الكتاب: البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: فردناد واسطون فيلد Ferdinand Wüstenfeld ( مستشرق ألماني) طبعة: جوتنجن، ألمانيا عام 1847 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   النسخة الإلكترونية بآخرها (عن مطبوعة أخرى): "دراسات في تاريخ العروبة في وادي النيل، أعدها عبد المجيد عابدين" ---------- البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب المقريزي الكتاب: البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) المحقق: فردناد واسطون فيلد Ferdinand Wüstenfeld ( مستشرق ألماني) طبعة: جوتنجن، ألمانيا عام 1847 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   النسخة الإلكترونية بآخرها (عن مطبوعة أخرى): "دراسات في تاريخ العروبة في وادي النيل، أعدها عبد المجيد عابدين" الباب الأول: البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي النعم الجزيلة والآلاء الجمة الجليلة، أحمده على ما علم وفهم هدى إلى الطريق الأرشد الأقوم حمدا كثيرا أثيراً بثيراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبعوث إلى الكافة أجمعين، والمقدم في الفضل على سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين صلاة وسلاما باقيين إلى يوم الدين. وبعد فهذه مقالة وجيزة في ذكر من بأرض مصر من طوائف العرب قيدتها لنفسي ولمن شاء الله تعالى من أبناء جنسي والله أسأل المعونة بمنه. اعلم أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر وجهلت أحوال أكثر أعقابهم، وقد بقيت من العرب بقايا بأرض مصر فمن بقي: ثعلبة وهي بالشام مما يلي أرض مصر إلى الخروبة وهي من طيء ينسبون إلى ثعْلَبَةَ بن سَلاَمَاَنَ بن ثعل بن عَمْرو بن الغَوْث بن طيء بن أُد بن زَيْدِ بن يَشْجُبَ ابن عريب بن زيد بن كَهْلاَنَ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 سَبَا بن يَشْجُبَ بن يَعْرُبَ بن قَحْطًانَ. وثعلبةُ هذه بطن دِرْماً وزريق وكانوا يداً مع الفرنج لما ملكوا البلاد في الإسلام. قَدِرْما في يمن فخذٌ في طيء. هم بنو عمرو بن عوف بن ثعلبة بن سلامان، ودِرما هي أمُّ عمرو المذكور. فاعقب دِرما من أربع أفخاذ لصلبه وهم سلامة والأحمر وعمرو وقصير وأوس أولاد دِرما وهم بنو عمرو ابن عوف. وزُرَيْقٌ هو أخو درما ابني عوف بن ثعلبة بن سلامان. ومن أفخاذ زُريق أشعب ولبنى وثعلبة وعنين ونبل. ومن درما البقعة وشبل من ولد نافع بن ثروان والحنابلة والمروانية والحبانيون. ومن زريق بنووهم والطلحيون، وفي الطلحيين آل حجاج وآل عمران والمصافحة وكان مقدمهم شقير بن جرجي، أُمِّر بالبوق والعلم. وفي بني زريق عدة بطون أيضا، وكان مقدمهم عمرو بن عسيلة أُمِّر بالبوق والعلم. وجرم وهم من طيء ثم من بني جرم، واسمه ثعلبة بن عمرو ابن الغوث من طيء. وجرم امرأة حضنت ثعلبة هذا فغلبت عليه وعرف بها ثم جرم هذه هي فخذ بني شَمَجَي وجيّان ابني جرم ومن جرم هذه نفر مع ثعلبة طيء الذين تقدم ذكرهم كانوا يداً مع الأفرنج لما تغلبوا على البلاد. وجرم هذه غير جرم قضاعة. فانهم بنو جرم واسمه علاف بن ربّان براء مهملة وباء موحدة مشدّدة ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وجرم قضاعة ينزلون من الشام ببلاد غزة والدّ اروم " موضع قريب غزة " مما يلي الساحل إلى بلد الخليل عليه السلام. وفي جرم طي من ينزل الشام أيضأ، ومن جرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 قضاعة بنو جشم وبنو قدامة وبنو عوف. وفيهم أيضا جرم بجيلة وجرم عاملة. ومن جرم طي شَمَجَي ويقال شمجان وقمران وجيان. فلما فتح السلطان صلاح الدين بن يوسف بن أيوب بلاد غزة وأعادها الله من أيدي الفرنج إلى المسلمين جاءت ثعلبة وطائفة من جرم إلى مصر وبقيت بقايا جرم مكانها. والمشهور من جرم هذه جذيمة ويقال إن لهم نسباً في قريش وزعم بعضهم أنها ترجع إلى مخزوم، وزعم آخرون أنها جذيمة بن مالك بن حَسل ابن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، وجذيمة هذه آل عوسجة وآل اْحمد وآل محمود وكلهم في إمارة شاور بن سنان ثم في بنيه، وكان لسنان أخوان فيهما سُؤْدَد وهما غانم وخَضر، ومن جذيمة هؤلاء جمائع الرائدين جماعة منصور بن جابر وجماعة عامر بن سلامة ومنهم بنو أسلم وأسلم هذه من جذام لا من جذيمة وإنما اختلطت مع جذيمة، ومنهم شبل ورضيعة جرم والنمور والقَدَرَةَ جماعة عليم بن رميح والأحامدة والرفثة وكور من جرم جماعة جابر بن سعيد وموقع وكان كبيرهم مالك الموقعي وكان مقَدَّماً عند السلطان صلاح الدين وأخيه العادل أبي بكر. ومنهم بنو غور ويقال هم من جرم ابن جُرْمز من سنبس، ومن هؤلاء العاجلة والضمان والعبادلة وبنو تمام وبنو حميل ومن بنى حميل بنو مقدام ومن بنى غور آل نادر وبنو غوث وبنو بهي وبنو خَوْلَة وبنو هرماس وبنو عيسى وبنو سهيل وأرضهم الداروم، وكانوا سفَراء بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الملوك وجاورهم قوم من زبيد يعرف ببنى فُهَيْد ثم اختلطوا بهم وأما جرم طىء فأنها تنزل من أرض مصر وسنبس وهم من طى ينسبون إلى سنبس بن معاوية ابن جَرْوَل بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طى، وفي سنبس أفخاذ وعشائر كبنى لبيد وعمرو وعَى وأبان وجَرْم ومحصبوقُنَّة. فأما بنو عمرو فهم يدعون بنى عقدة وعقدة أْمُّهم وإنما هم بنو عمرو بن سنبس بن معاوية ومنهم الخزاعلة وأصلهم قُنَّة بن جلاد بن حيان بن حميد بن خَزْعل بن عايد 'إحدى عشائر سنبس بن معاوية بن جرول. والى قُنَّة هذا ينسب معالى بن فُريْج مُقَدَّم سنبس، كان بالبحيرة وله جوارُ ومُروءة وفيه كرم وشجاعة وقُتل صَبْراً في دار الراحة بالقاهرة. وكانت سبنس تنزل بفلسطين والداروم قريباًمن غزة، وكثروا هناك واشتدت وطأتهم على الولاة وصعب أمرهم، فبعث الوزير الناصر للدين أبو محمد الحسن بن على عبد الرحمن اليازورى إليهم في سنة اثنين وأربعين وأربعمائة يستدعيهم وأقطعهم البحيرة من أراضي مصر. فكانت البحيرة يومئذٍ منازل بني قرة من بطون ضُبَيْبِ بن جذام فنجعت سنبس وعدت إلى البحيرة وأوطأهم الوزير ديار بني قرة وأقطعهم أرضهم وديارهم فاتسعت أحوالهم وفُخم أمرهم وعظم في أيام الخلفاء الفاطميين شأنهم. ولم يزالوا بالبحيرة إلى أن كانت سلطنة المعز عز الدين أيبك التركماني أول ملوك الترك بديار مصر وأنفت عُربان مصر من تملكه عليهم لأنه مملوك من جملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 المماليك البحيرة قد مسه الرق فاجتمعوا وأقاموا الشريف حصن الدين ثعلب بن الأمير نجم الدين علي بن الأمير الشريف فخر الدين اسماعيل بن حصن الدولة مجد العرب ثعلب الجعفري في سنة احدى وخمسين وستمائة، فقاتلهم الأتراك وأمسكوا الشريف وأصحابه. ثم مضوا بعد موقعة دروط إلى ناحية سخا بالغربية وقد اجتمع بنو سنبس ولواتة ومن معهم، فأوقعوا بهم وقعة شنيعة قتلوا فيها رجالهم وسبوا حريمهم ونهبوا أموالهم فذلت سنبس بعد ذلك وقلت وصارت متفرقة بالغربية. وكان من حلفاء سنبس عُذْرَةُ ومُدْلج، ويجاورهم فرقة من كنانة بن خزيمة كان مقدمهم في خلافة الفائز بنصر الله عيسى بن الظافر ووزارة الصالح طلائع بن رزيك لآخرين. ويجاورهم فرقة من بني عدي ابن كعب رهط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومقدمهم خلف بن نصر بن منصور بن عبيد الله بن علي بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، العُمري، ونزلوا بالبرلُّس، وكانوا هم والكنانيون من ذوي الأشارة المذكورة في نوبة دمياط. وخَلَفٌ هذا هو جد بني فضل الله بن المحلى بن دعجان بن خلف بن نصر الذين وَلُوا كتابة السر لملوك الترك بالقاهرة ودمشق نحو مائة سنة. وجُذَام، وهم بنو جذام، واسمه عامر ويقال عمرو بن عدي بن الحارث بن مُرَّة ابن أُدَد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وهم أخوة لخم واسمه مالك وإيما قيل لهما لخم وجذام من أجل أنهما تخاصما، فجذم جذام بفمه اصبعَ لخمٍ أخيه فقطعها والجذام القطع، ولخم لَخْمٌ وجه أخيه جذام أي لطمه فخصر عينه فسمي لخماً. وقيل سبب تسميتها بذلك غير هذا. وقد اخُتلف أيضاً في نسب جذام فقيل جذام بن عدي بن عمرو بن سبأ. وقيل جذام ولخم ابنا عدي بن عمرو بن الحارث بن مرة، وقيل إن قنص بن معد بن عدنان هو أبو لخم، وأن أسْدَةَ بن خزيمة بن أخا أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر هو أبو جذام وأن جذام لحقت بالشام فانتمت إلى سبأ ولحقوا باليمن. وفي جذام عدة أبطن وأفخاذ وعشائر كبني ضُبَيْب بن قُرط بن حُفَيْدَةَ ابن نُبَيج. وفي بني ضبيب عدة أفخاذ وهم بنو سُويد وبنو زيد وبنو بعجة وهلبا سويد وهلبا مالك وهلبا بعجة وبردعة ورفاعة وناثل وبنو مسعود وبنو الوليد وبنو منظور وبنو قرة الذين كانوا بالبحيرة قبل سنبس وبنوا ردَّاد ومحرمة رهط رفاعة بن زيد جد بني روح من الصحابة. فأما سويد فانهم بنو سويد بن زيد بن مية بن الضبيب المذكور وأما زيد فبنوا زيد بن أمية بن الضبيب، ومنهم سعد بنو سعد بن أبامة ابن غطفان. ومنهم روح، ومنهم قرط ابن حفيدة ابن نبيج، ومنهم حرام وجشم وغطفان ونبيج، بنو عبيد ابن كعب، وحَطَمة بنو عوف ابن شبوة بن بديل بن جشم بن جذام، ومنهم طريف بن ثعلبة بن عذرة بن عوف بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 طابخة بن مالك بن أسلم بن الهون ابن أسعد بن بكر بن بديل بن جشم بن جذام ويقال طابخة بن الهون بن شبوة بن بديل بن جشم، ومنهم عبيد بنو عبيد بن كعب بن علي بن سعد بن أبامة بن غظفان، منهم بنو صليع وبنو الضبُّيب وبنو زيد وبنو سُويد وبنو رذالة، ويقال رذالة بن نبيج بن عبيد المذكور وهم إخوة بنى حفيدة وصليع، ومنهم بنو شاكر بن الضبيب بن قرط، ومنهم زهير ومالك وأفصى، ومنهم عمرو بنو عمرو بن مالك بن الضبيب بن قرط وبنو عمرو بن سود بن بكر بن بديل بن جشم بن جذام فخذ بنى حُبيسْ، وبنو عمرو بن مطرود بن كعب بن على بن سعد بن أبامة بن غطفان، ومنهم عايدة وصبرة وجابر، وفى صبرة هذه بنو جذام بن صبرة بن نصرة بن غنم بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام بن جذام فخذ، وكان من بنى سويد الأميرُ المقدمَّ زينُ الدولة طريفُ بن مكنون أحد الكرام من كبراء الأمراء الحذاميين بمصر كان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفاً تأكل عنده كل يوم. وكان يهشم الثريد في المراكب. ومن أولاده فضل الله شمخ بن كمونه وإبراهيم بن عالي وأُمِّر كلُّ منهما بالبوق والعلم. ومن جذام بنو كعب بن علىبن سعد بن أبامة " وهم " فخذ من الضبُّيب عشيرة بني زيد وسويد ومية. ومن بني كعب بنو صليع بصاد مهملة وبنو مطرود ونفاثة ورُذالة،، ومن جذام بنو كميل بن قُرةَّ بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد بن زيد بن ضُبَيْب وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 جماعة صلاح وطارف من مقدمي جذام بالحوف، ومساكن جذام بالحوف، وراشد وهم في يمن ويجمعهم فخذان، وعشيرة في جذام من بني سويد ثم من بني عقبة. فالتي في سوُيد ولد راشد بن وليد بن سويد بن زيد بن مية من بني الضُّبَيْب بن قرط بن حفيدة بن نبيج بن عبيد بن كعب بن علي بن سعد بن أبامة بن غطفان وقيل أبامة بن عُبَيْس بن غطفان بن سعد ابن إياس بن حرام بن جذام، ومن بني راشد هذه بنو حية بن راشد، منهم عروة بن تمام وماضي بن الغريب وبنو عامر بن راشد منهم صخر بن عمارة وبنو حلمة من بني منيع إحدى بنى عامر. وأما العشيرة ففي هلبا سويد بنو راشد بن هلبا بن مالك بن سويد. وأما التي في بنى عقبة فولد راشد بن عقبة أحد بني محرمة من بني ميًّةَ من بني الضُّبَيْب المذكور، منهم بنو حميد بن صالح ابن راشد من عشيرة في عقبة، منهم جؤذر بن حميد وله عقب. ومن بطون الحميديين البراجسة والجواشنة والكعوك وأولاد غانم، ومن جذام هلبا وهي هلبا سويد وهلبا بعجة، فهلبا بعجة هو أبو الفوارس هلبا بن بعجة بن زيد بن الضُّبيب ابن قرط بن حفيدة " ابن نبيج " وهلبا سويد هو هلبا بن مالك بن سويد بن زيد ابن ضُبيب المذكور. فمن هلبا بعجة الذواهبة والجزازرة والنجاد والغياث وبنو منظور والعَبَسة وبنو ثابت وبنو قبيصة وأمراؤهم أولاد بقر بن نجم ومن هلبا سويد بنو عمرو وفيهم العطويون أولاد شاس ومنهم العطويون والحميديون والجابريون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 والغتاورة ويقال لهم أولاد طوّاح المكوس. وبنو عقبة وهم من جذام ينسبون إلى عقبة بن عبيد بن مالك بن سويد بن زيد بن الضبيب وقالوا الضبيب بن قرط بن حفيدة بن عمرو بن صليع بن نبيج بن عبيد بن كعب بن سعد بن أبامة بن غطفان بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام. وبعضهم يقول حفيدة بن عمرو بن صليع بن نبيج بن كعب بن سعد بن إياس بن عبيس بن حرام بن جذام، ومنهم من أوصل عقبة جذام بإياد بن نزار وجعلهم ناقلة من نزار إلى جذام بن عبيس بن عبد عمرو بن وهم بن كعب بن إياد بن نزار. وإلى هذا الفخذ يرجع كل عُقبى ببلاد الشام وبحوف مصر وما بين أيلة وحوف مصر. ولبني عقبة من عقبة أيلة إلى داما قريب عينونة. والعايذ بياء آخر الحروف وذال معجمة هم بطن من جذام ينسبون إلى عايذ الله وقيل ينسبون إلى عايذة إحدى بطون جذام، وللعايذ من القاهرة إلى عقبة أيلة، وبنو رداد بن بعجة بن زيد بن مية بن الضبيب بن قرط بن حفيدة ابن نبيج بن عبيد بن كعب بن علي بن سعد بن أبامة بن غطفان بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام، منهم بنو ذؤيب بن مناة المجرس وبنو ذواد بن سنان وفيهم من يسكن الشام، وبنو زيد مناة بن أفصى بن إياس بن حرام ابن جذام منهم بنو كنانة وبنو روح وبنو كلب، وبنو سعد من جذام. وفي جذام خمس سعود: سعد بن إياس بن حرام بن جذام، وسعد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 مالك بن زيد بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام وإليه ينسب أكثر السعديين، وسعد بن مالك بن حرام بن جذام، وسعد بن أبامة بن غطفان وقيل سعد بن أبامة بن عبيس بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام ابن حذام، وسعد بن مالك بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام والخمسة اختلطت في مصر، وأكثرهم مشايخ البلاد وخفراؤها ولهم مزارع وفسادهم كثير. ومسكنهم من منية غمر إلى زُفَيْتا ومنهم الوزير شاور وإليه ينسب بنو شاور كبار منية غمر ومنهم بنو عبد الظاهر الموقعون ومنهم أهل برهمتوش ومن هؤلاء بنو شاس. ومن سعد هذه بنو الضبيب وبنو زيد وبنو سويد وبنو مية، وفي سويد بني زيد بن مية بنو قرة وبنو وليد وبنو صبرة بن نصرة ابن غطفان بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام ويقال صبرة ابن نصرة بن غنم ابن غطفان وسطر أولاد سطر ابن مالك بن حرام بن جذام وإلى بني صبرة مرة بن الحجاج وإلى بني صبرة درك بركة الحجاج إلى آخرها ومن بنو سعد بنو شاس وجوشن وعلان. رة وبنو وليد وبنو صبرة بن نصرة ابن غطفان بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام ويقال صبرة ابن نصرة بن غنم ابن غطفان وسطر أولاد سطر ابن مالك بن حرام بن جذام وإلى بني صبرة مرة بن الحجاج وإلى بني صبرة درك بركة الحجاج إلى آخرها ومن بنو سعد بنو شاس وجوشن وعلان. وبنو قرة من قيس في هلال بن عامر، وهم بنو قرة بن عمرو بن ربيعة ابن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وفي نزار بن إياد بنو قرة بن عدي بن نسر بن رذالة بن نبيج بن كعب بن سعد بن إياس بن عبيس ابن عبد عمرو ابن وهم ابن كعب بن إياد ويقال إن هذه الفخذ انقلبت في جذام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ولما قدم الغز صحبه أسد الدين شيركوه إلى مصر كان بأرض مصر من العرب طلحة وجعفروبلى وجهينة وسيبان وعذر وعذرة وطيء وسنبس وحنيفة ومخزوم. وفي جرائد الدولة الفاطمية منهم ألوف. وجذام من قدماء عربان مصر قدموا مع عمرو بن العاص. وكانت لهم عدة إقطاعات منها هُرْبَيط وتل بَسْطه ونوب ورم وغير ذلك. وكان إقطاع ثعلبة جميعه في مناشير جذام وإنما السلطان صلاح الدين وسع لثعلبة في بلاد جذام وكذلك كانت فاقوس وما حولها لهلبا سويد. وأمرّ جماعة منهم بالبوق والعلم، فَممَّنْ أمر منهم أبو راشد بن حبشي بن نجم بن إبراهيم بن مسلم بن يوسف بن واقد بنغدير بن عقيل بن قرة بن موهمب بن عبيد بن مالك بن بن سويد. ودحية ونابت ابنا هانيء بن حوط بن نجم بن إبراهيم. ولم تزل الإمرة في نجم وبنيه. وكانت البَرَمون للحيادرة ولد حيدرة بن معروف بن معروف بن حبيب ابن الوليد بن سويد وهم طائفة كثيرة. ولبنى عمارة بن الوليد بن سويد وفيهم عدد. وممن أمرّ معبد بن منازل وأقطع لمنى أبو جعشم من ولد مالك بن هلبا بن مالك بن سويد. وأمرّ واقتنى عدة من المماليك الأتراك والروم " وغيرهم " وبلغ من الملك الصالح نجم الدين أيوب منزلة وارتفع من قدره في سلطنة المعز أيبك وقدَّمه على عرب ديار مصر. ولم يزل على هذا حتى قتله غلمانه، فأقام الملك المعز ابنيه سلمى ودغش عوضه، ثم قدم دغش دمشق فأمّره الملك الناصر يوسف ببوق وعَلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وأمرّ الملك المعز أيبك أخاه سلمى كذلك فأبى حتى يؤمّر مفرج بن سالم بن راضى من هلبا بعجة " فأُمّر " ثم أُمِّر " بعدهما " مزروع بن نجم كذلك في جماعة كثيرة من جذام وثعلبة. وخَلفَ بن سالم على إمْرته ولده حسّان بن مفرج وكان مهيا ابن علوان بن على بن زبير بن حبيب بن ناثل من هلبا جوادا كريما: طرقته ضيوف في شتاء وليس عنده حطب يقده لطعامهم الذي أراد أن يصنعه لهم، فأوقد أحمالاً من برِّ كانت عنده. وكان له كفر برسوط بنواحي مرصفا وكان لبني رديني بن زياد بن حسين بن مسعود ابن مالك بن سويد تل محمد. ومنهم أولاد جياش بن عمران. وكان للشواكرة أولاد شاكر بن راشد بن عقبة ابن محرمة شنبارة بنى خصيب. وكان أدلاّء الحاج في أولاد العجار من أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. وحميدة بن صالح بن راشد بن عقبة ذوو عدد يعرفون به. ومهم فرقة بالحجاز من واصل بن عقبة. وكان لبني خليفة وحصن من بني عبيد موضع من حقوق هُرْبيْط يعرف بالأحراز. وكانت زهير بالشام وامتزج من كان بديار مصر منهم بولد زيد وهم بحري الحوف إلى مايلي اشموم. وكانت قرارة بنى سعد بَدَ قَدُوس من تل طنبول إلى نوب طريف، ومنهم بدقدوس ودمريط وضواحي القاهرة إلى أطراف الشرقية. وبالإسكندرية من جذام ولخم جماعة ذوو عدد وعدة وشجاعة وإقدام ولهم أيام معلومة وأخبار معروفة ووقائع مشهورة. وببلاد الصعيد عدة قبائل من العرب، ففي بلاد أسوان وما تحتها بنو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هلال، وفي بلاد إخميم وما تحتها بلى، وفي بلاد منفلوط وأسيوط جهينة، وفي بلاد الأشمونين قريش، وفي معظم بلاد البهنسا لواته، ومنهم طوائف بالجيزة وبالمنوفية وبالبحيرة. وببلاد الفيوم بنو كلاب فأما بنو هلال فإنهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ويقال قيس ابن عيلان بالعين المهملة ابن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. وبنو هلال بطن من بني عامر وكانوا أهل بلاد الصعيد كلها إلى عيذاب، وباخميم منهم بنو قرة وبساقية قلته منهم بنو عمرو، وفي بني هلال عدة بطون منهم بنو رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز، وباصفون وإسنا بنو عقبة وبنو جميلة. وأما بلى فإنها بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان على ما في نسب قضاعة من الخلاف الذي يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى. وبلى قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة. وكانت بلى بالشام فنادى رجل من بلى بالشام يال قضاعة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر فنظروا فإذا بلى ثلث قضاعة فسيروا إلى مصر. وكانت بلى متفرقة بأرض مصر ثم اتفقت هي وجهينة فصار لبلى من جسر سوهاي غربا إلى قريب غرب قمولة وصار لها من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب. وكان ببلاد مصر هذه من بطون بلى بنو هُنَىّ وبنو هرم وبنو سوادة وبنو خارفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وبنو رايس وبنو ناب وبنو شاد وكان بنو شاد هم الأمراء. وبنو عجيل من الريب وهم العجيلية وفيهم الإمرة أيضا. وزعم بعضهم أن بني شاد من بني أمية وصلوا حين طُردوا إلى القصر الخراب المعروف بهم، وكان معهم رجل من ثقيف معه قوس فسموه القوس، وعرفت ذريته بالقوسية والقوسة ودعوتهم لبني شاد وهم بطوخ. وكذلك يدعى أنهم خلق سوى القوسة منهم هذيل وهم بطوخ أيضا. ومنهم بنو طماخ وبنو فضالة وهم بمنفلوط وبنو خيار وهم بفرشوط. وزعم قوم أن بني شاد من العجيل بن الريب وإنما هم إخوتهم، فان العجيل كان قد تزوج أخت إبراهيم بن شاد فولدت ابنا سمته شاديا فتوهم من لا علم له أن بني شاد من بني العجيل. وزعم آخرون ان ابن الريب من ولد شمس بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي رحمه الله تعالى ولعن قاتله، وليس كذلك. وأما جهينة فانها من قبائل اليمن وهي جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وهي قبيلة عظيمة وفيها بطون كثيرة وهي أكثر عرب الصعيد وكانت مساكنهم في بلاد قريش فأَخرجتها قريش بمساعدة عساكر الخلفاء الفاطميين ونزلوا في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها. وروى أن " بليًّا " وبطونها كانت بهذه الديار وجهينة بالأشمونين جيرانا بمصر كما هم بالحجاز، فوقع بينهم واقع أدى إلى دوام الفتنة، فلما خرج العسكر لإنجاد قريش على جهينة خافت بلى، فانهزمت في أعلى بلاد الصعيد إلى أن أديلت إلى قريش وملكت دار جهينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ثم حصل بينهم جميعا الصلح على مسألتهم هذه التي تقدم ذكرها وزالت الشحناء. وأما قريش فإنهم ولد مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقيل هم من ولد فهر بن مالك ابن النضر، ورجحه الزبير بن بكار وغيره. وقيل هم ولد النضر بن كنانة، فعلى قول الزبير: فهرٌ جمع قريش ومنه افترقت بطون قريش، وإنما قريش جماع نسب ليس بأب ولا أم ولا حاضن ولا حاضنة. والتقرش عند العرب التجمع. فمن بطون قريش الجعافرة بنو جعفر الطيار بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد ابن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ومن الجعافرة الزيانبة أولاد علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمه زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عرف بنو علي هذا بالزيانبة لأن أمه زينب المذكورة. ومن الزيانبة العشيرة المعروفة ببني ثعلب الداوودي الحجازي ينسبون إلى ثعلب الحجازي بن داود بن موسى بن إبراهيم وإسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضى الله تعالى عنهم، فيهم عشيرة نزلت بحرجة ميرمن أعمال سيوط يعرفون بطلحة وجعفر. منهم عَلاَّفُ بفتح العين المهملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وتشديد اللام وحامد ووديعة وإبراهيم أولاد مُسَلم بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام وفتحها ابن عبد الله بن حسين بن ثعلب المذكور، ويقال فيمن هو في بني ثعلب الجعفري الزينبي. والجعافرة هؤلاء يد مع طلحة، وهم بنو طلحة بن عمر بن عبيد الله بن مَعْمَر ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، ويقال لطلحة هذا طلحة الجود. وتزوج طلحة هذا المذكور فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب التي أمها كلثوم بنت عبد الله بن جعفر وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فولدت فاطمة بنت القاسم لطلحة الجود ابراهيم بن طلحة وولدت زينب بنت علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه لعلي بن عبد الله بن جعفر أولاداً عرفوا بالزيانبة، وهم بنو جعفر الذين بمصر بالصعيد الأعلى ومنهم ثعلب. ومن هنا كانت بنو طلحة المذكور يداً مع بني حعفر فقيل طلحة وجعفر، وهم يظنون أنهم بنو طلحة من بني محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالىعنه، وليس كذلك لأن محمد بن أبي بكر ليس في ولده طلحة، وإنما طلحة في ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، واخوه إبراهيم بن طلحة ابن عمر بن عبيد الله بن معمر المذكور من أُمه فاطمة بنت القاسم المذكور، وفاطمة هذه أم يحيى وأم أبي بكر ابنى حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه. ومن هذه الأخوة كانت بنو طلحة بن عُمر بن عبيد الله بن معمر التيمي مع بني الزبير ومع الجعافرة أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الصعيد. ثم إن الجعافرة هؤلاء يجمعهم بطنان هما بنو عبد الله وبنو محمد، وغلب على بني محمد اسم بني إسماعيل وهو إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد ابن علي بن عبد الله بن جعفر. وفي بني محمد عدة بطون وهم الخُلَصِيُّون والصالحيون وبنو على وبنو صالح وبنو قاسم وبنو إدريس وبنو شاكر وبنو عبد الله، بفتح الدال على كل حال، وبنو شعران وبنو داود أولاد بريق وبنو والي وبنو زيد وبنو إباهيم وأولاد الشريف الأمير الكبير حصن الدولة مجد العرب ثعلب بن يعقوب بن مسلّم بن يعقوب بن أبي جميل بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن أبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر، وبنو علاّق. وفي بني عبد الله الحسنات وهم أولاد أحمد بن سعد الدولة بن حسنة بن سلطان، ويجمعهم بنو عبد الله غير عبد الله الأول. وبنو ابراهيم وبنو عيسى وبنو أحمد وبنو يوسف وبنو سليمان وبنوحبيب وبنو إدريس وبنو مقبل وبنو حسين. ويتبع بني عبد الله هؤلاء من أحلافهم عنزةُ وفزارةُ عسكر وبنو ندا. وقيل أن بني من بني جعفر. ومن أحلاف بني محمد أولادُ حسين والأنصار ومزينة. وكان لجعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر عدةُ أولاد هم إسماعيل وداود ومحمد وعبد الله وموسى وعيسى ويوسف وكان له سبط اسمه قاسم بن يعقوب بن جعفر، فمن قاسم هذا بنو إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وهم من إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر وقيل هم بنو إبراهيم بن محمد بن علي في بني محمد، فانهم يرجعون إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر. والخُلَصُّيِون هم ولد عيسى بن جعفر بن إبراهيم هذا. والصالحيون ولد صالح ابن محمد بن جعفر بن ابراهيم هذا. وأما أولاد الشريف حصن الدولة مجد العرب ثعلب بن يعقوب بن مسلم بن يعقوب بن أبي جميل بن جعفر بن موسى ابن ابراهيم بن اسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفرفإنهم فخر الدين إسماعيل ونجم الدين علي وحسام الدين عبد الملك وفارس الدين عز العرب وقطب الدين حسام ونصار، فمن الأمير فخر الدين إسماعيل بن الأمير الشريف حصن الدولة ثعلب جمال الدين مرا ومعين الدين ابن محمد وشهاب الدين إبراهيم والأمير نجم الدين علي وشرف الدين أبو جميل وشهاب الدين عبد الله، ومن نجم الدين علي بن حصن الدولة ثعلب عز الدين قيصر ونصر الدين قسور وتاج الشرف قيس وهمام الدين ابراهيم، ومن حسام الدين عبد الملك بن حصن الدولة ثعلب نور الدين حامد وشرف الدين عيسى، ومن فارس الدين عز العرب بن حصن الدولة ثعلب سابق الدين مودود وناصر الدين صلاح وعلم الدين عزيز والشجاع كليب والشهاب أحمد والجمال مرا والشرف جزي والفخر اسماعيل وسيف الدين سخطة الذي شنق على باب زويلة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 سنة اثنين وخمسين وستمائة، ومن قطب الدين حسام بن حصن الدولة ثعلب شهاب الدين بن ثعلب وفلك الدين حامد وعماد الدين مسلم وزين الدين يعقوب ومعين الدين محمد وفخر الدين احمد. وأما نصار بن حصن الدولة ثعلب فلم يكن له غير ابنة واحدة. ومن مشاهير أولاد جمال الدين مرا بن فخر الدين إسماعيل بن حصن الدولة ثعلب الشريف شرف الدين عيسى، ومن ولد معين الدين محمد بن الأمير فخر الدين إسماعيل بن حصن الدولة ثعلب الشريف تقي الدين جعفر. ومن اولاد الأمير الكبير نجم الدين علي بن الأمير فخر الدين إسماعيل بن حصن الدولة ثعلب الأمير حصن الدين ثعلب أمير الجعافرة ورئيس القوم الذي أنف من سلطنة المماليك الأتراك وثار في سلطنة الملك المعز أيبك التركماني وكاتب الملك الناصر يوسف بن العزيز صاحب دمشق، وجمع عربان مصر، فخرجت إليه الأتراك وحاربوه فقبض عليه وسجن بالإسكندرية حتى شنقه الظاهر بيبرس، وقتل معه الأمير جمال الدولة أبو علاق أحمد بن علم الدين عبد الله بن الحسن بن ثعلب بن عبد الله بن محمد بن سليمان بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر. وأبو علاّق هذا من بطن يقال لهم بنو داود. وقيل ان بني داود هؤلاء ينسبون إلى داود بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم، وقيل ينسبون إلى داود بن جعفر بن إبراهيم، وقيل إلى داود بن محمد بن جعفر بن إبراهيم، وهم ثلاثة أثلاث: ثلث لجعفر بن سليمان بن جمال الدولة أبي علاق، وثلث للفارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 همام الدولة، وثلث لزماله وهم ينقسمون ايضاً إلى الكبر والصغر فالكبر أولاد مسلم وأولاد عمد وأولاد سلمة وأولاد الفارس همام الدولة، والصغر أولاد جعفر بن عز الدولة. وفي الجعافرة أولاد عز الدين على وولده نصير الدين، قتله أبن شهاب الدين على. وفيهم أولاد عز العرب وبنو إدريس النعم وبنو صالح بن محمد بن جعفر بن أبراهيم وهم أخوال الشريف فخر الدين اسماعيل بن ثعلب، وفيهم بنو طي وبنو زيد أولاد يوسف بن جعفربن إبراهيم. وكان الشريف ثعلب صاحب ذروة سربام وكانت مساكن الجعفرة من بحري منفلوط إلى سملوط غربا وشرقا، ولهم بلاد أخرى يسيرة، وبحرجة منفلوط قوم من بني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. وفي سيوط طائفة من أولاد إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين بن علي عليهما السلام يعرفون بأَولاد الشريف قاسم وكانت بلاد الأشراف التي ينزلون بها هم ومواليهم وأتباعهم وأحلافهم من الأشمونين إلى بحري اتليدم ومعظمهم بالذروة. وكان بالصعيد من قريش بنو طلحة وبنو الزبير وبنو شيبة وبنو مخزوم وبنو أمية وبنو زهرة وبنو سهم. فأما بنو طلحة فهم ينسبون إلى طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضى الله عنه وهم ثلاث فرق: بنو إسحاق ويقال إن إسحاق ليس بجد ولكنه موضع تحالفوا عنده سموه إسحاق كناية، وبنو قصة وهم بطون كثيرة مشتتون في البلاد، وبنو محمد من ولد محمد بن أبي بكر رضى الله تعالى عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ومنازل بني طلحة هؤلاء بالبرجين وطحا. وأما العُمَريّون الذين بأرض مصر فإنهم ينسبون إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه. وقال الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة: وهم يكذبون في ذلك لأن أنسابهم لاتتصل به وقد لقيت منهم جماعة وعرفتهم كذبهم بطريق علمته. وأمابنو الزبير فَهُم من ولد عبد الله بن الزبير بن العوام رضى الله عنه وهم بنو بدر وبنو مصلح وبنو رمضان، ومنهم بنو مصعب بن الزبير رحمه الله تعالى ويعرفون بجماعة محمد بن رواق، ومنهم بنو عروة بن الزبير رحمه الله تعالى وهم بنوعتى وبلادهم بالبهنسا وما يليها، وصار أكثرهم صاحب معايش وأهل زرع وفلاحة وماشية وضرع. وأما بنو مخزوم فيزعمون أنهم من ولد خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه. وقد اتفق علماء الأنساب على انقراض عقب خالد، ولعلهم من بني مخزوم وهم أكثر قريش بقية وفيهم بأس ونجدة. وبلادهم متاخمة لمن تقدم ذكرهم. وأما بنو شيبة فينسبون إلى شيبة بن الدار بن قصي ويعرفون بجماعة نهار وديارهم نحو سفط. وأما بنو أمية فمنهم ولد أبان عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه، وولد خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وبنو مسلمة بن عبد الملك بن مروان وبنو حبيب بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وديارهم تندة وما حولها، ومنهم المروانية أولاد مروان بن الحكم. ومرت الدولة الفاطمية وهم بأماكنهم لم يروع لهم سرب ولم يكدر لهم شرب. وأما بنو سهم فمن ولد عمرو بن العاص بن وائل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وكانوا بفسطاط مصر، وفرق منهم أشتات بالصعيد، ولهم حصة في وقف عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه على أهله بفسطاط مصر. وكانت دور بني سهم حول جامع عمرو بن العاص من الفسطاط إلى أن دثرت. وذكر الزبير بن بكار أن ولد عطاء بن قيس بن عبد قيس بن علي بن سعيد بن سهم بمصر. وكان بصعيد مصر أولاد الكنز أصلهم من ربيعة بن نزار بن معد ابن عدنان، وكانوا ينزلون اليمامة وقدموا مصر في خلافة المتوكل على الله أعوام بضع وأربعين ومائتين في عدد كثير وانتشروا في النواحي. ونزل طائفة منهم بأعالي الصعيد وسكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها. وكانت البجة تشن الغارات على القرى الشرقية في كل وقت حتى أخربوها، فقامت ربيعة في منعهم من ذلك حتى كفوهم، ثم تزوجوا منهم واستولوا على معدن الذهب بالعلاقى فكثرت أموالهم واتسعوا في احوالهم وصارت لهم مرافق ببلاد البجة واختطوا قرية تعرف بالنماس وحفروا بها آبارا. ورأَس عليهم إسحاق ابن بشر مدة ثم خالف على بعض أهله. وكانت عيذاب لبني يونس من ربيعة ملوكها عند قدومهم من اليمامة فجرى بينهم وبين بني بشرحروب انهزموا فيها ومضوا من عيذاب إلى الحجاز ثم وقعت حروب بين بني بشر قتل فيها إسحاق فأحضروا إليهم من بلبيس الشيخ أبا عبد الله محمد بن علي بن محمد بن يوسف المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بأبي يزيد بن إسحاق بن إبراهيم بن مسروق وهو ابن عم إسحاق بن بشر المقتول، ويرجع نسبه إلى مسروق بن معدى كرب بن الحارث بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة الفرس بن نزار بن معد بن عدنان. وأم حنيفة صفية بنت كاهل بن أسد بن خزيمة، فولد حنيفة الدول وعدي وعامر وزيد مناة وحجر، وأمهم بنت الحارث ابن الدول بن صباح بن عنزة بن أسد، فولد الدول بن حنيفة مرة وثعلبة وعبد الله وذهلا وأمهم عبلة بنت سدوس بن شيبان، فولد ثعلبة بن الدول ابن حنيفة يربوع ومعاوية، فولد يربوع بن ثعلبة بن الدول ثعلبة وزيد في آخرين، فولد ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة عبيدا، فولد عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة مسلمة وزيدا والحارث قال الجواني وبنو الحارث بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن الدول فخذ بني مسروق بن معدي كرب بن الحارث بن مسلمة المذكور. وإلى مسروق هذا ينسب كنز الدولة حامي أسوان وأنشأ مكانه المعروف بساقية شعبان ولم يزل رئيسا على رييعة حتى مات. فقام برياستهم بعده ولده أبو المكارم هبة الله بن الشيخ أبى عبد الله محمد بن علي ويعرف بالأهوج المطاع، وهو الذي ظفر بأبي ركوة الخارج على الحاكم بأمر الله وقبض عليه فأكرمه الحاكم إكراما عظيما ولقبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 كنز الدولة وهو أول من لقب بذلك منهم. ولم تزل الإمارة فيهم وكلهم يعرفون بكنز الدولة، حتى كان آخرهم كنز الدولة فقتله الملك العادل أبو بكر بن أيوب في سابع صفر سنة 570سبعين وخمسمائة عندما خالف على السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وجمع لحربه وقتل أخاه أبا الهيجاء السمين ودعا للأمير داود بن العاضد، وكان قتله على مدينة طود بعد حروب كثيرة. كنانة هم بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان، وهم بنو الليث وبنو ضمرة أبناء بكر بن عبد مناف بن كنانة، وبنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ولم تمكنهم قريش من التعدية إلى بلادها عند قدومهم من بادية الحجاز إلا بمراسلة بني إبراهيم بن محمد، وكان مع جماعة من أخلاط العرب دخلت في لفيفها. وبنو الليث منهم سكان بساقية قلتة وباقيهم فيما يليها. وبالصعيد أيضاً طائفة من الأنصار رضى الله تعالى عنهم. والأنصار قيبل عظيم من قبائل الأزد. وقيل لهم الأنصار من أجل أنهم نصروا رسول الله (، وهم الأوس والخزرج أبناء حارثة، وهم العنقا بن عمرو، وهو مزيقيا بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة وهو الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، هكذا تقول الأنصار. وقال الكلبي وغيره: عمرو مزيقيا بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن مازن بن الأرد. ومنهم بأرض مصر بنو محمد وبنو عكومة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وديارهم بحري منفلوط. فأما بنو محمد فمن ولد حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبي الوليد الأنصاري رضي الله عنه. وبنو عكرمة ينسبون إلى سيد الأوس بن معاذ بن النعمان بن امرء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي أبو عمرو رضي الله تعالى عنه. وبأرض مصر عوف بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وهم بنو عوف بن بهثة بن سليم بن منصور فخذ، وبنو عوف بن بهز ابن امرىء القيس بن بهثة فخذ، وبنو عوف بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن برقة فخذ، وعوف هؤلاء في بلاد الصعيد وفي البحيرة وفي برقة إلى بلاد المغرب منهم أمم لا تحصر كثرة. وبأرض مصر أيضا فزارة قيس وهم بنو فزارة بن ذبيان بضم الذال المعجمة ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قيس بن عيلان، وسمي فزارة واسمه عمرو، لأن سعد بن ذبيان أخاه فزر ظهره فكانت به فزرة فسمى فزارة. وفي فزارة هذه عدة عشائر كبني شمخ وظالم ومرة ومازن وشكم وسعد ولوذان وغير ذلك. وفزارة هذه منها جماعة بالصعيد وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها وبهم عرفت البلدة المسماة بخراب فزارة. وبأرض مصر أيضاً لواتة، وهم يزعمون أنهم من قيس ثم من ولد لواتة بن بربر بن جابر بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان وقيل: بر بن قيس بن عيلان، وقيل بر بن معد بن عدنان. وزعموا أن معد بن عدنان تزوج امرأة من بني إسرائيل فولدت له بر بن معد ثم عاد معد إلى الحجاز وترك براً عند أمه فخرج عندما كبر إلى أبيه معد فتعلم العربية بالحجاز وكان يعرف العبرانية لغة أمه، فلما مات أبوه معد بن عدنان ترك بر أخوته نزار بن معد وغيره ومضى نحو المغرب فتزوج هناك واعقب، وهذا قول باطل. وزعم بعضهم أن براً إنما هو ولد قيذار بن إسماعيل وأنه كان ارتكب ذنبا فطرده أبوه قبذار وقال له البر البر اذهب يا بر فما أنت بر، فأتى فلسطين فتزوج امرأة من العماليق فولدت له لواتة ومزاتة وزنارة وهوارة وزويلة ومغيلة ولمطة وكتامة وعمارة ونفوسة. فلما قتل جالوت على يد نبي الله داود عليه السلام دخلوا إلى بلاد المغرب، وهذا القول أيضاً لا يصح. وقيل بل البربر من ولد قبط بن قفط بن بيصر بن حام، وإن إفريقس بن قيس بن صيفي بن زرعة وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر افتتح أفريقية فسميت به؛ وقيل ملكها جرجير فسميت حينئذ البرابر برابرا، وذلك أنه قال ما أكثر بربرتكم. والذي يشبه الصواب أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، ثم من ولد بر، ويقال بر بن بديان بن كنعان المذكور وأن ضرى بن زجيك بن مادغس ابن بر ولد له برمادغس وبُرنُس فولد بُرنُس كتُامة وعَجِيسة ومَصمُودة وأوربة وورداجة وأوريغة فولد أوريغ بن بُرنس بن ضرى هوّار ولد مادغس بن ضرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بن زجيك، فولد زجيك ضرى ولوى الكبير، وهو لواتة، ونفوس واداس، فتزوج أم اداس هذا أوريغ بن برنس والد هوار فدخل نسبه في هوّارة، فولد اداس بن زجيك بن مادغس وَشْفَاتة وأندارة وهتروقة وصَنْبَرة وهُراغة وأوطيطة وتُرهنة فصارت هذه كلها هوارة، وولد ضرى بن زجيك بن مادغس يحيى وتمزيت فولد يحيى بن ضرى بن زجيك زانا وهو أبو زناتة وسمجان وورسطف، فولد زانا أبو زناتة ورسيج والديديت وفريني، فولد فريني ابن زانا بن يحيى برمزتيا ورجله ومنجصه ونمالتة وولد ورسيج بن زانا مسارت بن تاجرة وبني واسين وولد ورسطف بن يحيى مكناسة واوكنة وورنتاج فولد ورنتاج مكنسة وبطالسة وكزنيطة وسدرجة، وولد سمجان ابن يحيى زواغة وزواوة، وولد تمزيت بن ضري مطماطة وصدفورة ولمايه ومدغرة وصدينة ومغيلة وملزوزة وكشاته ودونة ومديونة، وولد لوى أبو لواتة نفزاو ولوى الصغير بن لوى الكبير تركه أبوه حملا فولد نفزاو بن لوى يطوفت فولد يطوفت الهاصة وومزنيسة وزهيلة ومجر وسوماتة وزيتم وورجول وورغوس وغساسة ووردين ووسيف، وولد الهاص دحية وتير غاسن فولد دحية بن الهاص بن يطوفت بن نفزاو بن لوى: ملين ويعون وورتدين وترير ووريتويت، فولد تيرغاسن بن الهاص ورفجوم فولد ورفجوم وانجن وبورغش وما ايتجدل وكرطيط وونمو وزجال وسبيت، وولد لوى بن لوى ماصلة وينطيطة وكطوف وزائر فولد ماصل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 لوى غُنزورة وأكورة وولد كرطيط سدراتة. ويقال إن مغراوة وهو من زناتة تزوج أم سدراته فكان سدراته أخا أولاد مغراوة لأمهم، وولد كطوف جدانة ومغاغة وولد أوريغ بن بُرنس هوارة وملد ومقر وفلدن، فولد ملد بن أوريغ مليله وستات وورفل وواسنيل ومسراتة. ويقال اهؤلاء لهانة، وولد مقر ماوس وزمور وكبا ومسرات، وولد فلدن بن أوريغ قمصانة وورسطيف وبل وبياتة، ويقال إن صنهاج ولمط إنما هما ابنا امرأة يقال لها تزكى لا يعرف لها أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار، فهم إخوة لأم. ولزناتة بطون عظيمة كبني برزال وبني دمر ومغراوة وبني صغمار ويقال إن سدراتة ومزاتة ولواتة من القبط. وفي لواتة عدة بطون كبني بلار وبني مجدول وبني حديرة وقطوفة وبركين ومالو ومزورة. فأما بنو حديرة فإنهم مجمع أولاد قريش وأولاد زعازع وهم أشهر من في الصعيد. وأما في قطوفة فإنها تجمع مغاغة وواهلة. وأما بركين فإنها تجمع بني زيد وبني روحين. وأما مزورة فإنها تجمع بني وركان وبني عرواس. وأما بنو بلار ففرقتان: فرقة بالبهنساوية وفرقة بالجيزية، فالتي بالبهنساوية بنو محمد وبنو علي وبنو نزار ونصف بني شهلان، والتي بالجيزية بنو مجدول وسقارة وبنو أبي كثير وبنو الجلاس ونصف بني شهلان ويقال لهذه الفرقة التي نزلت بالجيزية " حد وخاص " وللفرقة التي نزلت بالبهنساوية البلارية، ومنهم مغاغة ولهم سملوط إلى الساقية. ولبني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بركين أقلوسناوما معها إلى بحري طنبدي. ولبني حدوخاص الكفور وسفط وجرجة واهريت. وبنو محمد وبنو علي أمراؤهم بنو زعازع. ومزورة فيهم بنو وركان وبنو عرواس وبنو جماز وبنو الحكم وبنو الوليد وبنو الحجاج وبنو الحربية ويقال إن بني الحجاج من بني خماس ولهذا كانوا يؤدون معهم القطائع. وبنو نزار في إمارة بني زعازع وهم من بني زربة، ومنهم نصف بني عامر والخماسنة والضباعنة، وأفرد قوم منهم لإمارة تاج المُلك عزيز بن ضبعان ثم ولده. ومنهم بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش ومساكنهم نويرةدلاص. وكان قريش عبدا صالحا كثير الصدقة وهو ولد سعد المُلك. وفي المنوفية من لواتة بنو يحيى والوسوة وعبدة ومسلة وبنو مختار ومعهم في البلاد أحلاف من مزاتة وزنارة وهوارة وبني الشعرية في أقوام آخرين. ومن زنارة مرديش وبنو صالح وبنو مسام وزمُران وورديغة وعرمان ولقان. ومن هوارة بنو مجريس وبنو سرات وبنو قطران وبنو كبريت. وهوارة يقال إنهم من هوار واسمه مثنى، ويقال هوار بن المثنى ويقال ابن أبي المثنى بن يحصب. وقيل المثنى بن المسور بن المثنى بن خلاع بن أيمن ابن رعين بن سعد بن حمير الأصغر بن سبأ الأصغر، وأنه خرج المسور بن المثنى من مصر في طلب إبلٍ قد فقدها فذهبت نحو المغرب وهو في أثرها، وأنه كان من أجناد مصر الذين أسكنهم التبابعة بها لما طوفوا الأرض. فلما نظر إفريقية قال لغلامه أين نحن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قال بأفريقية، فقال تهورنا، والتهور الحمق. فنزل على قوم من زناتة فتزوج العرجا أم صنهاج ولمط ابني لمط الأكبر وقد مات زوجها فمات عنها وكانت جميلة فكثر نسله فهم الهواريون. وقيل هوارة وكتامة وصنهاجة إخوة وهم أولاد قيس بن زرعة بن زهير بن أيمن بن هميسع ابن حمير الأكبر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقيل بل هوارة وصنهاجة وكتامة ودنهاج وتُلُكاَّن وتُركوت وسَيساج وعجيس من أولاد كاهن بن جالوت أحد بني شكلوجيم بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام. وقيل هوارة من أولاد قبط بن فُوط بن حام بن نوح، ويقال جالوت ابن بربر بن قبط بن مصر بن فوط. وقيل إن مصر هو ابن بيصر بن حام بن نوح وإن تركوت هي أبنة أحد أولاد يمن، وإن بعلها كان يعرف بكاهن بن جالوت وإنه أبو البربر، وإن من ولد تركوت هذه إبراهيم جد علي بن يوسف بن تاشفين بن إبراهيم ملك الملثمين. ومن ولد تركوت أيضاً ملوك كُزُولة الجبل المعروف بجبل الكسه، وهم يزيدون على ثلثمائة قبيلة كل قبيلة نحو ثلاثين ألف نسمة، ومنهم انسكات ومصلات وأرنس وبنو طريف وبنو جابر وبنو وغرده وهشتوكه وارغتان. وقيل إن من ولد صنهاج يكتون وهم الملثمون، وتزكيك ومسوفه ومشطوفه وهم صناع درق اللمط ومنته بنت صنهاج عرفوا بأمهم ومنير وجروم. وهوارة يزعمون أنهم من البربر القدم، وأن مزاتة ولواتة كانوا منهم فانقطعوا عنهم وفارقوا ديارهم وصاروا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 برقة وغيرها. وتزعُم هوارة أيضاً أنها من قوم من أهل اليمن جهلوا أنسابهم. وكل هذه الأقوال لا تثبت. والأشبه بالصواب أنهم من ولد هوار ابن أوريغ بن بُرنس بن ضرى بن زجيك بن مادغس بن بر بن بديان ابن كنعان بن حام بن نوح كما تقدم. وهوارة تتناسب بطونها " كما تنتسب العرب " وأصل ديارها من آخر عمل سُرْت إلى طرابلس، ثم قدم منهم طوائف إلى أرض مصر ونزلوا بلاد البحيرة وملكوها من قبل السلطان. وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلام هناك في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة تخميناً، وذلك أنه أقطع إسماعيل بن مازن من هوارة ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها، وأقام بها حتى قتله على بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهواري حتى مات. فولى بعده ابنه محمد المعروف بأبي السنون وفخم أمره وكثرت أمواله، فإنه أكثر من زراعة النواحي وأقام دواليب السكر واعتصاره حتى مات فولى بعده أخوه يوسف ابن عمر. وبصعيد مصر أيضاً لخم، واسم لخم بن عدي بن الحارث بن مُرة ابن أُردد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفي لخم هذه بطون كثيرة. منها بالبر الشرقي في أرض مصر بنو سماك وهم بنو مر وبنو مليح وبنو نبهان وبنو عبس وبنو كريم وبنو بكر وديارهم من طارف ببا " بباءين محدتين " إلى منحدر دير الجميزة في البر الشرقي. ومنهم بنو حدان وهم بنو محمد وبنو علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وبنو سالم وبنو مدلج وبنو وعيس وديارهم من دير الجميزة إلى ترعة صول. ومنهم بنو راشد وهم بنو معمر وبنو واصل وبنو مِرا وبنو حبان وبنو معاذ وبنو الفيض وبنو حجرة وبنو أشتوه، وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر ونصف بلاد إتفيح. ولبني الفيض الحي الصغير. ولبني أشتوه من ترعة الشريف إلى معصرة بوش. ومنهم بنو جعد وهم بنو مسعود وبنو جرير وبنو زبير وبنو ثمال وبنو نصار ومسكنهم بساحل إتفيح. ومنهم بنو عدي وهم بنو موسى وبنو محرب ومساكنهم تلي بني جعد. ومنهم بنو بحر وهم بنو سهل وبنو معطار وبنو فهم وبنو عشير وبنو مسند وبنو سباع ومسكنهم الحي الكبير. ومنهم قسيس وسكنهم بلاد أسكر. ولبني غنيم منهم العدوية ودير الطين إلى جسر مصر. ولبني عمرو منهم نصف حلوان. ولبني حجرة النصف الآخر من حلوان ونصف طرا. وبالجيزة والغربية طوائف من مزاتة. وبقليوب طوائف من فزارة وهم بنو نفاية وفيهم أعيان ودارهم أطراف الشرقية. وبالمنوفية فرقة من لواتة ومن مزاتة ومن زنارة ومن هوارة كما تقدم. وبقطيا الأخارسة وبنو بياضة وهم من ثعلبة، ومنهم بنو صدر بالبدرية وهي طريق البر من الشام إلى مصر وإليهم تنسب قلعة صدر. وفي الطينة وهي طينة تنيس عربٌ كانوا بعمل تنيس يقال لهم بنو عُذر بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة وهو عُذر بن سعد بن دافع ابن مالك بن جشم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 بن خيران بن نوف بن همدان. وهؤلاء النفر الذين بالطينة قوم لا خلاق لهم ولا ذمام. وبأرض مصر حرام، وحرام في جذام، وهم بنو حرام بن جذام بن عدي وهو إحدى بطني جذام، وفيهم أفخاذ وعشائر، وقليل في عرب مصر من يعرفها. ومنهم بنو صبرة بن نُصرة بن غطفان بن سعد بن إياس بن حرام ابن جذام، وقيل ابن غنم بن غطفان بن مالك بن حرام بن جذام، وإلى بني صبرة درك بركة الحجاج. وفي الخزرج ثم في سلمة بنو حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن شاردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، منهم جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. ويقال إن حرام القاطنة بمصر من الخزرج، وبنو حية وبنو ذبيان وهم أشتاتٌ منهم مشايخ بلاد وخولة وقضاة وفقهاء وليست لهم دار خاصة ولا مكان معروف. وفي الدقهلية والمرتاحية عرب يدعون الجمارسة قوم ينسبون إلى قريش وهم نفر من بني عذرة وهم من كنانة بن عذرة لا كنانة بن خزيمة، وهم بنو كنانة بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة ابن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ومنهم بنو شهاب وبنو زيد والرواشدة " وهم غير رواشدة هلبا سُويد " وبنو عصا وبنو محمد وبنو سنان وبنو حمرة وبنو نياس " وهم بمنية محمود ومنية عدلان " وبنو لأم وليسوا بلأم الحجاز وبنو شمس والفضليون وقرارهم كوم الثعالب. وبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 طوائف من عمرو وزهير المقدم ذكرهم والحصنيين ورذالة والأحامدة وليسوا بأحامدة هلبا الحجازية، وهم بنو حجاز وبعضهم أصحاب أقطاع. وفي بني زهير هؤلاء بنو عزيز وبنو شبيب وبنو شبيب وبنو عبد الرحمن وبنو مالك وبنو عبيد غير بني عبيد المقدم ذكرهم، وبنو عبد القوى وبنو شاكر وهم غير شاكر عقبة، وبنو حسن وبنو شما وهم غير شما آل ربيعة. وبنو سُلَيم وهم من قيس، وهم ولد سليم بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان، وإليه يرجع كل سُلَمِىّ. وكان نزول سُلَيم وعدة قبائل من قيس في أرض مصر سنة تسع ومائة، وأمير مصر إذ ذاك الوليد بن رفاعة بن خالد بن ثابت بن طاعن الفهمي، ولم يكن بأرض مصر أحد من قيس قبل ذلك إلاّ من كان من فَهْم وعَدْوان فإنهما من قيس في جَدِيلة وهما ابنا عمرو بن قيس عيلان، اسمها جديلة بنت مُرّ أخت تميم بن مر. وفهم هذا قتلة أخوه عَدْوان واسمه الحارث فسمى عَدْوان، لأنه عدا على أخيه فهم. فوفد عبيد الله بن الحبحاب مولى بني سلول عامل هشام ابن عبد الملك على أخراج مصر على هشام، فسأله أن ينقل إليها من قيس أبياتاً، فأذن له هشام في الحاق ثلاثة آلاف منهم وتحويل ديوانهم إلىمصر، على أن لا ينزلوا بالفسطاط ففرض لهم ابن الحبحاب وقدم بهم فأنزلهم الحوف الشرقي وفرقهم فيه. وعن الهيثم بن عدي قال: حدثني غير واحد أن عبيد الله بن الحبحاب لما ولاه هشام مصر قال ما أرى لقيسٍ فيها حظاًّ إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 لناسٍ من جديلة وهم فهم وعدوان، فكتب إلى هشام: إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قد شرف هذا الحي من قيس ونعشهم ورفع من ذكرهم، وإني قدمت مصر فلم أر لها حظاً إلا أبياتاً من فهم وفيها كُوَرٌ ليس فيها أحد وليس يضر بأهلها نزولهم معهم، ولا يكسر ذلك خراجا، وهي بلبيس. فإن رأى أمير المؤمنين أن يُنْزِلها هذا الحي من قيسٍ فليفعل. فكتب إليه هشام: أنت ورأيك. فبعث إلى البادية فقدم عليه مائة أهل بيت من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومائة أهل بيت من بني عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، البطن المشهورة التي منها بنو كلاب وجعدة وعقيل وقشير والبكاء وعجلان وعبد الله وربيعة وسُواءة وهلال ونمير، ومائة أهل بيت هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ومائة أهل بيت من سليم فأنزلهم بلبيس وأمرهم بالزرع ونظر إلى الصدقة من العشور فصرفها إليهم، فاشتروا إبلاً فكانوا يحملون الطعام إلى القُلْزُم، فكان الرجل يتحصل له في الشهر العشرة دنانير وأكثر وأقل ثم أمرهم باشتراء الخيول، فجعل الذي يشتري المهر فلا يمكث إلا شهراً حتى يركب، وليس عليهم مؤنة في علف إبلهم ولا خيولهم لجودة مرعاهم. فلما بلغ ذلك عامة قومهم تحمل إليهم خمسمائة أهل بيت من البادية، فكانوا على مثل ذلك، فأقاموا سنة فأتاهم نحو من خمسمائة أهل بيت، ومات هشام وببلبيس ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وخمسمائة أهل بيت من قيس، حتى إذا كان في زمن محمد بن مروان وولى الحوثرة بن سهل الباهلي مصر انثالت إليه قيس، فمات مروان وبها ثلاثة آلف أهل بيت ثم توالدوا وقدم عليهم من البادية من قدم، فأحصوا في ولاية محمد بن سعيد فوجدوا خمسة آلاف ومائتين ما بين صغير وكبير. وفي هذه القبيلة أي قبيلة سُليم بطونٌ وأفخاذٌ وعشائر كبني ذكوان وهلال وعوف والحارث ورفاعة وعُصية وظفر وعميرة وبهز وغيرهم. ومساكن سُليم هذه ببرقة مما يلي مصر، وكانت في عالية نجد بالقرب من خيبر ومنها حرة بني سليم وحرة النار بين وادي القرى وتيماء ثم تحولوا إلى مصر وإفريقية ولم يبقَ لهم عددٌ ولا بقيةٌ ببلادهم وصار لهم بأفرقية عدد عظيم. فمنهم بها بنو الشريد لهم صولة وشوكة، وبنو زُغُب بن مالك بن بُهثة كانوا بين الحرمين فصاروا إلى إفريقية في جوار إخوانهم بني ذباب بن مالك ثم صاروا في جوار بني هيب. ومن بني سليم بني ذباب بن مالك ينزلون ما بين قابس وبرقة. وهم ببرقة بجوار هيب. ومنهم بنو سليمان ابن ذباب في جهة فزان وودان. ورؤساء ذباب الآن ما بين طرابلس وقابس وبيتهم بنو صابر والمحامد بنواحي فاس وبيتهم في بني رحاب بن محمود. ومن سليم بنو عوف بن بهثة ما بين قابس وبلد العناب وهم مرداس وعلاق. وبنو هيب بن بهثة إخوة عوف بن بهثة مابين السدرة من برقة إلى حدود إسكندرية، وبنو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أحمد منهم بأجدابية لهم عدد ويرجعون إلى شماخ ولها العزفى هيب. ومن هيب سبال ومحارب ورياستهما في عزاز ولهيب في سليم عزة لاستيلائها على إقلين طويل خربت مدنه وصارت ولايته لأشياخهم، وتحت أيديهم خلق كثير من البربر وفيهم طائفة الأبطال الأنجاد، والإمارة فيهم في أولاد عزاز بن مقدم، وكان مزيد بن عزاز جليل القدر معظماً في الدولة. وبنو زيد وحمدان وزيان كلهم كرام أماجد. أما أبو خالد عطاء الله بن عمر بن عزاز فكان كريما مطاعا في قومه، وبنو مُعز وعمر، ومنهم عَلَوِيُّ بن إبراهيم بن عزاز وسلطان ابن زيان ابن عزاز وعمر بن مشعل بن عزاز وجماعة بن مليح المنصوري أصحاب غازي بن نجم وعليان بن عريف وبليوش، وكان قد هرب من السلطان الملك الظاهر بيبرس فلحقه الجيش فقاتلوه وأخذوه أسيراً فاعتقله مدة ثم أفرج عنه، وهو والد زيد بن بليوش. ومنهم جماعة سعيد بن العريب بن الأحمر وجماعة محمد الهواري. وكانت الإمرة على عربان البحيرة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون فيهم لفايد بن مقدم وخالد بن سليمان وكانا أميرين سيدين ذَوَىْ كرّ وأمن وشجاعة. وفيما بين الإسكندرية والعقبة الكبرى جماعة فايد وزنارة ومزاتة وخفاجة وهوارة وسمال ولبيد، جماعة سلام، وفزارة ومحارب وقطاب والزعاقبة وبشر والجواشنة والبعاجنة والقبايص وأولاد سلمان والقصاص والعلاونة، ومنازلهم من العقبة الكبيرة إلى سوسة. ثم جماعة جعفر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 عمر وهم المثانية والياسة وعرعرة والعظمة والعكمة والمزايل والمعزة ومن المعزة الجعافرة جماعة ابن عمر، ومنهم البداري أيضاً، ومنهم السهاونة والجلدة وأولاد أحمد، ومنازلهم من سوسة إلى بئر السدرة، وهي آخر حدود ديار مصر، ومسافتها من الإسكندرية نحو شهر بسير القوافل. واما طريقة مكة المشرفة شرفها الله تعالى فمن القاهرة إلى عقبة أيلة للعايذ، ومن العقبة إلى داما بالقرب من عينونة لبني عقبة، ومن داما إلى أكرى لبلى ومن أكرى إلى تما وهي آخر الوعرات لجهينة. ومن تما إلى نهاية بدر على الفرما وإلى نهاية الصفرا على نقب على لبني حسن أصحاب الينبع، ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرف قاع البزوة، ومن الصفرا إلى الجحفة ورابغ لزبيد الحجاز، ومن الجحفة على قُدَيد وما حولها إلى السويق لسليم، ومن عقبة السويق إلى خُليص إلى عُسفان للشريف جسار من بني حسن، ومن ثَنِية عُسفان إلى المحاطب لبني جابر وهم في طاعة صاحب مكة، ومن المحاطب لصاحب مكة وبني حسن إلى مكة. وفي برقة أحياء لبني جعفر، وكان شيخهم أبو ديب، وأخوه حامد بن كميل وهم ينسبون في العرب فتارة في بني كعب بن سليم وتارة في فزارة، والصحيح أنهم ينسبون إلى مسراته إحدى بطون هوارة. وفيما بين برقة والعقبة أولاد سلاَّم. وما بين العقبة الكبيرة والإسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان: أولاد التُرْكِيَّة وأولاد فايد بن مقدم وسلام معاً، وهم يُنسبون إلى لبيد بن علي بن هبة ابن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وهم ثلاثة إخوة: لبيد وحديد وزبيد بنو علي بن هبة بن جعفر، ومن حديد محارب. ويقال إن أولاد مقدم من ربيعة ابن نزار، وقيل لبيد بن سليم وفيهم هيب ورواحة وفزارة، وهؤلاء يقال إنهم من غطفان، والله أعلم بالصواب " وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ". داري أيضاً، ومنهم السهاونة والجلدة وأولاد أحمد، ومنازلهم من سوسة إلى بئر السدرة، وهي آخر حدود ديار مصر، ومسافتها من الإسكندرية نحو شهر بسير القوافل. واما طريقة مكة المشرفة شرفها الله تعالى فمن القاهرة إلى عقبة أيلة للعايذ، ومن العقبة إلى داما بالقرب من عينونة لبني عقبة، ومن داما إلى أكرى لبلى ومن أكرى إلى تما وهي آخر الوعرات لجهينة. ومن تما إلى نهاية بدر على الفرما وإلى نهاية الصفرا على نقب على لبني حسن أصحاب الينبع، ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرف قاع البزوة، ومن الصفرا إلى الجحفة ورابغ لزبيد الحجاز، ومن الجحفة على قُدَيد وما حولها إلى السويق لسليم، ومن عقبة السويق إلى خُليص إلى عُسفان للشريف جسار من بني حسن، ومن ثَنِية عُسفان إلى المحاطب لبني جابر وهم في طاعة صاحب مكة، ومن المحاطب لصاحب مكة وبني حسن إلى مكة. وفي برقة أحياء لبني جعفر، وكان شيخهم أبو ديب، وأخوه حامد بن كميل وهم ينسبون في العرب فتارة في بني كعب بن سليم وتارة في فزارة، والصحيح أنهم ينسبون إلى مسراته إحدى بطون هوارة. وفيما بين برقة والعقبة أولاد سلاَّم. وما بين العقبة الكبيرة والإسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان: أولاد التُرْكِيَّة وأولاد فايد بن مقدم وسلام معاً، وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 يُنسبون إلى لبيد بن علي بن هبة ابن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وهم ثلاثة إخوة: لبيد وحديد وزبيد بنو علي بن هبة بن جعفر، ومن حديد محارب. ويقال إن أولاد مقدم من ربيعة ابن نزار، وقيل لبيد بن سليم وفيهم هيب ورواحة وفزارة، وهؤلاء يقال إنهم من غطفان، والله أعلم بالصواب " وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الباب الثاني (*) القبائل العربية في أقليم مصر " في العصر الجاهلي " " المرحلة الإعدادية " ليس في مقدور الباحث أن يعين عددا من الموجات التي دفعت بها بلاد العرب إلى مصر، في العصور الفرعونية، فإن تحديد هذه الهجرات وحصرها في تلك الفترة السحيقة في القدم، أمر عسير المنال إذا عرفنا أن تاريخ مصر القديمة، على الرغم مما وصل إليه العلماء من تقدم في دراسته، لا يزال ينتظر كشوفاً تجلي بعض غوامضه. ومع هذا فلا مجال للشك في أن طريق سيناء كانت قنطرة ثابتة مفتوحة للهجرات العربية الى مصر منذ القدم، ونحن نعلم أن هذه القنطرة تصل بين شمال بلاد العرب ووادي النيل الخصيب، وأن التباين في الثروة والغنى بين شمال بلاد العرب والمنطقة الواقعة إلى جانب من سيناء، وهي فقيرة مجدبة، وبين ذلك القطر الغني بزراعته المعروف بعظم خصوبته منذ فجر التاريخ، كان عاملاً هاماً لاجتذاب البدو إلى مصر. ومن هنا ندرك لماذا أقام قدماء المصريين حصونا قوية متتابعة على حدود الدلتا الشرقية. ولا أدل على أن تأثير الساميين أي العرب في مصر، في تلك العصور، كان فعالا، من أن اللغة المصرية القديمة لا تزال مثار خلاف بين العلماء، أهي سامية أم حامية أم مزيج بين العنصرين. من الأمثلة التي أنتهت إلينا عن هجرة العرب أو الساميين إلى مصر، في تلك العصور، نلاحظ أن منها هجرات سلمية " يؤخذ فيها رأي حاكم مصر، وما كانت تتم إلا بموافقته، ومثل تلك الهجرات السلمية البسيطة كانت تحدث باستمرار أيام قوة مصر وهيبة حكامها ... ويعطي ما سبيرو مثلا لهذا، هو صورة من مقابر بني حسن تمثل عدداً من هؤلاء البدو يقدمون لفرعون مصر القرابين ليسمح لهم بالسكنى في وادي النيل ". وقد أذن فرعون لبعض قبائل إدوم - وهي سامية - في الإقامة شرقي الدلتا. وورد في سفر التكوين في قصة يوسف أن فرعون قد منح يوسف عليه السلام سلطاناً على مصر، وأن يوسف دعا أباه للسكنى في أرض جوشن وهي مقاطعة مصرية تقع شرقي الدلتا. كذلك تحدثنا الكتب المقدسة عن هجرة الكنعانيين واليهود إلى مصر. 1 - الهكسوس وهل كانوا عربا؟   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: من هنا إلى آخر النسخة الإلكترونية "دراسات في تاريخ العروبة في وادي النيل / عبد المجيد عابدين" ومن الهجرة إلى مصر ما اتخذ صورة عنيفة من الغزو والإغارة " وقد يكون مما شجع عليها ضعف حكام مصر ضعفا أغرى سكان البادية بهم. ولكن العامل الأساسي في حدوث مثل هذه الهجرات الكبيرة إنما كان مرجعه الرئيسي إلى سوء الحالة الاقتصادية في المناطق المجدبة، مما أدى احيانا - كما كان الحال في غارة الهكسوس - إلى هجرة العائلات بجميع أفرادها، تصطحب معها كل ما تملكه من معدات وحيوان مما يدل دلالة صريحة على أن القصد من تلك الغارات إنما كان التماس مناطق تتوافر فيها وسائل المعيشة لتلك العائلات التي اضطرت إلى أن تترك مناطقها الأصلية حين عجزت عن أن تجد القوت فيها ". ولكن هل كان الهكسوس عرباً أو ساميين؟ لقد اعتمد جرجي زيدان، منذ اكثر من نصف قرن، على بعض أدلة في إثبات عروبة الهكسوس غير أن تطور الدراسات لم يؤيد نظرية جرجي زيدان تأييداً تاماً. فإن معنى اللفظ هكسوس - ملوك الرعاة - لا يدل على أن المقصود بهم شعب سامي أو جنس سامي. ومن الجائز أن يكونوا خليطاً من سلالات سامية وغير سامية اندفعت من مكان أو أمكنة بعيدة وتقدمت بجموعها المختلطة للإغارة على مصر السفلى، فعبرت طريق سيناء، لكونه الطريق الميسور الوحيد للعبور في هذه المنطقة. ويبدو أن الأبحاث الحديثة تميل إلى الربط بين دخول هؤلاء الرعاة إلى مصر، وبين هجرة قبائل مغولية من قلب آسيا نحو الغرب حيث تتدافعت الشعوب التي كانت تسكن هضاب إيران وبلاد الرافدين ونواحي سوريا غربا فغربا، مما أدى إلى الضغط على رعاة بوادي الشام، فنزلوا شبه جزيرة سيناء وصحراء مصر الشرقية وأرض الدلتا، وكانت مصر إذ ذاك في فترة ضعف داخلي في نهاية أيام الأسرة الثالثة عشرة ومما يدل على أن هؤلاء الرعاة قد تأثروا بالهجرات المغولية، أن ما استخدمه الهكسوس من الخيل والعجلات كان من مؤثرات مغولية. فمن الجائز أن يكون الهكسوس عناصر مختلطة سامية وغير سامية، وهذا لا ينفي أن يظهر في لغة هؤلاء بعض آثار سامية، فهذه الآثار اللغوية، إن ثبتت، فإنما تدل على أن جماعة من هؤلاء الرعاة، كانوا يتكلمون لغة سامية، أو لغة متأثرة بها. ومهما يكن فإن الهكسوس قد حكموا مصر فترة تزيد على قرن ونصف، إلا أن نفوذهم لم يتغلغل كثيرا إلى مناطق مصر العليا إذا استثنينا صحراء مصر الشرقية. 2 - الإسماعيلية والأنباط. والإسماعيلية هو الاسم القديم لعرب البادية في الشمال الغربي من شبه الجزيرة العربية. ويبدو أن منطقة ارتحالهم كانت تبدأ من شمال الحجاز وتمتد شمالا وغرباً إلى برزخ السويس. ومن المحتمل أن يكون النبط أو الأنباط فرعا من هؤلاء الإسماعيلية. والأنباط شعب عربي باتفاق العلماء، لا يتجاوز ما وصل إلينا من تاريخهم القرن الرابع قبل ميلاد المسيح، أو سنة 312ق. م على وجه التحديد. أسسوا دولة قوية على رقعة واسعة تقع بين سوريا شمالا وبلاد العرب جنوبا، وبين الفرات شرقا والبحر الأحمر غرباً: زحفوا على منطقة شرق الأردن واستولوا عليها، وفي حوالي 85ق. م صار ملكهم الحارث ملكا على دمشق. وفي هذه الفترة كانت دولة النبط منيعة الجانب يخشاها اليهود وسائر أمم الشام وكان يرهبها الرومان. ولم يتخذ الأنباط دمشق قصبة لهم لبعدها عن محور المملكة، فكانت عاصمتهم " سلع "، في وادي موسى. ولكن خشية أهل روما من ازدياد نفوذ الأنباط، ومنافستهم إياهم على هذه المنطقة، وخوفهم من أن يمتد سلطان النبط على المشرق كله، قد دفع امبراطور روما إلى إرسال جيش لمحاربة النبط، فخرب مملكتهم سنة 106م، واستولى أهل روما على بلاد حوران التي كانت جزءاً من مملكة النبط. لم يكن الأنباط أهل زراعة، بل كانوا في قوانينهم الموروثة يحرمون زراعة الحبوب أو أستثمار الأشجار، ويعاقبون من يخالف ذلك بالقتل ويشددون في العمل بهذه القوانين. وإنما كانت التجارة حرفتهم الرئيسية. وكان عماد ثروتهم الاتجار بالأطياب والمر وغيرها من العطريات يحملونها من اليمن وغيرها إلى مصر وشواطىء البحر المتوسط. ولم تكن تمر تجارة في أيامهم بين الشرق والغرب إلا على يدهم ويحملون إلى مصر على الخصوص " القار " لأجل التحنيط. ومن الطبيعي إذن، أن يدرك الأنباط عظم الأهمية التجارية القديمة لوقع سيناء، وأن يحرصوا على أن يكونوا سادة على هذا الطريق الهام كما كانوا سادة على الطرق التجارية المتفرعة من البطراء إلى دمشق وإلى رينو كولورا - العريش الحالية - حتى يضمنوا بهذا الزعامة التجارية في تلك المنطقة، تلك الزعامة التي احتفظوا بها لعدة قرون، وكان طبيعياً أن يمتد نفوذهم - لضمان هذه الطرق - إلى معظم جهات سيناء. ولقد كان الباحثون - إلى عهد قريب - يعتمدون على أقوال المؤرخين وحدها، في إثبات تسرب آثار النبط إلى مصر، حتى استطاعت الكشوف الأثرية أن تدعم هذه الأقوال، وتزيد عليها، وتعين أماكن كثيرة في منطقة سيناء، وفي الصحراء الشرقية، كانت مراكز لهؤلاء الأنباط. وقد أثبتت الأبحاث الأثرية الأولى وجود نقش نبطي شرقي الفرما عام 1911 وفي تل الشقافية في وادي طميلات عام 1924 ونقوش أخرى تثبت أن تجار النبط كانوا يترددون على الصحراء الشرقية، ثم استطاع الأستاذ إنولتمان أن يعثر على نقوش أخرى نبطية في الصحراء الشرقية ونشرها في سنتي 1953، 1954 في مجلة " BSOAS " ثم جمعها في كتاب، أورد فيه 83 نقشاً أو خربشة عُثر عليها في ستة عشر موضعاً تمتد من سيناء شمالاً، وتتجه إلى الجنوب، في الصحراء الشرقية، حتى تبلغ صعيد مصر الأعلى. هذه المواضع هي: شمالي أبي درق أم دمرانة - بير الدخل - مكان بالقرب من راس جمسه - بير أم ضَلفه - بير أم عَنَبْ - بير الجضامي - حمامة - قصور البنات " طريق الحمامات " - أبو قويع - محطة الحمرا - شمالي وادي زيدون - منيح - منيح الحير - تل الشقافية - كتيب القلس. ومن دراسة هذه النقوش تبين أن بعض أربابها كانوا من أصحاب القوافل الذين كانوا يتاجرون في مصر، إذ ورد في ثلاثة نقوش منها لفظ يدل على أنهم كانوا من الأبالة أي أصحاب الإبل. وفي نقش أو نقشين ما يدل على أن جماعة من صناع النبط قد استقروا في بعض مناطق الصحراء الشرقية. واتضح - أيضاً - أن تجار النبط لم يتخذوا مصر مجرد معبر يمرون منه إلى مناطق أخرى، بل كان لهم مؤسسات ينزلونها، ومعابد يتعبدون فيها. فقد عثر في جهة " قصر الغيط " الذي لا يبعد كثيراً عن الفرما، على أساسات أبنية نبطية لم يظهر فيها إلا آثار أحد المعابد ويذهب الباحث " كليرمو جانو " إلى أن النبط كان لهم مستعمرة في وادي طميلات ينزلون فيها. ومن الملاحظ أن المسافرين الأنباط استخدموا الطرق التي كان قد حصنها أو قام بحراستها الرومان. وكان الرومان حريصين على أن يتخذوا لهم طرقاً في الصحراء الشرقية يستخدمونها في تنقلهم من البحرر الأحمر خلال التلال إلى نهر النيل. وليس من اليسير أن نحدد تأريخاً لإنشاء محطات القوافل التي اتخذها الرومان في الصحراء الشرقية، ولعله من العسير أيضاً أن نعرف مدة بقائها، ذلك أن معرفة متى تركت الحاميات الرومانية هذه المحطات، وغادرت الصحراء الشرقية، هو من الصعوبة بمكان. ولكن ربما كان القرن الخامس الميلادي تأريخاً لجلاء الرومان عن هذه المحطات ومما يلفت النظر أن نشاط الأنباط التجاري في مصر، كما تدلنا النقوش، كان قد بلغ أشده بعد زوال مملكتهم سنة106م. وليس ببعيد أن يكون القضاء على مملكتهم من العوامل التي دفعتهم إلى بذل أقصى الجهد وتركيز اهتمامهم في توسيع نشاطهم التجاري في بلاد إفريقية بوجه عام، وفي مصر بنوع خاص. ولا ريب في أن مهارة الأنباط في الرحلة والتجوال قد اكسبهم نفوذاً وسلطاناً في هذه البلاد. بل تعدى هذا النفوذ إلى أوربا، فقد استطاع أحدهم أن يصبح امبراطورا على روما، وهو فيليب العربي244 - 249م وقد عثر المنقبون على بعض نقوش نبطية في ايطاليا وفي ضوء هذا، نستيطع أن نزعم أن الجاليات النبطية، لم يقتصر نشاطها على سيناء، والصحراء الشرقية وحدها، بل لابد أنه كان منهم جماعات سكنوا على ضفاف النيل، وفي الصحراء الغربية، وفي شمالي إفريقية، ويمكن أن نستأنس في هذا بما ذكره أبو عبيد البكري الأندلسي ت487هـ1094م عند الكلام عن " أجدابية "، بلد بين برقة وطرابلس الغرب، قال وأهلها ذوو يسار أكثرهم أنباط. على أن تأريخ الأنباط ومملكتهم - على ماله أهمية في تأريخ العرب القديم - لم يكن معروفاً لدى مؤرخي العرب على وجهه الصحيح، بل إنهم، حين يذكرون الأنباط، في أعلب الأحيان، إنما يقصدون هذه البقايا المتناثرة من الصناع والأجراء الذين عاشوا في العصور الإسلامية، في الشام والعراق وغيرهما، وفي العراق بنوع خاص. وقد أخذ مدلول كلمة " نبطي " عندهم معنى لا يخلو من الذم، ويبدو من خلال حديثهم عن النبط أنهم جنس يختلف عن العرب، يتكلمون لغة فاسدة تشبه الرطانة. ولكن النبط، في حقيقة الأمر، كما سبق أن أشرنا، عرب باتفاق العلماء، ورد من اسمائهم: حارثة ومالك وجذيمة ووائل وقصي وعدي وعميرة وكعب ومعن وسعد ووهب الله وأويس وهاشم وذؤيب، وهي اسماء عربية اصيلة كما لا يخفى. وقد انبعثوا من البادية، وجابت قوافلهم وإبلهم صحارى آسيا وإفريقية، وتكلموا لغة سامية، هي أحدى شقائق اللغة العربية الفصحى، وشاركوا العرب في جاهليتهم في عبادة بعض الأصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل ذي الشرى واللات والعزى ووصفهم بعض المؤرخين القدامى الذين عاشوا في القرن الأول الميلادي بأنهم عرب. ووصف الرومان الحاكم النبطي " فيليب " الذي حكم روما سنة 244م بأنه عربي، " لإنه كان عربي المولد وكان قد نشأ وترعرع في بُصرى، ثم دخل الجيش الروماني وتقدم فيه وأصبحت له مكانة ". لأحمر خلال التلال إلى نهر النيل. وليس من اليسير أن نحدد تأريخاً لإنشاء محطات القوافل التي اتخذها الرومان في الصحراء الشرقية، ولعله من العسير أيضاً أن نعرف مدة بقائها، ذلك أن معرفة متى تركت الحاميات الرومانية هذه المحطات، وغادرت الصحراء الشرقية، هو من الصعوبة بمكان. ولكن ربما كان القرن الخامس الميلادي تأريخاً لجلاء الرومان عن هذه المحطات ومما يلفت النظر أن نشاط الأنباط التجاري في مصر، كما تدلنا النقوش، كان قد بلغ أشده بعد زوال مملكتهم سنة106م. وليس ببعيد أن يكون القضاء على مملكتهم من العوامل التي دفعتهم إلى بذل أقصى الجهد وتركيز اهتمامهم في توسيع نشاطهم التجاري في بلاد إفريقية بوجه عام، وفي مصر بنوع خاص. ولا ريب في أن مهارة الأنباط في الرحلة والتجوال قد اكسبهم نفوذاً وسلطاناً في هذه البلاد. بل تعدى هذا النفوذ إلى أوربا، فقد استطاع أحدهم أن يصبح امبراطورا على روما، وهو فيليب العربي244 - 249م وقد عثر المنقبون على بعض نقوش نبطية في ايطاليا وفي ضوء هذا، نستيطع أن نزعم أن الجاليات النبطية، لم يقتصر نشاطها على سيناء، والصحراء الشرقية وحدها، بل لابد أنه كان منهم جماعات سكنوا على ضفاف النيل، وفي الصحراء الغربية، وفي شمالي إفريقية، ويمكن أن نستأنس في هذا بما ذكره أبو عبيد البكري الأندلسي ت487هـ1094م عند الكلام عن " أجدابية "، بلد بين برقة وطرابلس الغرب، قال وأهلها ذوو يسار أكثرهم أنباط. على أن تأريخ الأنباط ومملكتهم - على ماله أهمية في تأريخ العرب القديم - لم يكن معروفاً لدى مؤرخي العرب على وجهه الصحيح، بل إنهم، حين يذكرون الأنباط، في أعلب الأحيان، إنما يقصدون هذه البقايا المتناثرة من الصناع والأجراء الذين عاشوا في العصور الإسلامية، في الشام والعراق وغيرهما، وفي العراق بنوع خاص. وقد أخذ مدلول كلمة " نبطي " عندهم معنى لا يخلو من الذم، ويبدو من خلال حديثهم عن النبط أنهم جنس يختلف عن العرب، يتكلمون لغة فاسدة تشبه الرطانة. ولكن النبط، في حقيقة الأمر، كما سبق أن أشرنا، عرب باتفاق العلماء، ورد من اسمائهم: حارثة ومالك وجذيمة ووائل وقصي وعدي وعميرة وكعب ومعن وسعد ووهب الله وأويس وهاشم وذؤيب، وهي اسماء عربية اصيلة كما لا يخفى. وقد انبعثوا من البادية، وجابت قوافلهم وإبلهم صحارى آسيا وإفريقية، وتكلموا لغة سامية، هي أحدى شقائق اللغة العربية الفصحى، وشاركوا العرب في جاهليتهم في عبادة بعض الأصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل ذي الشرى واللات والعزى ووصفهم بعض المؤرخين القدامى الذين عاشوا في القرن الأول الميلادي بأنهم عرب. ووصف الرومان الحاكم النبطي " فيليب " الذي حكم روما سنة 244م بأنه عربي، " لإنه كان عربي المولد وكان قد نشأ وترعرع في بُصرى، ثم دخل الجيش الروماني وتقدم فيه وأصبحت له مكانة ". تأريخ الأنباط ومملكتهم - على ماله أهمية في تأريخ العرب القديم - لم يكن معروفاً لدى مؤرخي العرب على وجهه الصحيح، بل إنهم، حين يذكرون الأنباط، في أعلب الأحيان، إنما يقصدون هذه البقايا المتناثرة من الصناع والأجراء الذين عاشوا في العصور الإسلامية، في الشام والعراق وغيرهما، وفي العراق بنوع خاص. وقد أخذ مدلول كلمة " نبطي " عندهم معنى لا يخلو من الذم، ويبدو من خلال حديثهم عن النبط أنهم جنس يختلف عن العرب، يتكلمون لغة فاسدة تشبه الرطانة. ولكن النبط، في حقيقة الأمر، كما سبق أن أشرنا، عرب باتفاق العلماء، ورد من اسمائهم: حارثة ومالك وجذيمة ووائل وقصي وعدي وعميرة وكعب ومعن وسعد ووهب الله وأويس وهاشم وذؤيب، وهي اسماء عربية اصيلة كما لا يخفى. وقد انبعثوا من البادية، وجابت قوافلهم وإبلهم صحارى آسيا وإفريقية، وتكلموا لغة سامية، هي أحدى شقائق اللغة العربية الفصحى، وشاركوا العرب في جاهليتهم في عبادة بعض الأصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل ذي الشرى واللات والعزى ووصفهم بعض المؤرخين القدامى الذين عاشوا في القرن الأول الميلادي بأنهم عرب. ووصف الرومان الحاكم النبطي " فيليب " الذي حكم روما سنة 244م بأنه عربي، " لإنه كان عربي المولد وكان قد نشأ وترعرع في بُصرى، ثم دخل الجيش الروماني وتقدم فيه وأصبحت له مكانة ". 2 3 - أعقاب سبأ قضاعة نلاحظ في الهجرات التي أشرنا إليها فيما سبق، أن أصحابها كانوا - قبل نزوحهم إلى مصر، يسكنون في المنطقة التي تقع شمالي صحراء النفود أو في بادية الشام. وهذه المنطقة هي المستودع الذي أمد مصر بالموجات العربية منذ أقدم العصور، وهو نفسه الذي أمدّ مصر بالموجات العربية للقضاعيين وغيرهم من أعقاب سبأ. غير أن هناك فارقاً بين المواطن العربية الأولى لكل من المجموعتين. فالموجات التي ذكرناها في الفصول السابقة كانت مواطنها الأولى - على حسب ما أنتهى إلينا من أخبارها - هذه المنطقة أو المستودع الذي أشرنا إليه. فلا دليل على أن الأنباط - مثلا - كانوا قد نزحزا من أية جهة نائية من جهات شبه الجزيرة العربية قبل أن يستقروا في هذه المنطقة. أما القضاعيون فلم تكن هذه المنطقة، أو هذا المستودع، مواطنهم الأصلية على الراجح - وإنما كانوا في بلاد اليمن، ثم انتقلوا إلى الحجاز، ثم إلى هذه المنطقة في حوالي القرن الأول الميلادي. وأصل قضاعة موضع خلاف واسع بين نسابة العرب ومؤرخيهم. ولامناص من أن نقف قليلا عند هذا الخلاف حتى نتبين وجه الحق فيه. يختلف النسابة في نسب قضاعة أهم من حمير أم من معد بن عدنان. ويظهر أن العصبيات القحطانية والعدنانية قد تدخلت في إيجاد هذا الخلاف. والحق أن أقدم الروايات يفيدنا بأن قضاعة تنتسب إلى حمير بن سبأ، وأن صلتها بجنوب بلاد العرب يمكن أن يؤيد بشواهد كثيرة ومن المحتمل أن هذا النسب قد توارثه القضاعيون منذ أن كانت حمير دولة عزيزة الجانب في اليمن. وقضاعة معناها اللغوي " الفهد " اسم معروف بين أسماء قبائل حمير الجنوبية وورد في حديث نبوي أن عقبة بن عامر الجهني " وجهينة من قضاعة " قال: يا رسول الله ممن نحن قال: أنتم من قضاعة ابن مالك. ويروون رجزاً ينسبونه إلى عمرو بن مرة الجهني، وكان صحابياً، يثبت نسب قضاعة في حمير وسمع الهمداني هذا الرجز ينشده بنو نهد " فرع من قضاعة " في بوادي معد بن عدنان، وفي ديار هوازن، ويرتجزون به في حروبهم ويروى ابن اسحاق ت151هـ وابن الكلبي ت206هـ وطائفة من أهل النسب أن قضاعة من حمير. إلى أن انتقال قضاعة إلى شمالي بلاد العرب، واتصالهم الوثيق ببلاد معد بن عدنان وكان بعضهم ُماّلاً على معد من قبل ملوك حمير، ثم زوال ملك حمير في وقت ظهور الإسلام، وتقادم العهد على سكناهم في الشمال، كل ذلك قد دفع بعض القضاعيين، ومعهم طائفة من النسابة، إلى أن يترددوا - على الأقل - في التعلق بنسبهم القديم والظاهر أن معاوية بن أبي سفيان - أو ابنه يزيد - كان أول من شجع القضاعيين على التخلي عن نسبهم الحميري، والدخول في نسب معد بن عدنان. ولكن بعض شعراء اليمن، وهو عدي بن الرقاع العاملي، قد عبر عن سخطه على هذه المحاولة، وسخر بها، وأبى أن يبيع قحطان بمعد، وعدها تجارة خاسرة ومن الطريف أن بعض النسابة، إسهاماً بدورفي هذه المحاولة، وقد لّفق لهم نسباً فجعل حمير التي ينتسب إليها القضاعيون، ليست هي حمير بن سبأ اليمنية وإنما هي حمير بن معد بن عدنان. وجاءت محاولة عكسية من خالد بن يزيد بن معاوية، وكان أخواله من قبيلة كلب، وهي قضاعية، فقد رأى أن من صالح حزبه أن تثبت قضاعة على نسبها القديم، وأن يحالفوا اليمن حتى يكونوا قوة تقهر خصومه بني مروان الذين تحالفوا مع العدنانية فأطاعه بعضهم وعصاه آخرون فكان بعضهم يقول حالفنا اليمن، وبعضهم يقول بل نحن منهم أما الزبيريون، أصحاب عبد الله بن الزبير، فقد كانوا يستميلون العدنايين، ويعيبون بني أمية، في أيام ابن الزبير، بأنهم تحالفوا مع اليمنية، وكان من صالح الزبيريين بطبيعة الحال، أن يجتذبوا القضاعيين إلى صفوفهم، بإثبات نسبهم في معد. وهذا ما صنعه نسابة الزبيرين وكان من الطبيعي أن يتلقى الرواة المتأخرون هذه الأخبار التي تبدو بغير النظرة التاريخية الناقدة، كأنها متضاربة، الأمر الذي جعل ابن خلدون يتوقف في هذه المسألة فلا يرجح قولاً على قول، ويحتج لذلك بأن النسب البعيد يخيل الظنون ولا يرجع فيه إلى يقين ولعل هذا هو الذي جعل ابن خلدون يضع قضاعة قسما قائماً بذاته إلى جانب قحطان وعدنان إذ يقول اعلم أن جميع العرب يرجعون إلى ثلاثة أنساب: وهي عدنان وقحطان وقضاعة. فالراجح عندنا أن قضاعة من حمير بن سبأ، أما فروعها فمن الممكن أن نلخص أهمها في الجدول التالي: قضاعة الحاف عمرو عمران أسلم " بضم اللام " حيدان بلى بهراء سود مهرة سلبح حلوان ليث الضجاعم زيد نهد جهينة كان لدولة حمير في عنفوانها السيطرة على بعض مناطق " معدّ " في الشمال، في تهامة والحجاز، وكان بعض القضاعيين عمالا لحمير على بلاد معدّ، كما قلنا، وربما كان هذا من أسباب هجرتهم إلى الشمال. على أننا لاندري إن هنالك صلة مابين هجرة القضاعيين إلى الشمال، حوالي القرن الأول الميلادي، وبين سياسة الروم لتعزيز مطامعهم أو حماية مصالحهم في هذه المنطقة التي كان يسيطر عليها الأنباط في ذلك الحين، وكان الروم يخافون اتساع نفوذهم فيها. ومهما يكن من أمر فإن قضاعة لم تكد تستقر زمنا في مهجرها الجديد، في الشمال، حتى استعملهم الروم على بادية العرب فملكوا ما بين الشام والحجاز إلى العراق. وكان أول الملك فيهم في مجموعة متحالفة منهم سميت باسم تنوخ، ثم غلبهم على أمرهم فرع آخر من قضاعة هو سليح. وقد نزلت تنوخ ثم سليح على حدود سيناء الشرقية، وسكنت أرض النبط، ولايبعد أن من هذه القبائل ما كانت مضاربها تمتد إلى بعض جهات سيناء الشرقية. أما بطون قضاعة التي تشير المراجع إلى أنها كانت تنزل سيناء، فهي قبائل بلّى، إذ نفهم من كلام الهمداني أن أرضهم امتدت إلى برزخ السويس وليس ببعيد أن يكون جماعات منهم قد تجاوزا إلى الصحراء الشرقية كما فعل الأنباط. ولاندري أي قبائل من العرب عناهم استرابو 66ق. م - 24 وبلينيوس حوالي70م وهما مؤرخان يونانيان، عاشا في أوائل العصر المسيحي، حين ذكرا أن العرب تكاثروا في أيامهما على العدوة الغربية من البحر الأحمر، حتى شغلوا ما بينه وبين النيل في أعلى الصعيد، وأصبح نصف سكان قفط منهم، وكان لهم جمال ينقلون عليها التجارة والناس بين البحر والنيل لا ندري ممن كان هؤلاء العرب أكانوا من بلّى من الأنباط أم من قبائل أخرى. 4 - أعقاب سبأ كهلان بن سبأ كهلان زيد مالك عريب همدان نبت مذحج طيء مرة الغوث معافر عاملة لخم جذام خولان الأزد " الغساسنة " عمرو بجيلة خثعم وكهلان بن سبأ هو شقيق حمير، فالصلة بينهما وثيقة، غير أن أبناء حمير كما يفهم من أقواله النسابين كانوا أكثر تحضراً من أبناء كهلان. وتمثل هجرة الكهلانيين ألى الشمال موجة ثانية من موجات هجرة أعقاب سبأ. ولعلها حدثت في فترات بين القرنين الثاني والثالث من ميلاد المسيح. وكان من أسبابها: تقلُّص ملك حمير في الجنوب، وما أصاب أرضهم على أثر خراب سد مأرب، وتحول مركز الجاذبية السياسية في بلاد العرب من الجنوب إلى الشمال حيث ازدهرت دول عربية على أطراف شبه الجزيرة العربية الشمالية في الشرق والغرب. وقد استطاعت مجموعة متحالفة من الأزد، وهم فرع من كهلان، أن يغلبوا القضاعيين على أمرهم، وأن يسيطروا على هذه المنطقة، هذه المجموعة المتحالفة هي التي سميت غسان لأنها فيما يقال نزلت على أثر نزوحهم من اليمن، في تهامة، ونزلوا بماء يقال له غسان وتحالفوا حوله، فسموا باسمه. فلما غلبوا القضاعيين، وصاروا عمالا للروم، كانوا أقوى القبائل في هذا الجزء، عند ظهور الإسلام. أما الفرع الثاني من قبائل كهلان بن سبأ، فقد اشتهر منهم في تأريخ الهجرات: طيء وفروعها، وبنو مرة وفروعهم ولاسيما لخم وجذام وعاملة وقد سكنت هذه القبائل شمالي الحجاز أولا، ونزلوا في جوار بني أسد، وانتزعوا منهم جبلي أجا وسلمىوهما المعروفان الآن بجبل شمّر، وتداخلوا في أرض الغسانيين. أما عن الكهلانيين وصلتهم بمصر في الجاهلية، فيروى أن بعض بطون خزاعة، وهم فرع من الأزد، خرجوا في الجاهلية إلى مصر والشام لأن بلادهم أجدبت وفي عهد عمر بن الخطاب، بعد أن تم فتح الشام، وقبل أن يفتح العرب مصر، تفرق عرب غسان وجذام وعاملة، وكانوا قد اعتنقوا النصرانية، فنزل فريق منهم أرض الجفار في شمالي سيناء، وهي المنطقة الرملية بين مصر وفلسطين، وأقطعهم حاكم مصر الروماني ولاية تنيس " صان الحجر " وكانوا برئاسة رجل من بني عامر بن صعصعة يقال له أبو ثور من العرب المتنصرة، فلما فتحت دمياط سار إليها المسلمون فبرز إليهم نحو عشرين ألفاً من العرب المتنصرة والقبط والروم فكانت بينهم حروب آلت إلى وقوع أبي ثور في أيدي المسلمين وانهزام أصحابه. 5 - الخلاصة أ - ندرك مما سبق أن هجرة العرب إلى مصر كانت منذ أقدم العصور، في الجاهلية البعيدة، وأن الهجرة إلى مصر كانت أمراً ميسوراً في أي وقت في خلال تلك العصور لوجود قنطرة ثابتة مفتوحة للعبور منذ القدم، وهي طرق سيناء. ب - بعض الموجات النازحة إلى مصر كانت لا تتجاوز منطقة الوجه البحري أو جزءاً منها، وبعضها الآخر، كان يتوغل إلى أن يصل إلى صعيد مصر الأعلى. فلم يكن أثر العرب مقصوراً على جهة معينة من مصر بل كان موزعاً على جهات مختلفة منها. ج - غير أن هذه الموجات النازحة، كانت في تلك العهود، أشبه ما تكون بالجاليات، لأنها عاشت حينئذ في كنف حكومات غير عربية، ولأنها كانت تحمل معها ألسنة مختلفة عن اللغة الرسمية لمصر، ولأنها لم يتح لها في تلك العهود الانضواء تحت لغة رئيسة واحدة تجمع بين شتاتها، وتؤلف بين المتكلمين بها، ولأن هذه الجماعات كانت مفرقة الأهواء الدينية والسياسية، لا يجمع بينها منزع ديني واحد ولا وجهة سياسية معينة. د - ومع هذا كله فلا سبيل إلى إنكار أن هذه الهجرات المتلاحقة، كانت تمثل المرحلة الإعدادية في تعريب مصر. لأن اللغات أو اللهجات التي حملوها معهم إلى مصر، على أختلافها، تعد شقائق للغة العربية التي نعرفها اليوم. ولأن الأسس الحضارية، التي عبروا عنها، ومارسوها، كانت أسساً عربية انبثقت من بيئات شبه الجزيرة العربية. ولأن هذه الجماعات، لا بن أنهم قد امتزجوا بأهل مصر الأقدمين وخلفوا فيهم آثاراً سلالية وثقافية. هـ - وللجماعات التي نزحت إلى مصر بعد ميلاد المسيح أعني " أعقاب سبأ " أهمية خاصة في دراسة الهجرات العربية الإسلامية ذاتها، ذلك لآن أعقاب سبأ الذين بدأت طلائعهم تتسرب إلى مصر في الجاهلية، هم أنفسهم الذين كانوا من جملة القبائل الأولى التي أعتنقت الإسلام ودخلت مصر في ايام الحكم العربي الإسلامي. بل أن أعقاب سبأ الذين نزلوا مصر في أيام الفتح العربي كانوا يمثلون الغالبية من عرب مصر. غير أن وضعهم حينئذ، كان يختلف عن وضعهم في الجاهلية. فعندما فتح العرب مصر، وصار الحكم فيها عربياً، انفسح المجال أمامهم للهجرة إلى مصر، وشجعهم الولاة على النزوح إليها، ودخلوا بأعداد كبيرة في جيوش الفتح، فتكاثروا واستمدوا نفوذهم من نفوذ السلطة العربية الحاكمة. الباب الثالث القبائل العربية في إقليم مصرفي عصر الولاة 18 - 254هـ " مرحلة متكاملة " 1 - دور أعقاب سبأ " القرن الأول الهجري " إذا ما تتبعنا ما أحصته المصادر من جيوش الفتح العربي وعدد أفرادها الذين دخلوا مصر مع عمرو بن العاص والزبير بن العوام وعبد الله بن سعد وغيرهم، في خلال ربع القرن الأول من الفتح 18 - 43هـ وجدنا بضع عشرات من الألوف، نزلوا مصر، وأقاموا في الفسطاط والجيزة والإسكندرية وبعض جهات الصعيد. فقد روت المصادر أن الذين قدموا مع عمرو بن العاص كان عددهم لا يزيد على أربعة ألاف، ثم أتبعه الزبير بن العوام بمدد قدر في بعض الروايات باثنى عشر ألفاً. ثم نظمت لهم خطط " أي طرقات " في مدينة الفسطاط في سنة 21هـ في الفضاء الواقع شمالي بابليون بين النيل وجبل المقطم، وعرفت كل خطة باسم الجماعة التي نزلت فيها، ثم اتسعوا في البلد فاختطوا على النيل. وبنى عمرو بن العاص بالفسطاط مسجد جامعها، ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل وجعل لكل قبيلة محرساً وعريفاً. كذلك سكنت بعض هذه القبائل منطقة الجيزة وكانت لهم خطط كما في الفسطاط. وبنى عمرو حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل، وجعله مسلحة للمسلمين وأسكنه قوماً. وأخذ العرب يفدون على الفسطاط. حتى كان بها في خلافة معاوية أربعون ألفاً. أما في الإسكندرية فقد كانت حاميتها إلى سنة 43هـ تبلغ اثنى عشر ألفاً، وكتب قائدها إلى والي مصر يشكو قلة العدد، وزاد عددها في أيام خلافة معاوية حتى بلغ 27 ألفاً. وكان صعيد مصر يمثل قسماً إدارياً منفصلاً بإدارته عن مصر السفلى، وقد ورث العرب هذا التقسيم الثنائي من عهود الرومان السابقة. وقد أبقى عليه العرب حين فتحوا مصر. فكان على مصر العليا، في أواخر خلافة عمر بن الخطاب عبد الله بن سعد بن أبي السرح. أما عمرو بن العاص فالراجح أنه كان الأمير الأعلى على مصر كلها، وإن كان ابن عبد الحكم قد ذكر في روايته أن عمراً كان حينئذ أميراً على مصر السفلى. وربما كان تنازع السلطة بين الأميرين في ذلك الحين هو الذي جعل عمرو بن العاص، عندما بويع عثمان بن عفان سنة 23هـ، يطلب إلى الخليفة أن يعزل عبد الله بن سعد عن صعيد مصر فامتنع من ذلك عثمان وعقد لعبد الله بن سعد على مصر كلها. وفي أيام إمارة عبد الله بن سعد على الصعيد، كان قد اقام به زمناً، والظاهر أن عبد الله بن سعد اتخذ مقره في أقصى الصعيد. في المنطقة التي كان يسكنها نوبة مصر. يقول المقريزي: " لما بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد فتح مصر إلى النوبة " يقصد نوبة مصر " سنة عشرين وقيل سنة إحدى وعشرين، في عشرين ألفاً، فمكث بها زماناً فكتب إليه عمرو يأمره بالرجوع إليه ". ومن هذا ندرك أن العرب الفاتحين، قد بلغوا أقصى صعيد مصر منذ أيام الفتح الأول. وأن الجيش الذي صحب عبد الله بن سعد إلى الصعيد الأعلى، كان يبلغ عشرين ألفاً. على أن هذه الآلاف المعدودة التي سجلت في عداد جيوش الفتح الأول، لا تعطينا، فيما نعتقد، صورة كاملة لعدد الجماعات العربية التي نزلت مصر في هذه الفترة. ومن الممكن أن نفترض أن المصادر التاريخية، ربما أغفلت ذكر جماعات عربية استوطنت مصر في أيام الفتح غير هؤلاء الجنود الذين ورد ذكرهم. ولكن مما يفيد الباحث أن يجد في هذه المصادر إشارات قد تعينه، على عمومها في هذا المجال. فالمقريزي يحدثنا أن قبائل " بلىّ " التي كانت تؤلف ثلث المجموعة القضاعية الساكنة في بلاد الشام، قد نقلت كلها بأمر عمر بن الخطاب إلى مصر. وتفرقت بأرض مصر، ولا يبعد أن جزءاً كبيراً منهم قد انساحوا إلى الصعيد. ويذكر المقريزي ما يدل على أن جذاما كانوا أقدم من سكن الحوف الشرقي. ويفيدنا في كتابه " الخطط " بأن لخماً وجذاما سكنوا بعض مناطق الشرقية في أوائل الفتح، كما يحدثنا أن الفيوم والبهنسا وبوصير وسخا وأتريب وغيرها من بلدان مصر كانت مساكن لقبائل الفتح الأول. يقول " وكانت القرى التي يأخذ فيها معظمهم منوف وسمنود واهناس وطحا. وكان أهل الراية متفرقين. فكان آل عمرو بن العاص وآل عبد الله بن سعد يأخذون في منوف ووسيم. وكانت هديل تأخذ في ببا وبوصير. وكانت عدوان تأخذ في بوصير وقرى عك، والذي يأخذ فيه معظمهم: بوصير ومنوف وسندبيس وأتريب. وكانت بلى تأخذ في منف وطرابية. وكانت حضرموت تأخذ في ببا وعين شمس وأتريب. وكانت مراد تأخذ في منف والفيوم ومعهم عنس بن زَوْف " فرع من كهلان ". وكانتت حميرتأخذ في بوصير وقرى أهناس. وكانت خولان تأخذ في قرى أهناس والقيس " بمديرية المنيا الآن " والبهنسا. وآل وعلة " لعلها وعلان " يأخذون في سفط من بوصير. وآل أبرهة يأخذون في منف. وغفار وأسلم يأخذون مع وائل من جذام. وسعد " من جذام أيضاً " في بسطة وقربيط وطرابية. وآل يسار بن ضبة في أتريب. وكانت المعافر تأخذ في أتريب وسخا ومنوف. وكانت طائفة من تجيب ومراد يأخذون بالبيدقون "؟ ". وكان بعض هذه القبائل ربما جاور بعضا في الربيع ولا يوقف في معرفة ذلك على أحد إلاّ أن معظم القبائل كانوا يأخذون حيث وصفنا. وكان يكتب لهم بالربيع فيربعون ما أقاموا وباللبن. وكان لغفار وليث أيضاً مربع بأتريب. قال: وأقامت مدلج بخربتا فاتخذوها منزلاً. وكان معهم نفر من حمير حالفوهم فيها. فهى منازلهم. ورجعت خُشين وطائفة من لخم وجذام فنزلوا أكناف صان وابليل وطرابية ". وفي سنة 53هـ قدم من العراق جماعة من الأزد ونزلوا بالفسطاط في موضع عرف بسويقة العراقيين. وكان الوالي الذي يعين على مصر ياتي إليها ومعه جماعة من الجنود العرب. وظلت هذه الطريقة متبعة لدى أغلب الولاة الذين حكموا مصر إلى عهد عنبسة بن إسحاق الضبي والي مصر في خلافة المتوكل، وهو آخر والٍ عربي حكم مصر في عصر الولاة، إذ صار العباسيون بعد ذلك يولون عناصر غير عربية. وإذا تتبعنا القبائل العربية التي وردت في نص المقريزي هذا، وجدنا أن معظمهم كانوا من المجموعة السبئية أو أعقاب سبأ كما أسميناهم. ومن الممكن أن يرجع الباحث أيضاً إلى أسماء القبائل التي سكنت خطط الفسطاط والجيزة في أول الفتح، فسيرى ما يؤيد هذه الحقيقة. أما الجماعات القليلة من العدنانية " أي القيسية كما اطلقوا عليهم تجوزاً " ففي الفسطاط تنزل جماعة من قريش وغفار وثقيف ودوس وعبس بن بغيض ولم يكن لكل بطن منهم من العدد ما ينفرد بدعوة من الديوان فأسكنوا هم وفئات أخرى من المجموعة السبئية خطة واحدة سميت بخطة أهل الراية. وغلب العنصر السبئي على الإسكندرية وما حولها كذلك، فقد كانت القبائل السبئية قوية الجانب، وقد رأينا فيما سبق أن بني مدلج ومعهم نفر من حمير قد سكنوا خربتا بالقرب من الإسكندرية. وكان من السبئية من انضم إلى حركة أنصار علي في أواخر خلافة عثمان، فلما قتل عثمان قامت معركة بينهم وبين العثمانية بالقرب من الإسكندرية في " خربتا "، وهُزم فيها قائد العلويين وهو قيس بن حرمل اللخمي سنة 36هـ. إلا أن كثيراً من هذه القبائل كانوا يؤازرون العثمانية، وكان لهم شوكة قوية في الإسكندرية حتى إن والي علي رفض أن يقاتلهم في " خربتا " بحجة أنهم " وجوه أهل مصر وأشرافهم ". ميرتأخذ في بوصير وقرى أهناس. وكانت خولان تأخذ في قرى أهناس والقيس " بمديرية المنيا الآن " والبهنسا. وآل وعلة " لعلها وعلان " يأخذون في سفط من بوصير. وآل أبرهة يأخذون في منف. وغفار وأسلم يأخذون مع وائل من جذام. وسعد " من جذام أيضاً " في بسطة وقربيط وطرابية. وآل يسار بن ضبة في أتريب. وكانت المعافر تأخذ في أتريب وسخا ومنوف. وكانت طائفة من تجيب ومراد يأخذون بالبيدقون "؟ ". وكان بعض هذه القبائل ربما جاور بعضا في الربيع ولا يوقف في معرفة ذلك على أحد إلاّ أن معظم القبائل كانوا يأخذون حيث وصفنا. وكان يكتب لهم بالربيع فيربعون ما أقاموا وباللبن. وكان لغفار وليث أيضاً مربع بأتريب. قال: وأقامت مدلج بخربتا فاتخذوها منزلاً. وكان معهم نفر من حمير حالفوهم فيها. فهى منازلهم. ورجعت خُشين وطائفة من لخم وجذام فنزلوا أكناف صان وابليل وطرابية ". وفي سنة 53هـ قدم من العراق جماعة من الأزد ونزلوا بالفسطاط في موضع عرف بسويقة العراقيين. وكان الوالي الذي يعين على مصر ياتي إليها ومعه جماعة من الجنود العرب. وظلت هذه الطريقة متبعة لدى أغلب الولاة الذين حكموا مصر إلى عهد عنبسة بن إسحاق الضبي والي مصر في خلافة المتوكل، وهو آخر والٍ عربي حكم مصر في عصر الولاة، إذ صار العباسيون بعد ذلك يولون عناصر غير عربية. وإذا تتبعنا القبائل العربية التي وردت في نص المقريزي هذا، وجدنا أن معظمهم كانوا من المجموعة السبئية أو أعقاب سبأ كما أسميناهم. ومن الممكن أن يرجع الباحث أيضاً إلى أسماء القبائل التي سكنت خطط الفسطاط والجيزة في أول الفتح، فسيرى ما يؤيد هذه الحقيقة. أما الجماعات القليلة من العدنانية " أي القيسية كما اطلقوا عليهم تجوزاً " ففي الفسطاط تنزل جماعة من قريش وغفار وثقيف ودوس وعبس بن بغيض ولم يكن لكل بطن منهم من العدد ما ينفرد بدعوة من الديوان فأسكنوا هم وفئات أخرى من المجموعة السبئية خطة واحدة سميت بخطة أهل الراية. وغلب العنصر السبئي على الإسكندرية وما حولها كذلك، فقد كانت القبائل السبئية قوية الجانب، وقد رأينا فيما سبق أن بني مدلج ومعهم نفر من حمير قد سكنوا خربتا بالقرب من الإسكندرية. وكان من السبئية من انضم إلى حركة أنصار علي في أواخر خلافة عثمان، فلما قتل عثمان قامت معركة بينهم وبين العثمانية بالقرب من الإسكندرية في " خربتا "، وهُزم فيها قائد العلويين وهو قيس بن حرمل اللخمي سنة 36هـ. إلا أن كثيراً من هذه القبائل كانوا يؤازرون العثمانية، وكان لهم شوكة قوية في الإسكندرية حتى إن والي علي رفض أن يقاتلهم في " خربتا " بحجة أنهم " وجوه أهل مصر وأشرافهم ". ة " أي القيسية كما اطلقوا عليهم تجوزاً " ففي الفسطاط تنزل جماعة من قريش وغفار وثقيف ودوس وعبس بن بغيض ولم يكن لكل بطن منهم من العدد ما ينفرد بدعوة من الديوان فأسكنوا هم وفئات أخرى من المجموعة السبئية خطة واحدة سميت بخطة أهل الراية. وغلب العنصر السبئي على الإسكندرية وما حولها كذلك، فقد كانت القبائل السبئية قوية الجانب، وقد رأينا فيما سبق أن بني مدلج ومعهم نفر من حمير قد سكنوا خربتا بالقرب من الإسكندرية. وكان من السبئية من انضم إلى حركة أنصار علي في أواخر خلافة عثمان، فلما قتل عثمان قامت معركة بينهم وبين العثمانية بالقرب من الإسكندرية في " خربتا "، وهُزم فيها قائد العلويين وهو قيس بن حرمل اللخمي سنة 36هـ. إلا أن كثيراً من هذه القبائل كانوا يؤازرون العثمانية، وكان لهم شوكة قوية في الإسكندرية حتى إن والي علي رفض أن يقاتلهم في " خربتا " بحجة أنهم " وجوه أهل مصر وأشرافهم ". 2 - تكافؤ القوى العربية في إقليم مصر " 110 - 254هـ728 - 868م " بدأ التفكير في هجرة العدنانيين " أي القيسية " إلى مصر، منذ أن وليها عبد العزيز ابن مروان، فقد عبر هو عن ذلك في كلمة قالها مرة يخاطب أباه: " يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي ". ولم يكن في مصر، حينئذ، من القيسية إلا جماعات قليلة. ولقد كان بعض الولاة الذين حكموا مصر في عصر بني امية، ينتمون إلى القيسية، مثل قرة بني شريك " 90 - 96هـ " وعبد الملك بن رفاعة الفهمي " 96 - 99هـ، 109هـ " ومن الجائز أن يكونوا قد أقدموا معهم إلى مصر جماعات قيسية. ومع ذلك لم يكن القيسية، إلى ذلك الحين، بالقدر الذي يكفي لإحداث التكافؤ أو التوازن القبلي بين العنصرين الرئيسين اللذين تتألف منهما المجموعة العربية كلها أعني عنصري سبأ وقيس أو قحطان وعدنان كما يسمونهما. فإلى ذلك الحين، ظل أعقاب سبأ يمثلون الغالبية من عرب مصر، حتى قام عبيد الله بن الحبحاب، عامل الخراج في مصر في زمن خلافة هشام بن عبد الملك " 105 - 125هـ "، وكان عبيد الله من موالي قبيلة سلول القيسية، فطلب إلى الخليفة هشام أن يأذن له في تسيير جماعات من قيس إلى مصر، فأذن له في إلحاق ثلاثة آلاف منهم وتحويل ديوانهم إلى مصر، على ألا ينزلوا بالفسطاط. فبعث ابن الحبحاب إلى بوادي نجد يستحث أفواجاً منهم للهجرة - وقد حدث هذا في فترات تقع بين سنتي 109، 114هـ - وأنزلهم في بلبيس، واستمرت أفواجهم تترى إلى ما بعد زمن الحبحاب، إذ نجد منهم قبائل قيسية تتوافد على مصر في ولاية الحوثرة بن سهيل الباهلي " وباهلة من قيس " الذي ولى مصر سنة 128هـ. وفي سنة 153هـ أحصى عددهم فوجدوا 5200 أهل بيت صغيراً وكبيراً. ولم يكن تشجيع القيسية الذي أقرته سياسة الدولة، على هذه الصورة، وليد صدفة واتفاق، وإنما كان في الغالب مدفوعاً بعوامل أهمها: أولا الحد من سيطرة العنصر السبئي الذي كان ما زال يمثل الغالبية من عرب مصر، فقد كان إحداث التكافؤ بين العنصرين، في الحوف الشرقي أولا، مما يخفف من الأخطار التي قد تنجم من تفرد أعقاب سبأ واستئثارهم بالنفوذ، ولا سيما وقد ثبت لدى ولاة بني أمية، أنهم على استعداد لإثارة الفتن والوقوف إلى جانب الفئات المناوئة للحكم الأموي، كالزبيرين والعلويين والخوارج. ثانياً رأي عبيد الله بن الحبحاب، وهو العارف الخبير بشئون الخراج، أن في تعمير منطقة بلبيس فرصة لاستغلالها، فاختار لهم هذه المنطقة، ولم يكن بها أحد، وأمرهم بالزرع. ولعل القيسية هم أول من مارسوا الزراعة من عرب الشرقية. ثالثاً كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قد حرم ملكية الأرض على الجنود الذين فتحوا الأمصار وسكنوها، حتى ينصرفوا إلى واجبهم الحربي وحده، ثم كان القيسية أول من أُذن لهم في ملكية الأرض واستغلالها كما أسلفنا، أما معظم القبائل السبئية، فقد انصرفوا عن الحياة الزراعية زمنا بعد استقرار القيسية في بلبيس، وربما يعزى هذا إلى ميل هذه القبائل إلى سكنى الأطراف بعيداً عن أرياف مصر وقراها. وهذا قد يفسر لنا لماذا كان انتشار الإسلام في مصر، في المرحلة السابقة، أعني في القرن الأول الهجري، قليلاً محدود الأثر، ذلك أن اختلاط أعقاب سبأ بسكان الريف والقرى كان قليلا، ومن الجائز أن تكون حركة توطين القيسية في الحوف الشرقي كانت تستهدف - أيضاً - نشر الإسلام وتقوية شوكته في مصر. وسواء أكان هذا مقصوداً منذ البداية أم لم يكن، فلا مراء في أن توطين القيسية، واشتغالهم بالزراعة، قد ساعد على اختلاطهم بالأهالي، في المناطق البعيدة والمجاورة، فكان ذلك عاملاً من عوامل نشر الإسلام. وفي هذا يقول المقريزي: " ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة، عندما أنزل عبيد الله بن الحبحاب مولى سلول قيساً بالحوف الشرقي. فلما كان بالمائة الثانية من سني الهجرة كثر انتشار المسلمين بقرى مصر ونواحيها ". ولم يكن تكافؤ القوتين، القيسية والسبئية، مقصوراً على الحوف الشرقي وحده. ولم تكن الأفواج المهاجرة من القيسية إلى مصر، هي السبيل الوحدى لإحداث هذا التكافؤ. فقد تواترت الأحداث في خلال هذه المرحلة، وكانت كلها تتجه، قصداً أو أتفاقاً، إلى أمرين: نزوح هجرات قيسية جديدة إلى أنحاء مختلفة من مصر. وتفتت الكتل السبئية التي كانت بمصر أو هاجرت إليها في هذه المرحلة. ولسنا بحاجة إلى القول بأن هذا التفتت كان عاملا هاماً من عوامل هذا التكافؤ، ولا سيما إذا افترضنا أن السبئية، حتى بعد هجرة القيسية إلى الحوف الشرقي، كانوا ما زالوا يفوقون إخوانهم في القوة والعدد بالنظر إلى أنحاء مصر كلها. ذلك أن هذا التفتت قد أدى بالكتلة الواحدة إلى التفرق على جهات متعددة، وفي ذلك ما يحد من قوتها ويحول دون رجحان كفتها. ففي عهد مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، قضت الظروف السياسية في ذلك الحين أن تقف الدولة من رؤساء السبئية في مصر وغيرها، موقف العداء، فثار سخطهم، ولجأ مروان إلى القوة، فأرسل إليهم والياً قيسياً، هو حوثرة بن سهيل الباهلي، فدخل مصر في سبعة آلاف رجل من أهل حمص والجزيرة وقنسرين، وتمكن من القبض على رؤساء الثائرين وقتلهم في عام 128هـ ولما قدم مروان نفسه ديار مصر، بعد أربع سنوات من هذا التاريخ " أي في سنة 132هـ " وجد أهل الحوف الشرقي وأهل الإسكندرية، وأهل الصعيد وأسوان، قد أصبحوا من أعوان العباسيين. ويقال إن مروان قد أمر بإحراق بعض جهات الحوف الشرقي، والفسطاط عندما أحس اقتراب العباسيين من حدود مصر. ومن الجائز أن هذه الهزات العنيفة، التي أصابت الجموع السبئية - أو بعضها على الأقل - في هذه الأحداث، قد عرضتها للتفرق والتشتت في أنحاء مصر. على أننا بعد أكثر من نصف قرن من تاريخ هذه الأحداث، حين كان ولاة بني العباس يحكمون مصر، ظهرت جموع كبيرة من قبيلتي لخم وجذام، وكانت لهما الزعامة على السبئية ذلك الحين، وكانتا منافستين قويتين للقيسية في منطقة الحوف الشرقي، وانطلقت هذه الجموع من الحوف إلى منطقة الدلتا، واتجهت غرباً إلى الإسكندرية، تاركين أقرباءهم في الحوف الشرقي، حتى أصبحت لخم أقوى القبائل في الإسكندرية. وصار لجذام زعامة قوية تمثلت في شخص عبد العزيز بن الوزير الجروي " نسبة إلى بني جَرَي فرع من جذام ". ومثلت جذام ولخم دوراً رئيسياً في النزاع الذي حدث بين الأمين والمأمون في بغداد وكان صداه قويا في مصر. فقد كانوا في بادئ الأمر من أنصار المأمون، ثم تطلع عبد العزيز الجروي إلى الاستئثار بالسلطة الفعلية في مصر، فواصل هو واتباعه من الجذاميين واللخميين الحرب على منافسيهم بضعة عشر عاما، وتمكن عبد العزيز أن ينتزع من خلافة بغداد، ومن السلطة المحلية في مصر التابعة لهذه الخلافة، مناطق معينة، بسط عليه سلطانه في الفترة التي بين سنتي 199، 210هـ، فسيطر على الإسكندرية وشرقي الدلتا والصعيد. وهذا يعني أن جذاما ولخما كانت لهم عصبيات في هذه المناطق التي سيطروا عليها، ولا شك أن الفرصة كانت سانحة لهم حينئذ للتفرق على هذه المواطن والتوطن بها. وعلى أي حال، فإن المقريزي يحدثنا أن جذاما كانت من قبائل الصعيد. وأن لخما سكنوا الصعيد الأدنى والأوسط. وبقيت جموع كبيرة منهم في الإسكندرية وشرقي الدلتا، إلى أن دارت دورة الأحداث في السنوات التالية فدعت كثيراً منهم إلى التفرق والتشتت. ففي خلافة المعتصم العباسي " 218 - 227هـ " حًرم العرب من مرتبات الدولة التي كانت تؤدى إليهم باعتبارهم جنوداً، وكان في مصر ديوان للجند تدون فيه أسماء العرب وأسراتهم وتقدر لهم مرتباتهم اللازمة لهم. فلما جاء الخليفة المعتصم " استكثر من جند الأتراك وأثبتهم في الديوان وأمر واليه في مصر كَيْدر بن نصر الصفدي بإسقاط من في ديوان مصر من العرب وقطع العطاء عنهم ". " فلما قطع كيدر عطاء أهل مصر، خرج يحيى بن الوزير الجروي في جمع من لخم وجذام، وقال له: هذا أمر لا يقوم فينا أعضل منه، لأنا منعنا حقنا وفيئنا. واجتمع إليه نحو خمسمائة رجل. ومات كيدر في ربيع الآخر سنة 219هـ وولى أبنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى وقاتله في بحيرة تنيس، وأخذه أسيراً. فانقرضت دولة العرب من مصر وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم ". ولعل قيام لخم وجذام في وجه الوالي ومقاومتهم سياسة المعتصم، دليل على أنهم كانوا أشد تأثراً من إخوانهم القيسية بقرار الخليفة بحرمان العرب من العطاء، فلعل مرتبات الدولة كانت هي المصدر الوحيد لمعاش الكثيرين منهم. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة جماعات لخم وجذام ومن على شاكلتهم إلى السعي وراء الرزق من مورد آخر غير مورد الجهاد والحرب. ومن الطبيعي أن تتفرق هذه الجماعات على مصر لممارسة الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو غير ذلك من المهن والحرف التي كانت في ذلك الحين وقفاً على جماعات من قيس وسكان البلاد السابقين. أما اللخميون الذين سكنوا الإسكندرية وما حولها، فقد ظهر منهم بنو مدلج، ولعلهم أقدم من سكنها من اللخميين، ثم تزعموا حركة اللخميين في سنة 252هـ بقيادة جابر بن الوليد المدلجي، وأعلنوا الثورة على العباسيين الذين اصطنعوا العناصر التركية، منذ عهد المعتصم، واجتمع إلى جابر كثير من بني مدلج وهزموا جيش الوالي، وقوى أمرهم وأتاهم الناس من كل ناحية، وانضم إليهم رجل علوي من الطالبيين، وتزعم حركتهم، وبسط سلطانه على بنا وبوصير وسمنود، فبعث أمير مصر يجمع من الأتراك وكثرت المعارك بينهم حتى فرقهم. ويظهر أن بني مدلج قد نزحوا على أثر هذه المعارك - أو نزحت جماعات منهم إلى الصعيد الأدنى، إذ نجدهم في عصر المقريزي يسكنون بجوار إخوانهم اللخميين، في بلاد أطفيح والبهنساوية. وندع الوجه البحري والصعيد الأدنى إلى الصعيد الأوسط والأقصى. ففي بلاد الأشمونين، نزلت بلى وجهينة وانتشرت جماعات منهم في الصحراء الشرقية، وبلغوا أقصى الصعيد، وهما فرعان من المجموعة السبئية، وظلوا في مساكنهم إلى زمن الفاطميين، ثم طردوا منها، ونزلت قريش مكانهم، وانهزمت بلى وجهينة إلى الصعيد الأعلى. أما الصعيد الأعلى، في هذه المرحلة، فقد سكنه جموع هائلة من عرب سبأ، ونزل منهم في أرض المعادن خلق كثير، وكانت بلى وجهينة من جملتهم. ق التي سيطروا عليها، ولا شك أن الفرصة كانت سانحة لهم حينئذ للتفرق على هذه المواطن والتوطن بها. وعلى أي حال، فإن المقريزي يحدثنا أن جذاما كانت من قبائل الصعيد. وأن لخما سكنوا الصعيد الأدنى والأوسط. وبقيت جموع كبيرة منهم في الإسكندرية وشرقي الدلتا، إلى أن دارت دورة الأحداث في السنوات التالية فدعت كثيراً منهم إلى التفرق والتشتت. ففي خلافة المعتصم العباسي " 218 - 227هـ " حًرم العرب من مرتبات الدولة التي كانت تؤدى إليهم باعتبارهم جنوداً، وكان في مصر ديوان للجند تدون فيه أسماء العرب وأسراتهم وتقدر لهم مرتباتهم اللازمة لهم. فلما جاء الخليفة المعتصم " استكثر من جند الأتراك وأثبتهم في الديوان وأمر واليه في مصر كَيْدر بن نصر الصفدي بإسقاط من في ديوان مصر من العرب وقطع العطاء عنهم ". " فلما قطع كيدر عطاء أهل مصر، خرج يحيى بن الوزير الجروي في جمع من لخم وجذام، وقال له: هذا أمر لا يقوم فينا أعضل منه، لأنا منعنا حقنا وفيئنا. واجتمع إليه نحو خمسمائة رجل. ومات كيدر في ربيع الآخر سنة 219 - وولى أبنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى وقاتله في بحيرة تنيس، وأخذه أسيراً. فانقرضت دولة العرب من مصر وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم ". ولعل قيام لخم وجذام في وجه الوالي ومقاومتهم سياسة المعتصم، دليل على أنهم كانوا أشد تأثراً من إخوانهم القيسية بقرار الخليفة بحرمان العرب من العطاء، فلعل مرتبات الدولة كانت هي المصدر الوحيد لمعاش الكثيرين منهم. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة جماعات لخم وجذام ومن على شاكلتهم إلى السعي وراء الرزق من مورد آخر غير مورد الجهاد والحرب. ومن الطبيعي أن تتفرق هذه الجماعات على مصر لممارسة الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو غير ذلك من المهن والحرف التي كانت في ذلك الحين وقفاً على جماعات من قيس وسكان البلاد السابقين. أما اللخميون الذين سكنوا الإسكندرية وما حولها، فقد ظهر منهم بنو مدلج، ولعلهم أقدم من سكنها من اللخميين، ثم تزعموا حركة اللخميين في سنة 252هـ بقيادة جابر بن الوليد المدلجي، وأعلنوا الثورة على العباسيين الذين اصطنعوا العناصر التركية، منذ عهد المعتصم، واجتمع إلى جابر كثير من بني مدلج وهزموا جيش الوالي، وقوى أمرهم وأتاهم الناس من كل ناحية، وانضم إليهم رجل علوي من الطالبيين، وتزعم حركتهم، وبسط سلطانه على بنا وبوصير وسمنود، فبعث أمير مصر يجمع من الأتراك وكثرت المعارك بينهم حتى فرقهم. ويظهر أن بني مدلج قد نزحوا على أثر هذه المعارك - أو نزحت جماعات منهم إلى الصعيد الأدنى، إذ نجدهم في عصر المقريزي يسكنون بجوار إخوانهم اللخميين، في بلاد أطفيح والبهنساوية. وندع الوجه البحري والصعيد الأدنى إلى الصعيد الأوسط والأقصى. ففي بلاد الأشمونين، نزلت بلى وجهينة وانتشرت جماعات منهم في الصحراء الشرقية، وبلغوا أقصى الصعيد، وهما فرعان من المجموعة السبئية، وظلوا في مساكنهم إلى زمن الفاطميين، ثم طردوا منها، ونزلت قريش مكانهم، وانهزمت بلى وجهينة إلى الصعيد الأعلى. أما الصعيد الأعلى، في هذه المرحلة، فقد سكنه جموع هائلة من عرب سبأ، ونزل منهم في أرض المعادن خلق كثير، وكانت بلى وجهينة من جملتهم. وولى أبنه المظفر مصر من بعده، فسار إلى يحيى وقاتله في بحيرة تنيس، وأخذه أسيراً. فانقرضت دولة العرب من مصر وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم ". ولعل قيام لخم وجذام في وجه الوالي ومقاومتهم سياسة المعتصم، دليل على أنهم كانوا أشد تأثراً من إخوانهم القيسية بقرار الخليفة بحرمان العرب من العطاء، فلعل مرتبات الدولة كانت هي المصدر الوحيد لمعاش الكثيرين منهم. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة جماعات لخم وجذام ومن على شاكلتهم إلى السعي وراء الرزق من مورد آخر غير مورد الجهاد والحرب. ومن الطبيعي أن تتفرق هذه الجماعات على مصر لممارسة الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو غير ذلك من المهن والحرف التي كانت في ذلك الحين وقفاً على جماعات من قيس وسكان البلاد السابقين. أما اللخميون الذين سكنوا الإسكندرية وما حولها، فقد ظهر منهم بنو مدلج، ولعلهم أقدم من سكنها من اللخميين، ثم تزعموا حركة اللخميين في سنة 252هـ بقيادة جابر بن الوليد المدلجي، وأعلنوا الثورة على العباسيين الذين اصطنعوا العناصر التركية، منذ عهد المعتصم، واجتمع إلى جابر كثير من بني مدلج وهزموا جيش الوالي، وقوى أمرهم وأتاهم الناس من كل ناحية، وانضم إليهم رجل علوي من الطالبيين، وتزعم حركتهم، وبسط سلطانه على بنا وبوصير وسمنود، فبعث أمير مصر يجمع من الأتراك وكثرت المعارك بينهم حتى فرقهم. ويظهر أن بني مدلج قد نزحوا على أثر هذه المعارك - أو نزحت جماعات منهم إلى الصعيد الأدنى، إذ نجدهم في عصر المقريزي يسكنون بجوار إخوانهم اللخميين، في بلاد أطفيح والبهنساوية. وندع الوجه البحري والصعيد الأدنى إلى الصعيد الأوسط والأقصى. ففي بلاد الأشمونين، نزلت بلى وجهينة وانتشرت جماعات منهم في الصحراء الشرقية، وبلغوا أقصى الصعيد، وهما فرعان من المجموعة السبئية، وظلوا في مساكنهم إلى زمن الفاطميين، ثم طردوا منها، ونزلت قريش مكانهم، وانهزمت بلى وجهينة إلى الصعيد الأعلى. أما الصعيد الأعلى، في هذه المرحلة، فقد سكنه جموع هائلة من عرب سبأ، ونزل منهم في أرض المعادن خلق كثير، وكانت بلى وجهينة من جملتهم. وكان الصعيد الأعلى مركز اهتمام الخلفاء العباسيين وأمرائهم في مصر، لأنه غني بمعادن التبر والزمرد من ناحية، ولأنه يقع على حدود مصر الجنوبية من ناحية أخرى، وتتجلى أهمية هذه المنطقة في نظر العباسيين، في أن الخليفة كان يعين من قبله والياً على أسوان، ولا شك أنه كان مما يهم الوالي الإشراف على منطقة المعادن في قفط وقوص وغيرهما وحماية حدود مصر من الغارات التي كان يشنها البجة والنوبة من حين لآخر. وليس ببعيد أن يكون ولاة أسوان قد رسموا خطة لضمان الإشراف على هذه المنطقة وحمايتها، مؤداها تشجيع القبائل القيسية التي كانت تنزل بادية العراق ونجد وشرقي شبه الجزيرة العربية، على النزوح إلى الصعيد الأعلى بنوع خاص، حتى يحدثوا لوناً من التوازن بين العناصر العربية هناك، وحتى يجدوا بين ظهرانيهم من الأعوان والموالين، ما يمكنهم من تنفيذ سياستهم في هذه المنطقة، وقد حدث في أواخر عصر المتوكل العباسي " 232 - 247هـ " أن هاجرت إلى مصر جموع كثيرة، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكانوا ينزلون اليمامة، فلما هاجروا إلى مصر، استقر فريق حول بلبيس في الحوف الشرقي؛ أما الغالبية منهم، فقد واصلوا رحلتهم جنوباً إلى الصعيد الأعلى، ومعهم أسراتهم، يقول اليعقوبي " وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة انتقلوا إليها بالعيالات والذرية ". ويروي المسعودي، في سنة 332هـ قصتهم فيقول: " وسكن في تلك الديار خلق من العرب من ربيعة بن نزار ابن معد بن عدنان، فاشتدت شوكتهم، وتزوجوا من البجة، فقويت البجة بمن صاهرها من ربيعة، وقويت ربيعة بالبجة على من ناوأها وجاورها من قحطان وغيرهم من مضر بن نزار ممن سكن تلك الديار ". وكان لربيعة فضل في منع البجة من الإغارة على الصعيد الأعلى وكفهم عن ذلك، وأدت مصاهرتهم إلى البجة، واستيلاؤهم على معدن الذهب بالعلاقي، إلى اتساع نفوذهم وكثرة أموالهم، فصارت لهم مرافق ببلاد البجة، واختطوا قرية تعرف بالنمامس وحفروا بها آباراً. ولم يكن هناك من القيسية ربيعة وحدها، بل كان في أسوان كثير من قبائل مضر وخلق من قريش، وأكثرهم ناقلة من الحجاز وغيره. وكان في معادن التبر قوم من بني سليم وغيرهم. وهذا يعني أن موجات من القيسية قد استقرت في أرض المعدن واشتغلوا بالتعدين، وكذلك جماعات من السبئية، أسهموا جميعاً في هذه المهنة، كما أسهم إخوانهم من هؤلاء وأولئك، في الزراعة والتجارة في أنحاء مصر المختلفة. ولا شك أن إحداث التوازن القَبَلي بين هذه الجماعات على النحو الذي أشرنا إليه فيما سبق، كان له أثر في ذلك الاستقرار. على أنه لا سبيل إلى إنكار أن جماعات أخرى من عرب مصر آثرت حياة الرحلة والتنقل على طريقة أهل البادية. ولم تكد تنتهي هذه المرحلة التي نتحدث عنها، حتى كان عرب مصر قوى متكافئة، من جهة، متفرقة على ديار مصر بنسب أكثر وأشد تنوعاً من ذي قبل، من جهة أخرى، ومنقسمة من حيث طبيعة العمل، إلى فريقين، فريق مستقر أو شبه مستقر، أنصرف إلى أرض يزرعها أو بضاعة يتجر فيها، أو منجم يستخرج منه المعدن، وفريق آخر حياة البداوة، يعيش على الأطراف، يرعى إبله أو يغير على جيرانه، أو يقطع الطريق على المسافرين. ونحن نعتقد أن مرحلة التكافؤ هذه، تمثل في تاريخ العرب في مصر، دورة كاملة قائمة بذاتها، انتهت إلى استقرار أكثرهم في أرياف مصر ونواحيها، وامتزاج كثير منهم بالسكان السابقين. أما المرحلة التالية، وهي دور الأحلاف، فقد كان قوامها بقايا العرب الذين احتفظوا - إلى حد ما - بتنظيمهم القبلي، مضافاً إليهم أفواج العرب المهاجرين إلى مصر في الأجيال التالية. ومن المؤسف أن نصيب العرب الذين استقروا في مصر في هذه المرحلة، في مصادر تاريخ مصر، ضئيل جداً، ولعل المقريزي في مقدمة " البيان والإعراب "، يشير إلى شيء من هذا حين يقول: " إن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر، وجُهلت أحوال أكثر أعقابهم، وقد بقيت من العرب بقايا بأرض مصر "، غير أن عبارة المقريزي لم توضح لنا لماذا جهلت أحوال أكثر هؤلاء؟ ولا شك أن كثيراً من الجماعات الأولى من القيسية والسبئية الذين آثروا حياة الاستقرار، واختلطوا بأهل القرى، لم يجدوا من مؤرخي الأزمنة التي سبقت عهد المقريزي من يتابع أخبارهم، ويتعقب أصولهم العربية، ولهذا تنوسيت أنسابهم، وجهلت أحوالهم، على مر الأجيال والقرون، وتعذر على مؤرخ متأخر الزمن كالمقريزي " 766 - 845هـ 1364 - 1441م " أن يهتدي إلى أخبار هؤلاء وأحوالهم. على أننا لا ننكر أن تتبع أخبار العرب الأولين في مواطنهم التي استقروا فيها، وتعقب ذرياتهم على مر الأجيال والقرون، أمر ليس باليسير. فكثيراً ما كانت الأسر والجماعات العربية، تضطر لعوامل جغرافية أو اجتماعية أو سياسية، إلى التفرق بعد استقرارها فترة من الزمان، فتنتثر مساكنها على بقاع أخرى؛ أضف إلى ذلك أن العربي المستقر كان على مر الزمن في كثير من الأحيان، أميل إلى الانتساب إلى البلد أو الحرفة، لا إلى القبيلة، أو الانتساب إلى جد قريب العهد، وهذا مما يجعل مهمة البحث عن أصول الأسر العربية الأولى أمراً ليس باليسير. م، على مر الأجيال والقرون، وتعذر على مؤرخ متأخر الزمن كالمقريزي " 766 - 845هـ 1364 - 1441م " أن يهتدي إلى أخبار هؤلاء وأحوالهم. على أننا لا ننكر أن تتبع أخبار العرب الأولين في مواطنهم التي استقروا فيها، وتعقب ذرياتهم على مر الأجيال والقرون، أمر ليس باليسير. فكثيراً ما كانت الأسر والجماعات العربية، تضطر لعوامل جغرافية أو اجتماعية أو سياسية، إلى التفرق بعد استقرارها فترة من الزمان، فتنتثر مساكنها على بقاع أخرى؛ أضف إلى ذلك أن العربي المستقر كان على مر الزمن في كثير من الأحيان، أميل إلى الانتساب إلى البلد أو الحرفة، لا إلى القبيلة، أو الانتساب إلى جد قريب العهد، وهذا مما يجعل مهمة البحث عن أصول الأسر العربية الأولى أمراً ليس باليسير. جدول القبائل القيسية " أي النزارية أو العدنانية " نزار مضر إياد ربيعة إلياس عيلان أسد قيس سعد خصفة جديلة غطفان عاشور عكرمة فهم عدوان منصور مازن سليم هوازن بكر منبه معاوية ثقيف صعصعة جشم عامر عدي ربيعة هلال " جدول بنسب قريش " مضر إلياس عيلان مدركة طابخة هذيل خزيمة كنانة أسد النضر مالك عبد مناة مالك قريش غالب محارب الأدرم لؤي سامة كعب مرة عدي هصيص عمرو كلاب يفظة نيم سهم قصي مخزوم عبد العزى عبد مناف " وولداه هاشم وعبد شمس " الباب الرابع القبائل العربية في وادي النيل مرحلة الأحلاف في إقليم مصر وأثرها في السودان 254 - 923 هـ868 - 1517م 1 - مرحلة الأحلاف في مصر 254 - 923هـ868 - 1517م تشمل هذه المرحلة العصور التالية 1. - عصر الطولونيين 254 - 292هـ 868 - 904م 2. - عصر التبعية للحكم العباسي في بغداد 292 - 333هـ904 - 944م 3. - عصر الإخشيديين 333 - 357هـ 944 - 967م 4. - عصر الفاطميين 358 - 567هـ 968 - 1171م 5. - عصر الأيوبيين 567 - 648هـ 1171 - 1250م 6. - عصر المماليك البحرية 648 - 784هـ 1250 - 1382م 7. - عصر المماليك الشراكسة 784 - 923هـ 1382 - 1517م تنبه العرب في ديار مصر إلى خطر التيار التركي الذي جعل يستشري على مر الأجيال والعصور. ونعني بالترك - تجوزاً - كل الأخلاط التي جُلبت إلى مصر من الترك والديلم والطرسوسيين والفراغنة والصقالبة والشركس ومن لف لفهم. وكان من الممكن أن تخف حركات العرب عند حد المرحلة السابقة، بعد أن استقر كثير منهم، وانصرفوا إلى أرزاقهم. ولكن هجرات عربية جديدة قد انتقلت إلى مصر، وكان ما زال بمصر جماعات تعيش على الأطراف، تتطلع إلى نوع من الاستقرار، فلا تجد إليه سبيلا، بل إن فئات من الذين استقروا شبه استقرار لم يسمح لهم بأن يمارسوا أعمالهم في هدوء، فقد ظل التيار التركي يتراءى شبحه منذ عصر الطولونيين، فيقترب شيئاً فشيئاً إلى أن اصبح في عصر المماليك كابوساً سد على العرب كل منفذ من منافذ الحرية والارتزاق. وكان من الطبيعي أن تقوم في هذه العصور أحلاف عربية معادية للسياسة التركية في مصر. على أنه من الإنصاف أن نستثني من هذا الحكم عصرين من عصور هذه المرحلة الطويلة، أعني عصر الفاطميين وعصر الأيوبيين، فقد كانا أخف على العرب وطأة، وأقرب إلى نفوسهم. ولقد نشأت في هذين العصرين أحلاف عربية، ولكنها كانت أحلافاً تحمل طابعاً مختلفاً - في أغلب الأحيان - عن الأحلاف المعادية التي قامت في سائر هذه المرحلة. فالفاطميون على الرغم مما قيل في نسبهم، يعتزون بالانتساب إلى قريش، ويجرون على سياسة تشبه سياسة الأمويين في الاعتماد على العناصر العربية والاستعانة بهم في حروبهم، وفي تدعيم قوتهم، وفي استغلال العصبية بينهم أحياناً. ولعل أخبار بني هلال مع الفاطميين مثل واضح على ذلك كله. فقد شجع الفاطميون هجرة بني هلال وهم من القيسية وحلفائهم إلى مصر، فاكتظت بهم أنحاء مصر الشرقية، ثم أدركتهم شريعة الصحراء فجعلوا يشغبون حتى سُمح لأ كثرهم بالهجرة إلى بلاد المغرب لمحاربة بني باديس الذين كانوا خصوماً للفاطميين. وقبل هذه الحادثة بنصف قرن تقريباً، كانوا بنو قرة الجذاميون يسكنون البحيرة، وقام في ذلك الحين ثائر أموي، لقب بأبي ركوة، نزح من بلاد الأندلس إلى مصر، واستمال إليه عرب برقة والبحيرة، فانضم إليه بنو قرة هؤلاء، فلما هُزم أبو ركوة سنة 397هـ، وقبض الفاطميون عليه وهو يهّم بالهرب إلى بلاد النوبة، تفرق عنه بنو قرة، فتركهم الفاطميون وشأنهم، فعادوا - أوعاد كثير منهم - إلى مساكنهم بالبحيرة، وعاودوا الشغب، وأحسوا من جانب الدولة تراخياً، فوثبوا على الإسكندرية وما حولها، واستولوا عليها. ولما زاد شغبهم، هاجمهم الفاطميون في عام 442هـ، فاعتصموا بالجيزة، وأوقعوا بالجيش الفاطمي الهزيمة في باديء الأمر، فعظم الأمر على الخليفة المستنصر بالله، فأوعز إلى جموع من سنبس طيء وكلب لمحاربة بني قرة وأمدهم بجنود من الفاطميين، فتعقبوا بني قرة، إلى البحيرة، وانهزم بنو قرة بعد قتال عنيف في عام 443هـ. ورأى الفاطميون أن يطردوا بني قرة من مساكنهم بالبحيرة، فنقلوا إليها سنبس، وربما أراد الفاطميون بهذه النقلة أن يكافئوا جماعات سبنس على موقفهم في محاربة بني قرة، ولا سيما وقد كانت سنبس غير مستقرة تماما في مواطنها بفلسطين والداروم قريباً من غزة. ويظهر أن بني قرة قد انسحبوا إلى الصعيد وربما كانوا هم الذين سكنوا قرية في مديرية أسيوط تحمل اسمهم إلى يومنا هذا. أما عصر الأيوبيين فقد كان عصر بطولات مثّل فيها العرب دوراً هاماً في الدفاع عن البلاد العربية ضد الصليبين، وكانت في جيش صلاح الدين عشائر من العرب، تحالفت لقتال الإفرنج. وكان لقبائل طيء، التي لمع اسمها في أيام الفاطميين، فضل كبير في محاربة الصليبيين، فأراد صلاح الدين أن يكافئهم، فنقل منهم جرماً وثعلبة، إلى الحوف الشرقي، وأسكنهم مساحات واسعة في أرض جذام، في الجانب الشمالي الشرقي من الحوف، وانحسر الجذاميون عن هذا الجانب، ومن المستبعد أن يكونوا قد انتقلوا بجموعهم إلى المناطق الداخلية من الحوف لأنها - فيما نظن - لم تكن تتسع لسكنى هذه الجموع من ناحية، ولأنهم تعودوا حياة الأطراف، من ناحية أخرى. ومن المحتمل أنهم اتجهوا إلى صحارى مصر. وعلى أي حال، فإن الأحداث المتكررة التي هزّت الجذاميين في خلال العصور السابقة، وفي هذه المرحلة، قد جعلت ظلّهم يتقلص في الحوف الشرقي، فصارت مساكن جذام تكاد تقتصر على الجانب الغربي من الشرقية، كما يتضح من دراسة الأمكنة التي أوردها المقريزي في البيان والإعراب، فقد ذكر هربيط " بالقرب من أبي كبير " وتل بسطة " الزقازيق " وفاقوس سكنها هلبا سويد من جذام والبرامون سكنها الحيادرة من جذام أيضاً. وفي أواخر هذه المرحلة، هاجر إلى بلبيس وما حولها جماعات من العائذ، ويقال إنها من جذام، ولكن تأثيرهم في سكان المنطقة كان محدوداً إذ كانوا يؤلفون طبقة منعزلة عن سائر السكان. وكان عرب العائذ حراساً لتأمين الطريق بين القاهرة ومكة إلى أيله وهي العقبة الحالية. وإذا كان قد حدث في عهد الأيوبيين شيء من المناوأة لجماعات عربية معينة، كالجذاميين وبني كنز الدولة، فإن ذلك كان يمثل في أغلب الأحيان حالات فردية لها ظروف خاصة، عرفنا بعضها فيما يتعلق بجذام، وسنعرف - بعد قليل - شيئاً منها عند الكلام على بني كنز الدولة. وتفيدنا المصادر بأن القرشيين في مصر كانوا مقربين لبني أيوب. والأيوبيون، فضلا عن هذا، كانوا حريصين على أن يضيفوا إلى تعربهم الثقافي، عروبة سلالية، فعلى الرغم مما قاله المؤرخون في الأكراد ونسبهم، نجد الأيوبيين يعتزون بالأنتساب إلى بني مروان في رواية، أو إلى هوازن في رواية ثانية، أو إلى الأزد في رواية ثالثة. وهذا إن دل على شيء فأنما يدل على قوة نزعه التعرب في نفوس هؤلاء الحكام مما كان له أثر في توجيه سياستهم والتعاطف مع أهل الأقطار العربية التي حكموها. وصفوة القول أن هذه المرحلة التي نتحدث عنها قد اتسمت بظاهرة واضحة، من وجهة نظر الباحث في تاريخ القبائل العربية في مصر، تلك هي قيام الأحلاف العربية، وهذه الأحلاف، من حيث علاقتها بحكام مصر في خلال هذه المرحلة، كانت - بصفة عامة - إما معادية للسياسة التي برزت في العصور التركية التي أشرنا إليها، وإما مهادنة - نسبياً - للسلطة الحاكمة كالذي حدث في عصري الفاطميين والأيوبيين. وهذا النوع الأخير من التحالف، كان يستخدمه الحكام في تدعيم سياستهم مثل حلف طيء وكلب، والحلف الهلالي في زمن الفاطميين، والحلف الطائي الذي أبلى بلاء حسناً في الحروب الصليبية مع صلاح الدين. أما الأحلاف المعادية، فقد كانت في حقيقة الأمر تعبيراً عن تيار عربي كان يقف في مصر في وجه التيار التركي الذي ارتكز في أساسه على العناصر المجلوبة إلى مصر من الأتراك ومن لف لفهم. أما التيار العربي فكان قوامه هذه الأحلاف الساعية إلى تدعيم مركزها، وإعادة سلطانها، والتماس السبل إلى حياة أفضل. وليس في مقدور الباحث أن يلم بهذه الأحلاف جميعاً، بنوعيها، في بحث كهذا، وحسبنا أن نورد في الفقرات التالية، طرفاً منها على سبيل المثال: شرقية، كما يتضح من دراسة الأمكنة التي أوردها المقريزي في البيان والإعراب، فقد ذكر هربيط " بالقرب من أبي كبير " وتل بسطة " الزقازيق " وفاقوس سكنها هلبا سويد من جذام والبرامون سكنها الحيادرة من جذام أيضاً. وفي أواخر هذه المرحلة، هاجر إلى بلبيس وما حولها جماعات من العائذ، ويقال إنها من جذام، ولكن تأثيرهم في سكان المنطقة كان محدوداً إذ كانوا يؤلفون طبقة منعزلة عن سائر السكان. وكان عرب العائذ حراساً لتأمين الطريق بين القاهرة ومكة إلى أيله وهي العقبة الحالية. وإذا كان قد حدث في عهد الأيوبيين شيء من المناوأة لجماعات عربية معينة، كالجذاميين وبني كنز الدولة، فإن ذلك كان يمثل في أغلب الأحيان حالات فردية لها ظروف خاصة، عرفنا بعضها فيما يتعلق بجذام، وسنعرف - بعد قليل - شيئاً منها عند الكلام على بني كنز الدولة. وتفيدنا المصادر بأن القرشيين في مصر كانوا مقربين لبني أيوب. والأيوبيون، فضلا عن هذا، كانوا حريصين على أن يضيفوا إلى تعربهم الثقافي، عروبة سلالية، فعلى الرغم مما قاله المؤرخون في الأكراد ونسبهم، نجد الأيوبيين يعتزون بالأنتساب إلى بني مروان في رواية، أو إلى هوازن في رواية ثانية، أو إلى الأزد في رواية ثالثة. وهذا إن دل على شيء فأنما يدل على قوة نزعه التعرب في نفوس هؤلاء الحكام مما كان له أثر في توجيه سياستهم والتعاطف مع أهل الأقطار العربية التي حكموها. وصفوة القول أن هذه المرحلة التي نتحدث عنها قد اتسمت بظاهرة واضحة، من وجهة نظر الباحث في تاريخ القبائل العربية في مصر، تلك هي قيام الأحلاف العربية، وهذه الأحلاف، من حيث علاقتها بحكام مصر في خلال هذه المرحلة كانت - بصفة عامة - إما معادية للسياسة التي برزت في العصور التركية التي أشرنا إليها، وإما مهادنة - نسبياً - للسلطة الحاكمة كالذي حدث في عصري الفاطميين والأيوبيين. وهذا النوع الأخير من التحالف، كان يستخدمه الحكام في تدعيم سياستهم مثل حلف طيء وكلب، والحلف الهلالي في زمن الفاطميين، والحلف الطائي الذي أبلى بلاء حسناً في الحروب الصليبية مع صلاح الدين. أما الأحلاف المعادية، فقد كانت في حقيقة الأمر تعبيراً عن تيار عربي كان يقف في مصر في وجه التيار التركي الذي ارتكز في أساسه على العناصر المجلوبة إلى مصر من الأتراك ومن لف لفهم. أما التيار العربي فكان قوامه هذه الأحلاف الساعية إلى تدعيم مركزها، وإعادة سلطانها، والتماس السبل إلى حياة أفضل. وليس في مقدور الباحث أن يلم بهذه الأحلاف جميعاً، بنوعيها، في بحث كهذا، وحسبنا أن نورد في الفقرات التالية، طرفاً منها على سبيل المثال: ة عامة - إما معادية للسياسة التي برزت في العصور التركية التي أشرنا إليها، وإما مهادنة - نسبياً - للسلطة الحاكمة كالذي حدث في عصري الفاطميين والأيوبيين. وهذا النوع الأخير من التحالف، كان يستخدمه الحكام في تدعيم سياستهم مثل حلف طيء وكلب، والحلف الهلالي في زمن الفاطميين، والحلف الطائي الذي أبلى بلاء حسناً في الحروب الصليبية مع صلاح الدين. أما الأحلاف المعادية، فقد كانت في حقيقة الأمر تعبيراً عن تيار عربي كان يقف في مصر في وجه التيار التركي الذي ارتكز في أساسه على العناصر المجلوبة إلى مصر من الأتراك ومن لف لفهم. أما التيار العربي فكان قوامه هذه الأحلاف الساعية إلى تدعيم مركزها، وإعادة سلطانها، والتماس السبل إلى حياة أفضل. وليس في مقدور الباحث أن يلم بهذه الأحلاف جميعاً، بنوعيها، في بحث كهذا، وحسبنا أن نورد في الفقرات التالية، طرفاً منها على سبيل المثال: أ - أحلاف قرشية ظلت مصر ملجأ آمناً لآل علي بن أبي طالب إلى أن جاء زمن المتوكل العباسي، وكان يبغض العلويين، فأمر واليه في مصر بإخراج آل علي بن أبي طالب منها فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام 236هـ ثم نقلوا إلى المدينة في العام نفسه، " واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ". ثم اشتدت حركة العلويين على مر الزمن، في العلم العربي كله، وازدادت هجرتهم إلى مصر. وإذا كان ابن طولون قد أوى جماعات منهم ولا سيما من لجأوا إليه خوفاً من بطش خصومه العباسيين، فقد كان في الوقت نفسه لا يتهاون مع الثائرين منهم الذين اتخذوا من الأطراف الشمالية الغربية، وأقصى الصعيد مسرحاً لثوراتهم. وكذلك سائر القرشيين، كان أمراء هذه العهود ينظرون إليهم - في أكثر الأحيان - نظرة ملؤها الريبة، اعتقاداً منهم أن لهم أطماعاً سياسية، والعرب من قديم يعرفون فضل قريش في الإسلام، ويسعون إلى شرف الانتماء اليهم، والوقوف إلى جانبهم. ولعل أول حركة قامت في مصر في هذه المرحلة وكانت بزعامة قرشية لا تدين برأي العلوية، هي الحركة التي قادها في الصعيد أبو عبد الرحمن عبد الحميد العُمري، في سنة 255هـ، في أوائل حكم ابن طولون، والعُمري ينتسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمع حشوداً من ربيعة وجهينة وغيرهما، وزحف إلى الجنوب نحو بلاد النوبة والبجة. وكان المسلمون في هذه المناطق قد ضاقوا ذرعاً بغارات البحة على مساكنهم وإفزاعهم المصلين منهم عن صلاتهم كما حدث في يوم صلاة العيد. فخرج العُمري وجموعه إلى بلاد البجة " غضباً لله وللمسلمين " كما يقول المؤرخون. وواصل غاراته على البجة والنوبة حتى أخذ من البجة الجزية ولم يفعلها جيش من قبل. ولم يكن لابن طولون علم بهذه الغزوة، فلما علم بخبرها أرسل إليه جيشاً لمحاربته. ولولا تدخل ابن طولون من ناحية، وأقسام القبائل التي صحبت العمري وخروج بعضها عليه من ناحية أخرى، لتمكن العمري من تكوين إمارة عربية في بلاد البجة تحت زعامته، ولعلها كانت تكون أول إمارة عربية في سودان وادي النيل. ومن المهم أن نذكر أن هذه الحملة - إلى جانب أسبابها الظاهرة التي أشرنا إليها - كانت تعبيراً عن الضيق الذي أحسه العرب في هذه الفترة، من طغيان التيار التركي في مصر، والتماساً لمهاجر أخرى يدعمون فيها سلطانهم، ويظفرون فيها بحياة أفضل. ومن المحتمل أنهم كانوا يهدفون أيضاً إلى الكشف عن مناجم جديدة للذهب في أرض البجة، تتسع لعدد أكبر من الجماعات العربية المهاجرة إلى هناك. ولم يكد يُقبل عهد الفاطميين، حتى تدفق على مصر جماعات من بيوت قريش، من الحجاز وغيره، وظهرت جماعات منهم، كانت مستترة بمصر أو متفرقة على نواحيها، وكان بعضها في هيئة أحلاف تجمع بيوتاً مختلفة من القرشيين ومواليهم. ورحب الفاطميون بهم، وقريش كما قلنا هم أقرب إليهم نسباً، وهيأوا لهم سبل الاستقرار في ديار مصر، سواء من كان منهم على مذهب الفاطميين أو كان على غير مذهبهم. فرحلت إلى مصر طوائف من العُمريين، من سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في أيام الفائز الفاطمي في وزارة الصالح بن رزيك، ومعهم طائفة من بني عدي، وبني كنانة بن خزيمة " فحلوا محل التكرمة على مباينة الرأي ومخالفة المعتقد ". ونزل جماعة منهم بدمياط والبرلس. كذلك ظهرت جماعات من أقارب الفاطميين، من سلالة جعفر الصادق، فسكنوا مناطق بين منفلوط وسمالوط، ومنهم السلاطنة والحيادرة والزيانبة والحسينيون. ولهؤلاء قرية بالقرب من منفلوط، لا تزال تحمل اسمهم إلى اليوم " بني حسين ". وظهر حلف قرشي، قوي الشوكة، كان يضم بيوتاً من الأمويين وبني هاشم ومواليهم، وآثروا السكنى ببلاد الأشمونين، وكان يسكنها قبل مجيء الفاطميين بلىّ وجهينة، كما أشرنا من قبل، فأرغمهم جيش الفاطميين على الرحيل، وأسكنوا قريشاً محلهم. وهذا الحلف القرشي كان يتألف من " عدة بطون من بني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا بادية أصحاب شوكة، وكان معهم بنو مسلمة بن عبد الملك بن مروان حلفاء لهم، ومعهم بطن آخر يقال لهم بنو عسكر، يقال إن أباهم كان مولى لعبد الملك ابن مروان، ويزعمون أنهم من بني أمية صليبة، وكان معهم أيضاً حلفاء بنو خالد ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ينزلون أرض دلجة عند أشمون ". ومنذ ذلك الحين صارت بلاد الأشمونين تسمى في كتب العرب " بلاد قريش ". وظهرت جموع من الزبيريين، مثل بني مصعب، وبني بدر، وبني مصلح، وبني رمضان، وبني عروة، وسكنوا البهنساوية شمالي الأشمونيين. وجاء بنو طلحة الذين انتسبوا إلى أبي بكر الصديق، فانتشروا في بلاد شتى من صعيد مصر، من بلاد إطفيح والبهنساوية والأشمونين وغيرها. ولما جاء عصر المماليك، بدأت حركة المقاومة بزعامة الجعافرة الأشراف. والتف حولهم عناصر عربية مختلفة. ففي سنة 651هـ أي في أوائل حكم المماليك البحرية، قاموا بحركة واسعة للمقاومة، وفيها ثار العرب ببلاد الصعيد وأرض الوجه البحري، " وقام الشريف حصن الدين ثعلب بن الأمير الكبير نجم الدين علي بن الأمير الشريف فخر الدين إسماعيل بن حصن الدولة مجد العرب ... وقال: " نحن أصحاب البلاد " ومنع الأجناد من تناول الخراج، وصرح هو وأصحابه، بأننا أحق بالملك من المماليك ". " واجتمع العرب، وهم يومئذ في كثرة من المال والخيل والرجال، إلى الأمير حصن الدين ثعلب، وهو بناحية دهروط صربان، وأتوا من أقصى الصعيد، وأطراف بلاد البحيرة والجيزة والفيوم، وحلفوا لهم كلهم، فبلغ عدد الفرسان أثنى عشر ألف فارس، وتجاوزت عدة الرجالة الإحصاء، لكثرتهم، فجهز إليهم الملك المعز أيبك الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار، والأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، في خمسة آلاف فارس، فساروا إلى ناحية ذروة ... فاقتتل الفريقان ". وانهزم حصن الدين، واتجه المماليك إلى عرب الغربية والمنوفية من قبيلتي سنبس ولواتة، وقد تجمعوا بناحية سخا وسنهور، فأقعوا بهم وسبوا حريمهم، وقتلوا الرجال. وما زال الترك بحصن الدين حتى قبضوا عليه بحيلة انخدع بها. وتفرقت سنبس بعد ذلك في الغربية وكان من حلفائها جماعات من بني مدلج وعذرة وقريش. بيريين، مثل بني مصعب، وبني بدر، وبني مصلح، وبني رمضان، وبني عروة، وسكنوا البهنساوية شمالي الأشمونيين. وجاء بنو طلحة الذين انتسبوا إلى أبي بكر الصديق، فانتشروا في بلاد شتى من صعيد مصر، من بلاد إطفيح والبهنساوية والأشمونين وغيرها. ولما جاء عصر المماليك، بدأت حركة المقاومة بزعامة الجعافرة الأشراف. والتف حولهم عناصر عربية مختلفة. ففي سنة 651هـ أي في أوائل حكم المماليك البحرية، قاموا بحركة واسعة للمقاومة، وفيها ثار العرب ببلاد الصعيد وأرض الوجه البحري، " وقام الشريف حصن الدين ثعلب بن الأمير الكبير نجم الدين علي بن الأمير الشريف فخر الدين إسماعيل بن حصن الدولة مجد العرب ... وقال: " نحن أصحاب البلاد " ومنع الأجناد من تناول الخراج، وصرح هو وأصحابه، بأننا أحق بالملك من المماليك ". " واجتمع العرب، وهم يومئذ في كثرة من المال والخيل والرجال، إلى الأمير حصن الدين ثعلب، وهو بناحية دهروط صربان، وأتوا من أقصى الصعيد، وأطراف بلاد البحيرة والجيزة والفيوم، وحلفوا لهم كلهم، فبلغ عدد الفرسان أثنى عشر ألف فارس، وتجاوزت عدة الرجالة الإحصاء، لكثرتهم، فجهز إليهم الملك المعز أيبك الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار، والأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، في خمسة آلاف فارس، فساروا إلى ناحية ذروة ... فاقتتل الفريقان ". وانهزم حصن الدين، واتجه المماليك إلى عرب الغربية والمنوفية من قبيلتي سنبس ولواتة، وقد تجمعوا بناحية سخا وسنهور، فأقعوا بهم وسبوا حريمهم، وقتلوا الرجال. وما زال الترك بحصن الدين حتى قبضوا عليه بحيلة انخدع بها. وتفرقت سنبس بعد ذلك في الغربية وكان من حلفائها جماعات من بني مدلج وعذرة وقريش. ب - حلف ربيعة ذكرنا فيما سبق أن ربيعة قد توطدت مكانتها في الصعيد الأعلى، وفي أرض المعدن بنوع خاص، وتحالفوا مع البجة " الحداربة " فقويت البجة بهم، كما قويت ربيعة بالبجة على من ناوأها من اليمن ومضر. وكان صاحب المعدن في زمن المسعودي المؤرخ 332هـ أبا مروان بشر بن إسحاق. قال " وهو من ربيعة، يركب في ثلاثة آلاف من ربيعة وأحلافها من مضر واليمن وثلاثين ألف حراب على النجب من البجة بالحجف البجاوية، وهم الحداربة، وهم المسلمون من بين سائر البجة، وباقي البجة كفار يعبدون صنما لهم " ونفهم من هذا أن ربيعة كان لهم خصوم من مضر واليمن كما كان لهم حلفاء من هؤلاء وأولئك أيضا، وكان من حلفائهم - غير مضر واليمن - طائفة من الحداربة، وهم حضارمة أصلا، والحضارمة يلحقون بنسب حمير بن سبأ، ولا يبعد أن يكون الحداربة عناصر شتى من أعقاب سبأ، كان منها قبيلة بلى، نزحوا إلى بلاد البجة قبل مجيء ربيعة بزمن طويل، يربو على ثلاثة قرون، وعندما صار لربيعة نفوذ في بلاد البجة، كان الحداربة قد توطنوها، وصاروا من أهلها، فعدوا طائفة من البجة. وفي عصر الفاطميين، تمكنت ربيعة وأحلافها أن يؤسسوا أول إمارة عربية في أرض المعدن بالعلاقي، وكانت أسوان مقراً لها، وامتد سلطانها جنوباً في أرض " مريس "، وكان زعيمهم حينئذ هو الذي أشار إليه المسعودي ووصفه بصاحب المعدن، أعني أبا مروان بشر بن إسحاق. وقد أقر الفاطميون هذه الإمارة الناشئة، واستعان الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله، بزعيم ربيعة في ذلك الحين في القبض على الثائر الأموي الأندلسي " أبي ركوة " وكان قد لجأ إلى الصعيد وهم بالفرار إلى بلاد النوبة. وسر الحاكم بأمر الله، وكافأ زعيم ربيعة بلقب " كنز الدولة " وتوارث أبناؤه هذا اللقب. ولم تزل الإمارة فيهم، وكلهم يعرفون بكنز الدولة. ويبدو أن الأيوبيين حين قدموا مصر، وتعقبوا الفاطميين للقضاء عليهم، كانوا يتوجسون خيفة من إمارة كنز الدولة، ظناً منهم أنها تتشيع للفاطميين. فهاجم الأيوبيون بني الكنز، وهزموهم، وانسحب أكثرهم من أسوان إلى الجنوب. واتخذوا بلاد مريس مركزاً لنشاطهم، ثم عاودوا الهجوم على أسوان مرات عديدة حتى استولوا عليها بعد سنة 790هـ " وكانت لهم مع ولاة أسوان عدة حروب إلى أن كانت المحن منذ سنة 806هـ وخرب إقليم الصعيد، فارتفعت يد السلطنة عن ثغر أسوان ولم يبق للسلطان في مدينة أسوان وال ". والجدير بالذكر أن من بني الكنز هؤلاء النواة الأولى التي تألف منها جماعة الكنوز الذين يعيشون في بلاد النوبة في سودان وادي النيل إلى يومنا هذا. ج - الحلف الهلالي قام هذا الحلف في فترة تزعزعت فيها القيم والأفكار إلى حد كبير، وكان لحركة القرامطة التي اتخذت مسرحها شرقي شبة جزيرة العرب، أثر في ذلك، إذ أدخلت على المجتمعات الإسلامية في ذلك الحين أفكاراً غريبة عنها. وقد انضم إلى القرامطة في شرقي شبة الجزيرة العربية قبيلتا بني هلال وبني سليم، ولم يكن لانضمام هؤلاء البدو إلى حركة كهذه أثر يذكر في عقائدهم، اللهم إلا ما ظهروا به من رغبة في الشغب، وخضوع لإرادة غير موجهة. وكان منهم جماعة تنتشر في طريق الحج المؤدي إلى مكة لقطع الطريق والإغارة. وحدث أن تغلب بنو الأصفر على البحرين في سنة 378هـ باسم العباسيين، وطردوا منها بني سليم الذين كانوا أعوانا للقرامطة حينئذ. ورأى الفاطميون أن يستعينوا بهؤلاء الأعراب الأشداء، فشجعوهم على الهجرة إلى مصر، فيقول ابن خلدون: " ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام، وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين، ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم، فأنزلهم بالصعيد وفي العدوة الشرقية من نهر النيل، فأقاموا هناك ". كانت هذه الموجات أعداداً هائلة، ولعل بني سليم كانوا أكثر من الهلاليين عدداً. تحولوا جميعاً إلى مصر ولإفريقية حتى لم يبقى لهم عدد ولا بقية ببلادهم. وأمتلأت بجموعهم الجهات الشرقية من الحوف الشرقي والصحراء الشرقية حتى بلغوا الصعيد الأعلى ولبثوا كذلك زمنا، وانضم إليهم جماعات شتى من القيسية والسبئية، مثل فزارة " من القيسية " والمعقل " من اليمنية " وبطون أخرى من القيسية. وصار اسم " بني هلال " علماً على هذه الجماعات المتنوعة المتحالفة، ولعل السبب في هذه التسمية، ما كان لهلال في ذلك الحين من نصيب في زعامة هذه الجماعات، وربما كان لسهولة الاسم ودورانه على الألسنة دخل في ذلك. ورأى الفاطميون الفرصة السانحة لاستغلال هذه القوة الكبيرة في محاربة دولة بني باديس، بالقيروان والمهدية، من بلاد المغرب، وكان مؤسسها الحقيقي، المعز بن باديس قد أعلن انفصاله عن الفاطميين في ذلك الوقت أبو محمد الحسن بن علي اليازوري على تسيير هذه الجموع الهلالية وحلفائهم إلى المعز لقتاله. ولبثت هذه الجموع تملأ فضاء الجانب الشرقي من مصر عشرات من السنين وكانوا حينئذ كما وصفهم المقريزي " أهل بلاد الصعيد إلى عيذاب ". وكانوا قد شغبوا وأثاروا القلاقل في هذه المنطقة، فأذن اليازوري لهم في عام 442هـ للعبور إلى الجانب الغربي من النيل، والانتقال إلى بلاد المغرب لملاقاة المعز بن باديس وكانت لهم هنالك أحداث مثيرة ذكرها المؤرخون. ويهمنا في هذا المقام أن نقرر أن هذه الجموع الهلالية، لم ترحل كلها إلى بلاد المغرب. فقد آثر بعضها البقاء في مصر، والإقامة بالحوف الشرقي شمالا، وبالصعيد الأعلى في أقصى الجنوب. ولا نعرف من الشواهد ما يدل على أنهم سكنوا أيضاً الصعيد الأدنى أو الأوسط. ولعل اختيارهم لمنطقة الصعيد الأعلى، يرجع إلى غنى هذه المنطقة في ذلك الحين " فمن المظاهر الواضحة أن وادي الخصيب لا يتسع في الجانب الشرقي للنيل إلا عند الصعيد الأعلى. وهذا دعاهم إلى الإقامة والاستقرار والتطور من البدو الضاربين فيما يشبه الصحراء إلى فلاحين يزرعون الأرض ويتجرون في غلاتها، وإن احتفظوا بإثارة من الفروسية، تبدو في إجادتهم ركوب الخيل، وما يشتجر بينهم من فتن وحروب، ومنها ما يقع بين أحياء القفر ". أما في الحوف الشرقي فلا تزال آثارهم شاخصة إلى يومنا هذا. ومن الهلاليين الذين سكنوا الصعيد الأعلى بطون عدة ذكر منها المقريزي في " البيان " بني رفاعة وبني حجير وبني عزيز وبني قرة وبني عمرو وبني عقبة وبني جميلة. د - الحلف العَرَكيّ منذ أن حمل القرشيون لواء مقاومة الحكم التركي في عام 651هـ، بقيادة الشريف حصن الدين ثعلب، توالت حركات المقاومة، وكان أغلبها يتركز في منطقة أسيوط ومنفلوط. وليس في أسماء القبائل التي وقفت إلى جانب حركة حصن الدين ما يفيدنا بأن بليا وجهينة قد أسهموا فيها بنصيب. ونحن نعلم أن هاتين القبيلتين، منذ أن أرغمهما الفاطميون على إخلاء بلاد الأشمونين، وإحلال قريش محلهم، فد تفرقتا في الصعيد الأعلى، فصار لبلي الرقعة الممتدة من جسر سوهاج غربا إلى غرب قمولة، وصار لجهينة من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب. وكان بمنفلوط وأسيوط جماعات من جهينة. ولم تقف جهينة مكتوفة الأيدي إزاء المماليك، فقد أسهمت في المقاومة بنصيب بعد أن خمدت حركة حصن الدين. ففي عام 698هـ قامت أحلاف من البدو، لم تذكر المصادر أسماء قبائلهم؛ ولكن كان مسرحها منفلوط وأسيوط. وهذا ما يحملنا على الظن بأن جهينة، كان لها نصيب في هذه الحركة، إن لم تكن قد حملت لواءها. وكان الغرض من هذه الحركة السيطرة على منطقة الصعيد " ففرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها، واستخفوا بالولاة، ومنعوا الخراج، وتسموا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرين: أحدهما سموه سلار والآخر بيبرس " وهما اسما أميرين من المماليك كانا معاصرين لهذه الأحداث " ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون ". واستمرت حركة المقاومة ثلاث سنوات، ثم قضى المماليك عليها، " وخلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحداً، وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان، ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ البلاد ". وفي عام 749هـ نشب نزاع بين عرك وبني هلال، وتدخل المماليك في هذا النزاع، ومالأوا بني هلال، وقتل عدد كبير من المماليك وأمرائهم في هذا الحادث. وكان هذا إيذانا بحرب عنيفة بين المماليك والعركيين وحلفائهم. أما عرك فهي بطن من جهينة، كانوا في بلاد العرب في الشمال الغربي منها، ومن جبالهم الحُت. ثم انتقلوا مع جهينة إلى الصعيد الأعلى واستمرت حركة المقاومة حوالي خمس سنوات أو أكثر " 749 - 754هـ " بزعامة محمد بن واصل العركي الذي كان يلقب بالأحدب، لطوله وانحناء قامته، وبلغ من قوته أن نادى بالسلطة لنفسه، وجلس في جتر، وجعل خلفه المسند، وأجلس العرب حوله، ومد السماط بين يديه، وأنفذ أمره في الفلاحين، فلما عظم أمره عقد أمراء المماليك المشورة في عام 754هـ في أمر عرب الصعيد، وقرروا تجريد العسكر لهم. " فحشد محمد بن واصل شيخ عرك جموعه، وصمم على لقاء الأمراء، وحلف أصحابه على ذلك. وقد اجتمع معه عرب منفلوط وعرب الراغة، وبني كلب، وجهينة، وعرك، حتى تجاوزت فرسانه عشرة آلاف فارس تحمل السلاح سوى الرجالة المعدة، فإنها لا تعد ولا تحصى لكثرتهم، وجمع الأحدب مواشي أصحابه كلهم وأموالهم وغلالهم وحريمهم وأولادهم، وأقام ينتظر قدوم العسكر " وشن المماليك الحملة عليهم، وبعث أمراء المماليك " ليؤمن بني هلال أعداء عرك، ويحضرهم ليقاتلوا عرك أعداءهم، فانخدعوا بذلك، وفرحوا به، وركبوا بأسلحتهم، وقدموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو " قائد المماليك " حتى أمر بأسلحتهم وخيولهم فأخذت بأسرها ووضع فيهم السيف، فأفناهم جميعاً ". وقامت معارك عنيفة بين الحلف العركي والمماليك، وقتل من الجانبين خلق كثير، وطورد العرب إلى بلاد السودان، " ولم يبقى بدوي في صعيد مصر " ووصف ابن إياس نهاية هذه المعركة فقال: " ثم إن الأمراء مشوا وراء العربان الذين هربوا مسيرة سبعة أيام حتى دخلوا أطراف بلاد الزنج، ثم رجع الأمراء والسلطان إلى الديار المصرية ". وصفوة القول أن جهينة في الفترة التي بين 698 - 754هـ كان لها نصيب وافر في المقاومة، وأن هذه الحركة انتهت بهجرة كثير منهم إلى بلاد السودان. ومن الممكن أن نربط بين هذه الأحداث وبين ما ذكره ابن خلدون في قوله: وانتشروا " أي جهينة أو جيهنة وبلى معاً " ما بين صعيد مصر والحبشة، وكاثروا هنالك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة، وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم. وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد ". ولفظ الحبشة هنا اصطلاح جرى عليه المسعودي وغيره للدلالة على بلاد السودان بمعناها العام. ومن المحتمل أن تكون جموع من بلى قد اشتركت في هذه الأحداث، كما يفهم من النصوص السابقة، ولا سيما إذا عرفنا أن منفلوط ومراغة " التابعة لسوهاج " قد سكنهما جماعات من بلى. هم من النصوص السابقة، ولا سيما إذا عرفنا أن منفلوط ومراغة " التابعة لسوهاج " قد سكنهما جماعات من بلى. هـ - بهراء يقول القلقشندي " بنو بهراء " بطن من قضاعة من القحطانية. قال في العبر، وكانت منازلهم شمالي منازل بلى، من الينبع إلى عقبة إيلياء، ثم جاور بحر القلزم منهم خلق كثير، وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هناك، وغلبوا على بلاد النوبة، وهم يحاربون بلاد الحبشة إلى الآن " أي إلى عهد ابن خلدون المتوفى سنة 808هـ1405م ". وكنا نود أن نعرف شيئاً مفصلاً عن بهراء في مصر، متى هاجروا، ومتى غلبوا على بلاد النوبة، وهل كان معهم جماعات أخرى في هذه الهجرة، وهل كان لها أحداث في مصر؟ كل ذلك لا سبيل إلى معرفته. والظاهر أن هذه الهجرة حدثت في مرحلة الأحلاف التي نتحدث عنها، وأن بلوغهم إلى السودان كان حوالي هذه الفترة التي دفعت الحلف العركي إلى اللجوء ببقاياهم إلى السودان. ومن فروع بهراء: بلىّ وجَيْدان ومَجيد ومَهْرة. و المغاربة هجرة المغاربة إلى مصر قديمة العهد. والطريق المغربي الذي يصل بلاد المغرب بمصر؛ كان معبراً مفتوحاً منذ أقدم العصور، ولكن بعد نزول العرب المسلمين في بلاد المغرب واختلاطهم بالبربر، قام التعرب الثقافي إلى جانب التعرب السلالي في بلاد المغرب بصورة تلفت النظر، ومثلت قبائل المغرب دوراً هاماً في تاريخ العروبة في مصر وشمالي إفريقية وبلاد السودان من السنغال في أقصى الغرب إلى الصومال في أقصى الشرق. وكان للفاطميين أثر لا ينكر في هجرة جموع كبيرة من قبائل البربر المتعربة إلى مصر، فمن المعلوم أن الفاطميين قد اعتمدوا في تأسيس دولتهم في المغرب على هذه القبائل، وكان في جيشهم فرق منهم، وكان من الطبيعي أن تنتقل جموع منهم إلى مصر بانتقال الفاطميين إليها. ولهذا يعد العصر الفاطمي مرحلة هامة في تاريخ الهجرات المغربية إلى مصر، ففي هذا العصر انتقلت موجات كبيرة من المغرب، واستقرت في الجانب الغربي لمصر، في غربي الدلتا، والبحيرة والفيوم، والواحات وسائر الجهات الغربية من صعيد مصر. وربما اتجهت بعض قبائل المغرب شرقا، كما فعلت " لواتة " فتجاوزت شرقاً وعبرت منقطع الرمل، ثم نزلت في الجيزة وبلاد البهنسا التي تصاقب الفيوم من جهة الشرق. ومن الملاحظ أن قبائل المغرب المهاجرة، جاءت تحمل أنساباً عربية، وتنقسم في أنسابها إلى الشعبتين العربيتين الأساسيتين، فبعضهم ينتسب إلى القيسية، مثل قبائل لواتة وبعضهم ينتسب إلى السبئية مثل قبائل هوارة. على أن مؤرخي العرب يترددون في نسب لواتة وهوارة، كما صنع المقريزي عند ذكر لواتة وكذلك يختلف المؤرخون في نسب هوارة، فهم من حمير أو من البربر. وليس من العسير أن نفسر هذا الخلاف، فهذه القبائل التي ترجع أصلاً إلى البربر، قد اختلطت من غير شك قبل نزوحها إلى مصر بالعرب الساكنين في بلاد المغرب، من طريق الحلف، أو الولاء، أو المصاهرة، أو هذه جميعاً، وتجلت ثمرة هذا الاختلاط، في التعرب الثقافي من جهة وفي تمثل قدرٍ من العروبة السلالية في أصولهم البربرية. ومهما يكن من أمر فإن التعرب الثقافي وحده، إذا نظرنا بالمقياس التطوري، كاف للحكم بعروبة هذه الجماعات. قلنا أن لواتة سكنت أعمال الجيزة وبهنسا، وهم - كما يقول المقريزي - فرقتان: البلاّرية التي اتخذت مساكنها ببلاد البهنسا، و " حدوخاص " التي استوطنت مناطق الجيزة، ومن الملاحظ أن كثيراً من القرى التي نزلتها بطون لواتة في البهنسا - مثلا - قد حملت اسمها فبنو نزار " بنو مزار الآن "، وبنو علي، ومغاغة، وبنو واهلة كلها أسماء قرى أطلقت عليها أسماء بطون لواتة التي سكنتها. وفي البحيرة سكنت جماعات من لواتة في زمن الفاطميين، وكانت تؤلف حلفاً من سنبس الذين نقلهم الفاطميون إلى البحيرة، فلما جاء عصر المماليك، تفرقت سنبس ولواتة بعد أن نكل بهم المماليك أشد تنكيل في عام 651هـ، انتقاماً منهم لمؤازرتهم الشريف حصن الدين ثعلب. أما هوارة فقد كانت منازلهم في زمن الفاطميين بالبحيرة من الإسكندرية غرباً إلى العقبة الكبيرة من برقة. وظل الأمر على ذلك إلى أيام السلطان الظاهر برقوق، " تولى العرش 784هـ1382م " إذ أنزلهم " قبل أن يتولى السلطنة بسنتين " في منطقة الصعيد الأعلى، وأقطع إسماعيل بن مازن شيخ هوارة " وهو جد الموازن " ناحية جرجا وما حولها، وكانت عواصم الصعيد الأعلى حينئذ قوصاً وإخميما، ولم تكن جرجا مشهورة شهرة غيرها، حتى نزلت هوارة بالصعيد جهة جرجا فاشتهر أمرها وصارت جرجا فيما بعد ولاية منذ عهد محمد علي. ولم تنتقل هوارة إلى الصعيد إلا بعد انقضاء الأحداث العنيفة التي وقعت بين المماليك وعرب الصعيد، وكان آخرها ما قام به الحلف العركي من حرب اضطرت كثيراً منهم إلى الاختفاء أو الهجرة إلى بلاد السودان حتى قل عدد البدو الضاربين في أرض الصعيد وأطرافها. فلما نزحت هوارة إلى الصعيد، وسكنوا الجانب الغربي منه لم يجدوا مشقة كبيرة في السيطرة على البقاع التي استوطنوها. وعظم أمرهم، واشتد بأسهم، ولا سيما بعد هذه المرحلة التي نتحدث عنها، فانتشروا في معظم الوجه القبلي فيما بين أعمال قوص إلى غربي الأعمال البهنساوية وتشعبت لهم هناك فروع لا سبيل إلى حصرها، وصارت إمرة عربان الصعيد كلهم لأحد رؤساء هوارة، وهو عمر بن عبد العزيز الهوّاري المتوفي سنة 799هـ1396م يقول أبو المحاسن في 2 - النجوم الزاهرة: " وعمر هذا هو والد بني عمر أمراء العربان ببلاد الصعيد في زماننا هذا. ولعله يكون أول من ولى منهم الإمرة " وحدث لهّوارة ما حدث لسائر القبائل المهاجرة، فاستقرت طوائف منهم، واشتغلوا في زراعة النواحي بقصب السكر بنوع خاص، والعمل في دواليبه لاعتصاره. وكان محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، قد عنى بهذه الزراعة، وادخر من ورائها ثروة واسعة. وبقيت جماعات أخرى تعيش حياة تشبه حياة البدو، وتحدثنا المصادر أنهم زحفوا جنوباً، إلى أسوان، وتحالفوا في بادئ الأمر مع بني الكنز الذين دأبوا على مهاجمة أسوان منذ أن أبعدهم جيش صلاح الدين الأيوبي عنها. ثم نجد هوارة في سنة 815هـ 1412م تناصب بني الكنز العداء، وتهاجم أسوان وتخربها. وفي خلال هذه الفترة " 800 - 815هـ " زحفت جموع هوارة إلى جنوب الوادي، ودخلت سودان وادي النيل. واستمرت بطون هوارة في نمو مطرد، حتى كان لأولاد همام " فرع من الهوارة " في القرن الثاني عشر الهجري " الثامن عشر الميلادي " شوكة عظيمة في صعيد مصر، وشمالي السودان. ولا تزال أُسر من هوارة تسكن إلى يومنا هذا في صعيد مصر، في قرى لا تزال تحمل أسماء فروع من قبائلهم، ولا سيما في أسيوط وما حولها، وفي نجع حمادي. فمن هذه القرى أولاد مؤمن " في طما "، والدناجلة " بأبي تيج "، والبلازد " والآن تسمى البلايزة " في أبي تيج، وكذلك الصوامع والغنايم، وأشحوم " مركز سوهاج " والعبابدة " مركز أسيوط " وساحل سلين " نسبة إلى سلين أو أسلين بطن من الهوارة ". نجوم الزاهرة: " وعمر هذا هو والد بني عمر أمراء العربان ببلاد الصعيد في زماننا هذا. ولعله يكون أول من ولى منهم الإمرة " وحدث لهّوارة ما حدث لسائر القبائل المهاجرة، فاستقرت طوائف منهم، واشتغلوا في زراعة النواحي بقصب السكر بنوع خاص، والعمل في دواليبه لاعتصاره. وكان محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، قد عنى بهذه الزراعة، وادخر من ورائها ثروة واسعة. وبقيت جماعات أخرى تعيش حياة تشبه حياة البدو، وتحدثنا المصادر أنهم زحفوا جنوباً، إلى أسوان، وتحالفوا في بادئ الأمر مع بني الكنز الذين دأبوا على مهاجمة أسوان منذ أن أبعدهم جيش صلاح الدين الأيوبي عنها. ثم نجد هوارة في سنة 815هـ 1412م تناصب بني الكنز العداء، وتهاجم أسوان وتخربها. وفي خلال هذه الفترة " 800 - 815هـ " زحفت جموع هوارة إلى جنوب الوادي، ودخلت سودان وادي النيل. واستمرت بطون هوارة في نمو مطرد، حتى كان لأولاد همام " فرع من الهوارة " في القرن الثاني عشر الهجري " الثامن عشر الميلادي " شوكة عظيمة في صعيد مصر، وشمالي السودان. ولا تزال أُسر من هوارة تسكن إلى يومنا هذا في صعيد مصر، في قرى لا تزال تحمل أسماء فروع من قبائلهم، ولا سيما في أسيوط وما حولها، وفي نجع حمادي. فمن هذه القرى أولاد مؤمن " في طما "، والدناجلة " بأبي تيج "، والبلازد " والآن تسمى البلايزة " في أبي تيج، وكذلك الصوامع والغنايم، وأشحوم " مركز سوهاج " والعبابدة " مركز أسيوط " وساحل سلين " نسبة إلى سلين أو أسلين بطن من الهوارة ". ز - نتائج هذه المرحلة 1 - كان لهذه المرحلة أثر ظاهر في تقارب الشعبتين العربيتين الرئيستين: القيسية والسبئية، وفي القضاء على أثر العصبية القديمة بينهما. فقد كان الحلف يتألف في كثير من الأحيان من عناصر قيسية وسبئية يعملون جميعاً تحت لواء واحد. فحلف ربيعة كان يضم ربيعة ومضر والسبئية، وحلف العُمري كان يضم ربيعة وجهينة، وحلف الهلاليين كان يضم بطونا من المعقل وهم سبئية. وإذا استثنينا الإشارات القليلة التي قد يعثر عليها القارئ في قصة الهلاليين مما يشعر بشيء من هذه العصبية، فليس فيما نعرفه من المصادر أثر من عصبية قيسية أو سبئية كان لها شأن في توجيه الأحداث التي سردناها في هذه المرحلة. وإذا كان قد حدث نزاع بين جماعات الحلف الواحد كما حدث في حلف العُمري، وكما حدث بين هوارة وبني الكنز، وكما حدث بين عرك وبني هلال، فليس لدينا دليل واضح، من المصادر التي بين أيدينا، يشير إلى أن هذا النزاع كان بسبب تعصب قيس على سبأ أو سبأ على قيس. ولعله كان نزاعاً كالذي يحدث عادة بين الجماعات والأفراد في مجال التنافس على المرعى والماء، أو الأخذ بالثأر، أو إحراز ثروة أو جاه أو سلطان. 2 - انتهت أحداث هذه المرحلة كما انتهت أحداث المرحلة التي سبقتها، بتفرق البدو على جهات مصر والبلاد المجاورة. ففريق لجأوا إلى الأطراف حيث واصلوا أعمال الإغارة على طريقة أهل البادية. وهؤلاء كان ينقصهم التوجيه والاستقرار، ولم يجدوا في تلك العصور إلا العنف والتشريد من جانب السلطات الحاكمة، واستمرت حملات العنف والتشريد في العصور التالية، إلى نهاية عصر أسرة محمد علي. على أن بعض الفئات اللاجئة إلى الأطراف قد أسسوا قرى لسكناهم كما فعلوا في الشرقية. ومنهم من تولوا حماية الحجاج العابرين في طريقهم من مكة وإليها. وفريق آخر استقروا في القرى، وآثروا الاشتغال بالزرع. وهؤلاء تمثلهم البيئة المصرية. وبهذا لم تكد هذه المرحلة تنقضي حتى تمت إحدى دورات التمثل في مصر العربية، أما الدورات السابقة فقد اكتملت في مرحلتي تكافؤ القوى وما قبلها. ومن الملاحظ حين نقلب صفحات المصادر التي أرخت لأحداث العرب في مصر عقب هذه المرحلة، مرحلة الأحلاف، أن نغمة جديدة تنبعث من كتابة المؤرخين، ففي كثير من الأحيان لا يذكرون العرب بأسماء قبائلهم أو بطونهم، وإنما يقتصرون على إطلاق كلمة " عرب " أو " عربان "، وقد ينسبونهم إلى المكان الذي استوطنوه، فيقولون مثلا: عرب منفلوط، وعرب الراغة، وعرب الشرقية، وعرب البحيرة، وهذا قد يحمل الدليل على أن هذه القبائل، ومعها بقايا الأحلاف التي رغبت في الاستقرار، قد تداخلت جماعاتها، واندمجت عناصرها، وامتزج بعضها بالسكان السابقين، أو بعبارة أخرى تمثلهم البيئة المصرية، فصارت نسبتهم إلى العروبة عامة، أيسر لدى المؤرخين من نسبة كل جماعة أو أسرة منهم إلى أصل قيسي أو سبئي معين. 3 - وفي هذه المرحلة نلاحظ شيئاً من التحول في جهة النسب العربي، فصار كثير من الجماعات العربية يفضلون الوقوف بأنسابهم عند النبي (وآله، أو الخلفاء الراشدين، أو الصحابة بوجه عام. وظهر ذلك بصورة أوضح، في أنساب القرشيين، فانتمت جماعات منهم إلى أبي بكر وعمر وعثمان والزبير والطالبيين الخ ... وأخذ لفظ " الشريف " يتسع في مفهومه أو يضيق تبعاً لاختلاف الظروف على مر الأجيال والعصور، فكان شريفاً " كل من كان من أهل البيت سواء أكان حسنياً أم علوياً، من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب، أم جعفرياً أم عقيلياً، أم عباسياً ". ونتج عن ذلك الاتجاه في النسب إلى آل البيت أن أصبح لذوي الأنساب في العصر العباسي نقابة خاصة بهم، وأصبح لهم نقيب اسمه نقيب ذوي الأنساب، أو نقيب الأشراف أو نقيب بني هاشم العباسيين والطالبيين. وظل العباسيون والطالبيون خاضعين لنقيب واحد حتى القرن الرابع الهجري، وفي آخر هذا القرن صار لكل فريق منهما نقيب خاص في بغداد. فلما ولى الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين. وصعد نجم العلويين على حين بدأ أمر العباسيين في الضعف. وصار للأشراف في مصر في أيام الفاطميين نقيب خاص. أما أبناء الخلفاء الثلاثة الراشدين - أبي بكر وعمر وعثمان - فقد اندرجوا تحت لواء الأشراف في عصور متأخرة، ونجد اليوم أبناء أبي بكر وعمر إلى جانب أبناء النبي (هم الذين يتألف منهم الأشراف بمصر، ونجد البكريين منهم بنوع خاص، ويسمون الصديقين، يتولون منذ أوائل القرن التاسع عشر مناصب روحية تعود عليهم بالخير الوفير. ولا شك أن هذه النقابات قد حفظت أنساب هذه الجماعات القرشية من الضياع فقد كانت صيانتها من صميم عملها. غير أن مرحلة الأحلاف كان لها تأثير ما - بطريق مباشر أو غير مباشر - في تعريض بعض الأنساب غير القرشية للضياع والنسيان. ذلك أن ارتباط الجماعات العربية، واندماجها بالحلف أو المجاورة أو المصاهرة، وتبعية الجماعة الصغيرة للجماعة الكبرى، كل ذلك قد أدى إلى إغفال بعض أنساب هؤلاء جملة وتفصيلا. والأمثلة كثيرة أوردها المقريزي في " البيان "، وعقد لها السويدي في كتابه " سبائك الذهب " باباً خاصاً بعنوان " ذكر القبائل التي ذكرها النسابون ولم يلحقوها بقبيلة معينة ". أورد فيه حوالي خمسين قبيلة سكنت الأقطار العربية، ولاسيما مصر والشام، ومعظمها يرجع إلى مرحلة الأحلاف التي نتحدث عنها، وستجد كثيراً من هذه الجماعات لا يعرفهم النسابون بأكثر من أنهم " بطون من العرب من أحلاف بني فلان " مثال ذلك: " الربيعيون: بطن من العرب ذكرهم الحمداني في أحلاف بني زيد بن حرام بن جذام بالحوف، ولم ينسبهم في قبيلة - الرداليون: بطن من العرب، ذكرهم من أحلاف بني زيد بن حرام بن جذام ولم ينسبهم في قبيلة، ومساكنهم مع بني زيد بالحوف - بنو بريد " بضم الباء " بطن من العرب من أحلاف الخزاعلة الخ ... " بل نجد بطوناً تحمل أسماء متماثلة من أصل واحد تتجمع كلها وتختلط، كما حدث لسعود جذام، وهم خمسة بطون، كل منها يدعى سعدا، وقد اختلطت في مصر. ولعل تشابه أسماء القبائل المتحالفة أو المتجاورة، كان عاملاً هاماً في اختلاط أنسابها كما حدث في اختلاط بطون من جرم طيء وقضاعة واختلاط جذيمة وجذام. 4 - كان من الجماعات العربية، في هذه المرحلة، فريق تجاوز أرض مصر، إلى جنوب وادي النيل، حيث انتشروا في جهات السودان. وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق. وبقى أن نبين أثر هذه الجماعات المهاجرة في سودان وادي النيل، وهو موضوع الفصل التالي. 2 - القبائل العربية في السودان وأثر مرحلة الأحلاف أ - يقتصر كلامنا في هذا الفصل على ملاحظات عامة، نحاول فيها متابعة الهجرات، ما أمكن من مصر إلى سودان وادي النيل، ولا سيما في مرحلة الأحلاف، ومن المهم أن نذكر أن الباحثين إلى اليوم قد جروا في دراستهم للقبائل العربية في السودان، على تقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين هما: 1. المجموعة الجَعْلية " أو الجعلية الدنقلاوية ". 2. - المجموعة الجهنية " نسبة إلى جهينة ". ولا مانع لدينا من أن نعترف بهذا التقسيم إذا أردنا تيسير البحث في تفاصيل هذه القبائل الكثيرة المتنوعة، كما صنع الباحثون المعاصرون. ولكن هذا التقسيم لن يفيدنا كثيراً في متابعة الموجات العربي المهاجرة إلى السودان من مواطنها الأولى. أضف إلى ذلك أن هذا التقسيم قد يوحي بأنه منبعث عن وجود عصبية قبلية بين قيس ويمن أي بين عدنان وقحطان، في زمن هجرة هذه القبائل إلى السودان. ومصدر هذا الإيحاء آتٍ من أن جهينة تمثل قحطان، والجعليين يمثلون عدنان. ونحن نستبعد أن تكون هناك عصبية كهذه قد حدثت بين عرب السودان، أو بعبارة أدق بين الهجرات التي نزحت إلى السودان في مرحلة الأحلاف. وسنرى أن هذه المرحلة هي التي أمدت السودان بكثير من الموجات العربية - إن لم يكن أكثرها - وكانت نواة للتشكيلات العربية الحديثة في السودان. وفي هذه المرحلة، كما ذكرنا فيما سبق، كانت الجماعات العربية قد خفت فيما بينها صوت العصبية بين عدنان وقحطان، إلا في القليل النادر. زد على ذلك أن الروايات التي توارثها السودانيون في نسب المجموعة الجهنية لا تؤكد دائما أنهم جميعاً من قحطان. مرت العروبة في السودان، بمراحل تشبه من بعض النواحي نظائرها في مصر. فهناك مرحلة إعدادية، حدثت فيها هجرات عربية إلى السودان، في عصور الجاهلية. غير أن تاريخ هذا الشطر الجنوبي من الوادي، في تلك المرحلة لم يكن من الوضوح بحيث نستطيع أن نذكر شيئاً مفصلا عنها. ومن المعلوم أن جماعات من السبئين - منذ القرن الخامس قبل الميلاد - قد نزحوا من جنوب بلاد العرب إلى السواحل الغربية للبحر الأحمر، واستقروا في بادئ الأمر في جزر هذا البحر، في سقطرة ودهلك وغيرهما، ثم انتشروا على امتداد شواطئ إفريقية الشرقية. ومن هناك أنشأوا طرق قوافل لتسيير الإبل إلى المناطق الداخلية، وربما كان هدفهم من ذلك مزدوجاً: توسيع نشاطهم التجاري، والتخلص من مناخ الساحل القاسي، ولا تزال أسماء أمكنة تقع بجوار مصوع وعصب، شاهدا على تقدم السبئين نحو المناطق الإفريقية. ويقال إن جماعات من بلىّ نزحت إلى بلاد البجة قبل الإسلام، ولقد أشرنا فيما سبق إلى أن الحضارمة، قد هاجروا إلى بلاد البجة كذلك في القرن السادس الميلادي، ولعلهم امتزجوا ببلىّ، ثم كانوا في زمن المسعودي المؤرخ هم المسلمون دون سائر البجة. والبجة إلى يومنا هذا يسمون اللغة العربية " بَلَويت " أي اللغة البَلَوية نسبة إلى بلىّ، التي حملت العربية إليهم، فتمثلتها لغة البجة " وهي لغة حامية " ولم تستطع العربية أن تتغلب على لغة البجة حينئذ. نظراً لقلة العرب النازحين بالقياس إلى قبائل البجة الكثيرة المتشعبة. ومهما يكن من أمر، فإن السبئين وأعقابهم كانوا فيما يظهرهم العنصر الغالب على عرب السودان في أزمان الجاهلية، ولا سيما إذا عرفنا أن الرابطة بين ساحلي البحر الأحمر، منذ أقدم العصور، لم تكن ضعيفة يوماً ما، وأن العبور من الساحل إلى الساحل ولا سيما من طريق باب المندب، كان أمراً سهلا ميسوراً. ومن السهل أن ندرك أن مضيق باب المندب كان للسبئيين معبرا رئيسياً إلى السودان، في تلك العصور الجاهلية؛ فقد كان المضيق متأخما لبلادهم في اليمن، وكانت بلادهم، حينئذ، مكتظة بأهلها، يلم شتاتهم دول ذوات نفوذ وقوة وازدهار، أعني دولة سبأ ثم حمير من بعدها. ولكن عندما انهارت هذه الدول، وزال نفوذها، اتجه السبئيون وأعقابهم إلى شمالي بلاد العرب، كما رأينا من قبل؛ ثم جاءت الفتوح الإسلامية، فنقلت جموعاً هائلة منهم إلى أخصب بقاع الأرض في مصر والشام والمغرب والأندلس والعراق وفارس وغيرها. ومن المتوقع بعد هذا أن يصبح طريق باب المندب معبراً ثانوياً للهجرة إلى السودان. فقد تفتحت منافذ أخرى أمام هجرة العرب إلى السودان، وكان المنفذ الرئيسي فيها هو: طريق وادي النيل. وفي مقدور القارئ أن يجد الدليل على هذا فيما سنورده في الفقرات التالية. أما تلك الروايات السودانية التي كثيراً ما تردد أن القبائل العربية، أو عدداً منها، قد نزحت إلى السودان من شبه جزيرة العرب من طريق البحر الأحمر مباشرةً، في عصور الإسلام، فلعلها أرادت بذلك أن تعبر عن نقاء الأصول العربية التي هاجرت إلى السودان، فجاءت بها من مهدها الأول مباشرة. ولا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية على اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها، فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول. اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها، فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول. ب - غزا عبد الله بن سعد بن أبي السرح بلاد النوبة، وبلغ دنقلة في عام 31هـ 651م، وكتب عهداً لأهل النوبة، اشترط فيه صيانة المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة، ولا ندري أكان بناؤه في أثناء الغزوة أو قبلها، واشترط كذلك حماية التجار وغيرهم الذين يطرقون بلادهم. وبذلك وضع عبد الله بن سعد الأساس الذي مهد الطريق لما حدث فيما بعد من تغلغل العرب المسلمين في هذه البلاد. ومنذ عهد بني أمية أخذ العرب الساكنون في أسوان يشترون من أهل النوبة أراضي يستثمرونها، حتى تملكوا ضياعا كثيرة داخلة بأرض النوبة، في المنطقة التي تسمى بلاد مريس، وتنتهي عند الشلال الثاني تقريباً. وعندما زحف العباسيون على مصر، للقضاء على حكم بني أمية فيها، التقى جيش العباسيين بجيش مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، عند قرية بوصير في الصعيد الأدنى بالقرب من الجيزة أو بالفيوم، وأسفرت المعركة عن قتل مروان، وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان في جماعة من أتباعهما إلى بلاد النوبة، وتلاحق بهم جماعة من أصحاب مروان؛ فصاروا - في رواية - زهاء أربعة آلاف، أو ألفين في رواية أخرى وأرض النوبة كانت في ذلك الحين تنقسم إلى مملكتين مسيحيتين رئيستين: الشمالية تسمى مملكة المَقُرَّة، والجنوبية مملكة علوة. فإذا صح أن المروانين الهاربين قد نزلوا أول مملكة صادفتهم بعد مفارقة حدود مصر، فهي مملكة المقرة، وتحدثنا الأخبار أنهم وافوا ملك النوبة وأقاموا في بلدة فترة من الزمن. ولم تذكر الروايات اسم ملك النوبة هذا، ولكننا بمقارنة التواريخ نفترض أنه كان زكريا بن مرقوريوس الذي تولى عرش المقرة حوالي 744م " 127هـ " واستمر على العرش عدة سنوات لانعرف تحديدها على وجه الدقة. وترك المروانيون بلاد النوبة واتجهوا إلى الشرق حتى صاروا في بلاد البجة، ولقوا مقاومة شديدة من البجة، فتفرقوا يريدون ساحل البحر، ولقوا عنتاً شديدا وضل بعضهم الطريق، وبلغ بعضهم ميناء الباضع بعد جهد وإعياء ومن المحتمل أن عدداً منهم قد عبروا إلى الحجاز، وبقي عدد منهم في ميناء الباضع. ومن الجائز أيضاً أن عدداً من بني أمية قد هرب من الحجاز، في أثناء هذه الفترة أو بعدها بقليل، فعبر البحر إلى بعض الموانئ على الساحل الغربي. وقد ذكر احد الباحثين الفرنجة أنه شاهد مقابر جماعة من الأمويين على طول الطريق الذي سلكوه متجهين إلى الباضع. وفي هذا الطريق، في منطقة خور " نبت " الواقعة على مسافة 70ميلا غربي سواكن، عثر الباحثون على شاهد من شواهد القبور مؤرخ في عام149هـ " 766م " وقد أبدى الباحث الإنجليزي " بول " دهشه لوجود شاهد قديم لفرد أو لجماعة من العرب عاشوا في منطقة منعزلة كتلك المنطقة، وفي زمن مبكر كهذا، وليس في هذه المنطقة أية علامة تدل على أنها كانت موطنا لاستخراج المعدن، ولم يجد هذا الباحث دليلا يهديه إلى الجهة التي جاءوا منها. أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه من قبل وهو تكاثر العرب من ربيعة ومضر وأعقاب سبأ، في أرض المعدن ولاسيما منذ عهد المتوكل العباسي " 232 - 247هـ ". ج - ثم تبدأ مرحلة الأحلاف في مصر، وتبدأ معها ألمع فترة في تاريخ الهجرات العربية إلى جنوب وادي النيل، ولسنا نذهب بعيداً إذا قلنا إن بقايا الأحلاف التي لجأت إلى السودان، كانت هي العمود الفقري الذي التفت حوله المجموعات العربية التي نراها اليوم في السودان. ولا ننتظر - بطبيعة الحال - أن نجد الأحلاف العربية التي تألفت في مصر، قد ظلت بعد هجرتها إلى السودان محتفظة دائماً بشكلها وتنظيمها الذي كانت عليه في مصر. فهذا يتوقف - إلى حد كبير - على العوامل التي دفعتهم إلى الهجرة، والظروف التي أحاطت بها، ومدى استقرارهم في مهاجرهم الجديدة في السودان. فالجماعات التي أتيح لها أن تهاجر إلى السودان في فترات السلم والهدوء، فلم يصبهم من قسوة المعارك ما أعجلهم عن ديارهم وأفزعهم إلى مهاجر جديدة، هؤلاء قد احتفظوا في السودان. - فترة من الزمن على الأقل - بتنظيمهم الذي كانوا عليه في مصر. والجماعات التي استقرت في بلاد " مريس " وفي أرض المعدن ببلاد البجة، منذ بداية المرحلة أو قبلها بقليل، لم يطرأ عليها من عوامل التشتت والتفرق ما طرأ على الأحلاف التي وقفت تقاوم الأتراك وجهاً لوجه، فلم تستطع الصمود، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتنظيم هجرتها إلى السودان، فولت هائمة على وجهها تلتمس للهرب كل سبيل. فهؤلاء قد بلغوا السودان، على دفعات غالباً، وتفرقوا في أنحائه، واندمجوا في جماعات أخرى، وكونوا أحلافاً جديدة، وكان من المتعذر عليهم، بطبيعة الحال، أن يلتقوا في السودان على نفس التنظيم الذي كانوا عليه في مصر. كذلك هذه الجماعات التي لقيت في مهاجرها الجديدة عوائق طبيعية أو اجتماعية، فاضطرتهم إلى التفرق على بقاع شتى من السودان. جذام: لدينا وثيقة تاريخية أوردها القلقشندي في صبح الأعشى، وهي مكاتبة بعث بها سلطان البرنو " في السودان الغربي " إلى سلطان المماليك في مصر، يشكو فيها اجتياح أعراب " جذام وغيرهم " بلاده، وإفسادهم فيها، ويطلب إلى السلطان المملوكي أن يتعقبهم في مصر، وأن يقبض عليهم، ويوقع بهم أشد العقاب. ويظهر أن هذه الجماعات - أو بعضها - قد تدفقوا شرقا، حوالي سنة 794هـ - 1391م حتى بلغوا شمالي دارفور وقضوا على حكم الزغاوة هناك. وقد ذكرنا فيما سبق أن طوائف من الجذاميين وقرنائهم اللخميين، قد أبعدوا عن مساكنهم في عهود الفاطميين والأيوبيين، ولعلهم اتخذوا أطراف مصر موطناً لهم، ولا سيما الأطراف الغربية، فترة من الزمان، وكانت هذه الأطراف منذ القرن السادس الهجري، مسرحاً لحركات الهلالين وأحلافهم عقب الغزوات التي شنوها على شمالي إفريقية، وربما أنضم الجذاميون وجماعتهم إلى الهلالين هؤلاء، ثم تدفقوا على السودان الغربي، ومنه إلى دارفور، وأحدثوا من القلاقل ما دعا سلطان البرنو إلى أن يفزع إلى سلطان المماليك في مصر. على أننا لا نحد أسم جذام، في القبائل التي تعيش اليوم في السودان. ومن الجائز أن جذاما وأحلافهم من لخم وغيرهم قد اندمجوا في قبائل البقارة والكبابيش الذين يمثلون الغالبية من العرب في غرب السودان في الوقت الحاضر. والبقارة والكبابيش ينتسبون اليوم إلى جهينة، ولكنهم في واقع الأمر أحلاف تجمعت على فترات، وتألفت من بطون عدة، لعل أهمها جذام وجهينة والهوارة وبنو هلال وأحلاف هؤلاء وأولئك من فزارة وسليم ولخم وبلى وغيرهم. ومن الجائز أن بعض هذه البطون قد نزحت من بلاد المغرب، من الطريق الليبي، عقب الغزوات الهلالية لشمال إفريقية، ولكن مما لا شك فيه أن أكثر هذه الجماعات المتحالفة، قد سلكت في هجرتها إلى السودان طريق وادي النيل. وهذا هو ما رجحه ما كما يكل. والبقارة ليس في الأصل اسم علم على قبيلة عربية قديمة، ولكنه وصف يدل على المهنة، فمعناه رعاة البقر، ولعلهم وصفوا بذلك لتمييزهم - في المهنة - عن جيرانهم في الشمال من رعاة الإبل " الكبابيش ". والبقارة يسكنون دارفور وكردفان، والكبابيش معظمهم في كردفان. وينتسب البقارة إلى جنيد بن أحمد الأجدم - في رواية - أو ابن حمد الأجزم في رواية أخرى. ومن فروع البقارة والكبابيش التي نظن أن لها صلة ما بجذام ولخم: أ - بنو هلبة وهم من البقارة، وتمتد بطونهم إلى ما وراء حدود السودان الغربي، ويذكرنا اسمهم ببني هلبة الجذاميين الذين سكنوا الحوف الشرقي في مصر. ب - الهبانية، من البقارة، ومعظمهم في دارفور، ونجد في مصر الحبانية أو بني حبان بطن من لخم كانت مساكنهم بالبر الشرقي من صعيد مصر فيما بين مسجد موسى وأسكر من أعمال إطفيح. ج - أولاد عقبى ويروي أهل كردفان أن أولاد عقبة هم النواة الأولى من الكبابيش، وبنو عقبة في مصر، كانوا يسكنون الجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، وهم فرع من جذام. وكان منهم قسم كبير نزح إلى طرابلس ثم أندفع جنوباً إلى غرب إفريقية. د - أولاد سليمان. فرع من الكبابيش، وفي مصر نجد بني سليمان فرعاً من بني عقبة وكان في سيناء أيضاً. هـ - بنو واصل: فرع من الكبابيش، وفي مصر نجد بني واصل فرعاً من بني عقبة جاءوا إلى سيناء من شمالي بلاد العرب. و العطوية " بنو عطية ": فرع من الكبابيش، وهم في مصر ينسبون إلى بني عقبة، نزلوا حول خليج العقبة في القرن الرابع عشر الميلادي. جهينة والعركيون: يخبرنا ابن خلدون أن جهينة انتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكاثروا هناك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة. ولتفصيل هذه العبارة المجملة، نود أن نذكر أن دخول جهينة في السودان كان على دفعات غالباً، وفي أزمان مختلفة، فقد رأيناهم في جيش العمري في أيام ابن طولون يغزون النوبة الشمالية وبلاد البجة، ورأيناهم في أرض المعدن يعملون مع ربيعة في زمن مبكر، منذ القرن الثالث الهجري. وفي عام 680هـ - 1281م تنازعت جهينة ورفاعة في صحراء عيذاب، ورفاعة من جهينة غالباً. وفي عام 717هـ - 1317م، طارد المماليك " عرب برية عيذاب " حتى بلغوا سواكن. وإذا عرفنا أن جهينة انتشروا منذ عهد الفاطميين شرقي الصعيد الأعلى إلى عيذاب، أدركنا أن جهينة كانوا يتمثلون في عرب برية عيذاب هؤلاء بنصيب غير قليل. ثم جاءت معارك المماليك مع جهينة والعركيين وأحلافهم في الفترة التي بين 749، 754هـ، وأدت إلى لجوء كثير منهم إلى أطراف بلاد الزنج - كما يقول ابن إياس - وبلاد الزنج هي بلاد الصومال في اصطلاح العرب القديم. ومن هذا ندرك أن جهينة قد دخلت السودان في موجات متعددة، واتجه معظمها من طريق وادي النيل إلى الشرق حيث بلاد البجة وساحل البحر الأحمر. واكتظت بهم المنطقة الواسعة التي تأخذ من حلفا الحالية إلى شمال غربي الحبشة، وكان لهم أثر قوي في الضغط على مملكة النوبة المسيحية الشمالية، مملكة المقرة، حتى أزالوها، ثم تدفقوا إلى الغرب ثم إلى الجنوب. فشغلوا بقاعاً مترامية من السودان تمتد من الشرق إلى الغرب. أما العركيون، فهم يدخلون في التقسيم الحالي في مجموعة جهينة، وهم جماعات يسكنون قرى الجزيرة بين النيلين الأبيض والأزرق، ومنهم فئات ما زالوا بغرب السودان؛ وأقدم من عرف منهم في تاريخ السودان، كانوا في أوائل القرن العاشر الهجري " السادس عشر الميلادي "، وأول من حمل لواء الزعامة الروحية في السودان منهم ثلاثة: أحدهم الشيخ دفع الله بن مقبل بن نافع العركي " عاش حوالي 1550م " وهو جد جماعة أبي حراز بالجزيرة، يقول عنه ودضيف الله مؤلف كتاب الطبقات " ونسبه مشهور بالعركي نسبة عرك قبيلة معروفة "، ولأولاده الخمسة، حمد النيل، عبد الله، محمد، أبي بكر، المجذوب، شأن في نشر الثقافة الإسلامية في السودان، وفي منطقة الجزيرة بنوع خاص. أما الثاني فهو الشيخ محمود بن محمد العركي " عاش حوالي 1520م " ولد بالنيل الأبيض، وسافر إلى مصر، وتلقى العلم بالأزهر الشريف على الشيخين الناصر اللقاني، وشمس الدين اللقاني. والظاهر أنه أقام بمصر فترة طويلة، حتى عده بعض المؤرخين عالماً مصرياً، ثم أرسل سلطان الفونج في طلبه، ولما قدم بنى له قصراً يعرف الآن بقصير محمود بالقرب من النيل الأبيض، ووفد عليه 40 ألف طالب، وانتشرت العلوم على يديه، وعلم الناس مسائل الفقه على مذهب مالك. أما الثالث فهو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن نافع النويري العركي " عاش حوالي 1570 "، وكان أحد أجداده من الأشراف الذين تصاهروا إلى العركيين، وقد أنشأ الشيخ " بلدة الفقراء " في الجزيرة بالسودان، وتوارث أحفاده تعليم الدين في هذه البلدة إلى اليوم. الهلاليون: سكن بنو هلال وحلفاؤهم صعيد مصر الأعلى منذ عهد الفاطميين، كما أشرنا من قبل، وإن مجاورة هذه المنطقة لبلاد السودان هي مما يقوي الاحتمال بأن جماعات منهم قد نزحت إلى السودان في أزمان مختلفة. ولكن يبدو أن هذه الجماعات كانت قليلة متفرقة، ولا سيما في شرق السودان، بحيث لم تستطع أن تحتفظ بكيانها زمناً طويلاً، فاندمج معظمها في مجموعات أخرى. وصار الانتساب إليهم قليلا محدود الأثر. أما في غرب السودان فإن التأثير السلالي يظهر بصورة أقوى وأوضح، لسبب سنذكره بعد قليل. ومع هذا فإن ذيوع سيرة الهلالين، وتردد أصداء قصة أبي زيد وتغريبه بني هلال، في المجتمعات العربية في السودان، شرقاً وغرباً، كان له أثر بالغ في حياة عرب السودان الاجتماعية والثقافية. والراجح أن السودان عرف الهلالين بعد أن ذاع صيتهم، على أثر الغزوات التي قاموا بها في شمالي إفريقية، واشتهار أبي زيد الهلالي في البوادي والقرى العربية. ومن هذا ندرك أن تأثير الهلالين في السودان لم يكن وليد تغلغل النسب الهلالي وحده، بل كان كذلك نتيجة تعلق عرب السودان بسيرة أبي زيد الهلالي والشخصيات التي لعبت دوراً فيها، فالتأثير له جانبان: جانب سلالي وجانب قصصي. ومن الطريف أن معظم روايات غرب السودان، تكاد تتفق على أن الهلالين وفدوا على السودان من طريق الشرق، من بلاد العرب، إلى كسلا، ثم عبروا النيل الأبيض واتجهوا إلى غرب السودان، ثم واصلوا رحلتهم إلى بلاد تونس لمحاربة المغاربة. ومن الواضح أن هذه الروايات هي " محاكاة محلية " لقصة تغريبة بني هلال، أو قل هي تحوير نسجته الروايات لتجعل السودان طريقاً لتغريبة بني هلال. وعلى هذا لا نستطيع أن نعتمد على هذه الروايات من الناحية التاريخية، ومن الملاحظ أن معظم الجماعات التي تنتسب إلى الهلالين، أو إلى أبي زيد الهلالي، يعيشون الآن في غرب السودان، فإذا اتجهنا إلى الشرق، وجدنا التأثير القصصي أقوى من التأثير السلالي. ولو أن الهلالين قد دخلوا حقاً بجموعهم من طريق الشرق إلى الغرب، وسلكوا هذا الطريق الذي وصفته الروايات، لكان من المنتظر أن نجد لهذه الجموع بقايا في شرق السودان، ينتسبون إلى بني هلال أو إلى أبي زيد. وهذا ما لا نجده إلا في القليل النادر. ومن الراجح لدينا أن الهلالين دخلوا السودان بعد التغريبة بزمن غير قصير، وأنهم اتخذوا طريق وادي النيل، ثم انحرفوا غرباً على امتداد وادي الملك إلى كردفان ثم دارفور. ويحدثنا المقريزي أن بني هلال كانوا من جملة عربان الصعيد الذين اشتركوا في حملة السلطان قلاوون في عام 686هـ1287م على بلاد النوبة، وأن الحملة انقسمت فرقتين، فرقة منها اتبعت البر الغربي من النيل، والأخرى سارت من البر الشرقي. وليس ببعيد أن يكون بني هلال قد اتخذوا طريق البر الغربي مع الفرقة الأولى، ثم استقروا في غرب السودان. وفي غرب السودان، نجد عدداً من الجماعات تنتسب إلى الهلالين أو إلى أبي زيد، منهم التنجور، والفور، والرزيقات، وهلالية البرقد، والزيادية. بالإضافة إلى التأثير السلالي في هذه الجماعات، نجد التأثير القصصي يتمثل في رواياتهم، وفي بعض الأحيان يمتزج اللونان من التأثير بحيث يصعب على الباحث أن يميز بينهما. ومع هذا فليس هناك ما يدعوا إلى الشك في نسبتهم إلى الهلالية، كما صنع ما كما يكل، إذ أن اختلاط الجانبين من التأثير - أحياناً - لا يعني بحال الشك في صحة انتساب هذه الجماعات أو أصولها الأولى، إلى الهلالين، جملة وتفصيلا. وإلى جانب هذه الجماعات التي انتسبت إلى بني هلال أو إلى أبي زيد، نجد وحدات من الحلف الهلالي القديم، تنتقل إلى السودان، وتحمل كل وحدة منها اسمها الخاص، مثل بني سليم وبني فزارة الذين كانوا من حلفاء هلال منذ البداية. وفي السودان اليوم قبيلة تعرف باسم بني سليم، تنتمي إلى مجموعة البقارة، وتعيش على النيل الأبيض، من جهة الغرب، في أرض كردفان. أما بنو فزارة فقد أطلق النسابون اسمهم على مجموعة تعيش في الجهات الشرقية والوسطى من كردفان، وهي تتألف من العشائر الآتية: دار حامد - بني جرار - الزيادية - البزعة - الشنابلة - المعاليا. وقد عرفت هذه المجموعة باسم فزارة في القرنين الماضيين. أما اليوم فقد انتثر عقدها فصارت وحدات منفصلة كل وحدة تسمى باسمها الخاص. وفزارة قبيلة قيسية، كان منهم بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها - على الأقل - صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال " فارس هلاله " ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين " أحمد سفيان " مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس. بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها - على الأقل - صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال " فارس هلاله " ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين " أحمد سفيان " مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس. الهوارة: تدفقت قبائل الهوارة على صعيد مصر الأعلى في نهاية مرحلة الأحلاف، ودخلت منهم موجات في السودان منذ ذلك الحين إلى عهد قريب. والهوارة الذين يعيشون الآن في شمال السودان هم بقايا هوارة مصر. والشواهد على ذلك ناطقة، ذكر بعضها ما كما يكل. ويروي هوارة السودان أنهم نزحوا من صعيد مصر، من منطقة إسنا. وهم في معظمهم بدو رحل، وقليل منهم يستقرون على ضفاف النيل في دنقلة. وفي فصل الأمطار ينتقل الهواوير الرحل بقطعانهم إلى الغرب، ويرعون مع الكبابيش من وادي الكلب إلى حدود دارفور، ثم يعودون إلى الشرق في فصل الجفاف. وهناك قسم آخر من الهوارة، يقيمون الآن بالقرب من الأبيض، في كردفان، حول خمى وأم دليكة وغيرهما. ويروون " أنهم بطن من قبيلة الهواوير، وأن أجدادهم عاشوا في صعيد مصر، وأنهم كانوا بيض الألوان، وأول من قدم منهم إلى الجنوب ونزل كردفان، رجل اسمه الحاج عيسى ود محمد ود منصور، كان تاجرا جوالا، من منفلوط، بالقرب من أسيوط، فرحل إلى كردفان، وتبعه آخرون من تجار هوارة، وتجمعت منهم طائفة ممن هاجروا من مصر، فسموا " جلابة هوارة " " ولقى الجيل الأول من هؤلاء بعد الحاج عيسى بعض المتاعب في كردفان، فعزموا على الرحيل إلى مصر بزعامة ابن الحاج عيسى واسمه " الحاج محمد أبو مِنانة ". وبعد أن قطعوا شوطاً في رحلتهم، استغرق يوماً كاملا، بلغوا قرية " دوم الخاتراب " بالقرب من " شريم " حيث لقيهم أهل المنطقة وأقنعوهم بالبقاء معهم، وولوا الشيخ محمد فقيهاً " بلغتهم: فكي " لقريتهم. وبعد وفاة الحاج محمد، رجع قومه إلى خُمى وبقوا فيها. وقد ظهرت بعض الفوارق في السحنة بين بدو الهوارة وجلابة الهوارة، على مر الزمن، فقد كان جلابة الهوارة أكثر امتزاجاً بالعناصر الزنجية من أقربائهم البدو. القرشيون: تتمثل قريش، بمختلف فروعها، في عرب السودان، ففيهم البكريون والعمريون والزبيريون والطالبيون والعباسيون والأمويون. ويرى أحد نسابة السودان المعاصرين تقسيم العرب في السودان إلى ثلاثة أقسام هم: جهينة والطالبيون والعباسيون. فالطالبيون أكثرهم في السودان يجتمعون في ركاب ابن غلام الله بن عائذ. والعباسيون تجمعهم قبائل جعل أي الجعليين. ويذكر نعوم شقير " أن أهم الأصول التي يرجع عرب السودان إليها في أنسابهم هي: بنو أمية وبنو العباس وجهينة والزبير بن العوام وجعفر الطيار " ابن أبي طالب "، وأن معظمهم ينتسب إلى جهينة وبني العباس إلا أن المنتسبين إلى جهينة أكثر ". ولا شك أن فئات من القرشيين في السودان قد اندمجت في مجموعات أخرى بالحلف أو المصاهرة. وربما كان هذا من أسباب اختلاف النسابين في نسب المجموعة الواحدة أحياناً، فبعضهم ينسبهم إلى قريش، وبعضهم ينسبها إلى جهينة أو ربيعة أو مضر " من غير قريش ". وليس الاختلاف في رواية هذه الأنساب، هو دائما وليد جهل أو خطأ، ولسنا ممن يذهبون إلى الشك في هذه الأنساب جملة وتفصيلا، بل نعدها - إلى حد ما - مادة قد تهدينا إلى " نوع الحلف " الذي تألفت منه القبيلة أو المجموعة. فالشكرية - مثلا - ينسبون في روايات مختلفة إلى جهينة وفزارة أو جعفر بن أبي طالب. وهذا لا يعني أن هذه الروايات غير صحيحة جملة وتفصيلا، وإنما هي في نظرنا علامة قد تفيدنا في احتمال أن يكون هناك جماعات من هذه الأصول الثلاثة قد اندمجت في زمن ما، أو أزمان مختلفة في مجموعة الشكرية. وقد نزحت جماعات من قريش إلى السودان في فترات مختلفة في مرحلة الأحلاف وربما جاء معظمهم من وادي النيل، وقليل منهم جاء من طرق أخرى كالطريق الليبي وطريق البحر الأحمر. ويحدثنا القريزي أن أولاد أبي بكر رضي الله عنه كانوا من جملة العرب الذين اشتركوا في غزو بلاد النوبة أيام السلطان قلاوون وفي السودان " نجد المسلمية " هي القبيلة الوحيدة التي تنتسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكثير منهم يسمون أنفسهم البكرية مبتعدين بنسبهم عن كل من الجعليين والجهنيين، وهم يعيشون في الجزيرة حيث سمي أحد المراكز باسمهم، وعلى ضفتي النيل الأبيض، وأكثرهم مستقرون يمارسون الزراعة، ولهم في " البطانة " شعبة صغيرة تعيش عيشة البداوة. كذلك العمريون أو أولاد عمر، لعلهم دخلوا السودان على فترات، ومنهم طائفة كانت في حملة قلاوون التي أشرنا إليها. وربما دخل فريق منهم في أيام الظاهر بيبرس. فقد ورد في مخطوط قديم لأحد نسابة السودان كلام عن جماعة العواصم قال " وهم آل عاصم بن عامر بن نصير العمري من بني عمر بن الخطاب، وكان أول سكونهم بمصر، ففروا إلى أرض السودان في أيام الظاهر بيبرس ". أما العباسيون، فكانوا أكثر عدداً في السودان. واشتهر الجعليون في السودان بأنهم عباسيون. والظاهر أن هذا اللفظ لم يكن يراد به اتجاه سياسي معين لهذه القبائل المهاجرة، فلعله أريد به مجرد النسب الشريف الذي يميزهم عن الطالبيين خاصة. ففي تلك المرحلة التي غذت السودان بمعظم الهجرات العربية، كان اللفظ في أوساط العرب ولا سيما أهل البادية، أدل وأكثر اشتهارا على إحدى الطائفتين الشريفتين في بني هاشم، ونحن نعلم أنه كانت هنالك نقابة لهما، ثم أصبح لكل فريق منهما نقيب خاص في بغداد. وليس من اليسير أن نرجع المجموعة الجعلية إلى بطونها الأولى في مصر. ولكن موقعها الجغرافي على نهر النيل ما بين الخرطوم وبلاد النوبة، وانتشارها من هذا المركز في شعب وفروع نحو البطانة والنيل الأزرق، ونحو النيل الأبيض جنوب الخرطوم، ونحو الغرب إلى كردفان - كل ذلك يحمل الدليل على أن هذه المجموعة قد دخلت السودان من الشمال من طريق وادي النيل. وليس في أقوال الرواة عن أصل تسمية " جعل " ما يرشدنا إلى معرفة نواة القبيلة أو المجموعة في شمال الوادي. ويختلف النسابة في أصل التسمية على قولين: القول الشائع أن إبراهيم الهاشم، جد الجعليين كان جواداً كريماً، وأنه كان يقول للجماعات التي تنضوي تحت لوائه: جعلناكم منا، فسمي لذلك جعلا. وفي مخطوط سوداني يرجع إلى 1277هـ 1860م أنه لقب جعلا " بضم الجيم " لسمرته الشديدة ومنظره. والواقع أنه لم يرد لفظ جعل ومشتقاته في أسماء قبائل العرب القديمة إلا في قبيلتين: إحداهما جعال بن ربيعة، حي أقطعهم م 2 الرسول (أرض إرم من ديار جذام. والأخرى بنو حرام بن جعل، بطن من بلا من قضاعة وهم بنو حرام بن عمرو بن جشم. فاللفظ إذن معروف في الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب، أي في المستودع الأول الذي أمد مصر بموجاته العربية المتلاحقة. بل إن المصادر تحدثنا أن من بين الصحابة الذين نزلوا مصر حزام بن عوف البلوي، وكان من بني جعل من بلى، وهو ممن بايع رسول الله (تحت الشجرة في رهط من قومه بني جعل، فقال لهم الرسول (: " لا صخر ولا جعل. أنتم بنو عبد الله ". على أننا لا نستطيع أن نجد صلة ما بين هؤلاء والجعليين في السودان، ولا سيما إذا واجهنا اتفاق جمهور النسابة على أن الجعليين عباسيون، وأن جعلا ليس إلا لقباً لإبراهيم؛ وفي روايات أخرى أن الذي سمى جعلا هو " عبد الله جعل " حفيد إبراهيم جعل أو الجعلي " وقد يخلط بعض الناس فيقول عبد الله جعل، أو إبراهيم جعل، فإن عبد الله حفيد إبراهيم فلا غرابة ولا داعي للجدل ". ويلاحظ أن نسب الجعليين المتفق عليه يشتمل على بعض أجداد من أعقاب سبأ مثل يمن الخزرجي وذي الكلاِع الحميري وهو ابن سعد الأنصاري نسبة إلى أمه الأنصارية. إلا أنه يستمر بعد ذلك إلى العباس: " سعد الأنصاري بن الفضل بن عبد الله بن عباس ". أما الطالبيون فمركزهم الرئيسي في وادي الكنوز ووادي النوبة إلى حدود دنقلة، ونحن نعلم أن جيرانهم " الكنوز " من بقايا بني كنز الدولة " ربيعة " الذين كانوا سندا قوياً للدولة الفاطمية. ولا يبعد أن يكون الطالبيون قد اختاروا هذه المنطقة لصلة تربطهم بالكنوز. ويبدو أن هذه المنطقة ظلت طالبية حتى وفد إليهم جماعات أخرى مثل الجوابرة والغربية فسكنوا إلى جوارهم. فالركابية يسكنون أواسط بلاد المحس، ومواطنها الرئيسية في مركز دنقلة وهم ينتسبون إلى جد من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ركاب بن غلام الله بن عائذ. وإن صحت الروايات المتواترة لديهم، تكون هجرتهم من الناحية الشرقية من طريق البحر الأحمر. وقد هاجر منهم كثير إلى غرب السودان وقبيلة الجعافرة نسبة إلى جعفر بن أبي طالب، كانت منهم جماعات تنزل الصعيد الأعلى ومازالت بقاياهم إلى اليوم، بين قوص وأسوان. ثم انتشرت طوائف منهم جنوباً إلى بلاد المحس. ومع ذلك فإن لهم شعبة الآن تعيش في كردفان، وتتصل بالجوامعة. والعليقات عشيرة كانت من جملة العشائر التي تعمل في وادي العلاقي في أرض المعدن، وبعد أن أصاب الوادي الخراب، نزحوا شمالا إلى بلاد الصعيد وإلى سيناء، والظاهر أن تسميتهم نسبة إلى العلاقي، ومنهم فروع سكنت بين المضيق وكرسكو وهم ينتمون إلى عقيل بن أبى طالب. ومن ذرية عقيل أيضاً جماعة الصوادرة في بلاد المحس وفي دنقلة، عاشت أسرة سوار الذهب، وهو الشيخ ساتي محمد ولد عيسى، وفي روايتهم أنه يرجع في نسبه - من جهة أبيه - إلى العباس، ومن جهة أمه إلى الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي بوهين سكنت جماعة من الفادنية ويتصل نسبهم بمحمد بن الحنفية، وأول من ذكر منهم الشريف محمود بن محمد بن سليمان بن جعفر بن عبد الله وفي أنحاء السودان تفرقت جماعات أخرى كثيرة تنسب إلى قريش، وليس من اليسير إحصاؤها، وحسبنا أن نذكر منهم العبابدة، وهم يروون أنهم من نسل الزبير بن العوام، ويربطون نسبهم بالكواهلة. وسنرى أن العبابدة والكواهلة كانوا من قبائل أرض المعدن، ومنها تفرقوا في أنحاء وادي النيل. ومن قريش " البطاحين " وهم يقولون إن اسمهم مشتق من بطحاء مكة، ويلتقون في نسبهم مع أجداد الجعليين. وقد روى لي أحد رواتهم أن هجرتهم كانت من طريق مصر إلى غرب السودان، ولهم في كردفان آثار يعرفونها، " وصاروا ينتجعون المراعي ومعهم أبناء عمهم القنن، فنزلوا بالضفة الشرقية للنيل في المكان الواقع شرقي الجريفات اليوم إلى ما بعد شرقي الحلفاية شمالا ". ومن قريش أيضاً ملوك سنار الذين عرفوا باسم الفونج، وهم الذين أسسوا أول سلطنة إسلامية واسعة النفوذ في السودان، وحكموا أكثر من ثلاثمائة سنة، منذ اول القرن العاشر الهجري " السادس عشر الميلادي ". وهؤلاء الفونج ينتسبون إلى بني أمية. ومسألة موطنهم السابق الذي خرجوا منه إلى قلب السودان حيث أسسوا عاصمتهم سنار، هي مثار خلاف واسع بين الباحثين، ففريق يرى أنهم جاءوا من الحبشة، وفريق يرى أنهم من منطقة بحيرة شاد حيث الكانم والبرنو، وآخرون يزعمونون أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك. والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة " كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل ". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647هـ 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين. ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش، ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة " منصور "، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720هـ 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار. وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن " في الفترة التي بين 1330 - 1340م " وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763هـ 1361م - هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم. أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك. والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة " كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل ". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647هـ 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين. ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش، ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة " منصور "، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720هـ 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار. وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن " في الفترة التي بين 1330 - 1340م " وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763هـ 1361م - هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم. ربيعة وقبائل أهل المعدن: تناثرت معادن التبر والزمرد على مراحل في شرقي النيل من صعيد مصر ومن بلاد البجة في شرق السودان. وكانت كل منطقة معدنية منها بمثابة مركز للعرب والأجراء الذين يعملون في المعادن، وقد ذكر اليعقوبي في القرن الثالث الهجري " التاسع ميلادي " حوالي ثلاثين موقعاً من هذه المراكز، ومعظم أسمائها ما زال بحاجة إلى تعريف ودراسة. فمن هذه المواضع في معادن التبر بصعيد مصر: موضع يقال له " الشكري " وموضع يقال له " الكلبي " وموضع يقال له " العجلي ". ومن المحتمل أن تكون هذه المواضع نسبة إلى بعض رؤساء جماعات عربية سكنت هذه المواضع. ولا ندري ماذا كان هنالك صلة ما بين موضع " الشكري " هذا وقبيلة الشكرية التي تسكن البطانة بين النيل الأزرق ونهر العطبرة، ومهما يكن فمن المؤكد أن أرض المعدن بجموعها الهائلة كانت مستودعاً أمد السودان بعدد من قبائله. وقد أخذت هذه الجموع في الانتشار على بقاع السودان شرقا وغربا وجنوباً، بعد أن خربت مناطق المعدن أو معظمها في الشطر الأخير من مرحلة الأحلاف. ومن قبائل أرض المعدن خرج الكواهلة، وأغلب الظن أن نواتهم الأولى - على الأقل - كانت من بقايا أحلاف ربيعة الذين هاجروا إلى ارض المعدن بنسائهم وذرياتهم في آلاف كثيرة. واشق من ربيعة وأحلافها فرع بني كنز الدولة الذي آثر السكنى بشمالي بلاد النوبة كما أشرنا من قبل. والكواهلة ينتسبون في أصولهم، إلى كاهل بن أسد بن خزيمة، ولهؤلاء صلة قرابة وثيقة ببني ربيعة. ذلك أن بني ربيعة من نسل بني حنيفة بن لُجَيم الذين كانوا باليمامة شرقي الجزيرة العربية، ثم نزحوا منها إلى صعيد مصر. وإخوة بني حنيفة هم بنو عِجْل بن لجيم الذين كان موضع " العجلي " في أرض المعدن منسوباً إليهم. وأم حنيفة - كما يقول المقريزي وسائر المؤرخين - هي صفية بنت كاهل بن أسد ابن خزيمة. والقرائن الدالة على أن الكواهلة كانوا من قبائل أهل أرض المعدن لا تحتمل الشك. فهم أهم قبيلة في السودان اتصلت بالبجة اتصالاً وثيقاً من ناحيتي الجوار والنسب، وتعلمت لسانهم، واندمج قسم كبير منهم في قبائل البجة حتى أصبحت كل مجموعة بجاوية تنتسب إلى بني كاهل ثم ترك بقية الكواهلة أوطانهم في أرض البجة واتجهوا إلى وسط السودان وغربيه. ويقول الدكتور محمد عوض: ويكاد أن يكون من المؤكد أن الكواهلة - أو معظمهم - قد دخلوا السودان من الشرق، ووصلوا إليه من الجزيرة العربية مباشرة. وبدأوا حياتهم فيه باحتلال الإقليم الساحلي أو جزء عظيم منه من سواكن إلى عيذاب، حيث اختلطوا بالبجة وتعلموا لسانهم وصاهروهم، وربما كان لهم الأثر الأكبر في نشر الإسلام والثقافة العربية فيهم. ولكن ليس من اليسير أن نؤكد هجرتهم من الشرق مباشرة على نحو ما ورد في هذا النص. فمن الجائز أن يكونوا قد شقوا طريق الصحراء الشرقية من الشمال. ولا سيما إذا رجحنا أن الكواهلة هم بقايا ربيعة الذين هاجروا إلى مصر، وكان منهم من سكنوا الحوف الشرقي، والوجه البحري، ومنهم من سكنوا أرض المعدن في صعيد مصر وبلاد البجة فأذا صح هذا فأن أجداد الكواهلة سكنوا أرض المعدن منذ القرن التاسع الميلادي، واختلطوا بالحداربة وغيرهم من أعقاب سبأ ومضر، وفي زمن الرحالة ابن بطوطة في الفترة بين سنتي 1330، 1340م كان البجة قد أقاموا على جزيرة سواكن السلطان الشريف زيد بن أبي نمي، وهم أخواله، وكان عساكره من البجة وأولاد كاهل وعرب جهينة ومن المعروف أن البجة قد جروا على نظام الانتساب إلى الأم وتوريث الملك من طريق الأم. ومن أرض المعدن وبلاد البجة شرقاً اتجه الكواهلة في زمن متأخر نسبياً إلى جهات عطبرة وخور القاش وسنار، حيث تمثلوا بأكبر قسم منهم، وواصلت فروع منه الهجرة، فبلغت النيل الأبيض ثم كردوفان وبيوضة وغيرها. وهناك جماعة صغيرة منهم تعيش في الجزء الشمالي من جبال النوبا، أي في أقصى الجنوب من كردوفان، وكان الدافع إلى ذلك تأسيس مملكة تقلى الإسلامية التي هيأت فرصة جديدة لهجرة القبائل العربية وصفوة القول أن النواة الأولى التي التفت حولها المجموعات العربية نجدها اليوم في السودان، كانت تتألف من هجرات متعاقبة، وفد معظمها من طريق وادي النيل، وهي بقايا الأحلاف العربية التي كانت بقيادة جذام وجهينة والعركيين والهلاليين والهوارة والقرشيين وربيعة. خاتمة: العرب في العصور الحديثة في إقليم مصر لا نريد أن ننتهي عند المرحلة السابقة دون أن نعرض عرضاً سريعاً، في هذه الكلمة الختامية، للعرب في العصور الحديثة في مصر؛ وليس في مقدور الباحث أن يفي هذا الموضوع حقه في عجالة كهذه، فهو في حاجة إلى مؤلف بل مؤلفات مفردة. وحسبنا أن نقف فيه على بعض النقاط الأساسية. ففي هذه العصور، نزحت هجرات عربية جديدة إلى مصر وفي أثناء هذه العصور قضت مصر فترة طويلة كانت تعاني فيها حلقات أخرى من سلسلة الحكم التركي، فلم يقف هذا الحكم عند نهاية المرحلة السابقة في مصر، بل استمر على يد العثمانين الذين استولوا على مصر في سنة 923هـ " 1517م "، ولم يكن حكم العثمانين، في حقيقة الأمر، إلا امتداداً لحكم المماليك السابقين، فقد أبقوا على أنظمة الحكم في البلاد المفتوحة بعد أن أجروا عليها تعديلاً طفيفاً يكفل بقاء السيادة التركية العثمانية عليها. بل إن بكوات المماليك ظلوا في مناصبهم يحكمون الأقاليم، كما كانوا في العصور السابقة. وقد استطاع أحد رؤساء هؤلاء البكوات، وهو على بك الكبير، في القرن الثامن عشر، أن يقبض على زمام الحكم في مصر، وله مع عرب الحبايبة والهنادي، في الوجه البحري، والهوارة، في الوجه القبلي، معارك عنيفة دامية ذكرها الجبرتي في تأريخه. ثم استولى محمد على مصر، فبدأت حلقة جديدة من الحكم التركي، وتناوبت سلالته الحكم في ظل الاستعمار الأوربي، إلى أن قامت الثورة العربية الكبرى في 23يوليو عام 1952 فردت للعرب حقهم المسلوب، وأعادت إليهم حرية طالما تطلعوا إليها عصوراً طويلة. 1 - هجرة بني سُلَيم في القرن الثامن عشر، نزحت موجات كبيرة من قبائل بني سليم، من شمال إفريقية إلى مصر وكانت جملة هذه القبائل بقايا الحلف الهلالي الذي تدفقت جموعه على شمال إفريقية في زمن الفاطميين، فسكن فريق منهم، وأكثرهم من بني سليم، في الجبل الأخضر في برقة؛ وتوغل الفريق الآخر، وأكثرهم من بني هلال إلى سائر بلاد المغرب. ثم أخذ بنو سليم بعد بضعة قرون، يعودون إلى مصر، في موجات متوالية، وكانوا حينئذ قد اختلطوا بالبربر. وتعد هجرتهم في القرن الثامن عشر من أكبر الهجرات العربية التي وفدت إلى مصر من طريق الغرب. فملأوا الصحراء الغربية، وبعض جهات من وادي النيل. وإلى الآن ينتسب جميع العرب الساكنين على الساحل غربي الإسكندرية إلى قبيلة بني سليم هؤلاء. ومعظم فروع بني سليم تنتمي إلى السعادى، وهم أولاد أبي الليل، من سليم بن منصور، من القبائل العربية القيسية. ويتفرع السعادى إلى بطون أهمها: أ - البراغيث " أبناء برغوث ": ومنهم الفوايد " ومنهم أسرة لملوم " والرمّاح " ومنهم أسرة الباسل " والجبارنة " ومنهم الجوازي أولاد أبي جازية ". وقد انتشرت هذه البطون من غرب الإسكندرية إلى مديريات الفيوم والمنيا وبني سويف. ب - العقاقرة " أبناء عقار " ومنهم الحرابي، وأولاد علي، والهنادي، وبني عونة، والجبالية. وقد انتشروا في أرض الدلتا شرقاً وغرباً وبعض مناطق الصحراء الغربية، وكان بين الهنادي وأولاد علي على معارك في البحيرة. 2 - موقف الحكم التركي والأوربي من عرب الصحراء الواقع أن السياسة التركية التي ظهرت في المرحلة السابقة، واستمرت في مصر في العصور الحديثة على يد الأتراك العثمانيين إلى نهاية أسرة محمد علي، قد وقفت من مصر العربية موقفاً يعبر عن مصلحة الحاكم الأجنبي أولا وقبل كل شيء. ذلك أنه لم يكن بينه وبين الشعب الذي وَغَلَ عليه أواصر حقيقية تربطه به، وكل ما في الأمر أنه نظر إلى البلد الذي يحكمه على أنه أرض تمتلك، فوثب عليها، وتصرف في بقاعها كيف يشاء، يفرقها على أقربائه والمقربين إليه، وإذا أنعم على بعض الأهالي بشيء منها فليس ذلك أملا في أن يذعنوا لأمره، ويخدموا مصالحه. لقد حاول محمد علي - مثلا - توطين بعض قبائل البدو، ولكن لم يكن هذا في حقيقة الأمر إلا عملا يدور في فلك السياسة التركية، ويخدم أهداف هذه السياسة، ولو أدى ذلك إلى خلق نظام إقطاعي كريه. منح محمد علي أبعاديات ضخمة لأفراد أسرته والرؤساء المقربين إليهم، منحها لعناصر تركية والبانية وشركسية وإغريقية ومورالية " نسبة إلى شبه جزيرة المورة " واتسع كثير من هذه الأبعاديات حتى أصبحت قرى مثل قرية الإبراهيمية وقرية المحمودية. وكان لا بد لهذه المساحات الواسعة من أيد تتولى زراعتها، فانتقل كثير من البدو إلى العمل هناك. ورأى محمد علي أن بعض القبائل ذات الشوكة لن تتركه ينعم بالحكم، فلم يجد مناصا من أن يمنح رؤساءهم مساحات صالحة للزراعة، وأصدر أمره إليهم أن يزرعوها بأنفسهم وإلا نزع عنهم ملكيتهم. فكان من أثر ذلك أن ترك كثير من البدو حياة البداوة واستقروا لزراعة الأرض. ولما اشتد النزاع بين الهنادي وأولاد على مديرية البحيرة، وأقلقوا راحة السلطان، حول هنادي كلهم إلى مديرية الشرقية، ولم يمنحهم أرضاً في بادىء الأمر، ولكن استخدمهم لجمع ضريبة الأرض. وعندما حصرت موارد الدولة، منحوا مساحات واسعة في منطقة وادي طميلات بالشرقية. هذا فيما يتعلق بتوطين بعض عرب الصحراء في البلاد الداخلية. ولكن هناك عدد وافر من القبائل كان لا يزال يعيش في الصحارى، فماذا كان موقف السياسة التركية والأوربية منهم؟ دخلت جيوش الاحتلال البريطاني مصر، وأخذوا بمعاونة أسرة محمد علي يستميلون البدو، ويستغلون الخلاف بين القبائل المتنازعة، ويشجعونهم على التمسك بالنظام القبلي. ونفذوا سياسة " عزل الصحراء عن البلاد الداخلية " فعسكرت قوات الاحتلال في الصحاري المصرية، وجعلوها منطقة مقفلة، حرموا فيها العمل وتملك الأرض والتصرف فيما تنتجه، وكان هدفهم من ذلك: أ - إبعاد سكان الصحارى عن حركات الوعي العربي التي أخذت تنتشر في البلاد الداخلية وكان من أثرها ظهور الثورة العرابية 1882، وقيام الجمعيات السرية العربية في مصر وسائر البلاد العربية، لمقاومة حكم الأتراك والإنجليز. ب - حرمان البدو من روافد المدينة ومن الأخذ بنصيب من التقدم مع إخوانهم الذين يعيشون في الداخل. ج - منع سكان الريف من الوصول إلى مناطق المناجم والبترول في الصحراء، حتى لا يتنبهوا إلى خيرات الصحراء ولا يتجهوا ناحية التصنيع. 3 - الثورة العربية الكبرى ثورة 23 يوليو 1952 ثم قامت الثورة العربية الكبرى في مصر، في عام 1952، فحققت - لأول مرة في تاريخ النضال العربي - آمال الأمة العربية التي تعلقت بها وطمحت إليها منذ أن بدأ الكفاح العربي في التاريخ. فقد أتيح لها - بقيادة البطل العربي جمال عبد الناصر - من الإدراك العميق للإرادة الشعبية الخالصة، والفهم الأصيل لتاريخ النضال العربي وحقيقة مطالبة وأهدافه، ما مكنها من أن تضع يدها على رغبات الشعوب العربية، وتحدد أهدافها، وترسم وسائل الإصلاح، في سياسة عربية مبنية على التوجيه المنهجي، والتنظيم الواضح المرسوم، والمثابرة الجادة في الكفاح. أ - قضت الثورة على النفوذ الأجنبي في شتى مظاهره، فطردت العناصر المحتلة من مصر، فعادت السلطة الحاكمة عربية كما كانت في العصور العربية الزاهرة. والتزمت موقف الحياد من دول الشرق والغرب، حتى تتحقق حرية العمل على أساس المصلحة العربية وحدها. وعكفت على إصلاح ما خلفته العهود السابقة من آثار التحكم والإقطاع فوضعت نظاماً اشتراكياً عربياً. ب - وأعلنت الثورة أن الوطن العربي رقعة جغرافية واحدة تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وأن بين شعوبه من التقارب والالتقاء ما يؤكد أنهم جميعاً أمة واحدة. ولدينا فيما أوردناه في كتابنا هذا مثل حي للأواصر الوثقى التي ربطت بين شطري وادي النيل: مصر والسودان، وهما يؤلفان جزءاً من الوطن العربي الأكبر. وليس من شك في أن المستودع الأول، في شبه الجزيرة العربية، الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية، هو نفسه الذي أمد بلاد المغرب كلها في إفريقية، وبلاد الشام والعراق في آسيا. والملاحظ أن القبيلة الواحدة، كانت تتوزع على هذه المواطن كلها أو معظمها، وأن الأسرة الواحدة كثيراً ما تفرق أفرادها على رقعة هذا الوطن. وهذا يعني أن أواصر القربى قد ربطت بين هذه المواطن ربطاً وثيقاً. وفوق هذا كله، فإن اللغة بين هذه البلاد واحدة، وجوهر الثقافة مشترك، والإرادة الشعبية واحدة، والكفاح في تاريخه الطويل كان يهدف إلى الحرية العربية في كل مكان. وكانت النتيجة الطبيعية التي لا محيص عنها هي أن العرب جميعاً قومية واحدة، هي القومية العربية. غير أن حكام العهود السابقة قد عملوا على تمزيق أوصال الوطن العربي، وتفتيت القومية العربية أو صرف الناس عنها بوسائل شتى حتى يضللوهم عن حقيقة هي أظهر من فلق الصبح. ولسنا بحاجة إلى القول بأن المؤثرات الدخيلة التي جلبها المستعمرون ودعاة الفُرقة إلى الوطن العربي، لم تكن - في حقيقة الأمر - سوى عوائق مؤقتة، لم تلبث أن تزول بزوال أسبابها. ولقد علمَنا التاريخ أن إرادة الشعوب لا بد أن تنتصر. وعندما تحررت إرادة الشعبين المصري والسوري من تلك المؤثرات، فسرعان ما التقى الشعبان، في تجاوب عميق وامتزاج رائع. ج - مضت حكومة الثورة قدماً في تصنيع البلاد، وفتح أبواب الصحراء، ونشر الوعي القومي في جميع الأنحاء، وبهذا كله عالجت الثورة مشكلة الصحراء التي خلفها النفوذ الأجنبي في العهود السابقة. ومن المفيد أن ننقل فيما يلي طرفاً من حديث للسيد مدير سلاح الحدود في هذا الشأن، قال: ظلت الصحراء بخيرها وكنوزها في عزلة عن الوادي، تسير حياة الناس فيها من سيئ إلى أسوأ، حتى قامت الثورة لتحرير كل شبر من أرض الوطن، ولتحقيق المساواة بين جميع أفراد الوطن، ولاستغلال كل مورد وكل ثروة لخير كل أبناء هذا الوطن، فكان اتجاه الثورة إلى فتح أبواب الصحراء منذ 29 أبريل 1953، حينما صدر مجلس الوزراء قراراً بأن تتسلم كل وزارة من وزارات الدولة اختصاصها في المحافظات الصحراوية، لتؤدي لأهليها نفس الخدمات التي تؤدى لسكان البلاد الداخلية. " وبدأت التجربة بفتح الطرق إلى الصحراء الجنوبية فتحولت في سنوات قليلة إلى " الوادي الجديد " من أجل زراعة ثلاثة ملايين ونصف مليون فدان، ومن أجل استغلال الفحم والفوسفات في الواحات الخارجة والداخلة، ومن أجل استغلال الحديد في الواحات البحرية ". " ثم امتدت التجربة إلى الصحراء الغربية، فكانت مشروعات المراعي، والتنقيب عن البترول؛ وبدأ تعمير الشاطئ الأبيض من العمرية حتى السلوم ". " ثم كان فتح الطريق من السويس إلى شواطئ البحر الأحمر؛ لتأخذ الشركات العربية الحرة نصيبها من البترول والمعادن، ولتبدأ البلاد في استغلال الثروة السياحية والثروة السمكية الضخمة في هذا الشاطئ المعروف في العالم باسم شاطئ المرجان ". " وقد رأت حكومة الثورة الأخذ بالتدرج في فتح مناطق الصحراء، حتى يستكمل سلاح الحدود جميع إمكانياته لحفظ الأمن في هذه المناطق، وحتى يتحول من جهاز للحكم إلى جهاز للخدمة، ودليل إلى مراكز الثروة، وداع لكل المواطنين وكل السائحين إلى ارتياد الصحراء ". 2 1