشر رأْساً وأحصر ستة وعشرين درعاً وأطلقه السلطان وقدم التزم ببقية ما عنده من الخيل. وبرز أمر السلطان بطلب خيول عرب الجهة فأحضر الصميون تسعة وعشرين رأساً. وأتى شيخ الواعظات بستة عشر رأْساً. وأرسل صاحب جازان بستة رؤوس من الخيل. وفي مدة إقامة السلطان في المحالب استمر القاضي جمال الدين محمد بن عمر بن شكيل مشدّاً. وفي يوم الخامس عشر من جمادى الأولى توفي الأمير عز الدين هبة بن أبي بكر الفخر بن يوسف بن منصور. وكان يومئذٍ اميراً في زبيد ودفن يوم السادس عشر من الشهر المذكور. ولما علم السلطان بوفاته أمر ابن عمه نجم الدين محمد بن إبراهيم بن محمد الشرف بن يوسف بن منصور فسار سيرة ابن عمه. وفي آخر يوم السادس والعشرين من الشهر المذكور أغار القرشيون من وادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 رمع على المعازبة بني بشير إلى نخل المدني. وقد كان الخبر أتى إلى القرشيين بأن المعازبة هربوا ولم يكن ذلك صحيحاً بل كانوا في أَتم ما يكون من الجمع. فلما أتاهم العلم بغارة القرشيين إليهم خرجوا فاهتزم القرشيون آخر النهار فقتل منهم نحو من اثني عشر رجلاً واقتلعوا منهم أربعة أفراس وعقروا فرسين وأخذوا أربع رواحل. وفي سلخ جمادى الأولى أغار المعازبة على فشال في جمع عظيم فسكرهم أهل فشال وطردهم وأخذوا لهم بحريين وجرحوا منهم جماعة. وفي يوم الجمعة غرة جمادى الآخرة قتل الشيخ النهاري بن عيسى الأشعري شيخ بني الدريهم قتله أولاد علي بن العجمي بأبيهم وقتل معه الشيخ علي بن جهيض الأشعري أيضاً قتله جماعة من المالكيين في رجل قتل منهم قتله جماعة من عبيد الأشاعر. وفي مدة إقامة السلطان في المحالب برز أمره العالي بكتب منشور بتنفيس القطيعة لأهل الضاحي ورغب للناس. وركب يوماً في عسكره المنصور إلى حدود حصن منائر فنهب العسكر أهل تلك الناحية نهباً شديداً وحرقوا بعض القرى. ورجع السلطان آخر يومه ذلك إلى المحالب. وكان مدة إقامته في المحالب شهراً وثلاثة أيام. ثم رجع السلطان من المحالب إلى الأعمال السرددية. وكان دخوله بيت حسين يوم الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة فأمسى بها ليلة واحدة وسار إلى المهجم فدخلها يوم الثالث والعشرين من الشهر المذكور فأقام فيها ثلاثة أيام وكتب للرعية منشوراً بتخفيف القطيعة وأضاف الجهة إلى الأمير بهاء الدين الشمسي ثم سار يريد زبيد فدخلها يوم الخميس الثامن والعشرين من الشهر في عسكر ضخم نحو من خمسمائة لابس ومن الرجل نحو من ثلاثة آلاف راجل وأمامه الخيل التي قبضها من العرب المفسدين وهي مائتان وستة وتسعون رأْساً وكان قد هلك منها شيءُ في الطريق فدخل مدينة زبيد في التاريخ المذكور دخولاً حسناً وكان يوماً مشهوداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وفي غرة شهر رجب وهو يوم السبت كان أول سبوت النخل فأقام السلطان في دار السرور يوم السبت ويوم الأحد ويوم الاثنين ثم انتقل إلى دار النصر فأقام فيه الثلاثاء والأربعاء ودخل زبيد يوم الخميس وصلى الجمعة في جامع زبيد يوم السابع من الشهر المذكور. وكان السبت الثاني كذلك وصل الجمعة يوم الرابع عشر في جامع زبيد. ووصل يوم العشرين من رجب كتاب من مكة المشرَّفة يخبر عن تمرلنك الملك التركي بما وصل إليهم من الأخبار فذكروا إن تمرلنك جاءَت أوائل عسكره إلى بغداد في يوم السابع عشر من شوال سنة خمس وتسعين فلما وصلت أوائل عسكره كما ذكرنا انشمر صاحب بغداد ابن أويس وحمل جميع ما يقدر على حمله ممات قد ادخره وخرج في ألفي فارس إلى مصر. فلما كان يوم العشرين من شوال المذكور وصل الملك تمرلنك في عساكره وجيوشه إلى بغداد فنهبها وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وأقام فيها أربعة أشهر من عشرين من شوال إلى بعد النصف من صفر سنة ست وتسعين وخرج من بغداد في أواخر صفر بعد أَن ترك فيها أميراً وترك معه خمسة آلاف فارس. وكان عسكره عسكراً عظيماً يسير الراجل في محطته اثني عشر يوماً وغالبهم كفار وذكروا ان فيهم ثلاثين ألفاً يأكلون الناس وإنهم إذا أقبل الليل يجعلون في حظيرة ويبيت عليهم من يحرسهم لئلا يخرجوا إلى أحد من الناس فيؤْذونهم. ولما رجع الملك تمرلنك من بغداد كما ذكرنا سار نحو الشام. فيقال إنه قصد هادرين والسوس واستباح أهلها والله أعلم. وأما ما كان من أبن أويس لما قصد مصر خرج إليه برقوق وتلقاه وأكرمه وأنصفه. وكان وصوله في شهر ربيع الآخر وخرج برقوق من مصر في عساكر عظيمة لا تحصى. وذلك إنه لم يترك في مصر أَميراً ولا جنديّاً ولا فقيهاً ولا متنسكاً إلا سار معه. وسار معه جميع عرب الشام بني مهنا وغيرهم وسار معه بالحرافيش وسار معه ابن أويس وساروا جميعاً إلى الشام وأرسلوا إلى صاحب الروم ان يواجههم ويرجوا أن الله ينصرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وذكر صاحب الكتاب الواصل من مكة المشرفة إنه وصلهم كتاب من المدينة الشريفة من بعض المجاورين بها إلى بعض المجاورين بمكة فذكر فيه إن نائب حلب بلغه إن الملك تمرلنك أرسل مقدمةً من عسكره ثلاثين ألفاً إلى الشام. سمع بهم نائب حلب فجهز عسكره ومن قدر عليه من عرب الشام بني مهنا وغيرهم ثم ساروا جميعاً إليهم فلما التقوا انهزم أصحاب تمرلنك وقتل منهم مقتلة عظيمة ورجعوا إليه مكسورين وأَرسل الله عليهم الفناء فهلك كثير منهم. وفي هذا التاريخ وهو آخر سنة ست وتسعين وسبعمائة لم يصل إلينا علم برقوق ومن انضم إليه من جموع الشام والروم والعراق وغيرهم وسيأتي خبرهم إن شاءَ الله تعالى. وفي يوم السبت الثاني والعشرين من رجب من هذه السنة توفي مولانا الملك الفائز ابن مولانا السلطان الملك الأشرف وهو أكبر أولاده وكان عاقلاً ذا أناة وسكينة رحمه الله تعالى ودفن عند والدته في التربة المذكورة وحضر دفنه كافة أهل زبيد على اختلاف حالاتهم وسائر العسكر وعقر على قبره عدة من ذوات الأربع. وكانت القراءة عليه سبعة أيام آخرها سلخ شهر رجب المذكور. وفي يوم الاثنين غرة شعبان نزل السلطان النخل فأقام فيه كجاري عادته وفي يوم الخميس الحادي عشر من شعبان استمر القاضي وجيه الدين عبد الرحمن ابن محمد العلوي في شد الاستيفاء وشد الحلال ووقف شد الخاص مع القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد الجلاد. وتقدم السلطان إلى البحر يوم السادس عشر. وتقدم القاضي شهاب الدين الوزير إلى زبيد يوم الأربعاء السابع عشر من الشهر المذكور فأقام فيها ثلاثة أيام ثم سافر آخر نهار الجمعة التاسع عشر إلى الجهات الشامية فكانت إقامته في المحالب فعمَّر الدار الذي هنالك وعمرت به الجهة بأَسرها. وفي يوم العشرين طلع السلطان من البحر إلى النخل ثم طلع إلى زبيد يوم الحادي والعشرين وتقدم إلى تعز يوم الأربعاء الرابع والعشرين. وكان دخوله يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الأحد الثامن والعشرين من شهر شعبان المذكور وتهيأَ للصيام وأَخلى محلة دار النصر لحضور الفقهاء والقضاة والأمراء والوزراء ومن يعتاد حضور مجلسه للتشفية في شهر رمضان كما جرت العادة حفظه الله. وكان الحاضرون مجلسه الشريف في شهر رمضان يتنازعون في تفضيل الرطب والعنب أَيهما أَفضل من صاحبه فحصل الإجماع بتفضيل الرطب على العنب. وكان القائل بتفضيل الرطب على العنب فقهاء تهامة وأمراؤها. وكان القائلون بتفضيل العنب على الرطب فقهاء الجبال وأمراؤها وقد أسند أهل الجبال أمرهم إلى الفقيه صفي الدين أحمد بن موسى التعزي الشافعي وكان فقيهاً عارفاً مدققاً بحاثاً محجاجاً. وأسند أهل تهامة أمرهم إلى الفقيه شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر عبد الله المقري الحسيني. وكان يتوقد ذكاءً وكان حاضر هذه الواقعة حاكم الشرع الشريف القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله الناشري وكان أكمل أهل زمانه لا يوجد له نظير في أبناء جنسه أَحق الناس بقول أبي الطيب المتنبي حيث يقول قاض إذا التبس الأمران عنَّ له ... أمرُ يفرّق بين الماء واللبن القائل الصدق فيه ما يضرُّ بهِ ... والواحد الحالتين السرّ والعلن وفي يوم الأربعاء التاسع من شهر رمضان أَسلمت امرأَة من اليهود ودانت بدين الحق وتبرأَت من كل دين خالف دين الإسلام. وكان زوجها من الإسرائيليين فالزمه حاكم الشريعة المطهرة بتسليم صداقها الذي تستحقه عليه فسلمه في مجلس الحكم وفرَّق الحاكم بينهما فرقة لا اجتماع بعدها إلا أن يسلم هو والله على ما يشاءُ قدير. وفي هذا التاريخ تقدم الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي أميراً في أبين وانفصل عنها الأمير بهاء الدين بهادر اللطيفي. وفي اليوم الرابع والعشرين وصل الفقيه الإمام العلامة القاضي الأجل مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من الثغر المحروس مطلوباً إلى الأبواب الكريمة. فلما وصل إلى الباب الكريم أكرمه السلطان وأنصفه وأنزله منزلة تليق بحاله وحمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 إليه للفور أربعة آلاف درهم جدد برسم الضيافة. وكان قد أرسل له إلى عدن بمصروف أربعة آلاف درهم يتزوَّدها ويتجهز بها للوصول إليه ولم يزل مقيماً عنده على الإعزاز والإكرام. وانتفع به الناس انتفاعاً عاماً وكان في عصره شيخ الحديث والنحو واللغة والتاريخ والفقه ومشاركاً فيما سوى ذلك مشاركة جيدة. وله مصنفات مفيدة وشرح الجامع الصحيح للبخاري شرحاً ممتعاً. وكان صيام السلطان رمضان هذه السنة في محروسة ثعبات المعمورة. ووصل الأمير بهاء الدين بهادر اللطيفي من مدينة أَبين إلى باب السلطان. وكان وصوله يوم السادس والعشرين من الشهر المذكور. وفي يوم السابع والعشرين وصل الشريف شمس الدين علي بن القاسم صاحب جهران في نحو من ثلاثين فارساً يريدون الخدمة على الباب السلطاني فأكرمهم السلطان وأَنصفهم كما جرت عادته رحمه الله تعالى. وعيَّد السلطان عيد الفطر في ثعبات المعمورة. وركب ولده الملك الناصر في جملة العسكر المنصور نائباً عن والده فصلى في مصلى العيد بعد أَن عبر العسكر في الميدان السعيد على جاري عادتهم وكان يوماً مشهوداً. وفي شهر رمضان المذكور أَمر السلطان رحمه الله تعالى أن يندب جماعة من القراء يشفعون في التربة المباركة تربة موالينا جهة معتب تغمدهم الله برحمته وأَمر أن يعمل في كل ليلة من الشهر سماط نفيس يحضر عليه القراء والمرتبون على التربة المذكورة وعلى تربة مولانا الملك الفائز وكانوا أربعة وعشرين قارئاً وكسا الجميع منهم لكل نفر منهم نصف مقطع بياض وثوب خام وأمر لكل نفر منهم أربعين درهماً وربع مد طعام وربع مد من التمر وترك ثلاثين رأساً من البقر يكون ما تحصل من لبنها للمذكورين ومن ينخرط في سلكهم من المأذنة والسرادالية وغيرهم. وفي يوم التاسع عشر من شهر شوال حصل في مدينة تعز ونواحيها مطر ورعد وبرق فاصاب البرق جماعة مات منهم أربعة نف في ساعة واحدة حتى قيل أن أحدهم كان في تلك الساعة يؤَذن فأصابه البرق وهو في أثناء الأذان فلم يتم كلمته التي هو فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وفي يوم التاسع والعشرين تقدم علم الحج إلى مكة المشرَّفة من مدينة زبيد وفي هذا التاريخ استمرَّ الأمير بهاءُ الدين بهادر اللطيفي مقطعاً في حرَض وكان تقدمه إليها في غرة ذي القعدة. وفي يوم العشرين من ذي القعدة ركب القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد من مدينة المحالب يطلب من القائد القطعة التي عليه فامتنع عن تسليم ما يتوجه عليه وخرج في عسكره مواجهاً للوزير فأمر الوزير العسكر بقتاله فانهزم هزيمة شنيعة ودخلت بلاده التي هو فيها التي تسمى المنصورة ونهبها العسكر نهباً شديداً وما ترك للقائد ولا لغيره شيء وأخذت بقية دوابه التي في إصطبله وأصابته جراحه مؤلمة وهرب عن البلاد وتركها فأمر الوزير في بلاده بعض اخوته وقرر أحوال الناس فأقام فيها أياماً. ووصل كتاب القائد بتسليم ما يجب عليه وطلب ذمة عليه وعلى كافة أهل بلده فأُجيب إلى ذلك ورجع إلى بلاده فأقام فيها. وفي يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة أَغار القرشيون والأشاعر بوادي رمع على المعازبة وقتلوا منهم نحواَ من ثلاثين رجلاً كما أخبرني رجل منهم. وكان جملة من احتزَّ من المعازبة في هذه الغزوة ستة عشر رأساً وطلعوا بها إلى السلطان فكساهم وأنعم عليهم. وفي يوم الحادي عشر من ذي الحجة أَغارت المعازبة على أموال أهل الوادي زبيد في ناحية الحازة فنهبوا منها شيئاً كثيراً من البقر وسائر المواشي وكان الناس مشغولين فأغارت الأشاعر والعسكر المنصور من فشال على المعازبة عقيب غارتهم على وادي زبيد فنهبوا لهم مالاً جزيلاً وخرجت المعازبة في طلبهم فعجزوا عن استنقاذ المال. وفي العشر الأواخر من ذي الحجة برز مرسوم السلطان بطلب الوزير من المحالب طلباً حثيثاً. فكان تقدمه من المحالب يوم السابع والعشرين من ذي الحجة وترك أخوته في المحالب وهو الشرف أبو القاسم بن عمر معيبد وترك الآخر في المهجم وهو إسماعيل بن عمر معيبد. وكان وصوله إلى زبيد يوم الاثنين آخر يوم من ذي الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وفي هذه السنة المذكورة حصل في قرية موزع ونواحيها رجفات متتابعة نحوا من أربعين رجفة في يوم واحد وذلك في جمادى الأولى أو الأخرى. أخبرني بذلك الفقيه أبو بكر بن سليمان الأصابي عن مشاهدة لا عن رواية غيره والله أعلم. وفي سنة سبع وتسعين وسبعمائة تقدم الوزير من محروسة زبيد إلى باب السلطان مصحوب السلامة فقابله السلطان بالقبول فأمر السلطان على كافة العسكر أن يخرجوا في لقائه وخرج في لقائه أيضاً مولانا الملك الناصر إكراماً له وإعظاماً. فلما وصل إلى الباب الشريف قابله السلطان مقابلة جيدة وكساه كسوة سنية وقاد له بغلة بزنار وأعطاه خمسة آلاف دينار. وعزم السلطان على النزول إلى تهامة فكان خروجه من تعز يوم العاشر من المحرم ودخوله زبيد يوم الاثنين الرابع عشر منه. فلما استقر السلطان في زبيد أَمر الوزير بالتقدم لجباية الأموال بالجهات الشامية فبينما هو يتجهز لذلك إذ وصل العلم بقتل الأمير بهاء الدين اللطيفي وكان الذي قتله أهل الجثا في حدود حرض. وكان قتله ليلة الأربعاء السادس عشر من المحرم ووصل علم قتله إلى زبيد يوم السبت التاسع عشر فتقدم الوزير يوم الأحد العشرين من الشهر المذكور. واستر عوضه الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهارد النسبلي واستمر الأمير علم الدين سنجر في القحمة عوضاً عن ابن السنبلي. وأقام الوزير في الكدراء أياماً يقرر أحوال الرعية هنالك. ثم أرسل في يوم من الأيام جماعة من الديوان إلى بعض جهات الرماة فامتنعوا عن الوصول وبطشوا بالديوان فرجع الديوان واخبروا بامتناعهم فامر الوزير جماعة من العسكر بالغارة عليهم فخرجوا نحوهم وكان مقدمهم الأمير سيف الدين قيسون وتبعه الأمير فخر الدين أبو بكر السنبلي فأوقعوا بالعرب فقتلوا منهم بعضاً وثلاثين رجلاً من مشاهيرهم ونبهوهم نهباً شديداً لأن العسكر بغتتهم وهم على غير أهبة واحتز من القتلى نحو من سبعة عشر أو ثمانية عشر رأساً وأسر مهم أربعة أنفار من أكابرهم. ثم وصلت رسلهم إلى الوزير يطلبون الذمة ويتحرجون عما يجب عليهم من الواجبات السلطانية فأجاب الوزير إلى ذلك وأطلق الأسارى وكساهم وحلفهم على حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الطاعة وترك العصيان. فلما كان السبت الرابع من صفر أمر السلطان على العسكر أن يتهيئوا للغزو إلى بلد المعازبة وأرسل إلى الوزير يأمره بان يلقاه بمن معه من العسكر صبح الأحد الخامس من الشهر المذكور فخرج السلطان من زبيد آخر يوم السبت ولم يعلم بخروجه أحد من العرب. وخرج الوزير بمن معه من العسكر. وكانت المعازبة قد انتقلت من مواضعهم خوفاً من السلطان ودخلوا في بلاد الحجنبة وبنى عباس في موضع آخر يسمى الردم بفتح الدال المهملتين فوصلهم الوزير أولاً فقاتلوه قتالاً شديداً وهربوا بأموالهم إلى الناحية التي أتاهم فيها السلطان وفي ظنهم أن السلطان لا يغير إلى ذلك الموضع لبعده عنه فما عملوا حتى أشرقت عيلهم العساكر فنبهوا أموالهم بأسرها واشتد القتال ساعة جيدة فقتل من العرب ساعة القتال طائفة وكثر فيهم النشاب فانهزموا بعد ما كثر فيهم القتال. وفشت الجراح فيهم فيقال إن الذين قتلوا في ذلك اليوم أكثر من مائة بشيء كثير وقتل بعض أولادهم وبعض نسائهم من النشاب وانتهبوا نهباً شديداً وكانت الواقعة يوم الأحد الخامس من شهر صفر من السنة المذكورة ورجع السلطان إلى زبيد يوم الاثنين السادس من الشهر. ورجع الوزير في خدمة الركاب العالي إلى زبيد. ثم رجع الوزير نحو الجهات الشامية. كان تقدمه ليلة الأربعاء الثامن من صفر فأقام في الكدراء أياماً ثم خرج مسيراً إلى وادي سهام فاخبر عن المقاصرة إن منهم جمعاً كبيراً منتشرين في الوادي سهام فقصدهم الوزير فلزم منهم جماعة ودخل بهم الكدراء فأمر بقتل من عرف بالفساد منهم فكانوا ستة عشر رجلاً وأرسل برؤوسهم وبقية الملزمين إلى باب السلطان بزبيد وأرسل صحبتهم بخزانة جيدة وكان ذلك كله في العشر الأواخر من صفر من السنة المذكورة. وفي شهر صفر المذكور استمر الأمير فخر الدين أبو بكر بن بهادر العدني أميراً في الثغر المحروس عوضاً عن الأمير شمس الدين علي بن محمد بن حسان، واستمر ابن حسان المذكور ناظراً به عوضاً عن الجمال الشتيري وتقدم الجمال الشتيري إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الشحر ناظراً هنالك. وفي آخر يوم الأربعاء سلخ صفر المذكور خرج السلطان غازياً من زبيد إلى بلد المعازبة فقتل مهم أربعة رجلاً فنهب العسكر أموالهم نهباً شديداً. وأقام السلطان والعسكر في بلادهم يوم الخميس غرة ربيع الأول ويوم الجمعة. ورجع إلى زبيد يوم السبت الثالث من شهر ربيع المذكور مؤيداً منصوراً. ووصل معه الأمير بهاء الدين الشمسي وكان دخوله زبيد في عسكر جيدٍ من الخيل والرجل. وفي غرة شهر ربيع الآخر توفي الفقيه شهاب الدين أحمد بن الفقيه وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن الخير بن منصور الشماخي. كان فقيهاً عارفاً متفنناً وحضر دفنه والقراءة عليه جمع كثير من أهل زبيد وغيرهم وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً. وفي ليلة الأربعاء السابع من شهر ربيع الآخر توفي الشيخ معروف ابن الشيخ الجليل إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي وقبر في تربة باب سهام الغربية مما يلي المدينة. وفي ذلك اليوم تقدم الركاب العالي إلى سرياقوس وتبعه كافة العسكر. وفي ذلك اليوم بنيت القنطرة الشرقية التي هي قبلي بستان الراحة لطريق الزربية والمرشدية ولم يك قبل ذلك هنالك قنطرة. وكان الذي أمر ببنائها القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم وكان مشداً بوادي زبيد يومئذٍ. وكان رجوع السلطان من سرياقوس يوم الأحد الحادي عشر من الشهر المذكور لصيد حمير الوحش فاصطاد منها في يوم الاثنين السادس والعشرين ستة رؤوس وقيل سبعة وأَقام هنالك يوم الثلاثاء ودخل زبيد يوم الأربعاء الثامن والعشرين. وفي يوم السبت غرة شهر ربيع الآخر أغار سنجر على المعازبة فقتل منهم جماعة فيهم رجل يقال له إبراهيم بن مذكور وكان من شياطينهم واحتز من القتلى رؤوس وأرسل بهم إلى زبيد. وأغار الأمير بدر الدين محمد بن علي بن الشمس على المعازبة يوم الثلاثاء الرابع من الشهر المذكور فنهب العسكر أموالهم واستمروا راجعين بما قد نهبوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 واجتمعت خيول العرب وخرجوا في آثارهم وقد افترق العسكر فأدركوا الأمير بدر الدين في جماعة من الخيل والرجل فغشيهم العدو من كل جانب فقاتل الأمير ومن معه قتالاً شديداً حتى كلَّت الخيل ولم يعطف عليه أحد من العسكر فوقف به فرسه فقتل وقتل معه حمزة بن الأنف وعلي بن محمد بن الأنف ومملوك من العسكر وأْحد عشر رجلاً من الرجل في التاريخ المذكور فجرد السلطان حينئذٍ الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي في عسكر من الباب فأقاموا في فشال. واستمرَّ الأمير بدر الدين محمد بن علي الريمي في فشال في التاريخ المذكور. وفي يوم الخميس الخامس من شهر جمادى الأولى وصل القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد العلوي بخزانة جيدة من لحج وأَبين. وكان السلطان قد ندبه لجباية الأموال في تلك الناحية. وفي ليلة الثلاثاء العاشر من جمادى الأولى كانت ولادة الملك الصالح حسن بن مولانا السلطان الملك الأشرف ووصل القاضي شهاب الدين الوزير من الجهات الشامية يوم السادس عشر. ووصل صحبته بخزانة جيدة ووصل بنيف وأربعين رأساً من الخيل. وفي هذا التاريخ أغار الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي من فشال إلى بلد المعازبة فقتل منهم جماعة احتز منهم تسعة. ووصل بالرؤوس إلى باب السلطان في التاريخ المذكور. وفي يوم العشرين من الشهر المذكور تقدم السلطان إلى سرياقوس فاصطاد ستة من حمير الوحش أيضاً ورجع يوم الحادي والعشرين إلى زبيد فأقام إلى يوم الخميس الثالث من جمادى الآخرة ثم تقدم إلى النخل ثم إلى البحر وأقام هنالك إلى يوم الأحد السادس من الشهر. ثم ارتفع عن البحر فكان دخوله زبيد يوم الاثنين السابع من الشهر المذكور فأقام في زبيد الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت وتقدم يوم الأحد لمباشرة أملاكه السعيدة في جهات الوادي زبيد في شريج المنقار وأبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الروم وغيرهما وأمسى في النخل ثم دخل زبيد يوم الاثنين الرابع عشر من الشهر المذكور. وفي يوم الخامس عشر من الشهر المذكور أمر الشيخ إسماعيل ابن إبراهيم الجبرتي برجل من فقرائه فضرب بالسياط وأخرج عن مدينة زبيد بسبب أوجب ذلك. وفي يوم السادس عشر من الشهر المذكور أمر الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي بضرب الشيخ صالح المكي فضرب بالسياط ضرباً مبرحاً. ثم إن الشيخ إسماعيل استأذن السلطان في إخراجه من اليمن فأجابه إلى ذلك وصرف أَمره إلى أمير البلد فأرسل به الوالي إلى البحر وأمر نوابه أن يسافروا به إلى بر العجم. فلما صاروا به في البحر وكان يوماً شديد الرياح صرفتهم الرياح عن مقصدهم وألقتهم في ساحل الحديدة: ساحل من سواحل الوادي سهام. فأقام هنالك متستراً. وفي يوم العشرين من الشهر المذكور أمر السلطان بعمارة الدار المسمى دار الذهب بزبيد وهو الركن اليماني من الدار السلطاني. واهتم به السلطان اهتماماً شديداً ففرغ في أقرب مدة. وفي شهر رجب أصلحت المعازبة جميعاً وردوا ما عندهم من الخيل ووصل بهم الأمير سيف الدين سنجر صاحب القحمة في يوم السبت الثالث من رجب ووصل في عسكر جيدٍ من الخيل والرجل ووصل صحبته تسعة عشر رأْساً من الخيل. وكان ذلك اليوم أَول سبت من السبوت المعتادة. وفي يوم السبت الرابع والعشرين من رجب وصل الأمير الكبير الشريف صلاح بن علي بن مظهر بن محمد بن مطهر بن يحيى إلى الأبواب السلطانية وسلم لمولانا السلطان حصن ذروان فكساه السلطان وأنعم عليه وأعطاه أربعين ألف درهم. ونزل السلطان النخل يوم الثاني من شعبان. وقد عمرت الدورات والعراريش والإصطبلات وجعل السلطان لحوية باب الدار أربعة أبواب شرقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وغربي وشمالي وجنوبي فاحتوت الحوية على آلات السلطان كلها من الخيل والبغال والحمير والأفيال وسائر البيوتات كالخزانة والفرشخانة والطشتخانة والشربخانة والركبخانة والطبلخانة فازدان بها الموضع وحسن حسناً تاماً. وفي يوم السبت التاسع من شعبان توفي الفقيه الإمام وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخير الشماخي. وكان دفنه يوم الأحد العاشر من الشهر المذكور وحضر دفنه عالم كبير. وكان شيخ الحديث في مدينة زبيد رحمه الله تعالى. وفي يوم الأحد العاشر من الشهر المذكور تقدم السلطان إلى البحر فأقام هنالك في نزهته وفرجته إلى آخر يوم الثلاثاء التاسع عشر من الشهر المذكور ثم ارتفع إلى النخل فأقام فيه إلى يوم الأربعاء. وكان دخوله زبيد يوم الخميس الحادي والعشرين فأقام في الدار الجديد يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت وتقدم إلى محروسة تعز يوم الأحد الرابع والعشرين فدخلها يوم الخميس الثامن والعشرين من الشهر المذكور. وصام السلطان رمضان هذه السنة المذكورة في تعز المحروس. وكانت إقامته في دار الوعد. وفي يوم الجمعة السادس من شهر رمضان توفي القاضي جمال الدين محمد ابن علي الجنيد. وكان فقيهاً فاضلاً حسن السيرة ولاه السلطان القضاءَ في مدينة تعز. فكان مشكور الثناء حسن السيرة محبوباً عند سائر الناس. ثم فصله السلطان فأقام أياماً ثم ولاه السلطان القضاءَ في مدينة عدن فأقام هنالك مدة ثم انفصل وأَراد السلطان أن يوليه القضاءَ الأكبر فاخترمته المنية قبل ذلك التاريخ المذكور رحمه الله تعالى. وفي اليوم الحادي عشر من الشهر المذكور وصل الأمير عماد الدين يحيى بن أحمد الشريف الحميري إلى باب السلطان فقابله السلطان بالقبول وصام الناس رمضان هذه السنة تسعة وعشرين يوماً وعيَّد السلطان عيد الفطر في دار الوعد. فلما انقضت أيام العيد هذه تقدم الأمير بدر الدين محمد بن زياد الكاملي إلى الثغر المحروس وسار صحبته بخيل الموسم. وكان تقدمه من تعز يوم الخميس الرابع من شهر شوال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وفي ليلة الرابع أو الخامس جرَّد الوزير عسكراً من المحالب لحصن منابر وأمرهم أن تكون محطتهم في قلعة حسن. فلما اصبح تبعهم في عسكر جيد من الخيل والرجل فأحاط بالحصن من سائر جهاته وحصره العسكر حصراً شديداً. فلما كان يوم الثلاثاء أذعن أصحاب الحصن وبذلوا تسليمه وسألوا ذمة شاملة من الوزير فأَذم عليهم. فلما وصلوا إليه كساهم وأحسن إليهم فنزلوا بأولادهم ونسائهم وأثاثهم. وكان في الحصن طعام مشحون أرادوا أن ينزلوا به فاشتراه الوزير منهم وقبض الحصن ورتب فيه عسكراً يحفظونه. وفي يوم الخميس الحادي عشر من شوال تقدم السلطان إلى الجوة فأقام هنالك إلى يوم الخميس الثامن عشر من شوال. ثم طلع الدملؤة يوم الجمعة التاسع عشر منه. وفي أثناء إقامته في الجوة وصل العلم بان الجحافل أغاروا هنالك فخرج إليهم الأمير بدر الدين محمد بن زياد في العسكر السلطاني الذي نزل معه فقتل منهم جماعة حزمن رؤوسهم أربعة وأسر أربعة واستقلع خمس رؤوس من الخيل. وأقام السلطان في حدود الدملؤَة إلى آخر الشهر. وفي آخر الشهر المذكور قتل علي بن القائد وأُسر أخوهُ عبد الله. وكان السبب في ذلك لما تقدم الوزير إلى المحالب لاستخراج الأموال بالجهات الشامية هرب جماعة من الصميين إلى بلد القائد بما عليهم من الواجبات السلطانية فكتب الوزير إلى أبي بكر القائد وأخيه علي ابن القائد أن يمنعوا من أَتاهم من رعية السلطان ولا يؤووهم. فلما وصل كتاب الوزير إليهم طرد أبو بكر من كان معه من الرعية المذكورين فآواهم على أخوه فكتب إليه الوزير يتوعده فأرسل إلى أخيه أبي بكر يعلمه إنه واصل إليه خائف من الوزير. ثم انتقل إلى ناحية أخيه فما أعلم أخوه أبو بكر حتى قد صار عليّ معه في القرية على حين غفلة فأَحاط هو وعسكره بدار أخيه أبي بكر وحالوا بينه وبين عسكره ثم هجم على أخيه فأخذه برقبته واستولى على بلاده وبلاد أخيه وكتب إلى الوزير يعلمه إنه قد أَخذ البلاد وأَن أخاه قد صار معه تحت الاعتقال فأمر الوزير أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 يرسل به إليه فعزم على ذلك فدخل عليه بعض أهله وأكابر بلده وفندوا رأْيه وقبحوا فعله وقالوا له لا يحسن منك أن تسلم أخاك ولكن اسجنه عندك فأنت أحق به فقيد أخاه بكر حينئذٍ وأرسل به إلى موضع آخر من بلاده سجنه فيه. فلما علم الوزير بفعله سار إليه في العسكر المنصور. فلما صار قريباً منه أرسل إليه يقول له إِما أن ترسل بأَخيك إليَّ وأما أن تطلقه فلما علم بخروج الوزير خرج في عسكره متنحياً عن القرية فتبعه العسكر فعطف بعض عسكره على رجل من العسكر فطعنه طعنة قتلته فحمل عسكر السلطان على عسكره فقتلوا من أصحابه شريفاً يقال له مطرف كان فارساً مشهوراً. فلما علم القائد بقتل الشريف مطرف حمل هو وعسكره وكانوا نحواً من مائتي فارس على العسكر السلطاني فثبت لهم العسكر ثباتاً حسناً ورد عليهم عسكر ردة صادقة فقتل علي ابن القائد وقتل معه جماعة وأُسر عبد الله ابن القائد ودخل العسكر المنصورة ونهبها نهباً شديداً واستولى على ما هنالك من دواب وسلاح وقماش وغير ذلك. وفي يوم الرابع عشر من ذي القعدة وقع في تعز ونواحيها وسائر المخلاف مطرُ شديد قيل إنه من بعد صلاة الجمعة إلى أن مضي جزءُ من الليل فأتلف في تعز بيوتاً كثيرةً وتهدمت عدة دكاكين على ما فيها ونزل في تلك الليلة في وادي زبيد مياه عظيمة أتلفت مواضع كثيرةً في أعلى الوادي وفي أسفله وتتابعت السيول ولم تنقطع وتكرر الماءُ في المحارث مرَّة بعد مرَّة وسقى في وادي زبيد مواضع كثيرة لا عهد لها بالسقي وسقيت الضواحي بماء الوادي. وفي يوم الأحد السادس من القعدة رجع السلطان من الجوة إلى محروسة تعز. وفي يوم الأربعاء التاسع من القعدة تقدم علم الحج المنصور إلى مكة المشرفة. فكان دخوله زبيد يوم الأحد الثالث عشر. وتقدم من زبيد يوم الاثنين الرابع عشر من الشهر المذكور صحبة القائد علي ابن سعيد. وفي يوم الاثنين الرابع عشر من الشهر المذكور وقع في التهائم مطر عظيم عام وهاجت رياح شديدة. وغرق في ذلك خمس سفائن من سفن الحجاج على ساحل المخلاف السليماني. وفي اليوم الثاني والعشرين من ذي القعدة وصل العلم إلى زبيد بقتل الشريف علي بن عجلان صاحب مكة المشرفة. وكان الذي قتله بنو عمه. ويقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 إن قاتله قتل يومئذ قتله عبيد المقتول علي بن عجلان. وكان قتله في ناحية الوادي من يوم السابع من شوال. والله أعلم. وفي يوم السبت السادس والعشرين من ذي القعدة المذكورة تقدم القاضي شهاب الدين الوزير من قرية المحالب يريد الباب الشريف السلطاني بما صحبته من أموال الخراج وغيرها وبما جمعه من التحف والهدايا. فكان دخوله زبيد يوم الخميس عشرة ذي الحجة وكان خروجه من زبيد بعد صلاة الجمعة من يوم الجمعة الثاني من الشهر المذكور. ودخل تعز يوم الاثنين الرابع من ذي الحجة. ووصل صحبته من الخيل والهدايا والتحف شيء كثير وكان عدة الخيل ثمانية وعشرين رأْساً فأَمر السلطان ولده مولانا الملك الناصر أَن يتلقاه في كافة العساكر فخرج في لقائه وخرج معه من الأمراء الأمير بهاء الدين الشمسي، والأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي، والأمير بدر الدين محمد بن زياد. ووصل إلى الباب الشريف في كافة العسكر فقبله السلطان مقابلة رضية وكساه صيفية ملوكية. وصرف له بغلة بزنار ووهب له ألفي دينار. وفي يوم السادس من ذي الحجة استمر القاضي الأجل مجد الدين محمد ابن يعقوب الشيرازي في القضاء الأكبر وكتب له منشور بذلك في أقطار المملكة اليمنية. وكان من الحفاظ المشهورين والعلماء المذكورين وهو احق الناس بقول أبي الطيب المتنبي حيث يقول أديب رست للعلم في أرض صدره ... جبال جبال الأرض في جنبها قف وفي هذا التاريخ وصل العماد يحيى بن علي السقيم وهو يومئذ أمير مدينة حيس بطير من الجوارح أمسكه المخابنة من ساحل حيس وفي رجله شكال من حرير فيه لوح من ذهب مكتوب فيه اسم صاحبه يقال إنه من طيور صاحب مصر أو لبعض أمرائها الكبار ففرح به السلطان وكسا الذي وصل به كسوة سنية. ولما انقضى عيد النحر عزم السلطان على الطلوع إلى المخلاف فأنفق على العسكر نفقة شهرين في آخر ذي الحجة وفي شهر محرم من سنة ثمان وتسعين. وفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وصل ولد السيري إلى الباب السلطاني فكساه السلطان وأنعم عليه وصرف له حصاناً اخضر وبغله وانصرف راجعاً إلى أبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وفي هذا التاريخ برز أمر السلطان بالسفر وأمر الفراشين يحملوا ثمانين حملاً من الخام وخرجت الزردخانة وكان خروج الطبلخانة يوم الثالث من المحرم وهو يوم الثلاثاء وتقدم آخر يومه ذلك في كافة العسكر المنصور. جيش كأَنك في أرض تطاوله ... فالجيش لا أمم والأرض لا أمم إذا مضى علم منه بدا علم ... وإن مضى علم منه بدا علم فأقام في قرية المقادمة أَياماً وأرسل إلى ابن السيري من يجس مخاضته فوجده على أقبح سيرة وأخبث سريرة فارتحل السلطان عن المقادمة فكان دخوله دار السلام من جبلة يوم الجمعة الثالث عشر من المحرم فأقام في دار السلام ووصلت إليه القبائل من كل ناحية. واستخدم الرجال وبث الأموال. وأرسل ابن السيري صاحب بعد أن يطلب منه عسكراً بالجامكية فكره وامتنع عن تصدير عسكره إلى السلطان فتحقق السلطان فساده وإفساده ومكره وعناده. وكان جملة من تخلف عن الوصول إلى السلطان من القبائل يومئذ ابن السيري صاحب بعدان وعبد الباقي الصهباني. وعلي ابن داود الحبيشي صاحب الخضراء من حبل الشوافي. ثم إن السلطان تولاه الله يسير يوماً إلى ناحية اب. وكان ابن السيري قد رتب فيها نحواً من ألفي راجل. فلما قرب السلطان من المدينة أغلقوا باب المدينة وظهر منهم ما لم يكن في ظن أحد من الناس من السفه وقلة الأدب فرجع السلطان عنهم ولم يكن يومئذ قصده قتالهم فأقام في دار السلام أياماً ثم قصدهم يوم السبت الحادي والعشرين من المحرم فأغلقوا الأبواب وقاتلوا ساعة من نهار قتالاً شديداً فانهزم العسكر السلطاني هزيمة شديدةً. وثبت السلطان وولده أحمد الناصر ثباتاً حسناً. وتراجع الأمراء الكرام ثم حمل السلطان والعسكر حملة صادقة. وكانوا قد أرسلوا إلى ابن السيري يطلبون منه زيادة في العسكر فتأَخرت عنهم العادة فكسبهم السلطان ودخل عليهم العسكر المدينة قهراً وأخربها العسكر خراباً كلياً ونهبوا ما وجدوه فيها وقتلوا من أهلها جماعة ورجع السلطان إلى دار السلام ظافراً منصوراً. وفي آخر الشهر المذكور أمر السلطان الطواشي جميل في قطعة من العسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 المنصور إلى ناحية من بعدان فقاتلوا أهلها قتالاً شديداً وأخربوا عليهم خمس قرى. ونهبوا من أموالهم شيئاً كثيراً ورجع العسكر المنصور إلى السلطان سالمين غانمين ووصل الشيخ عبد الباقي بن عبد الملك الصهباني إلى باب السلطان في عسكر جيد فقابله السلطان مقابلة جيدة وكساه. ثم إن السلطان أمر بالمحطة على الشيخ علي بن داود الحبيشي. وعلى حصنه المعروف بالخضراء من بلد الشوافي فسار إليه السلطان والعسكر وحط عليه العسكر وضيقوا عليه ضيقاً شديداً. وكان طلوع السلطاني إلى الشوافي والمحطة هنالك يوم الاثنين الثاني من صفر. فأقام السلطان في محطته المنصورة يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وفتح الحرب عليهم يوم الخميس من كل ناحية. وكان علي بن داود الحبيشي قد جمع جمعاً عظيماً من أهله وغيرهم. فلما وجد الضيق الشديد جمع جمعه الذي معه وخرجوا يقاتلون العسكر فانهزمت الناحية التي هو فيها فقتل وقتل معه جماعة من قرابته وآخرون من غيرهم وقتل معه ولد من أَولاد وهو الذي يسمى الأسد وقتل عماد الحفاء وكان عظيماً من عظمائهم واسر ولده إدريس بن علي وأبو القاسم بن داود الحبيشي. وأخرب دار علي بن داود وبساتينه ونهبت أمواله ونهبت البلاد نهباً شديداً. وحرقت المنازل والقرى وكان ذلك يوم الخميس الخامس من صفر واحتزت رؤوس القتلى وحملت إلى بين يدي السلطان. ولم تزل المحطة على الخضراء حتى أثر فيها الخراب من المنجنيق والعرادات فضاق أهلها من شدة الحصار وطلبوا الذمة وبذلوا تسليم الحصن فأجابهم السلطان إلى ذلك. فنزل الشيخ محمد بن داود الحبيشي إلى باب السلطان. فكساه السلطان وأنعم عليه وأسلم الحصن وطلع نائب السلطان فقبض الحصن يوم الخميس الثاني عشر من صفر. وارتفعت المحطة وقد دانت القبائل وسلموا الرهائن من أولادهم واخوتهم. وكان جملة الرهائن ثمانية وعشرين رهينة. ورجع السلطان إلى دار السلام يوم السبت الرابع عشر من صفر. فأقام في دار السلام أياماً ورجع إلى تعز ظافراً منصوراً. فدخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من صفر. فكانت غيبته عن تعز في غزوته هذه ستة وأربعين يوماً. ولما دخل تعز في التاريخ المذكور أقام فيها إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 يوم الخميس السادس والعشرين. ثم تقدم إلى مدينة زبيد. فكان دخوله زبيد يوم الاثنين آخر يوم من صفر من السنة المذكورة في عسكر جرار. ورؤوس القتلى أمام العسكر المنصور. ولسان الحال ينشد بلغنا ما نشاءُ من المرد ... وحزنا ما نريد من البلاد وفلقنا رؤوساً عاصيات ... بأَسياف مهندة حداد وصلنا صولةً يوم الشوافي ... فدانت عند صولتنا الأعادي أتيناهم بكل اقب نهد ... شديد أسره سلس القياد وفرسان كأسد الغاب بأْساً ... ورجل مثل منتشر الجراد فزلزلنا الجبال وساكنيها ... وكادت أن تطير من البلاد وقد ظلت سراة القوم صرعى ... يشق القواضب والصفاد وكل مقوم لم يعص أمراً ... يشق إذا انبرى قلب الفؤاد طغوا وسعوا فساداً فانتقمنا ... بحزب الله من حزب الفساد فأضحت دورهم منهم خلاء ... بلاقع لا مجيب ولا منادي أبحناها اغتصاباً ثم جدنا ... عليهم بالطريف وبالتلاد وعدنا ظافرين إلى تعز ... على القب المطهمة الجياد فقل لمحمد السيري عني ... إذا واجهته يوماً وناد أفق من قبل أن يغشاك بأس ... وإن يلحق ثمود بقوم عاد فإني يا محمد عن قريب ... إليك بعاديات الخيل غاد وبالسمر المثقفة العوالي ... وبيض المشرفيات الحداد وأبطال يرون الموت غنماً ... جلاد سيما يوم الجلاد وشم من ذري عثان غر ... على غر محجلة جياد وبالجيش الأجش وكل قرم ... طويل الباع مسترخي النجاد وما زال الإله لنا معيناً ... وهادينا إلى سبل الرشاد أنا الملك الممهد ذو المعالي ... سليل الأفضل الملك الجواد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 أما الملك الرسولي اليماني ... هزبر الملك وكاّف الأيادي كريم الفرع زاكي الأصل لا من ... قالاوون ولا من آل شاد أجود بكل ما ملكت يميني ... ولا يغني طريفي عن تلادي وتعنوا لي القبائل في ذراها ... ولو كانت على السبع الشداد وتخدمني ملوك الأرض طرّاً ... وسل من شئت من قار وباد ولما دخل السلطان زبيد في التاريخ المذكور سكنها واستوطنها واخترع فيها القصور العجيبة. والمنازل الرحيبة. وفي يوم الأحد السابع والعشرين من صفر المذكور توفي الفقيه الإمام العلامة موفق الدين علي بن عبد الله الشاوري الفقيه الشافعي. وكان أحد من تدور عليه الفتيا في زبيد تفقه بالفقيه إسحاق ابن أحمد بن زكريا وبالفقيه جمال الدين الريمي وتفقه به عدة من أهل زبيد وكان باذلاً نفسه للطلبة رحمه الله. وفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأَول تقدم السلطان إلى النخيل وباشر الأرض التي اشتراها من ورثة الفقيه جمال الدين الريمي وغيرهم في ناحية التحيتاء وهي التي تسمى سرياقوس الأسفل ورجع آخر يومه إلى مدينة زبيد. وفي يوم الثالث والعشرين من شهر ربيع المذكور كان ابتداءُ عمارة المتجر بزبيد المحروس على يد القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم وفي شهر ربيع الآخر تقدم السلطان إلى سرياقوس الأعلى واصطاد من هنالك ورجع إلى محروسة زبيد. وفي اليوم الخامس من جمادى الأولى أرسل السلطان بهدية سنية إلى الديار المصرية صحبة القاضي برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلى وذلك في مقابلة ما وصل من هدية السلطان الملك الظاهر سيف الدين برقوق. وفي هذا التاريخ توفي الفقيه شرف الدين أبو القاسم بن الحضرمي. وكان يومئذ ملتزم الوادي زبيد. وكانت له مكانة عند السلطان فسار بالناس سيرةً صعبةً. وغير على الرعية كثيراً مما يعتادونه ونفع آخرين. وكان سبب موته انه خرج يباشر في شريج أبيرة ومعه جماعة من المساح والذراع وغيرهم. فلما انقضى النهار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 رجع الجميع إلى المدينة فركب حصاناً معه وسار يريد المدينة فلما صار في حلة الوادي زبيد شب به الحصان. وكان رحمه الله ضعيف الفراسة فلما شب به الحصان جذب عنانه إليه جذباً شديداً. فألقاه الحصان عن ظهره ثم وقع الحصان عليه فوقع السرج على قلبه بقوة الحصان فغاب ذهنه ساعة من نهار. ثم أفاق فحمل إلى بيته على ظهر دابة فأمسى ليلته أليماً وظل كذلك إلى نصف النهار ثم توفي رحمه الله تعالى. وفي يوم التاسع من شهر رجب استمر الأمير شجاع الدين عمر بن سليمان الابي أميراً في زبيد عوضاً عن الأمير نجم الدين محمد بن إبراهيم الشرف. وفي هذه السنة ظهر جراد عظيم فاتلف شيئاً من الزراعة. واخبرني من يحكى عن الفقيه شهاب الدين أحمد الحرضي نفع الله به والفقيه صارم الدين إبراهيم بن وهاس وجماعة من الثقات إن رجلاً من أهل البادية بينما هو يحرث في ذهب له إذ انبعث من السحب والعود جراد عظيم صغار يهول من رآه. وآخر إنه رأى جرادة تبيض في الأرض فنزعها فانقطع بطنها فخرج منه بيض كثير جداً. ويروى إن رجلاً أَراد أن ينفر الجراد عن أرضه فوقع عليه الجراد حتى غشيه فخاف أن يأكله الجراد فتركها وهرب وكان ذلك في شهر رجب من السنة المذكورة. وفي يوم الثامن من شعبان تقدم السلطان إلى النخل في عساكره وآلته وفي هذه السنة جعل القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم على حوية باب دار الشوخين وجعل فيه أربعة أَبواب فكانت الجمال والخيل والطبلخانة والخزانة وسائر البيوتات كلها من داخل الدرب وكان نزول السلطان النخل لاستخراج الأموال يوم الثاني عشر من شعبان وصام السلطان رمضان هذه السنة في النخل وكان صياماً حسناً ولم يذكر إن سلطاناً قبله صام رمضان في النخل أبداً والله اعلم. وفي أول يوم من شهر رمضان هذه السنة قتل الأمير بدر الدين محمد ابن سيف الدين قتله الأهمول وكان يومئذ أميراً لجهات الموزعية وكان سبب قتله انه لزم رجلاً منهم فحبسه فمات في الحبس من غير ضرب ولا تعذيب. وفي أثناء شهر رمضان المذكور وصل إلى باب السلطان ولد سلطان دلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 فأكرمه السلطان إكراماً حسناً وكساه كسوة سنية وقاد له رأساً من جياد الخيل كامل العدة والآلة. ووهب له أربعة آلاف درهم وآنسه من نفسه أنساً تاماً. وكان يحضر مجلس التشفيع في كل ليلة من شهر رمضان أسوة الجماعة المندوبين لذلك. وكان اسمه كوجر شاه بن طغرخان بن فيروزشاه سلطان الهند. وكان لفيروزشاه المذكور عدة أولاد. فلما توفي ولي الملك منهم طغرخان والد هذا الولد المذكور فأقام طغرخان في الملك أياماً ثم نازعه أحد اخوته وقتله وقتل عدة من أولاده واستولى على الملك. وكان هذا الولد يومئذ صغيراً ولم يعلم به عمه فلما شب خشي على نفسه فخرج من الهند وأعمالها إلى اليمن. وفي أثناء شهر رمضان المذكور وصل الملك الفائز ابن السلطان الملك المظفر. صاحب ظفار الحبوضي مستوفدا للصدقات السلطانية. وفي يوم الثاني والعشرين انفصل شهاب الدين أحمد بن علي بن الشمسي من الجثة. ووصل الوزير من الجهات الشامية بنحو من ستين رأساً من خيول العرب في جملتها حصان اصفر كان صاحبه يسميه بريم الجهة. وفي يوم الثاني والعشرين من شهر رمضان خرج جماعة في طريق النخل فنهبوا المتخلفين في الطريق من زبيد إلى النخل. فلما اصبح الصبح قصوا أثرهم فسار بهم الأثر إلى قرية الحجوف. فألزم أهل القرية إحضار الخصوم فما زال أهل القرية يبحثون حتى دخلوا موضعاً وجوا فيه جماعة من الرجال يظهرون انهم من الفقراء يظلون يطلبون الناس فإذا جن الليل انتشروا في المواضع وفيهم من يقصد السرقة وفيهم من يقصد الطرق للنهب ففتشوا مساكنهم فوجدوا فيها عدة من الثياب الفاخرة. ووجدوا معهم طعاماً مصنوعاً مهيئاً للأَكل فظهر للناس أنهم لا يصومون وانهم يتزيون بزي الفقراء أهل الفاقة وأفعالهم كلها غير مستحسنة فأخذوا أمر السلطان بتلفهم. وفي شهر رمضان من هذه السنة سمع السلطان صحيح البخاري من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على القاضي مجد الدين يومئذ وكان ذا سند عال من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 طرق شتى. وعيد السلطان عيد الفطر في النخل. فكان عيداً لم يكن مثله في كثرة الناس وحسن الهيئة واجتماع العسكر. وفي يوم الثالث من شوال نزل السلطان البحر فأقام هنالك إلى يوم الثالث عشر من الشهر المذكور ثم ارتفع إلى النخل. ثم دخل زبيد يوم الرابع عشر فأقام فيها إلى يوم العشرين. ثم تقدم إلى تعز آخر ليلة الحادي والعشرين. فكان دخوله تعز يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المذكور. وفي يوم الحادي عشر من ذي القعدة توفي الأمير هيصم الدين إبراهيم ابن الأمير أسد الدين محمد ابن الملك الواثق بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول وكان وفاته في زبيد ودفن في مقبرة باب سهام عند القرية المعروفة بالمرزوقية. وفي عشية الجمعة الرابع من ذي الحجة قتل الشيخ عمر بن حنان في قرية الهرمة بوادي زبيد وقتل معه جماعة من قرابته وقتل أولاده وقرابته جماعة من أعدائهم بني نمر. وحصل في هذه السنة المذكورة وهي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة برق في قرية من قرى مور. يقال لها المدلة " بضم الدال المهملة وتشديد الميم امفتوحة وبعد اللام هاء تأنيث " فأحرق كل دابة فيها. وماتت دوابها من البقر والغنم والحمير والجمال. ولم يحرق من القرية شيءُ لا من بيوتها ولا من أهلها ولا أصاب إحداهن ساكنها ضرر في جسمه أبداً إلا اثنين كانا خارج القرية منفردين عن القرية فحرقا. اخبرني بذلك الفقيه علي بن محمد الناشري. قال وكان البرق في شعبان من السنة المذكورة. وفي شهر المحرَّم أول سنة تسع وتسعين وسبعمائة نزل السلطان تهامة فكان دخوله زبيد يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم المذكور. وفي يوم الأربعاء التاسع والعشرين انفصل الأمير شجاع الدين عمر بن سليمان الأَبي عن ولاية زبيد. ورجع الأمير نجم الدين محمد بن إبراهيم بن الشرف على ولايته وكان الأمير نجم الدين المذكور محبوباً حسن السيرة وكانت مدة ولاية الشجاع الأبي ستة أَشهر وثمانية عشر يوماً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 ولما فصل من الولاية صودر مصدرة شديدةً وقبضت دوابه وصودر نقباء بابه وضرب ضرباً شديداً أفضى به إلى الموت. وفي يوم الثاني عشر من صفر تقدم السلطان إلى رأس وادي زبيد بسبب الصيد فأقام هنالك عشرة أيام. وفي أثناء إقامته وصل صاحب ظفار. وكان رجوع السلطان إلى زبيد يوم الجمعة الثاني والعشرين من صفر المذكور. وتوفي الأمير شجاع الدين عمر بن سليمان الابي ليلة الأحد الرابع والعشرين من الشهر المذكور. وفي شهر ربيع الأول توفي القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر العراف الحاكم بمدينة حيس. فاستمر عوضه في القضاء هنالك الفقيه جمال الدين محمد بن إسماعيل بن علوان. وفي التاريخ المذكور استمر القاضي بن علي بن محمد بن إبراهيم الجلاد مشدا لأعمال الحيسية عوضاً عن العماد المستقيم. واستضاف الجهة القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم. وفي غرة شهر ربيع الآخر تقدم السلطان إلى النخل بوادي زبيد فأقام هنالك ثلاثة أيام ثم رجع إلى زبيد فكان رجوعه ليلة التاسع من الشهر المذكور. وفي شهر جمادى الأولى تقدم السلطان إلى الجهات الشامية. وكان تقدمه من زبيد يوم الرابع منه. وفي هذا التاريخ المذكور نهبت قافلة عدن نهبها الأحيوق يقال إن عدتها ثمانون جملاً عليها من الذهب والفضة اكثر من عشرة لكوك. وفي اليوم الثامن من جمادى الأولى دخل السلطان مدينة المهجم فأقام فيها إلى يوم الثامن عشر من الشهر المذكور. ثم انتقل إلى المحالب بعد أَن أَطلق مشايخ الصميين المعتلقين ورهنوا رهائنهم وأغار العسكر على بلاد العتابد فنهبها نهباً شديداً. وفي يوم الخميس الثامن من جمادى الآخرة حرقت قرية الحمى من وادي زبيد بأَسرها ولم يبق فيها شيءُ من المساكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وفي يوم العاشر من الشهر المذكور وصلت هدية من ولد الإمام صلاح ابن علي صاحب صنعاء. وهي خمسة أحمال مما يستطرف وخمس رؤوس من جياد الخيل. وتقدمت الهدية من زبيد إلى السلطان يوم الثاني عشر من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ أَمر السلطان بقبض العمادين فقبض من موزع ووصل به إلى زبيد جماعة من الخيل والرجل فأقام معتقلاً عند القاضي سراج الدين إلى أن وصل السلطان من الجهات الشامية. وكان رجوع السلطان من المحالب إلى المهجم يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة. فأقام في المهجم يوم الأربعاء والخميس والجمعة ثم سار إلى زبيد فدخلها يوم التاسع والعشرين منه فأقام فيها إلى يوم الرابع من رجب ثم تقدم إلى النخيل ورجع آخر يومه ذلك. ووصل خزانة من عدن فيها أموال ووحوش وتحف. وفي يوم الثاني عشر من الشهر المذكور وقع حريق في ناحية المرباع من زبيد أخذ من سوق المرباع إلى مسجد نوفلة وانضر أهل تلك الناحية ضرراً شديداً. وفي يوم الجمعة الخامس عشر ركب السلطان إلى الجامع بزبيد وصلى الجمعة وكان أول السبوت يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور. وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر رجب المذكور برز مرسوم السلطان إلى القاضي مجد الدين قاضي الأقضية يومئذٍ بأَن يندب لمسجد الأشاعر بزبيد إماماً شافعياً. وكان المسجد المذكور لأصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله من قديم زمانه فيما رأَيناه وسمعنا به. فعين القاضي مجد الدين جماعة اختار منهم السلطان الفقيه موفق الدين علي بن محمد بن فخر فاستمر في إمامة المسجد المذكور من التاريخ المذكور. وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين من الشهر المذكور. وضع السلطان ولد وهو يومئذ في مدينة زبيد وكان ميلاده عند طلوع الفجر من الليلة المذكورة وهو المسمى حسين. وكان نزول الصندوق لاستخراج مال النخل يوم الثالث والعشرين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 شعبان. ونزل الس لطان النخل يوم الرابع والعشرين. وصام في النخيل وكان صياماً حسناً. وكانت التخمة ليلة الثالث والعشرين من الشهر كجاري عادته. وأثاب الحاضرين بسبب التشفيع من الفقهاءِ والأمراءِ وغيرهم. وفي أول يوم من شوَّال حرقت مدينة فشال حريقاً شديداً. وحرق في ذلك اليوم أولاد القاضي عفيف الدين عبد الله بن محمد بن موسى الدوالي وجاريته وكان يومئذ حاكم الشرع في مدينة فشال. وفي يوم الخامس أَو السادس من شوال لزم خمسة من مقاصرة الشام فأمر السلطان بشنقهم فشنقوا. وفي يوم الأربعاء السادس عشر من شوال تقدم السلطان إلى البحر فأقام هنالك خمسة أيام ثم رجع إلى النخل فأقام فيه إلى آخر الشهر. وفي أَول يوم من القعدة تقدم السلطان إلى البحر. وفي هذا التاريخ قتلت امرأَة في قرية النويدرة التي علي باب سهام بزبيد قتلها رجلان من أهل المملاح ورمياها في بئر بين القبور. فظهر ريحها بعد ثلاثة أَيام. فأخرجت من البئر وغسلت وكفنت ودفنت. وبحث الأمير نجم الدين محمد ابن إبراهيم الشرف عن الخصوم. ورسم على أهل المملاح وضيق عليهم في إحضار الخصوم فبحثوا عنها اشد البحث. فلقة أحدهما في النخل فأُخذ وأُرسل به إلى زبيد. ثم لقي الآخر في قرية القرشية. فأخذ وأرسل به إلى زبيد أيضاً. فكتب الأمير إلى السلطان وهو على البحر يخبره بحديث المرأَة التي قتلت وخصومها فأَمره السلطان بتلفهما فأخرجهما الأمير من السجن وسمرهما وأركبهما جملين ودار بهما فشوارع زبيد. ثم أخرجهما إلى قبر المرأَة التي قتلت وأمر بتوسيطهما هنالك وعلقهما على أربع خشبات حول القبر وأقاما معقلين هنالك إلى آخر يومهما. وفي يوم الرابع من العقدة وقع مطر عظيم في الجبال وقد صارت جمال القافلة تحت عقبة نخل فنزل سل عظيم زائداً على ما يعتاده الناس فسحب السيل الجمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وما عليها من الحمل والركبان. فحقق الذين هلكوا من الآدميين فكانوا تسعة عشر نفساً ما بين صغير وكبير ورجل وامرأة. ومن جملة من سال به السيل سليمان الخنبوق أحد الجمالة المتكررين في تلك الطريق. وكان ثقة حسن السيرة رحمه الله تعالى. وقيل أن الذين هلكوا نحو من خمسة وعشرين نفساً والله أعلم. قال علي بن الحسن الخزرجي وأخبرني الأمير نجم الدين محمد بن إبراهيم الشرف عمن أخبره ممن حضر القضية إنه كان وصول السيل وانقطاعه عنا في سويعة يسيرة. ثم انقطع السيل وكأَنه لم يكن وقد هلك من هلك وسلم من سلم قال وكان الأمر فيما بين صلاتي الظهر والعصر والله أعلم. وفي يوم الخميس الخامس عشر من الشهر المذكور ارتفع السلطان من البحر إلى النخل ثم ارتفع يوم الجمعة. وكان دخوله زبيد يوم السبت السابع عشر من الشهر المذكور. وفي ذلك اليوم دخل الصندوق زبيد وارتفع رسم النخل فأقام السلطان في زبيد إلى يوم العشرين من الشهر المذكور. ثم جرَّد عسكراً لأهل الحنكة خيلاً ورجلاً فأَوقعوا بأهل الحنكة وقتلوا منهم جماعة ونهبوا القرية وظن أهل القرية إن السلطان داهمهم فولوا هاربين. فلما ظهر لهم إنها جريدة من العسكر عطفوا على العسكر. ولزموا الطرق فقتل من الغز جماعة. ومن الرجل آخرين. فعزم على غزوهم والمحطة عليهم فلم يساعده الوقت لكثرة الأمطار والرياح الشديدة فتقدم إلى تعز صبح يوم الاثنين السادس والعشرين من الشهر المذكور فأقام في حيس أياماً ثم تقدم إلى تعز فدخلها يوم الثلاثاء الرابع من ذي الحجة. قال علي بن الحسن الخزرجي ومما ظهر في هذه السنة من العجائب إن راعياً من رعاة الغنم خرج يرعى غنمه في ناحية صنعاء في جبل يقال له مدبج. فبينما الغنم ترعى إذ نفرت منهن شاة فنزلت في حيد هنالك وهي تتبع الحشيش من مكان إلى مكان ذلك الحيد حتى بعدت عن الغنم على نحو من أربعين قامة فنزل بعدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الراعي قليلاً قليلاً حتى انتهى في ذلك الحيد إلى كهف فرأَى فيه رجلاً ميتاً. فلما رآه فزع وهاله ما رأَى فطلع قليلاً قليلاً كما نزل. وأعلم أهل تلك الناحية بما رأَى في ذلك الموضع فقصد الموضع جماعة منهم وفي جملة من وصل ذلك الموضع منهم رجل يقال له غازي بن محمد الربيدي هو الذي وصل كتابه إلى بعض معاريفه من أهل تعز. يذكر في كتابه أنه وجد في الكهف المذكور رجلاً ميتاً عليه سبعة أكفان. وتحته نحو من أربعين ثوباً. وعليه عمامة طويلة طولها خمسة وثلاثون ذراعاً في عرض ذراع قال وفتشت على جسمه فرأَيته كأَنه مات قبل ذلك اليوم بيوم واحد. ووجهه أبيض، وأنفه مستقيم. كأَنه راقد مستقبل القبلة. وساعده الأيمن تحت خده. ويده اليسرى على صدره. وشعر رأسه كأَنه حلق منذ ثلاثة أيام. ورأْسه مثل الطاسة. وهو قصير الظهر عريض الحقو غاية طول ساعده ذراع حديد. وطول أصابع يديه كل واحدة نحو من شبر. وطول ساقه ذراع ونصف. وطول أصابع رجليه كل واحدة نحو من كف. قال وفتشت وجهه فوجدت في جبهته ضربة خفيفة أسفل من مقص الشعر. وفي صدغه الأيمن ضربة جيدة قد كسرت جفنه. ومن ورائه كذلك. وفي ساعده الشمال طعنة تطير بين المزمارين. يعني العظمين الممتدين في الذراع. قال وأجمع أهل تلك الناحية على إنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ورأَيت من فضله إن رجلاً وصل إليه وهو أعمى وزاره وأنا حاضر فخرج من عنده في عافية. وقال أشهد بذلك. قال علي بن الحسن الخزرجي أَما قولهم إنه علي بن أبي طالب فغير صحيح لأَن علياً رضي الله عنه قتل في الكوفة وقبر فيها بلا خلاف ولكنهم أخفوا قبره والغالب إن هذا أحد العلماء المتقدمين أو أحد ملوك حمير والله سبحانه أعلم. وفي يوم الخميس الرابع من المحرم أول سنة ثمانمائة قطعت يد ابن الرياحي نقاش السكة في تعز لسبب أوجب ذلك فيما رآه السلطان. وفي يوم السابع منه وصلت هدية الشيخ علي بن أبي بكر بن زيد صاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 أبيات حسين ووصل ببغلين ونعامة وزرافتين وأسد صغير وحمار وحش وعشر رؤوسٍ من الإبل الصهب وعشر جوار حسان. وعشرة عبيد يحملون السلاح فوهب له السلطان ثلاثة آلاف دينار وكساه كسوة فاخرة وشيخه في بلاده وسمح له في خراجها عمن تقدمها وشفعه في عدة مشايخ العرب كانوا معتقلين فأطلقوا. وفي شهر صفر وصلت الهدية من الديار المصرية إلى ساحل الحردة فلما وصل العلم بذلك إلى السلطان نزل إلى زبيد فكان دخوله زبيد يوم الاثنين الرابع عشر من شهر صفر. فلما استقر في زبيد ارسل الطواشي جمال الدين جميلاً بثلاثمائة رجل إلى ساحل الحردة وجرد معه السلطان قطعةً من العسكر يسيرون صحبة الهدية المذكورة. فكان وصول الهدية إلى زبيد يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر صفر المذكور وكانت هدية جليلة فيها من المماليك نحو من ثلاثين تركياً ومن جياد الخيل اثنا عشر رأْساً بسروج مغرقة وآلة حسنة وعدة جوار من الروميات والأرمنيات وطبيب ماهر من يهود مصر. ومن الملبوس والمشموم والمطعوم شيءُ كثير لا يدخل تحت الحصر ووصل في الهدية ولد القاضي شهاب الدين أحمد بن إبراهيم المحلي. وكان يوم وصول الهدية يوماً مشهوداً. وفي يوم الأربعاء سلخ شهر صفر أرسل الأمير سيف الدين سنجر صاحب القحمة جماعة من المعازبة فيهم إبراهيم بن كليب وكان من أعيان المعازبة فراسة ورياسة وآخر يقال له الكران فأَمر السلطان بقتلهم فضربت أعناقهم صبراً. وقتل معهم رجل من الأهمول يقال له ناخس يقال انه الذي قتل الأمير محمد بن سيف الدين صاحب موزع وقد تقدم تاريخ يوم قتله. وفي شهر ربيع الأول تقدم السلطان إلى سرياقوس فاصطاد من هنالك ورجع آخر يومه ذلك وهو العاشر من الشهر المذكور. وفي اليوم الثاني عشر منه نفق الحصان المسمى صعوداً فأسف عليه السلطان وأمر بتكنيفه وحفر له في ناحية المناخ من زبيد وقبر هنالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وفي يوم العشرين توفي الطبيب اليهودي الذي وصل من مصر بصحبة الهدية. وفي يوم الحادي والعشرين توفي القيه تقي الدين عمر بن عبد الرحمن الدملوي الخطيب بجامع زبيد. وكان أوحد أهل زمانه في الخطابة لم يكن في عصره مثله في ناحية من أقطار اليمن أقام خطيباً في جامع زبيد نحواً من خمسين سنة والله أعلم. وفي يوم الأحد ثاني شهر ربيع الآخر تقدم السلطان إلى الجهات الشامية فأقام في الكدراء إلى يوم الخامس عشر. وفي يوم الخامس عشر غزا بلاد العرب المفسدين فحرق الزبير والمصفاة وقرية الشجرة. وفي يوم الأحد السادس عشر حرق القنبور وأخربها. وفي يوم الثاني والعشرين حط على البجليين حتى استذموا ودخلوا تحت الطاعة ثم تقدم السلطان إلى المهجم فأقام هنالك. وفي ليلة السبت السادس من جمادى الأولى توفي الفقيه رضي الدين أبو بكر بن الحداد في مدينة زبيد. وكان فقيهاً عارفاً كبيراً متفنناً ورعاً صالحاً. وكان يومئذ أكبر أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وله مصنفات حسنة وبه تفقه طائفة من أهل زبيد وانتفع به الطلبة نفعاً عظيماً. وفي ليلة الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الأولى قتل في زبيد رجل غريب من الديار المصرية يقال له الحاج علي الموازيني. والدي قتله غريب أيضاً من مصر يقال له الشرايطي. فأخذ القاتل وأودع السجن إلى أن وصل السلطان من الجهات الشامية. فلما علم الشرايطي المذكور انه مطلوب بالقصاص طلب حكم الشرع وأنكر أن يكون هو القاتل ولم تقم عليه بينة بالقتل المطلق. وكان وصول السلطان إلى زبيد من الجهات الشامية يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى ووصل بنحو من مائتي رأس من خيول العرب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فلما كان أول يوم من رجب صرف منها السلطان مائة رأس للقرشيين والأشاعر. وفي يوم السابع عشر من رجب وصل الشريف صاحب النجيمية إلى الأبواب الشريفة السلطانية فقابله السلطان بالقبول وكان أول السبوت يوم الخامس والعشرين من رجب. وفي اليوم الخامس عشر من شعبان افرغ القاضي مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي كتابه المسمى بالأصعاد وحمل إلى باب السلطان مرفوعاً بالطبول والمغاني وحضر سائر الفقهاءِ والقضاة والطلبة وساروا أمام الكتاب إلى باب السلطان وهو ثلاثة مجلدات يحمله ثلاثة رجال على رؤوسهم فلما دخل على السلطان وتصفحه أجاز مصنفه المذكور بثلاثة آلاف دينار. وفي السادس عشر وصلت هدية من صاحب سيلان إلى باب السلطان ومن جملتها أربعة أَفيال وتحف كثيرة وشجرة من العنبَاء ووصل منه كتاب إلى السلطان يتضمن ما صدر في ورقة من الذهب الخاص فقابل السلطان رسوله بالقبول وأَدخله الإِصطبل فانتقى منه خمسة رؤوس من جياد الخيل وكساه كسوة فاخرة. وفي يوم الثاني والعشرين تقدم الأمير بهاء الدين بهادر الشمسي إلى بلاده حرض. ونزل السلطان النخل يوم الخامس والعشرين من شعبان وصام رمضان هذه السنة في النخل وحضر مقام التشفيع عدة من وجوه أهل دولته وحضر السفراء من سائر الجهات. سفير صاحب مصر وسفير صاحب الهند وسفير صاحب مكة وهو أخو محمد بن عجلان والشرفاءَ من أصحاب المشرق أحدهم الشريف فخر الدين عبد الله بن إدريس بن محمد بن إدريس بن علي بن عبد الله ابن الحسن بن حمزة بن سليمان بن حمزة وصاحب دمرمر وهو الذي يقال له عبد المطلب أحد بني الأنف وكان وصوله إلى باب السلطان يوم الرابع عشر من رمضان وغيرهم فكانوا يحضرون السماط في كل ليلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وفي الثامن والعشرين وصل الشريف صاحب تلمص في نحو من مائة نفر ما بين فارس وراجل وحصل في ليلة الحادي والعشرين من رمضان ريح شديدة من مضى الثلث الأول إلى مضى الثلث الثاني تقريباً وكانت الريح اشد ما تكون حرارة كأَنها تحمل لهب النار لشدة حرارتها وكانت الختمة ليلة الثالث والعشرين من الشهر وعمل السلطان سماطاً من الحلوى فيه شيء كثير ومن الشموم وسائر أنواع الطيب. وفي يوم السادس والعشرين زف محمل الحج في مدينة زبيد وساروا به إلى النخل يوم السابع والعشرين فدخل النخل في جمع عظيم من الفقهاءِ وغيرهم وصام الناس رمضان هذه السنة تسعة وعشرين يوماً وأفطروا نظراً لا خبراً. وفي يوم العيد ركب مولانا الملك الناصر إلى المصلى نائباً عن أبيه في كافة العسكر. وتقدم السلطان إلى البحر يوم الثامن من شوال فأقام فيه اثني عشر يوماً ثم ارتفع إلى النخل ومن النخل إلى زبيد فأقام في دار السرور وجهز محمل الحج إلى مكة المشرفة بما لابد مه من المال والكسوة والعسكر والأزواد ووهب للشريف محمد بن عجلان مائة رأْس من كرام الإبل خارجاً عما يعتاده من العادة القديمة وسار المحمل صحبته. وكان تقدم المحمل إلى مكة المشرفة من زبيد يوم الخميس السادس والعشرين من شوال وسار صحبته من الحاج قافلة عظيمة ودخل السلطان زبيد يوم الأحد التاسع والعشرين من شوال فأقام في دار السلطنة بزبيد إلى اليوم السابع من القعدة ثم تقدم إلى مدينة تعز يوم الثلاثاء الثامن من الشهر المذكور. وفي يوم الخميس السابع عشر من القعدة توفي القاضي سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن سالم في مدينة زبيد ودفن يوم الجمعة الثامن عشر عند تربة الشيخ أحمد الصباد من قبليها. وحضر دفنه من الناس عالم لا يحصون كثرة وكان من أفراد الزمن حازماً عازماً عاقلاً كاملاً حسن السيرة طاهر السريرة رحمه الله تعالى واستمر عوضه في جميع وظائفه القاضي عماد الدين أبو الغيث ابن أبي بكر بن علي الميت وكان استمراره يوم العشرين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الشهر المذكور وكان أكمل الموجودين بعد المتوفى إلى رحمة الله تعالى. وفي هلال ذي الحجة وقع على حجاج اليمن سموم عظيم في ناحية يلملم فهلك منهم طائفة عظيمة في يوم واحد يقال إن الذين هلكوا في ذلك اليوم أكثر من ألف وخمسمائة إنسان والله أعلم. وفي هذا الشهر المذكور أمر السلطان بعمارة الزيادة في الدار السلطاني بزبيد وهو القصر اليماني الذي هو قبالة مدرسة الميلين إلى ما يوازيها من الغرب. وفي يوم الثامن والعشرين من ذي الحجة حرقت قرية القرشية حريقاً عظيماً ولم يسلم منها إلا القليل من القرية السفلى. وفي سلخ الشهر المذكور وصلت هدية من الديار المصرية صحبة الحاج أحمد الخفاني. وفي أول سنة إحدى وثمانمائة أَغار المعازبة على قرية فشال فقتل منهم حشيبر بن علي بن حشيبر وأخذ فرسه وكان الذي قتله ولد الشريف داود بن مطهر. وفي يوم الخامس من الشهر المذكور أَغار الشريف والقرشيون على بلد المعازبة فقتلوا منهم ثلاثة أنفار وأُخذت رؤوسهم وحملت إلى زبيد ثم أغار المعازبة على أهل المخيريف بعد ذلك فقتل منهم جماعة اجتز منهم ثمانية نفر ودخلوا برؤوسهم إلى زبيد ثم جمعوا جمعاً آخر وأَغاروا على المخيريف أيضاً يوم العاشر من صفر فقتل من المعازبة نحو من ثلاثين رجلاً. وفي يوم الثالث عشر من شهر صفر خرج السلطان من تعز إلى زبيد وكان خروجه يوم الخميس عند طلوع الشمس فدخل المدينة حيس بين المغرب والعشاء من ليلة الجمعة ثم سرى فدخل زبيد عند طلوع الفجر من يوم الجمعة الرابع عشر من صفر المذكور. وفي يوم الاثنين السابع عشر من صفر المذكور وصل نحمل الحج وقافلة الحجاج وهدية من الديار المصرية. وركب السلطان في طلب الصيد نحو النخل يوم الرابع والعشرين من الشهر المذكور ورجع آخر يومه ثم تقدم إلى سرياقوس يوم الخميس السابع والعشرين من الشهر المذكور. فأقام هنالك يوم الخميس ويوم الجمعة ورجع إلى زبيد يوم السبت التاسع والعشرين. وفي ذلك النهار كسفت الشمس واتصل العلم إن صاحب أبين قتل جماعة من بني إبراهيم نحواً من عشرين شيخاً وقبض بيوتهم وخيولهم ولذلك ثارت فتنة شديدة بسبب قتلهم وكان الساعي في قتلهم الأمير شجاع الدين عمر بن قراجا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وفي شهر ربيع الأول ضرب الأرز من أملاك السلطان بوادي زبيد فوصلت الزفة الأولى يوم النصف منه مائتان وثمانون حملاً. ووصلت الزفة الثانية يوم الحادي والعشرين وهي نحو من الأولى ووصلت الزفة الثالثة يوم السادس والعشرين وهي دون التي قبلها بكثير. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور تقدم الأمير فخر الدين أبو بكر بهادر السنبلي إلى أبين. وفي شهر ربيع الآخر أوقع الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي بالعرب المفسدين في الجهات السرددية فقتل منهم جماعة ووصلت رؤوسهم إلى زبيد يوم السادس عشر من الشهر المذكور خمسة وعشرون رأساً ومن خيلهم سبعة عشر رأساً. وفي هذا التاريخ توفيت امرأة في زبيد كانت قد حجت وجاورت في الحرمين نحواً من سبع سنين. ووصلت في هذه السنة إلى زبيد مع قافلة الحجاج فأقامت أياماً وتوفيت هي وجاريتها في يوم واحد فلما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الأولى أصبحت الدعامة التي بنيت على قبر المرأَة تهتز اهتزازاً شديداً من غير محرك يحركها فخرج معظم الناس لمشاهدة ذلك وشاع خبرها في المدينة فخرج النساء والرجال ينظرون ذلك وكثر ازدحام الناس عندها فركب الأمير صاحب زبيد وأمر بهدم الدعامة فهدمت في يومها ذلك ومنع الناس من الخروج والوصول إليهما ثم أشار بعض الناس ببنائه صندوقاً وبنى عليه عريش فلما كان يوم الجمعة أصبح القبر يهتز كما كان في الجمعة الأولى يميل يميناً وشمالاَ فخرج أهل المدينة ولم يبق أحد من الأمراء وأكابر الناس إلا خرج لمشاهدته فاتصل علم ذلك إلى السلطان فلما كان وقت صلاة الجمعة ركب السلطان إلى الجامع في حاشيته وخدمه من المماليك والأمراء وسائر الرجال حتى وقف على قبرها ورآه وهو يميل يميناً وشمالاً فوقف عنده ساعة ثم رجع إلى الدار وكنت ممن حضر التربة المذكورة ورأَى ما هنالك عياناً لا تقليداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وفي يوم السابع من جمادى الأولى ظهر ولد السلطان وهو المسمى الظاهر وقيل المظفر. وفي يوم الخميس الثامن من الشهر المذكور وصل الأمير فخر الدين أبو بكر ابن بهادر السنبلي والطواشي جمال الدين جميل من عدن ووصل صحبتهم ولد صاحب ظفار وهو المسمى بالملك المجاهد فخرج في لقائه مولانا الملك الناصر أحمد بن إسماعيل الملك الأشرف وخرج معه قطعة من العسكر فلما دخل زبيد أكرمه السلطان وأنصفه وأخلى له مسكناً يليق به ولم يزل على الإكرام والإفضال إلى آخر السنة. ثم جهزه السلطان وزودّه وجرَّد معه عسكراً إلى بلاده فملكها واستولى عليها. وفي يوم الاثنين الثاني عشر قتل عمر بن علي بن سهيل بن الأقدر وكان سيد المعازبة في عصره قتله أهل التربية فأغار المعازبة يوم الثامن عشر إلى وادي زبيد فقتلوا من أهل بيدخة نحواً من عشرين رجلاً. وفي سلخ الشهر المذكور وصل الشريف يحيى بن أحمد بن الهادي بن الدين الحمزي إلى باب السلطان فأكرمه وأنصفه. وفي ليلة الاثنين الثالث من جمادى الآخرة كان عرس الأمير بدر الدين محمد بن زياد الكاملي على ابنة الأمير سيف الدين سنجر صاحب القحمة فقام به السلطان قياماً تاماً واحتفل احتفالاً عظيماً وسكنه في بيت الطواشي جمال الدين ثابت وهو بيت عجيب وحمل له إلى البيت المذكور فرشاً على اثنين وعشرين جملاً أنواعاً مختلفة وما يحتاج إليه من النحاس والصيني والأطباق والملابس شيئاً كثيراً وكساه كسوة فاخرة وقاد له حصانين مكملين وكانت الحضرة إلى باب الدار فحضر الوزير وسائر الناس والمقطعين والأمراء ووجوه الغز والسلطان مشرف عليهم وخرج مرفوعاً من باب الدار إلى البيت الذي هيء له وكانت المماليك الخاصكية تحمل الشمع المزهر أمامه وسائر المذكورين يمشون إلى أن وصل البيت المذكور وكانت ليلة مشهودة مذكورة. وفي يوم الأحد التاسع من الشهر المذكور تقدم السلطان إلى الجهات الحيسية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 بسبب اصطياد حمر الوحش فاصطاد في يوم الاثنين العاشر من الشهر المذكور هنالك عشرة رؤوس ثم رجع إلى محروسة زبيد فدخلها يوم الثلاثاء الحادي عشر من الشهر المذكور. وفي يوم الخامس عشر من الشهر المذكور تقدم الأمير بدر الدين محمد بن زياد الكاملي إلى ناحية ريسان من ناحية المداد. وفي يوم الخميس العشرين من الشهر المذكور اختصم رجلان إلى باب الوالي بزبيد فطلب أحدهما حكم الشريعة المطهرة فمنعه الوالي من ذلك فاستغاث بحاكم الشريعة فعجز القاضي عن استنقاذه فكتب القاضي إلى السلطان يشكو من الوالي وتعديه على حكم الشريعة المطهرة فأمر السلطان حينئذ من تقدم إلى الوالي وأخرجه من بيته إلى بيت حاكم الشريعة المطهرة إنصافاً للقاضي وإجلالاً له وللشرع الشريف فنهاه القاضي مشافهة عن معارضة الشرع وقصره عن ذلك وأخذ عليه أخذاً كلياً ثم قال تقدموا به إلى باب الدار فلما وصلوا به إلى باب الدار أشرف السلطان وشتمه ووبخه توبيخاً شديداً ولولا إن السلطان كان يجله لحسن سيرته في الناس ما سلم. وفي أول يوم من رجب اجتمع الفقهاء بزبيد وقصدوا القاضي مجد الدين محمد بن يعقوب الشيارزي قاضي القضاة يومئذ وسأَلوا منه أن يسمعهم صحيح البخاري فأًجابهم إلى ذلك وكانت القراءة في منزله يومئذ في البستان الذي له عند باب النخل فاجتمع لذلك خلق كثير من الفقهاء والأعيان واستمرت قراءَة الكتاب إلى أن ختم في تاريخه الذي يأتي ذكره إن شاءَ الله تعالى. وفي يوم الخامس من رجب المذكور تصدق السلطان بصدقة جليلة على فقراء أهل البلد وذلك على ما حقق ألفا مثقال من الذهب وأطلق في ذلك اليوم عدة من أصحاب السجن. وفي يوم الثاني عشر من رجب المذكور وأمر السلطان بعديد النخل في الوادي زبيد فابتدئ بالعديد يوم السبت الرابع عشر من الشهر المذكور. وفي يوم الثامن عشر وصل ولد القاضي نور الدين علي بن يحيى بن جميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 ووصل صحبته بخوانة جيدة وكان ختم قراءة البخاري يوم الثالث من شعبان وحضر من الناس عالك كثير نحو من ثمانمائة إنسان وحضر الختم عدة من الأعيان ووجوه الدولة كمشد الاستيفاء وأستاذ الدار وصاحب زبيد وعدة من أمثالهم وأجاز القاضي مجد الدين يومئذ لكل من سأَله الإجازة. قال علي بن الحسن الخزرجي تجاوز الله عنه وكنت ممن حضر الختم وسأَلته الإجازة فأجازني في جميع مقروءاته ومسموعاته ومستجازته ومصنفاته وكتب خطه بذلك لي ولأولادي وبعض أولادهم وهو الموجودون يومئذ جزاه الله خير الجزاء. وفي يوم العاشر من شعبان تقدم ولد القاضي نور الدين علي بن يحيى من جميع إلى عدن. وفي هذا التاريخ طلع القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر ابن معيبد الوزير بأمر السلطان وطلع معه صاحب شكع ليمكنه من الحصن. وكان أول السبوت يوم الثاني عشر من شعبان. وفي ليلة الخامس عشر من شعبان توفي القاضي شرف الدين حسين بن علي الفارقي الوزير الأشرفي وكان حسن السيرة له آثار حسنة رحمه الله تعالى. وفي يوم التاسع عشر من شعبان المذكور وصل صاحب حيس برجل يقال له عثمان بن مطير كان يسرق بالليل وينهب بالنهار ويأخذ كل سفينة غصباً. وكان قد كثر فساده في ناحية الحيسية فظفر به والي الجهة وأَمسكه ووصل بهِ إلى باب السلطان فأَمر السلطان بقطع يده ورجله من خلاف فأَقام أياماً بعد القطع وهلك. وصام السلطان هذه السنة رمضان في مدينة زبيد وكانت الختمة في دار السرور الذي هو خارج باب النخل وعيد السلطان في زبيد. وفي آخر يوم من رمضان وصل الأمير بدر الدين محمد بن زياد من ناحية المداد. وفي ثالث يوم من شوال نزل السلطان النخل ونزل الصندوق أيضاً لاستخراج أموال النخل وبعد أيام قلائل تقدم الأمير بدر الدين محمد بن زياد الكاملي إلى تعز في قطعة من العسكر ليكونوا شداده هنالك. ووصل الوزير من الجبل إلى باب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 السلطان يوم السادس من ذي القعدة. وكان السلطان على البحر فكساه السلطان كسوة حسنة وأعطاه ألف دينار. وفي يوم الثامن والعشرين من ذي القعدة ارتفع السلطان من النخل إلى زبيد وارتفع رسم النخل ودخل الصندوق زبيد وارتفع المشد والكتاب وانقطعت أحكام النخل. وفي يوم الاثنين غرة ذي الحجة أَقطع السلطان الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي القحمة وحمل له حملاً وعلماً وانفصل عنها سنجر. وفي يوم الثامن من ذي الحجة استمر الجمال محمد بن عمر بن شكيل في الأعمال الموزعية وعيد السلطان عيد النحر في زبيد وركب ولده الملك الناصر يوم العيد في كافة العسكر بحكم النيابة وكان عيداً حسناً. وفي هذه السنة المذكورة ارتفعت الأسعار في زبيد فبلغ سعر الذرة والدخن كل زبدي بدرهم. وعبرة الزبدي خمسون أوقية حباً. الأوقية عشر قفال بالختم المصري. وبلغ زبدي السمن بعشرة دنانير وعبرة زبدي السمن اثنا عشر رطلاً كل رطل عشرون أوقية وبلغ سعر البركل زبدي بدرهم ونصف وكان الوزف كل زبديين بدرهم وقل الدر في الدواب. ودخلت سنة اثنتين وثمانمائة والحال على ما ذكرنا. وفي أولها وصل الخبر بموت السلطان الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية وصلى عليه يوم الجمعة الثالث من محرم أول سنة اثنتين وثمانمائة في جامع زبيد. وكانت وفاته في شوال من سنة إحدى وثمانمائة وأمر السلطان بالقراءة عليه سبعة أيام في مدينة تعز وزبيد وعدن. وفي يوم الثامن والعشرين من المحرم المذكور خالف الأمير بدر الدين محمد ابن زياد بن أحمد الكاملي وكان السلطان قد تركه في مدينة تعز وأضاف إليه قطعةً من العسكر خيلاً ورجلاً رتبة هنالك ثم كتب إليه السلطان أن يتلقى خزانة عدن ويصل بها إلى زبيد. فلما خرجت الخزانة من عدن ولقيها الأمير بدر الدين فيمن معه من العسكر وكانت خزانة عظيمة فيها أموال جليلة من الذهب والفضة لكوك ومن الملبوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 والمشموم شيءُ كثير وسار معها جماعة من التجار بأَموالهم فعظم ذلك في عين الأمير وجزل عنده وربما حسن له ذلك بعض بطانته فاستولى على الخزانة بأَسرها وعلى من سار معها وسار بها نحو جبل سورق يريد طلوعه فلم يتفق له ذلك فقصد حصن سناج ووقف فيما بين بلد زبيد والعربيين وكان قد أضاف إليه السلطان طائفة من الحصون ورتب فيها ثقاته ونوابه فلما وصل علمه إلى السلطان بما كان منه أرسل السلطان الطواشي جمال الدين مرجان لقبض حصن ريسان أحد حصون المداد وهو أحد الحصون المنيعة وكان فيه نائب لابن زياد فلما وصل الطواشي إلى الحصن المذكور طلب نائب ابن زياد فلما وصل إليه أوقفه على أمر السلطان بقبض الحصن فأطاع وسلم الحصن إلى الطواشي فقبضه الطواشي من نائب ابن زياد فطلعه ورتب فيه ثقاته. فلما استقر فيه الطواشي وصلت كتب بن زياد إلى نائبه يأمره بحفظ الحصن وأن لا يمكنه أَحداً فندم النائب على تفريطه في الحصن وكتب إلى ابن زياد يعلمه بذلك إنه لم يصل كتابه إلا وقد وصل الطواشي مرجان بأَمر شريف انه يقبض الحصن فقبض الحصن ونزلت منه ولو سبق كتابك ما مكنته ولا كنت أمكن أحداً غيرك والسلام. ثم إن الطواشي مرجان شحن الحصن بالطعام والماءِ والحطب وأَمر علي النقيب الذي كان فيه بالتقدم إلى باب السلطان فتقدم إلى السلطان ووقف الطواشي في الحصن يعمره ويشحنه. وفي يوم الاثنين الخامس من صفر وصلت هدية من الديار المصرية أرسلها السلطان الملك الظاهر برقوق قبل وفاته وكان وصولها في التاريخ المذكور ووصل الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي بخزانة من الجهات الشامية وكان وصوله يوم الجمعة التاسع من صفر المذكور. وفي يوم الاثنين الثاني عشر من شهر صفر وصل الطواشي جمال الدين ظريف الدويدار من الجهات التعزية ووصل صحبته عسكر من صاحب بعدان وتقدم السلطان إلى تعز يوم الاثنين التاسع عشر من صفر وكان دخوله تعز يوم الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور ووصل إلى الأمير بدر الدين محمد بن بهادر اللطيفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 ووصل الأمير بهاء الدين الشمسي الجميع إلى باب السلطان فلما توافرت العساكر أَنقق السلطان على كافة العسكر نفقة جيدة فجردهم وحطوا على حصن سناج وأقاموا نحواً من نصف شهر في قتال ليلاً ونهاراً. فلما رأَى الأمير بدر الدين كثرة العساكر علم أنه لا طاقة له بمناصبة السلطان وتحقق إن ما كان معه من المال نفد وان العرب تأكله وربما باعوه فأرسل إلى السلطان من يطلب له ذمة شاملة فأَذم عليه السلطان على يد جماعة من الفقهاء والمشايخ والصوفية وتوثقوا له من السلطان ثم رجعوا إليه بالذمة الشريفة فسرى من الحصن الذي هو فيه ليلاً بغير علم من أَهل الحصن الذي هو فيه ومن أهل المحطة فأصبح على باب السلطان يوم الأربعاء الرابع من شهر ربيع الآخر فكان جملة خلافه أَربعة وستين يوماً. ولما وصل إلى باب السلطان كما ذكرنا قابله السلطان أحسن مقابلة وصفح عنه وكساه وأَعاده إلى احسن من حالته الأولى. وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة وقع في مكة حرسها الله تعالى مطر شديد وسالت أوديتها بمياه كثيرة فامتلأَ الحرم ماءً ودخل الماء إلى باطن الكعبة من بابها وكان الماء فوق عتبة الباب السفلي نحوا من شبر وحمل الماء منبر الخطيب عن موضعه إلى موضع آخر ومات في الحرم جماعة أدركهم الماء وعجزوا عن الخروج وخربت بيوت كثيرة ومات تحت الردم طائفة منهم والله أعلم. وفي آخر شهر ربيع الأول توفي الأمير بهاء الدين بهادر الأشرفي أمير جاندار السلطان وكانت وفاته في مدينة تعز في التاريخ المذكور وفي يوم الثامن من شهر ربيع الآخر ظهر ولد السلطان الملك الأشرف المسمى علي وتوفي ولد السلطان المسمى حسين بعده بقليل. وفي آخر الشهر المذكور وصل الشريف شمس الدين جحرية من صعدة في نحو من سبعين فارساً وخمسمائة قواس وفي أول شهر جمادى الأولى حرقت محل مبارك قرية من قرى وادي زبيد بأسرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه وصل السلطان إلى محروسة زبيد فأقام فيها أياماً ثم جرد العسكر المنصور إلى بلد المعازبة فوجدوا في نخل المدبي جماعة منهم فقتلوا منهم اثنين وعشرين رجلاً فيهم مرزوق بن الشجيج. وفي يوم السبت الخامس والعشرين من جمادى الأخرى وقعت رجفة عظيمة نصف النهار وانقض كوكب يحكى من رآه انه كان على هيئة القمر فانهدمت حينئذ مواضع كثيرة في الجبال. وفي ليلة الثاني من رجب جرد السلطان عسكراً إلى بلد المعازبة فيهم ولده الملك الناصر فقصدوا الردم فلم يجدوا فيه إلا الماشية فنهبوا ما وجدوا وقتلوا رجلين أو ثلاثة ورجعوا. وفي ليلة العاشر من رجب المذكور جرد السلطان عسكراً إلى فشال وعسكراً إلى المدبى وأمر بضرب المدبى وأمر على أهل وادي زبيد بالخروج فخرجوا صحبة العسكر المنصور. وفي ليلة الاثنين التاسع عشر منه أمر السلطان بخروج محمل الحج مزفوفاً في جماعة الفقهاء والقضاة وكذلك في يوم الخميس الثاني والعشرين وكذلك يوم الاثنين السادس والعشرين. وفي ليلة الخميس التاسع والعشرين توفي الفقيه عيسى بن موسى الزيلعي في مدينة زبيد عن نيف وتسعين سنة وحضر دفنه كافة أعيان الدولة. وفي يوم الخميس السادس من شعبان توفي الشريف إدريس بن عبد الله صاحب ظفار. وفي يوم الجمعة السابع منه وصلت هدية جليلة من صاحب الهند ووصل سفير السلطان وهو الذي يسمى مفلح التركي. وفي آخر ذلك اليوم توفي الشريف فخر الدين عبد الله بن إدريس بن محمد بن إدريس بن علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة في مدينة زبيد وقبر في حياط التربة المعتبية بأَمر السلطان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 وفي يوم الاثنين العاشر حصلت رجفة شديدة. واخبرني الفقيه تقي الدين عمر بن أحمد بن عبد الواحد قال بينما أنا وجماعة من الرعية في رأس الوادي زبيد وقت الضحى الأول إذ حصلت رجفة شديدة وكان أحد عمالة النخل حينئذ علي نخلة عندنا هنالك فكادت النخلة تسقط بالعامل. وكان قد انقض نجم قبل ذلك بساعة من ناحية المغرب إلى المشرق فوقع بين جبلين هنالك فاشتعلت النار حينئذ موضعه ثم حصلت الرجفة بعده بقليل. وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شعبان المذكور توفي ولد السلطان المسمى علي في مدينة زبيد وقبر في التربة المعتبية. وفي يوم العاشر من رمضان وصل الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي من الجبل في عسكر جيد من الخيل والرجل. وفي هذه السنة صام أهل زبيد شهر رمضان بالاثنين وصامه أهل المهجم بالأحد عن رؤية حكوها في كتبهم الواصلة إلى زبيد. وفي الخامس عشر من رمضان أمر السلطان ان تمنع النساء من اتباع الجنائز والنياحة على من مات وان لا يفرش على أحد من النساء ولا من البنات البتة. وفي اليوم التاسع عشر من رمضان استمر القاضي موفق الدين علي بن أبي بكر الناشري نائباً في القضاءِ الأكبر بأَمر السلطان. وكان القاضي مجد الدين قد سفر قاصداً للحج في غرة شهر رمضان إلى مكة المشرفة وصام أهل زبيد هذه السنة تسعة وعشرين وأفطروا عن رؤَية. وفي يوم الخميس ثالث شهر شوال سخط السلطان على الأمير بدر الدين محمد بن زياد الكاملي فقبض دوابه وغلمانه وأودعه حبس زبيد. وفي يوم الخميس ثالث الشهر المذكور نزل السلطان النخل وتقدم الأمير بهاء الدين الشمسي يوم العاشر من شوال إلى بلاده حرض وتقدم السلطان إلى البحر في التاريخ المذكور فأقام أياماً ورجع إلى النخل يوم الثالث عشر فكانت إقامته في النخل المسمى بالهاروني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وفي يوم الحادي والعشرين توفي الفقيه أحمد بن القاضي علي بن سالم عن سن عالية وكان من الأخيار رحمه الله تعالى. وفي يوم الثالث والعشرين من شوال احترق الحرم بمكة شرفها الله تعالى وكان سببه إن رجلاً من المجاورين يسكن في رباط العجم عند باب عزورة أطفأَ مصباحه عندما أراد أن ينام ففلت من الذبالة شيء من النار ووقع على شيء فاحترق ذلك الشيء فاحترق الموضع فلحقت النار سقف الرباط فاحترق ثم لحقت النار سقف الحرم فاحترق السقف والأساطين وكان حريقاً عظيماً لم يعهد مثله وأقامت النار في الحرم نحو من عشرين يوماً والناس في كل يوم يطفونها ولا تكاد تنطفي. وفي أول ذي القعدة استمر الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي في القحمة ومقدماً في فشال وانفصل ابن اللطيفي عن القحمة. وفي يوم السادس من ذي القعدة خرج رجل من باب النخل في محارة وكان محيراً بأَمر الأمير فلما صار في الباب أراد البوابون أن يختبروا ما في المحارة فضربوا عليها بالحديد فتوجع الرجل وأَنَّ فلزموا الجمل وأبركوه واخرجوا الرجل من المحارة وتقدموا به إلى الأمير فحبسه وحبس الجمال الذي ساق به الجمل ولما أَصبح في اليوم الثاني كحلهما معاً. وفي السابع من الشهر المذكور توفي الفقيه برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن أبي الخير وهو آخر من كان في بني أبي الخير من الفقهاء في ذلك العصر. وفي الخامس عشر من الشهر المذكور تقدم الأمير بدر الدين محمد بن بهادر السنبلي إلى قرية فشال وأصلحت المعازية على يده والتزموا بأداء الخيل وأمنت الطرق وسار الناس فيها آمنين. وأمر السلطان بطلوع ابن زياد إلى حصن تعز فسجن فيه هو وأصحابه. وفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من الشهر المذكور وقع مطر في مدينة زبيد ونواحيها من بعد طلوع الشمس إلى أذان العصر وتشعثت في المدينة بيوت كثيرة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 بيوت الناس وتتابع سيل الوادي زبيد ليلاً ونهاراً وسائر الأودية وربنا بلغ بعضها البحر وأتلف ثمرة النخل إتلافاً شديداً وصلى الناس الجمعة في ذلك النهار بالاجتهاد وبعضهم صلى الظهر مجتهداً أيضاً وعد الحاضرون يومئذ في جامع زبيد بضعاً وثلاثين فلذلك صلى الظهر جماعة منهم ثم بعد ساعة جاوزوا الأربعين فصلوا الجمعة من غير دلالة على بقاء الوقت الحقيقي ووافق ذلك اليوم من السنة الرومية سادس عشر تموز والله أعلم. وطلع السلطان من النخل إلى زبيد يوم الثامن من ذي الحجة وطلعَ الصندوق وارتفع رسم النخل يوم التاسع وتوارت الأمطار والسيول في قطر اليمن واتصلت الأودية بالبحر بعد أن استغنى الناس عنها وكانت سنة خصيبة كثيرة الخيرات بحمد الله تعالى. وفي النصف الأخير من ذي الحجة المذكورة ظهر ولد لمولانا الملك الناصر أحمد ابن مولانا السلطان الملك الأشرف وهو المسمى يوسف. وفي ليلة الخميس الحادي والعشرين من الشهر المذكور دفع الوادي زبيد دفعة عظيمة حتى قال طائفة من الناس لم يعهد مثلها أبداً وأخرب العقم الكبير المجاهدي وأخذ طائفة من محل طرقؤة وطائفة من محل حريرة وخف الماء في آخر ليلته تلك بحمد الله تعالى. وفي يوم السبت سلخ شهر ذي الحجة توفي الفقيه سراج الدين عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي الفقيه الحنفي النحوي وكان شيخ نحاة اليمن في عصره رحمه الله تعالى. وفي هذه السنة المذكورة ظهر جواد عظيم في زبيد ونواحيها وأتلف كثيراً من الزروع والثمار والأشجار. قال علي بن الحسن الخزرجي اخبرني الأمير نجم الدين محمد بن إبراهيم الشرف المتولي زبيد يومئذ قال اخبرني الفقيه تقي الدين عمر بن أحمد بن عبد الواحد. قال اخبرني بعض الرعية الثقات من أهل حارة وادي زبيد انه رأى حنشاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 كبيراً وقد خرج من جحره فأكل من الجراد شيئاً كثيراً حتى إنه عجز عن المسير إلى جحره فوقف في موضعه ذلك فوقع عليه الجراد حتى غشيه من كل ناحية ثم أكله الجراد ولم يترك منه شيئاً قال وأخبرني بعض الثقات من أهل الحاجزية وهي بحاءٍ مفتوحة وألف وجيم مكسورة بعدها زاي إنه رأى ديكا وقد انتشر الجراد في موضعه ذلك فالتقط ذلك الديك من الجراد شيئاً كثيراً وأكله حتى انتهى ثم وقع عليه الجراد فأكله جميعه ولم يترك منه إلا الريش وكان ظهور الجراد في آخر شوال من السنة المذكورة وأقام إلى آخرها. وأخبرني الفقيه علي بن محمد الناشري قال أخبرني بعض المسافرين في البحر إنه وقع في بلاد السودان زلزلة عظيمة أقامت أياماً متوالية دون العشر انهدمت فيها عدة مواضع وجبال كثيرة ثم حصل في ناحية منها نار عظيمة لها دخان عظيم وهربت الناس من ذلك الموضع وأقامت النار أياماً والدخان متراكم ثم تجسم ذلك الدخان وصار خيالاً في ذلك الموضع ولم يعهد قبل ذلك هنالك شيءُ من الخيال وكان هذا كله في أثناء النصف الأخير من السنة المذكورة والله أعلم. وفي أول سنة ثلاث وثمانمائة استمر القاضي رضي الدين أبو بكر بن القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر بن معيبد ناظراً في الثغر المحروس بعدن عوضاً عن القاضي جمال الدين محمد بن عمر الشتيري واستمر الأمير سيف الدين قيسون أميراً بها عوضاً عن الأمير فخر الدين أبي بكر بن بهادر العدني. وفي عاشر المحرم توفي الفقيه نور الدين إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخير وكان شاباً حديث السن محبباً قد ظهرت عليه إمارات الفلاح وكان ذكياً مجتهداً في طلب العلم رحمه الله تعالى. وفي سلخ المحرم وصل الجمال محمد بن عمر بن شكيل من الجهات الشامية إلى باب السلطان بزبيد وحصل على السلطان وعك شديد في التاريخ المذكور وقلق الناس من أجله قلقاً شديداً ثم منَّ الله عليه بعافيته وركب من الدار السلطاني بزبيد إلى دار السرور يوم الجمعة ثاني عشر صفر فأقام فيه أياماً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وفي مدة إقامته وصلت خوانة من عدن وكان وصولها يوم الخامس عشر من صفر المذكور. وفي اليوم الثامن والعشرين من صفر توفي الفقيه الصالح تقي الدين عمر بن مظفر وكان وفاته في مدينة زبيد وقبر في مقبرة باب القريب عند قبر الفقيه أبي بكر الحداد وكان رجلاً عالماً صالحاً باذلاً نفسه لطلبة العلم في سبيل الله عرض عليه التدريس في عدة مواضع فكره الأسباب كلها ولم يعلق بشيء منها رحمة الله وأعاد علينا من بركاته. وفي تاريخ وفاته تماماً حصل على السلطان ألم شديد أشد من الأول فأقام أياماً ينتقل من موضع إلى موضع فلم يجد راحة فعزم على الطلوع إلى تعز فتقدم يوم الخميس الثاني من ربيع الأول فأقام في حيس أياماً بسبب الألم الذي يجسده ثم سار إلى تعز فكان دخوله تعز ليلة الأربعاء الثامن من ربيع الأول المذكور فأقام في دار الوعد عشرة أيام مريضاً ثم توفي إلى رحمة ربه في ليلة السبت الثامن عشر من الشهر المذكور رحمه الله تعالى. قال علي ابن الحسن الخزرجي أخبرني القاضي موفق الدين علي بن أبي بكر الناشري قال توليت غسله بوصية منه وأعانني على ذلك الفقيه جمال الدين محمد بن صالح الدمتي وبعده الفقيه موفق الدين علي بن محمد فخر وشاهدت عليه من جلال والبهجة والنور ما ينشرح له الصدر وبالغت في تنظيفه وتطهيره وهو نظيف طاهر حتى بلغت به أكمل الفرض والسنة وكفنته بالثياب البياض وطيبته بالمسك والكافور ونزلت به إلى مدفنه وحليت عنه الرباط والصقت خده بالتراب ووجهته إلى القبلة الشريفة وودعته وعوت له رحمه الله تعالى. وكان تشييعه إلى تربته والصلاة عليه يوم السبت المذكور فيما بين صلاة الظهر والعصر ودفن رحمه الله تعالى في مدرسة الأشرفية التي أنشأها في ناحية عدينة واستمرت القراءة عليه سبعة أيام وصلى عليه في سائر مدن اليمن وقرئ عليه في كل مدينة سبعة أيام وأصاب كافة الناس عليه أسف شديد. وكان رحمه الله خير ملك وسيرته سيرة جواداً كريماً هماماً حليماً رحيماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 ورؤفاً مشفقاً عطوفاً ولم يكن في ملوك العصر مثله. ومن مآثره الدينية التي أنشأها في مدينة تعز وخارجها مدرسة حسنة الشكل لها بابان شرقي وغربي وباب يماني ومقدم فسيح وشمسه رحيبة وتكوين عجيب وابتنى فيها مطهراً نفسياً ورتب فيها إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً على مذهب الإمام الشافعي ومعيداً وعدة من الطلبة ومدرساً يتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدرساً في النحو والأدب وجماعة من الطلبة أيضاً ووقف فيها عدة من الكتب النفائس في كل فن وأوقف على المدرسة المذكورة وعلى المرتبين فيها وقفاً جيداً يقوم بكفايتهم وهو الذي زاد الزيادة الشرقية التي في جامع عدنية بمدينة تعز من الناحية الشرقية وهي زيادة حسنة نفيسة انتفع بها جماعة الجامع المذكور نفعاً عظيماً وابتنى جامع قرية مملامح بزبيد وأنشأ فيما بين قرية السلامة وحيس ثلاثة سبل وهو الذي أحدث بستان سريا قوس الأعلى من وادي زبيد وغرس فيه غرائب أنواع الشجر وأول من زرع الأرز بوادي زبيد وكان رحمه الله غاية في الظرف واللطف ومكارم الأخلاق وجمال الصورة وحسن السيرة والتودد إلى الخلق ومحبة العلماء والعلم. ورثاه جماعة من الشعراء منهم الفقيه النبيه شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري وغيره واثبت قصيدته لموافقة المعنى المقصود وهي هذه وبها ختم الكتاب هو الدهر كرت بالخطوب كتائبه ... وعضت بأنياب حداد نوائبه فإن كان هذا الدهر مالا صروفه ... على دكها الطود المنيع جوانبه فما جدعت إلا لمارن أنفه ... ولا جب إلا ظهره وغواربه لقد كورت في ذلك اليوم شمسه ... وأمست تهادى في الدياجي كواكبه فوا أسفا للمجد طاف به الردى ... وقامت على رغم المعالي نوادبه وأمسى أبو العباس من بعد ملكه ... معفرة تحت التراب ترائبه وحيداً ببطن الأرض من فوقه الثرى ... تمر به أخدائه وحبائبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وقد ملأت عرض الفيافي جنوده ... وطبقت الدنيا خيولاً مواكبه فلو كان يغني في الدرى دفع دافع ... لردت وجوه الحطب عنه كتائبه ولكنها الأقدار تنفذ في الورى ... بأمر إله أمره لا نغالبه فيا لهف نفسي كيف أطفئ نوره ... وكيف خبا بعد الإضاءة ثاقبه وكيف أصابته المنايا بسهمها ... ولم يغن عنه جيشه ومقانبه فيا أيها الباكون حول ضريحه ... على مثله فليسكب الدمع ساكبه فجعتم بملك كلاب البر مشفق ... بوادره مأمونة وعواقبه فقدتم به ما تعلمون من الوفا ... ومن كرم ما خاب في الناس طالبه إذا أوعد الجاني تغشاه عفوه ... وإن وعد العافي غشته مواهبه وما عذر عين لم يفض فيه ماؤها ... وما غدر صبر لم تداع جوانبه عليكم له حق فوفه حقه ... وكيف يوفى بالمدامع واجبه فوالله لو تبكى الدماء عيوننا ... لما قاربت من حقه ما يقاربه لقد كان منا يحسن الموت بعده ... لو أن أمراً قد مات إذ مات صاحبه ولولا الذي نرجو ونعلم إنه ... ممهدة أعلى الجنان مراتبه وإن له في حضرة القدس منزلاً ... يشاهد منه ربه ويخاطبه لما انفك دمع العين حزناً وحسرة ... عليه من الباكين تجري شعائبه فلا يخدعن الدهر من بعده أمراً ... فما الدهر الا ضيغم أنت راكبه يصافى الفتى حتى يرى فيه فرصة ... فينشب فيه نابه ومخالبه أبا أحمد أسلمت أمة أحمد ... إلى أحمد فاستسلم الحق صاحبه وقام بأمر الله من بعد ما عفت ... معالمه فينا وغارت كواكبه وشمر عن ساق امرئ همه العلى ... يجاذب من أطرافها وتجاذبه وأمن من خوف وقرب من نوى ... وساس البرايا وهو ماطر شاربه ودانت له الدنيا وأذعن أهلها ... وأرضت صعاب الحادثات تجاربه كريم أهان المال بذلا ومن يهن ... لسائله أمواله عز جانبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 أنارت به الآفاق والشمس أشرقت ... بطلعته والليل تجلي غياهبه فيا ناصر الإسلام صبراً فإنه ... متى مر طعم الصبر سرت عواقبه لقد كنت نعم الجبر للكسر بعده ... فيالك صدعاً لمَّ فلقيه شاعبه سقى قبره الفياض بالجود والندى ... سحاب ملث ليس يقلع راتبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262