الاسم: قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار» (مطبوع بآخر رد المحتار) المؤلف: علاء الدين محمد بن (محمد أمين المعروف بابن عابدين) بن عمر بن عبد العزيز عابدين الحسيني الدمشقي (المتوفى: 1306هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي الدر المختار علاء الدين بن محمد بن عابدين الاسم: قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي «الدر المختار شرح تنوير الأبصار» (مطبوع بآخر رد المحتار) المؤلف: علاء الدين محمد بن (محمد أمين المعروف بابن عابدين) بن عمر بن عبد العزيز عابدين الحسيني الدمشقي (المتوفى: 1306هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخيار تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار فِي فقه مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أفندى نجل الْمُؤلف طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الْجُزْء السَّابِع دَار الْفِكر للطباعة والنشر والتوزيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 جَمِيع حُقُوق اعادة الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر 1415 هـ / 1995 م دَار الْفِكر بيروت - لبنان دَار الْفِكر: حارة حريك - شَارِع عبد النُّور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص. ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 كتاب الأشربة ذَكَرَهُ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ. وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِنَحِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَأُصُولُ الْأَشْرِبَةِ الثِّمَارُ كَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْحُبُوبَاتُ كَالْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالدَّخَنُ، وَالْحَلَاوَاتُ كَالسُّكْرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ، وَالْأَلْبَانُ كَلَبَنِ الْإِبِلِ وَالرِّمَاكُ. وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ خَمْسَةُ أَنْوَاع أَو سِتَّة، وَمن التَّمْر ثَلَاثَةٌ، وَمِنْ الزَّبِيبِ اثْنَانِ، وَمِنْ كُلِّ الْبَوَاقِي وَاحِد، وكل مِنْهَا على نَوْعَيْنِ: نئ، ومطبوخ اهـ. قَوْلُهُ: (كُلُّ مَائِعٍ يُشْرَبُ) أَيْ هُوَ اسْمٌ مِنْ الشُّرْبِ، أَيْ مَا يُشْرَبُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَلَالًا أَوْ غَيْرَهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْخَمْرَ مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَدْ تُذَكَّرُ: أَيْ نَظَرًا لِلَّفْظِ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ) هَذَا خِلَافُ الْأَصْلِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: النئ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: يجوز التَّشْدِيدُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْإِدْغَامِ: أَيْ غَيْرُ النَّضِيجِ، وَمِثْلُهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ، وَفِي الْعَزْمِيَّةِ: الْإِبْدَالُ وَالْإِدْغَامُ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ: إنَّهُ عَامِّيٌّ. قَوْلُهُ: (إذَا غَلَى) أَيْ ارْتَفَعَ أَسْفَلُهُ إذْ أَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ كَمَا فِي الْمَقَايِيسِ. وَ قَوْلُهُ: (اشْتَدَّ) أَيْ قَوِيَ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُسْكِرًا. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ رَمَى بِالزَّبَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يبْقى فِيهِ شئ من الزّبد فيصفو وَيَرُوقُ، قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَاعْتَمَدَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُمَا. تَصْحِيحُ قَاسِمٍ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَنَا آخُذُ بِقَوْلِهِمَا دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ، لانهما إذَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ قَبْلَ قَذْفِ الزَّبَدِ يَقَعُونَ فِي الْفَسَادِ اه. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَقِيلَ: يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ وَفِي الْحَدِّ بِقَذْفِ الزَّبَدِ احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ: (وَيَأْتِي مَا يفِيدهُ) أَي فِي قَوْله: الْكل حرَام إِذا غلى وَاشْتَدَّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُطْلَقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: هَذَا الايم خص بِالشرابِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا نَقُولُ إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِاشْتِقَاقِهِ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، فَلَا يُسَمَّى الدَّنُّ قَارُورَةً لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عَلَيْهِ وَآله: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَقَوْلُهُ: (إنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا، وَإِنْ مِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وَمِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وَمِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا فَجَوَابه: أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 الْخمر حَقِيقَة تطلق على من ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الْمُثَلَّثِ، وَالْبَاذِقِ وَالْمُنَصَّفِ وَنَحْوِهَا، وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ عَلَيْهَا مجَاز وَعَلِيهِ يحمل الحَدِيث اهـ مُلَخَّصًا. أَوْ هُوَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْث لَهُ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ. قَوْله: (وَحرم قليلها) أَيْ شُرْبُ قَلِيلِهَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الْآتِي مِنْ حُرْمَة الِانْتِفَاع والتداوي اهـ ح. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْكَثِيرُ الْمُسْكِرُ لَا الْقَلِيلُ قُهُسْتَانِيٌّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا، وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً: أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ. قَوْلُهُ: (لِعَيْنِهَا إلَخْ) أَيْ لَا لِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ فَتَحْرُمُ الْقَطْرَةُ مِنْهَا، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا أُعِيدَ لِتَأْكِيدِ الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: (عَشْرُ دَلَائِلَ) هِيَ نَظْمُهَا فِي سِلْكِ الْمَيْسِرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهَا رِجْسًا وَعَدُّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ، وَتَعْلِيقُ الْفَلَاحِ بِاجْتِنَابِهَا وَإِرَادَةُ الشَّيْطَانِ إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بِهَا، وَإِيقَاعُ الْبَغْضَاءِ، وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَالنَّهْيُ الْبَلِيغُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمُؤْذِنِ بِالتَّهْدِيدِ اهـ ح. قَوْلُهُ: (وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً) لِأَنَّ الله سَمَّاهَا رِجْسًا فَكَانَتْ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا) لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) حَتَّى لَا يَضْمَنَهَا مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا هِدَايَةٌ، وَعَدَمُ ضَمَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إتْلَافِهَا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ: يُبَاحُ، وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَتْ عِنْدَ شِرِّيبٍ خِيفَ عَلَيْهِ الشُّرْبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عِنْدَ صَالِحٍ فَلَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُخَلِّلُهَا. عِنَايَةٌ، وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ الثَّانِي، قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا، فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَالٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ: لَا يُبَاحُ إتْلَافُهَا إلَّا لغَرَض صَحِيح اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) أَمَّا الذِّمِّيُّ فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي حَقِّهِ كَالْخِنْزِيرِ حَتَّى صَحَّ بَيْعُهُ لَهُمَا، وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا لَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ مَأْمُورِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: (لَا مَالِيَّتِهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ، فَتَكُونُ مَالًا لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا قُلْنَا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِسَقْيِ دَوَابَّ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَوْ قَادَ الدَّابَّةَ إلَى الْخَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى الدَّابَّةِ يُكْرَهُ. وَكَذَا قَالُوا فِيمَنْ أَرَادَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ الْخَلَّ إلَى الْخَمْرِ، وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. تَتَارْخَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِطِينٍ) أَيْ لِبَلِّ طِينٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَامْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ بِهَا لِيَزِيدَ بَرِيقُ شَعْرِهَا أَوْ الِاكْتِحَالِ بِهَا أَوْ جَعْلِهَا فِي سَعُوطٍ. تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَمِنْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الِاحْتِقَانِ بِهَا أَوْ إقْطَارِهَا فِي إحْلِيلٍ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِالْخَمْرِ وَأَنه حرَام، وَإِلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِعَدَمِ الشُّرْبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِخَوْفِ عَطَشٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ: أَيْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَطش بِأَن خلاف هَلَاكَهُ مِنْهُ وَلَا يَجِدُ مَا يُزِيلُهُ بِهِ إِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 الْخَمْرَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَادَ فَسَكِرَ حُدَّ) وَكَذَا لَوْ رَوِيَ ثُمَّ شَرِبَ حُدَّ. مُجْتَبَى. فَأَفَادَ أَنَّ السُّكْرَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّرُورَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَإِنْ شَرِبَ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ وَزِيَادَةً وَلَمْ يُسْكِرْهُ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ شَرِبَ هَذَا الْقَدْرَ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْكَرْ. قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ شَارِبُهَا إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ (شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ) : لَوْ خَلَطَهَا بِالْمَاءِ: إنْ الْمَاءُ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا حُدَّ، وَإِنْ أَغْلَبَ فَلَا إلَّا إذَا سكر اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْقُدُورِيِّ: إذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهَا حَتَّى زَالَ طَعْمُهَا وَرِيحُهَا فَلَا حَدَّ. ثمَّ قَالَ: وَإِذا ثرد فِيهَا خبْزًا وَأكله وَإِن وَجَدَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ حُدَّ، وَمَا لَا لَوْنَ لَهَا يُحَدُّ إنْ وَجَدَ الطَّعْمَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الطَّبْخُ) أَيْ فِي زَوَالِ الْحُرْمَةِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ) نَقله ف ي الْعِنَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: يُحَدُّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِالنَّصِّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْعِرْقِ الْمُسْتَقْطَرِ مِنْ فَضَلَاتِ الْخَمْرِ، فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ مِنْ شُرْبِ قَلِيلِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ أَمَّا نَجَاسَتُهُ فَغَلِيظَةٌ كَأَصْلِهِ، لَكِنْ لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ لِعَدَمِ إكْفَارِ مُسْتَحِلِّهِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا: لَا حَدَّ بِهِ بِلَا سُكْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَالطَّبْخُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ على مَا قَالُوا، لَان الْحَد فِي النئ خَاصَّةً لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَطْبُوخِ. ذَكَرَهُ فِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَبِهِ يَظْهَرُ لَك ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: خَمْرٌ طُبِخَتْ وَزَالَتْ مَرَارَتُهَا حَلَّتْ، وَضَعْفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ (شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ) : لَوْ صَبَّ فِيهَا سُكَّرًا أَوْ فانيدا حَتَّى صَارَ حُلْوًا حَلَّ، وَتَحِلُّ بِزَوَالِ الْمَرَارَةِ، وَعِنْدَهُمَا بِقَلِيل الحموضة اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الطَّبْخَ لَا يَرْفَعُ الْحُرْمَةَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ لَا إشَارَةً إلَى عَدَمِ الْحَدِّ، لِأَنَّ لَفْظَهُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ التَّبَرِّي وَالتَّضْعِيفَ، لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى هُوَ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ بِلَا خِلَافٍ، لَا الثَّانِي الْمُشَارُ إلَى ضَعْفِهِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ كَلَامٌ لِابْنِ الشِّحْنَةِ) أَيْ فِي التَّضْعِيفِ الْمَفْهُومِ مِنْ ضَعْفِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا تَحِلُّ إذَا زَالَتْ عَنْهَا أَوْصَافُ الْخَمْرِيَّةِ، وَهِيَ الْمَرَارَةُ وَالْإِسْكَارُ لِتَحَقُّقِ انْقِلَابِ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ انْقَلَبَتْ خَلًّا، وَمُرَادُ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالطَّبْخِ حَيْثُ كَانَتْ عَلَى أَوْصَافِ الْخَمْرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مِنْ الِانْقِلَابِ وَالِاسْتِحَالَةِ، وَكَوْنُ النَّارِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إثْبَاتِ الْحِلِّ لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الِانْقِلَابُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلنَّارِيَّةِ اهـ. أَقُول: وَلَو يُعَوِّلْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لِعَيْنِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ انْقِلَابَ الْعَيْنِ بِهَذَا الطَّبْخِ، وَلِذَا لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْهَا فِي الْمَاءِ الْغَيْرِ الْجَارِي أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ نَجَّسَتْهُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ وَصَارَ مَاءً، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فِي قِدْرِ الطَّعَامِ نَجَّسَتْهُ، وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 صَارَتْ طَعَامًا كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةُ بَوْلٍ، وَأَمَّا طَهَارَتُهَا بِانْقِلَابِهَا خَلًّا فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِنَصّ الْمُجْتَهد أخذا فِي إطْلَاقِ حَدِيثِ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ هَذَا الْفَرْعَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ مِنْ الْخَمْرِ هُوَ الْمُسْكِرُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ أَحَدِ مَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الشِّحْنَةِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ كَمَا خَطَرَ لِي، لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا مدْخل للاعتزال فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ الْحُرْمَةَ بِالْإِسْكَارِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ عَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، حَيْثُ يَذْكُرُ مَا يُخَرِّجُهُ مَشَايِخُ عَقِيدَتِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الذَّبَائِحِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يجوز التَّدَاوِي بالمحرم. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَخْلِيلُهَا) وَهُوَ أَوْلَى. هِدَايَةٌ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَ فِي إرَاقَتِهَا ضَيَاعُهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَلِذَا لَا تُضْمَنُ كَمَا مَرَّ، وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا أَنَّهُ يَجِبُ لانها مَال، فَتَأمل. قَوْله: (وَلَو بطرح شئ فِيهَا) كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالسَّمَكِ، وَكَذَا بِإِيقَادِ النَّارِ عِنْدَهَا وَنَقْلِهَا إلَى الشَّمْسِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الشَّمْسُ عَلَيْهَا بِلَا نَقْلٍ كَرَفْعِ سَقْفٍ لَا يَحِلُّ نَقْلُهَا، وَلَوْ خُلِطَ الْخَلُّ بِالْخَمْرِ وَصَارَ حَامِضًا يَحِلُّ وَإِنْ غَلَبَ الْخَمْرُ، وَإِذَا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ الْحُمُوضَةِ لَا يَصِيرُ خَلًّا عِنْدَهُ حَتَّى يَذْهَبَ تَمَامُ الْمَرَارَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ خَلًّا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْعَصِيرِ فَأْرَةٌ فَأُخْرِجَتْ قَبْلَ التَّفَسُّخِ وَتُرِكَ حَتَّى صَارَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ أَوْ خَلَّلَهَا يَحِلُّ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. وَلَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةُ خَمْرٍ فِي جَرَّةِ مَاءٍ ثُمَّ صُبَّ فِي حُبِّ خَلٍّ لَمْ يَفْسُدْ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَإِذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَقِيلَ: يَطْهُرُ تَبَعًا، وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ، إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ. هِدَايَةٌ. وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (بِالْكَسْرِ) أَيْ وَالْمَدِّ كَكِسَاءٍ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (يُطْبَخُ) أَيْ بِالنَّارِ أَوْ الشَّمْسِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فَمَا دَامَ حُلْوًا يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ يُسْكِرْ خِلَافًا لمُحَمد اهـ شَرْحُ مِسْكِينٍ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيَصِيرُ مُسْكِرًا) بِأَنْ غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، أَمَّا مَا دَامَ حُلْوًا فَيَحِلُّ شُرْبُهُ، إتقاني. وَهَذَا الْقَيْد ذكره هُنَا غير ضرروي لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ: وَالْكُلُّ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ. قَوْلُهُ: (يُسَمَّى الْبَاذَقَ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفَ أَيْضًا، وَالْمُنَصَّفُ: الذَّاهِبُ النِّصْفِ، وَالْبَاذِقُ: الذَّاهِبُ مَا دُونَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَصَارَ مُسْكِرًا) أَيْ بِأَنْ اشْتَدَّ وَزَالَتْ حَلَاوَتُهُ وَإِذَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَسْكَرَ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحُكْمِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، مُوهِمًا أَشَدَّ الْإِيهَامِ أَتَى بِالْعِنَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الطِّلَاءَ، وَفَسَّرَهُ أَوَّلًا بِتَفْسِيرٍ ثُمَّ بِآخَرَ وَحَكَمَ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، فَالْبَاذِقُ وَالْمُنَصَّفُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا. وَالطِّلَاءُ: وَهُوَ مَا ذهب ثُلُثَاهُ وَيُسمى المثلث حَلَالا إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا إلَّا الْقَدَحُ الْأَخِيرُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْكَارُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، فَنَبَّهَ عَلَى أَن مُرَاد المُصَنّف أَنَّ الَّذِي يُسَمَّى الطِّلَاءَ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَامٌ وَالثَّانِيَ حَلَالٌ. وَبَحَثَ الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي هَذَا لتصويب بِأَنَّ الطِّلَاءَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: الباذق وَالْمُصَنّف وَالْمُثَلَّثُ وَكُلُّ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ اهـ. أَقُولُ: وَفِي الْمُغْرِبِ: الطِّلَاءُ كُلُّ مَا يُطْلَى بِهِ مِنْ قَطِرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا خَثَرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ: طِلَاءٌ عَلَى التَّشْبِيهِ حَتَّى يُسَمَّى بِهِ الْمُثَلَّثُ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّفْسِيرِ الاول) أما على الثَّانِي فطاهر لِحِلِّ شُرْبِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْكَرْمَانِيِّ وَغَيره. قَوْله: (وَهُوَ النئ من مَاء الرطب) هَذَا أحد الاشربة الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ، وَالثَّانِي النَّبِيذُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَهُوَ حَلَال، وَالثَّالِث الفضيخ: وَهُوَ النئ من مَاء الْبُسْر المذنب، مُشْتَقّ من الضخ: بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الْكَسْرُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُكْسَرُ وَيُجْعَلُ فِي حُبٍّ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لِتَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ، وَحُكْمُهُ كَالسُّكْرِ، أَفَادَهُ فِي النِّهَايَة. وَلَو قَالَ المُصَنّف: وَالثَّالِث النئ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ لَشَمِلَ السُّكْرَ وَالْفَضِيخَ، فَإِنَّ التَّمْرَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْبُسْرَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا اشْتَدَّ إلَخْ) ذكره غَيره لَازِمٍ نَظِيرُ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (نَقِيعُ الزَّبِيبِ) النَّقِيعُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْمَزِيدِ أَوْ الثُّلَاثِيِّ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: أَنْقَعَ الزَّبِيبَ فِي الْخَابِيَةِ وَنَقَعَهُ: إذَا أَلْقَاهُ فِيهَا لِيَبْتَلَّ وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إنَّهُ شَرَابٌ مُتَّخَذٌ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الصِّحَاحِ وَالْأَسَاسِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: نَقِيعُ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. قُهُسْتَانِيٌّ مُلَخَّصًا. لَكِنْ أَفَادَ الْأَتْقَانِيّ: أَنَّ الرُّطَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّقْعِ فِي الْمَاءِ: أَيْ لِأَنَّ النَّقِيعَ مَا يَكُونُ يَابِسًا لِيَبْتَلَّ بِالْمَاءِ، فَلِذَا أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ بِالذِّكْرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ) أَيْ ذَهَبَتْ حَلَاوَتُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ بَقِيَ حُلْوًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَذَفَ حَرُمَ اتِّفَاقًا) أَيْ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا إذَا سَكِرَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ كَلَامِهِ) حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ. قَوْلُهُ: (قَوْلُهُمَا) أَيْ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: (وَتَرَكَ الْقَيْدَ) وَهُوَ الْقَذْفُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى السَّابِقِ) أَيْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي تَعْرِيفِ الْخَمْرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُ كَلَامِهِ) حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَاذَقِ كَالْخَمْرِ، وَسَكَتَ عَنْ هَذَيْنِ، وَيَبْعُدُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 يُقَالَ: تَرَكَهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا مَرَّ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا غَلِيظَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ. وَنَصُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ: وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَة فِي رِوَايَة وغليظة فِي أُخْرَى اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا، حَيْثُ قَالَ: وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ الْخِفَّةُ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْغِلْظَةِ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ هَكَذَا: وَفِي بَاقِي الْأَشْرِبَةِ رِوَايَاتُ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَالطَّهَارَةِ، رَجَّحَ فِي الْبَحْر الاول، وَفِي النَّهر الاوسط اهـ. قَوْلُهُ: (وَحُرْمَتُهَا) أَيْ الْأَشْرِبَةِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالِاجْتِهَادِ) حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بِإِبَاحَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْهَا. وَقَالَ شَرِيكٌ بِإِبَاحَةِ الثَّانِي لِامْتِنَانِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ: * (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) * (النَّحْل: 76) وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ كُلُّهَا مُبَاحَةً. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ أَدِلَّتَهَا قَطْعِيَّةٌ، فَلِذَا كَفَرَ مُسْتَحِلُّهَا. قَوْلُهُ: (نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) أَيْ وَنَبِيذُ الزَّبِيبِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالتَّمْرُ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا مَرَّ، فَيَتَنَاوَلُ الْيَابِسَ وَالرَّطْبَ وَالْبُسْرَ، وَيَتَّحِدُ حُكْمُ الْكُلِّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ، وَالنَّبِيذُ يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ الْبُرِّ أَوْ غَيْرِهِ، بِأَنْ يُلْقَى فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكَ حَتَّى يُسْتَخْرَجَ مِنْهُ مُشْتَقٌّ مِنْ النَّبْذِ وَهُوَ الْإِلْقَاءُ، كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الطِّلْبَةِ وَغَيره اهـ. ثُمَّ قَالَ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيذِ بِالطَّبْخِ وَعَدَمه كَمَا فِي النّظم. أَقُول: الظَّاهِر أَنَّ قَوْلَهُ: وَبَيْنَ النَّبِيذِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالصَّوَابُ وَبَيْنَ النَّقِيعِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيْنَهُ لِلنَّبِيذِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَطْبُوخِ مِنْ الانبذة حرَام بِإِجْمَاع الصحاية إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُرْمَةِ الْمُتَّخَذِ مِنْ التَّمْرِ أَحَادِيثُ وَفِي حلّه أَحَادِيث، فَإِذا حمل الْمحرم على النئ وَالْمُحَلِّلُ عَلَى الْمَطْبُوخِ فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ وَانْدَفَعَ التَّعَارُضُ. عَيْنِيٌّ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ كُلُّهَا صِحَاحٌ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ، وَوَفَّقَ بِمَا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَرْخِيُّ فِي رِوَايَةِ الْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي تَحْلِيلِ النَّبِيذِ الشَّدِيدِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَأَهْلِ بَدْرٍ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُحِلُّونَهُ، وَكَذَا الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ: إنَّ مِنْ إحْدَى شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يُحَرَّمَ نَبِيذُ الْجَرّ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَا أُفْتِي بِحُرْمَتِهَا، لِأَنَّ فِيهِ تَفْسِيقَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا لِشُرْبِهَا لَا أَشْرَبُهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا غَايَة تقواه اهـ. وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَعَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اشْتَدَّ) أَيْ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ. قَالَ فِي الرَّمْز: وَلم يذكر الْقَذْف اكْتِفَاء بِمَا سبق اهـ. قَوْلُهُ: (بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الطَّرَبُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ حُزْنٍ أَوْ سرُور اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذِهِ الْأَشْرِبَةِ، بَلْ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِلَهْوٍ وَطَرَبٍ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ حرم اهـ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 قُلْت: وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ وَعَدَمِ السُّكْرِ بَعْدَ الرَّابِعِ لِيَكُونَ قَيْدًا لِلْكُلِّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَرِبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) أَيْ يَحْرُمُ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ يغالب الرَّأْيِ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ كَالْمُتْخِمِ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَعْقُبُهُ التُّخَمَةُ. تَتَارْخَانِيَّةٌ. فَالْحَرَامُ: هُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ الَّذِي يَحْصُلُ السُّكْرُ بِشُرْبِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُحَدُّ إذَا سَكِرَ بِهِ طَائِعًا. قَالَ: فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: شَرِبَ تِسْعَةَ أَقْدَاحٍ مِنْ نَبِيذِ التَّمْر فأوجر الْعَاشِر لم يحد اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَفِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يُحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ، ثُمَّ قَالَ فِي تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِطُ كَلَامه وَيصير غالبه الهذيان، وَتَمام فِي حُدُودِ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الْخَلِيطَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَقَاهُ لِابْنِ زِيَادٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمَطْبُوخِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. حَمَوِيٌّ. وَبِالْأَخِيرِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ من حُرْمَة نَقِيع الزَّبِيب ب النئ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْر) أَو الْبُسْر أَو الرط ب الْمُجْتَمَعَيْنِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الطَّبْخِ فِيهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ مَاءُ الْعِنَبِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ) أَيْ طَبْخًا مَوْصُولًا، فَلَوْ مَفْصُولًا: فَإِنْ قِيلَ تَغَيُّرُهُ بِحُدُوثِ الْمَرَارَةِ وَغَيْرِهَا حَلَّ، وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. دُرُّ مُنْتَقَى. وَقَيَّدَ بِالْعِنَبِ لِأَنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ يَحِلَّانِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ قَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ بِالطَّبْخِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَة. وفيهَا: لَو جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِأَدْنَى طبخة فعصير الْعِنَب لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ. وَفِيهَا: وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ أُنْقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ، إنْ كَانَ مَا أُنْقِعَ فِيهِ شَيْئا يسير الا يتَّخذ النَّبِيذ من مثله خل وَإِلَّا لَا. وَفِيهَا: وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ حُكْمُهُ كَالْمُثَلَّثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ الْمَاءُ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاء الْعِنَب: أَي فَلَا يحل. قَوْله: (إِذْ قصد) مُتَعَلق بيحل مُقَدرا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ وَالتَّقَوِّي فِي اللَّيَالِي عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ فِي الْأَيَّامِ عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 الْقِتَال لاعداء الاسلام، أَو التدوي لِدَفْعِ الْآلَامِ، فَهُوَ الْمَحَلُّ لِلْخِلَافِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَنَامِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي الضَّمَانِ إنْ قَصَدَ الْمُتْلِفُ الْحِسْبَةَ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي التاترخانية وَغَيْرِهَا. ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ فَيَقُولُ بَعْدَ قَوْله: وَلَا يكفر مستحلها: وَصَحَّ بيعهَا وتضمن إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَا فِي الْمُبَاحَةِ أَيْضًا، إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ بِحُرْمَةِ كُلِّ الْأَشْرِبَةِ وَنَجَاسَتِهَا، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَشْرِبَةِ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادَةُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْخَمْرِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا دُونَ الْخَمْرِ وَلَيْسَا فَوْقَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَصِحَّةُ بَيْعِهَا يُفِيدُ صِحَة بيعهَا فَافْهَم قَوْله: (عدم الْحل) أَي الْقيام الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بَائِعُهَا وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَتُضْمَنُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ) يَعْنِي الْمُحَرَّمَةَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ) أَيْ الْمِثْلِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (تَمْلِيكٌ) . قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: يَعْنِي أَنَّا قُلْنَا بِضَمَانِ السُّكْرِ وَالْمُصَنِّفُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ جَازَ لِعَدَمِ سُقُوطِ التقوم وَالْمَالِيَّةِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّلِيبِ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قبلهَا من ضَمَان آلَات اللَّهْو صَالِحَة لِغَيْرِ اللَّهْوِ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ فِي الْغَصْبِ: أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ضَمَانِ الطَّبْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ قِيمَتَهَا تَجِبُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، بِخِلَافِ صَلِيبِ النَّصْرَانِيِّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ صليبا لانا قررناهم عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُمَا) كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعِنَبِ، فَالْمُرَادُ الْأَشْرِبَةُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا غَلَتْ وَاشْتَدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ كَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ: (غَيره) كصاحب الْمُلْتَقى الْمَوَاهِب وَالْكِفَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْعَيْنِيِّ، حَيْثُ قَالُوا: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ. وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ ويقصدون اللَّهْو وَالسكر بشربها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 أَقُول: الظَّاهِر أَنَّ مُرَادَهُمْ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَسَدُّ الْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ عِنْدَ قَصْدِ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ بَلْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي: يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ قَصْدَ اللَّهْوِ لَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَنَصُّهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حُكِيَ عَن صدر الاسلام أبي سَائِر الْيَسْرِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ وَجَدَ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ، فَإِنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يجب فِي سَار الْأَنْبِذَةِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا شُرْبُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ السُّكْرُ حَرَامٌ، وَالسُّكْرُ سَبَبُ الْفَسَادِ فَوَجَبَ الْحَدُّ لِيَنْزَجِرُوا عَنْ شُرْبِهِ فَيَرْتَفِعَ الْفَسَادُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَذِه الاشربة اهـ: أَيْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُمَا حَيْثُ حَلَّلَا الْأَنْبِذَةَ وَأَوْجَبَا الْحَدَّ بِالْقَدَحِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ بَاقِي الْأَشْرِبَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ مَرْوِيٌّ) يُوهِمُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِتَحْرِيمِ الْأَشْرِبَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِلْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا كَمَا عَلِمْت، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِمَا يَقَعُ بِهِ السُّكْرُ أَنْ يَحْرُمَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (لِمَنْ مِنْ مُسْكِرِ الْحَبِّ يَسْكَرُ) مَنْ مَوْصُولَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ (1) وَالْحَبُّ: جِنْسٌ: أَيْ يَسْكَرُ مِنْ مُسْكِرِ الْحُبُوبِ، وَحُكْمُ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَصْلِ الْخَمْرِ وَهُوَ الزَّبِيبُ وَالْعِنَبُ وَالتَّمْرُ كَذَلِكَ ش. قَوْلُهُ: (وَفِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ طَلَاقٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَهُوَ نَجَسٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بَلْ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْأَشْرِبَةِ الْمَائِعَةِ دُونَ الْجَامِدِ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ، فَلَا يَحْرُمُ قَلِيلُهَا بَلْ كَثِيرُهَا الْمُسْكِرُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا لِأَنَّهُمْ عَدُّوهَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِنْ حَرُمَ السُّكْرُ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَذْكُرُهُ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا قَالَ بِنَجَاسَتِهَا وَلَا بِنَجَاسَةِ نَحْوِ الزَّعْفَرَانِ مَعَ أَنَّ كَثِيرَهُ مُسْكِرٌ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا أَكْلَ قَلِيلِهِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْمَائِعَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمُوَافِقِيهِ كَخَمْرٍ بِلَا تَفَاوُتٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَبِهَذَا يُفْتَى فِي زَمَانِنَا اهـ. فَخُصَّ الْخِلَافُ بِالْأَشْرِبَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِلَا تَفَاوُتٍ أَنَّ نَجَاسَتَهَا غَلِيظَةٌ فَتَنَبَّهْ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَدُّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالسُّكْرِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْكَثِيرِ الْمُسْكِرِ حُرْمَةُ قَلِيلِهِ وَلَا نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا إلَّا فِي الْمَائِعَاتِ لِمَعْنًى خَاصٍّ بِهَا. أَمَّا الجامدات فَلَا يحرم مِنْهَا إِلَّا الْكَثِيرُ الْمُسْكِرُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ نَجَاسَتُهُ كالسم الْقَاتِل فَإِنَّهُ حرَام مَعَ أَنه ظَاهر، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ وَيُقَوِّيهِ وَيُشَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَكِرَ مِنْهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْكَارُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْله   (1) قَوْله: (وَالثَّانيَِة بَيَانِيَّة) لَعَلَّ الصَّوَاب إبتدائية، لَان ضَابِط من البيانية وَهُوَ كَون مَا بعْدهَا أخص مَا قبلهَا مُبين لَهُ لَا يَأْتِي هُنَا كَمَا لَا يخفى اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا فِي سَائِر الاشربة الْمُحرمَة اهـ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِيمَا مَرَّ وَيُحَدُّ شَارِبُ غَيْرِهَا أَيْ غَيْرِ الْخَمْرِ إنْ سَكِرَ قَوْلُهُ: (وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِتَحْرِيمِ كُلِّ الْأَشْرِبَةِ، وَكَذَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْفَتْحِ: وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ حَرَامٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَلَالٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ) أَيْ فِي إبَاحَةِ الشُّرْبِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الاربعة. قَالَ فِي الْمِعْرَاج سُئِلَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ عَنْهُ فَقَالَ: لَا يَحِلُّ، فَقِيلَ لَهُ: خَالَفْت أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ، فَقَالَ: إنَّهُمَا يُحِلَّانِهِ لِلِاسْتِمْرَاءِ وَالنَّاسُ فِي زَمَانِنَا يَشْرَبُونَ لِلْفُجُورِ وَالتَّلَهِّي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ أَرَادَ السُّكْرَ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ، وَقُعُودُهُ لِذَلِكَ حرَام، ومشيه إِلَيْهِ حرَام اهـ. زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيُحَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيرهَا اهـ. أَقُولُ: هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ تَقْيِيدِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ إنْ سَكِرَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَهُمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ مَوْعُودَةٌ فِي الْعُقْبَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ من جِنْسهَا فِي الدُّنْيَا أنموذج ترغيبا اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ يَثْبُتَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (أَيْ الْفَرْسَةِ) صَرَّحَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: فَرَسَّةٌ، فَالْأَوْلَى أَن يُقَال: أَي الاناث من الْخَيل اهـ ح. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ (1) قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْإِمَامِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَبَنُ الْمَأْكُولِ حَلَالٌ، وَكَذَا لَبَنُ الرِّمَاكِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يُكْرَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْزِيهًا. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ كَالْبَنْجِ، وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ تَحْرِيمًا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ وَإِنْ زَوَال عَقْلُهُ، كَمَا لَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ يَحْرُمُ، وَلَا حد فِيهِ اهـ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَنْزِيه اهـ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ عَلِمَ حِينَ تَنَاوُلِهِ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَهُمَا: لَا يَقَعُ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ شَرَابًا حُلْوًا فَلَمْ يُوَافِقْهُ فَزَالَ عَقْلُهُ فَطَلَّقَ، قَالَ مُحَمَّد: لَا يَقع وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْصِيَةَ وَإِلَّا فَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ جَوَازُ شُرْبِهِ: أَيْ لَبَنِ الرِّمَاكِ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ كَمَا عَلَّلَ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ: أَي إِلَّا أَن يشربه   (1) قَوْله: (أَي عِنْد الامام إِلَخ) قَالَ شَيخنَا: لَيْسَ فِي عبارَة القهستانى ذكر الامام بل عِبَارَته لم يحل عِنْده، وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَن الضَّمِير عَائِد على مُحَمَّد فَإِنَّهُ الْمَذْكُور قبل وَهُوَ الْمُوَافق للمسألة قبلهَا، إِذْ هُوَ مُقْتَضى التَّشْبِيه بِكَذَا اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 لِلَّهْوِ وَالْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذكره الْقُهسْتَانِيّ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُشْتَدِّ، وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي الْمُشْتَدِّ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ حِلِّ لَبَنِ الرِّمَاكِ: لِأَنَّ كَرَاهِيَةَ لَحْمِهِ لِاحْتِرَامِهِ أَوْ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى قطع مَادَّة الْجِهَاد فَلَا يتَعَدَّى إِلَى لبنه اهـ. أَوْ يُقَالُ: هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ إذَا قَصَدَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ الْبَحْرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي الدُّبَّاءِ) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ. قُهُسْتَانِيّ أَي مَعَ التَّشْدِيد. قَوْله: (جمع باءة) بِالْمدِّ اهـ ح. قَوْلُهُ: (وَالْحَنْتَمُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالتَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ بَيْنَهُمَا. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (جَرَّةٌ خَضْرَاءُ) كَذَا فسره فِي الْقَامُوس. وَفِي الْمغرب: الْخَتْم: الْخَزَفُ الْأَخْضَرُ أَوْ كُلُّ خَذْفٍ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: هِيَ جِرَارٌ حُمْرٌ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ إلَى الْمَدِينَةِ، الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ نُسِخَ) أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: إنَّمَا نَهَى عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ لِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ تَشْتَدُّ بِهَذِهِ الظُّرُوفِ أَكْثَرَ مَا تَشْتَدُّ فِي غَيْرِهِ: يَعْنِي فَصَاحِبُهَا عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْوُقُوعِ فِي شرب الْمَحَارِم عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ) عَبَّرَ فِي النُّقَايَةِ كَالزَّاهِدِيِّ بقوله: وَحرم. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَإِنَّمَا الْحُرْمَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمُرَادِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ عَكَرَهُ) بِفتْحَتَيْنِ ويسكن. قَامُوس ودردي الشئ: مَا يَبْقَى أَسْفَلَهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالِامْتِشَاطُ) إنَّمَا خَصَّهُ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ. نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ. وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يدعوا إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثِّقَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ) هُوَ بِالْفَتْحِ: نَبَاتٌ يُسَمَّى فِي الْعَرَبِيَّةِ شَيْكَرَانُ، يُصَدِّعُ وَيُسْبِتُ وَيُخَلِّطُ الْعَقْلَ كَمَا فِي التَّذْكِرَة للشَّيْخ دَاوُد. زَاد فِي الْقَامُوسِ: وَأَخْبَثُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَسْوَدُ وَأَسْلَمُهُ الْأَبْيَضُ، وَفِيهِ: السَّبْتُ يَوْمُ الْأُسْبُوعِ، وَالرَّجُلُ الْكَثِيرُ النَّوْمِ، وَالْمُسْبِتُ: الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ شَجَرِ الْقَنْبِ، حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، بِخِلَافِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ كَالْأَفْيُونِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اخْتَلَّ الْعَقْلُ بِهِ لَا يَزُولُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَنْجِ كَمَا فِي شرح اللّبَاب اهـ. أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ مَا يُخِلُّ الْعَقْلَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ مُبَاحٌ؟ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ قَلِيلِهِ لِلتَّدَاوِي وَنَحْوِهِ، وَمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ بِهِ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ مِنْهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَكْلُ قَلِيلِ السَّقَمُونْيَا والبنج مُبَاح للتداوي، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ أَوْ يذهب الْعقل حرَام اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مُؤَيِّدٌ لِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 سَبَقَ بَحَثْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ بِالْمَائِعَاتِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ: يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ مِنْهَا دُونَ الْقَلِيلِ النَّافِعِ، لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا وَفِي أَوَّلِ طَلَاقِ الْبَحْرِ: مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَاتِ قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لَا لِلدَّوَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَالتَّعْلِيل يُنَادي بحرمته لَا للدواء اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْحق. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْكَثِيرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَايَةِ، وَأَمَّا الْقَلِيل: فَإِن كَانَ للهو حرم، وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِأَنَّ مَبْدَأَ اسْتِعْمَالِهِ كَانَ مَحْظُورًا، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَحَصَلَ مِنْهُ إسْكَارٌ فَلَا، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ. بَقِي هُنَا شئ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ أَنه إِذا اعْتَادَ أكل شئ مِنْ الْجَامِدَاتِ الَّتِي لَا يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَيُسْكِرُ كَثِيرُهَا حَتَّى صَارَ يَأْكُلُ مِنْهَا الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ وَلَا يسكره سَوَاء أسكره فِي ابتداءى الْأَمْرِ أَوْ لَا، فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُسْكِرُ غَيْرَهُ أَوْ إلَى أَنه قد أسكره قبل اعتياد، أَمْ لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ؟ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِهِ الْإِسْكَارُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الِاعْتِيَادِ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ الَّذِي أَسْكَرَهُ قبله حَرَامًا، كمن اعْتَادَ أكل شئ مَسْمُومٍ حَتَّى صَارَ يَأْكُلُ مَا هُوَ قَاتِلٌ عَادَةً وَلَا يَضُرُّهُ كَمَا بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ، فَلْيُتَأَمَّلْ. نَعَمْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ بِلَا عَادَةٍ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ وَرَقُ الْقَنْبِ) قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ: وَمِنْ الْقَنْبِ الْهِنْدِيِّ نَوْعٌ يُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ يُسْكِرُ جِدًّا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ يَسِيرًا قَدْرَ دِرْهَمٍ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إلَى حَدِّ الرُّعُونَةِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ قَوْمٌ فَاخْتَلَّتْ عُقُولُهُمْ، وَرُبَّمَا قَتَلَتْ، بَلْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فِي أَكْلِ الْحَشِيشَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحِلِّهَا كَفَرَ. قَالَ: وَأقرهُ أهل مذْهبه اهـ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَفْيُونُ) هُوَ عُصَارَةُ الْخَشْخَاشِ، يُكْرِبُ وَيُسْقِطُ الشَّهْوَتَيْنِ إذَا تُمُودِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْتُلُ إلَى دِرْهَمَيْنِ، وَمَتَى زَادَ أَكْلُهُ عَلَى أَرْبَعَة أَيَّام ولاءا اعتده بِحَيْثُ يُفْضِي تَرْكُهُ إلَى مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْرِقُ الاغشية خروقا لَا يسدها غَيره، كَذَا فِي تَذْكِرَةِ دَاوُد. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْلِ) حَتَّى يَصِيرَ لِلرَّجُلِ فِيهِ خَلَاعَةٌ وَفَسَادٌ، جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَكِرَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْحَدَّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْمَشْرُوبِ لَا الْمَأْكُولِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ: وَيَحْرُمُ أكل البنج الخ. قَوْله: (وَكَذَا تحرم جَوْزَةُ الطِّيبِ) وَكَذَا الْعَنْبَرُ وَالزَّعْفَرَانُ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ، وَقَالَ: فَهَذِهِ كُلُّهَا مُسْكِرَةٌ، وَمُرَادُهُمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ لَا مَعَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُسْكِرِ الْمَائِعِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَةً، فَمَا جَاءَ فِي الْوَعِيدِ عَلَى الْخَمْرِ يَأْتِي فِيهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْعَقْلِ الْمَقْصُودِ لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ اهـ. أَقُولُ: وَمِثْلُهُ زَهْرُ الْقُطْنِ فَإِنَّهُ قَوِيُّ التَّفْرِيحِ يَبْلُغُ الْإِسْكَارَ كَمَا فِي التَّذْكِرَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ وَنَظَائِرُهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَافْهَمْ. وَمِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى البرش وَهُوَ شئ مركب من البنج والافيون وَغَيرهمَا، ذكر فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّ إدْمَانَهُ يُفْسِدُ الْبَدَنَ وَالْعَقْلَ، وَيُسْقِطُ الشَّهْوَتَيْنِ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُنْقِصُ الْقُوَى وَيُنْهِكُ، وَقد وَقع بِهِ الْآن ضَرَر كثير اهـ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) وَعِبَارَتُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ فِي الْحُرْمَةِ جَوْزَةُ الطِّيبِ، فَقَدْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَتِهَا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ نَزِيلُ مَكَّةَ فِي فَتَاوَاهُ وَالشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي رِسَالَةٍ وَضَعَهَا فِي ذَلِكَ، وَأَفْتَى بِحُرْمَتِهَا الْأَقْصَرَاوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَفْت عَلَى ذَلِكَ بِخَطِّهِ الشَّرِيفِ لَكِنْ قَالَ: حُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْحَشِيش، وَالله أعلم اهـ. أَقُولُ: بَلْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ حُرْمَتَهَا عَنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفَتَاوَى قَوْلُهُ: (وَالْحَشِيشَةُ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ: وَهُوَ الْحَشِيشَةُ. قَوْلُهُ: فَهُوَ زِنْدِيقٌ مُبْتَدِعٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ اتّفق على وُقُوع طَلَاقه: أَي آكل الْحَشِيشِ فَتْوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَتَأْدِيبِ بَاعَتِهِ، حَتَّى قَالُوا: مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ، كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَتَبعهُ الْمُحَقق فِي فتح الْقَدِير اهـ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا تعويل عَلَيْهِ، إِذْ الْكفْر بإنكار القطعيات وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِك اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ حُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا فَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ أَيْضًا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ مَعَ أَنَّهُ أَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. لَكِنْ رَأَيْت فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَابْنُ تَيْمِية الاجماع على تَحْرِيم الحشيشة. قَالَ: وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَة وَأول الْمِائَة السَّابِعَة حِين ظَهرت دولة التتار اهـ بِحُرُوفِهِ. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالتُّتْن إلَخْ) أَقُولُ قَدْ اضطرت آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ بحرمته، وَبَعْضهمْ بإباحته، أفردوه بِالتَّأْلِيفِ، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: وَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الدُّخَانِ وَشُرْبِهِ وَشَارِبُهُ فِي الصَّوْمِ لَا شَكَّ يُفْطِرُ وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابْلُسِيِّ وَالِدِ سَيِّدِنَا عَبْدِ الْغَنِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَكُلِّ مَا يُنْتِنُ الْفَمَ. قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ مِنْ شُرْبِهَا التُّتْن لِأَنَّهُ يُنْتِنُ الْفَمَ خُصُوصًا إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا يَشْرَبُهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَقَدْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمُسَيَّرَيْ وَغَيره اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ الْمَالِكِيِّ رِسَالَةٌ فِي حِلِّهِ نَقَلَ فِيهَا أَنَّهُ أَفْتَى بِحِلِّهِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. قُلْت: وَأَلَّفَ فِي حِلِّهِ أَيْضًا سَيِّدُنَا الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا الصُّلْحُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَتَعَرَّضَ لَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَآلِيفِهِ الْحِسَانِ، وَأَقَامَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى عَلَى الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ أَوْ بِالْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إسْكَارُهُ وَلَا تَفْتِيرُهُ وَلَا إضْرَارُهُ، بَلْ ثَبَتَ لَهُ مَنَافِعُ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَاعِدَةِ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَأَنَّ فَرْضَ إضْرَارِهِ لِلْبَعْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّ الْعَسَلَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الصَّفْرَاءِ الْغَالِبَةِ، وَرُبَّمَا أَمْرَضَهُمْ مَعَ أَنَّهُ شِفَاءٌ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، وَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ فِي الافتراء على الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 تَعَالَى بإثبا ت الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ اللَّذَيْنِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ، بَلْ فِي الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ. وَقَدْ تَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمُشَرِّعُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أُمِّ الْخَبَائِثِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقَطْعِيُّ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ سَوَاءً كَانَ مِمَّنْ يَتَعَاطَاهُ أَوْ لَا كَهَذَا الْعَبْدِ الضَّعِيفِ وَجَمِيعِ مَنْ فِي بَيْتِهِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُبَاح، لَكِن رَائِحَته تستكرها الطِّبَاعُ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ طَبْعًا لَا شَرْعًا إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا الَّذِي يُعْطِيهِ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا حَيْثُ أعقب كَلَام شَيْخه النَّجْمِ بِكَلَامِ الْأَشْبَاهِ وَبِكَلَامِ شَيْخِهِ الْعِمَادِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى جَزَمَ بِالْحُرْمَةِ، لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِوُرُودِ النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مُفْتِرٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: فَتَرَ جِسْمُهُ فُتُورًا: لَانَتْ مفاصله وَضعف، والفتار كغراب: ابْتِدَاء النشوة، وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ: فَتَرَ شَارِبُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَرَامٌ) مُخَالف لما نقل عَن الشَّافِعِيَّة، فَإِنَّهُم أوجبوا على الزَّوْج كفايتها مِنْهُ اهـ. أَبُو السُّعُودِ. فَذَكَرُوا أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ إلَّا لِعَارِضٍ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ لَهَا اعْتِيَادٌ، وَلَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّفَكُّهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّدَاوِي وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ط. قَوْلُهُ: (وَمَعَ نَهْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: لَيْتَ شَعْرِي أَيُّ أَمْرٍ مِنْ أَمْرَيْهِ يُتَمَسَّكُ بِهِ أَمْرُهُ النَّاسَ بِتَرْكِهِ أَمْ أَمْرُهُ بِإِعْطَاءِ الْمَكْسِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ، وَأَيْضًا هَلْ مَنْعُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَى الْمُصَادَرَاتِ وَتَضْيِيعِ بُيُوتِ الْمَالِ وَإِقْرَارُهُمْ الْقُضَاةَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالظُّلْمِ يُثْبِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَقَدْ قَالُوا: مَنْ قَالَ لِسُلْطَانِ زَمَاننَا عَادل كفر اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ أُمَرَاءَ زَمَانِنَا لَا يُفِيدُ أَمْرُهُمْ الْوُجُوبَ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقُضَاة عِنْدَ قَوْلِ الْمُتُونِ: أَمَرَك قَاضٍ بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ قَضَى فِيهِ وُسْعَك فِعْلَهُ بقَوْلهمْ لوجول طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ، وَاسْتَحْسَنُوهُ فِي زَمَانِنَا. وَبِهِ يُفْتَى إلَخْ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَالِغًا أَمِينًا وَرِعًا ذَكَرًا مَوْثُوقًا بِهِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، زَاهِدًا مُتَوَاضِعًا مُسَايِسًا فِي مَوْضِعِ السِّيَاسَةِ. ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ من مَعَ صِفَتُهُ مَا ذُكِرَ صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي حزانة الْأَكْمَلِ. وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْعَامَّةِ وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أمره فِي غير مَعْصِيّة. وَفِي التاترخانية، إِذا أَمر الامير الْعَسْكَر بشئ فَعَصَاهُ وَاحِدٌ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ يَنْصَحُهُ، فَإِنْ عَادَ بِلَا عُذْرٍ أَدَّبَهُ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَخَذَ الْبِيرِيُّ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِصَوْمِ أَيَّامِ الطَّاعُونِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ امْتِثَالُهُ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ عِبَارَةِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى لُزُومُ إطَاعَةِ مَنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْعَارِفِ قُدِّسَ سِرُّهُ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ لَا لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (رُبَّمَا أضرّ بِالْبدنِ) الْوَاقِع أَنه يخْتَلف بالاختلاف الْمُسْتَعْمَلِينَ ط. قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّوَقُّفُ) الْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ النَّبَاتِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ التَّوَقُّفُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ إسْكَارِهِ وَتَفْتِيرِهِ وَإِضْرَارِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِذَا أَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ كَرِهَهُ شَيْخُنَا الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَيَفْسُقُ مُتَعَاطِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ: وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاء بِالْمَعْرُوفِ بِأَكْل الرِّبَا أَو شئ من الْمُحرمَات، أَو يداوم الاسرار على شئ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَاتِ كَالدُّخَانِ الْمُبْتَدَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ صُدُورِ مَنْعِ السُّلْطَانِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إِلْحَاقًا لَهُ بِالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْعِمَادِيِّ. نَعَمْ إلْحَاقُهُ بِمَا ذُكِرَ هُوَ الْإِنْصَافُ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تنزيهية، وَالْمَكْرُوه تَنْزِيها بِجَامِع الاباحة اهـ. وَقَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِمَا، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَعَاطِيهِ حَالَ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَمِمَّنْ جَزَمَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ قَهْوَةِ الْبَنْ، وَقَدْ حَرَّمَهَا بَعْضُهُمْ وَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَفَتَاوَى المُصَنّف وحاشية الاشباه للرملي. قَالَ شيخ الشَّارِح النَّجْم الْغَزِّي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّاذِلِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْعَيْدَرُوسِ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْقَهْوَةَ لَمَّا مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ بِشَجَرِ الْبُنِّ فَاقْتَاتَ مِنْ ثَمَرِهِ، فَوَجَدَ فِيهِ تَجْفِيفًا لِلدِّمَاغِ وَاجْتِلَابًا لِلسَّهَرِ وَتَنْشِيطًا لِلْعِبَادَةِ، فَاِتَّخَذَهُ قُوتًا وَطَعَامًا وَأَرْشَدَ أَتْبَاعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ: فَحَرَّمَهَا جَمَاعَةٌ ترجح عِنْدهم أَنَّهَا مُضِرَّةٌ آخِرُهُمْ بِالشَّامِ وَالِدُ شَيْخِنَا الْعِيتَاوِيِّ والقطب بن سُلْطَانٍ الْحَنَفِيِّ وَبِمِصْرِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا شُبْهَة فِي تَحْرِيمه اهـ مُلَخَّصًا. خَاتِمَةٌ: سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِأَكْلِ نَحْوِ الْأَفْيُونِ وَصَارَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ هَلَكَ. فَأَجَابَ: إنْ عُلِمَ ذَلِكَ قَطْعًا حَلَّ لَهُ، بَلْ وَجَبَ لِاضْطِرَارِهِ إلَى إبْقَاء روحه كالميتة لمضطر، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّدْرِيجُ فِي تَنْقِيصِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَزُولَ تَوَلُّعُ الْمَعِدَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْعُرَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ فَاسق اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تُخَالِفُهُ. فَرْعٌ: قدمنَا فِي الْحَظْر والاباحة عَن التاترخانية أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ مَا يَذْهَبُ بِالْعَقْلِ لِقَطْعِ نَحْوِ أَكْلِهِ. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَحْوِ بَنْجٍ مِنْ غَيْرِ الْمَائِعِ، وَقَيَّدَهُ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 كِتَابُ الصَّيْدِ مَصْدَرُ صَادَهُ: إذَا أَخَذَهُ فَهُوَ صَائِدٌ وَذَاكَ مَصِيدٌ، وَيُسَمَّى الْمَصِيدُ صَيْدًا فَيُجْمَعُ صَيُودًا، وَهُوَ كُلُّ مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ طَبْعًا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ. مُغْرِبٌ، فَخَرَجَ بِالْمُمْتَنِعِ مِثْلُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ، إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوَائِمُ أَوْ جَنَاحَانِ يَمْلِكُ عَلَيْهِمَا وَيَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَبِالْمُتَوَحِّشِ مِثْلُ الْحمام، إِذا مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْلَفَ النَّاسَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَبِطَبْعًا مَا يَتَوَحَّشُ مِنْ الْأَهْلِيَّاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ وَتَحِلُّ بِذَكَاةِ الضَّرُورَةِ وَدَخَلَ بِهِ مُتَوَحِّشٌ بِإِلْفٍ كَالظَّبْيِ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَيْ فَالظَّبْيُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَأْلَفُ بَعْدَ الْأَخْذِ إلَّا أَنَّهُ صَيْدٌ قَبْلَهُ يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ) وَقِيلَ: الْغَفْلَةَ وَاللَّهْوَ، لِحَدِيثِ: مَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَدْ غَفَلَ وَفِي السَّعْدِيَّةِ: وَلِأَنَّ الصَّيْدَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْأَشْرِبَةِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا فِيهِ مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: (بِخَمْسَة عشر شوطا) خَمْسَةٌ فِي الصَّائِدِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أهل الذَّكَاة، وَأَن يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِنَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قبل أَن يصل إِلَى ذبحه اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْمِنَحِ، ومجموع هَذِه الشُّرُوط لما يحل الله وَلم يُدْرِكهُ حَيا. قَوْله: (فِي غير الْحَرَام) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ فِي الْحَرَمِ لِيَشْمَلَ الصُّور الثَّلَاث وَهِي: صيد الْمُحَرَّمُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّهْوِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ فِي الْحَظْرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ إلَّا لِلتَّلَهِّي أَوْ حِرْفَةً. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَيُكْرَهُ لِلتَّلَهِّي، وَأَنْ يُتَّخَذَ خَمْرًا، وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ) وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى إبَاحَةِ الِاصْطِيَادِ بَعْدَ اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ إلَخْ) أَيْ أَنْوَاعُهُ الْمُبَاحَةُ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ بِالرِّبَا وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيح) قَالَ بعده فِي التاترخانية، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الزِّرَاعَةُ مَذْمُومَةٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ. وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَن الزِّرَاعَة أفضل اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ: أَفْضَلُهُ الْجِهَادُ، ثُمَّ التِّجَارَةُ، ثمَّ الحراثة، ثمَّ الصِّنَاعَة اهـ. أَقُولُ: فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ أَنَّهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ لَا يُذَمُّ بَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا تَارَةً يَتَّخِذُهُ الْإِنْسَانُ حِرْفَةً وَمَعَاشًا، وَتَارَةً يَفْعَلُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ فِي بعض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 الْأَحْيَانِ، وَحَيْثُ كَانَ الِاصْطِيَادُ نَوْعًا مِنْهَا دَلَّ على إِبَاحَة اتخذاه حِرْفَةً وَلَا سِيَّمَا مَعَ إطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَعِبَارَاتُ الْمُتُونِ: وَالْكَرَاهَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَمَا قِيلَ إنَّ فِيهِ إزْهَاقَ الرُّوحِ وَهُوَ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ غَيْرَهُ كَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ أفضل مِنْهُ. وَفِي التاترخانية قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذْ طَلَبَ الصَّيْدَ لَهْوًا وَلَعِبًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من بيع أَو إدام حَاجَة أُخْرَى فَلَا بَأْس بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (تَعْقِلُ) بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْقَافِ أَيْ عَلِقَ وَنَشِبَ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ مَصْنُوعٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَ الْمُقَلِّشُ) بِالْقَافِ: وَهُوَ الَّذِي يُفَتِّشُ الْمَزَابِلَ بِيَدِهِ أَوْ بِالْغِرْبَالِ لِيُسْتَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ النُّقُودِ وَغَيْرِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظٌ عَامِّيٌّ غَيْرُ عَرَبِيٍّ، فَلْتُرَاجِعْ كُتُبَ اللُّغَةِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِبَابِ الصَّيْدِ، وَمَحَلُّهَا كِتَابُ اللُّقَطَةِ. حَمَوِيٌّ مُلَخَّصًا. وَوُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنَحِ الْمُفَتِّشُ. قَوْلُهُ: (بِضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) أَمَّا الْمَضْرُوبُ بِضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ رِكَازٌ يُخَمَّسُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الضَّرْبُ بِجعْل جَاهِلِيًّا ط. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ) إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا ط. قَوْلُهُ: (نَاقِلٌ) أَيْ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ: وَخِلَافَةٍ أَيْ ذُو خِلَافَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ حَقِيقَةً) شَمِلَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى عَدِّهِ قِسْمًا رَابِعًا كَمَا فَعَلَ الْحَمَوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِصَيْدٍ لَا لِجَفَافٍ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ. قَوْلِهِ: لِصَيْدٍ لِيَشْمَلَ مَا إِذا لم يقْصد شَيْئا، لما فِي التاترخانية والظهيرية: الِاسْتِيلَاء الْحكمِي بِاسْتِعْمَال مَا هُوَ مَوضِع لِلِاصْطِيَادِ، حَتَّى إنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ قَصَدَ بِهَا الِاصْطِيَادَ أَوْ لَا، فَلَوْ نَصَبَهَا لِلتَّجْفِيفِ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ نَصَبَ فُسْطَاطًا إنْ قَصَدَ الصَّيْدَ يَمْلِكُهُ، وَإِلَّا فَلَا لانه غير مَوْضُوع للصَّيْد، اهـ مُلَخَّصًا. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُبَاحِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِيلَاءِ. قَوْله: (عَن مَالك) أَيْ مِلْكِ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى حَطَبِ غَيْرِهِ) أَيْ بِأَنْ جَمَعَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَحِلَّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ مِلْكِ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ) أَيْ عَلَى السَّبَبِ الثَّالِثِ فِي المطولات، مِنْهَا مَا فِي التاترخانية وَغَيْرِهَا عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ فَلَمَّا رَآهُ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَصَارَ بِحَالٍ يقدر على أَخذه بِلَا اصطياده بِشَبَكَةٍ أَوْ سَهْمٍ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَغْلَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ. وَلَوْ نَصَبَ حَبَّالَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَقَطَعَهَا وَانْفَلَتَ فَأَخَذَهُ آخَرُ مَلَكَهُ، وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحَبَّالَةِ لِيَأْخُذَهُ وَدَنَا مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَانْفَلَتَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ. وَكَذَا لَوْ انْفَلَتَ مِنْ الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ، لَا لَو رمى بِهِ خَارِجَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَوَقع فِي المَاء اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَتَمَامُ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ كَمَا لَا يَخْفَى، قَوْلُهُ: (تَقَدَّمَا فِي الذَّبَائِح) يُشِير إِلَى أَن المُرَاد بِهِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ سَبُعٌ لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ الْبَعِيرِ وَالْحَمَامَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا لَا نَابَ لَهُ وَلَا مِخْلَبَ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِأَنَّهُ لم يجرح كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. قَوْلُهُ: (وَبَازٍ) فِي الصِّحَاحِ: الْبَازُ لُغَةً فِي الْبَازِي الَّذِي يَصِيدُ وَالْجَمْعُ أَبْوَازٌ وَبِيزَانٌ وَجَمْعُ الْبَازِي بُزَاةٌ، فَالْأَوَّلُ أَجْوَفُ، وَالثَّانِي نَاقِصٌ، فَظَهَرَ مِنْهُ لَحْنُ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاء: الْبَازِي بتَشْديد الْيَاء وتخفيها. كَذَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: أَيْ حَيْثُ جَوَّزُوا فِيهِ التَّشْدِيدَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ. قَوْلُهُ: (بِدُبٍّ وَأَسَدٍ) ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ الثَّلَاثَةَ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِمَا التَّعْلِيمَ) حَتَّى لَو تصور التَّعْلِيم مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ إلَخْ) هُوَ بَحْثٌ لِلْمُصَنِّفِ: أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ نَجَاسَةُ عَيْنِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ وَإِذَا بَنَيْنَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْخِنْزِيرِ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ بِالْكَلْبِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: (هُوَ شَيْطَانٌ) وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَمَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ كَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ. وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ والاخبار اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد. قَوْلُهُ: (وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يَحِلُّ صَيْدُ كُلِّ ذِي نَابٍ، كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالدُّبِّ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْخِنْزِير لكنه نَجِسَ الْعَيْنِ، وَالْأَسَدُ وَالدُّبُّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِلْغَيْرِ. وَقَدْ يُلْحَقُ الْحَدَأَةُ بِالدُّبِّ. مُضْمَرَاتٌ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الشَّرْطُ قَبُولُ التَّعْلِيمِ. وَمَا قَالَ السِّغْنَاقِيُّ: إنَّ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا التَّعْلِيمُ، فَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ وَالْخِنْزِيرُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعين عِنْد بَعضهم، وَقد حل بالِاتِّفَاقِ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: الْبَحْثُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَسَدِ وَالدُّبِّ. وَفِي التَّعْلِيلِ: لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبُولُ التَّعْلِيمِ فَيَحِلُّ بِكُلِّ مُعَلَّمٍ وَلَوْ خِنْزِيرًا، وَكَوْنُهُ نَجِسَ الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَلْبَ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ حِلِّ صَيْدِهِ، وَوَجْهُ الدّفع الَّذِي أَفَادَهُ الشَّارِح الْفَاصِل أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْكَلْبِ، وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ دَفَعَ بِهِ الشَّارِحُ شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ الْكَلْبِ بالخنزير فِي عدم الصَّيْدِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ. وَالثَّانِي: مَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ فِي حِلِّ الصَّيْدِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلْبَ وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخِنْزِيرَ وَإِنْ دَخَلَ ظَاهِرًا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: * (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ) * (الْمَائِدَة: 4) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 لَكِنَّهُ مُسْتَثْنًى لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ حَتَّى يُتَّبَعَ بَلْ أُمِرْنَا بِاجْتِنَابِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْكَلْبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَزَمَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ وَالِاخْتِيَارِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْفَاضِلِ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ وَنَسَبَهُ بَعضهم للغفلة وَهُوَ برِئ عَنْهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّهُ. نَعَمْ فَاتَهُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، لَكِنْ تَرَكَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَالتَّعْلِيلُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا) بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَقَوله تَعَالَى: * (مكلبين) * أَيْ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ * (تُعَلِّمُونَهُنَّ) * (الْمَائِدَة: 4) تُؤَدِّبُوهُنَّ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ التَّعْلِيمِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ مغن عَن ذَاك. قَوْلُهُ: (وَذَا) أَيْ الْعِلْمُ، وَالْبَاءُ فِي بِتَرْكِ لِلتَّصْوِيرِ ط. قَوْلُهُ: (بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) أَيْ مُتَوَالِيَات. قُهُسْتَانِيّ. وَهَذَا عِنْدهمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدُ الِاحْتِمَالِ، فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْجُوعِ لَا الشِّبَعِ فَتَأَمَّلْ. وَعَمَّ أَكْلُهُ مِنْ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَالْجَنَاحِ وَالظُّفْرِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي قاضيخان وَغَيْرِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ وَأَنَّهُ مُعَلَّمٌ وَلَا يُقَدِّرُ بِالثَّلَاثِ. وَمَشَى فِي الْكَنْزِ وَالنُّقَايَةِ وَالِاصْطِلَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالثَّلَاثِ، وَظَاهِرُ الْمُلْتَقَى تَرْجِيحُ عَدَمِهِ. ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ عَنْ الْإِمَامِ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا، وَعِنْدَهُمَا فِي حِلِّ الثَّالِثِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي نَابٍ فَشَمِلَ نَحْو الفهد وَالتَّمْر، وَقَوْلُهُ: بِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي وَنَحْوِهِ أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَة لَان بدن الْبَازِي لَا يحْتَمل الضَّرْبَ وَبَدَنُ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ فَيُضْرَبُ لِيَتْرُكَهُ، وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً وَالْبَازِي مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرُ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ. أَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَلُوفٌ يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ، فَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ اهـ. وَالتَّعْلِيلُ الثَّانِي لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ، فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَنَحْوُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَفِي التاترخانية عَنْ الْكَافِي: وَالْحُكْمُ فِي الْفَهْدِ وَالْكَلْبِ سَوَاءٌ اهـ. أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الْأَكْلِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ، وَعَادَتُهُ الِافْتِرَاسُ وَالنِّفَارُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةُ جَمِيعًا، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعْلِيلِ الثَّانِي. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى اعْتِمَادِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحُ مَا مَرَّ، فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْبَازِيَ بِكَمْ إجَابَةً يَصِيرُ مُعَلَّمًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكَلْبِ وَلَوْ قِيلَ: يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ، بِخِلَافِ الْكَلْب. زَيْلَعِيّ. قلت: وَفِي التاترخانية وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا: إذَا فَرَّ الْبَازِي مِنْ صَاحِبِهِ فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى حَكَمَ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا إِذا أجَاب ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْوِلَاءِ يُحْكَمُ بِتَعَلُّمِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الْبَازِي وَمَا بِمَعْنَاهُ فَتَرْكُ الْأَكْلِ فِي حَقِّهِ لَيْسَ عَلَامَةَ تَعَلُّمِهِ بَلْ أَنْ يُجِيبَ صَاحِبَهُ إِذا دَعَاهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 حَتَّى إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هَذَا إذَا أَجَابَ عِنْدَ الدَّعْوَةِ لِإِلْفِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَعَ فِي اللَّحْمِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُجِيبُ إلَّا لِطَمَعٍ فِي اللَّحْمِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إذَا دَعَوْته) أَيْ دَعَوْت الْجَارِحَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْمَقَامِ. قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ جرحهما) أَي ذِي نَاب وَالْمِخْلَبِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْبَدَائِعِ الِاصْطِيَادُ بِذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَجْرَحْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ. زَادَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا: وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ مَا فِي الْمُتُونِ. فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ مِنْ أَنَّ الْبَازِيَ وَالصَّقْرَ: لَوْ قَتَلَاهُ خَنْقًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ مُشْكِلٌ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَكَسَرَ عُنُقَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ: أَيْ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَخَنَقَهُ لَا يُؤْكَلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ، وَالْبَازِي إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يجرح اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. أَقُول: يُؤَيّدهُ أَنه ذكر بعد قَوْله عَن أَبِي يُوسُفَ، فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ حَمْلِهِ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا فِي النَّظْمِ وَرَدَّهُ قَوْله ذَلِكَ الْبَعْضِ فِيهِ نَظَرٌ، لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَةِ مَا فِي النَّظْمِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ. تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْإِدْمَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ إرْسَالِ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَهُوَ الْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، فَلَوْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ أَحَدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ. قُهُسْتَانِيٌّ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ التَّسْمِيَةِ) أَيْ مِمَّنْ يَعْقِلُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِرْسَالِ) فَالشَّرْطُ اقْتِرَانُ التَّسْمِيَةِ بِهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ ثُمَّ زَجَرَهُ مَعَهَا فَانْزَجَرَ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. فَلَا تعْتَبر التَّسْمِيَة وَقت الاصابة فِي الذَّكَاة الاضطراية، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقَعُ فِيهَا عَلَى الْمَذْبُوحِ لَا عَلَى الْآلَةِ، فَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ أَرْسَلَهَا وَذَبَحَ أُخْرَى بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ تُجْزِهِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبًا فَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ سكينا أُخْرَى فذبح بهَا تُؤْكَل، يخلاف مالو سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُكْمًا) رَاجِعٌ إلَى التَّسْمِيَةِ وَقَصَدَ بِهِ إدْخَالَ النَّاسِي فِي حُكْمِ الْمُسَمِّي ط. قَوْلُهُ: (عَلَى حَيَوَانٍ وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ،. فَلَوْ أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ صَيُودًا أَكَلَ لِكُلٍّ مَا دَامَ فِي وَجْهِ الْإِرْسَالِ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيُودٍ كَثِيرَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ أَوْ الرَّمْيُ عَلَى الصَّيْدِ أَوْ إلَيْهِ. قَالَ: حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ عَلَى غَيْرِ صَيْدٍ أَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اصْطِيَادًا فَلَا يُضَافُ إلَى الْمُرْسِلِ أَوْ الرَّمْي اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (سَمِعَ حِسَّ إنْسَانٍ إلَخْ) ، وَعَلَيْهِ فَالظَّرْفُ تُنَازِعُهُ كُلٌّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْإِرْسَالِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (مُتَوَحِّشٌ) أَيْ طَبْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ رَمَى إلَى بُرْجِ الْحَمَامِ فَأَصَابَ حَماما وَمَات قبل أَن يُدْرِكهُ ذَكَاتَهُ لَا يَحِلُّ، وَلِلْمَشَايِخِ فِيهِ كَلَامٌ أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ أَمْ لَا؟ قِيلَ: يُبَاح لَان صَيْدٌ، وَقِيلَ: لَا لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى الْبُرْجِ فِي اللَّيْل اهـ. قَوْلُهُ: (فَاَلَّذِي إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ) أَيْ الْحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ، فإت الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ ذَكَاتُهُمَا الذَّبْحُ، وَكَذَا الثَّانِي إنْ أَمْكَنَ ذَبْحُهُ، وَإِلَّا فَفِي الْبَدَائِعِ: مَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلَا ذبحه فذكاة الصَّيْد لكَونه فِي مَعْنَاهُ اهـ. وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْجُرْحُ كَنَعَمٍ تَوَحَّشَ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الصَّيْدِ بِذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ وَذَا لَا يُمْكِنُ هُنَا وَإِنْ أَمْكَنَ ذَكَاتُهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلِذَا قَالَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الذَّبْحِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ مَا يُؤْكَلُ أَوْ أَعَمُّ للِانْتِفَاع بجلده، وَلَا يحل شئ مِمَّا ذُكِرَ بِالِاصْطِيَادِ لَا لِلْأَكْلِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ، لِأَنَّ حِلَّ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ بِالِاصْطِيَادِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ تُمْكِنْ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، وَمَا ذُكِرَ أَمْكَنَتْ فِيهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الِامْتِنَاعِ أَو التوحش، فَافْهَم. قَوْله: (وبشرط أَلا يَشْرَكَ إلَخْ) أَيْ لَا يَشْرَكَهُ فِي الْجُرْحِ. وَحَاصِل فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي الْأَخْذِ وَالْجُرْحِ فَلَا يَحِلُّ، أَوْ فِي الْأَخْذِ فَقَطْ بِأَنْ فر من الاول فَرده الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ كُرِهَ أَكْلُهُ تَحْرِيمًا فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: تَنْزِيهًا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَجُوسِيٌّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْكَلْبَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنْ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ فَقَتَلَهُ الْأَوَّلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ وَالِاصْطِيَادُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ الْكَلْبُ عَلَيْهِ لِلْمُجَانَسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ مَا لَا يُصْطَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ ثُمَّ الْبَازِي كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يُرْسِلْ إلَخْ) الْعَطْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَلَّمٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ (وَكَلْبُ مَجُوسِيٍّ) تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ أَنْ لَا تَطُولَ وَقْفَتُهُ) أَيْ وَقْفَةُ الْمُعَلَّمِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَلَوْ أَكَلَ خُبْزًا بَعْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ بَالَ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ الطُّولِ أَمْرٌ غَيْرُ مَضْبُوطٍ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّيْدِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ تَشَاغَلَ فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ وَفَتَرَ عَنْ سُنَنِهِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِإِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ أَوْ أَنْ يَزْجُرَهُ صَاحِبُهُ وَيُسَمِّي فِيمَا يَحْتَمِلُ الزَّجْرَ فَيَنْزَجِرُ. بَدَائِعُ. وَإِذَا رَدَّ السَّهْمَ رِيحٌ إلَى وَرَائِهِ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يحل، وَكَذَا لَو رده حَائِطا أَوْ شَجَرَةٌ. وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَنَ) عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَسَمِعَ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَقَوله: واستخفى عطف وَتَفْسِير، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ) وَنَصُّهُ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 مِنْهَا: أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهر عدوه بِالْخِلَافِ وَلَكِن بِطَلَب الْفُرْصَةَ حَتَّى يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا عِنْدَنَا) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ نَادِرًا: فَفِي قَوْلٍ يَحْرُمُ، وَفِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَرْكِهِ لِلْأَكْلِ) اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَعْمُولِ عَامِلٍ ضَعُفَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ فَرْعِيَّتُهُ عَنْ غَيْرِهِ نَحْوَ * (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) * (الْأَعْرَاف: 451) . * (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) * (البروج: 61) . قَوْله: (ثَلَاث مَرَّات) أَي عِنْدهمَا بِرَأْي الصَّائِدِ عِنْدَهُ ط. قَوْلُهُ: (مَا صَادَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ تَرْكِهِ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا لَمْ يُحْرَزْ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدُ وَالْحُرْمَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ أَحْرَزَهُ فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ حَكَمَ بِجَهْلِ الْكَلْبِ مُسْتَنِدًا وهميا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَكَلَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ. عِنَايَةٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّادِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ) أَيْ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ (لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) . وَفِي التاترخانية: وَأَمَّا مَا بَاعَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ إذَا تَصَادَقَ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى جَهْلِ الْكَلْبِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرَهُ الْقُهسْتَانِيّ) حَيْثُ قَالَ: وَهَا هُنَا إِشْكَال فَإِن الحكم بالشئ لَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَحْكُمُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ الْمَيِّتَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلَدِ حُرِّيَّتَهَا اهـ. وَصُورَتُهَا فِيمَا ظَهَرَ لِي: أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَنَّهَا أَمَتُهُ زَوجهَا من أَب الْوَلَدِ فَأَثْبَتَ الْوَلَدُ حُرِّيَّتَهَا تَثْبُتُ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الرِّقُّ. تَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِالْحُرِّيَّةِ إنَّمَا سَرَى إلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ فَيَعْتِقُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّ الْوَلَد، وَكم من شئ يثبت ضمنا لَا قصدا اهـ مُلَخصا. نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أَمَتِهِ الْمَيِّتَةِ. تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُجَاب عَن الاشكال بِأَنَّهُ لَا ثَمَرَة تترتب عَلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، وَمَا قِيلَ الثَّمَرَةُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ لَوْ بَاعَهُ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ أَوْ لُزُومُ التَّوْبَةِ، فَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَائِتِ بِنَحْوِ الْأَكْلِ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ خِلَافِيَّةٌ كَمَا مَرَّ وَهَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 الْأَكْلُ مَعْصِيَةً قَبْلَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ حَتَّى تَلْزَمَ التَّوْبَةُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَصَقْرٍ فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ) بِأَنْ صَارَ لَا يُجِيبُ إذَا دَعَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ) فَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ ثَانِيًا بِأَنْ يُجِيبَ صَاحِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْوِلَاءِ كَمَا قدمْنَاهُ عَن التاترخانية. قَوْلُهُ: (أَكَلَ مَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ) حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَهَشَ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: وَهُوَ أَخْذُ اللَّحْمِ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ) أَيْ مُرْسل الْكَلْب أَو الْبَازِي، وَقَوله: أَو الزامي أَيْ رَامِي سَهْمٍ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ مَبْسُوطًا. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِ الْآلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ آلَتَيْ الِاصْطِيَادِ، لِأَنَّهَا إمَّا حَيَوَانِيَّةٌ أَوْ جَمَادِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (التَّسْمِيَةُ) أَيْ عِنْدَ الرَّمْيِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُكْمًا) كَالنَّاسِي. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ الْجُرْحُ) فَلَو دقه السهْم لَو يُؤْكَلْ لِفَقْدِ الذَّكَاةِ، وَفِي خُرُوجِ الدَّمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط. قَوْلُهُ: (لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ) أَيْ التَّطْهِيرِ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ الَّذِي أُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ أَنْ لَا يعْقد) أَيْ الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّامِي الصَّيْدِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. بَدَائِعُ: أَيْ كَخَادِمِهِ أَوْ رَفِيقِهِ. قَوْلُهُ: (مُتَحَامِلًا) التَّحَامُلُ فِي الْمَشْيِ: أَنْ يَتَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَإِعْيَاءٍ، وَمِنْهُ تَحَامَلَ الصَّيْدُ: أَيْ تَكَلَّفَ الطَّيَرَانَ. مُغْرِبٌ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ أَنَّهُ لَوْ غَابَ وَتَوَارَى بِدُونِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَعْلَمْ جُرْحَهُ يَقِينًا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (يَحِلُّ) أَيْ إلَّا إذَا وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ فَلَا يَحِلُّ. هِدَايَةٌ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ) هَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لَكِنَّهُ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمُفَادُهُ كَظَاهِرِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا نَصٌّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ، حَيْثُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ: إذَا رَمَيْت سهمك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يَنْتُنْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كره الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إِذْ لم يقْعد اهـ مُلَخَّصًا. وَأَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونَ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ، لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ إلَخْ. فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ جَعَلَ الشَّرْطَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمَ التَّوَارِي، أَوْ عَدَمَ الْقُعُودِ لِتَعْبِيرِهِ بِأَوْ، فَلَعَلَّ نُسْخَةَ الزَّيْلَعِيِّ بِالْوَاوِ فَقَالَ مَا قَالَ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ إلَخْ: أَيْ مَعَ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَإِذَا تَوَارَى الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ عَنْ الْمُرْسِلِ أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَوَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ لَيْسَ فِيهِ جُرْحٌ آخَرُ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ، لانه لَا يُسْتَطَاع الِامْتِنَاع عَن التواري عَن الْبَصَر فَيكون عفوا اهـ، وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَوْهَمَ خِلَافَهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَنْ يَلْحَقَهُ قَبْلَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ أَوْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ، فَإِنْ تَوَارَى عَنْهُ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَارَ عَنْهُ أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ أُكِلَ اسْتِحْسَانًا اهـ. وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ نُسْخَةَ الْخَانِيَّةِ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. تَنْبِيهٌ: فِيمَا ذُكِرَ إشْعَارٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الطَّلَبِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِنْ طَلَبَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَأْكُلْ، وَفِي الزِّيَادَاتِ: إنْ طَلَبَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أُكِلَ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. قُهُسْتَانِيٌّ. فُرُوعٌ: فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: رَمَى طَيْرًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَكَانَ لَوْ دَخَلَهُ بِخُفِّهِ أَدْرَكَهُ فَاشْتَغَلَ بِنَزْعِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا حَرَّمَهُ بَدِيعُ الدِّينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحِلُّ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَعَ الْخُفِّ إضَاعَةُ مَالٍ وَخِلَافُ الْعَادَةِ فَصَارَ كَنَزْعِ الثِّيَابِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةُ غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ. وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً أُحْبُولَةً وَسَمَّى وَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ وَمَاتَ مَجْرُوحًا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ كَانَ بِهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ كَمِنْجَلٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ وَجَرَحَهُ حَلَّ عِنْدَنَا، كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِصَيْدِ حِمَارِ الْوَحْشِ فَجَاءَهُ فَإِذَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ وَكَانَ سَمَّى عِنْدَ الْوَضْعِ لَا يَحِلُّ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ اهـ. وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا) أَيْ فِي الصَّيْدِ احْتِرَازًا عَمَّا يَأْتِي مِنْ الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (فَوْقَ ذَكَاةِ الْمَذْبُوحِ) صَوَابُهُ حَيَاةُ الْمَذْبُوحِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَعِيشَ يَوْمًا إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ ذَلِكَ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَنَحْوِهَا. وَعبارَته مَعَ شَرحه: لَو ذَكَّى الْمُنْخَنِقَةَ أَوْ الْمَوْقُوذَةَ وَبِهَا حَيَاةٌ حَلَّتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَوْنُهَا بِحَيْثُ تَبْقَى يَوْمًا شَرْطٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ تُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا اه. قَالَ فِي الْبَدَائِع: ذكر الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُفَسَّرًا فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ فَذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ، وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ مُدَّة كَالْيَوْمِ أَو كنصفه حلت اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ تَفْسِيرُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَمَا فَوْقَهَا. أَمَّا مَا فِي الْمَجْمَعِ فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لَهَا، تَأَمَّلْ. عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَيَاةِ مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 يُعْلَمُ أَنَّهَا تَعِيشُ بِهِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ فَذَبَحَهَا لَا تُؤْكَلُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا مِقْدَارُهَا) أَيْ مِقْدَارُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَعْتَبِرهَا هُنَا) أَيْ فِي الصَّيْدِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَمَّا إذَا شَقَّ الْكَلْبُ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَلَّ، لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ، كَمَا إِذا وَقعت شَاة فِي المَاء بعد مَا ذبحت اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ وَبَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يذكه حل أكله اهـ. زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقع ذَكَاة فيستغني عَن ذَكَاة أُخْرَى اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا فِيهِ حَيَاةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلذَّكَاةِ اسْتِغْنَاءً بِالذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ لَمْ يَحْرُمْ، لِأَنَّ مَوْتَهُ لَمْ يُضَفْ إلَى وُقُوعِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ هَذِهِ الْحَيَاةُ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيَاةُ وَإِنْ قَلَّتْ فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ لَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ خَفِيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ: فَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ مقدارها أكل اهـ مُلَخَّصًا: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُحْمَلَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ. وَيُخَالِفُ جَمِيعَ ذَلِكَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا وَلَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا فِي الْمَذْبُوحِ، بِأَن بقى: أَيْ الْكَلْبُ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مضطربا اضْطِرَاب الْمَذْبُوح فحلال، قَالَ الصد الشَّهِيدُ: بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا. وَعِنْدَهُ: لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ لَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة اهـ. ثُمَّ قَالَ: فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً بِجُرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيره من السبَاع، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لقَوْله تَعَالَى: * (إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) * (الْمَائِدَة: 3) فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَإِنْ أَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ مُطْلَقٌ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد اهـ. وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِمُقَابِلِ قَوْلِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ كَمَا فِي الْمَذْبُوحِ وَلَمْ يُذَكِّهِ، فَعَلَى مَا فِي الْخَانِية والظهيرية: يحل، وعَلى مَا الْعِنَايَةِ: يَحِلُّ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ، وَعَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: لَا يَحِلُّ أَصْلًا إلَّا بِالذَّكَاةِ، كَمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَحَكَى فِي الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ عَنْ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَالثَّالِثَ عَنْ الْجَصَّاصِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُله فِيمَا أَدْرَكَهُ وَأَخَذَهُ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ: فَإِنْ كَانَ وَقْتَ لَوْ أَخَذَهُ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أُكِلَ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُتَرَدِّيَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 جَبَلٍ. وَالنَّطِيحَةِ: الْمَقْتُولَةُ بِنَطْحِ أُخْرَى. وَالْمَوْقُوذَةُ: الْمَقْتُولَةُ ضَرْبًا. قَوْلُهُ: (كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ) أَيْ مِنْ تَقْيِيدِهِ مَا مَرَّ بِقَوْلِهِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَي فَتحل الذَّكَاة، وَكَذَا الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ مُطْلَقِ الْحَيَاةِ فِي الصَّيْدِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَهَا أَيْ الذَّكَاةَ) أَيْ ذَكَاةَ الصَّيْدِ، وَقَوله: حرم جَوَاب الشَّرْط مَه أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ لَكِنَّهُ لِبُعْدِهِ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ آلَةً أَصْلًا أَوْ يَجِدَ لَكِنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْآلَةِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلذَّابِحِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بعد الذّبْح. وَإِمَّا إِذا كَانَ مقله فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَيَحِلُّ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قُهُسْتَانِيٌّ، وَالتَّفْصِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي التَّبْيِينِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَصَّلَ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِير اهـ. وَفِي التاترخانية: وَإِنْ كَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ بِضِيقِ الْوَقْتِ، بِأَنْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِقْدَارُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الذَّبْحُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الغياثية وَهُوَ الْمُخْتَار. وَفِي الْيَنَابِيع: روى عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ: بِأَن هَذَا أصح اهـ. فَإِنْ قِيلَ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا حَيَاتُهُ فَوْقَ الْمَذْبُوحِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عَنْ الذَّبْحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ كَالْعَدَمِ لِكَوْنِ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ لَا يَسَعُ لِلذَّبْحِ فِيهِ فَكَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مُتَصَوَّرًا. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (إشَارَةً إلَى حِلِّهِ) حَيْثُ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْعَجْزَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ: لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي مثل هَذَا لَا يحل الْحَرَام اهـ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَاءِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُبِيحُ لَهُ تَنَاوُلَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِسَبَبِ قَوْلِهِ (عَنْ التَّذْكِيَةِ) أَفَادَهُ ط. تَنْبِيهٌ: رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عِنْدَ مَجُوسِيٍّ أَوْ نَائِمٍ: لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا يَقْدِرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَمَاتَ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْهَا هَذِهِ. خَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَأَرْسَلَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بعد مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَرَكَهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِالْأَقْوَى وَالْمُسَاوِي دُونَ الْأَدْنَى، فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ حَلَّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الزَّجْرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِ الزَّجْرِ دُونَهُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَبِالْعَكْسِ حَرُمَ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَإِنْ انْفَلَتَ وَلَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ لِأَنَّهُ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا زَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَهَابِهِ، فَلَو وقف ثمَّ جَرّه لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 قَوْلُهُ: (وَهُوَ سَهْمُ إلَخْ) فِي الْقَامُوسِ: مِعْرَاضٌ كَمِحْرَابٍ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِرَأْسِهِ حِدَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَرْضِهِ. قَوْلُهُ: (فَأَصَابَ بِحَدِّهِ) أَيْ وَجَرَحَ. قَوْلُهُ: (أَوْ بُنْدُقَةٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالدَّالِ: طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّقِيلَة لَا تحل وَإِن جرحت. قَالَ قاضيخان: لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ، لِأَنَّهُ لَا يخرق إِلَّا أَن يكون شئ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّدَهُ وَطُولُهُ كَالسَّهْمِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَرَقَهُ بِحَدِّهِ حَلَّ أَكْلُهُ، فَأَمَّا الْجُرْحُ الَّذِي يُدَقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْرِقُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ، وَمُثَقَّلُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ، إنْ خَزَقَ حل وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَالْخَزْقُ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: النَّفَاذُ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ خَطَأٌ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: بِالزَّايِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ، وَبِالرَّاءِ فِي الثَّوْبِ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ، وَإِنْ بِالثِّقَلِ أَوْشَكَ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجُرْحَ بِالرَّصَاصِ إنَّمَا هُوَ بالاحراق والثقل بِوَاسِطَة اندفاعه العنيف إِذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فَلَا يَحِلُّ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ ثَقِيلَةً أَوْ خَفِيفَةً. قَوْلُهُ: (وَشُرِطَ فِي الْجُرْحِ الْإِدْمَاءُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قِيلَ: لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ، وَشَرَطَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله بِقَوْلِهِ: أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ: يَحِلُّ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ ينحبس لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ. وَقِيلَ: لَوْ الْجِرَاحَةُ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِهِ وَلَوْ صَغِيرَةً فَلَا. وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ: فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ اهـ مُلَخصا. وَمثله فِي الْهِدَايَة. قَالَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقَى قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ، لِمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اللَّحْمِ، وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِدْمَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلْيتَأَمَّل اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُلْتَقَطِ اعْتِمَادُ اشْتِرَاطِهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُؤَيِّدهُ، وَقَدْ يُرَجَّحُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ بِمَا فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذَّبَائِحِ مِنْ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَةٌ علمت حَيَاتهَا وَإِن لم يَتَحَرَّك وَلم يخرج مِنْهَا دم، وَإِن لن تُعْلَمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَمَى صَيْدًا إلَخْ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذكره فِي إرْسَال الْكَلْب اهـ. زَيْلَعِيٌّ. وَنَحْوُهُ فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَوَقَعَ فِيهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، فَمِثْلُهُ إِذْ رَمَاهُ فِيهِ حَرُمَ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِالْمَاءِ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا حَلَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَمِلْ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: (مُلْتَقًى) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ أَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ قَتَلَهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ طَيْرُ الْمَاءِ لِأَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ إنَّمَا يَعِيشُ فِي الْمَار غير مَجْرُوح اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ، ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 قَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْلُهُ: (فَتَرَدَّى مِنْهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَرَدَّ يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ. وَهَذَا أَيْضا إِذا تردى يحل يَقَعْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ، إذْ لَوْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ بِقَدْرِ مَا فِي الْمَذْبُوحِ ثُمَّ تَرَدَّى يَحِلُّ أَيْضًا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ. عِنَايَةٌ. وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْلُهُ: (إذْ الِاحْتِرَازُ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْآتِي: أُكِلَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: * (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) * (نوح: 52) وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ) أَيْ فِي ذَهَابِهِ، فَلَوْ وَقَفَ ثُمَّ زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (كَنَسْخِ الْحَدِيثِ) فَلَا يُنْسَخُ الصَّحِيحُ إلَّا بِصَحِيحٍ أَوْ أَصَحَّ لَا بِضَعِيفٍ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ) سَوَاءً أَخَذَ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ أَيْضًا أَوْ لَا بِشَرْطِ فَوْرِ الْإِرْسَالِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ آخَرَ عَلَى فَوْرِهِ ذَلِكَ ثُمَّ وَثُمَّ أَكَلَ الْكُلَّ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّيْدِ لانه لَا يُمكن فَصَارَ كووع السهْم بصيدين اهـ مُلَخَّصًا، وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَلَّ، وَلَوْ عَرَضَ بِهِ بعد مَا رَجَعَ لَا يَحِلُّ لِبُطْلَانِ الْإِرْسَالِ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَ غَيْرَ مَا رَمَاهُ حَلَّ كَمَا فِي قاضيخان، وَكَذَا لَو رمى صيدا فَأَصَابَهُ وَنفذ ثمص أَصَابَ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ حَلَّ الْكُلُّ كَمَا فِي النّظم اهـ. فَالْإِرْسَالُ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَرَضَهُ إلَخْ) أَيْ غَرَضُ الْمُرْسِلِ حُصُولُ أَيِّ صَيْدٍ تَمَكَّنَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَة: وَلنَا أَنه: أَي التعين شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ، إذْ لَا يَقْدِرُ: أَيْ الْكَلْبُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ: أَي بِأخذ الْعَيْنَ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ، عَلَى وَجْهٍ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ. قَوْلُهُ: (بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ حَالَةَ الْإِرْسَالِ. قَوْلُهُ: (لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعِلَلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (لَا الْعُضْوَ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَإِلَّا أَكَلَا. عِنَايَةٌ. وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ غَيْرِ الرَّأْسِ. نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ أَكَلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ) هَذَا وَإِنْ تَنَاوَلَ السَّمَكَ إلَّا أَنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ، هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ) أَيْ طُولًا أَوْ عَرْضًا. بَدَائِعُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ) الْقَدُّ: الْقَطْعُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 الْمُسْتَأْصِلُ أَوْ الْمُسْتَطِيلُ. قَامُوسٌ. وَالضَّمِيرُ لِلصَّيْدِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقَدِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ: إنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ طُولًا أُكِلَ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الطُّولَ غَيْرُ قَيْدٍ هُنَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْبَدَائِعِ بِقَوْلِهِ: يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ وُجِدَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ لِكَوْنِهَا مُتَّصِلَةٌ مِنْ الْقَلْبِ بِالدِّمَاغِ فَأَشْبَهَ الذَّبْحَ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ مِمَّا يَلِي الرَّأْس اهـ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهَذَا حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَبِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جبل أَو سطح لَا يحرم. وتماهه فِي الْهِدَايَةِ. أَقُولُ: وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ الصَّيْدُ يَعِيشُ بِدُونِ الْمُبَانِ فَالْمُبَانُ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ يُؤْكَلَانِ اهـ. حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ فَمِنْ أَيْنَ للبزازي مَا قَالَه؟ اهـ. قُلْت: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُهَا وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَعَ رَأْسِهِ) بِأَنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ أَلْيَةً أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ، فَيَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَدٍّ) وَلَوْ غُلَامًا مُرَاهِقًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ رِدَّتِهِ عِنْدَهُمَا. بَدَائِعُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، فَكَذَا ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يُثْخِنْهُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحَاتُ: أَوْهَنَتْهُ وَأَضْعَفَتْهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: * (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) * (الْأَنْفَال: 76) أَيْ يُكْثِرَ فِيهَا الْقَتْلَ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَحَلَّ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجرْح: أَي مَوضِع كَانَ وَقَدْ وُجِدَ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ) أَيْ يَنْجُو مِنْهُ. أَمَّا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَحْرُمُ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَصَارَ كَالرَّمْيِ إلَى الشَّاةِ. أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عشرَة فنقصه دِرْهَمَيْنِ ثمَّ رَمَاه الثَّانِي فنقصه دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ. زَيْلَعِيٌّ. وَفَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يُدْرَى فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الضَّمَانِ يَخْتَلِفُ وَحَقَّقَ الزَّيْلَعِيُّ عَدَمَ الْفَرْقِ، فَرَاجِعْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 تَتِمَّةٌ: بَقِيَ لَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَن يُصِيبهُ الاول أَو بعد مَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَا مَعًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ، حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ فَأَرْسَلَ آخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَيَحِلُّ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ حَافِظَةٍ لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ. بَدَائِعُ. قَوْلُهُ: (لِنَفْعٍ مَا) أَيْ وَلَوْ قَلِيلًا، وَالْهِرَّةُ لَوْ مُؤْذِيَةً لَا تُضْرَبُ وَلَا تُفْرَكُ أُذُنُهَا بَلْ تُذْبَحُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى إلَخْ) لِمَا فِيهِ من تَخْفيف الالم عَنهُ. وَقَالَ ط: وَالتَّقْيِيدُ بِالْكَلْبِ لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ يَطْهُرُ) أَيْ بِالِاصْطِيَادِ، وَكَذَا بِالذَّبْحِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الطَّهَارَةِ كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَ التَّسْمِيَةِ، فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الذَّبَائِحِ: اسْتَظْهَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ الِاشْتِرَاطَ، وَفِي الْبَحْرِ عَدَمَهُ. قَوْله: (كخنزير) تَمْثِيل لنجس الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَطْهُرُ أَصْلًا) أَيْ لَا جلده وَلَا لَحْمه وَلَا شئ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَصَحُّ) وَكَذَا صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مَعْزُوًّا لِلْكَافِي وَالْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (سَمِعَ حِسَّ إنْسَانٍ) أَيْ صَوْتَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حِينَ الرَّمْيِ يَعْلَمُ أَنَّهُ حِسُّ إنْسَانٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حس إِنْسَان أَو صيد فَلَا مُخَالفَة بَيْنَهُمَا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. قَوْلُهُ: (كَفَرَسٍ وَشَاةٍ) وَطَيْرٍ مُسْتَأْنِسٍ وَخِنْزِيرٍ أَهْلِيٍّ، فَالْمُرَادُ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ. قَوْلُهُ: (فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ، وَلَوْ أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعْيِينِهِ. هِدَايَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ رَمَاهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ: أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا فِي الْهِدَايَة، وَهَذَا أوجه ثمَّ ذكر لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ قَوْلَيْنِ: فِي قَوْلٍ يَحِلُّ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ. وَقَالَ: فَيَحْمِلُ مَا فِي الْهِدَايَة على رِوَايَة أبي يُوسُف اهـ. أَقُولُ: مَا فِي الْهِدَايَةِ أَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا وَمَشْي عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا: هَذِه الْكَلْب طَالِق أَنَّهَا تطلق وَيبْطل الِاسْم اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وَفِي التاترخانية وَغَيْرِهَا: وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ شَجَرَةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ هُوَ الْمُخْتَار اهـ. فَالْمُخْتَارُ مَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَ حِسَّ أَسَدٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ مُتَوَحِّشٍ، وَالْمُرَادُ كُلُّ مَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ. وَاسْتَثْنَى فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ جَرَادًا أَوْ سَمَكًا فَأَصَابَ غَيْرَهُمَا لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكَةٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَة فَأصَاب طائرا آخَرَ فَقَتَلَهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيح أَنه يُؤْكَل اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُشْكِلٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التاترخانية وَقَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ، وَرَأَيْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ نَاسِيًا وَهُوَ قَيْدٌ لَازِمٌ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَرَمَى إلَيْهِ) أَيْ وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ غَيْرَ مَا سَمِعَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِرْسَالَ كَالرَّمْيِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ صَوَابُهُ كَالرَّمْيِ. قَوْلُهُ: (حَلَّ) أَيْ الصَّيْدُ الْمُصَابُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ اصْطِيَادًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ. هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ) أَيْ الْمُصَابُ، كَمَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ لَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٌّ أَوْ لَا فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِئْنَاسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ لَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَوْ لَا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ، فَيُحْكَمُ عَلَى كُلٍّ بِظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الْجُرْحِ) فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِ الدَّمِ عَلَى وُجُودِ الْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ فِي غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ط. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ) إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ. وَهِيَ: حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا وَهُمَا فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَمَاتَ فِيهِ أَوْ فِي الْحِلِّ لَا يُؤْكَلُ، وَفِيمَا عَداهَا فَالْعِبْرَة بِحَالَة الرَّمْي. تاترخانية: أَيْ فِي حَقِّ الْأَكْلِ. أَمَّا فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَرَمَى بَعْدَهُ آخَرُ فَأَصَابَهُ الثَّانِي وَأَثْخَنَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: (فَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوَ * (اهْبِطْ بِسَلامٍ) * (هود: 84) أَيْ مَعَ رِدَّتِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَيَحِلُّ لِأَنَّهُ حِين الرَّمْي كَانَ مُسلما، وَكَذَا يَحِلُّ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَانْكَسَرَ الصَّيْدُ بِسَبَبٍ آخَرَ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّمْيِ كَانَ صَيْدًا. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَاهُ مُرْتَدًّا. قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ) أَيْ بِتَحَلُّلِهِ مِنْ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: (لَا بِإِحْرَامِهِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 أَي إِذا رَمَاه حَلَالا. وَفِي التاترخانية: حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ أَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِيهِ لَا يَحِلُّ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لِوُقُوعِ الشَّكِّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْبَازِي الَّذِي طَبْعُهُ الِاصْطِيَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ. بِخِلَافِ الذَّابِحِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَأَنَّهُ سَمَّى، وَاحْتِمَالُ عَدَمِ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ الَّذِي يُبَاعُ فِي السُّوقِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التَّحْرِيمِ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَأَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَذَبَحَهُ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى احْتِمَالُ أَنَّهُ تَرَكَهُ إبَاحَةً لِلنَّاسِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ ط. قَوْلُهُ: (إبَاحَةً لِلنَّاسِ) قَدْ شَاهَدْنَا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ مَنْ يَفْعَلُهُ لِذَلِكَ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ حَالِ صَاحِبِهِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ، فَهُوَ كَصَرِيحِ قَوْلِهِ أَبَحْته لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَخُصُوصًا الذَّبَائِحُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مِنًى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِي يَحْتَمِلُ) فِيهِ أَنَّ احْتِمَالَ الثَّانِي كَون الذَّبَائِح هُوَ الْمَالِكُ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ تَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مِمَّا يَسْكُنُهُ أَوْ يَسْلُكُ فِيهِ مَجُوسِيٌّ لَا يُؤْكَلُ وَإِلَّا أُكِلَ، وَلَا يعْتَرض بِشَأْنِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ التَّسْمِيَةُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا دِينًا، وَخِلَافُ هَذَا مَوْهُومٌ لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ اه ح. أَقُول: وَيُؤَيّد اعْتِبَار الْموضع مَا قَالُوا فِي اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يُوجَدُ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَقَرْيَتِهِمْ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ. قَوْلُهُ: (وَرَأَيْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلتَّفْرِقَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ التَّضْحِيَةِ بِشَاةِ الْغَصْبِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّتِهَا بِشَاةِ الْوَدِيعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ: هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 قَوْلُهُ: (لَا تُطْعِمْهُ كَلْبًا) الْإِطْعَامُ حَمْلُهُ إلَيْهِ. وَأما حمل الْكَلْب إِلَيْهِ فكحمل الْهِرَّة الْميتَة جَائِزٌ. شُرُنْبُلَالِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَمْلِيكَ عُصْفُورٍ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ أجر مُقَدَّمٌ: أَيْ تَمْلِيكَهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته لِمَنْ أَخَذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِبَاحَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِبَاحَةُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ؟ خِلَافٌ. قَوْلُهُ: (وَإِعْتَاقَهُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يُنْكِرُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يُنْكِرُ أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحُرْمَة اهـ ش. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ: (جَازَ أَخْذُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُبِحْهُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَقِشْرٍ لِرُمَّانٍ) تَشْبِيهٌ مِنْ حَيْثُ حِلُّ الْأَخْذِ، وَأَمَّا مِلْكُهُ وَمَنْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. وَفِي الصَّيْدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا لَمْ يُبِحْهُ، وَكَذَا فِي الدَّابَّةِ إذَا سَيَّبَهَا كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَأَيُّ حَلَالٍ) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ مُحْرِمًا وَلَا فِي أَرْضِ الْحَرَمِ وَرَأَى صَيْدًا لَمْ يَصِدْهُ غَيْرُهُ وَلَا نَفَرَ: أَيْ هَرَبَ مِمَّنْ هُوَ مَالِكُهُ وَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ. وَالْجَوَابُ: رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَلَمَّا رَآهُ غلب بَابَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ مَلَكَهُ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ، أَوْ الْمُرَادُ: لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الدَّارِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 كتاب الرَّهْن هُوَ مَشْرُوعٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) * (الْبَقَرَة: 382) وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَمِنْ مَحَاسِنِهِ النَّظَرُ لِجَانِبِ الدَّائِنِ بِأَمْنِ حَقِّهِ عَنْ التَّوَى، وَلِجَانِبِ الْمَدْيُونِ بِتَقْلِيلِ خِصَامِ الدَّائِنِ لَهُ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ إذَا عَجَزَ. وَرُكْنُهُ: الْإِيجَابُ فَقَطْ أَوْ هُوَ وَالْقَبُول كَمَا يجِئ. وَشُرُوطُهُ تَأْتِي. وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالسَّفَرِ فِي الْآيَة، لَان الْغَالِب أَنه لَا يتَمَكَّن فِي مِنْ الْكِتَابَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (هُوَ لُغَة حبس الشئ) أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ. قَالَ تَعَالَى: * (كُلُّ نفس بِمَا كسبت رهينة) * (الْكَوْثَر: 83) أَيْ مَحْبُوسَةٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ، وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ. وَالرَّهِينُ وَالرَّهِينَةُ الرَّهْنُ أَيْضًا، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ. وَالرَّاهِنُ: الْمَالِكُ، وَالْمُرْتَهِنُ آخِذُ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (أَيْ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا) قَالَ فِي إيضَاحِ الاصلاح: هُوَ جعل الشئ مَحْبُوسًا بِحَق، لم يقل حبس الشئ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ، بِخِلَاف الْجَاعِل إِيَّاه مَحْبُوسًا اهـ. ح وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بل ذَلِك بِالْقَبْضِ اهـ. سَعْدِيٌّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، فَلَوْ أُكْرِهَ الْمَالِكُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا كَمَا فِي الْكُبْرَى فَلَا عَلَيْهِ ذكر الاذن كَمَا ظن اهـ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ تَكُونُ رَهْنًا إنْ رَضِيَ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (بِحَقٍّ) أَيْ بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ وَلَوْ مَجْهُولًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالْيَمِينِ. قُهُسْتَانِيٌّ، وَدَخَلَ فِيهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ بِهِ الْكفَالَة كَمَا فِي الْمِعْرَاج عَن الْخَانِية. قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ هَذَا الْحَقِّ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَفْسُدُ كَالثَّلْجِ، وَعَنْ نَحْوِ الْأَمَانَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَأَمَّا الْخَمْرُ فَهُوَ مَالٌ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِتَوْكِيلِ ذِمِّيٍّ يَبِيعُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهن والراهن من أهل الذِّمَّة اهـ. لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَهْنُهُ وَلَا ارْتِهَانُهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَإِنْ ضَمِنَهُ لِلذِّمِّيِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (كُلًّا أَوْ بَعْضًا) تَمْيِيزَانِ مِنْ هَاءِ اسْتِيفَاؤُهُ الرَّاجِعَةِ إلَى الْحق الَّذِي هُوَ الدّين اهـ. فَهُمَا مُحَوَّلَانِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَفْعُولُ فِي الْمَعْنَى، إذْ الْأَصْلُ اسْتِيفَاءُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (كَالدَّيْنِ) تَمْثِيلٌ لِلْحَقِّ. قَوْلُهُ: (كَافٍ الِاسْتِقْصَاءَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّمْثِيلِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا سِوَى الدَّيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى هَذَا جَعْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّيْنَ شَامِلًا لِلْعَيْنِ، أَمَّا لَوْ أَطْلَقَهُ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَافِ لِلتَّمْثِيلِ، بِأَنْ يُرَادَ بِالدَّيْنِ الدَّيْنُ حَقِيقَةً. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: أَوْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وجد حرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 أَوْ خَمْرًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَكَثَمَنِ ذَبِيحَةٍ وَبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَإِنْ وُجِدَتْ مَيِّتَةً أَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ ظَاهِرًا، وَهُوَ كَافٍ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ دَيْنٍ مَوْعُودٍ كَمَا سَيَأْتِي. دُرَرٌ. أَيْ فالرهن مَضْمُون. وَذكر الْقَدُورِيّ: أَنه لَا شئ بِهَلَاكِهِ: كَمَا لَوْ رُهِنَ بِالْحُرِّ وَالْخَمْرِ ابْتِدَاءً. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ رَهْنٍ فَاسِدٍ مَضْمُونٌ بِالْأَكْلِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) وَيُقَالُ لَهَا: الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا لِقِيَامِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مَقَامَهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سيجئ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَعَنْ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ، فَالرَّهْنُ بِهَذَيْنِ بَاطِلٌ وَسَمَّاهَا دَيْنًا حُكْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ إنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَلِكَ دَيْنٌ. وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ إِلَّا بعد الْهَلَاك، وَلكنه عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ والزيلعي. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ) كرهنتك بِمَالك عَليّ من الدّين أَو خُذ هَذَا الشئ رَهْنًا بِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَفْظُ الرَّهْنِ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَقَبُولٌ) كَارْتَهَنْتُهُ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ أَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ، فَالْقَبُولُ رُكْنٌ كَالْإِيجَابِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ، وَلِذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْإِيجَابِ عِلَّةً لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الثَّانِي، وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ التعاطي. قَوْلُهُ: (غَيْرُ لَازِمٍ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِأَنَّ الرَّاهِن لَا يسْتَوْجب بمقابلته على الْمُرْتَهن شَيْئا. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين إِذا انْعَقَدَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيُغْنِي عَنْهُ فَاءُ التَّفْرِيعِ كَمَا أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَقَبَضَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَرِيحًا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَعَدْلٍ. هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا. وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ سَاكِتٌ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ رَهْنًا. فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (حَالَ كَوْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ. عَيْنِيٌّ. وَأَفَادَ بِهَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَلَوْ اتَّصَلَ أَوْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ كَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَائِعًا. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، فَلَوْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ عِنْدَ الْقَبْضِ صَارَ صَحِيحًا لَازِمًا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (محوزا) من الْحَوْز: وَهُوَ الْجمع وَضم الشئ. قَامُوسٌ. وَانْظُرْ مَا فِي الدُّرَرِ. قَوْلُهُ: (كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) مِثَالٌ لِلْمُتَفَرِّقِ وَكَزَرْعٍ عَلَى أَرْضٍ: أَيْ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ لَمْ يُحَازَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمَعْنَى أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَحْوِهِمَا وَتَجْمَعْهُمَا، إذْ لَا يُمْكِنُ حِيَازَةُ ثَمَرٍ بِدُونِ شَجَرٍ وَلَا زَرْعٍ بِدُونِ أَرْضٍ ط. قَوْلُهُ: (لَا مَشْغُولًا) أَمَّا الشَّاغِلُ فَرَهْنُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: بِحَقِّ الرَّاهِنِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الشَّاغِلِ الَّذِي يَجُوزُ رَهْنُهُ بِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الثَّمَرِ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 الزَّرْعِ وَكَذَا الْبِنَاءُ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لَا مُشَاعًا) كَنِصْفِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ وَلَو من الشَّرِيك، وسيجئ تَمَامُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَحُوزًا. قَوْلُهُ: (خِلْقَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَسَيَتَّضِحُ) أَي فِي وَائِل الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (لَزِمَ) جَوَابُ إذَا. قَوْلُهُ: (شَرْطُ اللُّزُومِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْعَامَّةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِم ومختصر الطَّحَاوِيّ والكرخي اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ، فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا أَيْضًا الْجَوَاز باللزوم لَا باصحة كَمَا فَعَلُوا فِي الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ إلَّا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى) وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (قَبْضٌ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَسْلِيمًا فَمن ضَرُورَته وَالْحكم بِالْقَبْضِ. فَقَدْ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ. وَهُوَ فِعْلُ الْمُسلم دون المتسلم وَالْقَبْض فعل المتسلم اهـ. أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَالِيَّتَهُ مَضْمُونَةٌ، وَأَمَّا عَيْنُهُ فَأَمَانَةٌ. قَالَ فِي الِاخْتِيَار: وَيهْلك الرَّاهِنِ حَتَّى يُكَفِّنَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ اهـ. حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَإِن يَضْمَنُ جَمِيعَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ ضَاعَ، فارهن جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَغَيرهَا، وَشَمِلَ مَا لَوْ نَقَصَ بِعَيْبٍ. فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ رَهَنَا قِنًّا فَأَبَقَ سَقَطَ الرَّهْنُ، فَلَوْ وَجَدَهُ عَادَ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ لَوْ كَانَ أَوَّلَ إبَاقِهِ، وَإِلَّا فَلَا يسْقط شئ اهـ. وسيجئ آخِرَ الرَّهْنِ، وَشَمِلَ الرَّهْنَ الْفَاسِدَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ. تَنْبِيهٌ: ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَقِيمَةُ الْهَالِكِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ لَا يسْقط كل الدّين بهلاكه بل يقم الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْحَيِّ وَقِيمَةِ الْهَالِكِ، فَمَا أَصَابَ الْهَالِكَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْبَاقِي يَبْقَى، وَكَذَا إذَا رَهَنَ دَارًا بِأَلْفٍ وَخَرِبَتْ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقِيمَةِ الْعَرْصَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْبِنَاءَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْعَرَصَة يبْقى. كَذَا فِي الْمَبْسُوط اهـ. وَبَيَانه مَا فِي التاترخانية: رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَكله السوس قصار قِيمَته عشرَة فَإِنَّهُ يفتكه بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف اهـ: أَيْ لِأَنَّ الْهَالِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرَّهْنِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 الْبَزَّازِيَّةِ، فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ، وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي: لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ الدَّابَّةِ يَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ، وَأَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ الَّذِي صَارَ رَهْنًا تَبَعًا يَهْلِكُ مَجَّانًا إلَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ، وَيَأْتِي بَيَانُ الْجَمِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيُّ بِأَقَلَّ بِدُونِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ خَطَأٌ. وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ كَانَ بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فكلمة من للتمييز اهـ. وَقَالَ فِي الْمُوَصَّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ مِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ التَّفْضِيلِيَّةَ الَّتِي لَا تُجَامِعُ الام، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ التَّبْيِينِيَّةُ فِي قَوْلِكَ أَنْتَ الْأَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مِنْ قُرَيْش اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ من الدّين أَو بِالْعَكْسِ فَهُوَ مَضْمُون بلاقل مِنْهُمَا الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قِيلَ بِأَقَلَّ مُنْكرا اقْتضى أَنه يضمن بشئ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَيْ بدين أَو بِقِيمَة أقل من قِيمَته مِنْ الدَّيْنِ مُرَتَّبًا، فَكَلِمَةُ مِنْ تَفْضِيلِيَّةٌ وَالْمُفَضَّلُ الدَّيْنُ أَوَّلًا وَالْقِيمَةُ ثَانِيًا وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ اهـ. فَالْمَعْنَى بِدَيْنٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِقِيمَةٍ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَمَانَةٌ) أَيْ كُلُّهُ لَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ شئ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) . قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَخْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَو أتْلفه أَجْنَبِي فَإِن الْمُرْتَهن يضمنهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَالْقَوْلُ فِيهَا لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي بحث ثمن الْمثل فِي الْفَنِّ الثَّالِثِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ: وَأَنْتَ إذَا أَمْعَنْتَ النَّظَرَ ظَهَرَ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَقَطَعْت فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لوروده على الْعين المودعة اهـ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ) أَمَّا لَوْ بَين يكون مَضْمُونا. وَصُورَتُهُ: أَخْذُ الرَّهْنِ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ، وَالْمَقْبُوضُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ فِي الْمُسَاوَمَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ. كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. حَمَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي الْقُنْيَةِ) وَنَصُّهَا: الْمَقْبُوضُ على سوم الرَّهْن إِذا لم يبين الْمِقْدَار الَّذِي بِهِ رَهْنُهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُعْطِيهِ الْمُرْتَهَنَ وَمَا شَاءَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا ضَاعَ فَعَلَيْهِ قِيمَته اهـ. أَقُولُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: الْمَقْبُوضُ على سوم الرَّهْن لانه مَا تَمَامِ مَا قَبْلَهُ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 وَبَيَانُ ذَلِكَ: إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ سَقَطَ دَيْنُهُ، وَلَوْ قِيمَتُهُ خَمْسَةً رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَلَو يخمسة عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةُ. كِفَايَةٍ. وَأَطْلَقَ الْهَلَاكَ فَشَمِلَ على الرَّاهِن مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. وَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَيضمن بِالتَّعَدِّي) فَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَلَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَانْتَقَصَ سِتَّةً ثُمَّ لَبِسَهُ بِلَا إذْنٍ فَانْتَقَصَ أَرْبَعَةً ثُمَّ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بدرهم وَاحِد من دينه وَيسْقط وَتِسْعَة لِأَنَّ الثَّوْبَ يَوْمَ الرَّهْنِ كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةً، وَمَا انْتَقَصَ بِلُبْسِهِ بِالْإِذْنِ وَهُوَ سِتَّةٌ لَا يُضْمَنُ، وَمَا انْتَقَصَ بِلَا إِذن وَهُوَ أَرْبَعَة وَيضمن وَيَصِيرُ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ نِصْفُهُ مَضْمُونٌ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ فَبِقَدْرِ الْمَضْمُونِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ وَيَبْقَى لَهُ دِرْهَمٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. ظَهِيرِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بُرْهَانٍ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَأَنَّهُ بِإِقَامَتِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ. أَمَّا مَذْهَبُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْهَلَاكِ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ بِالْبُرْهَانِ، وَهُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الْحَلَبِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِي وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ زَلَّ قَدَمُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، فَأَفْتَى بِضَمَانِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي فَتَاوَاهُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ، وومن رَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الرَّحِيمِيَّةِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَقَالَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ رَأْسًا وَاحِدًا وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرَةٍ) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَقَارِ أَوْ بَاطِنَةٍ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَخَصَّهُ مَالِكٌ بِالْبَاطِنَةِ) أَيْ خَصَّ الضَّمَانَ بِالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِلتُّهْمَةِ. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ حَبْسُهُ بِهِ) أَيْ حَبْسُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (لِلْعَقْدِ) أَيْ عَقْدُ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ) بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَبْقَى عَلَى الرَّهْنِ رَهْنًا) أَيْ مَضْمُونًا، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ مَعًا) أَيْ قَبْضُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالدّين فِي ذمَّة الرَّاهِنِ. وانى. قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ رَدَّ الرَّهْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَت ذَات صفّين يُعْدَمُ الْحُكْمُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَجَوَابُهُ مَعَ مَا فِيهِ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا إجَارَةَ) فَلَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِلَا إذْنٍ فَالْأُجْرَةُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الرَّهْنِ مَعَ بَقِيَّةِ فُرُوعِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا إعَارَةَ) سَيَذْكُرُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ أَحْكَامَ إعَارَتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنٍ أَوْ بِدُونِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ الِانْتِفَاعُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ رَاهِنٍ) الْأَوَّلُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَالثَّانِي صُرِّحَ بِهِ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَعِنْدَهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ الوطئ، وَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. بَقِيَ لَوْ سَكَنَ فِي دَارِ الرَّهْنِ هَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؟ أَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا أَذِنَ الرَّاهِنُ أَوْ لَا مُدَّة لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بِذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ لِيَتِيمٍ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ آخِرَ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنٍ) فَإِذَا انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ حَالَةَ اسْتِعْمَالِهِ يَهْلِكُ أَمَانَةً بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ أَمَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ أَشَدُّ حُرْمَةً لَكِنْ لَا يُحَدُّ بل يجب الْعقر عندنَا. مِعْرَاج. وقهل: (وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ إنَّهُ لَا يحل لَهُ أَن ينْتَفع بشئ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَانَةِ وَمَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: إذَا كَانَ مَشْرُوطًا صَارَ قَرْضًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ رَبًّا، وَإِلَّا فَلَا بَأْس اهـ مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا. وَأَقَرَّهُ ابْنُهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا لَا يَظْهَرُ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ. وعَلى أَنه لَا حَاجَة إِلَى التَّوْفِيق بعد أَن الْفَتْوَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ. أَقُولُ: مَا فِي الْجَوَاهِرِ يَصْلُحُ لِلتَّوْفِيقِ وَهُوَ وَجِيهٌ، وَذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِيمَا لَوْ أَهْدَى الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ: إنْ كَانَتْ بِشَرْطٍ كُرِهَ، وَإِلَّا فَلَا. وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَضْمَنُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا، لِأَنَّ الرِّبَا مَضْمُونٌ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوطِ، وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي آخِرَ الرَّهْنِ: إِن التَّعْلِيل بِأَنَّهُ ربيفيد أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ فَتَأَمَّلْ. وَإِذَا كَانَ مَشْرُوطًا ضَمِنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَنْ رَهَنَ شَجَرَ زَيْتُونٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَتَهُ نَظِيرَ صَبْرِهِ بِالدَّيْنِ. قَالَ ط: قُلْتُ: وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ عِنْد الدّفع الِانْتِفَاع، ولولاه لما أعطَاهُ الدارهم، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَهُوَ مِمَّا يَعْنِي الْمَنْع، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. فَائِدَة: قَالَ فِي التاترخانية مَا نَصه: لَو اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَسَلَّمَ حِمَارَهُ إلَى الْمُقْرِضِ لِيَسْتَعْمِلَهُ إلَى شَهْرَيْنِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ أَوْ دَارِهِ ليسكنها فَهُوَ بِمَنْزِلَة الاجارة الْفَاسِدَة، وَإِن اسْتَعْمَلَهُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا اهـ. وَقدمنَا فِي الْإِجَارَاتِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (فَأَكَلَهَا) سَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الاكل يَشْمَل أكل ثمنهَا. قَوْله: (لم يضمن) أَي وَلَا يسْقط شئ مِنْ دَيْنِهِ. قُنْيَةٌ: يَعْنِي إذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: (وسيجئ) أَيْ هَذَا الْبَحْثُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ. قَوْلُهُ: (مَاتَتْ الشَّاةُ إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَتْنًا وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: (الَّذِي شَرِبَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَمَا صرح بفي الْوَلوالجِيَّة، فَافْهَم. قَوْله: (وحظ اللَّبن يؤخذه الْمُرْتَهِنُ) أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْ الرَّاهِنِ، لِمَا سَيَأْتِي أَن نَمَاء الرَّهْن رهن مَعَ الاصل، لما أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا آنِفًا: يَعْنِي إذَا لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ آخِرَ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (صَارَ مُتَعَدِّيًا) فَيَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ رَهْنًا، وَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الرَّهْنِ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْإِحْضَارِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ أَوْ كَانَ هَالِكًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دينه مرَّتَيْنِ اهـ. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ حمل) لانصه عَاجِزٌ. شَرْحُ مَجْمَعٍ: أَيْ عَاجِزٌ حُكْمًا بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ. وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَكَذَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ لَا يُؤْمَرُ، وَحَمَلَ ط مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ لَا النَّقْلُ كَمَا يَأْتِي، عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مُؤْنَةٌ فِي الْإِحْضَارِ يُؤْمَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخر لَا يُؤمر بِهِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْأَصْلُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى إحْضَارِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلًا مَعَ قِيَامِ الرَّهْنِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُؤْنَةٍ فَلَا. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ جَارِيَةٌ أُمِرَ بِإِحْضَارِهَا لِقُدْرَتِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيمَا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ فَبَقيَ مَا عداهُ على أصل الْقيَاس اهـ مُلَخَّصًا. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ عِنْدَ الْعَدْلِ) سَيَأْتِي مَتْنًا قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ) فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ لانه صَار مُسْتَوْفيا عِنْد الْهَلَاك الْقَبْض السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ. هِدَايَةٌ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ) أَيْ فِي تَعْيِينِ حَقِّ كُلٍّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَيَّنَ حَقَّ الرَّاهِنِ فَيجب على الرَّهْن تعين حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنَّ تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَقع إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ ليحصل التَّعْيِين اهـ. فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا. وَأَمَّا عِلَّةُ الْإِحْضَارِ فَقَدْ مَرَّتْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لِلرَّهْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مَعَ قِيَامِهِ) أَيْ قِيَامِ الرَّهْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِهَلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) أَيْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 كَمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِمُؤْنَةٍ تَلْحَقُهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تفيده، وَإِنَّمَا وَأتي بِلَكِنْ مُتَابَعَةً لِعِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ عَلَى الْبَتَاتِ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى الْهَلَاكِ فِي يَدِهِ: ذَخِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ حَلَّ) أَيْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا فَحَلَّ قِسْطٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَمَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاء كل الدّين يُكَلف الِاسْتِيفَاء نَجْمٍ قَدْ حَلَّ، هَذَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْضَارِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ فَيَأْمُرُهُ بِهِ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ هَلَاكَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إحْضَارِهِ إذْ لَا فَائِدَة فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَن التَّقْيِيد بقوله: هَذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ إلَخْ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْقَضَاءِ، بَلْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا بِالِاسْتِيفَاءِ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى بَقَائِهِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ: تَتَبَّعْتُ مَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أجد هَذَا لقيد، وَعِبَارَاتُهُمْ تُفِيدُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا فِي النِّهَايَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْهَلَاكِ وَطَلَبُ إحْضَارِ الْمَرْهُونِ حَقُّ الرَّاهِنِ، فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ جَبْرُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ كَالْأَمْرِ بالاحضار على هذَيْن الْقَوْلَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. ثُمَّ حَرَّرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْمَسْأَلَةَ وَاخْتَارَ تَفْصِيلًا فِيهَا وَهُوَ لُزُومُ الْإِحْضَارِ مُطْلَقًا فِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ. وَأَمَّا فِي قَضَاءِ نجم مِنْهُ لَا يلْزم إِلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِن الْهَلَاك لانه بِدفع نَجْمٌ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الْحَقِّ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِ جَمِيعِ الرَّهْنِ، لَكِنْ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ فَيَلْزَمُ الْإِحْضَارُ، ثُمَّ أَن التَّحْلِيف على هَذَا التَّفْصِيل اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ أُورِدَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي نَظْمِهِ الْآتِي. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَقَدْ فَهِمَ الشَّارِحُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فِيمَا إذَا أَرَادَ وَفَاءَ نجم فَقَط، لكنه غَيْرُ مُسَلِّمٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمُوَافق لكَلَام النِّهَايَة اهـ. وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَأَنَّ الْقَيْدَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي أَمْرَ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ الرَّاهِنُ وَادَّعَى الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَيَّدَ التَّحْلِيفَ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ بِطَلَبِ الرَّاهِنِ، وَتَبِعَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ ادَّعَى: أَيْ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيَامِهِ، فَإِذَا حَلَفَ أُمِرَ: أَي الرَّاهِن بأَدَاء الدّين اهـ. وَلم يقيدوه بصور وَفَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ أَوْ وَفَاءِ نَجْمٍ مِنْهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ اسْتِوَاءَ الْأَمْرِ بِالْإِحْضَارِ وَالتَّحْلِيفِ وَجَرَيَانِ النِّزَاعِ فِيهِمَا، فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي تَحْلِيفُهُ إلَّا بِطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِالطَّلَبِ مُطْلَقًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) الَّذِي حَرَّرَهُ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْتُهُ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا دَفْعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَدْفَعُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ بِتَمَامِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَإِنْ لم يدع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً فَيَدْفَعُ الدَّيْنَ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ قَوْلُهُ كَذَا النَّجْمُ: أَيْ لَا يَدْفَعُ نَجْمًا حَلَّ مَا لم يحضر المتهن الرَّهْنَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْهَلَاكَ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ النَّجْمِ وَالدَّيْنِ بِتَمَامِهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَا فِيهَا فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي النَّجْمِ لَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَدْيُونِ الْهَلَاكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: كَذَا النَّجْمُ وَالْمَنْفِيُّ بِلَا مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَضْمُونُ الْكَلَامِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: (مَا لَمْ يُحْضِرْ الرَّهْنَ) يُفِيدُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ: أَيْ وَلَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ فِي صُورَةِ النَّجْمِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِنِ الْهَلَاك، هَذَا تَقْدِير النَّظْمِ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ إرْجَاعِ التَّقْيِيدِ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ إلَى مَسْأَلَةِ النَّجْمِ فَقَطْ، وَادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَكُنْ إلَخْ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّلَبِيِّ مِنْ التَّفْصِيل ط. قَالَ السائحاني: وأو هُنَا بِمَعْنَى إلَّا، وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا حَقُّهُ النَّصْبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ، إلَّا أَنَّهُ وَرَدَ الْجَزْمُ بِهَا، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى يُحْضِرْ: أَيْ لَا دَفْعَ مَا لم يكن الخ اهـ. فَالْمَعْنَى: لَا دَفْعَ مُدَّةَ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ النَّفْيَ نَفْيُ إثْبَاتٍ، لَكِنْ يَبْعُدُ قَوْلُهُ: وَالْحَمْلُ يَعْسُرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ أَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْبَيْتِ: لَا دَفْعَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي بَلْدَةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا أَحْضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَن الشلبي مؤيد لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ مُرْتَهِنٌ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْعَدْلِ) هُوَ مَنْ يُوضَعُ عِنْدَهُ الرَّهْنُ وَيَأْتِي لَهُ بَابٌ مَخْصُوصٌ. قَوْلُهُ: (بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُضِعَ. قَوْلُهُ: (لِإِذْنِهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا الرَّهْنَ وَصَارَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بَلْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. قَوْلُهُ: (تَمْكِينُ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. نَعَمْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ قُضِيَ إلَخْ) مَنْ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقُضِيَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَبَعْضُ نَائِبُ الْفَاعِلِ: أَيْ بَعْضُ دَيْنِهِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَبْرَأَ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ) أَي عِنْد البَائِع فَإِنَّهُ لَا يلْزمه تَسْلِيم بعضه بِقَبض بعض الثّمن، لكنه لَوْ رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلٍّ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ لَهُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءِ مَا سُمِّيَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَعِيَالِهِ) الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ عِيَالًا لَهُ أَنْ يُسَاكِنَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَمْ لَا، كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 وَالْخَادِمِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ وَالزَّوْجُ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لَا مُيَاوَمَةً، وَيَجْرِي مَجْرَى الْعِيَال شريك الْمُفَاوضَة والعنان، وَلَا يشْتَرط الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَونهمَا فِي عِيَاله اهـ. غُرَرِ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ إلَخْ) مَفْعُولُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: كُلُّ قِيمَتِهِ فَهُوَ ضَمَانُ الْغَصْبِ لَا ضَمَانُ الرَّهْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا هَلَكَ بِسَبَبِهَا، وَكُلُّ فِعْلٍ يَغْرَمُ بِهِ الْمُودِعُ يَغْرَمُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، وَمَا لَا فَلَا، إلَّا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، فَلَوْ ادَّعَى الْوِفَاقَ وَكَذَّبَهُ رَاهِنُهُ صُدِّقَ رَاهِنُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَب الضَّمَان. تَنْبِيه: لَو مَاتَ الْمُرْتَهن مجهلا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَتَعَدِّيهِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ: أَيْ كَالْقِرَاءَةِ وَالْبَيْعِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بِلَا إذْنٍ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كُلَّ قِيمَتِهِ) أَيْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهُ صَار غاضبا إتْقَانِيٌّ وَفِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدّين أَمَانه واأمانات تضمن بِالتَّعَدِّي. قَوْله: (فَيسْقط الدّين بِقَدرِهِ) أَيْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ جَمِيعُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ بِقَدْرِ مَا ضَمِنْ، وَإِلَّا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحبه بِمَا فضل، وَكَانَ الاولى ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّضِيُّ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَكَأَنَّ مَا هُنَا مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ هَذَا الِاسْمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِيمَا أَعْلَمُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ هُنَا) أَيْ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهُوَ كِتَابُ الرَّهْنِ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى الْبُرْجَنْدِيِّ. نَعَمْ عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ البرجندي فِي الرَّهْن عَن كشف البزودي اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُ لَفْظٍ فِيهَا فَقَالَ ط: أَيْ فِي الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ) أَيْ إنْ جَعَلَهُ فِي الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (قُلْتُ وَلَكِنْ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ أَنَّ ذَاكَ الشِّعَارَ كَانَ وَبَانَ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْحَقَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله. ثُمَّ إنَّ هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، فَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُلْبَسُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لَا حِفْظٌ فَلِذَا يَضْمَنُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي إلَخْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاته بالبحث وَالْقِيَاس الَّذِي لسنا أَهْلًا لَهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَجْعَلُهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ خَاتَمِ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ أَيْ لَا يَضْمَنُ بِجَعْلِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصر. والاصل فِي هَذَا اأن الْمُرْتَهِنَ مَأْذُونٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ، فَجَعْلُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ اسْتِعْمَالٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَفِي غَيْرِهَا حِفْظٌ لَا لُبْسٌ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُضْمَنُ، وَكَذَلِكَ الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ تُلْبَسُ الطَّيَالِسَةُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ، وَإِلَّا كَانَ وَضْعُهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَلَا لِأَنَّهُ حِفْظٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ، لَا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. إتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 الشُّجْعَانَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الشُّجْعَانِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ اعْتَبَرُوا حَالَ الْمُرْتَهِنِ نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا إِذا كَانَ مِنْهُم بِدَلِيل قَول قاضيخان وَغَيْرِهِ. وَفِي السَّيْفَيْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بسيفين لانه اسْتِعْمَال اهـ. فَقَدْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْخَاتَمِ، وَبِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَيْهِ تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لَا الثَّلَاثَةِ) فَيَكُونُ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا فَلَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ: (وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَةَ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ قَضَى بِهَا إلَخْ) تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ سَابِقًا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ قِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ) وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ. أَبُو السُّعُودِ. قَالَ ط: وَبِهِ صرح فِي الْمَعْدن مكي اهـ. قَوْله: (وطالب الْمُرْتَهن الرَّاهِن بِالْفَضْلِ) أَيْ بِمَا زَادَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ضَمِنَهُ، وَلَوْ الدَّيْنُ أَقَلَّ طَالَبَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالْفَضْلِ، فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: وَطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالْفَضْلِ لَكَانَ أَشْمَلَ. قَوْلُهُ: (وَحَافِظِهِ) عَطْفٌ عَلَى بَيْتٍ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ) كَمَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَكِسْوَةِ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةِ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَكَرْيِ النَّهْرِ وَتَلْقِيحِ نَخِيلِهِ وَجُذَاذِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ. هِدَايَةٌ. فَرْعٌ: بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ، بِخِلَافِهِ مَا لَوْ رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْهُ لَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ وَفِي الثَّانِي على الرَّهْن. جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَالْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُجْرَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ، لِأَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ أُكْرِهَ فَقَدْ ظَلَمَهُ السُّلْطَانُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا على الظَّالِم اهـ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الرَّاهِنِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) فَعَلَيهِ كِفَايَته ومؤنته. قَوْله: (شئ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أُجْرَةً عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْحِفْظَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 وَاجِبٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ الْحِفْظَ غَيْرُ وَاجِب على الْمُودع اهـ. قَوْلُهُ: (كَمُدَاوَاةِ جَرِيحٍ) أَيْ مُدَاوَاةِ عُضْوٍ جَرِيحٍ أَوْ عَيْنٍ ابْيَضَّتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَضْمُونِ) أَيْ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَي يَنْقَسِم على الْمَضْمُون وعَلى الامانة كَمَا فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: ثمن الدَّوَاءِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: ثَمَنُ الدَّوَاءِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ حَدَثَتْ الْجِرَاحَةُ فِي يَدِهِ فَلَوْ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: وعَلى الْمُرْتَهِنِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ: (كَانَ مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) فَلَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَرْهُونُ قَائِمًا أَوْ لَا، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لَا يَرْجِعُ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ بَلْ لِلنَّظَرِ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ حِسْبَةً أَوْ لِيَكُونَ دَيْنًا، وَالْأَدْنَى أَوْلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ أَوْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْجَوْرِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهن على النَّفَقَة إِلَّا بِبَيِّنَة اهـ: يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْإِمَامِ إلَخْ) أَفَادَ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْحَاضِرِ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَفْرُوضٌ فِي الْغَائِبِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَإِن كَانَ بِأَمْر القَاضِي لانه يمگنه أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ اهـ ح. قمله (خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ: يَرْجِعُ حَاضِرًا وَغَائِبًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَأَمَرَ القَاضِي بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَبِه يُفْتى اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ. فَالْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الثَّانِي. وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ إلَخْ) أَيْ وَأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ الرَّدِّ وَادَّعَى عَلَيْهِ الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. بَدَائِعُ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ بِهَلَاكِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. ط. قَوْله: (لاثباته الزِّيَادَة) عِلّة لقَوْل: فللراهن أَيْضا اهـ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي ذَلِك فالمثبتة أولى اهـ. وَهِيَ تُفِيدُ قَبُولَ بَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ إذَا انْفَرَدَتْ. شُرُنْبُلَالِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ فِي هَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ: أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ فَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ ط. قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ عِبَارَتُهَا: زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرَّدَّ الْعَارِضَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَان اهـ. وَهِيَ عِبَارَةٌ وَاضِحَةٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا ط. تَنْبِيه: ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالِاخْتِلَافُ فِي زَمَنِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْهَلَاكِ فَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا (الْإِقْنَاعُ فِي الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الضِّيَاعَ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي جَوَابِ الْحُكْمِ فِيهَا فَقَالَ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ للرَّاهِن بِلَا خلاف لانه مُنكر اهـ. قَالَ: لَكِن قد يحمل على مَا إِذْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ، لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْهَلَاكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَبِأَنَّ كُلَّ أَمِينٍ ادّعى إِيصَال الْأَمَانَة إِلَى مستحقها قبل قَوْله فِي حَيَاةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْ ادَّعَى اسْتِثْنَاءَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَيُعَارِضُ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ بِمَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى مَا فِي الْمِعْرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَضْمَنُ الزَّائِدَ أَوْ لَا ضَمَانَ أَصْلًا نَظَرًا لِلْأَمَانَةِ وَإِقْرَارُ الرَّاهِنِ بِعَدَمِ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى الْحَاكِم والمفتي، ولينظر نصا يُفِيد ذَلِك اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ، فَكَيْفَ يصدق فِي الرَّد؟ وَأَمَّا مَا عَارَضَ بِهِ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ فَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِهِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي عِنْدِهِ إنْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْقَوْلِ لَهُ، لِأَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، وَفِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ يَنْفِي الضَّمَانَ عَن نَفسه، وَإِن كَانَ الضَّمِير للراعن فَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ إذَا ادَّعَى الْهَلَاكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَعْوَى مُجَرَّدِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى. وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَن الْمُرْتَهن إِذا ادّعى رهن الْعين الْمَرْهُونَة وَكذبه الرَّاهِن هَل القَوْل لَهُ؟ أَجَابَ: لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْأَمَانَاتِ لَا الْمَضْمُونَاتِ بَلْ الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي عدم رده إِلَيْهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَهُوَ عَيْنُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ فَلَزِمَ اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ، كَيْفَ وَهُوَ الْمَعْقُولُ، وَمُقْتَضَى عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ ضَمَانُهُ الْجَمِيعُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ زَائِدًا لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِتَمَحُّضِهَا أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونَة فَيكون قَوْلَهُ فِيهَا سَوَاءٌ ادَّعَى مُجَرَّدَ الرَّدِّ أَوْ مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 الْهَلَاكِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا التَّحْرِيرُ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا هَذَا، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَمْنًا) أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمِصْرِ، أَمَّا إذَا قَيَّدَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ. وَتَمَامُهُ فِي ط. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الِانْتِقَالُ عَنْ الْبَلَدِ) أَيْ الِانْتِقَالُ عَنْ بَلَدٍ لِلسُّكْنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْعَدْلُ) أَيْ كَالْمُرْتَهِنِ فِيمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (عَلَى خِلَافِ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِيَيْنِ) أَي قاضيخان وَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَا: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ، وَزَادَ الْأَوَّلُ وَهَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ مَا فِي الْعُدَّةِ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّوْفِيقِ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ، فَإِنَّ مَا فِي قاضيخان صَرِيح فِي أَن قَوْلُهُمَا. قَوْلُهُ: (إذَا عَمِيَ الرَّهْنُ) عَمِيَ عَلَيْهِ الْخَبَر: أَي خَفِي مجز مِنْ عَمِيَ الْبَصَرُ. مُغْرِبٌ. قَالَ ط: لَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِهِ، وَقَدْ قُرِئَ قَوْله تَعَالَى: * (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) * (هود: 82) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَالْمُرَادُ إذَا خَفِيَ حَالُهُ وَلَمْ تَدْرِ قِيمَتَهُ وَقَدْ اتَّفَقَا على هَلَاكه اهـ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ بِمَا فِيهِ) الْبَاءُ لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ. سَعْدِيٌّ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ) فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَقَلُّ فَإِنْ عَلِمَ وَاشْتَبَهَتْ قِيمَتُهُ يُرَاجَعُ حُكْمُهُ ط. قَوْلُهُ: (كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ حَاكِيًا هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ الْفَقِيه أبي جَعْفَر. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يجوز قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ رَهْنُ مُشَاعٍ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ عَبْدًا بَيْنَهُمَا رَهْنَاهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا وَاحِدًا، فَلَوْ رَهَنَ كُلٌّ نُصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ لم يجز كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ على الذَّخِيرَةِ، وَإِلَّا إذَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةٌ كَمَا يَأْتِي آخِرَ السَّوَادَةِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْن الْحَبْس الدَّائِم، وَفِي المساع يفوت الدَّوَامُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: رَهَنْتُكَ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (مُقَارِنًا) كَنِصْفِ دَارِ أَوْ عَبْدٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَارِئًا) كَأَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعُ ثُمَّ يُتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ أَوْ يَأْذَنُ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نصفه اهـ. مِنَحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يَضُرُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالدُّرَرِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الرَّهْنِ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الشَّرِيكَ يُمْسِكُهُ يَوْمًا رَهْنًا وَيَوْما يستخدمه فَيصير كَأَنَّهُ رهن دُونَ يَوْمٍ. وَأَمَّا إجَارَةُ الْمُشَاعِ فَإِنَّمَا جَازَتْ عِنْدَهُ مِنْ الشَّرِيكِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إلَّا بِالْمُهَايَأَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الشَّرِيكِ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيّ: أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَنْتَفِعُ بِهِ بِلَا مُهَايَأَةٍ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا بِحُكْمِ العقد وبالملك بِخِلَاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 غَيره. قَوْله: (يقسم أَولا) بِخِلَافِ الْهِبَةِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهَا غَرَامَةُ الْقِسْمَةِ: أَيْ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَهِيَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فَاسِدٌ) وَقِيلَ: بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرط جَوَازه اهـ. عِنَايَةٌ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (مَا قَبِلَ الْبَيْعُ قَبِلَ الرَّهْنُ) أَيْ كُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ رَهْنُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَشْغُولُ) أَيْ بِحَقِّ الرَّاهِنِ كَمَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الرَّهْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الرَّاهِنِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. أَقُولُ: وَكَذَا يُمْنَعُ الْمَشْغُولُ بِالرَّاهِنِ نَفْسَهُ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ: وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَو مَتَاعه فِي الدَّار الْمَرْهُونَة اهـ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَشَغْلِهَا بِالْمَتَاعِ، وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يُودِعَ أَوَّلًا مَا فِيهِ عِنْد الْمُرْتَهن ثمَّ يُسلمهُ مَا رهن اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّصِلُ بِغَيْرِهِ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَالشَّاغِلُ الْمُتَّصِلُ بِغَيْرِهِ كَالْبِنَاءِ وَحْدَهُ أَوْ النَّخْلِ أَوْ الثَّمَرِ بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّاغِلِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَا فِي الدَّارِ أَوْ الْوِعَاءِ بِدُونِهِمَا وَسَلَّمَ الْكُلَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ، فَافْهَمْ. وَأَرَادَ بِالْمُتَّصِلِ التَّابِعَ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ: رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا: يَدْخُلُ فِيهِ من غير ذكر اهـ: يَعْنِي لَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ لِجَامٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ. مِعْرَاجٌ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ الْمُتَّصِلَ فِيمَا مَرَّ وَفِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ خِلْقَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ قَبْلَ وُجُودِهِ) كَمَا إذَا قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت حر فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا رَهْنُهُ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَحَبْسُ مِثْلِ هَذَا لَا يَدُومُ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ الدَّار فَيعتق فَلَا يُمكن مِنْهُ الِاسْتِيفَاء اهـ. ط أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ رَوْضَةِ الْقُضَاة: لَو علق عتق عبد بِصفة ثمَّ رَهنه جَازَ خلافًا للشَّافِعِيّ اهـ. تَأمل. قَوْله: (غير الْمُدبر) شَمل الْمُطلق الْمُقَيد. حَمَوِيٌّ: أَيْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي بَابِهِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُبَاعُ وَيُوهَبُ وَيُرْهَنُ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا هُنَاكَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَهُوَ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، كَإِنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي أَوْ نَحْوِهِ، وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِشَرْطِ غَيْرِ الْمَوْتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. حَيْثُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ حَيْثُ جَازَ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ بَيْعُهَا لَا رَهْنُهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا رَهْنُهُ، وَالْمُقَيَّدُ يَجُوزَانِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَنِّ الْخَامِسِ فِي الْحِيَلِ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ آخِرَ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِ قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي يُرِيدُ الرَّهْنَ بِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَفْسَخُ الْبَيْعَ) أَيْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي الْمِنَحِ آخِرَ هَذَا الْبَابِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 وَنَصُّهُ قُلْتُ: وَعِنْدِي فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْحِيلَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ مُفْسِدٌ كَالْمُقَارَنِ: وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَفِيهِ نظر اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّظَرِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (إمَّا أَنْ يَبْقَى فِي مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ رَهْنُهُ النِّصْفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ رَهْنًا لِبَعْضِ مِلْكِهِ وَهُوَ رَهْنُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَعُودُ لِمِلْكِهِ) أَيْ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وَيَمْلِكُهُ عِنْدَهُمَا، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ رَهْنُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً مِنْ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ فَسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَجَازَهُ، وَعَلَى قَوْلِهِ: إنْ أَجَازَهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَعَلَى كُلٍّ فَرَهْنُهُ النِّصْفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَكُونُ رَهْنَ مَشَاعٍ ابْتِدَاءً مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يُدْخِلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَوْلِهِ: أَوْ يَعُودُ لِمِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) أَيْ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ. مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ. وَحَاصِلُهُ مَعَ الْإِيضَاحِ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (فَتَبْقَى فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ بِالثَّمَنِ) فَإِنْ أَصَابَهَا عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ. مِنَحٌ عَنْ حِيَلِ الْخَصَّافِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ رَهْنًا حَقِيقَةً لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا، إذْ لم يزجد عَقْدُهُ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، لِأَنَّ حَبْسَ الدَّارِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، كَمَا إذَا فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَإِنَّ لَهُ حَبْسَ الْمَأْجُورِ حَتَّى يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ، وَلَمَّا كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَبْسِ مَنْفَعَةٌ كَانَ الْمَحْبُوسُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ، بِخِلَافِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَبِخِلَاف الرَّهْن الْحَقِيقِيّ فَإِن مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَرْنَاهُ وَجْهُ قَوْلِهِ: بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ حَقِّ الْحَبْسِ فَقَطْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَضْمَنُ كَضَمَانِ الرَّهْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ مَا فِي خِيَارَاتِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ أَرْضًا بِخِيَارٍ وَتَقَابَضَا فَنَقَضَهُ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ تَبْقَى الْأَرْضُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَله حَبسهَا بِثمن دَفعه إِلَى البَائِع اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَتْ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ، وَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْهُ بِحِسَابِهِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا إلَخْ) تَأَمَّلْهُ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَتْن آخر هَذَا الْبَاب. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِأَوْلَى) أَيْ بِكَوْنِهِ رَهْنًا. قَوْلُهُ: (أَوْ بِنَاءٍ) كَعِمَارَةٍ قَائِمَةٍ فِي أَرْضٍ وَقْفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَوْ فِي أَرض سلطانية كَمَا فِي التاترخانية. قَوْلُهُ: (بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (كَرَهْنِ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ) أَيْ كَرَهْنِ الشَّجَرِ بِمَوَاضِعِهَا أَوْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ مَعَ التَّنْصِيصِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 عَلَى نَفْيِ الثَّمَرِ لِيَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلَوْ لَمْ يَنُصَّ دَخَلَ الثَّمَرُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذكر لانه لَيْسَ بتابع بِوَجْه، وَكَذَا بدخل الزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّار والقرية لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (خِلْقَةً) الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ كَمَا فُعِلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِيَشْمَلَ الْبِنَاءَ وَالسَّرْجَ وَاللِّجَامَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْإِمَامِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا، بِخِلَافِ رَهْنِ الدَّارِ دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ اتِّصَالُ مُجَاوِرَةٍ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ رَهْنِ الشَّجَرِ بِمَوَاضِعِهَا: أَيْ لِأَنَّ اتِّصَالَ الشَّجَرِ وَمَوَاضِعَهَا الْقَائِمَةَ فِيهَا بِبَاقِي الْأَرْضِ اتِّصَالُ مُجَاوِرَةٍ لَا اتِّصَالُ تَبَعِيَّةٍ كَالْبِنَاءِ وَسَرْجِ الدَّابَّةِ، وَلَا اتِّصَالُ خِلْقَةٍ كَالثَّمَرِ فَهُوَ كَرَهْنِ مَتَاعٍ فِي وِعَاءٍ فَلَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ فِي الْعَرْصَةِ) أَيْ وَالسَّقْفِ وَالْحِيطَانِ الْخَاصَّةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ تَبَعًا) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (1) عَنْ الْهِدَايَةِ فِي رَهْنِ السَّرْجِ عَلَى الدَّابَّةِ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَنْزِعَهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَهْنُ الْحُرِّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَقِيَامِ الْمَانِعِ فِي الْبَاقِينَ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: وَالْمُدَبَّرِ أَيْ الْمُطْلَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْأَمَانَاتِ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا، لِأَنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مَثِيلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قيميا، فالامانة إِن هَلَكت فَلَا شئ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَتْ لَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ مَغْصُوبَةً. حَمَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَوَدِيعَةٍ وَأَمَانَةٍ) الْأَصْوَبُ وَعَارِيَّةٍ وَكَذَا مَالُ مُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَرَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ أَنَّ شَرْطَ وَاقِفِ الْكُتُبِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِرَهْنٍ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، فَإِذَا هَلَكَ لم يجب شئ. ذكر فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ الدَّيْنِ أَنَّ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ غَيْرُ بَعِيدٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالدَّرَكِ) بِالتَّحْرِيكِ. قَوْلُهُ: (خوف اسْتِحْقَاق الْمَبِيع) تَفْسِير الْحَاصِل الْمَعْنَى، لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا هُوَ بِالثَّمَنِ وَذَلِكَ بِأَن يخَاف المُشْتَرِي اسْتِحْقَاق الْمَبِيع فَيُؤْخَذ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَالرَّهْنُ بِهِ بَاطِلٌ) فَيَكُونُ أَمَانَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ) أَيْ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ هُوَ الضَّمَانُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصح مُضَافا إِلَى حَال وجوب الدّين، لَان اسْتِيفَاء مُعَاوَضَةٌ وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَجُوزُ. أما الْكفَالَة فَهِيَ الِالْتِزَام الْمُطَالَبَةِ لَا لِالْتِزَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَلِذَا لَوْ كُفِلَ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ يَجُوزُ، وَلَو   (1) قَوْله: (مُخَالف لما قدمْنَاهُ) فِيهِ نظر ظَاهر، فَإِن وجوب النزع هُنَاكَ يكون عقد الرَّهْن ورد على السرج وَهُوَ مُتَّصِل فَيجب النزع وَفِي ممسألتنا العقد لم يرد على السّقف قصدا بل تبعا للدَّار فَلَا يضرّهُ الِاتِّصَال بالتبعية، وَكم من شئ يَصح ضمنا وَلَا يَصح قصدا اهـ تَأمل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 رَهَنَ بِهِ لَا يَجُوزُ. كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (كم مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِغَيْرِ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ) لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَأْتِي بَيَانه. قَوْله: (مثل الْمَبِيع) بأنت اشْتَرَى عَيْنًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا ثُمَّ أَخَذَ بِهَا رهنا من البَائِع فارهن بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيع شئ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَوْهَرَةِ والزيلعي. هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ مَالٌ وَالْبَيْعُ مُتَقَوِّمٌ وَالْفَاسِدُ يَلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ جَائِزٌ فَيَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ. وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكرْمَانِي وَغَيره اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) كَأَنْ كُفِلَ زَيْدٌ بِنَفْسِ عَمْرٍو عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَمْرُو بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ عَلَى عَمْرٍو بَعْدُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ عَمْرٌو وَلَمْ يُؤَدِّكَ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْقِصَاصِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمَرْهُونِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأٌ) وَبِخِلَافِ الدِّيَةِ وَجِرَاحَةٍ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ قُضِيَ بِأَرْشِهَا، فَلَو أَخذ بِهِ رهنا جَازَ اهـ. در مُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ مِنْ أَجْلِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ ط. قَوْلُهُ: (وَبِأُجْرَةِ النائحة والمغنية) لبُطْلَان الاجازة فَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا إذْ لَا يُقَابِلُهُ شئ مَضْمُون. قَوْله: (وبالعبد الْجَانِي أَو الْمَدْيُون) لَان غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يجب عَلَيْهِ شئ. منح. قَوْله: (قبل الطّلب) مفهمومه الضَّمَانُ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: الرَّهْنُ بِأَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ بَاطِلٌ يَهْلِكُ أَمَانَةً لَوْ هَلَكَ قَبْل حَبْسِهِ وَضَمِنَ لَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَهْنُ خَمْرٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ إذَا كَانَ هُوَ الرَّهْنَ، وَلَا الِاسْتِيفَاءَ إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْخِنْزِيرِ. إتْقَانِيٌّ. أَقُولُ: وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا بَيَانُ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ. تَأَمَّلْ. وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ: الرَّهْنُ بِخَمْرٍ بَاطِلٌ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَهَذَا فِي مُسْلِمَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا وَالرَّاهِنُ كَافِرًا وَصَحَّ بَينهمَا لَو كَافِرين اهـ. لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الرَّهْنَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسد يتَعَلَّق بِهِ الضَّمَان اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حق مُسلم. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ) أَيْ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا يَضْمَنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ، كَمَا إذَا غَصَبَ. مِنَحٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِلَا تَعَدٍّ ضَمَانَ الرَّهْنِ، لِأَنَّ الرَّهْن هُنَا مَالٌ عِنْدَ الذِّمِّيِّ وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونٌ فَهُوَ رَهْنٌ صَحِيحٌ لَا فَاسِدٌ وَلَا بَاطِلٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ) فَسَّرَ النَّفْسَ بهما بِاعْتِبَار أَنَّهُمَا قائمان مقامهما، وَالْمرَاد أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيَّةً، وَبِالْقِيمَةِ لَوْ قِيَمِيَّةً. قَوْلُهُ: (كَالْمَغْصُوبِ إلَخْ) أَيْ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَو المجعولة بدل خلع أَو مهْرا أَوْ صُلْحٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا، وَإِنْ هَالِكَةً وَجَبَ قِيمَتُهَا فَكَانَ الرَّهْنُ بِهَا رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَمَانَاتِ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهُهُ عَنْ الْحَمَوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَعَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) أَيْ حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ يَهْلِكُ مِلْكُ البَائِع فَلَا يجب عَلَيْهِ شئ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يُقْبَضْ وَرَدُّهُ إذَا قُبِضَ وَلِذَا سُمِّيَتْ فِيمَا مَرَّ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ أَوْ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ مَا وَعَدَهُ بِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ دَفْعِ الْبَاقِي لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَحُكْمُهُ مَا فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ) أَيْ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِلْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بِأَنْ رَهَنَهُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ بِأَنْ رَهَنَهُ إلَخْ. وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ كَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ قَوْلِهِ: هَلْ يَضْمَنُ إلَخْ لِيَنْتَفِيَ التَّكْرَارُ. قَوْلُهُ: (خِلَافٌ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ) أَيْ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ وَصَاحِبَيْهِ قَالُوا: يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ، وَعَلِيهِ مَشى الزَّيْلَعِيّ مُعَللا بِأَنَّهُ الْهَلَاك صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ، قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ) أَيْ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ متْنا أَو الرَّهْنِ، وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلُهُ، لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا: أَيْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّعْبِيرِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ، فَافْهَمْ. تَنْبِيهٌ: الرَّهْنُ الْمَوْعُودُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بَاعَ عَبْدًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ بِرَأْسِ مَالِ إلَخْ) صُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يُسْلِمَ مِائَةً بِطَعَامٍ مَثَلًا أَوْ يَبِيعَ دِينَارًا بِدِرْهَمٍ ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 قَبْلَ الْقَبْضِ يَدْفَعُ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَهْنًا بِالْمِائَةِ أَو يُؤْخَذ رَهْنًا بِالدِّرْهَمِ أَوْ بِالطَّعَامِ. وَصَوَّرَ الْأُولَى بَعْضُهُمْ بِأَن يَأْخُذ الْمُسلم من الْمُسلم رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا صَوَّرْتُهُ، لِأَنَّهُ إذَا هلك الرَّهْن فِي الْمجْلس يصير الْمُسلم مسترد الرَّأْس الْمَالِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِن هلك الخ) بَيَان لفائدة ارهن بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ. عَيْنِيٌّ. وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ هَلَكَ الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ دُونَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَإِنْ افْتَرَقَا إلَخْ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا. أَقُولُ: وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الدُّرَرِ مَسْأَلَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُؤَخَّرَةً وَحْدَهَا. قَوْلُهُ: (وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا) أَيْ لِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ ثَمَنِ الصَّرْفِ أَوْ الْمُسلم فِيهِ اهـ. ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْمُرْتَهِنِ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الاولى وَأَحَدُ عَاقِدِي الصَّرْفِ فِي الثَّانِيَةِ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الثَّالِثَة اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَا دَخْلَ لِلثَّالِثَةِ هُنَا كَمَا عَلِمْتَ، ثُمَّ إنَّ تَفْسِيرَ الْمُرْتَهِنِ بِالْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الاولى مؤيد لما صورناه بِهِ الْمَسْأَلَةَ سَابِقًا. هَذَا، وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا إنَّمَا هُوَ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِرَأْسِ المَال وَثمّ الصَّرْفِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِقَدْرِهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَاكٍ) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ الْمَرْهُونِ بِهِ وَقَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَا) لِعَدَمِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَصَارَ عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ هَلَكَ. قَوْلُهُ: (فَقَامَ مَقَامَهُ) فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (هَلَكَ بِهِ) لَان رَهَنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثمَّ تقابلا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ إلَخْ) أَي إِذا هلك الرَّهْن الْمُسلم فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَارْتِدَادُ رَأْسِ الْمَالِ، فَكَذَا هُنَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بدين) أَي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 لِأَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: (عَبْدًا) مَفْعُولُ يَرْهَنُ، وَقَوْلُهُ: لِطِفْلِهِ صِفَةٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (لِهَلَاكِهِ مَضْمُونًا) بَيَانٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَلِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ. هِدَايَة. قَوْله: (والوديعة أَمَانَةٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ: أَيْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمَانَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرُ، وَقَوْلُهُمَا قِيَاسٌ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. هِدَايَةٌ وَزَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إذَا هَلَكَ) أَي بِمَاء عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لَا الْفَضْلِ) أَيْ لَا الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْقِيمَةَ) أَيْ جَمِيعَهَا وَإِنْ زَادَتْ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهَا) كَالْمُغْنِي وَالْعِنَايَةِ وَالْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا) هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَيَحْبِسُهُ) أَيْ يَحْبِسُ الْأَبُ عِنْدَهُ الرَّهْنَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا عَكْسُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ لِلْأَبِ دَيْنٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبِ إلَخْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِابْنٍ آخَرَ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ طِفْلِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ ابْنِهِ الْآخَرَ أَوْ عَبْدِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ رَهْنُ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى وَصِيِّ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ: وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى مِنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْأَبِ جَازَ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلصَّغِيرِ، وَبَيْعُ الْأَبِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ ط. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ) فَقَدْ أَطَالَ هُنَا فِي التَّعْلِيلِ وَتَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ كَالْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعَهُ صَحَّ، وَلَيْسَ لِلطِّفْلِ إِذا بلغ نقض الرَّهْن فِي شئ من ذَلِك مَا لم يقبض الدَّيْنَ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ بِثَمَنِ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ فَيَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ، فَإِنْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدّين أَو أَكثر يُؤَدِّي قدر الدّين الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ يُؤَدِّي الْقِيمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (إنْ أَقَرَّ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ، وَقَوْلُهُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الرَّهْنِ. وَصُورَتُهَا: ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ قِيمَةُ الرَّهْنِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهَا. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 وَغَيْرِهَا: يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَفِيلِ الْكَفِيلَ بِالْغَرَامَاتِ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا صَحِيحَةٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِثَمَنِ الْعَبْدِ وَمَا بَعْدَهُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، لِمَا فِي كَفَالَةِ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: لَوْ أَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الطَّالِبِ بِأَنَّ الْمَالَ ثَمَنُ خَمْرٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ تُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الْمَالُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّة. منح. قَوْله: (بِخِلَاف جنسه) كالثياب. قَوْلُهُ: (هَلَكَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَجَرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا هَلَكَ بِقِيمَتِهِ لَا بِالْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ، وَعَلَيْهِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْجَوْدَةُ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ، بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَهُوَ الثِّيَابُ مَثَلًا. وَإِنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ الْجَوْدَةُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ كَمَا يَأْتِي، فَافْهَمْ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ بِجِنْسِهِ) كَمَا إذَا رَهَنَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ. قَوْلُهُ: (وزنا أَو كَيْلا) سَوَاء قلت الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ، عَيْنِيٌّ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجَوَابُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَهُ بِالْوَزْنِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَزَائِدَةٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا عِبْرَة بالجودة الخ) لانها لَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قَابَلَتْ الْجِنْسَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا) أَيْ إنْ تَسَاوَى الرَّهْنُ وَالْمَرْهُونُ بِهِ كَيْلًا أَو وزنا فَظَاهر: أَي إِنَّه يسْقط الدَّيْنُ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا إلَى الْجَوْدَةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا هَلَكَ. وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ بِأَنْ كَانَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ فَانْكَسَرَ فَفِيهِ كَلَام آخر. وَحَاصِل صُورَة هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ تَبْلُغُ سِتًّا وَعِشْرِينَ صُورَةً مَبْسُوطَةً فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا فِي التَّبْيِينِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا) أَيْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَقَبِلَ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي) أَيْ عَلَى دَفْعِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الْكَفِيلُ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّرْطَ حُضُورُهُ وَقَبُولُهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الِامْتِنَاعُ وَالْإِجْبَارُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الرَّهْنِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمُجَرَّدِ الايجاب وَالْقَبُول قبل الْقَبْض، حَتَّى لوعقد الرَّهْنَ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَلَا يُجْبَرُ بِمُجَرَّد الْوَعْد بالاولى. قَوْله: (لفواب الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِمَّا لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ الرَّهْنُ صفة للثّمن وَهُوَ صف مَرْغُوب فَلهُ الْخِيَار لفواته. وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ قِيمَتُهُ لَا عَيْنُهُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَعْطَاهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَارِزُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (شَيْئًا غَيْرَ مَبِيعِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَحْسُنَ التَّعْمِيمُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (وَلَوْ كَانَ الْمَبِيع) فَإِن لَو فِيهِ وصيلة، وَلَا يجمع بَين مَا بعْدهَا وَبَين نقضيه، فَلَا يُقَالُ: أُكْرِمُكَ إنْ جِئْتنِي وَلَوْ لَمْ تَجِئْنِي. قَوْلُهُ: (لِتَلَفُّظِهِ بِمَا يُفِيدُ الرَّهْنَ) وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ) أَيْ فِي الْعُقُود للمعاني، وَلِهَذَا كَانَت الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلثَّانِي وللثلاثة) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَالْإِيدَاعَ وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيُقْضَى بِثُبُوتِهِ، بِخِلَاف مَا إِذْ قَالَ: أمْسكهُ بِدينِك أَو بِمَالك، لَان لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ. قُلْنَا: لَمَّا مَدَّهُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) لَو هَذِه وصيلة كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا بَعْدَهَا شَرْطِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصْلَحُ إلَخْ) أَيْ لِتَعَيُّنِ مِلْكِهِ فِيهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ) أَيْ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ ضَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيكَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بِالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (بَقِيَ لَوْ كَانَ الْمَبِيع) أَي الَّذِي جعله المُشْتَرِي رهنا قَبْضِهِ ط. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَغَابَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقَدَ لثمن غَيْبَةً مَعْرُوفَةً فَأَقَامَ بَائِعُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَبِعْ فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ جَهِلَ مَكَانَهُ بِيعَ: أَيْ بَاعَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ خِيفَ تَلَفُهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عُلِمَ مَكَانُهُ أَوْ لَا اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ جَعَلَهُ رَهْنًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَجَمَدٍ) بِالتَّحْرِيكِ: الثَّلْجُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (جَازَ بَيْعُهُ) ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (وَشِرَاؤُهُ) أَيْ وَجَازَ لِلْمُشْتَرِي شِرَاؤُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً أَيْ شُبْهَةَ مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ رَجُلَيْنِ) أَيْ وَقَبِلَا، فَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: رَهَنْتُ النِّصْفَ مِنْ ذَا وَالنِّصْفَ مِنْ ذَا. سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّهُ رَهْنٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ يَصِيرُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا، لَا أَنَّ نِصْفَهُ يَكُونُ رَهْنًا مِنْ هَذَا وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ. ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ لَان مُوجبهَا ثُبُوت الْملك والشئ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ كُلُّهُ مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَهُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً وَحُكْمُ الرَّهْنِ الْحَبْسُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَدَيْنُ الْآخَرِ دَنَانِيرَ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 (ضَمِنَ عِنْدَهُ) أَيْ ضَمِنَ الدَّافِعُ ضَمَانَ الْغَصْبِ ط. قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ) أَيْ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ كُلٌّ حِصَّتَهُ) كُلٌّ فَاعِلُ ضَمِنَ وَحِصَّتُهُ مَفْعُولُهُ. قَالَ ط عَنْ الْمَكِّيِّ: صُورَتُهُ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً عَلَى الرَّاهِنِ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةٌ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَهَلَكَ عِشْرُونَ مِنْ الرَّهْنِ فَتَبْقَى الْعَشَرَةُ فِي يَدِهِمَا أَثْلَاثًا وَيَسْقُطُ مِنْ صَاحِبِ الْعَشَرَةِ ثُلُثَاهُ وَمِنْ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ ثُلُثَاهُ، فَيَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ دِرْهَم وَثلثا دِرْهَم اهـ. قَوْلُهُ: (لِتَجَزُّئِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقْبَلُ التجزئ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَضَى إلَخْ) الْأَصْوَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ (وَلَوْ هَلَكَ إلَخْ) كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ لِيُفِيدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْمَنُ حِصَّتَهُ وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا، لِمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الثَّانِي يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكُلُّهُ رَهْنٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (بِلَا تَفَرُّقٍ) أَيْ بِلَا تُجزئ فَلَا يكون لَهُ اسْتِرْدَاد شئ مِنْهُ مَا دَامَ شئ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (رَهْنًا وَاحِدًا) يَعْنِي صَفْقَةً وَاحِدَةً، لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ عَبْدَانِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَوَحُّدَ الْمَرْهُونِ بَلْ تَوَحُّدَ الرَّهْنِ: أَيْ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ. إتْقَانِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ: (وَيُمْسِكُهُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الْإِمْسَاكِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا شُيُوعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: صَحَّ قَالَ الْأَتْقَانِيّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ رَهْنَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْوَاحِدِ يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ غَيْرِ إشَاعَةٍ فَصَارَ كَرَهْنِ الْوَاحِدِ مِنْ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: (لِحَبْسِ الْكُلِّ بِكُلِّ الدَّيْنِ) فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ. هِدَايَةٌ. إذْ لَوْ أَمْكَنَ الرَّاهِنُ أَخْذَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ يَتَكَاسَلُ فِي قَضَاءِ الْبَاقِي. قَوْله: (كَالْمَبِيعِ الخ) فَإِن المُشْتَرِي إِذا أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَمَّى إلَخْ) بِأَنْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَسَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ثُمَّ نَقَدَ خَمْسَمِائَةٍ وَقَالَ: أَدَّيْتُ عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَأَرَادَ أَخْذَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَهُ ذَلِكَ. كِفَايَةٌ. فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعِشْرِينَ وَالْآخَرُ بِالْبَاقِي وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا مِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا أَوْ اسْتِرْدَادِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ لِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ) الْأَصْوَبُ إبْدَالُ الثّمن بِنَحْوِ الْبَدَل، لَان الْمفصل هُوَ الرَّهْنِ هُوَ الدَّيْنُ. قَوْلُهُ: (فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 الرَّهْنِ لَا الْبَيْعِ) لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ الْمَرْهُونَيْنِ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَا يَتَعَدَّد بتفصيل الثّمن، وَلِهَذَا لَو قيل: الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، لَان الْعَادة قد جرت بِضَم الردئ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا سَمَّى لِكُلٍّ مِنْ الْمَرْهُونَيْنِ شَيْئًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكِفَايَةِ وَهُوَ رِوَايَاتُ الزِّيَادَاتِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا سَبَقَ. دُرَرٌ. فَقَوْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّهَا مِنْ شُعَبِ قَوْله هُنَا رَجُلًا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ هُنَا يَدَّعِيَانِ أَنَّهُمَا مُرْتَهِنَانِ وَأَنَّ الرَّجُلَ رَاهِنٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ اثْنَانِ والراهن وَاحِدًا اهـ. فَتَنَبَّهْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الدَّعْوَى إمَّا فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لِأَنَّ الرَّهْن إِمَّا فِي يَد أحد المدعيين فيفضي بِهِ لَهُ وَإِنْ أَرَّخَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُنْقَضُ بِالتَّارِيخِ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ عَلَى التَّارِيخِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّ عَقْدَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ وَفِيهِمَا إنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ بَطَلَ. وَالثَّانِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا. وَفِيهَا كُلِّهَا إنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ نُصِّفَ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حنيفَة اهـ. مُلَخصا من غَايَة الْبَيَان والتاترخانية. قَوْلُهُ: (أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفِ فِي مِنَحِهِ) . قَالَ ح: صَوَابُهُ رُجُوعُ ضَمِيرِ أَنَّهُ وَالْمُسْتَتِرُ فِي رَهْنِهِ لِلرَّجُلِ وَالْبَارِزُ لكل وَاحِد مِنْهُمَا اهـ: أَيْ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ مُرْتَهِنَانِ لَا رَاهِنَانِ كَمَا عَلِمْتَ. وَأَقُولُ: يُوهِمُ أَنَّ حَلَّ الشَّارِحِ خَطَأٌ، وَلَيْسَ كَذَلِك، نعم أَو أَرْجَعَ الْمُسْتَتِرَ فِي رَهْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَانَ خَطَأً، أَمَّا ضَمِيرُ أَنَّهُ فَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى بَيْنَ إرْجَاعِهِ لِلرَّجُلِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (رَهنه هَذَا الشئ عِنْدَهُ) أَقُولُ: الصَّوَابُ حَذْفُ الضَّمِيرِ أَوْ حَذْفُ عِنْدِهِ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ تَعْدِيَةِ رَهَنَ إلَى مَفْعُولِهِ الْآخَرِ بِنَفْسِهِ وَبِالظَّرْفِ مَعًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُقَالُ: رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ كُلِّهِ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلِّهِ رَهْنًا لِذَاكَ) أَيْ عَلَى الِانْفِرَادِ بِعَقْدَيْنِ، بِأَنْ يَنْفَرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَبْسِهِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِصَاحِبِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ: رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِهَذَا وَلِذَاكَ لِلتَّعْلِيلِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ إلَخْ) وَكَذَا لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا حِينَ جَهَالَةِ التَّارِيخِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتُ بِبَيِّنَتِهِ رَهْنُ الْكُلِّ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الدَّعْوَى، أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْله: (فتهاترتا) أَيْ تَسَاقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالِاسْتِحْسَانُ التَّنْصِيفُ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا) وَكَذَا إنْ أَرَّخَا تاريخهما سَوَاءٌ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَقْدَ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لِظُهُورِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِلْحَالِ. إتْقَانِيٌّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 قَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا. قَوْلُهُ: (كَانَ ذُو الْيَدِ أَحَقَّ) أَيْ سَوَاءٌ أَرَّخَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (لِقَرِينَةِ سَبْقِهِ) أَيْ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ فَهُوَ أَوْلَى. نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (أَيْ رَاهِنُ الْعَبْدِ مثلا) الاولى: أَي رَاهن الشئ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (زَيْلَعِيٌّ) حَيْثُ قَالَ وَقَوله: أَي قَول الْكَنْز وَالْعَبْد فِي أَيْديهم وَقَعَ اتِّفَاقًا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْيَد فِي الْمَسْأَلَة الاولى اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُود عَن شرح باكير عَلَى الْكَنْزِ وَعَنْ الشَّلَبِيِّ وَنَقَلَهُ ط عَنْ الْكَشْفِ. قَوْلُهُ: (فَبِرَهْنِ كُلٍّ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ، أَمَّا لَوْ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ قُضِيَ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ،. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ وَحْدَهُ قضي لَهُ وَإِلَّا فللمؤرخ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَمَا وَصَفْنَا) أَيْ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ بَرْهَنَ كُلٌّ أَن الرجل رَهنه هَذَا الشئ. قَوْله: (نصفه) اسْم كَانَ ورهنا خبرنَا وَفِي يَدِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ وَرَهْنًا تَمْيِيزه تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِانْقِلَابِهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ أَخَذَ فِي الْأُولَى بِالْقِيَاسِ وَفِي هَذِه الِاسْتِحْسَان، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ قَول أَبُو يُوسُفَ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ بَلْ لِحُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشَّائِعُ لَا يَقْبَلُهُ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبيعِ من ثمنه والشائع يقبله اهـ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ فِي الْعِمَادِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ (تَهْلِكُ هَلَاكَ الْمَرْهُونِ) . قَوْلُهُ: (ظَاهِرٌ إذَا رَضِيَ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ فَتَاوَى النَّسَفِيّ: هَذَا مُسْتَقِيمٌ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا، أَمَّا إذَا تَرَكَهَا لِعَجْزِهِ فَفِيهِ نظر اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمَلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ: تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ رَهْنًا وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا يَلُفُّهُ عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ رَضِي بِكَوْنِهَا رهنا اهـ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) تَطْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ يَهْلِكُ هَلَاكَ الْغَصْبِ لَكَانَ أَوْضَحَ ط. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْله: وَإِلَّا لَا وَهُوَ أَن يَهْلِكُ هَلَاكَ الْغَصْبِ يَحْمِلُ إطْلَاقَ السِّرَاجِيَّةِ، وَنَصُّهَا: إذَا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا بَلْ غَصْبًا اهـ. فَقَوْلُهُ: بَلْ غَصْبًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا بِلَا رِضَاهُ. قَوْلُهُ: (لِرَبِّ الْمَالِ مَسْكُ مَالِ الْمَدْيُون) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى أَنْ يُمْسِكَ، وَهِيَ أَوْلَى إلَّا أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 يثبت مجئ الْفِعْلِ مُجَرَّدًا مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: مَسَكَ بِهِ وَأَمْسَكَ وَتَمَاسَكَ وَتَمَسَّكَ وَاسْتَمْسَكَ: احْتَبَسَ، وَاعْتَصَمَ بِهِ وأمسكه: حَبسه وَعَن الْكَلَام سكن اهـ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (رَهْنًا بِلَا إذْنِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ شَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: صَاحِبُ الدَّيْنِ ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ مَدْيُونِهِ لَا يَحْبِسُهُ رَهْنًا إِلَّا بِرِضا مديونه اهـ. فَتَأَمَّلْ. فَرْعٌ: رَجُلٌ دَخَلَ خَانًا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْخَانِ: لَا أَدَعُكَ تَنْزِلُ مَا لَمْ تعطني رَهْنًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِيَابَهُ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ: إنْ رَهَنَهَا بِأَجْرِ الْبَيْتِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَعِنْدِي لَا ضَمَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ على الدَّفْعِ. خُلَاصَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إذَا أَيِسَ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمِنَحِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِلَّا فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ بِلَا كَلَامٍ وَلَا وَجْهَ لِحِكَايَتِهِ بِقِيلَ. عَلَى أَنَّا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّوْفِيقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الرِّضَا فَلَمْ يَكُنْ مُعَرَّجًا عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَهْنًا) فَلَا يَذْهَبُ شئ مِنْ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ إلَى الطَّالِبِ مِائَةً وَقَالَ: خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ فَضَاعَتْ قَبْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهَا مِنْ مَالِ الدَّافِع وَالدّين على حَاله. تاترخانية عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ. زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَو دفع إِلَيْهِ ثوبي وَقَالَ: خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِكَ فَأَخْذُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَذْهَبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ مِثْلَ الدّين اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الزَّوَاهِرِ، وَقَالَ: إنَّ الشُّيُوعَ الثَّابِتَ ضَرُورَةٌ لَا يَضُرُّ وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّهُ هُوَ أَنَّ فِي الْأُولَى إنَّمَا جَعَلَ الرَّهْنَ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ مَشِيئَةُ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَقَدْ تَعَيَّنَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمَا رَهْنًا، فَيَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةً، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ جُعِلَ أَحَدُهُمَا رَهْنًا فِي الْحَالِ بِلَا خِيَارٍ لَكِنَّهُ أَبْهَمَهُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ صَفْحَةٍ: رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا رَهْنٌ لَكَ بِعَشَرَتِكَ أَوْ قَالَ: خُذْ أَيَّهمَا شِئْتَ رَهْنًا بِدَيْنِكَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ بَاطِلٌ، فَإِن صَاعا جَمِيعًا لم يكن عَلَيْهِ شئ وَدينه على حَاله اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ رَهْنًا إذَا اخْتَارَهُ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا. الْوَلوالجِيَّة. وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (غَصَبَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا غَصَبَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ كَهَلَاكِهِ فَيَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ بِلَا إذْنٍ فَهَلَكَ كَانَ مُسْتَهْلِكًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا غَصَبَ إلَخْ) لِأَنَّهُ فِي حَالِ الِانْتِفَاعِ مُسْتَعِيرٌ فَبَطَل حُكْمُ الرَّهْنِ، فَإِذَا غَصَبَ مِنْهُ أَوْ هَلَكَ فِي تِلْكَ الْحَالة لم يسْقط شئ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ رَهْنًا مَضْمُونًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا، وَيَأْتِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ ضَمَانَ الرَّهْنِ) لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ بِخِلَافِ الْمُودِعِ، وَقَوْلُهُ لَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْحَمَّامِيَّ يَحْفَظُ فِي صُنْدُوقِهِ وَيَضَعُ قَصْعَةَ الْمَاءِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَدَّى بِأَنْ أَرَاقَهُ قَصْدًا فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لِمَا قُلْنَا. قَوْلُهُ: (الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَافِيهِ، بِخِلَافِ تَأْجِيلِ دَيْنِ الرَّهْنِ. حَمَوِيٌّ عَنْ الْقُنْيَةِ: فَإِذَا هَلَكَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْهُ كَالصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْله: (سلطه بِبيع الرَّهْن) الالى عَلَى بَيْعِهِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَمْرٍ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ) فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ وَكَالَةٌ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَت وَاقعَة الْفَتْوَى اهـ. وَجَزَمَ فِي الْأَشْبَاهِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الْبِيرِيُّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْيَةِ: لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ بِإِجَازَةِ الْحَاكِمِ وَأَخْذِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ الرَّاهِن غَائِبا لَا يَعْرِفُ مَوْتَهُ وَلَا حَيَاتَهُ اه. أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَإِنْ كَانَ أَطْلَقَ الْغَيْبَةَ. تَأَمَّلْ. بَقِيَ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ عَنْ بَيْعِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَأَوْفَاهُ حَقَّهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ. وَحُرِّرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ دَارًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا يَسْكُنُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهَا، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُبِحْهَا لَهُ الرَّاهِنُ. وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا خَافَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ لَيْسَ مِنْ الْهَلَاكِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ نَظَرًا لِلْمَالِكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِلْحَاكِمِ اه. قَالَ الْبِيرِيُّ: أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ وَكَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى. اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ لَمَّا أَنْهَى الْقَوْلَ فِي الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ مَا يَرْجِعُ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 وَالنَّائِبُ بَعْدَ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ رَضِيَا بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ رَضِيَا بِبَيْعِهِ أَمْ لَا كَمَا أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ فَافْهَمْ، وَبَابُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذَا، وَأَلِ فِي الرَّهْنِ لِلْجِنْسِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ لِصِحَّةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمُضَافِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْمُبْتَدَأُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى أُشِيرُ. قَوْلُهُ: (عَلَى يَدِ عَدْلٍ) بِأَنْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (صَحَّ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ) أَيْ صَحَّ الرَّهْنُ وَيَتِمُّ وَيَلْزَمُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ، لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ، وَلِذَا لَوْ هَلَكَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا يَأْتِي وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ سَلَّطَ الْعَدْلُ عَلَى بَيْعِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ بَاقِيَةٌ اه قَوْلُهُ: (وَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا) وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَضْعَ فَوَضَعَ جَازَ أَخْذُهُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ إلَخْ) لَمْ يُوجَدْ مَتْنًا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا بَعْدَ قَوْلِهِ (وَإِذَا هَلَكَ إلَخْ) قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِهِ) فَحَقُّ الرَّاهِنِ بِالْعَيْنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ، فَهُوَ مُودِعٌ لَهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا لِلْعَدْلِ دَفْعُهُ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُودِعَ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَخَذَا مِنْهُ قِيمَتَهُ إلَخْ) فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا وَمَقْضِيًّا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ وَمُقْتَضِيًا لِأَنَّهُ يُقَالُ قَضَاهُ الدَّيْنَ وَأَعْطَاهُ وَاقْتَضَى دَيْنَهُ وَتَقَاضَاهُ: قَبَضَهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِ نَفْسِهِ صَارَ قَاضِيًا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمُقْتَضِيًا لَهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ. قَوْلُهُ: (مَبْسُوطٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ) أَيْ جَوَابُهُ مَبْسُوطٌ فِيهَا كَالزَّيْلَعِيِّ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ. بَيَانُهُ: أَنَّهُ إذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ: فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِسَبَبِ دَفْعِهِ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ لِلْعَدْلِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْده لوصول الْمَرْهُون إِلَى الرَّهْن إِلَيْهِ، وَلَو كَانَت الْقيمَة للرَّاهِن بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَفْعِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلرَّاهِنِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ بِسَبَبِ الدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْقِيمَةُ لِلرَّاهِنِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعين لن تَصِلْ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ، وَقَدْ مَلَكَهَا الْعَدْلُ بِالضَّمَانِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهن هيرجع الْعدْل على الْمُرْتَهن؟ ينظر إِ دَفَعَ الْعَيْنَ إلَيْهِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ رَهْنًا بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ: خُذْهُ بِحَقِّكَ أَوْ احْبِسْهُ بِهِ رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلكهُ لدفعه عَن وَجْهِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا هَلَكَ) أَيْ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْ يَدِ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ أَجِيرِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِلْعَدْلِ بَيْعُهُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (صَحَّ تَوْكِيلُهُ) أَيْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ وَإِنْ بَطَلَ الرَّهْنُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ فَإِنْ شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ أَفَادَ أَنَّ الرِّضَا بِبَيْعِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْعَدْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سَعْدِيٍّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ. إتْقَانِيٌّ. وَأطلق فِي الْعَزْل فَشَمَلَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْله: (وَلَا بِمَوْت الرَّاهِن) أَي لَا يَنْعَزِل بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْمُرْتَهِنِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا ط. وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا) . قَوْلُهُ: (لِلُزُومِهَا بِلُزُومِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عقد الْوكَالَة لزِيَادَة الْوَثِيقَة فليزم بِلُزُومِ أَصْلِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ تُخَالِفُ الْوَكَالَةَ الْمُفْرَدَةَ) أَيْ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَيُسْتَثْنَى الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي إذَا غَابَ الْمُوَكِّلُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَنْ يَغِيبَ الْآخَرُ فَيَأْخُذَ وَكِيلًا لِيَرُدَّ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ. أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا مر فِي بَاب عزل الْوَكِيل. قَوْله: (من وجوده) ذَكَرَ مِنْهَا هُنَا خَمْسَةً. وَمِنْهَا مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا يَعُودُ وَكِيلًا، بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ لَا يَعُودُ. قَوْلُهُ: (يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ غَابَ الرَّاهِنُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَامْتَنَعَ الْوَكِيلُ عَنْ الْبَيْعِ يُجْبَرُ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ شُرِطَتْ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيّ فِي شرح قَوْله: إِن بَاعَهُ الْعَدْلُ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (زَيْلَعِيٌّ) أَيْ صَرَّحَ بِالتَّصْحِيحِ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِيهَا: وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ اه. وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاح. قَوْله: (وَإِن صححها قاضيخان) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مَعَ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ لِاكْتِسَابِ الْمُضَافِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، ثمَّ إِن نِسْبَة ذَلِك إِلَى قاضيخان عَجِيبَةٌ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ شَرْطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ثُمَّ سُلِّطَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْسَخَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ وَيَمْنَعَهُ عَنْ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْعَدْلَ بِالْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اه. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: رَجُلٌ رَهَنَ شَيْئًا وَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَسُلِّطَ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ غَابَ الرَّاهِنُ فَالْعَدْلُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَقِيلَ: بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اه بِحُرُوفِهِ. وَكَذَا صَحَّحَ الْجَبْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلم أرى مَنْ صَحَّحَ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ شيخ الاسلام وفخر الاسلام وقاضيخان: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْوَلَدِ وَالْأَرْشِ) أَيْ وَلَدِ الْمَرْهُونِ وَأَرْشِهِ فِيمَا لَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 جَنَى عَلَيْهِ أَحَدٌ فَدَفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عُرُوضًا مَثَلًا فَلِلْوَكِيلِ هُنَا بَيْعُ ذَلِكَ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ: أَيْ نَمَاءِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّهُ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ، وَالْوَكِيلُ الْمُفْرِدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِهِ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَجَعْلِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ كَمَا بَاعَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ) أَيْ الْمَرْهُونُ. قَوْله: (فَدفع) أَي العَبْد الْقَاتِلُ. قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الرَّهْنُ لِقِيَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ بَيْعُهُ) أَيْ للْوَكِيل الْمَذْكُور سَوَاء كَانَ الْمُرْتَهن أَوْ الْعَدْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا بَيْعُ الرَّهْنِ بِغَيْبَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ كَمَا مَرَّ. قَالَ ط: وَكَذَا بِغَيْبَةِ وَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ اه: أَيْ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَمَاتَ الرَّاهِنُ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) يَعْنِي وَالرَّهْنُ بَاقٍ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِهِ فَلَأَنْ لَا يبطل بِمَوْت العَبْد أَوْلَى، عِنَايَةٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَفْعَلُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَدْلِ وَبُطْلَانِ وَكَالَتِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا: وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ يُوضَعُ عَلَى يَد عدل آخَرَ عَنْ تَرَاضٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَضَعَهُ الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الرَّاهِنُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قَضَاءَ دُيُونِهِ اه. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ مُرْتَهِنًا أَوْ عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ وَلِأَنَّ المموكل رَضِي بِرَأْيهِ لَا أرى غَيْرِهِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى آخَرَ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ لَكَانَ أَنْسَبَ ط. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ مَبْسُوطُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَصْلِهِ جَوَابَ أَبِي يُوسُف كقولهما د. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِهِ وأجزت لَك مَا صنعت بِهِ من شئ فَحِينَئِذٍ لِوَصِيِّهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى ثَالِثٍ. إتْقَانِيٌّ. فَرْعٌ: وَكَّلَ الْعَدْلُ وَكِيلًا فَبَاعَهُ، إنْ بِحَضْرَةِ الْعَدْلِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ، وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ بَعْضَ الرَّهْنِ بَطَلَ فِي الْبَاقِي. هِنْدِيَّةٌ: أَيْ فَسَدَ لِلشُّيُوعِ الطَّارِئِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْلِكُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْعَدْلِ كَمَا رَأَيْتَهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَغَابَ الرَّاهِنُ) أَيْ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَبِيعَهُ أُجْبِرَ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّاهِنُ لَمْ يُجْبَرْ الْوَكِيلُ بَلْ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ، فَإِنْ أَبَى بَاعَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا وَلَمْ يُبَعْ عِنْدَهُ قُهُسْتَانِيٌّ: قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا فَرْعُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِهِ يُفْتَى اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 قُلْتُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لِتَقَدُّمِ الرِّضَا مِنْهُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ: (أُجْبِرَ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) يَعْنِي بِطَلَبِ الْمُدَّعِي. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: الْمُدَّعِي إذَا طَالَبَ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكِيلٍ فَنَصَبَ لَهُ وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ، لِأَنَّ حَقَّ الْخَصْمِ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حِينَ ثَبَتَتْ بِمُطَالَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ جَازَ عَزْلُهُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَحْبِسَهُ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ: أُجْبِرَ الْوَكِيلُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ بِأَنْ يَحْبِسَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ لَجَّ) بِالْجِيمِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَجَّ فِي الْأَمْرِ لَجَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ ولجاجا فَهُوَ لجاجة ولجوجة مُبَالغَة: إِذا لَازم الشئ وَوَاظَبَهُ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ اه ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ) أَيْ الْمُسَلِّطُ عَلَى بَيْعِهِ فِي عقد الرَّهْن أَو بعده. الْبَزَّازِيَّة بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فَالثَّمَنُ رَهْنٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا. هِدَايَةٌ. فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ سَقَطَ الدَّيْنُ، كَمَا إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ بِالتَّوَى عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْتَوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ. بَزَّازِيَّةٌ. وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْبَائِعِ. إتْقَانِيٌّ. وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ لِلْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَمِين وَبَطل دين الْمُرْتَهن. ولواجية وَجَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَضُمِنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لَا لِلْفَاعِلِ كَمَا ظُنَّ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الرَّهْنِ: أَيْ طَلَبَ ضَمَانَهُ وَالطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْفِعْلِ لِيَكُونَ مَا بَعْدَهُ تَفْصِيلًا لِمَذْكُورٍ، فَللَّه دره مَا أَخْفَى دَقَائِقَهُ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ) أَيْ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَاصِبٌ) حَيْثُ أَخَذَ الْعَيْنَ وَسَلَّمَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ط. قَوْله: (وَالْقَبْض) أَي قبض الْمُرْتَهن الصمن اه ح. قَوْلُهُ: لِتَمَلُّكِهِ بِضَمَانِهِ أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِتَعَدِّيهِ بِالْبَيْعِ) يَعْنِي مَعَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (يُضَمِّنُ الرَّاهِنَ) أَيْ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّا أَيْضًا) أَيْ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ إنْ نَفَذَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ مَلَكَهُ كَمَا مَرَّ وَصَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ فَلَا يرجع بشئ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُ الْمِنَحِ كَالدُّرَرِ عَلَى الْعَدْلِ سَبْقُ قَلَمٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ ضَمَّنَ) الْأَوْلَى يُضَمِّنُ، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى يُضَمَّنُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَاعِلُ فِيهِمَا ضَمِيرُ الْعَدْلِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ) فَإِنَّهُ لَمَّا أَدَّى ضَمَانَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِيهِ وَلَمْ يُضَمِّنْ الْعَدْلَ الرَّاهِنُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَى الرَّاهِنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 بَقِي هُنَا شئ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ الْقِيمَةَ فَقَدْ تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدْلُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَمَنْ يَضْمَنُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ؟ وَرَأَيْتُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ذَكَرَ بَحْثًا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الرَّاهِنِ اه. وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الشِّقِّ. بَلْ سَيذكرُهُ فِيمَا لَو كَانَ الرَّاهِن قَائِمًا، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ إلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْعَدْلُ يَرْجِعُ على الْمُرْتَهن، صم الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ. وَأَقُولُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ صِحَّتِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِثَمَنِ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ؟ نَعَمْ لَوْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَاصِبٌ أَيْضًا بِالْقَبْضِ وَقَدْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْعَدْلِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِهِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ عَدَمِ ذَكَرِهِمْ ذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى رُجُوعِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْعَدْلِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ مَا نضه: وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَحِقِّ خِيَارُ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ اه. قَوْلُهُ: (وَرَجَعَ هُوَ عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِنَفسِهِ إلَى الْعَدْلِ، وَلَوْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ. شُرُنْبُلَالِيٌّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ. وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْقِيمَةِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثَّمَنُ. قَوْلُهُ: (صَحَّ الْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: (وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ) ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ تَعْلِيلًا وَهُوَ الْأَحْسَنُ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَجَعَ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِدَيْنِهِ) كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِ لِئَلَّا يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ مَعَ الْإِيهَامِ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَارَّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، بِخِلَافِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّهُ فَلَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَا: الْأَصَحُّ جَبْرُهُ لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ وَالْأَصْلِ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ عير الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ على الْمُرْتَهن. قَوْله: (أَولا) بِأَنْ ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ بِلَا تَعَدِّيه. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ الرَّاهِنُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَزِيدِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُسْتَحِقِّ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 وَالْحَاصِلُ: أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الرَّاهِنِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَدِّيهِ بِالْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (هَلَكَ الرَّهْنُ بِدَيْنِهِ) أَيْ بِمُقَابَلَتِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهْنُ مِلْكٍ ثُمَّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (لِضَرَرِهِ) الْأَوْلَى لِغَرَرِهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ اه. وَنَحْوِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ ط. قَوْلُهُ: (لِانْتِقَاضِ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِتَضْمِينِهِ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ حَتَّى يَكُونَ بِهَلَاكِهِ مُسْتَوْفِيًا. عِنَايَةٌ. وَهُنَا إشْكَالٌ وَجَوَابٌ مَذْكُورَانِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ. قَوْلُهُ: (ذَهَبَتْ عَيْنُ دَابَّةِ الْمُرْتَهِنِ) الْإِضَافَةُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَالْأَصْوَبُ إبْدَالُهُ بِالرَّهْنِ. وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ دَابَّةِ الرَّهْنِ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الدَّابَّةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا رُبْعُهَا فَقَدْ فَاتَ رُبْعُهَا فَيَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ اه. وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا مِثْلَ الدَّيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا كَالْبَقَرَةِ وَالْفَرَسِ عَنْ نَحْوِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يضمن النُّقْصَان. قَوْله: (وسيجئ) أَيْ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ أَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وعينا مستعملها اه. خَاتِمَةٌ: الْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مأذونه لَو مَدْيُونًا حَتَّى لَوْ شَرَطَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَصَحَّ عَكْسُهُ، وَالْمُكَاتَبُ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ ملاوه كَعَكْسِهِ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ الْكَفِيلِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا رَبُّ الْمَالِ فِي رَهْنِ الْمُضَارِبِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فِيهِ، وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ جَازَ بَيْعُهُ اه. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ مُلَخَّصًا. بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ لما ذكر لارهن وَأَحْكَامَهُ ذَكَرَ مَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إذَا عَارَضَهُ بعده وجوده، مِعْرَاج. قَوْله: (توقف بيع الرَّاهِن إلَخْ) وَكَذَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ بَيْعَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيُعِيدَهُ رَهْنًا، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمْ تَجُزْ الْإِجَازَةُ بَعْدَهُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. فَرْعٌ: قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ بِعْ الرَّهْنَ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُؤَجِّرِ ذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ إلَخْ) أَوْ إبْرَائِهِ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ. حَمَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. زَيْلَعِيّ. قَوْله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 (وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا) أَيْ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ وَالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ بَقَاءً كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قُتِلَ تَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا بَقَاءً، حَتَّى لَوْ تَوَى الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي يَكُونُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ بِهِ دَيْنُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ. بَزَّازِيَّةٌ. وَلِبَعْضِ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ هُنَا كَلَام منشؤه عدم التَّأَمُّل والمراجعة، وَمَا ذكر الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْد الاجازة كَانَ رهنا وَإِلَّا فَلَا. تَمَامه فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّفَاذِ لَحِقَهُ وَهُوَ الْحَبْسُ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَفُوتُهُ. وَعَن مُحَمَّد: يَنْفَسِخ بفسخه، حَتَّى لَو أفكته الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بَعْدَهُ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (أَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ هَذَأ الْفَسْخَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ إلَى الْقَاضِي. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا إلَخْ) أَيْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ عَدَمُ الْفَرْقِ هُوَ الْأَصَحُّ. رَمْلِيٌّ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي. وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. حموي وَغَيره إِلَى التَّجْنِيسِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يُتَخَيَّرُ مُشْتَرِي مَرْهُونٍ وَمَأْجُورٍ وَلَوْ عَالِمًا بِهِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُتَخَيَّرُ جَاهِلًا لَا عَالِمًا، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا اه. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) سَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (فَأَيُّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ) فَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ هَلْ يَنْفُذُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ يحرر، وَالظَّاهِر الاول ط. قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْكِفَايَةِ. تَأَمَّلْ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ الْإِجَارَةَ، فَلَوْ تَكَرَّرَ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِيَ نَفَذَ الْأَوَّلُ وَيَأْتِي وَجْهُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَجَرَهُ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْبَيْعَ. إتْقَانِيٌّ، قَوْلُهُ: (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ مَعَ التَّسْلِيمِ، إِذْ لَا عِبْرَة لهذين الْعقْدَيْنِ بِدُونِهِ. إتْقَانِيٌّ عَنْ أَبِي الْمُعِينِ. قَوْلُهُ: (جَازَ البيع الاول) سَمَّاهُ أَولا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْعُقُودِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ مِنْ وَاحِدٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَاشَرَ هَذِهِ الْعُقُودَ فَأَجَازَهَا الْمُرْتَهِنُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِرُجْحَانِ الْأَوَّلِ بِالسَّبْقِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ النَّفْعِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي بِالْإِجَازَةِ فِي الْأُولَى وَلَمْ تَجُزْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لِلْكُلِّ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ إذَا كَانَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا أَجَازَهُ: فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا يَصْلُحُ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ ينفذ مَا لحقته الاجازة، وَإِن يصلح فبالاجازة، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَبِالْإِجَازَةِ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَيَنْفُذُ السَّابِقُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهن أجَاز اللَّاحِق. فَإِذا ثَبت هَذَا فَتَقول: الْمُرْتَهِنُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، إذْ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَة وَالرَّهْن وَالْبدل فِي الاجازة فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِع مَعَ النَّفَاذِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ السَّابِقُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجّر الْعين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 من اثْنَيْنِ وَأَجَازَ المتسأجر البيع الثَّانِي نفد الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَنِ فَكَانَتْ الْإِجَازَةُ إسْقَاطًا اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا (فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ) كَأَنَّهُ يَقُولُ مَحَلُّ تَوَقُّفِ الثَّانِي كالاول وَإِذا كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتَ عَلَى مِلْكِ مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ، ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي تَصَرُّفَاتٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ، فَلَمْ تَجُزْ فِي حق الْمُرْتَهن وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَمَا هُنَا فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ فَتَنْفُذُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ. أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَامْتِنَاعِ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَمِثْلُ الْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ: لَوْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَبْطَلَ الْوَقْفَ وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ اه. قَوْلُهُ: (أَيْ نَفَذَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ أَوْلَى، لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَالتَّعْبِيرُ بِيَصِحُّ يُوهِمُ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ط. وَقَوْلُهُ: إعْتَاقُ الرَّاهِنِ أَيْ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى أَن الْمصدر مُضَاف إِلَى فَاعله قَوْلُهُ: رَهْنَهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ. قَوْلُهُ: (لِلرَّهْنِ) أَيْ لِلِارْتِهَانِ، وَقَوْلُهُ: بَدَلَهُ أَيْ بَدَلَ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُون. تَأمل. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ. قَوْلُهُ: (وَرَدَّ الْفَضْلَ) أَيْ إنْ كَانَ فَضَلٌ وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ عَنْ دَيْنِهِ ط. قَوْلُهُ: (فَفِي الْعِتْقِ) أَيْ الَّذِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ. جَوْهَرَةٌ. فَلَوْ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ. أَبُو السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (سَعَى الْعَبْدُ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ لِلْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ يَأْخُذُهُ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِالْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمِقْدَارِ مَالِيَّتِهِ فَلَا يَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) وَكَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَيَوْمَ الرَّهْنِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا. زَيْلَعِيٌّ. وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِالْكَسْبِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُبَدِّلُ بِجِنْسِهِ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ غَنِيًّا) أَيْ إذَا أَيْسَرَ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (سَعَى كُلٌّ) أَيْ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ الدَّيْنِ) أَيْ وَلَوْ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ الدَّيْنِ وَلِقَوْلِهِ: بِلَا رُجُوعٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ من أَنه لَو كَانَ الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 حَالًّا أَخَذَ مِنْهُ كُلِّهِ، وَإِلَّا أَخَذَ الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا كَالدَّيْنِ ضَمِنَ خَمْسَمِائَةٍ وَصَارَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا ضَمَانُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ سَقَطَ مِثْلُهَا مِنْ الدَّيْنِ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ كَانَتْ أَلْفًا فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ اه. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَا يُقَالُ الرَّهْنُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا كَمَا كَانَ وَقَدْ تَرَاجَعَ السُّعْرُ وَانْتَقَصَتْ قِيمَته فَإِنَّهُ لَا يسْقط من الدّين شئ. قُلْنَا: لَان صمة الْعَيْنَ بَاقٍ كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ بِسَبَبِ التَّرَاجُعِ وَالْعَيْنُ بِحَالٍ يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ مَالِيَّتُهُ بِالتَّرَاجُعِ كَمَا كَانَ يَوْمَ الْقَبْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّغَيُّرُ وَهَا هُنَا التَّغَيُّرُ الْحَاصِلُ بِالتَّرَاجُعِ اسْتَقَرَّ بِالْهَلَاكِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى حَالِ تَعَوُّدِ مليته كَمَا كَانَ اه. بَقِيَ مَا إذَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى مِنْهَا وَلَوْ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ قَبْلَ الْإِتْلَافِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَكَانَتْ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ. هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا. وَيَجْعَلُهُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ انْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ تَرَاجُعَ السِّعْرِ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فَالضَّمَانُ بِالْقَبْضِ، وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَلِذَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَوَجَبَ الْفَضْلُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ اه مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْكِفَايَة. قَوْله: (مجَاز) جَعَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ تَسَامُحًا، قَالُوا: لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ، لَكِنْ لَمَّا عُومِلَ ذَلِكَ مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَمِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِعَارَةِ اه. وَفَسَّرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّسَامُحَ بِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غير حَقِيقَته بِلَا قصد عَلامَة مُعْتَبَرَةٍ وَلَا نَصْبِ قَرِينَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ من الْمقَام اه. فَهُوَ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ لَفْظَ الْإِعَارَةِ هُنَا اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً عِلَاقَتُهَا الْمُشَابَهَةُ وَالْقَرِينَةُ إسْنَادُ الْإِعَارَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ إسْنَادَهَا حَقِيقَةً لِلْمَالِكِ. قَالَ: وَحَيْثُ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ وَالْجَامِعُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ سَائِغٌ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (هلك مجَّانا) أَي بِلَا سُقُوط شئ مِنْ الدَّيْنِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الرَّاهِنُ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ بِالرَّهْنِ الْمُعَارِ كَفِيلًا: أَيْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِتَسْلِيمِهِ لَا بِعَيْنِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَا تَصِحُّ بِمَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ بِأَعْيَانِهَا، فَلَوْ بِتَسْلِيمِهَا صَحَّ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِخُرُوجِهِ مِنْ الرَّهْنِ) أَيْ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 حُكْمِ الرَّهْنِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاقٍ. قَوْلُهُ: (جَازَ ضَمَانُ الْكَفِيلِ) أَيْ إلْزَامُهُ بِتَسْلِيمِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (عَادَ ضَمَانُهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ فَلَا يُشَارِكُونَ الْمُرْتَهِنَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْن) الاصوب أَي يُقَالَ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لَا الضَّمَانِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعَارَهُ إلَخْ) جُمْلَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ سِتَّة: الْعَارِية والوديعة وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ. فَالْعَارِيَّةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ إذَا هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَا تَرْفَعُ عَقْدَ الرَّهْنِ، وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ. وَالرَّهْنُ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاهِنُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَعَارَ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا الْعَقْدَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِهِمَا إذَا كَانَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمُبَاشَرَةِ أَحدهمَا بِإِذن الآخر، وَأما من الرَّهْن فَلَا يُتَصَوَّرُ اه. عِنَايَةٌ. وَفِي حَاشِيَتِهَا لِسَعْدِيٍّ أَفَنْدِي: إذَا كَانَ الْإِيدَاعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ اه. أَقُولُ: وَهُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا فِي الْخَانِية قَالَ فِيهَا: إذَا أَجَازَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُودِعَهُ إنْسَانًا أَوْ يُعِيرَ، فَإِنْ أَوْدَعَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودِعِ سَقَطَ الدَّيْنُ، وَإِنْ أَعَارَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ اه. فَقَدْ فرق بَين الْعَارِية والوديعة عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَتَبِعَهُ فِيهِ الشَّارِحُ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا الْمُرْتَهِنُ فَاسِدًا وَوَصَلَ إلَيْهَا وَمَضَى زَمَانٌ بِمِقْدَارِ مَا يجب فِيهِ شئ مِنْ الْأُجْرَةِ بَطَلَ الرَّهْنُ اه، وَفِيهَا: وَإِنْ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بَطَلَ الرَّهْنُ لَوْ الْبَذْرُ مِنْهُ، وَلَوْ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا اه. أَيْ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ كَانَ مُسْتَأْجَرًا لِلْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ رَبَّ الْأَرْضِ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ، قَوْلُهُ: (وَالرَّهْنِ) أَيْ وَبِخِلَافِ رَهْنِ الرَّهْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) مِنْ هَذِهِ صِلَةٌ لِمَا قَبْلَهَا لَا لِلِابْتِدَاءِ، تَقُولُ: أَجَرْتُ مِنْهُ الدَّارَ وَكَذَا بِعْتهَا أَوْ وَهَبْتُهَا مِنْهُ إذَا كَانَ هُوَ الْقَابِلَ لِلْعَقْدِ وَأَنْتَ الْمُبَاشِرُ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا هُوَ الْقَابِل والمباشر: أَي الْعَاقِل مَعَ الْمُرْتَهن هُوَ الرَّاهِنُ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّهْنِ نَظَرٌ لِأَنَّ رَهْنَهُ من الْمُرْتَهن لَا يُفِيد فاظاهر أَنَّهُ خَاصٌّ فِيمَا إذَا رَهَنَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَجْنَبِي. قَالَ فِي التاترخانية عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ، فَإِنْ رَهَنَ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ: فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ إلَى يَدِ الْأَوَّلِ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ وَيَصِيرُ ضَمَانُهُ رَهْنًا وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِالدَّيْنِ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَبَطَلَ رَهْنُ الثَّانِي وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضُمِّنَ وَبِدَيْنِهِ، وَإِنْ رَهَنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَحَّ الثَّانِي وَبَطَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 الْأَوَّلُ اه. قَوْلُهُ: (حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ) بَين لِجِهَةِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَهَذِهِ الْعُقُودِ، لَكِنْ فِي صور الْبَيْعِ يَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَى الثَّمَنِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ الدَّيْنُ بِخِلَافِ بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِعْرَاجِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا عُقُودٌ لَازِمَةٌ) وَلِذَا لَا يُمْكِنُهُ فَسْخُهَا. قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الرَّاهِنِ) وَكَذَا إجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: مِنْ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ لُزُومِهَا) أَيْ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَالْأَوْلَى لُزُومُهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ. أَيْ لِعَدَمِ لُزُومِهِمَا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِي الْمَرْهُونِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (بَقِيَ لَوْ مَاتَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ مُسَاوٍ لَهُمْ فِي الْمَرْهُونِ لِبُطْلَانِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِهَذِهِ الْعُقُودِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِاسْتِعْمَالِهِ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَخَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ. جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ (أَوْ إعَارَتِهِ) وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِعْمَالُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: فِي اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ) وَهِيَ مُخَالفَة ليد الرَّاهِن فَانْتَفَى الضَّمَانُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) أَيْ مُنْكِرٌ لِمُوجِبِ الضَّمَانِ. قَالَ ط: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْآتِي لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الرَّاهِنُ فِي غَيْرِهِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى زَوَالِ يَدِ الْمُرْتَهن) أَي زَوَال الْقَبْض الْمُوجب لِاعْتِرَافِهِمَا بِوُجُودِ الْعَمَلِ الْمُزِيلِ لِلضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (فِي عَوْدِهِ) أَيْ عَوْدِ الرَّهْنِ: أَيْ عَوْدِ يَدِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَقِّهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي دَعْوَاهُ، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: فِي الْعَوْدِ. قَوْلُهُ: (مَا لَبِسْتَهُ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى زَوَالِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ. فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي اللُّبْسِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ فَكَانَ القَوْل لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَدْرِ مَا عَادَ الضَّمَانُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ ثَمَّةَ عَلَى الْخُرُوج من الضَّمَان اه. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ضَمَانُ الرَّهْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا ذَلِكَ الثَّوْبَ الْمُتَخَرِّقَ: أَيْ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 متخرقا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) قَدَّمَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ، وَأَنَّهُ جَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ كَالْعِنَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلِابْنِ أَخْذُهُ إلَخْ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ نَافِذٌ لَازِمٌ. قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ الِابْنُ) أَيْ إذَا قَضَى دَيْنَ الْأَبِ وَافْتَكَّ الرَّهْنَ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ: أَيْ لِأَجْلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ فَحُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الِابْنُ مُضْطَرٌّ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ فَلَمْ يكن مُتَبَرعا نَظِير معير ارهن الْآتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَقَرَّ بِالرَّهْنِ إلَخْ) أَيْ أَقَرَّ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَرْهُونَ مِلْكٌ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى إنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِدُونِ بُرْهَانٍ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ، بَلْ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، حَتَّى إنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِقَضَائِهِ حَالًّا لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ يُنْظَرُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (جَازَ) وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَهَا لِيَرْهَنَهَا ط. قَوْلُهُ: (أَوْلَى) أَيْ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهَا تثبت زِيَادَة ضَمَان، لَو لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ. كَذَا يُفَادُ مِنْ الْهِنْدِيَّةِ ط. قَوْلُهُ: (وَزَوَائِدُ الرَّهْنِ إلَخْ) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةً كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَلِذَا لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ط. قَوْله: (وَصَحَّ اسْتِعَارَة شئ لِيَرْهَنَهُ) لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ تَعَلُّقَهُ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ ط. قَوْلُهُ: (فَيَرْهَنُ بِمَا شَاءَ) أَيْ بِأَيِّ جِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ، وَكَذَا عِنْدَ أَيِّ مُرْتَهِنٍ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. قَوْلُهُ: إذَا أَطْلَقَ أَيْ الْمُعِيرُ. لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. هِدَايَةٌ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (تَقَيَّدَ بِهِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى فِكَاكِ الرَّهْنِ فَيُؤَدِّيَ قَدْرَ الدَّيْنِ وَمَا رَضِيَ بِأَدَاءِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ أَوْ لِأَنَّهُ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الدَّيْنِ يَكُونُ أَمَانَةً وَمَا رَضِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا كُلُّهُ فَكَانَ التَّعْيِينُ مُفِيدًا، وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْحَبْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ اه من الْهِدَايَة وَالِاخْتِيَار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 تَنْبِيهٌ: أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ فِيمَا لَوْ قَيَّدَ الْعَارِيَّةَ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ بِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَخْذَهَا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، قَالَ: وَبِهِ أُفْتِيَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ قَائِلًا: وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالرَّهْنِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِذَا مَضَتْ وَامْتَنَعَ مِنْ خَلَاصِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ اه. أَقُولُ: وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلِلْمُعِيرِ طَلَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَرْهَنُهُ إلَى سَنَةٍ اه. لِأَنَّ الرَّهْنَ هُنَا فَاسِدٌ لِتَأْجِيلِهِ كَمَا مَرَّ وَكَلَامُنَا فِي تَأْجِيلِ الْعَارِيَّةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ إلَخْ) أَيْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا، وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بِأَقَلَّ مِمَّا عُيِّنَ لَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، بَلْ إمَّا بِمِثْلِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ فَهُوَ على ثَلَاث أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِثْلَ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَفِيهَا إذَا رَهَنَ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِأَقَلَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ. فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى ضَمِنَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الثَّوْبِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ إلَى أَقَلَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اه مُلَخَّصًا. وَنَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالزَّائِدُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اه. قَوْلُهُ: (لِتَمَلُّكِهِ بِالضَّمَانِ) فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَهُ مِلْكَ نَفْسِهِ اه. تَبْيِينٌ. قَالَ: قَارِئُ الْهِدَايَةِ: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى وَقت الْقَبْض، إِذْ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَيَقْتَصِرُ مِلْكُهُ عَلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ، لِأَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ اه. أَبُو السُّعُودِ وَطَّ عَنْ الشَّلَبِيِّ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَلِذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى التَّسْلِيمِ لَمْ يُعْتَبَرْ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا عِنْدَ التَّسْلِيمِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْمُخَالَفَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ فَاغْتَنِمْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. قَوْلُهُ: (صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ اه. مِسْكِينٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ، وَالْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ: أَيْ مِثْلُ الرَّهْنِ: أَيْ صُورَةً وَمَعْنًى إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَمَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ قِيمَتُهُ إِن كَانَ قيميا لشلا يَلْزَمَ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ بَعْدَهُ، رَحْمَتِيٌّ مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطُّورِيِّ. قَوْلُهُ: (لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُعِيرِ وَهُوَ الرَّهْنُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ كُلُّهُ) أَي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أقل. قَوْله: (وَإِلَّا الخ) أَي يَأن كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقدر حِصَّة الْعَيْب. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ وَيَجِبُ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِالْعَيْبِ. قَوْلُهُ: (لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَخْلِيصَ مِلْكِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَقَلَّ فَلَا جَبْرَ) أَيْ لَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ. دُرَرٌ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الزِّيَادَة أَمَانَة من جَانب الرَّاهِن، كَذَا قيل، وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشُّرَّاحِ، وَعَزْوُهُ إلَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ كَذَا. أَفَادَهُ عَزْمِي زَادَهْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ اسْتَشْكَلَ كَوْنَ الزَّائِدِ تَبَرُّعًا حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ الْبَعْضِ فَكَانَ مُضْطَرًّا، وَهَذَا لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ. إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ اه. وَالْإِشْكَالُ ذَكَرَهُ جَمِيعُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ مَعَ جَوَابِهِ بِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِاعْتِبَارِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا تَحَقَّقَ الْإِيفَاءُ. اه. وَنَقَلُوهُ عَنْ الْإِيضَاحِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَرْتَضِ بِهَذَا الْجَوَابِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلِذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ: إنَّ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالًا. قَوْلُهُ: (فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: يَجِبُ اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُقُولِ، مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ لَائِحٌ وَهُوَ تَقْصِيرُ الْمُعِيرِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرَّهْنِ بِالْقِيمَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَإِذَا تَرَكَ مَا يَدْفَعُ الْإِضْرَارَ كَانَ فِي دَفْعِ الزَّائِدِ مُخْتَارًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَكُنْ مِنْ ذَوِي الْأَبْصَارِ اه. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَعَ مُتَابَعَتِهِ لِلدُّرَرِ) أَيْ إنَّ عَادَتَهُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَقَدْ نَصَّ فِي الدُّرَرِ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ تَبَرُّعٌ فَدَلَّ عَدَمُ مُتَابَعَتِهِ لَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَى الِاسْتِشْكَالِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ أَوْ رَكِبَهُ إلَخْ) إنَّ هَذِه وصيلة: أَيْ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ. هِدَايَةٌ: أَيْ ضَمَانَ التَّعَدِّي لَا ضَمَانَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ بَعْدَ مَا قَضَى الدَّيْنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا وَقَعَ بِهِ الْإِيفَاءُ اه. كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ. قَوْلُهُ: (مِنْ قَبْلُ) أَيْ مِنْ قَبْلِ الرَّهْنِ، وَكَذَا إنْ افْتَكَّهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ، وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) إلَخْ هَذَا فِي الْمُسْتَأْجِرِ أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 الْمُسْتَعِير لشئ ينْتَفع بِهِ وكلامنا فِي مستعير شئ لِيَرْهَنَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ لَا الْمُسْتَعِيرِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْمُودِعُ يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ رَادًّا عَلَى الْمَالِكِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، بِخِلَافِ الْمُودِعِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ فَبِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ يَصِيرُ رَادًّا عَلَيْهِ حُكْمًا. قُلْتُ: وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ يَدُهُ يَدُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا. قَوْلُهُ: (إذَا خَالَفَا) الْأَوْلَى إِفْرَاد الضَّمِير لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَلِيُوَافِقَ مَا بَعْدَهُ ط وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ فِي زَمَنِ الْهَلَاكِ فَقَالَ: الْمُعِيرُ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ: الْمُسْتَعِيرُ: قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِكَاكِ. عِنَايَةٌ. قَوْله: (فَالْقَوْل للرَّاهِن) أَي مَعَ يَمِينه. معارج، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُعِيرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُنكر الايفاء بِمَال الْمُعير. قَوْله: (لَو اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ) بِأَنْ قَالَ الْمُعِيرُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهُ بِخَمْسَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْأَمْرَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفًا فِيهِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ الْمُثْبِتُ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (اخْتَلَفَا فِي الدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَو كَانَ الرَّاهِن يَدعِي الرَّهْن بِأَلف الْمُرْتَهن بِخَمْسِمِائَةٍ: فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا يُسَاوِي أَلْفًا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَلَوْ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةَ سُقُوطِ الدَّيْنِ اه. زَادَ الْأَتْقَانِيّ: وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ ادَّعَى زِيَادَةَ الضَّمَانِ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي الْعِبَارَةِ مِنْ الْإِيجَازِ الشَّبِيهِ بِالْأَلْغَازِ. قَوْلُهُ: (مَدْيُونًا) زَادَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِفْلَاسِ الدَّيْنُ، لَكِنْ إنْ قُرِئَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُفَلِّسًا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ الْمُضَاعَفِ اسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَكَمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَاقٍ عَلَى حَالِهِ) أَيْ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ. قَوْلُهُ: (وَأَبَى الرَّاهِن) كَذَا ي الْمِنَحِ، وَصَوَابُهُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ قَدْ مَاتَ. قَوْلُهُ: (بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَخْ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ حَصَلَ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً، فَلَعَلَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ فَيُخَلِّصُهُ بِالْإِيفَاءِ، أَوْ تُزَادُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أُمِرَ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا هَلْ يُجْبَرُ أَوْ يُنْظَرُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ دَيْنِ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 (كَمُوَرِّثٍ) أَيْ كَمُوَرِّثِهِمْ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ وَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُعِيرِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ، وَسقط قَوْله: لِمَا مَرَّ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ، وَسَقَطَ قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّعْلِيلَ سَابِقًا وَهُوَ قَوْلُنَا لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً إلَخْ. قَوْلُهُ: (كُلًّا أَوْ بَعْضًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْكُلِّيَّةِ أَوْ الْبَعْضِيَّةِ. تَأمل. قَوْله: (مَضْمُونَة الخ) لَان الْحق كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ عَلَى صَاحِبِهِ وَجُعِلَ الْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حق الضَّمَان. تَمَامه فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّهْنِ: أَي الْمَرْهُون. قَوْله: (وَإِذا لزمع وَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يُحْكَمُ بِالسُّقُوطِ بِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ، بل مَا لزمَه بِالدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَّا فَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ: وَأَمَّا ضَمَانُهُ على الْمُرْتَهن. قَوْله: (سقط يقدره) أَي سقط من الضَّمَان بِقدر الدّين. قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) أَيْ مِنْ الضَّمَانِ إذَا زَاد الضَّمَان على الدّين. قَوْله: (بالاتلاف) الزَّائِد كَانَ أَمَانَة فَهُوَ كالويعة إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودِعُ. قَوْلُهُ: (لَا بِالرَّهْنِ) أَيْ لَا بِعَقْدِهِ حَتَّى يُشْكِلَ عَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ الزَّائِدِ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ الضَّمَانِ) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ (لَمْ يَسْقُطْ) . وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْجِنَايَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَى الرَّاهِنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ صَاحبه. قَوْله: (لكم لَوْ اعْوَرَّ عَيْنُهُ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَلَو اعور العَبْد الرَّهْن الخ. وَفِي التاترخانية عَنْ الْمُحِيطِ: رَهَنَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ مَثَلًا بِمِائَةٍ فَاعْوَرَّ الْعَبْدُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: ذَهَبَ نِصْفُ الْمِائَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَأَعْوَرَ، فَيَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ النُّقْصَانِ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اعْوَرَّ هُنَا مُشَدَّدُ الرَّاءِ مِنْ الِاعْوِرَارِ وَمَا بَعْدَهُ فَاعِلُهُ، وَإِسْنَادُهُ إلَى الْعَيْنِ لَا يُوجِبُ تَأْنِيثَهُ لِأَنَّهَا ظَاهِرٌ مَجَازِيُّ التَّأْنِيثِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ مُتَعَدِّيًا وَالْفَاعِلُ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَيْنُهُ مَفْعُولُهُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ لُزُومُ دِيَةِ الْعَيْنِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا سُقُوطُ نِصْفِ الدَّيْنِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَأَتَّى الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَلَا لِلِاسْتِدْرَاكِ بِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، إذْ لَيْسَتْ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ بَلْ مِنْ تَعَيُّبِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، فَافْهَمْ وَاغْنَمْ. قَوْلُهُ: (هَدْرٌ) أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِكَوْنِهَا جِنَايَةَ الْمُلُوك عَلَى مَالِكِهِ وَهِيَ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدْرٌ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَأَمَّا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلِأَنَّا لَوْ اعتبرناها لوَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّص مِنْهُ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ. دُرَرٌ مُلَخَّصًا. وَهَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ هَدْرٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا هَدْرٌ كَالْمَضْمُونِ. هِدَايَةٌ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَ قِيمَته أَلفَانِ وَالدّين ألف فَجَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ رَقِيقَهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَغَيْرُ مُشكل، وَأما على قَوْله فجنايته هَا هُنَا مُعْتَبَرَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ أَمَانَةٌ هُنَا وَجِنَايَةٌ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ مُعْتَبَرَةٌ فَيُقَالُ لِلرَّاهِنِ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ صَارَ عَبْدًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَدَفَعَاهُ بِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنًا وَيُسْتَوْفَى مِنْ الرَّاهِنِ حِصَّتُهُ مِنْ الْفِدَاءِ وَيَكُونُ الْفِدَاءُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ اه. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقِصَاصِ) بِأَنْ كَانَتْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دونهَا. در. قَوْلُهُ: (فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَوْ الْأَطْرَافِ هَدْرٌ، وَأَمَّا الْمُوجِبَةُ لَهُ فَمُعْتَبَرَةٌ إنْ أَوْجَبَتْهُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ فَيُفْهَمُ أَنَّهَا فِي الْأَطْرَافِ هَدْرٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ آنِفًا عَنْ الْمِعْرَاجِ، فَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ. أَفَادَهُ ح. وَقَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالدَّيْنِ، كَمَا أَنَّ التَّعْبِير بِالرَّهْنِ لَهُ وَجه أَيْضا كَمَا لَا يخفى اه: أَي لانصه يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّيْنِ بُطْلَانُ الرَّهْنِ. قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا إذَا عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّم، وَالظَّاهِر أَنه يبْقى على رهينته. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ فَيُبَاعُ) أَيْ إنْ لَمْ يَفْدِهِ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ مَالَ إنْسَانٍ مُسْتَغْرِقًا قِيمَتَهُ، فَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ وَالدَّيْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ افْدِهِ فَإِنْ فَدَاهُ بَطَلَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِأَمْرٍ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ الرَّاهِنُ أَيْضًا يُبَاع فَيَأْخُذ دائن الْعَبْدُ دَيْنَهُ وَبَطَلَ مِقْدَارُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ إنْ دَيْنُهُ أَقَلَّ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الْبَاقِي إنْ حَلَّ دَيْنُهُ، وَإِلَّا كَانَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ فَيَأْخُذَهُ قِصَاصًا اه. قَوْلُهُ: (إذْ هُوَ) أَيْ الِابْنُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ أَبِيهِ: أَيْ فِي حق الْملك، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةً. تَتِمَّةٌ: فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدَيْنِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْكل منكل مِنْهُمَا مَضْمُونًا فَالْجِنَايَةُ هَدْرٌ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَّا تَحَوَّلَ إلَى الْجَانِي مِنْ حِصَّةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُ مَا سَقَطَ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَرْبَعَةٌ: جِنَايَةُ مَشْغُولٍ عَلَى مَشْغُولٍ، أَوْ عَلَى فَارِغٍ، وَجِنَايَةُ فَارِغٍ عَلَى فَارِغٍ، أَوْ عَلَى مَشْغُولٍ، وَكُلُّهَا هَدْرٌ، إلَّا الرَّابِعَ، فَإِذَا كَانَا رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْمَقْتُولُ نِصْفُهُ فَارِغٌ فَيُهْدَرُ. بَقِيَ النِّصْفُ الْمَشْغُولُ مُتْلَفًا بِفَارِغٍ وَمَشْغُولٍ فَيُهْدَرُ نِصْفُ هَذَا النِّصْفِ لِتَلَفِهِ بِمَشْغُولٍ، وَيعْتَبر نصفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 الْآخَرُ لِتَلَفِهِ بِفَارِغٍ فَالْهَدْرُ يَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُعْتَبَرُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِي وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَصَارَ الْجَانِي رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَتَمَامه فِي الْوَلوالجِيَّة ومتفرقات التاترخانية. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا وَدَابَّةً. قَوْلُهُ: (فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ إلَخْ) لَا يُقَالُ: هَذَا الْأَصْلُ منَاف لقَوْله: وَلَا يرجع على الرَّاهِن بشئ، فَإِنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِيهِ نُقْصَانُ السِّعْرِ، لِأَنَّا نَقُولُ: عَدَمُ اعْتِبَارِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّهَا نَاقِصَةً بِالسِّعْرِ. أَمَّا إِذا تلفت فَالضَّمَان بِالْقَبْضِ السَّابِق لَان بده يَدُ اسْتِيفَاءٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ فَيَصِيرُ مستويا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمحل أخذا من صَرِيح كَلَام شرح الْهِدَايَة الْمَار أَو هَذَا الْبَابِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الطُّورِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحَ هُنَا بِذَلِكَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ) فَإِنَّهُ يَذْهَبُ قِسْطُهُ مِنْ الدَّيْنِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) الْمُرَادُ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُتَقَيِّدٍ بِمِائَةٍ فَالْمِائَةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْلِيلٌ آخَرُ هُوَ بِمَعْنَاهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ هُنَا لَا يَسْقُطُ من الدّين شئ يتراجع السِّعْرِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ وَانْتِقَاضِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّهُ لما أمره الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لَحْمًا وَدَمًا) يَعْنِي صُورَةً وَمَعْنًى. أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْمَقْتُولِ فِي الْآدَمِيَّةِ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَهُ جُزْءًا مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَكَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. هِدَايَةٌ. قَوْله: (فدَاء الْمُرْتَهِنُ) أَيْ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَعِبَارَةُ الشُّرَّاحِ: لَان الْجِنَايَة حصلت فِي ضَمَانه. قَوْله: (بشئ) أَيْ مِنْ الْفِدَاءِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى إلَخْ) إنَّمَا بُدِئَ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّا لَوْ خَاطَبْنَا الرَّاهِنَ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْتَارَ الدَّفْعَ فَيَمْنَعَهُ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَفْدِي حَتَّى أُصْلِحَ رَهْنِي. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَمَّا بِالدَّفْعِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ وَأَمَّا بِالْفِدَاءِ فَلِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى إلَخْ) أَيْ إنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 يُؤَدِّيَ عَنْهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ: بِعْهُ فِي الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (بَاعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ) فَإِنْ فَدَاهُ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَ غَرِيمُ العَبْد دينه، فَإِن فضل شئ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَدَيْنِ الْغَرِيمِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَالْفَضْلُ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ فَإِنْ حَلَّ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَإِلَّا أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الْغَرِيمُ الثَّمَنَ وَرَجَعَ بِالْبَاقِي عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى أَحَدٍ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (دَفَعَهُ الرَّاهِنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهن هُنَا لَا يُؤمر بشئ لِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يسْقط بهلاكه شئ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيّ، قَالَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَنَا أَفْدِي قَبْلُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِزِيَادَة الاستيثاق وَلَا ضَرَر للرَّاهِن اهـ. قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَمْ يَسْقُطْ شئ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ ابْتِدَاءً. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ ذُكِرَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ مِنْ جِنَايَةِ أَحَدِ عَبْدَيْ الرَّهْنِ عَلَى الْآخَرِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا وَدَابَّةً فَجِنَايَةُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعَبْدِ هَدْرٌ، وَبِالْعَكْسِ مُعْتَبَرَةٌ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لِقِيَامِهِ) أَيْ الْوَصِيِّ مَقَامَ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كِبَارًا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانُوا حَاضِرَيْنِ، فَلَوْ كَانُوا غَائِبَيْنِ، فَفِي الْعمادِيَّة من الْفضل الْخَامِس عَن فَتَاوَى رشيد الدّين القَاضِي: نصب الْوَصِيُّ إذَا كَانَ الْوَارِثُ غَائِبًا وَيَكْتُبُ فِي نُسْخَة الْوَصَايَا أَنه جعله وَصِيّا ووراث الْمَيِّت غَائِب مُدَّة السّفر اه. قَوْلُهُ: (تَوَقَّفَ عَلَى رِضَا الْبَقِيَّةِ) أَيْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمْ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ إيثَارٌ لِبَعْضِ الْغُرَمَاء بالابفاء الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْحَقِيقِيَّ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا ارْتَهَنَ) أَيْ أَخَذَ الْوَصِيُّ رَهْنًا. قَوْلُهُ: (جَازَ) لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا وَهُوَ يَمْلِكُهُ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْوَرَثَةِ) أَيْ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ أَوْ الْمَنْصُوبِ وَوَرَثَةُ الرَّاهِنِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ كَمَا سَبَقَ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 خَاتِمَة: الْمُرْتَهن بِفَسْخِ الرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ فَسَخْتُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَرْضَ الرَّاهِن وَهلك لَا يسْقط شئ من الدُّنْيَا، وَفِي الْعَكْس يسْقط يقدره كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ قَوْلُهُ: (رَهَنَ عَصِيرًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ إذَا تَخَمَّرَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ الرَّاهِنُ وَحْدَهُ مُسْلِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَوْ كَافِرَيْنِ فَالرَّهْنُ بِحَالهِ تخَلّل أَولا، وَفِي الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ إنْ تَخَلَّلَ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَهَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ الرَّاهِنُ فَقَطْ جَازَ تَخْلِيلُهُ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالتَّخَمُّرِ لَكِنَّ إعَادَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِالتَّخْلِيلِ فَصَارَ كَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ مِنْ الْجِنَايَةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمَيْنِ وَالْخَمْرُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي الْمُرْتَهِنِ الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا مَحَلٌّ. وَأَمَّا لَوْ الرَّاهِنُ كَافِرًا فَلَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْخَمْرِيَّةَ لَا تُعْدِمُ الْمَالِيَّةَ فِي حَقِّهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ خَمْرَ ذِمِّيٍّ فَخَلَّلَهَا وَالْخَلُّ لَهُ، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لَوْ دَيْنُهُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ قيمتهَا يَوْم التَّخْلِيل من دينه. عناية مُلَخصا. قَوْله: (فَهُوَ رهن بِعشْرَة) أَي يبْقى رهنا بهَا، وَإِنَّمَا لم يبطل لانه بصدد أَن يعود بالتخلل، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ مَا ذكر الْمُصَنِّفُ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ ينتقص شئ مِنْ كَيْلِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ يُسَاوِي الْعَشَرَةَ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ كَيْلُهُ عَلَى حَاله وانتقصت قِيمَته لَا يسْقط شئ مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ وَصْفٍ وَبِفَوَاتِهِ فِي المكيلات والموزونات لَا يسْقط شئ مِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنَّ الرَّاهِنَ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقَلْبُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَفْتَكُّهُ نَاقِصًا أَوْ يَجْعَلُهُ بِالدَّيْنِ. كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. وَإِنْ لَمْ تُنْتَقَصْ قِيمَتُهُ لَا يُخَيَّرُ فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ. إتْقَانِيٌّ وَعِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) إذْ لَا اعْتِبَارَ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَا يُفْهَمُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْقِيمَةِ للدّين. قَوْله: (لانصه لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) كَمَا إِذا كَانَ الَّذين عَشَرَةً وَالشَّاةُ بِعِشْرِينَ وَالْجِلْدُ بِدِرْهَمٍ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِنصْف دِرْهَم، لِأَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الشَّاةِ نِصْفَ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَيَسْقُطُ بِإِزَاءِ اللَّحْمِ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ بِخَمْسَةٍ وَالْجِلْدُ بِدِرْهَمٍ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِسِتَّةٍ، وَإِذَا هَلَكَ الْجِلْدُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الدَّيْنِ. وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِلَا ذَبْحٍ) أَمَّا إذَا ذُبِحَتْ كَانَتْ بِتَمَامِهَا مَضْمُونَةٌ ط. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) بِأَنْ تَرَّبَهُ أَوْ شَمَّسَهُ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْن قَولَانِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ وَيَصِيرُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِقِيمَةِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا الرَّاهِنُ أَخَذَ الْجِلْدَ لِأَنَّهُ صَارَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ الثَّانِي حكما. ثَانِيهمَا لَا يبطل لَان الشئ يَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لَا بِمَا دُونَهُ. وَالرَّهْنُ الثَّانِي هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمَالِيَّةِ الَّتِي انصلت بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدَّبْغِ وَهِيَ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ، وَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ أَقْوَى فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالثَّانِي، وَيَثْبُتُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ. كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا) يَعْنِي يَوْمَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَمَسْلُوخَةً: فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حَيَّةً عشرَة ومسلوخة تِسْعَة كَانَت الْقيمَة الْجِلْدِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً ثَمَانِيَةً كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ) (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِعَوْدِ الْبَيْعِ كَالرَّهْنِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَيَتَأَكَّدُ عقد الرَّهْن، فَإِذا عَادَتْ الْمَالِيَّة بالدبغ صَادَفَتْ عَقْدًا قَائِمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ بِقِسْطِهِ. إتقاني. قَوْله: (وَيفْسخ بِهِ) أَي ينْتَقض بلهلاك وَلَا عود بعد انْتِقَاض. قَوْلُهُ: (وَجُعِلَ الْعَبْدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ جَعَلَ الرَّاهِنُ أَوْ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ط. قَوْلُهُ: (يَعُودُ الدَّيْنُ) أَيْ إلَّا بِقَدْرِ نُقْصَانِ عَيْبِ الْإِبَاقِ كَمَا يَأْتِي لَهُ ط. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: يَعُودُ الرَّهْنُ، وَفِي بَعْضِهَا: يَعُودُ الدَّيْنُ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ رَهْنٌ من الْأَصْلِ) فَيَكُونُ لِلرَّاهِنِ حَبْسُهُ وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا بِشَرْطِ بَقَاءِ النَّمَاءِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يسْقط بمقابلته شئ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَمَا سَيُوَضِّحُهُ. قَوْلُهُ: (الاصل أَن كل مَا يتود مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ) أَيْ أَوْ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ عَيْنِ الرَّهْنِ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ. هِنْدِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (هَلَكَ مَجَّانًا) أَيْ إلَّا الْأَرْشَ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ مَا بِإِزَائِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهِ فَقَامَ مَقَامَ الْمُبْدَلِ. كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح. قَوْلُهُ: (أَيْ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) هَذَا التَّعْمِيمُ هُوَ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: وَإِنْ لَمْ يُفْتَكَّ الرَّهْنُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَمَا إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَكْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بقوله أَولا: بِأَنْ أَكَلَ بِالْإِذْنِ عَكْسَ هَذَا، وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ، بِأَنْ هَلَكَ وَبَقِيَ نَمَاؤُهُ كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ أَكَلَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَشْبِيه الشئ بِنَفسِهِ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ وَلَو حكما، كَمَا إِذا أكل الرَّهْن أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّمَاءِ بِالْإِذْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حِصَّةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَيَرْجِعْ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قيمتهمَا وَيرجع على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 الرَّاهِنِ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ. الْكُلُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اه. قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ) اُنْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ. قَوْلُهُ: (فَكَّ) أَيْ النَّمَاءُ بِحِصَّتِهِ، فَلَوْ هَلَكَ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِ الاصل ذهب بِلَا شئ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَذَهَبَ كُلُّ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الْأَصْلِ. وَتَمَامُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّبَعُ يُقَابله شئ إذَا كَانَ مَقْصُودًا) كَوَلَدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَبِيعًا تَبَعًا وَلَا يَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ عِنْدَنَا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْفِكَاكِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْفِكَاكِ، إذْ لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ يَهْلِكُ مَجَّانًا. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْقَبْضِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَيَسْقُطُ) أَيْ بِسَبَبِ هَلَاكِ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ رَهَنَ نَخْلًا وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ ثمارها هَل يملك أَن يَبِيعهَا ويتمولها أَو يَمْلِكُ الْأَكْلَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ؟ فَأَجَابَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَأَكَلَهَا: أَكْلَهَا أَوْ أَكْلَ ثَمَنِهَا، إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الاكل دون غَيره اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ مُلَخَّصًا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هُوَ الظَّاهِرُ وَمُدَّعِي الَأَعَمِّيَّةِ مُحْتَاجٌ إلَى الدَّلِيلِ. قُلْتُ: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ أَبَاحَ لَهُ نَفْعَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ. تَأَمَّلْ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ أَكْلَ الزَّوَائِدِ الْمَأْكُولَةِ إنَّمَا هُوَ أَكْلُ نَفْسِهَا لَا أَكْلُ بَدَلِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَكْشُوفٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَدِيهَةِ اه. نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَتِيُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَعَ الشَّاةِ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْإِطْلَاقُ) أَيْ الْإِبَاحَةُ اه ح. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِالشَّرْطِ) وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَا: مَهْمَا زَادَ فَكُلُّهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخَطَرُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا احْتَمَلَ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فَهُوَ بِمَعْنى الشَّرْط. تَأمل. قَوْله: (وَعَلِيهِ يحمل الح) بِأَنْ يُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: (مَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ أَوَّلَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اه. ح. أَقُولُ: مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ هُنَاكَ وَمِثْلُهُ فِي غَيرهَا مُوَافق لما هُنَا، ولهل النُّسَخَ مُخْتَلِفَةٌ. قَوْلُهُ: (قُلْتُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ الْإِذْنِ وَأَنَّهُ رِبًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمِنَحِ أَوَّلَ الرَّهْنِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَوْفًى، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ) كَثُلُثِ الْعَشَرَةِ فِي مِثَالِهِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (كَإِتْلَافِ الرَّاهِنِ بِنَفْسِهِ) فَلَا يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدَّيْنِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، بِخِلَافِ الْهَالِكِ فِي يَدِهِ. قَوْلُهُ: (قَالَ لَهُ الخ) فِي التاترخانية: آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنٍ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) حَتَّى لَا يَسْقُطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهَلَاكِهِ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ ط. وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إِلَّا بتجديد. تاترخانية. وَكَذَا لَوْ آجَرَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (وَتَسَلَّمَهُ الْمُرْتَهِنُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَسَلَّمْهُ لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ أَوْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَاعَ) أَيْ الرَّاهِنُ. قَوْلُهُ: (فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَيْعُ يَصِيرُ الثَّمَنُ رَهْنًا، لَكِنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يَكُونُ رَهْنًا) أَيْ مَعَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي قَبَضَهُ ط. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: حَتَّى لَوْ أَرَادَ مَنْعَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَوْ مِنْ قَنَاةٍ مَمْلُوكَةٍ) هَذَا خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ وَمَاءُ الْقَنَاةِ غَيْرُ مُحْرَزٍ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى رَهْنًا إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: زَرَعَ أَوْ سَكَنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَمَا دَامَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ. قَوْلُهُ: (بَقِيَ فِيمَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَهْنُ ذَلِكَ الْبَاقِي ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الشُّيُوعِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ هَلَكَهُ بِحِصَّتِهِ) أَيْ وَإِن كَانَ من قِيمَتِهِ وَفَاءً بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيد قبض كَمَا يُفِيد كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُد مِنْهُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ قَبْضًا لِلْإِجَارَةِ يهْلك هَلَاك الرَّاهِن اه. وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرَّرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ قَبْضَ الْمَضْمُونِ بِغَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ غَيْرِ الْمَضْمُونِ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ، وَقَدَّمْنَا فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ عَنْ الْعِنَايَةِ اشْتِرَاطَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ) وَتَكُونُ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مِنْهُ فَلَا تُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيُّ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ وَفَاءً وَتقَابَضَا ثمَّ اسْتَأْجرهَا من المُشْتَرِي مَعَ شَرَائِط صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ؟ قَالَ: لَا، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا رَهْنٌ، وَالرَّاهِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ اه. خَيْرِيَّةٌ ثُمَّ نُقِلَ فِيهَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُوَافِقُهُ، وَأَفْتَى بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالْكُلُّ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ. حَامِدِيَّةٌ. فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. قَوْلُهُ: (سَقَطَ بِحِسَابِ نَقْصِهِ) أَيْ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الْآبِقِ بِسَبَبِ إبَاقِهِ ط. وَهَذَا إذَا كَانَ أَوَّلَ إبَاقٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْلِيلُ، فَإِنْ كَانَ أبق قبل ذَلِك لَا يسْقط شئ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ الضِّمْنِيَّةِ) ، وَهِيَ نَمَاءُ الرَّهْنِ، وَمُرَادُهُ بِالضِّمْنِيَّةِ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الرَّهْنُ قَصْدًا ط. قَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تَصِحُّ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ثُمَّ يَزِيدُ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَعَ الْأَصْلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْقَبْضِ أَيْضًا) أَيْ يَوْمَ قَبْضِ الزِّيَادَةِ كَمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ) الْمُرَادُ أَن لَا يكون بِهَا مَضْمُونًا، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِهَا فَجَائِزَةٌ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى لَا بِالْأَلْفَيْنِ، وَلَوْ قَضَاهُ أَلْفًا وَقَالَ إنَّمَا قَضَيْتُهَا عَنْ الْأُولَى لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ، إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي مَعْقُودٍ بِهِ) كَالثَّمَنِ أَوْ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ ط. قَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ مِنْهُمَا) بَلْ أَصْلُ الدَّيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَمَّا إنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُوبِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَفِي الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ: رَهَنَ غُلَامَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: احْتَجْتُ إلَى أَحَدِهِمَا فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَفَعَلَ، فَإِنَّ الْبَاقِيَ رَهْنٌ بِنِصْفِ الْأَلْفِ فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُهُ وَلَكِنْ لَا يَفْتَكَّهُ إلَّا بِجَمِيعِ الالف اه. فلحيفظ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ. قَوْلُهُ: (لِيُفِيدَ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) وَهِيَ بَيَانُ حُكْمِ تَبْدِيلِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ بِرَهْنٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (وَقِيمَةُ كُلٍّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَلْفٌ كَذَا قَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قيد اتفاقي لما فِي التاترخانية عَنْ التَّجْرِيدِ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَوَّلِ خَمْسَمِائَةٍ وَالثَّانِي أَلْفًا وَالدَّيْنُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّانِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَوَّلُ أَلْفًا فَهَلَكَ الثَّانِي فِي يَدِهِ هَلَكَ بِخَمْسِمِائَةٍ اه. وَلِذَا تُرِكَ الْقَيْدُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ (حَتَّى يَجْعَل مَكَان الاول) لَان الْأَوَّلَ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وهم بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا، وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا، فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ لِأَنَّ بُد الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَن الاول هُوَ الْمُخْتَار عِنْد قاضيخان. وَأَفَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ عَادَةَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اخْتِيَار الاخير عكس عَادَة قاضيخان وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ عِنْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ ثمَّ هلك بعده. قَوْله: (أَو اشْترى الْمُرْتَهِنُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ عَلَى عَيْنِ اسْتِيفَاءٍ. عِنَايَةٌ. أَيْ إذَا كَانَ عَنْ قَرَارٍ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ مِثْلُهُ بِالشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ عَنْهُ. كِفَايَةٌ: أَيْ فَيَسْقُطُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى آخَرَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ لِلرَّاهِنِ أَخْذَ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ كَمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (هلك بِالدّينِ) وَالْفرق أنص الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا قَدَّمَهُ وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا أَنْفُسِهَا، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ، لَكِنْ إذَا أَدَّى الْمَدْيُونُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الدَّائِنِ مِثْلُهُ فَتسقط لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَهُ تَقَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ الْحُكْمِيُّ وَانْتَقَضَ الثَّانِي لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُتَطَوِّعٍ) وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ لَا الْمُتَطَوَّعِ عَنْهُ. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ، وَلِي فِيهِ نَظَرٌ: فَإِنَّ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُرْتَهن فِي صُورَتي الشِّرَاء واصلح هُوَ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَصَالِحُ عَلَيْهَا، وَقَدْ صُرِّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهن رد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 قِيمَتِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا يَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الشِّرَاءُ وَالصُّلْحُ، وَقَدْ رَأَيْتُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَمَا وَجْهُ بُطْلَانِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْأَدَاءِ وَالْحَوَالَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. قَوْلُهُ: (وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ) أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْحَوَالَةِ فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ دُونَ الْإِسْقَاطِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَة وَهِي أظهر. وَالْحَاصِل كَمَا فِي الكافية: أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ وَلَكِنْ ذِمَّةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَلِهَذَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ بِالْحَوَالَةِ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ بُطْلَانِ الصُّلْحِ) قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ السَّعْدِيَّةِ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ السَّابِقُ خِلَافَهُ، وَالشِّرَاءُ مِثْلُ الصُّلْحِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَأَن مَا الدَّيْنَ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذكره الْقُهسْتَانِيّ. وَعبارَته: تبطل الْحَوَالَةُ بِالْهَلَاكِ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْحَوَالَةُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ التَّامَّ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَإِلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يبطل اه. ط أَقُولُ: قَدَّمَ الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ: بِالدَّيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ (يَهْلِكُ بِهِ) مُغْنٍ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ إلَخْ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِهِ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ. دُرَرٌ. لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ: لَو تصادفا قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لانه بتصادفهما يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ اه. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَلَاكَهُ مَضْمُونًا فِي الصُّورَتَيْنِ. سَعْدِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ) أَيْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، فَلَوْ نَقَضَ الرَّاهِنُ الْعَقْدَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَ الْمَرْهُونِ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الرَّاهِنُ مَا قَبَضَ، وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ بِدَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ لِأَنَّهُ مَا اسْتَفَادَ تِلْكَ الْيَدَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا الْمَالِ، وَيَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَحَلِّ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ) صَوَابُهُ: لَا يَتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ لِأَنَّهُ إصْرَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَكِنْ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا نَقَضَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمَعْصِيَةُ وَحَبَسَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ لَا يكون إصرا لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا قَبَضَ، فَإِذَا امْتَنَعَ فَهُوَ الْمُصِرُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِلْمُشْتَرِي الْحَبْسَ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ يَكُنْ مَالًا) كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّ لِلرَّاهِنِ أَخْذَهُمَا لِأَنَّ رَهْنَهُمَا بَاطِلٌ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا) كَمَا لَوْ رَهَنَ عَيْنًا بِخَمْرِ مُسْلِمٍ فَلَهُ أَخْذُهَا مِنْهُ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: فَلَوْ فَقَدَ أَحدهمَا لم ينْعَقد أصلا. قَوْله: (بِخِلَاف لفاسد) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: كُلُّ حُكْمٍ إلَخْ ط. قَوْلُهُ: (رَهْنُ الرَّهْنِ بَاطِلٌ) أَيْ إذَا رَهَنَهُ الرَّاهِن أَو لمرتهن بِلَا إذْنٍ، فَلَوْ بِإِذْنٍ صَحَّ الثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْعَارِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ فِيهَا. وَأَمَّا الرَّهْنُ فَكَالْوَدِيعَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَارِيَّةِ: وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ اه ط. قَوْله: (ومجنيه الخ) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَيُّ جَانٍ، وَضَمِيرُ يُشْطَرُ يَعُودُ إلَى الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ ط. قَالَ ح: يَعْنِي: أَيُّ جَانٍ إذَا مَاتَ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ يجب شطر الدِّيَة وَإِن عَاشَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً. الْجَوَابُ: خِتَانٌ قَطْعُ الْحَشَفَة إِن مَاتَ الصَّبِي وَجب عَلَيْهِ نصف الدِّيَةُ، وَإِنْ عَاشَ وَجَبَتْ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَتَمَامُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ التَّلَفُ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ، وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ اه. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ، وَسَتَأْتِي أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ الْقَسَامَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا التَّفْسِيرُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَفْسِيرٌ بِدُونِ أَلْ وَهُوَ الْأَوْضَحُ، وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ: وَأَيُّ رَهِينٍ إلَخْ أَيْ هَذَا تَفْسِيرُ وَبَيَانُ قَوْله تَعَالَى: * (كُلُّ نَفْسٍ) * (هود: 83) الْآيَة، وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 كتاب الْجِنَايَات قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ) هُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ ط. قَوْلُهُ: (وَالْمَالُ وَسِيلَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْجِنَايَاتِ لِأَهَمِّيَّتِهَا بِتَعَلُّقِهَا بِالْأَنْفُسِ ط. قُلْت: وَمَا مَرَّ مِنْ مُنَاسَبَةِ الرَّهْنِ لِمَا قَبْلَهُ تُغْنِي عَنْ هَذَا. قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَبُ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (وَالْجِنَايَةُ بِمَا حَلَّ بِنَفْسٍ وَأَطْرَافٍ) أَيْ فِي هَذَا الْكتاب، وَإِلَّا فجنايات الْحَجِّ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِنَفْسِ الْآدَمِيِّ وَلَا طَرَفٍ مِنْ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهَا الْجِنَايَةَ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِالْقَتْلِ هُنَا الْقَتْلَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَصِحَّ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا قَتْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يَشْمَلُ الْقَتْلَ الْمَأْذُونَ بِهِ شَرْعًا كَقِصَاصٍ وَرَجْمٍ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ، فَيَخْرُجُ الْعَمْدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، سَعْدِيٌّ. وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَلَوْ عُنُقَ غَيْرِهِ فَخَطَأٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: إنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ وَاحْتَرَزَ بِالتَّعَمُّدِ عَنْ الْخَطَأِ وَبِقَوْلِهِ: بِآلَةٍ إلَخْ عَنْ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ) إنَّمَا شُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ، وَدَلِيلُهُ اسْتِعْمَالُ الْقَاتِلِ آلَتَهُ، فَأُقِيمَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولَاتِهَا فِي الْمَعَارِفِ الظَّنِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. مِنَحٌ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشُّهُودُ الْعَمْدَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لَمْ أَقْصِدْ قَتْلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الْخَطَأُ. وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ. وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (جَوْهَرَةٌ) عِبَارَتُهَا: الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْخِنْجَرِ وَالنُّشَّابَةِ والابرة والاشفي وَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ، سَوَاءٌ كَانَ يَقْطَعُ أَوْ يُبْضِعُ كَالسَّيْفِ وَمِطْرَقَةِ الْحَدَّادِ وَالزُّبْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَمْ لَا. وَلَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ فِي الْحَدِيدِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة لانه وَضِعَ لِلْقَتْلِ، قَالَ تَعَالَى: * (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْس شَدِيد) * (الْحَدِيد: 52) وَكَذَا كل مل يشبه الْحَدِيد كالصفر والرصاص وَالذَّهَب وَالْفِضَّة، سوء كَانَ يَبْضَعُ أَوْ يَرُضُّ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ. اه. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارَ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَرِّ. قُلْت: وَعَلَى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عِنْد لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ وَتَجْرَحُ فَيُقْتَصُّ بِهِ، لَكِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 إذَا لَمْ تَجْرَحْ لَا يُقْتَصُّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا أَفَادَهُ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. والاشفي بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: مَا يُخْرَزُ بِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ) أَيْ بِأَنْ نُحِتَ حَتَّى صَارَ لَهُ حِدَةٌ يُقْطَعُ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ فِي طَرَفِهِ حَدِيدٌ كَمَا وُهِمَ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْمَرِّ الْآتِيَةِ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ. قَوْلُهُ: (وَإِبْرَةٍ فِي مَقْتَلٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهَا عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِي الْمِسَلَّةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ، لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً وَيُقْصَدُ بِالْمِسَلَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ، وَإِلَّا فَلَا اه. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْحَدِيدِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا قِصَاصَ إلَّا إذَا غَرَزَهُ فِي الْمَقْتَلِ، وَكَذَا لَوْ عَضَّهُ اه. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: فِي الْإِبْرَةِ الْقَوَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اه. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اه. وَجَزَمَ بِعَدَمِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْمَقْتَلِ تَوْفِيقًا. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلِيطَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: قِشْرُ الْقَصَبِ اللَّازِقُ بِهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. قَوْلُهُ: (عَطْفٌ عَلَى مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا عَلَى خَشَبٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَدَّدِ. قَالَ سَعْدِيٌّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من قبيل الرجز: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا إذْ الْوَاقِعُ فِي صُورَةِ النَّارِ هُوَ الْإِلْقَاءُ فِيهَا لَا الضَّرْبُ بِهَا اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ إلَخْ) بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْكِفَايَةِ) قَالَ ط: وَنَحْوُهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالنِّهَايَةِ. حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ اه. قَوْلُهُ: (وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ النُّقُولَ الثَّلَاثَةَ نَقْضًا لِعَكْسِ الْكُلِّيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا الْمَشْرُوطَ فِي الذَّكَاةِ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالسَّنْجَةِ وَالتَّنُّورِ الْمَحْمِيِّ وَالْإِبْرَةِ وَلِذَا أَعَادَ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَةِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهَا آنِفًا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا حَدَّ لَهُ. قَوْلُهُ: (كَالسَّنْجَةِ) فِي الْقَامُوسِ: سَنْجَةُ الْمِيزَانِ مَفْتُوحَةٌ وَبِالسِّينِ أَفْصَحُ مِنْ الصَّادِ اه. وَذكر فِي فصل الصَّاد: الصنج شئ يُتَّخَذُ مِنْ صُفْرٍ يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَآلَةٌ بِأَوْتَارٍ يُضْرَبُ بِهَا اه. زَادَ فِي الْمُغْرِبِ. وَيُقَالُ لِمَا يُجْعَلُ فِي إطَارِ الدُّفِّ مِنْ الْهِنَاتِ الْمُدَوَّرَةِ صُنُوجٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَمْدٌ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِيهِ: لَوْ قيد بِحَبل ثمَّ ألقِي فِي قدر مَاءٌ مَغْلِيٌّ جِدًّا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ فِيهِ مَاءٌ حَارٌّ فَأَنْضَجَ جَسَدَهُ، وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ قُتِلَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِمَا لَا تُطِيقُهُ الْبِنْيَةُ) أَيْ الْبَدَنُ. فِي الْقَامُوسِ: الْبِنْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: مَا بَنَيْته. وَبنى الطَّعَام بدله: سَمَّنَهُ، وَلَحْمَهُ: أَنْبَتَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ حُرْمَتَهُ) الْأَوْلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 وَحُرْمَتُهُ ط. قَوْلُهُ: أَشَدُّ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكفْر أَي أَشد من الْكفْر الصُّورِي، فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِمُلْجِئٍ يُرَخَّصُ مَعَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ أَصْلًا لِاسْتِوَاءِ النَّفْسَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْكُفْرِ الْقَلْبِيِّ فَإِنَّهُ أَشَدُّ وَلَا يُرَخَّصُ بِحَالٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَا يَتَحَتَّمُ دُخُولُهُ النَّارَ، بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ دَخَلَهَا لَمْ يُخَلَّدْ فِيهَا اه. وَأَمَّا الْآيَةُ فَمُؤَوَّلَةٌ بِقَتْلِهِ لِإِيمَانِهِ أَوْ بِالِاسْتِحْلَالِ أَوْ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُهُ الْقَوَدُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: أَيْ الْقِصَاصُ، وَسُمِّيَ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ اه. سَعْدِيٌّ. ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِشَرْطٍ فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ يُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: عَيْنًا أَيْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْعُدُولُ إلَى أَخْذِ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ: الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ صُلْحًا) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوَدُ عِنْدَنَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ فَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا إلَّا مِنْ جِهَةِ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمِثْلِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَشَارَ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي: لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رِبًا، وَيَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ) وَذَلِكَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْله صلى اللع عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ: (أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ) بِدَلِيلِ أَنَّ لِلصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ فِيهَا مَدْخَلًا فَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ كَالْخَطَأِ، فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ. أَمَّا الْعَمْدُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَطَأِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلِأَنَّ الْخَطَأَ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَعَاقِلِ. أَقُول: لكنه مُخَالف لما فِي الشُّرُوح كَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعمد وَجب فِيهِ الْقصاص أَولا، كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَالْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا عمدا اه. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي شَبَهُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ: أَيْ نَظِيرُ الْعَمْدِ وَيُقَالُ لَهُ: شَبَهُ الْخَطَأِ، لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ، وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَصْدِهِ إلَى الْقَتْلِ إذْ لَيْسَتْ الْآلَةُ آلَةَ قَتْلٍ اه. مِنْ الدُّرَرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. وَزَادَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ يُسَمَّى خَطَأَ الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 (كَبِيرَيْنِ) فَلَوْ صَغِيرَيْنِ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: خِلَافًا لِغَيْرِهِ أَيْ لِلْإِمَامَيْنِ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ عمد عِنْدهم لما مِنْ تَعْرِيفِهِ عِنْدَهُمْ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِثْمِ وَالْقَوَدِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا لَزِمَ فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ عِنْدَهُ لَزِمَ عِنْدهمَا، إِلَّا فِي الْعَمْدَ عِنْدَهُمَا ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَشبه الْعمد لما لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَمَاتَ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَلَا شِبْهَ عَمْدٍ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ أُلْقِيَ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ وَلَا يُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ كَانَ شبه عمد عِنْدَهُ وَعَمْدًا عِنْدَهُمَا، وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ اه. وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى: يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَيْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ التَّأْدِيبَ دُونَ الْإِتْلَافِ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ) أَيْ إثْمُ الْقَتْلِ لِتَعَمُّدِ الضَّرْبِ اه. مَكِّيٌّ عَنْ الْبُرْهَانِ. وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ أَي إثْمَ الضَّرْبِ لَا الْقَتْلِ حَيْثُ قَالَ: أَثِمَ إثْمَ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ اه. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ لِتَعَمُّدِ الضَّرْبِ، فَتَعْلِيلُهُ يُنَافِي مُدَّعَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِإِنَاطَةِ الاثم بِالْقَصْدِ: فَإِن قصد أَثِمَ إثْمَهُ، وَإِنْ قَصَدَ الضَّرْبَ أَثِمَ إثْمَهُ لَكِن لَهُ وَجْهٌ اه. ط. قَوْلُهُ: (وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) أَيْ مِنْ مِائَةِ إبِلٍ، فَلَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غير الابل لم تتغلظ. قُهُسْتَانِيّ، وَتَأْخُذ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ النَّاصِرَةِ لِلْقَاتِلِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبت بِالْقَتْلِ ابْتِدَاء لَا بِمَعْنى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. هِدَايَةٌ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً عَنْ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالصُّلْحِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ عَلَى الْوَالِدِ بِقَتْلِ وَلَدِهِ عَمْدًا. كِفَايَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ. زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَفِي النَّفْسِ وَفِي الْخَطَأِ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَوْ نَفْسًا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِيمَا دُونَهَا وَإِنْ بَلَغَ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِل اهـ. بَزَّازِيَّة. قَوْله: (سيجئ تَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ تَفْسِيرُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَالْمُغَلَّظِ مِنْهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلَةِ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ خَطَأٌ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَلَوْ عَلَى عَبْدٍ، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْوَهْمِ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ مَالًا أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ اه. قَوْلُهُ: (وَهُوَ نَوْعَانِ) لَان الرَّمْي إِلَى شئ مَثَلًا مُشْتَمِلٌ عَلَى فِعْلِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَعَلَى الْجَارِحَةِ وَهُوَ الرَّمْيُ، فَإِنْ اتَّصَلَ الْخَطَأُ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِالثَّانِي فَهُوَ الثَّانِي. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (ظَنَّهُ صَيْدًا) اُنْظُرْ هَلْ يُعْتَبَرُ ادِّعَاءُ الظَّنِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تحَققه أَولا بِأَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 يشْهد عَلَيْهِ؟. ثُمَّ نَقْلُ مَا لَا يَتِمُّ مِنْهُ الْمُرَادُ، وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (غَرَضًا) بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ وَهُوَ الْهَدَفُ الَّذِي يَرْمِي إلَيْهِ، قَوْلُهُ: (فَأَصَابَ رَجُلًا) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ رَجَعَ أَوْ تَجَاوَزَ. قَوْلُهُ: (وَرُجُوعُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ) وَهُوَ إصَابَةُ الْحَائِطِ الْمُسَبَّبَةِ عَنْ الرَّمْيِ. قَوْلُهُ: (فَكَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيهِ مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ شَرَطَ فِي الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ فِعْلٌ آخَرُ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ إنَّهُ إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ. أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قَالَ ط: لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَصَابَ خِلَافَهُ) أَيْ شَخْصًا غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْقَتْلُ فِيهِ مُعَذَّرٌ) أَيْ الْقِصَاصُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ. قَوْلُهُ: (حَالَةَ النَّوْمِ) أَيْ نَوْمِ الشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (إنْ أَبْقَى دَمًا) أَيْ تَرَكَهُ يَنْهَرُ: أَيْ يَسِيلُ مِنْهُ، وَاَلَّذِي فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: يَقْطُرُ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِحَالَةِ النَّوْمِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِبْرَةَ إذَا أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَصْدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ نَائِمٍ وَتَرَكَ دَمَ نَفْسِهِ يَسِيلُ يَكُونُ مَوْتُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ مَا جَرَى مَجْرَاهُ إلَخْ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهُ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً، فَإِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ عَنْ نَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ قَاتِلًا، وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا تجب لترك التَّحَرُّز أَيْضا، حرمَان الْمِيرَاثِ لِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاعِسًا لَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا مِنْهُ إلَى اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ، وَاَلَّذِي سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَبِنَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ مِثْلُ النَّائِمِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا لِلْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِتَرْكِ الْعَزِيمَةِ) وَهِيَ هُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَهَذَا الْإِثْمُ إثْمُ الْقَتْلِ، لِأَنَّ نَفْسَ تَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لَيْسَ بِإِثْمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ بِهِ آثِمًا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَتْلُ فَتَصِيرُ الْكَفَّارَةُ لِذَنْبِ الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمُ قصد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 الْقَتْلِ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَوَاضِعِ حَجَرٍ) أَيْ إذَا لَمْ يُنَحِّهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ نَحَّاهُ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ الْمُنَحِّي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِلْحَفْرِ وَالْوَضْعِ. دُرَرٌ، فَلَوْ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَعَدِّي فَلَا دِيَةَ. وَلَا كَفَّارَةَ ط. قَوْلُهُ: (مِنْ السُّلْطَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَعُمُّ نَائِبَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ نَحْوُ الْخَشَبَةِ كَقُشُورِ بِطِّيخٍ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا رَشَّ الطَّرِيقَ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ، قَالُوا: إنَّمَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ إذَا مَرَّ عَلَى الرَّشِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَو الْمَار أعمى، وَكَذَا الْمُرُور عل الْخَشَبَةِ أَوْ الْحَجَرِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَصَّلَ بِوَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ: إنْ رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ حَتَّى أَمْكَنَهُ الْمُرُورُ فِي الْجَافِّ لَا ضَمَانَ، وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِر اسْتِحْسَانًا، وَتَمَامه فِي التاترخانية. فَرْعٌ: تَعَقَّلَ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ، فَلَوْ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ فَعَلَى الْحَافِرِ، وَكَذَا لَوْ زَلِقَ بماى صَبَّهُ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الصاب، وَلَو بِمَاء مطر فعلى الْحَافِر. تاترخانية. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ أَنَّهُ أَسْقَطَ نَفْسَهُ اسْتِحْسَانًا. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْسَامِ الْقَتْلِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ط. قَوْلُهُ: (لَوْ الْجَانِي مُكَلَّفًا) فَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَرِثُ كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ ط. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ قَتْلِهِ) أَيْ مُبَاشَرَةً، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُبَاشِرِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَبَقِيَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَلَى الْأَصْلِ. كِفَايَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبهُ قَوْلُهُ: (مَحْقُونِ الدَّمِ) الْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ: قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: حَقَنَ دَمَهُ إذَا مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُبَاحِ الدَّمِ كَالزَّانِي الْمُحصن وَالْحَرْبِيّ وَالْمُرْتَدّ، وَالْمرَاد الحقن الْكَامِل، فَكُن أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ صَارَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ هُنَاكَ لِأَنَّ كَمَالَ الْحَقْنِ بِالْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ وَالْمُؤَثِّمَةِ، وبالاسلام حصلت المؤتمة دُونَ الْمُقَوِّمَةِ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ) أَيْ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ عَمْدًا أَجْنَبِيٌّ عَن الْمَقْتُول يقْتَصّ من الاجنبي للْقَاتِل إنْ قَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَمْدًا. قَالَ الْوَانِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْحُكْمِ اه ط. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ قَتْلُ الْمُسْلِمِ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ عَمْدًا حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ انْقَلَبَ مَالًا بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ وَذَلِكَ عَارِضٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 بِهَذَا الْقَتْلِ فَلَا يُغَسَّلُ، وَكَذَا قَتْلُ عَبْدِ الْوَقْفِ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ وَانْقَلَبَ مَالًا لِعَارِضِ مُرَاعَاةِ نَفْعِ الْوَقْفِ اه. ط عَنْ الْمَكِّيِّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ. قَوْلُهُ: (انْقَلَبَ دِيَةً) أَيْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الدَّفْعِ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَو جن قبل الْقَضَاء والوالجية. قَوْلُهُ: (مَنْ يُجَنُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُفِيقُ مِنْ أَفَاقَ ط. وَمَنْ مُبْتَدَأٌ، وَقَتَلَ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ حَالٌ أَوْ شَرْطٌ لِأَدَاةِ شَرْطٍ مَحْذُوفَةٍ، وَقُتِلَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ خَبَرٌ بِمَعْنَى يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَا قتل فِي إِفَاقَته، وَالظَّاهِر أَن يُقَيِّدَ بِمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالدَّفْعِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ مُطْبِقًا) بِأَنْ كَانَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى اخْتلَافهمْ فِيهِ. ولوالجية. قَوْلُهُ: (سَقَطَ) أَيْ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَمَا فِي الوالجية وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يُقْتَلُ) وَهَذَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَجِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ وَقَالَ الْحَمَوِيُّ: لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْلَى. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا قَوَدَ فِيهِ) بَلْ يَنْقَلِبُ مَالًا لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ عَن الْمَكِّيّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: لَعَلَّ وَجهه اشْتِبَاه من لَهُ حق الْقِصَاصِ، لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ وَلَعَلَّهُ الْقِيمَةُ فَلْيُنْظَرْ اه. أَقُولُ: قَالَ فِي وَقْفِ الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً، وَيَشْتَرِي بِهَا الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا، كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ اه. قَوْلُهُ: (قَتَلَ خَتَنَهُ) الْخَتَنُ: هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأَخِ، هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ: زَوْجُ ابْنَتِهِ. مُغْرِبٌ. وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي. قَوْلُهُ: (سَقَطَ الْقَوَدُ) لِأَنَّهَا وَرِثَتْ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهَا اه ح. أَقُولُ: بَلْ قَدْ ثَبَتَ لَهَا ابْتِدَاءً لَا إرْثًا كَمَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يسْقط قَوَدٌ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَعَمَّ كَقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي) هَذَا سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: أَوْ أَمَرَ بَدَلَ قَوْلِهِ: أَوْ أَعَمَّ، وَهُوَ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (كَمَا سيجئ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَتْنًا. قَوْلُهُ: (خِلَافًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 لِلشَّافِعِيِّ) فَعِنْدَهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ قَوْلُهُ: (أَن النَّفس) بِفَتْح الْهمزَة لانه مَعْمُول لقَوْله تَعَالَى: * (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) * (الْمَائِدَة: 54) . قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ إلَخْ) الِاقْتِصَارُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحُرِّ وَهُوَ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ قَوْله تَعَالَى: * (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) * (الْمَائِدَة: 54) لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالْمُقَابَلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: * (والانثى بالانثى) *. وَلَمْ يُمْنَعْ قَتْلُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. قَوْلُهُ: (قِيلَ وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ) صَوَابُهُ وَلَا الْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا فِي الْمِنَحِ اه ح، يَعْنِي أَنَّهُ قِيلَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لَوْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى: * (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) * (الْبَقَرَة: 871) عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ لِلتَّخْصِيصِ بِالذَّكَرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ قَوْلُهُ: (وَرُدَّ) أَيْ هَذَا الْقِيلُ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ بِعِبَارَةِ النَّصِّ يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِهِ بِدَلَالَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ دُونَهُ كَمَا دَلَّتْ حُرْمَةُ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَأَصْلُ الْإِيرَادِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالرَّادُّ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو وَابْنُ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَبِي الْفَتْحِ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (خُذُوا بِدَمِي إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَقْتُلُوهُ إلَخْ) فِيهِ مُنَافَاةٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالدَّمِ يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تحب دِيَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ط. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ حرا قطّ يقتل بِالْعَبدِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي مَذْهَبِي لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ غَيره لَا يُنَاسِبه قَوْله (وَإِن كنت عَبده) اه ح. أَقُولُ: الْمُرَادُ إظْهَارُ الْحُكْمِ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، فَلَا يُدَقَّقُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُعْتَرَضَ بِأَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَامَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَتْلِ، وَبِأَنَّ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ اللَّحْظِ لَا يُقَادُ بِهِ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعَمْدِ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ خَالِيًا عَنْ الطَّعْنِ مَعَ الْأَدَبِ، وَمُرَاعَاةِ مَا لِلْحَبِيبِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ فَقُلْت: دَعُوا مَنْ بِرُمْحِ الْقَدِّ قَدْ قَدَّ مُهْجَتِي وَصَارِمِ لَحْظٍ سَلَّهُ لِي عَلَى عَمْدِ فَلَا قَوَدٌ فِي قَتْلِ مَوْلًى لِعَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ شَرْعًا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ قَوْلُهُ: (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَحَدِيثِ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ وَقَالَ: أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ. وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: إِنَّمَا بدلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 كَأَمْوَالِنَا، وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّ أَمْرَ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَقَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ أَيْ ذِمِّيٌّ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ. وَلَئِنْ صَحَّ أَنَّهُ رُوِيَ ذِي عَهْدٍ بِالْجَرِّ فَعَلَى الْجِوَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِنَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا هُمَا بِمُسْتَأْمَنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ بِمُسْتَأْمَنٍ، فَإِنَّهُ غير محقوق الدَّم على التَّأْبِيد، فإنع عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ وَالْمُحَارَبَةِ. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (لِلْمُسَاوَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ حَيْثُ حَقْنُ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (لِقِيَامِ الْمُبِيحِ) وَهُوَ عَزْمُهُ عَلَى الْمُحَارَبَةِ بِالْعَوْدِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ط. قَوْلُهُ: (وَيُعَضِّدُهُ) أَيْ الْقِيَاسَ. قَوْلُهُ: (عَامَّةُ الْمُتُونِ) كَالْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ. وَأَمَّا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ. نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. قَوْلُهُ: (وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ) قَتَلَ صَبِيًّا خَرَجَ رَأْسُهُ وَاسْتَهَلَّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْأَكْثَرِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ. مجتبى وتاترخانية عَنْ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ) عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِالسَّالِمِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ وَالصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِي الْأَعْمَى هُوَ السَّلَامَةُ دُونَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الصِّحَّةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (وَالزَّمِنُ) هُوَ مَنْ طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا التَّفَاوُتَ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ مِنْ الْأَطْرَافِ وَالْأَوْصَافِ، امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى التَّقَاتُلِ وَالتَّغَابُنِ. اخْتِيَارٌ. حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُودَ الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا. جَوْهَرَةٌ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا بِعَكْسِهِ) الْأَصْوَبُ حَذْفُ الْبَاءِ. قَوْله: (أَي لَا يقْتَصّ الخ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: لَا بِعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ إنَاثًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ، فَلَا يُقْتَلُ الْجَدُّ لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ وَإِنْ عَلَا وَكَذَا الْجَدَّاتُ. قَوْلُهُ: (بِفُرُوعِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: لَا يُقْتَصُّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ) أَيْ كُلًّا أَوْ جُزْءًا لِيَدْخُلَ الْأَطْرَافُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْأَبِ وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ، وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ، فَأَمَّا الْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا، لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اه. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (لَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ إلَخْ) لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُدَبَّرُ مَمْلُوكٌ، وَالْمُكَاتَبُ رَقِيقُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَعَبْدُ وَلَدِهِ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ لِحَدِيثِ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: وَعَبْدُ وَلَدِهِ وَأَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا سيجئ) أَيْ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَبْدِ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِن والمنرتهن، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ، فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ اه. دُرَرٌ. وَفِيهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَمَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَمَا الدَّاعِي لِرِضَاهُ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ بِالْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً اه ط. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: يُحْمَلُ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَإِنْ اجْتَمَعَا. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ مَا فِي الدُّرَرِ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الطَّلَبُ كَمُكَاتَبٍ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَالْفرق بَينهمَا ظَاهر، لَان الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يُشْبِهْ مَنْ لَهُ لحق، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الدِّيَةَ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: حَتَّى يَجْتَمِعَ الْعَاقِدَانِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوَدُ لِلْمُؤَجِّرِ) لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِيهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ) أَيْ أَمْضَاهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَهُ وَالرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا وَإِلَّا لَمَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوَدُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْمَالِكُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (فَلِلْبَائِعِ الْقَوَدُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ الْقِيمَةُ) هُوَ قَوْلُ [صحه] أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْد الْجراحَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 لَان الْملك كَانَ للْمُشْتَرِي. جَوْهَرَة. قَوْلُهُ: (وَكَذَا ابْنُهُ وَعَبْدُهُ) الضَّمِيرُ لِلْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: (عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ عَنْ مَالٍ يَفِي بِبَدَلِ كِتَابَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَاشْتَبَهَ الْوَلِيُّ) فَإِنْ قُلْنَا: مَاتَ حُرًّا فَالْوَلِيُّ وَارِثُهُ أَوْ رَقِيقًا فَسَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (لِتَعَيُّنِهِ) أَيْ تَعَيُّنِ الْوَلِيِّ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (وَفِي أُولَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ) سَبْقُ قَلَمٍ تَبِعَ فِيهِ. ابْنَ كَمَالٍ: قَالَ ح: وَصَوَابُهُ ثَانِيَةُ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ مَا إذَا لم يدع وَارِثا غير سيد وَتَرَكَ وَفَاءً، لِأَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِيهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اه. لَهُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاء، فَإِن الْوَلَاء لَهُ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكَ إنْ مَاتَ عَبْدًا. وَلَهُمَا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَهِيَ: مَا إذَا تَرَكَ وَارِثًا وَلَا وَفَاءَ لَهُ قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْمُكَاتَبَةِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ لَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، كَمَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ كَانَ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِلَا رِضَاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ لِمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ، فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَنْفَعُ لَهُ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ مِنْهَا وَبِالْقِصَاصِ بِمَوْتِ عَبْدٍ أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ أَوْلَى اه. وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْقُهُسْتَانِيِّ. قَوْلُهُ: (وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ اسْتَحَقَّهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. فَيَشْمَلُ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَهُ: وَمَنْ مَلَكَ قِصَاصًا إلَخْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْآتِي، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ صُورَةَ ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ ابْتِدَاءً تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا بِعَكْسِهِ فَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْإِرْثِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَصْلِهِ) لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ فِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَلَدُ الْقَاتِلِ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ اه. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ أَخَاهَا أَوْ ابْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ) كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْتُهَا بَعْدَ مَا أَبَانَهَا زَوْجُهَا الْقَاتِلُ حَتَّى يَظْهَرَ كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ إرْثُ ابْنِهِ قِصَاصًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ وَارِثًا مِنْهَا جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ بذلك أَيْضا. قَالَ فِي التاترخانية: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُمْ عَمْدًا فَلِلْبَاقِينَ قَتْلُهُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّالِثِ قَتْلُهُ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقِصَاصِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الآخر مَالا فَعَلَيهِ للْآخر ثَلَاثَة أَربَاع الدّين فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِينَ اه. مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: قَتَلَ أَحَدُ الاخوين لاب وَأم أباهما عَمْدًا وَالْآخَرُ أُمَّهُمَا، فَلِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّانِي بِالْأُمِّ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَرِثَ مِنْ الْأُمِّ الثُّمُنَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَانْقَلَبَ الْبَاقِي مَالًا فَيَغْرَمُ لِوَرَثَةِ الثَّانِي سَبْعَةَ أَثْمَانِ الدِّيَةِ اه. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 قَالَ: أَيْ إذَا قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا وَوَلِيَ الْقِصَاصَ ابْنُ الْقَاتِلِ يَسْقُطُ اه. وَصُورَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَثُبُوتُهُ فِيهِ لِلِابْنِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْو الْوَارِث قبل موت الْمُورث، والمورث يملك الْقصاص بعد الْمَوْت وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً اه. جَوْهَرَةٌ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ. وَأَجَابَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ أَوَّلًا هُوَ الْمَقْتُولُ، ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا عَفَا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَو لم يثبت لَهُ أَولا لم سَقَطَ بِعَفْوِهِ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الْحُرَّ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَوْلَاهُ لَا لَهُ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ؟ وَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ تَسْقُطُ؟ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا) أَيْ لِلْمَجْرُوحِ أَصَالَةً وَلِلْوَارِثِ نِيَابَةً قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ. تَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ (كَأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا) . قَوْلُهُ: (لِيُبَيِّنَ مُوجبه) فِيهِ أَنه بَين مُوجب الْخَطَإِ فيمَ تقدم فَهُوَ تكْرَار اه. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ خِلَافَهُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: عَلِمَ مُسْلِمًا بِعَيْنِهِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْعَدُوُّ مُكْرَهًا فعمده بِالرَّمْي وَهُوَ يعلم حَاله يَجِبُ الْقَوَدُ قِيَاسًا وَلَا يَجِبُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي مَوْضِعِ إبَاحَةِ الْقَتْلِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَلَوْ قَالَ وَلِيُّهُ قَصَدْتَهُ بِرَمْيِك بَعْدَ عِلْمِك أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقَالَ الرَّامِي بَلْ قَصَدْتُ الْمُشْرِكِينَ فَالْقَوْلُ لِلرَّامِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الرَّمْيِ إلَى صَفِّهِمْ اه. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ يَنْبَغِي جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ لِأَنَّهُ جَوَابُ لَوْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ والابتر، وَإِيَّاكُم والحية والبيضاء فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ (لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ، فَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ اه. وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (خلافًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 للشَّافِعِيّ) حَيْثُ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ اه. وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يُقْتَلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ، إلَّا إذَا قَتَلَ بِاللِّوَاطَةِ أَوْ إيجَارِ الْخَمْرِ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ السِّلَاحِ كَأَنْ سَاقَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَار. هُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَيَلِيهِ الْأَبُ كَالْإِنْكَاحِ، وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ، فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يملك الْقود لانه شرع للتشفي الصَّدْر، وللاب سفقة كَامِلَة يعد ضَرَر الْوَلَد نَفْسِهِ، فَلِذَا جُعِلَ التَّشَفِّيَ لِلْأَبِ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ بِخِلَافِ الْأَخِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُمْ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ لَمْ يَمْلِكْ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا، لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ اه. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ ابْنَ الْمَعْتُوهِ مَثَلًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِدَمِهِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِمَالِهِ. وَإِذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ أَخٌ أَوْ عَمٌّ وَلَا أَبَ لَهُ كَيْفَ يُقَال إِن الاخ أَو الْعلم يَسْتَحِقُّ دَمَ ابْنِ الْمَعْتُوهِ فِي حَيَاةِ الْمَعْتُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَعْتُوهِ أَصْلًا؟ عَلَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَعْتُوهِ الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ الْأَخُ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ هُوَ الْمَعْتُوهَ نَفْسَهُ صَحَّ مَا قَالَهُ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ: إنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأَبُو الْمَعْتُوهِ حَيٌّ لَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمَعْتُوهُ اه. قَوْلُهُ: (مَلَكَ الصُّلْحَ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: (بِقَطْعِ يَدِهِ وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْقَوَدِ وَالصُّلْحِ وَالْعَفْوِ. قَوْلُهُ: (وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأُمِّهِ مِنَحٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَتْلِ قَرِيبِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَبِهِ فُسِّرَ الْوَلِيُّ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ: يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَوِلَايَةُ الصُّلْحِ اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا الْعَفْوَ مَجَّانًا. قَوْلُهُ: (وَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْأَبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) اعْتَرَضَهُ الْأَتْقَانِيّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ بَلْ أطلق. وَفِي مُخْتَصر الْكَرْخِي: إِذا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَهْمٌ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: كَيْفَ يَكُونُ وَهْمًا مَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ اه. أَقُولُ: عَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ: لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ اه. فَأَفَادَ أَنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ دُونَ الْحَطِّ وَلِذَا وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ وَإِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، فَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَأَفَادَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْمُرَادُ بِهِ صِحَّتُهُ بِإِلْزَامِ تَمَامِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنَحِ: لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ مُرَادُهُ لَمْ يَلْزَمْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ النَّاقِصِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْإِمَامِ الْأَتْقَانِيّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْمَعْتُوهِ) الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرُ هَذَا التَّعْلِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَلَكَ الصُّلْحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ هُنَا بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَالصُّلْحَ) يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَبِ أَنْ يَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ ط: أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيُّ كَالْأَخِ يُصَالِحُ) الْوَصِيُّ مُبْتَدأ وجمل يُصَالِحُ خَبَرٌ وَكَالْأَخِ حَالٌ وَالْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ لَا فِي أَنَّ الْأَخَ يُصَالِحُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَخِيهِ اه. وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ: (يُصَالِحُ عَنْ الْقَتْلِ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ لِمَا مَرَّ، وَلَا الْقَوَدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ. ابْنُ كَمَالٍ. وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ: عَنْ الْقَتْلِ فَإِنَّ لَهُ الصُّلْحَ عَنْ الطَّرَفِ أَيْضًا. نَعَمْ فِي صُلْحِهِ عَنْ الْقَتْلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ البرذوي: أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي أَنَّ الْأَبَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَأَنَّ لَهُ الصُّلْحَ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا الْعَفْوَ، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَيَمْلِكُ مَا دُونَهَا، وَيَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي صُلْحِ الْوَصِيِّ فِي النَّفس عى مَالٍ. فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا يَصِحُّ، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ اه مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ تَرْجِيحَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَمْلِكُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ) وَلِهَذَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي الطَّرَفِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) أَيْ إذَا قَتَلَ قَرِيبَ الصَّبِيِّ فَلِأَبِيهِ وَوَصِيِّهِ مَا يَكُونُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَوَصِيِّهِ، فَلِأَبِيهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَنَحْوه شئ مِنْ ذَلِكَ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي الْمَعْتُوهِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ كُلَّهُ لِلصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَخِ الْكَبِيرِ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. تَتِمَّةٌ: أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ بِصِحَّةِ صُلْحِ وَصِيِّ الصَّغِيرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُنْكِرًا وَلَمْ يَقْدِرْ الْوَصِيُّ عَلَى إثْبَاتِ الْقَتْلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ، لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا صَالح على حَقِّ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ حَقِّ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ: فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَجُوزُ اه. قَوْلُهُ: (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ إلَخْ) أَيْ إذَا قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ وَلِيٌّ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ كَانَ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ. وَفِي الْأَصْلِ: إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا اسْتَوْفَى الْقَوَدَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أجنبيين وصغير وَكَبِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْكَلَامِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَيْسَ للاخ وَالْعلم أَن يَسْتَوْفِيه كَمَا فِي جَامع الصغار، فَقِيلَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ أَحَدِهِمْ، وَقِيلَ: يَسْتَوْفِي السُّلْطَانُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْقَاضِي كَالسُّلْطَانِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا لَيْسَ لِلْبَعْضِ أَنْ يَقْتَصَّ دُونَ الْبَعْضِ وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَائِهِ، لِأَنَّ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ احْتِمَالَ الْعَفْوِ، فَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِلْكَبِيرِ إلَّا اسْتِيفَاءُ حِصَّةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ. قُهُسْتَانِيُّ. وَقَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي: أَيْ قَضَاؤُهُ، فَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ سَوَاءٌ قُضِيَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَبًا لِلصَّغِيرِ، نِهَايَةٌ. وَقَاسَاهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يتجزى لثُبُوته بِسَبَب لَا يتجزى وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ: أَي فِي الْحَال، فَيثبت لكل وَاحِد كملا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ اه. وَاعْتَرَضَ سَعْدِيٌّ كَوْنَ السَّبَبِ هُوَ الْقَرَابَةُ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا قَرَابَةَ. وَأَجَابَ الطُّورِيُّ بِأَنَّهُ على التَّغْلِيبِ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الِاتِّصَالُ الْمُوجِبُ لِلْإِرْثِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَانٍ) أَيْ أَمَانِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَغِيرٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَقُتِلَ عَمْدًا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِهِ حِينَئِذٍ اه. ثُمَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ: لِأَنَّ السَّبَبَ الْمِلْكُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِن ملك الرَّقَبَة يحْتَمل التجزي، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْقَرَابَة وَهُوَ مِمَّا لَا يحْتَمل التجزي، وَتَمَامُهُ فِيهِ. مَبْحَثٌ شَرِيفٌ وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْقَرَابَةِ، فَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ ابْنُ عَمَّةٍ كَبِيرٌ وَابْنُ خَالَةٍ صَغِيرٌ وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ فَلِلْكَبِيرِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ السَّبَب الْقَرَابَة للمقتول وَهُوَ مِمَّا لَا يتجزى، وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلِلزَّوْجَةِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَرَابَةِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجِيَّةَ كَمَا مَرَّ. وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ فِيمَنْ قَتَلَ امْرَأَةً عَمْدًا وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ لِلزَّوْجِ الْقِصَاصُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَد، وَلَكِن يُخَالِفهُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الْحَانُوتِيِّ حَيْثُ أَفْتَى فِيمَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الِابْنِ لِكَوْنِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَجْنَبِيَّاتٍ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ اه. فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْغَيْرِ اسْتِيفَاؤُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ بَعْدَ قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: (كُنْت أَمَرْتُهُ) أَيْ أَمَرْت الْأَجْنَبِيَّ. قَوْلُهُ: (لَا يُصَدَّقُ) لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي إلَخْ) أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَبِهِ عَلَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّة حَيْثُ قَالَ: لانه أجبر عَمَّا يَمْلِكُ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ) وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَكَى أَمْرًا إنْ مَلَكَ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ أَخْبَرَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا صُدِّقَ، وَلَوْ بَعْدَهَا فَلَا إنْ كَذَّبَتْهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَهُنَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْإِذْنِ بِالْحَفْرِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالْقَتْلِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ الخ) أَي ظَاهر قَول الْمَتْن: لَو قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إلَخْ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ حَقُّهُ رَأْسًا أَيْ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ، مِثْلُ لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ بِلَا قَتْلِ أَحَدٍ. وَوجه الظُّهُور أَن المُصَنّف لم يتَعَرَّض لشئ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَصِيرُ مَالا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، ثُمَّ رَأَيْته فِي التاترخانية حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَذَا إذَا مَاتَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ) إلَخْ أَيْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ (وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ) فَإِنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ تَأْيِيدًا لِأَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ فَقَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ لِلْبَاقِينَ شَيْئًا وَلَا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْقِصَاصِ وَاجِبًا لَهُ لَكَانَ ضَامِنًا بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى آخَرَ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى فَنَصُّهَا: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ يُقْتَلُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ عَلِمَ بِعَفْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ لَا يُقْتَلُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَهَذَا كَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوط الْقصاص على الْمُمْسِكِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اه. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ) مُرْتَبِط بقوله وَإِلَّا فَلَا والممسك وَالنّصب مَفْعُولُ قَتَلَ، وَفِي تَعْبِيرِهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَمُؤَدَّاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ الْمُمْسِكَ لَا يحل قَتله، بِخِلَاف مَا عَفَا عَنْهُ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنَّهُ يَخْفَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي أَوْ لَا، بَلْ فِي الدُّرَرِ عَلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 مُجْتَهِدٌ فِيهِ، فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ظَنُّهُ شُبْهَةً. قَوْلُهُ: (فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ. وَعَلَّلَهُ بَعضهم بِأَنَّهُ بَيِّنَةَ الْأَوْلِيَاءِ مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةَ الضَّارِبِ نَافِيَةٌ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنه ضرب بطن أمته وَمَاتَتْ بصربه فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ: إنَّهَا خَرَجَتْ بعد الضَّرْب إِلَى السُّوقِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا صحت بعد الضَّرْب تصح، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَوْتِ بِالضَّرْبِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ. وَبِهِ أَفْتَى الْفَاضِلُ أَبُو السُّعُودِ اه. كَذَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا عَلَى النَّفْيِ ط. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى) لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَالْمُوَرِّثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، فَكَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَى مَنْ يَدَّعِي لَهُ. وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ بِقَوْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: هَذَا إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَا يَصِحُّ اه. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خطأ لانه يكون فِي الْمَعْنى إِبْرَاء لوَارِثه عَنْ الْمَالِ، وَقَيَّدَ ط كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ وَيَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ ثُلُثُهَا، وَيُعَدُّ قَوْلُهُ: لَمْ يَجْرَحْنِي إسْقَاطًا لِلْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اه. وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ (لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا) اه ح. قَوْلُهُ: (عَلَى آخَرَ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْمُوَرِّثِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ) أَيْ أَكْذَبَ الشُّهُودَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ. قَوْلُهُ: (فَبَرْهَنَ ابْنُهُ عَلَى ابْنٍ آخَرَ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: فَبَرْهَنَ ابْنُهُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ جَرَحَهُ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا وَلِذَا قَالَ الْبِيرِيُّ: إنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَى ابْنِ الْمَجْرُوحِ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى حِرْمَانِ الْوَلَدِ الْإِرْثَ، فَلَمَّا أَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ اه. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِالْأَوْلَى ط. قَوْلُهُ: (لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ) وَيَرِثُ مِنْهُ هِنْدِيَّةٌ ط. قَوْلُهُ: (حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 أَكَلَهُ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْأَوْلَى حَتَّى شَرِبَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَرَهُ إلَخْ) أَيْ صَبَّهُ فِي حَلْقِهِ عَلَى كُرْهٍ، وَكَذَا لَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَة. تاترخانية. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِمَا لَا يَجْرَحُ فَكَانَ خَطَأَ الْعَمْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عِنْدهمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مَا أَوْجَرَ مِنْ السُّمِّ مِقْدَارًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَخَطَأُ الْعَمْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا خَطَأُ الْعَمْدِ مُطْلَقًا اه. مُلَخصا. ذكر السَّائِحَانِيُّ أَنَّ شَيْخَهُ أَبَا السُّعُودِ ذَكَرَ فِي بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالسُّمِّ قِيلَ: يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ النَّارِ وَالسِّكِّينِ، وَرَجَّحَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ اه. أَيْ إذَا أَوْجَرَهُ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْزَمُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ) أَيْ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِتَسَبُّبِهِ لِقَتْلِ النَّفْسِ. تَنْبِيهٌ: أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِالدُّعَاءِ أَوْ بِالسِّهَامِ الْبَاطِنَةِ أَو بِقِرَاءَة الانفال لَا يلْزمه شئ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (لَا يَعْلَمُ الْغَيْب إِلَّا الله) * (1) (النَّمْل: 56) وَلم يُوجد نَص بإهلاكه بِهَذِهِ الاشياء، وبإقرار كَاذِبًا لَا يلْزمه شئ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبُنُوَّةِ رَجُلٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمُقِرِّ سِنًّا. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِقِرَاءَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَهْرِيَّةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ لِوُقُوعِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شئ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ آلَةِ الْقَتْلِ وَسَبَبِهِ اه. بِيرِيٌّ عَنْ حَاوِي الْقُنْيَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: الْمَرُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ فِي رَأْسِهَا حَدِيدَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ فَوْقِهَا خَشَبَةٌ عَرِيضَةٌ يَضَعُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَيَحْفِرُ بِهَا الْأَرْضَ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَتَلَهُ بِظَهْرِهِ إلَخْ) وَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْل بالمثقل، وَقد مرت أول الْكِتَابِ. مِعْرَاجٌ: أَيْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجَرْحِ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الشُّرَّاحُ فَكَانَ النَّقْلُ عَنْهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا أَقْوَى. قَوْلُهُ: (فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ: وَلْوَالِجِيَّةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَمْدِ بِأَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ لِحُصُولِ الْجُرْحِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ قَصْدُ الْقَتْلِ فَمَعْنَاهُ أَنه بعد قصد ضربه   (1) قَوْله: (لَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله) كَذَا بالاصل الْمُقَابل على خطّ الْمُؤلف، والتلاوة (لَا يعلم من فِي السَّمَوَات والارض للغيب إِلَّا الله) اه مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 المحدد لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَتْلِ، فَالشَّرْطُ هُوَ قَصْدُ الضَّرْبِ دُونَ الْقَتْلِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ كَوْنُهُ عَمْدًا لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ خَطَأً فَلِذَا شُرِطَ قَصْدُ الضَّرْبِ بِهِ، وَهُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِهِ. قَوْلُهُ: (كَالْخَنِقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا لَا وَالْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ. قَالَ الْفَارَابِيُّ: وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ وَهُوَ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ، وَالْخَنَّاقُ فَاعِلُهُ، وَالْخِنَاقُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: مَا يُخْنَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وَتَرٍ. اه. مَغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الْقَوَدُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هَذَا إذَا دَامَ عَلَى الْخَنِقِ حَتَّى مَاتَ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، يُنْظَرُ: إنْ دَامَ عَلَى الْخَنِقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُوتُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ غَالِبا يجب الْقصاص عِنْدهمَا وَلَا فَلَا إجْمَاعًا اه. وَكَذَا فِي التَّغْرِيقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُهُ النَّجَاةُ لِيَكُونَ عِنْدَهُمَا عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلَوْ قَلِيلًا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ عَظِيمًا تُمْكِنُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ. أَفَادَهُ فِي التاترخانية وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي التاترخانية عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ سَوَاءٌ قَيَّدَهُ أَوْ لَا. قَوْله: (وَقَالا: تجب الدِّيَة) فِي التاترخانية عَنْ الْمُحِيطِ: وَالْكُبْرَى تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. تَأَمَّلْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شئ عَلَيْهِ. وَقَالَ ط أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَفِي شَرْحِ الْحَمَوِيّ عَن خزانَة الْمُفْتِينَ: لَو طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ طَيَّنَ عَلَى إنْسَانٍ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَا: عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْعِ الظَّلَمَةِ مِنْ الظُّلْمِ اه. قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا عمد. فَفِي التاترخانية يُقَادُ فِيهِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ اه. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا حَيْثُ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا شئ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، أما هُنَا فد مَاتَ غَمًّا وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَيُضَافُ للْفَاعِل كَمَا أَفَادَهُ فِي الظَّهِيرِيَّة (بِخِلَافِ قَتْلِهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: إذَا وَالَى الضَّرَبَاتِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ إذَا وَالَى عَلَى وَجْهٍ لَا تَحْتَمِلُهُ النَّفْسُ عَادَةً اه. وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّهُ شبه مد عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا سيجئ) لم أره. قَوْله: (لَو اعْتد الْخَنِقَ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَنَقَ رَجُلًا لَا يقتل إِلَّا إِذا كَانَ خَنَّاقًا مَعْرُوفًا خَنَقَ غَيْرَ وَاحِدٍ فَيُقْتَلُ سِيَاسَةً اه. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِهَادِ: وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا يُقْتَلُ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ، وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنْقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَحْصُلُ بِمَرَّتَيْنِ، ثُمَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْخَنِقِ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ فللامام قَتله سياسة. قَوْله: (وَلَو بَعْدَ مَسْكِهِ) أَيْ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِي يَدِ الْإِمَامِ، وَإِنْ تَابَ قَبْلَهُ قُبِلَتْ، مُجْتَبًى. قَوْله: (فَلَا قَود فِيهِ وَلَا دِيَة) وكذت لَوْ أَدْخَلَهُ فِي بَيْتٍ وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ، وَكَذَا لَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِك بصبي فَعَلَيهِ الدِّيَة. تتاترخانية. وَنَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَتْلُ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. تَأَمَّلْ. وَانْظُرْ مَا الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالرَّجُلِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الْقَسَامَةِ: لَوْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ، وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ الْحُرُّ الْكَبِيرُ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُمكنهُ التَّحَرُّز وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا إلَخْ) ذكره فِي التاترخانية، وَذكر قبله. وَلَو أَن رجلا قمظ صَبِيًّا أَوْ رَجُلًا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. اه: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا. تَأَمَّلْ. وَلْيُنْظَرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي كل مُتَسَبِّبٌ بِالْقَتْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة. قَوْله: (فرسب) قَالَ فيف الْمُغْرِبِ: رَسَبَ فِي الْمَاءِ رُسُوبًا: سَفَلَ مِنْ بَابِ طَلَبَ. قَوْلُهُ: (وَغَرِقَ إلَخْ) أَيْ وَعُلِمَ مَوته مِنْهُ. قَالَ فِي التاترخانية: وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ طُرِحَ رَسَبَ فِي الْمَاءِ وَلَا يدْرِي مَاتَ أَو خرج وَلَو ير لَهُ أثر لَا شئ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَوْله: (فعلى عَاقِلَته الدِّيَة) أَي مُغَلّظَة. تاترخانية. قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً إلَخْ) وَكَذَا لَوْ كَانَ جيد بالسباحة. تاترخانية. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ) فَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ. ذَخِيرَةٌ ط. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمِنَحِ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ والتاترخانية وَالْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (شقّ بَطْنه الخ) فِي التاترخانية: شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ، وَعَلَى الشَّاقِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَفَذَتْ إلَى جَانِبٍ آخَرَ فَثُلُثَاهَا، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ الشَّقِّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَيَاةِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَيُقْتَصُّ بِالْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِالْخَطَأِ اه مُلَخَّصًا. وَلَعَلَّ الْفرق بَينه وَبَين من هُوَ من النِّزَاعِ أَنَّ النِّزَاعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَصِلُ إلَى حَالَةِ شِبْهِ النِّزَاعِ، بَلْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَيُفْعَلُ بِهِ كالموتى ثمَّ يعِيش بعده طَوِيلًا، بِخِلَافِ مَنْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ أَمْعَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ مَعَهَا يَوْمًا فَإِنَّهَا حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَوْتِ مِنْ الشَّقِّ فَالْحَيَاةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ اه. وَالْحَزُّ بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةُ: الْقَطْعُ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْجُرْحِ. قَوْلُهُ: (وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى قَاطِعٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَاله) لَان الْعَاقِلَة لَا تتحمل لعمد وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ لِمَا مَرَّ، وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكٍ مِنْ قِصَاصٍ بقتْله لعدم تجزيه. قَوْلُهُ: (فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ) فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَة أَفعَال، فالتلف بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (لِيَكُونَ فِعْلُهُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَهُدِرَ فِي الدَّارَيْنِ كَفِعْلِ الْأَسَدِ، فَيَكُونُ عَلَى زَيْدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ) بِأَنْ كَانَ مَعَ زَيْدٍ غَيْرُهُ فَيَشْتَرِكُ هُوَ وَغَيره فِي الثُّلُث. أَقُول: ذكر فِي متفرقات التاترخانية: لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً ثُمَّ انْضَمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ هَدَرٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَثُلُثُهَا هَدَرٌ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ قُبَيْلَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ. وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ: وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ وَجَرَحَ هُوَ أَيْضًا نَفْسَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ ضَمِنَ الْقَاطِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْجَارِحُ رُبُعَهَا لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثِنْتَانِ مِنْهَا مُعْتَبَرَتَانِ اه. وَمِثْلُهُ يَأْتِي مَتْنًا آخِرَ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ فِي الطَّرِيقِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الرُّبُعُ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ الرُّبُعُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنْقُول خلاف مَا ذكره، فَتنبه. أَقُول: يؤخد مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فِيمَنْ جَرَحَ صَبِيًّا بِسِكِّينٍ فِي بَطْنِهِ، فَظَهَرَ بعض أمعائه فجِئ لَهُ بِمَنْ يَخِيطُ الْجُرْحَ وَيَرُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَمْ يكمنه ذَلِكَ إلَّا بِتَوْسِيعِ الْجُرْحِ، فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلك فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْآخَرَ مَأْذُونٌ بِهِ فَكَانَ هَدْرًا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا) شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ: انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ يَجِبُ وَشَهَرَ. وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا، قَالَ: حق على الْمُسلمين أَن يقتلوه وَلَا شئ عَلَيْهِمْ اه. وَذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ. قَوْله: (يَعْنِي فِي الْحَال) أَي حَالِ شَهْرِهِ السَّيْفَ عَلَيْهِمْ قَاصِدًا ضَرْبَهُمْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَالًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 يَنُصَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُخِذَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: دَفَعَ فَإِنَّ الدَّفْعَ لَا بُطْءَ فِيهِ ط. قَوْله: (وَصرح بِهِ فِي الْكِفَايَةِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ ابْن الْكَمَال. وَعبارَة الْكِفَايَة: أَي إِنَّمَا يجب الْقَتْل لَان دفع وَالضَّرَر وَاجِبٌ اه. وَفِي الْمِعْرَاجِ: مَعْنَى الْوُجُوبِ وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ لَا أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا. قَوْلُهُ: (وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا وَعِبَارَةِ الْمَتْنِ بَعْدَهَا. قَوْله: (وَلَا شئ بِقَتْلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ إلَخْ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا كَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَصَرَّحَ بِعَدَمِهِ. أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْتَلُ) مَعْطُوف على قَوْله: (لَا شئ بِقَتْلِهِ) . قَوْلُهُ: (عَلَى رَجُلٍ) أَيْ قَاصِدًا قَتْلَهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لَا مِزَاحًا وَلَعِبًا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الطَّلَاقِ وَأَفَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ كَالْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَخْ) لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيُحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ. هِدَايَةٌ: أَيْ لَيْسَ فِيهِ مُهْلَةٌ لِلدَّفْعِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا إلَخْ) لِأَنَّ الْعَصَا الصَّغِيرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لِمَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ، فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمصر فِي الطَّرِيق لَا يحلقه الْغَوْثُ، قَالُوا: فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا يَلْبَثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ. زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَلَوْ تَرَكَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قَتْلَهُ يَأْثَمُ. قَوْلُهُ: (عَمْدًا) أَيْ بِمُحَدَّدٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (تَجِبُ الدِّيَةُ) أَيْ لَا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) أَيْ مِثْلُ الْمَجْنُونِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّبِيِّ الدِّيَةُ أَيْضًا. وَفِي الدَّابَّةِ الْقِيمَةُ. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ كَالدَّابَّةِ الْمَمْلُوكَةِ. تَأَمَّلْ. اه. أَقُولُ: وَفِي النِّهَايَة مَا نضه: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّائِلُ عَبْدًا أَوْ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ. كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَحَلِّ وَهْمٍ حَتَّى يُقَوِّيَهُ بِالنَّقْلِ، فَتَدَبَّرْ ط. قَوْلُهُ: (عَادَتْ عِصْمَتُهُ) فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا مَظْلُومًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا دَامَ شَاهِرًا السَّيْفَ) أَيْ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ: (لَيْلًا) مَفْهُومُهُ أَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 لَوْ نَهَارًا لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِالصُّرَاخِ. قَوْلُهُ: (دُونَ مَالِكِ) أَيْ لِأَجْلِ مَالك. عناية وَغَيرهَا. قَول: (وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إلَخْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ أَوْ رَأَى رَجُلًا يَثْقُبُ حَائِطَهُ أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اه. قَوْلُهُ: (وَفِي الصُّغْرَى إلَخْ) يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ الْمُتُونُ والشروح مَعَ أَنَّهَا لاتقيد بِمَا فِي الْفَتَاوَى. قَالَ الْمَاتِنُ فِي آخِرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلُ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ اه. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) وَنَصُّهَا قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصَايَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَابَرَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَة إِن لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا، وَإِنْ مُتَّهَمًا بِهِ فِي الْقِيَاسِ يُقْتَصُّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا الْمَالِ اه. قَوْلُهُ: (مَعَ ذَلِكَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ط. قَوْلُهُ: (لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ وَالْقَاضِي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، فِي زَمَانِنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ط. قَوْلُهُ: (مُبَاحُ الدَّمِ) بِأَنْ قَتَلَ أَوْ زَنَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ سَلِمَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَنَقَلَهُ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ عَنْ النُّتَفِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخَالف لاطلاقهم، إِلَّا ن يُقَالَ: إبَاءُ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ جِنَايَةٌ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَلَا يُخْرَجُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبَاحُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَيَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ) أَيْ يَخْرُجُ هُوَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (فَيُقْتَصُّ مِنْهُ) وَكَذَا يُحَدُّ. فَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي الْحَرَمِ خِلَافًا لَهُمَا. وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ مِثْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 ذَلِكَ اه. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِسَيْفٍ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فَلَوْ قَتَلَهُ بمثقل فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة ط. قَوْله: (وَفِي الصَّحِيحِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي، بَلْ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة. قَوْله: (وَسُقُوط الْقَوَدُ) كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ (لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النَّفْسِ) فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ الْقِصَاصُ ط. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ قَالَ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الْوَارِثَ. قَوْلُهُ: (لَوْ ابْنُهُ صَغِيرًا يَقْتَصُّ) أَيْ قِيَاسًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ وَمثله الاخ. وَعبارَة الْبَزَّازِيَّة: وفى الوااقعات اُقْتُلْ ابْنِي وَهُوَ صَغِيرٌ فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ. وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْ يَدَهُ فَقَطَعَهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ أَخِي فَقَتَلَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الْقِيَاسُ يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ: الدِّيَةُ، وَسَوَّى فِي الْكِفَايَةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ. وَقَالَ فِي الْقِيَاسِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ. وَفِي الْإِيضَاحِ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ اه. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَهُوَ لَيْسَ بأذن بِالْقَتْلِ فَلَيْسَ كَقَوْلِه: اُقْتُلْنِي ط. قَوْلُهُ: (وَفِي اقْطَعْ يَدَهُ يُقْتَصُّ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْأَبِ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ. رَحْمَتِيٌّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَفِي شُجَّ ابْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَهَا فِي الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُجْتَبَى. وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشُجَّهُ فَشَجَّهُ فَلَا شئ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اه. وَالضَّمِيرُ فِي شَجَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى الِابْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُجْتَبَى قَبْلَهُ. وَالثَّانِي هُوَ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) فِي الصَّحِيحِ. قَوْله: (وَإِن سرى لنَفسِهِ وَمَات) عزا فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قَالَ لِآخَرَ: اقْطَعْ يَدِي، فَإِنْ كَانَ بِعِلَاجٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي يَدِهِ أَكَلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الْحَالَيْنِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَضْمَنُ اه. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ اقْطَعْهُ) أَيْ الطَّرَفَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْأَطْرَافِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ الصُّلْحُ) أَيْ مَا رَضِيَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْأَرْشِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفَصْلِ 33 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى وَاقِعَةٌ، وَهِيَ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ حَتَّى آخَذَهُ فَرَمَى إلَيْهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَذَهَبَ. قَالَ ح: لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اجْنِ عَلَيَّ فَجَنَى، وَهَكَذَا أفتى بعض الْمَشَايِخ بِهِ، وقاسوه على مالو قَالَ: اقْطَعْ يَدِي. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: لَو تضاربا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 بِالْوَكْزِ فَذَهَبَتْ عَيْنُ أَحَدِهِمَا يُقَادُ لَوْ أَمْكَنَ لانه عمد، وَإِن قَالَ كل مِنْهُمَا للاخر: دَهٍ دَهٍ، وَكَذَا لَوْ بَارَزَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّعْلِيمِ فَأَصَابَتْ الْخَشَبَةُ عَيْنَهُ فَذَهَبَتْ يُقَادُ إنْ أَمْكَنَ اه. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ: أَقُولُ: فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِد لصَاحبه: دَهٍ وَوَكَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَسَرَ سِنَّهُ فَلَا شئ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اه. وَاَلَّذِي ظَهَرَ فِي وَجْهِ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ لَازِمِ قَوْلِهِ: دَهٍ دَهٍ إبَاحَةُ عَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ السَّلَامَةِ مَعَ الْمُضَارَبَةِ بِالْوَكْزَةِ كَاحْتِمَالِهَا مَعَ رَمْيِ السَّهْمِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ قَوْله: دَهٍ دَهٍ صَرِيحًا فِي إتْلَافِ عُضْوِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: اقْطَعْ يَدِي أَوْ اجْنِ عَلَيَّ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِيهَا. تَأَمَّلْ. اه. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الْقَاتِلِ) وَكَذَا لِلْقَاتِلِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ. أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ. وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ السُّقُوطِ، إذْ لَا مَعْنَى لِعَدَمِ جَوَازِهِ إلَّا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ) وَيَبْرَأُ الْقَاتِلُ فِي الدُّنْيَا عَنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ لِأَنَّهُمَا حَقُّ الْوَارِثِ. بِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ حَتَّى يُسْلِمَ نَفْسَهُ للقود) أَي لَا تكفيه التَّوْبَة وَحدهَا. قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِل لَا تكون بالاستغفار والندامة فقد بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ كات الْقَتْلُ عَمْدًا لَا بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقصاص مِنْهُ، فَإِن شاؤوا قَتَلُوهُ، وَإِن شاؤوا عَفَوْا عَنْهُ مَجَّانًا، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ اه مُلَخَّصًا. وَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ يَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا، وَهَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الطَّالِبُ وَأَبْرَأَتْهُ الْوَرَثَةُ يَبْرَأُ فِيمَا بَقِيَ، أَمَّا فِي ظُلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَبْرَأُ، فَكَذَا الْقَاتِلُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ظُلْمِهِ وَيبرأ عَن الْقصاص وَالدية. تاترخانية. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَقْتُولِ بِهِ، وَأَمَّا ظُلْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ بِهَا. تَأَمَّلْ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَتَلَ مَظْلُومًا فَاقْتَصَّ وَارِثُهُ أَوْ عَفا عَن الدِّيَة أَو مجَّانا هَل على الْقَاتِل بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ؟ الْجَوَابُ: ظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ اه. وَكَذَا قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: ظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ. وَقَالَ فِي مُخْتَارِ الْفَتَاوَى: الْقِصَاصُ مُخَلِّصٌ مِنْ حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فَيُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ بِالْقِصَاصِ مَا حَصَلَ فَائِدَةٌ لِلْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ اه. وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا اسْتَظْهَرْتُهُ. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ) أَيْ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فَيُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ. حَمَوِيٌّ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا، قَضَى القَاضِي بِهِ أَو لم يقْض اه. قَوْله: (يجوز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا. حموي اه ط. وَسَيذكر الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ جِنَايَاتِ الْمَمْلُوكِ. قَوْلُهُ: (الْقِصَاصُ يُورَثُ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (لَا الْحَدِّ) شَمِلَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. أَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. وَفِي الْحَاوِي: إذَا ثَبَتَ الْحَدُّ لَمْ يَجُزْ الْإِسْقَاطُ، وَإِذَا عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ فَعَفَوْهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ اه. إلَّا إذَا قَالَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّامِلِ، وَالْمُرَادُ مِنْ بُطْلَانِ الْعَفْوِ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفْوِهِ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود فِي حاشبة الْأَشْبَاهِ ط. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْحَدِّ) فَإِنَّ التَّقَادُمَ يمنعهُ والتقادم فِي الشّرْب بذهاب الرّيح، وَفِي حَدِّ غَيْرِهِ بِمُضِيِّ شَهْرٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْحُدُودِ ط. قَوْلُهُ: (لَا الْحَدِّ) فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ، أَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي البيري قَالَ الاكمال فِي حَدِيثِ: (اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا) وَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ الْحُدُودَ فَتَبْقَى الشَّفَاعَةُ لِأَرْبَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ كَدَفْعِ الظُّلم أَو تَخْلِيص خطأ وأمثالهما، وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ ذَنْبٍ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُذْنِبُ مُصِرًّا، فَإِنْ كَانَ مُصِرًّا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرْتَدِعَ عَنْ الذَّنْبِ وَالْإِصْرَارِ اه. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (السَّابِعَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْحَدِّ الْخَالِصِ وَالْوَقْفِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَحُرِّيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ، وَفِيمَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى كَرَمَضَانَ، وَفِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ اه. قَوْلُهُ: (سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ) وَكَذَا حَدُّ السَّرِقَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ إنَّ طَلَبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالَ شَرْطُ الْقَطْعِ، فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَالِ الْغَائِبِ تَوَقَّفَ عَلَى حُضُورِهِ وَمُخَاصَمَتِهِ. تَنْبِيهٌ: زَادَ الْحَمَوِيُّ ثَامِنَةً، وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَيُزَادُ تَاسِعَةٌ، وَهِيَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ فِي الْقِصَاصِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْقَاذِفُ مَالًا لِلْمَقْذُوفِ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ اه. أَقُولُ: وَيُزَادُ عَاشِرَةٌ، وَهِيَ صِحَّةُ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحَدِّ. قَوْلُهُ: (لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا) لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَهُ، كَمَا لَوْ قَصَدَ أَخْذَ ثِيَابِهِ فَدَفَعَهُ حَتَّى قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ. مِنَحٌ عَنْ الْقُنْيَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَضْمَنُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: (لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأْت عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ) . وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُوَ عَامٌّ، وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ وَنَظَرَ فِيهِ أَوْ نَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرَجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) الْحَدِيثُ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِ عِصْمَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة الْمُبَالغَة فِي الرجز عَنْ ذَلِكَ اه. وَمِثْلُهُ فِي ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ. وَقَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَنْحِيَتُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْقود فِيمَا دون النَّفس لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَتْبَعَهُ بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ. عِنَايَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الشِّجَاجِ. قَوْلُهُ: (رِعَايَةُ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ) الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَتْنِ، فَإِنَّ الرِّعَايَةَ الْحِفْظُ ط. قَوْلُهُ: (فَيُقَادُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ الضَّرْبُ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَفْصِلِ) وِزَانُ مَسْجِدٍ: أَحَدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْمَفْصِلِ. قَوْله: (أَو من قَصَبَةِ أَنْفٍ) أَتَى بِمِنْ عَطْفًا عَلَى مِنْ الْأُولَى لَا عَلَى سَاعِدٍ، لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِ الْقَصَبَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا لِأَنَّهَا عَظْمٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِرُ زِيَادَةً مِنْ عُضْوِ الْجَانِي أَوْ يَقَعُ خَلَلٌ فِيهِ زَائِدٌ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَقْطُوعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَأَخَذَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَلَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لِكِبَرِ رَأْسِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْكِبَرُ، وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجُ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ بِمِقْدَار شجته وَبَين أَخذ أَرض الْمُوضِحَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْنُ، وَبِالِاقْتِصَاصِ بِمِقْدَارِهَا يَكُونُ الشَّيْنُ فِي الثَّانِيَةِ أَقَلَّ، وَبِأَخْذِهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فانتفت الْمُمَاثلَة صور وَمعنى، فَإِن شَاءَ استوفاها معنى وَهُوَ مبقدار شَجَّتِهِ وَيَتْرُكُ الصُّورَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا. أما الْيَد الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة فمنفعتها لَا تَخْتَلِفُ. عِنَايَةٌ وَغَيْرُهَا. وَقُيِّدَ بِالْكِبَرِ لِأَنَّهُ لَا تقطع الصَّحِيحَة بالشلاء وَلَا الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَارِنِ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْقَصَبَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ ط: وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُهُ لَا يَجِبُ. ذَخِيرَةٌ. وَفِي الارنبة حُكُومَة عدل على الصَّحِيح. خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَإِنْ كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْغَرَ خُيِّرَ الْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ الْكَبِيرُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ. مُحِيطٌ. وَكَذَا إذَا كَانَ قَاطِعُ الْأَنْفِ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ، أَوْ أَصْرَمَ الْأَنْفِ أَوْ بِأَنْفِهِ نُقْصَانٌ مِنْ شئ أَصَابَهُ، فَإِنَّ الْمَقْطُوعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَخذ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 دِيَةِ أَنْفِهِ. ظَهِيرِيَّةٌ اه. قَوْلُهُ: (وَالْأُذُنِ) أَيْ كلهَا، وَكَذَا بَعْضهَا إِن كَانَ للقع حَدٌّ يُعْرَفُ تُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِلَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ. إتْقَانِيٌّ. وَلَوْ كَانَتْ أُذُنُ الْقَاطِعِ صَغِيرَةً، أَوْ خَرْقَاءَ أَوْ مَشْقُوقَةً وَالْمَقْطُوعَةُ كَبِيرَةً أَوْ سَالِمَةً خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: إنْ شَاءَ قَطَعَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ المقطوعة نَاقِصَة كَانَ لَهُ حُكُومَة عدل. تاترخانية. قَوْلُهُ: (وَكَذَا عَيْنٌ إلَخْ) وَلَوْ كَبِيرَةً بِصَغِيرَةٍ وَعَكْسُهُ، وَكَذَا يُقْتَصُّ مِنْ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى لَا بِالْعَكْسِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ. وَلَوْ ذهب بياضها ثمَّ أبْصر فَلَا شئ عَلَيْهِ: أَيْ إنْ عَادَ كَمَا كَانَ، فَلَوْ دُونَهُ فَحُكُومَةٌ كَمَا لَوْ ابْيَضَّتْ مَثَلًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَكَذَا يُقْتَصُّ إلَخْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافُهُ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى قَرِيبًا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى باليمنى اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (فَزَالَ ضَوْءُهَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْرَفُ ذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ رَجُلَانِ من أهل الْعلم بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ بِأَنْ لَا تَدْمَعَ إذَا قُوبِلَتْ مَفْتُوحَةً لِلشَّمْسِ. قَوْلُهُ: (فَيُجْعَلُ إلَخْ) هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَلَمْ يُجِيبُوهُ حَتَّى جَاءَ عَلِيٌّ وَقَضَى بِالْقِصَاصِ وَبَيَّنَ هَكَذَا وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فاتفقوا عَلَيْهِ. مِعْرَاج. قوزله: (بِمِرْآةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَدِّ الْهَمْزَةِ: آلَةُ الرُّؤْيَةِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا: فُولَاذٌ صَقِيلٌ يُرَى بِهِ الْوَجْهُ لَا الْمِرْآةُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ الزُّجَاجِ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَلَوْ فَقَأَ عَيْنًا حَوْلَاءَ وَالْحَوَلُ لَا يَضُرُّ بِبَصَرِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا قصاص فِي فقء الْعَيْنِ الْحَوْلَاءِ مُطْلَقًا اه. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، لَكِنْ قَالَ قَبْلَهُ بِوَرَقَةٍ: وَلَا قِصَاصَ فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ، وَعَادَتُهُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ الْأَشْهَرُ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْمَيْلُ إلَيْهِ، فَافْهَمْ. تَنْبِيهٌ: ضَرَبَ عَيْنَ إنْسَانٍ فَابْيَضَّتْ بِحَيْثُ لَا يُبْصِرُ بِهَا لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعلمَاء لتعذر الْمُمَاثلَة فَقَأَ عين رَجُلٍ وَفِي عَيْنِ الْفَاقِئِ بَيَاضٌ يَنْقُصُهَا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَفْقَأَ الْبَيْضَاءَ أَوْ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ عينه. على جَنَى عَلَى عَيْنٍ فِيهَا بَيَاضٌ يُبْصِرُ بِهَا وَعَيْنُ الْجَانِي كَذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الذَّاهِبِ نُورُهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَا لَو ضربهَا فابيض بعد النَّاظِرِ أَوْ أَصَابَهَا قُرْحَةٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ سبل أَو شئ مِمَّا يهيج بِالْعينِ فنقص من ذَلِك. تاترخانية. قَوْلُهُ: (كَمُوضِحَةٍ) هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ: أَيْ تُظْهِرُهُ، وَكَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشِّجَاجِ. قَوْلُهُ: (إلَّا السِّنَّ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْأَطِبَّاءَ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: إنَّهُ عَصَبٌ يَابِسٌ، لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ؟ وَقِيلَ: عَظْمٌ، وَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَظْمٌ حَتَّى قَالَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُ السِّنِّ، وَعَلَيْهِ فالاستثناء مُتَّصِل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إمْكَانُ الْمُسَاوَاةِ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ. مِعْرَاجٌ وَعِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ اتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ سَلِيمَةٌ. فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَلْ لِلْعَهْدِ: أَيْ سِنٌّ أَصْلِيَّةٌ فَلَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ اه: أَيْ بَلْ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي التاترخانية. وَفِيهَا أَيْضًا: وَسِنُّ الْجَانِي سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ، إنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اقْتَصَّ أَوْ ضَمَّنَهُ أَرْشَ سِنِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَلَو الْمَعِيب سنّ الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَلهُ الارض حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا قِصَاصَ. قَوْلُهُ: (مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي اللَّحْم. قَوْله: (إِذْ لَا بِمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ) أَيْ لَوْ قَلَعَ، وَالتَّعْبِيرُ بِاللَّهَاةِ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ، وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالصَّوَابُ لِثَاتُهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: اللَّهَاةُ: لَحْمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْحَلْقِ، وَقَوله: مَنْ تَسَحَّرَ بِسَوِيقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَين أَسْنَانه ولهاته شئ كَأَنَّهُ تَصْحِيفُ لِثَاتِهِ وَهِيَ لَحْمَاتُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ اه. قَوْلُهُ: (وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْكَافِي) أَيْ بِالْقَوْلِ بِالْبَرْدِ، وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، وَعَزَوْهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَتَبِعَهُمْ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْقَوْلِ بِالْقَلْعِ أَصْلًا، بَلْ قَالُوا: لَا تُقْلَعُ وَإِنَّمَا تُبْرَدُ، مَعَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَلَوْ قُلِعَ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ، وَكَأَنَّ الشُّرَّاحَ لَمْ يَرْتَضُوا بِهِ لَكِنْ مَشَى عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. وَنَقَلَ الطُّورِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي اخْتِيَارُ الْبَرْدِ خُصُوصًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَلْعِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ أَسْنَانُهُ غَيْرَ مُفَلَّجَةٍ بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْ قَلْعِ وَاحِدٍ أَنْ يَتْبَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ أَنْ تَفْسُدَ اللِّثَةُ اه. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ عَنْ الْخُلَاصَةِ: النَّزْعُ مَشْرُوعٌ، وَالْأَخْذُ بِالْمِبْرَدِ احْتِيَاطٌ اه. قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) لَمْ أَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَلَا فِي الْمُجْتَبَى. قَوْلُهُ: (كَمَا تُبْرَدُ إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا إنْ كُسِرَتْ) هَذَا إذَا لَمْ يَسْوَدَّ الْبَاقِي، وَإِنْ اسْوَدَّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ قد الْمَكْسُورَةِ وَتَرَكَ مَا اسْوَدَّ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: إذَا كَسَرَ السِّنَّ لَا قِصَاصَ فِيهِ. خَانِيَّةٌ. وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: وَفِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ إنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إذَا كُسِرَ عَنْ عَرْضٍ، أَمَّا لَوْ عَنْ طُولٍ فَفِيهِ الْحُكُومَة اه. شرنبلالية. وَفِي التاترخانية: إنْ كُسِرَ مُسْتَوِيًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ اقْتصّ، وَألا فَعَلَيهِ أَرض ذَلِكَ، فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ اه. فَعُلِمَ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا أَمْكَنَ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: ضَرَبَ سم رَجُلٍ فَاسْوَدَّ فَنَزَعَهَا آخَرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشٌ تَامٌّ خَمْسُمِائَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةُ عَدْلٍ اه. وفيهَا: كسر ربع سم رَجُلٍ وَرُبُعُ سِنِّ الْكَاسِرِ (1) مِثْلُ سِنِّ الْمَكْسُورِ: ذكر ابْن رستم أَن يُكْسَرُ مِنْ الْكَاسِرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ بَلْ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ مَا كَسَرَ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَ إنْسَانٍ أَوْ يَدَهُ وَأُذُنُ الْقَاطِعِ أَوْ يَدُهُ أَطْوَلُ اه. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَ الْبَاقِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَشْهُورِ من   (1) قوه: (وَربع سنّ الكاسر) أَقُول: الظَّاهِر أَن لَفْظَة ربع زَائِدَة اه مُؤَلفه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 الرِّوَايَةِ، وَلَوْ ضَرَبَهَا فَتَحَرَّكَتْ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ فَقَلَعَهَا آخَرُ فَعَلَى كُلٍّ حُكُومَةُ عَدْلٍ اه. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ يُقْتَصُّ) أَيْ فِيمَا إذَا قُلِعَتْ. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كُسِرَ بَعْضُهَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا، فَإِذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ تُبْرَدُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا تَحَرَّكَتْ يَنْتَظِرُ حَوْلًا، فَإِنْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ اسْوَدَّتْ تَجِبُ دِيَتُهَا فِي مَالِهِ. قَالَ: وَفِي الِاصْفِرَارِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يُؤَجَّلُ الصَّبِيُّ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً، وَمُحَمَّدٌ ذَكَرَ الِاسْتِينَاءَ فِي التَّحْرِيكِ دُونَ الْقَلْعِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْقَلْعِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: يُسْتَأْنَى الصَّبِيُّ دُونَ الْبَالِغِ، وَقِيلَ: يُسْتَأْنَى فِيهِمَا اه. وَنَقَلَ ط عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: إنْ ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَسَقَطَتْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ، وَلَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا إلَّا فِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ اه. وَسَيَنْقُلُهُ الشَّارِحُ فِي الشِّجَاجِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي الْحَوْلِ بَرِئَ) أَيْ لَو مَاتَ الصَّبِي قبل تَمام السّنة فَلَا شئ عَلَى الْجَانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. مُجْتَبًى. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الهلاف إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: إذَا اسْتَأْنَى فِي التحريك فَلم يسْقط فَلَا شئ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلِ الْأَلَمِ: أَيْ أَجْرُ الْقِلَاعِ وَالطَّبِيبِ، وَإِنْ سَقَطَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، فَإِنْ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَ لَا بِضَرْبَتِي فَالْقَوْلُ للمضروب اسْتِحْسَانًا اه. زَاد فِي التاترخانية: وَلَيْسَ هَذَا فِي شئ مِنْ الْجِنَايَاتِ إلَّا فِي السِّنِّ لِلْأَثَرِ، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ السَّنَةِ وَالسِّنُّ سَاقِطٌ فَقَالَ الضَّارِبُ سَقَطَ فِي السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ أَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ ضَرْبِهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ السَّنَةِ فَلِلضَّارِبِ. قَوْلُهُ: (حُكُومَةُ عَدْلِ الْأَلَمِ) حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِمَعْنَى الْأَرْشِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَرْشُ الْأَلَمِ اه ح، أَوْ يُقَالُ: الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ حُكُومَةٌ هِيَ عَدْلُ الْأَلَمِ: أَيْ مَا يُعَادِلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَجْرُ الْقِلَاعِ) الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي التاترخانية (أجر الْعِلَاجَ. قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلِ الشِّجَاجِ وَفِي آخِرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاصِلُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا فِي السِّنِّ بَلْ غَيرهَا كَذَلِك. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى، وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أُصْبُعُهُمَا، وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى، وَلَا يُؤْخَذُ شئ مِنْ أَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى اه. قَوْلُهُ: (وَلَا قَوَدَ عِنْدَنَا إلَخْ) فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفس الخ. وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرَفِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَشْمَلُ السِّنَّ وَالْعَيْنَ وَالْأَنْفَ، وَنَحْوَهَا، وَهُوَ مُفَادُ الدَّلِيلِ الْآتِي. وَفِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى: * (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ) * (الْمَائِدَة: 54) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ النِّزَاعِ. قُلْنَا: قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اه. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: قِيلَ: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الشِّجَاجِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ. وَقِيلَ: يَجْرِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، لِأَنَّ فِي قطع الاطراف تَفْوِيت المنعة وَإِلْحَاقَ الشَّيْنِ وَقَدْ تَفَاوَتَا، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الشَّيْنِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ اه. وَاقْتَصَرَ فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى الثَّانِي، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلٍ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ كَالْأَمْوَالِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ بِتَقْوِيمِ الشَّارِعِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَسَاويا فِيهَا فَذَلِك بالحرز وَالظَّنِّ وَلَيْسَ بِيَقِينٍ فَصَارَ شُبْهَةً فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ طَرَفَيْ الْحُرَّيْنِ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ اه. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْآتِي حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ. قَوْلُهُ: (قُلْت: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ هُنَا وَبَيْنَ جَوَازِهِ فِيمَا يَأْتِي إذَا كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ بِمَا حَاصِلُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَا أَصْلِيٌّ فَيَمْنَعُ الْقِصَاصَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَفِيمَا يَأْتِي كَانَ التَّسَاوِي ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ وَالتَّفَاوُتُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ) فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ الْأَعْلَى اخْتِيَارُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَدْنَى ط. قَوْلُهُ: (وَطَرَفُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) أَيْ وَطَرَفُ الْكَافِرِ: أَيْ الذِّمِّيِّ سِيَّانِ: أَيْ مُتَسَاوِيَانِ فَيَجْرِي فِيهِمَا الْقِصَاصُ، وَكَذَا بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْكِتَابِيَّتَيْنِ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي قَطْعِ يَدٍ إلَخْ) أَيْ بَلْ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ امْتِنَاعِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ ط. قَوْله: (وَلَا فِي جَائِفَة بَرِئت) لَان الْبر نَادِرٌ فَيُفْضِي الثَّانِي إلَى الْهَلَاكِ ظَاهِرًا. هِدَايَةٌ. وَالْجَائِفَةُ: هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْبَطْنِ مِنْ الصَّدْر أَو الظّهْر أَو الببطن فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، بَلْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ فِي الرَّقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ فَهِيَ جَائِفَةٌ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَارِيَةً) بِأَنْ مَاتَ مِنْهَا. والاخصر أَن يُقَال: فَلَو لم تبر يُنْتَظَرُ الْبُرْءُ أَوْ السِّرَايَةُ فَيُقْتَصُّ. قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الصَّحِيحُ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَهُوَ مُفَادُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَا سِيَّمَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَدَوَاتِ الْعُمُومِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقْطَعَ الْحَشَفَةُ، فَيُفِيدُ أَنْ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 قِصَاصَ فِي قَطْعِ غَيْرِهَا أَصْلًا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ جزم قاضيخان بِلُزُومِ الْقِصَاصِ) يَعْنِي فِي الذَّكَرِ وَحْدَهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ لَا فِي اللِّسَانِ، فَإِنْ قَالَ فِي الْخَانِية: رجل قطع لِسَانَ إنْسَانٍ: ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قصاص فِيهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ اه. ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ مِنْ الْأَصْلِ عَمْدًا قِصَاصٌ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِهِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَهَذَا فِي ذَكَرِ الْفَحْلِ، فَأَمَّا فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَفِي ذَكَرِ الْمَوْلُودِ: إنْ تَحَرَّكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خطأ، وَإِن لم يَتَحَرَّك كام فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَلَا قِصَاصَ فِي قَطْعِ السان اه. فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ كَمَا تَرَى، وَلَعَلَّهُ لِعُسْرِ اسْتِقْصَاءِ اللِّسَانِ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَاف الذّكر، لَكِن قاضيخان نَفْسَهُ حَكَى فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ فِي الذَّكَرِ وَاللِّسَانِ، وَصَحَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَطَعَ ذكر مَوْلُود بدا صَلَاحه بِالتَّحْرِيكِ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ عَمْدًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ: رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنه يجب فِي الْقِصَاصُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ اه مُلَخَّصًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ صَبِيٍّ قَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ صَلَاحُهُ بِالدَّلِيلِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَوَدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي اللِّسَانِ قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قُطِعَ الْكُلُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اه. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَة. وَفِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: (إنْ قَطَعَ الذَّكَرُ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَلَفْظُ الذَّكَرِ سَاقِطٌ مِنْ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّجُلُ وَهُوَ فَاعل قطع فِي ذكره مَفْعُولُهُ: أَيْ ذَكَرَ رَجُلٍ آخَرَ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ أَوْ الْمَقْطُوعُ امْرَأَةً فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) لَكِنْ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا اه. قَوْله: (وسيجئ) أَي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ) أَيْ فِي حَالِ الْقَطْعِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةً ثُمَّ شُلَّتْ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا حَقَّ لِلْمَقْطُوعِ فِي الْأَرْشِ، لِأَنَّ حق الْمَقْطُوع مُتَقَرِّرًا فِي الْيَدِ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ هَلَاكِ الْمَحَلِّ اه ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ دُونَ الشَّاجِّ، وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَمَلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى قَفَاهُ وَلَا تَبْلُغُ إلَى قَفَا الشَّاجِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَخْ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كَمَلًا مُتَعَذِّرٌ، فَلَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْعِوَضِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 وَلَو سَقَطت: أَي يَد الْجَانِي الآفة قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قُطِعَتْ ظُلْمًا فَلَا شئ عِنْدَنَا لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، لِأَنَّهُ: أَيْ الْجَانِي أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فَصَارَتْ سَالِمَة لَهُ، هِدَايَة. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: بِخِلَاف النَّفْسِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِغَيْرِهِ فَقُتِلَ بِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْمَالِ فَلَمْ تُسَلَّمْ لَهُ. قَوْلُهُ: (مُجْتَبًى) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَقَرَّهُ، وَذَكَرَهُ فِي التاترخانية أَيْضًا: قَوْلُهُ: (لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ) هَذَا نَظِيرُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقَادُ الْعين الصَّحِيحَة بالحولاء. وَفِي التاترخانية: إذَا كَانَ بِالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ جِرَاحَةٌ لَا تُوجِبُ نُقْصَانَ دِيَةِ الْيَدِ بِأَنْ كَانَ نُقْصَانًا، لَا يُوهِنُ فِي الْبَطْشِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَإِنْ كَانَ يُوهِنُ حَتَّى يَجِبَ بِقَطْعِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَد الشلاء، وَلَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ اه. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ الْقود بِمَوْت الْقَاتِل) وَلَا يجب للْوَلِيّ شئ مِنْ التَّرِكَةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَكَذَا يَسْقُطُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ. وَقَدَّمْنَا آنِفا أَنه يسْقط أيا لَوْ تَلِفَتْ يَدُ الْقَاطِعِ لِآفَةٍ أَوْ ظُلْمًا لَا لَوْ بِحَقٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلِيلًا) بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا رِبًا. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ التَّقْوِيمُ بِالْعَقْدِ فَيُقَوَّمُ بِقَدْرِ مَا أَوْجَبَهُ الصُّلْحُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. مِعْرَاجٌ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ كَثِيرًا، لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ. تَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ حَالًّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِعَقْدٍ، وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحُلُولُ كَثَمَنٍ وَمَهْرٍ. حَمَوِيٌّ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ. أَفَادَهُ الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ آخِرَ فَصْلِ الشِّجَاجِ ط. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) جَرَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَرَدَّهُ مُحَشِّيهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِمَا فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِع الصَّغِير والمبسوط وَالْمُحِيط وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَاله. قَالَ: وَهُوَ الثَّابِت فِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً. وَتَمَامُهُ فِي ط. وَكَذَا رَدَّهُ فِي تَصْحِيحِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بِالصُّلْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ. قَوْلُهُ: (إنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا مُهْلِكًا) أَيْ مَعًا لَا مُتَعَاقِبًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: قَطَعَ عُنُقَهُ وَبَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ قَلِيلٌ إلَخْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا وَجَرَحَهُ آخَرُ أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا إذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَلَوْ مَعًا فَهُمَا قَاتِلَانِ اه. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ وَالْآخَرُ وَاحِدَةً فَكِلَاهُمَا قاتلان، لَان لمرى قَدْ يَمُوتُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ الْكَثِيرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَتَلَا رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِعَصًا وَالْآخَرُ بِحَدِيدٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ، وَعَلَيْهِمَا الدِّيَة مُنَاصَفَة. وَفِي حَاشِيَة أَبُو السُّعُودِ: وَلَوْ جَرَحَ جِرَاحَاتٍ مُتَعَاقِبَةً وَمَاتَ وَلَمْ يعلم المثخن مِنْهَا وَغير المثخن ويقتص مِنْ الْجَمِيعِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ: أَيْ مُفْتِي الرُّومِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي جَرَحَ جُرْحًا مُهْلِكًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ) وَاشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم كَمَلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ. زَيْلَعِيٌّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ) فَإِنَّ الْقَطْعَ فِيهَا يَتَجَزَّأُ فَلَا تُقْطَعُ الْجَمَاعَةُ بِقَطْعِ الْوَاحِد كَمَا سيجئ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَا) شَامِلٌ لِمَا إذَا جَرَحَ الْبَعْضُ جُرْحًا مُهْلِكًا وَالْبَعْضُ جُرْحًا غَيْرَ مُهْلِكٍ وَمَاتَ، فَالْقَوَدُ عَلَى ذِي الْجُرْحِ الْمُهْلِكِ وعَلى البَاقِينَ التَّعْزِير، وَهل يجب عَلَيْهِم شئ غَيْرُ التَّعْزِيرِ؟ يُحَرَّرُ. وَشَامِلٌ لِمَا إذَا جَرَحَ كُلٌّ جُرْحًا غَيْرَ مُهْلِكٍ. أَفَادَهُ ط. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي الثَّانِيَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَوْ عَمْدًا، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لَوْ غَيْرَ عَمْدٍ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (نَظَّارَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَوْمُ يَنْظُرُونَ إلَى الشئ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُغْرِينَ) مِنْ الْإِغْرَاءِ: أَيْ حَامِلِينَ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَلَا دِيَةَ ط. بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ وَاحِدٌ وَاسْتَعَدَّ الْبَاقُونَ لِمُعَاوَنَتِهِ حَيْثُ يَجْرِي حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَى جَمِيعِهِمْ. أَبُو السُّعُود عَن الشَّيْخ حميد الدّين. قَوْله: (بلام الْعَهْدِ) أَيْ الْجَمْعُ الْمَعْهُودُ فِي ذِهْنِ الْفَقِيهِ، وَهُوَ الْجَمْعُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَيَأْتِي قَرِيبًا. تَتِمَّةٌ: عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ أَوْ صَالَحَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ غَيْرُهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، لَكِن فِي قاضيخان وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ اقْتِصَاصَهُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَبِالثَّانِي أفتى الرَّمْلِيّ كَمَا أَو الْجِنَايَاتِ مِنْ فَتَاوَاهُ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُقْضَى بِالْقَوَدِ لِمَنْ خرجت لَهُ الْقرعَة وبالدية للباقين، وَقيل لَهُم جَمِيعًا مَعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَخَذَ إلَخْ) قُيِّدَ بِهِ، لانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا، إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: تُقْطَعُ يَدَاهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ. قَوْلُهُ: (لِانْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ، لِأَنَّ مَا قُطِعَ بِقُوَّةٍ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَلَا الثِّنْتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ. زَيْلَعِيٌّ. وَانْظُرْ مَا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِيمَةِ) أَيْ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّفْسِ إلَخْ) وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا يَدُ الْحُرِّ بِعَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَتُقْتَلُ النَّفْسُ السَّالِمَةُ عَنْ الْعُيُوبِ بِقَتْلِ الْمَعِيبَةِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ. قَوْلُهُ: (يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) قُيِّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَيَسَارَ آخَرَ تُقْطَعُ يَدَاهُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ التَّضَايُقِ وَوُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ إلَخْ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي التَّعَاقُب يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْقِرَانِ يُقْرَعُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ) أَيْ قَاطِعِ الرَّجُلَيْنِ. قَوْلُهُ: (نِصْفُ الدِّيَةِ) خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَهِيَ دِيَةُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ. أَتْقَانِيٌّ. فَالْمُرَادُ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ قَرِيبًا، وَأَرَادَ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَطْرَافِ وَبَيْنَ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُتِلَ لِمَنْ حَضَرَ سَقَطَ حَقُّ مَنْ غَابَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَطْرَافَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَالْقَوَدِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا تَمَامَ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي تَمَامِ دِيَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْحَاضِرِ الِاسْتِيفَاءُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا كَمَا فِي الدُّرَرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَبِدِيَةِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْأَرْشُ) أَيْ دِيَةُ يَدٍ كُلِّهَا وَلِلْعَافِي نِصْفُهَا. مَجْمَعٌ. قَالَ شَارِحُهُ: لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَالْأَرْشَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ، فَلَمَّا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا، فَيَسْتَوْفِي الْعَافِي نِصْفَ الْأَرْشِ الَّذِي كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَغَيْرُ الْعَافِي تَمَامَ الْأَرْشِ، نِصْفُهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَنِصْفُهُ مِنْ المنقلب مَالا اه قَالَ: وَذُكِرَ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ وَجَعَلَ قَوْلَهُمَا قِيَاسًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اه. قُلْت: وَظَاهِرُ الشُّرُوحِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَتْقَانِيّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مُعَللا بِأَن حق كَا ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ بِالْمُزَاحَمَةِ، فَإِذَا زَالَتْ بِالْعَفْوِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ بِحَالِهِ كَالْغَرِيمَيْنِ وَالشَّفِيعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَادُ عَبْدٌ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِهِ فَيقبل، لانه مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّة فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضمن فَلَا يُبَالِي بِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ كَلَامِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا، لِأَنَّ مُوجِبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شئ وَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا اه. قَوْلُهُ: (يَعْنِي لَا فِي حَقِّهِ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ط. قَوْلُهُ: (مُعَلِّلًا) أَيْ الزَّيْلَعِيِّ لَا صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَعْلِيلًا. لِأَنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إقْرَارُهُ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِهِ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ اه. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: وَصْفُهُ الْجِنَايَةَ بِقَوْلِهِ: (مُوجِبَهُ إلَخْ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (فَتَأَمَّلْهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ مفَاد التَّعْلِيل بطلَان الاقرار بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ فِي حَالَةِ الرُّقْيَةِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى إلْزَامُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَيُطَالَبُ بِهِ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ، فَافْهَمْ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، إذْ لَا ضَرَرَ بِالْمَوْلَى بَعْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْأَشْبَاهِ بِلَا اشْتِبَاهٍ اه. قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمُلُوكِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِقْرَار الْمولى لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ عَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) أَيْ عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ إقْرَارِهِ الْعَبْدِ بِالْخَطَأِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِلَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ، وَحَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ عَاقِلَةً فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ، خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بَاطِلٌ أَصْلًا، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (فَتَدَبَّرْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْمُجْمَعِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الْعَوَاقِلَ إذَا كَانَتْ لَا تَعْقِلُ عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ الْعَبْدِ هُنَا مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَوْلَى، إذْ لَوْ جَازَ إقْرَارُهُ لَزِمَ عَقْلُ العَبْد وَالِاعْتِرَاف، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَتَأَمَّلْ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ بَيَانُ مَعْنَى الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خَطَأٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالرَّمْيِ حَيْثُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ أَصَابَهُ بِالنَّفَاذِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أحد نَوْعي الْخَطَأ وَهُوَ الْخَطَأ فِي الْقَصْد، فَصَارَ كَمَنْ قَصَدَ صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَتْقَانِيٌّ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهُمَا مَعًا كَانَ الثَّانِي عَمْدًا أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ كَثُرُوا) أَيْ الدَّافِعُونَ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الدَّافِعِ الدِّيَةُ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ الْأَخِيرِ الدِّيَةُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَة كَمَا هُوَ ظَاهر. تَأمل اهـ. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ مِنْ مَنَاقِبِهِ) فَإِنَّ فُقَهَاءَ زَمَانِهِ أخطأوا فِيهَا. منح. قَوْله: (فلدغت رجلا) بِالْمُهْمَلَةِ فالمعجمة، يُقَال لدغته الْعَقْرَب والحبة كمنح لَدْغًا وَتَلْدَاغًا، وَيُقَالُ لَذَعَتْهُ النَّارُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَأَمَّا بِالْمُعْجَمَتَيْنِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ أَرَهُ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) مُقْتَضَى جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ تَقَيُّدَ هَذِهِ بِاللَّدْغِ فَوْرًا، أَمَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً بَعْدَ الْإِلْقَاءِ ثُمَّ لَسَعَتْ لَا يَضْمَنُ، فَتَدَبَّرْهُ ط. قُلْت: وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَلَدَغَتْ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَلْقَاهَا عَلَى رَجُلٍ، فَلَوْ فِي الطَّرِيقِ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَيْ أَلْقَى حَيَّةً فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ حَتَّى تَزُولَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ اه. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ عَلَى رَبِّ السَّيْفِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقِيمَتُهُ عَلَى العائر) زَاد فِي التاترخانية بَعْدَهُ فَقَالَ: وَإِنْ عَثَرَ بِالسَّيْفِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ فَانْكَسَرَ وَمَاتَ الرَّجُلُ ضَمِنَ صَاحِبُ السَّيْفِ دِيَة العائر، وَلَا يضمن العائر شَيْئًا اه. وَفِيهَا: عَثَرَ مَاشٍ بِنَائِمٍ فِي الطَّرِيق فانكسر أصابعهما فماتا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مَا أَصَابَ الْآخَرَ. قَوْلُهُ: (إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ ضَمِنَ) وَالْوَاجِبُ فِي الدِّمَاءِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْأَمْوَالِ عَلَى الْمَالِكِ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الْبَدَائِعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَهُ: قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَلَا أَشْعَرَ بِهِ اه. أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَارٌّ عَضَّهُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَإِنْ عَضَّ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ: فَإِنْ قَبْلَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْحَائِطِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ وَبَعْدَهُ، وَفِي الْمُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ نَطْحِ الثَّوْرِ: يَضْمَنُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ النَّفْسَ وَالْمَالَ اه. فَأَيْنَ الْجَزْمُ بِهِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَ هَذَا أَدْخَلَ بَقَرًا نَطُوحًا فِي سَرْحِ إنْسَانٍ فَنَطَحَ جَحْشًا لَا يَضْمَنُ اه. فَإِنْ كَانَ تَوَهَّمَ مِنْ هَذَا الْجَزْمِ فَهُوَ تَوَهُّمٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّ وَضْعَهُ فِيمَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. رَمْلِيٌّ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ فِي آخِرِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى، وَمحل ذكره هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ) أَي فَإِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 الْقصاص يسْقط عَن الْوَالِد كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَيَسْقُطُ قَوَدُ وِرْثِهِ عَلَى أَبِيهِ فَلِذَا سَقَطَ عَنْ الشَّرِيكِ. قَوْلُهُ: (وَكَعَامِدٍ مَعَ مُخْطِئٍ) أَوْ مَعَ مَنْ كَانَ فِعْلُهُ شِبْهَ عَمْدٍ كَضَرْبٍ بِعَصًا كَمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (فَرَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ) أَوْ امْرَأَةَ رَجُلٍ آخَرَ يَزْنِي بِهَا. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (حَلَّ لَهُ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَبِمَا إذَا صَاحَ فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الزِّنَا، وَفِي الْقَيْدِ الْأَوَّلِ كَلَامٌ، فَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ، وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ اه. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً قَتَلَهُمَا، وَأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا قَتْلُهُ وَدَمُهُ هَدَرٌ، وَكَذَا الْغُلَامُ اه. أَيْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِدُونِ قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَعْطَى صَبِيًّا عَصًا أَوْ سِلَاحًا) أَيْ لِيُمْسِكَهُ لَهُ وَلم يَأْمُرهُ بشئ فَعَطب الصَّبِي بذلك منح، قَالَ فِي التاترخانية: لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ عَطِبَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على الْمُعْطِي، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ فَعَطِبَ بِهِ اه. وَفِي الْخُلَاصَةِ: دَفَعَ السِّلَاحَ إلَى الصَّبِيِّ فَقَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ لَا يَضْمَنُ الدَّافِعُ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (فَمَاتَ) أَيْ فِي هَذَا الْعَمَلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أُمِرَ عَبْدُ الْغَيْرِ بِكَسْرِ الْحَطَبِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ط. قَوْلُهُ: (فَقَوْلَانِ) وَالْمُخْتَار الضَّمَان أَيْضا. تاترخانية. قَوْلُهُ: (صَبِيٌّ عَلَى حَائِطٍ إلَخْ) قُيِّدَ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّ الْكَبِيرَ إذَا صَاحَ بِهِ شَخْصٌ لَا يَضْمَنُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أخر، لَكِن فِي التاترخانية صَاحَ عَلَى آخَرَ فَجْأَةً فَمَاتَ مِنْ صَيْحَتِهِ تجب فِيهِ الدِّيَةُ اه. فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَجْأَةً أَوْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: لَوْ غَيَّرَ صُورَتَهُ وَخَوَّفَ صَبِيًّا فَجُنَّ يَضْمَنُ اه. رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِ نَفْسَك فِي الْمَاءِ أَو فِي النَّار وَفعل فهناك يضمن، وَكَذَا هُنَا. تاترخانية، وَالله تَعَالَى أعلم. فصل فِي الْفِعْلَيْنِ أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ الْوَاوِ لِتَكُونَ (لَو) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 شَرْطِيَّة لانها مَعَ الْوَاو تكون وصيلة فَتُفِيدُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ فيناقض قَوْله: إِلَّا فِي الخطأين تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَيُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ فِي الْكُلِّ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ يُعْتَبَرُ كُلٌّ فِعْلًا، وَيُؤْخَذُ بِمُوجِبِهِمَا، لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَوَّلَ تَقَرَّرَ بِالْبُرْءِ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ، وَلَوْ خَطَأَيْنِ يَجِبُ دِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً فَفِي الْيَدِ الْقَوَدُ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ فَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي النَّفْسِ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بُرْءٌ فَلَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً اُعْتُبِرَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ، فَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَلَوْ خَطَأَيْنِ فَالْكُلُّ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ عَمْدَيْنِ، فَعِنْدَهُمَا: يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ. وَعِنْدَهُ: إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ قَطَعَ وَقَتَلَ، وَإِن شَاءَ قَتَلَ، وَلَا يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَرُوِيَ عَنْ نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ فِي مَجْلِسٍ وَقَتَلَهُ فِي آخَرَ، فَلَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْخَطَأَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَخَذَ بِالْأَمْرَيْنِ. طُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْقَتْلِ، لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ عَدَمَ السِّرَايَةِ. وَتَمَامُهُ فِي ابْن كَمَال. قَوْله: (صَار ثَمَانِيَة) وكل مِنْهَا إِمَّا من شخص وَاحِد أَو من شَخْصَيْنِ صَارَ سِتَّةَ عَشَرَ، فَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصَيْنِ يُفْعَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبُ فِعْلِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إِنَّمَا يكون عِنْد اتِّحَاد الْمُحَلّل لَا غَيْرُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ الخ) هَذَا إِذا شرب عَشَرَةً فِي مَوْضِعٍ وَتِسْعِينَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فبرئ التِّسْعِينَ وَسَرَى مَوْضِعُ الْعَشَرَةِ، وَإِلَّا لَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ سِرَايَةِ الْعَشَرَةِ وَبُرْءِ التِّسْعِينَ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ مَعَ الدِّيَةِ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَفْسِيرُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا مجروحا بِهَذَا كَمَا قِيمَتُهُ وَبِدُونِ الْجِرَاحَةِ كَمْ قِيمَتُهُ، فَيَضْمَنُ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الْحُرِّ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ) فِيهِ أَن الْمَسْأَلَة معروضة فِيمَا إذَا بَقِيَ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، وَلِذَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَمُتْ. قَوْلُهُ: (فَعَجَزَ الْمَجْرُوحُ عَنْ الْكَسْبِ) أَيْ مُدَّةَ الْجُرْحِ. وَانْظُرْ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُوجِبِهِ مِنْ الارش أَو حُكُومَة الْعدْل لَا يجب شئ ط. قَوْله: (جَاءَ بِعَوَانٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَتْبَاعِ الظَّلَمَةِ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْعَوْنِ فَإِنَّهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الظَّهِيرُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَيُكَسَّرُ أَعْوَانًا اه. لِأَنَّهُ يُظَاهِرُ الظَّالِمَ وَيُعِينُهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَفْتَوْا بِأَنَّ قَتْلَ الْأَعْوِنَةِ وَالسُّعَاةِ جَائِزٌ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ. ط مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَيْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجِرَاحَةَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ تَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ، أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ، فَافْهَمْ. هَذَا، وَفِي الْفَتَاوَى النُّعْمِيَّةِ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ: إذَا ضَرَبَ يَدَ غَيْرِهِ فَكَسَرَهَا وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى الضَّارِبِ الْمُدَاوَاةُ وَالنَّفَقَةُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِذَا بَرِئَ وَتَعَطَّلَتْ يَدُهُ وَشُلَّتْ وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ الْمَصْرُوفُ مِنْ الدِّيَةِ اه. وَفِيهَا: الْمَجْرُوحُ إذَا صَحَّ وَزَالَ الْأَثَرُ فَعَلَى الْجَارِحِ مَا لَحِقَهُ مِنْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالِاسْتِحْسَانُ. ذَكَرَهُ الصَّدْرُ اه مُلَخصا. تَأمل. وَيَأْتِي تَمَامه فِي الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الشِّجَاجِ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ، هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قُطِعَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْعَفْوَ إمَّا عَنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَإٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا عَنْ الْقَطْعِ وَحْدَهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ السِّرَايَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ يَبْرَأُ عَنْ الْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ خَطَأً فَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ سرى فعلى الْخلاف، ول عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ، وَالْعَمْدُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي) حَيْثُ فَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَأَطْلَقَ هُنَا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ اشْتِرَاكَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاطِعِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْمُرَادِ الْعَمْدَ فَقَطْ، لِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَأَجَابَ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي مَالِهِ، بَيَانٌ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ: أَيْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا اه. وَلَكِن الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ بِقَوْلِهِ فِي مَالِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ شُجَّ) سمتغنى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالشَّجَّةُ مِثْلُهُ ط. قَوْله: (فَعَفَا عَن قطعه إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ الْجِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ قَاطِعُهُ) وَكَذَا شَاجُّهُ أَوْ جَارِحُهُ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا: هُوَ عَفْوٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَفْوُ عَنْ مُوجِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ) وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ، إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، سَوَاءٌ ذَكَرَ مَعَهَا مَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَشْمَلُ السَّارِيَ مِنْهَا وَغَيْرَهُ، وَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْقَتْلِ كَمَا قَدَّمَهُ فَلَا يَشْمَلُ السَّارِيَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَمْدِ، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ لَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَدْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، قَوْلُهُ: (فَالْخَطَأُ إلَخْ) أَيْ الْعَفْوُ فِي الْخَطَأِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَصِحُّ لِلْعَاقِلَةِ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ اه. وَبِهِ ظَهَرَ فَسَادُ مَا اعْترض من أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَبِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ، فَتَأَمَّلْ. طُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِأَنَّ الْخَطَأَ مُوجِبُهُ الْمَالُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي مَالٌ غَيْرُهَا، فَإِنْ كَانَ فَبِحِسَابِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَدْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ اعْتِبَارِ الْعَفْوِ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْعَافِيَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا: أَيْ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ بِأَنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فرَاش، وَفَسرهُ فِي التاترخانية بِأَن كَانَ يخرج ويجئ وَيَذْهَبُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ بعض الْمَشَايِخ. قَالَ فِي التاترخانية: وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا هُوَ الْقَوَدُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ اه. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَوَدَ هُنَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْعَافِي أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ فِي عَفْوِهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِيهَا فَقَالَ: إنَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْقَوَدُ، وَحَقُّهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالشَّجَّةُ مِثْلُهُ) وَكَذَا الْجِرَاحَةُ كَمَا قَدَّمَهُ، فَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ أَوْ الْجِرَاحَةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ فِي ضَمَانِ الدِّيَةِ بِالسِّرَايَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْعَفْوُ عَنْهُمَا مَعَ مَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (قَطَعَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي التاترخانية. قَوْلُهُ: (لِمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَطْلَقَ) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَمْدِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى يَدِهِ) أَيْ مُوجِبُ يَدِهِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ إلَى الْهَلَاكِ، وَقُيِّدَ بِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ أَصْلًا أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فمهرها الارش) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَمْدًا) وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ تَبَيَّنَ أَنَّ مُوجِبَهَا الْأَرْشُ دُونَ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَرْشُ يَصْلُحُ صَدَاقًا. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَصْلُهُ مَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ الْيَدِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ لَيْسَ بِعَفْوٍ عَنْ النَّفْسِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا عَفْوٌ عَنْهَا. أَتْقَانِيٌّ. فَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ الْأَتْي فِيمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (إنْ تَعَمَّدَتْ) قُيِّدَ لِقَوْلِهِ: وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا أَمَّا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ مُطْلَقٌ، لِأَنَّ الْقَطْعَ إنْ كَانَ عَمْدًا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. لَا يُقَالُ: الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ (1) : الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، ثُمَّ عَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَإِذَا سَرَى يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تزوجا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنْ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَرَادَّا الْفَضْلَ) أَيْ إنْ كَانَ فِي الدِّيَة فضل تدره عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ) أَيْ وَالْمَهْرُ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُقَاصَّةُ إذَا اتَّحَدَتْ الذِّمَّةُ فِي الْوُجُوبِ لَهَا وَعَلَيْهَا كَمَا فِي الْعَمْدِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ إلَخْ) هُوَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْخَطَأِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَجَمِ: أَيْ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَجَمِ إحَالَةٌ إلَى مَحَلِّهِ: أَيْ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ فِي مَحَلِّهِ. وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَنَّهَا عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: مَطْلَبٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لَا يُقَالُ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنه يجب على الْقَاتِل ثمَّ تتحمل الْعَاقِلَة فَيكون أصل الْوُجُوب على   (1) قوه: (لانا نقُول الخ) مُقْتَضى هَذَا التَّعْلِيل وجوب مهر الْمثل إِذا لم يمت، وَقد ذكر الشَّارِح أَن مهرهَا الارش. فَالصَّوَاب أَن يُقَال، لانه بِالسّرَايَةِ تين أَن مُوجب هَذَا الْقطع الْقصاص فِي النَّفس وَهُوَ يجْرِي بَينهمَا فقد سمي مَا لَيْسَ بِمَال فيصار إِلَى مهر الْمثل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 الْقَاتِلِ، وَاعْتِبَارُ هَذَا يُوجِبُ جَوَازَ الْمُقَاصَّةِ. لِأَنَّا نقُول: عِنْد الْبَعْض يجب على الْعَاقِلَةُ ابْتِدَاءً وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْقَاتِلِ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ وَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ فَلَا تقع الْمُقَاصَّة اهـ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (مَهْرُ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْقِصَاصِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْعَمْدِ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَا إِذْ نَكَحَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. قَوْلُهُ: (لِرِضَاهُ بِالسُّقُوطِ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِي بسقوطه لجِهَة الْمهْر فَيسْقط أَصْلًا. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إلَخْ) لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجِبِهَا، وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ هُنَا وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ، إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ، وَالْمَرِيضُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَسَقَطَ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِم بشئ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُنْظَرُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اه. زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَوَجْهُ كَوْنِهِ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْمَهْرِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ قَدْ أَسْقَطَ لَهُمْ مَا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ تَبَرُّعًا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لِسَرَايَتِهِ) أَيْ لِسِرَايَةِ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ إلَى الْقَتْلِ، وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُسْقِطُ الْقَوَدَ كَمَنْ لَهُ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ إلَخْ) جَوَابُهُ: أَنَّهُ إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ، وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَن حَقه فِي الْقود فَلم يكن مبرئا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ وَهِيَ مَا إذَا قَطَعَ فَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ عَلَّلُوا سُقُوطَ الْقِصَاصِ بِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ تَكْفِي فِي سُقُوطِهِ لِأَنَّهَا تُورِثُ شُبْهَةً، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مبرئا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ فَأَوْجَبُوا الدِّيَةَ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَيُجَابُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْعَافِيَ عَنْ الْقَطْعِ ظَهَرَ مِنْهُ الْمَيْلُ إلَى الْعَفْوِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى مَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْعَفْوِ. قَوْلُهُ: (يُفِيدُ تَقْوِيَةَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُعَارِضُ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ ط. عَلَى أَنَّك سَمِعْت الْجَوَابَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَقَدْ قُتِلَ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَكِنْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَطَإِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ مِنْ الْقَطْعِ وَلَمْ يُرِدْ الْقَتْلَ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا: لَا يَضْمَنُ شَيْئًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَضْمَنُ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْحَاكِمُ إلَخْ) أَيْ إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَمَاتَ: وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ اسْتَشْهَدَ بِهَا الْإِمَامَانِ لِقَوْلِهِمَا: فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا، فَنَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا فعل الْحجام وَنَحْوه وَاجِب بِالْعقدِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِلْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَزَّاغُ) أَيْ الْبَيْطَارُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ بِهِ) اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا أَوْ مَاتَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَعَ كَونه مُبَاحا لكَون الوطئ أَخَذَ مُوجِبَهُ وَهُوَ الْمَهْرُ، فَلَا يَجِبُ بِهِ آخَرُ: أَيْ ضَمَانٌ آخَرُ. أَشْبَاهٌ ط. وَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ، وَهَذَا على قَول الْإِمَامِ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ الْوَاجِبُ قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ إكْرَاهُ طِفْلِهِ عَلَى تَعَلُّمِ قُرْآنٍ وَأَدَبٍ وَعِلْمٍ لِفَرْضِيَّتِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ اه. وَأَفَادَ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي التَّعْلِيمِ بِخِلَافِ التَّأْدِيبِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْأَبِ) أَيْ أَوْ بِإِذن الْوَصِيّ وَلَو ضرب بِغَيْر إذتهما يضمن كَمَا يَأْتِي ط: (تَعْلِيمًا) عِلَّةً لِقَوْلِهِ: ضَرَبَ. قَوْلُهُ: (مُقَيَّدٌ) أَيْ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ) أَيْ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ عَلَى الْمَذَاكِيرِ، يَجِبُ الضَّمَانُ بِلَا خَوْفٍ وَلَوْ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إتْلَافٌ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ تَلْخِيصِ الْكُبْرَى ط. قَوْلُهُ: (مِنْ ضَرْبِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ) قُيِّدَ بِهِمَا، لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا ضَرَبَتْ لِلتَّأْدِيبِ تَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَبِقَوْلِهِ: تَأْدِيبًا إذْ لَوْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلتَّعْلِيمِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا اه. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ الضَّرْبُ بِإِذْنِهِمَا) أَيْ إذْنِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى، وَكَذَا الْوَصِيُّ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَوْ ضَرَبَاهُ بِنَفْسِهِمَا لَا ضَمَانَ أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا. لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: ضَرَبَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَاتَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَلَا يَرِثُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرِثُهُ وَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ بِإِذْنِ الْوَالِدِ لَا يَضْمَنُ الْمُعَلِّمُ اه. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ضَرَبَ ابْنَهُ فِي أَدَبٍ أَوْ الْوَصِيُّ ضَرَبَ الْيَتِيمَ فَمَاتَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ بِلَا إذْنِهِمْ ضَمِنَ، وَإِنْ بِإِذْنٍ فَلَا، لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ مَأْذُونَانِ فِي التَّأْدِيبِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُمَا يملكَانِ التَّصَرُّف فِي نَفسه وَمَاله لَو خَبرا لَهُ أَمَّا الْمُعَلِّمُ إنَّمَا أَدَّبَهُ بِإِذْنِهِمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 وَالْإِذْنُ مِنْهُمْ، وُجِدَ مُطْلَقًا لَا مُقَيَّدًا اه، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ضَمَانِ الْأَبِ فِي التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (قِيلَ هَذَا) أَيْ قَوْلُ الْإِمَامِ بِعَدَمِ ضَمَانِ الْمُعَلِّمِ بِالْإِذْنِ مِنْ الْأَبِ، وَفِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيب، وَالْكَلَام هُنَا فِي شرب التَّعْلِيمِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ، وَلَا خلاف فِيهِ. أَفَادَهُ ط. أَقُول: وَفِي حَاشِيَةِ الشَّرَفِ الْغَزِّيِّ عَنْ الصُّغْرَى: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَدَبِ فَمَاتَ ضَمِنَ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اه. وَقَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِثْلَهُ، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ الرُّجُوعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَضَمِنَ بِضَرْبِهَا وَكَبْحِهَا) عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَصَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ كِفَايَةِ الْمُجِيبِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَأْدِيبَهَا لِلْوَلِيِّ) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يضمن مَعَ أَن الاب يضمن يضْرب ابْنِهِ تَأْدِيبًا عَلَى مَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ الْبِيرِيِّ: لِأَنَّهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ تَعْزِيرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لِنَفْعِ الْمَضْرُوبِ اه. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ مَا لِلزَّوْجِ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيرهَا مُطلقًا، وَقَوله: كَمَا قدمْنَاهُ أَي ضِمْنِ قَوْلِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَإِلَّا لَمْ يُقَدِّمْهُ صَرِيحًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيرهَا مُطلقًا عَن ذكر الْخلاف كَمَا قدمْنَاهُ فِي الْمَتْن، فَإِن عِبَارَةَ الْمَتْنِ تُفِيدُ أَنَّ الزَّوْجَ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ فَ قَوْلُهُ: (وَفِي دِيَاتِ الْمُجْتَبَى إلَخْ) كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ ثَمَّةَ) قَالَ فِيهِ: وَلَوْ ضَرَبَ ابْنه الصَّغِير تَأْدِيبًا إنْ ضَرَبَهُ حَيْثُ لَا يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ، أَوْ فَوْقَ مَا يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ فَعَطِبَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِذَا ضَرَبَهُ حَيْثُ يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ، وَمِثْلُ مَا يُضْرَبُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالا: لَا شئ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَالْخِلَافِ الْوَصِيُّ وَالزَّوْجُ إذَا ضَرَبَ الْيَتِيمَ أَوْ زَوْجَتَهُ تَأْدِيبًا، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِثْلِ مَا يُضْرَبُ فِيهِ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الْأَبُ وَلَا الْوَصِيُّ بِالْإِجْمَاعِ. فَأَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى الْأَبِ، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى الْمُعَلِّمِ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: هَذَا رُجُوعٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي حَقِّ الْأَبِ، وَلَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ بِدُونِ إذْنِهِ فَمَاتَ يَضْمَنُ، وَالْوَالِدَةُ إذَا ضَرَبَتْ وَلَدَهَا تَأْدِيبًا لَا شَكَّ أَنَّهَا تَضْمَنُ على قَوْله وعَلى قَوْلهمَا اخْتِلَاف الْمَشَايِخ اهـ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا) أَيْ جَعَلَ مَسْلَكَ بَوْلِهَا وَحَيْضِهَا أَوْ حَيْضِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا والوطئ كالضرب كَمَا يَأْتِي، المُرَاد بِهَا الْأَجْنَبِيَّةُ، أَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا وَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا فَلَا شئ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ. وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ تَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنْهَا سَلَسُ الْبَوْلِ، وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ فِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة لنَصّ الامام مُحَمَّد، على أَن لَا شئ هُنَا: أَي لانه بِفعل مَأْذُون فِيهِ، وَقد قَوْلَهُمَا بِمَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُخْتَارَةً مُطِيقَةً لِوَطْئِهِ وَلَمْ تَمُتْ مِنْهُ، فَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ لَا تُطِيقُ تَلْزَمُ دِيَتُهَا اتِّفَاقًا بِالْمَوْتِ وَالْإِفْضَاءِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهَا جَائِفَةٌ ط. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَكُلُّ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: حُدَّا أَيْ حُدَّ كل مِنْهُمَا وَلَا غرم: أَي لَا شئ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَلَوْ ادَّعَى شُبْهَةً فَلَا حَدَّ وَلَا شئ فِي الافضاء وَيجب الْعقر. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ دُونَهَا لِإِكْرَاهِهَا. قَوْلُهُ: (وَأَرْشُ الْإِفْضَاءِ) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ إنْ اسْتَمْسَكَتْ، وَإِلَّا فَكُلُّهَا، وَقَوْلُهُ: لَا الْعُقْرُ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ، وَتَمَامُهُ فِي ط. تَتِمَّةٌ: لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَلَوْ أَذْهَبَ عَيْنَهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ لِتَمَلُّكِهِ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ فَأَوْرَثَ شُبْهَة، وتفصيل مَا لَو أفضاها فِي الشرج، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَة) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ. أَبُو السُّعُودِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ ط. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ دِيَةُ الْعَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْخِتَانِ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ الْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ لِيَخْتِنَ صَبِيًّا فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ، وَلَمْ يَمُتْ الصَّبِيُّ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْحَشَفَةِ كَامِلَةً، وَهِيَ دِيَةُ النَّفْسِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (سُئِلَ مُحَمَّدٌ) لَفْظَةُ مُحَمَّدٍ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ. قَوْلُهُ: (فَانْفَتَحَ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ فَانْتَفَخَ بِالتَّاءِ قبل الْفَاء وَالْخَاء الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: (مَلِيًّا) أَيْ سَاعَةً طَوِيلَةً. قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ لَا إلَخْ) لَا يُنَافِي مَسْأَلَةَ الْعين الْمَارَّة آنِفا لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا أُمِرَ بِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الشَّقُّ بِإِذْنٍ) فَلَوْ بِدُونِهِ فَالظَّاهِرُ الْقِصَاصُ وَيُحَرَّرُ ط. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ ط. قَوْلُهُ: (خَارِجَ الرَّسْمِ) أَيْ الْعَادَةِ ط. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) قَائِلُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَمَانَةِ، إذْ هِيَ الْمَالُ الْقَابِلُ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْل وَاعْتِبَار حَالَته أَيْ بَابُ الشَّهَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ وَبَابُ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ: أَيْ حَالَةِ إيقَاعِ سَبَبِهِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ كَمَا يَأْتِي، وَلَمَّا كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ رُبَّمَا يَجْحَدُ، فَيَحْتَاجُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ إلَى إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ وَحَالَة الشئ صِفَةٌ لَهُ تَابِعَةٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِهِ. قَالَ ط: وَاعْلَمْ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجب الْقود، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 وَكَذَا الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ بِقَتْلٍ يُحْبَسُ، فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَسْتُورَانِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ يُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا، وَكَذَا فِي الْخَطَإِ عَلَى الْأَظْهَرِ اه. قَوْلُهُ: (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ اه. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِلَافَةِ هُنَا مَا قَابَلَ الْوِرَاثَةَ، وَإِلَّا فَالْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِنَّهَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ، وَلَا يَرِدُ صِحَة عَفْو الْمُورث لَان السَّبَب انقعد لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: إنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَحَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ، وَلِذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. فَعُلِمَ أَنَّ الْفُرُوعَ الْآتِيَةَ وَتَفْسِيرُ الْخِلَافَةِ بِمَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى، وَصِحَّةُ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ بِاعْتِبَارِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ رَاعَى الْإِمَامُ الْحَيْثِيَّتَيْنِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا حَقَّقَهُ الطُّورِيُّ. قَوْلُهُ: (نَصَّ فِيهِ) فَإِنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ، فَقَدْ مَلَّكَ تَعَالَى التَّسَلُّطَ لِلْوَلِيِّ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّسَلُّطَ قَدْ يَكُونُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ انْتَقَلَ لَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ نَصًّا اه. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا) أَيْ بِنَحْوِ صلح أَو عَفْو بعد الْوَرَثَة. قَوْله: (فأحدهم خصم عَنْ الْبَاقِينَ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ جَمِيعُ الْحَقِّ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَيِّت فَيثبت للبقية، بِخِلَاف مَا ذكر بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا حق غَيره ط. قَوْله: (لَا يُقيد) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَقَادَ، الْأَمِيرُ الْقَاتِلَ قَتَلَهُ بِهِ قَوَدًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ إجْمَاعًا مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ الِاسْتِيفَاءُ، وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْخَطَأِ) أَيْ فِي قَتْلِ أَبِيهِ خَطَأً وَفِي الدَّيْنِ لِأَبِيهِ عَلَى آخَرَ، لَوْ أَقَامَ الْحَاضِرُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ لَا يُعِيدُهَا الْغَائِبُ إذَا حَضَرَ، لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا عِنْدَ الْكُلِّ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ اتَّحَدَ الْقَاضِي لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، فَلَو أثبت قدر تصيبه مِنْهُ أَوْ كَانَ الْقَاضِي مُتَعَدِّدًا أَعَادَ الْحُجَّةَ وَإِنَّمَا خَصَّ الدَّيْنَ، لِأَنَّ فِي إعَادَةِ الْحُجَّةِ لِلْعَقَارِ اخْتِلَافًا وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ) لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابِهِ مَالًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ لَا بِإِثْبَاتِ عَفْوِ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا عَنْهُ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَسَقَطَ الْقَوَدُ) أَي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 وَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْعَفْوَ وَيَصِيرُ حَقُّهُ نِصْفَ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ) فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ. فَحَاصِلُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أُخْبِرَ الخ) عبر بِالْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةً إلَّا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا) قُيِّدَ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَفْوًا مِنْهُمَا لِلْمَالِ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا تَعْرِفُهُ. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا) لِأَنَّهُمَا زَعَمَا عَفْوَ الثَّالِثِ وَبِعَفْوِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ) أَيْ أَوْجُهُهَا أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِأَنَّ نَصِيبَهُمَا صَارَ مَالًا. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إنْ كَذَّبَهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا وَشَرْحًا، وَالصَّوَابُ كَذَّبَاهُمَا. قَوْلُهُ: (فَلَا شئ لِلْمُخْبِرَيْنِ) لِأَنَّهُمَا بِإِخْبَارِهِمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْقِصَاصِ فَانْقَلَبَ مَالًا، وَلَا مَالَ لَهُمَا لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ والشرك. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ، وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقه فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلَهُ: (وَحْدَهُ) : أَيْ دُونَ الْأَخِ الشَّرِيكِ. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا) لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَمَّا صَدَّقَهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَتَحَوَّلَ مَالًا فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (إنْ صَدَّقَهُمَا الْأَخُ فَقَطْ) أَيْ وَكَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إقْرَارَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا إقْرَارُهُ لَهُ بِالْعَفْوِ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهُ الثُّلُثُ. قَوْلُهُ: (فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَسَقَطَ الثُّلُثَانِ لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُمَا، وَلَا يَتَأَتَّى الْقِصَاصُ مَعَ إقْرَارِ الثَّالِثِ بِعَفْوِهِ ط. قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّهُ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْمُخْبِرَيْنِ) لِأَنَّ الْأَخَ زَعَمَ الْعَفْوَ بِتَصْدِيقِهِ الْمُخْبِرَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا شئ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ لَهُمَا، وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ من جنس حَقّهمَا، فَيصْرف إِلَيْهِمَا، وَالْقِيَاس أَن لَا يلْزمه شئ، لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا الْمَالَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ مُنْكِرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْأَخِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِ الْأَخِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا للْقَاتِل. وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الْقَاتِل بتكديبه المخبرين أَقَرَّ لِلْأَخِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِإِخْبَارِهِمَا بِالْعَفْوِ كَابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا، وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَالْمَالُ للْمقر لَهُ الثَّانِي، وَكَذَا هُنَا. دُرَرٌ مُوَضِّحًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ، لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَخْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ كَوْنُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 لِلْأَخِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (يُقْتَصُّ) لَا يُقَالُ: الضَّرْبُ بِسِلَاحٍ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَجِبُ الْقَوَدُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا شَهِدُوا بِالضَّرْبِ بِالسِّلَاحِ ثَبَتَ الْعَمْدُ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً لَقَالُوا إنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْعَمْدَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ عَادَةً، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَأَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ أَحْوَطُ اه. أَتْقَانِيٌّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَوَّلُ الْجِنَايَاتِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ بِالْآلَةِ الْجَارِحَةِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لَمْ أَقْصِدْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ: أَرَدْت غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ من جِهَته مُطلقًا عَن قيد العمدية والخطيئة فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الادنى. قَالَ فِي التاترخانية: وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ سَيْفٍ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت غَيْرَهُ فَقَتَلْته لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُقْتَلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَالَ: ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلْته، قَالَ هَذَا خَطَأٌ حَتَّى يَقُولَ عَمْدًا اه مُلَخَّصًا. أَقُولُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَوْتَ مَتَى وُجِدَ عَقِيبَ سَبَبٍ صَالِحٍ يُضَافُ إِلَيْهِ لَا إِلَى شئ آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ سَبَبٌ آخر، وَإِن احْتمل لَان احْتِمَال حلاف الظَّاهِرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْمَكَانِ) أَيْ الْمُتَبَاعِدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَارِبًا كَبَيْتٍ شَهِدَ أَحَدُهُمَا إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ فَتُقْبَلُ. وَلْوَالِجِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَالْآخَرُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالسِّكِّينِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَتَانِ بِإِقْرَارِهِ جَازَ اه. وَمِنْهُ يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ مُجَرّد الِاخْتِلَاف، لاكون مُوجِبِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا الْعَمْدَ وَالْآخَرِ الْخَطَأَ، عَزْمِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْآلَةِ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أحد الشَّاهِدين شهد فِيهِ يقتل، وَالْآخَرُ بِآخَرَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ فَالْعِلَّةُ أَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ يَحْتَمِلُ الْعَمْدَ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَلَمْ يَثْبُتْ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا فِي الْخَامِسَةِ لشهادة أَحدهمَا على الْفِعْل وَالْآخر عَلَى الْقَوْلِ فَلَوْ قَالَ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ لَشَمَلَ الْكُلَّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ بُطْلَانُهَا فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ، مَعَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ، وَبِهِ تَظْهَرُ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا، لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ شَهِدَ بِقَتْلٍ آخَرَ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَكَرَّرُ فَيُتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، أَمَّا فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَلَا يَظْهَرُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَوْلَوِيَّةَ) أَيْ لَيْسَ إحْدَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 الشَّهَادَتَيْنِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا تَعَارَضَتَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِحْدَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ. تَأَمَّلْ، لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ إذَا سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِحْدَاهُمَا لَغَتْ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي جَانِبٍ دُونَ آخَرَ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ يخلف بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجَهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (حَمْلًا عَلَى الْأَدْنَى) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَة، وَلَا يحمل قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا. عَيْنِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَغَتْ) إلَّا إذَا صَدَّقَ الْوَلِيُّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي ط: أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَيْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قَتَلْته. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: (قَتَلْتُمَاهُ) تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ فِي بَعْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ، حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَيْسَ لَهُ دِيَةٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ اه ط. قَوْلُهُ: (إقْرَارٌ بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ) فَكَانَ مُكَذِّبًا لَهُمَا فِي إخْبَارِهِمَا بِالْقَتْلِ ط. قَوْلُهُ: (بِلَا تَصْدِيقٍ) أَيْ فِي الِانْفِرَادِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ بِانْفِرَادِهِ بِكُلِّ الْقَتْلِ وَبِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ وَتَكْذِيبُ الْمُقِرِّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ إلَخْ) صُورَتُهُ: ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلَيْنِ بِالْقَتْلِ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحدهمَا أقرّ الْآخَرُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: قَتَلَهُ كِلَاهُمَا. قَوْلُهُ: (لِبَعْضِ مُوجِبِهِ) أَيْ مُوجِبِ مَا شَهِدَا بِهِ، لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا انْفِرَادَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ. وَالْمُدَّعِي يَقُولُ: لَا بَلْ قَتَلَهُ هُوَ وَالْآخَرُ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك. قَوْلُهُ: (شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ بِقَتْلِهِ خَطَأً) أَيْ بِأَنَّهُ قتل آخر خطأ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ: وَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الدُّرَرِ، وَأَصلهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 مَذْكُور فِي الْفَصْل الرَّابِع وَالْعِشْرين من التاترخانية عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَوْلُهُ: (ضُمِّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ) وَلَا يَرْجِعُ الْوَلِيُّ عَلَى أَحَدٍ. تاترخانية. قَوْلُهُ: (أَوْ الشُّهُودُ) لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (لِتَمَلُّكِهِمْ الْمَضْمُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ، وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْوَلِيِّ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: (وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ إلَخْ) أَيْ إذَا شَهِدُوا بِالْقَتْلِ عَمْدًا وَاقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُم، وَلمن وَرَثَةَ الْقَاتِلِ بِالْخِيَارِ: فَإِنْ ضَمَّنُوا الْوَلِيَّ لَا يرجع على أخد، وَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ لَا يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى الْوَلِيّ عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: يرجعُونَ. تاترخانية. قَوْلُهُ: (أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ) أَيْ وَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي صُورَةِ الْخَطَأِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْإِقْرَارَ، وَالْقِصَاصَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي الْخَطَأ) قيد بِهِ لَان الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ كَالْحَدِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَاءَ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِقَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يظْهر كذبهما) لانهما لم يشهدَا بِقَتْلِهِ بَلْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا وَفِي الثَّانِيَةِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَرُدُّ الْوَلِيُّ مَا قَبَضَهُ، لَكِنْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ عَمْدًا لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْقَوَدُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا اقْتَصَّ مِنْ الْمُقِرِّ يَضْمَنُ دِيَتَهُ لِأَوْلِيَائِهِ لِظُهُورِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقصاص بعد مجئ الْمُقْتَصِّ لِأَجْلِهِ حَيًّا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِلْعَاقِلَةِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ إقْرَارًا وَلَا عَمْدًا، بَلْ ضَمَانُهُ لِلْعَاقِلَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ قَضَى بهَا عَلَيْهِم كَمَا مر. وَعبارَة التاترخانية عَنْ الْجَامِعِ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْخَطَإِ أَوْ فِي الْعَمْدِ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى قَتْلِ الْخَطَإِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْفُرُوعِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اه. وَأَرَادَ بِبَاقِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ جَاءَ حَيًّا. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ، إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدَهُ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ) أَرَادَ بِالْحِلِّ الْخُرُوجَ عَنْ إِحْرَام الْحَج كَمَا تجئ مَسْأَلَتُهُ. عَزْمِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ حَالَ الْوُصُولِ. قَوْلُهُ: (بِرِدَّةِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ) أَيْ فِيمَا إذَا رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السهْم. قَوْله: (وَقَالا: لَا شئ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ إلَخْ) وَالْقِيَاسُ الْقِصَاصُ لَكِنْ سَقَطَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 لِلشُّبْهَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لِلْمَوْلَى لَوْ اُعْتُبِرَ الرَّمْيُ، وَلِلْعَبْدِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ لَوْ اُعْتُبِرَ الْوُصُولُ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقِصَاصِ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ. فَتَقْيِيدُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْقَتْلَ هُنَا بِالْخَطَأِ مَحَلُّ نظر. أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود. قَوْلُهُ: (فَوَصَلَ) أَيْ السَّهْمُ الْمَرْمِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ إلَخْ) لِأَنَّهُ حَالَ الرَّمْيِ مُبَاحُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ، فَيَضْمَنُ الرُّبُعَ لَوْ وَاحِدًا، وَلَوْ كُلُّهُمْ فَكُلَّ الدِّيَةِ. أَبُو السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (فَرَجَعَ شَاهِدُهُ) الْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ، لِأَنَّهَا تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَيَشْمَلُ رُجُوعَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (أَيُّ جَانٍ إلَخْ) يَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْقَسَامَةِ. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ أَبِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخِتَانٍ لَا بِقَطْعٍ إذْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (جَنِينٌ خَرَجَ رَأْسُهُ) أَيْ فَقَطَعَهُ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَفِيهِ الْغُرَّةُ أَيْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَطَعَ أُذُنَهُ وَلَمْ يَمُتْ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قُطِعَ رَأْسُهُ فَفِيهِ الْغُرَّةُ اه. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَلَمْ يَخْرُجْ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْأَكْثَرِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ وَخَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوَدُ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ عَنْ الْمُجْتَبى والتاترخانية. قَوْلُهُ: (فَقُلْ دِيَةُ الْأَسْنَانِ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَهَذَا مِنْ لِطَافَاتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ بِمَسْأَلَةٍ تُنَاسِبُهُ غَالِبًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 كتاب الدِّيات قَدَّمَ الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَصِيَانَةُ الْحَيَاةِ وَالْأَنْفُسِ فِيهِ أَقْوَى، وَالدِّيَةُ كَالْخَلَفِ لَهُ وَلِهَذَا تَجِبُ بالعوارض كالخطأ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. معارج. قَوْلُهُ: (الدِّيَةُ فِي الشَّرْعِ إلَخْ) وَفِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ: إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ، وَالتَّاءُ فِي آخِرِهَا عِوَضٌ عَنْ الْوَاوِ فِي أَوَّلِهَا كَالْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ) زَادَ الْأَتْقَانِيُّ: أَوْ الطَّرَفِ. قَوْلُهُ: (لَا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ إلَخْ) كَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ رَادًّا عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَغَيره. وَالْحَاصِل: أَنه مجَاز فِي اللُّغَة حَقِيقَة فِي الْعُرْفِ كَمَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَلْفُوظِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحَقَائِقُ لَا يُطْلَبُ لَهَا أَصْلٌ، وَبَيَانُ أَنَّهُ تَسْمِيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ يُؤْذِنُ بِبَيَانِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْمَجَازِيِّ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَرْبَاعًا) حَالٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ مِنْ الْإِبِلِ: أَيْ مُقَسَّمَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ رُبُعُ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ) هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَبِنْتِ لَبُونٍ فِي الثَّالِثَةِ وَالْحِقَّةِ فِي الرَّابِعَةِ وَالْجَذَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ لَا غَيْرُ) اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ هُنَا مُخْتَلِفَةُ الْمَفْهُومِ، فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَالتَّغْلِيظُ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ التَّخْيِيرِ، وَظَاهِرُ الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَبِه صرح فِي متن الْقَدُورِيّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَضَى مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ اه. وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى التَّغْلِيظِ فِيهَا: أَنَّهَا إذَا دُفِعَتْ مِنْ الْإِبِلِ تُدْفَعُ أَرْبَاعًا، بِخِلَاف دِيَة الْخَطَأ فَإِنَّهَا أَخْمَاسٌ. وَفِي الْمَجْمَعِ: تَتَغَلَّظُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ. قَالَ شَارِحُهُ: حَتَّى لَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تُغَلَّظْ، وَكَذَا فِي دُرَر الْبحار وَشَرحه وغرر الْأَفْكَارِ وَفِي جِنَايَاتِ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا، فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارِ. وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ. قَالَ ط: وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الْمِائَةِ مِنْ الْإِبِلِ، وَرَجَّحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّغْلِيظِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَخَفَّ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ التَّغْلِيظِ اه. أَقُولُ: مَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي نُسْخَتِي فَلْيُرَاجَعْ، وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْله: (أَخْمَاسًا مِنْهَا وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ) أَيْ تُؤْخَذُ الْمِائَةُ من الاربعة الْمَارَّة وَمن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 ابْن مَخَاض أخمسا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عِشْرُونَ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ: وَهِيَ الْإِبِلُ، وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، وَمِنْ الْبَقَرِ إلَخْ، فَتَجُوزُ عِنْدَهُمَا مِنْ سِتَّةِ أَنْوَاعٍ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَط. قَالَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى: وَيُؤْخَذ الْبَقَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ وَالْحُلَلُ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَذَا الْغَنَمُ، وَقِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ أَوْ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالشِّيَاهُ ثَنَايَا، وَقِيلَ: كَالضَّحَايَا، وَعَنْ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، وَجَازَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جنس الدِّيَة، وَقد مَرَّ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَأَفَادَ أَنَّ كُلَّ الْأَنْوَاعِ أُصُولٌ وَعَلِيهِ أَصْحَابنَا، وَأَن التَّعْيِين بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ، وَقِيلَ لِلْقَاتِلِ. ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اه. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُخْتَارُ) أَيْ تَفْسِيرُ الْحُلَّةِ بِذَلِكَ، وَقيل: فِي دِيَارنَا قَمِيص وسروايل. نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (عِتْقُ قِنٍّ) أَيْ كَامِلٍ فَيَكْفِي الْأَعْوَرُ لَا الْأَعْمَى. دُرٌّ مُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (مُؤْمِنٍ) بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْخَطَأِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ فِيهِ مَعْنَى الْخَطَأِ ثَبَتَ فِيهِ حكم الخطاء أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا الْوُجُوبِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَاءً) أَيْ مُتَتَابِعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا إطْعَامَ فِيهِمَا) بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ إعْتَاقُ رَضِيعٍ) أَيْ إنْ عَاشَ بَعْدَهُ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وأطرافه، فَلَو مَاتَ قبل ذَلِك لم تتأذ بِهِ الْكَفَّارَةُ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا الْجَنِينُ) لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ، وَلَا سَلَامَتُهُ، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ خَطَأً خَمْسَةُ آلَافٍ، وَفِي قَطْعِ يَدِهَا أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الْحُكُومَةُ فَقِيلَ: كَالْمُقَدَّرَةِ، وَقِيلَ: يُسَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ جَنِين فِيهِ غُرَّةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى كَمَا يَأْتِي. دُرٌّ منتقى. وَفِي التاترخانية عَنْ شَرْحِ الطَّوَاوِيسِيِّ: مَا لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ مُقَدَّرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. تَنْبِيهٌ: فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَشْبَاهِ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ يَدِهِ وَلَوْ عَمْدًا وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ امْرَأَةً، وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُهَا، وَإِذَا قُتِلَ خَطَأً وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى التَّبَيُّنِ، وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَصُحِّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ نقلا عَنْ النِّهَايَةِ: وَلَا دِيَةَ لِلْمُسْتَأْمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ اه. وَاعْترض بِأَنَّ الَّذِي فِي النِّهَايَةِ هُوَ التَّصْرِيحُ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الدِّيَةِ وَالتَّفْرِقَةِ فِي الْقِصَاصِ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّهُ نَقَلَ تَصْحِيحَ الْجَوْهَرَةِ الْمَذْكُورَ، وَنَقَلَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْمُسْتَأْمَنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ اه ط. أَقُولُ: وَاسْتَظْهَرَ الرَّمْلِيُّ مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ ثُبُوتِ مَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (وَفِي النَّفْسِ) فِي لِلسَّبَبِيَّةِ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ النَّفْسِ لِعِلْمِ حُكْمِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ط. قَوْلُهُ: (وَالْأَنْفِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْآدَمِيِّ أَنَّهُ إنْ فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا عَلَى الْكَمَالِ فَفِيهِ كُلُّ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلنَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ لقَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله بِالدِّيَةِ فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ فَقِسْنَا مَا فِي مَعْنَاهُ عَلَيْهِ. أَتْقَانِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا ثَانِيَ بَدَلُهُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَوْ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَالْأَعْضَاءُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ أَفْرَادٌ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَالذَّكَرُ وَالْمَعَانِي الَّتِي هِيَ أَفْرَادٌ فِي الْبَدَنِ: الْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ، وَأَمَّا الْأَعْضَاءُ الَّتِي هِيَ أَزْوَاجٌ: فَالْعَيْنَانِ وَالْأُذُنَانِ الشَّاخِصَتَانِ وَالْحَاجِبَانِ وَالشَّفَتَانِ وَالْيَدَانِ وَثَدْيَا الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَيَانِ وَالرِّجْلَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَاَلَّتِي هِيَ أَرْبَاعُ أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَفِي كُلِّ شَفْرٍ رُبُعُ الدِّيَةِ وَاَلَّتِي هِيَ أَعْشَارٌ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَأَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَفِي الْعَشَرَةِ الدِّيَةُ وَفِي الْوَاحِدَةِ عُشْرُهَا، وَاَلَّتِي تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ الْأَسْنَانُ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَارِنِهِ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَأَرْنَبَتُهُ طَرَفُ الْأَنْفِ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَا الْمَنْفَعَةُ لِأَنَّ الْمَارِنَ لِاشْتِمَامِ الرَّوَائِحِ فِي الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ، لَو قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ لِأَنَّ الشَّمَّ فِي غَيْرِ الْأَنْفِ، فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) حَكَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ) لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِالذكر مَنْفَعَة الوطئ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْعِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً، وَالْحَشَفَةُ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ. هِدَايَةٌ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ عَمْدًا، وَفِي الذَّكَرِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَالْعَقْلِ) لِأَنَّ بِهِ نَفْعَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي رَجُلٍ طَرَحَ آخَرَ على الارض وضربه فَصَارَ يُصْرَعُ فَمَاذَا عَلَيْهِ؟ أَجَابَ: إنْ ثَبَتَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِمَا ذُكِرَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ زَالَ بَعْضُهُ فَبِقَدْرِهِ إنْ انْضَبَطَ بِزَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّرَهَا بِاجْتِهَادِهِ، وَهَذَا قُلْته تَفَقُّهًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْإِصْرَاعَ ضَرْبٌ مِنْ الْجُنُونِ اه. قَوْلُهُ: (وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَقد رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. هِدَايَةٌ. وَيُعْرَفُ تَلَفُهَا بِتَصْدِيقِ الْجَانِي أَوْ نُكُولِهِ أَوْ الْخطاب مَعَ الْغَفْلَة وتقريب الكريه وإطعام الشئ الْمُرِّ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَفَادَ أَنَّ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةَ عَدْلٍ) أَيْ إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهِ ذَوْقُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْكَلَامُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَصَارَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَآلَةِ الْخَصِيِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 وَالْعِنِّينِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ اه. مِعْرَاجٌ: أَيْ فَإِنَّ فِي الْكُلِّ حُكُومَةَ عَدْلٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَنْفَعَةً، وَلَا فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ. عِنَايَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبَ بِهِ ذَوْقُهُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: إنْ مَنَعَ النُّطْقَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا قُسِمَتْ الدِّيَةُ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَمْنَعْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قُسِمَتْ الدِّيَةُ إلَخْ، لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالْأَكْثَرِ فَالْحُكُومَةُ، وَقِيلَ: يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْهَا حُطَّ مِنْ الدِّيَةِ بِحِصَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ نِصْفًا أَوْ رُبُعًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: عَلَى حُرُوفِ اللِّسَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ، وَبِهَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالِاخْتِيَارِ وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهَا، وَصَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِتَصْحِيحِ الْأَخِيرَيْنِ كالقهستاني، وَالْأَوَّلُ مُصَحَّحٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمْته، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ (1) أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ تَفْسِيرٌ لِلْحُكُومَةِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (السِّتَّةَ عَشَرَ) وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ. زَيْلَعِيٌّ. وَعَدَّهَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِزِيَادَةِ الْقَافِ وَالْكَافِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ قَوْلُ النُّحَاةِ وَالْقُرَّاءِ، وَعَدَّهَا الْخَاصِّيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، لَكِنْ بِلَا حَصْرٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ اه. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُ عَلَى كَوْنِهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ فِي كُلِّ حَرْفٍ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَمِنْ الذَّهَبِ اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفٌ، وَعَلَى كَوْنِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَفِي الْحَرْفِ مِنْ الذَّهَبِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعٍ، وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعٍ اه. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَلَوْ ذَهَبَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى الْحَلْقِ أَوْ الشَّفَةِ بَعْضُ الْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ أَوْ الشَّفَوِيَّةِ، يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ بَدَّلَ حَرْفًا مَكَانَ حَرْفٍ فَقَالَ فِي الدِّرْهَمِ دَلْهَمُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَرْف لِتَلَفِهِ، وَمَا يُبَدِّلُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ اه. قَوْلُهُ: (وَلِحْيَةٍ حُلِقَتْ) وَكَذَا لَوْ نتفت. قُهُسْتَانِيّ. لانه أَزَال الْجمال على الْجمال ولحية الْمَرْأَة لَا شئ فِيهَا لِأَنَّهَا نَقْصٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِن مَاتَ فِيهَا برِئ) أَي لَا شئ عَلَيْهِ، وَقَالَا: حُكُومَةُ عَدْلٍ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: كَمَالُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ بِحَلْقِ الْبَعْضِ. مِعْرَاجٌ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ حَلَقَ بَعْضَ اللِّحْيَةِ وَلَمْ تَنْبُتْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. قَالَ فِي شرح الْكَافِي: وَالصَّحِيح   (1) قَوْله: (وَظَاهر كَلَام الشَّارِح الخ) أَنْت خَبِير بِأَن الْقُهسْتَانِيّ إِنَّمَا حكى القَوْل بالحكومة فِي فَوَات الاقل والقولين بعده فِي فَوَات الْبَعْض مُطلقًا فَكيف يَصح التَّفْسِير وتنعدم الْمُنَافَاة. وَحَاصِل ماستفيد من تَقْرِير مَوْلَانَا أَنه إِذا فَاتَ بعض الْحُرُوف قيل إِن كَانَ الْفَائِت الاكثر فَفِيهِ الدِّيَة وَهَذَا مَا فِي المُصَنّف، وَأَن الاقل فالحكومة وَهَذَا مَا فِي القهستانى وَقيل بِفَوَات الْبَعْض أيا كَانَ تقسم الدِّيَة على عدد الْحُرُوف اللسانية أَو حُرُوف الهجاء قَولَانِ اه وَبِهَذَا تعلم مَا فِي الْمحشِي تَأمل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ فِي الشَّيْنِ فَوْقَ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الشَّارِبَ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا، وَالْمَقْصُودُ فِي الْعَبْدِ الْمَنْفَعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْجَمَالِ، بِخِلَافِ الْحُرِّ. هِدَايَةٌ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ الشَّارِبَ مَعَ اللِّحْيَةِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: يَدْخُلُ. قَوْلُهُ: (وَلَا شئ فِي لِحْيَةِ كَوْسَجٍ) بِالْفَتْحِ وَبِضَمٍّ. قَامُوسٌ. لِأَنَّهَا تشينه وَلَا تُزَيِّنُهُ. قَوْلُهُ: (فَحُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَكُلُّ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَشَعْرُ الرَّأْسِ كَذَلِكَ) سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَجُلٍ أَوْ أمْرَأَة أَو كَبِيرا أَوْ صَغِيرٍ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْقَرَعُ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ عَيْبًا عَظِيمًا، وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ الْأَقْرَعُ فِي سَتْرِ رَأْسِهِ كَمَا يَتَكَلَّفُ سَتْرَ سَائِرِ عُيُوبِهِ. أَتْقَانِيٌّ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يجب شئ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ. هِدَايَةٌ وَإِنْ نَبَتَ أَبيض فَإِن فِي أَوَانه لَا يجب شئ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةَ عَدْلٍ. أَتْقَانِيٌّ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ أَرْشُ النُّقْصَانِ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ عَمْدًا فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ، وَكَذَا شَعْرُ الْحَاجِبِ. مِعْرَاجٌ. لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَلَا يَثْبُتُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً، وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ السِّرَايَةُ. زَيْلَعِيٌّ وَالْعَمْدُ فِي مَالِهِ وَالْخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي الْقَتْلِ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: ثُمَّ قِيلَ: صُورَةُ الْخَطَأِ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ أَن يَظُنّهُ مُبَاح الدَّم ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحِ الدَّمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا شئ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ، وَقَالَا: تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ. مِعْرَاجٌ. وَمَرَّ نَظِيرُهُ فِي اللِّحْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنَيْنِ الخ) لَان فِي تَفْوِيت الِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي تَفْوِيتِ أَحَدِهَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْأُنْثَيَيْنِ) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ. زَيْلَعِيٌّ. تَنْبِيه: فِي التاترخانية عَنْ التُّحْفَةِ: إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا فَإِنَّ بِقَطْعِهِ مَنْفَعَةَ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ قَائِمَةٌ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ لِلْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةٌ لِلذَّكَرِ اه مُلَخَّصًا: أَيْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الذَّكَرِ قَبْلَ قَطْعِهِ، وَفِيهَا قَطْعُ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ فَدِيَةٌ وَنِصْفٌ. قَوْلُهُ: (وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتَيْهِمَا) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ. زَيْلَعِيٌّ. وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ. أَتْقَانِيٌّ. وَهَلْ فِي الثَّدْيَيْنِ الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ؟ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ الظَّاهِرَةِ، وَكَذَا الانثيان. تاترخانية. قَوْلُهُ: (وَكَذَا فَرْجُ الْمَرْأَةِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ قَطَعَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَصَارَتْ بِحَالٍ لَا تسْتَمْسك الْبَوْل فَفِيهِ الدِّيَة اه. وَفِي التاترخانية: وَلَوْ صَارَتْ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فَفِيهِ الدِّيَة. قَوْلُهُ: (وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ. زَيْلَعِيٌّ. وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 دُونَ ذَلِكَ. خُلَاصَةٌ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ شُفْرَةٍ) كَذَا فِي الْمنح بِالتَّاءِ، وَلم أره لغيره، الْمَذْكُور فِي كَلَامِهِمْ شُفْرٌ بِلَا تَاءٍ. قَوْلُهُ: (الْجَفْنُ) أَيْ طَرَفُهُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: جَمْعُ شُفْرٍ بِالضَّمِّ وَهُوَ حَرْفُ مَا غَطَّى الْعَيْنَ مِنْ الْجَفْنِ لَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَهُوَ الْهُدْبُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَجَازًا اه. وَفِي الْمُغْرِبِ: شفر كل شئ حَرْفُهُ، وَشُفْرُ الْعَيْنِ: مَنْبَتُ الْأَهْدَابِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأيهمَا أُرِيد كَانَ مُسْتَقِيمًا، لَان فِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّفْرِ وَمَنَابِتُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كقطعهما مَعًا لانهما كشئ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ اه. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تُنْبِتْ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْأَجْفَانُ، وَبِالْفَتْحِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَهْدَابُ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ وَلَعَلَّهُ كَاللِّحْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَحدهَا رُبُعُهَا) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ، وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ، وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، فَفِي الْوَاحِدِ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُهَا، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا. زَيْلَعِيٌّ. وَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ مَا يَجِبُ فِي الرَّجُلِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَطَعَ جُفُونَ أَشْفَارِهَا) كَذَا فِي الْمِنَحِ، وَالْأَوْضَحُ الْجُفُونُ بِأَشْفَارِهَا. قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، لَان الاشفار مَعَ الجفون كشئ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ اه. وَلَو قلع الْعين بأجفانها تحب دِيَتَانِ: دِيَةُ الْعَيْنِ، وَدِيَةُ أَجْفَانِهَا، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. جَوْهَرَةٌ ط. قَوْلُهُ: (وَفِي جَفْنٍ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ، نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ. أَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَطَعَ جُفُونَ أَشْفَارِهَا) فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرَّاحِ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَفْنِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّعْرِ وَحْدَهُ إذَا قَطَعَهُ بِانْفِرَادِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَطَعَ الْأَشْفَارَ وَحْدَهَا وَلَيْسَ فِيهَا أَهْدَابٌ فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ الْأَهْدَابُ، وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ اه. قَوْلُهُ: (جَفْنًا أَوْ شَعْرًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ جَفْنًا أَوْ شَعْرَ الْجَفْنِ فَهُوَ خَبَرٌ لَكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ شُفْرَهُ بِالْفَاءِ ط. قَوْلُهُ: (كَالْإِبْهَامِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ ط. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ) السِّنُّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ: أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَانِ فَوْقُ وَاثْنَانِ أَسْفَلُ، وَمِثْلُهَا رُبَاعِيَّاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا، وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرُّبَاعِيَّاتِ، وَمثلهَا ضواحك تلِي الانباب، وَاثنا عَشَرَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقَ وَثَلَاثٌ أَسْفَلَ، وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ، لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّهِ. قَوْلُهُ: (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ فِيمَا ذُكِرَ الْحُرُّ أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ فَيَجِبُ نِصْفُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 عُشْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْأَسْنَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَيَجِبُ فِيهَا سِتَّة عشر ألف دِرْهَم، وَذَلِكَ دِيَةُ النَّفْسِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، إذْ لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ قُوَامِ الدِّينِ الْأَتْقَانِيّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُوجَدُ نَوَاجِذُ أَرْبَعَةٌ) النَّوَاجِذُ: أَضْرَاسُ الْحُلْمِ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (فَلِلْكَوْسَجِ إلَخْ) أَيْ إذَا نُزِعَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا فَلَهُ دِيَةٌ وَخُمُسَا دِيَةٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَنَّ أَسْنَانَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا: يَا كَوْسَجُ، فَقَالَ: إنْ كُنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: تُعَدُّ أَسْنَانُهُ إنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَوْسَجٌ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ غَيْرُ الْكَوْسَجِ، لِأَنَّ غَيْرَهُ إمَّا لَهُ ثَلَاثُونَ سِنًّا فَلَهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، أَوْ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَلَهُ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، أَوْ لَهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَهُ دِيَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ حَتَّى تَحَرَّكَتْ وَسَقَطَتْ: إنْ كَانَ خَطَأً يَجِبُ خَمْسُمِائَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يُقْتَصُّ اه. وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّيَةَ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا تَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا دِيَةٍ: ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ اه. وَذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا، وَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَهِيَ سِتَّةُ آلَافٍ فِي سَنَتَيْنِ: فِي الْأُولَى مِنْهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالْبَاقِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. أَتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَفِي السَّنَةِ الاولى سِتَّة آلَاف وسِتمِائَة (1) وَسِتَّة وَسِتُّونَ وَثلثا، وَفِي الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، لَكِنْ فِي الْمُجْتَبى والتاترخانية وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) أَيْ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ. رَمْلِيٌّ. فَإِنَّ فِي الْيَدِ أَوْ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ، لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ تَجِبُ فِي عَشْرَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى: الْعَقْلُ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَاللِّحْيَةُ والصلب إِذا كَسره وَإِذا انْقَطع مَاؤُهُ إِذا سَلِسَ بَوْلُهُ وَالدُّبُرُ إذَا طَعَنَهُ فَلَا يُمْسِكُ الطَّعَامَ وَالذَّكَرُ اه. وَتَمَامُهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحْدَبَهُ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَة، وَقيل هُوَ المُرَاد بقوله   (1) قَوْله: (سِتَّة آلَاف وسِتمِائَة الخ) لَعَلَّ صَوَابه ثَلَاثمِائَة تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 تَعَالَى: * (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) * (التِّين: 4) زَيْلَعِيّ. قَوْله: (فَلَا شئ عَلَيْهِ) وَقَالَا: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْشُهُ) عَطْفٌ عَلَى حُكُومَةُ، وَالْأَرْشُ فِي الْمِثَالِ الْآتِي نِصْفُ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ) هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ مِنْ شَخْصٍ بِالْفَتْحِ ارْتَفَعَ. مِعْرَاجٌ وَعَزْمِيَّةٌ. وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِهَا السَّمْعُ. عِنَايَةٌ. لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا فِيهِ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ وَذَهَابُ السَّمْعِ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. قَوْلُهُ: (هُوَ الطَّرَشُ) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ أَدْرِ من أَيْن أَخذه. قَوْله: (وسيجئ مَا لَوْ أَلْصَقَهُ) أَيْ الْأُذُنَ، وَذَكَرَ ضَمِيرَهَا بِاعْتِبَار الْعُضْو، وَالَّذِي يجِئ هُوَ وُجُوبُ الْأَرْشِ لَوْ أَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ إذْ لَا تَعُودُ كَمَا كَانَتْ. قَوْلُهُ: (فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ) أَيْ الَّذِي أَرَادَ الشُّرُوعَ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ هِيَ جَمْعُ شَجَّةٍ. وَلَمَّا كَانَتْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَتَكَاثَرَتْ مَسَائِلُهُ، ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَتَخْتَصُّ الشَّجَّةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ: أَيْ حُكْمُ الشِّجَاجِ يَثْبُتُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ عَلَى مَا هُوَ حَقِيقَةُ اللُّغَةِ لِأَنَّ الشَّجَّةَ لُغَةً: مَا كَانَ فِيهِمَا لَا غَيْرُ، وَفِي غَيْرِهِمَا: لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ. أَتْقَانِيٌّ فَلَوْ تَحَقَّقَتْ الْمُوضِحَةُ مَثَلًا فِي نَحْوِ السَّاقِ وَالْيَدِ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ لَهَا، لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ لَا مُوضِحَةٌ، وَلَا شئ مِنْ الْجِرَاحِ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ إلَّا الْجَائِفَةُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاللَّحْيَانِ عِنْدَنَا مِنْ الْوَجْهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ فِيهِمَا الْمُوضِحَةُ وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ كَانَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ فِي الشِّجَاجِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ كَمَا سَيَتَّضِحُ. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ، وَهَذَا إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ. هِدَايَةٌ. وَلَا تُلْحَقُ الْجِرَاحَةُ بِالشَّجَّةِ دَلَالَةً أَوْ قِيَاسًا. إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، إذْ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ يَظْهَرَانِ غَالِبًا فَالشَّيْنُ فِيهِمَا أَعْظَمُ. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ تَخْدِشُهُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ. مُخْتَار. قَالَ ابْن الشّحْنَة عَن قاضيخان: هِيَ الَّتِي تَخْدِشُ الْبَشَرَةَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا دم تسمى خَادِشَةً. قَوْلُهُ: (الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ) كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَدَّهُ الطُّورِيُّ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ نَفْسَهُ صرح بتحقق قَطْعِ الْجِلْدِ فِي الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ، فَالظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّهَا الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ، وَمِثْلُهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي الْمُتَلَاحِمَةِ قَيْدٌ آخَرُ فَيُقَالُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا: هِيَ الَّتِي تُذْهِبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِمَّا تُذْهِبُ الْبَاضِعَةُ. قَوْلُهُ: (الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: هِيَ الَّتِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 تَشُقُّ اللَّحْمَ دُونَ الْعَظْمِ، ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ شَقِّهَا وَتَتَلَاصَقُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ اللَّاحِمَةُ: أَيْ الْقَاطِعَةُ اللَّحْمَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ على مَا تؤول إلَيْهِ أَوْ عَلَى التَّفَاؤُلِ اه. قَوْلُهُ: (وَالسِّمْحَاقُ) كَقِرْطَاسٍ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمُوضِحَةُ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِالْكَسْرِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي تُهَشِّمُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمُنَقِّلَةُ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مَفْتُوحَةً أَوْ مَكْسُورَةً. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْآمَّةُ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَتُسَمَّى مَأْمُونَةً أَيْضًا، وَالدِّمَاغُ كَكِتَابٍ: مُخُّ الرَّأْسِ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (تُخْرِجُ الدِّمَاغَ) أَيْ تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتُظْهِرُ الدِّمَاغَ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ) وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ لِأَنَّهَا لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِي الْغَالِبِ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهَا لَا حُكْمَ لَهَا. أَتْقَانِيٌّ. وَلِذَا قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَذْكُرَهَا، لَكِنَّهُ تَأَسَّى بِمَا فِي غَالِبِ الْكُتُبِ. قَوْلُهُ: (لِلْمَوْتِ بَعْدَهَا عَادَةً) فَإِنْ عَاشَ فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) إنْ كَانَتْ خَطَأً، فَلَوْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ كَمَا يَأْتِي. وَفِي الْكَافِي مِنْ الْمُتَفَرِّقَاتِ: شَجَّهُ عِشْرِينَ مُوضحَة إِن لم يَتَخَلَّل البرى تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ط. قَوْلُهُ: (أَيْ لَوْ غَيْرَ أَصْلَعَ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: رَجُلٌ أَصْلَعُ ذَهَبَ شَعْرُهُ مِنْ كِبَرٍ فَشَجَّهُ مُوضِحَةَ إنْسَانٍ مُتَعَمِّدًا، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْتَصُّ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَإِنْ قَالَ الشاج رضيت أَن يقْتَصّ مني لي لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَيْضًا أَصْلَعَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: مُوضِحَةُ الْأَصْلَعِ أَنْقَصُ مِنْ مُوضِحَةِ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَرْشُ أَنْقَصَ أَيْضًا. وَفِي الْهَاشِمَةِ: يَسْتَوِيَانِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: شَجَّ رَجُلًا أَصْلَعَ مُوضِحَةً خَطَأً فَعَلَيْهِ أَرْشُ دُونَ الْمُوضِحَةِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً فَفِيهَا أَرْشٌ دُونَ أَرْشِ الْهَاشِمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ اه ط. قَوْلُهُ: (وَالْجَائِفَةِ) قَالُوا: الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ، جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ. هِدَايَةٌ. وَعَلَيْهِ فَذِكْرُهَا مَعَ الشِّجَاجِ لَهُ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَتْقَانِيُّ بِمَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا فِي الْحق، وَلَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْجَنْبَيْنِ، وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فَوْقَ الذَّقَنِ وَلَا تَحْتَ الْعَانَةِ اه. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَلَا تَدْخُلُ الْجَائِفَةُ فِي الْعَشَرَةِ إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الشَّجَّةُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ مَعَ الْآمَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ فِي كُلٍّ ثُلُثُهَا) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ مَا كَانَ أَرْشُهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى ثُلُثِهَا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سنة، لَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَكُلُّ مَا وَجَبَ بِهِ ثُلُثُهَا فَهُوَ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 الثُّلُثِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي السّنة الثَّانِيَة، وَكَذَلِكَ إِن انْفَرَدت، مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَالثُّلُثَانِ إلَى سَنَتَيْنِ وَالزَّائِدُ فِي الثَّالِثَةِ، وَمَا كَانَ دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ أَوْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي اه مُلَخَّصًا: أَيْ لِمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. قَوْلُهُ: (حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ فِي الْخَطَأِ، كَذَا فِي الْعَمْدِ إِن لم نقل الْقصاص عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ) أَيْ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُوضِحَةِ) خَصَّهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ الشِّجَاجِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ: مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ. بَيَانُهُ: أَنَّ الشَّجَّةَ لَوْ كَانَتْ بَاضِعَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ الْبَاضِعَةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ الْمُوضِحَةِ وَجَبَ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبُعَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ رُبُعُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. عِنَايَةٌ. قَوْله: (وَصَححهُ شيخ الاسلام) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حُكُومَةَ الْعَدْلِ فِي الَّذِي قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ بِالْعَبْدِ، وَلِأَنَّ مُوضِحَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ، وَفِي الْعَبْدِ يَجِبُ فِي الصَّغِيرَةِ أَقَلُّ مِمَّا يَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْحُرِّ) أَيْ هُوَ فِي شَجَّةِ الْحُرِّ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الدِّيَةِ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهَا، وَهُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ) أَيْ وَقَدْرُ التَّفَاوُتِ فِي شَجَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ دِيَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَقَصَ إلَخْ) مِثَالُهُ: إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ جِرَاحَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا وَمَعَ الْجِرَاحَةِ تَبْلُغُ تِسْعَمِائَةٍ عُلِمَ أَنَّ الْجِرَاحَةَ أَوْجَبَتْ نُقْصَانَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ دِيَتُهُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ قَوْلُ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم. مِعْرَاج. وَقَوله: (لَوْ الْجِنَايَةُ فِي وَجْهٍ وَرَأْسٍ) لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعَسَّرَ عَلَى الْمُفْتِي) أَيْ مَا اعْتَبَرَهُ الْكَرْخِيُّ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ بالنطر إلَى قَوْلِهِ: (أَوْ تَعَسَّرَ) . قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ زِيَادَةٍ إلَيْهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَهُ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَقِيَ لِلْجِرَاحَةِ أثر، وَإِلَّا فعندهما لَا شئ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا أَنْفَقَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْأَلَمِ اه. وَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ فِي جَمِيعِ الشِّجَاجِ) أَيْ مَا فَوْقَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 الْمُوضِحَةِ إجْمَاعًا وَمَا دُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ ط. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ عَمْدًا) أَيْ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ بِهِ عُضْوٌ آخَرُ، فَلَوْ شَجَّ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ عِنْدَهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا، وَقَالَا: فِي الْمُوضِحَةِ قِصَاصٌ وَفِي الْبَصَرِ دِيَةٌ، شَرْحُ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكَافِي. قَوْلُهُ: (وُجُوبُ الْقِصَاصِ) أَيْ فِي الْعَمْدِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَفِي الْكَافِي: هُوَ الصَّحِيحُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: * (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) * (الْمَائِدَة: 54) وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاة. مِعْرَاج. وَبِه أَخذ عَامَّة الْمَشَايِخ. تاترخانية. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَسْبُرَ غَوْرُهَا) السَّبْرُ: امْتِحَانُ غَوْرِ الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ كَالِاسْتِبَارِ وَالْغَوْرُ الْقَعْرُ مِنْ كُلِّ شئ، وَالسِّبَارُ كَكِتَابٍ، وَالْمِسْبَارُ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ السِّمْحَاقَ) حَيْثُ قَالَ: إلَّا السِّمْحَاقَ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إِجْمَاعًا علدم الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ أَنْ يُشَقَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ اه. أَقُولُ: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَامَّةُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْ الْحَارِصَةِ إلَى السِّمْحَاقِ اه. قَوْلُهُ: (كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ) لِأَنَّ فِيهِمَا كَسْرَ عَظْمٍ فَلَا تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ، وَكَذَا الْآمَّةُ لِغَلَبَةِ الْهَلَاكِ فِيهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ السِّرَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَزَاهُ لِلْجَوْهَرَةِ) وَعَزَاهُ ط لِلْبَحْرِ الزَّاخِرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَوَدَ فِي جِلْدِ رَأْسٍ) لَعَلَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي لَحْمِ الخد وَيحمل فِي الرَّأْس عَلَى السِّمْحَاقِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْبَدَنِ وَلَحْمُ الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ فَقَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالْجِرَاحَاتُ الَّتِي هِيَ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إِذا أوضحت الْعظم وكسرته إِذْ بَقِي لَهَا أثر، وَإِلَّا فعندهما لَا شئ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ. كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ اه ط. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي لَطْمَةٍ) اللَّطْمُ: ضَرْبُ الْخَدِّ وَصَفْحَةُ الْجَسَدِ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةٌ، وَالْوَكْزُ؟ الدّفع وَالضَّرْب بِجمع الْكَفّ. قَامُوس. والوجء: الضَّرْبُ بِالْيَدِ وَبِالسِّكِّينِ. قَامُوسٌ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ ضربه بِالْيَدِ لَان الوجء بِالسِّكِّينِ دَاخِلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ، فَالثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الضَّرْبِ بِالْيَدِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ التَّعْزِير. قَوْله: (وَفِي سلخ جلد الْوَجْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ. قَوْلُهُ: (نِصْفُ دِيَةٍ لِلْكَفِّ) أَيْ مَعَ الاصابع. قَوْله: (وفيهَا أصْبع) غير مُقَيّد، لانه إِذا لم يبْق مَعَ الْأُصْبُعِ إلَّا مَفْصِلٌ وَاحِدٌ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ وَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لَهُ، لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِك الْمفصل مُقَدّر، وَمَا بَقِي شئ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ قَلَّ فَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ وَلَا أَصَابِعَ فِيهَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 أَرْشَ أُصْبُعٍ، لِأَنَّ الْأُصْبُعَ الْوَاحِدَةَ تَتْبَعُهَا الْكَفُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَبْلُغُ قِيمَةُ التَّبَعِ قِيمَةَ الْمَتْبُوعِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ. هِدَايَة. قَوْله: (فَإِن لَا شئ فِي الْكَفِّ) بَلْ عَلَيْهِ لِلْأَصَابِعِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَة. قَوْله: (إِذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ) أَيْ فِي تَبَعِيَّةِ الْكَفِّ لِلْأَصَابِعِ، فَكَمَا يَتْبَعُ الْخَمْسَةَ وَهِيَ الْكُلُّ يَتْبَعُ الثَّلَاثَةَ، فَلَا يَجِبُ إلَّا دِيَةُ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا شئ فِي الْكَفِّ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِقَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَهُ فَالْكَفُّ يَتْبَعُ الْأَقَلَّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَبِقَدْرِ النُّقْصَانِ) أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ فَرَضَ عَبْدًا مَعَ هَذَا الْعَيْبِ وَبِدُونِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَشُلَّ الْبَاقِي) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأُصْبُعِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ فَقَطْ) يَعْنِي دِيَةَ الْأُصْبُعِ بِتَمَامِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، ودية الاصابع كلهَا فِي الثَّانِيَة، وَلَا شئ فِي الْكَفِّ لِأَنَّهُ تَبَعٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فَقَطْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَقْطُوعِ فِي الْأُولَى الْمَفْصِلُ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْوَانِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ البرهاني والقاضيخان أَن يَجِبُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ إذَا شُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ وَدِيَةُ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ الْيَدُ اه. وَفِي النِّهَايَةِ: إذَا قُطِعَ مِنْ أُصْبُعٍ مَفْصِلٌ وَاحِدٌ فَشُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا شل مِنْهُ، إِن كَانَ أُصْبُعًا فَدِيَةُ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ كَانَ كَفًّا فَدِيَةُ الْكَفِّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اه وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ تَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تجب دِيَة السن اه. وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ: أَرْشِ أُصْبُعٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَكَذَا إِذا كسر السن الخ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ الدُّرَرَ) حَيْثُ قَالَ: تَجِبُ دِيَةُ الْمَفْصِلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ، وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ اه. وَالصَّوَاب أَنْ يَقُولَ: دِيَةُ الْأُصْبُعِ، وَكَأَنَّهُ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارَّةِ وَقَدْ عَلِمْت الْمُرَادَ بِهَا. فَافْهَمْ. قَوْله: (وسيجئ) أَيْ بَعْدَ أَسْطُرٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إلَخْ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ (حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ فِي الْأُولَى لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْجَمَالِ بِهَا وَفِي الْبَوَاقِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مَنَافِعُهَا، فَإِذَا جُهِلَ وُجُودُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ بِالشَّكِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَحَرَكَةٍ) أَيْ لِلْبَوْلِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَلَامٍ فِي اللِّسَانِ) وَالِاسْتِهْلَالُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ، وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ. هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (فَكَبَالِغٍ) وَكَذَا فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَنْفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِهَا كَالْبَالِغِ فِي الْقَوَدِ بِالْعَمْدِ وَالدِّيَةِ بِالْخَطَأِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَعْرَ رَأْسِهِ) يَعْنِي جَمِيعَهُ، أَمَّا إذَا تَنَاثَرَ بَعْضُهُ أَوْ شئ يَسِيرٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدَخَلَ فِيهِ الشّعْر، وَذَلِكَ أَن ينظر إِلَى أَرض الْمُوضِحَةِ وَإِلَى الْحُكُومَةِ فِي الشَّعْرِ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ، أَمَّا إذَا نبت وَرجع كَمَا كَانَ لم يلْزمه شئ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (لِدُخُولِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ وَمَاتَ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جَزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ سقط. هِدَايَة. وَلم يَدْخُلْ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (كَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا إلَخْ) فَإِنَّ دِيَةَ الْأُصْبُعِ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (لَا تَدْخُلُ) فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْجِنَايَةِ مَوْتٌ، أَمَّا إذَا حَصَلَ سَقَطَ الْأَرْشُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي مَالِهِ لَوْ عَمْدًا، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ خَطَأً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَأَعْضَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (لِأَنَّهَا) . قَوْلُهُ: (وَلَا قَوَدَ) أَيْ فِي الشَّجَّةِ بِأَنْ شَجَّهُ فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا مَعَ أَرْشِ الشَّجَّةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا: فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ شُلَّ جَارُهُ) بَلْ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا. مِنَحٌ. وَالْأُصْبُعُ قَدْ يُذَكَّرُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الاولى وَفِي الْأُخْرَى. جَوْهَرَةٌ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا قَوَدَ إنْ ذَهَبَ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّ جَارُهُ بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا خِلَافًا لَهُمَا لَكَانَ أَظْهَرَ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَصَابِعِ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ من الااصبع. قَوْله: (ببل دِيَةُ الْمَفْصِلِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمُلْتَقَى، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوبِ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، لَكِنْ حَمَلَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ، وَاسْتَبْعَدَ التَّوْفِيقَ بِالِانْتِفَاعِ وَعَدَمِهِ بِأَنَّ الشَّلَلَ لَا يُفَارِقُهُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا مَحَالَةَ. تَأَمَّلْ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الدُّرَرِ فَهِيَ سَهْوٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَافْهَمْ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْخِلَافِ هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِالْقصاصِ هُنَا، بِخِلَاف مَا مر لما فِي التاترخانية أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا طع بَعْضُهُ فَشُلَّ بَاقِيهِ أَوْ شُلَّ مَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَقْطُوعِ: أَيْ كَالْكَفِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ. وَاخْتَلَفُوا فِي عُضْوَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ اه: أَيْ كَالْأُصْبُعِ وَجَارِهِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اَوْ صبع عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ عُضْوَانِ غَيْرُ مُتَبَايِنَيْنِ، وَإِلَّا فَأَرْشُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَوَدَ الْآخَرِ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَول: (أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ) أَيْ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ بِوَجْهٍ مَا. مَكِّيٌّ عَنْ الْكَافِي ط. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاصْفِرَارِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّبْيِينِ أَوَّلًا، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ فِيمَا لَوْ اصْفَرَّتْ بِالضَّرْبِ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ، لِأَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ، إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ اه. وَلَعَلَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الِاصْفِرَارِ بِالْكَسْرِ وَالِاصْفِرَارِ بِالضَّرْبِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَوْ مِمَّا يُرَى إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مُطْلَقَةٌ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 وَغَيْرِهَا: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَةُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا ظَاهِرًا عَلَى الْكَمَالِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فِيهِ مَا فِيهِ) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَلَا شئ فِيهِ مُقَدَّرٌ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ حُكُومَةِ الْعَدْلِ ط. قَوْلُهُ: (مُتَبَايِنَيْنِ حَقِيقَةً) كَيَدٍ وَرِجْلٍ ط. قَوْلُهُ: (عَلَى مَحَلٍّ) كَمُوضِحَةٍ أَزَالَتْ عَقْلَهُ أَوْ سَمْعَهُ أَوْ بَصَرَهُ أَوْ نُطْقَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ عُضْوَيْنِ غَيْرَ مُتَبَايِنَيْنِ كَأُصْبُعٍ شُلَّ جَارُهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْأَرْشُ) أَيْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَم. هِدَايَة. قَوْله: (أقاد سنه) يُقَال أقَال الْقَاتِلُ بِالْقَتِيلِ إذَا قَتَلَهُ بِهِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْقَامُوسِ، فَيَتَعَدَّى إلَى الْأَوَّلِ بِالْهَمْزَةِ وَإِلَى الثَّانِي بِالْبَاءِ، وَعَلَيْهِ فَحَقُّهُ أَقَادَ بِسِنِّهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَبَتَ) أَيْ كُلُّهُ غَيْرُ مُعْوَجٍّ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلٍ) أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ قَبْلَهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْ بَعْدَ الْإِقَادَةِ. قَوْلُهُ: (لِتَبَيُّنِ الْخَطَأِ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى، فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ قَبْلَ النَّبَاتِ ط. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَأْنَى) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ: أَيْ يُنْتَظَرُ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ القالع ضمنيا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: وَكَذَا أَيْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ) حَيْثُ قَالَ: قَلَعَ سِنَّ بَالِغٍ لَا يُؤَجَّلُ سَنَةً إنَّمَا ذَلِك الصَّبِيِّ، وَلَكِنْ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ، أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ فَتَحَرَّكَ يُنْتَظَرُ حَوْلًا، وَفِي نُسْخَةِ السَّرَخْسِيِّ: يُسْتَأْنَى حَوْلًا فِي الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُرْجَى نَبَاتُهُ فِي الْكَسْرِ وَالْقَلْعِ، وَبِالْأَوَّلِ يُفْتَى اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُوَفَّقُ إلَخْ) أَيْ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُلْتَقَى عَلَى الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الْكَبِيرِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَعَهَا فَرُدَّتْ) أَيْ قَبْلَ الْقَوَدِ ط. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ عَوْدِ الْعُرُوقِ) عِلَّةً لِوُجُوبِ الْأَرْشِ ط. وَوُجُوبُهُ هُنَا عَلَى الْجَانِي. قَوْلُهُ: (إنْ عَادَتْ) أَيْ إنْ تَصَوَّرَ عَوْدَهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ) الظَّاهِرُ جَرَيَانُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هُنَا أَيْضًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْأَرْشُ) أَيْ عَنْ الْجَانِي لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مَعْنًى. قَوْلُهُ: (كَسِنٍّ صَغِيرٍ) فَإِنَّهُ لَا يجب الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا نَبَتَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا زِينَةٌ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا: عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَحُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. زَيْلَعِيٌّ. وَلَوْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 جعل كَأَنَّهَا لم تنْبت. تاترخانية. قَوْله: (وَلَا شئ فِي ظُفْرٍ إلَخْ) فَهُوَ كَالسِّنِّ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَفِي قلع الاظفار فَلم تَنْبُتُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا أرش مُقَدّر اهـ. وَإِنْ نَبَتَ الظُّفْرُ عَلَى عَيْبٍ فَحُكُومَةٌ دُونَ الْأُولَى. ظَهِيرِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ) فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ: فَإِنْ شَجَّةٌ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَزِمَ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ. قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا شئ فِيهِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَنَبَاتِ السِّنِّ. وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. دُرٌّ مُنْتَقَى. وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنْ قَالَ فِي الْعُيُونِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شئ قِيَاسًا، وَقَالَا: يُسْتَحْسَنُ أَنْ تَجِبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ مِثْلُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَهَكَذَا كُلُّ جِرَاحَةٍ بَرِئَتْ اه مُلَخَّصًا مِنْ تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي رُجْحَانُ الِاسْتِحْسَانِ، لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ اه، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا شئ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْحُكُومَةُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي. قَالَ الْفَقِيهُ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا شئ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: أَنَا لَا أَتْرُكُ قَوْلَهُمَا: وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ يَجِبُ أَرْشُ ذَلِكَ الْأَثَرِ إنْ مُنَقِّلَةٌ مَثَلًا فَأَرْشُ الْمُنَقِّلَةِ اه. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَهُ وَبَين ماهنا من سُوقِ الْخِلَافِ، وَمَا هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَغَالِبِ الشُّرُوحِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) وَغَيْرُهُ كَالزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَدَّمْنَا) أَيْ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ نَحْوَهُ: أَيْ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ هُنَا) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ: أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ زَجْرًا لِلسَّفِيهِ وَجَبْرًا لِلضَّرَرِ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ أَرْشَ الْأَلَمِ وَأَرَادَ بِهِ حُكُومَةَ عَدْلٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَوَّمَ عَبْدًا صَحِيحًا وَيُقَوَّمَ بِهَذَا الْأَلَمِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَسَّرَ حُكُومَةَ الْعَدْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ أَرَادَ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الاودية. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إنَّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) لِمَا رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَات يعْتَبر فِيهَا مآلها لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (خَطَأً) أَيْ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّكْرَانُ بِغَيْرِ مُبَاحٍ زَجْرًا لَهُ، وَإِلَّا فَالْعَمْدُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَصْدِ، وَالسَّكْرَانُ بِمُبَاحٍ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا زَجْرَ عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُغْمَى، فَإِنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ، وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ لَهُ قَصْدٌ بِالْجُمْلَةِ، وَقَدْ جُعِلَ عمده خطأ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 فَهَذَا أولى، فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: السَّكْرَانُ مِنْ مُحَرَّمٍ مُكَلَّفٌ، وَإِنْ مِنْ مُبَاحٍ فَلَا فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ) الْأَوْلَى عَاقِلَتِهِمَا. قَوْلُهُ: (إنْ بَلَغَ) الْأَوْلَى بَلَغَتْ. قَوْلُهُ: (نِصْفَ الْعُشْرِ) هُوَ خَمْسُمِائَةٍ فِي الرَّجُلِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْمَرْأَةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصْفَ الْعُشْرِ، فَإِنَّهُ يُسْلَكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، زَيْلَعِيٌّ. أَوْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِيهِمْ أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُم كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّهُمَا لَا ذَنْبَ لَهُمَا تَسْتُرُهُ، وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا حِرْمَانُ الصَّبِيِّ الْمُرْتَدِّ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيه فَلَا ختلاف الدِّينِ لَا جَزَاءً لِلرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَو جن بعد مَا قَتَلَ قُتِلَ، وَهَذَا لَوْ الْجُنُونُ غَيْرُ مُطْبِقٍ، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ. كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَعَنْهُمَا: لَا يُقْتَلُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ لَمْ يُقْتَلْ، كَمَا لَو عته بعد الْقَتْل وَفِي الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اه. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ. قَوْلُهُ: (يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمَضْرُوبِ) الَّذِي تَحَرَّرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمَضْرُوبَ لَوْ كَانَ بَالِغًا يُؤَجَّلُ حَتَّى يَبْرَأَ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا يُؤَجَّلُ حَوْلًا، وَأَمَّا تَأْجِيلُهُ إلَى الْبُلُوغِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ، أَوْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الضَّارِبُ صَبِيًّا كَالْمَضْرُوبِ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ الضَّارِبُ بَالِغًا، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْبُتْ) أما إِذا نبت فَلَا شئ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ط. قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْمَعَاقِلِ) أَيْ نُحَقِّقُ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَجَمِ مِنْ مَالِ الْجَانِي ط. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ ط. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) عِبَارَتُهُ مُهِمَّةٌ: حُكُومَةُ الْعَدْلِ إنْ كَانَتْ دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ أَوْ مِثْلَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِيَقِينٍ فَلَا، رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنه لَا تتحمله الْعَاقِلَة. كَذَا فِي التاترخانية اه ط. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْجَنِين لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ عَقَّبَهُ بِأَحْكَامِ الْجُزْءِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْجَنِينُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ جَنَّهُ: إذَا سَتَرَهُ مِنْ بَاب طلب، وَهُوَ الْوَلَد مادام فِي الرَّحِم ط مُلَخصا. وَيَكْفِي استنابة بَعْضِ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا. قَوْلُهُ: (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ) وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ ظَهْرَهَا أَوْ جَنْبَهَا أَوْ رَأْسَهَا أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا، فَتَأَمَّلْ. رَمْلِيٌّ. وَنَحْوُهُ فِي أَبِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 السُّعُود عَن التحريري. وَقَالَ السائحاني: يؤخد مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: أَسْقَطَتْهُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ أَنَّ الْبَطْنَ وَالضَّرْبَ لَيْسَا بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهَا أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا فَفِيهِ الضَّمَان كَمَا صَرَّحُوا بِهِ اه. وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ أَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ: إذَا صَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَا يَضْمَنُ، وَإِذَا خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ يَضْمَنُ. وَأَقُولُ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي مَوْتِهَا بِالتَّخْوِيفِ وَهُوَ فِعْلٌ صَادِرٌ مِنْهُ نُسِبَ إلَيْهِ، وَبِالصِّيَاحِ مَوْتُهَا بِالْخَوْفِ الصَّادِرِ مِنْهَا، وَصَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَى كَبِيرٍ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ، وَأَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ فَجْأَةً فَمَاتَ مِنْهَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَأَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَاتَ بِالْخَوْفِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي بِالصَّيْحَةِ فَجْأَةً الْمَنْسُوبَةِ إلَى الصَّائِحِ، وَالْقَوْلُ لِلْفَاعِلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْخَوْفِ، وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مِنْ التَّخْوِيفِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَجْأَةً فَأَلْقَتْ مِنْ صَيْحَتِهِ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَلْقَتْ امْرَأَةً غَيْرَهَا لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا، فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ تَحْرِيرٌ جَيِّدٌ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (خَرَجَ الْأَمَةُ وَالْبَهِيمَةُ) فِيهِ نشر مشوش. قَوْله: (وسيجئ حكمهمَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ الْمَغْرُورِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ شَرَاهَا فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ لِلدُّرَرِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ أَوَّلًا وَيَذْكُرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، أَوْ يَقُولُ: ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ. بَحْرٌ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْأُمِّ شَرْطٌ. قَوْلُهُ: (غُرَّةُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ أَوَّلُ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) فَإِنَّ أَقَلَّ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا مَرَّ فِي الشِّجَاجِ. قَوْلُهُ: (أَيْ دِيَةُ الرَّجُلِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دِيَةُ الرجل، وَنصف عشرهَا هُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم هُوَ غُرَّةُ الْجَنِينِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، لِأَنَّ غُرَّةَ الْجَنِينِ الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ أَيْضًا، لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ غُرَّةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (فِي سَنَةٍ) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَهَذَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَفِي مَالِ الضَّارِبِ حَالًّا كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَلَنَا فِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ) زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْغُرَّةِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ. رُوِيَ أَنَّ سَائِلًا قَالَ لِزُفَرَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَوْ لم ينْفخ فِيهِ الرّوح فَلَا شئ فِيهِ، فَسَكَتَ زُفَرُ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَعْتَقْتُك سَائِبَةً، فَجَاءَ زُفَرُ إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ: التَّعَبُّدُ التَّعَبُّدُ: أَيْ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرَكَ بِالْعَقْلِ. عِنَايَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا) تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ الِاسْتِهْلَالِ، وَالرَّضَاعِ، وَالنَّفَسِ، وَالْعُطَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّكَ عُضْوٌ مِنْهُ فَلَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ اخْتِلَاجٍ أَوْ مِنْ خُرُوجٍ مِنْ ضِيقٍ اه ط عَنْ الْمَكِّيِّ. قَوْلُهُ: (فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ) أَيْ وَكَفَّارَةٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَسَيَأْتِي لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٌ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ هُنَا أَيْضًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ عَلَى الضَّارِبِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الضَّارِبِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْفِعْلَيْنِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي مَالِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ إلَخْ بَيَانٌ لِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ أَرْبَعُ صُوَرٍ، لِأَنَّ خُرُوجه إِمَّا فِي حَال حَيَاة الام أَوْ حَالِ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِهَا فَقَطْ أَوْ حَيَاتِهِمَا. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خطأ، وإ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْله: (وَظَاهره تعدد الدِّيَة) أَي لَو ألقتهما حَيَّيْنِ فَمَاتَا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرَرِ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: لَو أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ تَجِبُ غُرَّتَانِ وَإِنْ أَحَدُهُمَا حَيًّا فَمَاتَ وَالْآخَرُ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ وَدِيَةٌ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا إلَّا إذَا خَرَجَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا فَثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ، وَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُمَا مَيِّتَانِ فَفِي الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ الْغُرَّةِ وَلَا شئ فِي الَّذِي خَرَجَ بَعْدُ، وَاَلَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ شَيْئًا وَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْهُ، وَالْآخَرُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ إلَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، ويرثها ورثته. كَذَا فِي التاترخانية مُخْتَصَرًا اه. قَوْلُهُ: (فَدِيَةٌ فَقَطْ) لِأَنَّ مَوْتَ الام سَبَب لمَوْته ظَاهرا، إِذا حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُ ضَارِبُهُ مِنْهَا) أَيْ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً. قَوْلُهُ: (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ) أَيْ الَّذِي أَلْقَتْهُ مَيِّتًا كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (لَوْ حَيًّا) رَاجِعٌ إلَى قِيمَتِهِ: أَيْ قِيمَتِهِ لَوْ فُرِضَ حَيًّا: أَمَّا لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ بِتَمَامِهَا كَمَا سيشير إِلَيْهِ الشَّارِح. قَوْله: الرَّقِيق احْتَرز عَمَّا إذَا كَانَ مِنْ مَوْلَاهَا أَوْ مِنْ الْمَغْرُور، فإنصه حُرٌّ، وَفِيهِ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ: لَوْ أُنْثَى مُقَابِلُ قَوْلِهِ: الذَّكَرُ لَا قَوْلُهُ: لَوْ حَيًّا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةُ الْأُنْثَى) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَالْغَالِبُ زِيَادَةُ قِيمَةِ الذَّكَرِ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَحْذُورَ فِي اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ زِيَادَةِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْرَارِ لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، لَا فِي الْأَرِقَّاءِ لِأَنَّهُمْ كَالْمَتَاعِ وَلِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَهُمْ دِيَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا شئ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 عَلَيْهِ) تبع فِي الْقُهُسْتَانِيَّ. وَاَلَّذِي فِي الْكِفَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُؤْخَذ بالمتيقن كَقَتْلِ عَبْدٍ خُنْثَى خَطَأً، وَلَوْ ضَاعَ الْجَنِينُ وَوَقَعَ النِّزَاعُ فِي قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ لَوْنِهِ وَهَيْئَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ. قَوْلُهُ، (كَمَا إذَا أُلْقِيَ بِلَا رَأْسٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَتَامِّ الْخِلْقَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الرَّأْسِ إذْ لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِ الضَّارِبِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الرَّقِيقَ. اخْتِيَارٌ. تَأمل. وَقَوله: للامة كَذَا فِي بعض النّسخ وَهُوَ مُتَعَلق بِالضَّرْبِ. قَالَ ط: وَهَذَا حُكْمُ الْجَنِينِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ: قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الضَّارِبِ قِيمَةُ الْأُمِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اه فَلْيُتَأَمَّلْ اه. أَقُولُ: وَالْحَاصِل أَن الْجَنِين كعضو مِنْهَا، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْحُرَّ إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِ عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا قَتَلَهُ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَقَصَتْ عَشَرَةً مَثَلًا وَقِيمَةُ الْجَنِينِ خَمْسَةٌ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: ثُمَّ وُجُوبُ الْبَدَلِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نَقْصٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يجب شئ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ ضَرْبِهِ) فَلَوْ حَرَّرَهُ قَبْلَهُ وَلَهُ أَبٌ حُرٌّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ لِلْأَبِ دُونَ الْمولى. تاترخانية. قَوْلُهُ: (ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: ضَرَبَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْجَنِينِ، فَيَتَّحِدُ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِلْمَوْلَى) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا لِلْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ،، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلْمَوْلَى لِاسْتِنَادِ الضَّمَائِرِ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتُ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا. إتقاني مُلَخصا. وَذكر فِي التاترخانية اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيهِ: فَقِيلَ: لِوَرَثَتِهِ، وَقِيلَ: لِلْجَنِينِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الضَّرْبِ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ، فَلهَذَا تجب الْقيمَة دون الدِّيَة، وَتجب الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا إيَّاهُ وَهُوَ حَيٌّ، فَنَظَرْنَا إلَى حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ. هِدَايَةٌ يَعْنِي أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الضَّرْبِ، وَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ حَيًّا لَا مَشْكُوكًا فِي حَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التّلف، إِذْ لَو اعْتبر حَالَة الضَّرْب فقد جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ بَلْ تَجِبُ الْغُرَّةُ. كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. قَوْلُهُ: (كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ) أَقُولُ: وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَار كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ، وسيذكره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 الشَّارِحُ عَنْ الْوَاقِعَاتِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَفْهُومُ إلَخْ) فِيهِ اعتذر عَنْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالتَّفْصِيلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَيْثُ أَطْلَقُوا قَوْلَهُمْ: وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ. قَوْلُهُ: (وَمَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قدمه عَن الزخيرة أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ. وَفِي الشمني: وَلَو أَلْقَت مُضْغَة وَلم يتَبَيَّن شئ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مبدى خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ اه. قَوْلُهُ: (وَعِدَّةٍ وَنِفَاسٍ) أَيْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ أُمُّهُ نُفَسَاءَ: قَوْلُهُ: (فَفِي مَالِهَا) أَيْ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ لِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ أَنَّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنَّ رِوَايَةَ وُجُوبِهَا فِي مَالِهِ شَاذَّةٌ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَلَا تَأْثَمُ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ وَأَثِمَتْ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ وُجُوبِ الْغُرَّةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُ خَلْقِهِ فَلَا إثْمَ ط. 1 وَفِي الْخَانِية قَالُوا: إِن لم يستبن شئ مِنْ خَلْقِهِ لَا تَأْثَمُ. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا أَقُولُ بِهِ إذْ الْمُحَرَّمُ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ، فَلَمَّا كَانَ مؤخذا بِالْجَزَاءِ ثَمَّةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا أَسْقَطَتْ بِلَا عُذْرٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ اه. وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ لَوْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ وَمَاتَ بِفِعْلِهَا. قَوْلُهُ: (أَسْقَطَتْهُ عَمْدًا) كَذَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَإِلَّا فَلَا شئ عَلَيْهَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا: لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ إسْقَاطِ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اه. قَوْلُهُ: (كَضَرْبِهَا بَطْنَهَا) وَكَمَا إذَا عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى اسقطت. كِفَايَة أَو حملت حملا ثقيلا. تاترخانية: أَيْ عَلَى قَصْدِ إسْقَاطِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَذِنَ لَا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: أَقُولُ: وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَ لِغَيْرِهِ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تجْرِي فِي النُّفُوس، سقط الْقصاص للشُّبْهَة. وَفِي رِوَايَة لَا يجب شئ لانه نَفْسَهُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ انْتَهَى. فَكَذَا الْغُرَّةُ أَوْ دِيَةُ الْجَنِينِ، حَقُّهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُنْتَفِيَةٌ، فَلَا تَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ، لَان أَمْرَهَا لَا يُنَزَّلُ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَزِمَ عَاقِلَتَهُ الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا، فَلَوْ نَظَرْنَا لِكَوْنِ الْغُرَّةِ حَقه لَك يجب بِضَرْب شئ، لَكِن لَمَّا كَانَ الْآدَمِيُّ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إهْدَارَ آدميته لزم مَا قدره الشارغ بِإِتْلَاف، وَاسْتَحَقَّهُ غَيْرُ الْجَانِي اه مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْسًا عِنْدَنَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ آدَمِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ جُزْءًا مِنْ أُمِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا الْكَفَّارَةُ مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْغُرَّةِ تَعَبُّدِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالنَّفْسِ الْمُحَقَّقَةِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْحِيحِ الضَّمَانِ فِي الْفَرْعِ الْمَارِّ تَصْحِيحُهُ فِي هَذَا، وَتَقَدَّمَ أَوَّلُ الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: اقْطَعْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 يَدي أَو رجْلي لَا شئ فِيهِ وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ فَصَحَّ الْأَمْرُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الضَّارِبُ فَالْحَقُّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُوَ الضَّارِبَ فَإِنَّهَا حَقُّ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَرث مِنْهَا، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ) أَيْ أَمَرَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْإِسْقَاطِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوْقُ كَلَامِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَمْرِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُقُوطِ حَقِّ الْأَبِ، وَهُوَ ظَاهر اهـ. وَانِيٌّ. لَكِنْ ذَكَرَ عَزْمِيٌّ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ الْمَأْمُورَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُهُ عَنْ الْآمِرَةِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ هُنَا بِنَظِيرِ مَا مَرَّ وَعَلِمْت مَا فِيهِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ الدَّيْنِ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ دَيْنٍ وَهُوَ الْغُرَّةُ لِلْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكه ط. قَوْله: (مكا لَمْ تَسْتَحِقَّ إلَخْ) قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى أَمَةً وَقَبَضَهَا وَحَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ ضَرَبَتْ بَطْنَهَا عَمْدًا فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ وَقَضَى لَهُ بِهَا أَوْ بِعُقْرِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنَّهَا قَتَلَتْ وَلَدَهَا الْحُرَّ، لِأَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ وَالْجَنِينُ الْحُرُّ مَضْمُونٌ بالغرة فادفع أمتك أَو افدها بغرته. تاترخانية. ثُمَّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ: إذَا أَخَذَ الْغُرَّةَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَةِ الْجَنِينِ، إذْ قِيَامُ الْبَدَلِ كَقِيَامِ الْمُبْدَلِ اه. لَكِنْ سَلَّمَ لَهُ الْغُرَّةَ فَيَغْرَمُ بِحِسَابِهَا. وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِلْمَوْلَى) أَيْ الْمُسْتَوْلِدِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسٍ حَيَّةٍ فَلَا تَجْرِي فِيهَا الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَتَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْهَا لَوْ بِإِذْنِهِ كَمَا مَرَّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَخْ) هَذَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الضَّرْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ حَالَّةً، وَلَا يُجْبَرُ بِهَا نُقْصَانُ الْأُمِّ كَمَا يُجْبَرُ نُقْصَانُ الْأَمَةِ بِقِيمَةِ جَنِينِهَا، لِأَنَّهُ مَالٌ أَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُهُ مَعَ نُقْصَانِ الْأُمِّ. تَأَمَّلْ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَوَقَعَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ حَيًّا إلَخْ) أَيْ ثُمَّ مَاتَ. قَوْلُهُ: (وَمَاتَتْ أَيْضًا) أَيْ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضا كَمَا عبر فِي التاترخانية فَأَفَادَ أَنَّ مَوْتَهَا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي وَقَعَ حَيًّا إذْ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ لَوَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ فَيَسْقُطُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَشِّي الْحَلَبِيُّ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ غُرَّةُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ) لَوْ أَسْقَطَ تَجِبُ وَعَطَفَ الْغُرَّةَ عَلَى الدِّيَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِيُفِيدَ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّحَقُّقِ بِحَيَاتِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا فِي مَالِهِ، إذْ لَوْ كَانَ الضَّرْبُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلَدِ عَمْدًا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمُقْتَضَاهُ لَوْ عَلِمَ بِالْوَلَدَيْنِ وَقَصَدَ ضَرْبَهُمَا أَيْضًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 أَنَّهُ تَجِبُ دِيَةُ الْحَيِّ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ بِهِمَا وَلَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُمَا بَلْ قَصَدَ ضَرْبَ الْأُمِّ فَقَطْ لَا تَجِبُ دِيَةُ الْحَيِّ فِي مَالِهِ، كَمَنْ قَصَدَ رَمْيَ شَخْصٍ فَنَفَذَ مِنْهُ السَّهْمُ إلَى آخَرَ، تَأَمَّلْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيق وَغَيره قَوْلُهُ: (إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ النَّافِذَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى دُونَ الطَّرِيقِ فِي الْمَفَاوِزِ وَالصَّحَارِي لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهَا غَالِبًا كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ، وَطَرِيقُ الْعَامَّةِ مَا لَا يُحْصَى قَوْمُهُ، أَوْ مَا تَرَكَهُ لِلْمُرُورِ قَوْمٌ بَنَوْا دُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْعَامَّةِ، وَهَذَا مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُرْصُنًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ دَخِيلٌ: أَيْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ أَصْلِيٍّ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ: الْبُرْجُ، وَقِيلَ: مَجْرَى مَاءٍ يَرْكَبُ فِي الْحَائِطِ. وَعَن الامام الزدوي: جذع يُخرجهُ لانسان مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ. مُغْرِبٌ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقِيلَ: هُوَ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلُوِّ وَهُوَ مِثْلُ الرَّفِّ، وَقِيلَ هُوَ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى جِدَارِ السَّطْحَيْنِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْمُرُورِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يعْمل قُدَّام الطافة لِتُوضَعَ عَلَيْهِ كِيزَانٌ وَنَحْوُهَا اه. قَوْلُهُ: (كَبُرْجٍ الخ) حِكَايَة الاقوال الْمَارَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْجُرْصُنِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) هُوَ فِي عِبَارَةِ الْعَيْنِيِّ بِمَعْنَى نَحْوِ الْكِيزَانِ. قَوْلُهُ: (أَو دكانا) هُوَ الْمُرْضع الْمُرْتَفِعُ مِثْلُ الْمِصْطَبَةِ. عَيْنِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ضَرَّ لَمْ يَحِلَّ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ ضَرَّ أَوْ مَنَعَ لَمْ يَحِلَّ اه. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِنْ مُنِعَ عَنْهُ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهُ لَوْ مُنِعَ عَنْهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِحْدَاثُ وَيَأْثَمُ بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّرْكِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ) هُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، بِخِلَاف العبيد وَالصبيان المحجورين. وَأفَاد فِي الدّرّ الْمُنْتَقَى أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذِمِّيًّا) لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الطَّرِيقِ. كِفَايَةٌ. وَعبارَة التاترخانية: وَيدخل فِيهِ الْكَافِرُ خُصُوصًا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا اه. فَتنبه. قَوْله: (سَوَاء كَانَ فِيهِ ضَرَرا أَوْ لَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْمَنْعُ لَا الرَّفْعُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا وَلَا، وَهَذَا إذَا علم بإحداثه، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ جُعِلَ حَدِيثًا فَلِلْإِمَامِ نَقْضُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّمَا يَنْقُضُهُ إنْ ضَرَّ بِهِمْ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) قَائِلُهُ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كَانَ تَعَنُّتًا) لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) فَإِنْ أَذِنَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ وَأَنْ يُنَازِعَهُ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ بِهِ إذَا ضَرَّ بِالنَّاسِ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، وَلَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ مَعَ ذَلِكَ وَأَذِنَ جَازَ اه. حَمَوِيٌّ عَنْ مِسْكِينٍ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّهُ مَعَ الضَّرَرِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، أَذِنَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ اه ط. وَلَعَلَّ المُرَاد بأثم بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مُنَازَعَتُهُ، لِأَنَّ مُنَازَعَةَ مَا يُوضَعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (زَادَ الصَّفَّارُ إلَخْ) هُوَ الْقِيلُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُفَصَّلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُ الْإِطْلَاقِ لحكايتهم، هَذَا القَوْل مَنْسُوبا إِلَى الصفار بَعْدَ حِكَايَةِ الْحُكْمِ أَوَّلًا مُطْلَقًا، فَكَأَنَّهُ قَوْلُ الْجَمِيعِ، وَالْوَجْهُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ النَّاهِي مُتَبَاعِدًا عَنْ هَذَا الْمُنْكَرِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَظْرِ ط. أَقُولُ: هَذَا الْوَجْهُ إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْكَرٌ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلَمْ يَضُرَّ بِهِمْ كَمَا فِي الْكِفَايَة والقهستاني. قَوْلُهُ: (أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُنَازَعَتُهُ وَإِنْ ضَرَّ وَقَدَّمْنَاهُ صَرِيحًا عَنْ مِسْكِينٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سيأني مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ لَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ، وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا إذَا وُضِعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَكُونُ لِلْعَامَّةِ إِلَى الامام لتسكين الْفِتْنَة، فَالَّذِي وضع ببغير إذْنِهِ يَفْتَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيهِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَهُ عَلَيْهِ اه. وَالِافْتِيَاتُ السَّبْقُ. صِحَاحٌ. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَضُرَّ. قَوْلُهُ: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً، لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ وَيَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ، وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّكَ. مُغْرِبٌ. وَالضَّرَرُ فِي الْجَزَاءِ هُوَ أَنْ يَتَعَدَّى الْمَجَازِيُّ عَنْ قَدْرِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْقُعُودُ) وَكَذَا الْغَرْسُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَضَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ط. قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِغَيْرِ النَّافِذَةِ الْمَمْلُوكَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمِلْكِ فَقَدْ تَنْفُذُ، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ يُسَدُّ مَنْفَذُهَا، وَهِيَ لِلْعَامَّةِ لَكِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. كِفَايَةٌ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثٍ) أَقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّرِيقُ لَوْ كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ فَلِأَصْحَابِهِ أَنْ يَضَعُوا فِيهِ الْخَشَبَةَ، ويربطوا فِيهِ الدَّوَابّ، ويتوضؤوا فِيهِ، فَلَوْ عَطِبَ أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ بَنَى أَوْ حَفَرَ بِئْرًا ضَمِنَ اه. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَرَادَ أَن يتَّخذ طينا فِيهِ، فَلَو تَرَكَ مِنْ الطَّرِيقِ قَدْرَ الْمُرُورِ، وَيَتَّخِذَ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً وَيَرْفَعَهُ سَرِيعًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَلِكُلٍّ إمْسَاكُ الدَّوَابِّ عَلَى بَابِ دَارِهِ، لِأَنَّ السِّكَّةَ الَّتِي لَا تَنْفُذُ كَدَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَسْكُنَ فِي بَعْضِ الدَّارِ لَا أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا، وَإِمْسَاكُ الدَّوَابِّ فِي بِلَادِنَا من السُّكْنَى اه. وَفِي التاترخانية: إنْ فَعَلَ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ مَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شُرَكَائِهِ، وَإِنْ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ، وَالِاسْتِحْسَانُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا اه. وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ. أَقُولُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ المُرَاد لَا يجوز إِحْدَاث شئ مِمَّا مَرَّ كَالْمِيزَابِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى كَمَا أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ كُلِّهِمْ حَتَّى الْمُشْتَرِي مِنْ أَحَدِهِمْ بَعْدَ الْإِذْنِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَحْدَثَ بِنَاءً أَوْ غُرْفَةً عَلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَرَضِيَ بِهَا أَهْلُ السِّكَّةِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَاشْتَرَى دَارًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 مِنْهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَ الْغُرْفَةِ بِرَفْعِهَا اه. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ) الْأَوْلَى لانه ملك بر تَشْبِيهٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَصْلُ إلَخْ) فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ وَالْقَدِيمُ لَا يَنْقُضُهُ أَحَدٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ السائحاني: فَإِن برهنا فَبَيِّنَةُ الْقِدَمِ فِي الْبِنَاءِ تُقَدَّمُ، وَفِي الْكَافِي بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ فَعَلَهَا فِي غَيْرِ الْبِنَاءِ كَمَسِيلٍ وَاسْتِطْرَاقٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ عَنْ الصُّغْرَى: يَجْعَلُ أَقْصَى الْوَقْتِ الَّذِي تَحْفَظُهُ النَّاسُ حَدَّ الْقَدِيم، وَهَذَا فِي غَايَة الْحسن اهـ. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِي مَالِهِ كِفَايَةٌ، وَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُلْتَقًى) زَادَ فِي الشَّرْحِ: وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ اه. وَفِي الْمُلْتَقَى أَيْضًا: وَيَضْمَنُ مَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ مَا عَطِبَ بِهِ، وَكَذَا إنْ رَشَّهُ بِحَيْثُ يَزْلَقُ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهَا أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا إِن رش مَا لَا يَزْلَقُ عَادَةً أَوْ رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ الْمَارُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ، وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ كَالْمُرُورِ فِي اسْتِيعَابِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا اه. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ دُونَ الْمَالِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنِيفِ وَالْجُرْصُنِ وَالدُّكَّانِ، وَوَضْعُ الْحَجَرِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) أَيْ السُّلْطَانُ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَذِنَ الخ) لانه غير مُتَعَدٍّ حِينَئِذٍ، فَإِن الامام وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى الطَّرِيقِ إذْ نَابَ عَنْ الْعَامَّةِ، فَكَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الْإِذْنُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (جُوعًا أَوْ عَطَشًا) لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَمًّا) أَيْ انْخِنَاقًا بِالْعُفُونَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يَوْمٌ غَمٌّ إذَا كَانَ يَأْخُذُ النَّفْسَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ عِنَايَةٌ، وَضَبَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِالضَّمِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْفَتْحُ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَأَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي الْكُلِّ، وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ فِي الْجُوعِ لَا الْغَمِّ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ وَسَطَهُ) الْمُرَادُ وَسَطَهُ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْوَضْعِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الضَّمَانِ هِيَ التَّعَدِّي بِشُغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْخَارِجِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْخَارِجِ الطَّرَفَ الْأَخِيرَ، فَصَحَّ لَهُ ذِكْرُ الْوَسَطِ، وَمَحَلِّ الضَّمَان فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ أَوْ أَرْبَابُ الْمَحَلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِالتَّعَدِّي اه. قَوْلُهُ: (فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِهِ) أَي على عَاقِلَته، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بَعْدُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 ط. قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ فِيهِ خَشَبَةً ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ وَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْتَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَلَا البَائِع ون الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ، فَيَبْطُلُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهُنَا الضَّمَانُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، والاشغار بَاقٍ فَيَضْمَنُ، كَمَا لَوْ حَصَلَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ غَاصِبٍ، وَفِي الْحَائِطِ لَا يضمن غير الْمَالِكُ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ شَيْئًا لِلشَّكِّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَحَّى حَجَرًا) أَيْ حَوَّلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (فَسَقَطَ مِنْهُ عَلَى آخَرَ) وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ. هِدَايَةٌ. لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَخَلَ بِحَصِيرٍ أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ حَصَاةٍ إلَخْ) أَيْ فَسَقَطَ الْحَصِيرُ أَوْ الْقِنْدِيلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ سَقَطَ الظَّرْفُ الَّذِي فِيهِ الْحَصَاةُ عَلَى أَحَدٍ. مِنَحٌ. أَقُولُ: عبارَة الْهِدَايَةِ: وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ لِلْعَشِيرَةِ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاهُ إلَخْ، وَالظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّ حَصَاهُ فِعْلٌ مَاضٍ مُشَدَّدُ الصَّادِ مَعْطُوفٌ عَلَى جَعَلَ، وَيدل على ذَلِك تَفْسِيرِ ابْنِ كَمَالٍ، وَأَمَّا جَعْلُهُ مُفْرَدًا بِتَاءِ الْوَحْدَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَا إرَادَةُ الظَّرْفِ أَبْعَدُ. وَفِي منهوات ابْنِ كَمَالٍ: وَمَنْ وَهَمَ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّرْفُ الَّذِي فِيهِ الْحَصَاةُ فَقَدْ وُهِمَ اه. وَقَيَّدَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الضَّمَانِ بِمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ بِإِذْنِهِمْ فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَّقَ الْقِنْدِيلَ لِلْإِضَاءَةِ، فَلَوْ لِلْحِفْظِ ضَمِنَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اه. وَجَعَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذْنَ الْقَاضِي كَإِذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ) أَيْ مَسْجِدِ غَيْرِ حَيِّهِ وَيَأْتِي مَفْهُومُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَا يَضْمَنُ بِمَا ذُكِرَ ط. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِقُرْآنٍ أَوْ تَعْلِيمٍ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا تَبَعٌ لَهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ فللمصلي إزعاج الْقَاعِد للذّكر أَو القرءة أَوْ التَّدْرِيسِ لِيُصَلِّيَ مَوْضِعَهُ دُونَ الْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (لَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ رِدَاءٌ أَلْبَسَهُ) أَي سقط على إِنْسَان فَعَطب بِهِ وأو سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ، أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْفَرْقُ: أَيْ بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَلْبُوسِ، أَن حَامِل الشئ قَاصِدٌ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ. وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظًا مَا يَلْبَسُهُ فيتحرج بِالسَّلَامَةِ، فَجُعِلَ مُبَاحًا مُطْلَقًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ فَهُوَ كَالْحَامِلِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ اه. وَكَالرِّدَاءِ السَّيْفُ وَالطَّيْلَسَانُ وَنَحْوُهُمَا كَمَا فِي الْغَايَة. قَوْله: (عَلَيْهِ) مُتَعَلق بقوله: لبسه وَلَا يَصح تعلقه بسقط لفساد الْمَعْنى، فالفهم. قَوْله: (فَفعل الْغَيْر مُبَاح) يُفِيد أَنَّ فِعْلَ الْأَهْلِ وَاجِبٌ مَثَلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بل كِلَاهُمَا مُبَاح، غير أَن فعل لاهل مُبَاح مُطلق غير مُقَيّد بالسلامة، وَفعل غير مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِهَا ط. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ أَنَّ الْجَالِسَ لِلصَّلَاةِ إلَخْ) ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ لِغَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارٌّ ضَمِنَ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَعَدَ للعباد كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلذِّكْرِ، اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ، قَوْلُهُ: (مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ) فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اه. وَنُقِلَ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ، لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا، وَفِي الْعَيْنِيِّ بِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَبِهِ يُفْتَى اه ط. قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَقَّقْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) حَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْكَلَامِ الْمَحْظُورِ فِيهِ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَشْرَعَ لَهُ جَنَاحًا فِي فِنَاءِ دَارِهِ وَقَالَ لَهُ إِنَّه ملكي أَو لي فِيهِ حَقُّ الْإِشْرَاعِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِشْرَاعِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى بَنَى فَسَقَطَ فَأَتْلَفَ: إنْ قَبْلَ الْفَرَاغِ ضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ قِيَاسًا بِفَسَادِ الْأَمْرِ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَضْمَنُ الْآمِرُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ، لِأَنَّ فِنَاءَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَمِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِر بعد الْفَرَاغ، وَمن حَيْثُ الْفَسَادُ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ دُونَ الْعَامِلِ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ، فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ضَمِنَ إذْ لَا غُرُورَ، فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ إنَّهُ فِنَائِي وَلَيْسَ لي فِيهِ حق الْحفر يضمن الْعَامِلُ قِيَاسًا إذْ لَا غُرُورَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَضْمَنُ الْآمِرُ اه زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ اه. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ التَّفْصِيلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ جَارٍ فِي الْحَفْرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَافْهَمْ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَفْرِ وَالْإِشْرَاعِ، فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْإِشْرَاعِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ وَرَجَعَ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي الْحَفْرِ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 يَضْمَنْ أَصْلًا هُوَ أَنَّ الْآمِرَ مُتَسَبِّبٌ وَمُشَرِّعُ الْجَنَاحِ مُبَاشِرٌ، بِخِلَافِ الْحَافِرِ فَإِنَّهُ مُتَسَبِّبٌ أَيْضًا، وَالْمُتَسَبِّبُ يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَالْمُتَعَدِّي هُنَا هُوَ الْآمِرُ فَقَطْ. أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْفِنَاءُ سَعَةٌ أَمَامَ الْبُيُوتِ، وَقِيلَ: مَا امْتَدَّ من جوانبها. قَوْله: (فَمَا أغره) كَذَا وَقَعَ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَالْفِعْلُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَرَّهُ: خَدَعَهُ اه ط. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ) أَيْ التَّقْدِيمُ الْمَأْخُوذُ مَنْ قَدَّمَ تَرْجِيحَهُ عَلَى الِاسْتِحْسَان أَو هَذَا وَإِنْ ظَهَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى لَا يَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ خُصُوصًا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا يؤخران دَلِيل الْمُعْتَمد، وَقد أخر الاستسحان مَعَ دَلِيلِهِ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي مِلْكِهِ) وَكَذَا إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءٍ لَهُ فِي حَقُّ التَّصَرُّفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامَّةِ وَلَا مُشْتَرَكًا لِأَهْلِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ. مُلْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ مِنْ إخْرَاجِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ وَإِشْرَاعِ الرَّوْشَنِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الظُّلَّةِ وَغَرْسِ الشَّجَرِ وَرَمْيِ الثَّلْجِ وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ: إنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَعَمَّدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ وَضَعَ خَشَبَة الخ قَالَ الرَّمْلِيّ: وَيتَعَيَّن حدفه لِأَنَّ الضَّمَانَ مُنْتَفٍ بِالتَّعَمُّدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اه. لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، أَمَّا قَوْلُهُ (فَتَعَمَّدَ) فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْمَعْنَى بِحَذْفِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعِلَّةُ الْأُولَيَيْنِ عَدَمُ التَّعَدِّي كَمَا فِي التَّبْيِينِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَيَافِي) قَالَ فِي الْقَامُوس: الفيف: الْمَكَان المستوي، أَو المفاز لاماء فِيهَا كالفيافة والفنفاء وَيقصر، جمعه أفياف وفيوف وفياف اه. قَوْله: (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِارْتِفَاقَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ نُزُولًا وَرَبْطًا لِلدَّابَّةِ وَضَرْبًا لِلْفُسْطَاطِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرُورِ عَلَى النَّاسِ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ الِارْتِفَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحَفْرُ لِلطَّبْخِ أَوْ الِاسْتِقَاءِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ تَقْيِيدُ الْحَفْرِ فِي الْفَيَافِي بِمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ كِتَابٍ آخَرَ بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: وَبِهَذَا عُرِفَ إلَخْ، فَالْإِشَارَةُ إلَى مَا نَقَلَهُ ثَانِيًا، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَضْمَنُ لَوْ حَفَرَ فِي مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَمُرُّ النَّاسُ وَالدَّوَابُّ عَلَيْهَا، لَا إنْ حَفَرَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِحَيْثُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْعُدُولِ مِنْ الْمَارِّ عَنْ مَكَانِ الْحَفْرِ. قَالَ ط: وَلَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الظُّلْمَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَارَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَفْرِهِمْ) وَمِثْلُهُ: مَا لَوْ كَانُوا أَعْوَانًا لَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَافِرُ وَاحِدًا فَانْهَارَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَفْرِهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: (خَانِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ بِفِعْلِهِمْ، وَكَانُوا مُبَاشِرِينَ وَالْمَيِّتُ مُبَاشِرٌ أَيْضًا إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يجب شئ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَتْلٌ مُبَاشرَة، فيستوي فِيهِ الْمِلْكُ وَعَدَمُهُ، فَهُوَ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لَهُ كَرْمٌ) الْكَرْمُ: الْعِنَبُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَأَرْضُهُ تَارَةً تَكُونُ مَمْلُوكَةً إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ أَرْضَهُ لَا تَخْلُو عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدَاوَلَتْ عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ ط. قَوْلُهُ: (كَأَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ) الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: مَمْلُوكَةً أَيْ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِلتَّنْظِيرِ إنْ أُرِيدَ بِهِ مِلْكُهَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ: أَيْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ نَظِيرُ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ أَغْلَبَهَا خَرَاجِيَّةٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَارَةً تَكُونُ فِي يَدِهِ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْمِنَحِ. وَتَارَةً تَكُونُ لِلْوَقْفِ وَتَكون فِي يَده مُدَّة طَوِيلَة الخ، وَهَذِه أَوْلَى، لِأَنَّ مَا تَكُونُ فِي يَدِهِ كَذَلِكَ هِيَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (يُؤَدِّي خَرَاجَهَا) الْمُنَاسِبُ أُجْرَتَهَا، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ اه. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأُجَرَاءِ) بِمَدِّ آخِرِهِ جَمْعُ أَجِيرٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْآجِرِ بِمَدِّ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ، وَالْأُولَى أَوْلَى. قَوْلُهُ: (كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ) أَيْ السَّابِقُ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْفَتَاوَى أَيْ إطْلَاقُ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الضَّمَانُ عَلَى مَا وَقَعَ مُقَيَّدًا فِي عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا لَوْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ، وَالْحُكْمُ هُنَا هُوَ الضَّمَانُ وَالْحَادِثَةُ هِيَ الْحَفْرُ فِي الطَّرِيقِ، وَنَظِيرُهُ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقٌ، وَقُيِّدَ بِالتَّتَابُعِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّوْمُ، وَالْحَادِثَةُ وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ضَرُورَةُ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا نَصَّ هُنَا، وَتَقْيِيدُ الْجَوْهَرَةِ الضَّمَانَ بِمَا إِذا كَانَ فِي الطَّرِيق يُنَافِيهِ تصريحهم لَهُ بِضَمَانِ الْمُبَاشِرِ وَلَوْ فِي الْمِلْكِ، وَلِذَا قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ بَحْثًا لَا نَقْلًا، وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ لَا تَسَبُّبٌ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِ الْفِعْل فِي ملكه أولى، كَمَنْ رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ شَخْصًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِذَا فُقِدَ عَرَفْت أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي تَكَرَّرَ وُقُوعُهَا وُجُوبُ الضَّمَانِ على الْكَيْفِيَّة الْمَذْكُورَة على الاجراء اهـ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النّسخ، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ قَوْلُهُ: (مَالَ حَائِطٌ) أَيْ عَمَّا هُوَ أَصْلُهُ من الاسْتقَامَة وَغَيرهَا فَيشْمَل المتصدع وَالْوَاهِيَ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَكَذَا الْعُلُوُّ إذَا انْصَدَعَ فَأَشْهَدَ أَهْلُ السُّفْلِ عَلَى أَهْلِ الْعُلُوِّ، وَكَذَا الْحَائِطُ أَعْلَاهُ لِرَجُلٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التاترخانية نَقْلًا عَنْ النَّوَازِلِ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ وَالْخَاصَّةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ. قُهُسْتَانِيّ. لَكِن بَينهمَا فرق فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ مَالٍ) أَيْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّفْسِ، وَلَوْ أَرَادَ بِالنَّفسِ الْكَامِلَة: وَهِي نفس الانسان، وبالمال مَا يَعُمُّ الْحَيَوَانَ لَوَافَقَ قَوْلَهُ الْآتِيَ: ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ فِي مَالِهِ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ طَالَبَ رَبَّهُ) بِنَصْبِ رَبَّهُ مَفْعُولُ طَالَبَ، وَفَاعِلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (مُكَلَّفٌ) وَالْمُطَالَبَةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ، أَوْ يَقُولُ مَائِلٌ فَانْقُضْهُ أَوْ اهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ وَلَا يُتْلِفَ شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَهْدِمَهُ فَذَلِكَ مَشُورَةٌ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ حُكْمًا) مِنْ حَيْثُ قُدْرَتُهُ عَلَى رَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (فَتَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْوَاقِفِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّ الْقَيِّمَ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْقَيِّمِ إشْهَادًا عَلَى الْوَاقِفِ، كَمَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْوَلِيِّ إشْهَادٌ عَلَى مَنْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَةِ الْوَاقِفِ إنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ فِيمَا تَتَحَمَّلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَيِّمِ وَلَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا ذِمَّةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَالْقَيِّمِ الْوَلِيُّ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ، وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ الْأُمَّ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ اه: أَيْ فِعْلَ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِمْ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ. عِنَايَةٌ. تَأَمَّلْ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَلَوْ سَقَطَ حَائِطُ الصَّغِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْ وَلِيِّهِ كَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، فَلَوْ بَلَغَ أَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَغَيرهَا اه. قَوْله: (وَالرَّهْن) فَإِنَّهُ مَالِكٌ لَا الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ قَادِرٌ عَلَى الْهَدْمِ: يَعْنِي بِفَكِّ الْعَيْنِ وَإِعَادَتِهَا إلَى يَدِهِ وَكَذَا التَّقَدُّمُ إلَى الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ اه ط. عَنْ الْجَوْهَرَةِ قَوْلُهُ: (وَالْمُكَاتَبُ) لِمِلْكِهِ نَقْضُهُ، فَإِنْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ سَعَى فِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَدِيَةِ الْمَقْتُولِ، أَوْ مَالٍ سَعَى فِي قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بلغت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 اعْتِبَارا بِالْجِنَايَةِ الْحَقِيقَة كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، وَهَذَا لَوْ التّلف حَال بَقَاء الكتاية، فَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى، وَلَوْ بعد الْعَجز لَا يجب شئ عَلَى أَحَدٍ، وَيُهْدَرُ الدَّمُ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ، وَعدم ااشهاد عَلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا، وَفِي البرجندي عَن قاضيخان: فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْمَوْلَى صَحَّ الْإِشْهَادُ أَيْضًا. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ) فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ نَقْضِهِ مَدْيُونًا أَوْ لَا، فَإِنْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيّ فعلى عَاقِلَة أَوْ مَالٌ فَفِي رَقَبَتِهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَكَذَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فبيضمن بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) لتمكنه مِنْهُ بمابشرة طَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْقَاضِي بِمُطَالَبَةِ شُرَكَائِهِ، فَصَارَ مفرطا فَيضمن آبقسطه وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّقْضِ وَحْدَهُ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قِيلَ هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ (طَالَبَ بِهِ) وَاعْترض بِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: أَوْ حُكْمًا لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمَيِّتِ وَلِذَا تُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَالْوَارِثُ خَلِيفَتُهُ وَلِذَا لَهُ أَخْذُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ: عَنْ ابْنٍ فَقَطْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْوَرَثَةُ لَا يَصح الاشهاد. تَأمل. وَلَعَلَّ الْقَيْد اتفاقي. قَوْلُهُ: (صَحَّ الْإِشْهَادُ) أَيْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ لَا الِابْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (بِنَقْضِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَالِبِ وَمُكَلَّفٌ فَاعِلُهُ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُكَلَّفِ مَنْ لَهُ حَقُّ الطَّلَبِ وَلَوْ صَبِيًّا لَا مَنْ كَانَ بَالِغًا، لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالصِّبْيَانَ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ) أَيْ عَلَى طَلَبِ النَّقْضِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ ليتَمَكَّن من إثْبَاته عِنْد جحوده أَو عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ اه. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) سَيَأْتِي مَتْنًا. قَوْلُهُ: (وَالْحَالُ إلَخْ) صَاحِبُ الْحَالِ فَاعِلُ ضَمِنَ أَوْ مَفْعُولُ طَالَبَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ يملك نقضه) مستغتى عَنْهُ بِمَا بَعْدُ وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا) فَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَ الطَّلَبِ لِطَلَبِ مَنْ يَهْدِمُهُ، وَكَانَ فِي ذَلِك حَتَّى سقط الْحَائِط، لن يَضْمَنْ، لِأَنَّ مُدَّةَ التَّمَكُّنِ مِنْ إحْضَارِ الْأُجَرَاءِ مُسْتَثْنًى فِي الشَّرْعِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ) عِلَّةً لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا ضَمِنَ رَبُّهُ أَيْ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّفْرِيغِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ النُّفُوسِ) أَيْ الْأَحْرَارِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ ط. وَأَرَادَ بِالنُّفُوسِ مَا قَابَلَ الْأَمْوَالَ فَخَرَجَ الْحَيَوَانُ وَدَخَلَ مَا دُونَ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَاقِلَةِ رَبِّ الْحَائِطِ. قَوْلُهُ: (وَلَا ضَمَانَ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَوْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا من الثَّلَاثَة وَأقر بهَا رب الدَّارِ، لَزِمَهُ فِي مَالِهِ، طُورِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ) أَيْ عَلَى طَلَبِ النَّقْضِ مِمَّن يملكهُ. قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي على لهالك. قَوْلُهُ: (وَعَلَى كَوْنِ الْجِدَارِ مِلْكًا لَهُ) لِأَنَّ كَوْنَ الدَّارِ فِي يَدِهِ ظَاهِرٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ. غَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلِذَا) أَيْ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الدَّارِ مِلْكًا لَهُ إلَخْ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا مَالِكَ) لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ط. قَوْلُهُ: (عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ عَنْ وِلَايَتِهِ لِيَشْمَلَ قَوْلَهُ: وَكَذَا لَوْ جن تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَهِبَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّسْلِيمِ، حَتَّى يَبْطُلَ الْإِشْهَادُ، إذْ لَا حُكْمَ لَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ ط. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ جُنَّ) أَيْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (مُطْبِقًا) قُيِّدَ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْمُقَطَّعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يبطل الاشهاد، فَإِذا أتلف بعده وَبعد الْإِشْهَادِ شَيْئًا يَكُونُ مَضْمُونًا ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَادَ) أَيْ مُسْلِمًا وَرُدَّتْ عَلَيْهِ الدَّارُ. خَانِيَّةٌ. أَوْ أَفَاقَ: أَيْ مِنْ جُنُونِهِ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنشر مشوش: أَي فَلَا يضمن إلَّا بِإِشْهَادٍ مُسْتَقْبَلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِ اتِّفَاقِيّ. أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ) أَيْ عَنْ مِلْكِ النَّقْضِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ الْهِبَةِ وَالْجُنُونِ وَالِارْتِدَادِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَادَ مِلْكُهُ) أَيْ وِلَايَتُهُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا أَوْ إفَاقَتِهِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رُدَّ على البَائِع أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا طُولِبَ بَعْدَ الرَّدِّ اه. وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ ضَامِنًا، لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يُبْطِلُ وِلَايَةَ الْإِصْلَاحِ فَلَا يُبْطِلُ الْإِشْهَادَ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ بَطَلَ الْإِشْهَادُ، لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحَائِطَ عَنْ مِلْكِهِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْجَنَاحِ) فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ بِنَفس الْوَضْعِ وَهُوَ بَاقٍ، وَفِي الْحَائِطِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ فَزَالَتْ الْجِنَايَةُ. قَوْلُهُ: (فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ) أَيْ أَدْنَى تَعَلُّقٍ وَارْتِبَاطٍ، كَكَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ فِي قَوْلِ الشَّاعِر: إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة سعيل أَذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي الْأَقَارِبِ قَوْلُهُ: (فَالطَّلَبُ إلَيْهِ) الْأَوْلَى لَهُ: أَيْ لِلْمَالِكِ أَوْ السَّاكِنِ، وَلَوْ مَالَ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَالْخُصُومَةُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَالَ إلَى الطَّرِيقِ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْآتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَامَّةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَاصَّةَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْجِيلِ كُلِّ أَهْلِهَا أَوْ إبْرَائِهِمْ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَالَ إلَخْ) قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 فِي الْخَانِيَّةِ: حَائِطٌ لِرَجُلِ بَعْضُهُ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ وَبَعْضُهُ مَائِلٌ إلَى دَارِ قَوْمٍ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَهْلَ الدَّارِ، فَسَقَطَ مَا مَالَ إلَيْهَا ضَمِنَ، لِأَنَّ الْحَائِطَ وَاحِدٌ فَصَحَّ الْإِشْهَادُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فِيمَا مَالَ إلَيْهِمْ، وَفِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ، فَإِنَّ أَهْلَ الدَّارِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَامِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْهِدُ مِنْ غَيْرِهِمْ صَحَّ فِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ، وَإِذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَعْضِ صَحَّ فِي الْكُلِّ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (أَيْ خُمُسُ مَا تَلِفَ بِهِ) تَعْمِيمٌ لِلْمَتْنِ، لَكِنْ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ إسْقَاطُ قَوْلِهِ: عَاقِلَتُهُ اه ح: أَيْ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ كَمَا سَلَفَ ط. قَوْلُهُ: (بِمُرَافَعَتِهِ لِلْحُكَّامِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ: أَيْ بِمُرَافَعَةِ المشهد عَلَيْهِ بَقِيَّة شركائه بمطالبة نقضه، والذكور وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (حَفَرَ أَحَدُهُمْ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ الْمَالِ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ فِي الْحَائِطِ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ فِي الْبِئْرِ، لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الثِّقَلِ وَالْعُمْقِ لَيْسَ بِمُهْلِكٍ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جَزْءٍ عِلَّةً فَيَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، إِذا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ. وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا أَنْصَافًا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ الْمُشْهَدِ عَلَيْهِ مُعْتَبر، وبنصيب غير هَدَرٌ، وَفِي الْحَفْرِ وَالْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ، فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشُّغْلِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (مَاتَ بِسُقُوطِهَا) صِفَةُ قَتِيلٍ، وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فِي أَنَّ الْحَائِطَ قَدْ يُؤَنَّثُ وَلَمْ أَرَهُ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (لِبَقَاءِ جِنَايَتِهِ) لَان إشراع الْجنَاح فِي نَفسه جِنَايَةٍ، وَهُوَ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ حُصُولُ الْقَتِيلِ فِي الطَّرِيقِ كَحُصُولِ نَقْضِ الْجَنَاحِ فِي الطَّرِيقِ، وَمَنْ أَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيق كَانَ ضَامِنًا لِمَا عَطِبَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَفْرِيغَ الطَّرِيقِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَائِطِ فَإِن الْبِنَاءِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ جَانِيًا لَكِنْ جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فِي الطَّرِيقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْرِيغِ، وَالتَّرْكِ مَعَ الْقُدْرَةِ وُجِدَ فِي حَقِّ النَّقْضِ لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ فَاعِلًا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (يُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْجِنَايَةَ بَاقِيَةٌ فِي الْجَنَاحِ دُونَ الْحَائِطِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يَهِيَ) يُقَالُ: وَهَى الْحَائِطُ يَهِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 وَهْيًا: إذَا ضَعُفَ وَهَمَّ بِالسُّقُوطِ صِحَاحٌ. قَوْلُهُ: (لَا فِي الصَّحِيحِ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَعْضِ الصَّحِيحِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ كَمَا لَوْ كَانَا حَائِطَيْنِ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ بَنَاهُ) أَيْ إنْ كَانَ حَيًّا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَيِّمَ كَالْوَاقِفِ فَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ بَنَاهُ) وَأَمَّا جِنَايَاتُ الْأَمْوَالِ، فَلَيْسَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي مَالِ الْبَانِي وَالْوَاقِفِ فَيُحَرَّرُ ط. وَقَدَّمْنَا عَنْ الرَّمْلِيِّ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِفِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ) وَأَمَّا الْمَالُ فَفِي رَقَبَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا حُكْمَ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: (قَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ بِتَمَامِهَا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ وَهُوَ لَا تصح إِضَافَته، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قُبَيْلَ بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ تَمْلِيكٌ لِلْقِصَاصِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ، لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَ أَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ مِلْكَهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ، عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا صَارَتْ مِلْكَهُ لَهُ مُشْكِلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ قَتَلَتْ أَمَةٌ رَجُلًا عَمْدًا فَزَنَى بِهَا الْوَلِيُّ عَمْدًا، لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ لَان من الْعلمَاء من قَالَ: للْوَلِيّ، ورية تَمَلُّكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا مَوْلَاهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ اه. فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ الدَّرْءِ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمَلُّكِهَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، لَا أَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (جَارِيَةٌ) بَدَلٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ تَصْرِيحٌ بِمَعْلُومٍ ط. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ عُقَيْبَ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مُلْحَقَةً بِالْجَمَادَاتِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْعَقْلِ، ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ، وَنسبَة الْجِنَايَة إِلَيْهَا المشاكلة الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ) أَيْ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَكَذَا الْأَصْلُ أَيْضًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 أَن المتسبب ضَامِن إِذا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ، وَالْمُبَاشِرُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْفُرُوعِ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ، لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ، فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاز عَنهُ لَا فِيمَا لَا يُمكن، لَان يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، دُرٌّ مُنْتَقَى فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَاطِبُ عَبْدًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا لِأَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ مَالًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ مَا دُونَ النَّفْسِ: فَمَا أَرْشُهُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَفِي مَالِهِ، وَإِنْ نِصْفَ الْعَشْرِ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا) أَيْ فِي غير حَالَة الوطئ كَأَنْ أَتْلَفَتْ فِي حَالِ رَفْعِهَا أَوْ قَتَلَ وَضْعُهَا ط. قَوْلُهُ: (أَوْ كَدَمَتْ إلَخْ) الْكَدْمُ: الْعَضُّ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ كَمَا يَكْدِمُ الْحِمَارُ، وَالْخَبْطُ: الضَّرْب بِالْيَدِ، والصدم: الدّفع وَأَن تضرب الشئ بِجَسَدِك مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْخَاصِّ أَوْ الْمُشْتَرَكِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ. زَيْلَعِيٌّ، قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لَا مُبَاشِرٌ، وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بِتَسْيِيرِ الدَّابَّةِ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ) فَيَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ. قَوْلُهُ: (فَيُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَدَثَتْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يضمن) أَي إِلَّا فِي الوطئ وَهُوَ رَاكِبُهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) سَوَاءٌ دَخَلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَدْخَلَهَا بِالْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ الرَّاكِبُ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ وَطِئَتْ أَوْ خَبَطَتْ أَوْ صَدَمَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، وَكَالرَّاكِبِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ بِنَفْسِهَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مِلْكِ غَيْرِ صَاحبهَا: فإمَّا أَن أدخلها صَاحبهَا فِيهِ أَو لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ وَلَا مُتَسَبِّبٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا أَوْ لَا، وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، لِأَنَّهُ إمَّا مُبَاشِرٌ أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ إيقَافُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ اه. قَوْلُهُ: (لَا يَضْمَنُ الرَّاكِبُ) أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لَا مَا نَفَحَتْ إلَخْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ: أَيْ ضَرَبَتْ بِحَدِّ حَافِرِهَا. مُغْرِبٌ. فَقَوْلُهُ: بِرِجْلِهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ: أَيْ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا، فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحَافِرِ فَتَبْقَى دَعْوَى الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ ذَنَبِهَا. تَأَمَّلْ، قَوْلُهُ: (سَائِرَةً) قَيْدٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالنَّفْحَةِ، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّفْحَةِ مَعَ السَّيْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَلَوْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا، لِأَنَّ صِيَانَةَ الدَّوَابِّ عَنْ الْوُقُوفِ مُمْكِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمْكِنَةٍ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ الْإِيقَافُ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَطِبَ) عَطْفٌ على نفخت، وَفِيهِ رَكَاكَةٌ، وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى: وَلَا مَا عَطِبَ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 قَوْلُهُ: (أَوْ وَاقِفَةً) أَيْ بِإِيقَافِهِ أَوْ لَا. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَجْلِ ذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ وَاقِفَةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْبَوْل والروث غير مُمكن فَجعل عفوا أَيْضا. وَالْوُقُوف من ضروراته لَان الدَّابَّة لاتروث، وَلَا تَبُولُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَجُعِلَ ذَلِكَ عَفْوًا أَيْضًا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَوْقَفَهَا) فِي الْمغرب، وَلَا يُقَال: أوقفهُ فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ اه. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِتَعَدِّيهِ بإيقافه) أَي إيقافه الدَّابَّةِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ: أَيْ فَهُوَ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ شَغْلُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيقَافِهَا فِيهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَلَوْ أَوْقَفَهَا لِلِازْدِحَامِ أَوْ لِضَرُورَةٍ أُخْرَى: يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ أَوْ التَّخَلُّصُ يَضْمَنُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مَوْضِعِ إذْنِ الْإِمَامِ بِإِيقَافِهَا) وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الْمَفَاوِزِ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ النَّاسَ، بِخِلَافِ الْمَحَجَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. قُهُسْتَانِيٌ. وَالْمَحَجَّةُ: الطَّرِيقُ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَعَدَّ الْإِمَامُ لَهَا) أَي للدواب أَوْ لِوُقُوفِهَا مَوْضِعًا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ ط. وَقَيَّدَ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَائِرًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ بِالْوُقُوفِ، أَوْ قَائِدًا أَوْ سَائِقًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ إذْنُ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مَا حَدَثَ مِنْ وُقُوفِ دَابَّتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ رَاكِبًا، وَلَا دُونَ السَّيْرِ وَالسَّوْقِ وَالْقَوْدِ. إتقاني. قَوْله: (لم يضمن) مَحل إذَا لَمْ يَنْخُسْهَا وَلَمْ يُنَفِّرْهَا، أَمَّا لَوْ نَخَسَهَا أَوْ نَفَّرَهَا فَأَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَصَاةً فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ضَمِنَهُ. أَفَادَهُ الْمَكِّيُّ ط. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقِيلَ لَوْ عَنَّفَ الدَّابَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ضَمِنَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (لِإِمْكَانِهِ) أَيْ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عُنْفِهِ فِي السَّوْقِ، فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ، أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ) أَيْ أَنَّهُمْ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ، وَكَذَا الْمُرْتَدِفُ. أَتْقَانِيٌّ. فَيَضْمَنُونَ مَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ إلَّا النَّفْحَ، وَلَا يَضْمَنُونَ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِمْ، أَوْ فِي ملك غَيرهم بأذنه إِلَّا فِي الوطئ إِلَى آخر مَا تقدم. قَوْله: (إنخ مُطَّرِدٌ وَمُنْعَكِسٌ) الِاطِّرَادُ: التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ، وَالِانْعِكَاسُ: التَّلَازُمُ فِي النَّفْيِ: أَيْ كُلُّ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ، وَمَا لَا فَلَا، وَخَالَفَ الْقُدُورِيُّ فِي السَّائِقِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ، لِأَنَّهُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَعُهَا عَنْ النَّفْحَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ، بِخِلَافِ الْكَدْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ كَبْحُهَا بِلِجَامِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَمَا صَحَّحَهُ فِي الدُّرَرِ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا. قَوْله: (والراكب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة على الوطئ) أَي لَو وَطِئَتْ إنْسَانًا وَهُوَ رَاكِبُهَا، وَكَذَا الرَّدِيفُ فَإِنَّهُمَا مُبَاشِرَانِ لِلْقَتْلِ حَقِيقَةً بِثِقَلِهِمَا فَيَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ، وَيُحْرَمَانِ مِنْ الْمِيرَاثِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَالْأَظْهَرُ لِمَا مَرَّ بِاللَّامِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ الْمَارِّ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَا عَلَيْهِمَا) لانهما متسببان، بنعنى أَنَّهُ لَوْلَا السَّوْقُ أَوْ الْقَوْدُ لَمْ يُوجَدْ الوطئ، وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا سَائِقٍ وَقَائِدٍ) زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: الْمُرْتَدِفُ، وَهُوَ غَيْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 ظَاهِرٍ وَمُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته آنِفًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضْمَنْ السَّائِقُ عَلَى الصَّحِيحِ) اعْلَمْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ: قِيلَ: لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ، لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ وَالسَّائِقَ مُتَسَبِّبٌ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، فَالنَّاخِسُ سَاق، والآمر رَاكب، فَتبين بِهَذَا إِنَّمَا يستويان، وَالصَّحِيح الاول لما ذكرنَا. وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ السَّوْقَ مُتْلِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبٌ، بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتْلِفٍ بِلَا إلْقَاءٍ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ وُجِدَ التَّلَفُ بِهِمَا فَأُضِيفَ إلَى آخِرِهِمَا اه. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي الْهَامِشِ: هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ تَحْرِيرٍ اه. وَذَكَرَ فِي السَّعْدِيَّةِ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا التَّقْرِيرِ، وَلَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا فِي الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ وَتَفْصِيلٌ لَهُ، وَاللَّازِمُ مِنْهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ، وَهُوَ قَدْ صَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَهَذَا مِنْ مِثْلِهِ غَرِيبٌ اه. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْحَلَبِيِّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا صُورَتُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ اه. فَيَكُونُ التَّصْحِيحُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَالْجَوَابُ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النِّهَايَةِ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّدِيفُ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَالِاجْتِمَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ الرَّاكِبُ مُبَاشِرًا، لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا يَعْمَلُ فِي الْإِتْلَافِ فَلَا يُلْغَى، فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْحَفْرِ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا جَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَدْ أَخَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَأَشْعَرَ بِتَرْجِيحِهِ كَعَادَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَالْمُلْتَقَى وَعَبَّرَا عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُنَا) أَيْ فِي السَّائِقِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ كَالنَّاخِسِ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ إتْلَافًا، وَأَنَّ الَّذِي لَا يَعْمَلُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ. قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ رَاكِبِهَا) فَلَوْ بِدُونِهِ ضَمِنَ النَّاخِسُ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ رَاجِلٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْفَارِسِ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الرَّاجِلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْبَهِيمَةِ. أَفَادَهُ سعدي. قَوْله: (وَإِن اصْطَدَمَا) أَيْ تَضَارَبَا بِالْجَسَدِ اه. دُرٌّ مُنْتَقَى. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَقَابَلَا، لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ: سَارَ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ فَجَاءَ رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَدَمَهُ فَعَطِبَ الْمُؤَخَّرُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِن عطب الْمُقدم فَالضَّمَان على الْمُؤخر، كَذَا فِي سَفِينَتَيْنِ اه ط، عَنْ أَبِي السُّعُودِ. قَوْله: (يهدر دمهما) لَان جَنَابَة كُلٍّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 وَفِدَاء، وَقد فَاتَت لاإلى خلف مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ بِهِ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ. مِنَحٌ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْحُرَّانِ عَلَى وُجُوههمَا فَلِأَنَّ مَوْتَ كُلٍّ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَا عَامِدين) أَي الْحَرَام أَو العبدان كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قدمه عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: لِأَنَّ الْعَمْدَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ، إذْ هُوَ تعمد الاصطدام وَلم يقْصد الْقَتْل، وَلذَا وَجب على الْعَاقِلَة اه ط ح: وَإِنَّمَا نُصِّفَتْ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ فِي الْخَطَأِ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ، كَالْوَاقِعِ فِي بِئْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ مَا وَقَعَ، وَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ لِتَقَيُّدِهِ بِشَرْط السَّلامَة، أما الْعَمْدِ فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَصَارَ هَالِكًا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَهْدِرُ مَا كَانَ بِفِعْلِهِ، وَيَجِبُ مَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَوْلُهُ: (فعلى عَاقِلَة الحقيمة الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُهَا ثُمَّ الْعَمْدِ) أَيْ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ قَاتِلًا لِصَاحِبِهِ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحَرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ نِصْفُهَا، ثُمَّ الْعَبْدُ الْجَانِي قَدْ تَلِفَ وَأَخْلَفَ هَذَا الْبَدَلَ، فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِهَةِ كَوْنِهِ مَقْتُولًا لَا قَاتِلًا، وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلَفِ، وَلَا يُرَدُّ مَا إذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رجل فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الضَّمَانُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا الْمَقْطُوعُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْ الْعَاقِلَةِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا لَهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَحَمَّلُوا عَنْهَا ضَامِنِينَ لَهَا، أَمَّا هُنَا قالعاقلة تجملوا عَنْ الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ قَاتِلًا ثُمَّ تَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ بِجِهَةِ كَوْنِهِ مَقْتُولًا اه. مِنْ الْكِفَايَةِ مَعَ غَيْرِهَا. وَاعْتَرَضَ الْوَانِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَمْدَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا مَا جنى، فَتدبر. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي الْهَدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يَهْدِرُ دَمُهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِ مَسْأَلَة المصادمة ط. قَوْله: (فَإِن وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ إلَخْ) قِيلَ لِمُحَمَّدٍ: إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ. أَتْقَانِيٌّ. أَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ نَفْيُ التَّصَوُّرِ أَوْ نَفْيُ الضَّمَانِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا قصاص عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ اه. وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَوْ الْمُرَادُ: لَا دِيَةَ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى سَائِقِ دَابَّةٍ) خَبَرٌ مُبْتَدَؤُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: الدِّيَةُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ والاحكام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ بِيَدِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ ط. فَهُوَ كَوُقُوعِ مَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ الْمَلْبُوسِ إذَا سَقَطَ وَكَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَائِدِ قِطَارٍ) إنَّمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ، وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْهُ لِتَسَبُّبِهِ، فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَوْ قَادَ أَعْمَى فَوَطِئَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْقَائِدُ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَفِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ، أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (قِطَارِ الْإِبِلِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْقِطَارُ الْإِبِلُ تُقْطَرُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ قُطُرٌ اه: أَيْ كَكُتُبٍ. قَوْلُهُ: (الدِّيَةُ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ مَالٍ وَكَانَ الْمُوجَبُ كَأَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا مَرَّ مِرَارًا. مَكِّيٌّ اه ط. قَوْلُهُ: (هَذَا لَوْ السَّائِقُ مِنْ جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ) أَيْ فِي الْوَسَطِ يَمْشِي فِي جَانب من الْقِطَارِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَلَا يَأْخُذُ بزمام بعير. مِعْرَاج. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا: أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِق والقائد جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ بَعِيرٍ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ خَلْفَهُ، لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّهُ لِمَا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لَمَّا خَلَفَ السَّائِقَ، وَأَمَّا فِيمَا هَلَكَ قُدَّامَ السَّائِقِ فَيَضْمَنُهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ جَمِيعًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَرِّبٌ إلَى الْجِنَايَةِ، هَذَا بِسَوْقِهِ وَذَاكَ بِقَوْدِهِ. قَوْلُهُ: (وَرَاكِبٌ وَسطهَا يضمنهُ) أَي لَو كَانَ رجل رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ، وَلَا يَسُوقُ شَيْئًا مِنْهَا يَضْمَنُ مَا رَكِبَهُ: أَيْ مَا أَصَابَهُ بَعِيرُهُ بِالْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا، أما مَا أَصَابَهُ بعير الايطاء فَهُوَ عَلَيْهِ وعَلى قَائِد. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ سَابِقًا، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا بِلَا تَفْصِيلٍ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى التَّصْحِيحِ. قَوْلُهُ: (فَقَطْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مَا قُدَّامَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَائِقٍ لَهُ، وَلَا مَا خَلْفَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَائِدٍ إلَّا إذَا أَخَذَ بزام مَا خَلْفَهُ، زَيْلَعِيٌّ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأما غيرع فَاكْتَفِي بِكَوْنِ زِمَامِ مَا خَلْفَهُ مَرْبُوطًا بِبَعِيرِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِلَا عِلْمِ قَائِدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُبِطَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَرَجَعُوا بِهَا إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ لَا رُجُوعَ لَهُمْ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ عَاقِلَة الْقَائِد الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ بِتَرْكِ صَوْنِ قِطَارِهِ عَنْ الرَّبْطِ، وَرَجَعُوا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَوَهَّمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الرَّابِطِ، لِأَنَّ الرَّابِطَ أَوْقَعَهُمْ فِي خُسْرَانِ الْمَالِ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ اه ح. قَوْلُهُ: (وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ (سَائِرٌ) . قَوْلُهُ: (لِقَوْدِهِ بِلَا إذْنٍ) أَيْ بِلَا إذْنِ الرَّابِطِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 رَبَطَهُ وَالْقِطَارُ سَائِرٌ وُجِدَ مِنْ الرَّابِطِ الْإِذْنُ دَلَالَةً بِقَوْدِ الْمَرْبُوطِ، فَلِذَا رَجَعُوا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً إلَخْ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ بَيْنَ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أُرْسِلَ الْكَلْبُ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَ فِي فَوْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ اتِّبَاعُهُ، وَالْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَعَدَّى، وَلَوْ أَرْسَلَ دَابَّةً يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا، سَوَاءٌ سَاقَهَا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِرْسَالِهَا فِي الطَّرِيقِ مَعَ إِمْكَان اتباعها. أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اه. فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ الْكَلْبُ فِي فَوْرِهِ، إلَّا إذَا سَاقَهُ، وَمَا أَصَابَتْهُ الدَّابَّةُ فِي فَوْرِهَا يَضْمَنُهُ مُطلقًا، وَبِه ظهر أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الضَّمَانِ السَّوْقَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْكَلْبِ. وَلِذَا فَسَّرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْبَهِيمَةَ بِالْكَلْبِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ أَخِيرًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ: أَوْ كَلْبًا لَا يُنَاسِبُهُ خُصُوصًا مَعَ قَوْله الْآتِي : المارد بِالدَّابَّةِ الْكَلْبُ. قَوْلُهُ: (فَسَائِقٌ حُكْمًا) لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَاف إِلَيْهِ مَا دَامَت تسير على سننها، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ، وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَإِنْ رَدَّهَا رَادٌّ ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ فِي فِعْلِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَائِقٌ لَهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى سَائِقِهَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ خَلْفَهَا سَائِقًا لَهَا وَالْمُتَبَادِرُ من عبارتهم أَنَّهُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَطْرُدْهَا، وَنَقَلَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُلَّا عَلَيَّ تَقْيِيدِهِ بِطَرْدِهِ إيَّاهَا ط. مُلَخصا. قُلْت: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: يُرِيدُ بِهِ إذَا أَرْسَلَهُ وَضَرَبَهُ أَوْ زَجَرَهُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ لَهُ سَائِقًا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ) الْأَوْلَى الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ هَذَا التَّفْسِيرِ وَمَا فِيهِ. قَوْله: (سَاقه أَو لَا) لَان بدنه لَا يحْتَمل السُّوق فَلَو يُعْتَبَرْ، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَابَّةً أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَصَابَ الْكَلْبُ شَيْئًا فِي فَوْرِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْسِلُ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. نِهَايَةٌ. وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الشَّارِحِ قَوْلَهُ: أَوْ دَابَّةً. قَوْلُهُ: (أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ) وَلَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَيْلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ ذَهَبَتْ لَيْلًا ضَمِنَ، لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُهَا فِيهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. قَوْلُهُ: (الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ) أَيْ فِعْلُهَا إذَا كَانَتْ مُنْفَلِتَةً، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ ط. وَالْعَجْمَاءُ غَلَبَ عَلَى الْبَهِيمَةِ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُنْفَلِتَةُ) تَقْيِيدٌ لِلْعَجْمَاءِ لَا تَفْسِيرٌ لَهَا كَمَا لَا يَخْفَى اه ح. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسُوقَةَ وَالْمَرْكُوبَةَ وَالْمَقُودَةَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 الطَّرِيقِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ الْمُرْسَلَةَ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُهَا مُعْتَبَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَوْلُهُ: (عِمَادِيَّةٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَهُ: حَتَّى لَوْ أَتْلَفَتْ إنْسَانًا إلَخْ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الرُّومِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ كَلَامِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَزَاهُ إلَيْهَا هَذَا، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا فَالْقَوْلُ لِلْخَصْمِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْعَجْزِ، لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِأَصْلِ الضَّمَانِ فِي ضِمْنِ الدَّعْوَى لَا يُفِيدُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ. تَأَمَّلْ اه مُلَخصا. قَوْله: (أَو ضربت بِيَدِهَا) أكيفما أَصَابَتْ اه. خُلَاصَةٌ. فَدَخَلَ مَا إذَا وَطِئَتْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ وَثَبَتَ بِنَخْسَتِهِ عَلَى رجل أَو أوطأته فَقتلته كَانَ ذَلِك على الناخس دُونَ الرَّاكِبِ وَالْوَاقِفِ فِي مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَسِيرُ فِيهِ سَوَاء اه: أَيْ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ فِي الطَّرِيقِ لِتَعَدِّيَةِ. كِفَايَةٌ. وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَصَدَمَتْهُ) أَيْ الْآخَرَ وَقَتَلَتْهُ وَفِي التاترخانية: هَذَا إِذا كَانَت النفخة والضربة والوثب فِي فَوْرِ النَّخْسِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَا الرَّاكِبُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ النَّاخِسِ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ فنخسها رجل فقتلت آخر يضمنَانِ تَصِفِينَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ. مِنَحٌ وَغَيْرُهَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، إذْ هُوَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الَّتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي النَّفْخَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ فَإِنَّهَا جُبَارٌ، إلَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ وَاقِفًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَنَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن فَالضَّمَان كُله على الناخس اه. وَنَقَلَ ط عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: رَجُلٌ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَنَخَسَهَا فَقَتَلَتْ رَجُلًا وَالْآمِرَ فَدِيَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِمَا وَدَمُ الْآمِرِ هَدَرٌ، وَلَوْ سَارَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا ثُمَّ نَفَحَتْ مِنْ فَوْرِ النَّخْسَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ تَسِرْ فَنَفَحَتْ النَّاخِسَ وَآخَرَ فديَة الاجنبي عَلَيْهِمَا، وَنِصْفُ دِيَةِ النَّاخِسِ عَلَى الرَّاكِبِ اه مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ضَمَانَهُمَا مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَسِرْ مِنْ مَوْضِعِهَا، وَإِلَّا ضَمِنَ النَّاخِسُ فَقَطْ كَمَا لَوْ نَخَسَ بِلَا إذْنِ الرَّاكِبِ. قَوْلُهُ: (لِتَعَدِّيهِ فِي الْإِيقَافِ) فَلَوْ حَرَنَتْ وَوَقَفَتْ فَنَخَسَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِتَسِيرَ فَلَا شئ عَلَيْهِمَا. نَقله ط. قَوْله: (أَيْضًا) أَيْ كَتَعَدِّي النَّاخِسِ بِالنَّخْسِ ط. قَوْلُهُ: (ووطئت) أَي فِي سَيرهَا. هِدَايَة. وَالتَّقْيِيد بالوطئ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ النَّفْحَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا النَّاخِسُ بِالْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَضْمَنُ النَّاخِسُ هَا هُنَا مَا لَا يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ مِنْ نَفْحَةِ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اه. قَوْلُهُ: (فَدَمُهُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ سَيْرَهَا حِينَئِذٍ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، ثُمَّ هَلْ يرجع الناخس على الرَّاكِب بِمَا ضمن فِي الايطاء لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 النَّاخِسِ) أَيْ لَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَوْ بِهِ لَا يضمن، خُلَاصَة. قَوْله: (لَو الوطئ فَوْرَ النَّخْسِ) وَكَذَا النَّفْحَةُ وَالضَّرْبَةُ وَالْوَثْبَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. تَتِمَّةٌ: اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ النَّاخِسِ مَعَ الرَّاكِبِ. قَالَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَخْسِهَا وَمَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ، وَإِنْ نخسها شئ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّاخِسِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ، وَجَمِيعُ هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ غَيْرَهُ كَدَوَابَّ فَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْجَانِي اه. وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ النَّاخِسُ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ فِيمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُمْ. كِفَايَةٌ. وَفِي الدّرّ الْمُنْتَقى: وَإِنَّمَا خص النخس لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ظَهْرِ فَرَسٍ عَادَتُهُ النَّفْحَةُ فَنَفَحَ فَأَتْلَفَ لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ النخس، لَان الِاضْطِرَاب لاوم لَهُ دُونَ وَضْعِ الْيَدِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَن الْقنية اه. وَفِي التاترخانية: وَضَعَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَنَفَرَتْ مِنْهُ دَابَّةٌ فقتلت رجلا لَا شئ على الْوَاضِع إِذا لم يصب ذَلِك الشئ اه. لَكِن فِي ط عَن الْمُحِيط السَّرخسِيّ: لَوْ نَفَرَتْ مِنْ حَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ عَلَى الطَّرِيق فالواضع بِمَنْزِلَة النخاس اه. قَوْله: (وَفِي فقء عَيْنِ دَجَاجَةٍ) مِثْلُهَا الْحَمَامَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الطُّيُورِ، وَكَذَا الْكَلْب والنسور كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قُهُسْتَانِيُّ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) وَلِذَا تَرَكَ ابْنُ الْكَمَالِ الْإِضَافَةَ إلَى الْقَصَّابِ وَقَالَ: لِمَا فِيهَا مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ الْآتِي ذِكْرُهُ اه. قَوْلُهُ: (مَا نَقَصَهَا) فَتُقَوَّمُ صَحِيحَةَ الْعَيْنِ وَمَفْقُوءً، فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ. قُهُسْتَانِيٌ. وَالنُّقْصَانُ شَامِلٌ لِلْحَاصِلِ بِالْهُزَالِ مِنْ فقء الْعين. ط عَن الواني. قَوْله: (لانها اللَّحْم) فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ ابْنُ كَمَالٍ. أَقُولُ: لَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرَ، لَكِنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ فِي ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ فِي ضَمَان الْمُتْلفَات، أَمَّا ضَمَانُ رُبْعِ الْقِيمَةِ فِيمَا يَأْتِي فَخِلَافُ الْقيَاس عملا بِالنَّصِّ. قَوْله: (وَفِي عينيها إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ إبِلِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْإِبِلُ وَاحِدٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَلَا اسْم جمع، وجمعة الابل اه. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (فَائِدَةُ الْإِضَافَةِ إلَخْ) أَيْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمَا لِكَوْنِهِمَا مُعَدَّيْنِ لِلَّحْمِ يَكُونُ حكمهمَا الشَّاةِ، بَلْ سَوَاءٌ كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ أَوْ لِلْحَرْثِ أَوْ الرُّكُوبِ فَفِيهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ، كَمَا فِي الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَحِمَارٍ) فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: مَا لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ كَالْفَصِيلِ وَالْجَحْشِ فَفِي عَيْنِهِ رُبْعُ قِيمَتِهِ اه. قُلْت: وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى: أَنَّ فِي نَحْوِ الْفَصِيلِ النُّقْصَانَ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْمُنْتَقَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَان إِقَامَة الْعَمَل. قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَلما مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْحَمْلِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ، وَقَدْ تُمْسَكُ لِلْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ، فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وبالشبه الاخر فِي نفي النّصْف، ولانه إِنَّمَا يُمكن إِقَامَة الْعَمَل لَهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ: أَيْ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَن الْهِدَايَة، لَان الْعَينَيْنِ لَا يضمنَانِ الْقِيمَةِ. أَتْقَانِيٌّ: أَيْ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا صَارَتْ كَذَاتِ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ضَمَانُ الْعَيْنَيْنِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَضْمَنُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ وَالْمَصْدَرُ فَاعِلٌ لفعل مَحْذُوف، هُوَ جَوَاب لَو تَقْدِيره: يلْزم أَنَّهُ يَضْمَنُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْقَوْلَ بِضَمَانِ النِّصْفِ عَنْ فَخْرِ الْقُضَاةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ ضَمَانَ الْعَيْنِ بِالرُّبْعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى النَّصِّ، وَلِذَا قَالَ: فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالتَّقْيِيدِ بِالْعَيْنِ) أَيْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: وَفِي عَيْنِ بَقَرَةٍ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: جَمِيعَ الْقِيمَةِ) أَيْ لِفَوَاتِ الِاعْتِلَافِ، وَفِي تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ وَالْقُنْيَةِ جَزَمَ بِهَذَا، وَحَكَى الْآخَرَ بِقِيلَ اه. سائحان. قَوْلُهُ: (أَيْ لَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَأْكُولًا خُيِّرَ) أَيْ بَيْنَ تَرْكِهَا عَلَى الْقَاطِعِ وَتَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا، وَبَيْنَ إمْسَاكِهَا وَتَضْمِينَهُ النُّقْصَانَ. قَالَ فِي غصب الْهِدَايَة: وَظَاهر ارواية عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْهُ: لَوْ شَاءَ أَخَذَهَا وَلَا شئ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اه. وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ، وَقدمنَا الْكَلَام نَعْلَيْه فِي الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْعُيُونِ إنْ أَمْسَكَهُ لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا إلَخْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَأْكُولَ وَيَضْمَنَ النُّقْصَانَ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْكُولِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مر، وَبِه يُفْتى كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ حِين قَالَ: وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ أَخَذَ الشَّاةَ فَلَا شئ لَهُ، وَيُفْتَى بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ أَنَّ مَا يُؤْكَلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة، فَلَو أمْسكهُ فَلَا شئ لَهُ. قَالَ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اه. أَقُولُ: وَحَيْثُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْإِفْتَاءِ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (وَعَرَجُهَا كَقَطْعِهَا) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 ضَرَبَ دَابَّةً فَصَارَتْ عَرْجَاءَ فَهُوَ كَالْقَطْعِ اه. قَوْلُهُ: (فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الدُّرَرِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْكَلْبِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ مَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ فَالْإِشْهَادُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إذَا أَعْقَبَهُ تَلَفٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلَفُ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا، وَمَا لَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ بَلْ يُخَافُ مِنْهُ تلف المَال فقظ كَعِنَبِ الْكُرُومِ، فَلَا يُفِيدُ فِيهِ الْإِشْهَادُ، وَيَدُلُّ على تَشْبِيهُهُ بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ، فَإِنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ مُوجِبٌ لضمان المَال وَالنَّفس اهـ. رَمْلِيٌّ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ دَافِعٌ لِلْمُخَالَفَةِ مِنْ أَصْلِهَا، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى الْإِتْلَافِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، فَهُوَ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَالثَّوْرِ النَّطُوحِ، بِخِلَافِ كَلْبِ الْعِنَبِ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لما قدمه الشَّارِح فِي أَوَاخِر بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْقَاضِي بَدِيعٍ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَائِطِ لَا فِي الْحَيَوَانِ اه. وَقَدْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِالضَّمَانِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فِي حِصَانٍ اعْتَادَ الْكَلَام وَكَذَا فِي ثَوْرٍ نُطَوِّح. قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْيَةِ فِي نَطْحِ الثَّوْرِ: يَضْمَنُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ النَّفْسَ وَالْمَالَ اه. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الضَّمَانِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ. اه. وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) مِنْ مَقُولِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ) أَيْ كَلْبِ الْعِنَبِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّهُ طَيْرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا أَرْسَلَ طَيْرًا سَاقَهُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ، وَهُنَا لَمْ يُرْسِلْهُ وَلَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا فَعَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ النَّحْلَ مَأْذُونَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) * (النَّحْل: 96) . قَوْلُهُ: (فِي مَعِينِهِ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمّى معِين الْمُفْتِي. قَوْله: (فَرَاجعه عِنْد التَّقْوَى) قد علمت الْمُوَافِقَ لِلْمَنْقُولِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً هُوَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ آخِرَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ جَارُهُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا جَوَابُ الْمَشَايِخِ) مِنْ أَنَّهُ يمْنَع إِذا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 الْفَتْوَى) الْأَوْضَحُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى ط. قَوْلُهُ: (حِمَارٌ يَأْكُلُ حِنْطَةَ إنْسَانٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْحِمَارُ لِغَيْرِ الرَّائِي، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: رَأَى حِمَارَهُ إلَخْ بِالْإِضَافَةِ إلَى ضمير الرَّائِي ح. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي أَحْكَامِ السُّكُوتِ مَا نَصُّهُ. أَقُولُ: فَلَوْ رَأَى حِمَارَ غَيْرِهِ يَأْكُلُ حِنْطَةَ الْغَيْر فَلم يمنعهُ صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى فأجبت بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ فِعْلَ حِمَارِهِ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَعَ رُجُوعِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ، وَإِمْكَانِ دَفْعِهِ فَقَوِيَتْ عِلَّةُ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ حِمَارِ الْغَيْرِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يَضْمَنُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسُقْهَا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي دَاره بعير فَأدْخل عَلَيْهِ آخر بَعِيرًا مُغْتَلِمًا أَوْ لَا فَقَتَلَ بَعِيرَهُ، إنْ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْمُغْتَلِمُ: الْهَائِجُ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ أَرْجَحِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَحْدَثَتْهُ الدَّابَّةُ مُطْلَقًا إذَا أَدْخَلَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْخِلْهَا فَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهَا ضَمِنَ الْمُرْسِلُ وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَلَهُ طَرِيقٌ آخر لَا يصمن لِمَا مَرَّ اه. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: سَائِقُ حِمَارِ الْحَطَبِ إذَا لَمْ يَقُلْ إلَيْك، إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا مَشَى الْحِمَارُ إلَى جَانِبِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، لَا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَلَمْ يَتَبَاعَدْ عَنْهُ وَوَجَدَ فُرْصَةَ الْفِرَارِ. وَجَدَ فِي زَرْعِهِ دَابَّةً فَأَخْرَجَهَا فَهَلَكَتْ: فَالْمُخْتَارُ إنْ سَاقَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ يَضْمَنُ، وَإِلَّا لَا، وَالدَّارُ كَالزَّرْعِ، لِأَنَّهَا تَضُرُّهُ، بِخِلَافِ الْمَرْبِطِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا. رَبَطَ حِمَارَهُ فِي سَارِيَةٍ فَرَبَطَ آخَرُ حِمَارَهُ فَعَضَّ حِمَارَ الْأَوَّلِ: إنْ فِي مَوْضِعٍ لَهُمَا وِلَايَةُ الرَّبْطِ لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا ضَمِنَ اه. مُلَخَّصًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ، شَرَعَ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَلَمَّا كَانَتْ جِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ وَأَخَوَيْهِ وَهُمْ مُلَّاكٌ قَدَّمَهَا. قَوْلُهُ: (لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ. قَوْلُهُ: (لَوْ مَحَلًّا) أَيْ لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ قِنًّا لم ينْعَقد لَهُ شئ من أَسبَاب الْحُرِّيَّة كالتدبير وَالِاسْتِيلَاد وَالْكِنَايَة. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقِيمَةً وَاحِدَةً) أَيْ إنْ لم يكن محلا لدفع بِأَن انْعَقَد لَهُ شئ مِمَّا ذركنا تُوجِبُ جِنَايَتُهُ قِيمَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ. قَوْلُهُ: (وَأُخْتَيْهِ) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ (إنَّمَا يُفِيدُ) أَيْ يُفِيدُ التَّخْيِيرُ الْآتِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 قَوْلُهُ: (فِي النَّفْسِ) أَيْ نَفْسِ الْآدَمِيِّ وَفِي 9 من التاترخانية فَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ أَوْ عَلَى الْمَالِ، فَفِي الْأَوَّلِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَفِي الثَّانِيَة بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْبَيْعِ اه. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهُ: مَحْجُورٌ جَنَى عَلَى مَالٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاع فِيهَا مَنْ اشْتَرَاهُ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ اه. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِعَمْدِهِ) حُذِفَ اسْمُ أَنَّ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ ط. قَوْلُهُ: (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ المَال فِي الْحَالين، إِذْ الْقصاص يَجْرِي بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْعَبِيدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبَدَائِعِ: وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ كَانَ جنى فِي حَال الرّقّ لَا شئ عَلَيْهِ اه. وَشَمِلَ الْمَحْجُورَ وَالْمَأْذُونَ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. أَقُولُ: وَفِي الْحجر الْجَوْهَرَةِ: لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يلْزم الْمولى شئ، وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. وَفِي الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ بَاطِل، وَلَو أعتق بعده لَا يتبع بشئ مِنْ الْجِنَايَةِ، أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ، فَلَا يَنْقَلِبُ حُكْمُهُ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ كَالْمَحْجُورِ فِيهَا اه. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ) أَيْ قُبَيْلَ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (دَفَعَهُ مَوْلَاهُ إنْ شَاءَ إلَخْ) أَيْ إنَّهُ يُخَيَّرُ تَخْفِيفًا لَهُ، إذْ لَا عَاقِلَةَ لِمَمْلُوكِهِ إلَّا هُوَ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (حَالًّا) أَيْ كَائِنًا كُلٌّ مِنْ الدَّفْعِ وَالْفِدَاء على الْحُلُول، لَان التَّأْجِيل فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَالْفِدَاءُ بَدَلُهُ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى، وَلَوْ مُفْلِسًا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُفلس الْفِدَاء يُؤَدِّيه مَتى وجد، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. دُرٌّ مُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ وَجَبَتْ الْجِنَايَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى، حَتَّى وَجَبَ التَّخْيِيرُ لَمَا سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْحُرِّ الْجَانِي إذَا مَاتَ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْقُطُ عَنْ عَاقِلَتِهِ. وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْل إِلَى الْفِدَاء كَمَا فِي مَال الزَّكَاةِ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْقِيمَةِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ. قَوْلُهُ: (وَلِذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِهِ) أَيْ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِانْتِقَالِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. وَأَطْلَقَ الْمَوْلَى فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَتِهِ أَو استخدامه، لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي، مَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَكُونُ تَعَدِّيًا، مِعْرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ عَمْدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِنْ خَطَأً أخد الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يصير للارش. جَوْهَرَة. قَوْله: (لَكِن فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة إلَخْ) هَذَا غَيْرُ الْمَشْهُورِ. فَفِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْأَسْرَارِ: أَنَّ الرِّوَايَةَ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ الْوَاجِب هُوَ العَبْد. قَوْله: (والجوهرة) عَطْفٌ عَلَى السِّرَاجِ وَقَوْلُهُ: عَنْ الْبَزْدَوِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّة اه ح. قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَيْ عَلَّلَ الْحُكْمَ وَهُوَ صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (أَصْلَ حَقِّهِمْ) أَيْ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَا ذَكَرَ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْحِيحِ الثَّانِي، لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ أَوَّلًا بِتَصْحِيحِ الْأَوَّلِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (وَأَفَادَ الخ) هَذَا قَول ثَالِث: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ التَّخْيِيرَ لتعيين الْفِدَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُخَيَّرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِسَدِيدٍ اه. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ مَتْنُ الْمَجْمَعِ. وَرَدَّ شَارِحُهُ بِهَذَا عَلَى مُصَنَّفِهِ فِي ادِّعَائِهِ أَنَّ فِي لَفْظِ مَتْنِهِ مَا يُفِيدُهُ ط مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فِدَاهُ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يفده فَجَنَى أُخْرَى كَانَ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْله: فَإِن جني جِنَايَتَيْنِ إلَخْ كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ كَالْأُولَى) لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَهَذَا ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (دَفعه بهما إلَخْ) فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ، وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ يَقْتَسِمَانِهِ أَثْلَاثًا، لِأَنَّ أَرْشَ الْعين على النّصْف من أرش النَّفْسِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الشَّجَّاتِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ مِقْدَارَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْعَبْدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَهَبَهُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَإِلَّا فَلَا، فَمِثَالُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ وَمِثَالُ الثَّانِي وَطِئَ الثَّيِّبَ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ، وَكَذَا التَّزْوِيجُ وَالِاسْتِخْدَامُ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُنْقَضُ بِالْأَعْذَارِ، وَقِيَامُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ عُذْرٌ، وَلِتَمَكُّنِ الرَّاهِنِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَعْجَزْ، وَكَذَا الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ، وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ، إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ اه. مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَاعَهُ) أَيْ بَيْعًا صَحِيحًا، وَلَوْ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي لَا لَوْ فَاسِدًا إلَّا إذَا سَلَّمَهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ، وَلَا لَوْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ نَقَضَهُ. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ الْأَقَلَّ إلَخْ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهُ، فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا، وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ بِدُونِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 الْعِلْمِ. هِدَايَةٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ أَقَلُّهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَكْثَرِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (كَبَيْعِهِ) يجب إِسْقَاطه لانه تَشْبِيه الشئ بِنَفس اه ح. قلت: وَيُمكن أَنْ يُرَادَ بَيْعُهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ مُغَايَرَةٍ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ اخْتِيَارًا، لَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ اه. قَوْلُهُ: (وَكَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ) لِأَنَّ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ الْقَتْلِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ الدِّيَةُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (بِقَتْلِ زَيْدٍ إلَخْ) أَيْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الدِّيَةَ، فَلَوْ علقه بعير جِنَايَة كَأَن دخلت الدَّار ثُمَّ دَخَلَ، أَوْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ كَإِنْ ضَربته بِالسَّيْفِ فَأَنت حر فَلَا شئ عَلَى الْمَوْلَى اتِّفَاقًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ يُفَوِّتْ الْمَوْلَى عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِتَعْلِيقِهِ شَيْئًا. عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (كَمَا يَصِيرُ فَارًّا) أَيْ مِنْ إرْثِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عِتْقَهُ دَلِيلُ وَتَصْحِيح الصُّلْحِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيُقْتَلُ أَوْ يُعْفَى) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول والضميران لِلْعَبْدِ وَصِلَةُ يُعْفَى مُقَدَّرَةٌ. قَوْلُهُ: (لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ) لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ، إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ، وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ، فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ. زَيْلَعِيٌّ. قَالَ ط: وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ رَدَّ الْعَبْدِ وَاجِبٌ عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ رَفْعًا لِلْعَقْدِ الْبَاطِلِ اه. وَفِي الْعِنَايَة صُلْحًا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَن الْمُوجب الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ. قَوْلُهُ: (فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَة: والاصحل أَن العَبْد إِذا جنى عَلَيْهِ دَيْنٌ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ دَفَعَ بِيعَ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شئ كَانَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِيعَ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ تَأَخَّرَ إلَى حَالِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ بِيعَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (بِلَا عِلْمٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ دِيَةُ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّهَا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: عَلَيْهِ قِيمَتَانِ: قِيمَةٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَة ولولي الْجِنَايَة، فَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَبْدَ الْجَانِي) أَيْ الْمَأْذُونَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ اهـ. قَوْله: (فقيمة وَاحِد لمَوْلَاهُ) أَي ويدفعهما لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ، وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَإِنَّمَا لَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ الْمَوْلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا بِالدَّفْعِ وَلَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا أَتْلَفَهُ، أَمَّا الْمَوْلَى فَهُوَ مُطَالَبٌ بِذَلِكَ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَاف أكسابها) فَإِنَّهَا يتَعَلَّق بِحَق الْغُرَمَاءِ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّ لَهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْكَسْبِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَد لَهُ الخ) قَالَ فِي الْعِنَايَة: إِن الْفَرْقُ بَيْنَ وِلَادَةِ الْأَمَةِ بَعْدَ اسْتِدَانَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَتهَا بعد جِنَايَتِهَا فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُبَاعُ مَعَهَا فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا اسْتِيفَاءً، حَتَّى صَارَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رقبَتهَا بِبيع أَلا هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَكَانَتْ: أَيْ الِاسْتِدَانَةُ مِنْ الاوصاف الشَّرْعِيَّة، فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّهْنِ، وَأَمَّا مُوجب الْجِنَايَة فالدافع أَوْ الْفِدَاءُ وَذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا، حَتَّى لَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ اسْتِخْدَامٍ، وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الْحِسِّيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ، فَلَا يَسْرِي لِكَوْنِهِ وَصْفًا غير قَارٍّ حَصَلَ عِنْدَ الدَّفْعِ، وَالسِّرَايَةُ فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْأَوْصَافِ الْحَقِيقِيَّةِ اه. قَوْلُهُ: (زَعَمَ رَجُلٌ) أَيْ أَقَرَّ. قَوْلُهُ: (فَقُتِلَ) ذَكَرَ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَهَا: وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (الْمُعْتَقُ) أَيْ فِي زَعمه. قَوْله: (فَلَا شئ لِلْحُرِّ) أَيْ الزَّاعِمِ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لانه لَا شئ عَلَى الْعَاقِلَةِ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَبْرَأَ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْعَاقِلَة من غير حجَّة اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ إبْرَاءً لِلْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ إعْتَاقًا، حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدَ) أَيْ دَفْعَهُ أَوْ فِدَاءَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ مُوجَبُ جِنَايَةِ الْأَحْرَارِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَهُمْ قَبِيلَةُ السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ كَمَا سَيَأْتِي. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (يُخَاطَبُ بِهِ مَوْلَاهُ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ المُصَنّف وَهُوَ غير لَازم. عبارَة الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ: قَالَ مُعْتَقٌ قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ، وَنَحْوه فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا، والهطب سَهْلٌ، إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَوْلَى والاجنبي، لَان قَول الْمولى: بل قتلته بَعْدَ الْعِتْقِ يُرِيدُ بِهِ إلْزَامَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَهُمْ قَبِيلَةُ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا عَاقِلَةُ الْمُعْتِقِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُرِفَ رِقُّهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ) وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَالِ) أَيْ مَالٍ لَمْ يَكُنْ غَلَّةً كَمَالٍ وُهِبَ لَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ ط. قَوْلُهُ: (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 أَيْ إذَا قَالَ جَامَعْتهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ أَخَذَتْ الْغَلَّةَ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، لَان وطئ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ بِالضَّمَانِ. ابْنُ كَمَالٍ. وَاسْتَثْنَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمَوَاهِبِ وَالزَّيْلَعِيِّ مَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَد المقرد لِأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِيَدِهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فَلِذَا أُمِرَ بِالرَّدِّ اه. قَوْلُهُ: (عَبْدٌ مَحْجُورٌ) قَيَّدَ بِالْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآمِرُ حُرًّا بَالِغًا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِي على عَاقِلَة الْآمِر بالمحجور، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا بَالِغًا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا حَيْثُ لَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عُنُقه) لَان عدم اعْتِبَار قَوْله كَانَ الْحق الْمَوْلَى لَا لِنُقْصَانِ الْأَهْلِيَّةِ، وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ. زَيْلَعِيٌّ. وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيد وقاضيخان فِي شَرْحَيْهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: لَا) هَذِهِ هِيَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحجر، وَهَذَا أوفق للقواعد اه. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَبَدًا) أَيْ وَإِنْ بَلَغَ. قَوْلُهُ: (عَبْدًا مِثْلَهُ) لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِكَوْنِ الْآمِرِ مَحْجُورًا، فَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا، أَوْ مَأْذُونًا يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ بَعْدَ الدَّفْعِ، أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْآمِرِ فِي الْحَالِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ، لَان الْآمِر بأَمْره صَار غَاصِب للْمَأْمُور. وَتَمَامه فِي الْكِفَايَة. لَو كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعُنُق إلَخْ) عَلَى قِيَاسِ الْقِيلِ الْمَارِّ لَا يَجِبُ شئ. أَفَادَهُ االزيلعي. قَوْلُهُ: (وَقِيمَةِ الْعَبْدِ) أَيْ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ إلَخْ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْفِدَاءَ وَكَانَ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ أُجْبِرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى قَبُولِهِ. قَوْله: (فَأعْتقهُ) قيد بِهِ لَان مَحَلُّ الْوَهْمِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ يَكُونُ الحكم كَذَلِك. وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَأَجْمعُوا أَن حافر الْبِئْرِ إذَا كَانَ عَبْدًا قِنًّا فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ وَمَاتَ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَتْبَعُ الْمَوْلَى بشئ سَوَاء دفع الْمولى إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ. وَتَمَامُهُ فِيهَا ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ) فَلَوْ الْوُقُوعُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، فَإِنْ وَقَعَ آخَرُ يُشَارِكُ وَلِيَّ الْأُولَى، لَكِنْ يَضْرِبُ الْأَوَّلَ بِقَدْرِ الدِّيَةِ، وَالثَّانِي بِقَدْرِ الْقِيمَةِ. مَقْدِسِيٌّ: أَيْ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ بِالْعِتْقِ وَقَعَ فِي الْأُولَى فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الثَّانِيَةِ فَلم تجب إِلَّا بِالْقيمَةِ، وَهَذَا لَوْ الْعِتْقُ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَيُشَارِكُ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ فِيهَا ولي الْأُولَى كَمَا أَفَادَهُ بَعْدُ اه. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيجب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) اعْتِبَارًا لِابْتِدَاءِ حَالِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ كَانَ رَقِيقَهُ ط. قَوْلُهُ: (إلَى الْحُرَّيْنِ) عِبَارَةُ الْمَتْنِ فِي الْمِنَحِ: إلَى الْآخَرَيْنِ، وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (أَوْ يَدْفَعُ نِصْفَهُ لَهُمَا) أَوْ بِمَعْنَى (إلَّا) وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ الْمَتْنِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَوْلًا عِنْدَهُ) تَفْسِيرُ الْعَوْلِ: هُوَ أَنْ تَضْرِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حِصَّتِهِ أَحَدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَالْآخَرَ بِكُلِّهِ. كِفَايَةٌ. فَثُلُثَاهُ لوَلِيّ الْخَطَإِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْكُلَّ، وَثُلُثُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ ولي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي النِّصْفَ، فَيُضْرَبُ هَذَانِ بِالْكُلِّ وَذَلِكَ بِالنِّصْفِ، قَوْلُهُ: (وَأَرْبَاعًا مُنَازَعَةً عِنْدَهُمَا) أَيْ ثَلَاثَة أَرْبَاعه لوَلِيّ الْخَطَأ وربعه لوَلِيّ الْعمد بطرِيق الْمُنَازعَة، فَيسلم النّصْف لوَلِيّ الْخَطَإِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَمُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ، فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا. مِنَحٌ. وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَة وَنَحْوهَا فالقسمة بِالْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ التَّضَايُقِ فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا فَيُضْرَبُ بِجَمِيعِ حَقَّةِ، وَإِنْ وَجَبَتْ لَا بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَ إنْسَانٍ كُلَّهُ وَآخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَهُمَا الْمَالِكُ، فَالْعَبْدُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَضِيقُ عَنْ الْحَقَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَربَاع العَبْد الْمَدْفُوع لوَلِيّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ، لِأَنَّ حق ولي الْعَمْدِ كَانَ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ، وَفَرَّغَ النِّصْفَ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ ولي الْخَطَأِ بِهَذَا النِّصْفِ، بِلَا مُنَازَعَةَ، بَقِيَ النِّصْفُ الآخر واستوت فِيهِ مُنَازعَة ولي الْخَطَأ والساكت فَنصف بَينهم، ولابي حنيفَة أَن أصل حَقّهمَا ح لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ بدل الْمُتْلف، وَالْقِسْمَة فِي غي الْعين بطرِيق الْعَوْل، وَهَذَا لَان حق ولي الْخَطَأِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَحَقُّ الْعَافِي فِي خَمْسَةٍ، فَيُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحِصَّةٍ، كَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ لِرَجُلٍ وَأَلْفٌ لِآخَرَ وَمَاتَ عَنْ أَلْفٍ فَهُوَ بَين الرجلَيْن أَثْلَاثًا، بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً. عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَ عَبْدُهُمَا قَرِيبَهُمَا) أَيْ قَتَلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ قَرِيبًا لَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَقَالَا يَدْفَعُ إلَخْ) لِأَنَّ نَصِيبَ مَنْ لَمْ يَعْفُ لَمَّا انْقَلَبَ مَالًا بِعَفْوِ صَاحِبِهِ صَارَ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَمَا أَصَابَ مِلْكَ صَاحِبِهِ لَمْ يسْقط وَهُوَ الرّبع، وَمَا أصا ب مِلْكَ نَفْسِهِ سَقَطَ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ الْإِمَامِ: أَيْ وَجْهُ قَوْلِهِ قَالَ فِي الْكِفَايَة: لَهُ أَن الْقصاص وجاب لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، فَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا احْتَمَلَ الْوُجُوبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَاحْتَمَلَ السُّقُوطَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ نَفْسِهِ، وَاحْتَمَلَ التَّنْصِيفَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِهِمَا شَائِعًا فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 تخلفه الْوَرَثَة فِيهِ) الْوَاجِب إِسْقَاطه لَان الْمَنْقُول لَيْسَ مَوْلًى لِلْقَاتِلِ. نَعَمْ يَظْهَرُ هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذُكِرَتْ هُنَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَة والزيلعي حكمهمَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ: مَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ كُلُّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الدِّيَةَ حَقُّ الْمَقْتُولِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ تَخْلُفُهُ، وَالْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ على عَبده دين فَلَا تخلفه الوراثة فِيهِ اه. وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ صَاحِبُ الدُّرَرِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى العَبْد قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَتْ هِيَ) أَيْ قِيمَتُهُ. قَوْلُهُ: (بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَهُوَ لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيَنْقُصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، هَذَا كالمروي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا السَّمَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَمَةِ) أَيْ يُنْقَصُ مِنْ دِيَتِهَا لَا مُطْلَقًا كَمَا ظَنَّ فَإِنَّهُ سَهْوٌ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ: أَيْ دِيَةِ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ: تجب قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت فِي مَاله فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أُخْرَى وَفِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا. قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا عَلَى مَا جُنِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّ الْمولى أقرب إِلَيْهِ مِنْهُم اهـ. قَوْلُهُ: (وَمَا قُدِّرَ) أَيْ مَا جُعِلَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ: أَيْ مِنْ أَرْشِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ جُعِلَ مُقَدَّرًا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي يَدِ الْحُرِّ مُقَدَّرٌ مِنْ الدِّيَةِ بِالنِّصْفِ، فَيُقَدَّرُ فِي يَدِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، لِأَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْحُرِّ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَنَحْوُهُ فَفِيهِ حُكُومَة كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا فقء الْعَيْنَيْنِ، فَإِنَّ مَوْلَاهُ مُخَيَّرٌ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا. تَأَمَّلْ. وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَطَعَ رِجْلَ عَبْدٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ: فَإِنْ مِنْ جَانِبِ الْيَدِ فَعَلَيْهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ الْيَدِ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ لِلرِّجْلِ، وَإِنْ قَطَعَ لَا مِنْ جَانِبِهَا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ الْيَدِ. وَتَمَامُهُ فِيهَا. هَذَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ: الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ اه: أَيْ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 يُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوحِ. قَوْلُهُ: (وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى) وَهُوَ الَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُلْتَقَى. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُحِيطِ: نُقْصَانُ الْخَمْسَةِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، بِخِلَافِ فصل الامة. سَلبِي اه ط. وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَجَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ: مُوضِحَةٌ لِعَبْدٍ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْحُرِّ تُقْضَى بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ فَعَلَيْهِ عُشْرُ الدِّيَةِ إلَّا دِرْهَمٌ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي لِحْيَتِهِ) أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتْ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْعُيُونِ عَنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَطْعِ أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ إذَا لَمْ تَنْبُتْ قِيمَتُهُ تَامَّةٌ إنْ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ. وَحَكَى الْقُدُورِيُّ فِي شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ الْحُكُومَةُ. قَالَ الْقَاضِي: الْفَتْوَى فِي قَطْعِ أُذُنِهِ وَأَنْفِهِ وَحَلْقِ لِحْيَتِهِ إذَا لَمْ تَنْبُتْ عَلَى لُزُومِ نُقْصَانِ قِيمَتِهِ كَمَا قَالَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إنْ مُسْتَهْلِكَةً بِأَنْ كَانَتْ تُوجِبُ فِي الْحُرِّ كَمَالَ الدِّيَةِ فَفِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ بِأَنْ أَوْجَبَتْ فِيهِ نِصْفَ الدِّيَةِ فَفِيهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ. الْأَوَّلُ: كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَأَمْثَالِهِ، وَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي: كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ وَقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ وَحَلْقِ الْحَاجِبَيْنِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ فِي رِوَايَةٍ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، وَفِي أُخْرَى مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي اه. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْيَدِ وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ، لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ، لِأَنَّهُ الْمِلْكُ على اعْتِبَار حَالَة الْجرْح والوراثة بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأُخْرَى، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ: وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْله: (لَان الْبَيَان كالانشاء) أَي إنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ صَلَاحِيَةُ الْمَحَلِّ لِلْإِنْشَاءِ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهِ لَا يَصِحُّ، وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يجْبر عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ ظِهَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا أُجْبِرَ، لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ وَالْعَبْدُ بَعْدَ الشَّجَّةِ مَحَلٌّ لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فديَة حر وَقِيمَة عبد) لَان ال عبد لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتَبَرْنَاهُ إظْهَارًا مَحْضًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَوَجَبَ مَا ذُكِرَ، وَيُنَصَّفُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَوْ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مَعًا) أَيْ لَوْ قَتلهمَا مَعًا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 فَلَو الْقَاتِل اثْنَيْنِ فيجئ، وَلَوْ وَاحِدًا وَقَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلْمَوْلَى وَدِيَةُ الْآخَرِ لِوَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ حُرٌّ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ) فَلَوْ اخْتَلَفَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ، فَيُقَسَّمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) فَلَوْ عَلِمَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِيمَةُ لِمَوْلَاهُ، وَعَلَى قَاتِلِ الثَّانِي دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلَيْنِ قَتَلَ حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُول، فَتجب الْقيمَة فِيمَا فَتَكُونُ نِصْفَيْنِ. بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ، لِأَنَّ مُوجَبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ) وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ. يُقَالُ: فَقَأَ عَيْنَهُ إذَا قَلَعَهَا وَاسْتَخْرَجَهَا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هُوَ يَجْعَلُ الضَّمَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَائِتِ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا فَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ الذَّاتِ فَقَطْ، وَحُكْمُ الْأَمْوَالِ مَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ، وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ، وَالْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ أَوْجَبَ مَا ذَكَرَ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ) أَيْ عَلَى النَّفْسِ خَطَأً أَوْ على مَا دونهَا. جَوْهَرَةٌ. فَلَوْ جَنَى عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لِمَالِكِهِ بَالِغَةً مَا بلغت، وَلَا شئ عَلَى الْمَوْلَى. ط عَنْ الْمَكِّيِّ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمكَاتب فَهِيَ فِي نَفْسِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَدُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ. وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ السَّيِّدُ) أَيْ فِيمَا لَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةً. جَوْهَرَةٌ. وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا تَسْلِيمَهُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ، فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَصْفِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ. وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ دُرٌّ مُنْتَقَى: أَيْ لَا يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ، وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا وَالْمُدَبَّرُ ثُلُثَاهَا. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (لِقِيَامِ قِيمَتِهَا) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ، وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكثر من الْعين، وَقيمتهَا تقوم مَقَامَهَا. قَوْلُهُ: (يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ إلَخْ) أَيْ فِي الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَحْوَالِ فَلَوْ قَتَلَ حُرًّا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ضَمِنَ سَيِّدُهُ أَلْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْسَطِ، يَأْخُذُ وَلِيُّهُ أَلْفًا وَاحِدَةً إذْ لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 حَالَ جِنَايَتِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ وَقَدْ أَبْقَيْنَاهَا، وَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَخِيرِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، فَنِصْفُ الْأَلْفِ الْبَاقِيَةِ بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالْأَوْسَطِ يَضْرِبُ فِيهَا الْأَوَّلُ بِدِيَتِهِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَالْأَوْسَطُ بِالْبَاقِي لَهُ وَهُوَ تِسْعَة آلَاف، صم الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَيَضْرِبُ الثَّالِثُ بِكُلِّ الدِّيَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْبَاقِينَ بِغَيْرِ مَا أَخَذَ اه. مُلَخَّصًا مِنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ) أَيْ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهِ. قَوْله: (أتبع السَّيِّد) لدفه حَقَّهُ بِلَا إذْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَرَجَعَ) أَيْ السَّيِّدُ بِهَا عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) لِقَبْضِ حَقِّهِ ظُلْمًا، وَإِنَّمَا خُيِّرَ فِي التَّضْمِينِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَهُ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا فَتُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا. أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالا لَا شئ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ) أَلْ لِلْجِنْسِ: أَيْ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَاتِ ط. قَوْلُهُ: (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ) أَيْ بَلْ بِقِيمَتِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا) يُحْتَمَلُ أَنْ يكون الضَّمِير فِي يكن للْعَبد ومفوتا بِصِيغَة اسْمُ الْمَفْعُولِ، وَأَنْ يَكُونَ ضَمِيرُهُ إلَى الْمَوْلَى وَمُفَوِّتًا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ط. قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِمَا ط. قَوْله: (بِجِنَايَة توجب المَال) المُرَاد بِهِ جِنَايَةُ الْخَطَأِ. أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يجز إِقْرَاره) وَلَا يلْزمه شئ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ. مُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَنَى الْمُدَبَّرُ) مِثْلُهُ أُمُّ الْوَلَدِ ط. قَوْلُهُ: (لَمْ تَسْقُطْ قِيمَتُهُ عَنْ مَوْلَاهُ) لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَدْبِيرِهِ، وَبِالْمَوْتِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (سَعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ. دُرَرٌ. وَذَكَرَ السَّائِحَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدَهُ، فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتَيْنِ عِنْد الامام إِحْدَاهمَا النَّقْض الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَهِيَ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، ثُمَّ عَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى بِقَتْلِ مَوْلَاهُ، لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْده، وَالْمكَاتب إِذا قَتَلَ مَوْلَاهُ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدِّيَة وَالْقيمَة هُنَا أَقَلُّ. وَقَالَا: يَسْعَى فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ اه. قَوْلُهُ: (قَتَلَهُ الْوَارِثُ أَوْ اسْتَسْعَاهُ إلَخْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ إلَخْ. دُرَرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 فصل فِي غصب الْقِنّ وَغَيره الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ: الْمُدَبَّرُ وَالصَّبِيُّ، وَالْمُرَادُ حُكْمُ جِنَايَتِهِمْ حَالَةَ الْغَصْبِ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ جِنَايَتَهُمَا مَعَ غَصْبِهِمَا، لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ، ثُمَّ جَرَّ كَلَامُهُ إلَى بَيَان غصب الصَّبِي اهـ. قَوْلُهُ: (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ إلَخْ) فَلَوْ الْقَاطِعُ أَجْنَبِيًّا: فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا، وَلَوْ خَطَأً، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ وَرَجَعَتْ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ مَقْطُوعًا، أَوْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا، وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي الْبَاقِي. كَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ فُرُوعٍ فِي الْمَقْدِسِيَّ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا) لِاسْتِيلَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) أَيْ فِي حَالِ رِقِّهِ. عِنَايَةٌ. حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (لَا بِأَقْوَالِهِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي رِقِّهِ وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَأَمَّا فِيمَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْقصاص فيؤاخذ بِهِ فِي الْحَال كالافعال. أَفَادَ فِي الْعِنَايَة. أما الْمَأْذُونُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْأَقْوَالِ أَيْضًا عِنْدَنَا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَاحِدَةٌ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ. زَيْلَعِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ، لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَلْزَمَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَرَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ: نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِب، وَالنّصف الاخر بِسَبَب وجده عِنْدَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهِ) أَيْ النِّصْفَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْغَاصِبِ، وَهَذَا الدَّفْعُ الثَّانِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَخْ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ حَقَّهُ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ ابْن كَمَال: أَي وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِي. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِمُزَاحَمَةِ الثَّانِي، فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارغًا أَخذه إتماما لحقه اهـ. وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ: إنَّ جَنَابَة الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً، وَهُنَا أَوْجَبَتْ قِيمَةً وَنِصْفًا وَأُجِيبَ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَةُ فِي يَدِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 رَجَعَ الْمولى بِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ، لانه وصل إِلَى الوليين تَمَامُ حَقِّهِمَا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى كَانَت فِي يَده مَالِكِهِ) أَيْ وَمَا دَفَعَهُ الْمَالِكُ ثَانِيًا إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْمُدَبَّرِ: أَيْ أَنَّ التَّصْوِيرَ السَّابِقَ بِالْمُدَبَّرِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا عَنْ الْقِنِّ، وَيَأْتِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ) لِإِمْكَانِ نَقْلِهِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ إلَى الْوَلِيَّيْنِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَغَصَبَ ثَانِيًا) أَيْ فَغَصَبَهُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ غَصْبًا ثَانِيًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (فَغَصَبَهُ) بِالضَّمِيرِ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا) أَي للوليين لانه متعهُ بِالتَّدْبِيرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِمَا) أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَهُ: أَيْ الْغَاصِبِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ، لِأَنَّ إحْدَاهُمَا عِنْدَهُ فَلِذَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ. قَوْلُهُ: (وَرَجَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ النِّصْفِ) أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي كُلِّهَا) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَمُدَبَّرٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ لِلْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا. كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لَكِنَّ الْفَرْقَ الْآتِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الصَّبِي، فَإِن الصَّبِي الَّذِي يُزَوجهُ وليه عير مُقَيَّدٍ بِذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِغَصْبِهِ إلَخْ) فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَصْبِ بطرِيق المشاكلة، وَهُوَ أَن يذكر الشئ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَجْأَةً) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ أَوْ بِالْفَتْحِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ بِلَا مَدٍّ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (بِصَاعِقَةٍ) أَيْ نَارٍ تَسْقُطُ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ كُلِّ عَذَابٍ مُهْلِكٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، فَيَشْمَلُ الْحَرَّ الشَّدِيدَ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ وَالْغَرَقَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي مِنْ مَكَان عَال كَمَا فِي الْخَانِية وَغَيْرِهَا. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ غَصْبَ الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، فَهَذَا أَوْلَى. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ: هُوَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا بِالْغَصْبِ بَلْ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا، وَقد أَزَال حفظ الْمولى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 فَيُضَافُ الْإِتْلَافُ إلَيْهِ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهُوَ فِي يَد نَفسه وَلَوْ صَغِيرًا وَلِذَا لَا يُزَوِّجُهُ أَحَدٌ، فَهُوَ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ فِي يَدِ وَلِيِّهِ وَلِذَا يُزَوِّجُهُ اه. مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمَكَانُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ فَيَضْمَنُ، لَا بِسَبَبِ الْعَدْوَى لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهِ بَاطِلٌ، بَلْ لِأَنَّ الْهَوَاءَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرٌ فِي بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِ كَالْغِذَاءِ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ) أَيْ الْغَالِبِ فِيهَا الْهَلَاكُ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى. قَوْله: (ضمن) لَان الْمَغْصُوب عجز عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صُنِعَ فِيهِ. عِنَايَةٌ. وَكَذَا يَضْمَنُ لَوْ صَنَعَ بِالْمُكَاتَبِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (فَحُكْمُ صَغِيرٍ كَكَبِيرٍ مُقَيَّدٍ) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: فَحُكْمُ كَبِيرٍ مُقَيَّدٍ كَصَغِيرٍ. لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّغِيرِ مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُتُون، وَمَسْأَلَة الْكَبِير ذكرهَا الشَّارِح عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: اسْتَشْكَلَ هَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ كَتَّفَ شَخْصًا وَقَيَّدَهُ وَأَلْقَاهُ فَأَكَلَهُ السَّبُعُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَة، وَلَكِن يعزز وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ. وَعَنْ الْإِمَامِ: إنَّ عَلَيْهِ الدِّيَة. وَلَو قمط صَبيا وألقه فِي الشَّمْسِ أَوْ الْبَرْدِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. كَذَا فِي الْحَافِظِيَّةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ الْقَوْلَ بِالضَّمَانِ فِي الْحُرِّ الْكَبِيرِ الْمُقَيَّدِ مَحْمُولٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ اه. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ. وَأَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْمِعْرَاجِ حَيْثُ قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ حَبَسَ إنْسَانًا فَمَاتَ مِنْهُ مِنْ الْجُوعِ، لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ حَابِسُهُ اه. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّبِيِّ عَلَى اسْتِحْسَانٍ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْكَبِيرَ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا، وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقيَاس، وَالِاسْتِحْسَان رَاجع عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِلِاسْتِحْسَانِ، فَقَدْ يَدَّعِي تَرْجِيحه بِذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ حَبَسَهُ فَمَاتَ جُوعًا فَعَدَمُ ضَمَانِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَنَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ فَلَا يُضَافُ لِلْجَانِي، بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَلَا تُشْكِلُ عَلَى مَسْأَلَتِنَا، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بِالْأَبْدَانِ. رَحْمَتِيٌّ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الزَّوْجُ مَكَانَهَا، وَمِثْلُهُ أَقَارِبُهَا فِيمَا يَظْهَرُ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ تَمُوتُ) أَيْ أَوْ يَعْلَمُ مَوْتَهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ (أَوْ يَمُوتُ) أَيْ إلَى أَن يَمُوت ط. قَوْله: (فعلى عَاقِلَةِ الْخَتَّانِ نِصْفُ دِيَتِهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ حُرًّا وَلَوْ عَبْدًا يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَوْ تَمامهَا، لَان الْمَوْت حصل يفعلين أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْقَلَفَةِ، وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، فَيَجِبُ نِصْفُ الضَّمَانِ. أَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ. مِنَحٌ وَعَزَا الْمَسْأَلَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 إِلَى الْخَانِية والسراجية، وَذكر نظمها للعلامة الطرسوسي سؤالا وَجَوَابًا. قَوْلُهُ: (فَمَا عَلَيْهِ إلَخْ) مَا الْأُولَى مَوْصُولَةٌ، وَالثَّانِيَةُ نَافِيَةٌ، خِلَافُ مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ زِيَادَتِهَا بَعْدَ إذَا، وَالْمَعْنَى: إنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَقْتَ عَدَمِ الْمَوْتِ يُشْطَرُ: أَيْ يُنَصَّفُ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَسْيِيرٌ) أَمَّا لَوْ سَيَّرَهَا وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا انْقَطَعَ التَّسَبُّبُ بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) ذَكَرَ عِبَارَتَهَا فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ) تَصْرِيحٌ بِمَا أفادته كَاف التَّشْبِيه، لَكِن الْمَضْمُونُ فِي الْمُشَبَّهِ الدِّيَةُ وَهُنَا الْقِيمَةُ، وَعَبَّرَ الْهِدَايَةِ هُنَا بِالدِّيَةِ أَيْضًا اعْتِمَادًا عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ دِيَةَ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا) أَيْ مَثَلًا. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ إلَخْ) سَيُذْكَرُ مُحْتَرَزُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَهُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ حَقُّ مَالِكِهِ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ الْمَمْلُوكِ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ مَوْلَاهُ، وَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ، وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِهِ، فَلَا ينلك تَمْكِين غَيره مِنْهُ. أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْلُهُ: (يَضْمَنُ) أَيْ فِي الْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أُودِعَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ مَالًا) أَيْ وَقَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَلَكِنْ قَبِلَهَا بِإِذْنِهِ فَاسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ لَوْ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَضْمَنُ فِي الْحَالِ. وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، أَوْ فِيمَا دُونَهَا أُمِرَ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ إجْمَاعًا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَاحِدٌ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْله: (لَو كَانَ بِإِذْنٍ) أَيْ لَوْ كَانَ أُودِعَ الطَّعَامَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَ: أَيْ فِي الْحَالِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمَارِّ: بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بِلَا وَدِيعَةٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيمٌ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهُ لِلْحَالِ) لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُنْتَقَى إلَخْ) أَيْ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ مَذْهَب فَخر الاسلام، ذكره فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ ط: فَتَحَصَّلَ أَنَّهُمَا طَرِيقَتَانِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ اه. تَتِمَّةٌ: صَبِيٌّ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ: فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ نَفْسَهُ لَا شئ على الابوين، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا لَوْ فِي حِجْرِهِ. كَذَا عَنْ نُصَيْرٍ. وَعَن أبي الْقَاسِم: لَا شئ عَلَيْهِمَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَاخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَسْقُطَ مِنْ يَدِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ظَهِيرِيَّةٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. بَاب الْقسَامَة لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يؤول إلَى الْقَسَامَةِ، ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ: عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ لُغَةً بِمَعْنَى الْقَسَمِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ: اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْقَسَامَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا مَصْدَرٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ حَيْثُ قَالَ: الْقسَامَة بِالْفَتْح الْيَمِينُ كَالْقَسَمِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَقْسَمَ قَسَمًا وَقَسَامَةً: إذَا حَلَفَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: الْقَسَمُ الْيَمِينُ، يُقَالُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ إقْسَامًا، وَقَوْلُهُمْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقَسَامَةِ اسْمٌ مِنْهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ، وَاخْتَارَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْأَوَّلَ، وَاخْتَارَ منلا مِسْكين الثَّانِي اه ط. قَوْلُهُ: (بِسَبَبٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مِلْكٌ لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ. قَوْلُهُ: (وَعَدَدٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ خَمْسُونَ يَمِينًا. قَوْلُهُ: (عَلَى شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مَخْصُوصِ النَّوْعِ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَوْ الْمَالِكُ الْمُكَلَّفُ، وَلَوْ امْرَأَةً الْحُرُّ، وَلَوْ يَدًا كَمُكَاتَبٍ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحل مَمْلُوك لَهُ، وَهَذِه إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ الشُّرُوطِ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوص) إِشَارَة إِلَى بَاقِي الشُّرُوطِ، مِنْهَا كَوْنُ الْعَدَدِ خَمْسِينَ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، وَقَوْلُهُمْ فِيهَا: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، وَكَوْنُهَا بَعْدَ الدَّعْوَى والانكار، وَبعد طَلَبِهَا، إذْ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَوُجُودُ أَثَرِ الْقَتْلِ فِيهِ، وَأَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ، فَقَدْ تَضَمَّنَ مَا ذَكَرَهُ بَيَانَ مَعْنَى الْقَسَامَةِ وَسَبَبِهَا وَشَرْطِهَا. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَرُكْنُهَا: إجْرَاءُ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى لِسَانِهِ. وَحُكْمُهَا: الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ إنْ حَلَفُوا وَالْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ إنْ أَبَوْا إِن ادّعى الْوَلِيّ الْعمد، بِالدِّيَةِ عِنْد النّكُول إِن ادّعى خطأ، ومحاسنها حظر الدِّمَاء وصيانتها عَن الاهدار، وخلا ص الْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَدَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. قَوْلُهُ: (مَيِّتٌ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ وُجِدَ جريح فِي مَحَله، فَنقل مِنْهَا وَبَقِي ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا. قَوْلُهُ: (حُرٌّ) أَمَّا الْعَبْدُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا الْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب والمأذون والمديون، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ فَهَدَرٌ، إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ فَفِيهِمَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ حَالَّةً لِلْغُرَمَاءِ فِي الْمَأْذُونِ، وَفِي ثَلَاث سِنِين فِي الْمكَاتب كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبَدَائِعِ، وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَجْنُونًا) دَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَخَرَجَ الْبَهَائِمُ، فَلَا شئ فِيهَا كَمَا سِيَاتِي. قَوْلُهُ: (بِهِ جُرْحٌ إلَخْ) سَيَأْتِي محترزاته مَتْنًا. قَوْلُهُ: (فِي مَحَلَّةٍ) بِالْفَتْحِ: الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ. ط عَنْ الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسِهِ) وَلَوْ مَشْقُوقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 بِالطُّولِ. مِنَحٌ: أَيْ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، وَأَمَّا إذَا شُقَّ طُولًا بِدُونِهِ أَوْ شُقَّ الرَّأْسُ مَعَهُ فَلَا قَسَامَةَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فِي مَتْنِهِ ط. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ وُجِدَ إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْجُودَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ، وَصَلَاة الْجِنَازَة فِي هَذَا الْبَاب تنسحب على الْأَصْلِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِتَكْرَارِ الْقَسَامَةِ إلَخْ) أَيْ وَالدِّيَةُ بِأَنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ مِنْ بَدَنِهِ مَعَ رَأْسِهِ فِي مَحَلٍّ وَالْبَاقِي فِي مَحَلٍّ آخَرَ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْأَقَلِّ لَزِمَ وُجُوبُهُمَا فِي الْأَكْثَرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (إذْ لَوْ عَلِمَ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ. قُهُسْتَانِيٌ: أَيْ إقْرَارُ الْقَاتِلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. قَوْله: (وَادّعى وليه الخ) أَشَارَ إِلَى مِنْ شُرُوطِهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، إذْ الْيَمِينُ لَا تَجِبُ بِدُونِهَا كَمَا فِي الطُّورِيِّ وَقَدَّمْنَاهُ، وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ولي وَهل يَدَّعِيهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا عَن شرح الْحَمَوِيّ أنصه توقف فِي التخير الَّاتِي، حَيْثُ لَا ولي، هَلْ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ الْخَمْسِينَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ: فَليُرَاجع (1) . قَوْلُهُ: (أَوْ ادَّعَى عَلَى بَعْضِهِمْ) وَلَوْ مُعَيَّنًا بِخِلَاف مَا لَو ادّعى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا. قَوْلُهُ: (حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَهَذَا إنْ طَلَبَ الْوَلِيُّ التَّحْلِيفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّمْلِيُّ، وَإِذَا تَرَكَهُ فَهَلْ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُمْ أَمْكَنَ ظُهُورُ الْقَاتِلِ، لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: (وَقَوْلُهُ يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيّ) نَص على أَن الْخِيَار للْوَلِيّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، وَلَوْ اخْتَارَ أعمى أَو محدودا فِي قذف جَازَ لانهما يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ اه. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَقَابُلِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ. قُهُسْتَانِيٌ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ قَتْلِهِ، نفي عِلْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ، فَيَتَجَرَّأُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ: يَعْنِي جَمِيعًا، وَلَا يَعْكِسُ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتلا. وَفَائِدَته قَوْلِهِ: (وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ مَرْدُودَةٌ أَنْ يُقِرَّ الْحَالِفُ عَلَى عَبْدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَوْ يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُصَدِّقُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُول فَيسْقط الحكم على أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَالَ قَتَلَهُ زَيْدٌ يَقُولُ فِي حلفه لَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اللَّوْثُ: أَنْ يَكُونَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ. وَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ: أَنَّهُ إنْ وُجِدَ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ للْمُدَّعِي: فَإِن حلف أَنهم قَتَلُوهُ خطى فَلهُ الدِّيَة عَلَيْهِم،   (1) قَوْله: (وَقَالَ فَليُرَاجع) نقل مَوْلَانَا على الحانوتي مَا يُفِيد أَن للامام الدَّعْوَى والتخيير مستدلا عَلَيْهِ بِملكه الْقصاص فِي قتل من لاولي لَهُ عمدا قَالَ فَإِن من ملك الْقصاص ملك الْقسَامَة بالاولى، لكَونه أنزل مِنْهُ وَأَيْضًا من لاولى لَهُ يكون مِيرَاثه لبيت المَال فالامام يكون مُدعيًا ملا لبيت المَال وَله لَك جزما اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 أَوْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفُوا، فَإِنْ حلفوا لَا شئ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ وَالدِّيَةُ فِي قَول وَإِن لم يكن الظَّاهِر شَاهد لِلْمُدَّعِي حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَحَيْثُ لَا لَوْثَ فَقَوْلُهُ كَقَوْلِنَا. وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَحْلِفُ عِنْدَنَا، وَعِنْده يحلف. وَالثَّانِي: بَرَاءَة أهل الْمحلة من الْيَمِينِ اه مِنْ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيَانُ الْأَدِلَّةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَاللَّوْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي لُغَاتِ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (وَقَضَى مَالِكٌ بِالْقَوَدِ) أَيْ عَلَى وَاحِدٍ يَخْتَارُهُ الْمُدَّعِي لِلْقَتْلِ مِنْ بَيْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي شرح الْمجمع) وَكَذَا فِي غرر الافكار والشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ ابْنَ الْكَمَالِ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، بَلْ قَالَ: ثُمَّ قُضِيَ عَلَى أَهْلِهَا بِدِيَتِهِ وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ. ثُمَّ فَرَّقَ ابْنُ الْكَمَالِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ هُنَا، وَكَذَا أَطْلَقَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَفِي الْمَبْسُوطِ: ثُمَّ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ حَالَهُمْ هُنَا دُونَ حَالِ مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ خَطَأً، وَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ هُنَاكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَعَلَى قَوْلِ زفر كِلَاهُمَا على الْعَاقِلَة اه مُلَخصا. قُلْت: وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ هُنَا مُجَرَّدُ دَعْوَى إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ، فَهُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ حَالِ مَنْ بَاشر الْقَتْل الْخَطَأ عيَانًا فتتمله الْعَاقِلَة بالاولى، وَإِن كَانَ الدَّعْوَى بِقَتْلِ الْعَمْدِ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، هَذَا، وَعِبَارَاتُ الْمُتُونِ مُطْلَقَةٌ فِي أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِدَعْوَى الْعَمْدِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ، أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ كَمَا فَعَلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَاتِلَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَة، فَيحْتَمل مَعَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، فَكَذَا هُنَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِمْ وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَعَلَيْهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوا حُكْمًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَتَلُوا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِين) أَتَى بِلَفْظ أَي لَان ابْن الْكَمَال لنم يَذْكُرْهُ، لَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا قِيمَةُ الْقِنِّ) أَيْ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ تَكْرَارَهُ) أَيْ عَلَى بَعْضِهِمْ كَأَنْ اخْتَارَ الصُّلَحَاءَ مِنْهُمْ مَثَلًا وَلَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ لَا يُكَرِّرُ عَلَيْهِمْ، بَلْ يَخْتَارُ تَمَامَ الْخَمْسِينَ مِنْ الْبَاقِينَ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَحْلِفَ) أَيْ أَوْ يُقِرَّ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 يُحْكَمْ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا نَفْسُ الْحق تَعْظِيمًا لامر الدَّم لَا بدل عَنْ الدِّيَةِ وَلِذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَالِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ وَلِذَا تَسْقُطُ بِالْأَدَاءِ. أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. وَهَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا) وَهُوَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الْحَبْسُ بِالنُّكُولِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي الْخَطَأِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، فَيُقْضَى بِهِ عِنْدَ النُّكُولِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: هَذَا مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ عِبَارَتَهَا فِي الْمِنَحِ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمُجْتَبَى وَالْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا اه. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَبْدِهِ) أَيْ فِي الْخَطَأ. أما الْعمد الْمُوجب للْقصَاص قد تَقَدَّمَ عَدَمُ قَبُولِهِ عَلَى عَبْدِهِ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَو على غَيره) أَي وَلَيْسَ فِي مَحَلَّتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (سَقَطَ التَّحْلِيفُ إلَخْ) وَكَذَا فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِ وَصَدَّقَهُ وَلِيُّهُ سَقَطَ التَّحْلِيفُ عَنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ، وَالنُّصْرَةُ لَا تَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، لَان الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ اه. زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي قَسَامَةِ قتيلها، فَلَا يُنَافِي مَا سيأني مَتْنًا مِنْ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ لَهَا، وَلَا مَا ذَكَرَهُ الطُّورِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مُكَاتَبٍ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِهِ، وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ اه. وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْمَأْذُونِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنْ تَجِبَ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَوْلَى، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَو أقرّ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأ لَا يَصح إقْرَارُهُ فَلَا يَحْلِفُ اه. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ فَالْهَمْزَةُ مَكْسُورَةٌ وَالضَّمِيرُ لِلْمَيِّتِ الَّذِي لَا أَثَرَ بِهِ اه ح. قَوْله: (والغرامة) أَيْ الدِّيَةُ تَتَّبِعُ فِعْلَ الْعَبْدِ: أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ فِعْلُهُ، وَكَذَا الْقَسَامَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ وَلَمْ يُحْتَمَلْ لِعَدَمِ أَثَرِهِ فَلَا تَجِبُ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَسِيلُ دَمٌ) عَطْفٌ عَلَى لَا أَثَرَ بِهِ اه ح. قَوْلُهُ: (مِنْ فَمِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ: أَنَّ هَذَا إذَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ، فَإِنْ عَلَا مِنْ الْجَوْفِ فَقَتِيلٌ. قُهُسْتَانِيٌ وَأَتْقَانِيٌّ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ) فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ لِرُعَافٍ، وَمِنْ الدُّبُرِ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ أَوْ أَكْلِ مَا لَا يُوَافِقُ، وَمِنْ الْإِحْلِيلِ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ، أَوْ ضَعْفِ الْكُلَى أَوْ الْكَبِدِ، أَوْ شِدَّةِ الْخَوْفِ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْأَوْلَى: لَوْ عُلِمَ مَوْتُهُ بِحَرْقٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُحَالَ الْقَتْلُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ قَوِيٍّ يَمْنَعُ وُجُوبَهُمَا كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ) فَإِنَّهُ دَلَالَةُ الْقَتْلِ ظَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِفِعْلٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 حَادِثٍ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ نِصْفٍ مِنْهُ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَيِّتٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. أَفَادَهُ ح. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْأَقَلِّ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ: لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِتَكْرَارِ الْقَسَامَةِ فِي قَتِيلٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا، وَإِن كَانَ نَاقص الْخلق فَلَا شئ عَلَيْهِم لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ، (وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ) مَا يُخَالِفهُ وَنَصهَا: وَالْجَنِينُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمَحَلَّةِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ اه. أَقُولُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (كَانَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ فِيهِمْ، بَلْ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ اه. ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ. وَكَالْمَحَلَّةِ الْمِلْكُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ التاترخانية. قَوْلُهُ: (وَسَقَطَتْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ ذَلِكَ وَبَاقِيهِمْ حَاضِرٌ سَاكِتٌ، وَلَوْ غَائِبًا لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي وَكِيلًا عَنْهُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَآخَرُ عَمْرٌو وَآخَرُ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ، فَلَا تَكَاذُبَ وَسَقَطَتْ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ إنْ بَرْهَنَ الْوَلِيُّ فِيهَا وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ: أَيْ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ، وَإِنْ فِي الْقِصَاصِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَهُ وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ اه، مُلَخَّصًا. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا تَسْقُطُ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، مَوَاهِبُ، لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهَا ابْتِدَاءً عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي مَا شَرَعَهُ الشَّارِعُ، فَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: تَسْقُطُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الاصول: أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَيُقَالُ: لِلْوَلِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَالَ لَا، يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ، فَإِذَا حَلَفَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ أَوْ لم يكن مِنْهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ. قُهُسْتَانِيٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تكن ملكا لَهُم، وَحِينَئِذٍ فَالْفرق بَين الدَّابَّة وَالدَّارِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ سَاكِنِهَا، كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الدَّارَ لَا تَنْقَطِعُ يَدُ مِلْكِهَا عَنْهَا فِي الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَإِنْ أجرهَا، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لِذِي الْيَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْقَتِيلِ وَالثَّانِي للسائق، وَكَذَا قَوْله: قصار كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) أَيْ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِن لم تكن ملكا لَهُم) إِن وصيلة: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ أَوْ لَا، وَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمْ بِأَنْ كَانَ هُوَ السَّائِقُ مَثَلًا وَالْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 أَجْنَبِيٌّ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ: لَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ مَالِكٍ وَرَاكِبٍ لِأَنَّهَا تُنْقَلُ وَتَحُولُ فَالضَّمَانُ فِيهَا بِثُبُوتِ الْيَدِ لَا بِالنُّصْرَةِ كَالدَّابَّةِ اه أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِيَدِهِمْ) إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ الْمَارِّ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَخْ) هَذَا لَا يَخُصُّ السَّائِقَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ مِثْلَهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الرَّمْزِ: حَمَلُوا جِنَازَةً ظَاهِرَةً فَإِذَا هُوَ قَتِيلٌ لَا شئ فِيهِ، أَبُو السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ) لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أبي يُوسُف فِي غير رِوَايَة الْأُصُولِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ مِسْكِينٌ، إذْ لَوْ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ نَحْوُهُ فَقَدْ مَرَّ آنِفًا. قَوْلُهُ: (أَوْ قَبِيلَتَيْنِ) أَوْ سِكَّتَيْنِ أَوْ مَحَلَّتَيْنِ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ مِنْ الْقَتِيلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ، وَإِلَّا فَعَلَى مَالِكِهِ. قُهُسْتَانِيٌ وَيَأْتِي قَرِيبًا. وَقَالَ: وَفِيه إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بَيْنَ أَرْضِ قَرْيَةٍ وبيوت قَرْيَةٍ فَعَلَى الْأَقْرَبِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا) فَلَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَلْفُ رَجُلٍ وَفِي الْأُخْرَى أَقَلُّ، فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَرْيَتَيْنِ نِصْفَانِ بِلَا خِلَافٍ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الدَّعْوَى مِنْ الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَى إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْفَ الْحُكْمُ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي بَحْثًا أَنَّهُ لَوْ ادّعى على إِحْدَى المستويتين لَا تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ عَنْ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْبُعْدَى فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْهُ لِلْقُرْبَى، لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَحْدَهَا، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ من غير أهل الْمحلة، ليراجع. قَوْله: (وَقيد الدَّابَّة اتفاقي) فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ طَرِيحًا بَيْنَهُمَا ط. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ سَمَاعِ الصَّوْتِ مِنْهُمْ) عَبَّرَ عَنْهُ الزَّيْلَعِيّ وَصَاحب الْهِدَايَة بقيل، لَكِن جزم بِهِ فِي الْخَانِية والولجية وَتَبِعَهُمَا ابْنُ كَمَالٍ وَصَاحِبُ الدُّرَرِ، وَجَعَلَهُ مَتْنًا كَالْمُصَنِّفِ، وَكَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَمُفَادٌ أَنه إِن لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الصَّوْتُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ مَمْلُوكًا أَوْ عَلَيْهِ يَدٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ. قَوْلُهُ: (هَكَذَا عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ) أَيْ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا مِثْلُ مَا فِي الدُّرَرِ، وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ الْكُلِّ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَقَوْلُهُ: مِنْهُمْ صِلَةُ سَمَاعٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْهُ حَالٌ مِنْ الصَّوْتِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكَافِي، عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَهُوَ يَسْمَعُ صَوْتَهُمْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَدَارُ الضَّمَانِ عَلَى نِسْبَةِ التَّقْصِيرِ إلَيْهِمْ بِعَدَمِ إغَاثَتِهِ كَانَ الْمَلْحُوظُ سَمَاعَهُمْ صَوْتَهُ لَا بِالْعَكْسِ، فَأَوْرَدَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الدُّرَرِ وَغَيرهَا لبَيَان المُرَاد فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لَا يَسْمَعُونَ) كَذَا فِيمَا رَأَيْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 مِنْ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا لِيُنَاسِبَ التَّعْلِيلَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ مَوْقُوفًا عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ) خَرَجَ بِهِ غَيْرُ الْمَعْلُومِينَ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ بَحْثًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ) فِيهِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْوَقْتِ لِوَاقِفِهِ أَوْ لِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِين إِذا كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمَوْقُوفِ الْخَاصِّ عَلَى أَرْبَابِهِ، فَلَا عِبْرَةَ لِلْقُرْبِ الْمَشْرُوطِ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ إلَّا فِي مُبَاحٍ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَلَا يَدَ: أَيْ يَدَ خُصُوصٍ، وَدَخَلَ تَحْتَ ذَلِكَ الْمُبَاحِ شَيْئَانِ. الْمَفَازَةُ الَّتِي لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ، وَالْفَلَاةُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا الَّتِي فِي أُدي الْمُسْلِمِينَ، فَفِيهِمَا يُعْتَبَرُ لِلْقُرْبِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الصَّوْتُ: فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَإِلَّا فَهَدَرٌ كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطِ سَمَاعِ الصَّوْتِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةٍ: فَإِنْ مَمْلُوكَةً فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمَالِكِ وَقَبِيلَتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ يسمع من الصَّوْتُ مِنْ مِصْرٍ: أَيْ مَثَلًا فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَإِلَّا فَإِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةَ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالْكَلَأِ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَدَمُهُ هدر اهـ مُلَخَّصًا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ فِي مَوضِع مُبَاح إِلَّا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ مصر أَو قَرْيَة يستمع مِنْهُ الصَّوْتُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِاشْتِرَاطِ السَّمَاعِ أَوَّلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا هُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ الْخَاصَّةُ، ثُمَّ الْقُرْبُ، ثُمَّ الْيَدُ الْعَامَّةُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مِلْكًا وَكَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ اه. فَأَفَادَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَيْسَتْ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ بَلْ عَلَى أَقْرَبِ قَبِيلَةٍ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَلْيُحْفَظْ. قَوْله: (وَلَو الْجَمَاعَة يُحْصَوْنَ) أَيْ لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ يُحصونَ كالموقوف على معلومين. قَوْله: (لَكِن سيجئ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (فَتَأَمَّلْ) أَشَارَ بِهِ إلَى إمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْبَدَائِعِ: وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ: أَيْ مِنْ النَّاسِ اه ح: أَيْ فَلَا يُنَافِي فِي وُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَكِنَّ هَذَا حَيْثُ لَا قُرْبَ، وَإِلَّا فَالْوُجُوبُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (فَلْيُحَرَّرْ) أَقُولُ: تَحْرِيرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّ مَا عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ دِيَةٌ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْله الَّاتِي: وَإِن بِيعَتْ وَلم نقبض وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ: بِخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً: أَيْ حَيْثُ يضمن الْمَالِك، لَان هَذَا الضَّمَان ضَمَان ترك الْحِفْظ، وَهُوَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ، وَهُوَ من لَهُ أَصَالَةٍ لَا يَدُ نِيَابَةٍ، وَيَدُ الْمُودَعِ يَدُ نِيَابَةٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَكَذَا الْغَاصِبُ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا. ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ اه: أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ، وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مُبَاحًا إلَخْ) أَيْ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْله: (لما ذكرنَا الخ) هَذَا ذكره الْوَلْوَالجيّ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ على أقرب القريتين إِذا كَانَ يُحَال يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَكِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ التَّعْلِيلِ وَالْمُعَلَّلِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ: وَيُرَاعَى حَالُ الْمَكَانِ إلَخْ فَظَنَّ الشَّارِحُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ هُنَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْعُمْرَانِ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْت. قَوْله: (لَيْسَ بِصَاحِب الْأَرْضِ مِنْهَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْهَا دخلُوا مَعَهُ إذَا كَانُوا عَاقِلَتَهُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَهَذَا صَرِيحٌ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَحِينَئِذٍ فَلَا عِبْرَةَ لِلْقُرْبِ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَإِلَّا فَعَلَى الْمَالِكِ وَذِي الْوِلَايَةِ لِأَنَّ إلَخْ ط. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ) فَتُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ. وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَلَوْ الدَّارُ مُغْلَقَةً لَا أَحَدَ فِيهَا. طُورِيٌّ. وَهَذَا إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْل عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ. تاترخانية. قَوْله: (وَلَو عَاقِلَته حضورا) أيس فِي بَلَده كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِهِ عَلَى دَارِهِ، وَلَهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْحِفْظِ وَالتَّنَاصُرِ ثَبَتَ لَهُمْ وِلَايَةُ حِفْظِ الدَّارِ بِحِفْظ صَاحبهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا غُيَّبًا. وَلْوَالِجِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ) الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَسَامَةِ مُرَاعَاةً لِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْخِطَّةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَحَلَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَة فِي دَعْوَى الْعمد عَلَيْهِم وَفِي الخطى على هاقلتهم اه. وَاعْتَرضهُ أَبُو السُّعُود بأنص التَّفْصِيلَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَهْلِ الْخِطَّةِ) بِالْكَسْرِ هِيَ مَا أَخَطَّهُ الامام: أَي أفرزه وميزه من أراض وَأَعْطَاهُ لَاحَدَّ كَمَا فِي الطُّلْبَةِ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (دُونَ السُّكَّانِ) كَالْمُسْتَأْجَرِينَ والمستعيرين فالقسامة على أَرْبَابهَا وَإِن كَانُوا غيبا. تاترخانية. وكالمشترين الَّذِي يَمْلِكُونَ بِالْهِبَةِ أَوْ الْمَهْرِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا يَقْبِضُونَهَا. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَ كُلُّهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) أَيْ دُونَ السُّكَّانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَحَلَّةٍ أَمْلَاكٌ قديمَة وحديثة وسكان الْقسَامَة عَلَى الْقَدِيمَةِ دُونَ أَخَوَيْهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ وِلَايَةُ تَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا أَمْلَاكٌ حَدِيثَةٌ وَسُكَّانٌ فَعَلَى الْحَدِيثَةِ، وَإِذَا كَانَ سكان فَلَا شئ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. قِيلَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إلَيْهِمْ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَرْمَانِيِّ. قُهُسْتَانِيٌ. وَقيد بالمحلة لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَذِي خِطَّةٍ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدية والاجماع. وَتَمَامه فِي الْعِنَايَة. قَوْله: (فَهِيَ فِي عدد الرؤوس) فَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا لِزَيْدٍ وَعُشْرُهَا لِعَمْرٍو وَالْبَاقِي لِبَكْرٍ، فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ أَثْلَاثًا مُتَسَاوِيَةً، لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ فِي الْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي نَهْرٍ مُشْتَرَكٍ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ) أَيْ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ، هَكَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ. وَفِي الْمِنَحِ: أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ اه. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ، وَهُوَ أَن الْعَاقِلَة إِن كَانُوا حُضُورًا دَخَلُوا مَعَهُ فِي الْقَسَامَةِ، وَإِلَّا فَلَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا: إِن لم يكن فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فَعَلَى عَاقِلَةِ مَنْ يَصِيرُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي. ابْنُ كَمَالٍ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْيَدَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمِلْكَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى قَرَارِ الْمِلْكِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ إلَخْ) أَيْ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الدَّارِ لِذِي الْيَدِ وَقَالُوا إنَّهَا وَدِيعَةٌ أَوْ مُسْتَعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي مُجَرّد الْيَد) لَان الظَّاهِر لَا يصلح حجَّة للاستحقاق وَيصْلح للدَّفْع. قَوْله: (حَتَّى لَو كَانَ بِهِ) أَي بِمُجَرَّد الْيَد اه ح. قَوْله: (وَلَا نَفسه) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (دُرَرٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَتَدِي عَاقِلَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْحُجَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا لَا بِمُجَرَّدِ الْيَدِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ لَا تَدِي عَاقِلَتُهُ وَلَا نَفْسُهُ اه. فَقَوْلُهُ: وَلَا نَفْسُهُ مَعْنَاهُ: وَلَا يَدي هُوَ حَيْثُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتِيلُ ذَا الْيَدِ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ دِيَةُ الْقَتِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ: لَا عَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ إنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَلَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ غَيْرَهُ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ عَلَى نَفسه إِن لم تكن لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ هُوَ رَبُّ الدَّارِ، فَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فَعِنْدَ الْإِمَامِ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا: لَا شئ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ. وَلِلْإِمَامِ: أَنَّ الدِّيَةَ لِلْمَقْتُولِ وَالْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ، فَالْإِيجَابُ عَلَيْهِمْ لَهُ لَا لَهُمْ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنه إِذا لتكن لَهُ عَاقِلَةٌ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لَا يَدِي هُوَ لنَفسِهِ، فَلَا يَدي لَهُ غَيره فالاولى. هَذَا تَقْرِيرُ مُرَادِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَلَكِنَّ تَعْبِيرَهُ عَنْهُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَتَدَبَّرْ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 الْخِلَافِيَّةِ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ (1) إنَّمَا وَجَبَتْ أَيْضًا عَلَيْهِمْ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لِعَدَمِ حُضُورِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِي الدَّارِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ فِيهَا إلَخْ) يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا حَتَّى تَجِبَ عَلَى الْأَرْبَابِ الَّذِينَ فِيهَا وَعَلَى السُّكَّانِ، وَكَذَا عَلَى مَنْ يَمُدُّهَا، وَالْمَالِكُ فِي ذَلِكَ وَغير المالم سَوَاءٌ، هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (اتِّفَاقًا إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ السُّكَّانَ وَالْمُلَّاكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمحلة سَوَاء، فَكَذَا هُنَا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا: فَفِي الْمَحَلَّةِ السُّكَّانُ لَا يُشَارِكُونَ الْمُلَّاكَ، لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ، وَفِي السَّفِينَةِ هُمْ فِي تَدْبِيرِهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّهَا تُنْقَلُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دون الْملك كدالدبة وَهُمْ فِي الْيَدِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَلُ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي مَسْجِد محلّة) وَمثله مَسْجِد الْقَبِيلَة. قَالَ فِي التاترخانية عَنْ الْمُنْتَقَى: إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ لِقَبِيلَةٍ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ لِمَنْ الْمَسْجِدُ وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِيهِ غُرَبَاءُ: فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَبَنَاهُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يعرف الَّذِي بناه عَلَى أَقْرَبِ الدُّورِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَمُصَلَّاهُ وَاحِدٌ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَصْحَابِ الدُّورِ الَّذِينَ فِي الدَّرْبِ، وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ فِيهَا عِدَّةُ مَسَاجِدَ فَهُوَ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبِيلَةٌ فَهُوَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلِ كُلِّ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ اه. قَوْلُهُ: (الْخَاصِّ بِأَهْلِهَا) وَهُوَ غَيْرُ نَافِذ كَمَا يعلم من قَوْله فِي (الشَّارِع أَن الْأَعْظَمِ هُوَ النَّافِذُ) . قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَقَّقَهُ ابْنُ كَمَالٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مُنْلَا خُسْرو رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ فِي الدُّورِ الطَّرِيقَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَاصٍّ: وَهُوَ غَيْرُ النَّافِذِ، وَعَامٍّ: وَهُوَ النَّافِذُ. وَهُوَ قِسْمَانِ أَيْضًا: شَارِعُ الْمَحَلَّةِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ أَكْثَرِيًّا لِأَهْلِهَا وَقَدْ يكون لغَيرهم أَيْضا، وللشارع الْأَعْظَمُ: وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَنَازَعَهُ ابْنُ كَمَالٍ وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنْ يُرَادَ بِشَارِعِ الْمَحَلَّةِ الْخَاصُّ بِأَهْلِهَا، وَهُوَ مَا لَيْسَ نَافِذٌ الْآنَ لُزُومُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْخُصُوصِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمحل، وَلذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَا فِي شَوَارِعِ الْعَامَّةِ وَجُسُورِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ اه. وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِح وَقد حَقَّقَهُ منلاخسرو. قَوْلُهُ: (وَالْجَامِعِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَانِيهِ وَإِلَّا فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قُهُسْتَانِيٌ. وَفِي التاترخانية عَن الْمُنْتَقى: وجد فِي الْمَسْجِد الْجَامِعِ وَلَا يُدْرَى قَاتِلُهُ، أَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْم الْجُمُعَة فَقَتَلُوهُ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يَكُونُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَوْ وُجِدَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَو قَتله   (1) قَوْله: (الظَّاهِر أَن الدِّيَة) لَعَلَّ صَوَابه الْقسَامَة بِدَلِيل التَّعْلِيل فَإِن أحدا لم يشْتَرط للايجاب على الْعَاقِلَة حضورهم بل الَّذِي اشْترط فِيهِ الْحُضُور إِنَّمَا هُوَ الْقسَامَة كَمَا مر فِي مَسْأَلَة الدَّار اه تَأمل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 رَجُلٌ بِالسَّيْفِ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (لَا قَسَامَةَ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَقَعُ فِي اللَّيْلِ عَادَةً وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ أَحَدٌ يَحْفَظُهُ، وَالْقَسَامَةُ تَجْرِي فِي مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ وُجُودَ مَنْ يَعْرِفُ قَاتِلَهُ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَتُؤْخَذُ فِي ثَلَاث سِنِين، لَان حكم الدِّيَة التأجبل كَمَا فِي الْعَاقِلَةِ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤْخَذ من مَال الْمقر الْخَطَأِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اه. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ) أَيْ لَمَّا كَانَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَالسِّجْنِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ كَانَ الْغُرْمُ عَلَيْهِمْ فَيُدْفَعُ مِنْ مَالِهِمْ الْمَوْضُوعِ لَهُمْ فِي بَيْتِهِ ط. قَوْلُهُ: (فِيمَا ذُكِرَ) يَشْمَلُ الشَّارِعَ الْأَعْظَمَ وَالسِّجْنَ وَالْجَامِعَ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ ذِكْرَ هَذَا الْقَيْدِ: أَعْنِي قَوْلَهُ: إذَا كَانَ نَائِيًا فِي السُّوقِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ، وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْقُرْبُ، لَكِنْ فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُلْتَقَى وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ زِحَامِ النَّاسِ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ اه. فَإِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ غَيْرُ نَاءٍ عَنْ الْمَحَلَّاتِ، وَكَذَا السِّجْنُ عَادَةً. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَرِيبًا مِنْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبر فِي سَماع الصَّوْت. قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ نَائِيًا أَيْ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فِي السُّوقِ النَّائِي إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا مَنْ يَسْكُنُهَا لَيْلًا إلَخْ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسُكْنَى النَّهَارِ. تَأَمَّلْ. وَالسُّوقُ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (مُوجَبُ التَّقْصِيرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ط. قَوْلُهُ: (مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ) وَعَزَاهُ فِيهَا إلَى مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَعَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْكَافِي. قَوْلُهُ: (قُلْت: وَبِهِ) أَيْ بِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى أَقْرَبِ الْمَحَلَّاتِ. أَقُولُ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا الْمِلْكُ وَالْيَدُ الْخَاصَّةُ ثُمَّ الْقُرْبُ ثُمَّ الْيَدُ الْعَامَّةُ. قَوْلُهُ: (فِي بَرِيَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَلَا قَرِيبَةٍ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَغَيْرِ مُنْتَفَعٍ بهَا لعامة المسملين، وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَسَطَ الْفُرَاتِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ مُرُورُهُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ احْتِرَازًا عَنْ الصَّغِيرِ، وَعَمَّا لَوْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّطِّ أَوْ مَرْبُوطًا أَوْ مُلْقًى عَلَى الشَّطِّ. أَفَادَهُ ابْنُ كَمَال وَغَيره. وَيعلم مِمَّا بعد. قَوْلُهُ: (ابْنُ كَمَالٍ) (1) وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِ مَا إِذا كَانَ مَوضِع انبعاثه فِي دَار   (1) قَوْله: (امحشي قَوْله وَقد حَقَّقَهُ ابْن كَمَال) لَعَلَّ صَوَابه كَمَا أَفَادَهُ ابْن كَمَال إِلَخ إِي كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَامه آخر القولة فليفهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 الْحَرْبِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ اه. وَعَزَاهُ إلَى الْكَرْخِيِّ جَازِمًا بِهِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِقِيلَ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، وَكَذَا جزم بِهِ الْقُهسْتَانِيّ، وَعَزاهُ شرح الْهِدَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ قَالَ الْعَلامَة الاتقاني: إِنَّه لَيْسَ بشئ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ، حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْفُرَاتَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ أَحَدٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ حِفْظُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِلَّا لَزِمَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ الْبَعِيدَةِ أَيْضا، لانه قَتِيل المسملين لَا مَحَالَةَ اه مُلَخَّصًا. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ انْبِعَاثِهِ مَوْضِعُ انْفِجَارِهِ وَنَبْعِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. هِدَايَةٌ: أَيْ عَاقِلَتِهِمْ. أَتْقَانِيٌّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَقْفًا لِأَحَدٍ) أَيْ لِأَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ كَمَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ: فَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمِصْرِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ اه. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَرْيَةَ كَذَلِكَ لَوْ فِيهَا قَبَائِلُ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ الْبُيُوتِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ فِيمَا وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، هَلْ الْقُرْبُ مُعْتَبَرٌ بِالْحِيطَانِ أَوْ الْأَرَاضِي؟ قَالَ: الْأَرَاضِي لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِمْ، وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إلَيْهِمْ كَمَا تُنْسَبُ الصَّحَارِي فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا بُيُوتًا اه. قَوْله: (والاراضي) أَي الْمَمْلُوكَة، لَان حكمهَا حكم البينان يَجِبُ عَلَى أَهْلِهَا حِفْظُهَا وَحِفْظُ مَا قَرُبَ إلَيْهَا. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الصَّوْتُ لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَالْقُرَى، بَلْ يُنْظَرُ: إنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَوْضِعٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَامَّةُ فَفِي بَيْتِ المَال، وَإِلَّا فَهدر كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ إلَخْ) هَذَا إذَا اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا شئ فِيهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الْقَوْمِ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى أَظْهَرَ. قَوْلُهُ: (مِنْهُمْ) أَيْ الْقَوْمِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُبَرْهِنَ) أَيْ بِإِقَامَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا مِنْهُمْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا عَلَى أُولَئِكَ. قَوْلُهُ: (لَان قَوْله حجَّة عَلَيْهِم) لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. قَوْلُهُ: (حَلَفَ بِاَللَّهِ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى عَنْ يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ شَرِيكَهُ فِي الْقَتْلِ، أَو أَن يكون غَيره شَرِيكا مَعَه، فَإِذا كَانَ كَذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا قَتَلَهُ وَلَا عرف بِهِ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ الخ) أَشَارَ إِلَى أَنه لَيست قائدة الِاسْتِثْنَاء قبُول قَوْله على زيد. قَوْله: (بَطل إلَخْ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، وَقَالَا: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعُرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَهَا، وَلَهُ أَنَّهُمْ جُعِلُوا خُصَمَاءَ تَقْدِيرًا لِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ، فَلَا تقبل كالوصي إِذا خرج من الْوِصَايَة ببلوغ الْغُلَام أَو بِالْعَزْلِ. وتامه فِي الْعِنَايَة وَغَيرهَا. وَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُلْتَقَى، لانص الْخُصُومَة قَائِمَة مَعَ الْكل، لَان الْقسَامَة لن تَسْقُطْ عَنْهُمْ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْمَلُ بِهَا. تَنْبِيهٌ: نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: تَوَقَّفْت عَنْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَمَنَعْت مِنْ إشَاعَتِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَهُ مِنْ الْمُتَمَرِّدِينَ يَتَجَاسَرُ عَلَى قَتْلِ الْأَنْفُسِ فِي الْمَحَلَّاتِ الْخَالِيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى قُلْت: يَنْبَغِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، لَا سِيمَا والاحكام باخْتلَاف الايام، وَقد خبر الْمُفْتِي إذَا كَانَ الصَّاحِبَانِ مُتَّفِقَيْنِ. وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَتِيِّ، وَنَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ. أَقُولُ: لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ فِيهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ. نَعَمْ الْقَلْبُ يَمِيلُ إلَى مَا ذكر، وَلَكِن اتباه النَّقْل أسلم. قَوْله: (وَمن جُرِحَ فِي حَيٍّ) يَعْنِي: وَلَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ، وَإِلَّا فَلَا قَسَامَةَ بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ صَارَ ذَا فِرَاشٍ حِينَ جُرِحَ، فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا بِحَيْثُ يجِئ وَيَذْهَبُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى ذَلِكَ الْحَيِّ) لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ: لَا ضَمَان وَلَا قسَامَة، لانص مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْحَيِّ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا فِرَاشٍ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَجُلٍ. قَوْلُهُ: (بِهِ رَمَقٌ) هُوَ بَقِيَّة الرّوح. إتقاني. فَلَو كَانَ يذهب ويجئ فَلَا شئ فِيهِ. كِفَايَة. قَوْله: (فَحَمله آخر) صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ (آخَرَ) (1) . وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى: وَلَوْ مَعَ الْجَرِيحِ رَجُلٌ فَحُمِلَ وَمَاتَ فِي أَهْلِهِ فَلَا ضَمَان على الرجل عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَضْمَنُ اه. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا كَانَ جَرِيحًا فيب قَبِيلَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي أَهْلِهِ اه. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي وُجِدَ فِي يَدِهِ الْجُرْحُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَده يمنزلة الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا. هِدَايَةٌ. فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَكَأَنَّهُ حمله مقتولا. إتقاني. وَقدم فِي   (1) قَوْله: (صَوَابه إِسْقَاط لَفْظَة آخِره) لَان الْمَعْنى عَلَيْهِ وَقد وجد جريح فِي يَد رجل بِهِ رَمق فَحَمله رجل آخر ثمَّ مَاتَ وَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يَصح قَوْله وعَلى قِيَاس أَبى حنيفَة إِلَخ لَان هَذَا الحلمل الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْحَامِل من المحملة وَهُوَ لَا يضمن. نعم قَالَ شَيخنَا: قد ذكرت الْعبارَة فِي كثير من الْمُعْتَبرَات وَيبعد خطؤهم فَيَنْبَغِي أَن يُرَاد بالحامل هُوَ من وجد الجريح فيي يَده بِدَلِيل تَعْلِيل منلا خسرو بقوله لَان بِمَنْزِلَة الْمحلة وَالَّذِي يُقَال فِيهِ كَذَلِك لَيْسَ إِلَّا من وجد الجريح فِي يَده وَهُوَ يُسمى حَامِلا أَيْضا وَمثله تَعْلِيل الْهِدَايَة فَحَيْثُ أمكن حملهَا على وَجه صَحِيح لَا يكون التصويب مَحل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 الْمُلْتَقَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّارِحِ فَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي رَجُلَيْنِ) أَيْ كَانَا فِي بَيْتٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي امْرَأَتَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَالِكِ اه. قَوْلُهُ: (بِلَا ثَالِثٍ) إذْ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَقَعُ الشَّكُّ فِي الْقَاتِلِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. كِفَايَةٌ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ ثَالِثٌ كَانَ كَالدَّارِ اه، فَتَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ. أَقُولُ: وَمُفَادُ (2) هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقْيِيدُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: (وَإِذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ إلَخْ) بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْقَتِيلِ رَجُلٌ آخَرُ، وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ: وَإِنْ وُجِدَ فِي مَكَان مَمْلُوكٍ فَعَلَى الْمُلَّاكِ وَإِلَّا فَكَانَ الظَّاهِرُ هُنَا وجوب الضَّمَان على صَاحب الْبَيْت الَّذِي فِي الرَّجُلَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَبِهِ زَالَ الْإِشْكَالُ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ يُقَالُ: إنَّهُمْ مَشَوْا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ حَيْثُ اعْتَبَرُوا الْمُلَّاكَ، فَلِمَ مَشَى هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ، فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ. هِدَايَةٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَعْنِي فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الْبَيْتِ: أَعْنِي عَاقِلَتَهُ تَنَبَّهْ اه. وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا فِي قيام قَوْلِ الْإِمَامِ، فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا: وَعِنْدِي أَنْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَقْوَى مَدْرَكًا، إذْ قَدْ يقْتله غير الثَّانِي كثيرا مَا وَقَعَ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَتِيلِ قَرْيَةٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي. قَوْلُهُ: (وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) أَيْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا نَسَبًا لَا جِوَارًا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمَرْأَة لَا تدخل فِي العواقل فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ على مَا يجِئ فِي الْمَعَاقِلِ، وَتَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا جعلناها قاتلة، والقاتلة تشارك الْعَاقِلَة، لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَعَلَى الْمُبَاشر أولى، وموضنع الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ الْمَرْأَة فِي مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ عَشِيرَتِهَا أَحَدٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَشِيرَتُهَا حُضُورًا تَدْخُلُ مَعَهَا فِي الْقَسَامَةَ اه. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ إلَخْ) هَذَا فِي الْحُرِّ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَهَدَرٌ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لِجُعْلٍ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فِيهَا فهذر دَمه. عناية وغرر الافكار. ثمَّ   (2) قَوْله: (وَمفَاده الخ) لَا يظْهر التَّقْيِيد إِلَّا لَو كَانَ أَبُو حنيفَة يُوجب الدِّيَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على من مَعَ الْقَتِيل، وسيصرح فِي آخر عِبَارَته بِأَنَّهُ لَا رِوَايَة عَن الامام فِيهَا، وَقِيَاس قَوْله وجوب الدِّيَة على صَاحب الْبَيْت فَهَذَا صَرِيح فِي أَن وجوب الدِّيَة على من مَعَ الْقَتِيل لَيْسَ قَول الامام، فَلَا يَصح أَن يكون تقييدا لمذهبه، وَلَا يَصح أَيْضا أَن تكون الْمَسْأَلَة مفرعة على قَول الثَّانِي لما أَنه يعْتَبر السكان قلوا أَو كَثُرُوا فيضيع قَوْله بِلَا ثَالِث. وأصل الْخلاف فِي اعْتِبَار السَّاكِن وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يعْتَبر إِلَّا الْمَالِك وَقَالَ الثَّانِي: الْمُعْتَبر السَّاكِن نعم قَالَ شَيخنَا هَل الامام يعْتَبر الْمَالِك عِنْد عدم التُّهْمَة الظَّاهِرَة فَإِذا وجدت التُّهْمَة الظَّاهِرَة يعْتَبر السَّاكِن وَهِي لَا تُوجد إِذا كَانَ مَعَ الْقَتِيل وَاحِد فَقَط وَلَا يدل فِي هَذَا قَول الْمحشِي وَقِيَاس قَول أبي حنيفَة إِلَخ تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 هَذَا حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ اللُّصُوصَ قَتَلَتْهُ، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ بَابِ الشَّهِيدِ فِي الْجَنَائِزِ: لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمصر فَقتل بسلاح أَو غير فَهُوَ شَهِيدٌ، لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا هُوَ مَالٌ اه. قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ، لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ، وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ، فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ اه. أَقُول: ويشمل أَيْضًا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ) وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ عَاقِلَتُهُ وَعَاقِلَةُ وَرَثَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَسَامَةَ فِي الْأَصْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ اه: أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَهُمَا إلَخْ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَالْحَقُّ هَذَا لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ إلَخْ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِهِ: أَيْ بقولهمَا نَأْخُذ اه. قَوْلُهُ: (وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْكَمَالِ) حَيْثُ جَزَمَ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَلْ رَدَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ الْمُشْعِرُ بِالسُّقُوطِ رَأْسًا وَكَذَا تَبِعَ الْهِدَايَةَ وَشُرُوحَهَا فِي تَأْخِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامِ الْمُتَضَمِّنِ لِنَقْضِ دَلِيلِهِمَا مَعَ دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِهِ؟ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ مَا لَزِمَ الْعَاقِلَةَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً بَلْ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ وَإِنَّمَا أَصْلُ الْإِيجَابِ عَلَى الْوَرَثَةِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ إلَخْ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَخْ) جَوَابُ قَوْلِهِ: لَا يُقَالُ وَفِي هَذَا جَوَاب عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَبْلَ وَرَقَةٍ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ هُوَ لِنَفْسِهِ لَا يَدِي فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ اه. فَيُقَالُ: إذَا كَانَ الْإِيجَابُ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً فَكَيْفَ يَدِي عَنْهَا؟ فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْإِيجَابِ، وَأَجَابَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَاقِلَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ، فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا اه. قَوْلُهُ: (فَتَنَبَّهْ) أَيْ لِوَجْهِ الْمُخَالفَة. الصَّدْر الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْبَابِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَحَمَّلُهَا عَنْهُمْ الْعَاقِلَةُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِيهِ) فَالْمَوْجُودُ فِي وَقْفِ مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ أَوْ مَسْجِدِ الْجَامِعِ كَالْمَوْجُودِ فِيهِمَا، وَحُكْمُهُمَا قَدْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 تَقَدَّمَ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا) وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ: وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَفْهُومَ التَّصَانِيفِ حُجَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ) أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فِي مُعَسْكَرٍ: أَقَامُوا فِي فَلَاةٍ، لِأَنَّ الْمُعَسْكَرَ بِفَتْحِ الْكَافِّ مَنْزِلُ الْعَسْكَرِ وَهُوَ الْجُنْدُ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: فِي عَسْكَرٍ كَمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، أَمَّا هُنَا فَيَصِحُّ إرَادَةُ الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (فَفِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ) أَيْ فَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَهُوَ الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ يَسْكُنُهُمَا) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ لِأَنَّهُمَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفِي خَارِجِهِمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانُوا نَزَلُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ إلَخْ، فَالْمُرَادُ كَوْنُ الْقَتِيلِ خَارِجَ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ لَا الْعَسْكَر فابنه غير مَنْظُور إِلَى كَوْنُهُمْ فِي الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ تبعا للمنح والدر أَيْ سَاكِنُو خَارِجَهَا فِيهِ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (فعلى قَبيلَة الخ) لانهم لما نزلُوا وقبائل قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمِصْرِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ) أَيْ عَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَوْا فَعَلَيْهِمَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ مُخْتَلِطَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى كُلِّ الْعَسْكَرِ) أَيْ تَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ خَارِجَ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ حَمْلًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ، وَهِيَ مَا إذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ عَصَبِيَّةً فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ، فَلَيْسَ فِيهَا جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ، فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا، فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الاشكال، وَكَانَ الْعَمَل بِمَا ورد فِيهِ النَّصِّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ. أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْله: (لَكِن فِي الْمُلْتَقى) اسْتِدْرَاك عَلَى قَوْلِهِ: بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْمُلْتَقى، وَهُوَ الْمرَافِق لِمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ مِنْ أَنَّ السُّكَّانَ يُشَارِكُونَ الْمُلَّاكَ، وَعَلَى مَا فِي الدُّرَرِ يَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ نُزُولَ الْعَسْكَرِ هُنَا، لِلِارْتِحَالِ، فَلَا يُعْتَبَرُ وَالنُّزُولُ فِي الدَّارِ للقرار فيتعبر. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا) اُنْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ وَلَا فِي الْمُلْتَقى. قَوْله: (وَهِي على عَاقِلَتُهُمْ) وَكَذَا الدِّيَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ط. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ الْكل أَو تقسم على الرؤوس كَمَا مر فِي الدَّار الْمُشْتَركَة؟ يحرر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 ثُمَّ رَأَيْتُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدْرِكِ، وَتُكَرَّرُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، وَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ الدِّيَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا.. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَعَاقَلُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا شئ فِيهَا) أَيْ لَا غَرَامَةَ وَلَا قَسَامَةَ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْآدَمِيِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (فِي دَارِ مَوْلَاهُ) أَمَّا فِي غَيْرِ مِلْكِ مَوْلَاهُ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فَقِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ إلَخْ) أَيْ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّتِهِ وَجَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ أَهْلَكَهُ. وَلْوَالِجِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَوْلَاهُ) أَيْ دُونَ الْعَاقِلَةِ. خَانِيَّةٌ. قَوْله: (مُؤَجّلَة) أَي فِي ثرث سِنِين تقضي مِنْهَا كِتَابَته وَيحكم وَمَا بَقِيَ يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: فَفِي الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَن عَاقِلَتِهِ حَاضِرُونَ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ الْأَبِ أَوْ الْأَخِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ اه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 كتاب المعاقل كَذَا تَرْجَمَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذا كَانَت جمع معلقَة وَهِيَ الدِّيَةُ لَزِمَ التَّكْرَارُ، لِأَنَّ أَقْسَامَ الدِّيَاتِ مَرَّ مُسْتَوْفًى، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِأَنْوَاعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالْعَوَاقِلِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاقِلَةٍ. طُورِيٌّ وشُرُنْبُلالِيَّة. قَوْلُهُ: (جَمْعُ مَعْقُلَةٍ) كَمَكَارِمٍ جَمْعُ مَكْرُمَةٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ) أَوْ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، ثُمَّ عَمَّ هَذَا الِاسْمُ فَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ مَعْقُلَةً، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَيْ تُمْسِكُهُ) الْأَوْلَى تُمْسِكُهَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ ضَمِيرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدِّيوَانُ: الْجَرِيدَةُ مِنْ دَوَّنَ الْكُتُبَ إذَا جَمَعَهَا، لِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنْ الْقَرَاطِيسِ مَجْمُوعَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ: أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ: أَيْ مِمَّنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الْجَرِيدَةِ اه. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَعَاقِلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ وَجَعَلَ الْعَقْلَ فِيهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى عَشِيرَةِ الرَّجُلِ فِي أَمْوَالهم وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ بَلْ تَقْرِيرًا لَهُ، لِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّ عَشِيرَتَهُ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ بِطَرِيقِ النُّصْرَةِ، فَلَمَّا كَانَ التَّنَاصُرُ بِالرَّايَاتِ جُعِلَ الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ التَّنَاصُرُ اه. وَفِي الْمِعْرَاجِ طَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ وَقَالَ: لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، فَتَكُونُ فِي مَال الْقَاتِل لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى) * (الاسراء: 15) قُلْنَا: إيجَابُهَا عَلَيْهِمْ مَشْهُورٌ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَيُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ يَتَحَمَّلُونَ بِاعْتِبَارِ تَقْصِيرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ حِفْظَهُ وَمُرَاقَبَتَهُ، وَخُصُّوا بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قصر لقُوته بِأَنْصَارِهِ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ، وَكَانُوا قِبَلَ الشَّرْعِ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ تَكَرُّمًا وَاصْطِنَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، فَالشَّرْعُ قَرَّرَ ذَلِكَ، وَتُوجَدُ هَذِهِ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّ مَنْ لَحِقَهُ خُسْرَانٌ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ حَرْقٍ يَجْمَعُونَ لَهُ مَالًا لِهَذَا الْمَعْنَى اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَهُمْ الْعَسْكَرُ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْعَسْكَرُ، قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَالنِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ مِمَّن لخ حَظّ فِي الدِّيوَان، كَذَا الْمَجْنُون لَا شئ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ لَوْ بَاشَرُوا الْقَتْلَ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي الْغَرَامَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنهم يشاركون الْعَاقِلَة كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن التَّبْيِين اهـ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ) أَيْ يَعْقِلُونَ لِقَاتِلٍ هُوَ مِنْهُمْ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: فَإِنْ كَانَ غَازِيًا فَعَاقِلَتُهُ مَنْ يُرْزَقُ مِنْ دِيوَانِ الْغُزَاةِ، وَإِنْ كَانَ كَاتِبًا فَعَاقِلَتُهُ مَنْ يُرْزَقُ مِنْ دِيوَانِ الْكُتَّابِ اه. وَقَيَّدَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى كالقهستاني بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرِهِمْ لَا مِنْ مِصْرٍ آخَرَ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا. قُلْت: وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ لِأَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى وحدة وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ دِيوَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرَيْنِ مُخْتَلِفًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التناصر بَينهمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دِيوَانُهُمَا وَاحِدًا وَكَانَ الْجَانِي مِنْ أَهْلِ دِيوَانِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الْآخَرِ يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمِصْرِ. قَوْلُهُ، (خَرَجَ مَا انْقَلَبَ مَالًا إلَخْ) أَيْ خَرَجَ الْقَتْلُ الَّذِي انْقَلَبَ مُوجَبُهُ إلَى الْمَالِ بِعَارِضِ صُلْحٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَتُؤْخَذُ عَن عَطَايَاهُمْ أَوْ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ) أَيْ لَا مِنْ أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ رَجُلٍ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقهم بِمَنْزِلَة الْعَطاء، ثمَّ إنْ كَانَتْ تَخْرُجُ أَرْزَاقُهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَكلما خرج رزق يُؤْخَذ مِنْهُ اثلث بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ، أَوْ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ، أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُؤْخَذُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْفَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِقْدَارَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ لَهُم أرزاق فِي كل شهر وأعطية فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ فِي الْأَعْطِيَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، لِأَنَّ الْأَعْطِيَةَ أَكْثَرُ وَالرِّزْقَ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَتَعَسَّرَ الْأَدَاءُ مِنْهُ اه. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) وَقِيلَ الْعَطِيَّةُ: مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلِ، وَالرِّزْقُ: مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَتْقَانِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ. هِدَايَةٌ. وَفِيهَا: وَلَو قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عشر الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين اعْتِبَار لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ) أَيْ بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ وَالْجِنَايَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، سَوَاءٌ خَرَجَتْ فِي أقل أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ أُعْطِيت الْعَطَايَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مُسْتَقْبِلَةٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ كُلُّهَا مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ، وَذَا حَاصِلٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ أُخِذَ، فَعَلَى هَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَعْطِيَةٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ عَطَايَا سِنِينَ مَاضِيَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ اه. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ، فَإِنَّ الرِّزْقَ إذَا خَرَجَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَالسِّنِينَ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، بِخِلَافِ الْعَطَاءِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيح بِالْفرقِ فِي الْمُجْتَبى معلالا بِأَنَّ الرِّزْقَ لَمَّا كَانَ مُقَدَّرًا بِالْكِفَايَةِ لَزِمَ الْخَرْجُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَنْ يَتَنَاصَرُ هُوَ بِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ: وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُونَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بجيرانه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ، فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ النُّصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى، وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةُ بِالنَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلِ. مِنْهَا: أَخَوَانِ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْكُوفَةِ، لَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْهُ أهل دِيوَانُهُ، وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ عَطَاءٌ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ، لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ هُمْ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا لَهُ لَا يَعْقِلُونَهُ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ وَلَهُ فِي الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ نَسَبًا، لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ، وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ، وَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ اه: أَيْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا. عِنَايَةٌ. وَذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي أَصَحُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً كَمَا فِي الْمُلْتَقى. قَوْلُهُ: (ثُمَّ السِّنِينَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْفَاءِ عَقِبَ قَوْلِهِ: فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا الخ. قَوْله: (فَإِن لم تسع الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ قَلَائِلَ فَتَصِيرُ الْحِصَّةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ. دُرٌّ مُنْتَقًى. ثُمَّ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَّسِعُ بِتَاءَيْنِ فِي أَوَّلِهِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ: لِذَلِكَ وَالْقَبِيلَةُ غَيْرُ قَيْدٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ تَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ: يَعْنِي أَقْرَبَهُمْ نصْرَة إِذا حز بهم أَمْرٌ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ اه. قَوْلُهُ: (عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فَيُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ. مَثَلًا: إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ تسع حَيُّهُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِ قَبِيلَةُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ هَاتَانِ الْقَبِيلَتَانِ لَهُ ضُمَّ عَقِيلٌ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَمَا فِي الْكرْمَانِي، وآباء الْقَاتِل وَأَبْنَاء لَا يَدْخُلُونَ فِي الْعَاقِلَةِ، وَقِيلَ: يَدْخُلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَاقِلًا لِلْآخَرِ. وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْقَاتِلُ عِنْدَنَا كَأَحَدِهِمْ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شئ عَلَيْهِ من الدِّيَة عِنْدَنَا أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (فَيُشَارِكُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ) تَقَدَّمَ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَشَى فِي الْهِدَايَة هُنَا عَلَى عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ أَصْلُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ اه. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ فَأَدْخَلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مَعَ الْعَاقِلَةِ لِتَقْدِيرِهَا قَاتِلَةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ، أَمَّا مَا هُنَا فَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً حَقِيقَةً، الْفَرْقُ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْتَلْزِم وجوب الدِّيَة على الْمقسم، إِمَّا بالاستقلال أَو بِالدُّخُولِ أَو الْعَاقِلَة عندنَا بالاستقراء، وَقد تحقق الْمَلْزُوم لتحَقّق اللَّازِم، بِخِلَاف الْقَتْل مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الدِّيَةَ اه مُلَخَّصًا. وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ تَصْحِيحٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ. فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (قَبِيلَةُ سَيِّدِهِ) أَيْ مَعَ سَيّده كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ. وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَتُهُ، وَهِيَ أَخْصَرُ وَأَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (جِنَايَةَ عَبْدٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَأَمَّا إذَا جَنَى حُرٌّ عَلَى نَفْسِ عَبْدٍ فَسَيَأْتِي ط. قَوْلُهُ: (وَلَا عَمْدٍ) أَيْ فِي النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ، فَإِنَّ الْعَمْدَ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ بِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ بِهِ. قُهُسْتَانِيٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يعقل الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَفا بعض الْأَوْلِيَاءُ وَصَالَحَ، فَإِنَّ نَصِيبَ الْبَاقِينَ يَنْقَلِبُ مَالًا وَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ اه. أَقُولُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي فِي سَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَتَلَهُ ابْنُهُ عَمْدًا) الْأَوْلَى كَقَتْلِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِيَكُونَ تَمْثِيلًا لِلشُّبْهَةِ. وَمِنْهَا: مَا إذَا قَتَلَا رَجُلًا وَأَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ وَالْآخَرُ عَاقِلٌ بَالِغٌ أَوْ أَحَدُهُمَا بِحَدِيدٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا. قَوْلُهُ: (وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ) أَيْ عَن دك عمد وَخطأ اه ط. فَإِنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ حَالًّا إلَّا إذَا أُجِّلَ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتِرَافٍ) أَيْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا خَاصٌّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. أَمَّا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ قَلَّ، كَمَا لَو قتل مائَة رجلا حُرًّا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِائَةُ دِرْهَمٍ، أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ، لِأَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ اه. مُلَخَّصًا مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. تَنْبِيه: قدم الشَّارِح قبيل فصل الحنين أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حُكُومَةَ الْعَدْلِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ مُطْلَقًا: أَيْ وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ، وَذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْكَرْخِيِّ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تعقل جِنَايَةً وَقَعَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فُقَهَاؤُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا، وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ كَمَا تَوَهَّمَ الْجَوْهَرِيُّ مَعْنَاهُ، أَنْ يَجْنِيَ الْحر على عبد لَا الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ كَمَا تَوَهَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا تَوَهَّمَ لَكَانَ الْكَلَامُ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَلَّمْت فِي ذَلِكَ أَبَا يُوسُفَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَقَلْته وَعَقَلْت عَنْهُ حَتَّى فَهِمْته اه. أَيْ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ: إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ فُلَانٍ: إذَا لَزِمَتْهُ دِيَةٌ فَأَعْطَيْتهَا عَنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَقَلْته يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عَقَلْت عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عَمْدًا وَكَذَا السِّيَاقُ، وَهُوَ: وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَنْ عَمْدٍ، وَعَنْ صُلْحٍ وَعَنْ اعْتِرَافٍ. تَأَمَّلْ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالْأَصْلُ عَن عبد. وَأَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ اه. فَقَدْ جُعِلَ الْجَانِي مَمْلُوكًا. قَوْلُهُ: (بَلْ الْجَانِي) لَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: (وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 بَلْ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْجَانِي وَحْدَهُ: أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَمَوْلَى الْعَبْدِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَوْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ أَوْ اعْتِرَافٍ وَأَتَى بِهِ لِيَرْبِطَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقُومُ حُجَّةٌ) هَذَا إذَا أَقَامَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا الْقَاضِي: أَيْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُقِرِّ، أَمَّا لَوْ قَضَى بِهَا فِي مَالِهِ ثُمَّ أَقَامَهَا لِيُحَوِّلَهَا إلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَهُ بِبَيِّنَتِهِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ اه. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِثَابِتٍ وَضَمِيرٍ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا. قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله: فَلَا شئ عَلَيْهَا، وَالضَّمِيرُ لِلْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْقَاتِلِ حِصَّةً فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ جَمِيعُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأُولَى وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لَا الْعَاقِلَةِ) هَذَا لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ، لَكِنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الْجَانِي. قَوْلُهُ: (وَهِيَ غير متوجهة عَلَى الْعَاقِلَةِ) بَلْ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَب، وَظَاهره أَنه لَا يلْزم شئ بِتِلْكَ الدَّعْوَى ط. قَوْله: (وَبَقِي هُنَا شئ إلَخْ) تَخْرِيجٌ لِلْجَوَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُحَصِّلُهُ: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إقْرَارِهِمْ يَلْزَمُ جَرَيَانُ الْحَلِفِ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ صُورَةً تَقَدَّمَتْ آخِرَ الْوَقْفِ لَيست هَذِه مِنْهَا، لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْجَانِي كَمَا مَرَّ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عَنْ الْقَاتِلِ، فَإِقْرَارُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إقْرَارٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ مُوجَبُهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَحَمُّلُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، بِخِلَاف مَا إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ وَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمْ أَلْزَمَهُمْ تَحَمُّلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ هَذَا. وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ: لُزُومُ التَّحْلِيفِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى زَيْدٍ وَأَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ وَلَا بَيِّنَةَ لزم الْكَفِيل دون الاصيل، فبه عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُقِرِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَصْلِ، إذْ هُوَ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً، وَمَسْأَلَتُنَا نَظِيرُ هَذِهِ. قَالَ: وَقد ظَفِرْت بِالنَّقْلِ، فَفِي الثَّالِثِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: دَعْوَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْقَاتِلِ تُسْمَعُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ، وَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِغَيْبَةِ الْقَاتِلِ هَلْ يَصِحُّ؟ فَعَلَى قِيَاسِ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ بغ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ كُلُّ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ اه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 مُلَخَّصًا: أَيْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ تَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ قَالَ: قُلْت يُؤْخَذُ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: (يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ نَفْسِ عَبْدٍ اه ح. نَعَمْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ ذَلِكَ عَلَى عِبَارَةِ الْكَنْزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ النَّفْسِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: قَيَّدَ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلِذَا لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَتَنَاصَرُوا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ: إذَا لَمْ يُبَاشِرُوا لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي الْعَاقِلَةِ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ الرِّوَايَةِ عَدَمَ دُخُولِهِمْ وَإِنْ بَاشَرُوا كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ) قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى اه. وَهُوَ مُسْتَفَادُ من قَوْلِ الشَّارِحِ: يَعْنِي إنْ تَنَاصَرُوا. قَوْلُهُ: (كَالْمُسْلِمِ) عِبَارَةُ الْأَتْقَانِيِّ وَغَيْرِهِ: وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَهَذَا فِي الذِّمِّيِّ، أَمَّا الْمُسْلِمُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ فِي الْمُجْتَبَى) حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ عَاقِلَةٌ بَقِيَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، كَتَاجِرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَعَقْلُهُ فِي مَالِهِ اه. قَوْلُهُ: (وَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ) أَيْ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَة فِي بَيت المَال) لَان حماعة الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ. زَيْلَعِيٌّ وَهِدَايَةٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَا يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ) وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ خَوَارِزْمَ) أَيْ حَاكِيًا عَنْ حَالِ أَهْلِ خَوَارِزْمَ اه ح. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا بِخَوَارِزْمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَالِ الْجَانِي، إلَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ يَتَنَاصَرُونَ، لِأَنَّ الْعَشَائِرَ فِيهَا قَدْ وَهَتْ وَرَحْمَةُ التَّنَاصُرِ مِنْ بَيْنِهِمْ قَدْ رُفِعَتْ وَبَيْتُ الْمَالِ قَدْ انْهَدَمَ. نَعَمْ أَسَامِي أَهْلِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الدِّيوَانِ أُلُوفًا وَمِئَاتٍ لَكِنْ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجِبَ فِي مَالِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (يُرَجَّحُ وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَظَاهِرٌ قُلْت: وَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ تَرْجِيحًا للرواية والشاذة، بَلْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَحَيْثُ لَا عَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ وَلَا بَيْتَ مَالٍ يَدْفَعُ مِنْهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الذِّمِّيِّ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا لَزِمَ إهْدَارُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَشُرُوحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ لَا عَاقِلَة لَهُ: أَي من الْعَرَب والعحم يُعْطِي الدِّيَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 مَوْجُودا أَوْ مَضْبُوطًا، وَإِلَّا: أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَى الْجَانِي. قَوْلُهُ: (فَيُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ) فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّقَيُّدِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ يَكُونُ الْبَاقِي، عَلَى أَنَّهُ مَعَ هَذَا هُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً فَمَتَى تَنْقَضِي الدِّيَةُ، وَإِذَا مَاتَ فَهَلْ يَسْقُطُ الْبَاقِي أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ أَو من غَيرهَا؟ لم تَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ. قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَنَصُّهُ. قُلْت: وَهَذَا حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ، فَقَدْ رَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اه. أَقُولُ: وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الذِّمِّيِّ، وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. فَمَا ذَكَرَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ هُوَ الْأَعْدَلُ فَعَنْهُ لَا يُعْدَلُ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ ذِمِّيًّا) أَيْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ) هَذَا قَيْدٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قاضيخان، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا سَبَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ بِأَنْ كَانَ لَقِيطًا أَوْ مَنْ يُشْبِهُهُ اه. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُفَادُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ، وَبَحْثِ الرَّمْلِيِّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْكُتُبِ وَأَطَالَ فِي ذَلِك، وَلَكِن قاضيخان مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، قَوْلُهُ: (أَوْ مَحْرُومًا بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ) كَمُسْتَأْمَنٍ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ إلَى دَارِهِ فَاسْتُرِقَّ ثُمَّ جَنَى الْعَتِيقُ فَهُوَ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا مَعْرُوفًا وَهُوَ الْمُعْتَقُ، مَعَ أَنَّ مِيرَاثَهُ لَوْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مُعْتَقَهُ رَقِيقٌ فِي الْحَالِ أَفَادَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ ذِمِّيًّا يَكُونُ الْعَقْلُ فِي مَالِ الْجَانِي أَيْضًا لما مر أَن الْكَافِر لَا يعقل السّلم، فلار يَرِدُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَتِيقِ قَبِيلَةُ سَيِّدِهِ. كَذَا ظَهَرَ لِي. قَوْلُهُ: (لَا يَعْقِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ) بَلْ يَكُونُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مُسْتَحِقٌّ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ: فَإِنَّهُ إذَا وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَمْ يَعْقِلْهُ، فَإِذَا لَمْ يَرِثْهُ فَعَقْلُهُ فِي مَاله بالاولى، وَلَا شئ عَلَى الْوَارِثِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ) جَمْعُ عَجَمِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ، لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمْ يَحْفَظُوا أَنْسَابَهُمْ، وَلَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَتَحَمُّلُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ عُرْفٌ، بِخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْعَرَبِ، وَبِهِ أَخَذَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (عَاقِلَتُهُ) أَيْ إذَا كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ط. وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ. قَوْلُهُ: (إِذا حز بِهِ أَمر) الْمغرب حز بهم أَمْرٌ: أَصَابَهُمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِيهِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَنَاصَرُونَ من أهل الدِّيوَان وَالْعشيرَة والمحلة والسوق، والعاقلة أَهْلُ الدِّيوَانِ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ ثُمَّ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، وَبِهِ قَالَ النَّاطِفِيُّ ط. قَوْلُهُ: (وَالْحَقُّ إلَخْ) قُلْت: الْمَدَارُ عَلَى التَّنَاصُرِ كَمَا ذَكَرُوهُ، فَمَتَى وُجِدَ بِطَائِفَةٍ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا ط. قَوْلُهُ: (لَكِنْ حَرَّرَ إلَخْ) هُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ. قَوْلُهُ: (فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ انْتِظَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 كتاب الْوَصَايَا يراده آخِرَ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْت، وَله زِيَاد اخْتِصَاصٍ بِالْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ، لَمَّا أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ. عِنَايَةٌ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ آخِرٌ نِسْبِيٌّ. نَعَمْ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْفَرَائِضَ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَهُ كِتَابَ الْخُنْثَى فَهُوَ نِسْبِيٌّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ. قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ: أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بِكَذَا إيصَاءً وَوَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً، وَالْوَصِيَّةُ والوصاة اسمان فِي معنى الصَّدْر، ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مصدر لوصي، وَقيل الايصاء: طلب الشئ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ. وَفِي حَدِيثِ الظِّهَارِ: اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّك خَيْرًا: أَيْ اقْبَلِي وَصِيَّتِي فِيهِ، وانتصاب خيرا على الْمصدر: أَي استيصاء خير اه. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَصَّيْت إلَى فُلَانٍ تَوْصِيَةً وَأَوْصَيْت إلَيْهِ إيصَاءً، وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَة، وأوصيت إِلَيْهِ بِمَال: جعلته لَهُ اه. وَفِي الْقَامُوسِ: أَوْصَاهُ وَوَصَّاهُ تَوْصِيَةً: عَهِدَ إلَيْهِ، وَالِاسْمُ الْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوَصِيَّةُ اه. وَنَقَلَ الامام النَّوَوِيّ عَن أهل اللُّغَة: أَنه يُقَال: أَوْصَيْته وَوَصَّيْته بِكَذَا وَأَوْصَيْت وَوَصَّيْت لَهُ وَأَوْصَيْت إِلَيْهِ: جعلته كوصيا. قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَة بَين الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ أَو بِاللَّامِ أَو بإلى فِي كُلًّا مِنْهَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَعَلْته وَصِيًّا، وَإِنَّ التَّعَدِّي بِإِلَى يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ، وَأَنَّ كُلًّا من الْوَصِيَّة والايصاء يَأْتِي لَهما، وَأَن التَّفْرِقَة بَين الْمُتَعَدِّي بَالَام وَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى اصْطِلَاحِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى أَوْصَيْت إلَيْهِ: عَهِدْت إلَيْهِ بِأَمْرِ أَوْلَادِي مَثَلًا، وَمَعْنَى أَوْصَيْت لَهُ: مَلَّكْت لَهُ كَذَا، فَعَدُّوا كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَتَعَدَّى بِهِ مَا تَضَمَّنَا مَعْنَاهُ. ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ جَمْعَ وَصِيَّةٍ وَصَايَا، وَأَصْلُهُ وَصَايِيٌّ، فَقُلِبَتْ الْيَاءُ الْأُولَى هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ أَلِفِ مُفَاعِلَ. ثُمَّ أُبْدِلَتْ كسرتها فتهة فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ الْأَخِيرَةُ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً لِكَرَاهَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ أَلِفَيْنِ. بَقِيَ أَنَّ عُمُومَهُ لِلْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جمع لَهما كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَأْتِي اسْمًا مِنْ الْمُتَعَدِّي بِإِلَى وَالْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ فَجمعت على وَصَايَا مرَادا بهَا كَمَا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّ ذِكْرَ بَابِ الْوَصِيّ فِي هَذَا الْكتاب على سَبِيل التَّطَفُّلِ. فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَحِينَئِذٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِمَعْنَى مَلَّكَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ تَمْلِيكٌ بِزِيَادَةِ وَاوٍ، وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَصِيَّةِ فِي كَلَامِهِ ط. قَوْلُهُ: (عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا) عِبَارَةُ الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ: عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَة اهـ ح. قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ اه ح. وَهَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِيُخْرِجَ نَحْوَ الْإِقْرَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 بِالدَّيْنِ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَيْدَ التَّبَرُّعِ لِإِخْرَاجِ التَّمَلُّكِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ نَحْوِ الْهِبَةِ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ تبرع للْحَال. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ: يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَتَأَمَّلْهُ إلَى دِقَّةِ الْجَوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِحَقِّهِ تَعَالَى لَمَّا سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ وَلَمْ يَكُنْ كَدُيُونِ الْعِبَادِ اه ح. أَقُول: هَذَا مَبْنِيّ على أَن التَّبَرُّع: مَا إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مَجَّانًا لَا بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ: وَالْوَصِيَّةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالدّين الْمَجْهُولَةِ. وَمُسْتَحَبَّةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا. وَمُبَاحَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ. وَمَكْرُوهَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي اه. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ: الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ اه. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَمَشَى الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِع. وَفِي المواهي: تَجِبُ عَلَى مَدْيُونٍ بِمَا عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَلا لِلْعِبَادِ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حُقُوقِهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَمَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ مَا وَجَبت لِحَقِّهِ تَعَالَى بِالْمَوْتِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سُقُوطُ أَدَائِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى: أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْسِيمُ إلَى الْأَرْبَعَةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمُبَاحَةٌ لِغَنِيٍّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ الصَّلَاحِ إعَانَةً لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ رَحِمًا كَاشِحًا أَوْ ذَا عِيَالٍ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمَكْرُوهَةٌ لِأَهْلِ فُسُوقٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: لَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيَتَصَدَّقَ، وَالسَّارِقَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ السَّرِقَةِ، وَالزَّانِيَةَ عَنْ الزِّنَا. وَكَانَ مُرَادُهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا لِلْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ اه. رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا مرص أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْوَصِيَّةِ للاقارب تَعْلِيل القَوْل بِبُطْلَان الْوَصِيَّة مَا مرص أَنَّهَا صَحِيحَة، لَكِن سَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا مَا يُبْطِلُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: * (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) * (الْبَقَرَة: 180) الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ النِّسَاءِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِأَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَنَسْخُ الْكِتَابِ جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمثلِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (سَبَبُهَا مَا هُوَ سَبَبُ التَّبَرُّعَاتِ) وَهُوَ تَحْصِيل ذكر الْخَيْر فِي الدُّنْيَا وَوصل الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى. نِهَايَةٌ. وَهَذَا فِي الْمُسْتَحَبَّةِ، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَهَا سَبَبُ الْأَدَاءِ، وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ) الْأَوْلَى قَوْلُ النِّهَايَةِ: أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ. قَوْلُهُ: (كَمَا سيجئ) أَيْ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ) أَي الْمُوصى بِهِ بِالدّينِ: أَيْ إلَّا بِإِبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَقْتَهَا) أَقُولُ فِي التاترخانية: الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ أَوْصَى، وَمَتَى كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ وَلم يُسَمِّهِمْ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمْ فَهِيَ لِلْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ سَمَّاهُمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَالْوَصِيَّة لَهُم، حَتَّى لَو مَاتُوا بطلت الْوَصِيَّة لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنٌ، فَتُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْم الْوَصِيَّة اهـ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لِيَشْمَلَ الْحَمْلَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، إذْ بَعْدَ النَّفْخِ يَكُونُ حَيا حَقِيقَة اه ح. قَوْله: (إِيرَاد الشُّرُنْبُلَالِيَّة) حَيْثُ قَالَ: يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ إذْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا حَيَاتُهُ، لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقْتًا غَيْرُ حَيٍّ اه ح. قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَارِثٍ) أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ آخَرُ وَإِلَّا تَصِحُّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ كَمَا سيجئ قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْمَوْتِ) أَيْ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ: زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَاتِلٍ) أَيْ مُبَاشَرَةً كَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، بِخِلَافِ الْمُتَسَبِّبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ حَقِيقَةً، وَهَذَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ، وَإِلَّا صَحَّتْ وَكَانَ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا، وَإِلَّا فَتَصِحُّ لِلْقَاتِلِ لَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا: أَيْ مُعَيَّنًا شخصا كَزَيْدٍ أَوْ نَوْعًا كَالْمَسَاكِينِ، فَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ عِنْدَهُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قُبَيْلَ وَصَايَا الذِّمِّيِّ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَوْصَتْ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهَا أَمَةٌ بِكَذَا وَيُعْطَى لَهَا مِنْ الثُّلُثِ كَذَا: فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُعَيَّنَةً جَازَتْ الْوَصِيَّتَانِ، وَإِلَّا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ دُونَ الْمَالِ إلَّا أَنْ تُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى الْوَصِيِّ وَتَقُولَ أَعْطِهَا إنْ أَحْبَبْت، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحْبَبْت تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى بَيْعِهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ، فَإِنْ أَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا يُحَطُّ عَنْهُ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصَى اه مُلَخَّصًا. قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَجْهُولٍ تَصِحُّ عِنْدَ التَّخْيِيرِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لَا تفارعها بِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ التَّخْيِيرُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْ قَالَ لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو: تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِعَقْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (مَالًا أَوْ نَفْعًا إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِلْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ: (أم مَعْدُوما) أَي وَهُوَ قَابل للتَّمْلِيك بِعقد مِنْ الْعُقُودِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا تُثْمِرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 نَخِيلُهُ الْعَامَ أَوْ أَبَدًا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْدُومًا لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، وَقُلْنَا بِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ اه. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمُوصَى بِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي بَعْضِ الْمَالِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِي كُلِّهِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَوْتِ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَعْزٍ مِنْ غَنَمِي أَوْ مِنْ مَالِي، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَعْزِ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَفِي الثَّانِي عِنْد الْمَوْت اه. وَمثله فِي التاترخانية. وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ وَلَمْ يُجِزْهَا بِالْأَكْثَرِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْضُهَا شُرُوطُ لُزُومٍ وَهِيَ مَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَنَفَذَتْ بِإِجَازَتِهِ وَبَعْضُهَا شُرُوطُ لُزُومٍ وَهِيَ مَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَنَفَذَتْ بِإِجَازَتِهِ وَبَعْضُهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَلِفُلَانٍ بِكَذَا وَجَعَلْت رُبْعَ دَارِي صَدَقَةً لِفُلَانٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: أُجِيزَ هَذَا عَلَى الْوَصِيَّةِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي سُؤَالٍ عُرِضَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: جَعَلْت هُوَ وَصِيَّةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ اه مُلَخَّصًا. وَفِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا، فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَفِي الْأَصْلِ قَوْلُهُ: سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي إقْرَارٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّتِهِ، وَفِي مَالِي إقْرَارٌ، وَإِذَا كَتَبَ وَصِيَّتِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَتَبَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ اه مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) عبارتها على مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة: أَي الامام وصاحباه: هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَالْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ جَمِيعًا لَا يتم الرُّكْن. وَإِن شِئْت قلت: ركن لوَصِيَّة الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ، هَذَا أَشْمَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ. وَقَالَ زُفَرُ: الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ اه. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ تبعا لشراح الْهِدَايَة يُشِير إِلَى أَن الْقَبُولِ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا يَذْكُرُونَهُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبيع وَنَحْوه من أَن الرُّكْن كل مِنْهُمَا. قَوْله: (قلت الخ) عزاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة إلَى الْخُلَاصَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبُولِ دَلَالَةُ عَدَمِ الرَّدِّ فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ شِئْت قُلْت إلَخْ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ مَا بَعْدَ المون لَا مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يكوت إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلدَّلَالَةِ، وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، وَبَقِيَ لَوْ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ شَرْطٍ أَوْ هُوَ مَوْجُودٌ دلَالَة. تَأمل. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمُهَا إلَخْ) هَذَا فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ، أَمَّا فِي جَانِبِ الْمُوصِي فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا الاثر الْمُتَرَتب على الشئ وَفِيمَا مَرَّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالصِّفَةِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ حِرَابَةٌ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ بِالدَّيْنِ أَوْ نَحْوِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَا الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَإِذَا أَوْصَى بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ إلَّا وَارِثٌ يَرِدُ عَلَيْهِ وَأَجَازَهَا فَالْبَقِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَجَازَ مَنْ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ فَفَرْضُهُ فِي الْبَقِيَّة وباقيها لبيت المَال، فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَأَجَازَتْ الزَّوْجَةُ فَلَهَا رُبْعُ الثُّلُثِ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجُ الثُّلُثَيْنِ وَرُبْعُ الْبَاقِي، وَلِبَيْتِ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ وَلِزَيْدٍ ثَمَانِيَةٌ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّائِحَانِيِّ عَلَى مَنْظُومَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي الْفَرَائِضِ. وَإِنْ لَمْ تُجِزْ وَأوصى لَهَا أَيْضا أَو لَا فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، فَرَاجِعْهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَن يُجِيز وَرَثَتُهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا أَوْصَى بِهِ، أما إِذا علمُوا أَنه أوصى وَلَا يَعْلَمُونَ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَالُوا أَجَزْنَا ذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ. خَانِيَّةٌ عَنْ الْمُنْتَقَى. وَنقل السائحاني عَن الْمَقْدِسِي: إِذا جَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ جَازَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَوْ أَجَازَتْ كُلُّ الْوَرَثَةِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالنِّصْفِ وَأَجَازَ أَحَدُ وَارِثَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ كَانَ لِلْمُجِيزِ الرُّبُعُ وَلِرَفِيقِهِ الثُّلُثُ وَلِلْوَصِيِّ لَهُ الثُّلُثُ الْأَصْلِيُّ وَنصف السُّدس من قبل الْمُجِيز اه. وَمثله فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. تَنْبِيهٌ: إذَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ، وسيجئ بَيَانُ ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا تعْتَبر إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمْ، لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تُعْتَبَرُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَمَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُفِيدَةِ لِأَحْكَامِهَا كَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ إذَا صَدَرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي شئ. وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ وَارِثَ الْمَجْرُوحِ إذَا عفى عَنْ الْجَارِحِ يَصِحُّ وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ موت الْمَجْرُوحُ اه. قَوْلُهُ: (وَهُمْ كِبَارٌ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا من أهل النصرف. وَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي يُعْتَبَرُ إلَخْ) الْأَنْسَبُ جَعْلُ هَذِهِ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً فَيُعَبِّرُ بِالْوَاوِ ط. قُلْت: لَعَلَّ الشَّارِحَ يُشِيرُ إلَى أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ الظَّرْفِ، وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ قَوْلُهُ: تُجِيزُ وَقَوْلُهُ: وَرَثَتُهُ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ أَتَى بِلَفْظَةِ يَعْنِي تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّة) لانها تمْلِيك مُضَاف إِلَى من بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ التَّمْلِيكُ وَقْتَهُ. زَيْلَعِيٌّ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُ التَّفْرِيعَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى عَكْسِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِث عِنْد الاقرار، حَتَّى لبو أقرّ لغير وَارِث جَازَ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إرْثُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا لَكِنْ مِنْهُ مِنْهُ مَانِعٌ ثُمَّ زَالَ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَو عتق فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا، فَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالْعِتْقِ، لِأَنَّ إرْثَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الاقرار لانه فِي الْمَعْنَى إقْرَارٌ لِمَوْلَاهُ الْأَجْنَبِيِّ، فَقَدْ رَدَّهُ الْعَلامَة الْأَتْقَانِيُّ بِأَنَّهُ سَهْوٌ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 قُلْت: بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْإِرْثِ فِيهِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ مَحَلُّ نَظَرٍ. نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ يَصِحُّ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عِنْدَ غَنِيٍّ وَرَثَتُهُ الخ) أَشَارَ بِزِيَادَة لَو الوصيلة إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْغِنَى أَوْ الِاسْتِغْنَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصَى بِدُونِ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بترك مَا لَهُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِهِ الثُّلُثَ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ، ثُمَّ هَلْ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ من الثُّلُث أولى أم تَركهَا؟ قَالُوا: إِن كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فالترك أولى لما فِي مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أفضل الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْفَقْرِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالتَّرْكُ هِبَةٌ مِنْ اقريب، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ: يُخَيَّرُ لِاشْتِمَالِ كُلٍّ عَلَى فَضِيلَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ أَوْ الصِّلَةُ اه كَلَامُ الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْوَصِيَّةُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّنْقِيصُ عَنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ اسْتَكْثَرَ الثُّلُثَ بِقَوْلِهِ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ لَكِنَّ التَّنْقِيصَ عِنْدَ فَقْرِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا إلَّا أَنَّ ثَمَّةَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَهُوَ التَّرْكُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ، وَكَذَا الْمَسْنُونُ وَالْمَكْرُوهُ وَغَيْرُهُمَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ إتْيَان الشَّارِح الْمُحَقق بلو الوصيلة مُوَافِقٌ لِلْهِدَايَةِ، فَافْهَمْ. هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَى عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَوْلَادُ كِبَارًا، فَلَوْ صِغَارًا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ مُطلقًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي قاضيخان إِ هـ. فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْكِبَارِ، أَمَّا الصِّغَارُ فَتَرْكُ الْمَالِ لَهُمْ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ بَعْدَ التَّصَدُّقِ بِيَدِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) أَيْ صَيْرُورَتِهِمْ أَغْنِيَاءَ بِأَنْ يَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ، أَوْ يَرِثُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْفَضْلِيِّ. قُهُسْتَانِيّ عَن الظَّهِيرِيَّة. وَاقْتصر الاتقاني عَن الاول، قَوْله: (أَي غَنِي واستغناء) عَبَّرَ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بِلَا إحْدَاهُمَا عَدَمُهُمَا مَعًا، إذْ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخِرِ كَانَ الْمَنْدُوبُ الْفِعْلَ لَا التَّرْكَ فَيُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ، فَتَدَبَّرْ، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمُسْتَأْمَنٍ) فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ جَازَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَابِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَصَحَّتْ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَكُونُ وَصِيَّةً بِالْعِتْقِ) أَيْ تَكُونُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَصِيَّةً لِلْعَبْدِ بِنَفْسِهِ تَصْحِيحًا لَهَا وَبِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ) فِيهِ إجْمَالٌ، وَبَيَانُهُ مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِع: إِن كَانَ المَال دَرَاهِم أَلا دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لَهُ صَارَ قِصَاصًا، وَلَوْ فِي الْمَالِ زِيَادَةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ زِيَادَةٌ دُفِعَتْ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا إلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 بِالتَّرَاضِي، لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَهُ ثُلُثُ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكُلُّهُ مُدَبَّرٌ، فَيَعْتِقُ كُلُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، فَإِنْ زَادَ الثُّلُثُ عَلَى قِيمَتِهِ دَفَعَ الْوَرَثَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ سَعَى فِي الْفَضْلِ اه مُلَخَّصًا. قُلْت: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على تجزي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَشَارَ بِتَقَدُّمِ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا إلَى ثَمَرَةِ الْخلاف، وأوضحها فِي العزمية بِمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقِنِّهِ الَّذِي قِيمَته ألف دِرْهَم وَأوصى بِثُلثي ألق دِرْهَمٍ لِلْفُقَرَاءِ وَمَاتَ وَتَرَكَ الْعَبْدَ وَأَلْفَيْ دِرْهَمٍ عنق عِنْدَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ مَجَّانًا وَالثُّلُثَانِ مِنْ قِيمَتِهِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْفُقَرَاءِ سَوِيَّةً وَيَدْفَعُ الْعَبْدُ لِلْفُقَرَاءِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا: يَعْتِقُ أَوَّلًا كُلُّ الْعَبْدِ مجَّانا وَلَا شئ للْفُقَرَاء إِ هـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ وَصِيَّة بِالْعِتْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِدَنَانِيرَ إلَخْ) لَوْ صَدَرَ بِلَا فَقَالَ لَا بِدَنَانِيرَ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُرْسَلَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الْآتِي الْمُطْلَقَةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا اه: أَيْ كَمَا إِذا قَالَ بِمِائَةٍ مَثَلًا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّتْ لِمُكَاتَبِ نَفسه) إذَا لَمْ يُعْجِزْ نَفْسَهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَمَّا إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَهَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُلُوكِ؟ حَرِّرْهُ نَقْلًا اه. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمُدَبَّرِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ نَفَاذَهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَهُمَا حِينَئِذٍ حُرَّانِ اه ط. قَوْلُهُ: (لَا لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، فَتَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ. تَأَمَّلْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا تَصِحُّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، لِأَنَّهُ وَصِيَّة للْوَارِث حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِابْنِ وَارِثِهِ كَمَا فِي النَّظْمِ اه. قَوْلُهُ: (وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ) لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ من وَجه، لانصه يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ فِي خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يُقَالُ: شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ، وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، فَتَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ. زَيْلَعِيٌّ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْ الْمَوْلَى. أَتْقَانِيٌّ. وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. تَنْبِيهٌ: قَدَّمْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ تَوْرِيثَ الْحَمْلِ وَالْوَصِيَّةَ بِهِ وَلَهُ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بَعْدَ الانفصار، فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ اه. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ ثُبُوتُ حُكْمِهِمَا، وَإِلَّا فَهُمَا ثَابِتَانِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي كَلَامَهُمْ هُنَا. فَرْعٌ: فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَو أعتق الْوَرَثَة الْحمل الْمُوصى بِهِ حَاز إعتاقهم ويضمنون قِيمَته يَوْم الْولادَة اهـ. أَقُولُ: وَوَجْهُهُ مَا عَلِمْت أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَهُوَ قَبْلَهَا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَبِالْوِلَادَةِ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَقَدْ أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِ فَضَمِنُوا قِيمَتَهُ وَقْتَهَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) إذْ لَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ اُحْتُمِلَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فَلَا تَصِحُّ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَيِّتًا) مِثْلُ الْمَوْتِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 أَقُولُ: وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُوصِي بِأَنَّهَا حَامِلٌ فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لَهُ إنْ وَضَعَتْهُ مَا بَيْنَ سنتَيْن من يَوْم أوصى، لَان وحوده فِي الْبَطْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُوصِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ وَهُوَ الثُّلُثُ، فَيَلْحَقُ بِمَا لَوْ صَارَ مَعْلُومًا يَقِينًا بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اه. كَذَا نَقَلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ التَّافِلَاتِيُّ الْحَنَفِيُّ مُفْتِي الْقُدْسِ الشَّرِيفِ عَنْ مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. قَوْلُهُ: (فَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِيُنْفَقَ عَلَيْهِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: أَوْصَى بِهَذَا التِّبْنِ لِدَوَابِّ فُلَانٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ: يُعْلَفُ بِهَا دَوَابُّ فُلَانٍ جَازَ. قَوْله: (صَحَّ) أَي إِذا قبل فُلَانٌ. أَتْقَانِيٌّ. لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَمُدَّةُ الْحَمْلِ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ط. قَوْلُهُ: (وَلِلْفِيلِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً) الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْقُهسْتَانِيّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ) أَفَادَ بِذَلِكَ اعْتِمَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَفِي الْكَافِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ كَمَا صَرَّحُوا بِمَا مرص فَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا: أَيْ الْحَمْلِ لَهُ الْمَوْجُودِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِإِطْلَاقِهِمْ هُنَا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْإِيصَاءُ لِلْحَمْلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ كَوْنَ الْمُوصى لَهُ مَوْجُود وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ إلَّا إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا. قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ إنْ كَانَ مَعْدُومًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ قَبْضِهِ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، وَالْمِلْكُ بِالْهِبَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْجَنِينُ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ. أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ. أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَدَّمْنَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا ولَايَة للاب على الْجَنِين) لَان ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِحَاجَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَى النَّظَرِ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَنِينِ إلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ، وَكَمَا لَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْأُمِّ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ لَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي صَالَحَتْ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ فِي الْوِلَايَةِ أَقْوَى، فَإِذَا كَانَتْ لَا تَثْبُتُ لِلْأَبِ فَالْأُمُّ أَوْلَى، وَالْجَنِينُ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ جَزْءٍ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسٌ مُودَعَةٌ فِيهَا، فَلِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَجْزَاءِ لَا تَصِحُّ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ مِنْ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ لهَذَا الْمَعْنى اه. تافلاتي عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: (قُلْت وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 هُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ ط. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ فِي قَاعِدَةِ التَّابِعُ تَابِعٌ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُخْشَى عَلَيْهِ التّلف فللمولى بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ تَسْتَغْرِقُهُ بِالنَّفَقَةِ، وَلَوْ عَقَارًا فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَفَقُّهًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِيهِ اه. قَوْلُهُ: (بَلْ قَالُوا إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ، فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِهَا، فَافْهَمْ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالنَّقْلُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الْجَنِينِ مُتَظَاهِرٌ كَثِيرٌ اه. تَنْبِيهٌ: أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَصْبُ الْأَبِ وَصِيًّا عَلَى حَمْلِهِ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ: يَنْبَغِي أَنْ يَصح الْوَقْف عَلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ. قَالَ الْحَمَوِيّ عَلَيْهِ. فَأَفَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ نَصْبُ وَصِيٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَحْثِهِ الْمَارِّ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْن الشلبي مُسْتَندا إِلَى قَوْلهم: إِن الْوَقْف عَلَى الْحَادِثِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَقْفَ أَخُو الْوَصِيَّةِ، فَحَيْثُ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ دَخَلُوا فِيهَا أَيْضًا. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ التَّمْلِيكُ، فَإِنَّ الْوَقْفَ أَخُوهَا لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ، وَالْكَلَامُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْحَمْلِ وَذَلِكَ لَا يُشْبِهُ الْوَقْفَ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي كَلَامِ الْحَمَوِيِّ السَّابِقِ، هَذَا ولمولانا الشَّيْخ مُحَمَّد التافلاتي رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَّقَ فِيهَا بِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ إلَى الْوِلَادَةِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ تَوْرِيثَهُ وَالْوَصِيَّة بِهِ لَهُ مَوْقُوفَانِ إلَيْهَا أَيْضًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (وَصحت بالامة إِلَّا حملهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَمَةِ لَفْظًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا. وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ) أَيْ وَالْحَمْلُ يَصح إِفْرَاده بِالْوَصِيَّةِ، فَكَذَا استنثاؤه مِنْهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا حَرْبِيٍّ فِي دَارِهِ) أَيْ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِنَهْيِنَا عَنْ بِرِّهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ) * (الممتحنة: 9) الْآيَةَ فَعَدَمُ الْجَوَازِ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، بِخِلَاف الْوَصِيَّة لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لحق الْوَرَثَة، لَان الْحَرْبِيّ فِي دَاره كالميت فِي حَقنا والصية لِلْمَيِّتِ بَاطِلَةٌ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ صَرِيحًا، وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ شُرَّاحُهُ أَنَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاضِي زَادَهْ بِأَنَّ لَفْظَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يجوز، وَاعْتَرضهُ فِي العزمية بِأَنَّ نَاقِلِي الْجَوَازِ مُؤْتَمَنُونَ فِي الْأَخْذِ وَالنَّقْلِ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ جَوِي زَادَهْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ بِقَوْلِهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيث مِنْهَا: أَنَّهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفوَان ابْن أُمَيَّةَ لَيُفَرِّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبَى صَفْوَانُ. قَالَ: وَبِهِ تَأْخُذ، لَان صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ وَفِي كُلِّ دِينٍ وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الاخلاق، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَآله: بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ) فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا اه. فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ صِلَةِ الْحَرْبِيِّ وَعَدَمِهِ لَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ اه مُلَخَّصًا. وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ كَالْمَيِّتِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّهْيِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالصِّلَةِ، وَمَا فِي السِّيَرِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الصِّلَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ، فَصَارَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الصِّلَةِ فَقَطْ. أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت نَص الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي مُوَطَّئِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ: وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِالْهَدِيَّةِ إلَى الْمُشْرِكِ الْمُحَارِبِ مَا لَمْ يُهْدَ إلَيْهِ سِلَاحٌ أَوْ دِرْعٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ) فَإِذَا أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِجَمِيعِ مَالِهِ جَازَ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَفَادَهُ الْمُنْلَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُنْلَا خُسْرو. قَوْلُهُ: (وَلَا لِوَارِثِهِ) أَيْ الْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَن الناطفي طكر عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا عَيَّنَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْئًا كَالدَّارِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي سَائِرِ التَّرِكَةِ حَقٌّ يَجُوزُ. وَقِيلَ هَذَا إذَا رَضِيَ ذَلِكَ الْوَارِثُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ كَتَعْيِينِ بَاقِي الْوَرَثَةِ مَعَهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اه. قُلْت: وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ: قِيلَ جَازَ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ وَقِيلَ: لَا اه. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ اجْتَمَعَ قَرَابَةُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ: إنْ كَانُوا وَرَثَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَيْهِمْ لِتَعَاهُدِهِ فَيَأْكُلُونَ مَعَ عِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً جَازَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَوْ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ اه. قَوْلُهُ: (وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ، سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجَرْحِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِعْجَالِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْقَاتِلِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بأجله. تَأمل. فَرْعٌ: جَرَحَهُ رَجُلٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ جَازَتْ لِلْجَارِحِ، لانه لَيْسَ بِقَاتِل. ولولوالجية. قَوْله: (لَا تسببا) كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَي فِي كتاب الْجِنَايَات. قَوْله: (إِلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَإِجَازَةُ الْمَرِيضِ كَابْتِدَاءِ وَصِيَّةٍ) فَإِذَا كَانَ وَارِث الْمُوصي مَرِيضا فَأجَاز الْوَصِيَّة هُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ: إنْ بَرِئَ صَحَّتْ إجَازَتُهُ وَإِنْ مَاتَ من ذَلِك الْمَرَض، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَا تَجُوزُ إجَازَتُهُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ وَرَثَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا تَجُوزُ إجَازَتُهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ إلَخْ) بِأَنْ يُقَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُجِيزِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَكُونَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ أَنْ يُجِيزَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ) وَلِذَا لَمْ يُحْرَمَا الْمِيرَاثَ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا مِنْهُ وَلِي فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْكَبِيرِ الْعُقُوبَةَ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِجَازَةِ كَالْمِيرَاثِ. نَعَمْ هُوَ ظَاهر عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ جِنَايَته بَاقِي وَالِامْتِنَاعُ لِأَجْلِهَا عُقُوبَةٌ لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ دَفْعًا لِلْغَيْظِ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يُشَارِكَهُمْ فِي مَالِ مَنْ سَعَى فِي قَتْلِهِ، وَهَذَا يَنْعَدِمُ بِإِجَازَتِهِمْ وَالصَّبِيُّ بِمَعْزِلٍ مِنْ الْغَيْظِ، فَلَمْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْبَالِغِ. كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ سِوَى الْمُوصَى لَهُ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي سِوَاهُ وَقَوْلُهُ: الْقَاتِلِ أَوْ الْوَارِثِ بَدَلٌ مِنْ الْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ الْوَارِثِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَو أوصى لقَتله وَلَا وَارِثَ لَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَهَا رُبُعُهُمَا) لِأَنَّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَفَرْضهَا رُبُعُ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الثُّلُثُ) وَهُوَ نِصْفُ الْبَاقِي. فَرْعٌ: تَرَكَ امْرَأَةً وَأَوْصَى لَهَا بِالنِّصْفِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِالنِّصْفِ: يُعْطَى لِلْأَجْنَبِيِّ أَوَّلًا الثُّلُثُ وَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ الْبَاقِي إرْثًا وَالْبَاقِي يقسم بَينهمَا على قدر حقوقهما. تاترخانية. وَفِيهَا: تَرَكَتْ زَوْجَهَا فَقَطْ وَقَدْ كَانَتْ أَوْصَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِالنِّصْفِ فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَلِلزَّوْجِ الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ اه. وَلَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) لَكِنَّهُ تُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ لَا يُرَاعَى شَرَائِطُ الْوَصِيَّةِ، لَو أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ سِتَّةِ أَثْوَابٍ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ تُرَاعَى شَرَائِطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ مَعَ فُلَانٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لَا يُرَاعَى شَرْطُهُ اه. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يُوهِمُ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ مُطْلَقَةٌ وَمِثْلُهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ إجَازَةُ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ: يَعْنِي كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا مَجَازًا، أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ، وَأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّأْوِيلُ؟ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 الْأَثَرِ لَا يَصِحُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، عندنَا الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلَمِ التَّكْلِيفُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) * (النِّسَاء: 6) الْآيَةَ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ اه مُلَخَّصًا. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ رَفْعُ التَّكْلِيفِ دَلِيلُ الْحَجْرِ عَنْ الْأَقْوَالِ وَالتَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ شَرْعًا. تَأَمَّلْ. قَوْله: (يَعْنِي الْمُرَاهق) تَفْسِير ليافع، والمراهق قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ عِنْدَهُمَا إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَلَا تَصِحُّ إجْمَاعًا، كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ إجْمَاعًا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالدَّلِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ ط. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَضَافَهَا) بِأَنْ قَالَ: إذَا عَتَقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لَهُ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ، كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَضَافَاهَا) كَأَنَّ نُسْخَتَهُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الْمَانِعِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، فَإِن أهليتهما كَامِلَة، وَإِنَّمَا مِنْهُ لحق الْمولى فَتَصِح إضافتهما إلَى حَالِ سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى، أَمَّا الصَّبِيُّ فَأَهْلِيَّتُهُ قَاصِرَةٌ، فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ، فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا. قَوْلُهُ: (بِالْإِشَارَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ أَدَاةِ النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: إنْ امْتَدَّتْ لِمَوْتِهِ جَازَ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اه. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَشْرُوطٌ بِالِامْتِدَادِ سَنَةً وَإِن لم يتَّصل بهَا الْمَوْت، وَهَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ. قَوْلُهُ: (دُرَرٌ) وَبِهِ جَزَمَ فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يقبل أَو يَمُوتَ. أَتْقَانِيٌّ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ بل قَبُولٍ) أَيْ وَلَا رَدٍّ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهَا لِأَنَّ تَمَامَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَدْ فَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَوُقِفَتْ عَلَى خِيَارِ الْمُوصَى لَهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 بِالْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَوْ مَاتَ فِي الثَّلَاثِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَتِمُّ وَالسِّلْعَةُ لِوَرَثَتِهِ، فَكَذَا هُنَا، فَيَكُونُ مَوْتُهُ بِلَا رَدٍّ كَقَبُولِهِ دَلَالَةً. أَتْقَانِيٌّ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ مِلْكَ الْمُوصَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا يُمْكِنُ قَبُولُهُ. بِخِلَافِ نَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَصْلَحَةِ مَسْجِدٍ وَحَجٍّ وَغَزْوَةٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: أَعْطُوا بَعْدَ مَوْتِي ثُلُثَ مَالِي مَسَاكِين مَكَّة كَذَا، فَلم مَاتَ أَتَى الْوَصِيُّ بِالْمَالِ إلَيْهِمْ فَقَالُوا: لَا نُرِيدُهُ وَلَيْسَ بِنَا حَاجَةٌ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ رَجَعُوا قَبْلَ رَدِّهِ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ بِالرَّدِّ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَإِذَا قَبِلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ قَبِلُوهَا انْفَسَخَ مِلْكُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرُوا اه، سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا) لِأَنَّ تَمَامَهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ، وَالْإِيجَابُ الْمُفْرَدُ يَجُوزُ إبْطَالُهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ، فَفِي التَّبَرُّعِ أَوْلَى. عِنَايَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة على أَنْوَاع: مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ، وَمَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ، فَإِنَّهُ لَو بَاعَ أَو وهب لن تَبْطُلْ وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِالْفِعْلِ كَالتَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ، فَلَوْ بَاعه صَحَّ، لَكِن لَو اشْتَرَاهُ عاح د لِحَالِهِ الْأَوَّلِ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ بِهِمَا كَالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ اه مُلَخَّصًا مِنْ الْأَتْقَانِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِعْلٍ إلَخْ) هَذَا رُجُوعٌ دَلَالَةً وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَقَدْ يَثْبُتُ ضَرُورَةً بِأَنْ يَتَغَيَّرَ الْمُوصَى بِهِ وَيَتَغَيَّرَ اسْمُهُ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ فِي كَرْمِهِ فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ بِبَيْضَةٍ فَحَضَنَتْهَا دَجَاجَةٌ حَتَّى أَفْرَخَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُزِيلَ اسْمَهُ إلَخْ) كَمَا إذَا اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ الصُّفْرَ آنِيَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ فِي قَطْعِ مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ أَوْلَى. زَيْلَعِيٌّ. أَيْ فِي الْمَنْعِ عَنْ حُصُولِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمُوصَى بِهَا كَانَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ رُجُوعًا وَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُهُ، لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ كَقَطْعِهِ الثَّوْبَ وَلَمْ يَخِطْهُ، وَهَدْمِ بِنَاءِ الدَّارِ، وَلَكِنْ نَقُولُ الذَّبْحُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبْقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ دَلِيلَ الرُّجُوعِ، لِأَنَّ اللَّحْمَ قَلَّمَا يَبْقَى عَادَةً إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (كِلْت السَّوِيقَ إلَخْ) وَكَالْقُطْنِ يَحْشُو بِهِ وَالْبِطَانَةِ يُبَطِّنُ بِهَا وَالظِّهَارَةِ يُظَهِّرُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ جِهَتِهِ. هِدَايَةٌ. وَكَذَا لَوْ زَرَعَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ كَرْمًا لَا لَوْ زَرَعَ رُطَبَةً. خَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالتَّجْصِيصُ زِينَةً. أَتْقَانِيٌّ. وَانْظُرْ هَلْ تَطْيِينُ الدَّارِ وَتَكْلِيسُهَا كَالْبِنَاءِ أَوْ كَالتَّجْصِيصِ؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ طَيَّنَهَا يَكُونُ رُجُوعًا إذَا كَانَ كَثِيرًا اه. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (عَطْفٌ عَلَى بِقَوْلِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَجْرُورِ بِدُونِ الْجَار. أَفَادَهُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَصْلٌ ثَالِثٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ قسم ثَالِث للْفِعْل الْمُفِيد للرُّجُوع، خلافًا لم يُفِيدُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْفِعْلِ، لَكِن قَالَ ح: هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: أَو يزِيد، وَلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 يذكر لَفْظَة الصّرْف، وَأَمَّا عَلَى ذِكْرِهَا فَلَا، سَوَاءٌ كَانَ بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ اه. قَوْلُهُ: (عَادَ لِمِلْكِهِ ثَانِيًا) أَيْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ، زَيْلَعِيٌّ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَقَوْلِهِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَادَ إلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ، كَمَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إِذا خلطه بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمكن تَمْيِيزه) أَقُولُ: وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ وَلَكِنْ بِعُسْرٍ كَشَعِيرٍ بِبُرٍّ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا عِنْدَ قَول الْمَتْن: أَو فعل لحق الْمَالِكِ سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: فِي النَّفْعِ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ بِهِ إزَالَةُ الْوَسَخِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلْهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا اه: أَيْ إبْقَاءً لِلْوَصِيَّةِ لَا رُجُوعًا عَنْهَا. قَوْلُهُ: (لَا يَضُرُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ. زَيْلَعِيٌّ، لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ تَمَامِهَا، لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْمَوْتِ، كِفَايَةٌ. قَوْله: (وَلَا بجحودها) لَان الرُّجُوع عَن الشئ يَقْتَضِي سبق وجوده وجحود الشئ يَقْتَضِي سيق عَدمه، إِذْ الْجُحُودُ نَفْيٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعا اقْتضى وجود لوَصِيَّة وَعَدَمَهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ، كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَلَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنَّفُ عَلَى عَادَتِهِ اه. أَقُولُ: وَأَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُ فَكَانَ مُخْتَارًا لَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَوَاهِبِ وَالْإِصْلَاحِ. قَالَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الْبَحْرِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْإِفْتَاءُ فَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْمُتُونَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَحَرَامٌ أَوْ رِيَاءٌ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَكُلُّ ذَلِكَ رُجُوعٌ) لِأَنَّ التَّرْكَ إسْقَاطٌ وَالْبَاطِلَ الذَّاهِبُ الْمُتَلَاشِي، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ (الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ الخ) يدل على قطع الشَّوْكَة، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا للثَّانِي وَلم تكن، فَبَقيَ لاول عَلَى حَالِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْجَزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إِلَى مَا بعد المون حُكْمًا، لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَعِنْدَ عَدَمِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمِنَحِ بعدهمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهِيَ الْأَنْسَبُ. قَوْلُهُ: (لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ) أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْمَوْتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 إلَخْ) فَتَصِحُّ لَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إلَخْ) لِأَنَّ الاقرار مُلْزم بِنَفسِهِ فَلَا يتَوَقَّف إِلَى شَرْطٌ زَائِدٌ، كَتَوَقُّفِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمَوْتِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لِأَجْنَبِيَّةٍ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَو أقرّ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ أَيْ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثَةٍ وَقْتَهُ، وَإِنْ صَارَتْ وَارِثَةً وَقْتَ الْمَوْتِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِرْثِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ كَالتَّزْوِيجِ هُنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ ثُمَّ زَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ، كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْله: (أَو عبدا) قيد الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى، إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ اه. وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ أَوْرَاقٍ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالنِّهَايَةِ عَدَمُ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِعِتْقِ الابْن الْمقر بِهِ مُطْلَقًا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ. فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لِقِيَامِ النُّبُوَّة وَقْتَ الْإِقْرَارِ) عِلَّةٌ لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا وَقْتُ الْمَوْتِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَقَدْ صَارَ الِابْنُ وَارِثًا وَقْتَهُ فَبَطَلَا. قَوْله: (وَهبة مقْعد الخ) النقعد بِضَمٍّ فَفَتْحٍ: مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْمَفْلُوجُ: مَنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَطَلَ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ، وَالْأَشَلُّ: مَنْ شُلَّتْ يَدُهُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (بِهِ عِلَّةُ السُّلِّ) هُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي النِّهَايَة عَن االمغرب مِنْ أَنَّ الْمَسْلُولَ مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ لِمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ هُنَا، لِأَنَّهُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ لَا يُسَمَّى مَرِيضًا أَصْلًا. قَوْلُهُ: (إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ سَنَةً) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنْ عُدَّ فِي الْعُرْفِ تَطَاوُلًا فَتَطَاوُلٌ، وَإِلَّا فَلَا. قُهُسْتَانِيٌ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ مُوضِحَةً لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ. حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ اه ط. ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْخَوْفِ الْغَالِبُ مِنْهُ لَا نَفْسُ الْخَوْفِ. كِفَايَةٌ وَفَسَّرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَدَمَ الْخَوْفِ بِأَنْ لَا يَزْدَادَ مَا بِهِ وقتا فوقتا اهـ. لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يزْدَاد حَالا فحالا إِلَى أَن * ويمون آخِرُهُ الْمَوْتَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا يكون سَببا ل لمَوْت، كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يُخَافُ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالتَّدَاوِي اه. زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَطُلْ وَخِيفَ مَوْتُهُ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَإِلَّا يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ أَوْ خِيفَ مَوْتُهُ بِأَنْ يَزْدَادَ مَا بِهِ يَوْمًا فَيَوْمًا اه. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَطُلْ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَنَصُّهَا: أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَض حَادث، حَتَّى تعْتَبر تصارفاته مِنْ الثُّلُثِ اه. وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ. وَبَقِيَ مَا إذَا طَالَ وَخِيفَ مَوْتُهُ، وَمُقْتَضَى عبارَة الْقُهسْتَانِيّ أَنه من الثُّلُث أَيْضًا، وَهُوَ الْمَفْهُومُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ مَا يَكُونُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ) أَيْ طَوِيلَةُ الزَّمَانِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ مَالِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا إلَخْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَأَمَّا الْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَاتِلَةٍ اه. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ) وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَسُئِلَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ عَنْ حَدِّ مَرَضِ الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ، وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى قَول الْفضل، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ خَارِجَ الدَّارِ وَالْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا دَاخِلَ الدَّار لصعود السَّطْح وَنَحْوه. اه. وَهَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي طَالَتْ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهَا الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَيَّرَتْهُ ذَا فِرَاشٍ وَمَنَعَتْهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي حَوَائِجِهِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ هُنَا. تَأمل. قَوْله: (وَالْمُخْتَار الخ) كَذَا اخْتِيَاره صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ. تَنْبِيهٌ: تَبَرُّعُ الْحَامِلِ حَالَةَ الطَّلْقِ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ اخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُكَافِئَةٌ لِلْأُخْرَى أَوْ مقهور فَهُوَ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فَلَا. وَرَاكِبُ الْبَحْرِ إنْ كَانَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَإِنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ اضْطَرَبَ فَهُوَ مخوف. والمحبوس إِذا كَانَ من عَادَتُهُ الْقَتْلَ فَهُوَ خَائِفٌ، وَإِلَّا فَلَا. مِعْرَاجَ مُلَخَّصًا. وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا مَرَّ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا إلَخْ) اعْلَم أَن الْوَصَايَا إِمَّا أَن كَون كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْعِبَادِ، أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ اعْتِبَارَ التَّقْدِيمِ مُخْتَصٌّ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَلَا يُعْتَبَرُ، فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بِهِ لِآخَرَ، إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّقْدِيمِ، أَوْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِتْقًا أَوْ مُحَابَاةً عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى: فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ وَاجِبَاتٍ كالكفارات وَالنُّذُور وَصدقَة الْفطر، أَو تطوعات كَالْحَجِّ والتطوع وَالصَّدَََقَة للْفُقَرَاء يبد بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ يُبْدَأُ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا، ثُمَّ بِالْوَاجِبَاتِ، وَمَا جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ حَقِّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهَا، وَيُجْعَلُ كُلُّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَلَا تجْعَل فَإِنَّهُ يقسم الثُّلُث على جَمِيعهَا، وَيجْعَل الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَوَصَايَا الْآدَمِيِّينَ، ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، فَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَلِزَيْدٍ وَالْكَفَّارَاتِ: قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَلَا يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْآدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يُقَسَّمُ، بَلْ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى، لِأَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ مُنَفَّذٌ فِي الْمَرَضِ أَوْ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا مُحَابَاةَ مُنَجَّزَةٌ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ بُدِئَ بِهِمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي إلَى سَائِرِ الْوَصَايَا اه. مُلَخصا من الْعِنَايَة وَالنِّهَايَة والتبيين. قَوْلُهُ: (قُدِّمَ الْفَرْضُ) كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ. زَيْلَعِيٌّ. وَأَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالْكَفَّارَاتِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 الْحَقِيقِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ الْوَاجِبُ ثُمَّ النَّفَلُ كَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً إلَخْ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْفَرْضِيَّةِ وَغَيرهَا قدم مَا قدمه. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ. وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ الخ، وَمثله فِي الِاخْتِيَار والقهستاني. فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بَعْضُ الْفَرَائِضِ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا تَقْدِيمٍ مِنْ الْمُوصِي إذَا تَسَاوَتْ قُوَّةً: أَيْ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَرَائِضَ حَقِيقَة احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا وَاجِبَاتٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَقْدِيم بَعْضِ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ، وَبِالْأَوَّلِ الْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد: كل شئ كَانَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَأَوْصَى بِهِ رَجُلٌ وَالثُّلُثُ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ تَطَوُّعًا بَدَأَ بالاول مِمَّا نطق بِهِ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِرِهِ أَوْ يُنْتَقَصُ الثُّلُثُ فَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّهُ فَرِيضَةً بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتَّى يَكُونَ النُّقْصَانُ عَلَى الْآخِرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ تَطَوُّعًا وَبَعْضُهُ فَرِيضَةً أَوْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بُدِئَ بِالْفَرْضِ أَوْ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي نُطْقِهِ. قَالَ هِشَامٌ: إلَى هُنَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا. وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ إلَخْ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ - يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا، فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا، وَهُمَا عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ الْوَعِيدِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ إلَخْ. وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ. أَقُولُ: صَدْرُ تَقْرِيرِهِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَآخِرُهُ لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُفَرِّعًا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخِرِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى تُخَالِفُهُمَا، وَأَنَّ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَعِيفٌ. فَتَدَبَّرْ. وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَحَلَّ، فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ تُقَدَّمُ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِقُوَّتِهَا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، ثُمَّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِوُجُوبِهَا بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِيَةُ بِإِيجَاب حُرْمَة على نَفسه، وَلنَا فِيهِ نظ ر لانه خلاف الْمَنْصُوص من الرِّوَايَة، لانه لَا تُقَدَّمُ الْفَرَائِضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ بَلْ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي، وَقَدْ مَرَّ نَصُّ الْكَرْخِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْوَعِيدُ، وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي شئ مِنْ الْكَفَّارَاتِ اه. وَأَرَادَ بِالْبَعْضِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ الْأَتْقَانِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الْكَفَّارَاتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالشَّارِحُ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَلَيْهِ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى بَعْضٍ إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ، كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَبِهِ يَسْقُطُ النَّظَرُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ ثُمَّ يَمِينٍ ثُمَّ ظِهَارٍ) تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إفْطَارٍ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْفِطْرَةِ لوُجُوبهَا بالاجماع وبأخبار مستفيضة عَلَى كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى النَّذْرِ، لِأَنَّهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُقَدَّمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 عَلَى مَا يَجِبُ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ وَالنَّذْرُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا دُونَ وُجُوبِهِ. قَوْلُهُ: (وَقُدِّمَ الْعُشْرُ) لَعَلَّهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ قُصِرَ عَلَى الثَّانِي ط. قَوْلُهُ: (أَنَّ حَجَّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ) يُشِيرُ إلَى تَقْدِيمَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي، لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ فِيهِ مَا قَدَّمَهُ كَحَجِّ تَطَوُّعٍ وَعِتْقِ نَسَمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَصَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ، يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْعِتْقِ اه. وَقَوْلُهُ: يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ الْحَجِّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا، وَلَمَّا شَاهَدَ مَشَقَّةَ الْحَج رَجَعَ، فَإِن حَجَّ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيدُ إنْفَاقَهُ كَانَ أَفْضَلَ. قَوْلُهُ: (أُحِجَّ عَنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (رَاكِبًا) لانه لَا يلْزم أَن يحجّ ماشيئا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ النَّفَقَةُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا: لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ وَفَاءٌ بِالرُّكُوبِ فَمَشَى واستبقى النَّفَقَةَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ ثَوَابُهَا لَهُ اه. قَوْلُهُ: (أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ) أَيْ مِنْ بَلَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَاب الْحَج عَن عَنْ الْغَيْرِ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ، أَمَّا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا. قَوْلُهُ: (مِنْ بَلَدِهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ. زَيْلَعِيٌّ. فَإِنْ أَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ يَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بِحَيْثُ يَبْلُغُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ اللَّيْلِ اه. مَنَاسِكُ السِّنْدِيِّ. وَفِيهَا: لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ يُحَجُّ عَنْهُ كَمَا أَوْصَى قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بَعُدَ اه. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصِي يَأْثَمُ بِذَلِكَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا لَا يَكْفِي لِلْإِحْجَاجِ مِنْ بَلَدِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ الْمُتُونُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمْ اه قَاسِمٌ. قَوْلُهُ: (فَافْهَمْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ إلَخْ) وَلَوْ لَهُ أَوْطَانٌ فَمِنْ أَقْرَبِهَا إلَى مَكَّةَ، وإ مَكِّيًّا فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَمِنْ مَكَّةَ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْقِرَانِ فَمِنْ خُرَاسَانَ. جَوْهَرَةٌ. فَرْعٌ: قَالَ أَحَجُّوا عَنِّي بِثُلُثِ مَالِي أَوْ بِأَلْفٍ وَهُوَ يَبْلُغُ حِجَجًا: فَإِنْ صَرَّحَ بِوَاحِدَةٍ اتَّبَعَ وَرُدَّ الْفَضْلُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِلَّا حُجَّ عَنْهُ حِجَجًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ اه سِنْدِيٌّ. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 (بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِالْكُلِّ مُغَايِرٌ لِمَا اشْتَرَى بِالثُّلُثِ. دُرَرٌ. وَنَظِيرُهُ يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ ط. قَوْلُهُ: (فَصَارَ مَعْتُوهًا إلَخْ) عِبَارَةُ لخانية: فَصَارَ معتوها فمكس كَذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّد: وَصيته بَاطِلَة اه. وَانْظُر هَل تعتبفيه الْمدَّة الْمُعْتَبرَة فِي الجون وَالظَّاهِرُ نَعَمْ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ الزَّمَانَ مُنَكَّرًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ ط. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: جَائِزَةٌ، وَيُصْرَفُ إلَى وجوده الْبِرِّ، وَبِهِ يُفْتَى اه. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الْمُوصِي لَا إلَى قَصْدِهِ وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْمِعْرَاج: أوصى بشئ لمَسْجِد الْحَرَامِ لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، وَذِكْرُ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَصِحُّ وَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ اه. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِصَاحِبِ الْفرس. خَانِية. أَقُول: وَيُؤْخَذ مِنْهُ مِمَّا ذكره الاتقاني من أَنه أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِمَا فِي بَطْنِ دَابَّةِ فُلَانٍ لِيُنْفَقَ عَلَيْهَا جَازَ إذَا قَبِلَ صَاحِبُهَا اه. أَنَّ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِهِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لَهُ، وَأَنَّهَا تبطل برده وبموته قَبْلَ الْمُوصِي. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَبْطُلُ بِبَيْعِهَا) وَكَذَا بِمَوْتِهَا خَانِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً لِصَاحِبِهَا إلَّا أَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى وُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَإِذَا بِيعَ الْفَرَسُ بَطَلَ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ اه. أَيْ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْإِضَافَةِ بِأَنْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ مَثَلًا، لِأَنَّ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ لَا يُهْجَرُ لِذَاتِهِ بَلْ لِأَجْلِ صَاحبه كَمَا قَرَّرَهُ فِي مَحَلِّهِ، فَهُنَا تَبْقَى الْوَصِيَّةُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ مَوْجُودَةً، وَتَبْطُلُ بِزَوَالِهَا. لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا قُبَيْلَ هَذَا الْفَرْعِ: لَوْ أَوْصَى لِمَمْلُوكِ فلَان بِأَن ينفح ق عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَتَدُورُ مَعَ الْعَبْدِ حَيْثُمَا دَارَ بِبَيْعٍ أَوْ عتق. وَعبارَة الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ، وَتَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ بِيعَ أَوْ عَتَقَ، وَإِنْ صَالَحَ مَوْلَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَجَازَ الْعَبْدُ جَازَ، وَإِنْ عَتَقَ ثُمَّ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ اه. وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدِ الْوَارِثِ لَا تَجُوزُ، لِأَنَّهَا وَصِيَّة للْوَارِث حَقِيقَة. قَوْله: (وَله سكناهَا) أَيْ بِالْمُهَايَأَةِ مَعَ الْوَارِثِ زَمَانًا. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُ ثُلُثَيْهَا) لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فِي سُكْنَى كُلِّهَا بِظُهُورِ مَالٍ آخَرَ أَوْ بِخَرَابِ مَا فِي يَدِهِ، فَحِينَئِذٍ يُزَاحِمُهُمْ فِي بَاقِيهَا. قَوْلُهُ: (لَهُ ذَلِكَ) أَيْ لِلْوَارِثِ بَيْعُ ثُلُثَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَرَثَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ سُكْنَاهَا وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ: أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ الْمُقَاسَمَةُ فِي عَيْنِ الدَّارِ بِالْأَجْزَاءِ إِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 احْتَمَلَتْ الْقِسْمَةَ، وَهَذَا أَعْدَلُ مِنْ الْمُهَايَأَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمَا أَنْ يَدُوسَ وَيَسْلُخَ الشَّاةَ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: أَنْ يَدُوسَا وَيَسْلُخَا الشَّاةَ بِأَلْفِ التَّثْنِيَةِ اه ح. قُلْت: وَأَنْ يَزِيدَ وَيَحْلِجَا الْقُطْنَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِدُهْنِ هَذَا السِّمْسِمِ لِرَجُلٍ وَبِكَسْبِهِ لِآخَرَ، وَبِمَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ لِرَجُلٍ وَبِالْمَخِيضِ لِآخَرَ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الدُّهْنِ وَالزُّبْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخراجهما فَقَط، وَبِه يعْتَبر مَا لِشَرِيكِهِ عَنْ حَالِهِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ. وَلَوْ كَانَت الشَّاة حَيَّة فأجر الذّبْح عَن صَاحِبِ اللَّحْمِ خَاصَّةً، لِأَنَّ التَّذْكِيَةَ لِأَجْلِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي رَمَضَانَ) لَعَلَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِلَّا فَغَيْرُ رَمَضَانَ مِثْلُهُ، وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ للغزو، فَإِنْ أَعْطَوْا حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ. وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ صُرِفَ إلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ، لَكِنْ إلَى سِرَاجٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ اه. وَهَذَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي تَعْيِينِ قَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ ط. قَوْلُهُ: (وَتُصْرَفُ لِفُقَرَاءِ الْكَعْبَةِ) الَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لِمَسَاكِينَ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لِلْمَسْجِدِ وللقدس) أَقُول: الَّذِي فِي الْمنح عَنْ الْمُجْتَبَى: وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْإِيصَاءِ لِلْمَسْجِدِ قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقَوْلٌ بِالصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ، ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تُصْرَفُ عَلَى مَنَافِعِهِ، أَوْ عَلَى فُقَرَائِهِ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ بِالْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الثَّانِي فَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى مَا تَرَى، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُوَ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى إرَادَةِ مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ لَا عَلَى إرَادَةِ عَيْنِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا، وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَفْتَرِقُ عَنْ الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَن الْبَزَّازِيَّة عزا مَا فِي الْمَتْنِ لِمُحَمَّدٍ فَافْهَمْ وَلَا تَتَعَسَّفْ. وَيَنْبَغِي الافتاء بِأَن الْوَصِيَّة لِلْمَسْجِدِ وصبة لفقرائه فِي مثل الازهر، وَكَذَا حَرَّرَ هَذَا الْمَحَلَّ السَّائِحَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَانْظُرْ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (جَازَ لغَيرهم) قَالَ فِي الخرصة: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ اه. قُلْت: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ فِي النَّذْرِ بِإِلْغَاءِ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالدِّرْهَم وَالْفَقِيرِ. قَوْلُهُ: (لِوَارِثِ الْمُوصِي) لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى ملكه. ولولوالجية. وَهَلْ نَفَقَتُهُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوْ أوصى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 لِزَيْدٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي؟ لَمْ أَرَهُ. قَوْلُهُ: (لِأَعْمَالِ الْبِرِّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى يَجُوزَ صَرْفُهُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَسِرَاجِ الْمَسْجِدِ دُونَ تَزْيِينِهِ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ اه. قَوْلُهُ: (فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامع الْفَتَاوَى. قَوْله: (وَيطْعم) أَي بِأَن يُطْعَمَ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِمَنْ طَالَ مُقَامُهُ وَمَسَافَتُهُ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ. خَانِيَّةٌ. وَتَفْسِيرُ طُولِ الْمَسَافَةِ أَنْ لَا يَبِيتُوا فِي مَنَازِلِهِمْ. ظَهِيرِيَّةٌ. وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُمْ الْمَبِيتُ فِيهَا لَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَوْله: (يضمن) الظَّاهِر أَن هَذَا لم مِقْدَارًا مَعْلُوما. قَوْله: (وَحمل المُصَنّف الْأَوَّلَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ. قَوْلُهُ: (بِقَيْدِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَجْتَمِعُ النائحات فَتكون وَصِيَّة لَهُنَّ فبطلت اه. وَالظَّاهِر أَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ كَذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّ حَمْلَ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمُصِيبَةِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِاشْتِغَالِهِمْ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّ فِيهِ تَجْتَمِعُ النائحات فَيكون إِعَانَة على الْمعْصِيَة. أَقُول: وَعَلَّلَ السَّائِحَانِيُّ لِلْبُطْلَانِ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلنَّاسِ، وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل على الْحجَّة فَوَقَعَتْ تَمْلِيكًا مِنْ مَجْهُولٍ فَلَمْ تَصِحَّ اه. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ. أَقُولُ: قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ، تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يشبعهم يومهم وليلتهم، لقَوْله صلاى الله عَلَيْهِ وَآله: اصنعوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَ مَا يَشْغَلُهُمْ حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم. قَوْله: (أوصى بِأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فلام) لَعَلَّ وَجْهَ الْبُطْلَانِ أَنَّ فِيهَا إبْطَالَ حَقِّ الْوَلِيِّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا) اُنْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ. قَوْلُهُ: (وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تطيين الْقبُول وَلَا الْقِرَاءَةُ عِنْدَهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّة مَبْنِيّ على الظَّهِيرِيَّة بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد تصرف لوجوه الْبِرِّ) قَدَّمْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ: أَي لانه وَإِن كَانَ كل شئ لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّصَدُّقُ لِوَجْهِهِ تَعَالَى تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. قَوْلُهُ: (قَالَ أَوْصَيْت إلَخْ) وَكَذَا أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي وَهُوَ أَلْفٌ، فَلَهُ الثُّلُثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ ألف غير مُحْتَاج إِلَيْهِ، ولولوالجية. وَكَذَا أَوْصَيْت بِنَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ الثُّلُث فَإِذا تصيبه النِّصْفُ فَهُوَ لَهُ، أَوْ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ كُرُّ طَعَامٍ فَإِذَا فِيهِ أَكْثَرُ أَوْ كُرُّ حِنْطَةِ أَوْ شَعِيرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمُشَارٍ إلَيْهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ صَحَّ وَافَقَ الْمِقْدَارَ أَوْ لَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِيجَابَ وَالتَّمْلِيكَ إلَى الثُّلُثِ مُطْلَقًا، وَإِلَى جَمِيعِ مَا فِي الْكِيسِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ، إلَّا أَنَّهُ غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِيجَابِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِقْدَارًا مَعْلُومًا فَانْصَرَفَ إلَى الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّة. فارجعه. قَوْلُهُ: (إذَا مِتُّ) بِضَمِّ التَّاءِ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْقنية صَحَّ وَصِيَّة فوصية بِالتَّنْوِينِ مَنْصُوب عل التَّمْيِيزِ: أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْرَاءٍ بَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مَوْتِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إنْ مِتّ إلَخْ) عَزَاهُ فِي مُخْتَصَرِ الْقُنْيَةِ لِبَعْضِ الْكُتُبِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ إذَا فُتِحَ التَّاءُ أَخْذًا مِمَّا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، لَوْ قَالَ لمديونه: إِن مت بِفَتْح التَّاء فَأَنت برِئ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِخَطَرٍ اه: أَيْ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَرِ هُنَا التَّعْلِيقُ عَلَى مَعْدُومٍ مُتَرَقَّبِ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ كالموت ومجئ الْغَدِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ بِشَرْط كَائِن كَقَوْل لِمَدْيُونِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ. وَمَرَّ تَمَامُهُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فِي بِلَادِ خَوَارِزْمَ) وَكَذَا الْإِقْلِيمِ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ. سَائِحَانِيٌّ. وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ فِي خَوَارِزْمَ لَا يَتَّبِعُونَ الشَّبَهَ بَلْ يَتَعَلَّمُونَ، وَيَعْلَمُونَ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَفِي الْبِلَادِ الْأُخْرَى يَذْكُرُونَ شَبَهَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُلَبَّسَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَقَائِدُهُمْ بِلَا تَعَرُّضٍ لِرَدِّهَا وَحَثَّ عَنْ تَجَنُّبِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُمْ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ نَصِيبٌ ط. قَوْلُهُ: (فَتَنَبَّهْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ قُنْيَةٌ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَإِلَّا أَوْهَمَتْ أَنَّهَا عِبَارَةُ السِّرَاجِ ط. قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُوصِي أَوْ وَرَثَتِهِ إذَا هَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ، أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ: فَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ، وَإِنْ مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ط. وَعِبَارَةُ السارج ذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَرَاجِعْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 بَاب الْوَصِيَّة بِثلث المَال فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِثُلُثِ مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تُجِزْ) أَيْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) أَيْ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْوَصَايَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ كَثُلُثٍ لِوَاحِدٍ وَسُدُسٍ لِآخَرَ وَرُبُعٍ لِآخَرَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ، وَلَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ سَوِيَّةً بَيْنَهُمْ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْأُولَى. وَتَمام ذَلِك فِي التاترخانية. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ) فَإِنْ أَجَازُوا فَعِنْدَهَا يُقْسَمُ الْكُلُّ أَرْبَاعًا وَلَا نَصَّ فِيهِ عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قِيَاسُ قَوْلِهِ: أَنْ يُسَدَّسَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِصَاحِبِ الْكُلِّ، فَكَانَ نزاعهما فِي الثُّلُث فَنصف، فالنصف الَّذِي هُوَ السُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ هَذَا تَخْرِيجٌ قَبِيحٌ لِاسْتِوَاءِ مِنْهُم صَاحِبِ الثُّلُثِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ السُّدس، وَالصَّحِيح أَنْ يُرَبَّعَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثُّلُثَ أَوَّلًا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ يَدَّعِيهِمَا صَاحِبُ الْكل، سَهْمَيْنِ مِنْهَا صَاحب الثُّلُث ليتم لَهُ الثُّلُث، فتسلم السِّتَّةِ لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَيَتَنَازَعَانِ فِي السَّهْمَيْنِ بِنِصْفَيْنِ، فَتحصل ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَغَيْرِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُ اسْتِوَاءُ حَالَتَيْ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِجَمِيعِ مَالِهِ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِكُلِّهِ يُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُثَلَّثُ فِي الْأَوَّلِ وَيُخَمَّسُ خُمُسَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي الثَّانِي وَيُرَبَّعُ فِي الثُّلُث اه. فَالْحكم عِنْده وَهُوَ التصنيف مُتَّحِدٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كُلًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَالْأَصْلُ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسَائِلُ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَضْرِبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تُجَزْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (تَقَعُ بَاطِلَةً) لَيْسَ الْمُرَادُ بُطْلَانَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَإِلَّا لَمَا اسْتَحَقَّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بُطْلَانُ الزَّائِدِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ. وَالثَّانِي يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْأَوَّلِ، وَلَمَّا بَطَلَ الْأَوَّلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَعَدَمِ إجَازَتِهِمْ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ، فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ حَقِيقَةً اه مِنْ الْعِنَايَةِ مُوَضَّحًا. قَوْلُهُ: (وَقَالَا أَرْبَاعًا) أَيْ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْبَاطِلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ هُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ قَصَدَهُمَا الْمُوصِي، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ بَطَلَ لِحَقِّ الْوَرَثَة، وَأما الشئ الْآخَرُ وَهُوَ قَصْدُ الْمُوصِي تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، فَقَدْ جَعَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ مَا جَعَلَهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، فَيَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الزَّائِدِ بِأَنْ يُقْسَمَ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْآخَرِ. قَوْلُهُ: (فَاضْرِبْ الْكُلَّ فِي الثُّلُثَيْنِ) صَوَابُهُ: فِي الثُّلُثِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَيْ اضْرِبْ كُلَّ حَظٍّ فِي ثُلُثِ الْمَالِ بِأَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ حَظَّ صَاحِبِ الْكل فِي الثُّلُث وَسَهْما وَاحِدًا لِآخِرِ الثُّلُثِ يَحْصُلُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ تُجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ يُعْطَى لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَلِلثَّانِي رُبُعُهُ، وَسَيَتَّضِحُ. ثَمَّ الصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحُسَّابِ) وَهُوَ تَحْصِيلُ عَدَدٍ نِسْبَتُهُ إلَى أَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ كَنِسْبَةِ الْآخَرِ إلَى الْوَاحِدِ، وَقَوْلُهُ: لَا يَضْرِبُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ مُسْنَدًا مَجَازًا إلَى الْمُوصَى لَهُ وَالْبَاءُ صِلَةُ الْمُوصَى لَهُ، وَصِلَةُ يَضْرِبُ مَعَ مَفْعُولِهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَدَدًا فِي عَدَدٍ، فَلَا يَضْرِبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فِي الثُّلُثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَقُولُ: ضَرْبُ الْكُسُورِ فِي مُصْطَلَحِ الْحُسَّابِ عَلَى مَعْنَى خُذْ، فَإِذَا قِيلَ: اضْرِبْ رُبُعًا فِي ثُلُثٍ فَمَعْنَاهُ خُذ ربع الثُّلُث وَهُوَ وَاحِد من اثْنَيْ عَشَرَ، فَالْمَعْنَى هُنَا: لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ: أَيْ لَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهُ بِأَكْثَرَ من الثُّلُث لما مر من بطلَان التَّفْضِيل، فَلَا تُجْعَلُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةً كَمَا جَعَلَهَا الْإِمَامَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلثُّلُثِ فَقَطْ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لكل الثُّلُث، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْبَاءُ صِلَةُ يَضْرِبُ وَلَا حَذْفَ، فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي غرر الافكار التَّصْرِيح بِمَا ذكرته فِي مَعْنَى الضَّرْبِ وَيُوَافِقُهُ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَعِنْدَهُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (فَاضْرِبْ نِصْفَ كُلٍّ) أَيْ اضْرِبْ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ النِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُنْ سُدُسًا، لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ نِصْفٍ فِي ثُلُثٍ عَلَى مَعْنَى الْأَخْذِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَهُمَا أَرْبَعَةٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ عِنْدَهُمَا بِحُكْمِ الزَّائِدِ، فَتُجْعَلُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، لِأَحَدِهِمَا الرُّبُعُ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ: فَيَضْرِبُ الرُّبُعَ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالرُّبُعَ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ رُبُعَ الثُّلُثِ، ثُمَّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَيضْرب ثَلَاثَة الارباع فِي الثُّلُث يمعنى ثَلَاث أَربَاع الثُّلُث. وَهَذَا مَعْنَى الضَّرْبِ وَقَدْ تَحَيَّرَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ اه. تَنْبِيهٌ: عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ ثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ نِصْفِ مَالِهِ مَثَلًا. وَتَمَامه فِي التاترخانية مِنْ الْخَامِسِ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ سُدُسِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَمَالُهُ سِوَى السَّيْفِ خَمْسُمِائَةٍ، فَلِلثَّانِي سُدُسُهَا وَلِلْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ السَّيْفِ وَسُدُسُ السَّيْفِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ مُنَازَعَتَهُمَا فِي سدس السَّيْف فقد فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَضْرِبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْمُحَابَاةُ) مِنْ الْحِبَاءِ: أَيْ الْعَطَاءِ. مُغْرِبٌ. وَفَسَّرَهَا الْقُهُسْتَانِيُّ بِالنُّقْصَانِ عَنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ فِي الشِّرَاءِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 وَصُورَتُهَا: أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ وَالْآخَرِ سِتُّونَ فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْأَوَّلُ مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ مِنْ عَمْرٍو بِعِشْرِينَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَالْوَصِيَّةُ فِي حَقِّ زيد بِعشْرين وَفِي حق عَمْرو بِأَرْبَعِينَ، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، فَيُبَاعُ الْأَوَّلُ مِنْ زَيْدٍ بِعِشْرِينَ وَالْعَشَرَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ، وَيُبَاعُ الثَّانِي مِنْ عَمْرٍو بِأَرْبَعِينَ وَالْعِشْرُونَ وَصِيَّةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الثُّلُثِ ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالسِّعَايَةُ) صُورَتُهَا: أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا مَا ذَكَرَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلِلثَّانِي بِثُلُثِ الْمَالِ، فَسِهَامُ الْوَصِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ وَاحِدٌ لِلْأَوَّلِ وَاثْنَانِ لِلثَّانِي، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَيَسْعَى فِي عشْرين، وَيعتق من الثَّانِي: ثلث وَهُوَ عِشْرُونَ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعِينَ، فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ) ، صُورَتُهَا: أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَلِآخَرَ بِسِتِّينَ دِرْهَمًا وَمَالُهُ تسعون، وَيضْرب كل بِقدر وَصيته، فَيضْرب الاول وَالثلث فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالثَّانِي الثُّلُثَيْنِ فِي ثُلُثِ الْمَالِ. وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرِيحًا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ فِي الزَّائِدِ يَكُونُ ذِكْرُهُ لَغْوًا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً بِأَنَّهُ: أَي شئ مِنْ الْمَالِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ مَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَاتَّفَقَ أَنَّ مَالَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَكُونُ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَوْقَ الْمِائَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الضَّرْبِ، وَهَذَا فَرْقٌ دَقِيقٌ أَنِيقٌ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةً أَوْ سِعَايَةً أَوْ عِتْقًا من جهتي الْمُوصى لَهما، بل كفي وُجُودُ ذَلِكَ مِنْ طَرَفٍ، وَيَكُونُ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْمَالِ وَالْمُوصَى لِلطَّرَفِ الْآخَرِ بِثُلُثِ الْمَالِ. فَلْيُتَأَمَّلْ ط. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ مُشْكِلٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُنْفَذَ فِي الْمَرَضِ وَالْمُحَابَاةَ الْمُنَجَّزَةَ فِيهِ مُقَدَّمَانِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي. قَوْله: (أَو يجابيه) أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ح. وَقَوْلُهُ (بِأَلْفِ دِرْهَم) مُتَعَلق بيحابيه. قَوْله: (وَهِي ثلثا مَالِهِ) أَيْ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَالُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَوْصَى بِأَلْفٍ مِنْهَا لِفُلَانٍ، أَوْ يَكُونَ لَهُ ثَوْبٌ مَثَلًا قِيمَتُهُ ذَلِكَ فَأَوْصَى بِأَنْ يُحَابِيَ بِأَلف وَذَلِكَ بِأَن يُبَاع بخمسائة. وَمَسْأَلَةُ الْعِتْقِ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح. قَوْلُهُ: (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا إجْمَاعًا) تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ لَا) أَيْ لِأَنَّ نَصِيبَهُ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ أَرَادَ تَغْيِيرَ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ. مِنَحٌ. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَقَعْ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِلْكِ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ فَأَجَازَهُ زَيْدٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. كَذَا هُنَا اه. مَكِّيٌّ عَنْ السِّرَاجِ ط. قَوْلُهُ: (وَصَارَ) أَيْ قَوْلُهُ: بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ ح أَوْ قَوْلُهُ: بِنَصِيبِ ابْنِهِ حَيْثُ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 يَكُنْ لَهُ ابْنٌ. قَوْلُهُ: (وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ أَعْطَى ثُلُثَ الْمَالِ، لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَعْدُومٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ نَصِيبُ ذَلِكَ الِابْنِ بِسَهْمٍ وَمِثْلُهُ سَهْمٌ أَيْضًا، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَاصِلِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ هُنَاكَ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ، وَلَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ، كَذَا فِي السراج الْوَهَّاجِ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَأَمَّا مَا فِي الْمُجْتَبَى فَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَوْجُودٍ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ مَا هُنَا مَا لَمْ يُؤَيَّدْ بِنَقْلٍ، لِأَنَّ الْمُجْتَبَى لِلزَّاهِدِيِّ، وَقَدْ قَالُوا: لَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الزَّاهِدِيُّ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُؤَيَّدْ بِنَقْلٍ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ مِنْ صُورَتَيْ الْمَتْنِ ثُلُثٌ إنْ أَوْصَى مَعَ ابْنَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنه، وَنصِيب كل وَاحِد منهمح االنِّصْفُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (إنْ أَجَازَ) أَيْ أَجَازَ الزِّيَادَةَ وَإِلَّا فَالثُّلُثُ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ الْبَنَاتُ) أَيْ إنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ النِّصْفُ إنْ أَجَازَتْ وَإِلَّا فَالثُّلُثُ، وَمَعَ الْبِنْتَيْنِ لَهُ الثُّلُثُ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَلَوْ كَانَ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتٍ هَلْ لَهُ الثُّلُثُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَوْ الرُّبُعُ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتٍ اه ح. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ الْأَصْلِ ط. قَوْلُهُ: (يُزَادُ مِثْلُهُ إلَخْ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَلَهُ الرُّبُعُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَأَوْصَتْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ لِأُمٍّ فَلَهُ الْعُشْرُ. مُجْتَبَى. (1) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُبَيَّنَ الْفَرِيضَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُزَادَ مِثْلُ نَصِيبِ مَنْ ذَكَرَهُ على نخرج الْفَرِيضَةِ فَلَوْ تَرَكَ أُمًّا وَابْنًا وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ فَالْوَصِيَّةُ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا: لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ، وَلِلِابْنِ عَشَرَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلِابْنِ خَمْسَةٌ فَلِلْبِنْتِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ، فَيُزَادُ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَيُضَعَّفُ لِلْكَسْرِ، فَبَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ، بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ يُعْطَى لِلْأُمِّ سُدُسُهَا اثْنَانِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ اه: أَيْ لِأَنَّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَفِيهَا أَيْضًا: لَوْ لَهُ بِنْتٌ وَأُخْتٌ عَصَبِيَّةٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ أَجَازَتَا أَوْ لَا اه. وَهَذِهِ فَائِدَةٌ مُعْتَبَرَةٌ بَنَى عَلَيْهَا السَّائِحَانِيُّ فِي فَتَاوَاهُ النُّعْمِيَّةِ عِدَّةَ صُوَرٍ سُئِلَ عَنْ بَعْضِهَا، فَلْتُحْفَظْ. قَوْله: (ويجزء إلَخْ) مِثْلُهُ الْحَظُّ وَالشِّقْصُ وَالنَّصِيبُ وَالْبَعْضُ. جَوْهَرَةٌ. قَوْلُهُ: (فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تُمْنَعُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَة قائمون   (1) قَوْله: (فَلهُ الْعشْر مجتبى) صواله التسع وَذَلِكَ لَان أصل الْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى ثَمَانِيَة للزَّوْج نصف السِّتَّة ثَلَاثَة وللشقيقة النّصْف ثَلَاثَة أَيْضا ويعال بسدس لذات الاب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وبسدس أَيْضا لذات الام فَتكون ثَمَانِيَة وَإِذا فرض الْمُوصى لَهُ ذَات أم يعال لَهُ بتسع تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (عُرْفُنَا) أَيْ عُرْفُ الْعَجَمِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ) وَهِيَ أَنَّ السَّهْمَ السُّدس فِي رِوَايَة الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ السُّدُسِ فَيُتَمَّمُ لَهُ السُّدُسُ، وَلَا يُزَادَ لَهُ، فَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ. وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَصَايَا أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ. وَقَالَا: لَهُ الْأَخَسُّ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَيَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ اه. اخْتِيَارٌ. فَالسُّدُسُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِمَنْعِ النُّقْصَانِ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ. زَيْلَعِيٌّ. فَأَمَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عِنَايَةٌ. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي المطولات. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ. فَفِي الِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ: لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَهُ النِّصْفُ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ فَصَارَ كَأَنْ لَهُ ابْنَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فَصَحَّ اه. وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالسَّهْمِ، هَلْ يُعْطَى النِّصْفُ أَيْضًا، أَمْ يُقَالُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ: أَعْطِهِ مَا شِئْت؟ وَحَرِّرْهُ نَقْلًا. قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا انْدَفَعَ سُؤَالُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَاصِلُ سُؤَالِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي ثُلُثُ مَالِي لَهُ لَا يَصْلُحُ إخْبَارًا لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ، وَتَقْرِيرُ الدَّفْعِ سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إنْشَاء، إِلَّا بَعْدَ قَوْلِهِ سُدُسُ مَالِي لَهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةَ سُدُسٍ أَوْ أَرَادَ ثُلُثًا آخَرَ غَيْرَ السُّدُسِ، فَيُحْمَلَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ. قَوْلُهُ: (وَإِشْكَالُ ابْنِ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ فِي هَامِشِ شَرْحِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ جَوَابُ السُّؤَالِ الْمَارِّ بِمَا ذَكرْنَاهُ. بَقِي هَا هُنَا شئ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ الَّذِي أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ ثُلُثًا زَائِدًا عَلَى السُّدس الَّذِي أجازوه أَولا يَكُونَ ثُلُثًا زَائِدًا عَلَيْهِ، إذْ لَا وَجْهَ لِإِجَازَتِهِمْ بِلَا تَعْيِينِ الْمُرَادِ، إذْ مَرْجِعُهُ إلَى إجَازَةِ اللَّفْظِ وَلَا مَعْنَى لَهُ. وَالثَّانِي يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: وَأَجَازُوا لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْ إجَازَتِهِمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ، وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ أَسْقَطَ صَاحِبُ الْكَنْزِ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ اه. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الاجازة لثلث غير زَاد عَلَى السُّدُسِ أَيْ لِثُلُثٍ دَاخِلٍ فِيهِ السُّدُسُ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَبِهِ يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ: وَأَجَازُوا زَائِدًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ الثُّلُثُ لَازِمٌ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِي الْكَنْزِ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ أَيْ إنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ، بَلْ ذَكَرُوهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَلِيُفْهَمَ أَنَّ لَهُ الثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالْأَوْلَى، فَافْهَمْ. وَالله دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ عَلَى هَذِهِ الرُّمُوزِ الَّتِي عي جَوَاهِرُ الْكُنُوزِ، لَكِنْ بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَنقل نَحوه عَن قَاضِي زَادَهْ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَهُوَ الْوَارِثُ رَضِيَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُوصِي مِنْ اجْتِمَاعِ الثُّلُثِ مَعَ السُّدُسِ وَامْتِنَاعِ مَا كَانَ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ لِحَقِّ الْوَارِثِ، فَبَعْدَ أَنْ رَضِيَ كَيْفَ يَتَكَلَّفُ لِلْمَنْعِ؟ اه. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ إجَازَتَهُمْ لِلزَّائِدِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا. وَأَقُولُ: جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ كَلَامُ الْمُوصِي حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ كَمَا مَرَّ، وَالْوَصِيَّةُ إيجَابُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ إيجَابُ الثُّلُثِ مُتَيَقَّنًا، وَإِيجَابُ الزَّائِدِ مَشْكُوكًا فِيهِ، وَإِجَازَةُ الْوَارِثِ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 تعْمل إِلَّا فِيمَا أوجبه الْمُوصي، وَلم تتيقن بِإِيجَابِ الْمُوصِي فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى تَعْمَلَ الْإِجَازَةُ عَمَلَهَا فَلَغَتْ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ ابْتِدَاء تمْلِيك، وَإِنَّمَا هِيَ تنفيد لِعَقْدِ الْمُوصِي الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُجَازِ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي، لَا مِنْ قبل الْمُجِيز مَا سيجئ آخَرَ الْبَابِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي السَّقِيمِ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. قَوْلُهُ: (مُكَرَّرًا) بِأَنْ قَالَ لَهُ سُدُسُ مَالِي لَهُ سُدُسُ مَالِي فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ) وَهِيَ سُدُسٌ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ قَدْ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً: أَيْ فَكَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى، وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَيْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ) * (الْمَائِدَة: 84) أَيْ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ لِقَرِينَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ أَوْضَحْنَاهَا فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَبِيدِهِ) وَلَا تَكُونُ إلَّا مُتَفَاوِتَةً، فَلِذَا فصل فِي الثِّيَاب فَقَط. أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إنْ هَلَكَ ثُلُثَاهُ الخ) أَي ثلثا مدراهم أَوْ الْغَنَمِ، بِأَنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً مَثَلًا فَهَلَكَ مِنْهَا اثْنَانِ وَبَقِيَ وَاحِدٌ فَلَهُ ذَلِكَ الْبَاقِي بِتَمَامِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ هُنَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ وَالْهَالِكُ مِنْهُ يهْلك على الشّركَة، وَيبقى الْبَاقِي كَذَلِك. وَجه قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ إنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَجْمَعُ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْبَاقِي تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهْلِكْ شئ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْبَاقِيَ لَهُ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ جَبْرًا. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَبِقَوْلِ زُفَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ الْقِيَاسُ اه. وَأَقَرَّهُ فِي السَّعْدِيَّةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ خَرَجَ الخ) هَذَا الشرظ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِأَلْفٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا لِأَنَّ الْأَلْفَ مَالٌ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ. لِأَنَّا نَقُولُ: الدَّيْنُ يُسَمَّى مَالًا بَعْدَ خُرُوجه، وَثُبُوت حث الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مُمْكِنٌ، كَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ، وَإِذَا انْقَلب مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّهُ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَيِّتِ، وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ، مِعْرَاجٌ مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ يَدْخُلُ الدَّيْنُ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَرَجَّحَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَائِدَتَهُ مُنَاسَبَةُ قَوْلِهِ: وَكُلَّمَا خرج شئ مِنْ الدَّيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ. تَأَمَّلْ. وَقَدَّمَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِ: إذَا أَوْصَى بِدَرَاهِمَ مُرْسَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ تُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ لَوْ حَاضِرَةً، وَإِلَّا تُبَاعُ الشَّرِكَةُ وَيُعْطَى مِنْهَا تِلْكَ الدَّرَاهِمَ اه. قَوْلُهُ: (وَعَيْنٌ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْعَيْنُ: الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ دُونَ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ. الدّين: كل شئ يَكُونُ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَتَمَامُهُ فِي الطُّورِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ نَقْدًا فَيُدْفَعُ إلَيْهِ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِأَنْ كَانَ النَّقْدُ أَيْضًا أَلْفًا دُفِعَ مِنْهُ إلَيْهِ ثُلُثُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يَخْرُجْ فَثُلُثُ الْعَيْنِ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُدْفَعُ لَهُ الْأَلْفُ مِنْ الْعَيْنِ، لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 التَّرِكَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْعَيْنُ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَوْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا تَضَرَّرَ الْآخَرُ. اخْتِيَارٌ: أَيْ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَدْيُونِ. قَوْلُهُ: (لِزَيْدٍ كُلُّهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلَّا بِهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَعْدُومَ) فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، لَان الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ. دُرَرٌ. وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَقِبِ كَلَامٌ يَأْتِي مَا فِيهِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُوصَى لَهُمَا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْمُوصِي) أَمَّا بَعْدَهُ فَالْوَرَثَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ، فَالْمُزَاحَمَةُ مَوْجُودَةٌ. قَوْلُهُ: (وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَعَبْدِ اللَّهِ: إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَانَ لفُلَان نصف الثُّلُث، لَان بطلَان اسْتِحْقَاقه لفقد شَرطه لَا يُوجب لزِيَادَة فِي حَقِّ الْآخَرِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطٍ) أَيْ أَوْ لِزَوَالِ أَهْلِيَّةٍ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ الْعِبْرَةُ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ. قَوْله: (أَوله) أَيْ لِزَيْدٍ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ: أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ، وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ اه. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ فِيمَا مَرَّ) أَيْ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقِيلَ: إلَخْ فَإِنَّهُ مسوق لبَيَان الْمُخَالف بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ، فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ أَخْذًا مِنْ إشَارَةِ الدُّرَرِ وَالْكَافِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ من مُخَالفَته لما قدمه مَه أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ. بَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي التاترخانية مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ: أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ تُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَمَتَى كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ الْمُوصِي فَلِفُلَانٍ كُلُّ الثُّلُثِ، وَإِنْ وُلِدَ لِبَكْرٍ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ الْأَوْلَادِ على عَددهمْ أحد عشر سَهْما اعْتِبَار الْيَوْم مَوْتِ الْمُوصِي، لِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَنُونَ وَمَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمْ فَالثُّلُثُ لِلْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 غَيْرَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ سَمَّاهُمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ، حَتَّى لَوْ مَاتُوا بَطَلَتْ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنٌ فَتُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ اه. مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَن مَا فِي الدُّرَر مناعتبار يَوْمِ الْمَوْتِ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَدِ بَكْرٍ أَوْ فُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ مَنْ افْتَقَرَ غَيْرُ مُعَيِّنٍ إذْ لَا تَسْمِيَةَ وَلَا إشَارَةَ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ وَفَاتَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ الْوَلَدُ مَيِّتًا أَوْ غَنِيًّا فَقَدْ خَرَجَ الْمُزَاحِمُ مِنْ الْأَصْلِ، فَلِذَا كَانَ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِزَيْدٍ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي اعْتِبَارِ حَالَة الايجال مُطْلَقًا لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُعَيَّنِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدَيْنِ كَمَا هُنَا، أما لَو دخلت على ثَلَاث كَقَوْلِه بَين زيد وَعَمْرو وَبَكْرٍ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقِسْمَةَ عَلَى عَدَدِهِمْ. تَأَمَّلْ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَسَكَتَ فَإِنَّهَا تُنَصَّفُ، لِأَنَّ أَقَلَّ الشَّرِكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَا نِهَايَةَ لِمَا فَوْقَهُمَا. وَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَى جَمْعَيْنِ فَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ قَالَ بَيْنَ بَنِي زَيْدٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَنُونَ فَكُلُّ الثُّلُثِ لِبَنِي الْآخَرِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الثُّلُثِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ بَنِي زَيْدٍ، حَتَّى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُزَاحَمَةُ كَانَ كُلُّ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ، وَقَوْلُهُ: بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ كَمَا مَرَّ اه. أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَكْرَارِ بَيْنَ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ فَقِيرٌ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَتَأَتَّى الْإِطْلَاقُ الْآتِي ط. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصِيَّة إِيجَاب الخ) أَي عقد تمْلِيك بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْت، وَيثبت حكمه بعده. قَوْله: (إذَا أَوْصَى إلَخْ) . حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ إنَّمَا هُوَ شَائِعٌ فِي كل المَال لَيْسَ عنيا وَلَا نَوْعًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَثُلُثِ غَنَمِي وَلَهُ غَنْمٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِالْإِضَافَةِ العهدية أَنَّهَا تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَإِنْ كَانَ نَوْعًا كَثُلُثِ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَهُوَ كَالشَّائِعِ فِي كُلِّ الْمَالِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا حَتَّى تَتَقَيَّدَ بِهِ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْعَهْدِيَّةِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ) أَوْ كَانَ وَهَلَكَ. مِعْرَاجٌ. وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ شَاةٌ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ دَفْعِهَا أَوْ دَفْعِ قِيمَتِهَا. نِهَايَةٌ. قَوْلُهُ: (يُعْطَى قِيمَةَ الشَّاةِ) أَيْ شَاةٍ وَسَطٍ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى: لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالي الشَّاةِ وَمَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَيْنُ الشَّاةِ، حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي لَا شَاةَ لَهُ) تَبِعَ ابْنَ الْكَمَالِ حَيْثُ عَبَّرَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا قَالَ: وَلَا شَاةَ لَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ بِدُونِ الْعَكْسِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْفَرْدُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ اه. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِوُجُودِ شَاةٍ اه. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ قَالَ: شَاةٌ مِنْ غَنَمِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَمَنْ لَا شَاةَ لَهُ أَصْلًا أَوْ لَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ لَا غنم لَهُ فبطلت الْوَصِيَّة فِي الصُّورَتَيْنِ إِذا لم يُوجد الْغنم الْجَمْعُ فِيهِمَا، فَظَهَرَ أَنَّ شَرْطَ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْجَمْعِ لَا عَدَمُ الْجِنْسِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَشْمَلُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ لم يضفها لمَاله) جزم بِهِ مَه أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمِنَحِ، قَالُوا: قِيلَ: لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ، وبدونها تعْتَبر صُورَة للشاة وَمَعْنَاهَا. وَقيل: تصم، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ) أَيْ فِي الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ، ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (تَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ) حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، زَيْلَعِيٌّ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاته إِن لم يكن لَهُ غَيرهم، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمَا فَالْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ، وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَأَنْصَافًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ. اخْتِيَارٌ. لَكِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِق كَقَوْل الامام فَيحْتَاج إِلَى الْفرق هُنَا. تَاما. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ أقل الْجمع. قَوْله: (جَازَ) لَكِن الافصل الصَّرْفُ إلَيْهِمْ. خُلَاصَةٌ. قَوْلُهُ: (لِتَسَاوِي نَصِيبِهِمَا) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى: * (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) * (النِّسَاء: 21) عَلَى الْمُسَاوَاةِ: زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِتَفَاوُتِ نَصِيبِهِمَا) فَلَا تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَين الْكل، فحملناه بَيْنَ الْكُلِّ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيُؤْخَذ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ. وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَمَةٍ وَلِبَكْرٍ بِأُخْرَى ثُمَّ قَالَ لآخر أَشْرَكتك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 مَعَهُمَا، فَإِنْ تَفَاوَتَا قِيمَةً فَلَهُ نِصْفُ كُلٍّ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا عِنْدَهُ وَثُلُثُ كُلٍّ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ وَعَدَمِهَا. زَيْلَعِيٌّ. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ إمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ ط. قَوْلُهُ: (فَصَدِّقُوهُ) فِعْلُ أَمْرٍ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يُصَدَّقُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ: فَصَدِّقُوهُ صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ أَصْلَ الْحَقِّ دَيْنٌ وَمِقْدَارُهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ اه. ح. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافٍ مِنْ أَنَّهُ بَاطِلٌ ط. وَلَا يَأْتِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ هُنَا لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَصِيرُ وَصِيَّةً) لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُوصِي. أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمُفَوَّضَةَ تَصِحُّ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ دَعْوَى) أَيْ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ ط. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لَهُ) وَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِمَا ادَّعَاهُ ط: أَيْ فَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ ح: إنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِذَا قَالَ ط: وَتَأْوِيلُ ادَّعَى بِيَدَّعِي خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَفَوَّضَ تَقْدِيرَهُ إلَى الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا شئ لَهُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ. أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (عُزِلَ الثُّلُثُ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ. وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْله: (وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) اقْتِصَارُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مُوفٍ بِالْمُرَادِ، فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: فَيُؤْخَذُ الخ كَمَا فعل فِي الْمُلْتَقى وَالدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ. قَوْلُهُ: (وَالدَّيْنُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ: هُوَ أَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ على حق الْوَرَثَة، وَحقّ أَصْحَاب الْوَصَايَا فَلِمَ قَدَّمَ الْعَزْلَ لَهُمَا عَلَيْهِ؟. قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ تَصْدِيقِ الْفَرِيقَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِسَهْمٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ، فَيُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنْهُمْ بِحِسَابِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ. عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَمَا بَقِيَ فَلَهُمْ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ فَلِلْوَرَثَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُوصِي لَهُمْ الدَّيْنُ مِائَةٌ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ ثُلُثَهَا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ شئ فَلَهُمْ، وَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: الدَّيْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ مِائَتَيْنِ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنْ فضل شئ فَلَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ اه: أَيْ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمَيِّتِ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. قَوْلُهُ: (قُلْت بَقِيَ إلَخْ) مَنْشَأُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ عُزِلَ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَصَايَا اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْكَمَالِ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِشْكَالِ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ دُونَهُ. نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْزِلُ بِقَدْرِهَا. بَقِيَ إذَا عَزَلَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَصَايَا فَقَطْ. وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهَا وَالْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ، فَكَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ؟ وَذَكَرَ ط أَنَّ قِيَاسَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي يَدِ كُلٍّ، فَيَكُونُ مَا صَدَّقُوهُ فِيهِ لَازِمًا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ اه. قُلْت: وَبَقِيَ أَيْضًا أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا هَلْ يَرْجِعُونَ بِهِ فِي ثُلُثِ التَّرِكَةِ تَكْمِيلًا لِوَصَايَاهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ دَيْنٌ ثَبَتَ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ إقْرَارِ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْعَيْنِيِّ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ مَا يُكْمِلُ وَصَايَاهُمْ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ فِيهَا أم لَا لَا يَرْجِعُونَ بِهِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَصِيَّةٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ؟ لَمْ أَرَ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ أَيْضًا هَلْ يَلْزَمُهُمْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُول: كَيفَ يلْزمهُم، وَهُوَ استشكال الالزام الْوَرَثَةِ بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ عَزْلِهِمْ الثُّلُثَ لِلْوَصَايَا. وَقَوْلُهُ: يُرَاجع ابْن كَمَال بِهِ إنَّمَا قَالَ بِهِ: أَيْ بِسَبَبِ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَابُ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، فَافْهَمْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ: قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُنَا أَلْزَمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ فِي الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ * الثُّلُث شئ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ اه. وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا إلَخْ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يُوصِ بِوَصَايَا مَعَ الاقرار، قَوْله وَهُنَا: أَيْ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا مَعَ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لَهُ شَبَهَانِ: شَبَهُ الْوَصِيَّةِ لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَهَا، وَشَبَهُ الدَّيْنِ لِتَسْمِيَتِهِ إيَّاهُ دَيْنًا، فَهُوَ دَيْنٌ فِي الصُّورَةِ وَوَصِيَّةٌ فِي الْمَعْنَى، فَرُوعِيَ شَبَهُ الْوَصِيَّةِ حِينَ لَا وَصِيَّةَ، وَرُوعِيَ شَبَهُ الدَّيْنِ حِينَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ مَعَهَا دَلِيلُ الْمُغَايَرَةِ، فَصُدِّقَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ، حَيْثُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهِمْ تَعْوِيلًا عَلَى عِلْمِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَاجْتِهَادِهِمْ فِي تَخْلِيصِ ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِمْ اه. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ قَاضِي زَادَهْ بِجَوَابٍ رَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَأَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِجَوَابٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ، فراجعهما من حَاشِيَةِ ح. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِعَقْدٍ سَابِقٍ بَيْنَهُمَا إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ عَلَّلَ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَقْتَضِي سَبْقَ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي سبق الْملك للْمقر بِهِ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لقاضيخان حَيْثُ قَالَ: وَالْفَرْقُ: أَيْ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 فَلَوْ صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ ثَبَتَ الْمُخْبَرُ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ فَثَبت كَذَلِك، فَمَا من شئ يَأْخُذهُ الاجنبي إِلَّا للْوَارِث حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا، فَبُطْلَانُ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يبطل لِلْآخَرِ اه. وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ لِزَيْدٍ الْجَيِّدُ، ولعمرو الْوسط، ولبكر الردئ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك) أَيْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْهَالِكَ هُوَ حَقُّك، فَفِي التَّعْبِيرِ مُسَامَحَةٌ، وَإِلَّا فَهَلَاكُ حَقِّ كُلٍّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ ضَاعَتْ الثَّلَاثَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَذِبٌ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ مَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ من أَن المُرَاد بجحود الْوَارِث أَنْ يَقُولَ: حَقُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَطَلَ، وَلَا أَدْرِي مَنْ بَطَلَ حَقُّهُ وَمَنْ بَقِيَ فَلَا نُسَلِّمُ إلَيْكُمْ شَيْئًا. أَفَادَهُ الطُّورِيُّ. قَوْلُهُ: (كَوَصِيَّةٍ إلَخْ) الْبُطْلَانُ فِيهَا قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ وَصَايَا الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ط. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لَا الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا الْجَهَالَةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْجُحُودُ) أَيْ جُحُودُ الْوَرَثَةِ بَقَاءَ حَقِّ كُلٍّ. قَوْلُهُ: (فَتُقْسَمُ لِذِي الْجَيِّدِ إلَخْ) أَيْ الْجَيِّدِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: ثُلُثَاهُ أَيْ ثُلُثَا الْجَيِّدِ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَفِيهِ شَبَهُ اسْتِخْدَامٍ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ. أَفَادَهُ ط. وَوَجْهُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّ ذَا الْوَسَطِ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ مِنْ الْبَاقِينَ إنْ كَانَ الْهَالِكُ أَرْفَعَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ مِنْهُمَا فحقه فِي الردئ مِنْهُمَا، فَتَعَلَّقَ حَقُّهُ مَرَّةً بِهَذَا وَمَرَّةً بِالْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِينَ فِي حَالٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ فِي حَالين فَيَأْخُذ ثلث كل مِنْهُمَا، وَذُو الردئ يَدعِي الردئ لَا الْجيد فَيسلم ثلثا الْجيد لذِي الْجيد وَثلثا الردئ لذِي الردئ اه. مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْخَانِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَسَمَ) أَي بَين الْحَيّ وورثة الْمَيِّت. قاضخان. والاصوب أَن يوقل: قسمت كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ للدَّار. قَوْله: (وَوَقع) أَي الْبَيْت فِي حَظه: أَيْ حَظِّ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وَدَلِيلُ كُلٍّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ. بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَحَقَّقَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَسَعْدِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَكَانَ أَوْلَى) لَان الاخبار فِي كَلَام الْفُقَهَاءِ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِقْرَارُ) لَوْ قَالَ كَالْإِقْرَارِ وَحَذَفَ قَوْلَهُ: مِثْلُهَا كَمَا عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وِفَاقِيَّةٌ، فَنَاسَبَ أَنْ تُشَبِّهَ بِهَا الْخِلَافِيَّةَ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ لَا بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (وَبِأَلْفٍ عُيِّنَ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذَا الْأَلْفِ لِفُلَانٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ وَدِيعَةً لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَالِ آخَرَ أَيْ رَجُلٍ آخَرَ صِفَةُ أَلْفٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِأَلْفٍ مِنْ مَالِ زَيْدٍ لَمْ تَصِحَّ أَصْلًا وَإِنْ أَجَازَ زَيْدٌ وَدَفَعَ، وَلْيُحَرَّرْ نَقْلًا. قَوْلُهُ: (وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) أَيْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ إجَازَتَهُ تَبَرُّعٌ: أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْهِبَةُ لَا تَتِمُّ بِدُونِ تَسْلِيمٍ، فَإِنْ دَفَعَ تَمَّتْ الْهِبَةُ، وَإِلَّا فَلَا. شَرْحُ الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا رُجُوعَ لَهُ) لَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ هِبَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا أَفَادَهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفا. لَان عقد الوصيبة صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، إذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَنْفُذْ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَوْصَى لَهُ بِعَبْدِ فُلَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ تَبْقَى الْوَصِيَّةُ اه. لَكِنْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُجْبَرُوا) صَوَابُهُ: يُجْبَرُونَ. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَالتَّوَقُّفُ كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَنَفَذَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (يَتَمَلَّكُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا) فَيُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُتَزَوِّجًا بِجَارِيَةِ الْمُوَرِّثِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَوَّلَ الْوَصَايَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ) وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ يَصِحُّ فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْقِسْمَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَبْلَهَا (1) لَا يَصِحُّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: صَحَّ إقْرَارُهُ إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثٍ لِرَجُلٍ آخر، فَلَو قَامَت فَلَا شئ لِهَذَا عَلَى الْمُقِرِّ وَبَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا نَقَلَهُ الطُّورِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ: أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زفر. وَتَمَامه فِي   (1) قوه: (أَن الاقرار قبلهَا إِلَخ) استظهر الْعَلامَة ط صِحَة الاقرار قبل الْقِسْمَة ايضا وَهُوَ وجيه اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ) يَعْنِي إنْ وَفَّى مَا وَرِثَهُ بِهِ، وَلَوْ شَهِدَ فِي هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ قُبِلَتْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ) فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا إذَا سُلِّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفُهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَبِأَمَةٍ) أَيْ وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ. قَوْلُهُ: (فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ) فَإِذَا كَانَ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تَسَاوِي ثَلَاثمِائَة فَولدت لَهُ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا: لَهُ ثُلُثَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ دُخُولُ الْحَمْلِ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ) وَمَشَايِخُنَا قَالُوا: يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِيمَا ذُكِرَ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَالزِّيَادَة الْحَادِثَة من الْمُوصى بِهِ كَالْغَلَّةِ وَالْكَسْبِ وَالْأَرْشِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، هَلْ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهَا حَتَّى كَانَتْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ بعد الْقِسْمَة. وَقَالَ مَشَايِخنَا: يصير مُوسَى بِهِ حَتَّى يعْتَبر خُرُوجه من الثُّلُث. وَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (مُنَجَّزٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُضَافِ الْآتِي بَيَانُهُ، فَالْعِبْرَةُ فِيهِ لِحَالِ الْإِضَافَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ صُدُورِهِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ) اسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ التَّبَرُّعَ بِالْمَنَافِعِ كَسُكْنَى الدَّارِ. قَالَ: فَإِنَّهُ نَافِذٌ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي حَوَاشِيهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ) أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى إنَّ الْإِقْرَارَ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إنْشَاءٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ. قَوْلُهُ: (وَالنِّكَاحُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ فَإِنَّ النِّكَاحَ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ قُوبِلَ بِهِ كَانَ مُعَاوضَة لَا تَبَرُّعًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مُحَابَاةٌ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إنْشَاءٌ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَ الْخُرُوجِ غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 مُتَقَوِّمٍ، فَمَا جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهِ تَبَرُّعٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّة) أَن وصيلة لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُضَافَ إلَى الْمَوْتِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْمَوْتِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. قَوْلُهُ: (وَمَرَضٌ صَحَّ مِنْهُ كَالصِّحَّةِ) كَذَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالْمُضَافُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. تَأمل. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: فَلَو أوصى بشئ صَارَتْ بَاطِلَةً لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالصِّحَّةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ حَقُّ أَحَدٍ، وَهَذَا إذَا قَيَّدَ بِالْمَرَضِ بِأَنْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا. وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ ثُمَّ صَحَّ فَبَاقِيَةٌ، وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ كَمَا فِي التَّتِمَّة اهـ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَرَضِ الْمُعْتَبَرِ) بِجَرِّ الْمُعْتَبَرِ صِفَةٌ لِلْمَرَضِ: أَيْ الْمُعْتَبَرِ لِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ الْإِنْشَائِيِّ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَالْحَدُّ فِي الْمَرَضِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِصَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَقَدْ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا أَوَّلَ كِتَابِ الْوَصَايَا بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا ط. قَوْلُهُ: (وَمُحَابَاتُهُ) أَيْ فِي الاجارة وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْمَهْرِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، بِأَنْ بَاعَ مَرِيضٌ مَثَلًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ كَمَا فِي النُّتَفِ. قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ أَوْ يَشْتَرِي مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الشِّرَاءِ وَالنَّاقِصُ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ: أَيْ مُسَامَحَةٌ، مِنْ حَبَوْته حِبَاءً كَكِتَابٍ: أَعْطَيْته الشئ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ اه. ط عَنْ الْمِصْبَاحِ، وَقَيَّدَ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ. قُلْت: وَفِي آخِرِ إجَارَاتِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَإِيجَارُ ذِي ضَعْفٍ مِنْ الْكُلِّ جَائِزٌ وَلَوْ أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ مِنْ ذَاكَ أَكْثَرُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: صُورَتُهَا مَرِيضٌ آجَرَ دَارِهِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، قَالُوا: جَازَتْ الْإِجَارَةُ من حميع مَالِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ، فَالْإِجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى. قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَالَفَتْ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَفِي الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اعْتِبَارًا لِلْفَرْعِ بِالْأَصْلِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، وَالْإِجَارَةُ تَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ وَتَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّقُ بَعْدَهُ اه. فَتَنَبَّهْ. وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْوَصَايَا. قَوْلُهُ: (وَهِبَتِهِ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً حُكْمًا كَمَا صرح بِهِ قاضيخان وَغَيْرُهُ اه. ط عَنْ الْمَكِّيِّ. قَوْلُهُ: (وَضَمَانُهُ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ أَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدَك هَذَا عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكِنْ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ، فَإِنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ يَكُونُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَمْسِمِائَةِ عَلَى الضَّامِنِ دُونَ الْمُشْتَرِي (1) . عِنَايَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَفَالَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ بِأَنْ كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ مُعَلِّقًا بِسَبَبٍ وَوُجِدَ السَّبَبُ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ قَالَ: مَا ذَابَ لَك عَلَى فلَان فعلي. وَفِي وَجه كَدين الْمَرَض   (1) قَوْله: (دون المُشْتَرِي) وَجهه أَن هَذَا من بَاب الزِّيَادَة فِي الثّمن، وَهِي من الاجنبي جَائِزَة، بِخِلَاف مَا إِذا يقل من الثّمن حَيْثُ لَا يلْزمه شئ كَمَا فِي متفرقات بُيُوع الْكَنْز. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 بِأَنْ أَخْبَرَ فِي الْمَرَضِ بِأَنِّي كَفَلْت فُلَانًا فِي الصِّحَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ مَعَ غُرَمَاءِ الْمَرَضِ، وَفِي الْأَوَّلِ مَعَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَفِي وَجْهٍ كَسَائِرِ الْوَصَايَا بِأَنْ أَنْشَأَ الْكَفَالَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ اه.. قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ كَحُكْمِ وَصِيَّةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلْيُحَرَّرْ) تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا هُنَا، لِأَنَّ الْمُسْتَغْرَقَ بِالدّينِ لَا ثلث بِهِ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيُزَاحِمُ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمُحَابَى. وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ وَفَى الثُّلُثُ بِالْجَمِيعِ وَإِلَّا تَحَاصَصُوا فِيهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قَدْرُ مَا لِكُلٍّ مِنْ الثُّلُثِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي اه ط. أَقُولُ: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيّ: وَالْمُرَادُ مِنْ ضَرْبِهِمْ بِالثُّلُثِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الثُّلُثَ لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُسَاوُونَ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِي الثُّلُث ويحاصصوهم، لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُنْفَذَ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فِي الثُّلُثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَإِنَّهُ كَسَائِر الْوَصَايَا اه. مُلَخصا. قُلْت: وَكَالْعِتْقِ الْمُنْفَذِ الْمُحَابَاةُ الْمُنَجَّزَةُ كَمَا مَرَّ عِنْد قَول المُصَنّف: إِذا اجْتمع الْوَصَايَا وَيَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (إِن أُجِيزَ عِتْقُهُ) أَيْ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ، وَلَوْ كَانَ الاجارة قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْوَصَايَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَنْعَ) أَيْ مِنْ تَنْفِيذِهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، وَالْأَوْلَى: لِأَنَّ السَّعْيَ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَابَى فَحَرِّرْ إلَخْ) صُورَةُ الْأُولَى: بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ سواهُمَا يصرف الثُّلُث إِلَى المحباة وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي كُلِّ قِيمَتِهِ. وَصُورَةُ الْعَكْسِ: أَعْتَقَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ، يُقْسَمُ الثُّلُثُ وَهُوَ الْمِائَةُ بَينهَا نِصْفَيْنِ، فَالْمُعْتَقُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. ابْنُ كَمَالٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا: أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا عِتْقُهُ أَوْلَى فِيهِمَا) أَي فِي المسئلتين لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ. وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ. ابْنُ كَمَالٍ. وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ فِي المسئلتين سَبْقُ قَلَمِ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّلَبِيُّ. قَوْلُهُ: (بِهَذِهِ الْمِائَةِ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ حَتَّى يُتَصَوَّرَ هَلَاكُ بَعْضِهَا. فَلَوْ قَالَ بِمِائَةٍ وَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَتْنًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَفَاوَتُ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْحَجِّ، فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ بِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يُشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حق الله تعال وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَسْتَبْدِلْ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِيَ ا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 هـ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ فَدَى لَا) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ: فَإِنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَرْشِ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ، وَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِ عَبْدٍ غَيْرِ جَانٍ فَقَدْ خَالَفَ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ ترك عبدا ومالا وَارِثا وَالْعَبْد مِقْدَار ثلث مَاله، وَله صرح قاضيخان. مِعْرَاجٌ قَوْلُهُ: (لِيَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ وَصِيَّةً وَوَصِيَّتِي بِثُلُثِ مَالِهِ صَحِيحَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ عَلَى بَكْرٍ) لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَعَ وَصِيَّةً وَقِيمَةُ الْعَبْدِ ثُلُثُ الْمَالِ فَلَمْ يكن للْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ شئ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ مُقَدَّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا شئ لزيد) لما عَلمته من تَقْدِيم الْعِتْقِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَيُزَاحِمُ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فَقَدْ عَلِمْت الْمُرَادَ مِنْهُ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَفْضُلَ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ الْمَالِ زَائِدًا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَتَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لِزَيْدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ. مِنَحٌ قَوْلُهُ: (مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) كَذَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهِيَ أَوْلَى وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ مِنْ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ) * (الْأَنْبِيَاء: 77) أَفَادَهُ ط عَنْ الْمَكِّيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى فِي الْعِتْقِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ، وَكَيْفَ تصح أقامتها من غير خصم؟ فَقَالَ: وَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إقَامَتِهَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ لِيَفْرُغَ الثُّلُثُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِحَقِّ الْغَيْرِ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْعَبْدُ) أَي خصم أَيْضا لَان أَقُولُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَة، لَان الْوَارِث مقرّ بِعِتْقِهِ الْعتْق حَقه. هُنَا أَوْ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى إلَخْ) لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السّعَايَة، وإكان عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ. وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَوْلَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى، إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 الْآتِي، وَالشَّارِحُ لَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ مَشَى عَلَى عَكسه، فَالْخِلَاف هُنَا حِينَئِذٍ عكس الْخلَافَة فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ مُبْتَدَأَةً بِدُونِ ذَلِكَ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَقْوَى) لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ، فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ وَصَاحِبُهَا أَحَقَّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. عِنَايَةٌ. بَاب الْوَصِيَّة للاقارب وَغَيرهم أَيْ مِنْ الْأَهْلِ وَالْأَصْهَارِ وَالْأَخْتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّهُ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الْمَخْصُوصِينَ وَفِيمَا نُقَدِّمُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَهَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصُ يَتْلُو الْعُمُومَ أَبَدًا. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (جَارُهُ مَنْ لَصِقَ بِهِ) لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ خُصُوصِيَّةٌ تَسْتَدْعِي الِاهْتِمَامَ نَبَّهَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ قَدَّمَ الْأَقَارِبَ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجِيرَانَ هُنَا. سَعْدِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ) وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، فَهُوَ مِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. تَنْبِيهٌ: يَسْتَوِي فِي الْجَارِ سَاكِنٌ وَمَالِكٌ وَذَكَرٌ وَأُنْثَى وَمُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَصَغِيرٌ وَكَبِيرٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ عِنْدَهُ. وَقَالَا: تِلْكَ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا تَدْخُلُ مَنْ لَهَا بَعْلٌ لِتَبَعِيَّتِهَا فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً. مَقْدِسِيٌّ. وَقَوْلُهُ وَمَالِكٌ: يَعْنِي إذَا كَانَ سَاكِنًا. أَبُو السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (وَصِهْرُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ عُرْسِهِ) لِمَا رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إِكْرَاما لَهَا وكانو يسمون أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ. هِدَايَةٌ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِ الْخَلِيلِ: لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَصْهَارُ. وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْبَزْدَوِيِّ: قَدْ يُطْلَقُ الصِّهْرُ عَلَى الْخَتَنِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَأَخَوَاتِهَا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ: وَإِخْوَتِهَا لِأَنَّ أَخَوَات جَمْعُ أُخْتٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَرِثَتْ مِنْهُ) بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَالْبَائِنُ يَقْطَعُهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (عِنَايَةٌ) لَمْ أَجِدْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 ذَلِكَ فِيهَا. نَعَمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (قُلْت لَكِنْ إلَخْ) . أَقُولُ: الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ مُطْلَقُ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ اه. حَتَّى لَوْ تُعُورِفَ خِلَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ يُعْتَبَرُ كَأَهْلِ دِمَشْقَ يُطْلِقُونَ الصِّهْرَ عَلَى الْخَتَنِ وَلَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَهِيَ لُغَةٌ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا مَا فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ نَقْلٌ لِمَا دَوَّنَهُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعَيْنِيِّ: أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ عِنْدَ عِبَارَتِهَا الَّتِي نَقَلْنَاهَا آنِفًا. قَوْلُهُ: (صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَنْ نَفسهَا. وَفِي مُسْند أَحْمد وَالْبَزَّاز وَابْنِ رَاهْوَيْهِ: أَنَّهُ كَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ مِنْ الذَّهَبِ، فَدَخَلَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدُ قَوْمِهِ، أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت فَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك، فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي، فَقَالَ: أَو خير مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك. قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَآله مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَآله يُسْتَرَقُّونَ، فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بني مصطلق مائَة أهل بَيت، قَالَت عَائِشَة: فَلَا علم امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَقد علمت أَن السَّبي كَانَ قَدْ قَسَمَ، وَأَنَّ الْمُعْتِقِينَ لِلسَّبْيِ هُمْ الصَّحَابَة لَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله. وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصِّهْرَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ تَأَمَّلْ، لِمَا عَلِمْت مِنْ الْقِصَّةِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ) أَيْ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا قَالَ: أَوْصَيْت لِأَخْتَانِي بِثُلُثِ مَالِي، فَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رحم مِنْهُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَهَؤُلَاءِ أَخْتَانُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُخْتٌ وَبِنْتُ أُخْت وَخَالَة لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ زوج لزوج كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْحَامٌ فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانُهُ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَأُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ اه. أَتْقَانِيٌّ، وَالشَّرْطُ هُنَا أَيْضًا قِيَامُ النِّكَاحِ بَيْنَ مَحَارمه أَزوَاجهنَّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَمَا نَقَلَهُ الطُّورِيُّ. قَوْلُهُ: (وَفِي عُرْفِنَا الصِّهْرُ أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سبق ط. قَوْله: (قلت: غير مماليكه) أَي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 وَغير وَارثه شَرّ نبلالية واتقاني قَوْله (جَوَابه فِي الْمُطَوَّلَاتِ) وَهُوَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ. قَالَ تَعَالَى: * (وَسَارَ بأَهْله) * (الْقَصَص: 29) * (وَقَالَ لاهله امكثوا) * (الْقَصَص: 29) وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْحَقِيقَة المستلة. زَيْلَعِيٌّ، يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّا بِهِ غَيْرُ مُطْلَقٍ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَمَيْلُ الشَّارِحِ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسَ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ أَيْضًا اه. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً مَثَلًا أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: يُنْظَرُ حُكْمُ مَا لَوْ أَوْصَتْ لِأَهْلِهَا هَلْ يَكُونُ الزَّوْجُ لَا غَيْرُ؟ اه. أَقُولُ: الظَّاهِرُ لَا، إذْ لَا حَقِيقَةَ وَلَا عُرْفَ. قَوْلُهُ: (وَقَبِيلَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ: أَهْلُ بَيْتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ إلَى نَسَبِهِ، بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ وَيَجْتَمِعَ مَعَهُ فِي أَحَدِ آبَائِهِ وَلَوْ الْأَبَ الْأَعْلَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُهُ، وَإِلَّا فَقَبِيلَةُ الْمُوصِي لَا تُنْسَبُ إلَيْهِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَبَا الْقَبِيلَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِسْعَافِ مَا نَصُّهُ: أَهْلُ بَيْتِ الرَّجُلِ وَآلُهُ وَجِنْسُهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ بِآبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ فَكُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى هَذَا الْأَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ اه. فَقَوْلُهُ: يُنَاسِبُهُ: أَيْ يُشَارِكُهُ فِي نَسَبِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَيْهِ) أَي وَالْوَصِيَّة للمضاف لَا الْمُضَاف إلَيْهِ. زَيْلَعِيٌّ عَنْ الْكَافِي. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِآلِ عَبَّاسٍ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لآلي أَو لآل زيد وَهُوَ غير أَب الْأَقْصَى لَا يَظْهَرُ، وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَبَ الْأَقْصَى لَا يُقَالُ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ لَكَانَ أَوْلَى اه. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ) عِبَارَةُ الِاخْتِيَار: وَإِن كَانَ لَا يُحصونَ قَوْله وزوجتة أَي إِذا كَانَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهِ سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَوْمِهِ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ) أَيْ يَقُولُ أَنَا مِنْ جِنْسِ فُلَانٍ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لِأَنَّ الْجِنْسَ عِبَارَةٌ عَن النّسَب وَالنّسب إِلَى الْآبَاء اه. قَوْله: (كآله وجنسه) بَيَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 الْمرجع اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَأَهْلَ نَسَبِهِ مِثْلُ آلِهِ وَجِنْسِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ قَوْمُ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَهُمْ قَبِيلَتُهُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ جَمَعَهُ وَإِيَّاهُمْ أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ، حَتَّى إنَّ الْمُوصِيَ لَوْ كَانَ عَلَوِيًّا أَوْ عَبَّاسِيًّا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ أَوْ الْعَبَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَا مَنْ يُنْسَبُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَكَذَا أَوْصَى لِحَسَبِهِ أَوْ نَسَبِهِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْتَسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِجِنْسِ فُلَانٍ فَهُمْ بَنُو الْأَبِ وَكَذَلِكَ اللُّحْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِآلِ فلَان بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة لاهل بَيت فلَان اهـ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ: فَثَبَتَ أَنَّ الْحَسَبَ وَالنَّسَبَ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ اه. فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَشْرَافِ ط. قَوْلُهُ: (وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ) حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَا حَاصِلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ لَهُ شَرَفًا مَا، وَكَذَا لِأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. أَمَّا أَصْلُ النَّسَبِ فَمَخْصُوصٌ بِالْآبَاءِ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ أَوْلَادِ زَيْنَبَ بِنْتِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ. فَأَجَابَ أَنَّهُمْ أَشْرَافٌ بِلَا شُبْهَةٍ، إذْ الشَّرِيفُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَوِيًّا أَوْ جَعْفَرِيًّا أَوْ عَبَّاسِيًّا، لَكِنْ لَهُمْ شَرَفُ الْآلِ الَّذِينَ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ، لَا شَرَفُ النِّسْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله. فَإِن الْعلمَاء ذكرُوا أَن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ، فَالْخُصُوصِيَّةُ لِلطَّبَقَةِ الْعُلْيَا، فَأَوْلَادُ فَاطِمَةَ الْأَرْبَعَةُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَأُمُّ كُلْثُومَ وَزَيْنَبُ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله، وَأَوْلَادُ الْحُسَيْنِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِمَا فَيُنْسَبُونَ إلَيْهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله، وَأَوْلَادُ زَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومَ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِمْ لَا إلَى أُمِّهِمْ، فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى فَاطِمَةَ وَلَا إِلَى أَبِيهِم صلى الله عَلَيْهِ وَآله لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ بِنْتِ بِنْتِهِ لَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ، فَيَجْرِي فِيهِمْ الْأَمْرُ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي النَّسَبِ لَا أُمَّهُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ وَحْدَهَا لِلْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، لَكِنَّ مُطْلَقَ الشَّرَفِ الَّذِي لِلْآلِ يَشْمَلُهُمْ. وَأَمَّا الشَّرَفُ الْأَخَصُّ وَهُوَ شرف النِّسْبَة إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَآله فَلَا اه. مُلَخصا. وَأَصله الْعَلامَة ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ شَرَفُ الْآلِ الْمُحَرِّمِ لِلصَّدَقَةِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ مِنْ الْآلِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ: كُلُّ وَلَدٍ آدَمَ فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لِأَبِيهِمْ، مَا خَلَا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا أَبُوهُمْ وَعَصَبَتُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أوصى لاقاربه الخ) زَاد فِي الْمُلْتَقى: وأقرباءه وَذَوِي أَرْحَامِهِ. قَوْلُهُ: (كَذَا النُّسَخُ) وَكَذَا فِي الْكَنْز وَالْغرر والاصلاح. قَوْلُهُ: (قُلْت: صَوَابُهُ لِذَوِي) أَيْ بِالْجَمْعِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى، لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ وَلَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ وَخَالَانِ فَالْكُلُّ لِلْعَمِّ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيُحْرِزُ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ. زَيْلَعِيٌّ. وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: إذَا قَالَ لِقَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي نَسَبِهِ فَالْمُنْفَرِدُ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ اه. قَوْلُهُ: (أَوْ لِأَنْسَابِهِ) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وَفِيهِ: لَا يَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا اه. وَأَجَابَ الشَّلَبِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْسَابِهِ حَقِيقَةُ النِّسْبَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْأُمِّ كَالْأَبِ. أَقُولُ: وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي أَهْلِ نَسَبِهِ النَّسَبَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ كَمَا مَرَّ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟. قَوْلُهُ: (فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ خَمْسَ شَرَائِطَ: وَهِيَ كَوْنُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَمِمَّا سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَمِمَّنْ لَا يَرِثُ وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. وَقَالَا: كُلُّ مَنْ يجمعه وأياه أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ. وَخَالَفَاهُ فِي شَرْطَيْنِ: الْمَحْرَمِيَّة ولاقرب، فَيَكْفِي عِنْدَهُمَا الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمِيَّةٍ، وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ والابعد. وَاتَّفَقُوا عَلَى اعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ وَالْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَارِثًا وَلَا وَالِدًا أَوْ وَلَدًا. أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْمُخْتَلِفِ مُلَخَّصًا. لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ اه. وَنَقَلَ نَحْوَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْكَافِي. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْوَصِيَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهِ الجمعية وَلم يعْتَبر هَا هُنَا اه. قُلْت: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا مُخَالَفَةَ وَكَأَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَقَائِقِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. هَذَا، وَقَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ: إذَا ذَكَرَ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمٌ فَرْدٌ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ اه. وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ أَيْضًا. قُلْت: وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَرْحَامِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْهُمْ فَأَفْتَيْت بِشُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمَحَارِمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا النَّقْلِ. قَوْلُهُ: (قِيلَ إلَخْ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي الْخَبَرِ مَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا عَقَّهُ وَقَدْ عَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: * (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) * (الْبَقَرَة: 180) وَيُعْطَفُ الشئ عَلَى غَيْرِهِ حَقِيقَةً، فَعُرِفَ أَنَّ الْقَرِيبَ فِي لِسَانِ النَّاسِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةٍ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اه: أَيْ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ يَتَقَرَّبَانِ بِأَنْفُسِهِمْ لَا بِوَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَمْنُوعِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ ط. قَوْلُهُ: (كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ وَالْوَارِثُ) أَيْ يُفِيدُ عَدَمَ دُخُولِهِمْ، وَلَوْ مَمْنُوعِينَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ كَوْنَهُمْ وارثين لم احْتِيجَ التَّنْصِيصِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِمْ، إذْ هُمْ يَخْرُجُونَ بِقَوْلِهِ وَالْوَارِثُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُمْ بِعُمُومِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَنَصَّ عَلَى إخْرَاجِهِمْ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ سَوَاءٌ كَانُوا وَارِثِينَ أَوْ مَمْنُوعِينَ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَالْوَارِثُ) عَلَّلُوهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَبِهَذَا يَتَّجِهُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ أوصى ولاقارب فُلَانٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ الْوَارِثُ. قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ) الْأَوْلَى فَيَدْخُلَانِ ط. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ لُغَةٌ: مِنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ وَتَكون الْجُزْئِيَّة بَينهمَا منعدمة. وَنقل أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ بِخَطِّهِ أَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْأَصَحُّ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 قُلْت: وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَوَاهِبِ: وَأَدْخَلَ: أَيْ مُحَمَّدٌ الْجد والحفدة وَهُوَ الظَّاهِر عَنْهُمَا اه. الحفدة: جَمْعُ حَافِدٍ: وَلَدُ الْوَلَدِ، وَمِثْلُ الْجَدِّ الْجَدَّةُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْجَمْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِذِي قَرَابَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَقَلَّ الْجَمْعِ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ط. قَوْلُهُ: (فَهِيَ لِعَمَّيْهِ) لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْإِنْسَانُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَايَةَ لِلْعَمِّ دُونَ الْخَالِ فِي النِّكَاحِ فَثَبَتَ أَنَّهُمَا أَقْرَبُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ. أَتْقَانِيٌّ. وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ غَيْرَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا أَرْبَاعًا) لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا الْأَقْرَبِيَّةَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا النِّصْفُ) لِأَنَّ الْعَمَّ الْوَاحِدَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْجَمِيعَ، فَإِذَا دُفِعَ إلَيْهِ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ صُرِفَ إلَى الْخَالَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَمِّ فَيُجْعَلُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي كَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا الْخَالَيْنِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ. أَتْقَانِيًٌ. وَعِنْدَهُمَا: لَهُ جمع الثُّلُث. غرر الافكار. وَهُوَ مَبْنِيّ على مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَافِي. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْكُلَّ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (حَتَّى الْحمل) الظَّاهِر تَقْيِيده بِمَا إِذْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّة لتحَقّق وجوده عِنْدهمَا كَمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ ابْنٍ مَعَ وَلَدِ صُلْبٍ) هَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا، فَلَوْ كَانَ فَخِذًا فَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ حَالَ قِيَامِ وَلَدِ الصُّلْبِ. عِنَايَةٌ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْوِرَاثَةَ) أَيْ وَالْوِرَاثَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَانَتْ الْوِرَاثَةُ هِيَ الْعِلَّةَ. زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ. * (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانثيين) * لَيْسَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْوَرَثَةِ بَلْ خَاصٌّ بِالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفِي غَيْرِهِمْ: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ فَرَوْضِهِمْ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَصَّافِ فِي مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ كَوْنَهُمْ وَرَثَةً لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَذَا الْعَقِبُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ، فَأَمَّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ. مِنَحٌ عَنْ السِّرَاجِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ الصِّحَّةِ الْمَذْكُورِ إِن كَانَ الخ. قَوْله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 (على عدد الرؤوس) أَي رؤوسهم وَرَأْسِ الْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةَ) قَيَّدَ بِالْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ خَاصَّةٌ بِهِمْ، أَمَّا الْعَقِبُ فَالِاسْمُ تَنَاوَلَ جَمَاعَتهمْ فَيَكُونُونَ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْوَرَثَةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْعَقِبِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ مَعَهُمْ مُوصًى لَهُ آخَرُ وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْآتِي الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ أَوْ عَقِبِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمِنَحِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ) فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِمَعْدُومٍ فَلَمْ يُشَارِكُوا فُلَانًا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَالْمَيِّت، أَتْقَانِيًٌ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ سُقُوطَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ: لَعَلَّهُ: أَيْ اسْتِحْقَاقَ فُلَانٍ الْكُلَّ فِيمَا إذَا لَمْ يُولَدْ الْعَقِبُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ اه. وَهُوَ مِنْ مِثْلِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْلُودًا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (كَذَلِك) أَي مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْإِنَاثِ) بِخِلَافِ النَّسْلِ فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهِ وَيَسْتَوُونَ فِي قِسْمَةِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: لايتم بَعْدَ احْتِلَامٍ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (الْأَرْمَلُ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ: أَرْمَلَ افْتَقَرَ مِنْ الرَّمَلِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّهْذِيبِ يُقَالُ لِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يقدر على شئ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَرْمَلُ، وَلَا يُقَالُ لِلَّتِي لَهَا زَوْجٌ وَهِيَ مُوسِرَةٌ أَرْمَلَةُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْأَرْمَلَةَ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. كِفَايَةٌ. وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيْدَ الْحَاجَةِ، قَالَ: لَان حَقِيقَة الْمَعْنى فِيهِ نَفاذ زَادهَا لسقوطها نَفَقَتِهَا عَنْ زَوْجِهَا اه. وَفِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَرْمَلُ إلَّا فِي الشُّذُوذِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّائِعِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَقِيرُهُمْ وغنيهم يُنَافِيهِ، وَلذَا فِي السَّعْدِيَّةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّوْزِيعِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِالْتِبَاسِ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ حِسَابٍ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ القَاضِي، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَالْأَيْسَرُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ. كِفَايَةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْأَحْوَطُ اه. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لِفُقَرَائِهِمْ) أَيْ إنْ لَمْ يُحْصَوْا فَالْوَصِيَّةُ لِفُقَرَائِهِمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقَرَابَةُ. وَهِيَ فِي سَدِّ الْخلَّة ورد الجوعة، وَهَذِه الْأَسَامِيُّ تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (يَخْتَصُّ بِذُكُورِهِمْ) وَعِنْدَهُمَا: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يَدْخُلُ الْإِنَاثُ أَيْضًا. مُلْتَقًى. وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَوْلَادُ الْبَنِينَ. وَفِي دُخُولِ بَنِي الْبَنَاتِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ كَانَ ابْنٌ وَاحِدٌ وَبَنُو بَنِينَ فَلَهُ النّصْف وَلَا شئ لَهُم. وَعِنْدَهُمَا لَهُمْ الْبَاقِي وَيَدْخُلُ جَنِينُ وَلَدٍ لِأَقَلِّ الْأَقَلِّ. أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) الطَّبَقَاتُ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَبُ سِتٌّ: وَهِيَ الشِّعْبُ وَالْقَبِيلَةُ وَالْعِمَارَةُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْفَصِيلَةُ. فَالشِّعْبُ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعِمَارَةَ، وَهَكَذَا، وَخُزَيْمَةُ شِعْبٌ، وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ، وَقُصَيٌّ بَطْنٌ، وَهَاشِمٌ فَخِذٌ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ. أَفَادَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ. قَوْلُهُ: (مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ، وَقَوْلُهُ: وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ، وَهُوَ مَنْ وَالَى وَاحِد مِنْهُم لَان مَوْلَى الْقَوْمِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَحُلَفَاؤُهُمْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. وَالْحَلِيفُ: مَنْ يَأْتِي قَبِيلَةً فَيَحْلِفُ لَهُمْ وَيَحْلِفُونَ لَهُ لِلتَّنَاصُرِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ) كَشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ، وَكَذَا العلوية الْفُقَهَاءُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِمَوَالِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَى. قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ ثَمَانِيَ صُوَرٍ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوَالٍ أَعْلَوْنَ وَمَوَالٍ أَسْفَلُونَ، أَوْ مَوْلًى وَاحِدٌ فِيهَا، أَوْ مَوَالٍ فِي أَحَدِهِمَا وَمَوْلًى وَاحِدٌ فِي الْآخَرِ، وَفِيهِمَا صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُعَبِّرَ الْمُوصِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَوْ الْإِفْرَادِ وَصَرِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَوَالِي فِي الْجِهَتَيْنِ، وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْمَوَالِي، وَلْيُحَرَّرْ بَاقِي الصُّوَرِ اه ط. أَقُولُ: صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّ الْجَمْعَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلَوْ وُجِدَ اثْنَانِ فَلَهُمَا الْكُلُّ أَوْ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى اسْمُ جِنْسٍ كَالْوَلَدِ فَيَعُمُّ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ تَبْطُلُ فَقَدْ ظَهَرَ الْمُرَادُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) كَذَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي عَدَمِ الْعُمُومِ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ بُغْضُهُ) أَيْ بُغْضُ فُلَانٍ وَهُوَ: أَيْ فُلَانُ أَوْ بُغْضُهُ غير مُخْتَلف: أَي لَا اشْتِرَاك فِيهِ إِذا هُوَ شئ وَاحِد. أَقُول: سلمنَا الْحَامِلَ وَاحِدٌ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي لَفْظِ الْمَوْلَى، وَقَدْ أُرِيدَ كِلَا مَعْنَيَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحَامِلِ فَلَزِمَ عُمُومُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اتِّحَادُ الْحَامِلِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ لَفْظٌ يَعُمُّ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ عَدَمُ فَهْمِ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْمُوصِي فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّة أَوْ بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَاسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ بِالْمُتَعَلِّقِ بِالْعِتْقِ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَلَا مَوْلَى الْمَوْلَى إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ مجَازًا لتعذر الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مُدَبَّرُوهُ) إلَخْ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُونَ) لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَنْ يُدَقِّقُ النَّظَرَ) أَيْ الْفِكْرَ وَالتَّأَمُّلَ بِالدَّلِيلِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلِمَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَعَ أَدِلَّتِهَا) حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: الْفَقِيهُ عِنْدَنَا مَنْ بَلَغَ مِنْ الْفِقْهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى، وَلَيْسَ الْمُتَفَقِّهُ بِفَقِيهٍ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ نَصِيبٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرَ شَيْخِنَا أبي بكر الاعمش. طوري. وَفِيه: إِذا أَوْصَى لِلْعَلَوِيَّةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ الْعَلَوِيَّةِ يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّة للفقهاء اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفِ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ لِإِشْعَارِ الْأَسْمَاءِ بِالْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا، فَإِنَّ الْعَمَى وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ يَقْطَعُ عَنْ الْكَسْبِ فَيَغْلِبُ فِيهِمْ الْفَقْرُ وَهُوَ أَصَحُّ اهـ. قَوْلُهُ: (حَتَّى قِيلَ مَنْ حَفِظَ أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَدِلَّةٍ. وَفِيهِ: أَنَّهُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ فَلِمَاذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا عُرْفَ الْمُوصِي؟ ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عُرْفُهُمْ فِي زَمَانِهِمْ، ومقدمنا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مُطْلَقُ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةٍ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ تُبْنَى عَلَى عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَكَذَا لفظ النَّاذِر والموصي والحالف هـ..عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي صَدْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 الْكِتَابِ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ أَنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حِفْظُ الْفُرُوعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ اه. وَعَزَاهُ فِي الْبَحْر إِلَى الْمُلْتَقى. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الشَّائِعَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ مُطْلَقًا: يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ بدلائلها أَولا اه. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قَدَّمْنَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى التَّطْيِينِ فَقَطْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبِنَاءِ الْقُبَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ بِالْمَكْرُوهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَقَدَّمَ أَوَّلَ الْوَصَايَا أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَأَنَّهَا مَكْرُوهَة لاهل فوسق، وَمُقْتَضَى مَا هُنَا بُطْلَانُهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إمَّا صِلَةٌ أَوْ قُرْبَةٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَبَطَلَتْ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفَاسِقٍ فَإِنَّهَا صِلَةٌ لَهَا مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ فَصَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِغَنِيٍّ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَيْسَتْ قُرْبَةً كَمَا مَرَّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ فَصْلِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ مَا يُوَضِّحُهُ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ) . أَقُول: لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ زَارَ قَبْرَ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ وَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، أَمَّا بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهَا، وَلَا مَعْنَى أَيْضًا لِصِلَةِ الْقَارِئِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ اسْتِئْجَارَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ اه بِحُرُوفِهِ. فَقَدْ صَرَّحَ بِحُسْنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَبِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِعَدَمِ إلَخْ) أَيْ أَوْ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَفِي كَوْنِهِ مِمَّا أُجِيز الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ. تَأَمَّلْ. لِأَنَّ مَا أَجَازُوهُ إنَّمَا أَجَازُوهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْفِقْهِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِمَامَةِ خَشْيَةَ التَّعْطِيلِ لِقِلَّةِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي اسْتِئْجَارِ شَخْصٍ يَقْرَأُ عَلَى الْقَبْرِ أَو غَيره اهـ. رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيمُ وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى بِتَعْلِيلِ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ وَخَشْيَةَ الضَّيَاعِ كَمَا مَرَّ،، وَلَوْ جَازَ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ لَجَازَ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِك فِي رِسَالَة حافلة ذكرت نبذة فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى التِّلَاوَةِ وَإِنْ صَارَ مُتَعَارَفًا فَالْعُرْفُ لَا يُجِيزُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَهُوَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: اقرؤوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ. وَالْعُرْفُ إذَا خَالَفَ النَّص يرد بالِاتِّفَاقِ، فاحفظ ذَلِك وَلَا تمكن مِمَّنْ اشْتَرَى بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَجَعَلَهَا دكانا يتعيش مِنْهَا. (أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مَبْنِيًّا عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْت مُخَالَفَةَ هَذَا الْبَحْثِ لِلْمَنْقُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ الْبُطْلَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى تِلَاوَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ، لِمَا فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَعْلُومَ لِأَحَدٍ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي اه. وَكَذَا الْمُدَرِّسُ إذَا دَرَّسَ فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى لِتَعَذُّرِ التَّدْرِيسِ فِي مَدْرَسَتِهِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا قُبَيْلَ الْفُرُوعِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَنَحْوِهِ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. بَاب الْوَصِيَّ ة بِالْخدمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ) أَي لمعني، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ، وَبِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَعْلُومٍ، لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَالْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى لَا يُتَصَدَّقُ بِهَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهَا، وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَعْلُومٍ. وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ وَتَمَامُ الْفَرْقِ فِي الْبَدَائِع اهـ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) وَإِنْ أَطْلَقَ فعلى الابد، وَإِن أوصى بِسِنِينَ فَعَلَى ثَلَاثٍ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ. اه. مِسْكِينٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْوَقْفِ) فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ. قَوْلُهُ: (وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مَعْنَى الْغَلَّةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ لِمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الاعيان الَّتِي أوصى فِيهَا، فَإِن كَانَ رقبها مِقْدَارَ الثُّلُثِ جَازَ، وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا، فَإِذَا صَارَتْ الْمَنَافِعُ مُسْتَحَقَّةً وَبَقِيَتْ الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ لَهَا، فَلِذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهَا اه. أَقُولُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ: إنَّ التَّبَرُّعَ بِالْمَنَافِعِ نَافِذٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (تُقْسَمُ الدَّارُ أَثْلَاثًا) زَادَ فِي الْغُرَرِ: أَوْ مُهَايَأَةً: أَيْ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، وَالْأَوَّلُ أَعْدَلُ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ بِالْأَجْزَاءِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا اه. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَة، وَإِلَّا بالمهايأة لَا غَيْرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْسَمُ) أَيْ الدَّارُ نَفْسُهَا، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتُقْسَمُ. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اه. فَلَوْ قَاسَمَهُمْ الْبُسْتَان فعل أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ فَقَطْ اشْتَرَكُوا فِيهَا لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ. سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إذْ حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي: تُقْسَمُ لِيَسْتَغِلَّ ثُلُثَهَا. شُرُنْبُلَالِيَّةُ عَنْ الْكَافِي. قَوْلُهُ: (وَتَهَايَآ الْعَبْدَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ. قَوْلُهُ: (فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا أَبَدًا، إلَّا إنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِسَنَةٍ مَثَلًا، فَلَوْ السَّنَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِلَى مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ مُعَيَّنَةً فَإِلَى مُضِيِّهَا إنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا ثُمَّ تُسَلَّمُ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. مِنَحٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ قِسْمَةُ الدَّارِ وَمُهَايَأَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ) مِثَالُهُ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفَ التَّرِكَةِ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمَيْنِ وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا، لِأَنَّ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَصَارَ الْمُوصَى بِهِ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ وَثُلُثُهُ لِلْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ كَمَا ذكرنَا، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ تُخَرَّجُ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا صَحَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤْجِرَ بِبَدَلٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الْعَيْنِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا مَلَكَ أَنْ يُؤْجِرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهَا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَانَتْ مَالًا، بِخِلَافِ مِلْكِهَا بِعَقْدِ تَبَرُّعٍ كَمَا نَحْنُ فِيهِ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ من الْغلَّة بِالِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا اه. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: بِغَلَّةِ دَارِهِ لِرَجُلٍ تُؤْجَرُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ غَلَّاتُهَا. فَإِنْ أَرَادَ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ: قَالَ الْإِسْكَافُ: لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْوَقْفِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى هَذَا، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ لم ينْقل فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ إِ هـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ. وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ مُسَلَّمٌ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي ابْنَ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا هِيَ بِالْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مُعْدَمَةٌ لَهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُوصِي، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الِانْتِفَاعِ بِالسُّكْنَى أَوْ بِالْغَلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي الْوَقْفِ مِنْ بَابِ أَوْلَى اه. وَحَاصِلُهُ النِّزَاعُ مَعَ صَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي دَعْوَاهُ الاولوية. قلت: فَلَو صرح الْوَاقِف باأنها لِلِاسْتِغْلَالِ فَالْأَوْلَوِيَّةُ ظَاهِرَةٌ. هَذَا، وَلَكِنَّ لِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 رِسَالَةٌ حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يملك الاستغلال متسحق السُّكْنَى. وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ، فَتَأَمَّلْ. وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ) أَيْ حَقَّ الْمُوصَى لَهُم وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِم، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْغَلَّةُ فَإِنَّهَا عَيْنُ مَالٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُثْبِتُ خِلَافَ الْمَطْلُوبِ وَيَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِعَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَخْ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فِي بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ لَا فِيهَا، لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ: أَعْنِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا الْفَرْقُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَنْفَعَةِ الِاسْتِغْلَالُ لَا الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى، وَبِالْعَيْنِ ذَات العَبْد وَالدَّار والاشارة بقول: وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الدَّارِ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُخْرِجُ إلَخْ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فِيهِ بِدُونِ ان يلْزمه مشقه السّفر إِذا كَانُوا فِي غير مَقْصُودَة أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ اه. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ ذَلِك مَكَانَهُ الخ) الاشارة إِلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ إخْرَاجَهُ إلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنَحِ. وَأَمَّا عَلَى حَلِّ الشَّارِحِ فَالْإِشَارَةُ إلَى الْمَخْرَجِ الَّذِي هُوَ الْمُوصَى لَهُ لَا إلَى الْكُوفَةِ كَمَا قَالَ ح، لِعَدَمِ مُلَاءَمَتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَأَهْلُهُ فِي مَوضِع آخر وعَلى مَا قُلْنَا قَاسم الْإِشَارَةِ اسْمُ كَانَ وَمَكَانُهُ مُبْتَدَأٌ وَأَهْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ، وَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ وَيَقَعُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَيَجُوزُ إرْجَاعُ الْإِشَارَةِ إلَى الْكُوفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مَكَانِهِ لِلْعَبْدِ وَفِي أَهْلِهِ لِلْمُوصِي. وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ: وَلَا يُسَافِرُ بِهِ إلَّا لِبَلَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي وَهُوَ عطف على قَوْله: حَيَاة الْمُوصي أَي وبموت اموصى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَعُودُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (يَعُودُ الْعَبْدُ وَالدَّارُ) أَيْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّار وَغَلَّتُهُمَا كَمَا عَبَّرَ الْأَتْقَانِيّ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوصَى بِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِحُكْمِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَتِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اه. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ) أَيْ أَتْلَفُوا الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا إلَخْ) أَيْ لِأَجْلِ الْغَرَامَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ مُنِعَ مُوَرِّثُهُمْ عَنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِئَلَّا تَلْزَمَهُمْ غَرَامَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 كُلِّ الْمَالِ لَوْ لَزِمَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَجَنَوْا عَلَيْهَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ عَلِيلٌ. سَائِحَانِيٌّ وَرَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَعُودُ على الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يُطلق الْخدمَة الخ) أَي لصِغَر وَكَذَا الْمَرَض. وَتَمَامه فِي الْكِفَايَة، وَلَكِن فِي الولو الجية: إذَا مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى فَعَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَفَقَةُ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ) وَبَعْدَ مَوْتِهِ تَرْجِعُ بِهِ وَرَثَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهَا وَذَاكَ كَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى يُبَاعُ فِيهِ. إذْ لَوْلَا الْفِدَاء لَكَانَ مُسْتَحقّا بِالْجِنَايَةِ. ولولوالجية. وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) أَيْ فِي صُورَتَيْ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ، وَبَيَانُهُ فِي السَّابِعِ مِنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يُبَيِّنْ مَا إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ وَلَا غَلَّةَ فِيهَا، وَبَيَّنَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: لَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ أَبَدًا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا لم تُدْرَكْ وَلَمْ تُحْمَلْ فَالنَّفَقَةُ فِي سَقْيِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ نُمُوُّ مِلْكِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْغَلَّةِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شئ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِهَا تَحْصُلُ، فَإِنْ حَمَلَتْ عَامًا ثُمَّ أَحَالَتْ فَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ، فَإِنَّ الْأَشْجَارَ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَحْمِلَ فِي سَنَةٍ وَلَا تَحْمِلُ فِي سَنَةٍ يَكُونُ ثَمَرُهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِيهَا أَجْوَدَ مِنْهُ وَأَكْبَرَ إذَا كَانَتْ تَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ، وَهُوَ نَظِيرُ نَفَقَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَمِيعًا وَإِن كَانَ ينَام بِاللَّيْلِ وَلَا يخدك، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَاحَ بِالنَّوْمِ لَيْلًا كَانَ أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ بِالنَّهَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَنْفَقَ صَاحب الرَّقَبَة عليخ حَتَّى يَحْمِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي نَفَقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْإِنْفَاقِ كَيْ لَا يلتف مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَوْفِي النَّفَقَةَ مِنْ الثِّمَارِ وَمَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لصَاحب الْغلَّة إِ هـ. ط عَنْ سَرِيِّ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (فَمَاتَ وَالْحَالُ إلَخْ) أَيْ مَاتَ الْمُوصِي فِي حَالِ وُجُودِ ثَمَرَةٍ فِي الْبُسْتَانِ. قَوْلُهُ: (لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ) أَي للْوَصِيّ لَهُ إنْ خَرَجَ الْبُسْتَانُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ: (ضُمَّ أَبَدًا أَولا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ مِثْلُ التَّنْصِيصِ على الابد، أما الْغلَّة فتنتظم الْمَوْجُود وَمَا بِعرْض الْوُجُود مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) يَعْنِي أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ بِلَا زِيَادَةِ لَفْظِ أَبَدًا فَمَاتَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ. قَوْلُهُ: (حِينَ الْوَصِيَّةِ) صَوَابُهُ حِينَ الْمَوْتِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ السَّائِق وَاللَّاحِقِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ. قَوْلُهُ: (زَيْلَعِيٌّ) قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَر يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنه ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جمعح ابَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اه. تَنْبِيهٌ: أَوْصَى بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَا شَجَرَ فِيهَا وَلَا مَالَ لَهُ غيرهل تُؤْجَرُ وَيُعْطَى صَاحِبُ الْغَلَّةِ ثُلُثَ الْأَجْرِ، وَلَوْ فِيهَا شَجَرٌ يُعْطَى ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوصَى لَهُ الْبُسْتَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ جَازَ وَبَطلَت الْوَصِيَّة، وَلَو تراضوا على شئ دَفَعُوهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْغَلَّةَ جَازَ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ. طُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكِرَائِهَا) الْكِرَاءُ الْأُجْرَةُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَارَى وَمِنْهُ الْمُكَارِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ) وَكَذَا فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ دُخُولُ ثَمَنِ الْحَوَرِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِمَّا لَا ثَمَرَ لَهُ كَالصَّفْصَافِ وَالسَّرْوِ، ثُمَّ الْحَوَرِ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَ الدُّلْبَ حَوَرًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاعِي أَنْشَدَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ: كَالْجَوْزِ يَنْطِقُ بِالصَّفْصَافِ وَالْحَوَرِ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّرُ) . أَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِيهِ أَنَّهُ يُدْخِلُ نَفْسَ الْحَوَرِ لَا ثَمَنَهُ لِأَنَّ الْحَوَرَ نَفْسُ الْغَلَّةِ الْمُوصَى بِهَا إذْ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الْخَشَبُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى بِغَلَّةِ كَرْمِهِ لِإِنْسَانٍ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ: يَدْخُلُ الْقَوَائِمُ وَالْأَوْرَاقُ وَالثِّمَارُ وَالْحَطَبُ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْكَرْمَ مُعَامَلَةً يَكُونُ كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالثَّمَرِ اه. قَوْلُهُ: (وَوَلدهَا) أَي حملهَا. ولولوالجية. وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ وَغَيره: أَو الْوَلَد فِي الْبَطْنِ. قَوْلُهُ: (لَهُ مَا بَقِيَ) الْأَوْضَحُ: لَهُ مَا وَجَدَ قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمئِذٍ اه ط. قو لَهُ: (لِأَنَّ الْمَعْدُومَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ، إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ، أَمَّا الْوَلَدُ الْمَعْدُومُ وَأُخْتَاهُ لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ اه. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا، لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا ط. قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِلَا تَعْيِينِ إنْسَانٍ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا اه. غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزَانِ) أَيْ وقف الْمَنْقُول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ وَقْفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَرْكَبَةً وَقْفًا يَكُونُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ وَقْفُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِلْآثَارِ، وَلِلْإِبِلِ حُكْمُ الْكُرَاعِ اه. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ. أَقُولُ: وَجَوَابُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً حَقِيقِيَّةً، إذْ هِيَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، كَالْوَصِيَّةِ بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَإِنَّهَا وَقْفٌ فِي الْمَعْنَى وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا هَذِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ أَصْلًا، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَجُزْ) كَذَا فِي الْغُرَرِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. فصل فِي وَصَايَا الذِّمِّيّ وَغَيره أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ وَصَاحِبِ الْهَوَى وَالْمُرْتَدَّةِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سَاقِطَةٌ فِي الْمِنَحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ لَا. وَالثَّانِي: بَاطِل الِاتِّفَاق، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ (1) وَالنَّائِحَاتِ، أَو لما هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ كَالْحَجِّ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا. وَالثَّالِثُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَإِنْ لِمُعَيَّنِينَ جَازَ إجْمَاعًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ إسْرَاجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا الالزام فيفعلون بِهِ مَا شاؤوا لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُم. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَيْ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي   (1) قوه: (أوصى الْمُغَنِّيَات إِلَخ) الذى تقدم الْوَصِيَّة للفساق صَحِيحَة مَعَ الْكَرَاهَة وَلَعَلَّ الصَّوَاب أوصى بِالْغنَاءِ والنياحة فَإِنَّهُ وَصِيَّة بِنَفس الْمعْصِيَة اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 التَّخْرِيجِ. شُرُنْبُلَالِيَّةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَوَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِلُزُومِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُورَثُ كالوقف الْمَذْكُور، وَلَيْسَ المُرَاد بِأَنَّهُ إذَا سَجَّلَ لَزِمَ كَالْوَقْفِ. أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُوَ كَالْمَسْجِدِ) لَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِمَا بَلْ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: إنَّ هَذَا فِي حَقِّهِمْ كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّنَا، وَالْمَسْجِدُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ، اه ح. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَذَلِكَ) كَمَا إذَا جَعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَتَحْتَهُ سِرْدَابٌ وَفَوْقَهُ بَيْتٌ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِمُعَيَّنِينَ) أَيْ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ اتِّفَاقًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ جَعْلُهَا كَنِيسَةً كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الْقُرَى) المُرَاد بالقرى مَا لَيْسَ فِيهِ شئ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَكَالْأَمْصَارِ. ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُسَمَّيْنَ) بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ كَمُصْطَفَيْنَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِيَاءَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، فَإِنَّ الْيَاءَ الْأُولَى حُذِفَتْ بَعْدَ قَلْبِهَا أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَمْلِيكًا لِعَدَمِ تَعْيِينِهِمْ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ وَمَا يَدِينُونَ) فَإِنَّ هَذَا قُرْبَةٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَلِذَا لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَين الْبناء والصية أَنَّ الْبِنَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي، وَالْوَصِيَّةُ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ. هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ، وَتَجُوزُ لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ لَا لحربي فِي دَار الْحَرْب إِ هـ. مُلْتَقًى. قَوْلُهُ: (لَا وَارِثَ لَهُ هُنَا) أَيْ فِي دَارِنَا، وَمَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ هُنَا لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَعَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيره عَن هَذَا الْمَفْهُومِ بِقِيلَ فَأَفَادَ ضَعْفَهُ، لَكِنْ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْمُلْتَقَى، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْمُتُونَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوح، وَبِهِ جَزَمَ الْأَتْقَانِيّ مُسْتَنِدًا إلَى مَا فِي شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ، لِأَنَّ حَقَّ وَارِثِهِ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِسَبَبِ الْأَمَانِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخر ثمَّة شَارك الْحَاضِر وَلم يكن لموصى لَهُ إلَّا الثُّلُثُ اه. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي الْوِقَايَةِ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: لَا وَارِثَ لَهُ هُنَا لِيُشِيرَ بِهِ إلَى مُخَالَفَةِ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ ثَمَّةَ) أَيْ بِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ هُنَاكَ: أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَيْ لَا يُرَاعَى حَقُّهُمْ فِي إبْطَالِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ. قَوْلُهُ: (وَرُدَّ بَاقِيَهْ لِوَرَثَتِهِ) مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ: أَيْ لَا لِحَقِّهِمْ، فَمِنْ حَقِّهِ تَسْلِيمُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا إرْثًا الخ) كَذَا فِي الْمنح أول الْوَصَايَا، وَهِي نَفْيٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 مِنْ قَوْلِهِ: لِوَرَثَتِهِ وَبَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَيْ تَصِحُّ. قَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ ثَمَّةَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَظْهَرِ) مُقَابِلُهُ مَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمْكِنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا تَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَبْد بِخِلَاف الارث. زَيْلَعِيّ. قَوْلُهُ: (وَصَاحِبُ الْهَوَى) قَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ: أَهْلُ الْهَوَى أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ مُعْتَقَدُهُمْ مُعْتَقَدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْمُعَطِّلَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ) أَيْ بِهِ فَحَذَفَ الْجَارَ لِظُهُورِهِ ط. قَوْلُهُ: (فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً) أَيْ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ. قَوْلُهُ: (كَذِمِّيَّةٍ فِي الْأَصَحِّ) فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا. هِدَايَةٌ. وَقِيلَ: لَا. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ: أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ وَالْأَصَحَّ يَصْدُقَانِ اه: أَيْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَصَحَّ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْآخَرِ صَحِيحًا، وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلَ. قَوْلُهُ: (الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ فِيهَا، وَالْعَامَّةُ مَا ذُكِرَا فِيهَا ط. قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ) وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا هِبَةً لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ حَالًا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ هِبَةً، لِمَا قَالُوا: إنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ، وَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ ط. قَوْلُهُ: (وَإِن عممت) إِن وصيلة، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا صَحِيحَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّهَا بِالْأَغْنِيَاءِ فَقَطْ، إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَمْلِيكًا لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَلَا صَدَقَةً لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنَبِّئُ عَنْ مَعْنَى الْحَاجَةِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ. قَوْلُهُ: (وَالْغَنِيُّ لَا مُعَيَّنٌ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: لَا يُعَيَّنُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُطْلَقَ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَإِنْ عَمَّمَ الْوَاقِفُ، وَإِذَا حصصه يُغني مُعَيَّنٍ أَوْ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَغْنِيَاءَ حَلَّ لَهُمْ وَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهُ لَا عَيْنَهُ دُرَرٌ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ السِّقَايَةَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالرِّبَاطَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْفَقِير والغني، لَان الْوَاقِف يُقْصَدُ بِهَا الْعُمُومُ، فَإِذَا اكْتَفَى بِقَصْدِهِ الْعُمُومَ كَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 فَلْيُحَرَّرْ اه رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ) أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَخُو الْوَصِيِّ، وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ هُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اتِّحَادِ حُكْمِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِيمَا مَرَّ، فَقَدْ قَالُوا أَيْضًا: إنَّهُمَا أَخَوَانِ وَقَالُوا: الْوَقْفُ يَسْتَقِي مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَقَالُوا: إنَّهُمَا يستقيان من وَاد وَاحِد. قَوْلُهُ: (يَعْنِي لِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ) أَيْ بِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطَى عَنْ كَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى كَمَا أَمَرَ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَجُوزُ صرف الْكَفَّارَة إِلَيْهِم) بِأَن يَكُونُوا مُسلمين مُحْتَاجِينَ ط. قَوْلُهُ: (وَلِأَحَدِهِمْ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ، لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ أَبْطَلَتْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ ط. قَوْلُهُ: فَلَوْ مِنْهُمْ صَغِيرٌ الْأَوْلَى زِيَادَةُ أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِتَتِمَّ الْمُحْتَرَزَاتُ ط. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَتَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ مِنْ الْغَائِبِ وَغَيْرِ الرَّاضِي وَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الصَّغِيرِ، وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْقِسْمِ الثَّانِي أَوْ لِلْقِسْمَيْنِ: أَيْ كَفَّارَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّبَرُّعِ يُحَرَّرُ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَاتِهِ) نَصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمُعَيَّنٍ بِوَصِيَّةٍ تَعَيَّنَ دَفْعُهَا إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ط. قَوْلُهُ: (لَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي وَالْوَصِيِّ الصّرْف إِلَى غَيره. منح. قَوْله: (الْفساد الزَّمَانِ) وَطَمَعِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. مِنَحٌ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَصْرِفُهَا إلَى أَحَدٍ إذَا جَوَّزْنَا لَهُ مَنْعَهَا عَمَّنْ عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ لِعَدَمِ مَنْ يُطَالِبُهُ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَوْصَى لِصَلَوَاتِهِ) أَوْ صِيَامَاتِهِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُجْزِهِ) وَقِيلَ: تَجْزِيَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أُسْتَاذُنَا: وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ حَتَّى تُوجَدَ الرِّوَايَةُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ) أَيْ بِنِيَّةِ الْفِدْيَةِ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ الْمَأْمُورَ بِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُلُثَهَا) أَيْ ثُلُثَ التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الدَّيْنِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ قَبْلَ الْمَوْتِ. بَقِيَ لَوْ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، هَلْ يَجْزِيهِ لِحُصُولِ قَبْضِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ لَا؟ يُرَاجَعُ. قَوْلُهُ: (فَبَاعَهَا) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَيْ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: (لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ إلَخْ) ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 الْقَبُولِ. قَوْلُهُ: (فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى مِنْ الْأَبِ) إنْ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ وَصِيِّ الْأُمِّ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عَنْ الْأَبِ، لِأَنَّ وَلَايَةَ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَى الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (يُؤْخَذُ الثَّمَنُ) أَيْ مِنْ تَرِكَةِ الْمُشْتَرِي لِلْمُوصَى لَهُ وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الشَّفِيعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. فَرْعٌ: أَوْصَى بِوَصَايَا ثُمَّ قَالَ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ، فَمَاتَ بَعْضُ مَنْ أَوْصَى لَهُمْ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا لَمْ يَجِدْ الْوَصِيُّ نَفَاذًا فِيهِمْ فَيَبْقَى الْبَاقِي وَذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ. ولولوالجية، وَالله أعلم. بَاب الْوَصِيّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ (لِمَا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَشْمَلُهُ) لَكِنْ قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فَكَانَتْ الْحَاجة إِلَى مَعْرفَتهَا أمس. عناية. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَهَا لِأَنَّهَا عَلَى خَطَرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الدُّخُولُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ غَلَطٌ، وَالثَّانِيَةُ خِيَانَةٌ، وَالثَّالِثَةُ سَرِقَةٌ، وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا يَقْدِرُ الْوَصِيُّ أَنْ يَعْدِلَ وَلَوْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ: مَا رَأَيْت فِي مُدَّةِ قَضَائِي عِشْرِينَ سَنَةً مَنْ يَعْدِلُ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَلِبَعْضِهِمْ: احْذَرْ مِنْ الْوَاوَاتِ أَرْبَعَةً فهن من الحتوف وَلَو الْوكَالَة وَالْولَايَة وَالْوِصَايَةِ وَالْوُقُوفِ قَوْلُهُ: (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى فَوَّضَ فَعَدَّاهُ بِإِلَى، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَيَصِحُّ هَذَا التَّفْوِيضُ بِكُلِّ لَفْظٍ يدل عَلَيْهِ. فِي الْخَانِيَّةِ: أَنْتَ وَكِيلِي بَعْدَ مَوْتِي يَكُونُ وَصِيًّا. أَنْتَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي يَكُونُ وَكِيلًا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إقَامَةٌ لِلْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَيَنْعَقِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعِبَارَةِ الْآخَرِ اه. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا: أَنْتَ وَصِيِّي أَوْ أَنْتَ وَصِيِّي فِي مَالِي أَوْ سَلَّمْت إلَيْك الْأَوْلَادَ بَعْدَ موتِي أَو تعهد أَوْلَادِي بعد موتِي أَو قُم بِلَوَازِمِهِمْ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَكُونُ وَصِيًّا. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: افْعَلُوا كَذَا بَعْدَ مَوْتِي فَالْكُلُّ أَوْصِيَاءُ، وَلَوْ سَكَتُوا حَتَّى مَاتَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَهُمْ أَوْصِيَاءُ، وَلَوْ قَبْلَ وَاحِدٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ حَتَّى يُقِيمَ الْقَاضِي مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ يُطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ، لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا فِي نَوْعٍ صَارَ وَصِيًّا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا اه. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ ط. قَوْلُهُ: (أَيْ بِعِلْمِهِ) تَفْسِيرٌ للْعَبد فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ الْحُضُورُ ط. قَوْلُهُ: (بِغَيْبَتِهِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ: بِغَيْرِ عِلْمِهِ بَلْ إسْقَاطُهُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ اه ح. لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 الْمُصَنِّفِ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ بِعِلْمِهِ: أَيْ بِأَنْ رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِلَا عِلْمِهِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَصِيرَ) أَيْ الْمَيِّتُ مرورا مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَيِّتِ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ، فَإِنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، حَتَّى لَوْ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّ بَعْدَهَا صَحَّ لِأَنَّ نَفْعَهُ بِالْوَصِيَّةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ وَعِلْمُ السُّلْطَانِ فِي عَزْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ إخْرَاجُهُ) أَيْ بَعْدَ قَبُولِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنه يَنْعَزِل وَإِن يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ) إذْ لَا تَغْرِيرَ هُنَا، لِأَنَّ الْمُوصِيَ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّفْ عَنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَبِلَ الْوِصَايَةَ أَمْ لَا. دُرَرٌ. أَقُولُ: لَكِنَّ رَدَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ بَعْدَ الرَّدِّ صَحَّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَلَزِمَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِبَيْعِ شئ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْأَهْلِ عَنْ وَلَايَةٍ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَى مَالًا أَوْ اقْتَضَاهُ. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَخْ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وَلَايَةِ الْمُوكل، أما الايصاء فخلافه لانه مُخْتَصّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وَلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَرَثَةِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (صَحَّ) لِأَنَّ هَذَا الرَّد لم يَصح من غير علم كالموصي. كِفَايَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ كَوْنُهُ صَارَ وَصِيًّا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ: فَلَهُ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا سَكَتَ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ: أَيْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَبَيْنَ الْقَبُولِ، فَإِذا رد: أَي لم يقبل يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِذَا قَبِلَ وَلَوْ بَعْدَ الرَّدِّ صَحَّ لِأَنَّ رَدَّهُ لَمْ يَصِحَّ: أَيْ لم يُخرجهُ عَن أَهْلِيَّة الْقبُول، فَإِذا قيل صَارَ وَصِيًّا، وَإِلَّا فَلَا. وَبِهِ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا: فِي رَجُلٍ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَعَدَمِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَابِلُ فِي التَّرِكَةِ فَهَلْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَحْدَهُ قَبْلَ رِضَا الْأَوَّلِ وَرَدِّهِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ السَّاكِتَ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ الْقَابِلَ لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْوَلوالجِيَّة فينصب القَاضِي مَعَه وَصِيّا آخر فيتصرفان مَعًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا نَفَّذَ قَاضٍ رَدَّهُ) لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، إذْ الرَّدُّ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ. كِفَايَةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا. قَوْلُهُ: (وَعَبْدِ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْوَاوُ فِيهِ وَفِيمَا بعد بِمَعْنَى أَوْ. قَوْلُهُ: (وَكَافِرٍ) أَيْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ. عِنَايَةٌ. أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَفَاسِقٍ) أَيْ مُخَوَّفٍ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَدَّلَ) أَيْ وُجُوبًا. بِحُرٍّ مُسْلِمٍ صَالِحٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 لِأَنَّ الْعَبْدَ يُحْجَرُ، وَالْكَافِرُ عَدُوٌّ، وَالْفَاسِقُ مُتَّهَمٌ بِالْخِيَانَةِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ بَدَّلَ يُفِيدُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ) وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ: أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الاخراج بِكَوْن بَعْدَ الصِّحَّةِ اه. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: إنَّ الْإِيصَاءَ بَاطِلٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ إنَّهُ سَيَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَقِيلَ: سَيَبْطُلُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ وريته فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ: سَيَبْطُلُ فِي الْفَاسِقِ لِأَنَّ الْكَافِرَ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي الْكَافِي. قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ عَلَى الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ ذِكْرَ الصَّبِيِّ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُجْتَبَى: وَالْوَصِيَّةُ إلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ، وَلَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ كَالْوَكَالَةِ اه. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الِاخْتِيَارِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ، وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْعُهْدَةِ فِيهِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا، وَقَالَا: يَكُونُ اه. مُلَخَّصًا. وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ ط. قَوْلُهُ: (أَيْ عَنْ الْوَصَايَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْوِصَايَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ رَدَّ فِي الرِّقِّ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ. قَوْلُهُ: (فَكَالْعَبْدِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ صَحَّتْ وَاسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافِيَّةِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ بَيْعَهُ أَو بيع نصِيبه فعجز عَنْ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْنَعُهُ فَلَا يَحْصُلُ فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ. اخْتِيَارٌ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا) لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوَلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إِلَى من هُوَ أَهْلٌ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَار مستبدا بِالتَّصَرُّفِ مثله بِلَا ولَايَة ح لَهُمْ اه. دُرَرٌ. لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ ط. فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَايَةُ الْبَيْعِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيتَحَقَّق المنه. وَأجِيب بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وَلَايَةُ الْبَيْعِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ وَحْدَهُ بِأَنْ احْتَاجَ إلَى مُعَيَّنٍ بِقَرِينَةِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) بِأَنْ ثَبَتَ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ، لَان الثَّابِت بهَا كالعاين لَا بِعِلْمِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ. رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (لَا بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَكَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ. هِدَايَةٌ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا ذكره أنصه لَيْسَ لِلْوَصِيِّ إخْرَاجُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ. وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَهُ الْمَيِّتُ وَصِيًّا عَلَى أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مَتَى شَاءَ. الثَّانِي أَنْ يَدعِي دينا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 عَلَى الْمَيِّتِ فَيَتَّهِمُهُ الْقَاضِي فَيُخْرِجُهُ اه. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ. أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَعْزِلُ نَفْسَهُ بِعِلْمِ الْقَاضِي. تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: فَيُخْرِجُهُ فِيهِ خِلَافٌ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ بَلْ يَجْعَلُ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَاصَّةٍ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي) فِي إبْقَائِهِ حَيْثُ اخْتَارَهُ وَصِيًّا وَلِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: عَجَزَ فَأَقَامَ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَيَّامٍ صِرْت قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، قَالُوا: هُوَ وَصِيٌّ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَا أَقَامَ الثَّانِيَ مَقَامَهُ لِيَكُونَ نَصْبُهُ عَزْلًا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ ضَمٌّ لَا عَزْلٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَقَامَ آخَرَ مَقَامَ الْعَاجِزِ يَنْعَزِلُ، قَالَ الْخَاصِّيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ إِلَّا بعد الْعَزْل، وللقاضي الْعَزْل بِالْعَجْزِ اه مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ: جَعَلْتُك وَصِيًّا أَوْ ضَمَمْتُك إلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ أَقَمْتُك مَقَامَهُ انْعَزَلَ. فَتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: فِي الْأَدَبِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ جُنَّ الْوَصِيُّ مُطْبِقًا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وِصَايَتِهِ اه. قَوْلُهُ: (مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا) بِأَنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا. قَوْلُهُ: (نَفَذَ عَزْلُهُ) قَالَ فِي الْقنية: واستبعده ظهير الدّين بِأَن مقدم على الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، قَالَ أُسْتَاذُنَا: فَإِذَا كَانَ يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي اه. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا عَزْلُ الْخَائِنِ فَوَاجِبٌ) بَلْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ: إذَا كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ وَصِيًّا وَيَنْزِعُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ) وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: وَلَوْ كَافِيًا لَا عَدْلًا يَعْزِلُهُ، وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيا اه. زَاد فِي الزَّيْلَعِيّ: وَلَوْ عَزَلَهُ صَحَّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: لَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ، لَكِنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عِنْدِي إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ) فَيَكُونُ عَزْلُهُ مِنْهُمْ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْيَتِيمِ فِي عَزْلِ الْأَهْلِ ط. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ عَدْلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ شَيْخُنَا) يَعْنِي ابْنَ نُجَيْمٍ صَاحِبَ الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ بِالْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ) مِنْ الْوَظَائِفِ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ. قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 فِي فَتَاوَى خَيْرِ الدِّينِ عَنْ الْبَحْرِ: وَأَمَّا عزل القَاضِي النَّاظر فشرطه أَن يكو بِجُنْحَةٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ أَفَادَ حُرْمَةَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ بِلَا خِيَانَةٍ وَعَدَمَ صِحَّتِهَا لَوْ فَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عزل النَّاظر بِغَيْر جنحة عدمهَا لصَاحب وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيِّ وَغَيْرِهِ اه ط. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَوْلَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ مَا عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) إلَّا إذَا أَجَازَهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْمِنَحِ ط. أَقُولُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ مَعَ النَّاظِرِ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة: لَوْ تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ بِدُونِ عِلْمِ النَّاظِرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُهَا. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ بِالْإِجَازَةِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ جَازَتْ. نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ ط. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذ من الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لِكُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الْغُرَرِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يَنْفَرِدُ) قَائِلُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا مُتَعَاقِبًا، فَلَوْ مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، أَمَّا فِي الْعَقْدَيْنِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَبِهِ نَأْخُذُ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ جزم منلاخسرو. مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ مِثْلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ) أَقُولُ: يُوهِمُ أَنَّهُ صَحَّحَ الْقَوْلَ بِالِانْفِرَادِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِالِانْفِرَادِ وَلَا لعدم. نَعَمْ مَا صَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ يَتَضَمَّنُ تَصْحِيحَ الِانْفِرَادِ لَوْ بِعَقْدَيْنِ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ، فَتَنَبَّهْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا فِي الْمَبْسُوط مُتَضَمّن أَيْضا التَّصْحِيح عَدَمَ الِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ أثبت أَو قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَدَمُ الِانْفِرَادِ فِيهِمَا، وَالْعَمَلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَصَرِيحُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّة عِنْد الْمَوْت فَثَبت لَهما مَعًا، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ، فَإِذَنْ ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا. زَيْلَعِيٌّ: أَيْ فِي صُورَتَيْ الْإِيصَاءِ لَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ عدم انْفِرَاد أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (مِنْ بَلْدَتَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ، حَتَّى لَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَجَعَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 لَهُمَا نَصْبَ الْأَوْصِيَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذكره من التَّعْلِيل. أَفَادَهُ ط. قَوْله: (وَتَمَامه الخ) الَّذِي ذكره فِي تنزير الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقَطَاتِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَفِي قَوْلِهِ: فَكَذَا نَائِبُهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي حَتَّى تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ، بِخِلَافِ أَمِينِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ وَلَوْ مَنْصُوبَهُ بِخِلَافِهِ مَعَ أَمِينِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْقَاضِي شِرَاءَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ وَصِيٍّ نَصَّبَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَمِينَهُ، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي غَالِبِ الْمَذْهَب اه. قَوْله: (وَنصب القَاضِي لآخر لَا يُخْرِجُ الْأَوَّلَ) وَالْوَصِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ اخْتِيَارُ الْمَيِّتِ كَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا اه. كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ. أَقُولُ: بَقِيَ أَنَّ تَصَرُّفَ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ نَافِذٌ؟ وَالظَّاهِرُ نَفَاذُهُ لَوْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَلَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا مَعَ وُجُودِهِ: أَيْ وَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ أَقَرَّ لِمُدَّعِي الْعين اه. وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يُخَاصِمَ الْوَصِيَّ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ اه. قَوْلُهُ: (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُطْلَانِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَجْهِيزِهِ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَكَفَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ. قَالَ فِي التَّبْيِينِ: لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَر والرفقة فِي السّفر هـ ط. قَوْلُهُ: (وَالْخُصُومَةِ) وَجْهُ الِانْفِرَادِ فِيهَا أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً، وَلَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا. دُرَرٌ. قَوْلُهُ: (وَشِرَاءِ حَاجَة الطِّفْل) أَي مَا لابد لَهُ مِنْهُ كالطعام والمسوة. إتقاني لَان فِي تَأْخِير لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَالِاتِّهَابِ لَهُ) أَيْ قَبُولِ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ. قُهُسْتَانِيٌّ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ. هِدَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي، وَبِخِلَاف إعْتَاقِ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. قُهُسْتَانِيّ. وَقد أطلق قاضيخان الْعَبْدَ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مَجَّانًا، فَلَوْ بِمَالٍ احْتَاجَ إلَى الرَّأْيِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ وَدِيعَةِ الْمَيِّتِ. سَائِحَانِيٌّ عَن الْهِنْدِيَّة، قَوْله: (وتنفيذ وضية) أَيْ بِعَيْنٍ أَوْ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ. ابْنُ الشِّحْنَةِ. فَلَو احْتَاجَ إِلَى بيع شئ لِيُؤَدِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ الْوَصِيَّةَ فَلَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحبه. إتقاني. وقهل: معنيتين نَعْتٌ لِوَدِيعَةٍ وَوَصِيَّةٍ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَخْذَهُ بِلَا دَفْعِ الْوَصِيِّ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِنْطَةٍ عَلَى الْفُقَرَاء بل أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ فَفَعَلَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ: إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي مِلْكِ الْمُوصِي جَازَ دَفْعُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اشْتَرَاهَا فَالْحِنْطَةُ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّدَقَةُ عَنْ نَفْسِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْفُقَرَاء فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَاد، وَإِنْ عَيْنَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ اه. وَبِهِ عُلِمَ تَقْيِيدُ مَا فِي الْمَتْنِ بِكَوْنِ الْفَقِيرِ الْمُوصَى لَهُ مُعِينًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَالزَّائِدُ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: حِفْظُ مَال الْيَتِيم، إِذا كُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَرَدُّ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ مِنْ الْوَصِيِّ وَإِجَارَةُ نَفْسِ الْيَتِيمِ. وَقَدْ أَسْقَطَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ التَّكْفِينَ وَأَدْخَلَهُ تَحْتَ التَّجْهِيزِ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ لِفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ. أَقُولُ: وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُكَرَّرَةٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مُقَيَّدٌ بِالْفَقِيرِ الْمُعَيَّنِ. تَأَمَّلْ. قَالَ ط: وَزَادَ الْمَكِّيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا قَبْضَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَا هُوَ مُودَعٌ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ، وَأَنَّ لِأَحَدِهِمَا التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ، وَأَنْ يُودِعَ مَا صَارَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِجَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَرَدُّ الْعَوَارِيّ وَالْأَمَانَاتِ اه. وَبَعْضُ هَذِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَآلِ فِيمَا قَبْلَهَا اه. قَوْلُهُ: (وَمُشْتَرًى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَغْصُوبٍ: أَيْ رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَيِّتُ شِرَاءَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالْمَوْتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بِهِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَلَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ بَلْ مُلْحَقٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقِسْمَةُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ) أَيْ مَعَ شَرِيكِ الْمُوصِي مَثَلًا ط. قَوْلُهُ: (وَطَلَبُ دَيْنٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ دَيْنِ الْمَيِّتِ. سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. هِدَايَةٌ. وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِضَاءُ لَا يُخَالِفُ مَا هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَأَمَّا الَّذِي بِمَعْنَى الطَّلَبِ فَهُوَ التَّقَاضِي كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا، فَافْهَمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَن قَوْله: وَطلب الدّين مِمَّا زَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النُّقَايَةِ. قَالَ شَارِحُهَا الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْخُصُومَةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ اه. قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: إنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ وَحْدَهُ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا اه ح. وَنَحْوُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أوصى إِلَى الْحَيّ فللحي أَن يصرف وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَعَنْ أَبِي حنيفَة: لَا ينْفَرد بِالتَّصَرُّفِ لَان الْوَصِيّ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى اه. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يُوصِ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيره) أما عِنْدهمَا فَظَاهر، لَان الْبَاقِي مِنْهُم عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يخلفه وصبيان مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ. زَيْلَعِيٌّ وَهِدَايَةٌ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْ هُنَا. وَجَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ، وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا يذكرهُ الشَّارِح. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الْمَوْتِ مَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، فَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ رَدَّ النَّظَرِ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خلاف. مِعْرَاج. لمن فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ فَسَقَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَ الْقَاضِي لِلثَّانِي أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ أَو ضم إِلَيْهِ اه. تَأَمَّلْ. وَفِيهَا: وَكَذَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا وَمَاتَ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ الْقَابِلُ بِالتَّصَرُّفِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ. قَوْلُهُ: (أَقَامَ الْقَاضِي الْآخَرَ مَقَامَهُ) هَذَا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ آنِفًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَوْصَى لَهُمَا إلَخْ) الْأَوْلَى إلَيْهِمَا ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَصْرِفَ، فَإِنْ عَيَّنَ لَا تَبْطُلُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: اصْرِفَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَو قَالَ: جعلت ثلث مَالِي للْمَسَاكِين يُضعفهُ الْوَصِيَّانِ حَيْثُ شَاءَا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا يَجْعَل الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ اه. زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي قَالَ لِهَذَا الثَّانِي: ضَعْ وَحْدَك. قَوْلُهُ: (وَهَلْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إِذا مَاتَ أَحدهمَا وَلَو يُوصِ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ وَجَبَ أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا آخَرَ لِعَجْزِ الْحَيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِمَا قَصَدَ الْمُوصِي مِنْ إشْرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ اه. أَقُولُ: وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ صَرِيحٌ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُمَا، وَصَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (كَمَا حَرَّرْته إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ فِيهِ: أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَشْرَفَ عَلَى وَصِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْرِفَ يَنْفَرِدُ دُونَ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قُلْت: وَفِي الْمُجْتَبَى: جعل للْوَصِيّ مشرفا لَهُ بِتَصَرُّف بِدُونِهِ، وَقِيلَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ اه. قَوْلُهُ: (وَيَأْتِي) أَيْ فِي الْفُرُوعِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي هُنَاكَ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى. تَنْبِيهٌ: الْمُشْرِفُ بِمَعْنَى النَّاظِرِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: الْوَصِيُّ أَوْلَى بِإِمْسَاكِ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْمُشْرِفُ وَصِيًّا، وَأَثَرُ كَوْنِهِ مُشْرِفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ إلَّا بِعِلْمِهِ اه. وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ. حَامِدِيَّةٌ. وَقِيلَ: يَكُونُ وَصِيًّا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، وَصَدَّرَ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 قاضيخان فَكَانَ مُعْتَمِدًا لَهُ عَلَى عَادَتِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ. فَرْعٌ: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ وَلَهُ الْعَمَلُ بِلَا رَأْيِهِ، وَلَوْ قَالَ: لَا تَعْمَلُ إلَّا بِرَأْيِهِ فَهُمَا وَصِيَّانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مشورة وَالثَّانِي نهي. والولولجية. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي حِفْظِ الْمَالِ: فَإِنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ يَكُونُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِلَّا يَتَهَايَآنِ زَمَانًا أَوْ يَسْتَوْدِعَانِهِ لِأَنَّ لَهُمَا وَلَايَةَ الْإِيدَاعِ. بِيرِيّ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ بِأَنْ أَوْصَى هَذَا الثَّانِي إلَى آخَرَ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (سَوَاءً أَوْصَى إلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ مُوصِيهِ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَكَذَا إنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا خِلَافًا لَهُمَا هـ. لَكِن قَالَ الرَّمْلِيّ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يبهم فَيَقُول: جعلت وَصِيّ مِنْ بَعْدِي أَوْ وَصِيًّا أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ يُبَيِّنَ فَيَقُولَ: فِي تَرِكَتِي، أَوْ يَقُولَ: فِي تَرِكَةِ مُوصِيَّ، أَوْ يَقُولَ فِي التَّرِكَتَيْنِ، فَإِذَا أَبْهَمَ أَوْ بَيَّنَ فَقَالَ: فِي التَّرِكَتَيْنِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِيهِمَا عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ، وَإِنْ قَالَ: فِي تَرِكَتِي فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَعَنْهُمَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: فِي تَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا قَالَ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي التاترخانية عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الِاخْتِيَارِ، إذْ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: تَرِكَتِي لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ فَتَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ، فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ اه. وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصِّصَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ إلَخْ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَوْصَى لآخر يثلث مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ غَيْبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيَّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنْ الورث وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ الْوَارِثِ نَائِبًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُمْ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْهُ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فِي الْأُولَى تَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ لَوْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، وَإِلَّا فَفِي الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَبْطُلُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صِغَارًا فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُمَا، وَلَوْ كِبَارًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ بِيَعُ الْمَنْقُولِ، فَكَذَا الْقِسْمَة لانه نَوْعُ بَيْعٍ اه. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَإِلَّا فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ إفْرَازُ حِصَّةِ الصِّغَارِ عَنْ غَيْرِهِمْ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ إفْرَازَ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ الصِّغَارِ عَنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْوَصَايَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: (غُيَّبٍ) أَيْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَيَرْجِعُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَالْوَرَثَةُ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيُّهُمَا شَاءَ. زَيْلَعِيٌّ. وَهَذَا إذَا كَانَت الْقِسْمَة بِغَيْر أَمر القَاضِي، أح مَا لَوْ قَسَمَ بِأَمْرِهِ جَازَ فَلَا يَرْجِعُ. مِسْكِينٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَالشَّرِيكِ) أَيْ لِلْوَرَثَةِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى عَلَيْهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَعَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِضَاعَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَمِينٌ) أَيْ وَلَهُ وَلَايَةُ الْحِفْظِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَحَّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ أَوْ مِنْ حَيْثُ يبلغ، هَكَذَا إنْ هَلَكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِهِ مَا يُبَلِّغُ الْحَجَّ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِن كَانَ المفرز مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيع، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يحجّ عَنهُ بشئ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْمَالِيَّةِ) أَيْ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يبطل الْمَالِيَّة لفواتها إِلَى حلف وَهُوَ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَاعَ مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ) أَيْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أظهر لقَوْله: در فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ. قَوْلُهُ: (أَيْ ضَيَاعِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَلَاكِ مَا يَعُمُّ التَّصَدُّقَ لِمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَضَمِنَ وَصِيٌّ. قَوْلُهُ: (قُلْنَا إنَّهُ مَغْرُورٌ) أَيْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ مِلْكِي. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا رُجُوعَ) أَيْ لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا لِلْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُنْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَصْلٌ فِي غُنْمِ هَذَا التَّصَرُّف وَهُوَ الثَّوْب الْفَقِير تبع إِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 هـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَجُزْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اه: أَيْ حَيْثُ قيد بِالْجَوَازِ بِالْإِمْلَاءِ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُدَايَنَةِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ بِمُدَايَنَةِ الْوَصِيِّ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَوْ شَرًّا لَهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، حَتَّى إذَا أَدْرَكَ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لَهُ جَازَ. وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ. إتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ) أَطْلَقَهُمَا فَشَمَلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ لَكِنْ من ملئ، فَلَو مُفلس فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْوَصَايَا. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِنَسِيئَةٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْيَتِيمُ بِأَنْ كَانَ الْأَجَلُ فَاحِشًا لَا يَجُوزُ اه. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْوَصِيِّ، فَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَسَيَأْتِي، أَوْ بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ وَارِثِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بيع الْمضَارب مِمَّا لَا تحوز شَهَادَته لَهُ بمحاباة قَلِيل لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَلَوْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ بَاعَ وَارِثٌ صَحِيحٌ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ أَوْ شَرَى مِنْهُ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ لَهُ وَوَصِيُّ الْمَيِّتِ لَوْ عَقَدَ مَعَ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ اه. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يَتِيمَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الشِّرَاءُ لِيَتِيمِهِ مِنْ الْوَصِيّ الآخر، لَان تَصَرُّفَاتِ الْأَوْصِيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالنَّظَرِ لِلْيَتِيمِ، فَلَوْ وُجِدَتْ الْخَيْرِيَّةُ هُنَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُوجَدُ من الآخر الْبَتَّةَ فَلَا يجوز تَصَرُّفُهُ اه. أَقُولُ: هُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَشْتَرِ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَتِيمِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْخَيْرِيَّةُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِالْعَقَارِ وَكَانَ بَيْعُهُ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُبَاعَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي، وَبِهِ يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (لَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ) الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ) وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَانَ فَاسِدًا) هُوَ ثَانِي قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ) وَهَلْ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ؟ الظَّاهِرُ (1) نَعَمْ ط. تَنْبِيهٌ: الْمَرِيضُ الْمَدْيُون لَو بَاعَ بمحاباة لَا يجوز، بِخِلَافِ وَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ الْمسَائِل حَيْثُ ملك الْمُحَابَاةَ لَا الْمَالِكُ. أَفَادَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ) أَيْ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ. قَوْلُهُ: (من نَفسه)   (1) قَوْله: (الظَّاهِر نعم) قَالَ شَيخنَا قد ذكرُوا فِيمَا لَو أجر مُتَوَلِّي الْوَقْف بِأَقَلّ من أجر الْمثل أَنه يتمم أجر الْمثل على الْمُسْتَأْجر شئ على النَّاظر، فَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون تَمام الْقيمَة على المشتزي وَلَا شئ على الْوَصِيّ بل هَذَا أولى لَان الاجارة بيع الْمَنَافِع وَهِي لَيست بِمَال حَقِيقَة وَإِنَّمَا جَوَّزنَا بيعهَا للضَّرُورَة فَلْيتَأَمَّل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى وَالضَّمِيرُ لِلْوَصِيِّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ) أَيْ الْقَاضِي، وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَفِعْلُ الْمُوَكِّلِ قَضَاءٌ وَهُوَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ط. قَوْلُهُ: (وَهِيَ قَدْرُ النِّصْفِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا) الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الشِّرَاءِ وَالنَّقْصُ إلَى الْبَيْعِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: تَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشْرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ اه. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْمُنْتَقَى: وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَبِهَذَا فَسَّرَ الْخَيْرِيَّةَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَهِيَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ وَيَبِيعَ بِنِصْفِهَا. وَفِي الْحَافِظِيَّةِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَاؤُهُ إنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ، كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ وَشِرَاءَ عَشَرَةٍ بِتِسْعَةٍ. قُلْت: وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ فِي الشِّرَاءِ التَّضْعِيفُ وَفِي الْبَيْعِ التَّنْصِيفُ (1) ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْغَيْرِ إلَّا بِالضِّعْفِ كَمَا مَرَّ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِالْأَقَلِّ؟ وَأَرَى زِيَادَةَ الِاثْنَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ وَنَقْصَهُ مِنْهَا فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ كَافِيًا فِي الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُهُ النَّاسُ اه مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ مُلَخَّصًا. وَله عُلِمَ أَنَّ صِحَّةَ شِرَائِهِ غَيْرُ خَاصَّةٍ فِي الْمَنْقُولِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ الْأَبِ إلَخْ) مِثْلُهُ: مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَثَلَاثُ صُوَرٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ بَيْعُ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَبَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ط. قُلْت: وَهَذَا لَوْ الْأَبُ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا، فَلَوْ فَاسِدًا فَفِي بَيْعِهِ الْمَنْقُولَ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْأَبِ شِرَاءُ مَالِ طِفْلِهِ لِنَفْسِهِ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَا بِفَاحِشِهِ اه. وَفِيهِ: لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِوَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّن من قَبضه حَقِيقَة هلك على الْوَلَد، ول شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَبِ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ: بِعْت مِنْ وَلَدِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ: قَبِلْت، وَكَذَا الشِّرَاءُ، وَلَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَقُلْ: قَبِلْت، وَجَازَ لِلْأَبِ لَا لِوَكِيلِهِ وَلَا لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ. وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَكِيلَيْنِ بِذَلِكَ جَازَ، وَفِي بَيْعِ الْقَاضِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا، وَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ وَعَكْسُهُ، إذْ الْجَوَازُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا شَرَاهُ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ الْيَتِيمِ وَقبل وَصِيّه فَإِنَّهُ يجوز لَو وَصِيّا من جِهَة هَذَا القَاضِي اه. مخلصا. قَوْله: (ضمن الزِّيَادَة) أَي إِذا إِلَّا أَوْصَى بِهَا وَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ط. قَوْله: (وَقع الشِّرَاء   (1) قَوْله: (وفى البيع التنصيف الخ) هَذَا غير مُسلم بِدَلِيل التَّعْلِيل تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 لَهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّيَادَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ بِهِ رَحْمَتِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ) الرُّشْدُ هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظُهُورَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ فَدُفِعَ إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا دَفَعَهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِ ط. قَوْلُهُ: (وَجَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَإِنْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا حُضُورًا لَا يَبِيعُ شَيْئًا، وَلَوْ غُيَّبًا لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَإِنْ كُلُّهُمْ صِغَارًا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَإِنْ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا، يَبِيعُ نَصِيبَ الصِّغَارِ وَلَوْ مِنْ الْعَقَارِ دُونَ الْكِبَارِ، إلَّا إذَا كَانُوا غَيْبًا فَيَبِيعُ الْعُرُوضَ، وَقَوْلُهُمَا الْقِيَاسُ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ وَلَا دَرَاهِمَ فِي التَّرِكَةِ وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ حُضُورٌ، فَعِنْدَهُ: يَبِيعُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَهُمَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بَيْعُ حِصَّةِ الدَّيْنِ اه مُلَخَّصًا. مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ نُكَتِ الْوَصَايَا لِأَبِي اللَّيْثِ. قَوْلُهُ: (إلَّا الدَّيْنَ) أَيْ فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْكَبِيرِ غَائِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْعِنَايَةِ: قَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حُضُورًا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ أَصْلًا، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَلَمْ تَقْضِ الْوَرَثَةُ الدُّيُونَ وَلَمْ يُنْفِذُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا، وَبِمِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُحِطْ، وَلَهُ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَيُنْفِذُ الْوَصِيَّةَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَلَوْ بَاعَ لِتَنْفِيذِهَا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ بِمِقْدَارِهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّيْنِ اه. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى. كَذَا فِي الْحَافِظِيَّةِ وَالْغُنْيَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ جَزْءٍ شَائِعٍ مِنْ دَارِ الْيَتِيمِ لِلنَّفَقَةِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي جُزْءا معينا لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لِلْبَاقِي اه. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ لَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ خَوْفَ هَلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْهَلَاكَ نَادِرٌ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْلِكُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الدَّار لَا تهْلك غَالِبا فيبنى الحكم لَا عَلَى النَّادِرِ اه. قَوْلُهُ: (وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ إلَخْ) أَطْلَقَ السَّلَفُ جَوَازَ بَيْعِهِ الْعَقَارَ، وَقَيَّدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ يُفْتَى: أَيْ بِقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ سَبْقُ قَلَمٍ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ نَفْسِهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَقَوْلُهُمْ: أَجْنَبِيٌّ يُؤْذِنُ أَنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْعَقَارَ مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَالتُّهْمَةُ ظَاهِرَةٌ اه. وَفِيهِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ التُّهْمَةُ فَلَعَلَّ الْقَيْد اتفاقي، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ عَقَارَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ جَازَ لَوْ خَيْرًا بِأَنْ يَأْخُذَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ اه. أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ. وَقدمنَا منله عَنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْبَعْضِ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ إلَخْ لَا لِلْجَوَازِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِنَفَقَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يسير ط. أَقُول: وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد فِيمَا يَظْهَرُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ) أَيْ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِبَيْعِهِ. خَانِيَّةٌ. لَكِنْ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَقَطْ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (مُرْسَلَةٍ) تقدم نفسيرها بِاَلَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِكَسْرٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ مَثَلًا، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِائَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ) تَقَدَّمَ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ لِذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي التَّصْحِيحُ هُنَا لَان المنظور إِلَيْهِ هُنَا مَنْفَعَةُ الصَّغِيرِ، وَلِذَا جَازَ هُنَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مَا لَا يَجُوزُ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَوْنِهِ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ) كَأَنْ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَخَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُتَغَلِّبُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ لَهُ مِنْ الْيَدِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لَا مِنْ قِبَلِ أُمٍّ أَوْ أَخٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي، وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَإِذَا احْتَاجَ الْحَالُ إلَى بَيْعِهِ يَرْفَعُ الامر إِلَى القَاضِي ط. قَوْله: (وَيجوز) فَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذْ لِلْأَبِ شَفَقَة كَامِلَة، وَلم يُعَارض هَذَا الْمَعْنى آخَرَ فَكَانَ هَذَا الْبَيْعُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْعَقَارَ فَلَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ، إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضَعْفِ الْقِيمَةِ إذْ عَارَضَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْنًى آخَرَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ فِي رِوَايَةٍ وَيُوضَعُ ثَمَنُهُ فِي يَدِ عَدْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا إلَّا بِضِعْفِ قِيمَتِهِ. وَبِهِ يُفْتَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ بَيْعُ الْأَبِ عَقَارَ وَلَدِهِ إلَى الْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَصِيِّ. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَصَايَا أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْحَانُوتِيُّ اه. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيُّ التُّرْكُمَانِيُّ: قَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْحَمَوِيِّ الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ الْحَانُوتِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنْ إذَا صَارَتْ الْمُسَوِّغَاتُ فِي بَيْعِ الْأَبِ أَيْضًا كَمَا فِي الْوَصِيِّ صَارَ حَسَنًا مُفِيدًا أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاتِّفَاقِ أَوْفَقُ، هَكَذَا أفادنيه شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ مُرَادُ السَّقَامِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اه. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) أَيْ عِنْدَهُمَا، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُف: يسلم لَهُ الرِّبْح وَلَا يتَصَدَّق بشئ. خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَلَا يَمْلِكُ إقْرَاضَ مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ أَقْرَضَ ضَمِنَ وَالْقَاضِي يَمْلِكُهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي، وَلَوْ أَخَذَهُ الْوَصِيُّ قَرْضًا لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا أَنَا أَرْجُو أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ لَا بَأْس بِهِ هـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْقَاضِي إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: الْقَاضِي يَأْمُرُ الْوَصِيَّ بِالِاتِّجَارِ وَالشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ دُونَ الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِ الرِّبْحِ اه. وَأَفَادَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْقُضَاةِ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ مُعَامَلَةٍ فِي مَالِهِ إذَا عُومِلَ فِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُعْبَأُ بِكَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ، فَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 قَضَاءٌ بِالرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِمُجَرَّدِ خَيَالَاتٍ فَاسِدَةٍ وَهِيَ النَّظَرُ إلَى الْيَتِيمِ، وَهَلْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى نَظَرٌ؟ مَا هَذَا إِلَّا ضلال بعيد. وَجَازَ إلَخْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْوَصِيُّ عَلَى التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَقَالَ الْبِيرِيُّ: الْوَصِيُّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يجْبر كَمَا لَا يُجْبَرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عَلَى النَّاس دُيُونٌ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا الْوَصِيّ باستخراج ذَلِك وقضائه اه. تَتِمَّة: أَجَّرَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْوَصِيُّ صَحَّ، إذْ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا عِوَضٍ لِلتَّهْذِيبِ وَالرِّيَاضَةِ فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى، وَالْوَصِيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ لَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ، وَلَوْ أَجَّرَ الاب نَفسه لَهُ صَحَّ وَله الْقَضَاء دينه من مَال ولد بِخِلَاف الْوَصِيّ وَلَهُمَا بيع مَا لَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِمَا كَرَهْنِهِ بِهِ وَلَا بَأْسَ لِلْأَبِ أَن يَأْكُل من مَاله بِقدر حَاجته لَو مُحْتَاجًا وَلَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا إقْرَاضُ مَالِهِ، وَلَوْ أَقْرَضَ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِكُل مَا يجوز لَهُ أَن يُعلمهُ بِنَفْسِهِ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي 27 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَوْله: (بِأَقَلّ من ثمت الْمِثْلِ) لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَإِلَّا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ط. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّة بِبيع عَبده من فلَان) وَتَمام عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ: فَلَمْ يَرْضَ الْمُوصَى لَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ الْحَطُّ اه: أَيْ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي تَلْخِيصِ الْكُبْرَى: أوصى بِأَن تَابع أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحَبَّتْ جَازَ وَتُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى بَيْعِهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَخْذَهَا بِقِيمَتِهَا حَطَّ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي. زَادَ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ اه. قَالَ السُّعُودِ: وَانْظُرْ إذَا كَانَ جَمِيعُ قِيمَتِهَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ هَلْ تُعْطَى لَهُ بِدُونِ ثمن؟ وَقَول الْحَاوِي وَيكون كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ اه. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بِبَيْعِهَا لَا بِدَفْعِهَا مَجَّانًا، وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ وَإِنْ قَلَّ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُحَابَاةُ إلَى الثُّلُثِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَقَوْلُ الْحَاوِي كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ حَيْثُ أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَقْفُ طَاحُونَةً يَسْتَغِلُّهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا فِي نَاظِرٍ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ ط. أَقُولُ: وَفِي تَعْبِيرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِشَارَة أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ جَعَلَ لَهُ الْعُشْرَ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ يَرُدُّ الزَّائِدَ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ البيري فِي كتاب الْقَضَاء من شَرحه عَلَى الْأَشْبَاهِ، فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) تَعَقَّبَهُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا، إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا. قَالَ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ ذَلِكَ لَوْ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا. وَقَدْ تقرر أَن الْمَأْخُوذ بِهِ الاستسحان إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. وَنَقْلُ الْقنية لَا يُعَارض نقل قاضيخان فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ اه مُلَخَّصًا. وَقَالَ فيف حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَوَاخِرَ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ بَعْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 كَلَامٍ طَوِيلٍ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَجْرٍ لَا يجْبر على الْعم لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، فَإِذَا رأى القَاضِي أَن يعْمل لَهُ أجر الْمِثْلِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ؟ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا اه. وَبِهِ أَفْتَى فِي الحامدية أَيْضا. أَقُول: وَعبارَة الْخَانِية عَن نُصَيْرٍ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَوَائِجَ الْيَتِيمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى اه. أَقُولُ: تَقْيِيدُهُ بالاحتياج مُوَافقا لقَوْله تَعَالَى: * (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) * (النِّسَاء: 6) لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأُجْرَةِ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْلِ فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْمَيِّتُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَاسْتَأْجَرَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ، قَالُوا: لَا يَكُونُ إجَارَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ وَصِيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِهِ، بَلْ يَكُونُ صِلَةً فَيُعْطَى لَهُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ: لَك أَجْرُ مِائَةٍ عَلَى أَنْ تكون وصيي. اخْتَلَفُوا فِيهِ: قَالَ نُصَيْرٌ: الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شئ لَهُ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ وثية لَهُ وَيَكُونُ وَصِيًّا، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ اه. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ ثُبُوتُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْمُتَوَلِّي إذَا عَيَّنَ إلَخْ، فَلَوْ كَانَ أَكثر فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أجر مثله عمله، لَو أجر الْمثل أكثير لَيْسَ لَهُ إِلَّا عين لَهُ لرضاه بِهِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ ط. قَوْلُهُ: (وَسَعَى فِيهِ سَنَةً) أَي مثلا ط. قَوْله: (فَلَا شئ لَهُ) لِسَعْيِهِ مُتَبَرِّعًا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه يسْتَحق وَإِن لم يشرط لَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (فَافْهَمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى مَا بَيْنَ كَلَامَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَوْ عَلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي لِتَأَخُّرِهِ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ نَاقِلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ سَعْيِهِ سَوَاء شَرط لح هـ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إِلَّا بِأَجْر، والمعهود كالمشروط إِ هـ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَقْفِ) الَّذِي فِي موضِعين مِنْهُ أَن لَهُ أجر مثله عَمَلِهِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (جَازَ) فَلَوْ أَرَادَ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِشُرُوعِهِ مُتَبَرِّعًا كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ دُونَ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا لدين. قَوْلُهُ: (وَفَاءً) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ بِيعَ وَفَاءً وَهُوَ الْمُسَمَّى بَيْعًا جَائِزًا وَبِيعَ طَاعَةً، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعَقَارِ بَيْعًا بِالْوَفَاءِ، وَقِيلَ: لَا، اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ منزلَة الرَّهْن. قَوْله: (وَتَمَامه فِيمَا علقته فِي الْمُلْتَقى) حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَحْصُرْ التَّصَرُّفَ فِي الْوَصِيِّ إشَارَةً إلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ، كَمَا إذَا خَافَ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ: أَيْ مَالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ضَرُورَةً اسْتِحْسَانًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ مِنَحٌ. فَلَا يَجُوزُ لَلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يُقِيمَ برهانا وَيحلف يَمِينا وَيضمن الْوَصِيّ لَهُ دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط. فَلَوْلَا بَيِّنَةٌ لَهُ وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِالدَّيْنِ (1) فَالْحِيلَةُ مَا فِي الْخَانِية وَالْخُلَاصَة عَن نصير: إِنَّه إِذا كَانَ فِي التَّرِكَةِ صَامِتٌ يُودِعُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَإِلَّا يَبِيعُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِهِ ثُمَّ يَجْحَدُ الْغَرِيمُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ. حُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: وَسِعَ الْوَصِيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّمَانَ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ غَصَبَهَا مِنْهُ قَالَ: يَدْفَعُهَا إلَيْهِ (2) وَإِلَّا صَارَ غَاصِبًا ضَامِنًا. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ) أَي يَصح إِقْرَاره فِيهَا فَيُؤْخَذ حميع مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ حِصَّتِهِ، فَافْهَمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِي ثُلُثِ حِصَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَقِيلَ: الدَّيْنُ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا يَخُصُّ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الاقرار قبيل بَاب الِاسْتِثْنَاء. فرع: تَرِكَة دَيْنٌ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قُسِمَتْ فَجَاءَ الْغَرِيمُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا إذَا أَخَذَهُمْ جُمْلَةً عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا لَوْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ) أَيْ فِي يَدِهِ كَمَا فِي أَدَبِ الاوصياء، وَهَذَا إِذا لم تكن فِي التَّرِكَةِ، وَإِلَّا لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا بشئ من تركته. قَوْله: لَا تسمع لِتَنَاقُضِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ يَمْضِي عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا يَوْمًا أُمِرَ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَوَصِيُّ أَبِي الطِّفْلِ أَحَقُّ إلَخْ) الْوَلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ وَلَوْ بَعُدَ، فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ فَالْوَلَايَةُ لِأَبِي الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْقَاضِي وَمَنْصُوبِهِ. وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَالْأَوْلَادُ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا صَغِيرًا فَوَصِيُّ الْجَدِّ وَصِيٌّ لَهُمْ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّ عَلَى أَبِيهِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلْيُحْفَظْ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَخِ وَالْأُمِّ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَفِي شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ لَهُمْ بيع تَرِكَة الْمَيِّت لدينِهِ أَو وَصيته وَإِن لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، لَا بَيْعَ عَقَارِ الصِّغَارِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا حِفْظُ الْمَالِ، وَلَا الشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيمَا يملكهُ الصَّغِير، وَمن جِهَةِ مُوصِيهمْ (3) مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَجَانِبُ. نَعَمْ لَهُمْ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَبَيْعِ مَنْقُولِ وَرَثَةِ الْيَتِيمِ مِنْ جِهَة   (1) قوه: (فَالْحِيلَةُ إِلَخ) أَن الْمُودع وَالْمُشْتَرِي يحلفان حَال الْجُحُود فَلَا تتمّ الْحِيلَة إِلَّا أَن يحلفهُ القَاضِي على الحلصل اه. (2) قَوْله: (يَدْفَعهَا إِلَيْهِ) أَي وَيضمن للْوَرَثَة ارتكابا لاخف الضررين، فَإِنَّهُ إِن لم يَدْفَعهَا يضمن أَيْضا وَيكون آثِما بِخِلَاف حَالَة الدّفع إِذْ لَا شئ فِيهَا إِلَّا الضَّمَان للْوَرَثَة تَأمل اه. (3) قَوْله: (من جِهَة موصيهم) لَعَلَّ الصَّوَاب زِيَادَة لفظ غير بِدَلِيل التَّعْلِيل وبدليل قَوْله نَعَمْ لَهُمْ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ من الطَّعَام والكسرة وَبيع مَنْقُول وَرَثَة الْيَتِيم من حهة الْمُوصي اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 لَا لموصي لكَونه مِم الْحِفْظِ، لِأَنَّ حِفْظَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ مِنْ حِفْظِ الْعين اه. من أدب الاوصياء وَغَيره. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: والاصل فِيهِ أَن ضعف الْوَصِيَّيْنِ (1) فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ كَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ، وَأَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعلم، وَأَقْوَى الْحَالَيْنِ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ، وَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي، وَأَضْعَفُ الْحَالَيْنِ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَالِ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي حَالِ كِبَرِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ، فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَنْقُولِهِ لَا عَقَارِهِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ اه. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْحَجْرِ) الْأَوْلَى فِي الْمَأْذُونِ ط. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلْجَدِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ، فَلِوَصِيِّ الْمَيِّتِ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَأَقَامَ الْجَدَّ مقَام الاب، ونقول الْخَصَّافِ يُفْتَى اه. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْجَدِّ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ التَّرِكَةَ لِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ اه. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ وَصِيِّ الْأَبِ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَصِيَّ الْجَدِّ كَالْجَدِّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الاولى. تَأَمَّلْ. قَالَ ط: فَيَرْفَعُ الْغُرَمَاءُ أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَ لَهُمْ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُمْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الاوصياء الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْفَصْلِ فِي غَيْرِهِ ط. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ لَا، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ لَا. مِنَحٌ. فَفِي شَهَادَتِهِمَا إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وَلَايَةَ الْحِفْظ، وَولَايَة بيع الْمَنْقُول عِنْد غيبَة الْوَارِث وعود ولَايَته إِلَيْهِمَا بجنونه. غُرَرُ الْأَفْكَارِ، وَهَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا) لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ مُثْبِتَةً لِلشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ. وَلَهُمَا: أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ ثَمَرَتُهُ، وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بل فِي الْعين فَصَارَ   (1) قوه: (والاصل فِيهِ أَن أَضْعَف الْوَصِيّين إِلَخ) انْظُر مَا حكم أَضْعَف الْوَصِيّين فِي أَضْعَف الْحَالين تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً اه. دُرَرٌ. قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اعْتَمَدَ النَّسَفِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: إنْ أَرَادَ النَّسَفِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ فَإِنَّ مَا فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَبُولُهَا فِي الدَّيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عِنْدَ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ مَعْرُوفِينَ بالْخبر أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اه ط. عَنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ. قَوْلُهُ: (بِعَبْد) أَيْ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ ط. قَوْلُهُ: (لِإِثْبَاتِهَا لِلشَّرِكَةِ) أَيْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، إذْ الثُّلُثُ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ. مِعْرَاجٌ. قَوْلُهُ: (مُعِينًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَعَانَ. قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ امْتِنَاعِ تَصَرُّفِ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَاضِي إذْ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَضُمَّ ثَالِثًا إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ، كَمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يُنَصِّبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً، فَهَذَا أَوْلَى. زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ لِهَذَا الثَّالِثِ حُكْمَ وَصِيِّ الْقَاضِي لَا حُكْمَ وَصِيِّ المست، وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤْثِرْ سِوَى التَّعْيِينِ. تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ. قَوْلُهُ: (تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ نُصِّبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكرْنَاهُ فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا الخ) أَو لَوْ شَهِدَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ وَالْأَبُ غَائِبٌ وَغُرَمَاءُ الْأَبِ يَجْحَدُونَ لَا تُقْبَلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَصِيًّا وَالْوَصِيُّ يُرِيدُ الْإِيصَاءَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَهُ وَصِيًّا فَهُنَا أَوْلَى، لَو سألاه أَن ينصب وَكيلا بِقَبض قوقه حَال غيبَة الاب وَالْوَكِيل يُرِيد ذَلِك فالقالضي لَا يُنَصِّبُ وَكِيلًا، وَلَوْ نَصَّبَ هُنَا إنَّمَا ينصب بشادتهما، وَلَا يجوز ذَلِك لانهما يَشْهَدَانِ لابيهما، والولولجية. قَوْلُهُ: (لَا لَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ لِلْيَتِيمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ. خُلَاصَةٌ. قَوْلُهُ: (رَجَعَ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ. وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 الْبَزَّازِيَّةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ اه. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِذا شهد عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَهَذَا مَا مَشى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ. قَوْلُهُ: (لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ) وَمِثْلُهُ قَيِّمُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُمَا يدعيان لانفسمهما دينا على الْيَتِيم وَالْوَقْف فَلَا يستحقاته بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. كَذَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مَا يُوَافق وَمَا يُخَالِفُهُ. ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَليُحرر إه. أَقُولُ: وَالتَّحْرِيرُ مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي رُجُوعِ الْوَصِيِّ بِلَا إشْهَادٍ لِلرُّجُوعِ، اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ اه. وَنَقَلَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَعَنْ الْخَانِيَّةِ، فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى بالنُّون: أنْفق الْوَصِيّ من مَال نَفسه عَن الصَّبِيِّ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ اسْتِحْسَانًا، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَصِيِّ لَا يُقْبَلُ فِي الرُّجُوعِ فَيُشْهِدُ لِذَلِكَ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَيَكْفِيهِ النِّيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا نَوَى الْأَبُ الرُّجُوعَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّة، وسعة الرُّجُوع فِيمَا بَينه وَبَين لله تَعَالَى، أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشْهِدْ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْتَقَى. وَفِيهِ أَيْضًا: وَلَو شرى اوب لِطِفْلِهِ شَيْئًا يُجْبَرُ هُوَ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِصَغِيرِهِ الْفَقِيرِ لَمْ يَرْجِعْ، أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَرَى لَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ لِابْنِهِ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَالدَّارِ وَالْخَادِمُ رَجَعَ، إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَحْوِ الدَّارِ: إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ رَجَعَ إنْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَرْجِعْ أَشْهَدَ أَوْ لَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَرَى لِطِفْلِهِ شَيْئًا وَضَمِنَ عَنْهُ ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْ مَالِهِ يَرْجِعُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا اه. قُلْت: فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. وَالثَّانِي اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ الْأُمُّ الْوَصِيُّ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ شَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَوْلَادِ لِلْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا لِلرُّجُوعِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَحْتَاجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْإِشْهَادِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ اسْتِحْسَانٌ، وَالثَّانِيَ قِيَاسٌ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. قَوْله: (وسيجئ) أَيْ فِي آخِرِ الْفُرُوعِ مَا يُفِيدُهُ: أَيْ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الرُّجُوعِ فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ هُوَ صَرِيح فِي ذَلِك، فَإِن الَّذِي سيجئ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ ثَانِيًا عَنْ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ) قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَطَ الْإِشْهَادَ إذَا قَضَاهُ بِلَا أَمْرِ الْوَارِثِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا نَفَّذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ فِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَةً فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، وَوُجُوبُ قَضَائِهِ آكَدُ مِنْ لُزُومِ إنْفَاذِهَا اه. وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَفَنِهِ) أَيْ كَفَنِ الْمِثْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ الْفَصْلِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ الْوَصِيُّ عَلَى كَفَنِ الْمثل فِي الْعدَد ضمن الزِّيَادَة وَفِي القمية وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ إلَخْ) أَيْ خَرَاجَ أَرْضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ بِلَا إشْهَادٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا: أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالتَّرِكَةِ اه. أَقُولُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِشْهَادَ مَعَ أَنَّ فِي إنْفَاقِ الْوَصِيِّ خِلَافًا كَمَا مَرَّ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرِ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ أَمْ لَا قَوْلَانِ، حَكَاهُمَا الزَّاهِدِيُّ فِي الْحَاوِي، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى مَا فِي وَصَايَا الْمُحِيطِ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ خَمْسَمِائَةٍ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيّا، لَو كَانَ الْمُشْتَرَكُ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا وَأَطْعَمَهُ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ أَوْ أَلْبَسَهُ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ لَا يَكُونَ على الْكَبِير ضَمَان إه. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ أَنْفَقَ الْأَخُ الْكَبِيرُ عَلَى أَخِيهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ: إنْ كَانَ طَعَامًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا إِ هـ. وَمثله فِي التاترخانية. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِأَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ هُوَ فِي حِجْرِهِمْ وَإِجَارَتُهُ لِأُمِّهِ فَقَطْ اه. وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا لم يكن فِي حجره. تَأمل. وعَلى كَا فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْكَبِيرُ وَصِيًّا، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ كَفَّنَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ. قُلْت: وَهَذَا لَوْ كفن الْمثل كَمَا مر. تَنْبِيه: لَو مَاتَ وَلَا شئ لَهُ وَوَجَبَ كَفَنُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَفَّنَهُ الْحَاضِرُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي. حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ: لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يجب كتكفين الزَّوْجَة إِذا صرفه من مَاله عير الزَّوْجِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ إذْنِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُسْتَثْنَى تَكْفِينُهَا، بِلَا إذْنٍ مُطْلَقًا (1) ، بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَوْ غَنِيَّةً. قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَى دَيْنَهُ) أَيْ الثَّابِتَ شَرْعًا، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِلْغَائِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَدْرَ حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَرْعًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي الدَّيْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا الْمهْر، فَإِن دخل بِهَا مُنِعَ عَنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ. شُرُنْبُلَالِيَّةُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُلَخَّصًا: أَيْ لَوْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ قَدْرَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بتعجيله فَالْقَوْل لَهُم، وَلَو ادعا أَزْيَدَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ. قَوْله: (قيل هُوَ   (1) قَوْله: (بِلَا إِذن مُطلقًا إِلَخ) أَي سَوَاء كفن كفن الْمثل أَو زَاد عَلَيْهِ بِخِلَاف مَسْأَلَة غَيرهَا فَإِنَّهُ يرجع الْوَارِث بكفن الْمثل لَا لزِيَادَة كَمَا فِي الشَّارِح اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 مُسْتَدْرَكٌ) عَبَّرَ بِقِيلِ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ وَهَذَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَوْ كَذَّبُوهُ فِيهِ. أَفَادَهُ ط. وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ يُصَدَّقُ إنْ كَانَ كَفَنَ الْمِثْلِ. وَفِي الْوَجِيزِ: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ نَقَدَهُ (1) مِنْ التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ: (إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ) أَيْ الْعَقْلِ، وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا: أَيْ أَهْلِ النّظر والمعرفة فِي قيمَة ذَلِك الشئ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَأما إِذا أخبر بِأَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ باط. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: بَاعَ الْوَاصِي ضَيْعَةً لِلدَّيْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ، فَهُوَ بَاعَهَا ثَانِيًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّ الْبَيْعُ الثَّانِي اه. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا حَيْثُ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى مَنْ يَزِيدُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ، قَدْ تَكُونُ لِلْحَاجَةِ، لَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَزْيَدُ مِمَّا بَاعَ بِهِ الْوَصِيُّ، حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ النَّقْصُ فَاحِشًا. أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (لَا يُنْتَقَضُ بيع الْوَصِيِّ لِذَلِكَ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِانْتِقَاضِهِ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الزِّيَادَة لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا بَاعَهُ بِهِ هُوَ قِيمَتُهُ فَلِذَا قَالَ (بَلْ يَرْجِعُ إلَخْ) فَافْهَمْ. قَالَ ط: وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ، وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَكَانَ أَخْصَرَ اه. تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: بَاعَ الْأَبُ مَالَ طِفْلِهِ ثُمَّ ادَّعَى فِيهِ فَاحِشَ الْغَبْنِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فينصب الْحَاكِم قيمًا عَنْ الصَّبِيِّ فَيَدَّعِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهَذَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّكِّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ بِعْته وَلم أعف الْغَبْنَ أَوْ قَالَ كُنْت عَرَفْته وَلَكِنْ لَمْ أَعْرِفْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَهُ الْغَبْنَ، وَلَوْ بَلَغَ اليتي فَادَّعَى كَوْنَ بَيْعِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ بِفَاحِشِ الْغبن وَأنكر المُشْتَرِي ذَلِك يحكم الْحَالِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ السِّعْرُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى اه قَوْلُهُ: (يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْإِنْفَاقُ عَلَى رَحِمِهِ، وَخَرَاجُ أَرْضِهِ، وَجُعْلُ عَبْدِهِ الْآبِقِ اه مُلَخَّصًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَدَّعِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ حَذْفُ قَوْلِهِ: (مِنْ الْإِنْفَاقِ) . تَنْبِيهٌ فِي الذَّخِيرَةِ: يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الصَّغِيرِ فِي النَّفَقَةِ بَلْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِ بِلَا إِسْرَاف، وذلم يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ مَالِهِ وَكَثْرَتِهِ فَيَنْظُرُ إلَى مَالِهِ وَينْفق بِحَسب حَاله.   (1) قَوْله: (وَلَو نَقله إِلَخ) لَعَلَّ فِي الْعبارَة سقطا وَهُوَ جَوَاب وأصل الْكَلَام وَلَو نَقده من التَّرِكَة يصدق هَذَا هُوَ الْموقف للمعروف الْمَنْقُول عَن الائمء، وَأما كَون لَو وصلية وَيكون الْمَعْنى والنقد من التَّرِكَة كالمغنى من مَاله غليس بِمَعْلُوم فَلَا يُنَاسب حمل كَلَام الْوَجِيز عَلَيْهِ، هَذَا مَا ظهر لي فاليحرر اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 وَفِي شَرْحِ الْأَصْلِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: كَبِرَ الصِّغَارُ وَاتَّهَمُوا الْوَصِيَّ، وَقَالُوا: إنَّك أَنْفَقَتْ عَلَيْنَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهَا فُلَانٌ يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ الْيَمِينُ عَلَى دَعْوَاهُ، إلَّا إذَا ادَّعَوْا مَا يُكَذِّبُهُمْ الظَّاهِرُ فِيهِ، كَأَنْ يَدَّعُوا مَا لَا كيفي مِثْلُهُ لِمِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ يسير، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَسِّرْ دَعْوَاهُ بِتَفْسِيرٍ مُحْتَمَلٍ، كَقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت لَهُمْ طَعَامًا فَسرق، ثمَّ اشْتريت ثَانِيًا وَثَالِثهَا فَهَلَكَ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ اه مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ) شُرُوعٌ فِي الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قَبْلَ سَرْدِهِ الْمَسَائِلَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَضَى وَصِيُّهُ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَلَمَّا كَبِرَ الْيَتِيمُ أَنْكَرَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ ضَمِنَ وَصِيُّهُ مَا دَفَعَهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الدَّفْعُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ بِغُرْمٍ لَهُ حِصَّتُهُ إلَخْ، وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ وَادَّعَى الْوَصِيُّ أَدَاءَهُ مِنْ التَّرِكَةِ صُدِّقَ. قَوْلُهُ: (أَوْ ادَّعَى إلَخْ) قَدَّمْنَا عَنْ أدب الأوصياء أَنه فِي الْخَانِية اشْتِرَاط الاشهاد وَلم يشْتَرط فِي النَّوَازِلِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: بَعْدَ بَيْعِ التَّرِكَةِ وَلَعَلَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَهْلَكَ مَالًا آخَرَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ مَالَ آخَرَ بِالْإِضَافَةِ. وَصُورَتُهَا: قَالَ لَهُ إنَّك اسْتَهْلَكَتْ مَالَ فلام فِي صِغَرِك فَأَدَّيْته مِنْ مَالِكِ، فَكَذَّبَهُ وَقَالَ: لَمْ أَسْتَهْلِكْ شَيْئًا، فَالْقَوْلُ لِلْيَتِيمِ وَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَدَّى خَرَاجَ أَرْضِهِ إلَخْ) وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ أَبَا الْيَتِيمِ مَاتَ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَنَّهُ دَفَعَ خَرَاجَ أَرْضِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَالَ الْيَتِيمُ لَمْ يَمُتْ أَبِي إلَّا مِنْ مُنْذُ سَنَتَيْنِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ: يَعْنِي وَاتَّفَقَا على الْوَقْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو الْيَتِيمِ كَمَا يفهمن عبارَة شرح تنزير الاذهان عَن التاترخانية إِ هـ. أَبُو السُّعُودِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صاحلة لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْأَوَّلِ شَاهِدٌ لَهُ، بِخِلَافِ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَدَّى بَلْ هُوَ متعلف بادعى مِقْدَارًا: أَي ادّعى خَرَاجِ أَرْضِهِ إلَخْ، وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ خَرَاجِهِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُعْلَ عَبْدِهِ الْآبِقِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيقبل قَوْله بِلَا بَيَان، وَجزم بالاولى فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى خلاف اه. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ: لَوْ قَالَ أَدَّيْت فِي مَالِ نَفْسِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. أَفَادَهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ هَذَا تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِدَاءَ عَبْدِهِ الْجَانِي) فِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَدَّيْت ضَمَانَ غَصْبِك أَوْ جِنَايَتِك أَوْ جِنَايَةِ عَبْدِك فَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ. أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالْجِنَايَةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مَحْرَمِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 الاعمى هَذَا نَفَقَة فِي مَالك فِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيْت إلَيْهِ ذَلِكَ مُنْذُ عشرَة سِنِينَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إجْمَاعًا وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَالِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى فَرْضِ الْقَاضِي وَإِعْطَاءِ الْمَفْرُوضِ لِلْأَخِ اه. وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِ الْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ اه. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حَوَائِجِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى رَقِيقِهِ الَّذِينَ مَاتُوا) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: القَوْل لِلْوَصِيِّ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعَبِيدَ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ خِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَحْلِفُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ. وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الْمَيِّتِ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ هَذَا الرَّقِيقِ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ، وَإِلَّا فَلَا. أَبُو السُّعُودِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ فِي الْأَشْبَاهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ عَمَّا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ: حَالَ غَيْبَةِ مَالِهِ أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالَ حُضُورِهِ فِي الْأُولَى. وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالضِّيَاعِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي أَوْ الْقَاضِي اه. قَوْلُهُ: (أَوْ هِيَ مَيْتَةٌ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً لَكِنْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ يَرْجِعُ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَرَبِحَ فَقَالَ: كُنْت مُضَارِبًا لَا يَكُونُ لَهُ من الرِّبْح شئ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ التَّصَرُّفِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ. أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ. حَمَوِيٌّ وَبِيرِيٌّ عَنْ صُلْحِ الْوَلْوَالِجيَّةِ ط. قَوْلُهُ: (مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثَلَاثَةً. قَالَ فِي الاشباه: فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَفِيمَا إذَا اشْترى من مُوَرِثه شَيْئا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا فَيُنَصِّبُهُ لِلْحِفْظِ. وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَوْضِعًا آخَرَ يُنَصِّبُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ اه. وَاَلَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هُوَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَيْعَةً بَيْنَ صَغِيرٍ وَغَائِبَيْنِ وَحَاضِرَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِرَجُلٍ فَطَلَبَ الْقِسْمَةَ فَيَجْعَلُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبَيْنِ وَالصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ قَوْله (اليرده عَلَيْهِ) أَفَادَ أَن المرد أَنْ يُنَصِّبَهُ وَصِيًّا فِي خُصُوصِ الرَّدِّ لَا مُطلقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 لِأَنَّ الْوَلَايَةَ فِي غَيْرِهِ لِلْأَبِ. وَسَيَأْتِي أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. قَوْلُهُ: (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. تَتِمَّةٌ: زَادَ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ مسَائِل أَيْضا: مِنْهَا: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ غُيَّبٌ فِي بَلَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا تَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ إلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الْوَارِثُ لَا أَقْضِي الدَّيْنَ وَلَا أَبِيعُ التَّرِكَةَ بَلْ أُسَلِّمُ التَّرِكَةَ إلَى الدَّائِنِ نَصَّبَ القَاضِي من بِبيع التَّرِكَةَ. وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ وَقَدْ مَاتَ بَائِعُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُنَصَّبُ عَنْهُ وَصِيٌّ لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا وَقَدْ مَاتَ بَائِعَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ. وَمِنْهَا: لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَعَ مونه أَخَرْسَ أَصَمَّ وَأَعْمَى وَلَا وَلِيَّ لَهُ. وَمِنْهَا: وَلَو شَرَى الْوَكِيلُ فَمَاتَ فَلِمُوَكِّلِهِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ: لوراثة أَوْ وَصِيِّهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلرَّدِّ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَوَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوَرَثَةِ الْوَصِيِّ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ الْقَاضِي وَصِيًّا. وَمِنْهَا: لَوْ أَتَى الْمُسْتَقْرِضُ بِالْمَالِ لِيَدْفَعَهُ فَاخْتَفَى الْمُقْرِضُ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ قَيِّمًا بِطَلَبِ الْمُسْتَقْرِضِ لِيَقْبِضَ الْمَالَ. وَمِنْهَا: كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَتَغَيَّبَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْهُ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ الْمَدْيُونَ. وَمِنْهَا: لَوْ غَابَ الْوَصِيُّ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ اه مُلَخصا. المُرَاد بِالْغَيْبَةِ: الْمُنْقَطِعَةُ. أَقُولُ: وَيُزَادُ مَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسق بدلهم القَاضِي بغيرهم ومالوا أوصى اثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا وَلَو يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَمَا لَوْ عَجَزَ الْوَصِيُّ عَنْ الْوِصَايَةِ. وَمِنْهَا: مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الاب. وَمِنْهَا: مَا لَو تصدق الْوَصِيُّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ بَلْ يُنَصِّبُ غَيْرَهُ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَمِنْهَا: إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الْمَجْنُونِ الْكَافِرِ وَلَا أَب لَهُ وَلَا أُمَّ يُنَصِّبُ عَنْهُ الْقَاضِي وَصِيًّا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ. وَمِنْهَا: نَصَّبَ الْوَصِيُّ عَن الْمَفْقُود. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوِصَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ فَقَدْ بَلَغَتْ سَبْعَة وَعشْرين، والتتعتع يَنْفِي الْحَصْرَ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَمَانٍ) يُزَادُ عَلَيْهَا تَاسِعَةٌ نَذْكُرُهَا قَرِيبًا، وَعَاشِرَةٌ: هِيَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي لَوْ عَيَّنَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ جَازَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِوَصِيِّ الْقَاضِي الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا بَيْعُ مَالِ نَفْسِهِ مِنْهُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْيَتِيمِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، فَلَوْ اشْتَرَى هَذَا الْوَصِيُّ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بَاعَ جَازَ. حَمَوِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَبِيعَ إلَخْ) لِلتُّهْمَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشِّرَاءَ مِثْلُهُ ط. قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَقْبِضَ إلَخْ) أَيْ لَوْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيُخَاصِمَ عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَقَارٌ لِلصَّغِيرِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنٍ مُبْتَدَإٍ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِيصَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ بِهِ وَقت إِذْنه بالخصمژ لانصه كَالْوَكِيلِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْأَبَ جَعَلَهُ خَلَفًا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ رَأْيُهُ بَاقِيًا بِبَقَاءِ خَلَفِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَكَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا حُكْمًا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَهَذَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَأَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ سُؤَالُ وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَنْ مِقْدَارِ التَّرِكَةِ وَلَا التَّكَلُّمُ مَعَهُ فِي أَمْرِهَا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي. وَتَمَامُهُ فِيهِ اه. مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ يُزَادُ عَلَى الثَّمَانِ مَسَائِلَ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يُؤْجِرَ الضَّمِير لِعَمَلٍ مَا) أَيْ لِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ، وَهَذَا عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الْقُنْيَةِ. أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إيجَارَهُ مَنْ لَا وِصَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ رَحِمُهُ الْمُحْرِمِ الَّذِي هُوَ فِي حِجْرِهِ. تَأَمَّلْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى تَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ. وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ لِلْوَصِيِّ: أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَ الْيَتِيمِ وَعَقَارَاتِهِ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَعُولُهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْحَائِكِ أَوْ الْحَجَّامِ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ مَوْتِهِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ، كَذَا فِي التَّتِمَّةِ اه. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ سَوَاءٌ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّ الْقَاضِي اه. وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ صَاحب الْمُحِيط. وَيَأْتِي التَّوْفِيق. قَوْله: (وَلَو حصصه القَاضِي تخصص) لانه نَصْبَ الْقَاضِي إيَّاهُ قَضَاءٌ وَالْقَضَاءُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ لَا يَقْبَلُهُ بَلْ يَكُونُ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. بِيرِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قُلْت: أَوْ لِأَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ كَمَا مر فيتخصص، بِخِلَاف وَصِيّ الاب. وَفِي حيل التاترخانية: جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا فِيمَا لَهُ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالشَّامِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالْبَصْرَةِ فَعِنْدَهُ كُلُّهُمْ أَوْصِيَاءُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا تَقْبَلُ الْوِصَايَةُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ أَوْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ بَلْ تَعُمُّ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: كُلٌّ وَصِيٌّ فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: فِيمَا لِي بِالْكُوفَةِ خَاصَّةً دُونَ مَا سِوَاهَا. وَنَظَرَ فِيهَا الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ بِأَن تَصْحِيح كَالْحَجْرِ إذَا وَرَدَ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ، وَبِأَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا فِيمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِيمَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِيمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَفِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ شُبْهَةٍ اه. مُلَخَّصًا. وَيُؤَيِّدُهُ نَظَرُ الْحَلْوَانِيِّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ بِتَقَاضِي دَيْنِي وَلَمْ أُوصِ إلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَوْصَيْت بِجَمِيعِ مَالِي فُلَانًا آخَرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فِي الْأَنْوَاعِ كَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِمَا اه. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ وَإِنْ تَعَدَّدَ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ: إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَآخَرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَالْآخَرَ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلٌّ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى بِهِ إلَى الْآخَرَ فَكَمَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اه. وَلَعَلَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ، فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: وَمِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مَثَلًا صَارَ وَصِيًّا عَامًّا عَلَى أَوْلَادِهِ وَتَرِكَتِهِ، وَإِنْ أَوْصَى فِي ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُفْتَى بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ وَالنَّاسُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا غَافِلُونَ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخر أَن يعْتق عَبده أَو بنفذ وَصيته فهما وصيان فِي كل شئ عِنْدَهُ. وَقَالَا: كُلُّ وَاحِدٍ وَصِيٌّ عَلَى مَا سَمَّى لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ اه، قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَهَاهُ إلَخْ) هَذِهِ رَاجِعَةٌ إلَى قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمِهِ. أَشْبَاهٌ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ عَزْلُهُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ إذَا أَوْصَى وَصِيُّ الْقَاضِي عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى آخر صَحَّ وَصَارَ الثَّانِي كالاول لَو وِصَايَةُ الْأَوَّلِ عَامَّةً. قَوْلُهُ: (وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ الْمَارُّ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوِصَايَةُ خَاصَّةً، وَكَذَا يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَامَّةً فَلَا تَتَنَافَى عِبَارَاتُهُمْ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَجَّرَ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَصَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَنْ أَعَارَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنه إِذا أجر بأمل مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الْجَمِيعِ اه. وَأَيْضًا إذَا جَازَتْ الْإِعَارَةُ فَالْإِجَارَةُ أَوْلَى، وَمِثْلُهَا مَا إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ هُوَ رَقَبَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ دُونَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْأَشْبَاهِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الطَّرَسُوسِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ خَالَفَتْ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَفِي الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اه. أَقُولُ (1) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي، وَهُوَ أَن فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ، لَان   (1) قوه: (أَقُول إِلَخ) بحث فِيهِ شَيخنَا بِأَن الْغَرَض للطرطوسي طلب وَجه الرِّوَايَة القائلة بِخُرُوج الْمَنَافِع من الْكل وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعهُ الْجَواب الثَّانِي، وَقَوله لَان الْمَنْفَعَة إِلَخ رد هَذَا مَوْلَانَا أَيْضا بِأَن محط الْجَواب إِنَّمَا قَوْلهم فَلَا إِضْرَار وللوصية بالسكن لَا ضَرَر فِيهَا على الْوَرَثَة وَإِن اعْتبرنَا الْمَنْفَعَة من جَمِيع المَال لانه يشْتَرط جروج الرّقية عَنهُ - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 لَا لمَنْفَعَة فِي الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى، وَالْخِدْمَةِ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ سَبَبٌ لِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلَا إضْرَارَ عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا بَطَلَتْ صَارَتْ الْمَنَافِعُ مِلْكَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَفِي حَيَاتِهِ لَا مِلْكَ لَهُمْ) أَيْ فَمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا إضْرَارَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَيْضًا، وَبِهِ سَقَطَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ مَا أُجْرَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا بِأَرْبَعِينَ وَطَالَ مَرَضُهُ حَتَّى اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ إضْرَارًا بِالْوَرَثَةِ اه. فَافْهَمْ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ مُزَارَعَةِ الْمُحِيطِ: حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَهُوَ الْأَعْيَانُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يجْرِي فِيهِ ازرث كَالْمَنَافِعِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ، لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِيمَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ لِيَنْتَقِلَ بِالْمَوْتِ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ اه. واعتر ض الْبِيرِيُّ هَذَا الْحَصْرَ بِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْمَرِيضِ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اه. وَأَقَرَّهُ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: وَهَذَا عَجِيبٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُؤَيِّدٌ لِلْحَصْرِ لَا مَانِعَ لَهُ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ) وَمِثْلُهُ فِي النُّتَفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيْعَتَهُ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. قَوْلُهُ: (يُؤَجِّلُ) أَيْ يُؤَجِّلُهُ الْحَاكِمُ كَمَا فِي أَدَبِ الاوصياء، وَانْظُر عل يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ إذَا خَشِيَ الْهَرَبَ أَوْ يَفْسَخَ حَالًا إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ؟ حَرَّرَهُ نَقْلًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَبَضَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْعَقْدِ ط. قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ حَلَّفَهُ فَحَلَفَ. قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْخَاصِّيُّ: وَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ يَكُونُ فَسْخًا فِي حُكْمِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً، أَمَّا إذَا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ لَا يَلْزَمُ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِكَمَالِ وَلَايَةِ الْقَاضِي وَشُمُولِهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَو استباع الْيَتِيمِ الْأَمْلَأَ بِالْأَلْفِ وَالْأَفْلَسَ بِالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ يَبِيعُهُ الْوَصِيّ من الاملا   - وتوضيحه أَن من الْقَوَاعِد تَبَعِيَّة الْمَنَافِع للاعياد فَمَا بَال السُّكْنَى لم تتبع الدَّار؟ فَإِنَّهُ لَو أوصى بِعَين الدَّار إعتبروا خزوجها من الثُّلُث، وَلَو أوصى بسكنى لم يعتبروا ذَلِك، وَكَذَا لَو حابى فِي بيع الدَّار حَال الْمَرَض اعتبروا خُرُوج الْمُحَابَاة من الثُّلُث، وَلَو حابى فِي الاجارة لَا. وَالْجَوَاب أَن الْمَالِك إِذا تصرف فِي مَا هُوَ ملكه كَانَ حَقه، أَن ينفذ تصرفه لما أَنه لاحجر على الْمَالِك فِي أملاكهم إِلَّا أَنهم وجدوا فِي بعض التَّصَرُّفَات اضرارا بِالْوَاو فحجروا عَلَيْهِ فَثَبت الْحجر عَلَيْهِ للضَّرُورَة وَالثَّابِت بهَا لاعموم لَهُ وَلَا يستتبع خُصُوصا وَوصف هَذَا الاصل مُعَلل بعلة وهى الضَّرَر فيدار الحكم مَعَ هَذِه الْعلَّة فَإِذا وجدت تِلْكَ فِي الْفَرْع لَزِمت تبعيته لاصله وَإِلَّا فَلَا وفى مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِالسُّكْنَى لَا إِضْرَار بعد اعْتِبَار خُرُوج الرَّقَبَة من الثُّلُث وفى مَسْأَلَة الاجارة لَا ضرار حَيْثُ تبطل بِالْمَوْتِ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى زِيَادَةِ الْأَفْلَسِ حَذَرًا مِنْ التَّلَفِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ) ذَكَرَ ذكل فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَنْصُوبِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصِيِّ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَصح رده بعد قبُوله بغيبة الْمَيِّت لشلا يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ: أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوصِي أَوْ مَنْ يَقُومُ وَهُوَ مَنْ لَهُ وَلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيم، وَإِذا حضر عِنْد الْحَاكِم فَينْظر فِي حَالِهِ: إنْ مَأْمُونًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ لَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ وَلَا ضَرَرَ لِلْوَصِيِّ فِي إبْقَائِهِ، وَإِنْ عُرِفَ عَجْزُهُ وَكَثْرَةُ أَشْغَالِهِ أَخْرَجَهُ لِلضَّرَرِ فِي إبْقَائِهِ وَلِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْهُ لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأُمُورِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْعَزْلِ اه. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَالْعَدْلِ الْكَافِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تَسْمَعُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اه. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا، إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ لِمَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ، فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظن أَنه من قبيل الْبَرَاءَة الْعَامَّة أَنه مُسْتَثْنى من منعهَا الدَّعْوَى إِ هـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَة قَوْله لم يَبْقَ عِنْدَ الْوَصِيِّ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا اسْتَوْفَاهُ إلَخْ، فَهُوَ إقْرَارٌ لِمُعَيَّنٍ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُقِرِّ. تَأَمَّلْ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ الصُّلْحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَلَا تَنَاقُضَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ: لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ: أَيْ مِمَّا قَبَضْتُهُ، عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ اه. وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: * (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما) * قَالَ الْفَقِيهُ: وَلَعَلَّ قَوْله تَعَالَى: * (وَمَنْ كَانَ فَقِيرا) * نُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. قُلْت: فَكَأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوَصَايَا مُتَبَرِّعًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا إِ هـ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ: إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَجْرٌ مَعْلُومٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهِ. قَوْلُهُ: (لَهُ أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ) كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ صَالِحًا لِذَلِكَ جَازَ وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِ قَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ اه. فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ. تَأَمَّلْ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي المصاهرات بَين الْيَتِيم وَغَيْرِهِمَا فِي خُلْعِ الْخَاطِبِ أَوْ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد، وَفِي اتِّخَاذ ضايفة لِخَتَنِهِ لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ، وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَكَذَا الْعِيدَيْنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ فِي ضِيَافَةِ الْمُؤَدِّبِ وَالْعِيدَيْنِ اه مُلَخَّصًا. وَفِي الْمُغْرِبِ: وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ: الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ إِ هـ. قَوْلُهُ: (جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ: لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ إعَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ. قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا. وَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ النَّوَازِلِ: لَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ إعَارَةُ طِفْلِهِ، أَمَّا إعَارَةُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ اسْتِحْسَانًا لَا عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَفِي فَوَائِد صَاحب الْمُحِيطِ: لَهُ إعَارَةُ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الْأُسْتَاذِ لِتَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اه. أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. قَوْلُهُ: (يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَأَبٍ وَلَا وَصِيَّ لَهُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا يَمْلِكُ وَصِيُّهُ فَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَيَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ إلَخْ، هَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَتِي، فَتَأَمَّلْ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ، إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا لَا يملكهُ الْوَصِيّ لَكَانَ كلَاما ظهر الْمَعْنَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا مِمَّا خَالَفَ الْأَبُ فِيهَا الْوَصِيَّ، وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَرَائِضِ الْأَشْبَاهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَزَادَ عَلَيْهَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَغَيْرِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ أُخْرَى فَرَاجِعْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَبُو الصَّغِيرِ لَا أَبُو الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. ذَخِيرَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ، فَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ مِنْ الاوصياء بيع شئ مِنْ التَّرِكَةِ يَمْلِكُ قِسْمَتَهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكُ قِسْمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكَانِ الْقِسْمَةَ، بِخِلَافِ الْأَبِ فَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ مَالَ أَوْلَادِهِ. وَالْحِيلَةُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ فَيُقَاسِمُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا بَاعَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ فَدَفَعَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ وَأَفْرَزَ مَا لِلصِّغَارِ جملَة بِلَا تَمْيِيز جَازَ، لَان الْقِسْمَة هَاجَرت بَيْن الصِّغَارِ بَلْ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلصِّغَارِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إلَخْ، قَالَ ط: فِيهِ أَنَّ تصرف الْوَصِيّ بِالْبيعِ ولاشراء لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ بِالْقِيمَةِ وَبِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَكُلٌّ مِنْ اليتيمين أَجْنَبِي من الآخر اهـ. وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ ثُمَّ إنَّ بَيْعَ الْجَدِّ إنَّمَا يَجُوزُ لِنَحْوِ النَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ عَلَى الصِّغَارِ لَا لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لِتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَغْفُلْ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدَ الرَّأْيِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 التَّفْصِيلَ فِي الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْ الْقَاضِيَ لَا يَخْتَارُ لِلْوِصَايَةِ إلَّا مِنْ كَانَ مُصْلِحًا يحسن تَدْبِير أَمر الْيَتِيم ط. أَقُول: وَقد صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَبِ الْمُفْسِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّفْصِيلِ فِيهِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَنْقُولِ رِوَايَتَانِ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَرَى لِطِفْلِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ: (بِوُجُوبِهِمَا) أَيْ الثَّوْبِ وَالطَّعَامِ، وَالْمُرَادُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْعَطْفِ بِأَوْ. قَوْلُهُ: (وَبِمِثْلِهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الدَّارِ أَوْ الْعَبْدِ إنْ أَشْهَدَ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ. قَوْلُهُ: (لَا يَرْجِعُ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسَنٌ إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 كِتَابُ الْخُنْثَى هُوَ فُعْلَى مِنْ الْخَنْثِ: أَيْ بِالْفَتْح والسكون: وَهُوَ اللين والتكسر، وَيُقَال خنثت الشئ فَتَخَنَّثَ: أَيْ عَطَفْته فَانْعَطَفَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمُخَنَّثُ، وَجَمْعُ الْخُنْثَى الْخَنَاثَى بِالْفَتْحِ كَحُبْلَى وَحَبَالَى اه. شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا كَمَا قَالَ: * (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) * (النِّسَاء: 1) وَقَالَ: * (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور) * (الشورى: 49) وَقد بَين حكم وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَكَيْفَ وَبَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ اه. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ ذُو فَرْجٍ) ، أَرَادَ بِهِ هُنَا قُبُلَ الْمَرْأَةِ، وَإِلَّا فَالْفَرْجُ يُطْلَقُ عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ عَرِيَ إلَخْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى خَلَا. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ. وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ بِهِ اه. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ: ذُو فَرْجٍ وَذَكَرَ تَفْسِيرَ الْخُنْثَى لُغَة، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: هُوَ عِنْدَنَا وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي أَمْرِهِ سَوَاءٌ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الحكم لَا فِي الدّلَالَة، كَونه أَبْلَغَ فِي الِاشْتِبَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَتِهِ خُنْثَى لُغَةً، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنْ لَمْ يكن لَهُ شئ وَخَرَجَ بَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لَيْسَ بِخُنْثَى، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا نَدْرِي اسْمَهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُنْثَى اه. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَالَ إلَخْ) أَيْ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فَالْحُكْمُ للمبال، لَان مَنْفَعَة الْآلَة عِنْد انفصار الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ خُرُوجُ الْبَوْلِ فَهُوَ الْمَنْفَعَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْآلَةِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَهَذَا حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَقَدْ قَرَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله. وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا. قَوْلُهُ: (فَمُشْكِلٌ) لَمْ يَقُلْ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَجَاءَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّذْكِيرُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ غَلَبَ التَّذْكِيرُ. أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيّ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ، فَالْكَثِيرُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ) بِأَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ مِنْ الذَّكَرِ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ لَبَنٌ) أَيْ فِي ثَدْيِهِ كَلَبَنِ النِّسَاءِ، وَإِلَّا فَالرَّجُلُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ ثَدْيِهِ لَبَنٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ قِيلَ ظُهُورُ الثَّدْيَيْنِ عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ اللَّبَنِ، قِيلَ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَنْزِلُ وَلَا ثَدْيَ، أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ثَدْيٌ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ ثَدْيِ الرَّجُلِ، فَإِذَا نَزَلَ اللَّبَنُ وَقَعَ التَّمْيِيزُ اه. ط عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 الْحَمَوِيّ. قَوْله: (أَو حَبل) بِأَنْ أَخَذَ الْمَنِيَّ بِقُطْنَةٍ وَأَدْخَلَهُ فَرْجَهُ فَحَبِلَ. ط سَرِيِّ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ) بِأَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَذَكَرْنَ ذَلِكَ. أَفَادَهُ ط، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: أَوْ جُومِعَ كَمَا يُجَامَعُ النِّسَاءُ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ) كَمَا إذَا نَهَدَ ثَدْيُهُ وَنَبَتَتْ لِحْيَتُهُ مَعًا، أَوْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بَالَ بِفَرْجِهَا وَأَمْنَى بِفَرْجِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْحَسَنِ) أَيْ الْبَصْرِيِّ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمَا قَالَا: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ أَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَضْلَاعِ الرَّجُلِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: يُوقَفُ إلَى جَانِبِ حَائِطٍ، فَإِنْ بَالَ عَلَيْهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ تَسَلْسَلَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَلَيْسَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِصَحِيحٍ اه. قَوْلُهُ: (يَزِيدُ) صَوَابُهُ يَنْقُصُ كَمَا عَلِمْت، وَارْجِعْ إلَى حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ أَشْكَلَ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، إنَّ الْأَخْذَ فِي أَمْرِهِ بِالْأَحْوَطِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ دَائِمًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ. مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ إشْكَالَهُ أورث شُبْهَة وَهِي لَا ترفع الثَّابِتَ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَعَدَمَ التَّحْرِيمِ كَانَا ثَابِتَيْنِ يَقِينًا فَلَا يَرْتَفِعَانِ بِشُبْهَةِ أُنُوثَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ، بِخِلَافِ تَوْرِيثِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي، إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الثَّابِتِ يَقِينًا فَلِذَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ: إذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ الْمُحَاذَاةُ مَوْهُومٌ، وَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِتَوَهُّمِ الْمُحَاذَاةِ اه مُلَخَّصًا. ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُنْثَى الَّذِي تَعَارَضَتْ فِيهِ العلامات، فَلَا يرد إمْكَانَ الْإِيلَاجِ فِيهِ أَوْ ظُهُورَ لَبَنٍ لَهُ عَلَامَةُ أُنُوثَتِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ وَلَيْسَ للْكَلَام فِيهِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء إِذْ لَو وقف مَعَ الرِّجَال أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ مَعَ النِّسَاءِ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ) أَيْ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَإِلَّا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهُ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ. أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا، ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يُشْتَهَ فَقُبُلٌ وَدُبُرٌ ثُمَّ تَتَغَلَّظُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ كَبَالِغٍ اه. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِتَكُونَ أَمَتَهُ) فَيَجُوزُ نَظَرُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَقَوْلُهُ (أَوْ مِثْلَهُ) : أَيْ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ جَائِزٌ حَال الْعذر كنظر الْقَابِلَة وَقت الْولادَة أَو القرحة فِي الْفرج وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (احْتِيَاطًا) إِذا فِي كُلِّ احْتِمَالٍ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ أَغْلَظُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. قَوْلُهُ: (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا إذَا كَانَ أَبوهُ مُعسرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 وَإِلَّا فَمِنْ مَالِهِ. قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تُبَاعُ) أَيْ وَيَرُدُّ ثَمَنَهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُزَوَّجُ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْحلْوانِي. قَالَ فِي الْكِفَايَة: وَذكر شيح الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْفرج. أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْقُوفًا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: إمَّا صَحِيحٌ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَيَحِلُّ النَّظَرُ، وَإِمَّا بَاطِلٌ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ فَهُوَ مُفِيدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِنَاءً عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. تَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُطَلِّقُهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَالِغًا. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دون النِّسَاء وحاله لن يَتَبَيَّنْ بَعْدُ فَيُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ مُبَاحٌ، فَيُكْرَهُ حَذَرًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ. عِنَايَةٌ. قَوْلُهُ: (ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَبِّلِ بِشَهْوَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَبَّلْته امْرَأَةُ لَا تَتَزَوَّجُ أَبَاهُ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَالُ بِظُهُورِهِ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ اه. قُلْت: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخُرُوجِ التَّحْرِيمُ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْأَصْلَ الثَّابِتَ فَلَا يُنَافِي مَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ. وَيُكْرَهُ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ مَحْرَمًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ أُنْثَى فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ لَهُمَا وَذَلِكَ حَرَامٌ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تقرر إشكاله) أَي تقرره عندنَا بعلمنا بِهِ كَمَا لَوْ رَأَيْنَا لَهُ ثَدْيَيْنِ وَلِحْيَةً. قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ: أَيْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي أَوْهَمَ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ: كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشكل: أنل ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حق نَفسه لِلْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ اه. كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُرَادَ الذَّخِيرَةِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ لَنَا إشْكَالُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا آخِرُ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَنَصُّهُ: وَلَمَّا لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ مُشْكِلًا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ فَصَدَقَ فِيمَا قَالَ، وَمَتَى عُرِفَ كَوْنُهُ مُشْكِلًا فَقَدْ عُرِفَ خِلَافُ مَا قَالَ، وَعُرِفَ أَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي مَقَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُشْكِلًا إلَّا مَا نعرفه نَحن اه. وَهَذَا أسْقطه الزَّيْلَعِيُّ فَأَوْهَمَ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْكِفَايَةِ شَرَحَ كَلَامَ الْهِدَايَةِ بِكَلَامِ الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السَّيِّدَ قُدِّسَ سِرُّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْكِلَ وَقَيَّدَ بِالْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تقرر لنا إشكاله، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 فَإِن قَالَ قَوْله مَقْبُولٌ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَاطِنًا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَخْبَرَ الْخُنْثَى بِحَيْضٍ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ مَيْلٍ إلَى الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ يَقِينًا، مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يلد فَإِن يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ اه. قَوْلُهُ: (وَيُمِّمَ) أَيْ بِخِرْقَةٍ إنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَبِغَيْرِهَا إنْ يممه ذون رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَيَعْرِضُ الْأَجْنَبِيُّ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً وَلَا يَشْتَرِي جَارِيَةً لِلْغُسْلِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلْخِتَانِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَقْبَلُ الْمَالِكِيَّةَ فَالشِّرَاءُ غَيْرُ مُفِيدٍ. عِنَايَةٌ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَإِنْ مَلَكَهُ وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَغْسِلُ سَيِّدَهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ بَقَاءِ ملكه كَمَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْضُرُ) أَيْ لَا يَغْسِلُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً. نِهَايَةٌ وَمِعْرَاجٌ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُرَاهِقِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَبْقَى مُشْكِلًا غَالِبًا. قَوْلُهُ: (ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) أَيْ ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرٍ بِالْجَرِّ. قَوْلُهُ: (وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ) أَيْ تَغْطِيَتُهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا تَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ. زَيْلَعِيٌّ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ سِتْرَ عَوْرَةِ الْأُنْثَى، وَإِلَّا فَالتَّسْجِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى، فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِعُذْرٍ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ، وَلَوْ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رجل، ويكفن فِي خمس أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ. وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (فِي أَحْكَامِهِ) أَيْ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى، وَذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ) إنَّمَا حَوَّلَ الْعِبَارَةَ لِيَشْمَلَ كَوْنَهُ مَحْرُومًا عَلَى تَقْدِير اه. ح. قَالَ فِي المنج: اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ يُعْطَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شئ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ) أَيْ نِصْفُ مَجْمُوعِ حَظِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَشْيَاخِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ مِنْهُمْ، اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِهِ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلًا لَهُمَا، لِأَنَّ الَّذِي فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ أَنَّ الَّذِي فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ الْإِمَامِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فَسَّرَ بِهِ كَلَامَ الشَّعْبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعِهِ أَسْهُمٍ: لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ، وَالْخُنْثَى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَنِصْفُ الْمَالِ، فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَلِلِابْنِ: أَيْ الْوَاضِح كل المَال فَيجْعَل كل ربع مِنْهُمَا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ: لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 وللخنثى ثَلَاثَة لَان الابْن يسْتَحق الْكل عِنْد الِانْفِرَاد والمخنثى ثَلَاث الْأَرْبَاعِ، فَيُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عشر سَهْما: سَبْعَةٌ لِلِابْنِ وَخَمْسَةٌ لِلْخُنْثَى، اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ اجْتِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الذُّكُورَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى، عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ، وَعَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُهُمَا وَنِصْفُ الثَّلَاث كسر فَتضْرب السِّتَّة فِي اثْنَيْنِ تبلع اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُهُمَا خَمْسَةٌ اه مُلَخَّصًا. وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْلِيلِ نَصِيبِ الْخُنْثَى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا، وَطَرِيقُ (1) مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَضْرِبَ السَّبْعَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ، وَحِصَّة الْخُنْثَى مِنْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَحِصَّتُهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي السَّبْعَةِ تَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِسَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَوَلَدَيْهَا) أَيْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ عَنْ عَمِّهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ أَخِيهِ حَالَ كَوْنِ ابْنِ الْأَخِ خُنْثَى، فَالضَّمِيرُ فِي عَمِّهِ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ، هَذَا مِثَالٌ لِحِرْمَانِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَمَا قَبْلَهُ على تَقْدِير الذُّكُورَة. قَوْله: (وَكَانَ المَال للْعلم) لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ ط. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَسَائِلُ شَتَّى قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَتِيتٍ إلَخْ) فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، حَمْلٌ على فعيل بِمَعْنى مفعول كمريض ومرضي   (1) قَوْله: (وَطَرِيق مَعْرفَته الخ) وَتسَمى هَذِه طَريقَة التَّجْنِيس وَهَكَذَا كل عددين نسب إِلَيْهِمَا أقل مِنْهُمَا وَأَدت معرفَة أَي المنسوبين أقل فَاضْرب أحد العددين الْمَنْسُوب إِلَيْهِمَا فِي الاخر ثمَّ يضْرب كل وَاحِد من الافلين فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ الاقل الاخر وَانْظُر فِيمَا تحصل من ضرب كل من الافلين فِي مَنْسُوب الاخر ففى مَسْأَلَتنَا لم يدر هَل الثَّلَاثَة من سَبْعَة كَمَا هُوَ قَول أَبى يُوسُف أَكثر أَو خَمْسَة من إثنا عشر أَكثر كَمَا هُوَ قَول مُحَمَّد. فَإِذا أردْت معرفَة أكثرهما فَاضْرب السَّبْعَة الَّتِى نسيت إِلَيْهَا الثَّلَاثَة فِي الاثنا عشر الَّتِى نسبت إِلَيْهَا الْخَمْسَة تبلغ أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ ثمَّ اضْرِب الْمَنْسُوب إِلَى السَّبْعَة وَذَلِكَ ثَلَاثَة فِي الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْخَمْسَة وَذَلِكَ اثْنَا عشر يكون الْخَارِج سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَاضْرِبْ الْخَمْسَة فِي السَّبْعَة تبلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 وَلِذَا جُمِعَ عَلَى فُعْلَى. قُهُسْتَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا لَا يُذْكَرُ) الْأَوْلَى مَا لَمْ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (فَيَنْتِجُ) أَيْ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصُّغْرَى. قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمَائِعِ فِي التَّصَرُّفِ فَوْقَ تَأْثِيرِ غَيْرِهِ. مِنَحٌ. فَإِذَا كَانَ عَرَقُ الْجَلَّالَةِ الَّتِي غُذِّيَتْ بِالنَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ نَجِسًا فَعَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ الْمَائِعِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَمَا أَسْمَجَ) مِنْ السَّمَاجَةِ وَهِيَ الْقُبْحُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الْعِزِّ) بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، وَهُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (فَحِينَئِذٍ) أَيْ فَحِينَ إذْ كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا يُنْقَضُ لِقَاعِدَةِ: كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ط. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَعَ غَرَابَتِهِ) أَيْ تَفَرُّدِ ابْنِ الْعِزِّ بِاسْتِنْبَاطِهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةٌ) أَيْ دَلِيلٌ مَنْقُولٌ وَلَا دِرَايَةٌ: أَيْ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ. قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ لِبُطْلَانِهَا إلَخْ) حَاصله اسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ على مَسْأَلَة الجدي بِجَامِعِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَكَذَلِكَ نَقُولُ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَهْلَكًا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْجَلَّالَةِ، فَإِنَّ مَا تَتَنَاوَلُهُ لِكَوْنِهِ جَامِدًا لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بَلْ يُحِيلُ لَحْمَهَا إلَى نَتْنٍ وَفَسَاد. وَتَأمل اه ح. قَوْلُهُ: (وَيَكْفِينَا فِي ضَعْفِهِ غَرَابَتُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كل ماقاله صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ من عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين أَن عرف مدمن الْخمر نَاقض للْوُضُوء سِوَى مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ يَخْلِطُ وَالْجَلَّالَةُ لَا تَخْلِطُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَخْلِطُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ عَرَقِهَا كَمَا قَالُوا فِي تَفْسِيرِهَا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي تَوَلُّدِ الْعَرَقِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَقْضَ بِالشَّكِّ، عَلَى أَنَّا مَا أَثْبَتْنَا النَّقْضَ بِالْخَارِجِ الْمُحَقَّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إلَّا بَعْدَ عِلَاجٍ قَوِيٍّ وَمُنَازَعَةٍ كُلِّيَّةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، فَكَيْفَ يثبت النَّقْض بشئ مَوْهُومٍ؟ وَأَيْضًا نَفْسُ عَرَقِ الْجَلَّالَةِ فِي نَجَاسَتِهِ مُنَازَعَةٌ، إذْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِكَرَاهَةِ لَحْمِهَا إذَا تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَرَاهَةَ لِرَيْبٍ فِي الْحُرْمَةِ، وَالْحُرْمَةُ فَرْعُ النَّجَاسَةِ، وَالنَّقْضُ بِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا لَا رَيْبَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِمَّا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِعَرَقِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَاسَةً مَا فِي زَمَنِ مُدَاوَمَتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اه مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا النَّقْضُ بِدُمُوعِهِ وَرِيقِهِ لِأَنَّهُمَا كَالْعَرَقِ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَعْذُورِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 لِخُرُوجِ رِيقِهِ دَائِمًا، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ أَيْضًا، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَن سُؤْر الابل وَالْبَقر وَالْجَلالَة مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَخُرُوجُهُ عَنْ الْجَادَّةِ) هِيَ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ طَرِيقُ الْفِقْهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ السَّرْحِ) بِمُهْمَلَاتٍ. قَالَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ: السَّرْحُ: الْمَالُ وَشَجَرٌ عِظَامٌ طِوَالٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَسَائِلُ الْفِقْهِ اه ح. فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْخُرْءُ صُلْبًا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ يَابِسًا زَادَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَإِنْ كَانَ مُتَفَتِّتًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ يُؤْكَلُ أَيْضًا اه. قَوْلُهُ: (وَلَا يَفْسُدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُهَا نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَاد والاحتراز عَنهُ مُمكن فِي الماحء لَا فِي الطَّعَام وَالثَّيِّب فَصَارَ مَعْفُوًّا فِيهِمَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: بَوْلُ الْهِرَّةِ والفأر وَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهُ لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ اه. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: خرء الْفَأْرَة لَا يفْسد الدهم وَالْحِنْطَةَ الْمَطْحُونَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهَا. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ. قَوْلُهُ: (فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: رُبَاعِيَّةُ الظُّهْرِ، وَرُبَاعِيَّةُ الْجُمُعَةِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرُّبَاعِيَّاتِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالنَّوَافِلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: فِي الْجُمُعَةِ أَيْ فِي يَوْمهَا، فَإِنَّهَا ورد فِيهِ سَاعَةُ إجَابَةِ: أَيْ لِلدُّعَاءِ بِعَيْنِهِ ط. قَوْلُهُ: (وَقت الْعَصْر) وَقيل من حَيّ بخطب إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ اه. قَالَ ط: وَيَكْفِي الدُّعَاءُ بِقَلْبِهِ كَمَا ذكر الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَقِيلَ: آخِرُ سَاعَةٍ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اه. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دَائِرَةٌ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ من حِين بُلُوغ ظلّ الشئ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلَيْنِ إلَى الْغُرُوبِ. حَمَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ. مِنَحٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ لِيَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى مَذْكُورٍ صَرِيحًا وَهُوَ عَلَيْكُمْ. قَوْلُهُ: (لُفَّ ثَوْبٌ نَجِسٌ رَطْبٌ) أَيْ مُبْتَلٌّ بِمَاءٍ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الْمَبْلُولِ بِنَحْوِ الْبَوْلِ لِأَنَّ النَّدَاوَةَ حِينَئِذٍ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إِذْ ظَهَرَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ كَمَا حَقَّقَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَنَجَّسُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ بِالْعَصْرِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شئ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّ مَا يُجَاوِرُهُ بِالنَّدَاوَةِ وَبِذَلِكَ لَا يَتَنَجَّس بِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّس لانه يُؤْخَذ بَلَلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ، وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ وَالرَّطْبُ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْيَابِس النَّجس يُؤْخَذ بَلَلًا مِنْ الطَّاهِرِ وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا. زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَسِيلُ وَعُصِرَ لِلنَّجِسِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لِلطَّاهِرِ، وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَكَثِيرٍ من الْكتب كالقهستاني وَابْن كَمَال وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَوَجْهُهُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي أَوْسَعُ وَأَسْهَلُ، فَتَبَصَّرْ. ثُمَّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ فِي بَعْضِهَا بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ نُشِرَ إلَخْ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَقَدْ جَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ: وَعَلَى هَذَا إِذا نشر الثَّوْب الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجِسٍ هُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. وَقَالَ قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ: إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ (1) مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ جَسَدُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ فَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لم يظْهر أثر بَلل لارض فِي رِجْلِهِ فَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي رِجْلِهِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رجله لَا تحوز صَلَاتُهُ. وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ وَرجله يَابِس تتنجس اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُطَيَّنَةً بِنَحْوِ الزِّبْلِ، أَمَّا لَوْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ وَجَفَّتْ لم تبْق نَجِسَة وَلم تعد النَّجَاسَة بِإِصَابَة المَاء عل الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَالْعُلَمَاءِ) أَيْ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وذراريهم وَالْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ كِفَايَتِهِمْ. ابْنُ الشِّحْنَةِ. قَوْلُهُ: (ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي أَغْلَبِهَا بِدُونِ هُوَ، وَعَلَيْهِ فَوُجِّهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودَعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَنِنَا هَذَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَ مَصَارِفَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمصرف إه. منح. قَوْله: (فعيه كَفَّارَة وَاحِدَة) لَان الْكَفَّارَة تسْقط بالبشبهة فَتَتَدَاخَلُ كَالْحَدِّ. مُجْتَبًى. ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي التَّدَاخُلِ: فَقِيلَ لَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ لِتَدَاخُلِ السَّبَبِ، وَقيل: تجب ثمَّ تسْقط، فَأَما   (1) قَوْله: (فَأَصَابَهُ مني الخ) الاحسن إِسْقَاط الْفَاء وَجُمْلَة أَصَابَهُ صفة ثوب تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 إذَا كَفَّرَ الْأَوَّلَ فَلَا اجْتِمَاعَ فَلَا تَدَاخُلَ. قَوْله: (وَلَو فِي رمضانين الخ) لَو وصيلة، وَأَشَارَ إِلَى أَن التَّقْيِيد برمضان وَاد، خِلَافُ الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الِاعْتِمَادُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة، وَالصَّحِيح أَنه كيفيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّدَاخُلِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ اه. وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَقَضَى يَوْمًا ونواه عَنْهُمَا يجوز صزمه عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْآخَرُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَوَاهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا تَعْيِينِ شَهْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ قَضَاءُ أَحَدِ رَمَضَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّائِمُ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُرِدْ جَمْعَهُمَا فِي النِّيَّةِ، لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ فِي الصَّوْمِ مُتَنَفِّلٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ اه. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ إلَخْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ الظُّهْرُ مِنْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَقَضَى ظُهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَ الْيَوْمَيْنِ صَحَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى ظُهْرًا وَاحِدًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ. وَفِي قَوْلِ مِسْكِينٍ: لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ إلَخْ مُنَافَاةٌ لِصَدْرِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنه لَو نوى فائتتين فللاولى لَو أَمن أَهْلِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَغَا اه. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الصَّوْمِ يَلْغُو، إذْ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ كَلَامُ مِسْكِينٍ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ الْأَصْلِ الْآتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (صَحَّ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ اه. وَنَقَلَ ط تَصْحِيحَهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَأَنَّ التَّعْيِينَ أحوط. وقهل: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ إلَخْ) صَحَّحَهُ أَيْضًا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالتَّعْيِينُ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةِ كَذَا، وَفِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعَيِّنَ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ جَازَ، وَهَذَا مُخَلَّصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ. أَمَّا التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ: أَيْ فِي أَفْرَادِهِ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ لَغْوٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوْ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ، أَوْ نَوَى ظُهْرَ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ الْخَمِيس، وَيعرف اخْتِلَاف الْجِنْس لاخْتِلَاف السَّبَبِ كَالصَّلَوَاتِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، فَإِنَّ الدُّلُوكَ فِي يَوْمٍ غَيْرُهُ فِي آخَرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِتَعَلُّقِهِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تعْيين يَوْم كَذَا، خلاف رَمَضَانَيْنِ. زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 (ثمَّ رَأَيْته) أَي هَذَا التَّفْصِيل مقله عَنْهُ: أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْأَشْبَاهِ. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مُشْكِلٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ صلا جِنْسٌ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا فَيُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ، إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِين عِنْد التَّرْتِيب وَلَا يُفِيد إِ هـ. كَذَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَوْلُهُ: (خِلَافُهُ) أَيْ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَوْ بِأَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا ط. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ مُصَحَّحٌ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ التَّعْيِينَ ط. قَوْلُهُ: (وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شئ أَو تحليه فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أحرقن الْعَذِرَةُ وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ، وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا. وَعَلَى هَذَا قَالُوا: إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ زَيْلَعِيٌّ قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَبِهَذَا لَا يَظْهَرُ مَا عُزِيَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ السِّكِّينَ الْمُمَوَّهَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوَّهُ بِالطَّاهِرِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّارَ وَمَكَثَ أَدْنَى مُدَّةٍ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا اه. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي الْجِهَادِ) حَيْثُ قَالَ: تَرَكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَوْ بِشَفَاعَةٍ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَبِهِ يُفْتَى. وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَرْجِيحِ حِلِّهِ لِغَيْرِ الْمَصْرِفِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يجوز إِجْمَاعًا بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافًا لِمَا فِي قَاعِدَةِ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ فَتنبه إِ هـ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، لَكِنْ لَوْ غَنِيًّا ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ: (عَنْ زِرَاعَةِ الارض) أَي الْمَمْلُوكَة لَهُم. قَوْله: (لمستحقه (1)) أَيْ لِمُسْتَحِقِّ الْخَرَاجِ. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِلَا رِضَاهُمْ من غير صيرورة وَلَا إِلَى تَعْطِيل حق الْمُقَاتلَة مَا قُلْنَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَاعَهَا لِقَادِرٍ) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ   (1) قَوْله: (الْمحشِي لمستحقه) نسخ الشَّرْع الَّتِى بِأَيْدِينَا الْمُسْتَحقَّة وَعَلَيْهَا كتب الطَّحَاوِيّ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 يَفُوتُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ زَيْلَعِيّ. وَهَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً، وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهَا مُزَارَعَةً بَاعَهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَاجُ فَلَمْ يُؤَدِّ سَنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْجِزْيَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ فرص مَسْأَلَتنَا فِي الْعَجز، فَافْهَم. قَوْلُهُ: (فَيُحْمَلُ إلَى إلَخْ) لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى حَالَة عدم الْعَجز لَان فرص مَسْأَلَتِنَا فِي الْعَجْزِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (الْمَاضِيَةُ فَقَطْ) أَيْ الَّتِي عَجَزُوا فِيهَا، وَهِيَ الَّتِي قَبْلَ السَّنَةِ الَّتِي دَفَعَ فِيهَا الْإِمَامُ الْأَرْضَ إلَى غَيْرِهِمْ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يَحْصُلُ التَّدَاخُلُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ سَنَةِ الدَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ خَرَاجُ هَذِهِ الْمَاضِيَةِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِآخِرِ الْحَوْلِ لَا بِأَوَّلِهِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (تَحَرَّى وَأَكَلَ) لِأَنَّ لِلْغَالِبِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَكَذَا الزَّيْتُ لَوْ اخْتَلَطَ مَعَ وَدَكِ الْمَيِّتَةِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا إذَا غَلَبَ الزَّيْتُ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَلْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ أَوْ يَبِيعُهُ مَعَ بَيَانِ عَيْبِهِ أَوْ يَدْبَغُ بِهِ الْجُلُودَ وَيَغْسِلُهَا، لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ تَبَعٌ لِلْغَالِبِ، وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ مُخْتَلِطَةٌ، فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ تَحَرَّى مُطْلَقًا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ بِيَقِينٍ جَائِزَةٌ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِالْإِجْمَاعِ فَفِي ثَوْبٍ مَشْكُوكٍ أَوْلَى. وَأَمَّا فِي الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لِلطَّاهِرِ تَحَرَّى، وَإِلَّا لَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسَالِيخِ، وَكَذَا أَوَانِي الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ لَوْ غَلَبَ النَّجِسُ يَتَحَرَّى لِلشُّرْبِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ شُرْبَ النَّجِسِ بِيَقِينٍ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَشْكُوكُ أَوْلَى، وَلَا يَتَحَرَّى لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَلْ يَتَيَمَّمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيقَ الْمَاءَ قَبْلَهُ أَوْ يخلطه بِالنَّجِسِ. وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ مِنْ اخْتِلَاطِ الزَّيْتِ مَعَ الْوَدَكِ اخْتِلَاطُ أَجْزَائِهِمَا لَا اخْتِلَاطُ أَوَانِيهِمَا وَلِذَا لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَحَرَّى) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَامَةٌ تُعْلَمُ بِهَا الذَّكِيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ فَعَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا: مِنْ عَلَامَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهَا تَطْفُو فَوْقَ الْمَاءِ وَالذَّكِيَّةُ لَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَامَةَ الْمُذَكَّاةِ خُلُوُّ الْأَوْدَاجِ مِنْ الدَّمِ وَعَلَامَةُ الْمَيْتَةِ امْتِلَاؤُهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بِأَن يجد ذكية) أَقُول: المُرَاد أَن لم يَجِدَ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ مِنْ لَحْمٍ مذكى أَو خبز أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَحَرَّى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ يحل لَهُ لتنازل فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذكية أَولا، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَة اه. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ لَا غَيْرُ وَلَا مُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا يَتَحَرَّى وَيُصلي فقد جوز التَّحَرِّي فيهمَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْمَسَالِيخِ لَمْ يَجُزْ. وَأجِيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 بِأَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، بِخِلَافِ الْغَنَمِ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْغَنَمِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ: يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الذَّكِيَّةُ غَالِبَةً أَوْ مَغْلُوبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْفَرْقَ فِيمَا لَا فَرْقَ فِيهِ؟ وَإِنْ أَرَادُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الثِّيَابِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ سَاقِطٌ أَصْلًا، إذْ لَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الطُّورِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. قَوْلُهُ: (وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَلَفْظُ الْحَظْرِ سَاقِطٌ مِنْ أَغْلَبِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ إشَارَتُهُ بِحَاجِبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا عَرَفَ الْقَاضِي إشَارَتَهُ. وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْبِرَ مِمَّن يغرفها مِنْ إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى يَقُولَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ كَذَا، وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ وَيُتَرْجِمُ حَتَّى يُحِيطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا قَوْلَ لَهُ، بِيرِيّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِيمَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّة كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (وكتابته) اعْترض الْمَقْدِسِي بِأَن الاخرس الخلقي لَا يعرف الكتاية وَلَا يُمكن تَعْرِيفه إِيَّاهَا، لَاها بِإِزَاءِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ وَهُوَ لَا يَنْطِقُ وَلَا يَسْمَعُ النُّطْقَ اه. أَقُولُ: يُمْكِنُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، يُقَالُ اعتقل لِسَانه بِضَم التار: إذَا احْتَبَسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مُغْرِبٌ: أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ إيمَاؤُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ إلَّا إذَا امْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ كَمَا يَأْتِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي كِتَابَةٍ غَيْرِ مَرْسُومَةٍ: أَيْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكِتَابَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٍ مَرْسُومٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا: أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جرب بِهِ الْعَادَةُ فَهَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً. وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، فَلَا يكون حجَّة إِلَّا بانضمام شئ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ، وَقَبْلَ الْإِمْلَاءِ بِلَا إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ وَلَا يثبت بِهِ شئ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ نَوَى اه. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ، وَالثَّانِي كِنَايَةٌ، وَالثَّالِثُ لَغْوٌ، وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا، وَهِيَ مَرْسُومٌ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاطِقِ فَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَائِبٍ اه. وَظَاهره أَن المعنون مِنْ النَّاطِقِ الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 وَفِي الْأَشْبَاهِ: رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَأَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: لَا يجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اه. أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ مُعْتَقَلُ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ: لَا معتقل اللِّسَان إنْ عُلِمَتْ إشَارَتُهُ إلَخْ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ تَقْدِيرُهُ بِسَنَةٍ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَاسْتَثْنَى الْعِمَادِيُّ الْمَرِيضَ إذَا طَالَ عَلَيْهِ الِاعْتِقَالُ فَإِنَّهُ كَالْأَخْرَسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبُرْجَنْدِيُّ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ يُرْجَى مِنْهُ الْكَلَام، فَافْهَم المرام إِ هـ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَلَوْ أَصَابَهُ فَالِجٌ فَذَهَبَ لِسَانُهُ أَوْ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ بِضَعْفِهِ إلَّا أَنَّهُ عَاقِلٌ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ إلَى وَصِيَّةٍ فَقَدْ صَحَّ وَصِيَّتُهُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا لَمْ تَصِحَّ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ اه. قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَّقَ مَثَلًا) أَيْ كَمَا إذَا أَعْتَقَ ط. قَوْلُهُ: (نَفَذَ مُسْتَنِدًا) فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَينفذ تصرف المتعوق مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ط. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ نَفَاذِهِ) لِأَنَّ نَفَاذَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ عَلَى عُقْلَتِهِ، لَا على إِجَازَته، حَتَّى يقل: يَنْبَغِي أَن يكون طلبه الوطئ دَلِيلا على إِرَادَة النِّكَاح، فَافْهَم. قَوْله: (لكل ذَكَرَ ابْنُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: نَفَذَ مُسْتَنِدًا حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. قَوْلُهُ: (الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ) الَّتِي هِيَ الِاقْتِصَارُ كَمَا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِانْقِلَابِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، وَالِاسْتِنَادُ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدَةً إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ والتبيين، مِثْلُ أَنْ كَانَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ وَتَعْتَدُّ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاسْتِنَادِ أَنَّهُ فِي التَّبْيِينِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَفِي الِاسْتِنَادِ لَا يُمْكِنُ اه مِنْ الْأَشْبَاهِ مُلَخَّصًا. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ قَوْلَهُمْ) مَفْعُولُ ذَكَرَ، وَقَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ مَقُولُ الْقَوْلِ، وَجُمْلَةُ يُخَالِفُ خَبَرُ إنَّ. قَوْلُهُ: (يُخَالِفُ ذَلِكَ) أَيْ يُخَالِفُ الْقَوْلَ بِالِاسْتِنَادِ فِي نَحْوِ: طَلَاقُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ وَعَتَاقِهِ ط. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ اللُّزُومُ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ، فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ، حَتَّى مَلَكَ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَالضَّابِطُ فِيهِ أَن ماصح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيق فَإِنَّهُ يسْتَند إِ هـ. فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ الضَّابِطَ لِكُلِّ مُقْتَصِرٍ وَمُسْتَنِدٍ، بَلْ لِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ، وَهُوَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ نَحْوُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا مُقْتَصَرًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ إذْ لَيست معسألتنا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (فِي حَدٍّ) تَنَاوَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَدِّ: أَيْ لَا يُحَدُّ الاخرس إِذا كَانَ قَاذِفًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ. كِفَايَةٌ. زَادَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يُحَدُّ لَهُ: أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ خَاصَّةً إذَا كَانَ مَقْذُوفًا اه. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِصَاصِ: أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شهدُوا بالوطئ الْحَرَام أَو أقرّ بالوطئ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِن لم يُوجد التعمد لَان الْقَصَص فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ، أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. هِدَايَةٌ. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ كَلَامَهُمْ هُنَا بِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْكَفَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِالنَّفْسِ فِيهِمَا، وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهِمَا، وَمِنْهَا الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لَا تجوز فيهمَا، وَعَلَّلُوا جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْجِنَايَاتِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً اه. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي شَهَادَة مَا) نقل من فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ: وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ مِنْ النَّاطِقِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، بِخِلَافِ إفْتَاءٍ وَنَسَبٍ وَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (يَقْضِي وَيُكَفِّرُ) لِوُجُودِ مَعْنَى صَلَاحِ الْبَدَنِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الصَّوْمِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لَا يُكَفِّرُ) أَيْ بَلْ يَقْضِي فَقَطْ. قَوْلُهُ: (عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ، لَكِنْ الشَّارِحُ هُنَاكَ قَيَّدَ أَمْنَ الطَّرِيقِ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْكَمَالِ، وَبِقَتْلِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا تَنْتَفِي الْغَلَبَةُ، وَلِذَا قَيَّدَهُ ط بِالْقَتْلِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَنَعَهَا زَوْجُهَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ. قَوْلُهُ: (نُشُوزٌ حُكْمًا) لِأَنَّ النَّاشِزَةَ هِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْعُهَا لَهُ عَنْ الدُّخُولِ إلَى بَيْتِهَا مَعَ إرَادَتِهَا السُّكْنَى فِيهِ خُرُوجٌ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِ شُبْهَة) كبيت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 السُّلْطَان فَهِيَ نائزة لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا. كَذَا فِي التَّجْنِيسِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ، وَقَدْ تَمْتَنِعُ هِيَ عَنْ خِدْمَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ ط. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَعَ أُمِّ وَلَدِهِ) وَكَذَا مَعَ طِفْلِهِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِتْقَ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ. وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنَا عَبْدُك يَعْتِقُ إنْ نَوَى، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ يَا مَالِكِي، لِأَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ ط. وَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الصِّغَارِ: فِيمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: يَا مَنْ أَنَا عَبْدُكِ، قَالَ: هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا، فَإِن نوى الْعتْق فَعَن مُحَمَّد فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ) أَي فِي كتاب الْعتْق. أَقُول: وَقد وعده الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ الصَّرِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا، لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ وَقَوْلُهُ يَا مَالِكِي أَوْ أَنَا عَبْدُك حَقِيقَةً يُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى اه. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ من هَذَا الْوَجْه تَخْصِيصِهِمْ الْمَوْلَى هُنَا بِالْمَعْتُوقِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُعْتَقِ بِالِاشْتِرَاكِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ: أَيْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِعَبْدِهِ وَلَاءً عَلَيْهِ فَكَانَ لَغْوًا، فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمُمْكِنِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ) كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ: مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْمِلْكَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُبَرْهِنْ. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ إذَا كَانَ مَالِكُ الْعَقَارِ غَائِبًا فَيَتَوَاضَعُ اثْنَانِ، وَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَيَتَسَامَحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ مُتَعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ. بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ لُزُومُ إثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبُرْهَانِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ) وَمِثْلُهُ الْغَصْبُ. قَوْلُهُ: (وَإِقْرَارَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ) كَالشِّرَاءِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ يتَحَقَّق فِي غير دي الْيَدِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقَةِ فَدَعْوَى ترك التَّعَرُّض بالاالة الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَى مِنْ ذِي الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. مِنَحٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ وَالدَّيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَت فِي عقار لَا فِي لاريته فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ اه. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ) فَالْقَضَاءُ فِي السَّوَادِ صَحِيحٌ، وَبِهِ يُفْتَى. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (وَيُكْتَبُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ وَقَعَتْ فِي تلبيس الشُّهُود وَإِلَّا كالاقرار كَالْبَيِّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ط. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَنَقَضْتُهُ أَوْ فَسَخْته أَوْ رَفَعْته. ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ) تقدّمت شُرُوط صِحَّتهَا فِي الْقَضَاء وَيَأْتِي شئ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ بالنسة لِلْأُولَى غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ لَا شَهَادَةَ فِيهَا: تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ) أَيْ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ مَثَلًا فَجَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَرَأَى النَّصَّ بِخِلَافِهِ، كَمَا لَوْ تَحَوَّلَ اجْتِهَادُهُ. وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيط: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله إنَّمَا لَمْ يَنْقَضِ مَا قَضَى فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ وَصَارَ شَرِيعَةً لَهُ، فَإِذَا نزل الْقُرْآن بِخِلَافِهِ صَار نَاسِخا تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ النَّصَّ كَانَ مَوْجُودًا مُنَزَّلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ، فَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيّ عَنْ السُّبْكِيّ: أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِ شَارِحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرَ الْقَاضِي) أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ فَيَثْبُتُ حَيْثُ كَانَ مُوَلًّى لَا لَوْ مَعْزُولًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ اه. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ قُضَاةِ زَمَانِنَا اه. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ قَضَاءِ الثَّانِي بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُنَفِّذُهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ اه. فَلَوْ قَبْلَ قَوْلِ الْأَوَّلِ لَزِمَ إبْطَالُ الْقَضَاءِ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَالْإِمْضَاءِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي الثَّانِي، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ ط. قَوْلُهُ: (مُنَازَعٍ شَرْعِيٍّ) كَأَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُتَوَلٍّ أَوْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنْ نِزَاعَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ. قَوْلُهُ: (فَقَضَى بِهِ بِبُرْهَانِهِ) الْبَاءُ الْأُولَى لِلتَّعْدِيَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط. قَوْلُهُ: (بِدُونِ مُنَازَعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، وَالْمُرَادُ بِدُونِ حُضُورِ مُنَازِعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ) يَعْنِي لَوْ رَفَعَ هَذَا الْحُكْمَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْزَمًا لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ: أَيْ بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ إلَى الْحَنَفِيِّ) أَيْ مَثَلًا، فَإِنَّ غَيْرَهُ إنْ كَانَ يَشْتَرِطُ مَا ذُكِرَ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إذَا ارْتَابَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي إلَخْ) أَقُولُ عَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ قَضَاءِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ. فَلَوْ قِيلَ: يَعْنِي لَا يَتَعَرَّضُ لِنَقْضِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ: أَيْ لَا يَسْأَلُ عَنْ الْأَحْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْضِ، فَلَا يُقَالُ: هَلْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: وَيُحْمَلُ عَلَى السَّدَادِ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ فَيَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ. قَوْلُهُ: (مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَخْ) وَمَرَّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، بَلْ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَذَلِكَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ شَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا فَقَالَ: قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ اه. أَقُولُ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ قَطِيعِ غَنْمٍ كُلِّ شَاةٍ بِكَذَا إنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ عَلِمَ بِعَدَدِ الْغَنَمِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَضِيَا انْعَقَدَ بِالتَّعَاطِي وَنَظِيرُهُ البيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 بِالرَّقْمِ. سراج إه. وَمثله فِي النِّهَايَة وَغَيْرِهِمَا، فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ) أَيْ وَحده كَمَا أَفَادَهُ قَوْله: إِلَّا إِذا علمُوا أَنه لَيْسَ فِيهِ عِبْرَة وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِحُصُولِ الشُّبْهَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ مُدَّعِي الْحَقِّ، وَأَنَّهُ جَعَلَ نَغْمَتَهُ كَنَغْمَةِ الْآخَرِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَاعَ عَقَارًا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ إِذْ لَو أجر أَو رهن، أَو أعَاد ثُمَّ ادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ، إذْ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ، وَقَدْ يَرْضَى الشَّخْصُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، وَلَا يَرْضَى بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْوَقْفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَالِمًا مِنْ أَعْيَانِ الْحَنَفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَخُطُوطَهُمْ بِمُوَافَقَتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ فَتَاوِيهِ الْمَشْهُورَةِ، فَرَاجِعْهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَرِيبِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَلَا، لِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَوَّلَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ فِي أَرْضٍ زَمَانًا وَرَجُلٌ آخَرُ يَرَى تَصَرُّفَهُ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَرِّفُ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّجُلُ حَالَ حَيَاتِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ اه. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرض رجل آخَرُ يَرَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ اه. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ قَيْدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِهِ هُنَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ بَيْعٌ، وَأَمَّا السُّكُوتُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَمْنَعُ إلَّا دَعْوَى الْقَرِيبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا اه. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى: لَا تسمه الدَّعْوَى بَعْدَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا يخَاف مِنْهُ، وَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ اه. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمدَّة أَعم منن كَوْنِهِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ لَمْ يُقَيِّدُوهُ هُنَا بِمُدَّةٍ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتنَاع من الْقُضَاة عَنْ سَمَاعِهَا خَوْفًا مِنْ التَّزْوِيرِ وَلِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ، فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِلْآخِرَةِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سمة إذَا نَهَى السُّلْطَانُ عَنْ سَمَاعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ. قَوْلُهُ: (حَاضِرٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْحُضُورِ الِاطِّلَاعُ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 الْأَقَارِبِ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الثَّمَنِ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ حُضُورَهُ وَتَرْكَهُ فِيمَا يصنع إِقْرَاره مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ إلَخْ. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَذَا أطلقع فِي الْكَنْزِ إلَخْ) أَيْ أَطْلَقَهُ عَمَّا قَيَّدَهُ بِهِ الزَّيْلَعِيّ نقلا عَن فَتَاوَى أبي اللَّيْث بِأَن يتَصَرَّف المُشْتَرِي فين زَمَانًا. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ نُقَيِّدْهُ بِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْجَارِ مَعَ أَنَّ الْجَارَ يُخَالِفُهُ اه. وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا أخر فَرَاجعهَا. قَوْله: (وَجعل سكونه كالافصاح) أَي بِأَن مِلْكُ الْبَائِعِ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ يُصَدَّقُ. وَقَالَ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ: أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لم يكن الْمُدَّعِي مَعْذُورًا وَإِلَّا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، فَقَدْ قَالُوا: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِالتَّنَاقُضِ لِلْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ إِ هـ. وَقَالَ الاستروشتي: اشْتَرَى دَارًا لِطِفْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَبِرَ الِابْنُ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ بَاعَهَا الْأَبُ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ثمَّ اشتأجرها الِابْنُ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ تُقْبَلُ، وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا بِالِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ فِيهِ خَفَاءً، لِأَنَّ الْأَبَ يَسْتَبِدُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَعَسَى لَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اه. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ لِئَلَّا يُوهَمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَرِيبِ، وَأَوْضَحَ الْمَسْأَلَةُ الزَّيْلَعِيُّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْلِكُ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ الطَّلَبَ وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْأَطْمَاعَ الْفَاسِدَةَ فِي الْقَرِيبِ أَغْلَبُ، فَمَظِنَّةُ التَّلْبِيسِ فِيهِ أَرْجَحُ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ فِي الاقرباء خُصُوصا فِي دَعْوَى الْإِرْثِ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِن طمعه فِي مَال من هُوَ عَنهُ أَجْنَبِي نَادِرٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ يُرَجِّحُ جِهَةَ التَّزْوِيرِ، وَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ) وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ بِالْأَوْلَى فَتَخْصِيصُ الْجَارِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ) أَيْ وَقْتَ عِلْمِهِ بِهِمَا، كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ السَّابِقُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ مُجَرَّدُ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (زَرْعًا وَبِنَاءً) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُطْلَقُ إلَّا لِلْمَالِكِ فَهُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ. قَوْلُهُ: (لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا. رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ إلَخْ) ذَكَرَهَا لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ادَّعَى السَّاكِتُ الْمِلْكَ وَأَنْكَرَ البَائِع وَالْمُشْتَرِي، وَهُنَا لَا إنْكَارَ. قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا عِنْدَنَا) فِي فَتَاوَى أَمِينِ الدِّينِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ فُضُولِيٍّ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَسَكَتَ يَكُونُ رضَا إِ هـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا. فَعَلِمَ بخ أَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ. تَأمل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 رَمْلِيٌّ. قَوْلُهُ: (آخِرَ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ) أَيْ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَدْ نَقَلَهَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذ بِهِ. تاترخانية، وَبِهِ: أَيْ بِالْقَبُولِ نَأْخُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. عِمَادِيَّةٌ. تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى. خُلَاصَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: وَقَفْت. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ، لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لنَفسِهِ فَلَا تسمع للتناقض إِ هـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ تُسْمَعُ إذْ لَا يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ) هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ، فَإِنْ أَقَامُوا الْبُرْهَانَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ. مِنَحٌ. قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا مَا اعْتَمدهُ فِي الْخَانِية) وَتَصْحِيح قاضيخان مِنْ أَجَلِّ التَّصَاحِيحِ، وَهَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رَجَّحُوا الْقِيَاسَ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ نَقْلِهِ) ضَمِيرُهُ كَضَمِيرِ قَالَ: يَرْجِعُ إلَى قاضيخان ط. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) هُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْهِبَة حادقة وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ اه. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: جَزَمَ ط. قَوْلُهُ: (وَاسْتَظْهَرَهُ) أَيْ كَوْنُ الْقَوْلِ لِلزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَجْهُ الظَّاهِرِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ) أَيْ وَقْتَ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا، فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً، بِخِلَافِ الاجنبي. زَيْلَعِيّ. ولمعنى التَّمْلِيكِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَتَى لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ فَلَا تُفِيدُ إلَّا عَزْلًا وَنَصْبًا وَاحِدًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ، فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا، ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْله: (يَقُول فِي عَزله رجعن إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَو عَزله ألف مرّة، لَان كلمة تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ، فَلَا يُفِيد العزلا إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا، فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ. زَيْلَعِيٌّ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا) هَكَذَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا، وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَةَ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي وَالْمُعَلَّقَةُ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ: كُلَّمَا عَزَلْتُك إلَخْ سائحاني. قَوْله: (أَو عَن شئ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ لِقَوْلِ مِسْكِينٍ: هَذَا إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ مُؤَجَّلًا جَازَ. قَوْلُهُ: (فِي الذِّمَّة) صفة لدراهم ودنانير وشئ آخَرَ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ كَانَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَوْ عَقَارًا بِدَيْنٍ. مِسْكِينٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَتَعَيَّنْ) صِفَةٌ لِعَيْنٍ: أَيْ تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا، قَوْلُهُ: (فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا، كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (قَبْل إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالْخَطَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي) لَمَّا كَانَتْ الْحُجَّةُ تَصْدُقُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُكْتَفَى بِهِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبَيِّنَةِ. سَائِحَانِيٌّ. أَيْ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْمَتْن، وَعبارَة الْمنح: بِخِلَاف مَا إِذْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إلَخْ. وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ: ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ فَكَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تصح دَعْوَى الْملَاعن نسبو وَلَدٍ نُفِيَ بِلِعَانِهِ نَسَبُهُ، لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لم يثبت فِيهِ حَقًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 وفيهَا: لَو قَالَ لَا أَعْلَمُ لِأَنَّ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّوْفِيقَ الْمَذْكُورَ مُمْكِنٌ هُنَا أَيْضًا فَلِمَاذَا لَمْ يُعْتَبَرْ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثبتَتْ بَرَاءَة ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ بالْقَوْل الْأَوَّلُ ثُمَّ يُرِيدُ شُغْلَهَا بِالثَّانِي وَلَا يُقْبَلُ ط. قَوْله: (إِن يقطع) أَيْ يُعَيِّنَ لَهُ قِطْعَةً. ط عَنْ الْحَمَوِيِّ قَوْلُهُ: (مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ) هُوَ وَسَطُ الطَّرِيقِ وَمُعْظَمُهُ ط. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَضِيقُ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمَعْدِنِ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يُقْطَعُ إذْ فِيهِ قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ طَرِيقٌ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ، وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي رَدَّهُ. كَذَا فِي نِصَابِ الْفُقَهَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ الرَّجُلِ طَرِيقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ اه ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ ذَلِكَ) إذْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ من غير أَن يحلق ضَرَرا بِأحد، أَلا تَرَ أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَكْسَهُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. مِنَحٌ. وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: فَكَذَا نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ) فَإِنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ. منح. قَوْله: (كالدئن إذَا حُبِسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمَدْيُون ط. قَوْله: (بِالضَّرْبِ) الظَّاهِر (عَلَى الْخُلْعِ) أَيْ عَلَى الْمُخَالَعَةِ مَعَهُ بِمَالٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) كَذَا عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّلَبِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْج وَهُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إِذا قرئَ: وَإِن أكرها: أَي الزَّوْج وَالْمَرْأَة: أَي أكرههما إِنْسَان اهـ. أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: أَوْ يُقْرَأُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ فَاعِلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ) أَيْ بَدَلُ الْخُلْعِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ تَارَةً يَكُونُ مَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ، وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ وَهُوَ السُّقُوطُ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِمَا يُنَاسب الثَّانِي جَمِيعًا بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ، وَسُقُوطُ الْمَالِ أَوْ لُزُومُهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الرِّضَا. قَوْلُهُ: (قَالُوا: وَهُوَ الْحِيلَةُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُخَلِّصُ لِامْرَأَةٍ تُرِيدُ أَنْ تُرْضِيَ زَوْجَهَا بِهِبَةِ الْمَهْرِ ظَاهِرًا وَهِي لَا تُرِيدُ صِحَة ذَلِك اهـ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ، وَأَقُولُ: إنَّمَا تَنْفَعُهَا هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي الْخُلْعِ لَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَة: خلع امْرَأَته بمالها عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ إنْ قَبَضَتْ: أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَتْ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا تزد عَلَيْهِ شَيْئا اهـ. وَأَقُولُ أَيْضًا: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ حِيلَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا هُوَ حِيلَةٌ لِغَيْرِهِ. فَفِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ: قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَهَبِينِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحِيلَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا مَلْفُوفًا بِمَهْرِهَا ثُمَّ تَرُدُّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَيَبْقَى الْمَهْرُ وَلَا حنث اهـ. وَفِي مُدَايَنَاتِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَلَهُ: أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْهِبَةِ ثَلَاثُ حِيَلٍ: أَحَدُهَا: شِرَاءُ شئ مَلْفُوفٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْهِبَةِ. وَالثَّانِيَةُ: صلح إِنْسَان مَعهَا عَن الْمهْر بشئ مَلْفُوفٍ قَبْلَ الْهِبَةِ. وَالثَّالِثَةُ: هِبَةُ الْمَرْأَةِ الْمَهْرَ لِابْنِ الصَّغِيرِ لَهَا قَبْلَ الْهِبَةِ، وَفِي الْأَخِيرِ نظر اهـ. فَلْيَكُنْ مَا هُنَا حِيلَةً أُخْرَى لِذَلِكَ. تَأَمَّلْ. وَإِنَّمَا لم يَحْنَث فِيمَا ذكر لعدم إمْكَانِ الْبِرِّ فِي الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَلْفُوفِ لِيُثْبِتَ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ. قَوْلُهُ: (بِرَفْعِهِ إلَى مَنْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) أَيْ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى أَنَّ قَبُولَ الْمحَال عَلَيْهِ شَرط لتَمام الْحِوَالَة كقاضي مَالِكِيٍّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْبَرْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمسَائِل مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلٍّ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا فَقِيلَ بِالْمَنْعِ، وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَخْ) أَقُولُ: الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ إذْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَعَدَّى كَوَضْعِ الْحِجْرِ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ أَجْرَى الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ إجْرَاءً لَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا ضَمِنَ، وَلَوْ يَسْتَقِرُّ فِيهَا ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ: فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسُّكْرِ وَالْإِحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ، وَإِلَّا لم يضمن اهـ. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حشيته عَلَيْهِ: أَقُول: يعلم مِنْهُ جَوَاب حَادث الْفَتْوَى: اتَّخَذَ فِي دَارِهِ بَالُوعَةً أَوْهَنَتْ بِنَاءَ جَاره لسريان المَاء إِلَى رَأسه فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ بِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَا يَسْرِيَ المَاء. تَأمل. اهـ. وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَمْ يَضْمَنْ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ. قَوْلُهُ: (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ إلَخْ) عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ عِمَارَةُ كَرْمِهَا وَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ عَنْ الْعُدَّةِ: كُلُّ مَنْ بَنَى فِي دَارِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَالْبِنَاءُ لِآمِرِهِ، وَلَوْ لِنَفْسِهِ بِلَا أَمْرِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ رَفْعُهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ، فَيُمْنَعُ وَلَوْ بَنَى لِرَبِّ الْأَرْضِ بِلَا أَمْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يكون مبترعا كَمَا مر اهـ. وَفِيهِ بَنَى الْمُتَوَلِّي فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ إنْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلِلْوَقْفِ، وَكَذَا لَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَكِنْ لِلْوَقْفِ، وَلَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ: فَإِنْ أَشْهَدَ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلِلْوَقْفِ، بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالنَّفَقَةُ دين عَلَيْهَا) لانه غير مُتَطَوّع فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا، فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يشْتَرط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 الرُّجُوعَ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَالْعِمَارَةُ لَهُ) هَذَا لَوْ الْآلَةُ كُلُّهَا لَهُ، فَلَوْ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا لَهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا. ط عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنِهَا) فَلَوْ بِإِذْنِهَا تَكُونُ عَارِيَّةً ط. قَوْلُهُ: (فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ. وَبِهِ أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قيمَة الاقل: وقأمنا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِطَلَبِهَا) الْأَوْضَحُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنْ طَلَبَتْ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ وَلَوْ عَمَرَ لَهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا) أَيْ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. وَقَالَ بَعْدَهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ: إذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ، إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ فَمَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ. كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ لَهَا فَمَاتَتْ وَادّعى أَنه كَانَ بِإِذْنِهَا لِيَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهَا بِمَا أَنْفَقَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إذْنَهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَوَجْهُهُ شَهَادَةُ الْعرف الظَّاهِر لَهُ. تَأمل اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ آنِفًا. قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَالْعُذْرُ لَهُ فِي رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ فَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ خَطَأُ النَّاقِلِ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اغْتَفَرُوا فِيهَا التَّنَاقُضَ. أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ يَكُونُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَأَفْتَى. بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا، وَخَالَفَهُ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ، وَوَقَعَ نِزَاعٌ طَوِيلٌ وَعُقِدَ لَهَا مَجَالِسُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ قَايِتْبَايْ، وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ عُرِضَتْ النُّقُولُ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ كِتَابًا. فَأَجَابَ: بِأَنَّ صَرِيحَ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقَهَا أَنَّ الثَّبَاتَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ هُوَ أَحَق أَوْ نَحْوُهُ، وَلَيْسَ فِي صَرِيحِهَا أَنَّ التَّكْرَارَ كَذَلِكَ. نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ، وَلَكِنَّ الثَّابِت على الاقرار كالمحدد لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ وَنَحْوُهُ، وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي الْمَبْسُوطِ) إلَخْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيَانُ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ (لَا يَثْبُتُ) صَوَابُهُ حَذْفُ لَا وَلَوْ قَالَ: صَرِيحُ النُّقُولِ أَنَّ التَّكْرَارَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ) أَيْ النَّزْعُ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هروبه فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 يُضَاف إِلَيْهِ التّلف، كَمَا إِذْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَضْرِبُك خَمْسِينَ) أَيْ فَأَكْثَرَ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: أَحْبِسُك شَهْرًا أَوْ أَضْرِبُك ضَرْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ لِلْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِخَوْفِ التَّلَفِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِكْرَاهِ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَدَفَعَهُ) أَمَّا إذَا دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُهُ ط. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ: أَيْ الْأَخْذَ مِنْهُ كَرْهًا، هَلْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْيَمِينِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بُرْهَانٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ؟ حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَمِينًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْهَلَاك. تَأمل. قَوْله: (الاجازة تحلق الْأَفْعَالَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَائِلَ كِتَابِ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ: (فَأَجَازَ الْمَالِكُ غَصْبَهُ) الَّذِي فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، غَصَبَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ قَبْضَهُ إلَخْ، وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِهِ (غَصَبَهُ) قَوْلُهُ: (لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَحْفَظْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ ينْتَفع بِهِ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ وَدَامَ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَنْزِعَهُ وَيَحْفَظَهُ، أَمَّا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ وَحَفِظَهُ فَأَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنه يبرأ، لانصه بدوامه عَلَى الِانْتِفَاعِ بَعْدَ الْأَمْرِ مُتَعَدٍّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَأَفَادَ ط نَحْوَهُ. قَوْلُهُ: (وَضَعَ مِنْجَلًا) بِكَسْرِ الْمِيم مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا وَالْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ. وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ حَيْثُ قَالَ: وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَ الذَّبْحِ أَوْ الرَّمْيِ لِصَيْدٍ أَوْ الْإِرْسَالِ أَوْ حَالَ وَضْعِ الْحَدِيدِ لِحِمَارِ الْوَحْشِ إذَا لم يقْعد عَن طلبه اهـ. وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي كِتَابِ الصَّيْدِ. قَوْلُهُ: (كُرِهَ تَحْرِيمًا) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّمُ حَرَامٌ وأكره السِّتَّة، وَذَلِكَ لقَوْله عزوجل: * (حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم) * الْآيَةَ، فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِم الْخَبَائِث) * زَيْلَعِيٌّ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ آخِرَ كِتَابِ الذَّبَائِحِ: وَمَا روعن مُجَاهِدٍ فَالْمُرَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ السِّتَّةِ وَبَيْنَ الدَّمِ فِي الْكَرَاهَةِ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ مُحَرَّمٌ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الدَّمُ حَرَامٌ وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، فَأَطْلَقَ الْحَرَامَ عَلَى الدَّمِ، وَسَمَّى مَا سِوَاهُ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) * (الْأَنْعَام: 541) وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ مَا سِوَاهُ مِنْ السِّتَّةِ فَمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ أَوْ الْحَدِيثِ، فَلِذَا فَصَّلَ فَسَمَّى الدَّم حَرَامًا وَذَا مَكْرُوها اهـ. أَقُول: وَظَاهر إطلا الْمُتُونِ هُوَ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ تَنْزِيهًا) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ أَوْ الْغُدَّةَ لَوْ طُبِخَ فِي الْمَرَقَةِ لَا تُكْرَهُ الْمَرَقَةُ، وَكَرَاهَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيم اهـ. وَاخْتَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَكْلُ الْمَرَقَةِ وَاللَّحْمِ اهـ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ وَأَقَرَّهُ، قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْإِمَامِ بِالْآيَةِ، وَأَيْضًا فَكَلَامُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الْمُتُونِ وَكَلَامُ الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّاةِ) ذِكْرُ الشَّاةِ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ ط. قَوْلُهُ: (الْحَيَاءُ) هُوَ الْفَرْجُ مِنْ ذَوَاتِ الْخُفِّ وَالظِّلْفِ وَالسِّبَاعِ، وَقَدْ يُقْصَرُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَالْغُدَّةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: كُلُّ عُقْدَةٍ فِي الْجَسَدِ أَطَافَ بِهَا شَحْمٌ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ صُلْبَةٍ بَيْنَ الْعَصَبِ وَلَا تَكُونُ فِي الْبَطْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَمَّا الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (فِي بَيت) وَقَبله آخَرُ ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَهُوَ: وَيُكْرَهُ أَجْزَاءٌ من الشَّاة سَبْعَة فَخذهَا فق أَوْضَحْتهَا لَك بِالْعَدَدْ قَوْلُهُ: (فَقُلْ ذَكَرٌ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْدُودُ سِتَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْتِ حَيَا ذَكَرٌ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ، وَمِثْلُهُ قَوْلِي: إِن الَّذِي من المذكاة رمي بجمعه حُرُوف فَخذ مدغم قَوْله: (إِذْ مَا ذُكِّيَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالتَّاءُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ. قَوْله: (واللقطعة) قَيده بَعضهم بِغَيْر لقطعة الذِّمِّيّ فَلَيْسَ للْقَاضِي إقراضها لقَولهم لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا بَلْ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ قُرْبَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ من أهل الْقرب اهـ. وَأَطْلَقَ فِي إقْرَاضِهِ اللُّقَطَةَ فَشَمَلَ إقْرَاضَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاء) حَيْثُ قَالَ من ملئ مُؤْتَمَنٍ حَيْثُ لَا وَصِيَّ، وَلَا مَنْ يَقْبَلُهُ مُضَارَبَة وَلَا مستغلا يَشْتَرِيهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَصِيَّ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا، وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَبِ إلَخْ) فَإِنْ أَقْرَضُوا ضَمِنُوا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّحْصِيلِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَيُسْتَثْنَى إقْرَاضُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا. بَحْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْقَضَاءِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مصححين، وَعَلِيهِ الْمُتُون، فَكَانَ الْمُعْتَمد كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَنْشَدَهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا كَالْقَاضِي، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْإِقْرَاضِ بِالتَّصَدُّقِ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (فَإِقْرَاضُهُ أَوْلَى) أَي إقرضه مِنْ فَقِيرٍ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ تَوْجِيهِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ: وَظَاهِرُ التَّوْجِيهِ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ الامام قاضيخان أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْجَمِيعُ، فَلِذَا قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْبَعْضِ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُ فِي الْجُمْلَةِ إلَخْ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (بِهَذَا الْبَعْضِ) أَيْ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ من التبعيضة. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ شَرْعًا) أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. مِنَحٌ. فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعَامَلُونَ شَرْعًا مُعَامَلَةَ آبَائِهِمْ، أَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ عَشَرَةٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ التَّوَقُّفُ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصْدُقْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى كَوْنِ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا مُعَذَّبِينَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ. مِنَحٌ. أَيْ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ قَائِل) أَي هَل يُوجد قَائِل، وَالْجُمْلَة بعد مَقُولُ الْقَوْلِ، وَكَافِرٌ فَاعِلُ يَدْخُلُ. قَوْلُهُ: (فَفِي الْبَيْتِ سُؤَالَانِ) وَهُمَا عَدَمُ دُخُولِ النَّارِ كَافِرٌ وَدُخُولُ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُ قَائِلِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْميل لما يمْنَع، وسيما عِنْد وجود الْقَرِينَة، فإرادة الْإِلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِامْرَأَةٍ مَازِحًا: إنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ. قَوْلُهُ: (قُلْت هَذَا) أَيْ مَا فِي الشَّطْرِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ الْأَوَّلُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ الْمُسَاوِي لِمَا فِي الشَّطْرِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ) أَيْ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَالضَّمِيرُ فِي نَقْلِهِ لِكَلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، وَفِي قَضَى وَنَفْسِهِ لِلْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ. قَوْلُهُ: (آلَمَهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ الْإِيلَامِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِتَشْدِيدٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ) أَيْ الْمَعْرِفَةِ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَحُكْمًا) الْحُكْمِيُّ بِقطع لاكثر وَلَمْ يُوجَدْ ط. قَوْلُهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 (حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ) كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ، مِسْكِينٌ. أَوْ وَقْتُهُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ بَاكِيرٍ عَلَى الْكَنْزِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَعْلُومٍ) أَيْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ، وَقَدْ عَدَلَ الشَّارِحُ عَمَّا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ، لِيَكُونَ الْمَتْنُ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَعَادَةِ الْمُتُونِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: سَبْعٌ) لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ، حَتَّى يكون أبلغ من التَّنْظِيفِ. قَالَهُ فِي الْكَافِي. زَادَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ، لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: عَشْرٌ) لِزِيَادَةِ أَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَشْبَهُ) أَيْ بِالْفِقْهِ. زَيْلَعِيٌّ. وَهَذِهِ مِنْ صِيَغِ التَّصْحِيحِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ وَتَفْوِيضُهَا إلَى الرَّأْيِ. تَأَمَّلْ. وَنَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ تَأْيِيدًا لِمَا اخْتَارَهُ أَوَّلًا فَلَا تَكْرَارَ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الصَّاحِبَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ) الصَّوَابُ خِفَاضُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي حَقِّ الْمَرْأَة ختان وَإِنَّمَا يُقَال: خِفَاضٌ. حَمَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (بَلْ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ) لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: سُنَّةٌ) جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَن الْخُنْثَى تختن، وَلَو كَانَ ختانعا مَكْرُمَةً لَمْ تُخْتَنْ الْخُنْثَى، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً، وَلَكِنْ لَا كَالسُّنَّةِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ اهـ. أَقُول: ختان الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا، وَخِتَانُ الرَّجُلِ لَا يُتْرَكُ فَلِذَا كَانَ سُنَّةً احْتِيَاطًا، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ سُنِّيَّتَهُ لِلْمَرْأَةِ. تَأَمَّلْ. وَفِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: اعْلَمْ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاجِبٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مُسْتَحَبٌّ لِلنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: خِتَانُ الرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَخِتَانُ النِّسَاءِ مكرمَة. لَو كَانَ للصَّبِيّ ذكران: ح فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ خُتِنَا، وَلَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ خُتِنَ خَاصَّةً. وَيُعْرَفُ الْعَامِلُ بِالْبَوْلِ وَالِانْتِشَارِ. وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُخْتَنُ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِيَقَعَ الْيَقِينُ. وَأُجْرَةُ خِتَانِ الصَّبِيِّ عَلَى أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ مَخْتُونٍ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ هَدَرٌ لِمَوْتِهِ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شرعا اهـ. مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الرُّسُلِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَامًا وَحَنْظَلَةَ مُرْسَلَانِ ط. قَوْلُهُ: (شِيثٌ إدْرِيسُ) بِلَا تَنْوِينٍ كَسَامَ وَهُودَ. تَتِمَّةٌ: قِيلَ: السَّبَبُ فِي الْخِتَانِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالتَّرْوِيعِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ أَحَبَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَرْوِيعًا بِقَطْعِ عُضْوٍ وإراقة دم، وابتلي بِالصَّبْرِ عَلَى إسْلَامِ الْآبَاءِ أَبْنَاءَهُمْ تَأَسِّيًا بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ مِائَةٍ وَعشْرين، والاول أصح. وَجمع باين الْأَوَّلَ مِنْ حِينِ النُّبُوَّةِ، وَالثَّانِي مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ، وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ. اسْمِ مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: آلَةُ النَّجَّارِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ فِي وِلَادَةِ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَآله مختونا، وَلم يَصح فِيهِ شئ، وَأَطَالَ الذَّهَبِيُّ فِي رَدِّ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ تَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ ضَعْفُ الْحَدِيثِ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحُفَّاظِ: الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مَخْتُونًا. قَوْلُهُ: (وَبَطُّ قُرْحَتِهِ) أَيْ شَقُّهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مِنْ الْكَيِّ وَالْبَطِّ. قَوْلُهُ: (وَهِرَّةٍ تَضُرُّ) كَمَا إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَذْبَحُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلْبَ مِثْلُهَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ إحْرَاقُ جَرَادٍ) أَيْ تَحْرِيمًا، وَمِثْلُ الْقَمْلِ الْبُرْغُوثُ، وَمِثْلُ الْعَقْرَبِ الْحَيَّةُ ط. قَوْلُهُ: (وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ لَيْسَ بِأَدَبٍ) لِأَنَّهَا تُؤْذِي غَيْرَهُ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ، وَفِيهِ تَعْذِيب لَهَا بجوعها ط. أما الرغوث فَيَعِيشُ فِي التُّرَابِ. قَوْلُهُ: (وَجَازَتْ الْمُسَابَقَةُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إِلَّا إِيجَاب المَال للعير عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يجوز اهـ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالرَّمْيُ) أَيْ بِالسِّهَامِ. قَوْلُهُ: (لِيَرْتَاضَ لِلْجِهَادِ) أَفَادَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَظْر، وَأَنه للتهلي مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ أَيْ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَهْوًا لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَدْخَلَ مُحَلِّلًا) الْمُنَاسِبُ أَدْخَلَا وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَا لِثَالِثٍ: إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِن سبقناك فَلَا شئ لَنَا عَلَيْك، وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِن غلباه فَلَا شئ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفُؤًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ جَزَمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ كَالْفَرَسِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيرهمَا أقره الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَتَقَدَّمَ تَمام الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ) . حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِاثْنَيْنِ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ، فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ، فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ؟ وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ، وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ، إذْ التَّعَلُّمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ زِيَادَةُ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمن يتَصَوَّر مِنْهُ خطابا وَالذُّنُوبُ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيم النَّبِي صلى اله عَلَيْهِ وَآله. زَيْلَعِيٌّ. وَاخْتُلِفَ هَلْ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ الثَّانِي، لَكِن خُطْبَةِ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ: مَنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ أَثِمَ وَكُرِهَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى: وَحَدِيثِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى الصَّلَاة حَقه، فلع أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ ابْتِدَاءً، أَمَّا الْغَيْرُ فَلَا اهـ. وَأَمَّا السَّلَامُ فَنَقَلَ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ عَنْ الْإِمَامِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَائِبِ وَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُقَالُ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، إلَّا فِي الْحَاضِرِ فَيُقَالُ: السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْك أَو عَلَيْكُم، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: وَمِنْ الْحَاضِرِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ السَّلَام مَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي عِلَّةِ مَنْعِ الصَّلَاةِ أَنَّ ذَلِكَ شعار أهل الْبدع، ولان ذَلِك مَخْصُوص على لِسَانِ السَّلَفِ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا أَن قَوْلنَا عزوجل مَخْصُوص بِاللَّه تَعَالَى، فَلَا يُقَال: مُحَمَّد عزوجل وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ، كَمَا يَخْتَصُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ، وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِالْغُفْرَانِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ) * (الْمَائِدَة: 9) * (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالايمان) * (الْحَشْر: 10) وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْر الاول، وَإِنَّمَا حَدثهُ الرَّافِضَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَالتَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيّ عَنهُ فَتجب مخالفتهم اهـ. أَقُول: وَكَرَاهَة التَّشَبُّه بِأَهْل الْبدع مُقَرر عِنْدَنَا أَيْضًا، لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (قَوْلَانِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ، وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ رَحِمَهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. زَيْلَعِيٌّ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقُولُ: ارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ لِلتَّوَارُثِ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ أَحَدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ الله تَعَالَى اهـ. قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَهُ السُّيُوطِيّ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا) أَيْ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا وَحْدَهُ، فَيَجُوزُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَا يَجُوزُ ارْحَمْ مُحَمَّدًا بِدُونِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ، فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ابْتِدَاء رَحْمَة الله اهـ ط: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وسمحه لما فِيهِ من إِيهَام نقص اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ عَبْدَهُ بِمَا أَرَادَ، كَمَا لَا يَلِيقُ أَنْ تُخَاطِبَ الرَّعِيَّةُ الْأُمَرَاءَ بِمَا تُخَاطِبُهُمْ بِهِ الْمُلُوكُ، وَلم أرى مَنْ تَعَرَّضَ لِلتَّرَحُّمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا، فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ ملْء الْأَرْضِ ذَهَبًا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نبوته) قَالَ الننوي: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا: أَيْ الدُّعَاءَ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّ الْأَرْجَحَ أَنْ يُقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَرْتَبَةٌ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلم يثبت كَونهمَا نبيين اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ. وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْإِثْمِ بِهِ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُقَالُ إلَخْ) أَيْ لِتَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ تَبَعًا فَيَكُونُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْعُبَّادِ) بِالضَّمِّ جَمْعُ عَابِدٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ: وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ. تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ الْجَدَلُ فِي أَنَّ لُقْمَانَ وَذَا الْقَرْنَيْنِ وَذَا الْكِفْلِ أَنْبِيَاءٌ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلُ الانسان ع مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ: كَيْفَ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله علايه وَآله، حِين رَآهُ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ هَلْ بَقِيَ مَلَكًا أَمْ لَا؟ وَأَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَمَتَى السَّاعَةُ وَنُزُولُ عِيسَى؟ وَإِسْمَاعِيلُ أَفْضَلُ أَمْ إِسْحَاقُ وَأَيُّهُمَا الذَّبِيحُ؟ وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ أَمْ لَا؟ وَأَبَوَا النَّبِيِّ كَانَا عَلَى أَيِّ دِينٍ؟ وَمَا دِينُ أَبِي طَالِبٍ؟ وَمَنْ الْمَهْدِيُّ؟ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ، وَلَمْ يَرِدُ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَيَجِبُ ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله بِأَسْمَاءٍ مُعَظَّمَةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَقير غَرِيب مِسْكين فريد طوبل، وَيَجِبُ تَعْظِيمُ الْعَرَبِ خُصُوصًا أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، مَقْدِسِيٌّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) بِأَنْ يُقَالَ هَدِيَّةُ هَذَا الْيَوْمِ، وَمِثْلُ الْقَوْلِ النِّيَّةُ فِيمَا يَظْهَرُ ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 وَالنَّيْرُوزُ: أَوَّلُ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: أَوَّلُ الْخَرِيفِ، وَهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا بَعْضُ الْكَفَرَةِ وَيَتَهَادَوْنَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (ثمَّ أهْدى لِمُشْرِكٍ الخ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّخَذَ مَجُوسِيٌّ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ فَحَضَرَ مُسْلِمٌ دَعْوَتَهُ فَأَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا لَا يَكْفُرُ، وَحُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ مَجُوسِي سَرْبَلَ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ حَسَنَ التَّعَهُّدِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَاِتَّخَذَ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ، فَشَهِدَ دَعْوَتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْدَى بَعْضُهُمْ إلَيْهِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مُفْتِيهِمْ، فَكَتَبَ إلَى أُسْتَاذِهِ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ أَنْ أَدْرِكْ أَهْلَ بَلَدِك فَقَدْ ارْتَدُّوا وَشَهِدُوا شِعَارَ الْمَجُوسِيِّ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّ إجَابَةَ دَعْوَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُطْلَقَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ مِنْ الْمُرُوءَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَالْحُكْمُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ، وَالْأَوْلَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُوَافِقُوهُمْ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لاظهار الْفَرح وَالسُّرُور اهـ. قَوْلُهُ: (وَالتَّنْعِيمِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالتَّنَعُّمِ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ) مِنْ الْبُؤْسِ: أَيْ لَا شِدَّةَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْبَأْسِ وَهُوَ الْجَرَاءَةُ: أَيْ لَا جَرَاءَةَ فِي مُبَاشَرَتِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ لَا يُؤْجَرُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ. حموي عَن الْمِفْتَاح اهـ ط. أَقُولُ: وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (الْقَلَانِسِ) جَمْعِ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ: ذَاتِ الْآذَانِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ. ط. قَوْلُهُ: (غَيْرِ حَرِيرٍ إلَخْ) رَدَّ عَلَى مِسْكِينٍ حَيْثُ قَالَ: لَفْظُ الْجَمْعِ يَشْمَلُ قَلَنْسُوَةَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَبِسَهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: أَيْ لَبِسَ الْقَلَانِسَ، وَقَدْ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّيْلَعِيُّ إلَى الذَّخِيرَةِ، وَفِي بَعْضِ النّسخ: وَصَحَّ أَنه حرم لبسهَا: أَي قرنس الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللف لعمامته يَنْبَغِي لَهُ أَن ينقضها كَوْرًا كَوْرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ الرَّأْسِ وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ: إيَّاكُمْ وَالْأَحْمَرَ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ: إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ إلَخْ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ يَتَرَدَّى بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَيْكُمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ. وَمُحَمَّدٌ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ وَيَقُولُ: إنَّ لِي نسَاء وجواري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 فأزين نَفسِي كَيْلا ينظرن إلَى غَيْرِي، قِيلَ لِلشَّيْخِ: أَلَيْسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا عَلَيْهِ كَذَا رُقْعَةً؟ فَقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ هِيَ أَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَّالُهُ يَقْتَدُونَ، وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ مَالٌ فَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ) تَبِعَ الْمُصَنِّفَ، وَاَلَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَلْفٌ دِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ تَالِيَةُ الْإِيمَانِ. زَيْلَعِيٌّ. وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِحُرْمَةِ تَقَدُّمِ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَالِمِ، حيثخ أشعر بِنزل دَرَجَته عِنْد الْعَامَّة لمُخَالفَته لقَوْله تَعَالَى: * (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعلم دَرَجَات) * إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَالْمُتَقَدِّمُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَيُعَزَّرُ. قَوْلُهُ: (فَمَنْ يَضَعُهُ) أَيْ يَضَعُ الْعَالِمَ. قَوْلُهُ: (وَهُمْ أولُوا الْأَمْرِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: * (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) * كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقَالَ الزندويستي: حَقُّ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَحَقُّ الْأُسْتَاذِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَاحِدٌ عَلَى السَّوَاءِ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَحَ الْكَلَامَ قَبْلَهُ، وَلَا يَجْلِسَ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ، وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ، وَعَنْ خَلَفٍ أَنَّهُ وَقَعَتْ زَلْزَلَةٌ فَأَمَرَ الطَّلَبَةَ بِالدُّعَاءِ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: خَيْرُهُمْ خَيْرٌ مِنْ خَيْرِ غَيْرِهِمْ، وَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنْ شَرِّ غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (جَازَ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَقَدْ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي امْرَأَتِي كَمَا يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله فَعَلَهُ فِي عُمْرِهِ، وَالْأَصَحُّ لَا. وَفَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُف، أما بالجمرة فَهُوَ سنة الرِّجَال وسيما الْمُسلمين اهـ. مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْأَكْمَلِ: وَالْمُخْتَارُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَآله خَضَّبَ فِي وَقْتٍ، وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ. وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الصَّبْغَ بِالْحِنَّاءِ وَالْوَسْمَةِ حَسَنٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خِضَابِ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ، وَتَحْرِيمُ خضابه بِالسَّوَادِ على الاصح لقَوْل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَاجْتَنِبُوا السوَاد. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْغُزَاةِ، وَلَا يحرم فِي حَقهم لِلْإِرْهَابِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمَلٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ط. قَوْلُهُ: (كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا فِي الصَّحِيحِ) قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ: أَيْ فَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَكَبُّرٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: لَا آكُلُ مُتَّكِئًا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ عَنْ النَّسَائِيّ قَالَ: مَا رئي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ. لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ أَكَلَ مُتَّكِئًا مَرَّةً، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ زِيَادَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 مَقْبُولَةٌ، وَيُؤَيِّدُهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ شَاهِينَ عَن عشَاء بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ. وَفَسَّرَ الْأَكْثَرُونَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْآكِلِ، وَوَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: زَجْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاتِّكَاءِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يخْتَص بِصفة بِعَينهَا اهـ. مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله أَكَلَ مُتَّكِئًا فَقَدْ تَرَكَهُ لِمَا نَهَى عَنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ. نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَامٌّ. قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الاتكار، فَقِيلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَقِيلَ أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ. وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَالْمُتَعَظَّمِينَ، وَأَنَّهُ أَدْعَى إلَى كَثْرَةِ الْأَكْلِ، وَأَحْسَنُ الْجِلْسَاتِ لِلْأَكْلِ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْوَرِكَيْنِ وَنصب الرُّكْبَتَيْنِ، ثمَّ الجثي على الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُور الْقَدَمَيْنِ، ثمَّ نَصْبُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَلْدَةٍ بِهَا الطَّاعُونُ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ أَوْ دَخَلَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ ط. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) هَذَا فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ، لِأَنَّ نَفْعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْجِهَادِ حَيْثُ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَوْلُهُ: (قَضَى الْمَدْيُونُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ حُلُول الا جبل يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبَاعَهُ لِآخَرَ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ هُوَ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا قَضَاهُ بعد تَمام أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا يَأْخُذُ خَمْسَةً، وَيَتْرُكُ خَمْسَةً ط. أَقُول: وَالظَّاهِر أم مِثْلَهُ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَّلَ ذَلِكَ، فَيُحْسَبُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى فَقَطْ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ الْحَانُوتِيُّ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّهَا فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَوجه أَن الرِّبْح فِي مُقَابلَة الاجل، لانه الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا يُقَابِلُهُ شئ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ اعْتَبَرُوهُ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، فَلَوْ أَخَذَ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْحُلُولِ كَانَ أَخْذُهُ بِلَا عِوَضٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 كِتَابُ الْفَرَائِضِ مُنَاسَبَتُهُ لِلْوَصِيَّةِ أَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلِوُقُوعِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَعْدَهُ وَلِذَا أُخِّرَ عَنْهَا، ثُمَّ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَهِيَ مَا يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَفَرَائِضُ الْإِبِلِ مَا يفْرض كنت مَخَاض فِي خمسژ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهَا كُلُّ مُقَدَّرٍ فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا، ثُمَّ قيل للْعلم بمسائل الْمِيرَاث علم الْفَرَائِض، للْعَالم بِهِ فَرضِي وفارض وفراض. مغرب. قَوْلُهُ: (هِيَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ إلَخْ) أَيْ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ تُعَرِّفُ: أَيْ تِلْكَ الْأُصُولُ حَقَّ كُلٍّ: أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ: أَيْ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ الْأُصُولُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ، بَلْ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ، إذْ بِدُونِهَا لَا تُعْرَفُ الْحُقُوقُ، وَلِذَا قَالُوا: مَنْ لَا مَهَارَةَ لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ فَرِيضَةً، وَدَخَلَ فِيهَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْوَارِثِ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةً أَوْ ذَا رَحِمٍ، وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالضَّرْبِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْعَوْلِ وَالرَّدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَافْهَم. وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ كَمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ وَذُو الرَّحِمِ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرٍ غَيْرِ صَرِيحٍ، وَمَوْضُوعُهُ: التَّرِكَاتُ، وَغَايَتُهُ: إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: وَارِثٌ، وَمُورَثٌ، وَمَوْرُوثٌ. وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ مُوَرِّثٍ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَفْقُودٍ، أَوْ تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ فِيهِ غُرَّةٌ وَوُجُودُ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيًّا حَقِيقَةً، أَو تَقْديرا كالحمل وَالْعلم بِجَهْل إِرْثه. وأسبابه وموانعه ستأتي، وأصوله ثَلَاث: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ فِي إرْثِ (1) أُمِّ الْأُمِّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي إرْثِ أم الاب بِاجْتِهَاد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي عُمُومِ الْإِجْمَاعِ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ فِي أُمِّ الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ. أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ) الْأَوْلَى قَدَّرَهُ كَمَا قَالَ الريلعي لِأَنَّهُ مَعْنَى الْفَرْضِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة) * (الْحَج: 78) ، * (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) * (آل عمرَان: 97) ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ) أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَشْمَلُ الْإِجْمَاعَ، وَاحْترز بِهِ على الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ لِخَفَاءِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي التَّخْصِيصِ بِمِقْدَارٍ دُونَ آخَرَ، ثُمَّ إنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَتِهِ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: وَجْهِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَقِيلَ: أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَتَصْدُقُ بِأَنَّهُ نِصْفُ الْعلم، وَلَا نبحث عَن وَجهه.   (1) قَوْله: (فِي إِرْث الام بِشَهَادَة إِلَخ) أَي بِشَهَادَتِهِمَا لَدَى عمر على تَوْرِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله لَام الام وَلم يرد توريثهما فِي كتاب الله تَعَالَى اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْجُهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ قسمي الشئ، فَإِن كل شئ تَحْتَهُ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا نِصْفٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ عَدَدُهُمَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ الطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ الْعَرَبِ: نِصْفُ السَّنَةِ حَضَرٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ: أَيْ تَنْقَسِمُ زَمَانَيْنِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ عِدَّتُهُمَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ: أَصْبَحْت وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ رَاضٍ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: إذَا مِتّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ رَاضٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ نِصْفُ الْوُضُوءِ: أَيْ أَنَّهُ نَوْعَانِ مُطَهِّرٌ لِبَعْضِ الْبَاطِنِ، وَمُطَهَّرٌ لِبَعْضِ الظَّاهِرِ. أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ. قَوْله: (بِالنَّصِّ) أرد بِهِ مَا يَعُمُّ الْإِجْمَاعَ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِالضَّرُورِيِّ) أَيْ الْإِرْثِ، وَالِاخْتِيَارِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ زُفَرَ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ فَقَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَعْتِقُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بَعْدَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الْوَارِثُ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ مَوْلَاهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ البيري عَن السِّرَاجِيَّة. أَقُولُ: وَبِهِ تَظْهَرُ فَائِدَةُ تَصْوِيرِهَا بِالزَّوْجِ، وَإِلَّا فتعليف الْعِتْقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي) وَكَذَا ذَكَرَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى عَن التاترخانية أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (الْخَالِيَةِ إلَخْ) صفة كاشفة، لَان التَّرِكَة فِي الِاصْطِلَاح مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنْ الْأَمْوَالِ صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنٍ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي شُرُوح السِّرَاجِيَّة. وَاعْلَم أَنه يدْخل التَّرِكَةِ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ أَوْ بِانْقِلَابِ الْقِصَاصِ مَالًا بِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمَيِّتِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (بِعَيْنِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّقَ. قَوْلُهُ: (كَالرَّهْنِ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي تعلق بهَا حق الْغَيْر، فَإِذا رَهَنَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ فَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شئ صُرِفَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ الْجَانِي) أَيْ فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ وَلَا مَالِ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمَوْلَى، إلَّا أَن يفضل بعد أرش الْجِنَايَة شئ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْجَانِي هُوَ الْمَرْهُونَ قد حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ عَلَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَمُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، ذَكَرَهُ يَعْقُوبْ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ) أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ قَدَّمَ الْغُرَمَاءَ عَلَى التَّجْهِيزِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَاتَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ مِنْ تَجْهِيزِ المُشْتَرِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 قَالَ يَعْقُوبْ بَاشَا: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَاتَ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِرُجُوعِهِ لَا مُطْلَقًا، بَلْ إِذا لم يتَعَلَّق بِهِ شئ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ الْمُشْتَرَى أَوْ رَهَنَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ أَوْ جَنَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ أَوْ فُدِيَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ لزوَال ذَلِك الْمَانِع اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ ط عَنْ حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ عَلَى شَرْحِ السَّيِّدِ. ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ عندنَا: اهـ: أَيْ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ إلَّا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مَأْخُوذ من كتب الشَّافِعِيَّة فلينتبه لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْآجِرُ صَارَتْ الدَّارُ هُنَا بالاجرة سيد. قَالَ ط: وَزَاد فِي رُوحِ الشُّرُوحِ عَلَى مَا ذُكِرَ الْعَبْدُ الَّذِي جُعِلَ مَهْرًا: يَعْنِي إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ أَي فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِ الزَّوْجِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى مُقَدَّمٌ عَلَى تَجْهِيزِ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الاعيان، وأصل أَن كَا حَقٍّ يُقَدَّمُ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ فِي الْوَفَاةِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. وَتَقْدِيمُهَا عَلَى التَّجْهِيزِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ وَكَذَا شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَالسِّرَاجِيَّةُ، بَلْ حَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ السِّرَاجِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَقْدِيمُ التَّجْهِيزِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: مَنْظُورٌ فِيهِ، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ يُفِيدُ أَنه لَيْسَ بتركة أصلا إِ هـ: أَيْ فَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ التَّرِكَةِ بِالتَّجْهِيزِ. قَوْلُهُ: (بِتَجْهِيزِهِ) وَكَذَا تَجْهِيزُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَوَلَدٍ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَكَزَوْجَتِهِ وَلَوْ غَنِيَّةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (يَعُمُّ التَّكْفِينُ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ السِّرَاجِيَّةِ: يَبْدَأُ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ) التَّقْتِيرُ هُوَ التَّقْصِيرِ، وَالتَّبْذِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْهُورِ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ الْإِسْرَافَ صرف الشئ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي. صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ يَعْقُوبَ. وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بالاسراف بدل التبذير وموافقا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) * (الْفرْقَان: 67) لَكِنَّهُ رَاعَى الْمَشْهُورَ. قَوْلُهُ: (كَكَفَنِ السُّنَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: ثُمَّ الْإِسْرَافُ نَوْعَانِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بِأَنْ يُزَادَ فِي الرَّجُلِ على ثَلَاثَة أَبْوَاب، وَفِي الْمَرْأَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا قِيمَتُهُ تِسْعُونَ وَقِيمَةُ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ سِتُّونَ مَثَلًا، وَالتَّقْتِيرُ أَيْضًا نَوْعَانِ عكس الاسراف عددا وَقِيمَة إِ هـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا الْعَدَدُ، وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ؟ قَوْلَانِ: وَالصَّحِيحُ نَعَمْ. دُرٌّ مُنْتَقًى: أَيْ فَيُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ ثَوْبَانِ لِلرَّجُلِ وَثَلَاثَةٌ لِلْمَرْأَةِ. ابْنُ كَمَالٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ، أَو من الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ هَلَكَ كَفنه الخ) قَالَ فِي سكب الانهر: وَإِذ نُبِشَ قَبْرُ الْمَيِّتِ وَأُخِذَ كَفَنُهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَوْ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا مَا دَامَ طَرِيًّا، وَلَا يُعَادُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَسَّخَ يُلَفُّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ قد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 قَبَضُوا التَّرِكَةَ، فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ قد قُسِمَ مَالُهُ فَعَلَى كُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ وَلَا تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى قَبُولِ كَفَنِ مُتَبَرِّعٍ لِأَنَّ فِيهِ لُحُوقَ الْعَارِ بِهِمْ، إلَّا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَحِينَئِذٍ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يختاروت الْقيام بِأَنْفسِهِم، فَحِينَئِذٍ هم أولى بِهِ اهـ: أَيْ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالِ الصِّحَّة ط. وَقد يرجح بعضه على بعض كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى، وَكَالدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ فَهُمَا سَوَاءٌ، كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ، كَإِقْرَارِ مَنْ خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ أَوْ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ لِيُرْجَمَ. ط عَنْ عَجَمْ زَادَهْ. قَوْلُهُ: (إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ) أَمَّا إذَا عُلِمَ بِأَنْ أَقَرَّ فِي مَرضه بدين علم ثُبُوته بطرِيق المعانية، كَمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، فَلِذَلِكَ ساواة فِي الحكم اهـ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا لَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ بِدُونِ إذْنِهِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) أَيْ الْفَاضِلِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَن دين الْعِبَادَة فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَقَدَّمَتْ وَصيته) أَي عَلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ، حَتَّى إذَا سُلِّمَ لَهُ شئ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا مَا فضل عَنْهُمَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُطْبَقَةً عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا قَالَهُ السَّيِّد غَيره. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبْعِهِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِشُيُوعِهَا فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ لَا مقدما عَلَيْهِم، وَيدل على شيوع حَقه كَحَقِّ الْوَارِثِ أَنَّهُ إذَا زَادَ الْمَالُ بَعْدَ الْوَصِيَّة زَاد فِي على الْحَقَّيْنِ، وَإِذا نقض نقض عَنْهُمَا، حَتَّى إذَا كَانَ مَالُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ مَثَلًا أَلْفًا ثُمَّ صَارَ أَلْفَيْنِ فَلَهُ ثُلُثُ الالفين، وَإِن انعكس فَلهُ ثلث الالف اهـ. قَالَ الْأَكْمَلُ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَعَهُ، فَإِنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ بِجَعْلِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ مُتَعَلِّقًا بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَيَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَارِثِ بِصُورَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيمًا عَلَى الْوَرَثَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ تَقْدِيم اهـ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ يَزْدَادُ نَصِيبُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا بِحَسَبِ الْمَالِ، وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا يَخْرُجُ نَصِيبُ الْوَارِثِ وَيُقَدَّمُ عَلَى قسْمَة التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة لما تلونا اهـ. وَالْحَاصِل: أَنه لَا خلاف فِي تَقْدِيم الْوَصِيّ بِعَيْنٍ كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ مَثَلًا، بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا، فَتُفْرَزُ وَحْدَهَا وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مَا سِوَاهَا. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ: فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا شائعة فِي التَّرِكَة بِزِيَادَتِهَا، وَبِالْعَكْسِ قَالَ: لَا تَقْدِيمَ فِيهَا بَلْ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ دَائِمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْأَخْذِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ قَالَ: إنَّهَا مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْرِزْ نَصِيبَهُ أَوَّلًا بَلْ اُعْتُبِرَ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ لَزِمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مَعَهُمْ كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَة مثلا وَيلْزم مِنْهُ الْخلَل، ومثلا لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأَوْصَتْ بِالثُّلُثِ لِزَيْدٍ فَيَخْرُجُ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ أَوَّلًا، فَيَأْخُذُ زَيْدٌ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْ سَبْعَةٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تُقْسَمَ التَّرِكَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، فَيَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ اثْنَيْنِ، وَالزَّوْجُ ثَلَاثَةً، وَالشَّقِيقَتَانِ أَرْبَعَةً، فَيَنْقُصَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يُسَلِّمُ مَا قَالَهُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ إخْرَاجَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا هَلْ يُسَمَّى تَقْدِيمًا أَمْ لَا؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ السَّابِقُ، وَكَذَا كَلَام صَاحب الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي الْقَوْلِ بِالْمُشَارَكَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ يُقَدَّمُ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُشَارَكَةِ وَالتَّقْدِيمِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ الَّذِي هُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. قَوْلُهُ: (فِي الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى: * (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَن دَيْنٍ) * (النِّسَاء: 11) . قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ) لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِلَا عِوَضٍ فَتَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَا تَطِيبُ نُفُوسُهُمْ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرًّا وَطَاعَةً، وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الزَّمَخْشَرِيّ. قَوْلُهُ: (بَلْ خَامِسًا) بِاعْتِبَارِ الْبُدَاءَةِ قَبْلَ التَّجْهِيزِ بِعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ فَهِيَ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ. قَوْلُهُ: (يُقْسَمُ الْبَاقِي) لَمْ يقل يقدم كَمَا قَالَ فِي سَابِقِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يقدم عَلَيْهِ. قَوْله: (أَي الدّين ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ) أَيْ الْقُرْآنِ، وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ. قَوْلُهُ: (أَوْ السُّنَّةِ) أَوْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَتَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا كَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْجَدَّةِ أُمِّ الام، أَو وقلا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ، أَفَادَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِجْمَاعِ) أَيْ اتِّفَاقِ رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَآله فِي عَصْرٍ مَا عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَوْلُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ كَإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، لِيَشْمَلَ مَنْ اخْتَلَفَ فِي رواثته كَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلِأَنَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي وِرَاثَتِهِ دَلِيلُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ الْكتاب أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 السُّنَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ. قَوْلُهُ: (فَجُعِلَ الْجَدُّ كَالْأَبِ إلَخْ) وَكَجَعْلِ الْجَدَّةِ كَالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ كَالْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْأَخِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقَةِ. سَكْبُ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَقُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ، وَضَمِيرُهُ لِلْوَارِثِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ. قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يُنَافِي حُصُولَ الِاسْتِحْقَاقِ بِاثْنَيْنِ مِنْهَا كَزَوْجَةٍ هِيَ بِنْتُ عَمٍّ أَوْ مُعْتَقَةٌ فَيَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ أَوْ الْوَلَاءِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَنِكَاح صَحِيح) وَلَو بِلَا وطئ وَلَا خَلْوَةٍ إجْمَاعًا. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ بِفَاسِدٍ) هُوَ مَا فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَشُهُودٍ، وَلَا بَاطِلٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَإِنْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَوَلَاءٍ) أَيْ بِنَوْعَيْهِ: عَتَاقٍ، وَمُوَالَاةٍ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلتَّرِكَةِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ) جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ الشِّحْنَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي مَنْظُومَتِهِ الْفَرْضِيَّةِ الَّتِي شَرَحَهَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيِّ، فَقَالَ: يُعْطَى ذَوُو الْفُرُوضِ ثُمَّ الْعَصَبَهْ ثُمَّ الَّذِي جَادَ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ ثُمَّ الَّذِي يَعْصِبُهُ كَالْجَدِّ ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ بَعْدَ الرَّدِّ ثُمَّ مُحَمَّلٌ وَرَا مَوَالٍ ثُمَّ مُزَادٌ ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ وَأَرَادَ بِالْمَحْمَلِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ مَحْمَلٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَبِالْمُزَادِ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. أَقُولُ: وَحَيْثُ ذَكَرَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ عَصَبَةِ الْمُوَالِي: أَيْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بَعْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي، فَالْأَصْنَافُ أَحَدَ عَشَرَ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ، أَمَّا الْحُقُوقُ فَمِنْهَا مَا يُورَثُ كَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَحَبْسِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُورَثُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالنِّكَاحِ: أَيْ حَقِّ التَّزْوِيجِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّقِيقُ عَنْ ابْنٍ وَثَمَّ أَخٌ لِأَبٍ فَالْحَقُّ لِلْأَخِ لَا لِلِابْنِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَكُونُ وَارِثُهُ مُسْتَعِيرًا، وَكَذَا الْمُودَعُ، وَكَذَا الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ، وَكَذَا الْوَلَاءُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ الْبَاقِي، فَلَوْ مَاتَ هَذَا عَنْ ابْنَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا كَأَنَّهُمْ وَرِثُوا مِنْ جَدِّهِمْ لَا مِنْ آبَائِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورث، وَكَذَا الاجارة فِي بيع الْفُضُولِيّ، وَكَذَا الاجل. وَاخْتَلَفُوا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ: فَقِيلَ يُورَثُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّرَرِ، وَادَّعَى شَارِحُ الطَّحَاوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْقِصَاصِ. وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا خِيَارُ الْوَصْفِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ يُورَثُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فَوَاتَ الْوَصْفِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ، وَمَالَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ إلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّهُ مَال فِي منظومته الْفِقْهِيَّة إِلَى الاول اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَشْبَاهِ وَشَرْحِهَا لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْبَعْلِيِّ. قَوْلُهُ: (أَيْ السِّهَامِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 الْمُقَدَّرَةِ) هِيَ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ. (سِرَاجٌ) . قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) هُمْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخُ لِأُمٍّ ح. قَوْلُهُ: (وَسَبْعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ) هُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ ح. قَوْلُهُ: (فَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْ تَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْفَرْدِ حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا قَالَ نِسَاءً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثٍ. يَعْقُوبُ: قَوْلُهُ: (وَجَمَعَهُ لِلِازْدِوَاجِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: أَنه كَانَ الاخضر التَّعْبِيرَ بِالْعَصَبَةِ مُفْرَدًا كَمَا عَبَّرَ فِي قَسِيمِهِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ وَالْجِنْسِيَّةُ فِيهِ أَظْهَرُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ جَمَعَهُ لَفْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْجَمْعِ مُرَادَ التَّزَاوُجِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِذَوِي الْفُرُوضِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، أَوْ يُقَالُ جمح عه لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ مِنْ عَصَبَةٍ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ تَعَدُّدٌ، بَلْ يُقَدَّمُ وَلَوْ وَاحِدًا، بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَتَقَدَّمُ وَحْدَهُ عَلَى الْعَصَبَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ الْعَصَبَةُ، إذْ لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ مَنْ يُحْرِزُ كُلَّ الْمَالِ وَحْدَهُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لِلْعَصَبَةِ إلَّا مَا أَبْقَاهُ لَهُ صَاحِبُ الْفَرْضِ. فَتَأَمَّلْ. قَوْله: (أَنَّهَا أَقْوَى) عِلَّةٌ لِلتَّقْدِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ثُمَّ وَمِنْ مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ. قَالَ السَّيِّدُ: فَإِنَّ الْعُصُوبَةَ النَّسَبِيَّةَ أقوى من السَّبَبِيَّة، يرشدك ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ: أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بِالْمُعْتَقِ) الْأَوْلَى قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ: مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لِيَشْمَلَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِأَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ إعْتَاقٍ أَوْ فَرْعِهِ مِنْ تَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِشِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالِاضْطِرَارِيَّة بِأَنْ وَرِثَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ وَالْمُنْفَرِدَ كَمَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْمُعْتَقَ بِوَاسِطَةٍ كَمُعْتَقِ الْمُعْتَقِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا وَكَمُعْتَقِ الْأَبِ، وَيَشْمَلُ أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: الْمَعْرُوفَ وَالْمُقَرَّ لَهُ، وَيُقَدَّمُ الْمَعْرُوفُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ مَوْلَى عَتَاقَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُكَذِّبًا شرعا اهـ. تَنْبِيهٌ: مُهِمٌّ شَرْطُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِيهَا وَلَا فِي أَصْلهَا، كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. فَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَتِيقُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى أَوْلَادِهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ الْإِقْدَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ) خَاصٌّ بِالْمُعْتَقِ دُونَ عَصَبَتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَجْمُوعُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي فَصْلِ الْعَصَبَاتِ، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّيِّدِ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ أَجَابَ عَنْهُ يَعْقُوبُ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بعد قَوْله: ثمَّ عصبته الذُّكُور وهما العصب السَّبَبِيَّةُ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ) أَيْ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا، وَكَوْنُهُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ عَصَبَةً سَبَبِيَّةً لِلْمَيِّتِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْعَتِيقُ ابْنَ سَيِّدِهِ وَبِنْتَه فَالْإِرْثُ لِلِابْنِ فَقَطْ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ سَيِّدِهِ وَأُخْتَه فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالذُّكُورِ الَّذِي قَالَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَقِ مَا يَشْمَلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ كَالْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 الْمُعْتق، وَهَكَذَا ذكرا أَو اثنى. أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُعْتِقُ الْقَرِيبُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِعَصَبَتِهِ الْعَصَبَةَ السَّبَبِيَّةَ من الذُّكُور والاناث كمعتق وَمُعْتِقَةِ الْمُعْتَقِ وَالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ أَيْضًا. لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ عَصَبَةً بِالنَّفْسِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا كَمَا مَرَّ دُونَ الْعَصَبَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ مَعَ الْغَيْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَعَصَبَتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَصَبَةِ الْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ، بَيَانُهُ: امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَابْنٍ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَالْمِيرَاثُ لِابْنِهَا لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا، فَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْعَتِيقِ فَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجِهَا لِأَنَّهُ عَصَبَةُ عَصَبَتِهَا، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ الْعَبْدُ أَعْتَقَ آخَرَ ثُمَّ الْآخَرُ أَعْتَقَ آخَرَ وَمَات الْعَتِيق الثَّالِث وَترك اعصبة الْمُعْتق الاول فَإِنَّهُ يَرِثهُ وَإِن كات فِي صُورَةِ عَصَبَةِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، لَكِنْ لَا لِذَلِكَ، بَلْ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ جَرَّ وَلَاءَ هَذَا الْمَيِّتِ فَيَرِثُهُ عَصَبَةُ الْعَتِيقِ الْأَوَّلِ لِقِيَامِهِ مقَام الْمُعْتق الاول للْحَدِيث إِ هـ. مُلَخَّصًا مِنْ الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْوَلَاءِ. وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ كَلَامٍ عَلَى الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (ثمَّ الرَّد) أَي عِنْد عدم تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ كَالزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ هُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ، وَقَرَابَةُ الزَّوْجِيَّةِ حُكْمِيَّةٌ لَا تَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ فَلَا رَدَّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ. أَفَادَهُ يَعْقُوبُ. لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا فِي زَمَانِنَا. وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ) أَيْ قَدْرًا نِسْبِيًّا لَا عَدَدِيًّا، لِأَنَّ مَا يُعْطَى مِنْ الرَّدِّ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي أُخْتَيْنِ وبوين وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، وَمُسَاوِيًا كَمَا فِي أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ وَأَكْثَرَ، كَمَا فِي أُخْتٍ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ، وَطَرِيقُ النِّسْبَةِ أَنَّ مَنْ لَهُ النِّصْفُ فَرْضًا لَهُ بِقَدْرِ سِهَامِ النِّصْفِ مِنْ الرَّدِّ، وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مَثَلًا إذَا تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُمًّا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ نِصْفُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلشَّقِيقَةِ، وَثُلُثُهَا وَهُوَ اثْنَانِ لِلْأُمِّ، وَجُمْلَةُ السِّهَامِ خَمْسَةٌ بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِنسَب سهامهما، وَقد كَانَ للشقيق ثَلَاثَة أَخْمَاس الوحد وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فَلَهَا خُمُسَا الْوَاحِدِ، وَتَرْجِعُ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ إلَى خَمْسَةٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ يَبْدَأُ بِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ وَالْعَصَبَاتِ فَيَأْخُذُونَ كُلَّ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَهُمْ) أَي إِذْ فقد ذووا الْأَرْحَامِ يُقَدَّمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ: أَيْ الْقَابِلُ مُوَالَاةَ الْمَيِّتِ حِينَ قَالَ لَهُ: أَنْتِ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت وَلَمْ يكن من الْعَرَب وَلَا فِي مَعَاتِيقِهِمْ وَلَا لَهُ وَارِثٌ نَسَبِيٌّ وَلَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مَوْلَى مُوَالَاةٍ آخَرُ فيرثه الْقَابِل، بل عَكْسٍ إلَّا إنْ شُرِطَ ذَلِكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَتَحَقَّقَتْ الشَّرَائِطُ فِيهِمَا، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لم يعقل عَنهُ مَوْلَاهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَكَثِيرِينَ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ تَرِثُ أَيْضًا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ. سَائِحَانِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ. وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَبَيَانُهَا فِي الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ الْبَاقِي إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فَلَهُ كُلُّ الْمَالِ، إلَّا إنْ وُجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَلَهُ الْبَاقِي عَنْ فَرْضِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَسَبٍ الخ) أَي ثمَّ بعد مولى الْمُوَالَاةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ الْمُقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ إلَخْ فَيُعْطَى كُلَّ الْمَالِ، إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَيُعْطَى مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى التَّحْمِيلِ فَعَدَّاهُ بِعَلَى: أَيْ الْمَحْمُولُ نَسَبُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ضِمْنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 بِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ ابْنِهِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ هَذَا تَضَمَّنَ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تحميل النّسَب على غَيره، كَمَا ابذا أَقَرَّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ، وَيَنْدَرِجُ فِي الْوَرَثَةِ النَّسَبِيَّةِ إذَا اشْتَمَلَ الْإِقْرَارُ عَلَى شَرَائِطِ صِحَّتِهِ كَالْحُرِّيَّةِ والبلوع وَالْعَقْلِ فِي الْمُقِرِّ، وَتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ، وَكَوْنِهِ بِحَيْثُ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَ بَيَانِ الشُّرُوطِ، وَحَرَّرْنَاهُ أَيْضًا فِي شَرْحِنَا عَلَى نَظْمِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى الْمُسَمَّى بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ شَرْحُ قَلَائِدِ الدُّرِّ الْمَنْظُومِ وَفِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَثْبُتْ) قَيْدٌ ثَانٍ، وَبَيَّنَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَهُ، وَزَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ ثَالِثًا، وَهُوَ مَوْتُ الْمُقِرُّ عَلَى إقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَلَا يَرِثُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ صَارَ عِنْدَنَا وَارِثًا فِي الْمَرْتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ كَانَ مُقِرًّا بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، لَكِنْ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ دَعْوَى فَلَا تُسْمَعُ، وَيَبْقَى إقْرَارُهُ بِالْمَالِ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيره إِذا لم يكن لَو وَارِثٌ مَعْرُوفٌ. سَيِّدٌ: أَيْ وَيَكُونُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَصِيَّةً مَعْنًى، وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ الْأَبُ: نَعَمْ هُوَ ابْنِي وَهُوَ أَخُوك، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ اهـ. مِنْ رُوحِ الشُّرُوحِ. وَالْمُرَادُ وَرَثَةُ الْمُقِرِّ بِأَنْ قَالَ أَوْلَادُ الْمُقِرِّ هُوَ عَمُّنَا ط. قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ هُوَ ابْنِي، إذْ لَوْ عَلِمَ بِهِ كَانَ تَصْدِيقًا. تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا حَمَلَ نَسَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرِثَ مِنْهُ قَصْدًا وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (أَوْ شهد رجل) أَي من الْمُقِرِّ. قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَمِنْهُ إقْرَارُ اثْنَيْنِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ وَإِن لم يقر بِهِ الْمَوْرُوث، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ) قَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقَرِّ رَجُلٌ آخَرُ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وهم أَهْلِ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَى الْمَوْتِ وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ حِينَئِذٍ اهـ. وَفِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَصَحَّ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ معنى، وَلَا شئ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّة الْمُسَمّى الْمِنْهَاج: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ إلَخْ، فَقَوْلُ الْمِنَحِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ صَوَابُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَتِي مُصْلَحًا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَخْ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ عِبَارَةُ الْمِنَحِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الصَّوَابُ فِيهَا لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بذلك فَهُوَ مُتَّهم، إِذا لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُتَّهَمِ؟ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَن الَّذِي فِي روح وَغَيْرِهِ هُوَ ثُبُوتُهُ بِتَصْدِيقِ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ لَا الْمُقَرِّ لَهُ فَتَنَبَّهْ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَهُمْ إلَخْ) أَيْ إذَا عُدِمَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَبْدَأُ بِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيُكْمِلُ لَهُ وَصِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَنْعَهُ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ، فَإِن لم يُوجد أحد مِنْهُم فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مَا عَيَّنَ لَهُ كَمَلًا. سَيِّدٌ. وَلَا يخفى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 يَأْخُذُ الزَّائِدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَارَةٍ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَخْذَ الزَّائِدِ لَا يشْتَرط فِيهِ عدم الْوَرَثَة، إِذْ لن أَجَازُوا جَازَ. قَوْله: (لانه نوع قرَابَة) الاول قَوْلُ السَّيِّدِ: أَنَّ لَهُ نَوْعَ قَرَابَةٍ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُوضَعُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُوصًى لَهُ بِالزَّائِدِ يُوضَعُ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْبَاقِي عَنْ الزَّائِدِ إنْ وَجَدَ مُوصًى لَهُ بِمَا دُونَ الْكُلِّ وَلَمْ يَقُلْ ثمَّ يقدم إِذْ لَا شئ ع بَعْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا قَوْلُهُ: (لَا إرْثًا) نَفْيٌ لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ، لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إرْثًا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَلِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ، وَلَوْ كَانَ إِرْثا لما صَحَّ ذَلِك، لَكِن أفتى متأخروا الشَّافِعِيَّةِ بِالرَّدِّ إنْ لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَمَوَانِعُهُ) الْمَانِعُ لُغَةً: الْحَائِلُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَنْتَفِي لِأَجْلِهِ الْحُكْمُ عَنْ شَخْصٍ لِمَعْنًى فِيهِ بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ، وَيُسَمَّى مَحْرُومًا، فَخَرَجَ مَا انْتَفَى لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ، أَوْ لعدم قيام السَّبَب كالاجنبي، وَالْمرَاد بالمانع هَا هُنَا الْمَانِع عَن الوراثية لَا المورثية، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَانِعًا عَنْهُمَا كَمَا حَرَّرْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (كَمُكَاتَبٍ) الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ، فَالصَّوَاب أَن يَقُول: كمدبر وَأم ولد اهـ ح. وَقَدْ يُقَالُ: كَمَالُ رِقِّهِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلِذَا أَجَازَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَلَكَ أَكْسَابَهُ دُونَهُمَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِنِّ فَهُوَ نَاقِصٌ مِنْ حَيْثُ انْعِقَادُ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَد. قَوْله: (وَكَذَا مبعض الخ) وَهُوَ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ بَاقِيهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِم دِرْهَمٌ، وَقَالَا: هُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَيَرِثُ وَيَحْجُبُ بِنَاءً عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ بَلْ يُورَثُ) قِيلَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (يُورَثُ فِيهَا الرَّقِيقُ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى أَوَّلِ الْإِصَابَةِ ط. قَوْلُهُ: (جُنِيَ عَلَيْهِ) أَيْ بِجِرَاحَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ) أَيْ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَبْلَ الرِّقِّ ط. قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ إلَخْ) أَيْ نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْإِصَابَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ كَانَ إرْثُهُ لَهُمْ، فَكَذَا بَعْدَهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَهُ ط. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) هُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْإِصَابَةِ فِي مَسَائِلَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَوْتَهُ صَدَرَ وَهُوَ فِي ملك السَّيِّد فَالدِّيَة لَهُ ط. أَقُول: وَيظْهر لي أَنه لَا يجب على الْجَانِي شئ عِنْدَنَا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ تَرَكَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا فَأُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَأُخِذَ أَوْ قُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ، وَصَارَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 مَالُهُ كَوَدِيعَتِهِ، وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا فَيْئًا، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَدَيْنُهُ وَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مغنومة إِ هـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّيَةَ دَيْنٌ عَلَى الْجَانِي فَتَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتِرْقَاقُهُ، فَلَا تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِسَيِّدِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِلْكِ السَّيِّد، لانه إِنَّمَا استرقه مجنيا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالبَة الْجَانِي بشئ، فَتَدَبَّرْهُ. قَوْلُهُ: (الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ أَوْ الْكَفَّارَةِ) الْأَوَّلُ هُوَ الْعَمْدُ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمُحَدَّدٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي ثَلَاثَة أقسان: شبه عمد، وَهُوَ أَن يعْتَمد قَتله بِمَا لَا يقتل غَالِبا كالسوط، وخطى كَأَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ إنْسَانًا وَمَا جَرَى مجْرَاه كانقلاب نَائِم علء شَخْصٍ أَوْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ فَخَرَجَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُهُمَا، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ رَوْشَنًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَقَتَلَ مُوَرِّثَهُ، أَوْ أَقَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا فَوَطِئَتْهُ، أَوْ قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ وَجَدَ مُوَرِّثَهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ، أَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، وَكَذَا عَكْسُهُ إنْ قَالَ: قَتَلْته وَأَنَا عَلَى حَقٍّ، وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ، وَخَرَجَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ. وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ رَمْزًا: إذَا قَتَلَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مِنْ مَحَارِمِهِ الْمُؤَنَّثِ لِأَجْلِ الزِّنَا يَرِثُ مِنْهَا عِنْدَنَا، خِلَافًا للشَّافِعِيّ اهـ: يَعْنِي مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا، أَمَّا بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ فَلَا، كَمَا يَقَعُ مِنْ فَلَّاحِي الْقُرَى بِبِلَادِنَا فَادْرِ ذَلِكَ. رَمْلِيٌّ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُوجِبِ جَرَى عَلَى الْغَالِب، إِذا الْحُكْمُ فِيمَا اُسْتُحِبَّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ، كَمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَتُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْإِرْثَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ بِحَقٍّ أَوْ لَا مُبَاشَرَةٍ أَوْ لَا، وَلَوْ بِشَهَادَةٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ لِشَاهِدٍ بِقَتْلٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ) بِأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ ذَا فِرَاشٍ فَمَاتَ الْجَارِحُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (إسْلَامًا وَكُفْرًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُورَثُ عِنْدَنَا) أَي من كسب إِسْلَامه وَكسب ردته فئ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَا: لِلْوَارِثِ الْمُسْلِمِ كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَقَالَ: كَسْبَاهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (فَأَسْلَمَتْ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَرِثُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَهُوَ مُسْلِمٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَعند الْولادَة تبعا، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا) أَقُولُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، فَمِنْهُ قَوْلُهُمْ إرْثُ الْحَمْلِ فَأَضَافُوا الْإِرْثَ إلَيْهِ وَهُوَ حَمْلٌ، وَأَمَّا اشتراطهم خُرُوجه حَيا فليتحقق وُجُودِهِ عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَنَا: جَمَادٌ يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: مَتَى انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا إنَّمَا لَا يَرِثُ إذَا انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا فُصِلَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ. بَيَانُهُ: إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَرِثَ، لِأَنَّ الشَّارِعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَكَمْنَا بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ، كَمَا يُورث عَنهُ بدل نَفسه وَهُوَ الْغرَّة اهـ. أَقُولُ: فَقَدْ جَعَلُوهُ وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، وَهُوَ جَنِينٌ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ حِينَ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ وَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَهُ، فَكَانَ كَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ إرْثٌ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرٍ بَلْ هُوَ إرْثُ كَافِرٍ مِنْ كَافِرٍ، نَعَمْ يُتَصَوَّرُ عِنْدَنَا إرْثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ) اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ: أَيْ الْعَسْكَرِيِّ، وَاخْتِلَافُ الْمِلْكِ كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ فِي الْهِنْدِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ، وَالْآخَرُ فِي التُّرْكِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى، وَانْقَطَعَتْ لِلْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُم قتال الآخر، فهاتان لداران مُخْتَلِفَتَانِ فتنقطع باختلافهما الوراثة لانهما تُبْتَنَى عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ عَلَى أَعْدَائِهِمَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَالْوِرَاثَةُ ثَابِتَةً. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَكَالْحَرْبِيِّينَ فِي دَارَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ (1) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِمَّا حُكْمًا فَقَط كالمستأمن وَالذِّمِّيّ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةً حُكْمًا، لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَأَمَّا حَقِيقَةً فَقَطْ كَمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِنَا حَرْبِيّ وَفِي دَارِهِمْ، فَإِنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً لَكِنْ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حُكْمًا كَمَا عَلِمْت، فَهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ يَدْفَعُ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ، وَإِيصَالُ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ. أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَوْ لَا، دُونَ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَهَذَا مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حكما حَتَّى لَا تعْتَبر الْحَقِيقَة بِدُونِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) يَعْنِي وَحُكْمًا لِمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (كَحَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا مَاتَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَارِثٌ ذِمِّيٌّ فِي دَارِنَا، أَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِنَا وَلَهُ وَارِثٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخِرِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ اتَّحِدَا مِلَّةً. قَوْلُهُ: (أَوْ حُكْمًا) أَيْ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَكَحَرْبِيِّينَ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُمَا مُسْتَأْمَنَانِ فِي دَارِنَا فَهُمَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة وَفِي دارين مختلفتين حُكْمًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ دَارَيْنِ لَا فِي دَارَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَدَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَوْلَى إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا لِلِاخْتِلَافَيْنِ. أَفَادَهُ السَّيِّد وتماه فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ: أَيْ اخْتِلَافُ الدَّارِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، حَتَّى أَن الْمُسلم التَّاجِر   (1) قَوْله: (مُخْتَلفين) لاحظ أَولا إِن الدَّار مؤنث فأنث نعتها فِي قَوْله دارين مختلفتين وَأما تذكر النَّعْت فِي الْعِمَارَة الاتية فَهُوَ من كَلَام السَّيِّد وَمثله عبارَة الشَّارِح لَكِن لَيْسَ نظرا لمجازية التَّأْنِيث بل نظرا للمراد أَو هُوَ الْمنزل كَمَا نبه على مثله فِي خَاتِمَة الْمِصْبَاح فليفهم بالدقة قَالَه نصر الهورينى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 أَوْ الْأَسِيرَ لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَرِثَ مِنْهُ وَرَثَتُهُ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ فِي دَارِنَا وَلَا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيِّ فِي دَارِنَا وَلَا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَمَدْفُوعٌ بِقَوْلِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا: يُخَايَلُ لِي أَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرِيضَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَفَى الْوِلَايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَقَالَ: * (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ من ولايتهم من شئ حَتَّى يهاجروا) * فَلَمَّا كَانَتْ الْوَلَايَةُ بَيْنَهُمَا مُنْتَفِيَةً كَانَ الْمِيرَاثُ مُنْتَفِيًا، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ عَلَى الْوِلَايَةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ حكم الْهِجْرَة لَان الْمِيرَاث على الْولَايَة، فأمما الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح اهـ. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي فَصْلِ الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى. قَوْلُهُ: (فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوْ أَكْثَرَ) زَادَ قَوْلَهُ: أَوْ أَكْثَرَ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى إشَارَةً إلَى أَنَّ عَدَّهَا خَمْسًا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَصْرُ لِإِمْكَانِ زِيَادَةِ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثِنْتَيْنِ. وَالثَّالِثَة: رَجَعَ وَضَعَ وَلَدَهُ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَيْلًا ثُمَّ نَدِمَ صَبَاحًا فَرَجَعَ لِرَفْعِهِ فَإِذَا فِيهِ وَلَدَانِ وَلَا يَعْرِفُ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ الظُّهُورِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَفَقَتُهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَالرَّابِعَةُ: حُرَّةٌ وَأَمَةٌ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَلَا يُعْلَمُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ. وَالْخَامِسَةُ: رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ مِنْ حُرَّةٍ وَابْنٌ مِنْ أَمَةٍ لِإِنْسَانٍ أَرْضَعَتْهُمَا ظِئْرٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى كَبِرَا وَلَا يُعْرَفُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ فَهُمَا حُرَّانِ، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ) أَيْ لَا يَرِثُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (مِنْ وَلَدِ) الْأَوْلَى بِوَلَدِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا) أَيْ الْوَالِدَان فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَعْدُوهُمَا، فَمَنْ أَخَذَ حِصَّةً وَهُوَ الْوَارِثُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ مِنْ حَظِّهِ، وَيُعَدُّ مَا أَخَذَهُ الْآخَرُ هِبَةً مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَالظَّاهِرُ أَنه رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَة السَّابِقَة أَيْضا إِ هـ ط. أَقُولُ: بَلْ إلَى كُلِّ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ وَإِنَّ مَا مَرَّ مِنْ وَضْعِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصْطَلِحَا. تَأَمَّلْ. تَتِمَّةٌ: جُمْلَةُ الْمَوَانِعِ حِينَئِذٍ سِتَّةٌ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ التَّتِمَّةِ: كُلُّ إنْسَانٍ يَرِثُ وَيُورَثُ إلَّا الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام ورث خدية لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا وَهَبَتْ مَالَهَا لَهُ فِي صِحَّتهَا اهـ. قُلْت: لَكِنْ كَلَامُ ابْنِ الْكَمَالِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ. وَتَمَامُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ الرِّدَّةَ، فَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا إجْمَاعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَالْمَوَانِعُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ اللِّعَانُ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَوَانِعُ خَمْسَةٌ: أَرْبَعَةُ الْمَتْنِ، وَالرِّدَّةُ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 مَجَازٌ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْإِرْثِ مَعَهُ لَيْسَ بِوُجُودٍ مَانع بل لانْتِفَاء الشَّرْط أَو السَّبَب اهـ. بَيَانه: إِن شَرط الارث وجود الْوَارِث عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي جَهَالَةِ تَارِيخِ الْمَوْتَى لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تَوَارُثَ مَعَ الشَّكِّ، وَكَذَا فِي جَهَالَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّهَا كَمَوْتِهِ حُكْمًا كَمَا فِي الْمَفْقُودِ. وَأَمَّا وَلَدُ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ وَبِالْعَكْسِ لِقَطْعِ نَسَبِهِ، فَعَدَمُ الْإِرْثِ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَهُوَ نِسْبَتُهُ إلَى أَبِيهِ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَفِي كَوْنِهَا مِنْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَب كَلَام يعلم من شرحنا الرَّحِيق الْمَخْتُوم، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ هِيَ كَوْنُ النُّبُوَّةِ مَعْنًى قَائِمًا فِي الْمُوَرِّثِ، وَالْمَانِعُ هُوَ مَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ لِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْوَارِثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْرِيفِهِ. تَكْمِيلٌ: عَدَّ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ أَخٍ فَأَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الِابْنِ فَلَا يَرِثُ، لِأَنَّ إثْبَاتَ إرْثِهِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ فَيَنْتَفِي من أَصله، وَهَذَا لم يذكرهُ عُلَمَائِنَا لِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ فَيَرِثُ الِابْنُ دُونَهُ كَمَا حَقَّقْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ مُؤَيَّدًا بِالنَّقْلِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوِلَادِ) بِكَسْرِ الْوَاو مصدر ولد: أَي أصل ودة الْأَصْلِ وَالْفُرُوعُ، فَالْكُلُّ أَوْلَادُهَا غَالِبًا لِأَنَّهُ قَدْ تكون الْولادَة بالتسري ثمَّ هِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَإِن كَانَ أُمًّا لَكِنْ صِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ سَابِقَةٌ عَلَى صِفَةِ الْأُمُومَةِ فَلِذَا لَمْ تُقَدَّمْ الْأُمُّ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مَعَ وَلَدٍ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ السُّفُولِ ضِدِّ الْعُلُوِّ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَبِضَمِّهَا مِنْ السَّفَالِ بِمَعْنَى الدَّنَاءَةِ مِنْ بَابِ شَرُفَ. ابْنُ كَمَالٍ. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (نِكَاحُ مَيِّتَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً تَهَاتَرَ الْبُرْهَان: وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمُكَذِّبُ بِهَا وَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ ط. قَوْلُهُ: (وَبَرْهَنَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ: لَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا، وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ، وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ. كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الاقرار وَالْيَد اهـ. وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هُوَ مَعْنَى مَا فِي رُوحِ الشُّرُوحِ: وَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمَفْهُومُهُ اعْتِبَارُ الْيَدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَالنِّصْفُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ، وَبَقِيَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ أَرْبَعَةٌ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُمْ هُنَا كَمَا فَعَلَ فِي بَقِيَّة الْفُرُوض، وهم النبت وَبِنْتُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهَا إذَا انْفَرَدْنَ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ. قَوْله: (وَالْجد) أَي فَهُوَ كالاب عِنْد عندمه إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لانص تخَلّل الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْفَرْضُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 الْمُطْلَقُ) أَيْ عَنْ ضَمِيمَةِ التَّعْصِيبِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ) حَيْثُ قَيَّدَ الْفَرْضَ بِالْمُطْلَقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْوَلَدَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى، لَكِنْ تَرَكَهُ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ) فَإِنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا وَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَهُ تَعْصِيبًا. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً) الْأَصْوَبُ فِي مَا بعض النّسخ ثَلَاث عشر بتذكير الثَّلَاث وَتَأْنِيثِ الْعَشَرَةِ لِتَأْنِيثِ مَسْأَلَةً وَإِنْ كَانَ لَفْظِيًّا. قَوْله: (وَله خَمْسٌ فِي الْفَرَائِضِ) الْأَوْلَى أَنَّ أُمَّهُ لَا تَرِثُ مَعَهُ، وَتَرِثُ مَعَ الْجَدِّ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ الْأَبَوَيْنِ وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَلِأُمِّهِ ثلث مَا يبْقى بعد نصيب أحد الزوحين، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ حميع الْمَالِ، إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَ الْبَاقِي أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعِلَّاتِ كُلَّهُمْ يَسْقُطُونَ مَعَ الْأَبِ إجْمَاعًا، وَيَسْقُطُونَ مَعَ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عِنْدَهُمَا. الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَبَا الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِهِ يَأْخُذُ سُدُسَ الْوَلَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ، بَلْ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلِابْنِ، وَلَا يَأْخُذُ الْجَدُّ شَيْئًا مِنْ الْوَلَاءِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ جَدَّ مُعْتِقِهِ وَأَخَاهُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَخْتَصُّ الْجَدُّ بِالْوَلَاءِ، وَقَالَا: الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْجَدِّ أَبٌ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لَهُ اتِّفَاقًا، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهَذِهِ مُسْتَفَادٌ حُكْمُهَا مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة اهـ ح. قَوْلُهُ: (وَبَاقِيهَا فِي غَيْرِهَا) . الْأَوْلَى: لَوْ أَوْصَى لِأَقْرِبَاءِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ الْأَبُ وَيَدْخُلُ الْجَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. الثَّانِيَةُ: تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ الْغَنِيِّ دُونَ جَدِّهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ دُونَ الْجَدِّ. الرَّابِعَةُ: يَصِيرُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا وَمَالًا فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبِ فَهُوَ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ. السَّادِسَةُ: فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ: لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَخٌ وَجَدٌّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَشْتَرِكَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَخْتَصُّ الْجَدُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أَبٌ اخْتَصَّ اتِّفَاقًا. السَّابِعَةُ: إذَا مَاتَ أَبُوهُ صَارَ يَتِيمًا، وَلَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ لِإِزَالَةِ الْيَتِيمِ عَنهُ. الثَّامِنَة: لَو مَاتَ وَترك أَوْلَادًا صغَار وَلَا مَالَ لَهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأَبِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا، الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ كَانَ كَالْأَبِ كَانَ كلهَا عَلَيْهِ اهـ ح. أَقُولُ: وَفِي الْخَامِسَةِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَبِيلَ شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ، ثُمَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ، ثُمَّ لِلْجَدِّ، ثمَّ لوصيه، ثمَّ للْقَاضِي، فَالْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ فَلَمْ يُخَالِفْ الْجَدُّ فِيهَا الْأَبَ. تَأَمَّلْ. وَالسَّادِس: يَجْرِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِنَحِ. وَقَوْلُهُ: فِي الثَّامِنَة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَهُمْ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ الْعَائِدِ إلَى الصِّغَارِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ: أَيْ بِقَدْرِ إرْثِ الْمَحْرَمِ مِنْ الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ هُنَا أُمَّ الصِّغَارِ صَحَّ كَوْنُ الثُّلُثِ عَلَيْهَا وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ، لِأَنَّهُ قَدْرُ إرْثِهَا مِنْهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أُمُّ أَبِيهِمْ الْمَيِّتِ يَكُونُ عَلَيْهَا السُّدُسُ، لِأَنَّهَا جَدَّةٌ لَهُمْ وَفَرْضُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ لَا الثُّلُثُ، فَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمَيِّتِ بَلْ يَتَعَيَّنُ إرْجَاعُهُ إلَى الصِّغَارِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: يُزَاد أَيْضا أَنه لَا تحب نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ الْمُعْسِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسلما بِإِسْلَام جده، وَإِن الْجد إِلَى أَن أَقَرَّ بِنَافِلَةٍ وَابْنُهُ حَيٌّ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَزِدْت أُخْرَى أَيْضًا تَقَدَّمَتْ قَبِيلٍ فَصْلِ شَهَادَة الاوصياء وَهِي فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ، فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ. وَأَمَّا مُحَمَّد فَأَقَامَ الْجد مقَام الاب، وَيَقُول الْخصاف يُفْتى اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ جَدَّ الصَّغِيرِ خَالَفَ الْأَبَ وَوَصِيَّ الْأَبِ فِي هَذِهِ، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْوَهْبَانِيَّةِ ذَكَرَهَا هُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ الْأَبُ صهر صَبِيِّهِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ مَهْرَ زَوْجَةِ صَبِيِّهِ: أَيْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَمَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِصَبِيَّتِهِ بِالتَّاءِ فَتَحْرِيفٌ. قَوْلُهُ: (رَجَعَ لَوْ شَرَطَ) أَيْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حِينَ الْعَقْدِ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ وَأَشْهَدَ أَخْذًا مِمَّا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ ثمن شئ شَرَاهُ لِوَلَدِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ يَرْجِعُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً مَا لَمْ يُشْهِدْ، وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لَوْ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَلَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قِنًّا أَوْ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَوْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا اهـ. قُلْت: وَالتَّزْوِيجُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْأَبَ فَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَا) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَوْلُهُ: (رَجَعَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحَمُّلِهِ الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُخْتَلَطِينَ) أَيْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (وَالثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْعَدَدِ مِنْ الاخوة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وَالْأَخَوَاتِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَثُلُثَ الْبَاقِي إلَخْ) تَحْتَهُ صُورَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ط: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ: يَعْنِي الثُّلُثَ وَثُلُثَ الْبَاقِي مَعَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُمَا فِيمَا سَيَأْتِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَن الاول جَمْعُ حَالَاتِ الْأُمِّ مُتَوَالِيَةً. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا: أَيْ لِأُمٍّ) أَوْ لِأَبٍ كَمَا مَثَّلَ. قَوْلُهُ: (أَيْ صَحِيحَاتٍ) الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ مَنْ لَيْسَ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ جَدٌّ فَاسِدٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْمُدْلِيَةُ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ، أَوْ بِمَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ، أَوْ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ إلَى مَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى أَوْ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ، وَسَوَاءٌ كَانَت القربء وَارِثَةً كَأُمِّ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ، أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ عِنْدَ وُجُودِهِ. قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ الْحَجْبِ. قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِبِنْتِ الِابْنِ إلَخْ) لِلْبَنَاتِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ: ثَلَاثَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ وَبَنَاتِ الِابْنِ، وَهِيَ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَكْثَرِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ عَصَّبَهُنَّ، وَثَلَاثَةٌ تَنْفَرِدُ بِهَا بَنَاتُ الِابْنِ. الْأَوْلَى: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ: يَسْقُطْنَ بالصُّلْبِيَّتَيْن فَأَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ لَيْسَ أَعْلَى مِنْهُنَّ فَيُعَصِّبَهُنَّ. الثَّالِثَةُ: يَسْقُطْنَ بِالِابْنِ الصُّلْبِيِّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا. قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِغَيْرِ أُمٍّ سَبْعَةَ أَحْوَالٍ: خَمْسَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَارَّةُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ. وَالرَّابِعَةُ: أَنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ. وَالْخَامِسَة: أَنَّهُنَّ يسقطن بِابْن وَابْنِهِ، وَبِالْأَبِ اتِّفَاقًا، وَبِالْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَثِنْتَانِ تَنْفَرِدُ بِهِمَا الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ: الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُنَّ يَسْقُطْنَ مَعَ الشَّقِيقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مَنْ يُعَصِّبُهُنَّ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ السِّرَاجِيَّةِ: وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً: أَيْ إذَا كَانَتْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ. قَالَ السَّيِّدُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَوْنِهَا عَصَبَةً أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) أَيْ لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِأُمٍّ، وَلَهُم ثَلَاثَة أَحْوَال ذكر مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَالثَّالِث أَنَّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالْفَرْعِ الْوَارِثِ وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَهَا مَعَهُ السُّدُسُ) أَيْ أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ فرض أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَاقِي: أَيْ ثُلُثِ مَا يبْقى بعض فَرْضِ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَأُمٌّ) لَفْظُ أُمٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ زَائِدٌ. أَفَادَهُ ح: أَيْ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَهَا حِينَئِذٍ الرُّبْعُ) لَان الزَّوْجَة الرُّبْعَ وَمَخْرَجُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ لِلْأُمِّ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ وَهُوَ رُبْعُ الْأَرْبَعَةِ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي. قَوْله: (فلهَا حِينَئِذٍ السُّدس) لانها نصح مِنْ سِتَّةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَهُوَ وَاحِدٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (تَأَدُّبًا إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: * (فلامه الثُّلُث) * (النِّسَاء: 11) ثُلُثُ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ أَوْ بَعْضَهُ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، فَالثُّلُثُ هُنَا وَإِنْ صَارَ فِي الْحَقِيقَةِ رُبْعَ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ سُدُسَهُ إلَّا أَنَّ الْأَدَبَ التَّعْبِيرُ بِهِ تَبَرُّكًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَتَبَاعُدًا عَنْ إيهَامِ الْمُخَالَفَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ إمْكَانِ تَعَدُّدِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ ذَاكَ تَعَدُّدًا لَا حَقِيقَةً وَلَا صُورَةً، وَإِنَّمَا شَرَّكَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلِذَا لَمْ يعطيا إِلَّا نصيب زوج وَاحِد، وعيه فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا الزَّوْجَ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مُسْتَدْرَكٌ. تَأَمَّلْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْعَصَبَةُ قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ، وَكَأَنَّهَا جَمْعُ عَاصِبٍ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِهِ، مِنْ عَصَبُوا بِهِ: إذَا أَحَاطُوا حَوْلَهُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِلْغَلَبَةِ، وَقَالُوا فِي مصدرها: الْعُصُوبَة. الذّكر يعصب الْمَرْأَة: أَي يَجْعَلهَا عصبَة اهـ. فَالْعَصَبَاتُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَالْجِمَالَاتِ، أَوْ جَمْعُ الْمُفْرَدِ عَلَى جَعْلِ الْعَصَبَةِ اسْمًا: تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (فَالْأُنْثَى لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ وَالْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُمَا إنَاثٌ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَت عصبَة بِنَفسِهَا فَهِيَ لَيست نسيبة، وَالْمَقْصُودُ الْعَصَبَاتُ النَّسَبِيَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا، وَلِذَلِكَ خَرَجَ الْمُعْتَقُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) الْمُرَادُ عَدَمُ تَوَسُّطِ الْأُنْثَى، سَوَاءٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ذَكَرٌ كَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ أَوْ لَا كَالْأَبِ وَالِابْنِ الصُّلْبِيِّ. قَوْلُهُ: (كَوَلَدِ الام) أَي الاخ لَام، وَأما الاخ وب وَأُمٍّ فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ، مَعَ أَنَّ الْأُمَّ دَاخِلَةٌ فِي نِسْبَتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَا يَنْتَسِبُ بِالْأُنْثَى فَقَطْ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ بِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَصْلٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَتْ فِي إثْبَاتِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بِانْفِرَادِهَا عِلَّةً لاثباتها، فعي ملغات فِي اسْتِحْقَاق الْعُصُوبَة سكنا، جَعَلْنَاهَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ زَائِدٍ فَرَجَّحْنَا بِهَا الْأَخَ لاب وَأم على الاخ لاب اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي نِسْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِي قَرَابَتِهِ، فَإِنَّ الْأُنْثَى دَاخِلَةٌ فِي قَرَابَتِهِ لِأَخِيهِ لَا فِي نِسْبَتِهِ إلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ للاب فَلَا يثبت بِوَاسِطَة غَيره اهـ. فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا النِّسْبَةُ إلَى الْمَيِّتِ لَا إلَى الْأَبِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْقَرَابَةُ لَا النَّسَبُ الشَّرْعِيُّ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَصَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَيَخْرُجُ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَنَحْوُهُمَا فَافْهَمْ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ يَعْقُوبَ قَدْ زَيَّفَ هَذَا الْجَوَابَ وَأَخْرَجَهُ عَنْ دَائِرَةِ الصَّوَابِ، بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَتَعْرِيفُ الْعَصَبَةِ لَا يَخْلُو عَنْ كَلَامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي مَنْظُومَتِهِ: وَلَيْسَ يَخْلُو حَدُّهُ عَنْ نَقْدِ فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِالْعَدِّ وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُهُ بِالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ لَا دَاعِيَ لَهُ، وَقَدْ عَرَّفَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ هُوَ ذَكَرٌ نَسِيبٌ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ أَو بمحض الذُّكُورَة أَوْ مُعْتِقٌ فَقَوْلُهُ أَوْ مُعْتِقٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 ذَكَرٌ، وَلَوْ حَذَفَ مَحْضِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَبَعْدَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ ذُو فَرْضٍ) أَيْ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ وَارِثٍ ذَا فَرْضٍ أَنْ لَا يَكُونَ عَصَبَةً فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ ذُو فَرْضٍ وَيَصِيرُ عَصَبَةً. قَوْلُهُ: (أَيْ جِنْسُهَا) أَيْ قَالَ لِلْجِنْسِ فَتَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ فَرْضٌ وَاحِدٌ وَحَازَ الْبَاقِيَ بَعْدَ إعْطَائِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ط. قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: قَيَّدْنَا بِهِ حَتَّى لَا يَرِدَ أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ إذَا خَلَا عَنْ الْعُصُوبَةِ قَدْ يُحْرِزُ جَمِيعَ الْمَالِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِبَعْضِهِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ. قَوْلُهُ: (جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ الذُّكُورُ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ) أَرَادَ بِالْجَدِّ مَا يَشْمَلُ أَبَا الْأَبِ، وَمَنْ فَوْقَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَإِنْ عَلَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ عَمَّ الْأَبِ وَعَمَّ الْجَدِّ فِي كَلَامِهِ الْآتِي خَارِجَانِ عَنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَخْ) أَيْ الْأَقْرَبُ جِهَة ثمَّ الاقرب دَرَجَة ثمَّ الاقوى كقرابة فَاعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ أَوَّلًا بِالْجِهَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ جُزْؤُهُ كَالِابْنِ وَابْنِهِ عَلَى أَصْلِهِ كَالْأَبِ وَأَبِيهِ وَيُقَدَّمُ أَصْلُهُ عَلَى جُزْءِ أَبِيهِ كَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أَو وَأَبْنَائِهِمْ، وَيُقَدَّمُ جُزْءُ أَبِيهِ عَلَى جُزْءِ جَدِّهِ كالاعمام لغير أَو وَأَبْنَائِهِمْ وَبَعْدَ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ إذَا تَعَدَّدَ أَهْلُ تِلْكَ الْجِهَةِ اُعْتُبِرَ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَابَةِ، فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى ابْنِهِ وَالْأَبُ عَلَى أَبِيهِ وَالْأَخُ عَلَى ابْنِهِ لِقُرْبِ الدَّرَجَةِ، وَبَعْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَالْقَرَابَةِ يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْقُوَّةِ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَكَذَا أَبْنَاؤُهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْجَعْبَرِيُّ حَيْثُ قَالَ: فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ إلَخْ) الْأَوْلَى ذكر عِنْد ذكر الاب فِينَا تَقَدَّمَ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ) هُوَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبُ الْأَبِ) الْأَوْلَى رَسْمُ أَبُو بِالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ إعْرَابِهِ بِالْحُرُوفِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ لاب) أَي أَثم الاخ لاب أما الام لِأُمٍّ فَذُو فَرْضٍ فَقَطْ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لابوين) مُتَعَلق بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: (قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِيَّةِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ عَمِّ الْأَبِ وَعَمِّ الْجَدِّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ ابْنُ عَمِّ الْأَبِ وَابْنُ عَمِّ الْجَدِّ. قَوْلُهُ: (فَأَسْبَابُهَا) أَيْ الْعُصُوبَةِ. قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ تَرْجِيحِهِمْ إلَخْ) أَيْ تَرْجِيحِ أَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ بِقُرْبِ الدرجَة، كترجيح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 الاخوة مثلا على أبنائهم يرجح بِقُوَّة القاربة إذَا تَفَاوَتُوا فِيهَا كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِأَبَوَيْنِ وَأَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بالتفاوت، قَوْله: كَمَا مر حَال مِنْهُ، وَقَوله: بِقُوَّة القاربة مُتَعَلِّقٌ بِيُرَجَّحُونَ. قَوْلُهُ: (كَالشَّقِيقَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِالنَّفْسِ وَهَذِهِ عَصَبَةٌ مَعَ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ السَّيِّدُ: إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا لِمُشَارَكَتِهَا فِي الحكم لمن هُوَ عصب بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ إلَخْ) تَمَامُ الْحَدِيثِ: يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ اهـ. قَاسِمٌ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ. أَيْ أَبٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ بَنِي الْعَلَّاتِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ عَلَّ مَنْ زَوْجَتِهِ الثَّانِيَةِ، وَالْعَلَلُ: الشُّرْبُ الثَّانِي، يُقَالُ عَلَّهُ: إذَا سَقَاهُ السَّقْيَةَ الثَّانِيَةَ. وَأَمَّا الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ فَهُوَ بَنُو الْأَخْيَافِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَنِي الْأُمِّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَشْمَلُ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْإِخْوَةَ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَعْيَانِهِمْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ: أَعْيَانُ الْقَوْمِ أَشْرَافُهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بَنُو الْأَعْيَانِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: أَعْيَانُ بَنِي أُمٍّ يَتَوَارَثُونَ اهـ. وَقَالَ السَّيِّد: وَالْمَقْصُود بِذكر الام هَا هُنَا إظْهَارُ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ بَنُو الْأَعْيَانِ عَلَى بني العلات اهـ: أَيْ لِأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَيْهِمْ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَلِذَا كَانُوا أَعْيَانًا. قَوْلُهُ: (الْبَنَاتُ) اسْمُ يَصِيرُ مُؤَخَّرٌ وَخَبره قَوْله: عصبَة بِغَيْرِهِ وَقَوله: وبالابن قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ صَاحِبَاتُ فَرْضٍ دَائِمًا، وَابْنُ الِابْنِ لَا يُعَصِّبُ ذَاتَ فَرْضٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ بَنَاتُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَخِيهِنَّ) أَيْ الْمُسَاوِي لَهُنَّ قَرَابَةً. دُرَرُ الْبِحَارِ. قَالَ الطُّورِيُّ: وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ: وَلَا يُعَصِّبُ الشَّقِيقَةَ الْأَخُ لِأَبٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّسَبِ بَلْ تَأْخُذُ فَرْضَهَا، وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَخٌ شَقِيقٌ بَلْ يحجبها لانه أقوى مِنْهَا إِجْمَاعًا اهـ. وَفِي مَنْظُومَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُسَمَّاةِ تُحْفَةَ الْقُرْآنِ: وَلَا تَرِثْ أُخْتٌ لَهُ مِنْ الْأَبِ مَعْ صِنْوِهِ الشَّقِيق فاحفظ تصب ذكر فِي شَرْحِهَا عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ظَنَّ أَن للاخت النّصْف، وَهَذَا لَيْسَ بشئ اهـ. قَوْلُهُ: (ذَوَاتُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أَرْبَعٍ: أَيْ مَنْ لَهُنَّ النِّصْفُ إذَا انْفَرَدْنَ وَالثُّلُثَانِ إذَا تَعَدَّدْنَ، وَهُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تُذْكَرَ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا إذَا كَانَا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا مَرَّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ لَا التَّعْصِيبِ، وَأَشَارَ إلَى مَا فِي السِّرَاجِيَّة وَشَرحهَا من أَن لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ إذَا كَانَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ، وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ بِنْتِ الْعَمِّ وَفِي ابْنِ الْأَخِ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ وَنَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وَلَمْ يُعَصِّبْ غَيْرَ ذَاتِ سَهْمِ أَخٌ كَمِثْلِ عَمَّةٍ وَعَمِّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِلْأَخِ بِالنَّظَرِ إلَى بِنْتِ الِابْنِ، فَإِنَّ عُصُوبَتَهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِأَخِيهَا فَقَطْ فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ وَبِابْنِ عَمِّهَا، وَبِمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ فَرْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ: (الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ) أَيْ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَمَّا الْأُخْتُ لِأُمٍّ فَلَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، وَهُوَ ذَكَرٌ فَعَدَمُ كَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الْغَيْر أولى. قَوْله: (لقَوْل الفرضين إلَخْ) جَعَلَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا حَدِيثًا. قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ خرجه، لَكِن أَصله ثَابت لخَبر ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ الْهَائِمِ فِي فُصُولِهِ من قَول الفرضين وَتَبِعَهُ شُرَّاحُهَا كَالْقَاضِي زَكَرِيَّا وَسِبْطٍ الْمَارْدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ. تَنْبِيهٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعُصْبَتَيْنِ أَنَّ الْغَيْرَ فِي الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ، يَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ فَتَتَعَدَّى بِسَبَبِهِ الْعُصُوبَةُ إلَى الْأُنْثَى وَفِي الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ، لَا تَكُونُ عَصَبَةً أَصْلًا، بَلْ تَكُونُ عُصُوبَةُ تِلْكَ الْعَصَبَةِ مُجَامِعَةً لِذَلِكَ الْغَيْرِ. سَيِّدٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ اخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِمَعَ. قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَالْإِلْصَاقُ بَيْنَ الْمُلْصَقِ وَالْمُلْصَقِ بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ مُشَارِكِهِمَا فِي حُكْمِ الْمُلْصَقِ بِهِ، فَيَكُونَانِ مُشَارِكَيْنِ فِي حُكْمِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ كَلِمَةِ مَعَ فَإِنَّهَا لِلْقِرَانِ، وَالْقِرَانُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ بِغَيْرِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيرا) * أَيْ وَزِيرَهُ حَيْثُ كَانَ مُقَارَنًا بِهِ فِي النُّبُوَّةِ، وَكَلَفْظِ الْقُدُورِيِّ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ: أَيْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ الْمُقَارَنَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا أَنْ تَفُوتَهُمَا مَعًا فَتَكُونَ هِيَ عَصَبَةً دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ. وَقَالَ بَدِيعُ الدِّينِ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ: الْفَرْقُ أَنَّ مَعَ قَدْ تستعار للشّرط وَالْبَاء للسبب اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ) أَيْ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْمُلَاعَنَةُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَالْمِيرَاثُ لِمَوَالِيهِمَا وَهُمْ إخْوَتُهُمَا وَسَائِرُ عَصَبَةِ أُمِّهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَالْمِيرَاثُ لِمُعْتِقِهَا وَنَحْوُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ وَأَخُوهُ وَأَبوهُ، فَقَوله لمواليهما يتنازل الْمُعْتق وَغَيره وَهُوَ عصبَة أمهما. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ، فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَو أعتق أمه أَو من وَلَده الْعُصُوبَة، وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتِقَهُ أَوْ مُعْتِقَ مُعْتِقِهِ أَو وَلَده بذلك اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُوَ أَوْ أُمُّهُ حُرَّ الْأَصْلِ فَلَا يَرِثُ أَوْ يُورث بالعصوب إلَّا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ: أَيْ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ثُمَّ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَوْ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ فَلَا تَكُونُ عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ، وَلَا أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ عَصَبَتُهُ. وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ أُمَّهُ عَصَبَتُهُ، لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه قَالَ: تحرز الْمَرْأَة ثَلَاثَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 عَلَيْهِ وَقُلْنَا: الْمِيرَاثُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي تَوْرِيثِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ عَصَبَةِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ الْعُصُوبَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ أَضْعَفُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَفِي الحَدِيث بَيَان أَنَّهَا تحرز الاحراز لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْرِزَ فَرْضًا وَرَدًّا لَا تَعْصِيبًا. وَأَمَّا حَدِيثُ: عَصَبَتُهُ قَوْمُ أُمِّهِ فَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى الْعُصُوبَة، وَهِي الرَّحِم، لَا فِي إِثْبَات حقيق الْعُصُوبَة اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: قَوْلُهُ وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مَوْلَى أُمِّهِمَا، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ الْأُمِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إنَّمَا عَصَبَتُهُ مَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ لَهَا مَوْلًى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأُمَّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً فِي حَقِّ غَيْرِ وَلَدِ الزَّانِيَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ كَذَوِي الارحام اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا أَبَا لَهُمَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا نَصُّهُ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله ألحق ولد الملاعتة بِأُمِّهِ فَصَارَ كَشَخْصٍ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ قَرَابَةُ أُمِّهِ وَيَرِثَهُمْ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأُمًّا وَالْمُلَاعِنَ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا زوج أَو زَوْجَة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فَرْضه الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ الْمُلَاعِنِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدس وَالْبَاقِي مَرْدُود عَلَيْهِمَا، وَلَا شئ لِابْنِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ لَا أَخَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَإِذَا مَاتَ وَلَدُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَرِثَهُ قَوْمُ أَبِيهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ، وَلَا يَرِثُهُ قَوْمُ جَدِّهِ: أَعْنِي الْأَعْمَامَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ بَقِيَّة مسَائِله اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ. أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قدمْنَاهُ حَيْثُ جعل لامه وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسَ، مَعَ أَنَّ أَخَاهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ، فَلَوْ كَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ عَصَبَةً لَهُ لَأَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْأُمِّ. قَوْلُهُ: (وَيَفْتَرِقَانِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ اللِّعَانِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَ تَوْأَمًا فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ هُمَا كَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَقَالَ مَالِكٌ: كَالْأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ وَالتَّفَارِيعَ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (وَتُخْتَمُ الْعَصَبَاتُ إلَخْ) أَيْ خَتْمًا إضَافِيًّا، وَإِلَّا فَالْخَتْمُ فِي الْحَقِيقَةِ بِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ تقدمه على لعصبة بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّسَبِ، فَأَشَارَ بِهَذِهِ الْعبارَة إِلَى تَأَخّر عَنْ أَقْسَامِ الْعِصَابَاتِ النَّسَبِيَّةِ بِأَسْرِهَا، لِأَنَّ النَّسَبِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِيِّ، فَلِذَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ، وَإِلَّا بِالظَّاهِرِ الْمُنَاسِبُ لِمَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ: وَالْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ. أَفَادَهُ يَعْقُوبُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُعْتِقِ) الاولى مولى لعتاقة كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا تَرِثُ كَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 بَيَّنَّاهُ سَابِقًا، وَاحْتَرَزَ بِالْعَصَبَةِ عَنْ أَصْحَابِ فُرُوضِ الْمُعْتِقِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَلَا يَرِثُونَ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْفَرْضِ فِي الْوَلَاءِ، وَقَيَّدَ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةِ بِنَفْسِهَا عَلَى عَصَبَتِهِ السَّبَبِيَّةِ: أَعْنِي مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقَهُ وَهَكَذَا، فَيقدم ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا إلَخْ، ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا، ابْن كَمَال. تَنْبِيه: ابْن وَبنت اشتريا أباهما فَاشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ عَنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ فَالْكُلُّ لِلِابْنِ، لِأَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْبِنْتِ لِأَنَّهَا عصبَة سَبَبِيَّة. سائحاني. وَكَذَا لَو اشْتريت أَبَاهَا فَعتق عَلَيْهَا وَمَات عناه وَعَنْ بِنْتٍ أُخْرَى وَتَرَكَ مَالًا فَثُلُثَاهُ لَهُمَا فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأُولَى تَعْصِيبًا. قَوْلُهُ: (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ) أَيْ وُصْلَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ السَّيِّدُ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ لِلْإِنْسَانِ، إذْ بِهَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ سَائِرِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَالرِّقِّيَّةُ تَلَفٌ وَهَلَاكٌ، فَالْمُعْتِقُ سَبَبٌ لِإِحْيَاءِ الْمُعْتَقِ، كَمَا أَنَّ الْأَبَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الْوَلَدِ، وَكَمَا أَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ بِالنَّسَبِ وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ، كَذَلِكَ الْمُعْتَقُ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ: يَعْنِي إلَى الْمُعْتِقِ وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ، فَكَمَا يَثْبُتُ الارث بِالنّسَبِ كَذَلِك يثبت بِالْوَلَاءِ اهـ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْ عَصَبَتِهِ فَهُوَ وَارِثٌ دُونَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْإِرْثِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي النَّسَبِ نَحْوُ إرْثِ الْأَبِ ابْنَهُ وَبِالْعَكْسِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُشْعِرُ بِأَن من لَهُ الْوَلَاء عصبته لِتَضَمُّنِهِ تَشْبِيهَهُ بِالْأَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَبٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ. فَالْأَوْلَى زِيَادَةُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله: الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُعْتَقِ اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْأَبِ السُّدُسُ) هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ أَثَرُ الْمِلْكِ فَيَلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ مَالًا وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا كَانَ لِأَبِيهِ سُدُسُ مَالِهِ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ، فَكَذَا إذَا تَرَكَ وَلَاءً. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا لِلْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ، كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ، بِخِلَافِ الْوَلَاء فَلَا تجْرِي بِهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالِابْنُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُنَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِنَفْسِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) لَفْظُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَو دبرن أدبر مَنْ دَبَّرْنَ، أَوْ جَرَّ وَلَاءً مُعْتَقُهُنَّ أَوْ مُعْتَقُ مُعْتَقِهِنَّ وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي كَاتَبْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ مَنْ كاتبنه، أَو وَلَاء مَا دبرنه، أَو لاوء مَا دَبَّرَهُ مَنْ دَبَّرْنَهُ، أَوْ جَرَّ وَلَاءُ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ مَجْرُورُ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ، وَحَذَفَ مِنْ كُلِّ نَظِيرٍ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْآخَرِ: أَيْ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْوَلَاءِ إِلَّا وَلَاء مَا أعتقن، أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ دَبَّرْنَهُ فَكَلِمَةُ مَا الْمَذْكُورَةُ وَالْمُقَدَّرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَرْقُوقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْتَاقُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ مَا يُتَمَلَّكُ مِمَّا لَا عَقْلَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (أَوْ مَا ملكت أَيْمَانهم) * (الْمُؤْمِنُونَ: 6) وَكَلِمَةُ مَنْ عِبَارَةٌ عَمَّنْ صَارَ حُرًّا مَالِكًا فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ، فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا، وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْ وَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَصَرَّفٌ فِيهِ كَسَائِرِ الاموال، وَالثَّانِي متصرف كَسَائِر الْملاك. قَوْله: أَوْ جَرَّ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ وَهُوَ وَلَاء، وَوَلَاء الْمَذْكُور مَفْعُوله م (وَمُعْتَقُهُنَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ، وَالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى) * (يُونُس: 73) أَيْ مُفْتَرًى، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ حُذِفَ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ، وَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا كَذَا وَإِلَّا أَنْ جَرَّ: أَيْ مَجْرُورَ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءَ جَرَّهُ مُعْتَقُهُنَّ، وَثَمَّ أَوْجُهٌ أُخَرُ لَا تَظْهَرُ. وَصُورَةُ وَلَاءِ مُدَبَّرِهِنَّ: أَنَّ امْرَأَةً دَبَّرَتْ عَبْدًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَبِحُرِّيَّةِ عَبْدِهَا الْمُدَبَّرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَرَجَعَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ عَصَبَتُهُ، وَحُكْمُ مُدَبَّرِ هَذَا الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ، فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُرِّيَّةِ مُدَبَّرِهَا بِسَبَبِ لِحَاقِهَا، فَاشْتَرَى عَبْدًا وَدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَرَجَعَتْ الْمَرْأَةُ تَائِبَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا قَبْلَ مَوْتِ مُدَبَّرِهَا أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ الثَّانِي وَلَمْ يُخَلِّفْ عصلة نَسَبِيَّةً فَوَلَاؤُهُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي تَصْوِيرِهِ وَجْهًا آخَرَ. وَصُورَةُ جَرِّهِ مُعْتَقُهُنَّ الْوَلَاءَ: أَنَّ عَبْدَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَارِيَةً قَدْ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهَا إيَّاهُ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوْلَاتِهِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَخَلَّفَ مُعْتِقَةَ أَبِيهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا. وَصُورَةُ جَرٍّ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ الْوَلَاءَ: أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا، فَاشْتَرَى الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِهِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ جَرَّ بِإِعْتَاقِهِ وَلَاءَ وَلَدِ مُعْتَقِهِ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إلَى مَوْلَاتِهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَشُرُوطُ الْجَرِّ يُطْلَبُ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ إلَخْ) الشَّاذُّ هُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا روى النَّاس، فَإِذا انْفَرد الرَّاوِي بشئ نُظِرَ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطُ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ فَمَقْبُولٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ انْفِرَاده، وَإِن لميكن مِمَّن يوثق بحفظه وإتقانه ذَلِك الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ دَرَجَة الْحَافِظ الضَّابِط المقبول نفرده فَحَدِيثه حسن، وَإِلَّا فشاد مَرْدُودٌ. هَذَا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي تَعْرِيفِهِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا لَا يَرِثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ. رَوَاهُ ابْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ رَزِينُ بْنُ الْعَبْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله قَالَ: مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْأَكْبَرِ مِنْ الذُّكُورِ، وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءَ مَنْ أعتقن أَو أعتق من أعتقن اهـ. قَاسِمٌ. قَوْلُهُ: (فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ آحَادًا ثُمَّ انْتَشَرَ فَصَارَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَوَاتِرًا، وَلَمَّا كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَهُمْ الصَّحَابَة ثِقَات لَا يهتمون صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً، حَتَّى قَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ. يَعْقُوبُ: قَوْلُهُ: (ثمص شَرَعَ فِي الْحَجْبِ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ الْوَارِثِينَ مِنْ ذِي فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُحْجَبُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ عَنْ سَهْمٍ مُقَدَّرٍ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَاصْطِلَاحًا: مَنْعُ مَنْ يَتَأَهَّلُ لِلْإِرْثِ بِآخَرَ عَمَّا كَانَ لَهُ الْوَلَاءُ فَخَرَجَ الْقَاتِلُ وَالْكَافِرُ وَشَمِلَ نَوْعَيْ الْحَجْبِ، لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَةِ مَا كَانَ الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَكَوْنِهِ رَقِيقا أَو قَاتلا محروما، وَمَا كَانَ لِمَعْنى فِي غَيْرِهِ مَحْجُوبًا، وَقَسَمُوا الْحَجْبَ إلَى حَجْبِ حِرْمَانٍ: وَهُوَ مَنْعُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ لِوُجُودِ شَخْصٍ آخَرَ، وَحَجْبُ نُقْصَانٍ: وَهُوَ حَجْبُهُ مِنْ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ إلَى فَرْضٍ أَقَلَّ مِنْهُ لوُجُود آخر، فَخرج انْتِقَاض السِّهَامِ بِالْعَوْلِ، وَكَذَا انْتِقَاصُ حِصَصِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَ مَنْ يُجَانِسُهُمْ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَالزَّوْجَاتِ مَثَلًا، ثُمَّ حَجْبُ الْحِرْمَانِ يَدْخُلُ فِيمَنْ عَدَّ السِّتَّةَ الْمَذْكُورِينَ مَتْنًا، وَحَجْبُ النُّقْصَانِ يَدْخُلُ فِي خَمْسَةٍ فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَبَوَانِ) أَيْ الْأَبُ وَالْأُمُّ دُونَ مَنْ فَوْقهمَا، لَان كلا من الْجد وَالْجدّة قَدْ يُحْجَبُ حِرْمَانًا فَهُمَا مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَالْوَلَدَانِ) أَيْ الِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَثَنَّاهُ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَإِلَّا فَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. تَأَمَّلْ. قَوْله: (سَوَاء كَانُوا عصبات) كَذَا مَنْ بِمَعْنَى الْعَصَبَاتِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ حَجْبُ الْحِرْمَانِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَيْ مُتَرَتِّبٌ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ مَجْمُوعِهِمَا، فَإِذَا وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا وُجِدَ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ بَحْثٌ يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (يَحْجُبُ الْأَقْرَبُ) أَيْ بِحَسَبِ الدَّرَجَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي سِوَاهُمْ لِلسِّتَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (اتَّحد فِي السَّبَبِ) كَالْجَدَّاتِ مَعَ الْأُمِّ وَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الصلبيتين أَو كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَدْلَى) الْإِدْلَاءُ لُغَةً: إرْسَالُ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كل شئ يُمْكِنُ فِيهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَمَعْنَى يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ: يُرْسِلُ قَرَابَتَهُ إلَيْهِ بِشَخْصٍ، وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، فَالْقَرَابَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُدْلِي وَالْوَاسِطَةِ ط. قَوْلُهُ: (كَابْنِ الِابْنِ إلَخْ) مِثَالٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَمِثْلُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أُمُّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: لُزُومُ حَجْبِ أُمِّ الْأُمِّ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُدْلِ بِهِ، وَكَذَا حَجْبُ بِنْتِ الِابْنِ بِالْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ الصلبية والاخت لاب بالاخت لابوين وَابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَخِ لِأُمٍّ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لِلْفَرِيقِ الثَّانِي الَّذِينَ يَرِثُونَ تَارَةً وَيُحْرَمُونَ أُخْرَى، وَفِيهِمْ الْعَصَبَاتُ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 إذَا كَانَ الْأَبْعَدُ مُدْلِيًا بِالْأَقْرَبِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِمَا أَصْلَيْنِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ الَّذِي لَيْسَ بِأَبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْلِي بِهِ. أَفَادَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ لَكِنْ بِجِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ. قَوْلُهُ: (وَالْمَحْرُومَ) أَيْ مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ عَنْ الْإِرْثِ الْمَعْنى فِي نَفسه. قَوْله: (عَامَّةُ الصَّحَابَةِ) . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يُحْجَبُ نُقْصَانًا لَا حِرْمَانًا، كَالِابْنِ الْكَافِرِ مَثَلًا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْجَبُ الْأَخُ لِأُمٍّ بِابْنٍ كَافِرٍ حَجْبَ حِرْمَانٍ. قَوْلُهُ: (أَصْلًا) أَيْ لَا نُقْصَانًا وَلَا حِرْمَانًا. قَوْلُهُ: (وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ) أَيْ الْمَحْجُوبُ حِرْمَانًا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَنُقْصَانًا، وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِمِثَالٍ. قَوْلُهُ: (وَتَحْجُبُ أُمُّ أُمُّ الْأُمِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَكْرَارِ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي بَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (بِالْأُمِّ) فَإِنَّهَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَبِالْعَدَدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ. قَوْلُهُ: (وَبِنْتِ الِابْنِ) تُحْجَبُ من الصُّلْبِيَّةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ. قَوْلُهُ: (وَالْأُخْتِ لِأَبٍ) تُحْجَبُ مَعَ الشَّقِيقَةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ. قَوْلُهُ: (وَالزَّوْجَيْنِ) فَالزَّوْجُ يُحْجَبُ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةُ مَعَ الرُّبْعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَعْيَانِ) قَدَّمْنَا وَجْهَ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى أُصُولِ زيد) أَي ابْن ثَابت الصَّحَابِيّ الْخَلِيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَحَاصِلُ أُصُولِهِ: أَنَّ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ حِينَ الْمُقَاسَمَةِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مَعَهُمْ عَنْ مِقْدَارِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ ذِي الْفَرْضِ، وَعَنْ مِقْدَارِ السُّدُسِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَهُ فِي الْأُولَى أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ دُونَ مِثْلَيْهِ فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ، أَوْ مِثْلَاهُ فَسِيَّانِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ. وَصُوَرُ الْأَوَّلِ خَمْسٌ فَقَطْ: جَدٌّ وَأَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ: جَدٌّ وَأَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ، وَالثَّالِثُ لَا يَنْحَصِرُ. وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ إعْطَاءِ ذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ خَيْرُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، إمَّا الْمُقَاسَمَةُ كَزَوْجٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ، وَإِمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي كَجَدَّةٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَإِمَّا سُدُسُ كُلِّ الْمَالِ كَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ الْأَعْظَمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، وَهُوَ أعلم الصحاية وَأَفْضَلُهُمْ، وَلَمْ تَتَعَارَضْ عَنْهُ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا؟ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَخْ) قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَقَالَ حَيْدَرُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ: إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، وَقَالُوا: إذَا كُنَّا نُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَالِاخْتِلَاف هُنَا أظهر، فالفتوى فِيهِ بِالصُّلْحِ أولى اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ عَدَمُ النَّصِّ فِي إرْثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بَعْدَ اخْتِلَافٍ كثير، وَهُوَ من أشكل أَبْوَاب الْفَرَائِض اهـ. لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلِذَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى اخْتِيَارِهِ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ) أَيْ الذُّكُورِ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ صَرِيح الْعبارَة، حَيْثُ عَبَّرَ بِبَنِي وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَوْلَادِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ فَسَّرَ بَنِي الْأَعْيَانِ بِالْإِنَاثِ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِقَبُولِ الْمَقَامِ لَهُ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَقْبَلُهُ، فَإِنَّ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ لَا يَسْقُطُونَ بِالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالْأُخْتِ إلَخْ اهـ ح. قلت: نعم، لَكِن قد يسْقط بعد أَوْلَادِ الْعَلَّاتِ بِالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي الْأَعْيَانِ كَالْأَخَوَاتِ لاب يسقطن بالاختين لابوين مَا لن يُعَصِّبْهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ أَوْضَحُ وَنَصُّهَا: وَبَنُو الْأَعْيَانِ وَبَنُو الْعَلَّاتِ كُلُّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِالْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَسْقُطُ بَنُو العلات بالاخ لاب وَأم اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ تَسْقُطُ بِالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَتُحْفَةِ الْأَقْرَانِ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبِهَؤُلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدِّ) أَيْ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ. قَوْلُهُ: (إذَا صَارَتْ عَصَبَةً) أَيْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ، وَإِنَّمَا سَقَطُوا بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَونهَا عصبَة أقرب إِلَى الْمَيِّت اهـ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَخْيَافِ) الْخَيْفُ: اخْتِلَافٌ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلَاءَ، وَفَرَسٌ أَخْيَفُ. وَمِنْهُ الْأَخْيَافُ: وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِآبَاءٍ شَتَّى، يُقَالُ إخْوَةٌ أَخْيَافٌ. وَأَمَّا بَنُو الْأَخْيَافِ فَإِنْ قَالَهُ مُتْقِنٌ فَعَلَى إضَافَةِ الْبَيَان اهـ. مُغْرِبٌ. قَوْلُهُ: (بِالْوَلَدِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ أُنْثَى فَيَسْقُطُونَ بِسِتَّةٍ بِالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَابْنِ الِابْنِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَيَجْمَعُهُمْ قَوْلُك الْفَرْعُ الْوَارِثُ وَالْأُصُولُ الذُّكُورُ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَيَحْجُبُ ابْن الام أصل ذكركذاك فَرْعٌ وَارِثٌ قَدْ ذَكَرُوا قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَالْجَدِّ أَيْ بِخِلَافِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ فَفِي سُقُوطِهِمْ بِهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ من قبيل الْكَلَالَة) عِلّة لسقوطهم بِمَا ذكر بَيَانه أَنه قَول تَعَالَى: * (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت) * الْآيَةَ، الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ إجْمَاعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ الْأُمِّ وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي إرْثِ الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ إِجْمَاعًا فَلَا إِرْث لاولاد مَعَ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ لَفْظُ الْكَلَالَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنى الاعياد وَذَهَاب الْقُوَّة، ثمَّ استعير لقرابة من عد الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ كَأَنَّهَا كَالَّةٌ ضَعِيفَةٌ بِالْقِيَاسِ إلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ مِنْ الْمُخَلَّفِينَ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَالْإِدْلَاءِ تَأْثِيرًا فِي الْحَجْبِ، فَأُمُّ الْأَبِ تُحْجَبُ بِهِ لِلْإِدْلَاءِ فَقَطْ، وَبِالْأُمِّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأُمُومَةُ، وَأُمُّ الْأُمِّ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِوُجُودِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَبَوِيَّاتِ يُحْجَبْنَ بِهِ، وَالْأُمِّيَّاتِ الصَّحِيحَاتِ لَا يَزْدَدْنَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَبَدًا، وَأَمَّا الْجَدُّ فَتَرِثُ مَعَهُ وَاحِدَةٌ أَبَوِيَّةٌ وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ، أَو من فَوْقهَا كَأُمّ أم الاب، وَإِذ بَعُدَ بِدَرَجَتَيْنِ كَأَبِي أَبِي الْأَبِ تَرِثُ مَعَهُ أَبَوِيَّتَانِ: إحْدَاهَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ. أَوْ مَنْ فَوْقَهَا كَأُمِّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ وَالثَّانِيَةُ أُمُّ أم الْأَب أَو من فَوْقهَا كَأُمّ أم أُمِّ الْأَبِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ لَمْ تُدْلِ بِهِ، وَأَيْضًا لَمْ يُوجَدْ اتِّحَادُ السَّبَبِ لِأَنَّ جِهَتَهُ الْأُبُوَّةُ وَجِهَتَهَا الْأُمُومَةُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ، فَلَوْ أَعْلَى مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ أَوْ جَدَّتُهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَو الاب. قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ، قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (كَمَا قَدَّمْنَاهُ) عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ. قَوْلُهُ (وَقَدْ قَدَّمَ إلَخْ) أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ لَوْ كَانَ أُمُّ الْأَبِ لَحَجَبَتْ غَيْرَهَا، وَلَمْ يَتَأَتَّ الْخلاف بَين مُحَمَّد وصاحبيه اهـ ح. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَدَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ) أَيْ جَدَّةٌ لِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أَبِ أَبِيهِ، وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ، ثُمَّ نَقُولُ: هُنَاكَ امْرَأَة أُخْرَى وَقد كَانَ تزوج بنتهَا ابْن الْمَرْأَة الاولى فَولدت من بنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 الْأُخْرَى ابْنُ ابْنِ الْأُولَى الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَيِّتِ فَهَذِهِ الْأُخْرَى أُمُّ أُمِّ أَبِي الْمَيِّتِ فَهِيَ ذَاتُ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ. مِنَحٌ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَكَانَ هُوَ الْمُرَجَّحُ وَإِنْ اقْتَضَى صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ خِلَافه، فلينتبه لَهُ. وَأَصْلُ هَذَا: أَنَّ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، ثُمَّ الْوَضْعُ فِي ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ لِإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُقْسَمُ أَنْصَافًا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: بِاعْتِبَارِ الْجِهَاتِ وَإِن كثرت، فَلْيحْفَظ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْأَخَوَاتُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَكْمِلَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لَا مَجْمُوعُهُمَا. أَفَادَهُ ط. قَوْلُهُ: (سَقَطَ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَخٍ) أَيْ لِأَبٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي إطْلَاقِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ، وَيُجَابُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مُوَازٍ أَوْ سَافِلٌ صِفَةٌ لِابْنِ ابْنٍ دُونَ الْأَخِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُ الْأَخِ بِالنُّزُولِ: أَيْ فَإِنَّ ابْنَ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ دُونَهَا. نَعَمْ كَانَ حَقُّهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ. قَوْلُهُ: (لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُلْتَقَى أَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا، وَقَدَّمْنَاهُ مَنْظُومًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَي الاخت فِي هَذِه الصُّور، لَكِن بِنْتَ الْمُعْتِقِ لَيْسَتْ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِ الْمَيِّتِ، فَالْمُرَادُ مَنْ عَدَاهَا وَإِنَّمَا لَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، لانه لَيْسَ للنِّسَاء من الْولَايَة إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، وَعَبَّرَ بِذَوِي وَلَمْ يَقُلْ ذَوَاتِ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَكَانَت من القانتين) *. قَوْلُهُ: (مَنْ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الدَّرَجَةِ كَأُخْتِهِ أَوْ بِنْتِ عَمِّهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَهُ) كَعَمَّتِهِ. قَوْله: (فَإِنَّهُ يُعَصِّبُ مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ، وَإِلَّا صَارَ مَحْرُومًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إرْثِ الْعَصَبَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ أُنْثَى عَلَى الْأَبْعَدِ، وَلِذَا تُقَدَّمُ الْأُخْتُ على بن الْأَخِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ فَوْقَهُ إنَّمَا صَارَتْ عَصَبَةً بِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا فَكَيْفَ تَحْجُبُهُ؟ وَانْظُرْ مَا أَجَابَ السَّيِّدُ قُدِّسَ سِرُّهُ. قَوْلُهُ: (ذَاتَ سَهْمٍ) أَيْ فَرْضٍ. قَوْلُهُ: (لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ) لِانْتِمَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ. قَوْله: (فلهَا النّصْف) لانها قَامَت مَقَامَ بِنْتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهَا. قَوْلُهُ: (تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَتَيْنِ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِثَلَاثِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ لِانْتِمَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ بِأَرْبَعِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ فَلَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ، لِأَنَّهَا تُدْلِي بِخَمْسِ وَسَائِطَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلْيَا مِنْ الْأَوَّلِ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الصُّلْبِيَّةِ قَامَ مَنْ دُونَهَا بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مَقَامَ بَنَاتِ الِابْنِ. قَوْله: (وَلَا شئ لِلسُّفْلِيَّاتِ) وَهِيَ السِّتُّ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْبَنَاتِ التِّسْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ الثُّلُثَانِ لِتِلْكَ الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْبَاقِيَاتِ فَرْضٌ وَلَيْسَ لَهُنَّ عُصُوبَةٌ قَطْعًا فَلَا يَرِثْنَ مِنْ التَّرِكَةِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَخَذَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمْ النِّصْفَ، وَأَخَذَتْ الْوُسْطَى مِنْهُمْ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي السُّدُسَ وَيَكُونُ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ السُّفْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَالْوُسْطَى مِنْ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الثَّالِثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَخْمَاسًا، وَسَقَطَ سُفْلَى الثَّانِي وَوُسْطَى الثَّالِثِ وَسُفْلَاهُ. وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَانَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سفلى الاول، ووسطى الثَّانِي سفلاه، وَعُلْيَا الثَّالِثِ وَوُسْطَاهُ أَسْبَاعًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَسَقَطَتْ سُفْلَى الثَّالِثِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ كَانَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ السُّفْلَيَاتِ السِّتِّ أَثْمَانًا، وَإِنْ فَرَضَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ كَانَ جَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ لِلذَّكَرِ مثل حَظّ الانثيين، وَلَا شئ لِلسُّفْلِيَّاتِ وَهُنَّ ثَمَانٍ، وَإِنْ فَرَضَ مَعَ وُسْطَى الْأَوَّلِ، فَتَأْخُذُ عُلْيَا الْأَوَّلِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي لِلْغُلَامِ مَعَ مَنْ يُحَاذِيهِ وَهِيَ وُسْطَى الْأَوَّلِ وَعُلْيَا الثَّانِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَا الْحَالُ إِذا فرض مَعَ عليا الثَّانِي. وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَعَلَى مَا سَتُحِيطُ بِهِ فِيمَا بَعْدُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْبَنَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يُسَمَّى مَسْأَلَةَ التَّشْبِيبِ لِأَنَّهَا بِدِقَّتِهَا وَحُسْنِهَا تَشْحَذُ الْخَوَاطِرَ وَتُمِيلُ الْآذَانَ إلَى اسْتِمَاعِهَا فَشُبِّهَتْ بِتَشْبِيبِ الشَّاعِرِ الْقَصِيدَةَ لِتَحْسِينِهَا وَاسْتِدْعَاءِ الْإِصْغَاءِ لِسَمَاعِهَا اهـ. مِنْ شَرْحِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا تَكُونُ صَاحِبَةَ فَرْضٍ) أَمَّا مَنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ سَهْمَهَا وَلَا تَصِيرُ بِهِ عَصَبَةً، وَهِيَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ الَّتِي أَخَذَتْ النِّصْفَ وَالْوُسْطَى مِنْهُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي حَيْثُ أَخَذَتَا السُّدُسَ، وَهَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فِيمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ دُونَ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنَّهُ يعصبها مُطلقًا. سيد. قَوْله: (وسط السُّفْلَيَاتُ) أَيْ اللَّاتِي تَحْتَهُ فِي الدَّرَجَةِ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (هُوَ أَخٌ لِأُمِّ) كَأَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَخَوَيْنِ فَجَاءَتْ مِنْ كُلٍّ بِوَلَدٍ وَلِلْأَخَوَيْنِ وَلَدُ أَخٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا فَمَاتَ أَحَدُ وَلَدَيْهَا عَنْ أَخِيهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ عَمِّهِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَو كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 الْآخَرُ زَوْجًا) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحدهمَا أَي أحد ابْن عَمِّهَا زَوْجَهَا ط. قَوْلُهُ: (وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي) وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ ط. قَوْلُهُ: (حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ إرْثِهِ بِهِمَا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ فِي الْأُولَى فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ، وَتَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ عَنْ السُّدُسِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخًا لِأُمٍّ، وَيَشْتَرِكُ هُوَ وَابْنُ الْعَمِّ الْآخَرِ فِي الْبَاقِي، وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ للزَّوْج فرضا وَلَا شئ لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ بُنُوَّةُ الْعم. قَوْله: (بجهتي فرض وتعصيب) فهة الْفَرْض الزَّوْجِيَّة واخوة لِأُمٍّ وَجِهَةُ التَّعْصِيبِ كَوْنُهُ ابْنَ عَمٍّ ط. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا بِفَرْضٍ) أَيْ وَأَمَّا الْإِرْثُ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ ط. قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الْأُبُوَّةُ ط. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ إلَّا الْأَبُ وَأَبُوهُ) أَيْ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْمُ لَيْسَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْإِرْثِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا الْأَبُ أَيْ إلَّا إرْثُ الْأَبِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ حُذِفَ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَهَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: لَيْسَ الطِّيبُ إلَّا الْمِسْكُ فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي الْمِسْكِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا تَعْصِيبٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْإِرْثِ بِهِمَا لِأَنَّهُ هُنَا بِإِحْدَاهُمَا لِتَقْدِيمِ جِهَة النُّبُوَّة على جِهَة العمومية وَجِهَةِ الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا فَرْضٍ) صورته: نكح مَجُوسِيّ بنته واستولدها فَالْوَلَد ابْن لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَأَخٌ لَهَا، فَإِذَا مَاتَ عَنْهَا مَاتَ عَنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَتَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَجُوسِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وطئ مَحْرَمٍ نَكَحَهَا، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ عَلَى مَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ، فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ قَالَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاح الْمَجُوس وَفِي وط الشُّبْهَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي نِكَاح المسملين الصَّحِيح اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَى الْجِهَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي يَرِثُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ وَتَرَكَ أُمًّا هِيَ أُخْتُهُ تَرِثُ عِنْدَنَا بِالْجِهَتَيْنِ: الثُّلُثَ بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ وَالنِّصْفَ بِجِهَة الاختية، وَأما عِنْده: فترث بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (يُشَرَّكُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ أَوْلَادِ الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ، وَلِذَا سُمِّيَتْ مُشَرَّكَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا عَلَى نِسْبَةِ التَّشْرِيكِ إلَيْهَا مَجَازًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يَفْرِضُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشِّنْشَوْرِيُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَكْدَرِيَّةَ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ. قَوْلُهُ: (فَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ وَلِلْجَدِّ وَاحِدٌ وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ، لَكِنْ لَمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 كَانَتْ الْأُخْتُ لَوْ اسْتَقَلَّتْ بِمَا فُرِضَ لَهَا لَزَادَتْ عَلَى الْجَدِّ رُدَّتْ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ بِالْجَدِّ، فَيَضُمُّ إلَى حِصَّتِهَا حِصَّتُهُ، وَيَقْتَسِمَانِ اوربعة بَينهمَا أَثلَاثًا: * (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) * لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (تَسْقُطُ الْأُخْتُ) فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ بِسُقُوطِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ بِالْجَدِّ خِلَافًا لَهُمَا. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَجْبِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْعَوْلِ مَسَائِلُ الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَادِلَةٌ، وَعَاذِلَةٌ، وَعَائِلَةٌ: أَيْ مُنْقَسِمٌ بِلَا كَسْرٍ أَوْ بِالرَّدِّ أَوْ بِالْعَوْلِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ، يُقَالُ: عِيلَ صَبْرُهُ: أَيْ غَلَبَ، وَبِمَعْنَى الرَّفْعِ، يُقَالُ: عَالَ الْمِيزَانَ: إذَا رَفَعَهُ، فَقِيلَ: إنَّ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَالَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِالْجَوْرِ حَيْثُ نَقَصَتْ مِنْ فُرُوضِهِمْ وَالتَّقْسِيمُ الْمَارُّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَادِلَةَ مِنْ الْعَدْلِ مُقَابِلُ الْجَوْرِ. وَقِيلَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهَا غَلَبَتْ أَهْلَهَا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِم. وَقيل من الثَّالِث لانها إِذْ ضاف مَخْرَجُهَا بِالْفُرُوضِ الْمُجْتَمِعَةِ تُرْفَعُ التَّرِكَةُ إلَى عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ، ثُمَّ يُقْسَمُ حَتَّى يَدْخُلَ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَاخْتَارَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (وَضِدُّهُ الرَّدُّ) إذْ بِالْعَوْدِ تَنْتَقِصُ سِهَام ذَوي الْفُرُوض وزيداد أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَبِالرَّدِّ يَزْدَادُ السِّهَامُ وَيَنْتَقِصُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي الْعَوْلِ تَفْضُلُ السِّهَامُ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِي الرَّدِّ يَفْضُلُ الْمَخْرَجُ عَلَى السِّهَامِ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (هُوَ زِيَادَةُ السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِذَا سَهُلَ الْإِضْمَارُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ط. قَوْلُهُ: (عَلَى مَخْرَجِ الْفَرِيضَةِ) أَيْ مَخْرَجِ السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ عِبَارَةُ عَنْ أَقَلِّ عَدَدٍ صَحِيحٍ يَتَأَتَّى مِنْهُ حَظُّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَة بِلَا كسر اهـ. سَكْبُ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (كَنَقْصِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِالْمُحَاصَّةِ) أَيْ الدُّيُونِ الَّتِي ضَاقَتْ عَنْهَا التَّرِكَةُ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَالنَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِالْعَوْلِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صُورَةٍ ضَاقَ مَخْرَجُهَا عَنْ فُرُوضِهَا، فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ، فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ إلَى الْعَوْلِ فَقَالَ: أَعِيلُوا الْفَرَائِض، فتابعوه على ذَلِك وَلم يُنكره أَحَدٌ إلَّا ابْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمَخَارِجُ سَبْعَةٌ) وَجْهُهُ أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ. وَالثَّانِي: الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ. وَلَهَا حَالَتَانِ: انْفِرَادٌ، وَاجْتِمَاعٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 ومخارجها فِي الِانْفِرَاد خَمْسَة: الِاثْنَان لِلنِّصْفِ، واوربعة لِلرُّبُعِ، وَالثَّمَانِيَةُ لِلثُّمُنِ، وَالثَّلَاثَةُ لِلثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَالسِّتَّةُ لِلسُّدُسِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ فُرُوضٌ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ لانه يعْتَبر مخرج أدناها، فَفِي نصف ربع مِنْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ نِصْفٍ وَثُمُنٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، أَوْ ثُلُثٍ وَسُدُسٍ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ: فَإِذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِكُل النَّوْع الثَّانِي أَو بعضه فَمِنْ سِتَّةٍ، وَهِيَ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا أَيْضًا، وَإِذا اخْتَلَط الرّبع بِكُل النَّوْع الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا اخْتَلَطَ الثُّمُنُ بِكُلِّ النَّوْعِ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيُضَمُّ هَذَانِ إلَى الْخَمْسَةِ فَتَصِيرُ الْمَخَارِجُ سَبْعَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا: إمَّا أَنْ يَفِيَ الْمَالُ بهَا، أَو يبْقى مِنْهُ شئ زَائِدٌ عَلَيْهَا، وَبَيَانُهُ فِي الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةٌ قَدْ تَعُولُ) وَهِيَ السِّتَّةُ وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا، وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ الْعَوْلَ لَيْسَ لَازِمًا لَهَا. قَوْلُهُ: (بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ بِاخْتِلَاطِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِكُلِّ الْآخَرِ أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، قَوْلُهُ: (إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) أَيْ تَعُولُ إلَى أهد إدْخَالَ كَوْنِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى عَشَرَةٍ فَلَيْسَتْ إلَى صِلَةٍ لِتَعُولَ، بَلْ صِلَتُهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَيست وترا شفعا، قَوْله: وِتْرًا وَشَفْعًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي عَالَتْ إلَيْهِ: أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ مُنْقَسِمَةً إلَى وِتْرٍ وَشَفْعٍ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتسَمى منبرية) لَان عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى، فَسُئِلَ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَقَالَ: مَنْ رَوِيِّهَا وَالْمَرْأَةُ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا، وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ فَتَعْجَبُوا مِنْ فِطْنَتِهِ. دُرٌّ مُنْتَقًى. قَوْلُهُ: (ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ: أَيْ فِي الْوَرَثَةِ ط. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ، وَالْأَوْضَحُ التَّصْرِيحُ بِهِ ط. قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: إجْمَاعًا وَلَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَظِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا، وَبِهِ أَفْتَى مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ. أَفَادَهُ فِي غرر الافكار. قَوْله: (وَغَيره) كسراح السِّرَاجِيَّةِ وَالْكَنْزِ. وَقَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: وَحُجَّةُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ عَالَتْ لَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكل، فَإِذا فضل شئ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْكُلِّ، لِأَنَّ الْغُنْمَ بالغرم. وَالْجَوَاب أَن مِيرَاث الزوحين عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ وَصْلَتَهُمَا بِالنِّكَاحِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ نَصًّا يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى فَرْضِهِمَا، وَلَمَّا كَانَ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي نَصِيبِهِمَا مَيْلًا لِلْقِيَاسِ النَّافِي لِإِرْثِهِمَا قِيلَ بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، فَظهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 الْفرق وحصحص الْحق اهـ ط مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَيُفْتَى بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ: مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إِلَيْهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ: الْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ التَّفْتَازَانِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَقَارِبِ سِوَاهُمَا لِفَسَادِ الْإِمَامِ وَظُلْمِ الْحُكَّامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، بَلْ يُفْتَى بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتِقِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ، وَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتق وَذَوي أرحامه اهـ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْكَازَرُونِيِّ. قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا بِنْتَ الْمُعْتِقِ يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهَا لَا إِرْثا بل أَقْرَبُ، وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُدْفَعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَكَذَا يُدْفَعُ إلَى الْبِنْتِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَبِهِ يُفْتَى لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ الظَّلَمَةُ لَا يَصْرِفُونَهُ إلَى مَصْرِفِهِ، وَهَذَا كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُفْتُونَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ: قُلْت: وَلَكِنْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ لَا يُفْتُونَ بِذَلِكَ. فَتنبه اهـ. أَقُول: وَلم نسْمع أَيْضا زَمَاننَا من أفتى بشئ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمُتُونِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا أَفْتَوْا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مُخَالِفِينَ لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ لِخَشْيَةِ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أَيْضًا، وَحَيْثُ ذَكَرَ الشُّرَّاحُ الْإِفْتَاءَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلْيُعْمَلْ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ مَنْ يُسَمَّى وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَصْرِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَخَدَمِهِ وَلَا يَصِلُ مِنْهُ إلَى بَيْتِ المَال شئ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَلَامُ الشُّرُوحِ عِنْدَ عَدَمِ انتظامه، فَلَا مُعَاوضَة بَيْنَهُمَا، فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْإِفْتَاءُ بِذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فيلفت بِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرُ) أَيْ صِنْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَا أَكْثَرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (إمَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ يُوجَدُ. قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ) يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْجِنْس شَخْصًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَلِذَا مَثَّلَ الْعَلَّامَةُ قَاسم بقول كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدَّاتٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ بَنَاتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. قَوْله: (من عدد رؤوسهم) أَي رُؤُوس ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَرَأْسُ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ هُوَ فِيهَا وَحِينَئِذٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 تكون الْمَسْأَلَة وَاحِدًا اهـ. شَرْحُ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ. قَوْلُهُ: (قَطْعًا لِلتَّطْوِيلِ) أَيْ بِجعْل الْقِسْمَةَ قِسْمَةً وَاحِدَةً، أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ السِّهَامِ، ثُمَّ قَسَمْتَ الْبَاقِي مِنْ سِهَامِهِمْ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ تِلْكَ السِّهَامِ صَارَتْ الْقِسْمَةُ مَرَّتَيْنِ اهـ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) أَيْ بِحَسَبِ سَبَب الارث كالجدودة والاخوة وَالْبِنْتِيَّةِ وَالْأُمُومَةِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْجِنْسَيْنِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْجَدَّةِ وَالْأُخْتِ لِأُمِّ اللَّتَيْنِ فَرْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ أَوْ كَانَ فَرْضُ الِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَجْنَاسِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُمِّ، إذْ الْبِنْتِيَّةُ سَبَبٌ وَبِنْتِيَّةُ الِابْنِ سَبَبٌ آخَرُ، وَإِنْ شَمِلَهُمَا مُطْلَقُ الْبِنْتِيَّةِ، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أجتاس لَا جِنْسَانِ فَقَط اهـ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ. قَوْلُهُ: (بِالِاسْتِقْرَاءِ) أَيْ تَتَبُّعُ جُزْئِيَّاتِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ النَّافِي: أَيْ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ بِالِاسْتِقْرَاءِ ط. قَوْلُهُ: (فَمِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ) وَهِيَ أَربع لَا غَيْرُ: الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكُلُّهَا مُقْتَطِعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (لَوْ سُدُسَانِ) كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَلَهُمَا مِنْهَا اثْنَانِ بِالْفَرِيضَةِ، فَاجْعَلْ الِاثْنَيْنِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَالِ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ) كَوَلَدَيْ الْأُمِّ مَعَ الام فَهِيَ أَيْضا من سِتَّة ولولدي الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، فَاجْعَلْهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ عَدَدَ سِهَامِهِمْ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَمْثَالِ الْأَقَلِّ وَتَضُمَّهُ إلَيْهِ فَفِي الثُّلُث سدسان فتضمهما إِلَى سدس الام اهـ. قَاسِمٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ) كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلْبِنْتِ وَوَاحِدٌ لِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ الْأُمِّ، فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْبِنْتِ وَرُبُعٌ مِنْهَا لِلْأُمِّ أَوْ بنت الابْن اهـ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (كَثُلُثَيْنِ وَسُدُسٍ) كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْكَافِ وَلَمْ يَأْتِ بِلَوْ كَمَا فِي سَوَابِقِهِ لِأَنَّ لِلْخَمْسَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: ثَانِيهَا نِصْفٌ وَسُدُسَانِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٌّ، ثَالِثُهَا نِصْفٌ وَثلث كأخت وبوين مَعَ أُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَالْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَيْضًا مِنْ سِتَّةِ وَالسِّهَامُ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا خَمْسَةٌ فَتُجْعَلُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ أَخْمَاسًا. تَنْبِيهٌ: الْقِسْمَةُ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ اسْتَقَامَتْ عَلَى الْوَرَثَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَمَا إذَا خَلَّفَ بِنْتًا وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلِبَنَاتِ الِابْنِ سَهْمٌ وَاحِدٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ: أَعنِي عدد رُؤُوس من انْكَسَرَ عَلَيْهِ من أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْبِنْتِ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ ثَلَاثَةٌ مُنْقَسِمَةٌ عَلَيْهِنَّ. سيد. قَوْله: (ولثالث) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَسَمَ الْبَاقِي على رُؤُوس مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ تَقْسِمُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِك الْمخْرج على عدد رُؤُوس ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا كُنْتَ تَقْسِمُ جَمِيعَ المَال على عدد رؤوسهم إذَا انْفَرَدُوا عَمَّنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 أَرْبَعَةٍ) وَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ فِيهَا، وَمِثْلُهَا الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ) أَيْ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ. قَوْله: (ضرب وفقها) أَي وفْق رؤوسهم. قَوْله: (وَهُوَ هُنَا اثْنَان) لَان عدد الرؤوس سِتَّةٌ وَالْبَاقِي مِنْ الْمَخْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِالثُّلُثِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُدَاخَلَةِ هُنَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يُوَافِقْ) أَيْ الْبَاقِي عدد رؤوسهم. قَوْله: (فَاضْرب الاربعة فِي الْخَمْسَة) الْمُوَافِقِ لِسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ ط. لَان الْمَضْرُوب هُوَ عدد الرؤوس الْخَمْسَةِ وَالْمَضْرُوبَ فِيهِ هُوَ الْمَخْرَجُ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ. قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (هُنَا) أَي فِي مسَائِل اجْتِمَاع لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَعَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ، وَذَلِكَ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِ النِّصْفِ وَالسُّدُسَيْنِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُرَدُّ مَعَ أَرْبَعِ طَوَائِفَ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهَا مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُودِ الرَّدِّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسَيْنِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الْجِنْسَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا مَرَّ: وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ ثَلَاثَةً أَيْضًا لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ هُنَا: وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي إلَخْ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثَةُ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى وَجَبَ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالثَّانِي بَعْضُهُ، وَهُوَ الْجِنْسَانِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، فَاقْتِصَارُهُ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ لَا لِعَدَمِ تَأَتِّي الثَّلَاثَةِ هُنَاكَ، بَلْ لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا هُنَا بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ. أَقُولُ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ الِاسْتِقْرَاءُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَسْأَلَةً رِدْيَةً اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُ طَوَائِفَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ للزَّوْجَة الثّمن ثَلَاث وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَى مَنْ الزَّوْجَةِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ. وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، ثُمَّ رَأَيْته هُنَا فِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ وَشَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: أَنَّهُ مِنْ الشُّبَهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي تورد فِي هَذَا الْمقَام اهـ. وَعَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الثَّانِي الثَّلَاثَةَ، وَيُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِهِ هُنَا كُلُّهُ لَا بَعْضُهُ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَالْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنْ اعْتَرَضَهُمْ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالسَّهْوِ، فَإِنَّهُ لَا سَهْوَ فِي كَلَامِهِمْ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا عَلِمْت، فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 مَزَلَّةُ الْأَقْدَامِ. قَوْلُهُ: (إنْ اسْتَقَامَ) أَيْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى سِهَامِهِمْ، سَوَاء استقام على عدد رؤوسهم أَيْضا أَو لَا، فَالثَّانِي مَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَجَدَّةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجَةِ تَسْتَقِيمُ عَلَى سَهْمِ الْجدّة وسهمي الاختين وعَلى رؤوسهم أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى آحَادِ كُلِّ فريق) أَي على عدد رؤوسهم، لِأَنَّ نَصِيبَ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعِ وَاحِدٌ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِم بل بَينهمَا مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن بِأَسْرِهِ، وَكَذَا نَصِيبُ الْأَخَوَاتِ السِّتِّ اثْنَانِ فَلَا يستقيمان عَلَيْهِنَّ، لَكِن بَين عدد رؤوسهن وسهامهن مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَرَدَّنَا عدد رُؤُوس الْأَخَوَاتِ إلَى نِصْفِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ طَلَبْنَا التوافق بَين أعداد الرؤوس والرؤوس فَلم نجدها فضربنا وفْق رُؤُوس الاخوات وَهُوَ الثَّلَاثَة فِي عدد رُؤُوس الْجَدَّاتِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ ضَرَبْنَاهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَصَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ اثْنَا عَشَرَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَأَعْطَيْنَاهُ الزَّوْجَةَ، وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ أَيْضًا وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ فَكَانَ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ اثْنَان فضربناهما فِيهِ بلع أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةٌ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ فَرِيقِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفَرِيقِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ط. قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ، لَكِنَّهَا رَدِّيَّةٌ فَرَدَدْنَاهَا إلَى أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ) فَالثُّلُثَانِ فَرْضُ الْبَنَاتِ بِأَرْبَعَةِ أَسْدَاسٍ وَالسُّدُسُ فَرْضُ الْجَدَّاتِ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ هِيَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ضَرَبْتَ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ حِصَّةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ ط. قَوْلُهُ: (وَاضْرِبْ) الْأَوْلَى وَضَرَبْت بِالْمَاضِي لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَاسْتَقَامَ فَرْضُ كُلِّ فَرِيقٍ) أَيْ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ اسْتَقَامَ عَلَى سِهَامِهِمْ لكنه منكسر على رؤوسهم، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ زَوْجَةٌ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَسَبْعُ جَدَّاتٍ لَتَمَّ الْعَمَلُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْحِيحِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (فَصَحَّحَهُ بِالْأُصُولِ السَّبْعَةِ إلَخْ) ثَلَاثَةٌ بَين سِهَام كل فريق ورؤوسهم وَهِي الانقسام والتوافق والتباين أَرْبَعَة بَين الرؤوس وَبَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ والتباين اهـ ح. فَفِي مَسْأَلَتِنَا لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ وَعَدَدُهُنَّ أَرْبَعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْجَدَّاتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 سَبْعَةٌ وَهُنَّ سِتَّةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَدَدُهُنَّ تِسْعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، فَاجْتَمَعَ مَعَنَا مِنْ الرؤوس أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَتِسْعَةٌ، وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَبَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ وَالتِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَهِي جز السَّهْمِ فَتَضْرِبُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَبْلُغُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَأَرْبَعين مِنْهَا تصح كل من لَهُ شئ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي جُزْءِ السَّهْمِ يَخْرُجُ نَصِيبُهُ لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَثَمَانِيَةً لِكُلِّ وَاحِدَة مائَة وَاثنا عشر اهـ. سَكْبُ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ) قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا مِنْهَا مُوَضَّحًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. بَاب تَوْرِيث ذَوي الارحام قَوْلُهُ: (هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ إلَخْ) أَيْ اصْطِلَاحًا، أَمَّا لُغَةً فَهُوَ بِمَعْنَى ذِي الْقَرَابَةِ مُطْلَقًا. سَيِّدٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَا سَهْمٍ أَوْ عصبَة أَو غَيرهمَا، أَو سَوَاء انْتَمَى الْمَيِّتُ أَوْ انْتَمَى إلَى الْمَيِّتِ أَوْ إلَى أُصُوله. قَوْله: (فَيَأْخُذ الْمُنْفَرد) أَي الْوَاحِد مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ: أَيْ أَوْ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِالْقَرَابَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ كَالتَّعْصِيبِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى قَرَابَةً: إمَّا بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ أَوْ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَيَأْخُذُ الْمُنْفَرِدُ الْكُلَّ، وَلِذَا سَمَّى عُلَمَاؤُنَا أَهْلَ الْقَرَابَةِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَنْزِيلِ الْمُدْلِي مَنْزِلَةَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ التَّنْزِيلِ، وَقَوْمٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ بِلَا تَنْزِيلٍ، وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ الرَّحِمِ. وَبَيَانُهُ مَعَ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْجُبُ أَقْرَبُهُمْ الْأَبْعَدَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صِنْفًا عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَصْنَافِهِمْ، أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ صِنْفٍ عِنْدَ اجْتِمَاعِ عَدَدٍ مِنْهُ. أَفَادَهُ قَاسِمٌ. فَالْأَوَّلُ: إشَارَةٌ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ وَالثَّانِي إلَى التَّرْجِيحِ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ. وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَاتِ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَصَبَاتِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ ثُمَّ بِالْقُرْبِ ثُمَّ بِالْقُوَّةِ، وَهَذَا الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ الصِّنْف الثَّانِي وَإِن قرب، وَهُنَاكَ أخد مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَإِنْ بَعُدَ، وَكَذَا الثَّالِثُ مَعَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ مَعَ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. دُرُّ مُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَصْلُهُ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ الْإِمَامِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ. قَاسِمٌ. وَمَشَى فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَمَا قَدَّمَهُ فِي الِاخْتِيَار لَيْسَ بالمختار اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَشَى بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ: (يُقَدَّمُ جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الصِّنْفِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ، وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا بَعْضُهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ دُونَ الْبَعْضِ، أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ، أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ غَيْرِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ اتِّفَاقًا كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَفِي الْأَخِيرِينَ: إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، أَوْ تَخْتَلِفُ. فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ الْفُرُوعِ اتِّفَاقًا بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ كَابْنِ بِنْتِ ابْنٍ مَعَ مِثْلِهِ: أَيْ مَعَ ابْنِ بِنْتِ ابْنٍ آخَرَ وَكَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ مَعَ مِثْلِهَا، وَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ إنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ كَابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي بَطْنٍ أَوْ أَكْثَرَ: فَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّدَ الْفُرُوعُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَصْلٍ فَرْعٌ وَاحِدٌ، وَإِمَّا أَنْ تَتَعَدَّدَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَوَحَّدَتْ وَلَيْسَ فيهم ذون جِهَتَيْنِ كَبِنْت ابْن بنت وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ فَأَبُو يُوسُفَ قَسَمَ الْمَالَ على أبدان الْفُرُوع هُنَا أَيْضا، فثلثه للانث وَثُلُثَاهُ لِلذَّكَرِ. وَمُحَمَّدٌ يَقْسِمُ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ وَهُوَ الْبَطْنُ الثَّانِي هُنَا، وَيَجْعَلُ مَا أَصَابَ كُلَّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ إنْ لَمْ يَقَعْ بَعْدَهُ اخْتِلَافٌ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَحِينَئِذٍ فَثُلُثَاهُ لِلْأُنْثَى نَصِيبُ أَبِيهَا وَثُلُثُهُ لِلذَّكَرِ نَصِيبُ أُمِّهِ عَكْسُ مَا قَسَمَهُ أَبُو يُوسُفَ. أَمَّا إِذا وَقع بعده اخْتِلَاف الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَةِ فِي بَطْنٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَعْدَ مَا قَسَمَ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ جَعَلَ الذُّكُورَ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً، وَقَسَمَ نَصِيبَ كُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ مِنْهُم، وَهَكَذَا كَمَا سَيَظْهَرُ. وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فُرُوعُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفِينَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ ذُو جِهَتَيْنِ أَيْضًا وَذَلِكَ كَابْنَيْ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنِ بنت بنت بِنْتي بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ، فَأَبُو يُوسُفَ جَرَى عَلَى أَصله من الْقِسْمَة على أبدان الْفُرُوع، وفيقسم الْمَالَ عَلَيْهِمْ أَسْبَاعًا. وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُ الْأَصْلَ مَوْصُوفًا يصفته مُتَعَددًا بِعَدَد فروعه، فَيقسم عى أَعْلَى الْخِلَافِ: أَعْنِي فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَسْبَاعًا. لِأَنَّ الْبِنْتَ الْأُولَى فِي الْبَطْنِ الثَّانِي كَبِنْتَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهَا، لِأَنَّ فَرْعَهَا الْأَخِيرَ ابْنَانِ، وَالْبِنْتُ الثَّانِيَة فِيهِ على حَالهَا لعدم تعدد فرعها، وَابْن فِيهِ كَابْنَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ الْأَخِيرِ، فَهُوَ كَأَرْبَعِ بَنَات فَلهُ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الِابْنِ لِبِنْتَيْ بِنْتِهِ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الْبِنْتَيْنِ لِوَلَدَيْهِمَا، وَهُمَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ فِي الْبَطْنِ الثَّالِث سوية بَينهمَا، لَان الْبِنْت كبنتين لتَعَدد فَرْعِهَا، فَقَدْ سَاوَتْ الِابْنَ وَصَارَتْ مَعَهُ كَأَرْبَعَةِ رُؤُوس، وَقِسْمَة لثلاث عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ، فَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ عدد الرؤوس فِي السَّبْعَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقَدْ كَانَ لِبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، فَتَضْرِبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَهِيَ لَهُمَا، وَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا يَحْصُلُ اثْنَا عشر تَقْسِمُهَا بَيْنَ الْبِنْتِ وَالِابْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِابْنَيْهَا وَلِلِابْنِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِبِنْتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ كَبِنْتَيْ بِنْتِ بنت هما أَيْضا بِنْتا ابْن بنت مَعَهُمَا ابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى فَأَبُو يُوسُفَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَبْدَانِ الْفُرُوعِ، فَجَعَلَ الْبِنْتَيْنِ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ: بِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلِلِابْنِ الثُّلُثُ. وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَعْلَى الْخِلَافِ مَعَ أَخْذِهِ الْعَدَدَ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا مَرَّ، فَيَقْسِمُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَفِيهِ ابْنٌ مِثْلُ وَبِنْتَانِ أَحَدُهُمَا كَبِنْتَيْنِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ كَسَبْعِ بَنَاتٍ. فَالْمَسْأَلَة من عدد رؤوسهن فللابن أَرْبَعَة أسْهم لانه كابنبن لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ فَيَصِيرُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ وَلِلْبِنْتِ الَّتِي فِي فَرْعِهَا تَعَدُّدٌ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْرَى سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا جَعَلْنَا الذُّكُورَ فِي هَذَا الْبَطْنِ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً وَدَفَعْنَا نَصِيبَ الِابْنِ إلَى الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ، وَإِذَا دَفَعْنَا نَصِيبَ طَائِفَةِ الْإِنَاثِ إلَى مَنْ بِإِزَائِهِنَّ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ لَمْ يَنْقَسِمْ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّ نَصِيبَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَمَنْ بِإِزَائِهِنَّ ابْنٌ وَبِنْتَانِ فَالْمَجْمُوعُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ، وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا الْأَرْبَعَةَ الَّتِي هِيَ عدد الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سَبْعَةٌ صَارَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ كَانَ لِابْنِ الْبِنْتِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوب الَّذِي هُوَ أَرْبَعَة أَيْضا سِتَّةَ عَشَرَ، فَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ بِنْتَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَكَانَ لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ حَصَلَ اثْنَا عشر، فدفعنا إِلَى ابْن بنت الب نت مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَصَارَ نَصِيبُ كُلِّ بِنْتٍ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ أَحَدَ عَشَرَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا وَثَلَاثَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا، وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأُصُولَ بِصِفَاتِهِمْ وَيَأْخُذُ فِيهِمْ عَدَدَ الْفُرُوع وحهاتهم. هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَصْلُهُ وَهُمْ الْجَدُّ الْفَاسِدُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْجَدِّ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ الْمُتَعَدِّدَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي النّصْف الثَّانِي، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ تَتَفَاوَت درجاتهم أَو لَا، فَإِن تَتَفَاوَتَ دَرَجَاتُهُمْ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَأُمِّ أَبِي أُمٍّ وَأَبِي أَبِي أُمِّ أُمٍّ قُدِّمَ الاقرب سَوَاء كَانَ من جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَوْ أُنْثَى مُدْلِيَةً بِغَيْرِ وَارِثٍ وَالْأَبْعَدُ ذَكَرًا مُدْلِيًا بِوَارِثٍ وَإِنْ اسْتَوَتْ دَرَجَاتُهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مُدْلِيًا بِوَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا، فَفِي الْأَوَّلِ قِيلَ يُقَدَّمُ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ كَمَا فِي الصِّنْف الْأَوَّلِ فَأَبُو أُمِّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أَبِي أَبِي الْأُمِّ لِإِدْلَاءِ الْأَوَّلِ بِالْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالثَّانِي بِالْجَدِّ الْفَاسِدِ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ كَأَبِي أُمِّ أَبٍ وَأَبِي أُمِّ أُمٍّ وَكَأَبِي أَبِي أُمٍّ وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ: فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ قَرَابَتُهُمْ: أَيْ بَعْضُهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَرَابَتُهُمْ فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ أَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَةَ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَكَذَا مَا أصَاب قرَابَة الام، وَإِن يَخْتَلِفْ فِيهِمْ بَطْنٌ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ كُلِّ صِنْفٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ قَرَابَتُهُمْ: أَيْ كُلُّهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ، فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ تَخْتَلِفُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الصِّفَةُ اعْتَبَرَ أَبْدَانَهُمْ، وَتَسَاوَوْا فِي الْقِسْمَةِ لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، وَإِلَّا فَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ لِلذَّكَرِ ضعف الانثى، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 صم تُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَرَّرَ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَقَدْ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ هُنَا اخْتِلَافَ الْبُطُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ لَهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ أَبَوَيْهِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ إلَخْ) الْأَوْلَادُ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ أُخْتٍ وَابْنِ بِنْتِ أَخٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْعَصَبَةَ، فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ كَبِنْتِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ بِنْتِ أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لاب مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ: أَيْ مَا إذَا كَانَ كلهم أَوْلَاد وَارِث وَهُوَ عَصَبَةٌ كَبِنْتَيْ ابْنَيْ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ذُو فَرْضٍ كَبَنَاتِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أَوْلَادِ وَارِثَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَصَبَةٌ، وَالْآخَرُ: ذُو فَرْضٍ كَبِنْتِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِث كَبِنْت ابْن أَخ وَابْن أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَقْوَى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْأُنْثَى، فَمَنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبٍ فَقَطْ أَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْسِمُ الْمَالَ عَلَى الْأُصُولِ: أَيْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ، فَمَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي النّصْف الْأَوَّلِ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتِ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَيْ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ هُمَا أَيْضًا بِنْتَا بنت أُخْت لابوين، وَترك أيض بِنْتَ ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: المَال كُله لبنتي بنت الاخت لابوبن لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُقْسَمُ عَلَى الْأُصُولِ كَمَا قُلْنَا، فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ سُدُسُهَا وَاحِدٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَثُلُثَاهَا أَرْبَعَةٌ لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كأختين لتَعَدد فرعها وَالْبَاقِي هُوَ وَاحِدٌ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، ثُمَّ هَذِهِ الْأُخْتُ لِأَبٍ كَأُخْتَيْنِ لِتَعَدُّدٍ فَرْعِهَا فَهِيَ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَأَرْبَعَةِ رُؤُوس وَقِسْمَةُ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ، فَتضْرب الاربعة السِّتَّةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تصح، فَكل من لَهُ شئ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ كَانَ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَة يخرج أَرْبَعَة تدفع لنت ابْنِهَا وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ سِتَّةَ عَشَرَ تُدْفَعُ لِبِنْتَيْ بِنْتِهَا وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ تُقْسَمُ مُنَاصَفَةً بَيْنَ ابْنِ بِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتَيْ ابْنِ الْأُخْتِ، فَصَارَ نَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ الشَّرِيفَ قُدِّسَ سِرُّهُ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمِثَالَ عَنْ بَعْضِ الشَّارِحِينَ وَأَقَرَّهُ، وَمُقْتَضَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيم أَنه لَا يتعبر اخْتِلَافُ الْبُطُونِ فِي هَذَا الصِّنْفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ، قَوْلِ السِّرَاجِيَّةِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وكما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 فِي الصِّنْفِ الثَّانِي أَيْضًا وَكَمَا فِي أَوْلَادِ الصِّنْفِ الرَّابِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ جَدَّيْهِ أَوْ جَدَّتَيْهِ الخ) المُرَاد بالجدين أَبُو الْأَب وأبوالام وَبِالْجَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الرَّابِعِ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ إلَّا فِي أَوْلَادِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا، فَإِنْ اتَّحَدَ بِأَنْ كَانُوا مِنْ جِهَةِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ أُمِّهِ قُدِّمَ الْأَقْوَى وَلَوْ أُنْثَى إجْمَاعًا: أَيْ قُدِّمَ مَنْ لِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ لِأَبٍ وَمَنْ لِأَبٍ عَلَى مَنْ لِأُمٍّ وَيُقْسَمُ على الابدان اتِّفَاقًا الْأُصُولِ حِينَئِذٍ، وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى كَعَمٍّ وَعَمَّةٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ أَوْ خَالٍ وَخَالَةٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَإِنْ اخْتَلَفَ حيّز قرابتهم لَان كَانَ قَرَابَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَبَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَرَابَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فِي جِهَةٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ أقوى كل جِهَة على غييره فِيهَا فَلَا تُقَدَّمُ الْعَمَّةُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الْخَالَةِ لِأُمٍّ بَلْ تُقَدَّمُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَلَا يُقَدَّمُ الْخَالُ الشَّقِيقُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأُمٍّ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْخَالِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَيُقْسَمُ حَظُّ كُلِّ جِهَةٍ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى، فَلَوْ مَاتَ عَنْ عَشْرِ عَمَّاتٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّاتِ عَلَى عَشَرَةٍ بِالسَّوِيَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا. قَوْلُهُ: (وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَامَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ) أَيْ أَوْلَاد هَذَا الصِّنْف الرَّابِع عِنْد عدم أوصلها، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لِأَوْلَادِهِمْ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ وَالْأَجْدَادُ لِتَنَاوُلِهِمْ مَنْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ حُكْمُ هَؤُلَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا دَرَجَةً قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، فَأَوْلَادُ الْعَمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ وَأَوْلَادُ الْخَالَةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْخَالَةِ أَوْ الْعَمَّةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا، فَإِنْ اتَّحَدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ بِأَنْ تَكُونَ قَرَابَةُ الْكُلِّ مِنْ جَانِبِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ جَانِبِ أُمِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ وَلَدَ رَحِمٍ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ كَأَوْلَادِ أَعْمَامٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَأَوْلَادِ عَمَّاتٍ قُدِّمَ الْأَقْوَى قَرَابَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَمَنْ أَصْلُهُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ لِأَبٍ، وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لَام لانه عِنْد اتِّحَاد السَّبَب يَجْعَل سَبَبًا فِي مَعْنَى الْأَقْرَبِ دَرَجَةً فَيَكُونُ أَوْلَى، وَفِي الْأَخِيرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ وَبَعْضُهُمْ وَلَدَ رَحِمٍ قُدِّمَ وَلَدُ الْعَصَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ رَحِمٍ أَقْوَى قَرَابَةً فَبِنْتُ عَمٍّ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ عَمَّةٍ شَقِيقَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَمُّ لِأَبٍ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ تَرْجِيحَ شَخْصٍ بِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ عَصَبَةً، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبٍ أَوْلَى، وَرَجَّحَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. سَيِّدٌ. وَاخْتَارَهُ عِمَادُ الدِّينِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي سكب الانهر أَن الاول بِهِ يُفْتى. قُلْت: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُلْتَقَى: وَيُرَجِّحُونَ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ثُمَّ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ ثُمَّ بِكَوْن الاصل وَارِثا عِنْد اتِّحَاد اجهة. وَإِنْ اخْتَلَفَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ فَالثُّلُثَانِ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ عَلَى أَبْدَانِ فُرُوعِهِمْ مَعَ اعْتِبَارِ عدد الْجِهَات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ، فَلَا يُرَجَّحُ وَلَدُ الْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى وَلَدِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ وَلَدُ الْعَصَبَةِ فَلَا تُرَجَّحُ بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى بِنْتِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فَرِيقٍ بِخُصُوصِهِ، فَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأَبِ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ ثُمَّ وَلَدُ الْعَصَبَةِ، وَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ عُصُوبَةٌ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَرَائِضِ الْعُثْمَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ حَيْثُ قَالُوا: وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضِعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ، فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وَلَدِ الْعَصَبَةِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ وَلَدَ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَ الحيز أَو اخْتلف، فبنت الْعم وبوين أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْخَالِ، وَأَنَّهُ وَافَقَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي ضَوْءِ السِّرَاجِ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ شمس الائمة أولى اهـ. قُلْت: وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَدُ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا فِي الْمُتُون لوضعها لنقل الْمَذْهَب اهـ، فَتَأَمَّلْ. وَرَاجِعْ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةَ. (1) قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمَّاتُ الْآبَاءِ إلَخْ) أَدْرَجَ بَعْضُهُمْ هَؤُلَاءِ تَحْتَ الصِّنْفِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَنْ يَنْتَمِي إلَى جَدِّ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ جَدَّ الْأَبِ جَدٌّ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ صِنْفًا خَامِسًا وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَحَاصِلُهُ: أَنه إِذا لم يُوجد عمومة الْمَيِّت وخؤولته وَأَوْلَادُهُمْ انْتَقَلَ حُكْمُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى هَؤُلَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا أَيْضًا انْتَقَلَ الْحُكْمُ إِلَى عُمُومه أَبَوَيْ الْمَيِّتِ وَخُؤُولَتِهِمْ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا تَغْفُلْ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَغَيْرِهِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ قَرَابَتَانِ لِأَبٍ وَقَرَابَتَانِ لِأُمٍّ كَعَمَّةِ الْأَبِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّةِ الْأُمِّ وَخَالَتِهَا فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَتَيْ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَتَيْ الْأُمِّ، ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَتَيْ الْأَبِ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَثُلُثُهُ لِقَرَابَةِ أمه، وَمَا أصَاب قَرَابَتي الام كَذَلِك اهـ. قَوْلُهُ: (كُلُّهُمْ) بِالرَّفْعِ تَوْكِيدٌ لِأَعْمَامِ الْأُمَّهَاتِ: أَيْ أَعْمَامُهُنَّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. قَوْلُهُ: (وَإِن بعدوا)   (1) عبارَة الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة سُئِلَ فِي هَالك هلك عَن بنت عَم لاب وَأم وَابْن خَال لاب وَأم فَمَا الحكم أجَاب هَذِه الْمَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا جعل بَعضهم ظَاهر الرِّوَايَة إِن الثُّلثَيْنِ لبِنْت الْعم وَالثلث لِابْنِ الْخَال وَهُوَ الْمَذْكُور فِي فَرَائض السراج وَعَلِيهِ صَاحب الْهِدَايَة والكنز والملتقى وغالب شُرُوح الْكَنْز وَالْهِدَايَة وَجعل بَعضهم ظَاهر للرواية أَن لَا شئ لِابْنِ الْخَال وَإِن الْكل لبِنْت الْعم لكَونهَا ولد الْعصبَة وَجعل فِي الضَّوْء عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَنه رِوَايَة شمس الائمة السَّرخسِيّ وَأَنه وَافق رِوَايَة التُّمُرْتَاشِيّ رِوَايَته وَصَححهُ فِي الْمُضْمرَات وَعَلِيهِ صَاحب الْخُلَاصَة قَالَ فِي الضَّوْء شرح السِّرَاجِيَّة الاخذ للْفَتْوَى بروايته يعْنى شمس الائمة أولى من الاخذ بروايتهما يعْنى صَاحب الْهِدَايَة وَصَاحب السِّرَاجِيَّة إنتهى والاصل فِيهِ أَن جِهَة الْقَرَابَة إِذا اخْتلفت كَمَا فِي وَاقعَة الْحَال هَل يقدم ولد الْعصبَة أم لَا قيل وَقيل وَالَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحه مَا رَوَاهُ السَّرخسِيّ فَإِن لفظ الْفَتْوَى آكِد من غَيره من أَلْفَاظ التَّصْحِيح كالمختار وَالصَّحِيح كَمَا أَنِّي لم أَرض من اقْتصر على مُقَابل مَا رَوَاهُ السَّرخسِيّ مُصَرحًا بِكَوْنِهِ الصَّحِيح أَو الاشهر أَو الْمُخْتَار أَو غير ذَلِك من أَلْفَاظ التَّصْحِيح وَإِنَّمَا يُرْسِلهُ أَو يَقُول فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَأما هواي مَا رَوَاهُ السَّرخسِيّ فقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ الصَّحِيح وَإِن الاخذ بالفتوى بِهِ أولى وَأَنه ظَاهر الرِّوَايَة فَلْيَكُن الْمعول عَلَيْهِ وَالله أعلم انْتهى مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 رَاجع إِلَى قَوْله: ثمَّ مَاتَ الْآبَاء والامهات الخ لَكِن فِي التَّوْزِيع، لَان قَوْله: بالعلو رَاجِعٌ إلَى الْأُصُولِ مِنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ السُّفُولِ رَاجِعٌ إلَى أَوْلَادِهِمْ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ) إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَصْنَافَ خَمْسَةً كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الرَّابِعِ إذْ لَا أَقْرَبَ فِيهِمْ، أَمَّا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ أَرْبَعَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ اتِّحَادَ الْجِهَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَيُقَدَّمُ فِيهِ وَلَدُ الْوَارِثِ بِلَا شَرْطِ الِاتِّحَادِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَكَذَا تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ وَهُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ، وَكَذَا أَوْلَادُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ. أَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِثٍ، لِأَنَّ الْوَارِثَ فَرْعُهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ الْإِدْلَاءُ بِوَارِثٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَأَمَّا نَفْسُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ فَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَالِاتِّحَادِ فِي الْجِهَةِ، إمَّا كُلُّهُمْ أَوْلَادُ وَارِثٍ أَوْ أَوْلَادُ غَيْرِهِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ الْأَقْوَى كَمَا مَرَّ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْوَارِثِ مَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِدْلَاءُ بِهِ بِوَاسِطَةٍ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ إلَى قَوْلِهِ: وَلَدُ الْوَارِثِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصِّنْفِ الثَّانِي وَعَنْ الْإِدْلَاءِ بِوَارِثٍ بِوَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: واتخذت الْجِهَةُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ اهـ أَيْ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ، وَكَذَا فِي أَوْلَادِ الرَّابِعِ. قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) أَيْ فِي الْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ وَالْجِهَةِ وَفِي كَوْنِهِمْ كُلِّهِمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ) أَيْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ المدلى بهم، سَوَاء كَانُوا أصولا لَهُم أَولا زَيْلَعِيٌّ أَيْ لِيَشْمَلَ الصِّنْفَ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ إلَخْ لَكِنَّ ذِكْرَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي اخْتِلَافِ الْأُصُولِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّة وَأَبُو يُوسُف فِي قَوْله الاخير اهـ. قَاسِمٌ قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُلْتَقَى وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى) أَيْ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ عَلَى الْمُفْتِي كَمَا أخذُوا بقوله فِي بعض مسَائِل الْحيض اهـ. دُرُّ مُنْتَقَى قَوْلُهُ: (بِنْتَ شَقِيقَةٍ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 أَيْ بِنْتَ أَخِيهِ الشَّقِيقِ قَوْلُهُ: (فَأَجَبْت إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ بِضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَيْنِ لِانْكِسَارِ مَخْرَجِ النِّصْفِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: (قَدْ شَرَطُوا) الْأَوْلَى قَدْ أَخَذُوا عَدَدَ الْفُرُوعِ فِي الْأُصُولِ: أَيْ وَيُؤْخَذُ الْوَصْفُ مِنْ الْأُصُولِ ط. قَوْلُهُ: (فَيُقْسَمُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ شَقِيقٍ وَشَقِيقَتَيْنِ ط. قَوْلُهُ: (بَيْنَ أَوْلَادِهَا) أَيْ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَحَسَّنَهُ كَوْنُ الِابْنِ يُعْتَبَرُ كبنتين فَهُوَ من الْبِنْت كثلاثة رُؤُوس فَافْهَم. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. فصل فِي الغرقى والحرقى وَغَيرهم جَمْعُ غَرِيقٍ وَحَرِيقٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ كَالْهَدْمَى وَالْقَتْلَى فِي مَعْرَكَةٍ، وَأَرَادَ بِغَيْرِهِمْ الْكَافِرَ وَوَلَدَ الزِّنَا وَاللِّعَانِ وَالْحَمْلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا عُلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ خَمْسَةٌ عَلَى مَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ. أَحدهمَا: هَذَا وَهُوَ مَا إذَا عُلِمَ سَبْقُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَلْتَبِسْ فَيَرِثُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ. ثَانِيهَا: أَنْ يَعْرِفَ التَّلَاحُقَ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَ السَّابِقِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يُعْرَفَ وُقُوعُ الْمَوْتَيْنِ مَعًا. رَابِعا: أَن لَا يعرف شئ، فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا. خَامِسُهَا: أَنْ يُعْرَفَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَشْكَلَ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (فَلَوْ جَهِلَ عَيْنَهُ) أَيْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ وَالْخَامِسَةَ، لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْمَجْمَعِ تُفِيدُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ وَنَصُّهَا فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَجَهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كل وَاحِد الْيَقِين ووقف الْمَشْكُوك حَتَّى يتَبَيَّن أَو يصطلحوا اهـ. قَوْلُهُ: (أُعْطِيَ كُلٌّ إلَخْ) أَيْ مِنْ وَرَثَتِهِمْ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ أَوْ يَصْطَلِحُوا فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ أَخَذَتْ بِنْتُ كُلٍّ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُتَأَخِّرُ فَتَأْخُذُ بِنْتُهُ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا الْبَاقِي وَنِصْفَ تَرِكَةِ عَمِّهَا أَو يصطلحا على شئ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (شَرْحُ مَجْمَعٍ) أَيْ لِمُصَنَّفِهِ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ أَعْطَى كل وَاحِد الْيَقِين ووقف الْمَشْكُوك حَتَّى يتَبَيَّن أَو يصطلحوا اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنَّفِهَا وَتَبِعَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهَا وَعَلَّلَهُ فِي حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ بِقَوْلِهِ لَان التَّذْكِير غير ميئوس مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَقَدْ اسْتَدْرَكَ أَيْضًا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِعِبَارَةِ ضَوْءِ السِّرَاجِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ أَخَذَهُ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُسَاعِدُهُ عِنْدَنَا رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ لِتَحَقُّقِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 الْمُتَقَدِّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ ثَابِتٌ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَجْهُولٌ فَتَعَذَّرَ الْإِثْبَاتُ لِأَحَدِهِمَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَمْلُوكَةِ. وَقَالَ فِي الْأَرْفَادِ: أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا يَرِثُ بَعْضُ الْأَمْوَاتِ مِنْ بَعْضٍ. هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة إِ هـ. وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَشَرْحِ الْكَنْز للمقدسي، وَقد لخصت ذَلِك فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَذَكَرْت فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ التَّلَاحُقُ وَجُهِلَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَقَدْ خَصَّهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ بِالْخَامِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ لِلشَّنْشُورِيِّ، لَكِنْ إذَا جَرَى النِّزَاعُ فِي الثَّانِيَةِ يَجْرِي فِي الْخَامِسَةِ بِالْأَوْلَى. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوَّلًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِهِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ) عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ وَهُوَ: وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إلَّا مَا وَرِثَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتِحْقَاقُ الْأَحْيَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ، فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَخَلَّفَ بِنْتًا وَأُمًّا وَعَمًّا فعلى الْمُعْتَمد تقسم تَرِكَة عَلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ لِلْأَخِ لَا لِلْعَمِّ، ثُمَّ تُقْسَمُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْعم على سِتَّة كَمَا تقوم فَيَصِيرُ لِلْبِنْتِ سِتُّونَ وَلِلْأُمِّ عِشْرُونَ وَلِلْعَمِّ عَشَرَةٌ اهـ. قَاسِمٌ مُلَخَّصًا. تَنْبِيهٌ: بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ آخِرًا تَهَاتَرَتَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ كُلٍّ أَنَّ أَبَا الْآخَرِ مَاتَ أَوَّلًا وَحَلَفَ لَمْ يُصَدَّقْ، أمل لَوْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْأُولَى أَوْ ادَّعَى وَحَلَفَ فِي الثَّانِيَةِ صُدِّقَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَو مان أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ أَوْ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَرِثَ مَيِّتُ الْمَغْرِبِ مِنْ مَيِّتِ الْمَشْرِقِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ تَزُولُ وَتَطْلُعُ وَتَغْرُبُ فِي الْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمغرب اهـ. سَكْبُ الْأَنْهُرِ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَمُفَادُهُ أَنه لَو اتّحدت الْبَلدة أَو تقاربت مل يكن الحكم كَذَلِك، فَليُرَاجع ذَلِك اهـ. قُلْت: لَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْإِرْثِ بِالشَّكِّ وَثُبُوتِهِ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ. زَادَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: أَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ لِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ بِنْتًا فَمَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَهِيَ جدَّتهَا تَرث بالامومة فَقَط، لَان الامص تَحْجُبُ الْجَدَّةَ. قَوْلُهُ: (يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ الْمَذْكُورَةُ عَنْ بِنْتِهَا وَهِيَ بِنْتُ ابْنِهَا تَرِثُ النِّصْفَ بِكَوْنِهَا بِنْتًا وَالسُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهَا بِنْتَ ابْنٍ. قَوْلُهُ: (عِنْدَنَا) أَمَّا عِنْد الشَّافِعِيَّة فَيَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ الْعَوْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُونَ إلَّا بِأَنْكِحَةٍ مُسْتَحَلَّةٍ عِنْدَهُمْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِالْقَرَابَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ مَحْظُورًا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِد والوطئ بِشُبْهَةٍ. مَقْدِسِيٌّ. وَفِيهِ: وَلَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَحَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَمَاتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 الْأَبُ مَنَعَ إرْثَهُ الْقَاضِي سُلَيْمَانُ. وَقَالَ شَيْخُ الاسلام السَّعْدِيّ: يَرث اهـ. سَائِحَانِيٌّ. قُلْت: وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا فَرَاجِعْ شُرُوحَهَا. قَوْلُهُ: (كَتَزَوُّجِ مَجُوسِيٍّ أُمَّهُ) أَيْ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَرِثَ بِالنَّسَبِ لَا بِالزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ نِكَاحٍ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ، بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، أَوْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُمَا لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا ضَابِطًا لِلنِّكَاحِ الْجَائِز وَالنِّكَاح الْفَاسِدِ: أَيْ لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِرْثُ وَمَا لَا يَثْبُتُ. قَوْلُهُ: (بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ ثُمَّ زَنَى بِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ لَاعَنَهَا فِي وَلَدٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ فَإِنَّ الْآخَرَ يَرِثُهُ بِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ لَا شَقِيقًا اهـ ح. قَوْلُهُ: (لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَصَبَاتِ إلَخْ) قَدَّمَ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (وَوُقِفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ وَاحِدٍ إلَخْ) هَذَا لَوْ الْحَمْلُ يُشَارِكُ الْوَرَثَةَ أَوْ يَحْجُبُهُمْ نُقْصَانًا، فَلَوْ يَحْجُبُهُمْ حِرْمَانًا وُقِفَ الْكُلُّ، وَقيل: وَكَذَا لَوْ الْوِلَادَةُ قَرِيبَةٌ دُونَ شَهْرٍ، وَبِهِ جَزَمَ نَزِيلُ حَلَبٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ أَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ حَمْلٌ أَوْ لَا لَمْ يُوقَفْ، فَإِنْ وَلَدَتْ تَسْتَأْنِفُ الْقِسْمَةَ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ عُرِضَتْ عَلَى ثِقَةٍ، وَلَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ: أَيْ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ أُخْرِجَ بِجِنَايَةٍ فَيَرِثُ وَيُورَثُ، وَإِذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ حَيًّا بِمَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَلَوْ بِتَحْرِيكِ عَيْنٍ وَشَفَةٍ وَمَاتَ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَقَلُّهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَرِثُ. وَتَمَامُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهَذَا قَول أبي يُوسُف، وَعند الامام: يُوقف حط أَرْبَعَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: اثْنَيْنِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) أَيْ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ أَنْ لَا تَلِدَ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (وَيُكَفَّلُونَ) أَيْ يَأْخُذُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِيبِ ابْنٍ وَاحِدٍ فقد نَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ: أَعْنِي الْحَمْلَ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ تَرَكَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ الْحَمْلِ أَنَّ تَصْحِيحَ مَسْأَلَةِ ذُكُورَتِهِ وَمَسْأَلَةِ أُنُوثَتِهِ كَمَا ذُكِرَ، ثُمَّ تَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَا أَوْ فِي وَفْقِهَا إنْ تَوَافَقَا، ثمَّ من لَهُ شئ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي كُلِّ الثَّانِيَة أَو فِي وَقفهَا وَيُعْطَى أَقَلَّ الْحَاصِلَيْنِ وَيُوقَفُ الْفَضْلُ. فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ 42 لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسُ 4 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ الْبَاقِي وَهُوَ 13. وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثَةِ مِنْ 72 لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالسُّدُسِ فَلِلْأَبَوَيْنِ 7 وَلِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 61 وَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَوَافُقٌ بِالثُّلُثِ، فَإِذَا ضُرِبَ وقف إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى حَصَلَ 612 وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ لِلزَّوْجَةِ 72 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ 9 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 63 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 9 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ 711 مِنْ ضَرْبِ 31 فِي 9 لِلْبِنْتِ ثُلُثُهَا 39 وَيَبْقَى لَهُ ثُلُثَاهَا 87. وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ لِلزَّوْجَةِ 42 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْأُولَى وَهُوَ 8 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 23 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 8 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 821 مِنْ ضَرْبِ 61 فِي 8 لِلْبِنْتِ نِصْفُهَا 46 وَيَبْقَى لَهُ نِصْفُهَا 46 أَيْضًا فَيُعْطَى الزَّوْجَةُ وَالْأَبَوَانِ مَا خَرَجَ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَيُوقَفُ الْفَضْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 وَهُوَ 11 مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ 3 وَمِنْ نَصِيبِ الْأَبَوَيْنِ 8 وَتُعْطَى الْبِنْتُ مَا خَرَجَ لَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي لِلْحَمْلِ وَهُوَ 87 فَجُمْلَةُ الْمَوْقُوفِ 98، فَإِنْ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ أُنْثَى يُدْفَعُ لِلْبِنْتِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ 52 لِيَكْمُلَ لَهَا مِثْلُ حِصَّتِهِ وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ ذَكَرًا يُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأَبَوَيْنِ 8 وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا تُعْطَى الْبِنْتُ مِنْ الْمَوْقُوفِ 96 تَكْمِلَةَ النِّصْفِ وَالزَّوْجَةُ 3 تَكْمِلَةَ الثُّمُنِ وَالْأُمُّ 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْأَبُ 31 مِنْهَا 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْبَاقِي وَهُوَ 9 تَعْصِيبًا. وَقَدْ خَالَفْتُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشُرُوحِهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ نَصِيبُ وَلَدٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرَ فِي حَقِّ الْبِنْتِ هُنَا كَوْنُ الْحَمْلِ ذَكَرًا وَفِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُ أُنْثَى كَمَا رَأَيْت، وَالْعَجَبُ مِمَّا فِي السِّرَاجِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْقَفَ نَصِيبَ أَرْبَعَةِ ذُكُورٍ وَقَسَمَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّوَقُّفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ وَارِثٍ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ، أَمَّا مَنْ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَالْجَدَّةِ وَالزَّوْجَةِ الْحُبْلَى فَلَا يُوقَفُ لَهُ شئ، وَأَمَّا مَنْ يَسْقُطُ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْحَمْلِ كَأَخٍ أَوْ عَمٍّ مَعَ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا يعْطى شَيْئًا. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْمِثَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَرِثُ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَوْ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا. وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ إلْحَاقِ التَّمَامِ بِالْأَقَلِّ فخلاف ظَاهر الرِّوَايَة. وَإِن كَانَ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَرِثُ لَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا، أَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِوُجُودِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَكْبِ الْأَنْهُرِ مَعَ شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَحَاشِيَةِ يَعْقُوبَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ مِثَالٍ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ مِنْهُ يَخْتَصُّ بِالْمِثَالِ السَّابِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَفَادَهُ ط قَوْلُهُ: (وَأُمًّا حُبْلَى) أَيْ مِنْ أَبِي الْمَيِّتَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهَا فَفَرْضُهُ السُّدُسُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (فَيقدر أُنْثَى) لَان نصِيبه أَكثر. قَوْلُهُ: (فَيُقَدَّرُ أُنْثَى) لِأَنَّ نَصِيبَهُ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ إلَخْ) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ نَقْلِ الْفَرْع بِعَيْنِه عَن الْوَهْبَانِيَّة اهـ ح. أَقُول: مُرَاده أَنه هَل يُوقف لَهُ شئ أَمْ لَا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ كَانَ) أَيْ الْحَمْلُ. قَوْلُهُ: (كَهُمْ) أَيْ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ حُبْلَى بِشَقِيقٍ أَوْ شَقِيقَةٍ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ جَمْعًا بِاعْتِبَارِ عَدِّ الْحَمْلِ وَارِثًا ط. قَوْلُهُ: (لم يبْق لَهُ شئ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِتَّةٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ، لِأُمٍّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَرَّكَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَ أُنْثَى إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِنْ كَانَ: أَيْ الْوَارِثُ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ وَيُوقف الْبَاقِي اهـ: إذْ لَا شَكَّ أَنَّ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى وَيُوقَفُ لَهَا النِّصْفُ عَائِلًا وَهُوَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ وَيُعْطَى الْوَرَثَةُ الْأَقَلَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَحَامِلَةٌ إلَخْ) يُقَالُ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ أَوْ حَامِلَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَامُوسِ، فَافْهَمْ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمْ يَرِثْ زَائِدَةٌ، وَيُقْدَرْ بِسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْبَيْتُ مِنْ مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، فَهُوَ لُغْزٌ فِي امْرَأَةٍ حَامِلٍ إنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 وَلَدَتْ ذَكَرًا لَا يَرِثُ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى قُدِّرَ لَهَا الثُّلُثُ وَهُوَ النِّصْفُ عَائِلًا، وَجَوَابُهُ مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ آنِفًا فَيُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ حَامِلٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هَلْ يُوقف لذَلِك الْحمل شئ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ سُؤَالٍ عَنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي المناسخة هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسْخِ بِمَعْنَى النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَى مَنْ يَرِثُ مِنْهُ. سَيِّدٌ. قَوْله: (ثمَّ الثَّانِيَة) أَي ثمَّ نصحح الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَتُنْظَرُ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَبَيْنَ النصحيح الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْمُمَاثَلَةُ، وَالْمُوَافَقَةُ، وَالْمُبَايَنَةُ. سَيِّدٌ. وَسَتَأْتِي أمثلتها. قَوْله: (إِلَّا إِذا اتحدوا) أَيْ وَرَثَةُ الْمَيِّتَيْنِ: أَيْ فَيُكْتَفَى بِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ، فَحِينَئِذٍ تَنْقَسِم التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى تِسْعَةٍ ابْتِدَاءً كَأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ) : (فَإِنْ اسْتَقَامَ إلَخْ) كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ ابْنَيْنِ، فَالْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلِابْنِ مِنْهَا سَهْمَانِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى تَرِكَتِهِ) أَيْ مَسْأَلَةِ تَرِكَتِهِ، وَالْأَصْوَبُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَبِهَا وَنِعْمَتْ) أَيْ فَبِالِاسْتِقَامَةِ يُكْتَفَى وَنِعْمَتْ هِيَ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى فَلَا تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ) أَيْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهُوَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى عَلَى مَسْأَلَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ بَيْنَ سِهَامِهِ) أَيْ الَّتِي فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِهِ مُوَافَقَةٌ، كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَن زَوْجَة وَبنت عصبَة، فَالْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَسِهَامُهُ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَكِنْ تُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ 4 فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ 6 تَبْلُغُ 42 وَمِنْهَا تَصِحُّ المسألتان للِابْن الاول ثَمَانِيَة وَلكُل بنت ثَلَاث أَرْبَعَةٌ وَلِلِابْنِ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا سَهْمٌ وَلِلْبِنْتِ 4 وَلِلْعَصَبَةِ 3. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا إلَخْ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَن زَوْجَة أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ عَنْ أُخْتَيْهَا وَعَنْ زَوْجٍ فَالْأُولَى مِنْ 12 وَعَالَتْ إلَى 31 لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ 6 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 2 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ 2 وَالثَّانِيَةُ مِنْ 6 وَعَالَتْ إلَى 7 لِلزَّوْجِ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ سَهْمٌ وَسِهَامُ الشَّقِيقَةِ مِنْ الْأُولَى 6 لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 7 وَلَا تُوَافِقُ فَتَضْرِبُ 7 فِي 31 تَبْلُغُ 19 وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (يَحْصُلُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَا خَرَجَ بِالضَّرْبِ فِي صُورَتَيْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ هُوَ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيهِمَا كَمَا عَلِمْت، وَذَلِكَ الْحَاصِلُ يُسَمَّى الْجَامِعَةَ، وَالْمَضْرُوبُ فِي الْأُولَى وَهُوَ الثَّانِيَةُ أَوْ وَفْقُهَا يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ خِلَافًا لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (فَتَضْرِبُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَبَيَانُهُ فِيمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 صَوَّرْنَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلِابْنِ مِنْ الْأُولَى 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْمَضْرُوبِ: أَيْ وَفْقِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ بِثَمَانِيَةٍ وَلِكُلِّ بِنْتٍ وَاحِدٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْعَصَبَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ وَفِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى فَقَطْ 3 فِي 7 تَكُنْ 12 والاخت لِأَبٍ مِنْ الْأُولَى 2 فِي 7 تَكُنْ 41 وَمِنْ الثَّانِيَةِ 3 فِي كُلِّ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ 6 تَكُنْ 81 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ مِنْ الْأُولَى 2 فِي 7 تَكُنْ 41 وَمن الثَّانِيَة 1 فِي 6 تكن 6 للزَّوْج من الثَّانِيَة فَقَط فِي 3 فِي 6 تَكُنْ 81. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَالْأُخْتِ لِأُمٍّ فِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ، لَكِنَّهُ مِثَالٌ لِضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ الثَّانِي وَضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيح الثَّانِي فِي كل مَا يَد الْمَيِّت الثَّانِي، ومثاله للضرب فِي الْوَقْف لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ مِنْهَا وَعَنْ أَبٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَجَدِّهَا فَالْأُولَى مِنْ 42 لِلْبِنْتِ النِّصْفُ 12 وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِلْأَبِ السُّدُسُ 4 فَرْضًا وَالْبَاقِي 51 تَعْصِيبًا وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْجَدِّ الْبَاقِي وَهُوَ 2 وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا فِي يَدِ الْبِنْتِ وَهُوَ 21 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ وَفْقَ التَّصْحِيحِ وَهُوَ فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ يَكُنْ 42 كَمَا هُوَ فَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ وَفْقِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةٍ وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهَا أُمًّا وَاحِدٌ فِي 4 وفْق مَا يَدِ الْبِنْتِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى 9 فِي وَاحِدٍ بِتِسْعَةٍ وَمِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهِ جَدًّا لَهَا 2 فِي 4 تَبْلُغُ 8. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ إلَخْ) بَيَانه بِمِثَالٍ وَاحِدٍ جَامِعٍ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ: لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ مِنْ غَيْرِهِ وَأُمٍّ فَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْبِنْتُ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَجَدَّةٍ ثُمَّ الْجَدَّةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ فَالْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ رَدِّيَّةٌ تَصِحُّ من سِتَّة عشر فالزوج 4 وَلِلْبِنْتِ 9 وَلِلْأُمِّ 3. وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ تَصِحُّ مِنْ 4 فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ. وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْبِنْتِ مِنْ 6 وَنَصِيبُهَا مِنْ الْأُولَى 9 لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا وتوافق بالمثلث فَاضْرِبْ ثُلُثَ مَسْأَلَتِهَا وَهُوَ 2 فِي 61 تَبْلُغُ 23 فَمِنْهَا تصح الفريضتان، فَمن كَانَ لَهُ من 61 شئ فمضروب فِي 2 وَمن كَانَ لَهُ من 6 شئ فَمَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 3. وَالرَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الْجَدَّةِ مِنْ 4 وَسِهَامُهَا 9 مِنْ 23 لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهَا مِنْ بِنْتِهَا 6 وَمِنْ بِنْتِ بِنْتِهَا 3 وَالتِّسْعَةُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 4 وَلَا تَوَافُقَ فَاضْرِبْ 4 فِي 23 تَبْلُغُ 821 فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ شئ من 23 فمضروب فِي 4 وَمن كَانَ لَهُ شئ مِنْ 4 فَمَضْرُوبٌ فِيمَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 9. وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ. قَوْلُهُ: (جَعَلَ الْمَبْلَغَ الثَّانِي) وَهُوَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. قَوْله: (فِي الْعَمَل) أَي الْمُتَقَدّم باين تَأْخُذ سِهَام النيت الثَّالِثَ مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَتَيْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقْسِمُهَا عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَإِنْ انْقَسَمَتْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا فَاضْرِبْ وَفْقَ الثَّالِثَةِ الَّتِي اعْتَبَرْتهَا ثَانِيَةً أَوْ كلهَا فِي جَمِيع تَصْحِيح الاولين الَّذِي اعْتَبَرْته أَوَّلًا وَاعْتَبِرْ الْحَاصِلَ مِنْهُمَا كَمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاقْسِمْ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ كَمَا عَلِمْته فِي الْمِثَالِ الْجَامِعِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا عِلْمُ الْعَمَلِ فَلَا تَغْفُلْ) يُشِيرُ إلَى صُعُوبَةِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّهُ لَا يتقنها إِلَّا أولو الْأَلْبَابِ وَكُلُّ مَاهِرٍ فِي عِلْمَيْ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 وَالَّذِي يسهله الْمُبَاشرَة وَكَثْرَة الْعَمَل بِتَوْفِيق الْوَهَّابِ. وَإِتْقَانُ عَمَلِ الشِّبَاكِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْحِسَابِ، وَالله أعلم. بَاب المخارج الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ فِيمَا مَرَّ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْرَجَ بَابَ التَّصْحِيحِ وَبَابَ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُنَاسَخَةِ كَمَا فَعَلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، وَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ وَهُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كُلُّ فَرْضٍ بانفراد صَحِيحًا، فَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ عِنْدَ الْحُسَّابِ لَا النُّحَاة. قَوْله: (الْفُرُوضُ إلَخْ) أَيْ السِّتَّةُ الْآتِيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ خَمْسِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. قَوْلُهُ: (نَوْعَانِ) السَّبَب فِي أَنهم جعلُوا الْفَرْض السِّتَّة نَوْعَيْنِ أَن أقلهَا مِقْدَارًا وَهُوَ الثُّمُنُ الَّذِي مَخْرَجُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالرُّبُعُ وَالنِّصْفُ يَخْرُجَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِلَا كَسْرٍ فَجَعَلُوا الثَّلَاثَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَأَقَلُّ فَرْضٍ بَعْدَهُ السُّدُسُ الَّذِي مَخْرَجُهُ السِّتَّةُ وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ يَخْرُجَانِ مِنْهَا بِلَا كَسْرٍ فَجعلُوا الثَّلَاثَة الاخرى نوعا آخر. أَفَادَ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (وَمَخْرَجُ كُلِّ كَسْرٍ سَمِيُّهُ) أَيْ مَا شَارَكَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ الصَّحِيحَةِ فِي مَادَّةِ اسْمِهِ حَتَّى السُّدُسَ فَإِنَّهُ شَارَكَ مَخْرَجَهُ وَهُوَ السِّتَّةُ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ أَصْلَ سِتَّةٍ سُدْسَةٍ قُلِبَ كُلٌّ مِنْ الدَّالِ وَالسِّينِ الثَّانِيَةِ تَاءً وَأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي التَّاءِ فَقِيلَ سِتَّةٌ، وَعَبَّرَ بِالْكَسْرِ لِيَشْمَلَ مَا عَدَا الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةِ كَالْخُمُسِ والسبع وَالتسع وَالْعشر من الكسور المنطفة فَأَنَّهَا كَذَلِك، وشكل كَلَامُهُ الْكَسْرَ الْمُفْرَدَ كَالنِّصْفِ وَالْمُرَكَّبَ كَالثُّلُثَيْنِ. وَاعْلَمْ أَن الْمخْرج كلما كَانَ أقل كَانَ الْفَرْضُ أَكْثَرَ، وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْفَرْضُ أَقَلَّ، فَإِنَّ النِّصْفَ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ مَثَلًا وَمَخْرَجُهُ أَقَلُّ مِنْ مَخْرَجِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّضْعِيفِ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الثُّمُنَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ الرُّبُعُ وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ النِّصْفُ، وَكَذَا السُّدُسُ إذَا ضُعِّفَ صَارَ ثُلُثًا وَإِذَا ضُعِّفَ الثُّلُثُ صَارَ ثُلُثَيْنِ. سَيِّدٌ قَوْلُهُ: (وَالتَّنْصِيفِ) أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ إذَا نُصِّفَ صَارَ رُبُعًا وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا نُصِّفَ صَارَ ثُمُنًا، وَكَذَا الْحَالُ فِي تَنْصِيفِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (فَتَقُولُ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ وَتَقُولُ كَذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بُدِئَ بِالْأَصْغَرِ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى التَّضْعِيفِ، أَوْ بِالْأَكْبَرِ فَعَلَى التَّنْصِيفِ. قَوْلُهُ: (وَأَخْصَرُ الْكُلِّ) أَيْ أَخْصَرُ الْعبارَات الَّتِي عبر لَهَا عَنْ النَّوْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (آحَادٌ) أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ مُكَرَّرٌ وَإِنْ ذُكِرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَرَّرَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ كَحَدِيثِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَفَادَهُ السَّيِّدُ. وَمَا فِي شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ هُوَ أُحَادٌ: أَيْ وَاحِدٌ، إِنَّمَا يَقُولُونَ جاؤوا أُحَادَ أُحَادَ: أَيْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَأُحَادٌ فِي مَوضِع الْوَاحِد خطأ إِ هـ. لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْمُتَعَدِّدِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَاحِدٍ فَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ أُحَادٌ. فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ الْمَثْنَى أَوْ الثَّلَاثُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ: أَيْ من النَّوْع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ الثَّانِي فَقَطْ بِلَا اخْتِلَاطِ شئ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (لِجُزْءٍ) أَي أقل جزى مِنْهَا. قَوْلُهُ: (يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ إلَخْ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الضِّعْفِ مَوْجُودٌ فِي مَخْرَجِ الْجُزْءِ فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ مَخْرَجِ الضِّعْفِ، فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ مَخْرَجِ السُّدُسِ، وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَالنِّصْفِ دَاخِلٌ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ السُّدُسُ وَالثُّلُثَانِ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، أَوْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَيْنِ كَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَمِنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ اجْتَمَعَ الثَّلَاثَةُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا الثُّمُنُ مَعَ النِّصْفِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ أَوْ الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الرُّبُعِ مَعَ الثُّمُنِ وَلَا اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا اخْتَلَطَ النّصْف الخ) مُحْتَرز قَوْله: وهما نَوْعٍ وَاحِدٍ فَمَا مَرَّ كَانَ فِي اخْتِلَاطِ أَفْرَادِ كُلِّ نَوْعٍ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي اخْتِلَاطِهَا مَعَ أَفْرَاد النَّوْعِ الْآخَرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الِاخْتِلَاطِ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، مِنْهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرْعِيَّةٌ وَثَلَاثُونَ عَقْلِيَّةٌ، وَقَدْ لَخَّصْت الْجَمِيعَ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَمْثِلَةُ اخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ بَعْضِهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (لِتَرَكُّبِهَا من شرب اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لم يكن فِي الْمَسْأَلَة سدس، أما إِذْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِمَخْرَجِهِ، لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَكِلَاهُمَا دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ فَيُكْتَفَى بِهَا ط. قَوْلُهُ: (فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ زَوْجَةٌ وَمَنْ ذُكِرَ) أَيْ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مِنْ الشَّقِيقَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَالْأُمِّ، وَهَذَا مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ الرُّبُعِ بِكُلِّ الثَّانِي، وَيُعْلَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُهُ بِبَعْضِهِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم نَظِير مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِمُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) تَعْلِيلٌ لما أفهمهُ كَلَامه من شرب الْأَرْبَعَةِ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُدُسٌ أَوْ لَا. أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَرْبَعَةِ مَخْرَجِ الرُّبُعِ بِالنِّصْفِ، وَنِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ فَلِذَا تُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ الثَّانِي) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِطُ مَعَ الثُّلُثَيْنِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَمَعَ السُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، وَأَمَّا اخْتِلَاطُ الثُّمُنِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْن مَسْعُود الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمَحْرُومَ عِنْدَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ فَيَخْتَلِطُ عِنْدَهُ مَعَ الثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنٍ مَحْرُومٍ وَمَعَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَهُمْ وَأُمٍّ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنِ مَحْرُومٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا كَافِرًا وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمَا من 24 وتعول إِلَى 13 عِنْده اهـ ح أَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنْ 21 وَتَعُولُ إلَى 71. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْوَصَايَا) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُمُنِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثَيْهِ وَلِآخَرَ بِثُلثِهِ وَلآخر بسدسه وَلَا وَارِث لَهُ أَلا كَانَ وَأَجَازَ الْكُلَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 فَهِيَ مِنْ 24 وَتَعُولُ إلَى 31 نَظِيرَ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَأْتِي إلَّا عَلَى رَأْيِهِ تَأْتِي عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ فِي الْوَصَايَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ دَائِمًا سَوَاءٌ كَانَ سُدُسٌ أَوْ لَا، وَبِهِ يَتَّضِحُ التَّعْلِيلُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى نَظِيرِهِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ مُوَافَقَتُهَا بِالنِّصْفِ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُنَا لِلثَّمَانِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ) أَيْ غَيْرِ مُكَرَّرَةٍ فَلَا يَرُدُّ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لابوين وَأُخْت لاب وأختان لَام اهـ ح. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ) بَيَانُهُ: لَوْ مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَعَنْ أَبٍ وَأُمٍّ وجد وَجدّة وَبنت وَبنت ابْن وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ، لَكِنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَوَاتِ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالْجَدَّةُ بِالْأُمِّ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الثُّمُنُ أَوْ الرُّبُعُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ، وَهُوَ الْبِنْتُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ ثَلَاثُ طَوَائِفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَبِنْتُ الِابْنِ فَغَايَتُهُمْ خَمْسُ طَوَائِفَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الرُّبُعُ أَوْ النِّصْفُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ الشَّقِيقَةُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ طَائِفَتَانِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَالطَّوَائِفُ هُنَا خَمْسَةٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ فِرَقٍ) لَان لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّوَائِفِ الْخَمْسِ من هُوَ مُنْفَرد كاوب أَوْ الْأُمِّ أَوْ الزَّوْجِ وَلَا تَنْكَسِرُ سِهَامُهُ عَلَيْهِ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ بِلَا كَسْرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا بَيْنَ السِّهَامِ والرؤوس، وَأَرْبَعَة مِنْهَا بَين الرؤوس والرؤوس. أما الثَّلَاثَة الَّتِي بَين السِّهَام والرؤوس: فَأَحَدُهَا الِاسْتِقَامَةُ، بِأَنْ تَكُونَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ كَأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الضَّرْبِ، وَثَانِيهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُبَايَنَةِ، بِأَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُنْكَسِرَةً عَلَى طَائِفَة وَاحِدَة وَلَا يكون بَين سِهَامهمْ ورؤوسهم وموافقة فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَثَالِثُهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ بِأَنْ تَنْكَسِرَ السِّهَامُ عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ سِهَامَهُمْ ورؤوسهم مُوَافقَة فَاضْرب وفْق رؤوسهم فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فِيهِ مَعَ عَوْلِهَا. وَأما الاربعة الَّتِي بَين الرؤوس والرؤوس فَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ فَأكْثر، وَإِنَّمَا لم يعتبروا التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا اعتبروه بَين الرؤوس والرؤوس، بل ردُّوهُ إِلَى الْمُوَافقَة إِن كَانَت الرؤوس أَكْثَرَ، وَإِلَى الْمُمَاثَلَةِ إنْ كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ كَسِتَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلِاخْتِصَارِ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأُصُولَ السَّبْعَةَ بِأَمْثِلَتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، إلَّا الِاسْتِقَامَةَ فَإِنَّهُ حَذَفَهَا لِظُهُورِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْفَرِيقِ وَجَمَعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ عَائِلَةً) أَيْ يَضْرِبُ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَوْلٌ، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَعَوْلَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَن عدد الرؤوس يُضْرَبُ فِيهِمَا كَمَا يُضْرَبُ فِي أَصْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ. قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا سِتَّةٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَانِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فعالت إِلَى سَبْعَة وَبَين سِهَام الاخوات ورؤوسهن مباينة فَاضْرب عدد رؤوسهن خَمْسَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ 7 تَبْلُغُ 53 وَمِنْهَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَعَوْلِهَا) أَيْ إنْ كَانَتْ عَائِلَةً، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَسِتِّ إخْوَةٍ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ أَصْلُهَا 21 فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ 3 ولوبوين السُّدُسَانِ 4 وَلِلسِّتِّ بَنَاتٍ الثُّلُثَانِ 8 فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةَ عشر وانكسر 8 سِهَام الْبَنَات على 6 عدد رؤوسهن لَكِن بَينهمَا مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَرددْنَا عدد رؤوسهن إلَى نِصْفِهِ وَهُوَ 3 ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْعَوْلِ وَهُوَ 51 فَحَصَلَ 54 وَمِنْهَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ: (فَلهم ثَلَاثَة توافقهم بِالثُّلثِ) اعْتبر المرافقة مَعَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ مُدَاخَلَةٌ إشَارَةً إِلَى عدم اعْتِبَار التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا قَدَّمْنَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ بِأَنْ تضرب الاكبر وَهُوَ 6 جَمِيع عدد الرؤوس فِي 4 لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ وَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحٌ فَلِذَا أَرْجَعْنَاهُ إلَى الْمُوَافَقَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْبَنَاتُ 4 فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلْعَائِلَةِ فَلَا تَضْرِبْ الْأَكْبَرَ وَهُوَ 8 جَمِيعَ عَدَدِ سِهَامِهِنَّ لِمَا قُلْنَا، بَلْ يَرْجِعُ إلَى التَّمَاثُلِ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ بِلَا ضَرْبٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَيْنَ الرؤوس والرؤوس. وَاعْلَمْ أَنَّك أَوَّلًا تَنْظُرُ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ، فَإِنْ تَبَايَنَا فَأَثْبِتْ الْفَرِيقَ كَامِلًا، وَإِنْ تَوَافَقَا فَأَثْبِتْ وَفْقَ الْفَرِيقِ، ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ: فَإِنْ تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تدخلا فَاضْرِبْهُ أَكْبَرَهُمَا فِيهِ وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْت الْوَفْقَ فِي كل الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَر ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَالْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ لَا أَكثر كَمَا مر. قَوْله: (وَعدد رؤوسهم مُتَمَاثِلَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَعْدَادُ جَمْعُ عَدَدٍ، قَالَ السَّيِّد: وَالْمرَاد بأعداد الرؤوس مَا يَتَنَاوَلُ عَيْنَ تِلْكَ الْأَعْدَادِ وَوَفْقَهَا أَيْضًا، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَين رُؤُوس طَائِفَة وسهامهم مثلا مُوَافقَة يرد عدد رؤوسهم إلَى وَفْقِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وعولها) كست أَخَوَات شقيقات وَثَلَاثَة أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا 6 وَتَعُولُ إلَى 7 لِلشَّقِيقَاتِ الثُّلُثَانِ 4 لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ 2 لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 1 كَذَلِكَ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ 12 وَمِنْهَا تَصِحُّ. زَيْلَعِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا إلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ ثُمَّ إلَى الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَكْثَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا الْفرق مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَرْقَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا تَزِيدُ صُوَرُهَا وَيَتَكَرَّرُ الضَّرْبُ لِتَعَدُّدِ الْمُثْبَتَاتِ، لِأَنَّك إذَا نَظَرْت أَوَّلًا بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَسِهَامِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُبَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهَا سِهَامَهُ أَوْ يُوَافِقَهَا أَوْ تُوَافِقَ فَرِيقَيْنِ وَتُبَايِنَ الْآخَرَ أَوْ تُبَايِنَ فَرِيقَيْنِ وَتُوَافِقَ الْآخَرَ. فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَحْوَال، ثمَّ تنظ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 كُلِّ حَالٍ مِنْهَا بَيْنَ الْمُثْبَتَاتِ بِالْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَتَبْلُغُ 25 صُورَةً مَحَلُّ بَيَانِهَا الْمُطَوَّلَاتُ كَشَرْحِ التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَاطْلُبْ الْمُشَارَكَةَ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُنَاسَبَةِ ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ افْعَلْ كَمَا فَعَلْت فِي الْفَرِيقَيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا تَفْعَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْمُمَاثَلَةَ، وَأَمَّا الْمُدَاخَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُبَايَنَةُ فَسَتَأْتِي، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (أَشَارَ إِلَيْهِ) أَي ضَرْبِ جُزْءِ السَّهْمِ وَإِلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْله: وَإِن انْكَسَرَ على ثَلَاث فرق إِلَخ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ 21 لِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 2 وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ 3 وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي 7 وَبَيْنَ سِهَام كل فريق مِنْهُم وَعدد رؤوسهم مباينة فأخذنا أعداد الرؤوس بِتَمَامِهِ وَهِيَ 4 و 3 و 21 فَوَجَدْنَا الْأَوَّلَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ فِي الثُّلُث وَهُوَ 21 فَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَيْضًا 21 وَمِنْهَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جد إلَخْ) الْأَوْلَى خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْمَسْأَلَةُ أَصْلُهَا مِنْ 42 لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ 3 لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا تُوَافِقُ فَحَفِظْنَا عَدَدَهُنَّ 4 وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُبَايَنُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 51 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 81 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 9 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 6 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 4 و 6 و 9 و 51 ثُمَّ طَلَبْنَا الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الاربعة مُوَافق لِلسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الآخر بلغ 21 وَهِي مُوَافقَة للتسع بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بَلَغَ 63 وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ 51 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ أَيْضًا فَضَرَبْنَاهَا فِي ثُلُثٍ 51 وَهُوَ 5 بَلَغَ 810 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ. قَوْلُهُ: (كَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) أَصْلُهَا 24 لِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ 3 وَبَيْنَهُمَا مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن وَهُوَ 2 وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 10 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 5 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 6 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 3 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 7 فَحَفِظْنَاهُ فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 2 و 3 و 5 و 7 وَكلهَا متباينة فضربنا 2 فِي 3 بلغ 6 ثمَّ ضَرَبْنَا 6 فِي 5 بَلَغَ 03 ثُمَّ ضَرَبْنَا 30 فِي 7 بَلَغَ 120 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ. وَتَمَامُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَغَيْرِهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَالنِّسَبِ بَين الكليات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 الْمَنْطِقِيَّةِ، فَكُلُّ عَدَدَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ مِنْهَا، لِأَنَّ الْعَدَدَيْنِ إمَّا أَنْ يتساويا أَوْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَفْنَاهُ فَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَمُتَوَافِقَانِ وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَانِ. قَوْلُهُ: (هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ النِّسَبُ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فِي تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ عَلَى أَعْدَادِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا كَسْرٍ بِأَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ فَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ كَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنْ يُسَاوِيَ نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ، كَالْأَرْبَعَةِ مثلا فَإِن حاشيتاها الْقَرِيبَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ الحاشيتين، وحاشيتاها البعيدتان اثْنَان وست أَوْ وَاحِدٌ وَسَبْعَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ مَجْمُوعِهِمَا، وَكَالِاثْنَيْنِ يُسَاوِي نِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسَمَّى عَدَدًا عِنْدَ الْحُسَّابِ. قَوْلُهُ: (الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّمَاثُلِ بَلْ فِي التَّدَاخُلِ وَمَا بَعْدَهُ، إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَحْدَهُ وَأَشْعَرَ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّهُ زَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَمْرَيْنِ آخَرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلُهُ أَوْ أَمْثَالُهُ فَيُسَاوِي الْأَكْثَرَ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جَزْءَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ يُفْنِيهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَلْقَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ لم يبْق شئ، كالثلاثة والستة، فَإِذا ألقيت الثَّلَاثَة من السِّت مَرَّتَيْنِ فَنِيَتْ السِّتَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا أَلْقَيْتهَا مِنْ التِّسْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ فَإِنَّك إذَا أَلْقَيْت مِنْهَا الثَّلَاثَةَ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ اثْنَانِ فَلَا يُمْكِنُ إفْنَاؤُهَا بِالثَّلَاثَةِ، لَكِنْ إذَا أُلْقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَنِيَتْ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا أَيْضا متداخلان. سيد. قَوْله: (يعدهما أَرْبَعَةٌ) وَكَذَا يَعُدُّهُمَا اثْنَانِ فَيَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ، لَكِنْ إذَا تَعَدَّدَ الْعَادُّ اُعْتُبِرَ الْأَكْبَرُ لِيَكُونَ جُزْءَ الْوَفْقِ أَقَلَّ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَةَ يَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ، إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي سُهُولَةِ الْحِسَابِ بِتَوَافُقِهِمَا فِي السُّدُسِ. قَوْلُهُ: (فَيَتَوَافَقَانِ بِالربعِ) لَان الْعدَد لما مَخْرَجٌ لِجُزْءِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا عَدَّهُمَا الْأَرْبَعَةُ وَهِي مخرج للربع مُتَوَافِقَيْنِ بِهِ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (كَالتِّسْعَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ) فَإِنَّهُ لَا يعدهما شئ سِوَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَدَدٍ. تَنْبِيهٌ: زَادَ ابْن الْكَمَال فِي التَّعْرِيف قيد آخَرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْنِيَ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَعُدُّهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ الْمُتَدَاخِلَيْنِ لَا مِنْ الْمُتَبَايِنَيْنِ، وَبِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ يُحْتَرَزُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يعد الاربعة، قَوْله: (وَإِذ أردْت معرفَة التوافق الخ) لما كَانَت مَعْرفَته التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ ظَاهِرَةً وَفِي مَعْرِفَةِ التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَهُمَا خَفَاءٌ ذَكَرَ لَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى. قَوْلُهُ: (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ تُسْقِطُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْأَكْثَرُ أَقَلَّ ثمَّ تنقصه عَن الاقل اهـ. قَاسِمٌ. قَوْلُهُ: (تَبَايَنَا) أَيْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 حَصَلَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمَا كَالْخَمْسَةِ مَعَ السَّبْعَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطَتْ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّبْعَةِ بَقِيَ اثْنَانِ، فَإِذَا أَسْقَطْتهمَا مِنْ الْخَمْسَةِ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (فَبِالنِّصْفِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ كَالسِّتَّةِ مَعَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِي الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِيَ اثْنَانِ. قَوْلُهُ: (فَبِالثُّلُثِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ كَالتِّسْعَةِ مَعَ الِاثْنَيْ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَرْبَعَةِ فَهُمَا متوافقان بِالربعِ كثمانية من الْعِشْرِينَ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ فَبِالْخُمْسِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَة وَعشْرين، أَو سِتَّة فبالسدس كاثني عشرَة ثَمَانِيَة عشر أَو سَبْعَةٍ فَبِالسُّبْعِ كَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعَ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ فِي ثَمَانِيَةٍ فَبِالثُّمُنِ كَسِتَّةَ عَشَرَ مَعَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي تِسْعَةٍ فَبِالتُّسْعِ كَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَعَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي عَشَرَةٍ فَبِالْعُشْرِ كَالْعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِينَ. قَوْلَهُ: (وَتُسَمَّى الْكُسُورَ الْمُنَطَّقَةَ) الْكَسْرُ الْمُنَطَّقُ هُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ حَقِيقَةً بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِهِ، كَالْخُمُسِ فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ فِيهِ خُمُسٌ يُقَالُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ، وَالْأَصَمُّ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَاحِدِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَحَدَ عَشَرَ فَهُمَا متوافقان بِجُزْء من أحد عشر كائنين وَعِشْرِينَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ. قَوْلُهُ: (وَهَكَذَا) كَمَا إِذا توفقان فِي جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ. تَنْبِيهٌ: إذَا تَوَافَقَا فِي عَدَدٍ مُرَكَّبٍ وَهُوَ مَا يَتَأَلَّفُ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ شِئْت قُلْت هُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَيْهِ بِكَسْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَتَقُولُ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِثُلُثِ خُمُسٍ أَوْ خُمُسِ ثُلُثٍ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ وَبِالْكُسُورِ الْمُنَطَّقَةِ الْمُضَافَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالْجُزْءِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ وَفِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قِسْمَةَ النَّصِيبِ، بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَة الاخيرة أَنه كَانَ للزوجين مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الَّذِي ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 360 فَهِيَ نَصِيبُ الزَّوْجَاتِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَكَانَ لِلْبَنَاتِ 16 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ تَبْلُغُ 6330 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاضْرِبْهَا فِيهِ أَيْضًا تَبْلُغُ 840 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي 120 فَهِيَ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَدِ رؤوسهم وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَضْرِبُ فِي جُزْءِ السَّهْمِ، بَيَانُهُ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاقْسِمْهَا عَلَيْهِمَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 513 فَهِيَ لكل زَوجته وَكَانَ للبنات 16 فاقسمها على 10 عدد رؤوسهن يخرج سهم وَثَلَاث أَخْمَاسِ سَهْمٍ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ 336 فَهِيَ لِكُلِّ بِنْتٍ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاقْسِمْهَا عَلَى 6 عَدَدِ رؤوسهن يَخْرُجُ ثُلُثَانِ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ يَبْلُغُ 140 فَهِيَ لكل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 جَدَّةٍ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاقْسِمْهُ عَلَى عَدَدِهِمْ 7 يخرج سبع سهم فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوب يبلغ 30 فَهِيَ لِكُلِّ عَمٍّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْضَحُ طَرِيقُ النِّسْبَةِ إلَخْ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ 3 وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا مِثْلٌ وَنِصْفٌ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَضْرُوب مثل ذَلِك النِّسْبَةِ: أَيْ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْبَنَات 61 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 10 مثل وَثَلَاث أَخْمَاس مثل فاعط كَا وَاحِد مِنْ الْمَضْرُوبِ مِثْلَهُ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْجدَّات 4 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 6 ثلثان فأعط كل وَاحِد ثُلُثَيْ الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ نسبته إِلَى رؤوسهم وَهُوَ 7 سُبُعُ سَهْمٍ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سبه الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْضَحَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قِسْمَةٍ وَضَرْبٍ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ مَلَكَ النِّسْبَةَ مَلَكَ الْحساب، وَلَكِن رُبَّمَا كَانَتْ النِّسْبَةُ أَعْسَرَ فَالْعَمَلُ بِالضَّرْبِ أَيْسَرُ وَثَمَّةَ طُرُقٌ أُخَرُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَة الخ) لما فرع مِنْ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ ثُمَّ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ بِطَرِيقَيْنِ يَتَوَافَقَانِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَنَّ كُلًّا وَحْدَهُ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ من أَن قَوْله كالسراجية والغرماء بِالْوَاو، وَغير صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرِكَةَ إنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِجَمِيعِ الدُّيُون وَبَقِي للْوَرَثَة شئ لَا يحتاح إلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْوَرَثَة وَإِلَّا لم يبْق للْوَرَثَة شئ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ، فَلَفْظُ بَيْنَ مُقَدَّرٌ: أَيْ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، فَالْقِسْمَةُ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ أَحْوَالِهَا لَا وَاحِدَةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قُلْنَا. قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ إنْ ضَرَبْت فِي كُلِّ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى وَفْقِهِ إنْ ضَرَبْت فِي وَفْقِهَا، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُوَافِقِ لِلسِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَالصَّوَابُ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ يَصِحُّ الضَّرْبُ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُبَايَنَةِ، وَكَذَا فِي الْمُدَاخَلَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الْحِسَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى الضَّرْبُ فِي الْوَفْقِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ وَفِي الْكُلِّ عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ. مِثَالُ الْمُوَافَقَةِ: زَوْجٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَشَقِيقَتَانِ أَصْلُهَا مِنْ 6 وَتَعُولُ إلَى 9 وَالتَّرِكَةُ 60 دِينَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَلِلزَّوْجِ مِنْ التِّسْعَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 20 وَفْقِ التَّرِكَةِ يَكُنْ 60 فَاقْسِمْهَا عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ 20 هِيَ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَحَدِ الْأَخَوَيْنِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 20 فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ يَخْرُجُ 6 وَثُلُثَانِ هِيَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مِثْلُهُ وَلِإِحْدَى الشَّقِيقَتَيْنِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 40 فَاقْسِمْهَا على الثَّلَاثَة يخرج 31 وَثلث وَهِي لَهَا وَلِأُخْتِهَا مِثْلُهَا وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وشقيقة أَصْلهَا من 6 وتعول إِلَى 8 وَالتّرْك 52 دِينَارًا فَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 25 كُلِّ التَّرِكَةِ تَبْلُغُ 75 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 9 وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ هِيَ لَهُ وَلِلشَّقِيقَةِ مِثْلُهُ وَلِلْأُمِّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي 25 تَبْلُغُ 50 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 6 وَرُبُعٌ هِيَ لَهَا، وَلَوْ ضَرَبْت فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ قَسَمْت الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ التَّصْحِيحِ كَمَا فَعَلْت هُنَا لَصَحَّ ذَلِكَ وَلَكِن فِيهِ تَطْوِيل كَمَا قبنا، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي 24 كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُدَاخَلَةٌ لِدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 فِي 24 وَيَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْمُبَايَنَةِ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَخْصَرَ عَمَلُ الْمُوَافَقَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْرٍ وَهُوَ الثُّمُنُ مَخْرَجُ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَافِقَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَتَعْمَلُ كَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ نصيب كل فريق مِنْهُم) بِأَن تضرب يَفِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَصِيبَ الْأَخَوَيْنِ وَنَصِيبَ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ضَرَبْت فِيهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ فَالْخَارِجُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الضَّرْبِ هُوَ أَشْهَرُ أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ، وَبَيَانُهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ كَسْرٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا قَضَاءُ الدُّيُونِ) أَيْ طَرِيقُ قِسْمَتِهَا وَتُسَمَّى المحاصة (فَبِهَا) أَيْ بِالتَّوْفِيَةِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَنِعْمَتْ هِيَ. قَوْلُهُ: (وَتَعَدَّدَ الْغُرَمَاءُ) فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَلَا قسْمَة. قَوْله: (ينزل مَجْمُوع الدُّيُون كالتصيح إلَخْ) بِأَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَبَقِيَّةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ، فَإِنْ تَوَافَقَا كَمَا إذَا تَرَكَ 12 دِينَارًا وَعَلَيْهِ 18 لِزَيْدٍ 4 وَلِعَمْرٍو 2 وَلِبَكْرٍ 12 فَالْمُوَافَقَةُ بِالسُّدُسِ فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ 2 ثُمَّ اقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَثُلُثَانِ وَلِعَمْرٍو 1 وَثُلُثٌ وَلِبَكْرٍ 8، وَإِنْ تَبَايَنَا كَمَا إذَا فَرَضْنَا التَّرِكَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا 11 فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلٍّ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ وَلِعَمْرٍو 1 وَتُسْعَانِ وَلِبَكْرٍ 7 وَثُلُثٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى 24 دِينَارًا كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَاخَلَةً فَتَعْمَلُ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا وَفِي الْمُوَافَقَةِ كَالْمُبَايَنَةِ كَمَا عَلِمْت. قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ) تَفَاعُلٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ تَصَالُحُ الْوَرَثَةِ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمِيرَاث على شئ مِنْ التَّرِكَةِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ. قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رُبُعَ الثُّمُنِ فَصَالَحُوهَا عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ الدَّرَاهِمِ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ عير نَكِير اهـ. قُلْت: وَلَهُ أَحْكَامٌ وَشُرُوطٌ تَقَدَّمَتْ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوا وَاحِدًا وَأَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ. 1 قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِكَوْنِهِ عَنْ إنْكَارٍ، فَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ فعلى السوَاء فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْغُرَمَاءُ) أَيْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا، فَحُكْمُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّخَارُجِ حُكْمُ الْوَرَثَةِ، وَمِثْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ اطْرَحْ سَهْمَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ صَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُصَالِحِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ اطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ سَيِّدٌ، قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي سَهْمٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إلَخْ) فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَالَحَ الْعَمَّ عَلَى شئ مِنْ التَّرِكَةِ وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا خَرَجَ نَصِيبُ الْعَمِّ بَقِيَ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَاثْنَانِ لِلْأُمِّ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي أَخْمَاسًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وللام خمسان، وَإِن صالحت الام على شئ وَخَرَجَتْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا طُرِحَ مِنْهَا سَهْمَانِ لِلْأُمِّ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ وَوَاحِدٌ لِلْعَمِّ. سَيِّدٌ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَنْقَلِبَ فَرْضُ الْأُمِّ إلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَكَانَ الْعَمِّ أَبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الزَّوْجِ فِي التَّصْحِيحِ لِأَنَّ لِلْأُمِّ سَهْمًا وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (فِيهِ نَظَرٌ) أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ يَجْعَل كَأَنَّهُ استوفى نصيب وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى مَا كَانَ لَهُم من ثَمَانِيَة، لَان أَصْلهَا من سِتَّة تعول إلَى ثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاث بَقِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لكَانَتْ من 6 وَبَقِي سهم للْعصبَةِ اهـ. وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نسخ الزَّيْلَعِيّ، لَكِن مَا مَرَّ وُجِدَ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا عَصَبَةَ هُنَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِق: فاطرح سهامه من التَّصْحِيح. قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ أَخَصُّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ مُؤْتَلِفَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمُؤَلَّفِ بِالْفَتْحِ وَجَامِعُهُ مُؤَلِّفٌ بِالْكَسْرِ. قَوْلُهُ: (الْحَقِيرُ) مِنْ الْحَقْرِ وَهُوَ الذِّلَّةُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (الْحِصْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى حِصْنَ كَيْفَا، وَاشْتُهِرَ فِي نِسْبَةِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظُ الْحَصْكَفِيِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّحْتِ. قَوْلُهُ: (الْعَبَّاسِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى سَيِّدِنَا الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمِّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله. قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِعَلِيٍّ، لَكِنْ الَّذِي كَانَ إمَامَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ هُوَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا كَانَ مُدَرِّسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ الْقُبَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَرِّسَ التكية السليمة وَلم يشْتَهر وَالِده بشير مِنْ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (هِجْرِيَّةً) نِسْبَةٌ إلَى الْهِجْرَةِ: أَي هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَنُسِبَ التَّارِيخُ إلَيْهَا، لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْهَا وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَأَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخُرُوجُهُمْ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَبْلَ الْمَحَاضِرِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 قَوْله: (فِي تلخيصه) التَّلْخِيص: التَّبْيِين وَالشَّرْح وَالتَّلْخِيص. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ) تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ: تَقْوِيمُهُ، وَالتَّنْقِيحُ: التَّهْذِيبُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (لِمَوَاضِعَ) اللَّامُ زَائِد لِلتَّقْوِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَتَصْحِيحِهِ) عَطْفٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ. قَوْلُهُ: (وعَلى مَوَاضِع سَهْو وَأخر) أَيْ مِمَّا فَاتَ الْمُصَنِّفَ تَغْيِيرُهَا. قَوْلُهُ: (وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ، أَيْ مُجْتَمِعًا. قَالَ فِي الْقَامُوس: جمل جمع، وأجمل الشئ: جَمَعَهُ عَنْ تَفْرِقَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ وَإِنْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السَّهْوِ فَإِنِّي قَدْ أَسْهُو، لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَمْرُ الشَّاقُّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ السَّهْوِ. أَمْرٌ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ كَيَقِلُّ وَزْنًا وَمَعْنًى: أَيْ يَنْدُرُ أَوْ يَعْسُرُ أَوْ يَضِيقُ أَوْ يَعْظُمُ عَلَى الْبَشَرِ فَلَا يُحَصِّلُونَهُ، لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ. وَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ، وَفِي هَذَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَعَنْ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا كَانَ مَا ذُكِرَ فَالْمَطْلُوبُ السَّتْرُ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ. قَوْلُهُ: (وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ) الْغَفْرُ: السَّتْرُ فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا إلَخْ) هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ. قَوْله: (فسد الخللا) الْخلّ: مُنْفَرِجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَهَنُ فِي الْأَمْرِ، وَأمر مختل واه، وأخل بالشئ: أحجف. قَامُوسٌ. وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ الضَّمِيرُ، وَلَكِنْ أَتَى بِالظَّاهِرِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ خَلَلٌ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ) * بعد قَوْله: * (من كَانَ عدوا لله) * الْآيَةَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ: سَتْرُهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ. قَوْلُهُ: (جَلَّ) أَيْ عَظُمَ وَتَعَالَى، فَعَطْفُ عَلَا عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ، وَهَذَا الْكَلَام مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ: أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تفضح، فَإِن كَانَ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ، وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحق جلّ وَعَلَا ط. وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ، وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرما. وَلَو قَالَ إِن نجد بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي، أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ: أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا، فَهُوَ اعتذر آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ، وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ: الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ والاثبات، والمبيضة: الَّتِي ينْقل إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا يفتت أَو تعليلية كَقَوْلِه تَعَالَى: * (مِمَّا خطاياهم أغرقوا) * وَقد شبه مَا بِقَلْبِه من مشق البعاد وألم الْفِرَاق اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ واستعارة مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ، أَوْ أَضَافَ الْمُشبه إلَى الْمُشَبَّهِ: أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا، وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ. قَامُوسٌ. وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ، لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ، أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا، أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ. قَوْلُهُ: (فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا محَالة فتحركت نَفسه إِلَى الدُّعَاء، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا قَوْلُهُ: (التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ، وُلِدَ بِهَا سَنَةَ 722، وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ 792 وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا. قَوْلُهُ: (حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا: مَعَ وجود الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ وترامي الْبلدَانِ بِي والاقطار ونوب الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ قَوْلُهُ: (حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ اعْتَذَرَ. قَوْلُهُ: (يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ، قَوْلُهُ: (لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ: أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ، الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ. قَوْلُهُ: (أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِن بِالْجَنَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ، فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ. قَوْلُهُ: (مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ: أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بابتداء تبيضه) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ: قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ. قَوْلُهُ: (تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ. قَوْلُهُ: (صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ: أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ: قَوْلُهُ: (الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ على العقد نَيف وناف وأناف على الشئ: أَشْرَفَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْن الشريف) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِي غَزَّة وهَاشِم. قَوْلُهُ: (فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ. قَوْلُهُ: (عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْقَبُولُ: الرِّضَا بالشئ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقِيلَ: الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا: عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ. قَامُوسٌ. قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ: (فيا شرفي) أَي أحضر فَهَذَا وَقتل لِحُصُولِ مُقْتَضِيك، وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ، وَالضَّمِيرُ فِي قلبته لِلتَّأْلِيفِ ط. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بعدهمْ. قَوْله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 (رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ: أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك) * أَوْ بِمَعْنَى مِنْ: أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) *. قَوْله: (فتقبلني) بِالتَّخْفِيفِ: أَي تثنيني وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ. قَوْلُهُ: (وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أستاذ بِضَم الْهمزَة وَمَعْنَاهُ: الماهر بالشئ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله، فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَن جمعا كوننا جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، لَا الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كالقرب مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَآله. قَوْلُهُ: (مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ، وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ. الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا. الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ. وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ: مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ لَكَانَ أَسَدَّ. قَوْلُهُ: (وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا، وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ شِبْهَ الْفِعْلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ. قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ قَوْلُهُ: (دَائِمًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ قَبُولًا أَوْ حَشْرًا أَوْ إسْدَاءً. قَوْلُهُ: (دَاعٍ) أَيْ وَدَاعٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ وَالِدِنَا. قَوْلُهُ: (طَالِبِ الرَّشَدْ) أَيْ لَنَا حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ. يُقَالُ: رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا: اهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الْحَقِّ، وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُدِيمَنَا عَلَى الْحَقِّ الْقَوِيمِ، وَيُمَتِّعَنَا بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم فِي جَوَاز نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ (آمين) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخبار تَكْمِلَة رد الْمُخْتَار على الدُّرَر الْمُخْتَار شرح تنوير الابصار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أَفَنْدِي نجل الْمُؤلف وَقد وضع الشَّرْح والمتن بأعلا الصحائف ويأسفل الصحائف تقارير لبَعض الْعلمَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدّين حَدِيث شرِيف الْحَمد الله المتوحد بابداع المصنوعات المتفرد باختراع الْمَخْلُوقَات، المنزه عَن عَن التحيز والسكون والحركات الْمَخْصُوص بقدم الاسماء واصفات اقريب مِمَّن دَعَاهُ لَا بِقرب المسافات الْمُجيب لمن ناجاه بالخلاص الدَّعْوَات الَّذِي يغْفر الذُّنُوب وَيسْتر الْعُيُوب وَيقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات الْعَالم بمكنون الاسرار ومصون الخفيات الْخَبِير فَلَا يخفى عَلَيْهِ فَقَالَ ذرة فِي الارض وَلَا فِي السَّمَاوَات السَّمِيع فَلَا يعزب عَن سَمعه اخْتِلَاف الاصوات ابصير يرى دَبِيب النَّمْل وذرات الرمل فِي الظُّلُمَات الْوَاحِد الاحد فَلَا ثَانِي لَهُ فِي الكائنات، الْفَرد الصَّمد المنزه عَن البنى وَالْبَنَات الْبَاقِي على الابد ويفنى كل اُحْدُ وَيقْضى عَلَيْهِ بالممات فسبحانه من اله لَا يحمد على الْمَكْرُوه سواهُ مميت الاحياء ومحيي الاموات ابكى الاباء والامهات وأيتم الْبَنِينَ وَالْبَنَات يثيب على الطَّاعَات وَالصَّدقَات ويضاعف الاجور على نشر الْعُلُوم النافعات فتح بصائر اوليائه للاعتبار والتفكر فِي الايات وَنور قُلُوبهم بِنور الاخلاص وقدسهم من شواغل الاسباب وشوائب المكدرات تقلبهم يَد الالطاف فِي مهد الكرامات والعنايات فترضعهم ثدي الْعَطف وتفطمهم عَن الشَّهَوَات الْمَانِعَة من الْقرب والمشاهدات وَأهل أذهانهم لفهم مَعَاني الْعبارَات والرموز والاشارات وتنقيح الاحكام والمباني وَحل المشكلات حَتَّى صيروها من اوضح الواضحات مهد لَهُم فرش الاعمال بلين الصفاء فاستعذبوا طيب الْخلْوَة مَعَ الْخَطِيب لتحرير الْعُلُوم وخدمة شَرِيعَة سيد السادات (تتجا فِي جنُوبهم عَن الْمضَاجِع) * السَّجْدَة 16 يتلذذون بالسهر وَترك المستلذات، نزهوا نفوسهمم عَن عبَادَة الْهوى فأضحت أطيار أواحهم تسرح فِي رياض الملكوت بَين جنَّات، لَهُ الشُّكْر على مَا أنعم عَلَيْهَا بمعرفتهم وَخدمَتهمْ وأنعم عَلَيْهِم بِأَن هدَاهُم بعنايته الازلية لاكمل الْحَالَات، بِفَتْح الْقَدِير وَالنعَم المختارات، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد المكمل لامته كل نقص وثلم بأوضح شَرِيعَة ومعجرات، صَاحب الْمِعْرَاج غَايَة الْبَيَان، منحة الْخَالِق السراج الْوَهَّاج، حاوي المقامات الشامخات، وعَلى آله زواهر الْجَوَاهِر ودرر الْبحار، دوِي المناقب والخصوصيات، وَأَصْحَابه البحور الزواخر، وتنوير الابصار الناصرين لَهُ فِي الاعصر الخاليات، بصفاء النيات، وَحسن الطويات، وَالتَّابِعِينَ النُّجُوم الزواهر وخزائن الاسرار الحائزين أَعلَى الْفضل والكمالات، والائمة الْمُجْتَهدين الاكابر، ذَوي الْفَيْض المدرار، المبرئين من الشُّبُهَات والتبعات والترهات الفاسدات، لَا سِيمَا إمامنا الاعظم ذُو الْفَصْل الاقدام، الْكَوْكَب الزَّاهِر، والامام الباهر، الدّرّ الْمُخْتَار، وَالْعلم الراسخ ذُو الثَّبَات، الْقَائِم بالاوامر والزواجر، راد لهفة الْمُخْتَار صَاحب الكرامات الفاضلات، صَلَاة وَسلَامًا دائمين متلازمين مَا تعاقب اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَرَّتْ الاوقات، وَعَن للسماء نَبِي مِصْبَاح، وَمَا هبت نسمات الاسحار فِي كل السَّاعَات، لَا تَنْقَطِع لَحْظَة من اللحظات، من إِلَه كريم عَظِيم رب رَحِيم مقبل العثرات، وغافر الزلات. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 أما بعد فَيَقُول فَقير رَحْمَة ربه، وأسير وصمة ذَنبه: (مُحَمَّد عَلَاء الدّين ابْن السَّيِّد مُحَمَّد أَمِين ابْن السَّيِّد عمر عابدين) غفر الله تَعَالَى ذنوبهم، وملا من زلال الْعَفو ذنوبهم، آمين: إِنَّه لما سبقت الارادة الالهية، والمشيئة الرحمانية، بوفاة سَيِّدي الْوَالِد قبل إِتْمَامه تبيييض حَاشِيَة رد الْمُخْتَار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ونوز ضريحه، وَجعل أعلا الْجنان ضجيعه لما وصل إِلَى أثْنَاء شَتَّى الْقَضَاء من هَذَا الْكتاب، اشتاق إِلَى مُشَاهدَة رب الارباب، فَنقل من دَار الْغرُور إِلَى جوَار مَوْلَاهُ الْغَوْر، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بَدَأَ أَولا فِي التسويد من الاول إِلَى الآخر، ثمَّ شرع فِي التبييض فَبَدَأَ أَولا مِنْ الْإِجَارَةِ إلَى الْآخِرِ، ثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى انْتِهَاءِ هَذَا التَّحْرِيرِ الْفَاخِرِ، وَتَرَكَ عَلَى نُسْخَتِهِ الدُّرَّ بَعْضَ تَعْلِيقَاتٍ، وَتَحْرِيرَاتٍ وَاعْتِرَاضَاتٍ، قَدْ كَادَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي أَنْ يُذْهِبَهَا، لِعَدَمِ من يذهبها مذهبها، وَكَانَ قد جرى الامر بطبعها فِي بولاق المصرية، فجمعتها برمتها بِدُونِ زِيَادَة، حرف بِالْكُلِّيَّةِ، وأرسلتها فطبعت ثمَّة، حرصا على فوائدها الجمة، وَكَانَ كثيرا مَا يخْطر فِي زيادها مَعَ ضم تحريرات، وَبَعض فروع وتقزيرات لَكِن لم تساعد الاقدار، لَا سِيمَا مَعَ شغل الافكار، وَقلة البضاعة فِي هَذِه الصِّنَاعَة، حَتَّى سَافَرت للاستانة الْعلية، دَار الْخلَافَة السّنيَّة، عَام خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ، والالف، من هِجْرَة من تمّ بِهِ الالف، وَزَالَ بِهِ الشقاق وَالْخلف، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَصِحَّته ألفا بعد ألف، ووظفت عضوا فِي الجمعية العلمية، التابعة لديوان، أَحْكَام العدلية، لجمع الْمجلة الشَّرْعِيَّة، تَحت رياسة حَضْرَة الْوَزير الْمُعظم، والمشير المفخم، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، والحائز لفضيلتي السَّيْف والقلم، صَاحب الدولة، أَحْمد جودت باشا، بلغَة الله تَعَالَى من الْخيرَات مَا شَاءَ، وأسعد أَيَّامه وحرسها، ألْقى محبته فِي الْقُلُوب وغرسها، وَلَا زَالَت أَعْلَام دولته مبتسمة الثغور، وأرقام رفعته منتظمة السطور، على مدى الدهور، آمين. وَبعد إقامتي مُدَّة تقرب من ثَلَاث سِنِين قدمت الاستعفاء، لما فِي قلبِي من الرمضاء، من فِرَاق الاوطان والاهل واخلان، فَأمرنِي قبل سَفَرِي من أمره مُطَاع، وَاجِب الاستعاع أَن أتمم نَقصهَا، وأتلافى ثلمها حَنى وصولي إِلَى لوطن، وقراري بالسكن. فَلَمَّا رجعت بعد ثَلَاث سِنِين من سَفَرِي إِلَى وطني دمشق الشَّام، ذَات الثغر البسام، الستخرت الله تَعَالَى الْمرة بعد الْمرة، بعد الكرة، فِي تَكْمِلَة الحزم، مُعْتَمدًا على الله تَعَالَى الحزم ومتوكلا عَلَيْهِ فِي سَائِر الامور فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، والهفوات والزلل، ومتوسلا، إِلَيْهِ بِنَبِيِّهِ النبيه المكرم، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وبأهل طَاعَته من كل مقَام على مُعظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أَن يسهل على ذَلِك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، أَن يعْفُو عَن زللي، ويتقبل مني عَمَلي، وَيجْعَل ذَلِك خلصا لوجهه الْكَرِيم * (يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله تقلب سليم) * الشُّعَرَاء وينفع بِهِ الْعباد، فِي عَامَّة الْبِلَاد، من سَاكن وباد وَأَن يسْلك بِي سَبِيل الرشاد، ويلهمنى الصَّوَاب والسداد، وَيسْتر عوراتي، وَيغْفر خطيناتي، ويسمح عَن هفواتي وزلاتي، فَإِنِّي متطفل على ذَلِك، لست من فرسَان تِلْكَ المسالك، وهيهات المثلى أَن يكون لَهُ اسْم فِي طرس، أَو أَن يكو لَهُ فِي صحيفَة غرس، بل أَن يكون لَهُ فِي النَّاس ذكر، أَو أَن يخْطر فِي بَال أَو يمر على فكر، فقد أَو ثقتني الذُّنُوب والخطيئات وأقعدتني عَن إِدْرَاك أدنى الدَّرَجَات، مَعَ قُصُور باعي واندراس، رباعي وجمود مرمى سِهَام الالس وموقع النّظر الشزر من الاعين، حَيْثُ تجرأت على أَمر غير سهل، مَعَ كوني لست لَهُ بِأَهْل، وتشبهت بالسادات الاعلام، الَّذين هم مصابيح الظلام. وهيهات أَن يدْرك السِّيَاق مقْعد، أَو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 أَن يسْلك الطَّرِيق مصفد، أَو أَن يقرب من عرين الاسد ابْن آوى، يشبه الْحُبَارَى الْبَازِي وَلَو لم يكن لَهُ فِي الْجِسْم ساوي، وَمَا أشبه قَوْله الْقَائِل بحالتي الَّتِى كَانَ مِنْهَا على مثل هَذَا جراءتي: أَيهَا الْمُدَّعِي وَلَاء سليم * لست مِنْهُم وَلَا قلامة ظهر إِنَّمَا أَنْت فِي سليم كواو * ألحقت بالهجاء ظلما بِعَمْرو وَلَكِن أَخفض على نَفسِي، وأسلبها بالتأسي، وأتمثل بقول الشهَاب السهروردي: فتشبهوا إِن لم تَكُونُوا مثلهم * إِن التَّشَبُّه بالكرام فلاح وَإِنِّي أسأَل الله تَعَالَى من طوله، وأستعد بقوته وَحَوله، فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، وَيحسن ختامي عِنْد مُنْتَهى الاجل وَمَا توفيقي إِلَّا الله الْقَرِيب الْمُجيب، عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب وألتمس من النَّاظر لهَذِهِ التكملة أَن يلحظها، بِعَين الْقبُول والصفاء، لَا بِعَين الْحَسَد والجفاء، فَإِن الْجَسَد لَا يَخْلُو عَن الْحَسَد، وَلَكِن الْكَرِيم يخفيه، واللثيم يبديه، وَأَن لَا ينسى جَامعهَا، وَأَوْلَاده، ومظهرها وكاتبها وقارئها من دعاته المستجاب، وثنائه تحارير سَيِّدي الْوَالِد فَإِنِّي واثق بنفسي أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد، إِلَيْهِ وَإِن لم يكن ثمَّة فَإِنِّي غير واثق بنفسى أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد يطوش، ويغير عَن مجاله النقوش، وَلَا يُبَادر عَليّ بالاعتراض والملام، فَلَيْسَتْ أول قاروه كسرت فِي الاسلام، وَيصْلح مَا كبا بِهِ الْقَلَم، أَو زلت بِهِ الْقدَم، فقد قدمت بَين يديهم عُذْري، وكشفت لَهُم عَن حَقِيقَة أَمْرِي، فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ، وَهُوَ يقبل عثرات المقيلين، وَقد سميت مَا عنيت جمعه من هَذِه التكملة بقرة قُرَّة عُيُون الاخبار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار) . وَحَيْثُ قلت سَيِّدي فَالْمُرَاد بِهِ سَيِّدي الْوَالِد أَو بعض الافاضل، فَالْمُرَاد، الرحمتي أَو الفتال، والكمال محَال لغير ذِي الْجلَال، وعَلى الله تَعَالَى الاتكال، فِي المبدأ وَالْمَال. وَكَانَ إِتْمَامهَا فِي عصر حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان الاعظم، الخاقان الاعدل الاكرم، ملك مُلُوك الْعَرَب والعجم، ظلّ الله الْمَمْدُود على الامم، قوانين الْعدْل والانصاف، وموطد دعائم بُنيان المراحم والالطاف، سُلْطَان البرين، وخاقان الْبَحْرين، وخادم الْحَرَمَيْنِ الشريفين، فاروقي السِّيرَة، الشيم، علوي الشهامة والهمم، خلقَة الله تَعَالَى فِي الارض، ناشر، لِوَاء المراحم فِي طولهَا وَالْعرض ملك أَنَام الانام فِي ظلّ أَمَانه، وَشَمل الْعباد بسجال لطفه وإحسانه، حَافظ بَيْضَة الدّين، وحامي شَرِيعَة سيد لمرسلين، أَمِير الْمُؤمنِينَ، ملجا عَامَّة الْمُسلمين، بل كَافَّة النَّاس أجعين معمر الامصار والبلاد، مدمر أهل الشَّرّ وَالْفساد قامع الْبدع وَالظُّلم، ومؤيد السّنة، بِالْعَدْلِ والحلم، الْمُؤَيد المظفر المعان، والمحفوف بعناية الْملك بالديان، صَاحب العساكر، الْقَاهِرَة، المبيدة كل فِئَة باغية فاجرة بصوارم سيوف تقطف حروفها أَعْنَاق الْمُعْتَدِينَ، أهلة قسي ترسل نُجُوم سهامها على شياطين الْبُغَاة والمتردين، ورايات تخفق قُلُوب الاعداء، لخفقانها، وتخفض رتبهم، لرفع شَأْنهَا، لَا يرتاب متأمله فِي أَنه الْبَحْر العساكر، أمواجه، ومراحمه الدّرّ الَّذِي يظفر بهَا طلاب الْعرف وأفواجه، السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان، السُّلْطَان عبد الْعَزِيز خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان، خلد الله تَعَالَى ملكه، وَجعل الدُّنْيَا بأسرها سَعَادَة أَيَّامه، وَجعل البسيطة قَبْضَة يَدَيْهِ وطوع أَحْكَامه وَلَا زَالَ لِوَاء عدله المنشور إِلَى يَوْم النشور، وَلَا بَرحت الايام عى يَدَيْهِ دَائِرَة، ووجوه السَّعَادَة إِلَى سافرة وَأَجْنِحَة النعم بأبوابه مَقْصُورَة وبأنبائه طائرة وعزائم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 التَّوْفِيق لآرائه مسخرة وبأعدائة ساخرة، وبأعدائة ساخرة، مَرْفُوعَة أَعْلَام دولته إِلَى مُحِيط الْقبَّة الخضراء وأوجد لَهُ فِي كل مَكَان وزمان عزا ونصرا، ومسرة وبشرى، وَلَا زَالَت سلسلة سلطنته مسلسة إِلَى انْتِهَاء سلسلة الزَّمَان، رافلا فِي حلل السَّعَادَة السِّيَادَة وَالرِّضَا وَالرِّضَا الرضْوَان، وَلَا زَالَ الْوُجُود بدوام خِلَافَته سنيا عَامِرًا، وَلَا برح الايمان فِي أَيَّام سلطنته قَوِيا ظَاهرا، ووفق وكلاء الفخام، ووزراءه الْعِظَام، وعماله إِلَى السَّعْي فِي صَلَاح الْملك وَالْملَّة فِي كَافَّة بِلَاده وولاياته، وَجمع الْقُلُوب كَافَّة على طَاعَته وَتَحْصِيل مرضاته آمين. آمين آمين لَا أرضي بِوَاحِدَة * حَتَّى أضم إِلَيْهَا ألف آمينا وَفِي يمن أَيَّام حَضْرَة صَاحب الفخامة والدولة الصَّدْر الاعظم، والمشير، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، مَعَ قُوَّة الْيَقِين والحائز فضيلتي السَّيْف والقلم بالتمكين، ورياستي الدُّنْيَا وَالدّين، قُرَّة عين المملكة، والوزارة، سيف الدولة السُّلْطَانِيَّة، ولسان الصولة، الخاقانية، مؤيد دولة الْمُلُوك والسلاطين، ملجا الْفُقَرَاء والضعفاء المنقطعين، أَلا وَهُوَ حَضْرَة ولي النعم، المتخلق باخلاق سميَّة، فَخر الْعَالم (ص) الْوَزير الافخم، والصدر الاعظم، السَّيِّد، أَحْمد أسعد باشا الْمُعظم، لَا زَالَت عتبَة بَابه سدر الواردين، وَمَا برح سلَاح جنابه فِي رِقَاب الحاسدين، وَأطَال الله تَعَالَى عمره، وأدام عزة ومجده ودولته آمين. وَفِي مُدَّة يمن أَيَّام مشيخة سماحة دولة حَضْرَة الْمولى الاعظم، وَالسَّيِّد الْكَبِير الافخم، الْجَامِع بَين الرتبتين، الشريفتين الْعلم وَالْعَمَل بِقُوَّة الْيَقِين، وَالْمَحْفُوظ بعناية الله تَعَالَى من الزلل بالتمكين، الْحَائِز لرياستي الدُّنْيَا، وَالدّين، شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين، ملك الْعلمَاء الْمُحَقِّقين، عين الائمة المدققين نعْمَة، الله تَعَالَى فِي هَذَا الْعَصْر على الانام، ملاذ الافاضل الْكِرَام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، حضرد مَوْلَانَا صَاحب الدولة والاقبال، والسماحة، والافضال، خواجة شهرياري حسن فهمي أَفَنْدِي، لَا زَالَت الْفتيا مشرفة بمحابه وَأَحْكَام الشَّرِيعَة مشيدة وموضحة ببينانه، وأبقاه عقدا فِي جيد الدَّهْر، يتلالا بالدرر، وَأقر عينه بمحابه ونخله الامام الوذعي الابر، سيدنَا السماحة الْهمام السميدعي حيدر، ووقاهما كل حَاسِد ترمي عينه بالشرر، آمين. وَقد جَاءَت هَذِه التكملة من فيض فَضله تَعَالَى، وجود كرمه الَّذِي بِهِ نتغالى، قُرَّة لعين قاريها، ودرة لتاج داريها، لمعانيها، وخاص فِي بحار مَعَانِيهَا، وكفاية للطالبين، وَحجَّة للمفتين، ومحجة للسمتفتين، حاوية لدرر الْفَوَائِد خارية عَن مستنكرات الزَّوَائِد، جمعتها من معتمدات الْمَذْهَب، الَّتِي إِلَيْهَا يذهب وضعممت إِلَى ذَلِك بعض تحريرات وتأييد، أَو بعض استدراكات أَو تَقْوِيَة أَو تَقْيِيد، فَلَا غرو حِينَئِذٍ أَن تكون الْعُمْدَة فِي الْمَذْهَب، والحري بِأَن تكْتب بِمَاء الذَّهَب، مستعينا بكريم غفار حَكِيم ستار، مقيل العثرات، ومجيب الدَّعْوَات، وقاضي الْحَاجَات، ومستشفعا بمشرع هَذِه المشروعات، من لَا ترد لَهُ شفاعات، عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات وأزكى التَّحِيَّات، وعلينا وعَلى أعزائنا، مَعَه يَا رب البريات. هَذَا، وَإِنِّي أروي الدّرّ الْمُخْتَار وَمَتنه تنوير الابصار، وحاشية رد الْمُخْتَار) وَكَذَا بَقِيَّة كتب الْفِقْه وَغَيرهَا من سَائِر الْعُلُوم والفنون عَن أَئِمَّة أَخْبَار، من شاميين ومكيين ومصريين وعراقيين وروميين وَغَيرهم من أهل الْفضل والاستبصار، وَمن أَجلهم وَأكْثر هم إِفَادَة لي ومداومة لَدَيْهِ وَقِرَاءَة عَلَيْهِ سَيِّدي الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة، عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول، والمستخرج بغواص فكره مَا يعجز عَنهُ الفحول، الشَّيْخ مُحَمَّد هَاشم أَفَنْدِي التاجي البعلي رحم الله تَعَالَى روحه وَنور مرقده الشريف وضريحه، وَجعل أَعلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 الْجنان بُلُوغه ومقيله وَمن أَجلهم عَلامَة زَمَانه على الاطلاق، من انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة بِاسْتِحْقَاق، الامام المتقن، والعلامة المتفنن الْعَلامَة الثَّانِي، من لَا يُوجد لَهُ ثَانِي الحسيب النسيب، الْفَاضِل الاديب، الْجَامِع بَين شَرْقي الْعلم وَالنّسب، والمستمسك بمولاه بأقوى سَبَب، وَالْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، وعلوم الْمَعْقُول والمنفول وَالتَّصَرُّف والطريقة أعلم الْعلمَاء العاملين، أفضل الْفُضَلَاء الفاضلين، سَيِّدي وعمدتي عَلامَة الانام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، وَالِدي المرحوم الشَّيْخ السَّيِّد الشريف مُحَمَّد أَمِين عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عمر عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الْعَزِيز عابدين ابْن اسيد الشريف أَحْمد عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الرَّحِيم عابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين ابْن السَّيِّد الشريف الْعَالم الْفَاضِل الْوَلِيّ الصَّالح الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، إِمَام الْفضل والطريقة، مُحَمَّد صَالح الدّين الشهير بعابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين السَّيِّد الشريف حُسَيْن ابْن السَّيِّد الشريف حمة الله ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّانِي مصطفى الشهابي ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف مَحْمُود ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الرَّابِع ابْن السَّيِّد الشريف عبد الله ابْن السَّيِّد الشريف عز الدّين عبد الله الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف قَاسم ابْن السَّيِّد الشريف حسن ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل ابْن السَّيِّد الشريف حُسَيْن النتيف الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الْخَامِس ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف مُحَمَّد ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الاعرج ابْن الامام جَعْفَر الصَّادِق ابْن الامام مُحَمَّد الباقر ابْن الامام زين العابدين ابْن الامام حُسَيْن ابْن البتول، هِيَ الزهراء فامطة بنت الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهَا وعَلى جَمِيع آله وَصِحَّة آمين. فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ولد فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد الْمِائَة والالف فِي دمشق الشَّام، وَنَشَأ فِي حجر وَالِدَة، وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم عَن ظَهرت قلب وَهُوَ صَغِير جدا، وَجلسَ فِي مَحل تِجَارَة وَالِده اليألف التِّجَارَة ويتعلم البيع والشرأء، فَجَلَسَ مرّة يقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم فَمر رجل لَا يعرفهُ فَسَمعهُ وَهُوَ يقْرَأ، فزجره وَأنكر قِرَاءَته وَقَالَ عَنهُ: لَا يجوز لَك أَن تقْرَأ. أَولا: لَان هَذَا الْمحل مَحل التِّجَارَة وَالنَّاس لَا يسمعُونَ قراءتك فيرتكبون الاثم بسببك، وَأَنت أَيْضا آثم، وَثَانِيا، قراءتك ملحونة. فَقَامَ من سَاعَته وَسَأَلَ عَن أقرّ أهل الْعَصْر فِي زَمَنه فدله وَاحِد على شيخ الْقُرَّاء فِي عصره وَهُوَ الشَّيْخ سيعد المحوي، الميدانية والجزرية وَطلب مِنْهُ أَن يُعلمهُ أَحْكَام الْقِرَاءَة بالتجويد، وَكَانَ وقتئذ لم يبلغ الْحلم، فحفظ الميدانية والجزرية والشاطبية، وَقرأَهَا عَلَيْهِ قِرَاءَة إمعان حَتَّى أتقن فن الْقرَاءَات بطرقها وأوجهها، ثمَّ اشْتغل عَلَيْهِ بِقِرَاءَة النَّحْو وَالصرْف وَفقه الامام الشَّافِعِي، وَحفظ متن الزّبد وَبَعض الْمُتُون من النَّحْو وَالصرْف وَالْفِقْه وَغير ذَلِك، ثمَّ حضر على شيخة عَلامَة زَمَانه وفقيه عصره وأوانه السَّيِّد مُحَمَّد شَاكر السالمي الْعمريّ ابْن الْمُقدم سعد الشهير وَالِدَة بالعقاد الْحَنَفِيّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ علم الْمَعْقُول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير، ثمَّ ألزمهُ بالتحول لمَذْهَب سيدنَا أبي حنيفَة النُّعْمَان الامام الاعظم عَلَيْهِ الرَّحْمَة الرضْوَان، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتب الْفِقْه وأصوله حَتَّى برع وَصَارَ عَلامَة زَمَنه فِي حَيَاة شيخة الْمَذْكُور، وَألف حاشيتين على شرح الْمنَار للعلائي كبرى وصغرى، سمى إِحْدَاهمَا نسمات الاسحار على إفَاضَة الانوار شرح الْمنَار وَالثَّانيَِة لم يخْطر لي اسْمهَا لانها فقدت عِنْد مفتي مصر الشَّيْخ التَّمِيمِي رَحمَه الله تَعَالَى، وَألف ثبتا لاسانيد شَيْخه سَمَّاهُ (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) و (شرح الْكَافِي فِي الْعرُوض والقوافي) وَكتب فِي آخر هَذَا الشَّرْح: ثمَّ فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ سنة سبع عشرَة سنة، ورسالة سَمَّاهَا (رفع الِاشْتِبَاه عَن عبارَة الاشباه) وحاشية على شرح النبذة سَمَّاهَا (فتح رب الارباب على لب الا بَاب شرح نبذة الاعراب) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 وَغير ذَلِك، فِي حَيَاة شيخة الموقوم، ثمَّ توفّي شيخة الموقوم فِي الْيَوْم الرَّابِع من محرم الْحَرَام سنة الثِّنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْبَحْر وَالْهِدَايَة وَشَرحهَا، وَالْهِدَايَة وشروحها، وَكَانَت وَفَاته فِي أثْنَاء قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة، وَكَانَ جملَة من حضر مَعَ سَيِّدي الْوَالِد على شَيْخه الْمَذْكُور أكبر التلامذه، وَهُوَ عَلامَة زَمَانه، وفقيه عصره وأوانه، فَقِيه النَّفس الشَّيْخ مُحَمَّد سعيد الْحلَبِي الشَّامي، قاتم سَيِّدي الْوَالِد قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة عَلَيْهِ، وَحضر مَعَه الاتمام الْكتب الْمَذْكُورَة بَقِيَّة التلامذة والطلبة الَّذين كَانُوا يداومون على الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور، ثمَّ شرع فِي تأليف رد الْمُخْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار) وَفِي أَثْنَائِهَا ألف الْعُقُود الدرية فِي تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية) وَله من المؤلفات حَاشِيَة على حَاشِيَة الحللي المداري سَمَّاهَا (رفع الانظار عَمَّا أوردهُ الْحلَبِي على الدّرّ الْمُخْتَار) وحاشية على الْبَيْضَاوِيّ، وحاشية على المطول، وحاشية على شرح الْمُلْتَقى، وحاشية على النَّهر إِلَّا أَنَّهُمَا لم يجردا من الهوامش، وحاشية على الْبَحْر سَمَّاهَا (منحة الخالف على الْبَحْر الرَّائِق) وَله مَجْمُوع جمع فِيهِ من نفائس الْفَوَائِد النثرية والشعريد، وعرائس النكات وَالْملح الادبية والالغاز والمعميات، وَمَا يروق النَّاظر، وَيسر الخاطر، ومجموع آخر ذكر فِيهِ تَارِيخ عُلَمَاء الْعَصْر وأفاضلهم، جعله ذيلا لتارخ الْمرَادِي الَّذِي هُوَ ذيل لتاريخ جده لامه الْعَلامَة المحبي الَّذِي هُوَ ذيل لريحانة الخفاجي، وَله (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) الْمُتَقَدّم ذكره، وَشرح رِسَالَة لبركوي فِي الْمَحِيض وَالنّفاس، سَمَّاهُ (منهل الواردين من بحار الْفَيْض على ذخر المتأهلين الْمسَائِل الْحيض) وَشرح منظومته (رسم الْمُفْتِي والرحيق الْمَخْتُوم شرح فلائد المنظوم فِي الْفَرَائِض) وَكتاب (تَنْبِيه الْوُلَاة والحكام) وَله رسائل عديدة ناهزت الثَّلَاثِينَ فِي جملَة فنون. مِنْهَا: نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعرف، ورسالة فِي النَّفَقَات لم يسْبق لَهَا نَظِير اخترع لَهَا ضابطا مَانِعا، والفوائد العجبية فِي إِعْرَاب الْكَلِمَات الغربية، وَإجَابَة الغوب فِي أَحْكَام النُّقَبَاء والنجباء والابدال والغوث، وَالْعلم الظَّاهِر فِي نفع النّسَب الطَّاهِر وذيلها، وتنبيه الغافل والوسنان فِي أَحْكَام هِلَال رَمَضَان، والابانة فِي الْحَضَانَة، وشفاء العليل وبل الغليل فِي الْوَصِيَّة بالختمار والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الايمان مَبْنِيَّة على الالفاظ لَا الْوَصِيَّة بالختمات والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الاغراض، وتحرير الْعبارَة فِيمَن هُوَ أولى بالاجارة، وإعلام الاعلام فِي الاقرار الْعَام، وَجُمْلَة رسائل فِي الاوقات، وتنبيه الرقود وسل الحسام الْهِنْدِيّ، وَغَايَة الْمطلب والفوائد الخصصة، تحبير التَّحْرِير، وتنبيه ذَوي الافهام، وَرفع الِاشْتِبَاه، وتحرير النقول، الْعُقُود الدرية، وَغَايَة الْبَيَان، والدرر المضيئة، وَرفع التَّرَدُّد وذيلها، والاقوال الْوَاضِحَة الجلية، وإتحاف الذكي النبيه، ومناهل السرُور، وتحفه الْمَنَاسِك فِي أدعية الْمَنَاسِك وَغير ذَلِك. وَله مَجْمُوع أسئلة عويصة، وَله فِي مدح شيخة مقامات كمقامات الحريري، وَله نظم الْكَنْز، وَله قصَّة المولد الشريف النَّبَوِيّ. وَأما تعاليقه على هوامش الْكتب وحواشيها، وكتابته على أسئلة المستفتين والاوراق الَّتِي سودها بالمباحث الرائقة وَالرَّقَائِق الفائقة، فَلَا يكَاد أَن تحصى وَلَا يُمكن أَن تستقصى. وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ شغله من الدُّنْيَا التَّعَلُّم والتعليم، التفهم والتفهيم، والاقبار على مَوْلَاهُ، وَالسَّعْي فِي اكْتِسَاب رِضَاهُ مقسمًا زَمَنه على أَنْوَاع الطَّاعَات، والعبادات والافادات، من صِيَام وَقيام، وتدريس وإفتاء وتأليف على الدَّوَام. وَكَانَ لَهُ ذَوْقٌ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِ الْقَوْمِ، ولهبهم الِاعْتِقَاد الْعَظِيم، ويعاملهم بالاحترام والتكريم. وَأخذ طَرِيق السَّادة القادرية، عَن شيخة الْمَذْكُور ذِي الْفضل والمزية، حَتَّى أخبر عَنهُ من يوثق بصلاحه وَدينه مِمَّن صَحبه فِي سَفَره من تلامذته. إِنِّي مَا وجدت عَلَيْهِ شَيْئا يشينه فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي دينه. وَكَانَ حسن الاخلاف والسمات، مَا سمعته فِي سَفَرِي مَعَه فِي طَرِيق الْحَاج تكلم بِكَلِمَة أغاظ بهَا أحدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 من رفقائه وخدمه، أَو أخدا من النَّاس أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِلَّا رأى مُنْكرا فيغيره من سَاعَته على مُقْتَضى الشَّرِيعَة المطهرة العادلة، وَكَانَت ترد إِلَيْهِ الاسئلة من غَالب الْبِلَاد، وانتفع بِهِ خلق كثير من حَاضر وباد. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى جعل وَقت التَّأْلِيف والتحرير فِي اللَّيْل فَلَا ينَام مِنْهُ إِلَّا ماقل، وَجعل النَّهَار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أَمر ديناه شَرِيكه من غير أَن يتعاطى بنقسه، وَكَانَ فِي رَمَضَان يتخم كل لَيْلَة ختما كَامِلا مَعَ تدبر معانية، وَكَثِيرًا مَا يتسغرق ليله بالبكاء وَالْقِرَاءَة، وَلَا يدع وفتا من الاوقات إِلَّا وَهُوَ على طَهَارَة، ويثابر الْوضُوء. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إِفَادَة النَّاس وجبر خراطرهم، مكرما للْعُلَمَاء والاشراف وطلبة الْعلم، ويواسيهم، بِمَالِه. وَكَانَ كثير التَّصَدُّق على ذَوي الهيئات من الْفُقَرَاء الَّذين لَا يسْأَلُون النَّاس الاحافا، وَكَانَ غيورا على أهل الْعلم ولاشرف ناصرا لَهُم دافعا عَنْهُم مَا اسْتَطَاعَ. وَكَانَ مهابا مُطَاعًا نَافِذ الْكَلِمَة عِنْد الْحُكَّام وأعيان النَّاس، يَأْكُل من مَال تِجَارَته بِمُبَاشَرَة شريكة مُدَّة حَيَاته. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ورعا دينا عفيفا حَتَّى أَن عرض عَلَيْهِ خَمْسُونَ كيسا من الدرا هم لاحل فَتْوَى على قَول مَرْجُوح فَردهَا وَلم يقبل، وَقد امْتنع عَن شِرَاء العقارات الْمَوْقُوفَة الَّتِي عَلَيْهَا كدك أَو محاكرة أَو قيمَة أَو بالاجارتين، وَكَانَ وقف جده لَام أَبِيه مَشْرُوطًا ننظره للارشد من ذُرِّيَّة الْوَاقِف، فَامْتنعَ من تَوليته وَسلمهُ لاخية، وَلم يتَّفق لَهُ قبُول هَدِيَّة، من ذِي حَاجَة أَو مصلحَة. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى طَوِيل الْقَامَة شئن الاعضاء والانامل، أَبيض اللَّوْن أسود الشّعْر، فِيهِ قَلِيل الشيب لَو عد شَيْبه لعد مقرون الحاجبين، ذَا ووقار، وهيئة مستحسنة ونضار، جميل الصُّورَة حسن السريرة، يتلالا وَجهه نورا، حسن الْبشر، والصحبة من اجْتمع بِهِ لَا يكَاد ينساد لطلاوة كَلَامه ولين جَانِبه وَتَمام تواضعه على الْوَجْه الْمَشْرُوع، كثر الْفَوَائِد لمن صَاحبه والمفاكهة، ومجلسه مُشْتَمل على الْآدَاب وَحسن الْمنطق والاكرام للواردين عَلَيْهِ من أَهله ومحبيه وتلامذته ومصاحبية، كل من جالسه يَقُول فِي نَفسه أَنا أعز عِنْده من وَلَده مَجْلِسه مَحْفُوظ من الْفُحْش والغيية والتكلم بِمَا لَا يَعْنِيگي، لَا تَخْلُو أوقاته من اكتابه والافادة والمراجعة للمسائل، صَادِق اللهجة ذَا فراسة إيمانية وَحِكْمَة، لقمانية متين الدّين لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم، صداعا بِالْحَقِّ وَلَو عِنْد الْحَاكِم الجائر، تهابه الْحُكَّام والقضاة وَأهل السياسة. كَانَت دمشق فِي زَمَنه أعدل الْبِلَاد وللشرع بهَا ناموس عَظِيم، لَا يتجاسر أحد على ظلم أحد وَلَا على إِثْبَات حق بِغَيْر وَجه شَرْعِي وَلَا فِي غَالب الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ إِذا حكم على أحد بِغَيْر وَجه شَرْعِي جَاءَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِصُورَة حجَّة القَاضِي فيفتية بِبُطْلَانِهِ وَيُرَاجع القَاضِي فَينفذ فتواه، وَقل أَن تقع وَاقعَة مهمة أَو مشكلة مدلهمة فِي سَائِر الْبِلَاد أَو بَقِيَّة المدن الاسلامية وقراها إِلَّا ويستفتى فِيهَا مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء الاكابر والمفتين فِي كل مَدِينَة، وَكَانَت أَعْرَاب الْبَوَادِي إِذا وصلت إِلَيْهِم فتواه لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ جهلهم بالشريعة المطهرة، وَكَانَت كَلمته نَافِذَة وشفعته مَقْبُولَة وَكِتَابَة مَيْمُونَة، مَا كتب لَاحَدَّ شَيْئا إِلَّا وانتفع بِهِ لصدق نِيَّته وَحسن سَرِيرَته، وَقُوَّة يقينه، وَشدَّة دينه، وصلابتة فِيهِ. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مغرما بتصحيح الْكتب وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، فَلَا يدع شَيْئا من قيد أَو اعْتِرَاض أَو تَنْبِيه أَو جَوَاب أَو تَتِمَّة فَائِدَة إِلَّا ويكتبه على الْهَامِش وَيكْتب المطالب أَيْضا. وَكَانَت عِنْده كتب من سَائِر الْعُلُوم لم يجمع على منوالها، وَكَانَ كثير مِنْهَا بِخَط يَده وَلم يدع كتابا مِنْهَا إِلَّا وَعَلِيهِ كِتَابه، وَكَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 وَالسَّبَب فِي جُمُعَة لهَذِهِ الْكتب العديمة النظير وَالِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي لَهُ كل كتاب أرادة وَيَقُول لَهُ اشْتَرِ مَا بدا لَك من الْكتب وَأَنا أدفَع أَنا أدفَع لَك الثّمن فَإنَّك أَحييت مَا أمته أَنا من سيرة سلفي، فجزاك الله تَعَالَى خيرا يَا ولدى، أعطَاهُ كتب أسلافه الْمَوْجُودَة عِنْده من أَثَرهم الْمَوْقُوفَة على ذَرَارِيهمْ، وَعِنْدِي بعض مِنْهَا وَالله تَعَالَى الْحَمد. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إصْلَاح الْكتب، لَا يمر على مَوضِع مِنْهَا فِيهِ غلط إِلَّا أصلحه وَكتب عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبه، وَكَانَ حسن الْخط حسن القشط، قل أَن يرى من يكْتب مثله على الْفَتَاوَى وعَلى هوامش الْكتب فِي الْجَوْدَة وَحسن الْخط وتناسق الاسطر وتناسق الاسطر وتناسبها، وَلَا يكْتب على سُؤال على سُؤال رفع إِلَيْهِ إِلَّا أَن يُغَيِّرهُ غَالِبا. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَقِيه النَّفس انْفَرد بِهِ فِي زَمَنه بخاثا مَا باحثه أحد إِلَّا وَظهر عَلَيْهِ، وَقد حكى تلميده صَاحب الفضلية الْعَلامَة مُحَمَّد أَفَنْدِي جابي زَاده قَاضِي الْمَدِينَة المنورة أَن شيخ االاسلام عَارِف عصمت بك مفتي السلطنه بدار الْخلَافَة الْعلية قَالَ لَهُ: إِنِّي كنت أُؤَمِّل أَن تطلب لي الاجارة من شيخك للتبرك، وَكَانَ تلمية هـ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أفنيي الْحلْوانِي مفتي بيروت يَقُول لي: مَا سَمِعت مثل تَقْرِير سَيِّدي والذك فِي درسه، حَتَّى إِنِّي كثيرا مَا أجتهد فِي مطالعة الدَّرْس، وأطالع عَلَيْهِ سَائِر الْحَوَاشِي والشروح والكتابات على الدَّرْس، وأظن من نَفسِي أَنِّي فهمت سَائِر الاشكالات وأجوبتها، وَحين أحضر الدَّرْس يُقرر شَيخنَا الدَّرْس وَيتَكَلَّم على جَمِيع مَا طالعته مَعَ التَّوْضِيح والتفهيم، ويزيدنا فَوَائِد مَا سمعنَا بهَا وَلَا رأيناها، وَلم يخْطر على فكر أحد ذكرهَا. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بارا بِوَالِديهِ، وَمَات الده فِي حَيَاته سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف، وَصَارَ يقْرَأ كل لَيْلَة عِنْد النّوم مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْعَظِيم ويهدية ثَوَابه مَعَ مَا تقبل لَهُ من الاعمال حَتَّى رأى وَالِده فِي النّوم بعد شهر من وَفَاته وَقَالَ لَهُ: جَزَاك الله تَعَالَى خيرا يَا وَالِدي على هَذِه الْخيرَات الَّتِي تهديها إِلَى قي كل لَيْلَة، وَكَانَت جدة سَيِّدي أم ولدد من بَنَات الشَّيْخ المحبى صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور وَأما وَالِدَة سَيِّدي فقد توفّي فِي حَيَاتهَا، وَكَانَت صَالِحَة صابرة تقْرَأ من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مائَة ألف مرّة سُورَة الاخلاص وتهب ثَوَابهَا لولدها سَيِّدي الْوَالِد، وَتصلي كل لَيْلَة، خمس أقات قَضَاء احْتِيَاطًا، وَكَانَت كَثِيرَة الصَّلَاة وَالصِّيَام، عاشت بعد سنتَيْن، صابرة محتسبة لم تفعل مَا تَفْعَلهُ جهلة النِّسَاء عِنْد فقد أَوْلَادهنَّ، بل كَانَ حَالهَا الرِّضَا بِالْقضَاءِ، وَالْقدر، وَتقول،: الْحَمد الله على جَمِيع الاحوال: وَكَانَت من سلالة طَاهِرَة من ذُرِّيَّة الْحَافِظ الدَّاودِيّ الْمُحدث الشهير، وَكَانَ عَمها الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحَيّ الدَّاودِيّ صَاحب التأليفات الشهيرة: مِنْهَا الْمنْهَج، وحاشية ابْن عقيل، ومجموع الْفَوَائِد وَغَيرهَا. وعَلى مَا سَمِعت واشتهر أَن نسبتهم إِلَى حَضْرَة سيدنَا الْعَبَّاس إِلَّا أَنه لَيْسَ بِدَرَجَة الثُّبُوت، وَلَيْسَ عِنْدهم نسب عَلَيْهِ شَهَادَة بنته للزواج، فَمَنعه وَالِده من زواجها وَقَالَ لَهُ: أَخَاف عَلَيْك من غصب شيخك وعقوقه إِن أعضبت ابْنَته يَوْمًا مَا، وَهَذَا مِمَّا لَا تَخْلُو مِنْهُ الجبلة الانسانية غَالِبا. وَكَانَ وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى شفوقا عَلَيْهِ ويجبه تَامَّة، حَتَّى أَنه لما حج سَيِّدي سنة خمس وَثَلَاثِينَ امْتنع وَالِده من دُخُول دَاره الجوانية مُدَّة غياب سَيِّدي وَلم ينم على فرَاش تِلْكَ الْمدَّة وَهِي أَرْبَعَة أشهر بل بَقِي نَائِما فِي دَاره البرانية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ورعا فِي سَائِر أَحْوَاله، وعَلى الْخُصُوص فِي حَال إِحْرَامه فِي حجَّته الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ تحرى للطام غَايَة التَّحَرِّي مَعَ قلَّة تنَاول الطَّعَام إِلَّا بِقدر الضَّرُورَة. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير الْبر والصلة لارحامه يواسيهم بأفعاله وَمَاله، بالخصوص شقيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي التقي الصَّالح السَّيِّد عبد الْغَنِيّ، وَكَانَ يعتنى ويتفرس الْخَيْر بأكبر أَوْلَاده، وَهُوَ الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الشَّيْخ السَّيِّد أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حَالا، ويهتم بتربيته وَيَقُول الدالدة: دع لي من ولدك السَّيِّد أَحْمد وَأَنا أربيه وأعمله، فَعلمه الْقُرْآن الْعَظِيم وأقرأه مسلسلات الْعَلامَة ابْن عقلية، أجَازه إجازه عَامَّة حَتَّى صَار من أفاضل عصره، وَله تَأْلِيفَات عديدة: مِنْهَا شرح مولد ايْنَ حجر شَرحه شرحا لم سيبق لعى منوالد، وَشرح علم الْحَال الَّذِي ألف صَاحب السماحة والفضيلة، والفضيلة جندي زَاده أَمِين أَفَنْدِي العباسي مُحَمَّد أَبُو الْخَيْر، مسود الْفَتْوَى بِدِمَشْق، وخطيب جَامع برسبايي الشهير بِجَامِع الْورْد ومدرسه. وَثَانِيهمَا السَّيِّد رَاغِب إِمَام الْجَامِع الْمَذْكُور. وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ذهب مرّة مَعَ شَيْخه لاسيد مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور لزيارة بعض عُلَمَاء الْهِنْد وصلحائها الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لما ورد دمشق، فَلَمَّا دخلا عَلَيْهِ جلس شيخ سَيِّدي وَبَقِي سَيِّدي وَاقِفًا فِي العتبة بَين يَدي شَيْخه حَامِلا نَعله بِيَدِهِ كَمَا هُوَ عَادَته مَعَ شَيْخه، فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لشيخ سَيِّدي مر هَذَا الْغُلَام السَّيِّد فليجلس فَإِنِّي لَا أَجْلِس حَتَّى يجلس فَإِنَّهُ ستقبل يَده وَينْتَفع بفضله فِي سَائِر الْبِلَاد وَعَلِيهِ نور آل بَيت النُّبُوَّة، فقا لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر اجْلِسْ يالدى وَكَذَلِكَ، وفع لَهُ مَعَ شَيْخه الْمَذْكُور إِشَارَة نَظِير هَذِه من الامام الصُّوفِي الشهير وَالْوَلِيّ الْكَبِير الشَّيْخ طه الْكرْدِي قدس سره، وَمن ذَاك الْوَقْت زَاد اعتناء الشَّيْخ بِهِ والتفاته إِلَيْهِ بالتعليم. وَكَانَ شيخ الْمَذْكُور كثيرا مَا يَأْخُذهُ مَعَه ويحضره دروس أشياحه، حَتَّى أَنه أَخذه وأحضره درس شَيْخه الْعَلامَة الْعَامِل الْوَلِيّ الصَّالح شيخ الحدى الشَّيْخ مُحَمَّد الكزبري، واستجازه لَهُ فَأَجَازَهُ وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة ظهر ثبته، مؤرخة فِي افْتِتَاح لَيْلَة غرَّة سنة عشر ومائيتين وَألف، وترجمه سَيِّدي المرحوم فِي ثبته تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه أَيْضا سَيِّدي عِنْد وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة لتسْع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الاول سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصيدة مؤرخا وَفَاته فِيهَا، ومطلعها: خطب عَظِيم بِأَهْل الدّين قد نزلا فحسبنا الله فِي كل الامور وَلَا وَبَيت التَّارِيخ: إمامنا الكزبري نجم أَفلا * قَلِيل جلقه مَا زَالَ منسدلا وَكَذَلِكَ أحضرهُ درس الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ الْكَبِير الْمُحدث الشَّيْخ أَحْمد الْعَطَّار، واستجاره لَهُ فَأَجَازَهُ، وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة على ظهر ثبته بِخَطِّهِ مؤرخة فِي منتصف محرم الْحَرَام سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف. وَقد تَرْجمهُ سَيِّدي المرحوم الْوَالِد، فِي ثبته عُقُود الآلي تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه عِنْد وَفَاته مَعَ غرُوب الشَّمْس بهار الْخَمِيس التَّاسِع من ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصدة مؤرخان وَفَاته بهَا، ومطلعها: ليقدح الْجَهْل فِي الْبلدَانِ بالشرر * وَليكن الْعلم فِي كتب وَفِي سطر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 وَقد أَخذ سَيِّدي عَن مَشَايِخ كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ الامير الْكَبِير الْمصْرِيّ، وَأَجَازَهُ إِجَارَة عَامَّة كبتها لَهُ بِخَطِّهِ الشريف وخمتها بختمه المنيف، وأرسلها لَهُ مؤرخة فِي غَزَّة رَمَضَان الْمُعظم قدره من شهور عَام ثَمَانِيَة وَعشْرين بعد الالف والمائتين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة، وَكَذَا أَخذ عَن مَشَايِخ كثيرين يطول ذكر هم هُنَا من شاميين ومصريين وحجازيين وعراقيين وروميين. وَكَانَ لَهُ عَم من أهل الصّلاح ومظنة الْولَايَة وَمن أهل الْكَشْف، اسْمه اشيخ صَالح اسْم على مُسَمّى، حَتَّى أَنه بشر أمه بِهِ قبل وِلَادَته، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّد أَمِين حِين كَانَ فِي بطن أمه، يَضَعهُ فِي حَال صغره فِي حجره وَيَقُول لَهُ أَعطيتك عَطِيَّة الاسياد فِي رَأسك. وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لَهُ خيرات عَامَّة: مِنْهَا تعمير الْمَسَاجِد، وافتقاد الارامل والفقراء. وَكَانَت تسْعَى إِلَيْهِ الوزراء والامراء والموالي وَالْعُلَمَاء والمشايخ والكبراء والفقراء وَذَا الْحَاجَات، وعظمت بركته وَعم نَفعه، وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ. وغالب من أَخذ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أكَابِر النَّاس وأشرافهم وأجلاؤ هم من الموَالِي وَالْعُلَمَاء الْكِبَار والمفتين والمدرسين وَأَصْحَاب، التاليف والمشاهير، وقصده النَّاس من الاقطار الشاسعة للْقِرَاءَة لعيه والاخذ عَنهُ. فَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ أَخذ عَن شفيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي السَّيِّد عبد الْغَنِيّ الْمَذْكُور وَمِنْهُم ولد أَخِيه الْمَذْكُور الشَّيْخ أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حلا صَاحب التَّأْلِيف الشهيرة. وَمِنْهُم ابْن ابْن عَمه الشَّيْخ صَالح ابْن السَّيِّد، عابدين، وَمِنْهُم صَاحب الفضيلد والسماحة الْعَالم الْعَلامَة عُمْدَة الموالى الْعِظَام جابي زَاده السَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي قَاضِي الْمَدِينَة المنورة سَابِقًا، وَمن أَصْحَاب بايه إسلامبول الْحَائِز للنشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة من تشريف فِي حَضرته باية إسلامبول، وافتخرت فِيهِ على من نالها بفضائله وَعلمه الَّذِي أقرَّت بِهِ الفحول. وبكمال علومه وَقدره مَعَ فَضله زَاد فِيهِ. رفْعَة وَعز النشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة الَّتِي افتخرت فِيهَا أعاظم الرِّجَال وَهِي فِيهِ فاقت وتخترت على أكَابِر أهل الْكَمَال فَإِنَّهُ أَخذ عَنهُ سَائِر الْعُلُوم وَبِه انْتفع. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الزَّاهِد العابد الْوَرع التقي النقى فَقِيه النَّفس الشَّيْخ يحيى السردست أحد أفاضل الصُّوفِيَّة فِي زَمَنه فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الفهامة فَقِيه الْعَصْر الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الغنيمي الميداني شَارِح القدروي وعقيدة الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة ة الشَّيْخ حسن البيطار فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ الْعُقُود الدرية، وَعَلِيهِ تخرج فِي مَذَاهِب السَّادة الْحَنَفِيَّة. وَمِنْهُم ولد المرقوم الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي البيطار فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج، وَهُوَ أَمِين فَتْوَى دمشق الشَّام حَالا. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة أَحْمد أَفَنْدِي الاسلامبولي محشي الدُّرَر، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج. وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَاضِل والعالم الْكَامِل فَرضِي دمشق وَرَئِيس حِسَابهَا السَّيِّد حُسَيْن الرسَالَة، فَإِنَّهُ عَن أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْقدْوَة الفهامة صَاحب التَّأْلِيف المفيدة والتصانيف النفيسة فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين المغربي، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج. وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجابي، وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الجقلي. وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الْمُنِير أحد أَصْحَاب باية أزمير الْمُجَرَّدَة. وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الخلاصي شَارِح الدّرّ الْمُخْتَار والالفية لِابْنِ مَالك وَغير هما. وَمِنْهُم عُمْدَة الموَالِي الْكِرَام عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي مقتي دمشق الشَّام. وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة، الْعُمْدَة الفهامة، نخبة الموَالِي الفخام عبد الْحَلِيم ملا قَاضِي الشَّام وقاضي عَسْكَر أَنا طولي. وَمِنْهُم الشَّيْخ حسن بن خَالِد بك. وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد تلو. وَمِنْهُم الشَّيْخ محيي الدّين اليافي. وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد المحلاوي الْمصْرِيّ شيخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 الْقُرَّاء فِي زَمَنه. وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْجمل الْمصْرِيّ. وَمِنْهُم الشَّيْخ أَيُّوب الْمصْرِيّ. وَمِنْهُم الشَّيْخ الملا عبد الرَّزَّاق الْبَغْدَادِيّ أحد مشاهير عُلَمَاء بَغْدَاد وأفاضلها. وَمِنْهُم الشَّيْخ مصلح قَاضِي جَنِين. وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد البزري قَاضِي صيدا. ومهم أَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي مفتيها. وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الآتاسي مفتي حمص وَأَخُوهُ أَمِين فتواه. وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد سُلَيْمَان الاروادي وَغَيره مِمَّن يطول ذكرهم وَلَا يُحْصى عَددهمْ من أفاضل وأعيان، فإينهم انتفعوا بِهِ وَأخذُوا عَنهُ وَعَلِيهِ تخْرجُوا. مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى ضحورة يَوْم الاربعاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي سنة 1252، وَكَانَت مُدَّة حَيَاته قربيا من أَربع وَخمسين سنة، وَدفن بمقبرة فِي بَاب الصَّغِير فِي التربة الفوقانية، لَا زَالَت سحائب الرَّحْمَة تبل ثراه فِي الكبرة والعشية، وَكَانَ قبل مَوته بِعشْرين يَوْمًا قد اتخذ لنَفسِهِ الْقَبْر الَّذِي دفن فِيهِ، وَكَانَ فِيهِ بِوَصِيَّة مِنْهُ لمجاورته لقبر العلامتين: الشَّيْخ العلائي شَارِح التَّنْوِير وَالشَّيْخ صَالح الجينيني إِمَام الحَدِيث ومدرسه تَحت قبه النسْر، وَهَذَا مِمَّا يدل على حيه للشَّارِح العلائي، لَا سِيمَا، وَقد حشى لَهُ شرحيه على الدّرّ والملقتى وَشَرحه على الْمنَار، وسماني ياسمه وأرخ ولادتي على ظهر كِتَابه الدّرّ الْمُخْتَار فِي اليلة الثُّلَاثَاء لثَلَاثَة مضين من شهر ربيع الثَّانِي، 1244 رَحمَه الله تَعَالَى الْعَزِيز االغفار، وَقد مدحه بقصيدة وَهِي قَوْله: عَلَاء الدّين يام مفتي الانام * جَزَاك الله خى على الدَّوَام لقد أبرزت للفتيا كتابا * مُبينًا للْحَلَال وللحرام لقد أَعْطَيْت فضلا لَا يضاهي * وعلما وافرا كالصب طام فَكنت بِهِ فريد الْعَصْر حتما * كَمثل الْبَدْر فِي وفن التَّمام وَكَانَ بك الزَّمَان خصيب عَيْش * رطيباذا حبور وابتسام وفَاق بدرك الْمُخْتَار عقد * لفقه أبي حنفة ذُو انتظام بِأَلْفَاظ تَرين الصعب سهلا * ومطروحا على طرف الثمام إِذا مَا قلت قولا قيل فِيهِ * على قَول إِذا قَالَت حذام صَغِير الحجم حاوي الجل مِمَّا * تنقح فِي ربى الْكتب الْعِظَام فَكل الصَّيْد فِي جَوف الفرا إِن * تقل ذَا لست تخشى من ملام حوى اسْما قد أُتِي طبق الْمُسَمّى * وَمَا تَأتي كَذَا كل الاسامي وَكَانَت لَهُ جَنَازَة حافلة مَا عهد نظيرها، حَتَّى أَن جنَازَته رفعت على رُؤُوس الاصابع من تزاحم الْخلق، وخوفا من قوعها وإضرار النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صَار حَاكم الْبَلدة وعساكره يفرقون النَّاس عَنْهَا، وَصَارَ النَّاس عُمُوما يَبْكُونَ نسَاء ورجلا كبار وصغارا وَصلى عيه فِي جَامع سِنَان باشا، وعض بهم الْمَسْجِد حَتَّى صلوا فِي الطَّرِيق، وَصلى عَلَيْهِ إِمَامًا باالناس الشَّيْخ سعيد الْحلَبِي، وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة فِي أَكثر الْبِلَاد، وَلم يتْرك أَوْلَادًا ذُكُورا غير هَذَا الحقير الْعَاجِز الْفَقِير الملتجي إِلَى عناية مَوْلَاهُ الْقَدِير جَامع هَذِه التكملة، حعلها الله تَعَالَى خَالِصَة لوجهه الْكَرِيم، ورحم الله تَعَالَى روحه، وَنور مرقده وضريحه، وَجَزَاء الله تَعَالَى عني وَعَن الْمُسلمين خيرا، نَفَعَنِي بِهِ وبعباده الصَّالِحين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، بعون ذِي الْفضل والجود، فَنَقُول بعون الله تَعَالَى: قَول العلائي. قَوْله: (قَالَ الْمحشِي) هُوَ الشَّيْخ صَالح على مَا يتَبَادَر من سابقه وَمن نَقله عَنهُ كثيرا، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذِه الْعبارَة للاستغناء عَنْهَا بِمَا قبلهَا ط. مطلب: دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة قَوْله: (مَعَ قبض) قيد بِهِ، لَان دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة، فَلَا بُد فِي دَعْوَاهَا من ذكر الْقَبْض وَلِهَذَا صور الْمَسْأَلَة شرَّاح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ وَسلمهَا ثمَّ غصبهَا مِنْهُ. مطلب: الاقرار بِالْهبةِ هَل يكون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ؟ وَذكر الْعِمَادِيّ اخْتِلَافا فِي الاقرار بِالْهبةِ أَيكُون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ، قيل نعم لانه كقبول فِيهَا، والاصح لَا، وَقيد بِذكر التَّارِيخ لَهما لانه لَو لم يذكر لَهما تَارِيخ أَو ذكر لاحدهما فَقَط تقبل لامكان التَّوْفِيق بِأَن يَجْعَل الشِّرَاء مُتَأَخِّرًا اهـ بَحر. وَفِيه أَيْضا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء أَولا ثمَّ برهن على الْهِبَة أَو الصَّدَقَة، فَإِن وفْق فَقَالَ جحدني الشِّرَاء ثمَّ وَهبهَا مني أَو تصدق قبل وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل وَفِي منية الْمُفْتِي: ادَّعَاهَا إِرْثا ثمَّ قَالَ جحدني فاشتريتها وَبرهن تقبل اهـ. ذكر مسَائِل من التَّنَاقُض: مِنْهَا لَو ادّعى الشِّرَاء من أَبِيه فِي حَيَاته وَصِحَّته فَأنْكر وَلَا بَيِّنَة فَحلف ذُو الْيَد فبرهن الْمُدَّعِي أَنه ورثهَا من أَبِيه تقبل لامكان التَّوْفِيق. مطلب: برهن على أَنه لَهُنَّ بالارث ثمَّ قَالَ لم يكن لي قطّ وَلَو داعى الارث أَولا ثمَّ الشِّرَاء لَا تقبل لعدمه. وَمِنْهَا برهن على أَنه لَهُ بالارث ثمَّ قَالَ: لم يكن لي قطّ أَو لم يزدْ قطّ لم يقبل برهانه وَبَطل الْقَضَاء. مطلب: دَعْوَى الشِّرَاء بعد الْهِبَة مسموعة مُطلقًا وَالشِّرَاء قبل هبة من غير قبض مسموعة أَيْضا وتقييده بِالْقَبْضِ لَيْسَ للِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الشِّرَاء بَعْدَمَا ادّعى الْهِبَة بِدُونِ التَّسْلِيم أَبُو السُّعُود. قَوْله: (فِي وَقت) ظرف لهبة لَا لادعى اهـ ح، وَذَلِكَ كَمَا إِذا ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ فِي رَمَضَان. قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ: (أَوْ لَمْ يقل ذَلِك) اهـ ح. مطلب: التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط فِي الِاسْتِحْسَان وَهُوَ الاصح قَوْله: (بِإِمْكَان التَّوْفِيق) أَي مُطلقًا من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجهه أَو اتَّحد بَحر. وَفِيه أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الاصح كَمَا فِي منية الْمُفْتِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 أَقُول: لَكِن نقل فِي نور الْعين عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم، لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شِرَاء بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ. يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل وَيحكم على مَذْهَب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا، إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. كَذَا فِي نُسْخَتي نور الْعين. وَالَّذِي يظْهر زِيَادَة لَا فِي قَوْله يَنْبَغِي أَن لَا يقبل كَمَا هُوَ ظَاهر لمن تَأمل، وَسَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا الخ. مَطْلَبٌ: مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي موضِعين قَوْله: (وَهُوَ مُخْتَار شيخ الاسلام) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ، بِأَنْ لَا يَكُونَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان كل مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ، فَقَوْلهم: إِن إمْكَانُ التَّوْفِيقِ يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته لَا يقبل إِلَّا فِي موضِعين. الاول: فِيمَا إِذا اشْترى عبدا وَقَبضه ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فلَان الْغَائِب بِكَذَا وَبرهن يقبل. الثَّانِي: وهب جَارِيَته وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَسْتَرِدُّهَا والعقر اهـ. وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه إِن شِئْت. مطلب فِي ارْتِفَاع التَّنَاقُض أَقْوَال أَرْبَعَة قَوْله: (من أَقْوَال أَرْبَعَة) الاول: لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان. الثَّانِي: كِفَايَة الامكان مُطلقًا: أَي من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجه التَّوْفِيق أَو اتَّحد. الثَّالِث: مَا ذكره الخجندي. الرَّابِع: كِفَايَة الامكان إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وجوهه. وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِي كل مَوضِع حصل فِيهِ التَّنَاقُض من الْمُدَّعِي أَو مِنْهُ وَمن شُهُوده أَو من الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْر، وَمثله فِي حَاشِيَة سيد الْوَالِد عَلَيْهِ. مطلب: هَل يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق لدفع التَّنَاقُض أَو لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ قَوْله: (أَنه يكفى من الْمُدعى عَلَيْهِ) هَذَا اخْتِصَار. وأصل عبارَة الخجندي كَمَا فِي الْبَحْر: إِن التَّنَاقُض إِن كَانَ من الْمُدَّعِي فَلَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان، وَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يَكْفِي الامكان، لَان الظَّاهِر عِنْد الامكان وجوده ووقوعه، وَالظَّاهِر حجَّة فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْمُدَّعِي مُسْتَحقّ وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ دَافع، وَالظَّاهِر يَكْفِي فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق. وَيُقَال أَيْضا: إِن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 تعدد الْوُجُوه لَا يَكْفِي الامكان وَإِن اتَّحد يَكْفِي الامكان والتناقض كَمَا يمْنَع الدَّعْوَى لنَفسِهِ يمْنَع الدَّعْوَى غَيره. قَوْله: (بعد وَقتهَا) كشوال وَهُوَ ظرف للشراء كقبله اهـ ح. قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا قَالَ جحدنيها أَولا ح. قَوْله: (وَقَبله) أَي قبل وَقت الْهِبَة كشعبان. قَوْله: (لوضوح التَّوْفِيق فِي الْوَجْه الاول) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الشِّرَاء بعد وَقت الْهِبَة. وَهَذَا التَّعْلِيل إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا قَالَ جحدنيها، وَأما إِذا لم يقلهُ فَالَّذِي فِيهِ إِمْكَان التَّوْفِيق. قَوْله: (وَظُهُور التَّنَاقُض فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وشهوده تشهد لَهُ بِهِ قَبْلَهَا، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا، ومرادهم بالتناقض مَا يكون بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ لانه لم يدع الشِّرَاء سَابِقًا على الْهِبَة، والتناقض يبطل الدَّعْوَى. مطلب: يكون التَّنَاقُض من مُتَكَلم وَاحِد وَمن اثْنَيْنِ وكما يكون من مُتَكَلم وَاحِد يكون من متكلمين كمتكلم وَاحِد حكما كوارث ومورث ووكيل وموكل. والاولى (1) فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلم أر الْآن الثَّانِيَة صَرِيحًا وَهِي ظَاهِرَة من الاولى. بَحر. مطلب: لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث فِيمَا لَا تسمع دَعْوَى مُوَرِثه فِيهِ قَالَ أَبُو السُّعُود: وَفِي هَذَا دلَالَة ظَاهِرَة على مَا نَقله الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي رِسَالَة الابراء عَن فَتَاوَى الشَّيْخ الشلبي حَيْثُ حكى الاجماع على أَن دَعْوَى الْوَارِث لَا تسمع فِي شئ لَا تسمع فِيهِ دَعْوَى مُوَرِثه أَن لَو كَانَ حَيا، كَمَا إِذا أقرّ مُوَرِثه بِقَبض مَا يَخُصُّهُ من التَّرِكَة وَأَبْرَأ إِبْرَاء عَاما لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث بعده الخ. وَإِذا عرف هَذَا فِي الابراء فَكَذَا فِي غَيره من بَقِيَّة الْمَوَانِع، كَمَا لَو ترك الدَّعْوَى فِي حق لَا من جِهَة الارث حَتَّى مضى خمس عشرَة سنة، وَقَوْلهمْ لَا تسمع الدَّعْوَى بعد خمس سنة إِلَّا فِي الارث يحمل على مَا إِذا لم تمض الْخمس عشرَة سنة قبل موت مُوَرِثه اهـ ط. مطلب: هَل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ المتناقضين فِي مجْلِس القَاضِي أَو الثَّانِي فَقَط؟ قَوْله: (وَهل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ) أَي المتناقضين. قَوْله: (أَو الثَّانِي فَقَط) أَي وَيحْتَاج إِلَى إِثْبَات الاول عِنْد القَاضِي ليدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي. قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَرْجِيح الثَّانِي) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنَحٌ. وَفِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَونهَا لَدَيْهِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شَرط كَونهمَا فِي مجْلِس يعم الْحَقِيقِيّ والحكمي فِي السَّابِق واللاحق اهـ. وَهُوَ حسن.   (1) قَوْله: (والاول) أَي مَسْأَلَة للْوَارِث والمورث اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 لَكِن ذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَاشِيَته على الْبَحْر بعد ذكر نَحْو مَا تقدم: قلت: وَسَيَأْتِي فِي الْوكَالَة أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يَصح إِقْرَاره لَو أقرّ عِنْد القَاضِي لَا عِنْد غَيره، وَلكنه يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة. وَعند أبي يُوسُف: يَصح إِقْرَاره مُطلقًا، لَان الشئ إِنَّمَا يخْتَص بِمَجْلِس الْقَضَاء إِذا لم يكن مُوجبا إِلَّا بانضمام الْقَضَاء إِلَيْهِ كالبينة والنكول. وَلَهُمَا: أَن المُرَاد بِالْخُصُومَةِ الْجَواب مجَازًا، وَالْجَوَاب يسْتَحق فِي مجْلِس الحكم فَيخْتَص بِهِ، فَإِذا أقرّ فِي غَيره لَا يعْتَبر لكَونه أَجْنَبِيّا فَلَا ينفذ على الْمُوكل لكنه يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة لَان إِقْرَاره يتَضَمَّن أَنه لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْخُصُومَة اه. وَالْحَاصِل: أَن اخْتِصَاصه بِمَجْلِس القَاضِي لكَون لفظ الْخُصُومَة يتَقَيَّد بِهِ، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك، فَالَّذِي يظْهر تَرْجِيح عدم اشْتِرَاط كَون الْكَلَامَيْنِ فِي مجْلِس القَاضِي اهـ. قَوْله: (يرْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم) أَي بكلاميه المتناقضين. مطلب: يرْتَفع المتناقض بقول المتناقض تركت قَوْله: (وَبقول المتناقض تركت الاول الخ) أَقُول: فِيهِ أَنه حِينَئِذٍ لَا يبْقى تنَاقض أصلا، لَان كل متناقض يُمكنهُ أَن يَقُول ذَلِك، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مَخْصُوص بِمَسْأَلَة مَا إِذا ادَّعَاهُ مُطلقًا ثمَّ ادَّعَاهُ بِسَبَب الخ، فَإِذا قَالَ ذَلِك قبل قَوْله: أما لَو قَالَ هَذَا ملك الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ بل ملكي تركت الاول وَادّعى بِالثَّانِي فَلَا قَائِل بِهِ، ويرشدك لذَلِك. قَوْله: (تركت الاول الخ) . ثمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى، فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تسمع لانها دَعْوَى مُبتَدأَة، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِيه أَيْضا وبرجوع المتناقض عَن الاول بِأَن يَقُول تركته وَادّعى بِكَذَا. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ بعد كَلَام: وَظَاهر مَا ذكره الْمُؤلف فِي الِاسْتِحْقَاق: أَي صَاحب الْبَحْر، أَن مَسْأَلَة رُجُوع المتناقض بحث مِنْهُ. ثمَّ رَأَيْت البزازي ذكر بعد ذَلِك فِي نوع فِي الدّفع، وَذكر القَاضِي ادّعى بِسَبَب وشهدا بالمطلق لَا يسمع وَلَا تقبل لَكِن لَا تبطل دَعْوَاهُ الاولى، حَتَّى لَو قَالَ أردْت بالمطلق الْمُقَيد يسمع كَمَا مر إِن برهن على أَنه لَهُ. وَفِي الذَّخِيرَة أَيْضا: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يقبل وَيبْطل الدّفع اهـ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَالَ الرَّمْلِيّ: رُبمَا يشكل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا: ادّعى على زيد أَنه دفع لَهُ مَالا ليدفعه إِلَى غَرِيمه وحلفه ثمَّ ادَّعَاهُ على خَالِد وَزعم أَن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا لَا يقبل، لَان الْحق الْوَاحِد كَمَا لَا يسْتَوْفى من اثْنَيْنِ لَا يُخَاصم مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْه وَاحِد اهـ. وَوجه إشكاله أَنه لما قَالَ إِن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا فقد ارْتَفع التَّنَاقُض، وَالله تَعَالَى أعلم. ذكره الْغَزِّي. وَأَقُول: قد كتب فرقا فِي حاشيتي على جَامع الْفُصُولَيْنِ بَين فرع البزازي وَفرع ذكره فَرَاجعه، وَيفرق هَا هُنَا بِأَن فِيمَا ذكره البزازي امْتنع ارْتِفَاع التَّنَاقُض لتَعَلُّقه بِاثْنَيْنِ فَلَا تصح الدَّعْوَى لما ذكره من امْتنَاع مخاصمة الِاثْنَيْنِ فِي حق وَاحِد، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْوَاحِد وَهُوَ مَحل مَا فِي هَذَا الشَّرْح فَتدبر اهـ. مطلب: يرْتَفع التَّنَاقُض بقول المتناقض تركت قَوْلُهُ: (أَوْ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحكم بِهِ الْحَاكِم وَأخذ الْمَكْفُول لَهُ مِنْهُ الْمَالَ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ. كَذَا فِي الْمنح ح. وَكَذَا إِذا اسْتحق المُشْتَرِي من المُشْتَرِي بالحكم يرجع على البَائِع بِالثّمن وَإِن كَانَ كل مُشْتَر مقرا بِالْملكِ لبَائِعه، لكنه لم حكم ببرهان الْمُسْتَحق صَار مُكَذبا شرعا باتصال الْقَضَاء بِهِ اهـ ط. وَمثله فِي الانقروي، وَإِنَّمَا احْتَاجَ للدعوى لاثبات كَون الْكفَالَة بالامر لَا لاثبات أصل الْكفَالَة، إِذْ هِيَ من الْمسَائِل الَّتِي يكون الْقَضَاء بهَا على الْحَاضِر قَضَاء على الْغَائِب. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) وَعبارَة الْبَحْرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَى، وَهِيَ: إذَا قَالَ تَرَكْتُ أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيبْطل الدّفع اهـ. فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى، وَمَعَ هَذَا نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَلِكَ الْقَوْلُ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ. تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ سَيِّدِي الْوَالِدُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ تَأْيِيدَ مَا فِي النَّهر. مطلب: ادّعى بِسَبَب ثمَّ ادَّعَاهُ مُطلقًا وَقَالَ فِي الْخَانِية: رجل ادّعى الْملك بِسَبَبٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ شُهُودُهُ بِذَلِكَ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَالَ جَدِّي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تقبل بَيِّنَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اه. مطلب: ادّعى وَقفا ثمَّ ادَّعَاهُ ملكا لنَفسِهِ لَا تقبل قَوْله: (ثمَّ ادَّعَاهَا لنَفسِهِ) لوُجُود التَّنَاقُض مَعَ عدم إِمْكَان التَّوْفِيق، إِذْ الْوَقْف لَا يصير ملكا ط. قَوْله: (لم تقبل للتناقض) لَان الانسان لَا يضيف مَال نَفسه إِلَى غَيره. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد ذكر الْمَسْأَلَة فِي الْفَصْل 39 أَقُول: يُمكن أَيْضا فِي هَذَا أَنه أضَاف مَال الْغَيْر إِلَى نَفسه فَلَا تنَاقض حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَقْبُولًا اهـ. قَوْله: (وَقيل تقبل إِن وفْق) هَذَا رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة دون مَسْأَلَة الْوَقْف، وَمُقْتَضى مَا سبق أَن إِمْكَان التَّوْفِيق بِمَا ذكر كَاف ط. وَأما مَا ذكر الشَّارِح فَلَيْسَ بكاف بل لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَقد تقدم أَن الِاسْتِحْسَان أَن التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط. مطلب: ادّعى الْملك ثمَّ ادَّعَاهُ وَقفا تقبل قَوْله: (ثمَّ ادّعى الْوَقْف عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْر. وَالَّذِي فِي الْحَمَوِيّ عدم التَّقْيِيد بقوله عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْفَ الْمَارَّ. قِيلَ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ لِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الثَّانِي الْقَائِلِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ على نَفسه اهـ. وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِيهِ، لما فِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لصِحَّة الاضافة بالاخصية انتفاعا كَمَا لَو ادَّعَاهَا لنَفسِهِ ثمَّ لغيره اهـ. تَأمل. قَوْله: (تقبل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 لاحْتِمَال أَنَّهَا انْتَقَلت لغيره مِنْهُ. قَوْله: (اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة) أَي وَالْوَاقِع كَذَلِك. قَوْله: (فَلهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَده المُشْتَرِي. أَبُو السُّعُود عَن الْحلَبِي بحثا. قَوْله: (واقترن تَركه بِفعل يدل على الرِّضَا الخ) هَذَا مَا ذكره صَاحب الْهِدَايَة جَازِمًا بِهِ، وَبَعْضهمْ اكْتفى بعزم الْقلب على التّرْك، وَبَعْضهمْ اشْتِرَاط الاشهاد عَلَيْهِ: أَي على مَا فِي قلبه بِلِسَانِهِ، وَقيل مُجَرّد الْعَزْم لَا يفْسخ بِهِ كمن لَهُ خِيَار شَرط. أُجِيب بِأَن المُرَاد عزم مؤكل بِفعل كإمساكها ونقلها لمحله، إِذْ لَا يحل ذَلِك بِدُونِ فسخ فَكَانَ فسخا دلَالَة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. قَوْله: (لما تقرر) عِلّة للْمُصَنف. مطلب: جحود مَا عدا النِّكَاح فسخ لَهُ قَوْله: (مَا عدا النِّكَاح) فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب، فَلَو ادّعى تزَوجهَا على ألف فأنكرت ثمَّ أَقَامَت الْبَيِّنَة على أَلفَيْنِ قبلت وَلَا يكون إنكارها تَكْذِيبًا للشُّهُود، وَفِي البيع لَا يقبل وَيكون تَكْذِيبًا للشُّهُود. وَلَو ادَّعَت عَلَيْهِ نِكَاحا وَحلف عِنْدهمَا أَو لم يحلف عِنْده لَا يحل لَهَا التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ، لَان إِنْكَاره لَا يكون فسخا فَيحْتَاج القَاضِي بعده أَن يَقُول فرقت بَيْنكُمَا أَو يَقُول الْخصم إِن كَانَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق بَائِن. وَلَو ادّعى على امْرَأَة أَنه تزَوجهَا فأنكرت الْمَرْأَة ثمَّ مَاتَ الزَّوْج فَجَاءَت الْمَرْأَة تَدعِي مِيرَاثه فلهَا الْمِيرَاث كَعَكْسِهِ عِنْدهمَا، وَعند الامام لَا مِيرَاث لَهُ لانه لَا عدَّة عَلَيْهِ، وَلذَا كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج بأختها وَأَرْبع سواهَا. وَلَو ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالبَة الْمِيرَاث، وكما لَا يكون إِنْكَار النِّكَاح فسخا لَا يكون طَلَاقا وَإِن نوى بِخِلَاف لست لي بِامْرَأَة فَإِنَّهُ يَقع بِهِ إِن نوى عِنْده خلافًا لَهما اهـ ط. وَمثله فِي الْبَحْر. وَقد ذكر فِي الْبَحْر فِي خِيَار الْبلُوغ صورا من النِّكَاح تحْتَمل الْفَسْخ. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال: النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ فَلَا يَسْتَقِيم جعله فسخا. لانا نقُول: المعني بقولنَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ بعد التَّمام وَهُوَ النِّكَاح الصَّحِيح النَّافِذ اللَّازِم، وَأما قبل التَّمام فَيحْتَمل الْفَسْخ، وتزويج الاخ وَالْعم صَحِيح نَافِذ لكنه غير لَازم فَيقبل الْفَسْخ اهـ. وَيرد ارتداد أَحدهمَا فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعد التَّمام، وَكَذَا إباؤها عَن الاسلام بعد إِسْلَامه فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعده، وَكَذَا ملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه. مطلب: الْحق أَن النِّكَاح يقبل الْفَسْخ فَالْحق أَنه يقبل الْفَسْخ مُطلقًا إِذا وجد مَا يَقْتَضِيهِ شرعا اهـ. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قد يُقَال مُرَاده بِالْفَسْخِ مَا كَانَ مَقْصُودا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ، وَهُوَ فِيمَا ذكره من الصُّور لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ تَابع لَازم لغيره: أعين الارتداد والاباء وَالْملك، وَمثله الْفَسْخ بتقبيل ابْن الزَّوْج وَسبي أَحدهمَا ومهاجرته إِلَيْنَا. تَأمل. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك: أجَاب بعض الْفُضَلَاء بِأَن ذَلِك انْفِسَاخ لَا فسخ اهـ. وَهُوَ مؤدى مَا قُلْنَا اهـ. قَوْله: (فَللْبَائِع ردهَا بِعَيْب الخ) أَي وَقد علمه بعد هَذِه الدَّعْوَى وَإِلَّا كَانَت الدَّعْوَى رضَا بِهِ، وَقَيده فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ على البَائِع لاحْتِمَال نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ فَتلْزمهُ فَاعْتبر بيعا جَدِيدا فِي حق ثَالِث، والاشبه أَن يكون هَذَا التَّفْصِيل بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 الْقَبْض. وَأما قبله فَيَنْبَغِي أَن يرد مُطلقًا: أَي وَلَو قبل تَحْلِيفه لانه فسخ من كل وَجه فِي غير الْعقار فَلَا يُمكن حمله على البيع. مطلب: مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ زَيْلَعِيّ وَغَيره ط. وَنَحْوه فِي الشلانبلالية. مطلب مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ بِفَسْخ بل انْفِسَاخ قَوْله: (أما النِّكَاح فَلَا يقبل أصلا) عبارَة الْفَتْح: وَالنِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب أَي الَّتِي يتعاطاها الزَّوْجَانِ. وَأما انفساخه بخروجهما عَن أَهْلِيَّة النِّكَاح كارتداد أَحدهمَا وإباء الْمَجُوسِيَّة عَن الاسلام وَملك أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر وَكَذَا مَا قدمه من الْفرْقَة بِأَنَّهَا تَارَة تكون طَلَاقا وَتارَة تكون فسخا فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا. رَحْمَتي. أَقُول: وَهُوَ معنى مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن سَيِّدي الْوَالِد. وَأَقُول: حق ذكر هَذِه الْمسَائِل فِي كتاب الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا ذكرت هُنَا لبَيَان حكم الْقَضَاء فِيهَا. قَوْله: (يقبل برهانه) لَعَلَّ وَجهه مَعَ أَنه تنَاقض ظَاهر مَا يَأْتِي قَرِيبا من أَن النِّكَاح لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فَيكون جحوده ردا لاقرارها. قَوْله: (أقرّ بِقَبض عشرَة دَرَاهِم) أطلق فِيهَا، فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي الْفَتْح، وَقيد بِالدَّرَاهِمِ لَان المُشْتَرِي لَو أقرّ أَنه قبض الْمَبِيع ثمَّ ادّعى عَيْبا بِهِ فَإِن القَوْل لبَائِعه لَان الْمَبِيع مُتَعَيّن، فَإِذا قَبضه وَأقر بِأَنَّهُ استوفى حَقه دلَالَة فبدعواه الْعَيْب صَار متناقضا اهـ. ط عَن الْحَمَوِيّ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد الاقرار بِالْقَبْضِ، لانه لَو أقرّ بالالف وَلم يبين الْجِهَة ثمَّ ادّعى مَوْصُولا أَنَّهَا زيف لم يقْض عَلَيْهِ، وَاخْتلف الْمَشَايِخ: قيل أَيْضا على الْخلاف، وَقيل يصدق إِجْمَاعًا لَان الْجَوْدَة تجب فِي بعض الْوُجُوه لَا على الْبَعْض فَلَا تجب بِالِاحْتِمَالِ. وَلَو قَالَ غصبت ألفا أَو أودعني ألفا إِلَّا أَنَّهَا زيوف صدق وَإِن فصل. وَعَن الامام أَن الْقَرْض كالغصب، وَلَو قَالَ فِي الْغَصْب والوديعة إِلَّا أَنَّهَا رصاص أَو ستوقة صدق إِذا وصل، وَلَو قَالَ فِي كرّ حِنْطَة من ثمن مَبِيع أَو قرض إِلَّا أَنه ردئ فَالْقَوْل لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا كدعوى الرداءة لانها فِي الْحِنْطَة لَيست بِعَيْب، لَان الْعَيْب مَا يَخْلُو عَنهُ أصل الْفطْرَة، وَالْحِنْطَة قد تكون رَدِيئَة بِأَصْل الْخلقَة فَلَا يحمل مُطلقهَا على الْجيد وَلذَا لم يجز شِرَاء الْبر بِدُونِ ذكر الصّفة. أقرّ بِقَبض عشرَة أفلس أَو ثمن مَبِيع ثمَّ ادّعى أَنَّهَا كاسدة لم يصدق وَإِن وصل. وَقَالا: يصدق فِي الْقَرْض إِذا وصل، أما فِي البيع فَلَا يصدق عِنْد الثَّانِي فِي قَول الاول. وَقَالَ مُحَمَّد: يصدق فِي الْمَبِيع وَعَلِيهِ قيمَة الْمَبِيع، وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله عَليّ عشرَة ستوقة من قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلَو قَالَ غصبته عشرَة أفلس أَو أودعني عشرَة أفلس ثمَّ قَالَ هِيَ كاسدة صدق اهـ. وَقيد باقتصاره على قبض الدَّرَاهِم، لانه لَو قَالَ قبضت دَرَاهِم جيادا لم يصدق فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوف مَوْصُولا ومفصولا. وَنقل فِي أَنْفَع الْوَسَائِل أَنه إِذا قبض البَائِع الثّمن أَو الْمُؤَجّر الاجرة أَو رب الدّين دينه من الْمَدْيُون وَلم ينْقد الثّمن وَلَا الاجرة وَلَا الدّين ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك وَذكر أَن فِيمَا قَبضه رداءة وَهُوَ الَّذِي تَقوله الْعَامَّة نُحَاس وَرَفعه إِلَى الْحَاكِم فَطلب مِنْهُ الحكم والخصم يُنكر وَيَقُول دراهمي جِيَاد وَمَا أعلم هَل هَذَا مِنْهَا أم لَا، فَهَل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 يكون القَوْل قَول الْقَابِض أَو الدَّافِع؟ وتحرير الْكَلَام فِي ذَلِك ذكر فِي الْقنية. ص: تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغ بَغْدَاد رد بَعْضهَا وَقَالَ هِيَ زيوف أَو ستوقة، فَالْقَوْل لرب الدَّابَّة لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه والجياد فَالْقَوْل لَهُ هَذِه عبارَة الْقنية. وَذكر فِي الْمَبْسُوط قَالَ: وَإِذا كَانَ أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة مَوْصُوفَة وَأشْهد الْمُؤَجّر أَنه قبض من الْمُسْتَأْجر عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة ثمَّ ادّعى أَن الدَّرَاهِم نبهرجة أَو أَن الطَّعَام معيب فَالْقَوْل قَوْله لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه، فَإِن مَا فِي الذِّمَّة يعرف بِصفة وَيخْتَلف باخْتلَاف الصّفة فَلَا مناقضة فِي كَلَامه، فاسم الدَّرَاهِم يتَنَاوَل النبهرج، وَاسم الْحِنْطَة يتَنَاوَل الْمَعِيب، وَإِن كَانَ حِين أشهد قَالَ قد قبضت من أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة لم يصدق بعد ذَلِك على ادِّعَاء الْعَيْب والزيف، كَذَلِك لَو قَالَ استوفيت أجر الدَّار ثمَّ قَالَ وجدته زُيُوفًا لم يصدق بِبَيِّنَة وَلَا غَيرهَا لانه قد سبق مِنْهُ الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِن أجر الدَّار من الْجِيَاد فَيكون هُوَ مناقضا فِي قَوْله وجدته زُيُوفًا، والمناقض لَا قَول لَهُ وَلَا تقبل بَينته، وَلَو كَانَ ثوبا بِعَيْنِه فَقَبضهُ ثمَّ جَاءَ يردهُ بِعَيْبِهِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجر لَيْسَ هَذَا ثوب فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر، لانهما تصادفا على أَنه قبض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْئا بِعَيْنِه ثمَّ ادّعى الآخر لنَفسِهِ حق الرَّد وَالْمُسْتَأْجر مُنكر لذَلِك فَالْقَوْل قَوْله فَإِن أَقَامَ رب الدَّار الْبَيِّنَة على الْمَعِيب رده سَوَاء كَانَ الْعَيْب يَسِيرا أَو فَاحِشا على قِيَاس البيع. قلت: فَتحَرَّر لنا من كَلَام شمس الائمة السَّرخسِيّ أَن الْمُؤَجّر مَتى قَالَ استوفيت أجر الدارهم ثمَّ قَالَ وجدت فِيهِ زُيُوفًا لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، وَلَو قَالَ قبضت من الْمُسْتَأْجر كَذَا من الدَّرَاهِم وَلم يقل الاجرة ثمَّ جَاءَ وَقَالَ هَذِه الدَّرَاهِم نبهرجة فَالْقَوْل قَوْله، فَصَارَ جَوَاب الْمَسْأَلَة أَن الْقَابِض مَتى أقرّ بِقَبض الْحق ثمَّ ادّعى أَنه زيوف لم يصدق لانه نَاقض كَلَامه، لَان إِقْرَاره بِقَبض الْحق إِقْرَار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك هُوَ زيوف أَو بعضه فقد نَاقض كَلَامه والمناقض لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ قبضت عشرَة دَرَاهِم مثلا وَلم يقل من أُجْرَة دَاري ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف فَإِنَّهُ يقبل قَوْله، لانه فِي القَوْل الثَّانِي مُنكر اسْتِيفَاء الْحق، وَمَا سبق مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذَا القَوْل فَيكون القَوْل قَوْله. هَذَا خُلَاصَة مَا قَالَه فِي الْمَبْسُوط. وَأما مَا ذكره فِي الْقنية ورمز لَهُ بالصَّاد وَهِي عَلامَة كتاب الاصل فَهُوَ مُوَافق لما قَرَّرْنَاهُ، لانه قَالَ وَدفعهَا إِلَيْهِ وَلم يقل وَأقر بِاسْتِيفَاء الاجرة، وَفِي هَذِه الصُّورَة لَيْسَ الْقَابِض بمناقض فِي قَوْله فَيقبل، وَبَقِيَّة مَا ذكره فِي الْقنية هُوَ من الْمَبْسُوط فَإِنَّهُ رمز بسين وَهُوَ عَلامَة الْمَبْسُوط، وَمعنى مَا ذكره أَنه إِذا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم بِأَن قَالَ مثلا قبضت مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف صدق، وَلَو قَالَ هِيَ ستوقة لَا يصدق، وَذَلِكَ لانه فِي الزُّيُوف مَا نَاقض كَلَامه لَان الزُّيُوف من جنس حَقه، وَفِي الستوقة نَاقض كَلَامه لانه أقرّ أَولا بِالدَّرَاهِمِ وَثَانِيا ادّعى أَنَّهَا ستوقة، والستوق لَيْسَ من الْجِنْس فَكَانَ مناقضا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من تَفْسِير الزُّيُوف والستوق والنبهرج، وَقَوله وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة الخ، هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه فِي الْمَبْسُوط مِمَّا نَقَلْنَاهُ وسنبينه، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة إِلَى آخِره هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه إِلَى تَقْدِيره وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا حَتَّى يتم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 الْكَلَام. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيبقى تَقْدِير الْكَلَام تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة دَرَاهِم وَأقر الْآجر بِقَبض الاجرة ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف أَو ستوقة يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَهَذَا خلاف مَا ذكره شمس الائمة فِي الْمَبْسُوط، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة ثمَّ قَالَ وَهِي زيوف لم يقبل قَوْله، والحرف قد بَيناهُ، وَهُوَ الْمُوَافق للفقه لانه تنَاقض كَلَامه بعد ذَلِك والمناقض لَا قَول لَهُ، فَكيف يَقُول فِي الْقنية القَوْل لَهُ فَهَذَا وَالله أعلم سَهْو، فَإِنَّهُ زيف كَلَام الْمَبْسُوط وَمَا يَقُوله مُحَمَّد إِلَى آخِره، فَالَّذِي يجب أَن يعْمل بِهِ هُوَ مَا ذكره فِي الْمَبْسُوط: أَعنِي فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة. وَأما بَقِيَّة الصُّور فَكلهَا مُوَافقَة لما ذكره فِي الْمَبْسُوط. فَإِذا تقرر لنا هَذَا فِي الاجارة والاجرة عديناه إِلَى اسْتِيفَاء الاثمان فِي الْبياعَات والديون فِي الْمُعَامَلَات، فَإِن الْعلَّة تجمع الْكل فَنَقُول: إِذا دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَهِي عَن مَتَاع ثمَّ جَاءَ البَائِع وَأَرَادَ أَن يرد عَلَيْهِ شَيْئا يزْعم أَنه مَرْدُود فِي الْمُعَامَلَات بَين النَّاس وَأنكر المُشْتَرِي أَن ذَلِك من دَرَاهِمه الَّتِي دَفعهَا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون البَائِع أقرّ بِقَبض الثّمن أَولا، فَإِن أقرّ بِقَبض الثّمن لم يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَلَا يلْزم المُشْتَرِي بِأَن يدْفع عوض ذَلِك الرَّد، وَلَو اخْتَار البَائِع يَمِين المُشْتَرِي أَنه مَا يعلم أَن هَذَا الرَّد من دَرَاهِمه الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ يَنْبَغِي أَن يُجَاب إِلَى ذَلِك ويحلفه القَاضِي على الْعلم، فَإِن حلف انْقَطَعت الْخُصُومَة وَلم يبْق لَهُ مَعَه مُنَازعَة، وَإِن نكل يَنْبَغِي أَن يردهَا عَلَيْهِ لانه أقرّ بِمَا ادَّعَاهُ بطرِيق النّكُول. وَإِن كَانَ البَائِع لم يقر بِقَبض الثّمن وَلَا الْحق الَّذِي على المُشْتَرِي من جِهَة هَذَا البيع وَإِنَّمَا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مثلا وَلم يقل هِيَ الثّمن وَلَا الْحق، فَإِن فِي هَذِه الصُّورَة يكون القَوْل قَول البَائِع لانه مُنكر اسْتِيفَاء حَقه وَلم يتَقَدَّم مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذِه الدَّعْوَى فَيقبل قَوْله مَعَ يَمِينه، هَذَا إِذا أنكر المُشْتَرِي أَنَّهَا من دَرَاهِمه أَيْضا، وَكَذَلِكَ الدُّيُون أَيْضا يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهَا كالجواب فِي الاجر وَالثمن فِي بَاب البيع، وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الَّذِي يردهُ زُيُوفًا أَو نبهرجا، فَإِن كَانَ ستوقا فَلَا يقبل قَوْله فَلَا يردهُ لانه نَاقض كَلَامه. أما فِي صُورَة إِقْرَاره بِقَبض الدَّرَاهِم فَظَاهر لَان الستوق لَيْسَ من جنس الدَّرَاهِم وَقد أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم أَولا ثمَّ قَالَ هِيَ ستوقة فَكَانَ مناقضا، وَكَذَلِكَ فِي إِقْرَاره بِقَبض الاجرة أَو الْحق بل بِالطَّرِيقِ الاولى. وَعبارَة الْمَبْسُوط خَالِيَة عَن ذكر الستوق وَلَيْسَ فِيهَا مَا يمْنَع مَا قَالَه فِي الْقنية بل يُوَافقهُ من حَيْثُ الْمَعْنى. قَوْله: (ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف) عبر بثم ليُفِيد أَن الْبَيَان إِذا وَقع مَفْصُولًا يعْتَبر فالموصول أولى بِالِاعْتِبَارِ اهـ. بَحر. وَمثله فِي الطَّحَاوِيّ عَن الْمنح. وَقيد بالزيوف للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا بَين أَنَّهَا ستوقة فَإِنَّهُ لَا يصدق لَان اسْم الدَّرَاهِم لَا يَقع عَلَيْهَا، وَلذَا لَو تجوز بالزيوف والنبهرج فِي الصّرْف وَالسّلم جَازَ، وَفِي الستوق لَا إِن كَانَ مَفْصُولًا، وَإِن كَانَ مَوْصُولا صدق كَمَا فِي النِّهَايَة، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن. وَالْحَاصِل: أَن ادعاءه إِن مَوْصُولا صَحِيح فِي الْكل سوى صُورَة الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، وَأَن ادعاءه مَفْصُولًا فِي الْبَوَاقِي غير صَحِيح سوى صُورَة الاقرار بِقَبض عشرَة دَرَاهِم، والزيف مَا زيفه بَيت المَال: أَي يردهُ. قَوْله: (أَو نبهرجة) قَالَ ط: صَوَابه بنهرجة بِتَقْدِيم الْبَاء على النُّون كَمَا يُسْتَفَاد من الْمغرب. أَبُو السُّعُود عَن الْحَمَوِيّ. والزيف: مَا زيفه بَيت المَال. والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار. وَقيل الزُّيُوف هِيَ المغشوشة، والبنهرجة هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ. وَفِي الايضاح: الزيف: مَا زيفه بَيت المَال لنَوْع قُصُور فِي جودته إِلَّا أَنه تجْرِي فِيهِ الْمُعَامَلَة بَين التُّجَّار. والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار لرداءة فضته. والستوقة: الَّتِي وَسطهَا نُحَاس أَو رصاص ووجهها فضَّة، وَهِي مُعرب مِنْهُ توبه اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 وَفِي الْفَتْح مِنْهُ ثَلَاث: يَعْنِي ثَلَاث طَبَقَات الاعلى والاسفل فضَّة والاوسط نُحَاس اهـ. لَكِن نقل سَيِّدي الْوَالِد عَن الْقَامُوس فِي فصل النُّون: النبهرج: الزيف الردئ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ: النَّبَهْرَجُ: الدِّرْهَمُ الَّذِي فِضَّتُهُ رَدِيئَةٌ، وَقِيلَ الَّذِي الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلْفِضَّةِ، وَقَدْ اُسْتُعِيرَ لكل ردئ بَاطِلٍ، وَمِنْهُ بُهْرِجَ دَمُهُ: إذَا أُهْدِرَ وَأُبْطِلَ. وَعَنْ اللِّحْيَانِيِّ: دِرْهَمٌ نَبَهْرَجٌ وَلَمْ أَجِدْهُ بِالنُّونِ إِلَّا لَهُ اهـ. وَهِي مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ اهـ مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد، قَالَ فِي أَنْفَع الْوَسَائِل عَن الْكَرْخِي: الستوق عِنْدهم مَا كَانَ النّحاس فِيهِ هُوَ الْغَالِب الاكثر. وَفِي الرسَالَة التوسيعة: النبهرجة: إِذا غلبها النّحاس لم تَأْخُذ. وَأما الستوقة فَحَرَام أَخذهَا لانها فلوس. وَحَاصِل مَا قَالُوهُ فِي تَفْسِير الزُّيُوف والنبهرجة والستوقة: أَن الزُّيُوف أَجود من الْكل، وَبعد الزُّيُوف البنهرجة، وَبعدهَا الستوقة، فَتكون الزُّيُوف بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم الَّتِي يقبلهَا بعض الصيارف دون بعض، والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي تسمى مُغيرَة لَكِن الْفضة فِيهَا أَكثر. والستوقة بِمَنْزِلَة الزغل، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها، فَإِذا عرفنَا (1) هَذَا فالزيوف والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها. مطلب: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة أَو الْجِيَاد ثمَّ ادّعى أَنَّهَا بنهرجة أَو زيوف لم يصدق، وَإِذا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُطلقَة يصدق. فَإِذا عرفنَا هَذَا فالزيوف والبنهرجة يكون القَوْل قَول الْقَابِض فِيهَا إِذا لم يقر بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة والجياد، بل يكون أقرّ بِقَبض كَذَا من الدَّرَاهِم ثمَّ يَدعِي أَن بَعْضهَا زيوف أَو بنهرجة كَمَا قدمْنَاهُ فَيقبل قَوْله ويردا، وَأما إِذا قَالَ إِنَّهَا ستوقة بعد مَا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم لَا يقبل قَوْله وَلَا يردهَا. قَوْله: (بِخِلَاف الستوقة) بِفَتْح السِّين كَمَا فِي الْفَتْح. وَنقل الشَّيْخ شاهين عَن شرح الْمجمع جَوَاز الضَّم أَيْضا. أَبُو السُّعُود. قَالَ ط: والاولى حذف هَذِه الْعبارَة والاقتصار على المُصَنّف. قَوْله: (فالتفصيل) أَي بَين الزُّيُوف والبنهرجة وَبَين الستوقة. قَوْله: (فِي المفصول) أَي من كَونه يصدق فِيهِ بادعاء الزيافة لَا الستوقة. قَوْله: (وَلَو مَوْصُولا للتناقض) الْفرق بَينه وَبَين مَا بعده حَيْثُ يصدق فِيهِ إِذا كَانَ مَوْصُولا أَنه فِي الثَّانِي مقرّ بِقَبض الْقدر والجودة بِلَفْظ وَاحِد، فَإِذا اسْتثْنى الْجَوْدَة فقد اسْتثْنى الْبَعْض من الْجُمْلَة فصح، كَمَا لَو قَالَ لفُلَان على ألف لَا مائَة، فَأَما إِذا قَالَ قبضت عشرَة جيادا فقد أقرّ بِالْوَزْنِ بِلَفْظ على حِدة وبالجودة بِلَفْظ على حِدة، فَإِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا زيوف فقد اسْتثْنى الْكل من الْكل فِي حق الْجَوْدَة وَذَلِكَ بَاطِل كَأَنَّهُ قَالَ جِيَاد إِلَّا أَنَّهَا غير جِيَاد، فَهُوَ كمن قَالَ لفُلَان على ألف دِرْهَم ودينار إِلَّا دِينَارا فَإِن الِاسْتِثْنَاء يكون بَاطِلا وَإِن ذكره مَوْصُولا اهـ. حَلَبِيّ مزيدا عَن الْعِنَايَة ط. قَوْله: (وَلَو أقرّ الخ) يُشِير إِلَى أَنه لم يقر وَقبض وَهُوَ سَاكِت وَلَو بعد نقد الصَّيْرَفِي يرد. وَفِي جَامع الْفَتَاوَى: لَو وجد البَائِع الثّمن رصاصا أَو ستوقة أَو مُسْتَحقّا لَا يسْتَردّ الْمَبِيع. وَفِي   (1) قوه: (فَإِذا عرفنَا هَذَا الخ) كَذَا بالاصل وليحرر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 الْخَانِية: وَإِن قبض وَلم يقر بشئ ثمَّ ادّعى أَنَّهَا ستوقة قبل قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) الِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحق بالتمام. سعدية وَابْن كَمَال. قَوْله: (فِي دَعْوَاهُ الزيافة) وَمثله البنهرجة لِاتِّحَاد الحكم فيهمَا وَكَذَا الستوقة. قَالَ فِي النِّهَايَة: لَو أقرّ بِقَبض حَقه ثمَّ قَالَ إِنَّهَا ستوقة أَو رصاص يصدق مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا اهـ. ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَكَذَا إِقْرَاره بِقَبض رَأس مَال كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يذكر الْمُؤلف حكم وَزنهَا عِنْد الاطلاق وَالدَّعْوَى. وَفِي كَافِي الْحَاكِم: لَو أقرّ بِأَلف دِرْهَم عددا ثمَّ قَالَ هِيَ وزن خَمْسَة أَو سِتَّة وَكَانَ الاقرار مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيهِ مائَة دِرْهَم وزن سَبْعَة فَلَا يصدق على النُّقْصَان إِذْ لم يبين مَوْصُولا، وَكَذَا الدَّنَانِير، وَإِن كَانُوا فِي بِلَاد يَتَعَارَفُونَ على دَرَاهِم مَعْرُوفَة الْوَزْن بَينهم صدق اهـ. وَأطلق فِي الدَّرَاهِم الْمقر بهَا فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي فتح الْقَدِير، وَرَأس المَال كَمَا الْبَزَّازِيَّة، وَقيد بِدَعْوَى الْمقر لانه لَو أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُعينَة ثمَّ مَاتَ فَادّعى وَارثه أَنَّهَا زيوف لم يقبل، وَكَذَا إِذا أقرّ بالوديعة أَو الْمُضَاربَة أَو الْغَصْب ثمَّ زعم الْوَارِث أَنَّهَا زيوف لم يصدق لانه صَار دينا فِي مَال الْمَيِّت كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وفيهَا من الرَّهْن: قضى دينه وَبَعضه زيوف وستوقة فرهن شَيْئا بالستوقة والزيوف وَقَالَ خُذْهُ رهنا بِمَا فِيهِ من زيوف وستوق صَحَّ فِي حق الستوق لانها لَيست من الْجِنْس، وَلَا يَصح فِي الزُّيُوف لانها من الْجِنْس فَلَا دين اهـ. بَحر. قَوْله: (لَان قَوْله جِيَاد) عِلّة لقَوْله وَلَو أقرّ بِقَبض الْجِيَاد، فالاولى ذكره مَوْصُولا بِهِ اهـ ط. قَوْله: (مُفَسّر) بِفَتْح السِّين الْمُشَدّدَة من التَّفْسِير مُبَالغَة الفسر وَهُوَ الْكَشْف، وَهُوَ مَا ازْدَادَ وضوحا على النَّص على وَجه لَا يبْقى مَعَه احْتِمَال التَّأْوِيل. وَحكمه وجوب الْعَمَل بِهِ، وَهَذَا غير مَا قدمْنَاهُ من التَّعْلِيل. قَوْله: (بِخِلَاف غَيره) أَي من الْمسَائِل الَّتِي بعْدهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) رَاجِعٌ لِلْأُولَى وَهِيَ قَبْضُ الْحَقِّ أَوْ الثَّمَنِ، وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ غَيْرَ الْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا أَبْعَدَ دُونَ الْمُفَسَّرِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ أصلا اهـ. سَيِّدي الْوَالِد. قَوْلُهُ: (أَوْ نَصٌّ) رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) . قَوْلُهُ: (قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ مُضْطَر وَإِن تنَاقض. سَيِّدي عَن الْقنية. قَوْله: (قنية عَن عَلَاء الدّين) الَّذِي فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقنية مَسْأَلَة مَا إِذا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعضه رَبًّا أَنه يقبل إِذا برهن، وَذكره عبد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات من الالقاب عَن عَلَاء الدّين اهـ. أَقُول: وَسَيَأْتِي نَظِيره فِي شَتَّى الاقرار لكنه يُخَالِفهُ مَا يذكر الشَّارِح عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَلَكِن الْمُعْتَمد، مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف ثمَّة والوهبانية، وَأفْتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والحامدي فِي الحامدية من أَنه إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن بعضه رَبًّا تقبل، وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فاغتنمه. قَوْله: (قَالَ لآخر لَك على ألف دِرْهَم الخ) قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ والطرق وَالْعتاق وَالنّسب وَالْوَلَاء فَإِنَّهَا لَا ترتد بِالرَّدِّ. أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمولى، بِخِلَاف الاقرار بِالدّينِ وَالْعين حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُمَا إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ من الْوَلَاء أَنه لَا يرْتَد فيهمَا بِالرَّدِّ. وَأما الاقرار بِالنِّكَاحِ فَلم أره الْآن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 وَحَاصِل مَسَائِلِ رَدِّ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، أَوْ يَرُدَّ الْجِهَةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الْمُقِرُّ وَيُحَوِّلَهَا إلَى أُخْرَى، أَوْ يَرُدَّهُ لِنَفْسِهِ وَيُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَإِنْ لَمْ يكن بَينهمَا مُنَافَاة وَجب المَال كَقَوْل لَهُ أَلْفٌ بَدَلُ قَرْضٍ فَقَالَ بَدَلُ غَصْبٍ، وَإِلَّا بِأَن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة بَطل كَقَوْلِه ثمن عبد لم أقبضهُ وَقَالَ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ فِي الْجِهَةِ أَوْ كَذَّبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ نَحْوَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ فَيُقَالُ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي هَذِهِ. قَالَ فِي الْمنية: وَإِن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة، بِأَن قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمن عبد باعنيه إِلَّا أَنِّي لم أقبضهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي بدل قرض أَو غصب، فَإِن لم يكن العَبْد فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِبيع عبد لَا بِعَيْنِه، فَعِنْدَ الامام يلْزمه الالف صدقه الْمُدَّعِي فِي الْجِهَة أَو كذبه وَلَا يصدق فِي قَوْله لم أقبضهُ وَإِن وصل، وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن كَانَ الْمقر عين عبدا، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي يُؤمر بِأَخْذِهِ وَتَسْلِيم العَبْد إِلَى الْمقر، كَذَا إِذا قَالَ العَبْد لَهُ وَلَكِن هَذِه الالف عَلَيْهِ من غير ثمن هَذَا العَبْد، وَإِن كذبه وَقَالَ العَبْد لي وَمَا بِعته وَإِنَّمَا لي عَلَيْهِ بِسَبَب آخر من بدل قرض أَو غصب فَالْقَوْل للْمقر مَعَ يَمِينه بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْهِ ألف من غير ثمن هَذَا العَبْد اهـ. وَإِنَّمَا نقلت عبارَة الْمنية لَان فِي عبارَة الْبَحْر اختصارا كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد. قَوْله: (فَرده الْمقر لَهُ) كَمَا إِذا قَالَ لَيْسَ لي عَلَيْك شئ أَو قَالَ هِيَ لَك أَو هِيَ لفُلَان اهـ. فتح: أَي وَلم يصدقهُ فلَان وَإِلَّا فَهُوَ تَحْويل. بَحر. وَقيد برد الْمقر لَهُ لَان الْمقر لَو رد إِقْرَار نَفسه كَانَ أقرّ بِقَبض الْمَبِيع أَو الثّمن ثمَّ قَالَ لم أَقبض وأرد تَحْلِيف الآخر أَنه أقبضهُ أَو قَالَ هَذِه لفُلَان ثمَّ قَالَ هُوَ لي وَأَرَادَ تَحْلِيف فلَان أَو أقرّ بدين ثمَّ قَالَ كنت كَاذِبًا لَا يحلف الْمقر لَهُ فِي الْمسَائِل كلهَا عِنْد أبي حنيفَة لانه متناقض، كَقَوْلِه لَيْسَ لي على فلَان شئ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يَحْلِفْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَحْلِفُ لِلْعَادَةِ. وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ أَئِمَّة خوارزم، لَكِن اخْتلفُوا فِيمَا إِذا دَعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّة مِنْهُمَا شَيْئا. قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: الرَّأْي فِي التَّحْلِيف للْقَاضِي، وَفَسرهُ فِي فتح الْقَدِير بِأَن يجْتَهد فِي خُصُوص الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يقبض حِين أقرّ يحلف لَهُ الْخَصْمَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الاخصام اهـ بَحر. قَوْله: (ثمَّ صدقه) قيد بِكَوْن التَّصْدِيق بعد الرَّد لانه لَو قبل الاقرار أَولا ثمَّ رده لم يرْتَد، وَكَذَا الابراء عَن الدّين وهبته لانه بِالْقبُولِ قد تمّ، وَكَذَا إِذا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يرْتَد، وَإِن رده قبل الْقبُول ارْتَدَّ، وَقَالُوا: أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ، وَكَذَا إِبْرَاء الْكَفِيل لَا يرْتَد بِالرَّدِّ. بَحر. لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَفِي الْبَزَّازِيَّة: الاقرار والابراء لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول ويرتدان بِالرَّدِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: لَان لكل أحد ولَايَة على نَفسه وَلَيْسَ لغيره أَن يمنعهُ، وَلَكِن للْمقر لَهُ أَن لَا يقبل صِيَانة لنَفسِهِ عَن الْمِنَّة. وَفِي التاترخانية نقلا عَن الْكَافِي: وَالْملك يثبت للْمقر لَهُ بِلَا تَصْدِيق وَقبُول وَلَكِن يبطل برده اهـ. قلت: وَيسْتَثْنى (1) الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ على الْقبُول ليبطلا. قَوْله: (فِي   (1) قَوْله: (وَيسْتَثْنى) أَي من قَوْلهم الابراء لَا يتَوَقَّف على الْقبُول اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 مَجْلِسه) قيد بِهِ ليفهم مَا إِذا لم يكن فِي مَجْلِسه بالاولى اهـ ح. قَالَ فِي الْمنح: بِأَن قَالَ كَانَ لي عَلَيْك فِي مَكَانَهُ أَو بعده. قَوْله: (فَلَا شئ عَلَيْهِ للْمقر لَهُ الخ) لَان الاقرار هُوَ الاول وَقد ارْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُد من الْحجَّة أَو تَصْدِيق الْخصم: أَي الْمقر، حَتَّى لَو صدقه الْمقر ثَانِيًا لزمَه الالف اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة شروحها. قَالَ: وَالْمرَاد بِالْحجَّةِ الْبَيِّنَة ط. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: كَيْفَ تُقْبَلُ حُجَّتُهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ؟ تَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ. سَعْدِيَّةٌ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا. وَنَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فِي يَده عبد فَقَالَ رجل هُوَ عَبْدُكَ فَرَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْمُقِرُّ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ لِذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ، وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لآخر هُوَ وَعَبْدك ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَبَرْهَنَ لَا يقبل للتناقض اهـ. وَهَذَا يُخَالف فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحجَّة فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَماع الدَّعْوَى اهـ. أَقُول: وَهَذَا وَجهه ظَاهر دون مَا فِي الشَّارِح. وَيُمكن أَن يحمل على مَا إِذا كَانَ الرَّد بِالنَّفْيِ فَقَط من غير أَن يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان فتزول مُخَالفَته للزازية. قَالَ فِي الْبَحْر: وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اشْتَرَيْتَ وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أحد الْعَاقِدين ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعُمِلَ التَّصْدِيقُ، أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الاقرار فَافْتَرقَا. كَذَا فِي الْهِدَايَة. وناقضه فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ذكر هُنَا أَن أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينفر بِالْفَسْخِ. وَفِي مَسْأَلَة التجاحد قَالَ: ولانه لما تعذر اسْتِيفَاء الثّمن من المُشْتَرِي فَاتَ رضَا البَائِع فيستبد بِالْفَسْخِ والتوفيق بَين كلاميه صَعب اهـ. وَأقرهُ عَلَيْهِ فِي فتح الْقَدِير بقوله بعده وَهُوَ صَحِيح، وَيَقْتَضِي أَنه لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ الاقرار بِأَن مَاتَ وَلَا بَيِّنَة أَن لَهُ أَن يفْسخ ويستمتع بالجارية، وَالْوَجْه مَا قدمه أَولا اهـ. وَأجَاب عَنهُ فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا مناقضة، لانه إِنَّمَا حكم أَولا بِكَوْنِهِ فسخا من جِهَته لَا مُطلقًا، أَو لَان كَلَامه الاول فِيمَا إِذا ترك البَائِع الْخُصُومَة وَالثَّانيَِة فِيمَا إِذا لم يَتْرُكهَا، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي منحة الْخَالِق عَن الْحَوَاشِي اليعقوبية: قَالَ صَاحب الْكِفَايَة: لَا تنَاقض بَين كلاميه فَيحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق لَان مُرَاده بقوله لَان أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا كَانَ لآخر على العقد معترفا بِهِ، كَمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت وَأنكر الآخر لَا يكون إِنْكَاره فسخا للْعقد إِذْ لَا يتم بِهِ الْفَسْخ، وَفِيمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة وَأنكر فالمدعي للْعقد هُوَ البَائِع وَالْمُشْتَرِي يُنكر العقد وَالْبَائِع بِانْفِرَادِهِ على العقد فيستبد بفسخه، وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر أَن قَوْله فِيمَا سبق ولانه لما تعذر إِلَى آخر كَون مُجَرّد اسْتِقْلَال البَائِع فِي الْفَسْخ لتعذر اسْتِيفَاء الثّمن دَلِيلا مُسْتقِلّا لحل الوطئ بِدُونِ اعْتِبَار كَون إِنْكَار المُشْتَرِي فسخ من جَانِبه، حَتَّى لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ عدم الانكار لَا يستبد بِالْفَسْخِ أَيْضا، وَيدل على هَذَا قَول صدر الشَّرِيعَة فِي تَقْرِير حل الوطئ: لَا سِيمَا إِذا جحد المُشْتَرِي الخ كَمَا لَا يخفى، بل غَايَة مَا يُمكن فِي التَّوْفِيق أَن يُقَال: إِن مُرَاده فِيمَا سبق استبداد البَائِع بِالْفَسْخِ لضَرُورَة تعذر اسْتِيفَاء الثّمن وَوُجُوب دفع الضَّرَر، وَهنا لَا ضَرُورَة للْمقر لَهُ بِالشِّرَاءِ إِلَى الْفَسْخ فَلَا يستبد بِهِ، فمراده من قَوْله هَا هُنَا لَان أحد الْعَاقِدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ الخ عدم الِانْفِرَاد عِنْد عدم الضَّرُورَة فَلَا تنَاقض لكنه بعيد لَا يخفى، فَلْيتَأَمَّل اهـ. قَوْله: (أَو إِقْرَار ثَانِيًا) الاولى ثَان وَيكون صفة للاقرار فَإِنَّهُ نكرَة. قَوْله: (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ الْحَقُّ لوَاحِد) كَمَا هُنَا فَإِن الْمقر لَهُ ينْفَرد برد الاقرار، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اشْتريت وَأنكر فَإِن لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا ينْفَرد بِالْعقدِ اهـ ح. وَفِي الْبَحْر: الْحَاصِل أَن كل شئ يكون لَهُمَا جَمِيعًا إذَا رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 الْآخَرُ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعده اهـ: أَي لَا يَنْفَعهُ رُجُوعه إِلَى التَّصْدِيق. وَحَاصِل مسَائِل الاقرار تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا موضحا، قَوْلُهُ: (مَا كَانَ لَكَ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ كَانَ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عِنْدَ وَاقِعَةِ سَمَرْقَنْدَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَال. أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّه نَص على المتوهم، إِذْ لَو لم يذكرهُ لَا تنَاقض لَان نفي الْحَال لَا يُفِيد نفي الْمَاضِي. تَأمل. قَوْله: (قطّ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّفْيَ بِكَلِمَةِ قَطُّ أَو لَا اهـ. فَيكون الْقَيْد بهَا اتفاقيا اهـ. حموي. قَوْله: (على أَن لَهُ عَلَيْهِ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَلْفٍ لَهُ عَلَيْهِ فَافْهَم، وَفِي بعض النّسخ: على أَن لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْإِيفَاءِ، قَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ: فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تقبل. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. بَحر. أَقُول: يَنْبَغِي تَقْيِيد قَوْله إِذْ لَو ادَّعَاهُ بعد الاقرار بِمَا إِذا كَانَ الاقرار بِلَفْظ لَهُ عَليّ بِدُونِ كَانَ، وَإِلَّا فَلَا تنَاقض كَمَا هُوَ ظَاهر. تَأمل. وَقَوله وَإِن ادّعى الايفاء قبل الاقرار: أَي حُصُول الايفاء قبل فَقبل ظرف للايفاء لَا لادعى. مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى بَقِي مَا إِذا ادّعى إِيفَاء الْبَعْض وَهِي حَادِثَة الْفَتْوَى. قَالَ فِي مَجْمُوع النَّوَازِل: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأجَاب قَائِلا: إِنِّي آتِي بِالدفع فَقيل أعلي الايفاء أَو الابراء؟ فَقَالَ على كليهمَا يسمع قَوْله إِن وفْق، بِأَن قَالَ أوفيت الْبَعْض وأبرأني عَن الْبَعْض، أَو قَالَ أبرأني عَن الْكل لَكِن لما أنكر أوفيته اهـ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يخفى أَن على القَوْل بِأَن الامكان كَاف يسمع مُطلقًا اهـ. قَوْله: (وَلَو بعد الْقَضَاء) أَي قَضَاء القَاضِي بِلُزُوم المَال على الْمُنكر. مطلب: بَيَان وَجه تَسْمِيَة المخمسة وَبَيَان أقوالها قَوْله: (إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة) سميت بذلك لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ، أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ: الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار أَن الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ. الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ، فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لم يذكر فِي شئ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ: لَا بُد أَن يَقُولُوا نعرفه باسمه وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَو قَالُوا أودعهُ رجل لَا نعرفه لم تنْدَفع، الرَّابِع قل ابْن أبي شبْرمَة: إِنَّهَا لَا تنْدَفع عَنهُ مُطلقًا. الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة. وَتَمَامه فِي الْبَحْر، وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الدَّعْوَى. أَو لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسَةٌ: وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ، وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ، وغصب، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 كأودعنيه فلَان أَو أعارنيه أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ ارْتَهَنْته أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ، أَوْ قَالَ أَخَذْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً مِنْ فلَان، وَهَذَا الْكَرم مُعَاملَة مِنْهُ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَاعْلَم أَن قَوْلهم إِن الدّفع بعد الحكم صَحِيح مُخَالف لما قدمْنَاهُ من أَن القَاضِي لَو قضي للْمُدَّعِي قبل الدّفع ثمَّ دفع بالايداع وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يقبل إِلَّا أَن يخص من الْكُلِّي، فَافْهَم. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: أَقُول يرد عَلَيْهِ مَا فِي الدُّرَر من بَاب دَعْوَى النّسَب، برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ بِخِلَاف الثَّانِي اهـ. فَيَنْبَغِي أَن تخص هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْكُلية، وَحِينَئِذٍ لَا وَجه لقَوْله إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة اهـ. تَأمل قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَي فِي فصل دفع الدَّعَاوَى من كتاب الدَّعْوَى. حَلَبِيّ. قَوْله: (قبل برهانه لامكان التَّوْفِيق الخ) مَشى على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف كَمَا تقدم. مطلب: الدَّعْوَى إِذا فصلت بِوَجْه شَرْعِي لَا تنقض إِلَّا لفائدة قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه فِي جَوَاب سُؤال الدَّعْوَى: إِذا فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ مستوفية لشرائطها الشَّرْعِيَّة لَا تنقض وَلَا تُعَاد. أَقُول: لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه، بل هَذَا حَيْثُ لم يزدْ الْمُدَّعِي على مَا صدر مِنْهُ أَولا، أما لَو جَاءَ بِدفع صَحِيح أَو جَاءَ بِبَيِّنَة بعد عَجزه عَنْهَا فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ. مطلب: يَصح الدّفع وَدفع الدّفع وَدفعه قَالَ مَشَايِخنَا فِي كتبهمْ كالذخيرة وَغَيرهَا: كَمَا يَصح الدّفع يَصح دفع الدّفع، وَكَذَا يَصح دفع دفع الدّفع، وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح وَهُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعد الحكم. وَفِي الذَّخِيرَة: برهن الْخَارِج عَن نتاج فَحكم لَهُ ثمَّ برهن ذُو الْيَد على النِّتَاج يحكم لَهُ بِهِ اهـ. فَإِذا كَانَ هَذَا فِي بَيِّنَة مثبتة وَلها اعْتِبَار وَحكم بهَا وَسمع بعْدهَا دَعْوَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبَطل الْقَضَاء على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَكيف لَا تبطل بَيِّنَة ذِي الْيَد فِيمَا ألحق بِالْملكِ الْمُطلق؟ وَإِن حكم القَاضِي لَهُ بِظَاهِر الْيَد الْمُغنيَة لَهُ عَن الْبَيِّنَة فَكيف بَيِّنَة غير مثبتة؟ لَان عَنْهَا غنى بِالْيَدِ وَلَا حَاجَة للْحكم بهَا، إِذْ الْقَضَاء للْمُدَّعى عَلَيْهِ عِنْد عدم بَيِّنَة الْخَارِج قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، فَنَقُول: إِن أعَاد الْخصم الدَّعْوَى وَلَا بَيِّنَة مَعَه بِمَا يَدعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ لانها عين الاولى حَيْثُ لم يقم بَيِّنَة وَلم يَأْتِ بِدفع شَرْعِي، وَقد منع أَولا لعدم إِقَامَتهَا فَمَا أَتَى بِهِ تكْرَار مَحْض مِنْهُ، وَقد منع بِمَا سبق فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يسمع مِنْهُ إِجْمَاعًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بِإِرْث وَبرهن وَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث الْمُدَّعِي أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله (1) أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاجها عِنْده اهـ. وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم يَصح الدّفع بعد الحكم مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ فِيهِ إبِْطَال الْقَضَاء، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده أَيْضا بِمَا إِذا لم يُمكن التَّوْفِيق.   (1) قَوْله: (قبله) مُتَعَلق بِشِرَائِهِ اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 مطلب: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَن شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل، وَلَا يحكم إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ اهـ. لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مَبْنِيا على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف، أما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ فَلَا تَقْيِيد بِمَا ذكره، وَقد ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ فِي مسَائِل التَّنَاقُض. وَالَّذِي اخْتَارَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَقَالَ: إِنَّه الاصوب عِنْدِي وَأقرهُ فِي نور الْعين: أَنه إِن كَانَ التَّنَاقُض ظَاهرا وَالتَّوْفِيقُ خَفِيًّا لَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ وَإِلَّا يكف الامكان، ثمَّ أيده بِمَسْأَلَة فِي الْجَامِع، وَهِي لَو أقرّ أَن لم فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ ثُمَّ برهن على الشِّرَاءِ مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ قُبِلَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَن يَشْتَرِيهِ بعد قراره، ولان الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَقْدِ الْمُبْهَمِ (1) تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ اهـ. قَوْله: (صَحَّ الدّفع) بِخِلَاف لم يكن لي، لَان لَيْسَ لنفي الْحَال وَلم يكن لي لنفيه فِي الْمُضِيّ كَمَا فِي التاترخانية. قَالَ فِي الدُّرَر: بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شئ صَحَّ الدّفع اهـ. وَمثله فِي الْعمادِيَّة. وفيهَا: ادّعى رجل مَالا أَو عينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت فِي حَال جَوَاز إقرارك لَا دَعْوَى لي وَلَا خُصُومَة لي عَلَيْك وَأثبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ تسمع وتندفع دَعْوَاهُ وَإِن كَانَ يحْتَمل أَنه يَدعِي عَلَيْهِ بِسَبَب الاقرار، لَكِن الاصل أَن الْمُوجب والمسقط إِذا تَعَارضا يَجْعَل الْمسْقط آخرا، لَان السُّقُوط يكون بعد الْوُجُوب سَوَاء اتَّصل الْقَضَاء بالاول أَو لم يتَّصل اهـ. وَالْحَاصِل: أَنه لَو ادّعى رجل على رجل مَالا وَقضى بِهِ للْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ قَالَ الْمُدَّعِي كنت كَاذِبًا فِيمَا ادعيت يبطل الْقَضَاء، وَإِذا قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْقَضَاء الْمقْضِي بِهِ لَيْسَ ملكي لَا يبطل الْقَضَاء، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لم يكن ملكي، وَهَذَا لَان قَوْله لَيْسَ ملكي يتَنَاوَل الْحَال وَلَيْسَ من ضَرُورَة نفي الْحَال انْتِفَاء من الاصل، بِخِلَاف قَوْله لم يكن ملكي، فَلَو ادّعى زيد على عَمْرو مَالا فَأنْكر عَمْرو دَعْوَاهُ ثمَّ إِن زيدا أثبت مدعاه وَحكم الْحَاكِم بِهِ وَأخذ زيد المَال مِنْهُ ثمَّ ادّعى عَمْرو إِنَّك كَاذِب ومبطل فِي دعواك هَذِه حَتَّى إِنَّك أَقرَرت بذلك لَدَى بَيِّنَة شَرْعِيَّة وَأثبت عَمْرو مدعاه فَلهُ اسْتِرْدَاد المَال الْمَذْكُور كَمَا يُسْتَفَاد مِمَّا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (فِي فصل الاستشراء) أَي طلب شِرَاء شئ، وَفِيه فَوَائِد جمة تَأتي. قَوْله: (إِن لم يصالحه) رَاجع إِلَى قَوْله قبل برهانه وَكَانَ مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ادَّعَى على آخر مَالا قَالَ فِي الْمنح: وَهَذَا إِذا لم يُصَالح، أما إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ يسمع   (1) قَوْله: (على العقد الْمُبْهم) أَي الَّذِي لم يؤرخ اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 برهانه على الايفاء اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُصَالِحْ لِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ. أَمَّا إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ تسمع دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَة بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الايفاء ثمَّ صَالحه فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ برهانه على الايفاء كَمَا فِي الخزانة، لانه مَتى أمكن التَّوْفِيق فَلَا تنَاقض. فَمن ذَلِك ادّعى مَالا بِالشّركَةِ ثمَّ ادَّعَاهُ دينا عَلَيْهِ تسمع، وعَلى الْقلب لَا، لَان مَال الشّركَة يَنْقَلِب دينا بالجحود وَالدّين لَا يَنْقَلِب أَمَانَة وَلَا شركَة. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وَمن مسَائِل دَعْوَى الايفاء مَا فِي الْمُحِيط من الْمَسْأَلَة المخمسة: ادّعى على آخر مِائَتي دِرْهَم وَأَنه استوفى مائَة وَخمسين وَبَقِي عَلَيْهِ خَمْسُونَ وأثبتها بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ برهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه أوفاه الْخمسين لَا تسمع حَتَّى يَقُولَا هَذِه الْخمسين الَّتِي تَدعِي لَان فِي مائَة وَخمسين خمسين. قَوْله: (قبل برهانه على الايفاء) وَلَا يكون صلحه مُبْطلًا لدعوى الايفاء، لَان غير الْحق قد يقْضِي دفعا للخصومة، أَو كَأَنَّهُ لم يجد برهانا فَصَالح ثمَّ وجد فأقامه فَلَا يكون إقدامه على الصُّلْح إِقْرَارا، بِخِلَاف الاولى. تَأمل. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَانْظُر لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْبَعْضِ فَقَدْ صَارَتْ حَادِثَة الْفَتْوَى اهـ. أَقُول: لَا فرق يظْهر بَينهمَا. تَأمل. قَوْله: (وَقيل لَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْبَحْر: وليتأمل فِي وَجه عدم السُّقُوط. وَأجَاب المُصَنّف عَنهُ بِمَا ذكره الشَّارِح. قَالَ فِي الْمنح: وَالظَّاهِر أَن وَجهه أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لما كَانَ جاحدا فذمته غير مَشْغُولَة بشئ فِي زَعمه فَأنى تقع الْمُقَاصَّة، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. وَنقل عَنهُ الرَّمْلِيّ مَعَ زِيَادَة وَهِي قَوْله: أَو نقُول يَجْعَل تصميمه على الانكار رد لما أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مِمَّا يرْتَد بِالرَّدِّ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمِنَحِ، وَهُوَ جَوَاب لتوقف الْبَحْر فِي عدم السُّقُوط وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج للمقاصصة صَرِيحًا لَا ضمنا، أَو أَن يصدقهُ فِي الْكل، لَكِن وَجه القَوْل الاول يظْهر لي لَان السُّقُوط يَكْفِي فِي زعم الْمُدَّعِي. قَوْله: (فَأَيْنَ) الْوَاقِع فِي الْمنح: فَأنى تقع الْمُقَاصَّة فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بثلاثمائة. قَوْله: (وَإِن زَاد لَا أعرفك) على قَوْله فِيمَا تقدم مَا كَانَ لَك عَليّ شئ قطّ. قَوْله: (كَمَا رَأَيْتُك) أَو مَا جرى بيني وَبَيْنك مُعَاملَة أَو مُخَالطَة أَو خلْطَة أَو لَا أَخذ وَلَا عَطاء أَو مَا اجْتمعت مَعَك فِي مَكَان كَمَا فِي فتح الْقَدِير. بَحر. قَوْله: (لَا يقبل) أَي برهانه على الْقَضَاء أَو الابراء. قَوْله: (لتعذر التَّوْفِيق) أَي بَين كلاميه لانه لَا يكون بَين اثْنَيْنِ مُعَاملَة من غير معرفَة ذكره أَصْحَابنَا. قَوْله: (لَان المحتجب) من الرِّجَال هُوَ من لَا يتَوَلَّى الاعمال بِنَفسِهِ بِقَرِينَة قَوْله: حَتَّى لَو كَانَ الخ وَقِيلَ مَنْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَظَمَتِهِ. قَوْله: (بالشغب على بَابه) الشغب بِالسُّكُونِ، وَقيل يُحَرك تهييج الشَّرّ. قَامُوس. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فرع هَذَا على ذَلِك القَوْل: أَي التَّقْيِيد بالمحتجب فِي النِّهَايَة تبعا لقاضيخان. وَفِي إصْلَاح الايضاح: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَبْنَى إمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفسِهِ لَا على أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ اهـ. وَدَفْعُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي. بَحر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 مطلب: جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى أَقُول: وَيُؤْخَذ من كَلَام الشَّارِح وَمِمَّا تقدم جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى كَمَا فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة، وَهِي ادّعى أَن مُوَرِثه اشْترى مِنْك ثورا بِكَذَا اقبضه مِنْهُ كَذَا وبقى كَذَا، فَأجَاب بِأَن مورثي لم يشتر مِنْك ثورا قطّ وَلَا كَانَ يعرفك فبرهن على دَعْوَاهُ فبرهن الآخر على دفع جَمِيع الثّمن أَنه يقبل بِلَا شكّ لانه لَا يَصح جَوَابه إِلَّا على نفي الْعلم اهـ. قَوْله: (نعم لَو ادّعى الخ) هَذَا مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف مَفْهُوم من الْمقَام تَقْدِيره: وَإِذا لم يُمكن التَّوْفِيق لم ينْدَفع التَّنَاقُض، كَمَا لَو قَالَ لم أدفَع إِلَيْهِ شَيْئا ثمَّ ادّعى الدّفع لم يسمع لانه يَسْتَحِيل أَن يكون دافعا وَغير دَافع فِي شئ وَاحِد، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى إلَخْ. قَالَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُكَ فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ، وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِالْوُصُولِ أَو الايصال تسمع اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْمُتَنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهُنَا لَمْ يَجْمَعْ، وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ذكره التُّمُرْتَاشِيّ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إقْرَارُ الْمُدعى عَلَيْهِ صَوَابه الْمُدَّعِي بِإِسْقَاط عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَبْنِيّ للْفَاعِل فَيكون مَعْنَاهُ الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ الدّفع. تَأمل. ثمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيّد هَذَا فِي الْمَقْدِسِي حَيْثُ قَالَ: وَقَالُوا فِيمَن قَالَ لم أدفَع ثمَّ قَالَ دفعت لم يقبل للتناقض إِلَّا إِذا ادّعى إِقْرَار الْمُدَّعِي بذلك فَيقبل لَان التَّنَاقُض لَا يمْنَع صِحَة الاقرار، وَعلله بِمَا علل بِهِ الْبَحْر. مطلب: حَادِثَة أذن لمديونه فِي دَفعه لاخيه الخ وَأجَاب صَاحب الْبَحْر فِي حَادِثَة هِيَ أذن لمن عَلَيْهِ الدّين فِي دَفعه إِلَى أَخِيه ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِهِ، وَأَنه لم يدْفع فَقَالَ دفعت ثمَّ قَالَ لم أدفَع فَحكم بِهِ فجَاء الاخ فَأقر بِالدفع لَهُ فَإِنَّهُ يبرأ، لَان تَصْدِيق الاخ الْمَأْذُون فِي الدّفع إِلَيْهِ كتصديق الْمُدَّعِي اهـ. وَقد علمت مَا إِذا صدق الْمُدَّعِي. وَحكى صَاحب الْكَافِي قبُول الْبَيِّنَة على الابراء فِي فصل المحتجب والمخدرة بِاتِّفَاق الرِّوَايَات، لَان الابراء يتَحَقَّق بِلَا معرفَة، لَكِن عبر عَنهُ صَاحب الْبَحْر، والعيني بقيل. قَوْله: (بالوصول أَو الايصال) بِأَن ادّعى إِقْرَاره بِأَنَّهُ وَصله مِنْهُ كَذَا أَو أوصله وَبرهن. قَوْله: (لَان التَّنَاقُض) أَي من الْغَرِيم. قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الاقرار) أَي إِقْرَار الدَّائِن بِالدفع إِلَيْهِ إِذا قَامَت قرينَة قَوِيَّة كَمَا يفهم من سياقهم. قَوْله: (ثمَّ جَحده صَحَّ) أَي جحوده، وَمعنى صِحَة جحوده أَنه لَا يكون متناقضا وَلَا تسمع الْبَيِّنَة بِإِقْرَارِهِ السَّابِق. وَفِيه أَن البيع عقد مُتَحَقق من إِيجَاب وَقبُول صادرين مِنْهَا فَكيف صَحَّ جحوده ط. قَوْله: (بِلَا ثمن بَاطِل) هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا أقرّ بِبيع عَبده بِلَا ثمن وَالْفَرْض الاطلاق، وَالْوَاقِع الَّذِي يكَاد أَن يتَخَلَّف أَن البيع لَا يكون إِلَّا بِثمن، لَان الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَال، فَلَو قيل بِصِحَّة الاقرار ثمَّ بالبحث عَن تعْيين الثّمن لَكَانَ لَهُ وَجه ط. قَوْله: (لَان الاقرار بِالْبيعِ الخ) فِيهِ مَا تقدم آنِفا من أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أقرّ بِالْبَيْعِ بِلَا مَالٍ. تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: شهد على إِقْرَار البَائِع بِالْبيعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا تقبل، لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمّى. وَإِنْ قَالَا: أَقَرَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يسميا الثّمن جَازَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثّمن. وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: شهد أَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يبينوا الثّمن، وَكَذَا لَو شهد بِإِقْرَار البَائِع أَنه بَاعه وَقبض الثّمن اهـ. مطلب: لَو شهد على البيع وَقبض الثّمن وَإِن لمن يبينوه وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: شَهِدُوا عَلَى الْبَيْعِ بِلَا بَيَانِ الثَّمَنِ، إنْ شَهِدُوا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ تُقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ اهـ. نور الْعين فِي أَوَائِل الْفَصْل السَّادِس. وَسَيَأْتِي الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْلُهُ: (أَمَتَهُ مِنْهُ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ مِنْهُ لَان ضمير بَاعه يُغني عَنهُ اهـ ح. أَي لَان بَاعَ قد استوفى معموله لانه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وبمن، وَقد عداهُ المُصَنّف بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ بَاعه، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره لدفع توهم عود الضَّمِير إِلَى الْمُدَّعِي من أول الامر. تَأمل. قَوْله: (عَيْبا) أَي قَدِيما يُوجب الرَّد. قَوْله: (فبرهن الخ) أما لَو برهن على الْفَسْخ يقبل، لَان الانكار فسخ. منح. قَوْله: (أَي المُشْتَرِي) لَو رَجَعَ الضَّمِير إِلَى البَائِع لَكَانَ أولى، لَان الْبَرَاءَة من الْعُيُوب تكون من البَائِع غَالِبا بِأَن يَقُول بعتكه وَأَنا برِئ من الرَّد مِمَّا فِيهِ من الْعُيُوب. نعم الابراء يكون من المُشْتَرِي ط. قَوْله: (لم تقبل بَيِّنَة البَائِع) أَي للتناقض، إِذا شَرط الْبَرَاءَة من الْعَيْب تصرف فِي العقد بتغييره عَن اقْتِضَاء صفة السَّلامَة إِلَى غَيرهَا، وتغيير العقد من وصف إِلَى وصف بِلَا عقد محَال، وَإِذا بَطل التَّوْفِيق ظهر التَّنَاقُض. مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي وَأَرَادَ الرَّد بِالْعَيْبِ فَادّعى البَائِع الْبَرَاءَة عَن عيب لَا يقبل للتناقض قَوْلُهُ: (لِلتَّنَاقُضِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وجود العقد، إِذْ الصّفة بِدُونِ الْمَوْصُوف لَا تتَصَوَّر وَقد أنكرهُ فَيكون مناقضا. وَاسْتشْكل بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تقبل الْبَيِّنَة فِيهَا وفَاقا خلافًا لزفَر، لانه صَار مُكَذبا شرعا بِبَيِّنَة الْمُدَّعِي فلحق إِنْكَاره بِالْعدمِ كَمَا تقدّمت نَظَائِره، فَصَارَ كَمَا فِي الْكفَالَة من أَن رجلا لَو برهن أَن لَهُ على الْغَائِب ألفا وَهَذَا كفيله بأَمْره يرجع الْكَفِيل على الْغَائِب وَلَو أنكر الْكفَالَة أصلا، لانه صَار كذبا شرعا فِي إِنْكَاره فلحق بِالْعدمِ. قَالَ: وَيُمكن الْفرق بِأَن الحكم بِأَدَائِهِ ثمَّة حكم بِالرُّجُوعِ أَيْضا فَلَا حَاجَة إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة ثَانِيًا على كفَالَته لثبوتها أَولا، وَهنا الحكم بِالشِّرَاءِ لَيْسَ بِحكم الْبَرَاءَة والايفاء فَلَا بُد من الدَّعْوَى فيبطله التَّنَاقُض فَافْتَرقَا. وَيُمكن بِأَن يرد بِأَن إِنْكَاره لما لحق بِالْعدمِ لما مر لَا يتَحَقَّق التَّنَاقُض لعدم إِنْكَار البيع وَالشِّرَاء فَيَنْبَغِي أَن يَصح الدَّعْوَى على أصل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع الاقالة تسمع قَالَ فِي الْعدة (1) أنكر البيع فبرهن عَلَيْهِ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع إِقَالَة يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن ادّعى إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ اهـ. وَقد يُجَاب بِأَن الْمقر إِنَّمَا يصير مُكَذبا شرعا إِذا حكم القَاضِي بِمَا يُخَالف إِقْرَاره، وَفِي مَسْأَلَتنَا لم يقْض بِالْبيعِ حَتَّى تنَاقض الْخصم فَلم يكن مُكَذبا شرعا. بَحر. قَالَ ط: وَفِيه نظر اهـ. وَكَذَا نظر فِيهِ الرَّمْلِيّ. قَالَ سيد الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: أَي تَفْسِير للتنظير، فَإِن الْقَضَاء بِالشِّرَاءِ قَضَاء بِالْبيعِ، فَمَا معنى قَوْله لم يقْض القَاضِي بِالْبيعِ. مطلب: الْجَواب النافع عَن إِشْكَال جَامع الْفُصُولَيْنِ وَأَقُول: الْجَواب النافع إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا يُسْتَفَاد من كتاب نور الْعين فِي غير هَذَا الْمحل وَفِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ أَن الْكَفِيل لما الْتحق زَعمه بِالْعدمِ وَثَبت خِلَافه وَهُوَ كَونه كَفِيلا لم يسع فِي إِعَادَة زَعمه وَلم يرد نقض الْبَيِّنَة بل رَضِي بموجبها حَتَّى جعله مَبْنِيّ لدعواه الرُّجُوع على الاصيل، وَأما البَائِع فِي مَسْأَلَتنَا فقد سعى فِي إِعَادَة مآل زَعمه وَهُوَ بَرَاءَة ذمَّته بعد التحاقة بِالْعدمِ بِثُبُوت خِلَافه وَأَرَادَ نقض مَا أثبتته الْبَيِّنَة وَهُوَ عدم بَرَاءَة ذمَّته، فَهَذَا فرق وَاضح حق، وَكَذَا يُقَال فِي دَعْوَى الاقالة لانها فسخ للْعقد الَّذِي أثْبته الْخصم بِالْبَيِّنَةِ، فَفِيهِ تَقْرِير لموجبها وَهِي الْمُتَقَدّمَة عَن الْبَحْر عَن الْعدة فِيمَا إِذا ادّعى على آخر أَنه اشْترى مِنْهُ هَذَا الدَّار فَأنْكر الشِّرَاء فَلَمَّا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ردهَا عَلَيْهِ: يَعْنِي أقالها يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن يَدعِي إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ. مطلب: ادّعى شِرَاء عَبده فَأنْكر فأثبته فَادّعى البَائِع أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ يقبل وَمثله يُقَال فِي جَوَاب مَسْأَلَة: مَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ شِرَاء عَبده فَأنْكر فبرهن عَلَيْهِ فَادّعى عَلَيْهِ أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ تسمع، لانه صَار مُكَذبا فِي إِنْكَاره البيع فارتفع التَّنَاقُض بتكذيب الشَّرْع كَمَا ارْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم اهـ. فاحفظه فَإِنَّهُ ينفعك فِي كثير من أَمْثَال هَذِه الْمسَائِل. قَوْله: (لامكان التَّوْفِيق بِبيع وَكيله) أَي وَكيل البَائِع، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ: أَيْ مُبَاشرَة، وَقَوله إِنَّه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب: أَي إِلَى وَكيله وَفعل الْوَكِيل كَفعل الْمُوكل. قَوْلُهُ: (وَإِبْرَائِهِ عَنْ الْعَيْبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْوَكِيلِ وَالْفَاعِلُ الْمُشْتَرِي إلَخْ، وَعَلَى مَا قُلْنَا مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَالضَّمِير لوَكِيله وَهُوَ المفوم من عبارَة الْبَحْر. مطلب: وَاقعَة سَمَرْقَنْد قَوْله: (وَمِنْه وَاقعَة سَمَرْقَنْد) أَي من جنس مَسْأَلَة المُصَنّف، وَهُوَ مَا وَقع فِيهِ التَّنَاقُض، وَلَو صرح بِهِ لَكَانَ أوضح، لَكِن لَا يظْهر أَن هَذِه الْوَاقِعَة مِنْهُ، لَان عقد النِّكَاح الاب فِيهِ سفير لَا تلْحقهُ عُهْدَة، بِخِلَاف بِبيع الْوَكِيل. وَأَيْضًا الْخلْع هُنَا ظَاهر فِي أَنه قَائِم بِهِ، بِخِلَاف المبرأ فَإِنَّهُ غير ظَاهر فِي أَنه حَاضر وَقت الْبَرَاءَة، فَافْهَم أسرار الْمقَال وَلَا تكن مِمَّن يعرف الْحق بِالرِّجَالِ. نعم التَّوْفِيق ظَاهر فِيمَا نذكرهُ فِي القولة الْآتِيَة عَن الْبَحْر، وَلَو قَالَ لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك إِلَى آخر مَا نذكرهُ عَن   (1) اسْم كتاب وَهُوَ عدَّة الْفَتَاوَى اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (ادَّعَت الخ) بدل من وَاقعَة. مطلب: قَالَ لَا نِكَاح بَيْننَا فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال يقبل قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعبارَة الْخُلَاصَة: فَأنْكر الزَّوْج النِّكَاح أصلا اهـ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تقبل بَينته اهـ: أَي لَان نفي الْحَال لَا يلْزم مِنْهُ نفي الْمَاضِي فَلم يُوجد تنَاقض أصلا، لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ قَول الشَّارِح لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ الخ وَالظَّاهِر أَنه تَعْلِيل لخلاف ظَاهر الرِّوَايَة. مطلب: لَو قَالَ لم أَتَزَوَّجهَا قطّ أَو لَا نِكَاح قطّ فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال لَا يقبل وَفِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، فَمُقْتَضى مَا مر فِي مَسْأَلَة الْعَيْب على ظَاهر الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَسِيلَة للعيب فَلَا تقبل بَينته، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ، فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَة النِّكَاح فَيتَحَقَّق التَّنَاقُض اهـ. سَيِّدي الْوَالِد بِزِيَادَة. قَوْله: (فبرهنت) أَي على النِّكَاح. قَوْله: (تقبل) أَي دَعْوَاهُ: أَي وطالب بالبرهان عَلَيْهَا. قَوْله: (لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ وَهُوَ صَغِير) أَي فإنكاره النِّكَاح يحمل على نفي مُبَاشَرَته إِيَّاه، وَهُوَ لَا يُنَافِي وُقُوعه لَهُ بطرِيق الاجبار مثلا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُنَاقض دَعْوَى الْخلْع على الْمهْر بعد. قَوْله: (جَمِيع صك) فَارسي مُعرب. وَالْجمع أصك وصكاك وصكوك اهـ. وَأَشَارَ بقوله جَمِيع إِلَى أَنه يبطل سَوَاء اشْتَمَل على شئ وَاحِد أَو أَشْيَاء، وَالْخلاف فِي الثَّانِي. قَوْله: (وَقَالا آخِره) بِالرَّفْع: أَي يبطل آخر الصَّك الْمُشْتَمل على أَشْيَاء، إِذْ الاصل فِي الْجمع الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قصد لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً، كَذَا فِي التَّبْيِين. وَله أَن الْكل يكون كشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف فَيصْرف إِلَى الْكل كَمَا فِي الْكَلِمَات المعطوفة. قَالَ الامام: إِذا كتب بيع وَإِقْرَار وَإِجَارَة وَغير ذَلِك ثمَّ كتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى بَطل الْكل قِيَاسا، لما تقدم من أَن الْكل لشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف. وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: بَطل الاخير فَقَط اسْتِحْسَانًا. قَوْله: (أَن الفرجة) أَي على أَن الفرجة فِي الْخط كالسكوت فِي النُّطْق، فَيكون الانشاء رَاجعا إِلَى مَا بعد الفرجة اتِّفَاقًا كَمَا يرجع فِي السُّكُوت إِلَى مَا بعده. قَوْله: (وعَلى انْصِرَافه) أَي الانشاء، وَلَو قَالَ: وعَلى الِانْصِرَاف للْكُلّ لَكَانَ أوضح. مطلب: فَائِدَة نحوية قَوْلُهُ: (فِي جُمَلٍ) أَيْ قَوْلِيَّةٍ وَإِلَّا نَافَى مَا قبله (1) وَهُوَ مَسْأَلَة كتب الصَّك كَقَوْلِه امْرَأَته طَالِق وَعَبده حر، وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى.   (1) قَوْله: (وَإِلَّا نافى مَا قبله) أَي إِن لم تفسره الْجمل بالقولية بل بقيت على مَا يُرَاد بهَا أَولا وَهِي الْجمل فِي الصَّك فَوَقَعت الْمُنَافَاة بَين ذكره الِاتِّفَاق على الرُّجُوع الْكل وَبَين ذكره الْخلاف فِيمَا تقدم بَين الامام وصاحبيه لانه أَولا - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَبَطَلَ الْكُلُّ، فَمَشَى أَبُو حنيفَة على أَصله وهما أخرجَا صُورَة. مطلب: صك كتب فِيهِ بيع وَإِجَارَة وَإِقْرَار وَغير ذَلِك وَكتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلهمَا اسْتِحْسَانًا راجحا على قَوْله، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لم يكن بِالْمَشِيئَةِ اهـ. وَفِي وكَالَة الْبَزَّازِيَّة: وَعَن الثَّانِي قَالَ امْرَأَة زيد طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بت الله إِن دخل هَذِه الدَّار فَقَالَ زيد نعم كَانَ بكله، لَان الْجَواب يتَضَمَّن إِعَادَة مَا فِي السُّؤَال انْتهى. وَكَأن الشَّارِح غفل عَن قَوْله وَأَخْرَجَا صُورَة كتب الصَّك فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول وعَلى انْصِرَافه للْكُلّ فِي جمل قولية لم تكْتب. قَوْله: (وأعقبت بِشَرْطٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ هُوَ الْمَشِيئَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْإِقْرَارِ لِمَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) تَأَمَّلْ. قَوْله: (وَأما الِاسْتِثْنَاء بإلا الخ) أَي الْوَاقِع لفظا أَو الْوَاقِع خطأ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يعم طلاقين وعتاقين وطلاقا وعتقا. قَوْله: (فللاخير) أَي اتِّفَاقًا لقُرْبه واتصاله وانقطاعه عَمَّا سواهُ كَمَا علم فِي آيَة رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) لَا إِلَى قَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) أَيْضا، فَلَو أقرّ بمالين لشخصين وَاسْتثنى شَيْئا كَانَ من الآخر. بَحر. وَفِيه: وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط إِذا تعقب جملا متعاطفة مُتَّصِلا بهَا فَإِنَّهُ للْكُلّ اهـ. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: لَا يُقَال كَيفَ خَالف أَبُو حنيفَة أَصله، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى الْجُمْلَة الاخيرة على أَصله لَان ذَلِك فِي الِاسْتِثْنَاء بإلا، وَقَوله إِن شَاءَ الله تَعَالَى شَرط شاع إِطْلَاق الِاسْتِثْنَاء عَلَيْهِ فِي عرفهم وَلَيْسَ إِيَّاه حَقِيقَة. فَتَأمل. قَوْله: (إِلَّا لقَرِينَة) فَيعْمل بهَا للاول أَو للثَّانِي. قَوْله: (فللاول) لَو قَالَ إِلَّا دِينَارا فللثاني. قَوْلُهُ: (إيقَاعِيَّتَيْنِ) أَيْ مُنَجَّزَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعْلِيقٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا حُرٌّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ح. قَوْله: (وَبعد طلاقين معلقين) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وفلانة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (أَو طَلَاق مُعَلّق أَو عتق مُعَلّق) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وعبدي حر إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَا فرق بَين الشَّيْئَيْنِ من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ وَالْخلاف، هَذَا فِي النُّطْق. وَأما فِي الصَّك فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة، وَأفَاد أَن اتِّفَاقهمَا مَعَه إِنَّمَا هُوَ فِي الايقاعيتين، وَأما فِي المعلقتين فمحمد مَعَه، وَخَالف أَبُو يُوسُف ط. قَوْله: (وَلَو بِلَا عطف) مَفْهُوم قَوْله عطفت: أَي إِذا وَقع الشَّرْط بعد جمل غير متعاطفة أَو متعاطفة لَكِن حصل سكُوت بَينهَا: أَي فِي اللَّفْظ أَو فُرْجَة فِي الْخط. قَوْله:   - أحكي الْخلاف وَثَانِيا وَحكى التفاق فَلَزِمَ أَن نفسر الْجمل بالقويلة للثّمن اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 (أَوْ بِهِ بَعْدَ سُكُوتٍ) أَيْ إذَا كَانَ السُّكُوتُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا. قَوْله: (فللاخير اتِّفَاقًا) مُرَاده بالاخير مَا بعد السُّكُوت. قَوْله: (وَعطفه بعد سُكُوته لَغْو) إِذا كَانَ فِيهِ مَا يُوسع على نَفسه كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وكت ثمَّ قَالَ وَهَذِه الدَّار: أَي فقصد أَن لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بدخولهما. قَوْله: (إِلَّا بِمَا فِيهِ تَشْدِيد على نَفسه) كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وسكنت ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ الثَّانِيَةَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ وَهَذِهِ الدَّارُ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ هَذِه طَالِقَةٌ ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةَ، وَكَذَا فِي الْعتْق. بَحر. قَوْله: (أسلمت بعد مَوته) أَي وَقد مَاتَ وَهِي على دينه فلهَا الْمِيرَاث. قَوْله: (وَقَالَت ورثته قبله) أَي أسلمت قبل مَوته فَلَا مِيرَاث لَهَا. قَوْله: (صدقُوا) أَي بِلَا يَمِين إِلَّا إِذا ادَّعَت عَلَيْهِم بكفرها بعد مَوته فَيحلفُونَ على عدم الْعلم. قَوْله: (تحكيما للْحَال) أَي استصحابا لظَاهِر الْحَال، فَإِن سَبَب الحرمان ثَابت فِي الْحَال فَيثبت فِيمَا مضى. وَفِي التَّحْرِير: الِاسْتِصْحَاب: الحكم بِبَقَاء أَمر مُحَقّق لم يظْهر عَدمه. وحرر ابْن نجيم تفاريعه فِي الاشباه والنظائر فِي قَاعِدَة: الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ، وَفِي آخر بَاب التَّحَالُف فِي بحره. قَوْله: (كَمَا يحكم الْحَال الخ) إِن هَذِه الْعبارَة لَيست مَوْجُودَة فِي أصل المُصَنّف، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قَوْله بعد كَمَا فِي مُسلم الخ وَجعل المُصَنّف وَجه الشّبَه فيهمَا كَون القَوْل للْوَرَثَة فيهمَا، وَأَرَادَ بقوله كَمَا يُحَكَّمُ الْحَالُ فِي مَسْأَلَةِ جَرَيَانِ مَاءِ الطاحونة وانقطاعه: أَي إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي جَرَيَان مَاء الطاحونة وانقطاعه فَإِنَّهُ يحكم الْحَال ويستدل بهَا على الْمَاضِي، فَإِذا كَانَ المَاء جَارِيا فِي الْحَال حكمنَا بِأَنَّهُ جَار من أول مُدَّة الاجارة إِلَى زمَان النزاع فَيسْتَحق الاجرة، وَإِن لم يجز حكمنَا بالانقطاع كَمَا فِي الْخَانِية. فَإِن قلت: جَرَيَان المَاء يثبت الِاسْتِحْقَاق وكلامنا فِي عَدمه. قلت: يُمكن أَن يُقَال: إِن الاقدام على العقد إِقْرَار بالجريان فَكَانَ الاجر ثَابتا ومستحقا من كل وَجه، فَإِذا ادّعى الجريان يكون مُدعيًا اسْتِحْقَاقه الاجر عملا بالاقرار السَّابِق لَا بتحكيم الْحَال اللَّاحِق، فَإِذا لم يسْتَحق بِهَذَا التَّحْكِيم يصير دافعا بِهِ وَهُوَ يصلح للدَّفْع. فَإِن قلت: إِذا كَانَ الِاسْتِحْقَاق ثَابتا بِالْعقدِ من كل وَجه يكون ادِّعَاء الْمُسْتَأْجر عدم الجريان وتحكيمه لَهُ حجَّة لاستحقاقه مَا فِي ذمَّته من الاجرة: قلت: يُمكن أَن يُجَاب بِأَن كَون الاقدام على العقد إِقْرَارا إِنَّمَا هُوَ حجَّة غير قَوِيَّة فَلَا يعْمل بِهِ إِذا خَالفه عدم الجريان الْمشَاهد، فَيكون عدم الجريان تحكيما للدَّفْع عَنهُ لَا للاستحقاق. قَوْلُهُ: (جَرَيَانِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بَلْ الِانْقِطَاعُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ: (الطاحونة) أَي الْمُسْتَأْجرَة إِذا قَالَ الْمُسْتَأْجر لم أتمكن من الِانْتِفَاع بهَا لعدم جَرَيَان مَائِهَا وَقَالَ الْمَالِك بل تمكنت فَينْظر إِلَى وصف المَاء فِي الْحَال وَيحكم بِهِ فِيمَا مضى. قَوْله: (للدَّفْع لَا للاستحقاق) أَي لدفع دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْقَضَاءِ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذَا كَانَ مَاءُ الطَّاحُونَةِ جَارِيًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ. قُلْنَا: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدَفْعِ مَا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ الْأَجْرِ، أما ثُبُوتُ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لَهُ فَيكون دافعا لَا مُوجبا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 يعقوبية. قَوْله: (كَمَا فِي مُسلم مَاتَ الخ) ظَاهره أَنه مِثَال للاستحقاق بتحكيم الْحَال، وصنيع الشَّرْح هُنَا لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي، فَلَو أبقى المُصَنّف من غير زِيَادَة مَسْأَلَة الطاحونة لَكَانَ أولى. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَحَاصِلُهُ: إنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُمْ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنَاءً عَلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ محتاجة إِلَيْهِ، أما الْوَرَثَة فهم الدافعون وَيشْهد لَهُم ظَاهر الْحُدُوث أَيْضا. قَوْله: (فإرثه) بِصِيغَة الْمُضَارع. قَوْله: (لَان الْحَادِث الخ) أَي وَهُوَ الاسلام، وَلَو كَانَ القَوْل قَوْلهَا لَكَانَ تحكيم الْحَال مُوجبا لاستحقاقها الارث، وَكَانَ الاولى للشَّارِح التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ السَّابِقَة، لَان مَا ذكر لَا يصلح تعليلا لما تقدم. قَوْله: (لاقرب أوقاته) وَأقر بهَا مَا بعد موت الزَّوْج. قَوْله: (وَقع الِاخْتِلَاف الخ) بِأَن مَاتَ رجل لَهُ أَبَوَانِ ذميان وَولد مُسلم فَقَالَا مَاتَ ابننا كَافِرًا وَقَالَ وَلَده الْمُسلم مَاتَ مُسلما فالميراث للْوَلَد دون الابوين، وَكَذَا لَو قَالَت امْرَأَة مسلمة مَاتَ زَوجي مُسلما وَقَالَ أَوْلَاده الْكفَّار كَافِرًا وَصدق الْمَرْأَة أَخُو الْمَيِّت وَهُوَ مُسلم قضى بِالْمِيرَاثِ للْمَرْأَة والاخ دون الاولاد. قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَلَا يحْتَاج إِلَى تَصْدِيق الاخ، بل تَكْفِي دَعْوَى الْمَرْأَة أَنه مَاتَ مُسلما، وَتَبعهُ الْمَقْدِسِي، لَكِن استظهر فِيهِ سَيِّدي الْوَالِد أَن تَصْدِيق الاخ شَرط لارثه مشاركا للْمَرْأَة، لانه لَو أكذبها يكون معترفا بِأَن وَلَده وَارثه فيحجب الاخ بِهِ فَلَا يَرث، وَكَأن صَاحب الْبَحْر فهم أَنه شَرط لارث الْمَرْأَة أَيْضا، وَلَيْسَ كَذَلِك فِيمَا يظْهر، فَلَا مُنَافَاة. تَأمل. مطلب: مُدَّة التَّلَوُّم فِي دفع المَال للْوَارِث الَّذِي أقرّ بِهِ الْمُودع قَوْله: (هَذَا ابْن مودعي) مُرَاده بِالِابْنِ مَنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ فَالْبِنْتُ وَالْأَبُ والام كالابن، وَقيد بالابن لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِك. وَالْفرق أَن اسْتِحْقَاق الاخ مَشْرُوط بِعَدَمِ الِابْنِ، بِخِلَافِ الِابْنِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَال، وكل من يَرث فِي حَال دون حَال فَهُوَ كالاخ. بَحر مَعَ زِيَادَة. ثمَّ إِذا تأنى إِن حضر وَارِث آخر دفع المَال إِلَيْهِ لانه خلف عَن الْمَيِّت، وَإِن لم يحضر أعْطى كل مُدع مَا أقرّ بِهِ لَكِن بكفيل ثِقَة، وَإِن لم يجد كَفِيلا أعطَاهُ المَال وَضَمنَهُ إِن كَانَ ثِقَة حَتَّى لَا يهْلك أَمَانَة، وَإِن كَانَ غير ثِقَة تلوم القَاضِي حَتَّى يظْهر أَن لَا وَارِث للْمَيت أَو أكبر رَأْيه ذَلِك ثمَّ يُعْطِيهِ المَال وَيضمنهُ، وَلم يقدر مُدَّة التَّلَوُّم بشئ بل موكول إِلَى رَأْي القَاضِي، وَهَذَا أشبه بِأبي حنيفَة. وَعِنْدَهُمَا مُقَدّر بحول، هَكَذَا حُكيَ الْخلاف فِي الْخُلَاصَة عَن الاقضية. قَالَ: وَعَن أبي يُوسُف مُقَدّر بِشَهْر. قَوْله: (لَا وَارِث لَهُ غَيره) قيد بِهِ، لانه لَو قَالَ لَهُ وَارِث غَيره وَلَا أَدْرِي أمات أم لَا لَا يدْفع إِلَيْهِ شئ، لَا قبل التَّلَوُّم وَلَا بعده، حَتَّى يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة تَقول لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره، وَمثل إِقْرَار الْمُودع بِمَا ذكر مَا لَو أقرّ أَن الْمَيِّت أقرّ بِأَن هَذَا ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، بِخِلَاف مَا لَو أخبر عَنهُ بِأَنَّهَا زَوجته أَو أَنه مولى الْمُوَالَاة أَو الْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ أَو بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ لَا يدْفع إِلَيْهِم المَال، لَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 ذَا الْيَد أقرّ بِسَبَب ينْتَقض ط. وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو ادّعى أَنه أَخُو الْغَائِب وَأَنه مَاتَ وَهُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، أَو ادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، أَو كَانَت امْرَأَة وَادعت أَنَّهَا عمَّة الْمَيِّت أَو خَالَته أَو بنت أُخْته وَقَالَ لَا وَارِث لَهُ غَيْرِي وَادّعى آخر أَنه زوج أَو زَوْجَة للْمَيت أَو أَن الْمَيِّت أوصى لَهُ بِجَمِيعِ مَاله أَو ثلثه وصدقهما ذُو الْيَد وَقَالَ لَا أَدْرِي للْمَيت وَارِثا غَيرهمَا أَو لَا لم يكن لمُدعِي الْوَصِيَّة شئ بِهَذَا الاقرار، وَيدْفَع القَاضِي إِلَى الاب والام والاخ وَمولى الْعتَاقَة أَو الْعمة أَو الْخَالَة أَو بنت الاخت إِذا انْفَرد. أما عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يزاحم مدعي النُّبُوَّة مدعي الاخوة، لَكِن مدعي هَذِه الاشياء إِذا زاحمه مدعي الزَّوْجِيَّة أَو الْوَصِيَّة بِالْكُلِّ أَو الثُّلُث مستدلا بِإِقْرَار ذِي الْيَد فمدعي الاخوة أَو الْبُنُوَّة أولى بعد مَا يسْتَحْلف الابْن: مَا هَذِه زَوْجَة الْمَيِّت أَو موصى لَهُ، هَذَا إِذا لم تكن بَيِّنَة على الزَّوْجِيَّة وَالْوَصِيَّة، فَإِن أَقَامَ أَخذ بهَا اهـ. بَحر. وَفِيه: وَمن دَعْوَى الْمجمع وَإِن كَانَت فِي يَد زيد فجَاء أحد الزَّوْجَيْنِ فَصدقهُ زيد بِإِعْطَاء أقل النَّصِيبَيْنِ لَا أكثرهما اهـ. قيد بتصديقه لانه لَو برهن وَقَالا لَا نعلم لَهُ وَارِثا آخر فَلهُ أَكثر النَّصِيبَيْنِ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرحه لِابْنِ ملك. قَوْله: (دَفعهَا إِلَيْهِ وجوبا) لاقراره أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت وَالْعَارِية وَالْعين المغصوة بالوديعة ط. قَوْله: (كَقَوْلِه هَذَا ابْن دائني) وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا بِأَن قَالَ لَا وَارِث لَهُ سواهُ. قَوْله: (قيد بالوارث) أَي الَّذِي هُوَ الابْن وَنَحْوه. قَوْله: (لم يَدْفَعهَا) لانه أقرّ بِقِيَام حق الْمُودع وَملكه فِيهَا الْآن فَيكون إِقْرَارا على ملك الْغَيْر، وَلَا كَذَلِك بعد مَوته لزوَال ملكه فَإِنَّهُ أقرّ لَهُ بِملكه لما فِي يَده من غير ثُبُوت ملك مَالك معِين فِيهِ للْحَال. وَفِي فصل الشِّرَاء: وَإِن أقرّ بِزَوَال ملك الْمُودع لَكِن لَا ينفذ فِي حذه لَا يملك إبِْطَال ملكه بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كإقراره بِالْوكَالَةِ بِقَبض الْوَدِيعَة ط. وتوضيح الْفرق بَينهمَا: أَن فِي الْمَسْأَلَة الاولى أقرّ أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ أَنه ملك الْوَارِث وَهُوَ حَيّ أَصَالَة، وَفِي هَذِه الْمسَائِل فِيهِ إبِْطَال حق الْمُودع فِي الْعين بإزالتها عَن يَده لَان يَد الْمُودع كيد الْمَالِك فَلَا يقبل إِقْرَاره. قَوْله: (فَإِن أقرّ ثَانِيًا) سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا بالاول بِأَن قَالَ هَذَا ابْنه وَهَذَا الآخر أَيْضا، أَو مُنْفَصِلا بِأَن أقرّ للثَّانِي فِي مجْلِس آخر. حموي. قَوْله: (إِذا كذبه الابْن الاول) حكم مَفْهُومه ظَاهر، وَهُوَ مَا إِذا صدقه فيشتركان قَوْله (لانه إِقْرَار على الْغَيْر) لصِحَّة الاقرار للاول لعدم من يكذبهُ قَوْله: (إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء) وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَة الْبَيَان من أَن الْمُودع لَا يغرم للِابْن الثَّانِي شَيْئا بِإِقْرَارِهِ لَهُ لَان اسْتِحْقَاقه لم يثبت فَلم يتَحَقَّق التّلف. تَنْبِيه: لَو أقرّ بالوديعة لرجل ثمَّ قَالَ لَا بل وَدِيعَة فلَان أَو قَالَ غصبت هَذَا من فلَان لَا بل من فلَان، وَكَذَا الْعَارِية، فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للاول وَيضمن للثَّانِي قِيمَته، وَكَذَا فِي الاقرار بِالدّينِ، وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان وَهَذَا لفُلَان الْمقر لَهُ إِلَّا نصف الاول فَإِنَّهُ لفُلَان كَانَ جَائِزا، وَكَانَ لَو قَالَ هَذِه الْحِنْطَة وَالشعِير لفُلَان إِلَّا كرا من هَذِه الْحِنْطَة فَإِنَّهُ لفُلَان إِذا كَانَت الْحِنْطَة أَكثر من الْكر كَذَا فِي الاصل لمولانا مُحَمَّد رَحمَه الله من الدَّعْوَى اهـ. ط عَن الْبَحْر. قَوْله: (تَرِكَة قسمت بَين الْوَرَثَة) أَي سَوَاء كَانُوا مِمَّن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 يحجب أَو لَا. قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا إلَى الْأَصْلِ الْوَارِثُ لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لَا يُعْطَى شَيْئًا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فِي وَجه جَمِيع الْوَرَثَة الْحَاضِرين أَو يشْهد أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ تُقْبَلُ عِنْدَنَا لَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُمَا جَازَفَا، وَلَنَا الْعُرْفَ. فَإِنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَقُبِلَتْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ نَفْيًا وَهُنَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهَا عَلَى شَرْطِ الْإِرْثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِأَحَدٍ، فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَقُولَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ يَتَلَوَّمُ الْقَاضِي زَمَانًا رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ وَارِث آخر، فَإِن لم يحضر يقْض لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ، وَلَا يَكْفُلُ عِنْدَ أَبِي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ، وَعِنْدَهُمَا: يَكْفُلُ فِيهِمَا. وَمُدَّةُ التَّلَوُّمِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَقِيلَ حَوْلٌ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَوْ أَثْبَتَ الْوِرَاثَةَ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يُحْكَمُ لَهُمَا بِأَكْثَرِ النَّصِيبَيْنِ بعد الْعُلُوم. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: بِأَقَلِّهِمَا وَلَهُ الرُّبْعُ وَلَهَا الثّمن اهـ مُلَخَّصًا. وَإِنْ تَلَوَّمَ وَمَضَى زَمَانُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحْجَبُ كَالْأَخِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالِابْنِ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَاشِر فِي النّسَب والارث. قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَحَاصِله الْمُدَّعِي لَو برهن أَنه مَاتَ مُوَرِثه وَلم يذكرُوا عدد الْوَرَثَة وَلَا قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا فَإِنَّهُ لَا يقْضى لَهُ، وَإِن بينوا عَددهمْ وَقَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غير مَا ذكر، فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يحجب فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ القَاضِي وَلَا يتأنى وَلَا يكفل، وَإِن كَانَ مِمَّن يحجب بِحَال تأنى ثمَّ قضى، وَإِن شهدُوا أَنه ابْنه أَو وَارثه وَأَنه مَاتَ وَتَركه مِيرَاثه لَهُ وَلم يَقُولُوا لم نعلم لَهُ وَارِثا غَيره تلوم القَاضِي زَمَانا ثمَّ قضى، وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل عِنْد الامام خلافًا لَهَا، وَيدْفَع لَاحَدَّ الزَّوْجَيْنِ أوفر النَّصِيبَيْنِ عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد أقلهما اهـ. وَرُوِيَ عَن الامام أَنه قَالَ فِي أَخذ الْكَفِيل: هَذَا شئ احتاط بِهِ بعض الْقُضَاة وَهُوَ ظلم، وعنى بِالْبَعْضِ ابْن أبي ليلى قَاضِي الْكُوفَة. وَأورد أَنه مُجْتَهد والمجتهد مأجور، وَإِن أَخطَأ فَلَا وَجه لنسبته إِلَى الظُّلم. وَقد قَالَ الامام: كل مُجْتَهد مُصِيب وَالْحق عِنْد الله وَاحِد: أَي مُصِيب فِي اجْتِهَاده بِحَسب مَا عِنْده، وَإِن أَخطَأ الْحق فِي الْوَاقِع. وَالْجَوَاب مَا قَالَه فِي التَّلْوِيح: الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد لَا يُعَاتب وَلَا ينْسب إِلَى الضلال بل يكون مَعْذُورًا ومأجورا، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بذل الوسع وَقد فعل، فَلم ينل لخفاء دَلِيله إِلَّا أَن يكون الدَّلِيل الْموصل إِلَى الصَّوَاب بَينا فَأَخْطَأَ الْمُجْتَهد لتقصير مِنْهُ وَتَركه الْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ يُعَاتب، وَمَا فعل من طعن السّلف بَعضهم على بعض فِي الْمسَائِل الاجتهادية كَانَ مَبْنِيا على أَن طَرِيق الصَّوَاب بَين فِي زعم الطاعن اهـ: أَي وَمِنْه طعن الامام على ابْن أبي ليلى، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَة. قَوْله: (كَذَا نسخ الْمَتْن) أَي بِإِسْقَاطِ لَا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكتب. سَيِّدي. قَالَ ط: وَلَعَلَّه فِيمَا وَقع لَهُ، وَالَّذِي بِيَدِهِ فِيمَا ذكر لَا، وَكَلَام المُصَنّف فِي الشَّارِح مثله. وَاعْلَم أَن مَفْهُوم الْمَتْن أَمْرَانِ: سكوتهم، وَقَوْلهمْ لَا نعلم، وَلم يكفلوا فيهمَا عِنْد الامام. وَقَالَ الصاحبان: يكفلون فِي صُورَة السُّكُوت إِلَّا إِذا قَالُوا لَا نعلم، فَعدم الْكفَالَة فِي الثَّانِي مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مُرَاد الشَّارِح فِي قولولو قَالَ الشُّهُود ذَلِك وَيكون تفريقعا على غير الْمَتْن. قَوْلُهُ: (لَمْ يُكَفَّلُوا) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مُضَعَّفُ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ: أَيْ لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا ح. قَالَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 الدُّرَرِ: أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْد الامام، وَقَالا يُؤْخَذ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ فتوقف فِي أَنَّهَا بِالْمَالِ أَو بِالنَّفسِ اهـ سَيِّدي، فَافْهَم. وَاقْتصر على نفي التكفيل لَان القَاضِي بعد يتلوم كَمَا ذكره الشَّارِح بعد، وَلَا يدْفع إِلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيره وَلَا غَرِيم لَهُ اتِّفَاقًا، لانه من بَاب الِاحْتِيَاط لنَفسِهِ بِزِيَادَة علم بِانْتِفَاء الشَّرِيك الْمُسْتَحق مَعَه بِقدر الامكان كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان. قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ وَارِث أَو غَرِيم آخر. قَوْله: (لجَهَالَة الْمَكْفُول لَهُ) عِلّة لقَوْله لم يكفلوا ولان حق الْحَاضِر ثَابت قطعا أَو ظَاهرا فَلَا يُؤَخر لاجل المرهوم، كَذَا قَالُوا: (ويتلوم القَاضِي) أَي يتأنى فِي تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى الْمدَّة الْمُتَقَدّم بَيَانهَا لَا فِي الدّفع بعد الْقَضَاء. وَالْمَسْأَلَة على وُجُوه ثَلَاثَة تقدم بَيَانهَا عَن الصَّدْر الشَّهِيد، وَسَيَأْتِي شئ مِنْهَا قبيل بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (مُدَّة) تقدم أَنَّهَا مفوضة إِلَى رَأْي القَاضِي، وقدرها الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ، وَعَلَى عَدَمِ التَّقْدِيرِ حَتَّى يَغْلِبَ على ظَنّه أَنه لَا وَارِث لَهُ غَيره أَو لَا غَرِيم لَهُ آخر، قَوْله: (وَلَو ثَبت) أَي مَا ذكر من الْوَرَثَة أَو الْغُرَمَاء. قَوْله: (بالاقرار) أَي بالارث أَو بِالدّينِ وَهُوَ مُحْتَرز قَوْله بِشُهُود. قَوْله: (كفلوا اتِّفَاقًا) يَعْنِي وَالْخلاف فِيمَا إِذا ثَبت الدّين والارث بِالشَّهَادَةِ وَلم يقل الشُّهُود لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيرهم، أما إِذا ثَبت بالاقرار يُؤْخَذ كَفِيل بالِاتِّفَاقِ. قَوْله: (وَلَو قَالَ الشُّهُود ذَلِك) أَي لَا نعلم لَهُ وَارِثا أَو غريما غَيره. قَوْله: (لَا) أَي لَا يُؤْخَذ مِنْهُم كَفِيل سَوَاء كَانَ وَارِثا يحجب بِحَال أَو لَا. قَوْله: (اتِّفَاقًا) تقدم بَيَان الصُّور فِي الْحَاصِل. قَوْلُهُ: (ادَّعَى) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ: ادَّعَى عَلَيْهِمَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي بِيَدِكُمَا مِلْكِي فَبَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَوْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِإِرْثٍ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الدَّارِ بِيَدِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِمَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ على أَحدهمَا حكما على الآخر اهـ. قَوْله: (إِرْثا) قيد بِهِ لانه لَو شِرَاء لَا يكون الْحَاضِر خصما عَن الْغَائِب كَمَا تقدم. قَوْله: (مشَاعا) يَعْنِي ينْتَفع بِهِ انْتِفَاع الْمشَاع لَا أَنه يقسمهُ ويفرزه لانه سَيَأْتِي فِي الْقِسْمَة، فَإِنْ بَرْهَنَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَا يُقْسَمُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ اثْنَيْنِ وَلَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرا أَو موصى لَهُ. قَوْله: (جَحَدَ ذُو الْيَدِ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَجْحَدْ) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَان الْبُرْهَان يسْتَلْزم سبق الْجحْد، وَقد أَجمعُوا أَنه لَا يُؤْخَذ الْكَفِيل فِي صُورَة الاقرار. وَالصَّوَاب أَنه يُبَدَّلَ قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَثَبَتَ ذَلِكَ فَيشْمَل الثُّبُوت بالاقرار وَلَا كَفِيل فِيهِ اتِّفَاقًا وبالبينة وَفِيه الْخلاف، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ قَوْلُهُ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يجْحَد اهـ ط. وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد بِأَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَرَكَ بَاقِيه أَشَارَ بِهِ إِلَى الْخلاف، فَافْهَم. أَقُول: عبارَة الْهِدَايَة وَالْمجْمَع وَالْبَحْر وَغَيرهَا تَسَاوِي عبارَة المُصَنّف وَهِي عبارَة متن الدُّرَر، وَكَأَنَّهُم تساهلوا فِي ذَلِك لوضوح المُرَاد. وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن قَوْله وَترك بَاقِيه مُسْتَأْنف لَيْسَ من تَمام حكم الْبُرْهَان، وَيكون المُرَاد بَيَان مَسْأَلَة وفاقية وَهِي أَخذ الْمُدَّعِي النّصْف إِذا برهن، وَمَسْأَلَة خلافية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 وَهِي ترك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد مُطلقًا، وَأَشَارَ إِلَى الْخلاف بالتعميم بقوله جحد أَو لَا، هَذَا مَا ظهر لي. نعم الاولى مَا فِي شرح أدب الْقَضَاء حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي يَأْخُذ النّصْف وَيتْرك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: ينْزع مِنْهُ: أَي وَيجْعَل فِي يَد أَمِين، ثمَّ ذكر أَنهم أَجمعُوا أَنه لَو مقرا ينْزع الْبَاقِي مِنْهُ أَيْضا. قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فِي صُورَة الْجُحُود حَيْثُ قَالَا: إنْ جَحَدَ ذُو الْيَدِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ وَإِلَّا ترك فِي يَده، فَلَا نظر فِي تَركه فِي يَده، فَهُوَ رَاجع إِلَى قَوْله وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد لَا لقَوْله بِلَا كَفِيل فَإِنَّهُ لَا خلاف فِيهِ، وَله أَن الْحَاضِر لَيْسَ بخصم عَن الْغَائِب فِي الِاسْتِيفَاء وَلَيْسَ للْقَاضِي التَّعَرُّض بِلَا خصم، كَمَا إِذا رأى شَيْئا فِي يَد إِنْسَان يعلم أَنه لغيره لَا ينتزعه مِنْهُ بِلَا خصم، وَقد ارْتَفع جحوده بِقَضَاء القَاضِي بِالْكُلِّ. بَحر. قَوْله: (خصما للْمَيت) الاوضح عَن الْمَيِّت. قَوْله: (حَتَّى تقضى مِنْهَا دُيُونه) وتنفذ مِنْهَا وَصَايَاهُ. قَوْله: (ثمَّ إِنَّمَا يكون خصما) أَي عَن بَقِيَّة الْوَرَثَة فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت. قَوْله: (بِشُرُوط تِسْعَة) الاولى أَن يَقُول ثَلَاثَة: الاول كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ أَنَّهَا إرْثٌ عَن الْمَيِّت الْمعِين كَمَا فِي الْبَحْر والحموي. قَوْله: (مبسوطة فِي الْبَحْر) لَيْسَ جَمِيع الْمَذْكُور فِي الْبَحْر شُرُوطًا، بل بعضه شُرُوط وَبَعضه أَحْكَام، وَنَصه: تَنْبِيهَات: (الاول) : إِنَّمَا ينْتَصب الْحَاضِر الَّذِي فِي يَده الْعين خصما عَن البَاقِينَ إِذا كَانَت الْعين لم تقسم بَين الْحَاضِر وَالْغَائِب، فَإِن قسمت وأودع الْغَائِب نصِيبه عِنْد الْحَاضِر كَانَت كَسَائِر أَمْوَاله فَلَا ينْتَصب الْحَاضِر خصما عَنهُ. ذكره العتابي عَن مَشَايِخنَا. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من السَّابِع وَالْعِشْرين: وَلَو أودع نصِيبه من عين عِنْد وَارِث آخر فَادّعى رجل هَذَا الْعين ينْتَصب هَذَا الْوَارِث خصما إِذْ ينْتَصب أحد الْوَرَثَة خصما عَن البَاقِينَ لَو كَانَ الْعين بِيَدِهِ، بِخِلَاف الاجنبي اهـ. أَقُول: فَقَوله بِخِلَاف الاجنبي: أَي غير الْوَارِث تكون الْعين فِي يَده فيدعي عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى الْقَضَاء عَلَيْهِ إِلَى غَيره بِأَن تكون شركَة بَينه وَبَين غَيره فَلَا يكون الشَّرِيك الْغَائِب مقضيا عَلَيْهِ. سَيِّدي الْوَالِد. (الثَّانِي) : إِنَّمَا لَا تسمع دَعْوَى الْغَائِب إِذا حضر بِشَرْط أَن يصدق أَن الْعين مِيرَاث بَينه وَبَين الْحَاضِر، أما لَو أنكر الارث وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا أَو ورث نصِيبه من رجل آخر لَا يكون الْقَضَاء على الْحَاضِر قَضَاء عَلَيْهِ فَتسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته. فَالْحَاصِل: أَنه إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إِرْث عَن الْمَيِّت الْمعِين. (الثَّالِث) : إِنَّمَا يَكْفِي ثُبُوت بعض الْوَرَثَة أَن لَو ادّعى الْجَمِيع وَقضى بِهِ، أما لَو ادّعى حِصَّته فَقَط وَقضى بهَا فَلَا يثبت حق البَاقِينَ. (الرَّابِع) : ادّعى بَيْتا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّه ملكي ورثته من أبي، فَلَو قضى عَلَيْهِ: أَي على ذِي الْيَد: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 أَي ببرهان الْمُدَّعِي يظْهر على جَمِيع الْوَرَثَة، لَان الْعين كلهَا فِي يَده غير مقسومة فَلَيْسَ لَاحَدَّ مِنْهُم أَن يَدعِيهِ بِجِهَة الارث إِذْ صَار مُورثهم مقضيا عَلَيْهِ، فَهُوَ ادَّعَاهُ أحدهم ملكا مُطلقًا تقبل إِذا لم يقْض عَلَيْهِ فِي الْملك الْمُطلق، فَلَو ادَّعَاهُ ذُو الْيَد ملكا مُطلقًا لَا إِرْثا لَا تصير الْوَرَثَة مقضيا عَلَيْهِم فَلهم أَخذه بِدَعْوَى الارث، لَكِن لَيْسَ لذِي الْيَد حِصَّة فِيهِ إِذا قضى عَلَيْهِ. (الْخَامِس) : إِذا كَانَ الْوَرَثَة كبارًا غيبا وصغارا نصب القَاضِي وَكيلا عَن الصَّغِير لسَمَاع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت، وَالْقَضَاء على هَذَا الْوَكِيل قَضَاء على جَمِيع الْوَرَثَة. (السَّادِس) : إِذا أثبت الْمُدَّعِي دينه على بعض الْوَرَثَة وَفِي يَده حِصَّته فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي جَمِيع دينه مِمَّا فِي يَد الْحَاضِر ثمَّ يرجع الْحَاضِر على الْغَائِب بِحِصَّتِهِ. (السَّابِع) : يحلف الْوَارِث على الدّين إِذا أنكر: أَي على الْعلم وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة. (الثَّامِن) : يَصح الاثبات على الْوَارِث وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة. مطلب: وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم إِلَّا إِذا وَكله السُّلْطَان فِي أَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ لَا بِالْجمعِ وَالْحِفْظ (التَّاسِع) : لَو لم يكن للْمَيت وَارِث فجَاء مُدع للدّين على الْمَيِّت نصب القَاضِي وَكيلا للدعوى كَمَا فِي أدب القَاضِي للخصاف، وَظَاهره أَن وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم اهـ بِزِيَادَة. أَقُول: قَالَ سَيِّدي فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا وَكله السُّلْطَان بجمعه وَحفظه، أما إِذا وَكله بِأَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ أَيْضا تسمع دَعْوَاهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيملك فِي ذَلِك مَا يملكهُ السُّلْطَان لانه فوض إِلَيْهِ مَا يملكهُ، وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع. وَيتَفَرَّع من ذَلِك أَن الْمزَارِع لَا يصلح خصما لمن يَدعِي الْملك فِي الارض وَكَذَلِكَ المقاطع الْمُسَمّى بلغتهم تيماريا. تَأمل هَذَا. وَسُئِلَ شَيخنَا ابْن الحانوتي عَن هَذِه الْمَسْأَلَة، فَأجَاب بِمَا ذكره الشَّيْخ زين هُنَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَالْحَقُّ إلَخْ) لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا فِيمَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي فتح الْقَدِير بِالْفرقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيع التَّرِكَة، بِخِلَاف مدعي الْعين اهـ قَوْلُهُ (وَالْعَيْنِ) حَيْثُ لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي فِي دَعْوَى الْعَيْنِ إلَّا إِذا كَانَت فِي يَده. وَأما فِي دَعْوَى الدّين عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ينْتَصب خصما عَنْهُم وَإِن لم يكن فِي يَده غير تَرِكَة، لَان حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْعين الْمُدعى بهَا كَمَا تقدم آنِفا، وَقد علمت أَن ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْوَارِث مدعى عَلَيْهِ. وَأما إِذا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي إِرْث الْعين على ذِي الْيَد فَإِن أثبت كَانَ الْقَضَاء بالارث لَهُ ولبقية الْوَرَثَة إِذا ادَّعَاهُ إِرْثا لَهُ وَلَهُم، وَإِن لم يثبت وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِأَن مورثك بَاعهَا مني مثلا وَأثبت الشِّرَاء تنْدَفع دَعْوَى الارث فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب، كَمَا أَفَادَهُ الطَّحَاوِيّ عَن أبي السُّعُود. قَوْله: (فِيمَا ذكر) من أَخذ الْحَاضِر حِصَّته وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد، وَقيل يوضع عِنْد عدل إِلَى حُضُور صَاحبه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 مطلب: هَل ينْزع الْمَنْقُول من يَد ذِي الْيَد؟ وَفِي الْحَمَوِيّ: وَلَو كَانَت الدَّعْوَى فِي مَنْقُول: قيل يُؤْخَذ مِنْهُ اتِّفَاقًا لاحتياج الْمَنْقُول إِلَى الْحِفْظ والنزع من يَده أبلغ فِي الْحِفْظ كي لَا يتلفه، أما الْعقار فمحفوظ بِنَفسِهِ، وَقيل الْمَنْقُول على الْخلاف، وَقَول الامام فِي الْمَنْقُول أظهر لِحَاجَتِهِ إِلَى الْحِفْظ، وَالتّرْك فِي يَده أبلغ فِيهِ، لَان المَال بيد الضمين أَشد حفظا وبالانكار صَار ضَامِنا، وَلَو وضع عِنْد عدل كَانَ أَمينا. كَذَا فِي الْكَافِي وَالْفَتْح وَغَيرهمَا. وَبحث الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن النزع من يَد الخائن أبلغ فِي الْحِفْظ بِاحْتِمَال هروبه أَو تحيله بِوَجْه مَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ. قَوْله: (وَمثله فِي الْبَحْر) فَإِنَّهُ حُكيَ مُقَابل الِاتِّفَاق بقيل ط. قَوْله: (أَنه لَا يُؤْخَذ) أَي الْمَنْقُول لَو مقرا: أَي كالعقار، وَهَذِه الْعبارَة توهم أَن الْعقار لم يجمعوا على عدم أَخذه لَو مقرا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الحكم فيهمَا وَاحِد كَمَا علم بِمَا سبق. مطلب: أوصى بِثلث مَاله جَازَ قَوْله: (أوصى لَهُ بِثلث مَاله) وَكَذَا لَو قَالَ ثُلثي لفُلَان أَو سدسي فَهُوَ وَصِيَّة جَائِزَة، وَقيد بِالْوَصِيَّةِ لانه لَو قَالَ ثلث مَالِي وقف وَلم يزدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة من الْوَصَايَا: إِن كَانَ مَاله دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَقَوله بَاطِل، وَإِن ضيَاعًا صَار وَقفا على الْفُقَرَاء، وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لله تَعَالَى الْوَصِيَّة بَاطِلَة عِنْدهمَا، وَعند مُحَمَّد يصرف إِلَى وُجُوه الْبر، وَلَو صرح بِهِ إِلَى سراج الْمَسْجِد يجوز، وَلَو قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ للغزو، فَإِن أَعْطوهُ حَاجا مُنْقَطِعًا جَازَ. بَحر. قَوْله: (يَقع ذَلِك على كل شئ) وَهل تدخل الدُّيُون فِي الْوَصِيَّة؟ فِي الْخَانِية لَا، وَكَلَام الشَّارِح فِي الْوَصَايَا يُفِيد دُخُوله فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لانه يصير مَالا بِالِاسْتِيفَاءِ فتناولته الْوَصِيَّة خُصُوصا. قَالُوا: إِنَّهَا أُخْت الْمِيرَاث وَهُوَ يجْرِي فيهمَا، وَكَذَا كَلَام الْوَهْبَانِيَّة يُشِير إِلَى الْخلاف. وَرجح الدُّخُول حَيْثُ قَالَ: وَفِي ثلث مَالِي يدْخل الدّين أَجْدَر. قَالَ ابْن الشّحْنَة فِي شَرحه الْمَسْأَلَة فِي الْقنية رامزا للبرهان صَاحب الْمُحِيط وَقَالَ: لَو أوصى بِثلث مَاله لَا يدْخل الدّين ثمَّ رمز للاصل وَقَالَ يدْخل. قَالَ المُصَنّف: وَفِي حفظي من فَتَاوَى قاضيخان رِوَايَة دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة بِثلث المَال، وَالْمرَاد بِدُخُولِهَا أَن يدْخل ثلثهَا فِي الْوَصِيَّة وَلَا يسْقط فَيجْعَل كَأَنَّهَا لم تكن اهـ. مطلب: هَل يدْخل تَحت الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَا على النَّاس من الدُّيُون؟ قَولَانِ: وَفِي وَصَايَا الْكَنْز: أوصى لَهُ بِأَلف وَله عين وَدين: فَإِن خرج لالف من ثلث الْعين دفع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فثلث الْعين، وَكلما خرج شئ من الدّين لَهُ ثلثه حَتَّى يَسْتَوْفِي الالف، وَهَذِه غير مَسْأَلَتنَا. وَمَا نَقله عَن حفظ ابْن وهبان يُخَالِفهُ مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية من عدم دُخُول الدّين. وَرَأَيْت فِي وَصَايَا الظَّهِيرِيَّة: إِذا كَانَ مائَة دِرْهَم عين وَمِائَة دِرْهَم على أَجْنَبِي دين فأوصى لرجل بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَأْخُذ ثلث الْعين دون الدّين، أَلا ترى إِن حلف أَن لَا مَال لَهُ وَله دُيُون على النَّاس لم يَحْنَث، ثمَّ مَا خرج من الدّين أَخذ مِنْهُ ثلثه حَتَّى يخرج الدّين كُله لانه لما تعين الْخَارِج مَالا الْتحق بِمَا كَانَ عينا فِي الِابْتِدَاء. وَلَا يُقَال: لما لم يثبت حَقه فِي الدّين قبل أَن يتَعَيَّن كَيفَ يثبت حَقه فِيهِ إِذا تعين؟ لانا نقُول: مثل هَذَا غير مُمْتَنع، أَلا ترى أَن الْمُوصى لَهُ بِثلث المَال لَا يثبت حَقه فِي الْقصاص، وَمَتى انْقَلب مَالا يثبت حَقه فِيهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 مطلب: فِي التَّوْفِيق بَين الْقَوْلَيْنِ فِي دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة وَعدم دُخُوله قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُمكن أَن يوفق بَين الْقَوْلَيْنِ بِهَذَا فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. وَيَنْبَغِي التَّأَمُّل عِنْد الْفَتْوَى، لَان كَلَام كل مُتَكَلم يبْنى على عرفه، فَإِذا كَانَ الْعرف أَن المَال يَقع على مَا سوى الْعقار أَو الدّين أَو يعم الْكل فيفتى بِهِ. قَوْله: (لانها أُخْت بِالْمِيرَاثِ) أَي وَالْمِيرَاث يجْرِي فِي كل شئ: أَي فِي الدّين وَالْعين. مطلب: من قَالَ جَمِيع مَا أملكهُ صَدَقَة قَوْله: (مَالِي أَو مَا أملكهُ صَدَقَة الخ) أما لَو قَالَ لله عَليّ أَن أهدي جَمِيع مَالِي أَو ملكي فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ جَمِيع مَا يملكهُ وَقت الْحلف بالاجماع فَيجب أَن يهدي ذَلِك كُله إِلَّا قدر قوته، فَإِذا اسْتَفَادَ شَيْئا تصدق بِمثلِهِ، وَفِي مَسْأَلَة المُصَنّف يدْخل الْمَوْجُود وَقت القَوْل فِي الْمُنجز. أما لَو كَانَ مُعَلّقا بِالشّرطِ نَحْو قَوْله مَالِي صَدَقَة للْمَسَاكِين إِن فعل كَذَا دخل المَال الْقَائِم عِنْد الْيَمين والحادث بعده. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: ظَاهره أَنه بِدُونِ التَّنْجِيز لَا يَشْمَل الْحَادِث بعد الْيَمين، وَهَذَا بِخِلَاف الْوَصِيَّة. مطلب: أوصى بثلثهى لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمم اسْتَفَادَ تصح الْوَصِيَّة لما فِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمَّ اسْتَفَادَ مَالا وَمَات كَانَ للْمُوصى لَهُ ثلث مَا ترك، ثمَّ قَالَ بعده وَلَو قَالَ عَبِيدِي لفُلَان أَو براذيني لفُلَان وَلم يضف إِلَى شئ وَلم ينسبهم يدْخل فِيهِ مَا كَانَ لَهُ فِي الْحَال وَمَا يَسْتَفِيد قبل الْمَوْت اهـ. لَكِن قد يُقَال: الْوَصِيَّة فِي معنى الْمُعَلق. وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود: وَقَوله والحادث بعده ظَاهره وَلَو بعد وجود الشَّرْط، لَكِن ذكر الابياري مَا نَصه: لَو علقه بِشَرْط دخل المَال الْمَوْجُود عِنْد الْيَمين والحادث بعده إِلَى وجود الشَّرْط اهـ. فَظَاهر قَول المُصَنّف مَالِي أَو مَا أملكهُ الخ دُخُول الدّين أَيْضا، وَفِيه مَا قدمْنَاهُ آنِفا من الْخلاف والتوفيق. قَوْله: (فَهُوَ على جنس مَال الزَّكَاة) أَي أَي جنس كَانَت بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا، وَلَا يتَصَدَّق بِغَيْر ذَلِك من الاموال لانها لَيست بأموال الزَّكَاة. وَقَالَ زفر: يلْزمه التَّصَدُّق بِالْكُلِّ لَان اسْم المَال يتَنَاوَل الْكل. وَلنَا أَنه يعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: * (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة) * (التَّوْبَة: 301) وَهُوَ خَاص بالنقدين وعروض التِّجَارَة والسوائم وَالْغلَّة وَالثَّمَرَة العشرية والارض العشرية، لَان الْمُعْتَبر جنس مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة مَعَ قطع النّظر عَن قدرهَا وَشَرطهَا، فَإِن قضى دينه لزمَه أَن يتَصَدَّق بعده بِقَدرِهِ. عَيْني وَغَيره. قَالَ ط: وَلَا تدخل الارض العشرية عِنْد الطَّرفَيْنِ وَلَا الخراجية اتِّفَاقًا اهـ. وَخرج رَقِيق الْخدمَة ودور السُّكْنَى وأثاث الْمنَازل وَمَا كَانَ من الْحَوَائِج الاصلية. مطلب: مَالِي أَو مَا أملك سَوَاء فِي الصَّحِيح قَالَ فِي الْبَحْر: وتسوية المُصَنّف بَين قَوْله مَالِي وَبَين قَوْله مَا أملك هُوَ الصَّحِيح لانهما يستعملان اسْتِعْمَالا وَاحِدًا فَكَانَ فيهمَا الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان خلافًا للْبَعْض، وَاخْتَارَهُ فِي الْمجمع وَالْهِدَايَة. وَذكر القَاضِي الاسبيجابي أَن الْفرق بَين المَال وَالْملك إِنَّمَا هُوَ قَول أَبُو يُوسُف، وَأَبُو حنيفَة لم يفرق بَينهمَا، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ فِي مُخْتَصره اهـ. قَوْله: (أمسك مِنْهُ قدر مَوته) لم يبين فِي الْمَبْسُوط قدر مَا يمسك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 لَان ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْعِيَال وَبِاعْتِبَار مَا يَتَجَدَّد لَهُ من التَّحْصِيل، فَيمسك أهل كل صَنْعَة قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ. قَالَ ط: الْمُتَأَخّرُونَ قدرُوا هَذَا الْقدر، فَقَالُوا فِي المحترف يمسك لنَفسِهِ وَعِيَاله قوت يَوْمه، وَصَاحب الْغلَّة وَهُوَ آجر الدَّار وَنَحْوهَا يمسك قوت شهر، وَصَاحب الضَّيْعَة يمسك قوت سنة، وَصَاحب التِّجَارَة يمسك قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ اهـ. قَوْلُهُ: (تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ. مطلب: لَو قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فَالْحِيلَةُ فِي الْفِعْل وَعدم الْحِنْث الخ قَوْلُهُ: (فَحِيلَتُهُ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَث. قَوْله: (أَن يَبِيع ملكه) أَي مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. قَوْله: (فَلَا يلْزمه شئ) يعلم مِنْهُ كَمَا قَالَ الْمَقْدِسِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحلف اهـ. وَوجه الْمَسْأَلَة أَنه حِين الْحِنْث لَا مَال لَهُ. أَقُولُ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ مدنِي. أَقُول: الَّذِي يظْهر لي أَنه يدْخل فِي ملكه لكنه غير لَازم وَإِلَّا لزم أَن يخرج البدلان من ملكه، وَلَا قَائِل بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْحِيَلِ آخِرَ الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ يَتَصَالَحُ على تِلْكَ الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُود الدّين وَلَا يَحْنَث اهـ. قَوْله: (لزمَه بِقدر مَا يملك) وَلَا يلْزمه شئ بعد لانه بِمَنْزِلَة النّذر بِمَا لَا يملك، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد. قَوْله: (وَلَو لم يكن لَهُ شئ لَا يجب شئ) الظَّاهِر أَن التَّعْلِيق لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو نجز النّذر فَقَالَ عَليّ أَن أَتصدق بِأَلف دِرْهَم كَانَ الحكم كَذَلِك، فَإِن كَانَ يملك دونهَا يلْزمه التَّصَدُّق، وَإِن لم يكن عِنْده شئ لَا يلْزمه فراجع. رَحْمَتي. قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَمن نذر نذرا مُطلقًا فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: من نذر وسمى فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِمَا يُسَمِّي وَإِن علق النّذر بِشَرْط فَوجدَ الشَّرْط فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِنَفس النّذر لاطلاق الحَدِيث، ولان الْمُعَلق بِالشّرطِ كالمنجز عِنْده. وَعَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ: إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي حجَّة أَو صَوْم سنة أَو صَدَقَة مَا أملكهُ أَجزَأَهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة يَمِين، وَهُوَ قَول مُحَمَّد، وَيخرج عَن الْعهْدَة بِالْوَفَاءِ بِمَا سمى أَيْضا، وَهَذَا إِذا كَانَ شرطا لَا يُرِيد كَونه لَان فِيهِ معنى الْيَمين وَهُوَ الْمَنْع، وَهُوَ باظهره نذر فَيتَخَيَّر ويميل إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شرطا يُرِيد كَونه كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي لِانْعِدَامِ معنى الْيَمين فِيهِ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الصَّحِيح اهـ. وَعَلِيهِ مَشى فِي متن مجمع الْبَحْرين والدرر وَالْغرر، وَأفْتى بِهِ إِسْمَاعِيل الزَّاهِد ومشايخ بَلخ وَبَعض مَشَايِخ بُخَارى، وَاخْتَارَهُ شمس الائمة وَالْقَاضِي الْمروزِي. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ فِي الْفَيْض: والمفتى بِهِ مَا روينَاهُ عَن أبي حنيفَة من رُجُوعه، وَقد أوضح الْمَسْأَلَة الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي رِسَالَة سَمَّاهَا (تحفة التَّحْرِير وإسعاف النَّاذِر الْغَنِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 وَالْفَقِير بالتخيير على الصَّحِيح والتحرير) فَلْيُرَاجِعهَا من رام ذَلِك. قَوْله: (وَصَحَّ الايصاء) أَي من شخص لشخص على صغيره أَو وَصيته (1) . مطلب: لَا يشْتَرط علم الْوَصِيّ بالايصاء بِخِلَاف الْوَكِيل قَوْله: (فصح تصرفه) أَي من غير علم بالايصاء، وَإِذا تصرف يعد قَابلا لَهُ فَلَا يتَمَكَّن من إِخْرَاج نَفسه مِنْهُ، وَإِلَّا فَلهُ إِخْرَاج نَفسه إِذا علم لعدم الْقبُول، لانه لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَظَاهِرُ مَا هُنَا تَبَعًا لِلْكَنْزِ، أَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ من 23: غازيا مَاتَ وَبَاعَ وَصِيُّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يملك عزل نَفسه اهـ. فَكَانَ على الشَّارِح أَن يَقُول إِن تصرف قَبْلَهُ بَدَلُ قَوْلِهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فَتَنَبَّهْ. قَوْلُهُ: (لَا يَصح التَّوْكِيل بِلَا علم وَكيل) فَلَو بَاعَ الْوَكِيل قبل الْعلم لم يجز. بَحر: أَي لم يلْزم فَيكون بيع الْفُضُولِيّ فَيتَوَقَّف على إِجَازَته بعد الْعلم أَو على إجَازَة الْمُوكل كَمَا فِي منحة الْخَالِق لسيدي الْوَالِد. وَفِي الْبَزَّازِيَّة عَن الثَّانِي خِلَافه. مطلب: علم المُشْتَرِي بِالْوكَالَةِ دون الْوَكِيل يَصح وَفِي الْبَحْرِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِع الْوَكِيلُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بعبدي إِلَى زيد فَقل لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْكَ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ يجوز، وَمثله الاذن للْعَبد وَالصَّبِيّ بِالتِّجَارَة فَلَا يثبت إِلَّا بعد الْعلم والامر بِالْيَدِ حَتَّى لَو جعل أمرهَا بِيَدِهَا لَا يصير الامر بِيَدِهَا مَا لم تعلم، فَلَو طلقت نَفسهَا قبل الْعلم لم يَقع. خَانِية. وَفِي شرح الْمجمع لِابْنِ مَالك: إِذا قَالَ الْمولى لاهل السُّوق بَايعُوا عَبدِي فلَانا يصير مَأْذُونا قبل الْعلم، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَذِنت لعبدي فلَان وَلم يشْهد بَين النَّاس فَعلم العَبْد بِهِ شَرط كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (خلَافَة) فَلَا تتَوَقَّف على الْعلم كتصرف الْوَارِث ملكا وَولَايَة، حَتَّى لَو بَاعَ الْجد مَال ابْن ابْنه بعد موت الابْن من غير علم بِمَوْتِهِ جَازَ. لَكِن قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي الْهِدَايَة هُنَا أَن الْوَصِيَّة خلَافَة كالوراثة وَهُوَ مُشكل، فَإِن الْمُصَرّح بِهِ إِن ملك الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بطرِيق الْخلَافَة كملك الْوَارِث. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: إِن الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخليفة عَن الْمَيِّت، وَلِهَذَا لَا يَصح إِثْبَات دين الْمَيِّت عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصح على وَارِث أَو وَصِيّ، وَلَو أوصى لَهُ بِعَبْد اشْتَرَاهُ فَوجدَ بِهِ الْمُوصى لَهُ عَيْبا فَإِنَّهُ لَا يردهُ، بِخِلَاف الْوَارِث، وَيصير الْوَارِث مغرورا لَو اسْتحقَّت الْجَارِيَة بعد الْولادَة كالمورث، بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ اهـ. وَلم أر أحدا من الشَّارِحين بَينه، وَقد ظهر لي أَن صَاحب الْهِدَايَة أَرَادَ بالخلافة أَن ملك كل مِنْهُمَا يكون بعد الْمَوْت لَا بِمَعْنى أَنه قَائِم مقَامه. وَمِمَّا يدل على عدم الْخلَافَة مَا فِي التَّلْخِيص بعد بَيَان أَن ملكه لَيْسَ خلَافَة أَنه يَصح شِرَاء مَا بَاعَ الْمَيِّت بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن، بِخِلَاف الْوَارِث، وَقدمنَا تَعْرِيف المَال أول كتاب الْبيُوع اهـ.   (1) قَوْله: (أَو وَصيته) هَكَذَا بالاصل، وَالَّذِي فِي ط أَو تركته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 أَقُول: وَقد سبق صَاحب الْبَحْر إِلَى ذَلِك صَاحب الْكِفَايَة حَيْثُ قَالَ: قَوْله لانها خلَافَة كهي: أَي كالوراثة من حَيْثُ إنَّهُمَا يثبتان الْملك بعد الْمَوْت اهـ. وَفِي الْبَحْر أَيْضا: ثمَّ اعْلَم أَن صَاحب الْهِدَايَة ذكر هُنَا أَن الْوِصَايَة خلَافَة لَا نِيَابَة كالوراثة، وَقَالَ قبله: إِن الْوَصِيَّة خلَافَة كهي، وَقدمنَا مَا فِي الثَّانِي. وَأما الاول فَالْمُرَاد بِهِ أَنه خَليفَة الْمَيِّت فِي التَّصَرُّف كالوارث لَا فِي الْملك، بِخِلَاف الْخلَافَة فِي الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا فِي الْملك لَا فِي التَّصَرُّف. وَمِمَّا يدل على أَن الْوَصِيّ خَليفَة الْمَيِّت مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: لَو مَاتَ عَن وَصِيّ وَابْن صَغِير وَدين فَقَبضهُ الْوَصِيّ بعد بُلُوغ الصَّغِير جَازَ إِلَّا إِذا نَهَاهُ. ثمَّ اعْلَم أَنهم فرقوا بَين الْوَارِث وَالْوَصِيّ فِي مَسْأَلَة: لَو أوصى بِعِتْق عبد ملك الْوَارِث إِعْتَاقه تنجيزا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا التَّنْجِيز وَهِي فِي التَّلْخِيص اهـ. قَوْله: (وَالْوَكِيل نِيَابَة) أَي عَن الْمُوكل، فالموكل أثبت لَهُ ولَايَة التَّصَرُّف فِي ملكه، لَا يطريق الْخلَافَة لبَقَاء ولَايَة الْمُوكل فَلَا بُد من الْعلم، فَلَو أودع ألفا عِنْد رجل ثمَّ قَالَ الْمَالِك أمرت فلَانا بقبضها مِنْهُ وَلم يعلم فلَان بِكَوْنِهِ مَأْمُورا بِالْقَبْضِ فَقَبضهُ وَتلف عِنْده فالمالك بِالْخِيَارِ فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ، وَلَو علم الْمُودع فَقَط فَدفع للْمَأْمُور الْمَذْكُور فَتلف عِنْده لَا شمان على أحد، لَان الْمُسْتَوْدع دفع بالاذن، وَلَو لم يعل أَحدهمَا فَقَالَ الْمَأْمُور ادْفَعْ لي وَدِيعَة فلَان لادفعها إِلَى صَاحبهَا أَو ادفعها إِلَيّ تكون عِنْدِي لصَاحِبهَا فَدفع فَضَاعَت فللمالك تضمين أَيهمَا شَاءَ عِنْدهمَا. بَحر عَن الْخَانِية. مطلب: الْوِصَايَة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان ثمَّ اعْلَم أَن الْوَصِيَّة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان، فيفترقان فِي مَسْأَلَة الْكتاب وَفِي أَن الْوِصَايَة من الْمَيِّت لَا تقبل التَّخْصِيص، بِخِلَاف وَصِيّ القَاضِي فَإِنَّهُ يتخصص، وَالْوكَالَة تقبل التَّخْصِيص، وَفِي أَنه يشْتَرط فِي الْوَصِيّ أَن يكون مُسلما حرا بَالغا عَاقِلا، بِخِلَاف الْوَكِيل إِلَّا الْعقل، وَفِي أَن الْوَصِيّ إِذا مَاتَ قبل تَمام الْمصلحَة نصب القَاضِي غَيره، وَلَو مَاتَ وَكيل الْغَائِب لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن الْمَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل الْوَصِيّ بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل عَن الْحَيّ، وَفِي أَن الْوَارِث يملك إِعْتَاق الْمُوصى بِعِتْقِهِ تنجزيا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا الاول. قَالَ فِي الْحَوَاشِي الحموية على الاشباه من بحث مَا افترق فِيهِ الْوَكِيل وَالْوَصِيّ: إِن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه لَا الْوَصِيّ بعد الْقبُول، وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي الْوكَالَة وَيشْتَرط فِي الْوِصَايَة، ويتقيد الْوَكِيل بِمَا قَيده الْمُوكل وَلَا يتَقَيَّد الْوَصِيّ، وَلَا يسْتَحق الْوَكِيل أُجْرَة عمله بِخِلَاف الْوَصِيّ، وَلَا تصح الْوكَالَة بعد الْمَوْت والوصاية تصح، وَتَصِح الْوِصَايَة وَإِن لم يعلم بهَا الْوَصِيّ، بِخِلَاف الْوكَالَة، وَيشْتَرط فِي الْوَصِيّ: الاسلام وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ وَالْعقل، وَلَا يشْتَرط فِي الْوَكِيل إِلَّا الْعقل. وَإِذا مَاتَ الْوَصِيّ قبل تَمام الْمَقْصُود نصب القَاضِي غَيره، بِخِلَاف موت الْوَكِيل لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن مَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل وَصِيّ الْمَيِّت بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادّعى المُشْتَرِي أَنه معيب وَلَا بَيِّنَة فَإِنَّهُ يحلف على الثَّبَات، بِخِلَاف الْوَكِيل فَإِنَّهُ يحلف على نفي الْعلم. وَهِي فِي الْقنية: وَلَو أوصى لفقراء أهل بَلخ فالافضل للْوَصِيّ أَن لَا يُجَاوز أهل بَلخ، فَإِن أعْطى لاهل كورة أُخْرَى جَازَ على الاصح. وَلَو أوصى بالتصدق على فُقَرَاء الْحَاج يجوز أَن يتَصَدَّق على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 غَيرهم من الْفُقَرَاء، وَلَو خص فَقَالَ فُقَرَاء هَذِه السِّكَّة لم يجز، كَذَا فِي وَصَايَا خزانَة الاكمل. مطلب: الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على جنس فَتصدق على غَيره لَو فعل ذَلِك بِنَفسِهِ جَازَ. وَلَو أَمر غَيره بالتصدق فَفعل الْمَأْمُور ذَلِك ضمن اهـ. فَهَذَا مِمَّا خَالف فِيهِ الْوَصِيّ الْوَكِيل. وَلَو اسْتَأْجر الْمُوصي الْوَصِيّ لتنفيذ الْوَصِيَّة كَانَت وَصِيَّة لَهُ بِشَرْط الْعَمَل، وَهِي فِي الْخَانِية: وَلَو اسْتَأْجر الْمُوكل الْوَكِيل فَإِن كَانَ على عمل مَعْلُوم صحت، وَإِلَّا لَا اهـ. فَهِيَ خمس عشرَة مَسْأَلَة، فلتحفظ. مطلب: وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ القَاضِي ثمَّ اعْلَم أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَن القَاضِي. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أر نقلا فِي حكم وصايته قبل الْعلم. مطلب: النَّاظر وَكيل لَا وَصِيّ وَكَذَا فِي حكم تَوْلِيَة النَّاظر من الْوَاقِف، وَيَنْبَغِي أَن يكون على الْخلاف، فَمن جعل النَّاظر وَصِيّا قَالَ ثَبت قبل الْعلم، وَمن جعله وَكيلا قَالَ لَا، وصححوا أَنه وَكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله بِلَا شَرط اهـ. مطلب: تَقْرِير فِي النّظر بِلَا علمه قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا لابي السُّعُود: وَمُقْتَضَاهُ أَن تَقْرِيره فِي النّظر بِلَا علمه لَا يَصح. مطلب: النَّاظر لَهُ شبه بالوصي وَشبه بالوكيل ثمَّ رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ شرف الدّين الْغَزِّي محشي الاشباه أَنهم لَا يجعلونه وَصِيّا من كل وَجه وَلَا وَكيلا كَذَلِك، بل لَهُ شبه بالوصي حَتَّى صَحَّ تفويضه فِي مرض موت، وَشبه بالوكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله من غير شَرط على قَول أبي يُوسُف. وَأما على قَول مُحَمَّد فَهُوَ وَكيل عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِم كَمَا ذكره فِي الاشباه. قلت: وَقَول مُحَمَّد مُشكل، إِذْ مُقْتَضى كَونه وَكيلا عَنْهُم أَن لَهُم عَزله، مَعَ أَن الظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا يَصح، بل لَو عَزله القَاضِي لم يَصح إِذا كَانَ مَنْصُوب الْوَاقِف إِلَّا بخيانة اهـ. مطلب: النَّاظر وَكيل فِي حَيَاة الْوَاقِف وَصِيّ فِي مَوته قلت: إِنَّه وَكيل مَا دَامَ الْوَاقِف حَيا وَصِيّ بعد وَفَاته، وَالظَّاهِر أَن مُرَاد مُحَمَّد أَنه نَظِير الْوَكِيل فِي سَعْيه لَهُم، لَا وَكيل حَقِيقَة، إِذْ لَيست ولَايَته مِنْهُم. تَأمل. مطلب: الْكِتَابَة كالخطاب فَيَقَع بهَا علم الْوَكِيل بِالْوكَالَةِ قَوْله: (فَلَو علم الخ) وَفِي الْهِدَايَة: الْكتاب كالخطاب. قَوْله: (وَلَو من مُمَيّز) . أَقُول: إقحامه لفظ مُمَيّز لَا يظْهر لانه لَا يشْتَرط فِي الْمعلم إِلَّا التَّمْيِيز. قَوْله: (أَو فَاسق (1)) أَي   (1) قَوْله: (اخْتَار السَّرخسِيّ قبُول خبر الْفَاسِق فَتجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ لَان الْمخبر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله، وَالْعَدَالَة لَا تشْتَرط فِي الرَّسُول كَمَا مر وَصَححهُ الزيلعى. ورده فِي الْفَتْح بِأَن عدم اشْتِرَاط الْعَدَالَة إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّسُول الْخَامِس للارسال وَإِلَّا فَيلْزم على قَوْله أَن لَا تشْتَرط الْعَدَالَة فِي رِوَايَة الحَدِيث مقدسي اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَا يَثْبُتُ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْعَزْلِ، لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا إذَا صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. يَعْقُوبِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يثبت عَزله الخ) هَذَا قَوْله، وَقَالا: لَا يشْتَرط فِي الْمخبر بِهَذِهِ إِلَّا التَّمْيِيز لكَونهَا مُعَاملَة، وَله أَن فِيهَا إلزاما من وَجه دون وَجه، فَيشْتَرط أحد شطري الشَّهَادَة، إِمَّا الْعدَد أَو الْعَدَالَة. وَقَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ، وَهُوَ مُقَيّد بِأَن يكون الْمخبر غير الْخصم وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا وَالرَّسُول يعْمل بِخَبَرِهِ، وَإِن كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه كَمَا ذكر الاسبيجابي، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّسُول صَغِيرا، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك، ومقيد أَيْضا بِمَا إِذا بلغه الْعَزْل إِن كَانَ الْعَزْل قصديا، أما إذَا كَانَ حُكْمِيًّا كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وينعزل قبل الْعلم اهـ. قَوْله: (إِن صدقه) أَي الْوَكِيل حَتَّى لَو كذبه لَا يثبت كَمَا قدمْنَاهُ على اليعقوبية. قَوْله: (فِي الاصح) رَاجع للفاسقين، خِلَافًا لِمَا فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْمَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف، لَان تَأْثِير خبر الْفَاسِقين أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ، وبشهادة فاسقين نفذ، فَلَو أخبرهُ بِالْعَزْلِ غَيره من ذكر وَتصرف صَحَّ تصرفه لعدم عَزله كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (كإخبار السَّيِّد بِجِنَايَة عَبده) أَي فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة: أَي الْعدَد أَو الْعَدَالَة عِنْده خلافًا لَهما. قَوْله: (فَلَو بَاعه كَانَ مُخْتَار للْفِدَاء) يَعْنِي إِذا أخبرهُ أحد من ذكر ثمَّ بَاعه كَانَ مُخْتَارًا للْفِدَاء فَلَا يكون مُخْتَارًا لَهُ بِإِخْبَار غير من ذكر فيدفعه البَائِع أَو المُشْتَرِي إِلَى ولي الْجِنَايَة فِيمَا إِذا بَاعه بعد أَن أخبرهُ فَاسق مثلا بِالْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعهُ إِذا لم يعلم بِجِنَايَتِهِ المُشْتَرِي، أما إِذا علم فَيكون مُخْتَارًا للْفِدَاء لقدومه على شِرَائِهِ مَعَ الْعلم بِعَيْبِهِ، وَأما إِذا أعتق العَبْد كَانَ الطّلب بالارش عَلَيْهِ. أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وَالشَّفِيع بِالْبيعِ) وَهُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَإِذا أخبر الشَّرِيك مثلا بِالْبيعِ فَسكت وَلم يطْلب، فَإِن كَانَ الْمخبر عدلا أَو مستورين مثلا سَقَطت شفعته لَا إِن أخبرهُ مَسْتُور فبسكوته لَا يعد مُسلما للشفعة. قَوْله: (وَالْبكْر بِالنِّكَاحِ) هُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَلَا يكون سكُوتهَا رضَا إِلَّا إِذا أخْبرهَا عدل أَو مستوران مثلا، أما إِذا أخْبرهَا مَسْتُور بِنِكَاح وَليهَا فَسَكَتَتْ لَا يكون ذَلِك رضَا مِنْهَا. قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الامام مُحَمَّد نَص على خَمْسَة مِنْهَا، وَلم يذكر مَسْأَلَة الْبكر وَإِنَّمَا قاسها الْمَشَايِخ اهـ. مطلب: الْفَاسِق إِذا أخبر من أسلم وَلم يُهَاجر يلْزمه الْعَمَل بالشرائع فِي الاصح قَوْله: (وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر) أَي الَّذِي أسلم فِي دَار الْحَرْب فَأخْبرهُ أحد من ذكر. قَوْله: (بالشرائع) فَإِنَّهُ إِذا أخبرهُ مَسْتُور لَا يلْزمه الشَّرَائِع عِنْده خلافًا لَهما، وَإِذا أخبرهُ عدل مَسْتُور إِن لَزِمته حَتَّى إِذا ترك الْفَرَائِض يلْزمه قَضَاؤُهَا. مطلب: الْبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ والاصح أَنه يَكْفِي فِيهِ خبر الْفَاسِق كَمَا فِي الْمِفْتَاح. حموي: أَي فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ كَمَا فِي الرَّسُول فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط عَدَالَته، كالبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 تَعَالَى. قَوْله: (وَكَذَا الاخبار بِعَيْب لمريد شِرَاء) فَلَو قَالَ لَهُ رجل عدل أَو مستوران هَذِه الْعين مَعِيبَة وَقدم على شِرَائهَا يكون رَاضِيا بِالْعَيْبِ، لَا إِن أخبرهُ فَاسق. قَوْله: (وَحجر مَأْذُون) فَإِذا أخبر الْمَأْذُون بحجره عدل أَو مستوران حجر، لَا إِذا أخبرهُ فَاسق. قَوْله: (وَفسخ شركَة) أَي من أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يثبت الْفَسْخ عِنْد الآخر إِلَّا بِإِخْبَار عدل أَو مستورين فَيمْنَع عَن التَّصَرُّف فِي مَاله الشّركَة، لَا إِن أخبرهُ فَاسق. قَوْله: (وعزل قَاض) فَهُوَ على الحكم السَّابِق. قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد أَيْضا عزل القَاضِي وَلم أره اهـ. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ ظَاهر لانهم صَرَّحُوا فِي كتاب الْقَضَاء بِأَنَّهُ مُلْحق بالوكيل كَمَا قدمه: أَي صَاحب الْبَحْر فِيهِ اهـ. قَوْله: (ومتولي وقف) أَي وعزل مُتَوَلِّي وقف: أَي على القَوْل بِصِحَّة عَزله بِلَا شَرط، أَو على قَول الْكل إِن كَانَ شَرط الْوَاقِف اهـ. بَحر بحثا. وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى قبل ورقة عِنْد الْكَلَام على وصّى القَاضِي. قَوْله: (أحد شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ) أَيْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ عَدْلٍ صِفَةُ رَجُلٍ، قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي الْمُخْبِرِ. قَوْلُهُ: (سَائِرُ الشُّرُوطِ) أَيْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَة، وَقل من نبه على هَذَا سَيِّدي الْوَالِد. قَوْلُهُ: (فِي الشَّاهِدِ) أَيْ الْمَشْرُوطَةِ فِي الشَّاهِدِ، وَالْمرَاد بِهِ الْمخبر: أَي من الْحُرِّيَّة وَالْبُلُوغ، وَأَن لَا يكون أعمى وَلَا مَحْدُود فِي قذف مَعَ الْعدَد الْعَدَالَة وَالْمعْنَى، وَيشْتَرط فِي الْمخبر مَا اشْترط فِي الشَّاهِد مِمَّا ذكر إِلَّا لفظ أشهد وَحُضُور مجْلِس القَاضِي عِنْده خلافًا لَهما كَمَا سبق. قَوْله: (وَقَيده فِي الْبَحْر) أَي قيد عزل الْوَكِيل بِكَوْن الْمخبر لَا بُد أَن يكون فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة بِالْعَزْلِ القصدي احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ حكميا كموت الْمُوكل وجنونه مطبقا فَإِنَّهُ يثبت وينعزل قبل الْعلم. قَوْله: (وَرُبمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا. بَحْرٌ. وَقَدْ مَرَّ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْمُرْسل) سبق قلم، وَصَوَابه كَمَا فِي الْبَحْر غير الْخصم وَرَسُوله فَلَو أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، حَتَّى إِذا أَخّرهُ سقط طلبه. قَوْله: (فَإِنَّهُ يعْمل بِخَبَرِهِ) أَي الرَّسُول مُطلقًا وَإِن كَانَ فَاسِقًا أَو صَغِيرا أَو كذبه، وَظَاهره أَن ذَلِك يجْرِي فِي مَا ذكر فينعزل بذلك، وَتسقط الشُّفْعَة بِعَدَمِ الطّلب بعده وَيكون سكُوت الْبكر بعده رضَا، وَقس الْبَاقِي مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يَقُول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك كَمَا فِي الْبَحْر. أَقُول: وَعَلِيهِ فَلَا بُد للرسول أَن يَقُول للمرسل إِلَيْهِ إِنِّي رَسُول إِلَيْك بِكَذَا. تَنْبِيه: يثبت الْعَزْل بِكِتَاب الْمُوكل إِذا بلغه وَعلم مَا فِيهِ كَمَا فِي ط عَن سري الدّين، وسيذكره الشَّارِح أَوَاخِر بَاب عزل الْوَكِيل. قَوْله: (كَمَا سيجئ فِي بَابه) أَي بَاب عزل الْوَكِيل حَيْثُ قَالَ: وَيثبت بمشافهته وبإرساله رَسُولا أَو غَيره اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه إِذا قَالَ أَرْسلنِي إِلَيْك لابلغك عَزله إياك الخ. قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَطْ وَلم يزدْ. قَوْله: (على الصَّحِيح والولجية) اعْلَمْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا العَبْد، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 أما إِذا قَالَ بيع هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الاسلام خُوَاهَر زَادَةْ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ التَّلْخِيص للفارسي. أَقُول: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي الفتاوي الْوَلوالجِيَّة. منح. قَوْله: (عبدا لدين الْغُرَمَاء) أَي أَرْبَاب الدُّيُون، وَلم يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَإِذَا لَمْ يكن فِي التَّرِكَة دين: أَي نقود كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ البيع كَمَا فِي الْبَحْر قَوْله: (أَو ضَاعَ) أَي هلك العَبْد من يَد القَاضِي أَو أَمِينه قبل التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي كَمَا فِي الْمنح. فالانسب زِيَادَة أَو أَمِينه. قَوْله: (كالامام) وَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل نَائِب الامام كالامام، لَان القَاضِي إِنَّمَا قبل قَوْله بِلَا يَمِين لكَونه نَائِبا عَن الامام وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان على القَاضِي، فعلى هَذَا يقبل قَول أَمِين بَيت المَال بِلَا يَمِين، وَإِنَّمَا لم يضمن من ذكر لانه يُؤَدِّي إِلَى تباعدهم عَن قبُول هَذِه الامانة فتتعطل مصَالح النَّاس عَيْني. قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن أَمِينه لَو قَالَ بِعْت وقبضت الثّمن وقضيت الْغَرِيم صدق بِلَا يَمِين وعهدة إِلْحَاقًا بِالْقَاضِي، وَأما الْعَيْب إِذا كَانَ ظَاهرا يرد الْمَبِيع بِهِ بِنَظَر القَاضِي أَو أَمِينه، وَإِذا وَجب يَمِين على مخدرة وَجه لَهَا القَاضِي ثَلَاثَة من الْعُدُول يستحلها وَاحِد وآخران يَشْهَدَانِ على يَمِينهَا أَو نكولها، فعلى هَذَا المستحلف لَيْسَ بأمينه وَإِلَّا قبل قَوْله فِي الْيَمين والنكول وَحده. ثمَّ أعلم أَن القَاضِي وأمينه لَا تَرْجِعُ حُقُوقُ عَقْدٍ بَاشَرَاهُ لِلْيَتِيمِ إلَيْهِمَا، بِخِلَاف الْوَكِيل والاب وَالْوَصِيّ، فَلَوْ ضَمِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ ثَمَنَ مَا بَاعه للْيَتِيم بعد بُلُوغه صَحَّ بخلافهم، وَقيد بِعَدَمِ ضَمَان القَاضِي عِنْد الِاسْتِحْقَاق، لانه لَو أَخطَأ فِي قَضَائِهِ ضمن، كَمَا إِذا رجم مُحصنا بأَرْبعَة شُهُود وَظهر أحدهم عبدا أَو محدودا فِي قذف فديته على القَاضِي وَيرجع بهَا فِي بَيت المَال بالاجماع. مطلب: لَو أَخطَأ القَاضِي يضمن والاصل فِي جنس هَذِه الْمسَائِل أَن القَاضِي مَتى ظهر خَطؤُهُ فِيمَا قضى بِيَقِين فَإِنَّهُ يضمن مَا قضى بِهِ وَيرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ كَالْمُودعِ وَالْوَكِيل، وَإِن كَانَ الْخَطَأ فِي المَال: فَإِن كَانَ قَائِما بيد الْمقْضِي لَهُ أَخذه القَاضِي ورده على الْمقْضِي عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُسْتَهْلكا ضمن قِيمَته وَرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي قطع أَو رجم ضمن وَرجع بِمَا ضمن فِي بَيت المَال اهـ. وَتَمَامه فِيهِ. مطلب: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي أَقُول: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي فِي غير الْجور: إِن كَانَ فِي مَال لَا فِي حد فخطؤه فِي مَال الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي حد: فَإِن ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو فخطؤه فِي بَيت المَال، وَإِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شئ من ذَلِك كالجلد فَهدر، كَذَا عِنْد الصاحبين. وَعند الامام رَحِمهم الله تَعَالَى: يكون هدرا فِي الْحُدُود ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو أَو لَا، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخَانِية من الْحُدُود وَالسير، وَهَذَا إِذا لم يتَعَمَّد الْجور، وَإِن تعمد الْجور كَانَ ذَلِك فِي مَال القَاضِي، سَوَاء كَانَ فِي مَال أَو حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عضر، وتعمده الْجور يظْهر فِيمَا إِذا أقرّ هُوَ بذلك، وخطؤه بِلَا جوز يظْهر بِإِقْرَار المقضى لَهُ فِي الاموال كَأَن بَان أَن الشُّهُود عبيد مثلا بِإِقْرَار الْمقْضِي لَهُ أَو تقوم الْبَيِّنَة على ذَلِك، هَذَا خُلَاصَة مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 تحرر من النُّصُوص الْمُعْتَمدَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كشرح السّير الْكَبِير للسرخسي والهندية وَالْخَانِيَّة من الْحُدُود وَالسير والاشباه من الْقَضَاء وحواشي الطَّحَاوِيّ وسيدي الْوَالِد وَأبي السُّعُود. فَالْحَاصِل: أَن خطأ القَاضِي، تَارَة يكون فِي بَيت المَال وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو، وَتارَة يكون فِي مَال المقضى لَهُ وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي قَضَائِهِ فِي الاموال، وَتارَة يكون هدرا وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد وَلم يَتَرَتَّب على ذَلِك تلف نَفسه أَو عُضْو كَحَد شرب مثلا، وَتارَة يكون فِي مَاله: أَي مَال القَاضِي وَهُوَ إِذا تعمد الْجور. قَوْله: (بِخِلَاف نَائِب النَّاظر) قيد لقَوْله وَلَا يخلف فَإِنَّهُ يحلف: أَي كَمَا يحلف النَّاظر. قَالَ فِي الْمنح: إنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ كَهُوَ وَنَائِبَ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْف أَو تَعْرِيفه على الْمُسْتَحقّين فأنكروا القَوْل لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي اهـ. قَوْله: (وَرجع المُشْتَرِي على الْغُرَمَاء) لَان البيع وَقع لَهُم فَكَانَت الْعهْدَة عَلَيْهِم عِنْد تعذر جعلهَا على الْعَاقِد كَمَا تجْعَل الْعهْدَة على الْمُوكل عِنْد تعذر جعلهَا على الْوَكِيل الْمَحْجُور عَلَيْهِ، كَمَا إِذا كَانَ الْعَاقِد عبدا أَو صَبيا يعقل البيع وَكله رجل يَبِيع مَاله فَإِنَّهُ لَا تتَعَلَّق الْحُقُوق بهما بل بموكلهما، لَان الْتِزَام الْعهْدَة لَا يَصح مِنْهُمَا لقُصُور الاهلية فِي الصَّبِي وَحقّ السَّيِّد فِي العَبْد كَمَا فِي فتح الْقَدِير. قَوْله: (لتعذر الرُّجُوع على الْعَاقِد) أَي لانه عقد لم ترجع عهدته إِلَى عاقده فَتجب على من يَقع لَهُ الْعقل وَالْبيع وَاقع للْغُرَمَاء فَتكون الْعهْدَة عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر. وَفِي فتح الْقَدِير: الاصل أَنه إِذا تعذر تعلق الْحُقُوق بالعاقد تتَعَلَّق بأقرب النَّاس إِلَى الْعَاقِد، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهِ، أَلا ترى أَن القَاضِي لَا يَأْمر بِبيعِهِ حَتَّى يطْلب الْغَرِيم، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهَذَا العقد وَهُوَ الْغَرِيم. قَوْله: (وَلَو بَاعه الْوَصِيّ) لَا فرق بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي. مَدَنِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَو بِلَا أمره) هُوَ مَفْهُوم بالاولى، لانه إِذا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الامر فلَان يرجع عَلَيْهِ عِنْد عَدمه بالاولى ط. قَوْله: (فَاسْتحقَّ العَبْد) أَي من يَد المُشْتَرِي. قَوْله: (وَإِن نَصبه القَاضِي عاقدا) الاولى حذف هَذَا التَّعْلِيل لانه إِنَّمَا يظْهر فِي وَصِيّ القَاضِي، والاقتصار على قَوْله لانه أَي وَصِيّ الْمَيِّت عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، كَمَا إِذا وَكله حَال حَيَاته كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِيَشْمَلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا نَصَّبَهُ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا مقَام القَاضِي. قَوْله: (فترجع) حذف الْفَاء. قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ. قَوْله: (لانه عَامل لَهُم) وَمن عمل لغيره عملا ولحقه بِسَبَبِهِ ضَمَان يرجع بِهِ على من يَقع لَهُ الْعَمَل. قَوْله: (وَلَو ظهر بعده للْمَيت مَال رجل الْغَرِيم فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ. قَوْله: (بديته هُوَ الاصح) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ يُوَضِّحُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِير، فَلَو ظهر للْمَيت مَال يرجع فِيهِ الْغَرِيم بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي؟ فِيهِ خِلَافٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 قيل نعم. وَقَالَ مجد الائمة السرخكتي (1) لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ التَّصْحِيح كَمَا سَمِعت اهـ. وَقَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (2) لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ (3) إنَّمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ لَا لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ، والاول أصح اهـ. وَالْحَاصِل: أَنه فِي الاولى الختلف التَّصْحِيحُ فِي الرُّجُوعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عَدَمُهُ، فَتنبه. وَوجدت فِي نُسْخَة: رَجَعَ الْغَرِيم فِيهِ بِدِينِهِ لَا بِمَا غرم هُوَ الاصح، وَهَذِه لَا غُبَار عَلَيْهَا، قَالَ الْحلَبِي: وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ أَيْضًا وَصُحِّحَ. قَوْلُهُ: (كَانَ الْهَالِك من مَالهم) لانه نَائِب عَنْهُم فِي الْقَبْض. مطلب: للْقَاضِي إِفْرَاز حِصَّة الْمُوصى لَهُ فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون إِذا كَانَ غَائِبا وَقَوله: (لِمَا مَرَّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَانَ الْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمْ وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يضمن لانه عَامل لَهُم، والاولى ذكرهَا عِنْد معلومها، وَإِنَّمَا كَانَ الْهَالِك من مَالهم لما يَأْتِي فِي بَاب الْوَصِيّ من قَوْله: وَصَحَّ قسْمَة القَاضِي وَأخذ قِسْطَ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ فَلَا شئ لَهُ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينه، لكنه قَالَ ثمَّة: وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، لِأَنَّهُ إفْرَازٌ، وَفِي غَيرهَا: لَا يجوز لانه بادلة كَالْبيع ومبادلة مَال الْغَيْر لَا يجوز، فَكَذَا الْقِسْمَة اهـ. فَلْينْظر هَل فرق بَين أَن يكون الْمُوصى لَهُ الْغَائِب معينا أَو مُطلق الْفُقَرَاء أَو يجْرِي الْقَيْد فيهمَا؟ وليحرر. قَوْله: (أَمرك قَاض عَدْلٌ) أَيْ وَعَالِمٌ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيره. مدنِي. وَكَذَا قيد فِي الْكَنْز وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي بعض نسخ الْمَتْن، وَهُوَ قيد لَا بُد مِنْهُ هُنَا بِمُقَابلَة قَوْله الْآتِي: وَإِنْ عَدْلًا جَاهِلًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لم يُقَيِّدهُ بهما: أَي الْعَدَالَة وَالْعلم، ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ مَا لم يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَبِه أَخذ مَشَايِخنَا اهـ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَجِبُ زِيَادَةُ عَالِمٍ أَيْضا ليَكُون عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا مُسْتَدْرَكًا، وَحَقُّهُ أَنْ يَقُول: وَقيل يقبل وَلَو لم يكن عدلا عَالما، وَهُوَ مَا فِي الْجَامِع الصَّغِير. كَذَا أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، وَسَيَأْتِي تَتِمَّة الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (قضى بِهِ) أَي بِمَا ذكر، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن إِفْرَاد الضَّمِير بِاعْتِبَار الْمَذْكُور وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان الْعَطف بِأَو.   (1) قَوْله: (السرخكتي) بِضَم السِّين وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَفِي آخرهَا التَّاء الْمُثَنَّاة للفوقية نِسْبَة إِلَى سرخكت قَرْيَة بثغر جسان سمر قند ينْسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن فَاعل ذكره عهد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات اهـ. مِنْهُ. (2) أَي مَسْأَلَة بيع القَاضِي أَو أَمِينه وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه المُشْتَرِي اهـ. مِنْهُ. (3) أَي مَسْأَلَة بيع الْوَصِيّ وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه الْوَصِيّ اهـ. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 مطلب طَاعَة أولي الامر وَاجِبَة قَوْله: (لوُجُوب طَاعَة ولي الامر) بِالْآيَةِ الشَّرِيفَة، وَمن طَاعَته تَصْدِيقه. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ والنظائر عِنْد الْكَلَام على شُرُوط الامامة: ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعقد صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا إباحه الدّين وَهُوَ مَا يعود نَفعه إِلَى الْعَامَّة، كعمارة دَار الاسلام وَالْمُسْلِمين مِمَّا تنَاوله الْكتاب وَالسّنة والاجماع اهـ. وَفِي النِّهَايَة وَغَيرهمَا: رُوِيَ عَن أبي يُوسُف لما قدم بَغْدَاد صلى بِالنَّاسِ الْعِيد وكلفه هَارُون الرشيد وَكبر تَكْبِير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا. وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد هَكَذَا. وتأويله أَن هَارُون أَمرهمَا أَن يكبرا تَكْبِير جده، ففعلا ذَلِك امتثالا لامره، وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غير مَعْصِيّة. وَفِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: إِذا أَمر الامير أهل الْعَسْكَر بشئ فَعَصَاهُ فِي ذَلِك وَاحِد فالامير لَا يؤدبه فِي أول وهلة، وَلَكِن ينصحه حَتَّى لَا يعود إِلَى مثل ذَلِك بل يعذرهُ، فَإِن عَصَاهُ بعد ذَلِك أدبه، إِلَّا إِذا بَين فِي ذَلِك عذرا فَعِنْدَ ذَلِك يخلي سَبيله، وَلَكِن يحلفهُ بِاللَّه تَعَالَى لقد فعلت هَذَا بِعُذْر اهـ. وَقد أَخذ البيري من مَجْمُوع هَذِه النقول أَنه لَو أَمر أهل بَلْدَة بصيام أَيَّام بِسَبَب الغلاء أَو الوباء وَجب امْتِثَال أمره، وَالله تَعَالَى أعلم. وَتقدم فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء، وَانْظُر مَا قدمه سَيِّدي الْوَالِد فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمُوَافقَة ح. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) زَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَهُوَ رِوَايَة عِنْده، وَمَعْنَاهُ: أَو يشْهد القَاضِي وَالْعدْل على شَهَادَة الَّذين شهدُوا بِسَبَب الْحَد لَا على حكم القَاضِي وَإِلَّا كَانَ القَاضِي شَاهدا على فعل نَفسه، واستبعده فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَة أخر. كَذَا ذكره الاسبيجابي. بَحر. مطلب: الْقُضَاة إِذا توَلّوا بالرشا أحكامهم بَاطِلَة قَوْله: (واستحسنوه فِي زَمَاننَا) لَان الْقُضَاة قد فسدوا فَلَا يُؤمنُوا على نفوس النَّاس وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ ح. قَالَ فِي الْعِنَايَة: لَا سِيمَا قُضَاة زَمَاننَا، فَإِن أَكْثَرهم يتولون بالرشا فأحكامهم بَاطِلَة اهـ. والتدارك غير مُمكن. أَقُول: هَذَا فِي قُضَاة زمانهم فَمَا بالك فِي قُضَاة زَمَاننَا، أصلح الله تَعَالَى أحوالنا جَمِيعًا آمين بمنه وَكَرمه. قَوْله: (وَفِي الْعُيُون وَبِه يُفْتى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوع مُحَمَّد إِلَى قَوْلهمَا، رَوَاهُ هِشَام عَنهُ اهـ. فَالْحَاصِل: أَن الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقبُول إِخْبَار القَاضِي عَن إِقْرَار الْخصم بِمَا لَا يَصح رُجُوع الْمقر عَنهُ كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف والاموال وَالطَّلَاق وَسَائِر الْحُقُوق، وَإِن مُحَمَّدًا وافقهما أَولا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذكر عَنهُ من أَنه لَا يقبل إِلَّا بِضَم رجل آخر إلَيْهِ ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا. وَأَمَّا إِذا أخبر القَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَن شئ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَت بذلك وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهَذَا فِي القَاضِي الْمولى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 أما الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ عَدْلٌ كَمَا مر عَن النَّهر أَوَائِل الْقَضَاء. قَوْله: (إِلَّا فِي كتاب القَاضِي للضَّرُورَة) أَي ضَرُورَة إحْيَاء الْحق، ولان الْخِيَانَة فِي مثله قَلما تقع، وَظَاهر الِاقْتِصَار على كتاب القَاضِي أَن القَاضِي لَا يقبل قَوْله فِيمَا عداهُ: أَي على قَول مُحَمَّد سَوَاء كَانَ قتلا أَو قطعا أَو ضربا، فَلَو قَالَ: قضيت بِطَلَاقِهَا أَو بِعِتْقِهِ أَو بِبيع أَو نِكَاح أَو إِقْرَار لم يقبل قَوْله. وَفِي التَّهْذِيب: وَيصدق فِيمَا قَالَ من التَّصَرُّف فِي الاوقاف وأموال الايتام والغائبين من أَدَاء وَقبض. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذْ أَطْلَقَ أَوَّلًا الْقَاضِيَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَدْلِ الْعَالِمِ تبعا للجامع الصَّغِير وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الماتريدي الْقَائِل بِاشْتِرَاط كَونه عَالما كَمَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْكَنْز كَمَا مر بَيَانه، وَإِنْ أَرَدْتَ زِيَادَةَ الدِّرَايَةِ فَارْجِعْ إلَى الْهِدَايَةِ، وَحَيْثُ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ ذَلِكَ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ: عَدْلٌ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ من الشَّرْح على مَا رَأَيْنَاهُ، بل الاولى حذف هَذَا القيل لكَونه عين مَا فِي المُصَنّف، ثمَّ إِن هَذَا القيل هُوَ قَائِله أَبُو مَنْصُور، لَان عدم الِاعْتِمَاد إِنَّمَا علل بِالْفَسَادِ والغلط وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَالم الْعدْل. وَذكر الاسبيجابي أَن الْمَسْأَلَة مصورة عِنْد الامام فِي القَاضِي الْعَالم الْعدْل، لانه إِذا كَانَ غير هَذَا لَا يُولى الْقَضَاء وَلَا يؤتمر بأَمْره بالِاتِّفَاقِ اهـ. فَمَا قَالَه أَبُو مَنْصُور كشف عَن مَذْهَب الامام اهـ. قَوْله: (وَإِن عدلا جَاهِلا إِن استفسر فَأحْسن تَفْسِير الشَّرَائِط) بِأَن يَقُول فِي حد الزِّنَا إِنِّي أستفسر الْمُقِرَّ بِالزِّنَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ، وَيَقُولَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ. وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِفْسَارِ الْجَاهِلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ بِسَبَبِ جَهْلِهِ غير الدَّلِيل دَلِيلا. كِفَايَة. قَوْله: (صدق) أَي يجب تَصْدِيقه وَقبُول قَوْله، ثمَّ المُرَاد من جَهله جَهله بوقائع النَّاس لانها فرض كِفَايَة، فَإِنَّهُ يسْأَل الْمُفْتِي وَيحكم بقوله، بِخِلَاف جَهله بِمَا يفترض عَلَيْهِ عينا فَإِنَّهُ يفسق فَلَا يكون عدلا فَيكون من الْقسم الْآتِي بَيَانه. قَوْله: (فالقضاة أَرْبَعَة) لانه إِمَّا عَالم أَو جَاهِل، وَفِي كل إِمَّا عدل أَو فَاسق. قَوْله: (أَي سَببا شرعا) للْحكم فَحِينَئِذٍ يقبل قَوْله لانْتِفَاء التُّهْمَة اهـ. منح. وَإِنَّمَا أول الْحجَّة بِالسَّبَبِ ليعم الاقرار ط. قَوْله: (صب دهنا لانسان عِنْد الشُّهُود) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه مقرّ ط. قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) أَي الضَّمَان بِالْمثلِ لَا بِالْقيمَةِ وَإِلَّا كَانَ مُشكلا، لَان الْمُتَنَجس مَال بِدَلِيل جَوَاز بَيْعه فيجزي فِيهِ التَّمَلُّك وَالتَّمْلِيك فَيكون مَالا مَعْصُوما. وَأَيْضًا فَإِن ظَاهره أَن القَوْل لَهُ فِي عدم الضَّمَان، وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل قَوْله فِي كَونه متنجسا، وَأما الضَّمَان فَلَا يضمن فيمته متنجسا فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي أَنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُتَنَجِّسَةً، كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الاشباه، وَيدل لَهُ عبارَة الْخَانِية قبيل كتاب القَاضِي من الشَّهَادَات: وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِي إنكاه اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ، وَلَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ زَيْتًا غَيْرَ نَجِسٍ. وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجعهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: أراق زَيْت إِنْسَان أَو سمنه وَقد وَقعت فِيهِ فَأْرَة ضمنه، وَحِينَئِذٍ فَتعين أَن المُرَاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 بِعَدَمِ الضَّمَان ضَمَان الْمثْلِيّ لانه الْمُتَبَادر، وَأَن المُرَاد بِالضَّمَانِ الْمُثبت ضَمَان الْقيمَة لانه بالتنجس صَار قيميا، لقَولهم: الْمثْلِيّ مَا حصره كيل أَو وزن وَكَانَ على صفته الاصلية من الطَّهَارَة، فَإِن خرج عَنْهَا بالتنجس صَار قيميا كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام البزازي ثَانِيًا. وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ: وَإِذا أتلف زَيْت غَيره فِي السُّوق أَو سمنه أَو خله أَو نَحْو ذَلِك وَقَالَ أتلفته لكَونه نجسا لانه مَاتَت فِيهِ فَأْرَة فَالْقَوْل قَوْله، لَان الزَّيْت النَّجس وَنَحْوه قد يُبَاع فِي السُّوق، وَإِن أتلف لحم قصاب فِي السُّوق وَقَالَ: أتلفته لكَونه ميتَة ضمن لَان الْميتَة لَا تبَاع فِي السُّوق، فَجَاز للشُّهُود أَن يشْهدُوا أَنَّهَا ذكية كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية. قَوْله: (وَأمر الدَّم عَظِيم فَلَا يهمل) أَلا ترى أَنه حكم فِي المَال بِالنّكُولِ وَفِي الدَّم حبس حَتَّى يقْرَأ وَيحلف، وَاكْتفى فِي المَال بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَة وبخمسين يَمِينا فِي الدَّم. قَوْله: (بِخِلَاف المَال) قَالَ فِي الْبَحْر: لَو أتلف لحم طواف فطولب بِالضَّمَانِ فَقَالَ: كَانَت ميتَة فأتلفتها لَا يصدق، وللشهود أَن يشْهدُوا أَنه لحم ذكي بِحكم الْحَال. وَقَالَ القَاضِي: لَا يضمن، فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَة كتاب الِاسْتِحْسَان الْمُتَقَدّمَة، وَهِي لَو قتل رجلا الخ فَأجَاب عَنهُ بِمَا نَقله الشَّارِح عَن إِقْرَار الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (صدق قَاض) وَكَذَا لَا ضَمَان على الْقَاطِع والآخد لَو أقرّ بِمَا أقرّ بِهِ القَاضِي وَوجه عدم الضَّمَان على القَاضِي أَنَّهُمَا لما توافقا أَنه فعل ذَلِك فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِر شَاهدا لَهُ، إِذْ القَاضِي لَا يقْضِي بالجور ظَاهرا وَلَا يَمِين عَلَيْهِ لانه ثَبت فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق، وَلَا يَمِين على القَاضِي كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (كَذَا لَو زعم) أَي الْمقْضِي عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق: أَي فَيدْفَع قَول القَاضِي الضَّمَان عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ، أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْنَدَ) أَي القَاضِي. مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى قَوْله: (إِلَى حَالَة معهودة) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنا مَجْنُون وجنونه مَعْهُود وَمثله المدهوش وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى للخير الرَّمْلِيّ، فَإِذا كَانَت الدهشة معهودة مِنْهُ يقبل قَوْله، وَإِذا لم تكن معهودة لَا يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة، وَلَو أقرّ الْقَاطِع والآخذ فِي هَذَا الْفَصْل بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 الضَّمَان عَن غَيره، بِخِلَاف الْفَصْل الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ. مطلب: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شئ وَجعل بَعضهم هَذَا أصلا فَقَالَ: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ضَمَان مَا ذكر. وَمِنْهَا: لَو قَالَ العَبْد لغيره بعد الْعتْق قطعت يدك وَأَنا عبد فَقَالَ الْمقر لَهُ بل قطعتها وَأَنت حر فَالْقَوْل للْعَبد. وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْمولى لعبد قد أعْتقهُ أخذت مِنْك غلَّة كل شهر خَمْسَة دَرَاهِم وَأَنت عبد فَقَالَ الْمُعْتق أَخَذتهَا بعد الْعتْق كَانَ القَوْل للْمولى. وَمِنْهَا: الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا قَالَ بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل وَقَالَ الْمُوكل بعد الْعَزْل فَالْقَوْل للْوَكِيل إِن كَانَ الْمَبِيع مُسْتَهْلكا، وَإِن كَانَ قَائِما فَالْقَوْل للْمُوكل لانه أخبر عَمَّا لَا يملك الانسائ. وَكَذَا فِي مَسْأَلَة الْغلَّة لَا يصدق فِي الْغلَّة الْقَائِمَة لانه أقرّ بالاخذ وبالاضافة يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك. وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَصِيّ بعد مَا بلغ الْيَتِيم أنفقت عَلَيْك كَذَا وَكَذَا من المَال وَأنكر الْيَتِيم كَانَ القَوْل للْوَصِيّ لكَونه أسْند إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان. وَأورد فِي النِّهَايَة على هَذَا الاصل مَا إِذا أعتق أمته ثمَّ قَالَ لَهما قطعت يدك وَأَنت أمتِي فَقَالَت هِيَ قطعتها وَأَنا حرَّة فَالْقَوْل لَهَا، وَكَذَا فِي كل شئ أَخذه مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنكر للضَّمَان بِإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان، فَأجَاب بِالْفرقِ من حَيْثُ إِن الْمولى أقرّ بِأخذ مَالهَا ثمَّ ادّعى التَّمْلِيك لنَفسِهِ فَيصدق فِي إِقْرَاره وَلَا يصدق فِي دَعْوَاهُ التَّمْلِيك، وَكَذَا لَو قَالَ لرجل أكلت طَعَامك بإذنك فَأنْكر الاذن يضمن الْمقر. وَذكر الشَّارِح: أَي الزَّيْلَعِيّ أَن هَذَا الْفرق غير مخلص، وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا فِي الْبَحْر: أَي لعدم جَرَيَانه فِي صُورَة النزاع فِي أَخذ غلَّة العَبْد وَقطع يَد الامة كَمَا لَا يخفى كَمَا فِي الْحَوَاشِي السعدية. ثمَّ قَالَ فِي الْبَحْر وَقد خرج هَذَا الْفَرْع وَنَحْوه بِمَا زدناه على الْقَاعِدَة من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن فِيمَا لَو كَانَت مَرْهُونَة أَو مأذونة مديونة فَلم يرد. وأصل الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع من الاقرار. مطلب: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يبلغهُ الْخَبَر تَتِمَّة: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يصل إِلَيْهِ الْخَبَر، حَتَّى لَو قضى بقضايا بعد الْعَزْل قبل وُصُول الْخَبَر إِلَيْهِ جَازَ قَضَاؤُهُ. وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يَنْعَزِل وَإِن علم بعزله مَا لم يُقَلّد غَيره مَكَانَهُ ويصل صِيَانة لحقوق النَّاس، وَلَو مَاتَ رجل وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يجوز، وَلَو ظهر وَارِث بعد ذَلِك فَالْبيع مَاض وَلَا ينْقض. رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم جِيَاد، فقضاه زُيُوفًا وَقَالَ أنفقها، فَإِن لم ترج فَردهَا فَفعل فَلم ترج، قَالَ أَبُو يُوسُف: لَهُ أَن يردهَا عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، لَان مَا قبض من الدَّرَاهِم لَيْسَ هُوَ عين حَقه بل هُوَ مثل حَقه، وَإِنَّمَا يصير حَقًا لَهُ إِذا رَضِي بِهِ، فَإِذا لم يرض بِهِ لم يصر حَقًا لَهُ فَيكون الْقَابِض متصرفا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 فِي ملك الدَّافِع بأَمْره فَلَا يبطل حق الْقَابِض، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو اشْترى شَيْئا فَوَجَدَهُ معيبا فَأَرَادَ أَن يردهُ فَقَالَ لَهُ البَائِع بِعْهُ فَإِن لم يبع رده عَليّ، فعرضه على البيع فَلم يشتره أحد لم يردهُ، وَذَلِكَ لَان الْمَقْبُوض عين حَقه إِلَّا أَنه معيب، فَلم يكن قَول البَائِع بعد إِذْنا لَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك البَائِع فَكَانَ متصرفا فِي ملك نَفسه فَيبْطل حَقه فِي الرَّد. مطلب: إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد لَهُ أَن يشْهد بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ لَا تشهد فَلَا يشْهد عَلَيْهِ إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد عَليّ وَسعه أَن يشْهد عَلَيْهِ، لَا إِذا قَالَ الْمقر لَهُ لَا تشهد عَلَيْهِ بِمَا أقرّ بِهِ لَا يَسعهُ أَن يشْهد، فَلَو رَجَعَ الْمقر لَهُ وَقَالَ إِنَّمَا نهيتك لعذر وَطلب مِنْهُ الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ. أشباه. قَوْله: (منافيه لِلضَّمَانِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا زَادَهُ فِي الْبَحْر وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ آنِفا. قَوْله: (كَونهمَا) أَي الواقعتين. مطلب: فِي أَخذ القَاضِي الْعشْر من مَال الايتام والاوقاف قَوْله: (نقل فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا: قَالَ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا لَفْظُهُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا لم يكن للْقَاضِي شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّى مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ ثُمَّ بَالَغَ فِي الانكار اهـ. وَلم أر هَذَا لاصحابنا اهـ. وَمَا أَحْبَبْت نَقْلَ الشَّارِحِ الْعِبَارَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ صِحَّةَ هَذَا لنقل مَعَ أَن النافل بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ كَمَا تَرَى. كَيْفَ وَقَدْ اخْتلفُوا عندنَا فِي أَخذه مبيت المَال، فَمَا ظَنك فِي الْيَتَامَى. والاوقاف. قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ. أَقُولُ: يَعْنِي عَلَى الْجَمَاعَتَيْنِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الانكار واضحه الِاعْتِبَار، لانه لَوْ تَوَلَّى عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مَثَلًا وَلَمْ يلْحقهُ فِيهَا من الْمَشَقَّة شئ بِمَاذَا يَسْتَحِقُّ عُشْرَهَا وَهُوَ مَالُ الْيَتِيمِ وَفِي حُرْمَتِهِ جَاءَتْ الْقَوَاطِعُ؟ فَمَا هُوَ إلَّا بُهْتَانٌ عَلَى الشَّرْعِ السَّاطِعِ، وَظُلْمَةٌ غَطَّتْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم اهـ. مطلب: إِذا كَانَ للْقَاضِي عمل فِي مَال الايتام لَهُ الْعشْر قَالَ الْحَمَوِيّ: لَا وَجه للْمُبَالَغَة فِي الانكار لجَوَاز أَن يكون ذَلِك مُقَيّدا بِمَا إِذا كَانَ لَهُ عمل، وَأقله حفظ المَال إِلَى أَوَان بُلُوغ الْقَاصِر اهـ. مطلب: المُرَاد بالعشر أجر الْمثل وَلَو زَاد يرد الزَّائِد قَالَ بِيرِيّ زَادَةْ فِي حَاشِيَتِهَا: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، حَتَّى لَوْ زَاد رد الزَّائِد اهـ. مدنِي. قَوْله: (للمتولي الْعشْر فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عمل. قَالَ ط: هَذِه الْمَسْأَلَة لَا مَحل لذكرها هُنَا على أَنَّهَا غير محررة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 مطلب: لَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل وَفِي الاشباه وَعبارَة الْخَانِية: رجل وقف ضَيْعَة على موَالِيه فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ الْقيم وَجَعَلَ لِلْقَيِّمِ عُشْرَ الْغَلَّاتِ وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا لَا يجب للقيم عشر الْغلَّة من هَذِه الطاحونة، لَان الْقيم مَا يَأْخُذ إِلَّا بطرِيق الاجر فَلَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل اهـ. وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: قَاض نصب قيمًا على غلات مَسْجِد وَجعل لَهُ شَيْئا مَعْلُوما يَأْخُذهُ كل سنة حل لَهُ الْعشْرَة لَو كَانَ أجر مثله اهـ. وَقدم سَيِّدي الْكَلَام على ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف فَرَاجعه. وَقَالَ فِي فصل: يُرَاعى شَرط الْوَاقِف بعد كَلَام. ثُمَّ رَأَيْت فِي إجَابَةِ السَّائِلِ: وَمَعْنَى قَوْلِ الْوَلوالجِيَّة بعد أَن جعل الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرُ غَلَّةِ الْوَقْفِ: أَيْ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ، لَا مَا تَوَهَّمَهُ أَرْبَابُ الاغراض الْفَاسِدَة الخ اهـ. مطلب: للنَّاظِر مَا عينه لَهُ الْوَاقِف وَإِن زَاد على أجر مثله قلت: وَهَذَا فِيمَن لم يشْتَرط لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا. وَأَمَّا النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ أَقَلَّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِل اهـ. وَتَمَامه ثمَّة. قَوْله: (قلت لَكِن الخ) لَا وَجه لهَذَا الِاسْتِدْرَاك لما علمت من أَن مَا نَقله عَن الاشباه هُوَ قَول لبَعض الشَّافِعِيَّة فَكيف يسْتَدرك عَلَيْهِ بِعِبَارَة الْبَزَّازِيَّة الَّتِي هِيَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة. قَوْله: (لَا يحل لَهما أَخذ الاجر بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ. قَوْله: (كإنكاح صَغِيرَة) قَالَ فِي الْخُلَاصَة يحل للْقَاضِي أَخذ أُجْرَة على كتبه السجلات وَغَيره بِقدر أُجْرَة الْمثل هُوَ الْمُخْتَار، وَلَا يحل أَخذ شئ على نِكَاح الصغار، وَفِي غَيره يحل، وَلَا يحل أَخذ الاجرة على إجَازَة بيع مَال الْيَتِيم، وَلَو أَخذ لَا ينفذ البيع ط عَن الْحَمَوِيّ. قَوْله: (وكجواب الْمُفْتِي بالْقَوْل) لَان أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يحل عندنَا، وَأما الْهَدِيَّة لَهُ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي كتاب الْقَضَاء، فَرَاجعه. مطلب: للْقَاضِي والمفتي أَخذ أجر مثل الْكِتَابَة إِذا كلفا إِلَيْهَا قَوْله: (أما بِالْكِتَابَةِ فَيَجُوزُ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَتْبِهِمَا) لِأَنَّ الْكِتَابَة لَا تلزمهما: أَي لَو كلفا للكتابة فَيجوز لَهما أَخذ أجر مثلهمَا وَلَا يجوز لَهما الزِّيَادَة عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ لَا يجوز لَهما قبُول الْهَدِيَّة وَلَا الدعْوَة الْخَاصَّة لانهما فِي معنى الرِّشْوَة وَهِي من أقبح قبائح الْقُضَاة والمفتين فَكيف يجوز لَهما أَن يَأْخُذ زَائِدا على أجر مثلهمَا: أَي على مِقْدَار مَا يسْتَحق كل مِنْهَا من الاجرة على مثل تِلْكَ الخطوط اللَّهُمَّ ألهمنا الصَّوَاب وجنبنا الْخَطَأ آمين. مطلب: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر جَوَابه بِاللِّسَانِ هَل يجب عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ؟ قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك مَسْأَلَة سُئِلت عَنْهَا: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا لَا يُمكنهُ أَو عَمَّا يعسر عَلَيْهِ جَوَابه بِاللِّسَانِ وَلَا يعسر عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ، كمسائل المناسخات الَّتِي يدق كسورها جدا وَلَا تثبت فِي حفظ السَّائِل، هَل يفْرض عَلَيْهِ الْكِتَابَة مَعَ تيسرها أَو لَا؟ وَلم أر من صرح بالحكم، لَكِن النّظر الفقهي يَقْتَضِي وُجُوبهَا عَلَيْهِ حَيْثُ تعسر أَو تعذر بِاللِّسَانِ، وَيكون الْجَواب بِالْكِتَابَةِ نَائِبا عَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 الْجَواب بِاللِّسَانِ ليخرج عَن عُهْدَة الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْجَواب بِاللِّسَانِ، فَيكْتب الْمُفْتِي مَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ أَو يتعسر النُّطْق بِلَا كِتَابَة حَيْثُ تيسرت لَهُ آلَة الْكِتَابَة لاجل الْقيام بِالْوَاجِبِ فَيقْرَأ على السَّائِل فَيخرج من الْعهْدَة. مطلب: لَيْسَ على الْمُفْتِي دفع الرقعة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفهم السَّائِل مَا يصعب وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَلَا يجب عَلَيْهِ دفع الرقعة لَهُ، وَلَا أَن يفهمهُ مَا يشق ويحفظه مَا يصعب عَلَيْهِ، بل كل ذَلِك خَارج عَن التَّكْلِيف، وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَقلة فهمه. مطلب: على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق كَانَ وَلَو بِالْكِتَابَةِ إِذا تيسرت لَهُ وَالْحَاصِل: أَن على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ، وكل مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ فَهُوَ فرض. مطلب: إِذا سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر بِاللِّسَانِ ويتيسر بِالْكِتَابَةِ لَا يجب عَلَيْهِ بذل آلتها وَحَيْثُ كَانَ فِي وسع الْمُفْتِي الْجَواب بِالْكِتَابَةِ لَا بِاللِّسَانِ وَجب عَلَيْهِ الْجَواب بهَا حَيْثُ تيسرت إِلَيْهِ بِلَا مشقة عَلَيْهِ بِأَن أحضرها لَهُ السَّائِل، وَلَا يلْزم الْمُفْتِي بذلها من عِنْده لَهُ، وَمُقْتَضى الْقيَاس وجوب تَحْصِيلهَا على الْمُفْتِي كَمَاء الْوضُوء ليحصل بِهِ مَا هُوَ الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله إِذا تعين عَلَيْهِ الافتاء وَلم يكن فِي الْبَلدة من يقوم مقَامه فِي ذَلِك، والافتاء طَاعَة وَالطَّاعَة بِحَسب الِاسْتِطَاعَة، فَمَا يُرَاعى فِي غَيره من الطَّاعَات يُرَاعى فِيهِ فرضا ووجوبا واستحبابا وندبا، فَلْيتَأَمَّل فِيهِ اهـ. وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية. مطلب: الاجر مُقَدّر بِقدر الْمَشَقَّة قَوْله: (وَتَمَامه فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة) قَالَ فِيهِ: والاصح أَنه: أَي الاجر بِقدر الْمَشَقَّة، وَقد تزيد مشقة الْوَثِيقَة فِي أَجنَاس مُخْتَلفَة بِمِائَة على مشقة ألف ألف فِي النُّقُود وَنَحْوهَا. مطلب: مَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ قلت فِي الْعمادِيَّة عَن الْمُلْتَقط: وَمَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق ذَلِك بِفقه أَصْحَابنَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي كَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَهُ أجر مثله بِقدر مشقته وبقدر صَنعته وَعَمله كَمَا يسْتَأْجر الحكاك بِأُجْرَة كَثِيرَة فِي مشقة قَليلَة. مطلب: يجب الاجر بِقدر العناء والتعب وَفِي شرح التُّمُرْتَاشِيّ عَن النّصاب: يجب بِقدر العناء والتعب، وَهَذَا أشبه بأصول أَصْحَابنَا. مطلب: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره الخ وَفِي كتب السجلات: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره وصعوبته وسهولته اهـ. قَوْله: (وفيهَا الخ) يُوهم أَن هَذِه الابيات الْمَذْكُورَة من الْوَهْبَانِيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 من كَلَام ابْن الشّحْنَة كَمَا أفْصح بِهِ بقوله: لكميل: قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: هَل يسْتَحق القَاضِي الاجر أم لَا؟ قَالَ الزَّاهدِيّ فِي شَرحه للقدوري: لَا يسْتَحق الاجر، وَإِنَّمَا يسْتَحقّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ شئ. مطلب: إِذا تولى القَاضِي قسْمَة التَّرِكَة لَا يسْتَحق الاجر وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال وَفِي الْقنية عَن ظهير الدّين المرغيناني وَشرف الائمة الْمَكِّيّ القَاضِي: إِذا تولى قسْمَة التَّرِكَة لَا أجر لَهُ وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال. ثمَّ رقم للمحيط وَشرح بكر خُوَاهَر زَاده وَقَالَ لَهُ: لَا حمرَة إِذا لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال، لَكِن الْمُسْتَحبّ: أَي لَا يَأْخُذ. قَالَ البديع: مَا أجَاب بِهِ الظهير والشرف حسن فِي هَذَا الزَّمن لفساد الْقُضَاة، إِذْ لَو أطلق لَهُم لَا يقنعون بِأَجْر الْمثل فَأَحْبَبْت إِلْحَاقه، فَقلت: وَذكر الْبَيْتَيْنِ الاولين ثمَّ ذكر الْبَيْت الاخير بعد كَلَام يتَعَلَّق بالمفتي. قَوْله: (وَإِن كَانَ قاسما) أَي للتركات مثلا. قَوْله: (فَالْقَوْل الاول) بوصل همزَة الاول. قَوْله: (إِذْ لَيْسَ) أَي الْمُفْتِي قَوْله (فِي الْكتب) أَي فِي الْكِتَابَة. قَوْله: (يحصر) أَي يلْزم وَيجب عَلَيْهِ. مطلب: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى وَفِي ذَلِك الشَّرْح عَن جلال الدّين أبي المحامد قَالُوا: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى. مطلب: الْوَاجِب على الْمُفْتِي الْجَواب بِاللِّسَانِ لَا بالبنان وَذَلِكَ لَان الْجَواب على الْمُفْتِي الْجَواب اللِّسَان دون الْكِتَابَة بالبنان، وَمَعَ هَذَا الْكَفّ عَن ذَلِك أولى. قَوْله: (على قدره) أَي قدر الْخط: أَي والعناء، وَقد سبق مَا فِيهِ من أَن الْكَفِّ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَصِيَانَةً لماء الْوَجْه عَن الابتذال اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 كتاب الشَّهَادَات جمعهَا وَإِن كَانَت فِي الاصل مصدرا بِاعْتِبَار أَنْوَاعهَا فَإِنَّهَا تكون فِي حد الزِّنَا وَغَيره. قَوْله: (أَخّرهَا عَن الْقَضَاء) وَإِن كَانَ الْمُتَبَادر تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ، لَان الْقَضَاء مَوْقُوف عَلَيْهَا إِذا كَانَ ثُبُوت الْحق بهَا. وَفِي الْحَمَوِيّ: أَخّرهَا لَان القَاضِي يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد الانكار فَكَانَ ذَلِك من تَتِمَّة حكمه، ولان الشَّهَادَة إِنَّمَا تقبل فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا تكون ملزمة بِدُونِ الْقَضَاء اهـ. قَوْله: (هِيَ لُغَة) الضَّمِير عَائِد للشَّهَادَة المفهومة من الشَّهَادَات. قَوْله: (خبر قَاطع) تَقول مِنْهُ شهد الرجل على كَذَا، وَرُبمَا قَالُوا: شهد الرجل بِسُكُون الْهَاء للتَّخْفِيف، وَقَوْلهمْ: أشهد بِكَذَا: أَي أَحْلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده شُهُودًا: أَي حَضَره، وَقوم شُهُود: أَي حُضُور. وَهُوَ فِي الاصل مصدر. وَشهد أَيْضا مثل رَاكِع وَركع، وَشهد لَهُ بِكَذَا شَهَادَة: أَي أدّى مَا عِنْده فَهُوَ شَاهد، وَالْجمع شهد كصاحب وَصَحب وسافر وسفر، وَبَعْضهمْ يُنكره، وَجمع الشهد شُهُود وأشهاد، والشهيد: الشَّاهِد وَالْجمع الشُّهَدَاء. قَوْله: (أَخْبَار صدق) فالاخبار كالجنس، قَوْله: صدق: يخرج الاخبار الكاذبة: وَصدق الْخَبَر: مطابقته للْوَاقِع. قَوْله: لاثبات حق يخرج قَول الْقَائِل فِي مجْلِس الْقَضَاء أشهد بِكَذَا لبَعض العرفيات. قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ أَخْبَار عَن مُشَاهدَة وعيان لَا عَن تخمين وحسبان: أَي الشَّهَادَة شرعا، وَصرح الشَّارِح بِأَن هَذَا مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ أَيْضا كَمَا أَفَادَهُ فِي إِيضَاح الاصلاح. والمشاهدة: المعاينة كَمَا تقدم. والعيان: المعاينة. والتخمين: الحدس، وَهُوَ الظَّن، والحسبان بِالْكَسْرِ: الظَّن. وَأورد على هَذَا التَّعْرِيف الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا لم تكن مُشَاهدَة. وَأجَاب فِي الايضاح بِأَن جَوَازهَا إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِحْسَان، والتعريفات الشَّرْعِيَّة إِنَّمَا تكون على وفْق الْقيَاس ولكونها أَخْبَارًا عَن مُعَاينَة. قَالَ فِي الْخَانِية: إِذا قرئَ عَلَيْهِ صك وَلم يفهم مَا فِيهِ لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد بِمَا فِيهِ. مطلب: لَا تحل الشَّهَادَة بِسَمَاع صَوت الْمَرْأَة من غير رُؤْيَة شخصها وَإِن عرف بهَا اثْنَان وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حل لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهَا اهـ: أَي وَيصِح التَّعْرِيف وَلَو من زَوجهَا وَابْنهَا وَمِمَّنْ لَا يَصح شَاهدا لَهَا، سَوَاء كَانَت الشَّهَادَة لَهَا أَو عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد. قَوْله: (مجَاز) من حَيْثُ المشابهة الصورية: أَي مجَاز مُرْسل وعلاقته الضدية لَان الزُّور إِخْبَار بكذب. قَوْله: (كإطلاق الْيَمين على الْغمُوس) فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ عَقْدٌ يَتَقَوَّى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا. قَوْلُهُ: (بِلَفْظ الشَّهَادَة) فَلَا يُجزئ التَّعْبِير بِالْعلمِ وَلَا بالبقين فَيتَعَيَّن لَفظهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْله: (فِي مجْلِس القَاضِي) خرج بِهِ إخْبَاره فِي غير مَجْلِسه فَلَا يعْتَبر، وَإِنَّمَا قيد بِالْقَاضِي وَإِن كَانَ الْمُحكم كَذَلِك لَان الْمُحكم لَا يتَقَيَّد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 حكمه بِمَجْلِس بل كل مجْلِس حكم فِيهِ كَانَ مجْلِس حكمه. حموي: أَي بِخِلَاف القَاضِي فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِمَجْلِس حكمه الْمعِين من الامام وبمحل ولَايَته ط. قَوْله: (كَمَا فِي عتق الامة) وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى شَرط صِحَّتهَا مُطلقًا بل كل شَهَادَة حسبَة كَذَلِك. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يَقُولُوا بعد دَعْوَى لتخلفها عَنْهَا فِي عتق الامة وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلم تكن الدَّعْوَى شرطا لصحتها مُطلقًا، وَقَول بَعضهم: إِنَّهَا إِخْبَار بِحَق الْغَيْر على الْغَيْر، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق على نَفسه للْغَيْر، وَالدَّعْوَى فَإِنَّهَا إِخْبَار بِحَق لنَفسِهِ على الْغَيْر غير صَحِيح لعدم شُمُوله لما إِذا أخبر بِمَا يُوجب الْفرْقَة من قبلهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ شَهَادَة وَلم يُوجد فِيهَا ذَلِك الْمَعْنى كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي إِيضَاح الاصلاح، وَكَأَنَّهُ لاحظ أَنه لم يخبر بِحَق للْغَيْر لَان ذَلِك مُوجب لسُقُوط الْمهْر (1) . وَجَوَابه: أَن سُقُوطه عَن الزَّوْج عَائِدًا إِلَى أَنه لَهُ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بالابراء عَن الدّين فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق للمديون وَهُوَ السُّقُوط عَنهُ، فَكَذَا هُنَا. وَجعل الاخبار أَرْبَعَة، وَالرَّابِع إِنْكَار، وَعَزاهُ إِلَى شرح الطَّحَاوِيّ اهـ. قَوْله: (طلب ذِي الْحق) يَشْمَل الْحق تَعَالَى فِي شَهَادَة الْحِسْبَة فَإِنَّهُ مطَالب فِيهَا بالاداء شرعا والآدميين فِي حُقُوقهم، فَيحرم كتمانها لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه) * (الْبَقَرَة: 382) فَهُوَ نهي عَن الكتمان فَيكون أمرا بضده حَيْثُ كَانَ لَهُ ضد وَاحِد، وَهُوَ آكِد من الامر بأدائها، وَلذَا أسْند الاثم إِلَى رَئِيس الاعضاء وَهُوَ الْآلَة الَّتِي وَقع بهَا أَدَاؤُهَا لما عرف أَن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مَحَله أقوى من الاسناد إِلَى كُله. وَاسْتدلَّ فِي الْهِدَايَة بِهَذِهِ الْآيَة على فرضيتها مَعَ احْتِمَال أَن يُرَاد نهي المدينين عَن كتمانها كَمَا احْتمل أَن يُرَاد نهي الشُّهُود. قَالَ القَاضِي: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة) * (الْبَقَرَة: 382) أَيهَا الشُّهُود أَو المدينون، وَالشَّهَادَة شَهَادَتهم على أنفسهم، فعلى الثَّانِي المُرَاد النَّهْي عَن كتمان الاقرار بِالدّينِ، فالاولى الِاسْتِدْلَال على فرضيتها بالاجماع، وَاحْتمل أَن الضَّمِير فِي قَول الْمُؤلف تلْزم عَائِد إِلَى الشَّهَادَة بِمَعْنى تحملهَا لَا بِمَعْنى أَدَائِهَا، فَإِن تحملهَا عِنْد الطّلب والتعين فرض (2) وَأما عِنْد عدم التعين فَفرض كِفَايَة كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (بِأَن لم يعلم بهَا ذُو الْحق) أَي بِشَهَادَتِهِ. قَوْله: (وَخَافَ) أَي الشَّاهِد، فَلَا يجب عَلَيْهِ الشَّهَادَة بِلَا طلب فِي حق آدَمِيّ إِلَّا إِذا لم يعلم بِشَهَادَتِهِ ذُو الْحق وَخَافَ الشَّاهِد إِن لم يشْهد ضَاعَ حق الْمُدَّعِي فَيجب عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا أَفَادَهُ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي. قَوْله: (شَرَائِط مَكَانهَا وَاحِد وَهُوَ مجْلِس الْقَضَاء) وَهُوَ من شُرُوط الاداء كَمَا فِي الْبَحْر. والاولى أَن يَقُول شَرط مَكَانهَا وَلَعَلَّه إِنَّمَا جمعه مَعَ أَنه وَاحِد وَهُوَ مجْلِس القَاضِي للازدواج، أَي التناسب بقوله: وشرائط التَّحَمُّل. قَوْله: (الْعقل الْكَامِل) المُرَاد مَا يَشْمَل التَّمْيِيز بدذليل مَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي، فَلَا يَصح تحملهَا من مَجْنُون وَصبي لَا يعقل. قَوْله: (وَقت التَّحَمُّل) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: لَا   (1) قَالَ الْمَقْدِسِي: وَمَا أورد من الشَّهَادَة على إممرأة بِمَا يُوجب فرقة قبل الدُّخُول وَلَيْسَ لاثبات حق فَجَوَابه أَن سُقُوط الْمهْر من الزَّوْج حق لَهُ كَشَهَادَة بإيراء من دين يثبت بِهِ حق الْمَدْيُون: أَي سُقُوطه عَنهُ انْتهى. (2) قَوْله: (فرض) كَذَا بالاصل، وَلَعَلَّه فرض عين بِدَلِيل مُقَابلَة اهـ. مصححة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْله: (وَالْبَصَر) فَلَا يَصح تحملهَا من أعمى. وَلَا يشْتَرط للتحمل الْبلُوغ وَالْحريَّة والاسلام وَالْعَدَالَة، حَتَّى لَو كَانَ وَقت التَّحَمُّل صَبيا عَاقِلا أَو عبدا أَو كَافِرًا أَو فَاسِقًا ثمَّ بلغ الصَّبِي وَعتق العَبْد وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق فَشَهِدُوا عِنْد القَاضِي تقبل. بَحر. أَقُول: وَلَا يُنَافِيهِ مَا نَقله بعد عَن الْخَانِيَّةِ: صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لم أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل مَسْجده ومحلته أَنه صَالح أَو غَيره اهـ. فَإِن ذَلِك للتزكية فَقَط لَا لرد شَهَادَته. تَأمل. قَوْله: (ومعاينة الْمَشْهُود بِهِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَانا ترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه، وسيصرح بهَا الشَّارِح فِي شَهَادَة الارث. قَوْله: (إِلَّا فِيمَا يثبت بِالتَّسَامُعِ) كَالشَّهَادَةِ بِالْمَوْتِ وَالنّسب وَالنِّكَاح وَالْوَقْت كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَشَرَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالْعَدَالَةُ، لَكِنْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَأَنْ لَا يَجُرَّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَعَكْسُهُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ، خلافًا لَهما فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إِذا لم يكن للشَّاهِد شُبْهَة فِي الْخط يشْهد وَإِن كَانَ فِي يَد الْخصم، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. اخْتِيَار. وَأما مَا يخص بَعْضهَا دون بعض: فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى، فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وَفَّقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ (1) ، وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَتَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. كَذَا فِي الْبَحْرِ. لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ نَوْعَانِ: مَا هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِهَا، وَمَا هُوَ شَرْطُ أَدَائِهَا. فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يرجع إِلَى الشَّاهِد، وَمَا يرجع للشَّهَادَة، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ. وَذَكَرَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ السَّبْعَةَ عَشَرَ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ: لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ عُلِمَ مِنْ السَّبْعَةِ الْخَاصَّةِ. ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ، فَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ الاداء سَبْعَة عشر: مِنْهَا عشر شَرَائِط عَامَّة، وَمِنْهَا سبع شَرَائِطَ خَاصَّةٌ. وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ مَكَانهَا وَاحِد اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرَائِطَ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ، وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ الْأَدَاءِ مِنْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ: شَرَائِطُ الشَّاهِدِ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ، وَمِنْهَا ثَلَاث شَرَائِط لنَفس الشَّهَادَة، وَمِنْهَا وَاحِد شَرط   (1) قَوْله: (وَلم يكن سَكرَان لَا لبعد مَسَافَة) هَكَذَا بالاصل وليتأمل اه. مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 مَكَانِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِح أَيْضا. قَوْله: (مِنْهَا) أَي الْعَامَّة الضَّبْط: أَي ضبط الشَّاهِد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون غَيْرك، وَأَن يكون ذَاكِرًا. قَوْله: (وَالْولَايَة) أَي تكون ولَايَة للشَّاهِد على الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون من أهل دينه أَو مِمَّن دينه حق حرا بَالغا، فَلِذَا فرع عَلَيْهِ بقوله فَيشْتَرط الاسلام الخ. قَوْله: (لَو الْمُدعى عَلَيْهِ مُسلما) أما لَو كَانَ كَافِرًا فَتقبل شَهَادَة الْمُسلم وَالْكَافِر عَلَيْهِ. قَوْله: (وَالْقُدْرَة على التَّمْيِيز) الاولى حذف الْقُدْرَة لَان الشَّرْط التَّمْيِيز بِالْفِعْلِ. قَوْله: (بِالسَّمْعِ) هَذَا زَائِد على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة. قَوْله: (وَمن الشَّرَائِط) أَي الْمُتَقَدّمَة: أَي الْعَامَّة. قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ. قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ. قَوْله: (أَو زوجية) أَي: وَعدم الزَّوْجِيَّة فَلَا تقبل شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر. قَوْله: (أَو عَدَاوَة دنيوية) أَي وَعدم عَدَاوَة دنيوية، أما الدِّينِيَّة فَلَا تمنع الشَّهَادَة. قَوْله: (لفظ أشهد) بِلَفْظ الْمُضَارع، فَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ فِي الْحَال س. قَوْله: (لَا غير) أَي لَا غَيره من الالفاظ كأعلم وأتحقق وأتيقن. قَوْله: (لتَضَمّنه) أَي بِاعْتِبَار الِاشْتِقَاق معنى مُشَاهدَة وَهِي الِاطِّلَاع على الشئ عيَانًا. سَيِّدي. قَالَ ط: دخل فِي ذَلِك الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا عَن مُشَاهدَة حكما أَو أَنَّهَا خَارِجَة عَن الْقيَاس اه. وَقدمنَا بَيَانه كَافِيا. قَوْلُهُ: (وَقَسَمٍ) لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ نَحْوَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا: أَيْ أقسم، وَقد مر فِي الايمان. قَوْله: (وإخبار للْحَال) بِخِلَاف لفظ الْمَاضِي فَإِنَّهُ مَوْضُوع للاخبار عَمَّا وَقع كَمَا قدمنَا. قَوْله: (فَكَأَنَّهُ يَقُول أقسم بِاللَّه) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وَقسم. قَوْله: (لقد اطَّلَعت على ذَلِك) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله لتَضَمّنه معنى مُشَاهدَة. قَوْله: (وَأَنا أخبر بِهِ) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وإخبار للْحَال. وَالْحَاصِل أَن فِي كَلَامه نشرا على غير تَرْتِيب اللف قَوْله (فَتعين) فَلِذَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ، وَلَا يَخْلُو عَن معنى التَّعَبُّد إِذْ لم ينْقل غَيره بَحر. قَوْله: (حَتَّى لَوْ زَادَ فِيمَا أَعْلَمُ بَطَلَ لِلشَّكِّ) لانه يشْتَرط أَن لَا يَأْتِي بِمَا يدل على الشَّك بعد، فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ظَنِّي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا قَدْ عَلِمْتُ، وَلَو ال لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يكون تعديلا، بَحر. فرع: قَالَ الْمَقْدِسِي: وَلَا بُد من علمه بِمَا يشْهد بِهِ. وَفِي النَّوَازِل: شهد أَن الْمُتَوفَّى أَخذ من هَذَا الْمُدعى منديلا فِيهِ درام وَلم يعلمَا كم وَزنهَا تجوز شَهَادَتهمَا. وَله لَهما أَن يشهدَا بالمقدار؟ وَقَالَ: إِن كَانُوا وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرروا فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك. وَيَنْبَغِي أَن يعتبرا جودتها فقد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه. وَفِي خزانَة الاكمل: بِيَدِهِ درهما كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 يدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه. قَوْله: (وَحكمهَا) أَي صفتهَا لما تقدم فِي أول كتاب الْقَضَاء أَن من مَعَاني الحكم الاثر الثَّابِت بِالْخِطَابِ كالوجوب وَالْحُرْمَة فَيكون الْمَعْنى هُنَا وصفتها. قَوْله: (وجوب الحكم) أَي الْقَضَاء. قَوْله: (بموجبها) بِفَتْح الْجِيم: أَي بِمَا تعلق بهَا، إِذْ الْمُوجب عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظن القَاضِي، فَالَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْمُوجب الشَّهَادَة، وَالْمعْنَى الْمُتَعَلّق بهَا إِلْزَام الْخصم بالمشهود بِهِ. قَوْله: (بعد التَّزْكِيَة) اشْتِرَاط التَّزْكِيَة قَوْلهمَا، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ. ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (افتراضه) أَي الْقَضَاء. قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث قدمناها) أَي قبيل بَاب التَّحْكِيم، وَهِي رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَإِذا استمهل الْمُدَّعِي وَخَوف رِيبَة عِنْد القَاضِي. قَوْله: (بعد وجود شرائطها) أَي الْمُتَقَدّمَة. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ) نَقَلَهُ فِي أَوَّلِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِبَاكِيرٍ. قَوْله: (ابْن ملك) فِي شرح الْمجمع فِي مَبْحَث الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور. قَوْله: (وَأطلق الكافيجي كفره) فِي سَأَلته (سَيْفُ الْقُضَاةِ عَلَى الْبُغَاةِ) حَيْثُ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْحُكْمَ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا قَالُوا إِنَّه يكفر. كَذَا فِي الْمنح. قَوْله: (واستهظر المُصَنّف الاول) لما تقدم فِي بَاب الرِّدَّة من الِاعْتِمَاد على عدم تَكْفِير الْمُسلم وَلَو بالرواية الضعيفة. قَوْله: (وَيجب أَدَاؤُهَا) أَي عينا. قَوْله: (بِالطَّلَبِ) أَي طلب الْمُدَّعِي. قَوْله: (وَلَو حكما كَمَا مر) أَي من أَنه لَو خَافَ فَوت الْحق والطالب لَا يعلم بهَا لزمَه أَن يشْهد بِلَا طلب. قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا قُلْنَا أَو حكما ليدْخل من عِنْده شَهَادَة لَا يعلم بهَا صَاحب الْحق وَخَافَ فَوت الْحق فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يشْهد بِلَا طلب كَمَا فِي فتح الْقَدِير لكَونه طَالبا لادائه حكما اه. لَكِن نَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا قدمنَا. قَوْله: (بِشُرُوط سَبْعَة) ذكر مِنْهَا خَمْسَة، مِنْهَا أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله إِن لم يُوجد بدله، فَإِن لم يتَعَيَّن بِأَن كَانُوا جمَاعَة فَأدى غَيره مِمَّن تقبل شَهَادَته فَقبلت لم يَأْثَم، بِخِلَاف مَا إِذا أدعى غَيره فَلم يقبل، فَإِن من لم يؤد مِمَّن يقبل يَأْثَم بامتناعه. السَّادِس: أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِبُطْلَان الْمَشْهُود بِهِ، فَلَو شهد عَن الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن الْمُدَّعِي قبض دينه أَو أَن الزَّوْج طَلقهَا ثَلَاثًا أَو أَن المُشْتَرِي أعتق العَبْد أَو أَن الْوَلِيّ عَفا عَن الْقَاتِل لَا يَسعهُ أَن يشْهد بِالدّينِ وَالنِّكَاح وَالْبيع وَالْقَتْل، وَإِن لم يكن الْمخبر عدلا فَالْخِيَار للشُّهُود، إِن شاؤوا شهدُوا بِالدّينِ مثلا وأخبروا القَاضِي بِخَبَر المخبرين، وَإِن شاؤوا امْتَنعُوا عَن الشَّهَادَة، وَإِن كَانَ الْمخبر عدلا وَاحِدًا لَا يَسعهُ ترك الشَّهَادَة، وَكَذَا لَو عاينا وَاحِدًا يتَصَرَّف فِي شئ تصرف الْملاك وَشهد عَدْلَانِ عِنْدهمَا أَن هَذَا الشئ لفُلَان آخر لَا يَشْهَدَانِ أَنه للمتصرف، بِخِلَاف أَخْبَار الْعدْل الْوَاحِد. وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: إِذْ شهد عنْدك عَدْلَانِ بِخِلَاف مَا سمعته مِمَّن وَقع فِي قَلْبك صدقه لم يسعك الشَّهَادَة، إِلَّا إِذا علمت يَقِينا أَنَّهُمَا كاذبان، وَإِن شهد عنْدك عدل لَك أَن تشهد بِمَا سَمِعت، إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك صدقه، وَيَنْبَغِي ذَلِك جَمِيعه فِي كل شَهَادَة اه بِالْمَعْنَى. السَّابِع: أَن لَا يقف الشَّاهِد على أَن الْمقر أقرّ خوفًا، فَإِن علم بذلك لَا يشْهد، فَإِن قَالَ الْمقر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 أَقرَرت خوفًا وَكَانَ الْمقر لَهُ سُلْطَانا وَكَانَ الْمقر فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان وَلم يعلم الشَّاهِد بخوفه شهد عِنْد القَاضِي وَأخْبرهُ أَنه كَانَ فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان اه ط. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا للجوهرة: وَكَذَا إِذا خَافَ الشَّاهِد على نَفسه من سُلْطَان جَائِر أَو غَيره أَو لم يتَذَكَّر الشَّهَادَة على وَجههَا وَسعه الِامْتِنَاع اه. مطلب: للشَّاهِد أَن يمْتَنع من أَدَائِهَا عِنْد غير الْعدْل قَوْله: (مِنْهَا عَدَالَة قَاض) فَلهُ أَن يمْتَنع من الاداء عِنْد غير الْمعدل، لانه رُبمَا لَا يقبل ويجرح، وَلَو غلب على ظَنّه أَنه يقبله لشهرته مثلا يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء، وَكَذَا الْمعدل لَو سُئِلَ عَن الشَّاهِد فَأخْبر بِأَنَّهُ غير عدل لَا يجب عَلَيْهِ أَن يعدله عِنْده. بَحر. مطلب: إِذا كَانَ مَوضِع القَاضِي بَعيدا من مَوضِع الشَّاهِد بِحَيْثُ لَا يَغْدُو وَيرجع فِي يومم لَا يَأْثَم بِعَدَمِ الاداء قَوْله: (وَقرب مَكَانَهُ) أَي أَن يكون مَوضِع الشَّاهِد قَرِيبا من مَوضِع القَاضِي، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ. قَالُوا: لَا يَأْثَمُ لانه يلْحقهُ الضَّرَر بذلك. وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) * (الْبَقَرَة: 282) . قَوْله: (وَعلمه بقبوله) فَلَو علم أَنه لَا يقبلهَا لَا يلْزمه. بَحر. قَالَ الْحَمَوِيّ: فَلَا شكّ ينظر حكمه. قَوْله: (أَو بِكَوْنِهِ أسْرع قبولا) أَي فَيجب الاداء وَإِن كَانَ هُنَاكَ من تقبل شَهَادَته. فتح. وَفِيه تَأمل. مقدسي. وَكَأَنَّهُ لعدم ظُهُور وَجه الوجوبه حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ من يقوم بِهِ الْحق، ط عَن الْحَمَوِيّ. أَقُول: لكنه بَحثه فِي مُقَابلَة الْمَنْقُول، فقد ذكر الْمَسْأَلَة فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْخَانِية. قَوْله: (إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) أَيْ بَدَلُ الشَّاهِدِ، وَهَذَا هُوَ خَامِس الشُّرُوط. وَأما الِاثْنَان الباقيان تَتِمَّة السَّبْعَة فقد قدمناهما آنِفا، وهما: أَنْ لَا يَعْلَمَ بُطْلَانَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَأَنْ لَا يعلم أَن الْمقر أقرّ خوفًا الخ. وأل فِي الشَّاهِد للْجِنْس فَيصدق بِالْوَاحِدِ والمتعدد. مطلب: لَو لزم الشَّاهِد الاداء وَلم يؤد ثمَّ أدّى الشَّهَادَة وَلَو لزم الشَّاهِد الاداء بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة فَلم يؤد بِلَا عذر ظَاهر ثمَّ أدّى، قَالَ شيخ الاسلام: لَا تقبل لتمكن الشُّبْهَة، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تَأْخِيره كَانَ لاستجلاب الاجرة. قَالَ الْكَمَال: وَالْوَجْه الْقبُول، وَيحمل على الْعذر من نِسْيَان ثمَّ تذكر أَو غَيره اه. قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَعِنْدِي أَن الْوَجْه مَا قَالَه شيخ الاسلام، لَا سِيمَا وَقد فسد الزَّمَان وَعلم من حَال الشُّهُود التَّوَقُّف بِمُقْتَضى الْقُوَّة، وَهَذَا مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مطرد فِي كل حِرْفَة لَا يتَوَجَّه فِيهَا تَأْوِيل اه. قَوْله: (لانها فرض كِفَايَة) أَي إِذا قَامَ بهَا الْبَعْض الْكَافِي سقط عَن البَاقِينَ. قَوْله: (تَتَعَيَّنُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ لِتَحَمُّلٍ أَو أَدَاء) قَالَ الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِنَّه عَام فِي التَّحَمُّل والاداء، لَكِن فِي التَّحَمُّل على الْمُتَعَاقدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا للاشهاد، وَلَا يلْزم الشَّاهِدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا، وَفِي الاداء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 يلْزمهُمَا الْحُضُور إِلَى القَاضِي، لَا أَن القَاضِي يَأْتِي إِلَيْهِمَا ليؤديا. وَيسْتَحب الاشهاد فِي الْعُقُود إِلَّا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ يجب عندنَا، وَكَذَا فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد. قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْمُلْتَقط: الاشهاد على المداينة والبيوع فرض. كَذَا رَوَاهُ نصير. وَذكر الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن الاشهاد على المبايعات والمداينات مَنْدُوب، إِلَّا النزر الْيَسِير كالخبز وَالْمَاء والبقل، وَأطْلقهُ جمَاعه من السّلف حَتَّى فِي البقل اه. قَالَ فِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: وَذكر فِي فَتَاوَى أهل سَمَرْقَنْد أَن الاشهاد على المداينة وَالْبيع فرض على الْعباد، إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا حَقِيرًا لَا يخَاف عَلَيْهِ التّلف، وَبَعض الْمَشَايِخ على أَن الاشهاد مَنْدُوب وَلَيْسَ بِفَرْض اه. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا بَأْس للرجل أَن يتحرز عَن تحمل الشَّهَادَة، وَلَو طلب مِنْهُ أَن يكْتب شَهَادَته أَو يشْهد على عقد أَو طلب مِنْهُ الاداء: إِن كَانَ يجد غَيره فَلهُ الِامْتِنَاع، وَإِلَّا فَلَا انْتهى. وَحِينَئِذٍ فالتحمل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مَحْمُول على مَا إِذا لم يُوجد غَيره، وَإِلَّا فالاولى الِامْتِنَاع كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَكَذَا الْكَاتِب إِذا تعين) صرح الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن بِأَن عَلَيْهِمَا الْكِتَابَة إِذا لم يُوجد غَيرهمَا إِذا كَانَ الْحق مُؤَجّلا، وَإِلَّا فَلَا اه. بَحر. قَوْله: (لَكِن لَهُ أَخذ الاجرة لَا للشَّاهِد) فِي الْمُجْتَبَيْ عَنْ الْفَضْلِيِّ: تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، وَعَلَى هَذَا الْكَاتِب، إِلَّا أَنه يجوز أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ اه. شَلَبِيٌّ. اهـ ط. لَكِن ينظر مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَخْذُ الْأَجْرِ بِهِ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِمَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ غَاسِلَ الْأَمْوَاتِ إذَا تعين لَا يحل لَهُ أَخذ الاجر. تَأمل. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (حَتَّى لَو أركبه بِلَا عذر) بِأَن كَانَ يقدر على الْمَشْي أَو مَال يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة وأركبه من عِنْده. قَوْله: (وَبِه) أَي بالعذر، بِأَن كَانَ شَيخا لَا يقدر على الْمَشْي وَلَا يجد مَا يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة، وَهَذَا التَّفْصِيل لصَاحب النَّوَازِل ط. قَوْله: (لحَدِيث أكْرمُوا الشُّهُود) تَمَامه فَإِن الله تَعَالَى يسْتَخْرج بهم الْحُقُوق وَيدْفَع بهم الظُّلم رَوَاهُ الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (وَجوز الثَّانِي الاكل مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ أَوْ لَا، وَمنعه مُحَمَّد مُطلقًا، وَبَعْضهمْ فصل. قَالَ فِي الْبَحْر: الشُّهُود فِي الرستاق واحتيج إِلَى أَدَاء شَهَادَتهم هَل يلْزمهُم كِرَاء الدَّوَابّ؟ قَالَ: لَا رِوَايَة فِيهِ، وَلَكِن سَمِعت من الْمَشَايِخ أَنه يلْزمهُم. وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو وضع للشُّهُود طَعَاما فَأَكَلُوا: إِن كَانَ مهيئا من قبل ذَلِك تقبل، وَإِن صنعه لاجلهم لَا تقبل. وَعَن مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا. وَعَن أبي يُوسُف: تقبل فيهمَا للْعَادَة الْجَارِيَة بإطعام من حل مَحل الانسان مِمَّن يعز عَلَيْهِ شَاهدا أَو لَا، ويؤنسه مَا تقدم من أَن الاهداء إِذا كَانَ بِلَا شَرط ليقضي حَاجته عِنْد الامير يجوز. كَذَا قيل: وَفِيه نظر فَإِن الاداء فرض بِخِلَاف الذّهاب إِلَى الامير اه. وَجزم فِي الْمُلْتَقط بِالْقبُولِ مُطلقًا اه. قَوْله: (وَبِه يُفْتى بَحر) نَقله عَن ابْن وهبان فِي شَرحه لمنظومته. قَالَ شارحها الْعَلامَة ابْن عبد الْبر بن الشّحْنَة نقلا عَن مُخْتَصر الْمُحِيط للخبازي: أخرج الشُّهُود إِلَى ضَيْعَة اشْتَرَاهَا فاستأجر لَهُم دَوَاب ليركبوها: إِن لم يكن لَهُم قُوَّة الْمَشْي وَلَا طَاقَة الْكِرَاء تقبل شهاتدهم، وَإِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 فَلَا، فَإِن أكل طَعَاما للْمَشْهُود لَهُ لَا ترد شَهَادَته. وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: الْجَواب فِي الرّكُوب مَا قَالَ، أما فِي الطَّعَام: إِن لم يكن الْمَشْهُود لَهُ هيأ طَعَامه للشَّاهِد بل كَانَ عِنْده طَعَام فقدمه إِلَيْهِم وأكلوه لَا ترد شَهَادَتهم، وَإِن هيأ لَهُم طَعَاما فأكلوه لَا تقبل شَهَادَتهم. هَذَا إِذا فعل ذَلِك لاداء الشَّهَادَة، فَإِن لم يكن كَذَلِك لكنه جمع النَّاس للاستشهاد وهيأ لَهُم طَعَاما أَو بعث لَهُم دَوَاب وأخرجهم من الْمصر فَرَكبُوا وأكلوا طَعَامه اخْتلفُوا فِيهِ. قَالَ الثَّانِي فِي الرّكُوب: لَا تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك وَتقبل فِي أكل الطَّعَام. وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا، وَالْفَتْوَى على قَول الثَّانِي لجري الْعَادة بِهِ، سِيمَا فِي الانكحة ونثر السكر وَالدَّرَاهِم، وَلَو كَانَ قادحا فِي الشَّهَادَة لما فَعَلُوهُ. كَذَا فِي الفخرية اه. قَوْله: (وَيجب الاداء) أَي يفترض إِمَّا كِفَايَة أَو عينا. قَوْله: (لَو الشَّهَادَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى) وَجه قبُول الشَّهَادَة بِلَا طلب فِيمَا ذكر أَنَّهَا حق الله تَعَالَى، وَحقّ الله تَعَالَى يجب على كل أحد الْقيام بإثباته، وَالشَّاهِد من جملَة من عَلَيْهِ ذَلِك فَكَانَ قَائِما بِالْخُصُومَةِ من جِهَة الْوُجُوب وَشَاهدا من جِهَة تحمل ذَلِك فَلم يحْتَج إِلَى خصم آخر اه. وَبَعْضهمْ جعل الْقَائِم بِالْخُصُومَةِ القَاضِي ط. قَوْله: (أَرْبَعَة عشر) ذكر مِنْهَا طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة وتدبيرها، وَمِنْهَا الْوَقْف. قَالَ قاضيخان: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْد الْكل، وَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء أَو على الْمَسْجِد لَا تقبل عِنْده بِدُونِ الدَّعْوَى، وَتقبل عِنْدهمَا بِدُونِهِ، وَبِه أفتى أَبُو الْفضل الْكرْمَانِي وَهُوَ الْمُخْتَار. عمادية. وَمِنْهَا هِلَال رَمَضَان. قَالَ قاضيخان: الَّذِي يَنْبَغِي أَنه لَا تشرط الدَّعْوَى فِيهِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحرَّة. وَفِي الْعمادِيَّة عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، الشَّهَادَة بِهِلَال عيد الْفطر لَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى. وَفِي الاضحى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ: قاسه بَعضهم على هِلَال رَمَضَان، وَبَعْضهمْ على هِلَال الْفطر. وَمِنْهَا: الْحُدُود غير حد الْقَذْف وَالسَّرِقَة. وَمِنْهَا: النّسَب، وَفِيه خلاف. حكى صَاحب الْمُحِيط الْقبُول من غير دَعْوَى لانه يتَضَمَّن حرمات كلهَا لله تَعَالَى: حُرْمَة الْفرج، وَحُرْمَة الامومة والابوة. وَقيل لَا تقبل من غير خصم. وَمِنْهَا: الْخلْع فَإِن الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَرْأَة مَقْبُولَة اتِّفَاقًا وَيسْقط الْمهْر عَن ذمَّة الزَّوْج، وَدخُول المَال فِي هَذِه الشَّهَادَة تبع. وَمِنْهَا: الايلاء وَالظِّهَار والمصاهرة، وَيشْتَرط أَن يكون الْمَشْهُود عَلَيْهِ حَاضرا. وَمِنْهَا: الْحُرِّيَّة الاصلية عِنْدهمَا. وَالصَّحِيح اشْتِرَاط الدَّعْوَى فِي ذَلِك عِنْد الامام كَمَا فِي الْعتْق الْعَارِض. وَمِنْهَا: النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يثبت بِلَا دَعْوَى كَالطَّلَاقِ، لَان حل الْفرج وَالْحُرْمَة حق لله تَعَالَى. وَمِنْهَا: عتق العَبْد عِنْدهمَا، لَان الْغَالِب عِنْدهمَا فِيهِ حق الله تَعَالَى لَان الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود، وَلذَا لم يجز استرقاق العَبْد بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى. وَقَالَ الامام لَا بُد فِي عتقه من دَعْوَى وَالْغَالِب فِيهِ حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِد إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصة من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، وَقد تمت الاربع عشرَة مَسْأَلَة. وَقَوله عد مِنْهَا الخ يُفِيد أَن هُنَاكَ مسَائِل أخر هُوَ كَذَلِك وَهِي الَّتِي ذكرهَا بعد، وَقد أعَاد صَاحب الاشباه ذكر شَهَادَة الْحِسْبَة بعد، فعد حد الزِّنَا وحد الشّرْب مَسْأَلَتَيْنِ، وَزَاد الشَّهَادَة على دَعْوَى مولى العَبْد نسبه اه ط. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قُلْت: وَيُزَادُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ المُصَنّف فِي بَابه وَتقدم فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 الْوَقْف. قَوْله: (بِلَا عذر فسق فَترد) نصوا عَلَيْهِ فِي الْحُدُود وَطَلَاق الزَّوْجَة وَعتق الامة، وَظَاهر مَا فِي الْقنية: أَنه فِي الْكل، وَهُوَ فِي الظَّهِيرِيَّة واليتيمة اه. أشباه. وَفِي الْبَحْر عَن الْقنية: أجَاب بعض الْمَشَايِخ فِي شُهُود شهدُوا بِالْحُرْمَةِ الْمُغَلَّظَة بعد مَا أخروا شَهَادَتهم خَمْسَة أَيَّام من غير عذر أَنَّهَا لَا تقبل إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج، ثمَّ نقل عَن الْعَلَاء الحمامي والخطيب الانماطي وَكَمَال الائمة البياعي: شهدُوا بعد سِتَّة أشهر بِإِقْرَار الزَّوْج بالطلقات الثَّلَاث لَا يقبل إِذا كَانُوا عَالمين بعيشهم عَيْش الازواج، وَكثير من الْمَشَايِخ أجابوا كَذَلِك فِي جنس هَذَا. وَتَمَامه فِيهِ وَفِي الْحَمَوِيّ. وَقيل الْمدَار فِي التَّأْخِير على التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي، وَهل ذَلِك خَاص بالفروج أَو لَا؟. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا طلب الْمُدَّعِي الشَّاهِد لاداء الشَّهَادَة فَأخر من غير ظَاهر لَا تقبل اه. فإطلاقه يُفِيد عدم الْقبُول مُطلقًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة اه مُلَخصا. وَأفْتى فِي تَنْقِيح الحامدية بِأَنَّهُ حَتَّى أخر خَمْسَة أَيَّام من غير عذر إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج فَإِنَّهَا لَا تقبل، وَعَزاهُ لمُعين الْمُفْتِي وجامع الْفَتَاوَى. أَقُول: قد علمت أَن ذكر خَمْسَة أَيَّام أَو سِتَّة أشهر لَيْسَ بِقَيْد، بل المُرَاد التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي وَهُوَ مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، بل هُوَ مطرد فِي كل حُرْمَة لَا يُوجد فِيهَا تَأْوِيل كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ. قَوْله: (كَطَلَاق امْرَأَة حرَّة أَو أمة، وَقيد الْقبُول فِي النِّهَايَة بِمَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا، أما إِذا كَانَ غَائِبا فَلَا. قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَكَذَا يشْتَرط حُضُور الْمولى فِي صُورَة الامة، وَلَكِن لَا يشْتَرط حُضُور الْمَرْأَة وَلَا الامة على الْمَشْهُور، وَتقبل إِن أنكر الزَّوْجَانِ ط. وَمثله فِي الْعمادِيَّة والفصولين وَالْبَزَّازِيَّة. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا غَابَ الرجل عَن امْرَأَته فَأَخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو مَاتَ عَنْهَا فلهَا أَن تَعْتَد وتتزوج بِزَوْج آخر، وَكَذَا إِن كَانَ الْمُخَير فَاسِقًا، لَان هَذَا من بَاب الدّيانَة فَيثبت بِخَبَر الْوَاحِد، بِخِلَاف النِّكَاح وَالنّسب اه. أَقُول: لكنه فِي التَّنْقِيح ذكر الْعدْل دون الْفَاسِق. قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت، وَهَذَا عِنْد المعاينة أَو الْمُشَاهدَة لمَوْته أَو جنَازَته. وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (أَي بَائِنا) هَذَا الْقَيْد لم يذكرهُ فِي التَّنْقِيح بل أطلق الطَّلَاق، وَكَذَلِكَ أطلقهُ فِي الاشباه وَلم يُقَيِّدهُ بالبائن، وَكَذَا محشوها، لَكِن قَالَ ط: وَالتَّقْيِيد بِهِ ظَاهر، لانه إِذا طَلقهَا رَجْعِيًا لَا يُنكر بعده معيشتهم معيشة الازواج لانه يعد مراجعا لَهَا. قَوْله: (وَعتق أمة) أَي عِنْد الْكل لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج وَهِي حق الله تَعَالَى، وَهل يحلف حسبَة فِي طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة؟ أَشَارَ مُحَمَّد فِي بَاب التَّحَرِّي أَنه يحلف. كَذَا فِي شرح الْقَدُورِيّ. وَذكر السَّرخسِيّ فِي مقدمه بَاب السلسلة أَنه لَا يحلف، فَتَأَمّله عِنْده الْفَتْوَى. كَذَا ذكره ابْن الشّحْنَة ط. قَوْله: (وتدبيرها) جعل ابْن وهبان الْقبُول يخْتَلف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الامة وَالْعَبْد كَمَا فِي عتقهما. فَتقبل فِي الامة عِنْد الْكل، وَفِي العَبْد يجْرِي الْخلاف، لَان التَّدْبِير فِيهَا يتَضَمَّن حُرْمَة فرجهَا على الْوَرَثَة بعد موت السَّيِّد ط. قَوْله: (وَكَذَا عتق عبد) أَي عِنْدهمَا خلافًا لَهُ، فَإِن دَعْوَاهُ شَرط عِنْده، كَمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل بِعِتْق عَبده وَالْعَبْد وَالْمولى ينكران ذَلِك لَا تقبل الشَّهَادَة عِنْد الامام. وَقَالا: تقبل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 وَفِي الْحَقَائِق: قد تتَحَقَّق الدَّعْوَى حكما بِأَن يقطع العَبْد يَد حر فَقَالَ الْحر أعتقك مَوْلَاك قبل الْجِنَايَة ولي عَلَيْك الْقصاص فأنرك العَبْد وَالْمولى ذَلِك تقبل بَينته وَيقْضى بِعِتْقِهِ، لَان دَعْوَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعتْق قَائِم مقَام دَعْوَى العَبْد حكما. ثمَّ اعْلَم أَن الشَّهَادَة بِلَا دَعْوَى أحد مَقْبُولَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى، لَان القَاضِي يكون نَائِبا عَن الله تَعَالَى فَتكون شَهَادَة على خصم فَتقبل، وَغير مَقْبُولَة فِي حُقُوق العَبْد، وَهَذَا أصل مُتَّفق عَلَيْهِ، لَكِن الْغَالِب عِنْدهمَا فِي عتق العَبْد حق الله تَعَالَى، لَان سَبَب الْمَالِكِيَّة وَهِي الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا: يَعْنِي كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود وَلذَا لم يجز استرقاق الْحر بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى، فَتقبل بِدُونِ الدَّعْوَى، وَالْغَالِب عِنْده حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِدًا إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصه من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، فَلَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي شرح الْمجمع لِابْنِ ملك. قَوْله: (وتدبيره) قد علمت أَنه على الْخلاف كَمَا ذكره ابْن وهبان، وَلَا فرق عِنْد الامام بَين أَن يشْهدُوا بِالْعِتْقِ أَو بِالْحُرِّيَّةِ الاصلية، وَالشَّارِح مَشى على قَوْلهمَا وَتبع الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي عدم الْفرق بَين الْحُرِّيَّة الاصلية والعارضة. قَوْله: (وَهل يقبل جرح الشَّاهِد حسبَة) الْجرْح بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى تجريح، ثمَّ قَوْله حسبَة يحْتَمل أَنه حَال من جرح: يَعْنِي أَن المجرح يفعل ذَلِك حسبَة، وَيحْتَمل أَنه حَال من الْمشَاهد ذكره بَعضهم ط. والاول أظهر. قَالَ الْحلَبِي: حسبَة مُتَعَلق بِالْجرْحِ لَا بِالشَّاهِدِ. قَوْله: (فبلغت ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَيْ بِزِيَادَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ وَتَدْبِيرِهِ وَالرَّضَاعِ وَالْجَرْحِ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَعِتْقُ الْأَمَةِ وتدبيرها فَمن الاربعة عشر ح. قَالَ ط: وَفِيه أَن عتق العَبْد من جملَة الاربعة عشر اه. أَقُول: لم يزدْ على مَا فِي الاشباه غير عتق العَبْد وتدبيره وَالرّضَاع وَهِي دَاخِلَة فِي الاربعة عشر، فَعتق العَبْد وتدبيره دَاخل فِي عتق الامة وتدبيرها على قَوْلهمَا، وَالرّضَاع دَاخل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة. تَأمل. قَوْله: (وَلَيْسَ لنا مدعي حسبَة) الاولى مُدع حسبَة بِحَذْف يَاء مدعي. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوُقُوف عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالْمُفْتَى بِهِ عدم سماعهَا إِلَّا من الْمُتَوَلِي كَمَا تقدم فِي الْوَقْف. قَالَ ط: فَإِذا كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَا تسمع دَعْوَاهُ فالاجنبي بالاولى. أشباه اه. أَقُول: لَكِن فِي فَتَاوَى الحانوتي أَن الْحق أَن الْوَقْف إِذا كَانَ على معِين تسمع مِنْهُ اه. فَتَأمل. لَكِن قَيده سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه بِأَن تكون بِإِذن قَاض على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْله: (وسترها فِي الْحُدُود) أَي كتمانها. قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالشَّهَادَة يُخَيّر فِيهَا الشَّاهِد فِي السّتْر والاظهار، لانه بَين حسبتين: إِقَامَة الْحَد، والتوقي عَن الهتلك والستر أفضل اه. قَالَ الكاكي: والحسبة مَا ينْتَظر بِهِ الاجر فِي الْآخِرَة. وَفِي الصِّحَاح: احتسب كَذَا أجرا عِنْد الله تَعَالَى، وَالِاسْم الْحِسْبَة بِالْكَسْرِ وَالْجمع الْحسب اه. قَوْله: (أبر) أَفَادَ أَن عَدمه (1) جَائِز إِقَامَة للحسبة لما فِيهِ من إِزَالَة الْفساد أَو تقليله فَكَانَ حسنا، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: * (إِن الَّذِي يحبونَ أَن تشيع *   (1) أَي يزم السّتْر وَهُوَ الشَّهَادَة اه. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 لَا لفاحشة فِي الَّذين آمنُوا) * (النُّور: 19) الْآيَة، لَان ظَاهرهَا أَنهم يحبونَ ذَلِك لاجل إِيمَانهم وَذَلِكَ صفة الْكَافِر، ولان مَقْصُود الشَّاهِد ارتفاعها لَا إشاعتها وَكَذَا لَا يُعَارض أَفضَلِيَّة السّتْر آيَة النَّهْي عَن كتمانها لانها فِي حُقُوق الْعباد بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِذْ الْحُدُود لَا مدعى فِيهَا. ورد قَول من قَالَ إِنَّهَا فِي الدُّيُون بِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب كَمَا ذكره الرَّازِيّ، أَو لانه عَام مَخْصُوص بِأَحَادِيث السّتْر الَّتِي بلغت مبلغا لَا ينحط عَن دَرَجَة الشُّهْرَة لتَعَدد متونها مَعَ قبُول الامة لَهَا، أَو هِيَ مُسْتَند الاجماع على تَخْيِير الشَّاهِد فِي الْحُدُود كَمَا يفهم من الْبَحْر. وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِيهِ، فَرَاجعه فَإِنَّهُ مُهِمّ. قَوْله: (وَلِحَدِيث من ستر ستر) الَّذِي فِي الْفَتْح من ستر على مُسلم ستره الله تَعَالَى وَأفَاد أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَوْله: (إِلَّا لمتهتك بَحر) وَفِيه عَن الْفَتْح. وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إِلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه لانها فِي رُتْبَة النّدب فِي جَانب الْفِعْل وَكَرَاهَة التَّنْزِيه فِي جَانب التّرْك، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لم يعْتد الزِّنَا وَلم يتهتك بِهِ، أما إِذا وصل الْحَال إِلَى إشاعته والتهتك بِهِ، بل بَعضهم رُبمَا افتخر بِهِ فَيجب كَون الشَّهَادَة أولى من تَركهَا، لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِش بالخطابات المفيدة لذَلِك، وَذَلِكَ يتَحَقَّق بِالتَّوْبَةِ من الغافلين وبالزجر لَهُم، فَإِذا ظهر حَال الشُّهْرَة فِي الزِّنَا مثلا وَالشرب وَعدم المبالاة بِهِ وإشاعته، فإخلاء الارض الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَال يُقَابله ظُهُور عدمهَا مِمَّن اتّصف بذلك، فَيجب تَحْقِيق السَّبَب الآخر للاخلاء وَهُوَ الْحُدُود، خلاف من زنى مرّة أَو مرَارًا مستترا متخرفا متندما عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحل اسْتِحْبَاب ستر الشَّاهِد، وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لهزال فِي مَاعِز لَو كنت سترته بثوبك الحَدِيث، وَذكره فِي غير مجْلِس القَاضِي بِمَنْزِلَة الْغَيْبَة يحرم مِنْهُ مَا يحرم مِنْهَا وَيحل مِنْهُ مَا يحل مِنْهَا اه. قَوْله: (والاولى الخ) هَذَا كالاستدراك على قَوْله أبر، لانه رُبمَا يُفِيد عدم التَّعَرُّض بِالشَّهَادَةِ فِي السّرقَة أصلا وَيلْزم مِنْهُ ضيَاع حق الْغَيْر، فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع. فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَفِيه إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ أَسْبَابِ الْحُدُودِ اه. وَبِه ظهر الْجَواب. قَوْله: (أَخذ) الاخذ أَعم من كَونه غصبا أَو على ادِّعَاء أَنه ملكه مودعا عِنْد الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَغير ذَلِك، فَلَا تَسْتَلْزِم الشَّهَادَة بالاخذ مُطلقًا ثُبُوت الْحَد بهَا. كَمَال. لَكِن قد يُقَال مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَا إحْيَاء للحق فِيهِ ط. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يَقُول سرق مُحَافظَة على السّتْر، ولانه لَو ظَهرت السّرقَة لوَجَبَ الْقطع وَالضَّمان لَا يُجَامع الْقطع فَلَا يحصل إحْيَاء حَقه. وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان بِأَن قَوْله أَخذ أولى من سرق، وعَلى هَذَا فَيحمل قَول الْقَدُورِيّ: وَجب أَن يَقُول أَخذ على معنى ثَبت لَا الْوُجُوب الفقهي، وَقَوله فِي الْعِنَايَة: فَتعين ذَلِك مَعَ قَوْله لَا يجوز: أَي أَن يَقُول سرق تسَامح، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الافضل، وكل مِنْهُمَا جَائِز اه. (وَفِيه لَطِيفَة) حكى الْفَخر الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير: أَن هَارُون الرشيد كَانَ مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُف، فَادّعى رجل على آخر بِأَنَّهُ أَخذ مَاله من بَيته فَأقر بالاخذ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاء فأفتوا بِقطع يَده، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا، لانه لم يقر بِالسَّرقَةِ وَإِنَّمَا أقرّ بالاخذ، فَادّعى الْمُدَّعِي أَنه سرق فَأقر بهَا فأفتوا بِالْقطعِ. وَخَالفهُم أَبُو يُوسُف فقالو لَهُ: لم؟ قَالَ: لانه لما أقرّ أَولا بالاخذ ثَبت الضَّمَان عَلَيْهِ وَسقط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 الْقطع. فَلَا يقبل إِقْرَاره بعده بِمَا يسْقط الضَّمَان عَنهُ فعجبوا اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا ظَاهر فِي أَنه إِذا ادّعى أَنه أَخذ مَالِي أَو دَابَّتي تسمع، وَإِن لم يبين وَجه الاخذ اه. قَوْله: (ونصابها) أَي مَا تنصب عَلَيْهِ: أَي تتَوَقَّف عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الْكَمَال: وَلم يَقُلْ وَشَرْطُهَا: أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْولادَة وأختيها. قَوْله: (للزِّنَا أَرْبَعَة) وَذَلِكَ يُشِير إِلَى ندب السّتْر، لانه قَلما يشْهد بِهِ أَرْبَعَة بِصفتِهِ الْمُوجبَة، وَالدَّلِيل قَوْله تَعَالَى * (فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم) * النِّسَاء: 15) وَقَوله: * (ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء) * (النُّور: 4) . فَلَا يجوز بالاقل، وَنحن إِن لم نقل بِالْمَفْهُومِ فالاجماع عَلَيْهِ، وَقدم الِاسْتِدْلَال بالآيتين على قَوْله تَعَالَى: * (اسْتشْهدُوا شهدين من رجالكم) * (الْبَقَرَة: 282) لَان الاول مَانع وَالثَّانِي مُبِيح وَالْمَانِع مقدم، وَالدَّلِيل وَإِن كَانَ فِي النِّسَاء مُثبت فِي حق الرِّجَال للمساواة. ط أخذا من الْبَحْر بِالْمَعْنَى عَن فتح الْقَدِير. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: عبارَة فتح الْقَدِير: وَأَن النَّص أوجب أَرْبَعَة رجال بقوله تَعَالَى: * (أَرْبَعَة مِنْكُم) * (النِّسَاء: 15) فقبول امْرَأتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَة مُخَالف لما نَص عَلَيْهِ من الْعدَد والمعدود، وَغَايَة الامر الْمُعَارضَة بَين عُمُوم قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَبَين هَذِه فَتقدم هَذِه لانها مَانِعَة وَتلك مبيحة اهـ. وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِي كَلَامه من الْمُخَالفَة والايهام. تَأمل. قَالَ فِي الْبَحْر: وَقدمنَا فِي الْحُدُود أَنه يجوز كَون الزَّوْج أَحدهمَا، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: أَن يقذفها الزَّوْج أَولا ثمَّ يشْهد مَعَ ثَلَاثَة، وَأَن يشْهد مَعَهم على زنَاهَا بِابْنِهِ مطاوعه اهـ. قَوْله: (لَيْسَ مِنْهُم ابْنُ زَوْجِهَا) أَيْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو أم الابْن حَيَّة، أما إِذا فقد فَيجوز. قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ ولاحداهما خَمْسَة بَنِينَ شهد أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ، إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو كَانَت أمّهم حَيَّة اه. وَالْمَنْع فِي كَون الاب مُدعيًا لَعَلَّه مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بعد قذفه لَهَا لانه يدْفع بِشَهَادَتِهِ عَن أَبِيه اللّعان، وَفِي كَون أمّهم حَيَّة للعداوة الدُّنْيَوِيَّة عَادَة. قَوْله: (وَلَو علق عتقه بِالزِّنَا) أَي بزنا نفس الْمولى. قَوْله: (وَلَا حد) أَي على الْمولى ويستحلف إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ. قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْعتْق الْمُعَلق بِالزِّنَا يَقع بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَإِن لم يحد الْمولى، ويستحلف الْمولى إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ، وَفِيه خلاف ذكره فِي الْخَانِية وأدب الْقَضَاء للخصاف اه. مطلب: فِي الشَّهَادَة على اللواطة قَالَ أَبُو السُّعُود: وَاخْتلفُوا فِي الشَّهَادَة على اللواطة: فَعِنْدَ الامام: يقبل فِيهَا رجلَانِ عَدْلَانِ لَان مُوجبهَا التَّعْزِير عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: لَا بُد فِيهِ من أَرْبَعَة كَالزِّنَا. مطلب: فِي الشَّهَادَة على إتْيَان الْبَهِيمَة وَأما إتْيَان الْبَهِيمَة فالاصح أَنه يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ، وَلَا يقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء اه. قَوْله: (فَأعْتقهُ القَاضِي) أَي حكم بِعِتْقِهِ، وَكَذَا قَوْله ورجمه. قَوْله: (ضمن الاولان قِيمَته لمَوْلَاهُ) لاتلاف رقبته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 الْمَمْلُوكَة على السَّيِّد. قَوْله: (دِيَته لَهُ) انْظُر هَل المُرَاد بِالدِّيَةِ هُنَا قِيمَته لانه رَقِيق أَو دِيَة الاحرار لحكم القَاضِي عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَيدل لذَلِك قَوْله لَو وَارثه فَإِن لَو كَانَ رَقِيقا لكَانَتْ الدِّيَة للسَّيِّد وَلَا بُد ط. قَوْلُهُ: (لَوْ وَارِثَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِلَّا لِوَارِثِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَوَدِ) شَمِلَ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتهم، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى القَاضِي، لَان مُوجب هَذِه الْجِنَايَة المَال فَقيل فِيهِ شَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء اه. أَقُول: علم بِهِ قبُول شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي طرف الرجل وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وكل مَا لَا قصاص فِيهِ وَكَانَ مُوجبه المَال، وَيعلم بِهِ كثير من الوقائع الحالية. قَوْله: (وَمِنْه) أَي من الْقود. قَوْله: (لمآلها) أَي تؤول. قَوْله: (لقَتله) بِسَبَب ردته: أَيْ إنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الانثى) فَإِنَّهَا لَا تقتل بل تحبس، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ، بَلْ فِي الْمَقْدِسِيَّ: لَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي النَّصْرَانِي كَذَلِك،، فَيجْبر وَلَا يقتل، ورأيته فِي الْوَلوالجِيَّة اه. سائحاني. وَإِنَّمَا لَا يقتل لانه لم يشْهد على إِسْلَامه مسلمان. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى إسْلَامِهِ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْله وَالذِّمِّيّ على مثله، وَتقدم فِي بَاب الْمُرْتَد أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لم يتب، إِلَّا من ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجلَيْنِ ثمَّ رجعا. وَمن ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ على رِوَايَة النَّوَادِر. وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الاسلام، وَهَذَا كُله قَوْله الْإِمَامِ. وَفِي النَّوَادِرِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَر كَمَا فِي ح. وَاعْتمد قاضيخان أَن قَوْلَ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْقَتْلِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَيَّ نَفْسٍ كَانَت لَا تقتل بِشَهَادَة النِّسَاء اهـ. قَوْله: (وَمثله ردة مُسلم) أَي حكما وَهُوَ تَقْيِيد أَو عِلّة، قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما الشَّهَادَة بردة مُسلم فَلَا يقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء كَمَا ذكره فِي الْعِنَايَة من الْيُسْر اه. قَوْله: (رجلَانِ) إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَة النِّسَاء لحَدِيث الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله والخليفتين من بعده أَن لَا شَهَادَة للنِّسَاء فِي الْحُدُود وَالْقصاص، ولان فِيهَا شُبْهَة البذلية لقيامها مقَام شَهَادَة الرِّجَال، فَلَا تقبل فِيهَا تندرئ بِالشُّبُهَاتِ. كَذَا فِي الْهِدَايَة. وَإِنَّمَا لم يكن فِيهَا حَقِيقَة الْبَدَلِيَّة لانها إِنَّمَا تكون فِيمَا امْتنع الْعَمَل بِالْبَدَلِ مَعَ إِمْكَان الاصل، وَلَيْسَت كَذَلِك فَإِنَّهَا جَائِزَة مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِشَهَادَة الرجلَيْن كَمَا فِي الْعِنَايَة. وَفِي خزانَة الاكمل: لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رفع إِلَى آخر أَمْضَاهُ اهـ. بَحر. أَقُول: والاحسن حذف قَوْله أَو لَا يرَاهُ، لَان القَاضِي حِينَئِذٍ يحكم بِمُقْتَضى مذْهبه. قَوْله: (إِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 الْمُعَلق فَيَقَع) أَي إِذا كَانَ بعض الشُّهُود نسْوَة وَلَا يحد: يَعْنِي مَا علق على شئ مِمَّا يُوجب الْحَد والقود لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَجُلَانِ، بَلْ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بذلك. وَصورته كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: رجل قَالَ إِن شربت الْخمر يثبت بذلك فمملوكي حر، فَشهد رجل وَامْرَأَتَانِ أَنه شرب الْخمر عتق العَبْد وَلَا يحد، لَان هَذِه شَهَادَة لَا مجَال لَهَا فِي الْحُدُود، وَلَو قَالَ إِن سرقت من فلَان شَيْئا فعلى قِيَاس مَا ذَكرْنَاهُ يَنْبَغِي أَن يضمن المَال وَيعتق العَبْد وَلَا يقطع اه. وعزى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخَانِية إِلَى أبي يُوسُف، ثمَّ قَالَ: وَالْفَتْوَى فيهمَا على قَول أبي يُوسُف. وَفِي خزانَة الاكمل: شَهدا أَنه أعتق عَبده ثمَّ شهد أَرْبَعَة بِأَنَّهُ زنى وَهُوَ مُحصن فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضمن شَاهدا الاعتاق قِيمَته لمَوْلَاهُ وشهود الزِّنَا دِيَته لمَوْلَاهُ أَيْضا إِن لم يكن لَهُ وَارِث غَيره اه. قَوْله: (كَمَا مر) أَي قَرِيبا عِنْد قَوْله وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالزِّنَا وَقَعَ بِرَجُلَيْنِ وَلَا حد وَمر أَيْضا فِي الزِّنَا إِذا شهد بِهِ رجلَانِ. قَوْله: (وللولادة) أَي فِي حق ثُبُوت النّسَب دون الْمِيرَاث عِنْده ذكره قاضيخان. وَهُوَ خبر مقدم لامْرَأَة، وَلم يذكرُوا الْولادَة فِي الاصلاح، لِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ إنَّمَا تَكْفِي عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الاستهلال فَتُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا تقبل عِنْده خلافًا لَهما. قَوْله: (للصَّلَاة) مُتَعَلق بالاخيرة: أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمنح، وَإِنَّمَا قبلت وَإِن كَانَ يُمكن أَن يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال لكِنهمْ لَا يحْضرُون الْولادَة عَادَة فَألْحق بِمَا لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال. قَوْله: (وللارث عِنْدهمَا) أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للارث عِنْدهمَا. قَوْله (والبكارة) أَي الشَّهَادَة عَلَيْهَا، فَإِن شهِدت أَنَّهَا بكر يُؤَجل الْعنين سنة، فَإِذا مَضَت فَقَالَ وصلت إِلَيْهَا وَأنْكرت تري النِّسَاء، فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر تخير، فَإِن اخْتَارَتْ الْفرْقَة فرق للْحَال، وَكَذَا فِي رد الْمَبِيع إِذا اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْبكارَة إِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب يحلف البَائِع لينضم نُكُوله إِلَى قولهن، فالعيب يثبت بقولهن لسَمَاع الدَّعْوَى وللتحليف، إِذْ لَوْلَا شَهَادَتهنَّ لم يحلف البَائِع وَكَانَ القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين لتمسكه بالاصل وَهُوَ الْبكارَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَسَيَأْتِي قَرِيبا أوضح من ذَلِك. قَوْله: (وعيوب النِّسَاء) كالاماء الْمَبِيعَة من نَحْو رتق وَقرن، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّ بِهَا قَرَنًا أَوْ رَتَقًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى إبَاقًا: أَنَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ يُقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ اه. وَفِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَن لاصل أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ، وَأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ، وَإِلَّا تُعْتَبَرُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي بَكَارَتِهَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ: فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ تَثْبُتُ الْخُصُومَةُ لِيَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَيُحَلَّفُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اه مُلَخصا، والاولى حذف قَوْله قَوِيَّة أَو إِبْدَاله بِلَفْظ ضَعِيفَة. قَالَ الرَّمْلِيّ: ذكر فِي الدُّرَر وَالْغرر وللولادة واستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ والبكارة وعيوب النِّسَاء امْرَأَة اه. فَدخل فِي قَوْله: وعيوب النِّسَاء الْحَبل لانه من الْعُيُوب الَّتِي يرد بهَا الْمَبِيع. قَالَ فِي الْخَانِية: وَفِيمَا لَا ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال كالقرن والرتق وَنَحْوه اخْتلف الرِّوَايَات، وَآخر مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه إِن كَانَ قبل الْقَبْض وَهُوَ عيب لَا يحدث ترد بِشَهَادَة النِّسَاء، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الآخر وَالْمَرْأَة الْوَاحِدَة والمرأتان سَوَاء، والمرأتان أوثق، وَأما الْحَبل فَيثبت بقول النِّسَاء فِي حق الْخُصُومَة، وَلَا ترد بشهادتهن. قَوْله: (فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) قَالَ الرَّمْلِيّ: قدم: أَي صَاحب الْبَحْر فِي بَاب ثُبُوت النّسَب فِي شرح قَوْله: والمعتدة إِن جحدت وِلَادَتهَا بِشَهَادَة رجلَيْنِ الخ أَفَادَ بقوله بِشَهَادَة رجلَيْنِ قبُول شَهَادَة الرِّجَال على الْولادَة من الاجنبية، وَأَنَّهُمْ لَا يفسقون بِالنّظرِ إِلَى عورتها، إِمَّا لكَونه قد يتَّفق ذَلِك من غير قصد نظر وَلَا تعمد، أَو للضَّرُورَة كَمَا فِي شُهُود الزِّنَا. وَفِي الْمنح نقلا عَن السراج: وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: تقبل شَهَادَته أَيْضا وَإِن قَالَ تَعَمّدت النّظر إِلَيْهَا. وَأَقُول: فَثَبت الْخلاف فِي التعمد ظَاهرا. وَيُمكن التَّوْفِيق بِأَن يحمل كَلَام النَّافِي على التعمد لَا لتحمل الشَّهَادَة، والمثبت على التعمد لَهَا إحْيَاء للحقوق بإيصالها إِلَى مستحقها بِوَاسِطَة أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا. وَفِي كَلَامهم نوع إِشَارَة إِلَيْهِ، وَرُبمَا أفهم كَلَام الزَّيْلَعِيّ فِي شرح قَوْله وَلَو قَالَ شُهُود الزِّنَا تعمدنا النّظر قبلت أرجحية الْقبُول، وَأَيْضًا عِبَارَته فِي هَذَا الْمحل. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ تَعَمّدت النّظر. قَالَ بَعضهم: تقبل كَمَا فِي الزِّنَا لطرحه ذكر مُقَابِله وَقِيَاسه على الزِّنَا وَالرَّاجِح فِيهِ الْقبُول. تَأمل. ثمَّ رَأَيْت فِي التاترخانية نقلا عَن الْعَتَّابِيَّةِ: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيمَا إِذا ادّعى إِلَى تحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا وَهُوَ يعلم أَنه لَو نظر إِلَيْهَا يَشْتَهِي، فَمنهمْ من جوز ذَلِك بِشَرْط أَن يقْصد بذلك تحمل الشَّهَادَة. قَالَ شيخ الاسلام: الاصح أَنه لَا يُبَاح ذَلِك ذكره فِي كتاب الْكَرَاهَة. قَوْله: (امْرَأَة حرَّة مسلمة) بَالِغَة عَاقِلَة عدلة. زَيْلَعِيّ. وَدَلِيله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَهَادَة النِّسَاء جَائِزَة فِيمَا لَا تَسْتَطِيع الرِّجَال النّظر إِلَيْهِ وَالْجمع الْمحلى بالالف وَاللَّام يُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيتَنَاوَل الاقل وَهُوَ الْوَاحِد، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط الاربع، ولانه إِنَّمَا سقط الذُّكُورَة ليخف النّظر لَان نظر الْجِنْس أخف فَكَذَا بسقط اعْتِبَار الْعدَد. قَوْله: (والثنتان أحوط) وَكَذَا الثَّلَاث أحوط لما فِيهِ من معنى الالزام. بَحر. وَفِيه عَن خزانَة الاكمل: لَو شهد عِنْده نسْوَة عدُول أَنَّهَا امْرَأَة فلَان أَو ابْنَته وسعته الشَّهَادَة اه. وفيهَا: يقبل تَعْدِيل الْمَرْأَة وَلَا يقبل ترجمتها. قَوْله: (والاصح قبُول رجل وَاحِد) إِذا شهد بِالْولادَةِ. قَالَ وفى الْمِنَحِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ، أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ اه. وَقدمنَا نَحوه آنِفا. قَوْله: (وَفِي الرجندي عَن الْمُلْتَقط الخ) ذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 الْحَمَوِيّ فِي شَرحه عَن الْحَاوِي الْقُدسِي: تقبل شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي التل فِي الْحمام فِي حكم الدِّيَة لِئَلَّا يهدر الدَّم، وَمثله فِي خزانَة الْفَتَاوَى. وَفِي خير مَطْلُوب خِلَافه قَالَ: شَهَادَة أهل السجْن بَعضهم على بعض فِيمَا يَقع بَينهم لَا تقبل، وَكَذَا شَهَادَة الصّبيان فِيمَا يَقع بَينهم فِي الملاعب، وَشَهَادَة النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجة لعدم حُضُور الْعُدُول فِي هَذِه الْمَوَاضِع، لَان الشَّارِع لما شرع طَرِيقا وَهُوَ مَنعهنَّ من الحمامات وَالصبيان عَن الملاعب والامتناع عَمَّا يسْتَحق بِهِ الْحَبْس كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه. وَقد تقدم أَن الْمُعْتَمد جَوَاز دخولهن الحما إِذا لم يشْتَمل على مفْسدَة، وَمَعْلُوم أَنه قد يسجن من لَا مَعْصِيّة مِنْهُ كمعسر ومظلوم، وَالصبيان غير مكلفين حَتَّى يتَوَجَّه خطاب الدّفع عَلَيْهِم. فَمَا علل بِهِ لَا يظْهر على أَن الْمعْصِيَة لَا تنَافِي إِقَامَة الاحكام، أَلا ترى أَن فِي حانة الْخمر تجْرِي لَهُ وَعَلِيهِ الاحكام، فالاظهر مَا فِي الْحَاوِي وخزانة الْمُفْتِينَ لمسيس الْحَاجة. قَالَ الْحَمَوِيّ فِي الْمُلْتَقط من كتاب الْمَوَارِيث: إِذا ادَّعَت امْرَأَة الْمَيِّت أَنَّهَا حُبْلَى تعرض على امْرَأَة ثِقَة أَو امْرَأتَيْنِ، فَإِن لم يُوقف على شئ من عَلَامَات الْحمل قسم مِيرَاثه، فَإِن وقف على شئ من عَلَامَات الْحمل يُوقف نصيب ابْنَيْنِ، وَنَحْوه عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد ط. قَوْله: (ونصابها) أَي الشَّهَادَة. قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَالُ. مِنَحٌ. فَشَمِلَ الْقَتْلَ خَطَأً وَالْقَتْلَ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَكَذَا تقبل فِيهِ الشَّهَادَة عَن الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي. رَمْلِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْله: (سَوَاء كَانَ الْحق مَالا أَو غَيره) أطلقهُ فَشَمَلَ المَال وَغَيره. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَشَمل الشَّهَادَة على قتل الْخَطَأ، وَمَا لَا يُوجب الْقصاص من قبيل الشَّهَادَة على المَال. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إِلَى آخر مَا مر. مطلب: لَا فرق فِي الشَّهَادَة بَين الْوَصِيَّة والايصاء قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي الايصاء إِذْ الْكَلَام فِيمَا لَيْسَ بِمَال قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَعَلَّ الْحَال لَا يفْتَرق فِي الحكم بَين الشَّهَادَة بِالْوَصِيَّةِ والايصاء اه. قَوْله: (واستهلال صبي) هَذَا قَوْله، وَعِنْدَهُمَا يثبت بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَهُوَ الارجح كَمَا سلف. قَوْله: (وَلَو) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِلَا وَاوٍ، وَالظَّاهِرُ حذفهَا. تَأمل. قَوْله: (للارث) أَي وَالْعتاق وَالنّسب عِنْده، فالمصنف جرى على مَذْهَب الامام، وَالشَّارِح فِيمَا تقدم جرى على مَذْهَبهمَا كَمَا ترى. قَوْله: (إِلَّا فِي حوادث صبيان الْمكتب) هَذَا مُكَرر مَعَ مَا تقدم. وَالَّذِي فِي الْمُلْتَقط عدم التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب فَيعم صبيان الحرفة، فَالظَّاهِر أَن التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب هُنَا اتفاقي. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (أَو رجل وَامْرَأَتَانِ) لقَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَمعنى الْآيَة على مَا ذكره إِن لم يشهدَا حَال كَونهمَا رجلَيْنِ فليشهد رجل وَامْرَأَتَانِ، وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لما اعْتبر شَهَادَتهنَّ مَعَ وجود الرِّجَال، وشهادتهن مُعْتَبرَة مَعَهم عِنْد الِاخْتِلَاط بِالرِّجَالِ، حَتَّى إِذا شهد رجال ونسوة بشئ يُضَاف الحكم إِلَى الْكل حَتَّى يجب الضَّمَان على الْكل عِنْد الرُّجُوع اه ط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 قَالَ فِي الْبَحْر: والاصل فِي شَهَادَة النِّسَاء الْقبُول لوُجُود مَا يبتني عَلَيْهِ أَهْلِيَّة الشَّهَادَة، وَهِي الْمُشَاهدَة والضبط والاداء، ونقصان الضَّبْط بِزِيَادَة النسْيَان انجبر بِضَم الاخرى إِلَيْهَا فَلم يبْق بعد ذَلِك إِلَى الشُّبْهَة، وَلِهَذَا لَا تقبل فِيمَا يندرئ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِه الْحُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ. وحقق الاكمل فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا نُقْصَان فِي عقلهن فِيمَا هُوَ منَاط التَّكْلِيف بل فِيمَا هُوَ الْعقل بالملكة، ففيهن نُقْصَان بمشاهدة حالهن فِي تحصل البديهيات بِاسْتِعْمَال الْحَواس الجزئيات وبالنسبة إِن ثبتَتْ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ فِي ذَلِك نُقْصَان لَكَانَ تكليفهن دون تَكْلِيف الرِّجَال فِي الاركان، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: ناقصات عقل المُرَاد بِهِ الْعقل بِالْعقلِ وَلذَلِك. لم يصلحن للولاية والخلافة والامارة اه مُلَخصا. وَتَمَامه فِيهِ. قَوْله: (وَلَا يفرق بَينهمَا) أَي الْمَرْأَتَيْنِ، حُكيَ أَن أم بشر شهِدت هِيَ وَأم الشَّافِعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) * (الْبَقَرَة: 282) فَسَكَتَ الْحَاكِم كَذَا فِي الْبَحْر. قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ بعد نقل هَذِه الْحِكَايَة: وَهَذَا فرع حسن واستنباط جيد ومنزع غَرِيب، وَالْمَعْرُوف فِي مَذْهَب وَلَدهَا إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم، وكلامها صَرِيح فِي اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الَّذِي ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ اه. وَمَا ذكره فِي الْبَحْر من الْحِكَايَة الْمَذْكُورَة لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم التَّفْرِيق فِي الشَّهَادَة للنِّسَاء إِذا ارتاب القَاضِي. ذكره بعض الْفُضَلَاء. قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى فَتذكر إِحْدَاهمَا الاخرى) وَلَا تذكر إِلَّا مَعَ الِاجْتِمَاع. قَوْله: (لِئَلَّا يكثر خروجهن) أَي وَلعدم وُرُود الشَّرْع بِهِ. قَوْله: (وخصهن) أَي خص قبُول شَهَادَتهنَّ. قَوْله: (وتوابعها) كالاجل وَشرط الْخِيَار. منح. وَالدَّلِيل لكل مَذْكُور فِي المطولات. وَالْحَاصِل: أَن أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة (1) : مَا لَا يقبل إِلَّا بِشَهَادَة أَربع، وَمَا لَا يقبل إِلَّا برجلَيْن، وَمَا يقبل فِيهِ شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة الْمَرْأَة، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن بِحكم الدِّيَة كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَلزِمَ) أَي شَرط، وَالشّرط هُنَا مَا لَا بُد مِنْهُ ليشْمل الرُّكْن وَالشّرط. بَحر. قَوْله: (من الْمَرَاتِب الاربع) هِيَ الزِّنَا وَبَقِيَّة الْحُدُود وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال، وَالرَّابِع غَيرهَا من الْحُقُوق. وَقيل لَا يشْتَرط فِي النِّسَاء وَهُوَ ضَعِيف، وَلَا بُد من شَرط آخر لجميعها وَهُوَ التَّفْسِير، حَتَّى لَو قَالَ أشهد مثل شَهَادَته لَا تقبل، وَلَو قَالَ مثل شَهَادَة صَاحِبي تقبل عِنْد الْعَامَّة، وَقَيده الاوزجندي بِمَا إِذا قَالَ لهَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبِه يُفْتى. خُلَاصَة. وَقَالَ الْحلْوانِي: إِن كَانَ فصيحا لَا يقبل مِنْهُ الاجمال، وَإِن كَانَ عجميا يقبل بِشَرْط أَن يكون بِحَال إِن استفسر بَين. وَقَالَ السَّرخسِيّ: إِن أحس القَاضِي بخيانة كلفه التَّفْسِير، وَإِلَّا لَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَقَالَ الْحلْوانِي: لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَو وَكيله فَقَالَ الشَّاهِد أشهد بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ أَو قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَده بِغَيْر حق يَصح عندنَا اه. وفيهَا كَتَبَ شَهَادَتَهُ فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلَّ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَو قَالَ هَذَا الْمُدَّعِي الَّذِي   (1) قَوْله: (أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة) كَذَا بالاصل والمعدود خَمْسَة وليحرر اه. مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 قُرِئَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِطُولِ الشَّهَادَةِ وَلِعَجْزِ الشَّاهِدِ عَنْ الْبَيَانِ اه. مطلب: لَا تقبل الشَّهَادَة بِلَفْظ أعلم أَو أتيقن قَوْله: (لفظ أشهد) حَتَّى لَو قَالَ أعلم أَو أتيقن لَا تقبل شَهَادَته، لَان النُّصُوص ناطقة بِلَفْظ الشَّهَادَة فَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لما فِيهَا من زِيَادَة توكيد، لانها من أَلْفَاظ الْيَمين فَيكون معنى الْيَمين ملاحظا فِيهَا، خلافًا للعراقيين فَإِنَّهُم لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الاول لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا شَرَطَ فِيهِ شَرَائِط الشَّهَادَة من الْحُرِّيَّة ومجلس الحكم وَغَيرهَا. يعقوبية. قَوْله: (بِلَفْظ الْمُضَارع بالاجماع) فَلَا يجوز شهِدت لاحْتِمَال الاخبار عَمَّا مضى فَلَا يكون شَاهدا للْحَال. قَوْله: (كطهارة مَاء) أَي ونجاسته وَنَحْوه حَيْثُ يقبل إِن عدلا، أما الْفَاسِق فخبره فِي الديانَات الَّتِي لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبره: أَي الْفَاسِق، إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْتُورِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. سَيِّدي الْوَالِد من الصَّوْم، وَتَمَامه فِي حَاشِيَته. قَوْله: (ورؤية هِلَال) أَي هِلَال رَمَضَان. قَوْله: (فَهُوَ إِخْبَار لَا شَهَادَة) لانه أَمر ديني فَأشبه رِوَايَة الاخبار. هِدَايَة. وَأما فِي الْمُعَامَلَات فَيقبل الْخَبَر وَلَو من كَافِر أَو فَاسق أَو عبد أَو صبي إِن غلب على الرَّأْي صَدَقَة كَمَا فِي الْحَظْر والاباحة من الدُّرَر. قَوْله: (وَالْعَدَالَة لوُجُوبه) أَي وجوب القَاضِي على القَاضِي. منح. قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: أحسن مَا قيل فِي تَفْسِير الْعدْل أَنه المجتنب للكبائر غير الْمصر على الصَّغَائِر، صَلَاحه وَصَوَابه أَكثر من فَسَاده وخطئه، مُسْتَعْملا للصدق، مجتنبا للكذب ديانَة ومروءة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف اه. وَنَحْوه فِي الذَّخِيرَة. قَوْله: (وَمِنْه) أَي مِمَّا يطعن بِهِ فِيهِ. قَوْله: (الْكَذِب) ذكر بَعضهم أَن الْكَذِب من الصَّغَائِر إِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يصيره كَبِيرَة كَأَكْل مَال مُسلم أَو قذفه وَنَحْو ذَلِك ط. قَوْله: (لَا لصِحَّته) أَي لصِحَّة الْقَضَاء: أَي نفاذه. منح. وَاعْلَم أَن صَاحب الْكَنْز تبع صَاحب الْهِدَايَة وَغَيره فِي اشْتِرَاط الْعَدَالَة كَلَفْظِ الشَّهَادَة تَسْوِيَة مِنْهُم بَينهمَا، وَلَيْسَ كَذَلِك لَان لفظ الشَّهَادَة: أَي أشهد شَرط لصِحَّة الاداء بل رُكْنه كَمَا قدمْنَاهُ. وَأما الْعَدَالَة فَلَيْسَتْ شرطا فِي صِحَة الاداء، وَإِنَّمَا ظُهُورهَا شَرط وجوب الْقَضَاء على الْقَضَاء كَمَا قدمْنَاهُ، وَبِه صرح صدر الشَّرِيعَة وَصَاحب الْبَدَائِع وَالْبَحْر والمنح، وتبعهم الشَّارِح تبعا لما فِي الْهِدَايَة، وَأقرهُ ابْن الْهمام حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَة: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ عندنَا. زَاد فِي فتح الْقَدِير: وَكَانَ عَاصِيا. قَوْله: (فَلَو قضى بِشَهَادَة فَاسق نفذ) هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يحفظ. دُرَر. وَظَاهر قَوْله وَهُوَ مِمَّا يحفظ اعْتِمَاده. قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَاسِقِ: فَإِنْ تَحَرَّى الْقَاضِي الصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ تُقْبَلُ، وَإِلَّا فَلَا اه. قَوْله: (الامام) أَي الاعظم وَهُوَ السُّلْطَان بِأَن قَالَ لمستنيبه لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 تقض بِشَهَادَة الْفَاسِق. قَوْله: (فَلَا ينفذ) أَي الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَاسِق لمنع الامام القَاضِي عَن الْقَضَاء بِهِ. قَوْله: (لما مر) أَي فِي كتاب الْقَضَاء. قَوْله: (يتأقت) قِيَاس مادته يتوقت بِالْوَاو. قَوْله: (وَقَول مُعْتَمد) وَظَاهره أَنه إِذا أطلق أوامره بِالْقضَاءِ بِهِ أَن يجوز الْقَضَاء بِهِ. وَقد ذكرُوا أَنه لَا يجوز الْعَمَل بالْقَوْل الضَّعِيف إِلَّا للانسان فِي خَاصَّة نَفسه إِذا كَانَ لَهُ رَأْي، وَبَعْضهمْ منع الْعَمَل بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يجوز الْعَمَل بِهِ عِنْد الاطلاق وَلَا عِنْد التَّصْرِيح، وَيُحَرر. وَيحْتَمل أَنه رَاجع إِلَى الْقَضَاء فِي ذَاته وَإِن لم يُقيد بذلك الامام ط. أَقُول: تحريره مَا نقل الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (الْعِقْد الْفَرِيدِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ) : مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْقَضَاءِ والافتاء دون الْعَمَل لنَفسِهِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ عَنْ الْمَرْجُوحِ حَتَّى لِنَفْسِهِ لكَون الْمَرْجُوح صَارَ مَنْسُوخًا اه. فَلْيُحْفَظْ. وَقَيَّدَهُ الْبِيرِيُّ بِالْعَامِّيِّ: أَيْ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ يَعْرِفُ بِهِ مَعْنَى النُّصُوصِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؟ نَعَمْ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ. أَمَّا إذَا كَانَ عَامِّيًّا فَلَمْ أَرَهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِذِي الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ مَعْنَى النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُخَالفا لمذهبه اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيْضِ الْبَحْرِ فِي بَحْثِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الائمة: لَو أفتى مفت بشئ من هَذِه الاقوال فِي مَوَاضِع الضَّرُورَة كَانَ حَسَنًا اه. وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ بَعْدَ فُتُورِ الشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ ضَعِيفٌ. وَأَجَازُوا الْعَمَلَ بِهِ لِلْمُسَافِرِ أَوْ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ الرِّيبَةَ وَذَلِكَ من مَوَاضِع الضَّرُورَة. قَوْله: (ذِي الْمُرُوءَة) وَهِي آدَاب نفسانية تحمل على محَاسِن الاخلاق وَجَمِيل الْعَادَات، والهمزة وَتَشْديد الْوَاو فِيهِ لُغَتَانِ، وَالْمرَاد الْفَاسِق ذُو الْمُرُوءَة كمكاس. قَوْله: (فَقَوْل الثَّانِي بَحْرٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي. قَوْله: (فِي مُقَابلَة النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم) * (الطَّلَاق: 2) وَقَوله تَعَالَى: * (مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء) * (الْبَقَرَة: 282) أَي فَلَا يقبل، وَأقرهُ المُصَنّف. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى: * (وَأشْهدُوا) * (الطَّلَاق: 2) الْآيَة، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا، وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْد التَّبْيِين عَن حَاله كَمَا قُلْنَا. تَأمل. قَوْله: (وَهِي) أَي الشَّهَادَة. قَوْله: (على حَاضر) أَي خصم حَاضر، وَالْمرَاد بِهِ جنس الْخصم ليشْمل المتداعيين. قَوْله: (يحْتَاج الشَّاهِد) أَي فِي قبُول شَهَادَته. قَوْله: (إِلَى الاشارة) أَي إِشَارَة الشَّاهِد. قَوْله: (مَوَاضِع) الاولى أَشْيَاء. قَوْله: (بِأَن لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 يُشَارِكهُ فِي الْمصر غَيره) لم يشْتَرط هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. شرنبلالية. مطلب: إِذا عرف باللقب واشتهر بِهِ لَا يلْزم ذكر أَبِيه وجده حَيْثُ لم يشْتَهر بهما قَوْله: (فَالْمُعْتَبر التَّعْرِيف لَا تَكْثِير الْحُرُوف) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر حُصُول الْمعرفَة وارتفاع الالتباس بِأَيّ وَجه كَانَ. وَقَالَ فِي أثْنَاء الْفَصْل السَّابِع فِي تَحْدِيد الْعقار ودعواه مَا نَصه: كَمَا لَو كَانَ الرجل مَعْرُوفا مَشْهُورا باسمه أَو بلقبه لَا بِأَبِيهِ وجده يَكْتَفِي بِذكر مَا اشْتهر بِهِ، وجهالة أَبِيه وجده لَا تضر التَّعْرِيف، بل ذكره وَعَدَمه سَوَاء لعدم معرفَة النَّاس بِهِ اه وَنَحْوه فِي نور الْعين. قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَقَبِهِ) وَكَذَا بِصِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الحامدية، فِيمَن شهد أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُتِلَتْ فِي سُوقِ كَذَا يَوْم كَذَا وَقْتِ كَذَا قَتَلَهَا فُلَانٌ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ اسْمِهَا وَأَبِيهَا حَيْثُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَمْ يُشَارِكْهَا فِي ذَلِك غَيرهَا. قَالَ فِي الاشباه: وتكفي النِّسْبَة إِلَى الزَّوْج لَان الْمَقْصُود الاعلام، وَفِي العَبْد اسْمه وَاسم مَوْلَاهُ وَأبي مَوْلَاهُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على الِاسْم إِلَّا أَن يكون مَشْهُورا. قَوْلُهُ: (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ. قَوْله: (وَلَا يسْأَل عَن شَاهد) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي لَا يجب على الْحَاكِم أَن يسْأَل عَن الشَّاهِد، بل يجوز لَهُ الِاقْتِصَار على ظَاهر الْعَدَالَة فِي الْمُسلم. قَوْله: (بِلَا طعن من الْخصم) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَلَو بِالْجرْحِ الْمُجَرّد، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يسمع القَاضِي الشَّهَادَة على جرح مُجَرّد لَان عدم سماعهَا لعدم دُخُوله تَحت الحكم، وَإِلَّا فَالْخَبَر عَن فسق الشُّهُود يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا، فالطعن بِهِ مسموع مِنْهُ قبل التَّزْكِيَة، وسيظهر من مسَائِل الطعْن، وَالله تَعَالَى أعلم اه. قَوْله: (إِلَّا فِي حد وقود) أَي فَإِنَّهُ يسْأَل عَنْهُم للاحتيال فِي إِسْقَاطهَا فيستقصى، ولان الشُّبْهَة فِيهَا دارئة. وَالْحَاصِل: أَنه إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكُلِّ، وَإِلَّا سَأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَفِي غَيْرِهَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَان. بَحر عَن الْهِدَايَة. قَوْله: (وَعِنْدَهُمَا يسْأَل فِي الْكل) أَيْ وُجُوبًا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا كَمَا أوضحه فِي الْبَحْر: أَي فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا يبطل الحكم اه. حموي. قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: لَو قضى بِالْحَدِّ بِبَيِّنَة ثمَّ ظهر أَنهم فساق بعد مَا رجم فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على القَاضِي لانه لم يظْهر الْخَطَأ بِيَقِين اه. وَهَذَا يدل على أَن القَاضِي لَو قضى فِي الْحُدُود قبل السُّؤَال بِظَاهِر الْعَدَالَة فَإِنَّهُ يَصح وَإِن كَانَ آثِما، فَقَوله فِي الْهِدَايَة: يشْتَرط الِاسْتِقْصَاء مَعْنَاهُ يجب، وَمعنى قَول الامام يقْتَصر الْحَاكِم يجوز اقْتِصَاره لَا أَنه يجب اقْتِصَاره اه. فرع: فِي الْمُلْتَقط صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل محلته ومسجده أَنه صَالح أَو غَيره اه. قَوْله: (إِن جهل بحالهم بَحر) وَعبارَته: وَمحل السُّؤَال على قَوْلهمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُم اه. قَوْله: (سرا) بِأَن يبْعَث الرقعة وَيُقَال لَهَا المستورة لسترها عَن أعين النَّاس إِلَى الْمُزَكي، وَيكْتب فِي ذَلِك الْبيَاض نسب الشَّاهِد وحليته ومسجده الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، ثمَّ يكْتب الْمُزَكي الَّذِي بعث القَاضِي إِلَيْهِ عَدَالَته، بِأَن يكْتب: هُوَ عدل جَائِز الشَّهَادَة، وَإِن لم يعرفهُ بشئ كتب: هُوَ مَسْتُور، وَمن عرفه بفسق لم يُصَرح بِهِ بل يسكت تَحَرُّزًا عَن هتك السّتْر، أَو يكْتب الله تَعَالَى أعلم بِهِ، إِلَّا إِذا عدله غَيره وَخَافَ أَنه إِن لم يُصَرح بِهِ يقْضِي بِشَهَادَتِهِ يُصَرح بِهِ. كَذَا فِي البناية. وَفَائِدَة السِّرّ أَن الْمُزَكي إِذا جرح الشَّاهِد يَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي هَات شَاهدا آخر وَلَا يَقُول إِنَّه مَجْرُوح. وَفِي هَذَا صِيَانة عَن هتك حُرْمَة الْمُسلم وصيانة حَال الْمُزَكي. وَلَو تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل، قَالَ الْعَلامَة قَاسم: إِذا جرح وَاحِد وَعدل وَاحِد فعندهما الْجرْح أولى، لَان مَذْهَبهمَا أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل بثبت بقول وَاحِد كَمَا لَو كَانَ فِي كل جَانب اثْنَان. مطلب: لَو جرحه وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح وَعند مُحَمَّد تتَوَقَّف الشَّهَادَة حَتَّى يجرحه وَاحِد أَو يعدله فَيثبت الْجرْح أَو التَّعْدِيل، فَإِن جرحه وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل أولى بالاجماع، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح أولى، فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْجرْح أَنا أجئ بِقوم صالحين يعدلونهم. قَالَ فِي الْعُيُون قبل ذَلِك: وَفِي النَّوَادِر أَنه لَا يقبل، وَهُوَ اخْتِيَار ظهير الدّين. وعَلى قَول من يقبل إِذا جَاءَ بِقوم ثِقَة يعدلونهم فَالْقَاضِي يسْأَل الجارحين فلعلهم جرحوا بِمَا لَا يكون جرحا عِنْد القَاضِي لَا يلْتَفت إِلَى جرحهم، وَهَذَا ألطف الاقاويل، وَبِه جزم فِي الْخَانِية. وَكَذَا لَو عدل الْمُزَكي الشُّهُود سرا وَطعن الشُّهُود عَلَيْهِ وَقَالَ القَاضِي سل عَنْهُم فلَانا وَفُلَانًا وسمى قوما يصلحون. مطلب: لَو عدل شَاهد وَقضي وَمضى مُدَّة وَشهد فِي أُخْرَى وَلَو عدل شَاهد فِي قَضِيَّة وَقضى بِهِ ثمَّ شهد فِي أُخْرَى: إِن بَعدت الْمدَّة أُعِيد التَّعْدِيل، وَإِلَّا لَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّة: القَاضِي إِذا عرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ فَسَأَلَهُ عَن صَاحبه فعدله قَالَ نصير لَا يقبل، وَلابْن سَلمَة قَولَانِ. مطلب: إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة لعِلَّة ثمَّ زَالَت تِلْكَ الْعلَّة وَفِي الْبَزَّازِيَّة: من ردَّتْ شَهَادَته فِي حَادِثَة لَعَلَّه ثمَّ زَالَت الْعلَّة فَشهد لم تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة: الصَّبِي، وَالْعَبْد، وَالْكَافِر على الْمُسلم، والاعمى إِذا شهد وأفردت فَزَالَ الْمَانِع فَشَهِدُوا يقبل، وَقد جمعهَا الْعَلامَة الْمَقْدِسِي فِي قَوْله: إِن زَالَت الْعلَّة فِي شهاده ردَّتْ فَلَا تقبل فِي الاعاده فِي غير مَا أَرْبَعَة فِي الْعد أعمى وَكَافِر صبي عبد مطلب: يفرق بَين الْمَرْدُود بتهمة أَو لشُبْهَة وَفِي الْبَحْر: يفرق بَين الْمَرْدُود لتهمة وَبَين المرود لشُبْهَة، فَالثَّانِي يقبل عِنْد زَوَالهَا، بِخِلَاف الاول فَإِنَّهُ لَا يقبل مُطلقًا إِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِل. وَذَلِكَ كأجير الوحد لَا تقبل شَهَادَته مَا دَامَت الاجارة قَائِمَة، فَإِذا انْقَضتْ قبلت. قَوْله: (وعلنا) بِفَتْح اللَّام مصدر علن الامر: ظهر وانتشر. وَفِي الْمِصْبَاح: علن الامر علونا من بَاب قعد: ظهر وانتشر فَهُوَ عالن، وعلن علنا من بَاب تَعب لُغَة، فَهُوَ علن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 وعلين، وَالِاسْم الْعَلَانِيَة، بِأَن يجمع بَين الْمُزَكي وَالشَّاهِد الَّذِي زَكَّاهُ وَيَقُول للمزكي هَذَا هُوَ الَّذِي زكيته. حموي. قَالَ فِي الْبَحْر: لَو زكى من فِي السِّرّ علنا يجوز عندنَا، والخصاف شَرط تغايرهما. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وَلَو قَالَ الْمُؤلف: ثمَّ علنا ليُفِيد أَنه لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَة لَكَانَ أولى، لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ حَتَّى يُزَكَّى فِي السِّرِّ اه. وَشَمل سُؤال القَاضِي عَن الشَّاهِد الاصلي والفرعي فَيسْأَل عَن الْكل. كَذَا عَن أبي يُوسُف. وَعَن مُحَمَّد: يسْأَل عَن الاولين، فَإِن زكيا سَأَلَ عَن الآخرين. كَذَا فِي الْمُلْتَقط. تَنْبِيه: لَا تجوز التَّزْكِيَة إِلَّا أَن تعرفه أَنْت أَو وصف لَك أَو عرفت أَن القَاضِي زَكَّاهُ أَو زكى عِنْده. وَقَالَ مُحَمَّد: كم من رجل أقبل شَهَادَته وَلَا أقبل تعديله، يَعْنِي أَن الشَّهَادَة على الظَّوَاهِر وَلَا كَذَلِك التَّعْدِيل، كَذَا فِي الْمُلْتَقط. مطلب: يشْتَرط فِي التَّزْكِيَة شُرُوط فَيشْتَرط لجوازها شُرُوط: الاول أَن تكون الشَّهَادَة عِنْد قَاض عدل عَالم. الثَّانِي أَن تعرفه وتختبره بشركة أَو مُعَاملَة أَو سفر. الثَّالِث أَن تعرف أَنه ملازم للْجَمَاعَة. الرَّابِع أَن يكون مَعْرُوفا بِصِحَّة الْمُعَامَلَة فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم. الْخَامِس أَن يكون مُؤديا للامانة. السَّادِس أَن يكون صَدُوق اللِّسَان. السَّابِع اجْتِنَاب الْكَبَائِر. الثَّامِن أَن تعلم مِنْهُ اجْتِنَاب الاصرار على الصَّغَائِر وَمَا يخل بالمروءة. وَالْكل فِي شرح أدب الْقَضَاء للخصاب. وَفِي النَّوَازِل: من قَالَ لَا أَدْرِي أَنا مُؤمن أَو غير مُؤمن لَا تعدله وَلَا تصل خَلفه. مطلب: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب ثمَّ قدم وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ قدم، وَلَا يدْرِي مِنْهُ إِلَّا الصّلاح لَا يجرحه الْمعدل وَلَا يعدله. مطلب: لَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب ثمَّ عَاد فَهُوَ على عَدَالَته وَلَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ حضر فَهُوَ على الْعَدَالَة. والشاهدان لَو عدلا بعد مَا تابا يقْضى بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَو غابا ثمَّ عدلا، وَلَو خرسا أَو عميا لَا يقْضى. تَابَ الْفَاسِق لَا يعدله كَمَا تَابَ، بل لَا بُد من مُضِيّ زمَان يَقع فِي الْقلب صدقه فِي التَّوْبَة اه. بَحر. وَفِيه: وَشَمل إِطْلَاقه مَا إِذا كَانَ الشَّاهِد غَرِيبا، فَإِن كَانَ وَلَا يجد معدلا فَإِنَّهُ يكْتب إِلَى قَاضِي بَلَده ليخبره عَن حَاله أَو إِلَى أهل بلدته ليعرف حَاله، وَكَذَا غَرِيب نزل بَين ظهراني قوم لَا يعدله حَتَّى تبعد الْمدَّة وَيظْهر حَاله للْقَوْم. وَكَانَ الامام الثَّانِي يَقُول: إِن الْمدَّة سِتَّة أشهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى سنة، وَمُحَمّد لم يقدره بل على مَا يَقع فِي الْقُلُوب الوثوق، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه مُلَخصا. قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكل إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ سِرًّا وَعَلَنًا لِئَلَّا يُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ سَيَنْقُلُ أَنَّ الْفَتْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَلَانِيَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ بَلْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرّ على الْعَلَانِيَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ آنِفا، فَتنبه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 أَقُول: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا الْآن على تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لوُرُود الامر السلطاني بذلك. قَوْله: (لانهما كَانَا فِي الْقرن الرَّابِع) بعد تغير أَحْوَال النَّاس، فظهرت الْخِيَانَة وَالْكذب. وَأَبُو حنيفَة كَانَ فِي الْقرن الثَّالِث وهم نَاس شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْقُرُون قَرْني الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يفشو الْكَذِب حَتَّى يحلف الرجل قبل أَن يسْتَحْلف، وَيشْهد قبل أَن يستشهد اه. زَيْلَعِيّ. وَهَذَا بِنَاء على أَن الْقرن خَمْسُونَ سنة كَمَا نَقله الاخضري فِي شرح السّلم اه. ح. وَقَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ: يُطلق الْقرن على مُدَّة من الزَّمَان. وَاخْتلفُوا فِي تحديدها من عشرَة أَعْوَام إِلَى مائَة وَعشْرين، لَكِن لم أر من صرح بالسبعين وَلَا بِمِائَة وَعشرَة، وَمَا عدا ذَلِك فقد قَالَ بِهِ قَائِل اه. مطلب: تَارِيخ وَفَاة أَئِمَّتنَا الثَّلَاثَة وَذكروا أَن الامام مَاتَ سنة 150 مائَة وَخمسين، وَأَبُو يُوسُف سنة 182 مائَة واثنتين وَثَمَانِينَ، وَمُحَمّد سنة 187 مائَة وَسبع وَثَمَانِينَ. فَإِن قلت: هلا قَالَ الشَّارِح فِي الْقرن الثَّالِث عوضا عَن قَوْله فِي الْقرن الرَّابِع لانهم أدركوا أَبَا حنيفَة وَهُوَ من التَّابِعين الَّذين هم أهل الْقرن الثَّانِي، كَمَا أَن الصَّحَابَة هم أهل الْقرن الاول؟ فيجاب: إِن الَّذين كَانُوا يتحاكمون إِلَى الصاحبين هم أهل الْقرن الرَّابِع وهم مَا بعد أَتبَاع التَّابِعين. قَوْله: (سراجية) عبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: أَو الْفَتْوَى على أَنه يسْأَل فِي السِّرّ. وَقد تركت التَّزْكِيَة فِي الْعَلَانِيَة فِي زَمَاننَا كي لَا يخدع الْمُزَكي أَو يخوف اه. وَقد كَانَت الْعَلَانِيَة وَحدهَا فِي الصَّدْر الاول. ويروى عَن مُحَمَّد تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة بلَاء وفتنة اه. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وتزكية السِّرّ أحدثها شُرَيْح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمرَات وَغَيره. وَيشكل مَا فِي الِاخْتِيَار أَنه يسْأَل سرا وَعَلَانِيَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه. قلت: يُمكن إرجاعه إِلَى قَوْله يسْأَل: أَي لَا يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة، فَهُوَ تَرْجِيح لقولهما. تَأمل. قَالَه سَيِّدي الْوَالِد. قَوْله: (لثُبُوت الْحُرِّيَّة بِالدَّار دُرَر) وَنَحْوه فِي الْهِدَايَة، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بقول هُوَ عَدْلٌ، لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَة عدل غير جَائِز الشَّهَادَة، وَكَذَا الاب إِذا شهد لِابْنِهِ فَلَا بُد من زِيَادَة جَائِز الشَّهَادَة كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَيَنْبَغِي تَرْجِيحه اه. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: يَنْبَغِي أَن يعدل قطعا وَلَا يَقُول هم عِنْدِي عدُول لاخبار الثِّقَات بِهِ، وَلَو قَالَ لَا أعلم مِنْهُم إِلَّا خيرا فَهُوَ تَعْدِيل فِي الاصح. قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ، إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَلْيُتَأَمَّلْ. يَعْقُوبِيَّةٌ. لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَدُورِيّ. قَوْله: (فَهُوَ) أَي لفظ عدل بعبارته: أَي بمنطوقه فِيهِ أَنه لَا يكون كَذَلِك إِلَّا إِذا كَانَت الْحُرِّيَّة تفهم منطوقا من الْعدْل، وَلَا يُطلق على العَبْد عدل مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك ط. قَوْله: (بعبارته) أَي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 بمنطوقه وَهُوَ مَا سيق الْكَلَام لَهُ. قَوْله: (وبدلالته) هُوَ الحكم الَّذِي يُسَاوِي الْمَنْطُوق لَكِن لم يسق النَّص إِلَيْهِ، وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا يكون عدلا وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلذَا اخْتَار السَّرخسِيّ عدم الِاكْتِفَاء بقوله هُوَ عدل كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا. وَقد جعل الْحلَبِي مرجع الضَّمِير فِي قَوْله: (فَهُوَ بعبارته) إِلَى الْأَصْلُ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة الْمُسَمّى بِدلَالَة النَّص، فَإِنَّهُ بمنطوقه جَوَاب عَن النَّقْض بِالْعَبدِ الْوَارِد على قَول الْمُزَكي هُوَ عدل فَقَط، وبدلالته الَّذِي هُوَ مَفْهُوم الْمُوَافقَة جَوَاب عَن النَّقْص بالمحدود فِي الْقَذْف الْوَارِد على عبارَة الْمُزَكي السَّابِقَة، وَإِنَّمَا دلّ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ أَيْضًا فَهُوَ مُسَاوٍ اه. قَوْلُهُ: (وَالتَّعْدِيلُ) أَيْ التَّزْكِيَةُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَصْمِ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي بالاولى كتعديل الشَّاهِد نَفسه، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَاذَا عَدَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الدَّعْوَى لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَقْتَ التَّعْدِيلِ وَكَانَ الْفِسْقُ الطَّارِئُ عَلَى الْمُعَدَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالْمُقَارِنِ. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصح) أَي لم يَصح مزكيا، لَان فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاذِبٌ فِي الانكار ومبطل فِي الاصرار، وَتَزْكِيَةَ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ، هَذَا عِنْدَ الامام رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا: يَصح إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخر إِلَيْهِ. دُرَر. وَمفَاده أَنه لَو كَانَ مقرا يَصح. قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِذا كَانَ ساكتا غير جَاحد للحق فَقَالَ هم عدُول يقبل بالِاتِّفَاقِ، فَإِن جحد وَقَالَ هم عدُول لَكِن أخطؤوا أَو نسوا فَفِي صِحَة التَّعْدِيل ووايتان اه. وَهَذَا مَوْضُوع الْمَسْأَلَة. وَفِي شرح أدب الْقَضَاء للصدر الشَّهِيد أَن يكون مقرا بقوله صدقُوا فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ، وَبِقَوْلِهِ هم عدُول فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ أطلقهُ وَقَيده. فِي الْبَزَّازِيَّة: بِمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يرجع إِلَيْهِ فِي التَّعْدِيل، فَإِن كَانَ صَحَّ قَوْله. مطلب: جرح الشَّاهِد نَفسه مَقْبُول قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما جرح الشَّاهِد نَفسه فمقبول لكنه يَأْثَم بذلك حَيْثُ كَانَ صَادِقا فِي شَهَادَته لما فِيهِ من إبِْطَال حق الْمُدَّعِي. مطلب: تَعْدِيل أحد الشَّاهِدين صَاحبه وتعديل أحد الشَّاهِدين صَاحبه فِيهِ اخْتِلَاف. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة: شَاهِدَانِ شهد الرجل وَالْقَاضِي يعرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الآخر فعدله الَّذِي عرفه القَاضِي بِالْعَدَالَةِ. قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يقبل القَاضِي تعديله. وَلابْن سَلمَة فِيهِ قَولَانِ: وَعَن أبي بكر الْبَلْخِي فِي ثَلَاثَة شهدُوا وَالْقَاضِي يعرف اثْنَيْنِ مِنْهُم بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الثَّالِث فَإِن القَاضِي يقبل تعديلهما لَو شهد هَذَا الثَّالِث شَهَادَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 أُخْرَى، وَلَا يقبل تعديلهما فِي الشَّهَادَة الاولى وَهُوَ كَمَا قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (وَلَا تنس مَا مر عَنْ الْأَشْبَاهِ) أَيْ قُبَيْلَ التَّحْكِيمِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ لَا تُكَلِّفْ قُضَاتَك إلَى أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك إِن خالفوك أَو سخط الْخَالِق إِذا وافقوك اه ح. وَأَقُول: وَعبارَة الْبَحْر بعد مَا ذكر عبارَة القلانسي من أَن مُخْتَار ابْن أبي ليلى استحلاف الشُّهُود. قَالَ قلت: وَلَا يُضعفهُ مَا فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة كالخلاصية وَالْبَزَّازِيَّة من أَنه لَا يَمِين على الشَّاهِد لانه عِنْد ظُهُور عَدَالَته وَالْكَلَام عِنْد خفائها، خُصُوصا فِي زَمَاننَا أَن الشَّاهِد مَجْهُول الْحَال، وَكَذَا الْمُزَكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول، لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد مَا ذكر مَا فِي التَّهْذِيب للقلانسي: لَا يخفى أَنه مُخَالف لما فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة. وَلَا يُقَال: يجب الْعَمَل بِهِ لَان الشَّاهِد مَجْهُول كالمزكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول. لانا نقُول: الامر كَذَلِك، لَكِن قَالَ الْفَقِيه: لَو استقصى مثل ذَلِك لضاق الامر وَلَا يُوجد مُؤمن بِغَيْر عيب كَمَا قيل: وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه أَقُول: لَكِن صدر الامر السلطاني أَنه إِذا ألح الْخصم على القَاضِي بِأَن يحلف الشُّهُود قبل الحكم لتقوية الشَّهَادَة وَرَأى الْحَاكِم لُزُوم ذَلِك فَلهُ إجَابَته كَمَا فِي مَادَّة 1727 من الْمجلة. لَطِيفَة فِي الْمُلْتَقط عَن غَسَّان بن مُحَمَّد الْمروزِي قَالَ: قدمت الْكُوفَة قَاضِيا فَوجدت فِيهَا مائَة وَعشْرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إِلَى سِتَّة ثمَّ أسقطت أَرْبَعَة، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك استعفيت واعتزلت. تَنْبِيه: قَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد حفيد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَهُوَ من جملَة الائمة. أَخذ عَن أبي يُوسُف وزاحمه فِي الْعلم، وَلَو عمر لفاق الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، لكنه مَاتَ شَابًّا رَحمَه الله تَعَالَى: أَرْبَعَة من الشُّهُود لَا أسأَل عَنْهُم. شَاهد غَرِيب: وَهُوَ أَن يجْتَمع الْخُصُوم بِبَاب القَاضِي وَمِنْهُم شخص يَدعِي الغربة والعزم على السّفر وفوت الرفاق بِالتَّأْخِيرِ وَطلب تَقْدِيمه لذَلِك: أَي بِلَا قرعَة كَمَا فِي الْبَحْر، فَلَا يقبل إِلَّا بِشَاهِدين على ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى تزكيتهما لتحَقّق الْفَوات بطول الْمدَّة بالتزكية. الثَّانِيَة: الْعَدْوى، وَهِي مَا لَو سمى شخصا بَينه وَبَين الْمصر أَكثر من يَوْم وَله عَلَيْهِ دَعْوَى لَا يُرْسل القَاضِي خَلفه حَتَّى يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَا يشْتَرط تعديلها. وَنقل عَن مُحَمَّد أَنه اشْترط تَعْدِيل هذَيْن لما فِيهِ من الالزام على الْغَيْر، وكل مَا كَانَ كَذَلِك سَبيله التَّعْدِيل، وَإِلَيْهِ مَال الْحلْوانِي وَقَالَ: إِنَّه روى عَن الامام. الثَّالِثَة: شَاهد رد الطينة، وَهُوَ مَا لَو ادّعى على شخص لَيْسَ بحاضر مَعَه بِحَق وَذكر أَنه امْتنع من الْحُضُور مَعَه أعطَاهُ القَاضِي طِينَة أَو خَاتمًا وَقَالَ أره إِيَّاه وادعه إِلَيّ وَأشْهد عَلَيْهِ، فَإِن أرَاهُ ذَلِك وَقَالَ لَا أحضر وَشهد عِنْد القَاضِي بذلك مستوران لَا يسْأَل عَنْهُمَا. قَالُوا: وَفِيمَا نقل عَن مُحَمَّد إِشَارَة إِلَى تعديلهما حَيْثُ قيد بِمَا فِيهِ إِلْزَام على الْغَيْر. وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: إِن عدم التَّعْدِيل أنظر للنَّاس وَبِه نَأْخُذ لخوف اختفاء الْخصم مَخَافَة الْعقُوبَة، فَإِذا شَهدا كتب إِلَى الْوَالِي فِي إِحْضَاره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 498 الرَّابِعَة: شَاهد تَعْدِيل الْعَلَانِيَة لَا يشْتَرط تزكيته ظَاهرا بعد يؤال القَاضِي عَن الشُّهُود الْمَطْلُوب تعديلهم فِي السِّرّ مِمَّن يَثِق بِهِ من أمنائه وَأخْبرهُ بِعَدَالَتِهِمْ، وَلَا بُد من الْمُغَايرَة بَين شُهُود السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَإِنَّمَا لم تشْتَرط عدالتهم لانها للِاحْتِيَاط إِجَابَة للْمُدَّعِي إِلَى مَا طلب اه. ذكر الْعَلامَة عبد الْبر فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة، وَمثله فِي شرحها لمصنفها. وَذكر فِي الْبَحْر أَن ذَلِك فِي شَهَادَة الْعَلَانِيَة مَحْمُول على أَن مزكيها مَعْرُوف الْعَدَالَة لنقل الاجماع على أَن تزكيه الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ، أَو هُوَ مَحْمُول عَن مَا إِذا تقدّمت التَّزْكِيَة سرا، وَلَئِن كَانَ مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبر عَن الامام إِسْمَاعِيل مرَادا فَهُوَ ضَعِيف لنقل الاجماع على أَن تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ اه. قَوْله: (بِمَا سمع) أَي إِن كَانَ من المسموعات، وَقَوله: أَو رأى أَي إِن كَانَ من المرئيات، وَقد يكون الشئ مسموعا ومرئيا باعتبارين، وَأَشَارَ بقوله: بِمَا سمع إِلَى أَنه لَا بُد من علم الشَّاهِد بِمَا يشْهد بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّوَازِل عَن رجل ادّعى على وَرَثَة ميت مَالا فالامر بِإِثْبَات ذَلِك فأحضر شَاهِدين شَهدا أَن الْمُتَوفَّى قد أَخذ من هَذَا الْمُدَّعِي منديلا فِيهِ دَرَاهِم وَلم يعلمَا كم وَزنهَا هَل تجوز شَهَادَتهمَا، وَهل يجوز للشاهدين أَن يشهدَا بذلك؟ قَالَ: إِن كَانَ الشُّهُود وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرزوها فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك، وَيَنْبَغِي أَن يعتبروا جودتها فَإِنَّهَا قد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه. وَفِي خزانَة الاكمل: رجل فِي يَده دِرْهَمَانِ كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ فَإِنَّهُ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه. قَوْله: (فِي مثل البيع) إِن عقداه بِإِيجَاب وَقبُول كَانَ من المسموعات، وَإِن بتعاط كَانَ من المرئيات: وَفِيهِ يَشْهَدُونَ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ. بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لانه عاين السَّبَب فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَة كَمَا عَايَنَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهر، وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ. وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لانه بيع حكمي لَا حَقِيقِيّ اه. فِي الْبَحْر عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ حَضَرَ بَيْعًا ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ لِلْمُشْتَرِي، يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاء وَلَا يشْهد لَهُ بِالْملكِ الْمُطلق، لَان الْملك الْمُطلق ملك من الاصل وَالْملك بِالشِّرَاءِ حَادث اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَمَا سَنذكرُهُ فِي بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (والاقرار) هُوَ بِاللِّسَانِ من المسموعات بِأَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَى كَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالْكِتَابَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا مُلَخَّصُهُ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَدَّرًا مَرْسُومًا، وَإِنْ لِغَائِبٍ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَلامَة لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ. وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لم يكن الْغَائِبِ. وَإِنْ كَتَبَ وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ مُطْلَقًا أَوْ قَرَأَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْكَاتِبُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ أَو كتبه عِنْدهم وَقَالَ: اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ وَعَلمُوا بِهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، لَكِنْ جزم بِهِ فِي الْفَتْح وَغَيره، وَأفْتى بِهِ الشَّيْخ سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، إِذا كَانَ على رسم الصكوك واعترف بِأَنَّهُ خطه أَو شهدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَقد شاهدوا كِتَابَته وَعرفُوا مَا كتبه أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِم. هَذَا حَاصِل مَا أجَاب بِهِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 موضِعين من فَتَاوَاهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِك. قَوْله: (وَحكم الْحَاكِم) يكون من المسموع إِن كَانَ بالْقَوْل، وَيكون من المرئيات إِن كَانَ فعلا. قَوْله: (وَالْغَصْب وَالْقَتْل) من المرئيات. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ بدله وَلَو قَالَ: لَا تشهد عَليّ لَكَانَ أَفْوَدَ، لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ اه. فَيُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا سَكَتَ بِالْأَوْلَى. بَحْرٌ. وَفِيهِ: وَإِذَا سَكَتَ يَشْهَدُ بِمَا علم، وَلَا يَقُول: أشهدني لانه كذب. وَفِي النَّوَازِل: سُئِلَ مُحَمَّد بن مقَاتل عَن شَرِيكَيْنِ يتحاسبان وَعِنْدَهُمَا قوم فَقَالَا: لَا تشهدوا علينا بِمَا تسمعونه منا ثمَّ أقرّ أَحدهمَا لصَاحبه بشرَاء أَو بَاعَ شَيْئا فَطلب الْمقر لَهُ بعد ذَلِك مِنْهُم الشَّهَادَة، قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا بذلك، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن سِيرِين. وَأما الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن بن زِيَاد فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: لَا يشْهدُونَ بِهِ. قَالَ الْفَقِيه: وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا وَبِه نَأْخُذ اه ثمَّ قَالَ بعده: قَالَ الْفَقِيه: إِن كَانَ يخَاف على نَفسه أَنه إِذا أقرّ بشئ صدق وَادّعى أَن شَرِيكه قبض لَا يصدقهُ يَقُول للمتوسط: اجْعَل كَأَن هَذَا المَال على غَيْرِي وَأَنا أعبر عَنهُ ثمَّ يَقُول: قبض كَذَا وَكَذَا فيبين الْجَمِيع من غير أَن يضيف إِلَى نَفسه كي لَا يصير حجَّة عَلَيْهِ اه. قَوْله: (وَلَو مختفيا يرى وَجه الْمقر ويفهمه) وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا يحل لَهُم الشَّهَادَة إِلَّا إِذا دخل بَيْتا فَرَأى رجلا فِيهِ وَحده فَخرج وَجلسَ على بَابه وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَك غَيره فَسمع إِقْرَاره من الْبَاب من غير رُؤْيَة وَجهه حل لَهُ أَن يشْهد بِمَا أقرّ. كَذَا ذكره الْخصاف. وَفِي الْعُيُون: رجل خبأ قوما لرجل ثمَّ سَأَلَهُ عَن شئ فَأقر وهم يسمعُونَ كَلَامه ويرونه وَهُوَ لَا يراهم جَازَت شَهَادَتهم، وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا تحل لَهُم الشَّهَادَة اه. بَحر. قَوْله: (لَكِن لَو فسر) بِأَن قَالَ: إِنِّي شَاهد على المحتجب. قَوْله: (لَا تقبل) إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة جَوَاز الشَّهَادَة الْقبُول عِنْد التَّفْسِير، فَإِن الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ تقبل فِي بعض الْحَوَادِث، لَكِن إِذا صرح لَا تقبل ط. قَوْله: (أَو يرى شَخْصَهَا) فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا اه. بَحر مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ. وَاحْتَرَزَ بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا عَنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً، إذْ يُمْكِنُ الشَّاهِدَ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُود إِلَى شَهَادَة عَدْلَيْنِ بنسبها. وَقَالَ قبله: لَو أخبر الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن هَذِه المقرة فُلَانَة بنت فلَان يَكْفِي هَذَا للشَّهَادَة على الِاسْم وَالنّسب عِنْدهمَا، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، أَلا ترى أَنَّهُمَا لَو شَهدا عِنْد القَاضِي يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَضَاء فَوق الشَّهَادَة فَتجوز الشَّهَادَة بإخبارهما بِالطَّرِيقِ الاولى، فَإِن عرفهَا باسمهما ونسبها عَدْلَانِ يَنْبَغِي للعدلين أَن يشْهد الْفَرْع على شَهَادَتهمَا فَيشْهد عِنْد القَاضِي عَلَيْهَا بِالِاسْمِ وَالنّسب وبالحق أَصَالَة اه. وَفِيه: وَلَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَيْهِمَا بِإِخْبَار الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما لعلهما تسميا وانتسبا باسم غَيرهمَا وَنسبه يُريدَان أَن يزورا على الشُّهُود ليخرجا الْمَبِيع من يَد مَالِكه، فَلَو اعْتمد على قَوْلهمَا نفذ تزويرهما وَبَطل أَمْلَاك النَّاس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 مطلب: مَا يغْفل النَّاس عَنهُ كثيرا من الشَّهَادَة على الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما بأخبارهما وَهَذَا فصل غفل عَنهُ كثير من النَّاس، فَإِنَّهُمَا يسمعُونَ لفظ الشِّرَاء وَالْبيع والاقرار والتقابض من رجلَيْنِ لَا يعرفونهما، ثمَّ إِذا اسْتشْهدُوا بعد موت صَاحب البيع شهدُوا على ذَلِك الِاسْم وَالنّسب وَلَا علم لَهُم بذلك، فَيجب أَن يحْتَرز عَن مثل ذَلِك. وَطَرِيق علم الشُّهُود بِالنّسَبِ أَن يشْهد عِنْدهم جمَاعَة لَا يتصرر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا: شَهَادَة رجلَيْنِ كَاف كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق. أَقُول: يحصل للْقَاضِي الْعلم بِالنّسَبِ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَن يحصل للشُّهُود أَيْضا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلهمَا اه. وَقيد بِرُؤْيَة الشَّخْص لانه لَا يشْتَرط رُؤْيَة الْوَجْه لصِحَّة الشَّهَادَة على المنتقبة كَمَا قَالَ بِهِ بعض مَشَايِخنَا عِنْد التَّعْرِيف. شرنبلالية وَإِلَى هَذَا مَال خُوَاهَر زَاده. وَبَعْضهمْ قَالَ: لَا يَصح التَّحَمُّل عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، ذكره سري الدّين. قَالَ أَبُو السُّعُود: فَتحصل مِنْهُ أَن الْفَتْوَى على عدم اشْتِرَاط رُؤْيَة وَجه الْمَرْأَة. أَقُول: وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله عِنْد عدم مَعْرفَته لَهَا، أما إِذا عرفهَا فَيشْهد عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، وَلَكِن هَذَا ظَاهر إِذا رأى وَجههَا ثمَّ تنقبت فَشهد على إِقْرَارهَا مثلا فِي حَال تنقبها فَهَذَا لَا شكّ أَنه لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف من غَيره، إِذْ تَعْرِيف غَيره حِينَئِذٍ لَا يزِيد على مَعْرفَته. وَأما إِذا كَانَت متنقبة وَكَانَ يعرفهَا قبل فعرفها بصوتها وهيئتها وَلم ير وَجههَا وَقت التنقب أَو الاقرار فَهَل يَكْفِي ذَلِك؟ ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا يَكْفِي. فَفِي الْعمادِيَّة قَالُوا: لَا يَصح التَّحَمُّل بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا: وَبِه يُفْتِي شمس الاسلام الاوزجندي وظهير الدّين المرغيناني اه، وَلم يفصل بَين مَا إِذا عرفهَا بصوتها أَو لَا. وَفِي البيري على الاشباه: لَا يجوز أَن يشْهد على من سَمعه من وَرَاء حَائِط أَو من فَوق الْبَيْت وَهُوَ لَا يرَاهُ وَإِن عرف كَلَامه، لَان الْكَلَام يشبه بعضه بَعْضًا كَمَا فِي التاترخانية. وَفِي منية الْمُفْتِي: أقرَّت من وَرَاء حجاب لَا يجوز أَن يشْهد على إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا رأى شخصها، وَلم يشْتَرط فِي النَّوَادِر رُؤْيَة وَجههَا انْتهى. وَانْظُر كَلَام الْفَتْح فَإِنَّهُ يُفِيد ذَلِك أَيْضا. قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) مُقَابِله مَا تقدم قَرِيبا من أَنه لَا بُد من شَهَادَة جمَاعَة. ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ ابْن لمُحَمد بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا؟ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوكَ يَقُولَانِ: يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، لانه أيسر على النَّاس انْتهى. وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا كَمَا احْتَاجَا لِلِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ يَحْتَاجَانِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَةَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ هَذِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا. سَائِحَانِيٌّ بِزِيَادَةٍ من الْبَحْر وَغَيره. قَوْله: (لَان عِنْد الاداء) كَذَا وَقع فِي الْمنح، وَفِيه حذف اسْم إِن وَهُوَ ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا. قَوْله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501 (فَيَضُرُّهُ) أَيْ يَضُرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بُغْضُهُ لِلْفَقِيهِ. قَوْله: (ظَاهِرَة) معنى دَالَّة فعداه بعلى. قَوْله: (على أَنَّهُمَا كخط كَاتب وَاحِد) لفظ على معنى فِي أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره تدل، والاولى حذف الْكَاف من كخط كَمَا هُوَ فِي الْمنح، وَهُوَ كَذَلِك فِي بعض النّسخ. قَوْله: (لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لكنه لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب، فَكَذَا هُنَا. منح. قَوْله: (خَانِية) عبارتها من الشَّهَادَات: رجل كتب صك وَصِيَّة وَقَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ وَلم يقْرَأ وَصيته عَلَيْهِم. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: وسعهم أَن يشْهدُوا، وَالصَّحِيح أَنه لَا يسعهم، وَإِنَّمَا يحل لَهُم أَن يشْهدُوا بِأحد معَان ثَلَاثَة: إِمَّا أَن يقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِم وَكتبه غَيره، أَو قرئَ الْكتاب عَلَيْهِ بَين يَدي الشُّهُود فَيَقُول هُوَ لَهُم اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ، أَو يكْتب هُوَ بَين يَدي الشَّاهِد وَيعلم بِمَا فِيهِ وَيَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ. قَالَ أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ: هَذَا إِن لم يكن الْكتاب مَكْتُوبًا على الرسوم، فَإِن كَانَ مَكْتُوبًا على الرَّسْم وَكتب بَين يَدي الشُّهُود وَالشَّاهِد يعلم مَا فِي الْكتاب وَسعه أَن يشْهد، وَإِن لم يقل لَهُ اشْهَدْ عَليّ بِمَا فِيهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَادِر اه. وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ فِي الاشباه) قَالَ فِي أَحْكَام الْكِتَابَة: مِنْهَا: وَذكر القَاضِي ادّعى عَلَيْهِ مَال وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا المَال فَأنْكر أَن يكون خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ فَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة دَالَّة على أَنَّهُمَا خطّ كات وَاحِدٍ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب. كَذَا هُنَا. قَوْله: (لَكِن فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة الخ) هَذَا قَول القَاضِي النَّسَفِيّ، والعامة على خِلَافه كَمَا فِي الْبَحْر، وَنَصه: قَالَ القَاضِي النَّسَفِيّ: إِن كتب مصدرا مرسوما وَعلم الشَّاهِد حل لَهُ الشَّهَادَة على إِقْرَاره كَمَا لَو أقرّ كَذَلِك وَإِن لم يقل اشْهَدْ عَليّ بِهِ، وعَلى هَذَا إِذا كتب للْغَائِب على وَجه الرسَالَة، أما بعد ذَلِك فلك عَليّ كَذَا يكون إِقْرَارا لَان الْكتاب من الْغَائِب كالخطاب من الْحَاضِر فَيكون متكلما، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ للتجربة اه. قَوْله: (وفتاوى قَارِئ الْهِدَايَة وعبارتها) سُئِلَ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ وَرَقَةً بِخَطِّهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ كَذَا ثُمَّ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَجَحَدَ الْمَبْلَغَ وَاعْتَرَفَ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ. أجَاب إِذا كتب على رَسُول الصُّكُوكِ يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ يَقُولُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ: إنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ يُلْزَمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ اه. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ نَحْوَهُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ عَلَى الرَّسْمِ الْمُتَعَارَفِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَيَسَعُ مَنْ شَاهَدَ كِتَابَتَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ إذَا جَحَدَهُ إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا كِتَابَتَهُ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 502 وَحَاصِلُ الْجَوَابَيْنِ: أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا عَايَنُوا كِتَابَته أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَنْوَنًا. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ. نَعَمْ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا الْمَالُ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ، كَذَا هُنَا. وَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا، لَكِنْ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي النَّسَفِيِّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة. قَوْله: (فراجع ذَلِك) أَرَادَ بذلك أَن يبين أَن الْمَسْأَلَة الَّتِي أفتى بهَا قَارِئ الْهِدَايَة غير مَسْأَلَة قاضيخان، فَإِن مَا فِي قاضيخان هُوَ الَّذِي ذكره المُصَنّف كَمَا وقفت عَلَيْهِ. وَالَّذِي أفتى بِهِ قَارِئ الْهِدَايَة هُوَ مَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة والملتقط كَمَا علمت. أَقُول: وَالْحَاصِل أَنه اضْطربَ كَلَامهم فِي مَسْأَلَة الْعَمَل بالخط، وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على اخْتِلَاف الرِّوَايَة أَو أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّعْبِير بِلَفْظ قَالُوا كَمَا قدمْنَاهُ، وَالَّذِي قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر يُفِيد أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعلم بالخط، وَأَشَارَ الْعَلامَة البيري إِلَى أَن قَوْلهم لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ إلَخْ يسْتَثْنى مِنْهُ مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم، وَيُشِير إِلَيْهِ مَا قَالَه فِي الاسعاف من أَن ذَلِك اسْتِحْسَان، وَاسْتثنى أَيْضا فِي الاشباه تبعا لما فِي قاضيخان وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا خطّ السمسار والبياع والصراف، وَجزم بِهِ فِي الْبَحْر وَكَذَا فِي الْوَهْبَانِيَّة، وحققه ابْن الشّحْنَة وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي شرحها، وَأفْتى بِهِ المُصَنّف وَنسبه الْعَلامَة البيري إِلَى غَالب الْكتب، قَالَ: حَتَّى الْمُجْتَبى حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا خَطُّ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِن لم يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس وَكَذَلِكَ مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْعُرْفِ اه. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: صَرَّافٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَخَطُّهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ غَرِيمٌ يَطْلُبُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَعَرَضَ خَطَّ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ عَرَفَ النَّاسُ خَطَّهُ حُكِمَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ حُجَّةً اه مَا قَالَه البيري. ثمَّ قَالَ بعده، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ: وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْبَيَّاعُ: وَجَدْتُ فِي يار كاري (1) أَي دفتر بخطي أَو كتبت يار كاري بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إِقْرَارا ملزما إِيَّاه. قلت: وَيُزَادُ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِمُوجب الْعرف لَا بِمُجَرَّد الْخط، وَالله تَعَالَى أعلم، وَأقرهُ الشَّارِح فِي بَاب كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَة كتاب الامان، وَيلْحق بِهِ البراءات ودفتر بياع وصراف وسمسارا الخ. مطلب فِي الْعَمَل بالدفاتر السُّلْطَانِيَّة وَكتب سَيِّدي نقلا عَن الْمُحَقِّقُ هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الاشباه مَا نَصه: تَنْبِيه: مثل البراءات السُّلْطَانِيَّة الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السُّلْطَانِيَّة فَإِنَّهُ يعْمل بِهِ، وللشارح رِسَالَة فِي ذَلِك *   (1) قَوْله: (ياركاري) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة آخِره رَاء مركب: مَعْنَاهُ الْمُذكر، وَهُوَ هُنَا الدفتر. وَفِي بعض الاياركار. وَفِي بعض فِي تَذَاكر الباعة اه. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 503 حاصلها بعد أَن نقل ماهنا من أَنه يعْمل بِكِتَاب الامان. وَنقل جزم ابْن الشّحْنَة وَابْن وهبان بِالْعَمَلِ بدفتر الصراف والبياع والسمسار لِعِلَّةِ أَمْنِ التَّزْوِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ والسرخسي وقاضيخان، وَأَن هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْلَى كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ أَهَالِيِهَا حِينَ نَقْلِهَا، إذْ لَا تَحَرُّرَ أَوَّلًا إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَسَاهُلٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِذَلِكَ فَيَضَعُ خَطَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَى الْمُتَوَلِّي لِحِفْظِهَا الْمُسَمَّى بِدَفْتَرٍ أَمِينِيٍّ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعَادُ أُصُولُهَا إلَى أَمْكِنَتِهَا الْمَحْفُوظَةِ بِالْخَتْمِ، فَالْأَمْنُ مِنْ التَّزْوِيرِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلِمُ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّوْلَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا، فَلْيُحْفَظْ اه. فَالْحَاصِل أَن للدَّار على انْتِفَاء الشُّبْهَة ظَاهرا، وَعَلِيهِ فَمَا يُوجد فِي دفاتر التُّجَّار فِي زَمَاننَا إِذا مَاتَ أحدهم وَقد حرر بِخَطِّهِ مَا عَلَيْهِ فِي دفتره الَّذِي يقرب من الْيَقِين أَنه لَا يكْتب فِيهِ على سَبِيل التجربة والهزل يعْمل بِهِ وَالْعرْف جَار بَينهم بذلك، فَلَو لم يعْمل بِهِ لزم ضيَاع أَمْوَال النَّاس إِذْ غَالب بياعاتهم بِلَا شُهُود، فلهذه الضَّرُورَة جزم بِهِ الْجَمَاعَة المذكورون وأئمة بَلخ كَمَا نَقله فِي الْبَزَّازِيَّة، وَكفى بالامام السَّرخسِيّ وقاضيخان قدوة، وَقد علمت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة أَنه لَا يعْمل بالخط، فَلَا يرد مَا مر من أَنه تحل الشَّهَادَة بالخط على مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة، وَيدل عَلَيْهِ تَعْلِيلهم بِأَن الْكِتَابَة قد تكون للجربة، فَإِن هَذِه الْعلَّة فِي مَسْأَلَتنَا منتفية، وَاحْتِمَال أَن التَّاجِر يُمكن أَن يكون قد دفع المَال وَأبقى الْكِتَابَة فِي دفتره بعيد جدا، على أَن ذَلِك: الِاحْتِمَال مَوْجُود، وَلَو كَانَ بِالْمَالِ شُهُود فَإِنَّهُ يحْتَمل أَنه قد أوفى المَال وَلم يعد بِهِ الشُّهُود. ثمَّ لَا يخفى أَنا حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَمَلِ بِمَا فِي الدفتر فَذَاك فِيمَا عَلَيْهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ عَن خزانَة الاكمل وَغَيرهَا. أما فِيمَا لَهُ على النَّاس فَلَا يَنْبَغِي القَوْل بِهِ، فَلَو ادّعى بِمَال على آخر مُسْتَندا لدفتر نَفسه لَا يقبل لقُوَّة التُّهْمَة الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد مُلَخصا. وَتَمَامه فِيهِ. وَانْظُر مَا قدمه فِي كتاب القَاضِي. قَوْله: (وَلَا يشْهد على شَهَادَة غَيره) وَلَو سَمعه يشْهد غَيره فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ أَن يشْهد لانه حمل غَيره ط. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الشَّاهِدُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو قَالَ الْمُؤلف كَمَا فِي الْهِدَايَة مَا لم يشْهد عَلَيْهَا لَكَانَ أولى من قَوْله عَلَيْهِ لما فِي الخزانة: لَو قَالَ اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا أَو أشهد على مَا شهِدت بِهِ كَانَ بَاطِلا وَلَا بُد أَن يَقُول اشْهَدْ على شهادتي إِلَى آخِره اه. قَوْله: (فَلَو فِيهِ جَازَ) لانها حِينَئِذٍ ملزمة وَالتَّعْلِيل يُفِيد أَن القَاضِي قضى بهَا. حموي، لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَالظَّاهِر أَن المُرَاد من كَونهَا ملزمة: أَي للْقَاضِي الحكم بهَا، إِذْ لَا يجوز لَهُ تَأْخِير الحكم إِلَّا فِي مَوَاضِع تقدّمت فِي الْقَضَاء كَمَا صرح بِهِ فِي النِّهَايَة وَفتح الْقَدِير وتبعهم الشَّارِح. أَقُول: وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيل من قَضَاء القَاضِي بهَا بِالْفِعْلِ. قَوْله: (وَيُخَالِفهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لم يسع لَهُ أَن يشْهد على شَهَادَته اه ح. فَإِن حمل ذَلِك على أَنه قبل الْقَضَاء بِهِ ارْتَفَعت الْمُنَافَاة ط. أَقُول: وَهُوَ مؤيد لما قُلْنَاهُ آنِفا فِي القولة الَّتِي قبل هَذِه. قَوْله: (وَقَوْلهمْ) عطف على تَصْوِيره: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 504 أَي وَيُخَالِفهُ قَوْلهم وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ الْإِطْلَاقُ وَعَدَمُ تَقْيِيدِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إِذا كَانَت عِنْد غير القَاضِي. قَوْله: (لَا بُد من التحميل) مصدر فعل المضعف فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ح. قَوْلُهُ: (وَقَبُولِ التَّحْمِيلِ) فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أقبل فَإِنَّهُ لَا يصير شَاهدا، حَتَّى لَو شهد بعد ذَلِك لَا تقبل كَمَا فِي الْقنية، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يبطل بِالرَّدِّ لَان من حمل غير شَهَادَة لم تبطل بِالرَّدِّ. بَحر. قَوْله: (على الاظهر) وَهُوَ قَول الْعَامَّة، لما فِي الْخُلَاصَة معزيا إِلَى الْجَامِع الْكَبِير: لَو حضر الاصيلان ونهيا الْفُرُوع عَن الشَّهَادَة، صَحَّ النَّهْي عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ. وَقَالَ بَعضهم: لَا يَصح، والاول أظهر اه. بَحر. قَالَ ط: وَجه الْمُخَالفَة أَن الاولين لم يوجدا، لَان الشَّاهِد عِنْد القَاضِي لم يحمل السَّامع وَالسَّامِع لم يقبل. وَقد يُقَال: إِن هَذَا بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة بالحكم نَفسه لكَونهَا بعد الْقَضَاء بهَا. وَيُقَال فِي الثَّانِي أَيْضا: إِن اشْتِرَاطه قَول مُحَمَّد لَا قَوْلهمَا، فَلْيتَأَمَّل اه. قَوْله: (وَإِن لم يشهدهما القَاضِي عَلَيْهِ) أَي فَتحمل عبارَة النِّهَايَة السَّابِقَة على أَنه سَمعه فِي مجْلِس القَاضِي وَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَيشْهد بِحكم القَاضِي إِلَّا بِشَهَادَة الشَّاهِد، لَان الشَّهَادَة على الحكم لَا تحْتَاج إِلَى الاشهاد وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة تحْتَاج إِلَيْهِ بِلَا قيد، كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لَا يَسعهُ أَن يشْهد على شَهَادَته. أَفَادَهُ د. قَوْله: (وَقَيده أَبُو يُوسُف الخ) فِيهِ تَأمل، فَإِن القَاضِي لَا يجوز لَهُ قَضَاء فِي غير مجْلِس قَضَائِهِ إِذا كَانَ معينا لَهُ، فَلَو كَانَ هَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا سمعا القَاضِي يشْهد على قَضَائِهِ لَكَانَ أظهر. وَفِي حَاشِيَة الشلبي عَن الكاكي: لَو سمع قَاضِيا يشْهد قوما على قَضَائِهِ كَانَ للسامع أَن يشْهد على قَضَائِهِ بِغَيْر أمره، لَان قَضَاء القَاضِي حجَّة ملزمة، وَمن عاين حجَّة حل لَهُ الشَّهَادَة بهَا، كَمَا لَو عاين الاقرار وَالْبيع اه. لَكِن قد سبق أَن القَاضِي إِذا حكم فِي غير نوبَة الْقَضَاء وَأَجَازَهُ فِيهَا صَحَّ فَتدبر ط. قَوْله: (كفى عدل وَاحِد) قيد بِالْعَدْلِ لَان خبر المستور لَا يقبل فِي هَذِه الاشياء وَإِن كَانَ اثْنَيْنِ، وَكَذَا الديانَات كطهارة المَاء ونجاسته وَحل الطَّعَام وحرمته. وَيقبل خبر الْعدْل أَو المستورين فِي عز الْوَكِيل وَحجر الْمَأْذُون وإخبار الْبكر بإنكاح وَليهَا وإخبار الشَّفِيع بِالْبيعِ وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر. قَوْله: (فِي اثْنَي عشر مَسْأَلَة) (1) مِنْهَا الاحد عشر الْآتِيَة فِي النّظم قَالَ فِيهَا: وزدت أُخْرَى: يقبل قَول أَمِين القَاضِي إِذا أخبرهُ شَهَادَة شُهُودٍ عَلَى عَيْنٍ تَعَذَّرَ حُضُورُهَا كَمَا فِي دَعْوَى الْقنية. أشباه. قَوْله: (مِنْهَا إِخْبَار القَاضِي) من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله: أَي إِخْبَار الْعدْل القَاضِي، والاولى حذفه للاستغناء عَنهُ بِمَا نَقله من النّظم، وَمَعْنَاهُ أَن القَاضِي إِذا حبس شخصا فِي مَال عوض عَن مَال وَقد ادّعى أَنه مُعسر فَإِنَّهُ لَا يصدقهُ ويحبسه مُدَّة يَرَاهَا، فَإِذا أخبرهُ عدل بعد هَذِه الْمدَّة بإفلاسه فَإِنَّهُ يقبل خَبره ويطلقه ط. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْمُدَّةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ حَبَسَهُ الْقَاضِي مُدَّةً يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَقَضَى دَيْنَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ على   (1) قَوْله: (فِي إثني عشر مَسْأَلَة) كَذَا فِي الشَّرْح وَتَبعهُ الطَّحْطَاوِيّ، وَالصَّوَاب اثْنَتَيْ عشرَة مَسْأَلَة اه. مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 505 ذل الْحَبْس كَمَا تقدم. مدنِي. قَوْله: (أَي تَزْكِيَة السِّرّ) عِنْدهمَا: ورتب مُحَمَّد تزكيته على مَرَاتِب الشَّهَادَة الاربعة الْمُتَقَدّمَة، فالمزكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد. شرنبلالية: أَي يشْتَرط فِي تَزْكِيَة الزِّنَا أَرْبَعَة ذُكُور، وَفِي غَيره من الْحُدُود وَالْقصاص رجلَانِ، وَفِي غَيرهمَا من الْحُقُوق رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، وَفِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال امْرَأَة وَاحِدَة ترتيبها على تَرْتِيب الشَّهَادَة لانها كَالشَّهَادَةِ، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة. وَمحل الِاخْتِلَاف مَا إِذا لم يرض الْخصم بتزكية وَاحِد، فَإِن رَضِي الْخصم بتزكية وَاحِد فزكى جَازَ إِجْمَاعًا. بَحر عَن الْوَلوالجِيَّة. قَوْله: (وَأما تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة فَشَهَادَةٌ إجْمَاعًا) الْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَة فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهَا جمع مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا لَفْظَ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَه الْخصاف اه. وَيشْتَرط فِي الْمُزَكي عَلَانيَة عدم الْعَدَاوَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ، فَلَو زكى أَعدَاء الْمُدعى عَلَيْهِ الشُّهُود لَا تصح التَّزْكِيَة لانها شَهَادَة كَمَا صرح بِهِ فِي التَّنْقِيح. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ بِحَدِّ الزِّنَا، فَلَا بُدَّ فِي الْمُزَكِّي فِيهَا من أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَالْعدَد والاربعة إجْمَاعًا، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ لَهَا اه. قَالَ الدمياطي: أما قَوْله إِجْمَاعًا فَفِيهِ تَأمل، لانه لم يسْبقهُ خلاف يُقَابل بِهِ الاجماع. قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يخْتَار فِي مزكي الشُّهُود من هُوَ أخبر بأحوال النَّاس وَأَكْثَرهم اختلاطا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَته عَارِفًا بِمَا يكون جرحا وَمَا لَا يكون غير طماع وَلَا فَقير كي لَا يخدع بِالْمَالِ، فَإِن لم يكن فِي جِيرَانه وَلَا أهل سوقه من يَثِق بِهِ اعْتبر تَوَاتر الاخبار، وَخص فِي الْبَزَّازِيَّة السُّؤَال من الاصدقاء اه. قَوْله: (وترجمة الشَّاهِد) فَيشْتَرط أَن لَا يكون المترجم أعمى عِنْد الامام، وَهَذَا إِذا لم يعرف القَاضِي لغته، فَإِن كَانَ عَارِفًا بِلِسَان الشَّاهِد والخصم لم يجز تَرْجَمَة الْوَاحِد. والاولى أَن يُقَال: لَا يحْتَاج القَاضِي إِلَى تَرْجَمَة. وَذكر بَعضهم أَن الاولى كَون القَاضِي عَارِفًا باللغة التركية، واتخاذ المترجم وَقع فِي الْجَاهِلِيَّة والاسلام. وَلما جَاءَ سلمَان للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ. وَآله ترْجم يَهُودِيّ كَلَامه فخان فِيهِ، فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِحَدِيث طَوِيل، وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله زيد بن ثَابت أَن يتَعَلَّم العبرانية فَكَانَ يترجم بهَا وَفِي الْمِصْبَاح: ترْجم فلَان كَلَامه: إِذا بَينه وأوضحه، وَترْجم كَلَام غَيره: إِذا عبر عَنهُ بلغَة غير لُغَة الْمُتَكَلّم، وَاسم الْفَاعِل ترجمان بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم فِي الفصيح، وَقد تضم التَّاء تبعا للجيم وَقد تفتح الْجِيم تبعا للتاء، وَالْجمع تراجم بِكَسْر الْجِيم. والتزكية: الْمَدْح. قَالَ فِي الصِّحَاح: زكى نَفسه تَزْكِيَة: مدحها اه. قَوْله: (والخصم) هُوَ أَعم من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ. قَوْله: (من القَاضِي) وَكَذَا من الْمُزَكي إِلَى القَاضِي كَمَا فِي الْفَتْح: أَي فَيَكْفِي الْعدْل الْوَاحِد للتزكية والترجمة والرسالة لانها خبر وَلَيْسَت بِشَهَادَة حَقِيقَة، وَلذَا جوزوا تَزْكِيَة العَبْد وَالْمَرْأَة والاعمى والمحدود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ، وَكَذَا تَزْكِيَة من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كتزكية أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وتزكية الْوَالِد لوَلَده وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ وَصدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (وَجَاز تَزْكِيَة عبد) أَي لمَوْلَاهُ. قَوْله: (ووالد) لوَلَده وَعَكسه وَأحد الزوجي للْآخر. قَوْله: (فِي تقوم) أَي تقوم الصَّيْد الَّذِي أتْلفه الْمحرم، وَكَذَا فِي متْلف، بِأَن كسر شخص لشخص شَيْئا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 506 فَادّعى أَن قِيمَته مبلغ كَذَا فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يكون ذَلِك الْقدر فَيَكْفِي فِي إِثْبَات قِيمَته قَول االعدل الْوَاحِد. وَذكر فِي الْبَزَّازِيَّة من خِيَار الْعَيْب أَنه يحْتَاج إِلَى تَقْوِيم عَدْلَيْنِ لمعْرِفَة النُّقْصَان فَيحْتَاج إِلَى الْفرق بَين التقويمين، وَيسْتَثْنى من كَلَامه تَقْوِيم نِصَاب السّرقَة فَلَا بُد فِيهِ من اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَة ط. قَوْله: (وَأرش يقدر أَي فِي نَحْو الشجاج. قَوْله: (وَالسّلم) بِسُكُون اللَّام للضَّرُورَة بِمَعْنى الْمُسلم فِيهِ ح: أَي إِذا اخْتلفَا فِيهِ بعد إِحْضَاره. بَحر. قَوْله: (وإفلاسه) أَي إِذا أخبر القَاضِي عدل بإفلاس الْمَحْبُوس بعد مُضِيّ الْمدَّة أطلقهُ مكتفيا بِهِ. حموي. قَوْله: (الارسال) أَي رَسُول القَاضِي للمزكي. قَوْله: (وَالْعَيْب يظْهر) أَي إِذا اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي إِثْبَات الْعَيْب يَكْتَفِي فِي إثْبَاته بقول عدل، وَيظْهر من الاظهار (1) ضَمِيره إِلَى الْعدْل، وَالْعَيْب مفعول مقدم. قَوْله: (وَصَوْم عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنه يقبل الْعدْل الْوَاحِد فِي الصَّوْم بِلَا عِلّة. قَوْله: (أَو عِنْد عِلّة) من غيم أَو غُبَار وَنَحْوه على ظَاهر الْمَذْهَب. قَوْله: (وَمَوْت) أَي موت الْغَائِب. قَوْله: (إِذْ للشاهدين يُخْبَرُ) أَيْ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَوته. قَوْله: (والتزكية للذِّمِّيّ الخ) وَهل يَكْفِي فِيهِ تَزْكِيَة الْكَافِر الْوَاحِد، يحرر. حموي. أَقُول: مُقْتَضى مَا مر فِي تَزْكِيَة السّير أَنَّهَا تقبل لَان الْمُزَكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد، وَحَيْثُ قبل الاصل فالمزكي مثله من بَاب أولى على مَا ظهر لي، فَتَأَمّله. قَوْله: (بالامانة فِي دينه) بِأَن يكون محافظ على مَا يَعْتَقِدهُ شَرِيعَة على مَا هُوَ الظَّاهِر ط. قَوْله: (وَلسَانه) بِأَن لم يعْهَد عَلَيْهِ كذب. قَوْله: (وَيَده) لَعَلَّ المُرَاد بهَا الْمُعَامَلَة، أَو أَن لَا يكون سَارِقا ط. قَوْله: (وَأَنه صَاحب يقظة) أَي لَيْسَ بمغفل وَلَا معتوه. قَوْله: (سَأَلُوا عَنهُ عدُول الْمُشْركين) قَالَ أَبُو السُّعُود: من هُنَا يعلم أَن الْعَدَالَة لَا تَسْتَلْزِم الاسلام اه: أَي فِي حق الْكَافِر، والاولى أَن يَقُول: سَأَلَ: أَي القَاضِي. وَفِي الْبَحْر: يسْأَل: أَي القَاضِي عَن شُهُود الذِّمَّة عدُول الْمُسلمين وَإِلَّا سَأَلَ عَنْهُم عدُول الْكفَّار، كَذَا فِي الْمُحِيط وَالِاخْتِيَار. قَوْله: (عدل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَوْله: (قبلت شَهَادَته) وَلَا يحْتَاج إِلَى تَعْدِيل جَدِيد بِعْ الاسلام، بِخِلَاف الصَّبِي الَّذِي احْتَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يقبل القَاضِي شَهَادَته مَا لم يسْأَل عَنهُ أهل محلته، ويتأنى بِقدر مَا يَقع فِي قُلُوب أهل مَسْجِد، كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر والظهيرية. قَوْله: (وَلَو سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل) لَان السكر من الْمُحرمَات الَّتِي ذكرت فِي الانجيل فَيكون بذلك فَاسِقًا فِي دينه. قَوْله: (وَلَا يشْهد من رأى خطه   (1) أَي من بَاب اافعال مزِيد الثلاثي بِهَمْزَة اه. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 507 إِلَخ) أَي لَا يحل للشَّاهِد إِذا رأى خطه أَن يشْهد حَتَّى يتَذَكَّر، وَكَذَا القَاضِي إِذا وجد فِي ديوانه مَكْتُوبًا شَهَادَة شُهُود وَلَا يتَذَكَّر وَلَا للراوي أَن يروي اعْتِمَادًا على مَا فِي كِتَابه مَا لم يتَذَكَّر، وَهُوَ قَول الامام، فَلَا بُد عِنْده للشَّاهِد من تذكر الْحَادِثَة والتاريخ ومبلغ المَال وَصفته، حَتَّى إِذا لم يتَذَكَّر شَيْئا مِنْهُ وتيقن أَنه خطه وخاتمه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْهد، وَإِن شهد فَهُوَ شَاهد زور. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَلَا يَكْفِي تذكر مجْلِس الشَّهَادَة. وَفِي الْمُلْتَقط وعَلى الشَّاهِد أَن يشْهد وَإِن لم يعرف مَكَان الشَّهَادَة ووقتها اه. وَجوز مُحَمَّد للْكُلّ الِاعْتِمَاد على الْكتاب إِذا تَيَقّن أَنه خطه وَإِن لم يتَذَكَّر توسعة على النَّاس. وَجوزهُ أَبُو يُوسُف للراوي وَالْقَاضِي دون الشَّاهِد. وَفِي الْخُلَاصَة: أَن أَبَا حنيفَة ضيق فِي الْكل حَتَّى قلت رِوَايَته الاخبار مَعَ كَثْرَة سَمَاعه، فَإِنَّهُ روى أَنه سمع من ألف ومائتي رجل غير أَنه يشْتَرط الْحِفْظ وَقت السماع وَفِي وَقت الرِّوَايَة اه. وَمحل الْخلاف فِي القَاضِي إِذا وجد قَضَاءَهُ مَكْتُوبًا عِنْده: وَأَجْمعُوا أَن القَاضِي لَا يعْمل بِمَا يجده فِي ديوَان قَاض آخر وَإِن كَانَ مَخْتُومًا. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَقَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: يَنْبَغِي أَن يُفْتِي بقول مُحَمَّد، وَهَكَذَا فِي الاجناس، وَجزم فِي الْبَزَّازِيَّة. وَفِي المبتغى: من وجد خطه وعرفه وَنسي الشَّهَادَة وَسعه أَن يشْهد إِذا كَانَ فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ اه. وَعَزاهُ فِي الْبَزَّازِيَّة إِلَى النَّوَازِل. بَحر. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد نَاقِلا عَن الْجَوْهَرَة من أَن عدم حل الشَّهَادَة إِذا رأى خطه وَلم يتَذَكَّر الْحَادِثَة هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ، لِأَنَّ مَا فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَزْدَوِيِّ: الصَّغِيرُ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنه خطه وَعلم أَنه لم يرد فِيهِ شئ بِأَن كَانَ مخبوءا عِنْده أَو علم بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ، فَعِنْدَهُمَا: لَا يَسَعُهُ أَن يشْهد وَعَن أَبِي يُوسُفَ: يَسَعُهُ. وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ: قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيح اهـ مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. ثمَّ إِن الشَّاهِد إِذا اعْتمد على خطه على القَوْل الْمُفْتى بِهِ وَشهد وَقُلْنَا بقبوله فللقاضي أَن يسْأَله هَل شهد عَن علم أَو عَن خطّ إِن قَالَ عَن علم قبله، وَإِن قَالَ عَن الْخط لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَظَاهر كَلَام الْمُؤلف كمسكين أَن الصاحبين متفقان، وَقد علمت مَا قدمْنَاهُ، وَنَحْوه فِي الْعَيْنِيّ والزيلعي. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَيُمكن دفع التَّنَافِي بِأَن عَن الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ. قَوْله: (وجوازه لَو فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ) تقدم فِي كِتَابِ الْقَاضِي عَنْ الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ، لَان التَّغَيُّر نَادِرٌ وَأَثَرَهُ يَظْهَرُ، فَرَاجِعْهُ. وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ مَا ذكره الشَّيْخ وَذكر لَهُ حِكَايَة تؤيده. قَوْله: (بِمَا لم يعاينه) أَي بِمَا لم يقطع بِهِ جِهَة المعاينة بِالْعينِ أَو بِالسَّمَاعِ. ط عَن الْكَمَال. وَمِثَال الثَّانِي الْعُقُود. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي عَشْرَةٍ) كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا آخِرُهَا قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَده شئ الخ ح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 508 قلت: بل الْعَاشِر قَوْله وشرائطه وَفِي الطَّبَقَاتِ السَّنِيَّةِ لِلتَّمِيمِيِّ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ نَظْمِهِ: افْهَمْ مَسَائِلَ سِتَّةً واشهد بهامن غَيْرِ رُؤْيَاهَا وَغَيْرِ وُقُوفِ نَسَبٌ وَمَوْتٌ وَالْوِلَادُ وناكح وَولَايَة القَاضِي وأصل وقُوف قَوْله: (مِنْهَا الْعتْق) ذكر السَّرخسِيّ أَن الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي الْعتْق لَا تقبل بالاجماع. وَذكر شَيْخه الْحلْوانِي أَن الْخلاف ثَابت فِيهِ. فَعَن أبي يُوسُف الْجَوَاز، فَالْمُعْتَمَد عدم الْقبُول فِيهِ كَالَّذي بعده. وَفِي الْبَحْر: شَرط الْخصاف للقبول فِي الْعتْق عِنْد أبي يُوسُف أَن يكون مَشْهُورا وللعتق أَبَوَانِ أَو ثَلَاثَة فِي الاسلام وَلم يَشْتَرِطه مُحَمَّد فِي الْمَبْسُوط. وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر: التَّاسِعَة: الشَّهَادَة فِي الْعتْق. قَالُوا: لَا يحل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ، ثمَّ نقل عَن الْحلْوانِي مَا تقدم. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه: وَالْعَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة. وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى. وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة: وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْط. وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيْسَ بِشَرْط خُلَاصَة: أَي لانها شَهَادَة بحريّة أمة فَهِيَ شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج. وَتَمَامه فِيهِ. قَوْله: (وَالْوَلَاء عِنْد الثَّانِي) أَي فِي القَوْل الاخير لَهُ، وَالْقَوْل الاول لَهُ كالامام أَنَّهَا لَا تحل مَا لم يعاين إِعْتَاق الْمولى، وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَالظَّاهِر أَن الْمُعْتَمد قَول الامام لعدم تَصْحِيح قَول الثَّانِي. على أَن بَعضهم جعل ذَلِك رِوَايَة عَنهُ لَا مذهبا، وَالدَّلِيل للامام كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ أَن الْعتْق يَنْبَنِي على زَوَال الْملك وَلَا بُد فِيهِ من المعاينة، فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ط. قَوْله: (وَالْمهْر على الاصح) أَي من رِوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد لانه من تَوَابِع النِّكَاح فَكَانَ كَأَصْلِهِ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَمن ذَلِك الْمهْر، فَظَاهر التَّقْيِيد أَنه لَا تقبل فِيهِ بِهِ، وَلَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة والظهيرية والخزانة أَن فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، والاصح الْجَوَاز اه. وَمثله فِي الْخُلَاصَة والشرنبلالية، فَإِن حمل مَا فِي هَذِه الْكتب على أَن الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد فَلَا مُنَافَاة. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْخَارِجِينَ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فِي بَيْتِ عقد النِّكَاح بِأَن الْمهْر كَذَا تقبل لَا مِمَّن سمع من غَيرهم اه. قَوْله: (وَالنّسب) سَوَاء جَازَ بَينهمَا النِّكَاح أَو لَا. بَحر. فَجَاز أَن يشْهد أَنه فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ من سمع من جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد الامام وَإِن لم يعاين الْولادَة. وَعِنْدَهُمَا: إِذا أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ يَكْفِي، وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْعمادِيَّة. وَفِي التاترخانية: عَن الْمُحِيط: وَإِذا قدم عَلَيْهِ رجل من بلد آخر وانتسب إِلَيْهِ وَأقَام مَعَه دهرا لم يَسعهُ أَن يشْهد على نسبه حَتَّى يشْهد لَهُ رجلَانِ من أهل بَلَده عَدْلَانِ أَو يكون النّسَب مَشْهُورا. وَذكر الْخصاف هَذِه الْمَسْأَلَة وَشرط لجَوَاز الشَّهَادَة شرطين: أَن يشْتَهر الْخَبَر. وَالثَّانِي أَن يمْكث فيهم سنة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَقع معرفَة ذَلِك فِي قُلُوبهم، وَذَلِكَ بِأَن يُقيم مَعَهم سنة، وَإِن وَقع فِي قلبه معرفَة ذَلِك قبل مُضِيّ السّنة لَا يجوز أَن يشْهد. روى عَن أبي يُوسُف أَنه قدر ذَلِك بِسِتَّة أشهر. وَالصَّحِيح أَنه إِذا سمع من أهل بَلَده من رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ حل لَهُ أَدَاء الشَّهَادَة، وَإِلَّا فَلَا، أما إِذا سمع ذَلِك مِمَّن سمع من الْمُدَّعِي لَا يحل لَهُ أَن يشْهد وَإِن اشْتهر ذَلِك فِيمَا بَين النَّاس، لكنه إِن شهد عِنْده جمَاعَة حَتَّى تقع الشُّهْرَة حَقِيقَة وَعرف وَوَقع عِنْده أَنه ثَابت النّسَب من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 509 فلَان أَو شهد عِنْده عَدْلَانِ حَتَّى ثَبت الاشتهار شرعا حل لَهُ أَن يشْهد اه. وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: وَفِي دَعْوَى العمومة لَا بُد أَن يُفَسر أَن عَمه لامه أَو لابيه أَو لَهما، وَيشْتَرط أَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، فَإِن برهن على ذَلِك أَو على أَنه أَخُو الْمَيِّت لابويه لَا يعلمُونَ أَن لَهُ وَارِثا غَيره يحكم لَهُ بِالْمَالِ، وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية، (1) إِلَى أَن قَالَ: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابيه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن يقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى لَو حضر الاب وَأنكر لَا تقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة، لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب، وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على الاب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ، وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْحَاضِر وَالْغَائِب جَمِيعًا، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى على رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو على امْرَأَة أَنَّهَا زَوجته أَو ادَّعَت عَلَيْهِ أَنه زَوجهَا أَو ادّعى العَبْد على عَرَبِيّ أَنه مَوْلَاهُ عتاقة أَو ادّعى عَرَبِيّ على آخر أَنه مُعْتقه أَو ادَّعَت على رجل أَنَّهَا أمته أَو كَانَ الدَّعْوَى فِي وَلَاء الْمُوَالَاة وَأنْكرهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فبرهن الْمُدَّعِي على مَا قَالَ يقبل ادّعى بِهِ حَقًا أَو لَا، بِخِلَاف دَعْوَى الاخوة لانه دَعْوَى الْغَيْر، أَلا ترى أَنه لَو أقرّ أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو زوجه أَو زَوجته صَحَّ أَو بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا لكَونه حمل النّسَب على الْغَيْر. وَتَمَامه فِيهَا. وَحَاصِل مَا ينفعنا هُنَا: أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال إِلَّا فِي الاب وَالِابْن اه. وَأَرَادَ بِدَعْوَى المَال النَّفَقَة أَو الارث أَو دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَنَحْوهَا. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضَاء بِالنّسَبِ مِمَّا لَا يقبل النَّقْض لكَونه على الكافة كَالنِّكَاحِ وَالْحريَّة وَالْوَلَاء كَمَا فِي الصُّغْرَى، وَقد كتبنَا فِي الْفَوَائِد أَن الْقَضَاء عى الكافة فِي هَذِه الاربعة، لَكِن يسْتَثْنى من النّسَب مَا فِي الْمُحِيط من بَاب الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: شَهدا أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَهَذَا ابْن أَخِيه ووارثه قضى بِالنّسَبِ والارث ثمَّ أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَنه ابْن الْمَيِّت ووارثه ينْقض الاول وَيَقْضِي للثَّانِي، لَان الابْن مقدم على ابْن الاخ. وَلَا تنَافِي بَين الاول وَالثَّانِي لجَوَاز أَن يكون لَهُ ابْن وَابْن أَخ فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب (2) حَتَّى يبْقى الاول وَابْن عَم لَهُ حَتَّى يَرث مِنْهُ إِذا مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا آخر أقرب مِنْهُ، فَإِن أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَن الْمَيِّت فلَان بن فلَان وَنسبه إِلَى أَب آخر غير الاب الَّذِي نسبه إِلَى الاول فَإِنَّهُ ينظر، إِن ادّعى ابْن أَخِيه لَا ينْقض الْقَضَاء الاول لانه لما أثبت نَفسه من الاول خرج عَن أَن يكون محلا لاثباته فِي إِنْسَان آخر، وَلَيْسَ فِي الْبَيِّنَة الثَّانِيَة زِيَادَة إِثْبَات إِلَى آخر مَا ذكره. وَالْمرَاد بقوله من يَثِق بِهِ غير الْخصم، إِذْ لَو أخبرهُ رجل أَنه فلَان بن فلَان لَا يَسعهُ أَن يعْتَمد على   (1) قَوْله: (وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَفِي آخر الْفَصْل الثَّانِي من جَامع القصولين فِي دَعْوَى الحكم بِلَا تَسْمِيَة القاضى بعد كَلَام قدمه: فالحلصل أَنه فِي دَعْوَى للْفِعْل وَالشَّهَادَة على الْفِعْل هَل تشرط تَسْمِيَة الْفَاعِل فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى وأدلة الْكتب فِيهَا متعرضة ثمَّ ذكر مسَائِل وَقَالَ: وَهَذِه الْمسَائِل كلهَا تدل على أَن تَسْمِيَة الْفَاعِل لَيست بِشَرْط لصِحَّة الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى اه. مِنْهُ. (2) قَوْله: (فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب) هَذَا منَاف لقَوْله لَكِن يسْتَثْنى من النّسَب إِلَخ اه. مِنْهُ و الجزء: 7 ¦ الصفحة: 510 خَبره وَيشْهد بِنَفسِهِ، لانه لَو جَازَ لَهُ ذَلِك جَازَ للْقَاضِي الْقَضَاء بقوله. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. وَشرط فِيهَا للقبول فِي النّسَب أَن يُخبرهُ عَدْلَانِ من غير استشهاد الرجل، فَإِن أَقَامَ الرجل شَاهِدين عِنْده على نسبه لَا يَسعهُ أَن يشْهد اه. قَوْله: (وَالْمَوْت) فَإِذا سمع من النَّاس أَن فلَانا مَاتَ وَسعه أَن يشْهد على ذَلِك وَإِن لم يعاين الْمَوْت، وللزوجة أَن تعْمل بِالسَّمَاعِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ رجل لامْرَأَة: سَمِعت أَن زَوجك مَاتَ لَهَا أَن تتَزَوَّج إِن كَانَ الْمخبر عدلا اه. وَلَو شهد رجل بِالْمَوْتِ وَآخر بِالْحَيَاةِ فالمرأة تَأْخُذ بقول من كَانَ عدلا مِنْهُمَا، سَوَاء كَانَ الْعدْل أخبر بِالْحَيَاةِ أَو الْمَوْت، وَلَو كَانَ كِلَاهُمَا عَدْلَيْنِ تَأْخُذ بقول من يخبر بِالْمَوْتِ إِن لم يؤرخا، فَإِن أرخا وَتَأَخر تَارِيخ شَهَادَة الْحَيَاة فَهِيَ أولى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهَا. وَفِي الْمُحِيط: لَو جَاءَ خبر موت إِنْسَان فصنعوا لَهُ مَا يصنع على الْمَيِّت لم يَسعهُ أَن يخبر بِمَوْتِهِ حَتَّى يُخبرهُ ثِقَة أَنه عاين مَوته، لَان المصائب قد تتقدم على الْمَوْت إِمَّا خطأ أَو غَلطا أَو حِيلَة لقسمة المَال اه. وَلَو قَالَ الْمخبر إِنَّا دفناه وَشَهِدْنَا جنَازَته تقبل لانها تكون شَهَادَة على الْمَوْت، لَكِن قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّانِي عشر: لَو أخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا مَاتَ أَو طَلقهَا ثَلَاثًا فلهَا التَّزَوُّج، وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت. وَفِي إِخْبَار العَبْد بِمَوْتِهِ إِنَّمَا يعْتَمد على خَبره لَو قَالَ عاينته مَيتا أَو شهِدت جنَازَته لَا لَو قَالَ أَخْبرنِي مخبر بِهِ اه. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو أخبر وَاحِد بِمَوْت الْغَائِب وَاثْنَانِ بحياته، وَإِن كَانَ الْمخبر عاين الْمَوْت أَو شهد جنَازَته وَعدل لَهَا أَن تتَزَوَّج، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا وَكَانَ تَارِيخ الْمَوْت آخرا، وَإِن كَانَ تَارِيخ الْحَيَاة آخرا فشاهد الْحَيَاة أولى. وَفِي وَصَايَا عِصَام: شَهدا بِأَن زَوجهَا فلَانا مَاتَ أَو قتل وَآخر على الْحَيَاة فالموت أولى اه. قَالَ فِي الْبَحْر. وَظَاهر إِطْلَاقه فِي الْمَوْت أَنه لَا فرق فِي الْمَوْت بَين أَن يكون مَشْهُورا أَو لَا، وَقَيده فِي الْمِعْرَاج معزيا إِلَى رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ بِأَن يكون عَالما أَو من الْعمَّال. أما إِذا كَانَ تَاجِرًا أَو مثله فَإِنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بالمعاينة اه. قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَلَا نظفر بِهَذِهِ الرِّوَايَة فِي شئ من الْكتب فِي غير فَتَاوَاهُ اه. وَمثله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. قَالَ ط: فَكَأَنَّهُ لم يسلم لَهُ هَذَا الْقَيْد لانه لم يسْتَند إِلَى نَص اه. فَتَأمل. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّنْقِيح عازيا لصور الْمسَائِل: وَالنّسب وَالنِّكَاح يُخَالف الْمَوْت، فَإِنَّهُ لَو أخبرهُ بِالْمَوْتِ رجل أَو امْرَأَة حل لَهُ أَن يشْهد، وَفِي غَيره لَا بُد من إِخْبَار عَدْلَيْنِ. وَأما فِي الْمَوْت فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْعدْل وَلَو أُنْثَى، هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا أَن يكون الْمخبر مِنْهُمَا كوارث وموصى لَهُ، كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة شرح الْمُلْتَقى للعلائي من الشَّهَادَة: شهد أَنه شهد: أَي حضر دفن زيد أَو صلى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَاينَة، حَتَّى لَو فسر للْقَاضِي يقبله إِذْ لَا يدْفن إِلَّا الْمَيِّت وَلَا يُصَلِّي إِلَّا عَلَيْهِ دُرَر آخر الشَّهَادَات اه. وَالْقَتْل كالموت فيترتب عَلَيْهِ أَحْكَامه من جَوَاز اعْتِدَاد الْمَرْأَة إِذا أخْبرت بقتْله كموته للتزوج كَمَا نبه عَلَيْهِ العلامتان صَاحب الْبَحْر والمقدسي لَا من جِهَة ترَتّب الْقصاص. قَوْله: (وَالنِّكَاح) فَلِمَنْ سمع بِهِ من جمع عِنْد الامام وعدلين عِنْدهمَا أَن يشْهد بِهِ. قُهُسْتَانِيّ. وَفِي الْقنية: نِكَاح حَضَره رجلَانِ ثمَّ أخبر أَحدهمَا جمَاعَة أَن فلَانا تزوج فُلَانَة بِإِذن وَليهَا والآن يجْحَد هَذَا الشَّاهِد يجوز للسامعين أَن يشْهدُوا على ذَلِك: وَفِي الْعمادِيَّة: وَكَذَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع فِي النِّكَاح، حَتَّى لَو رأى رجلا يدْخل على امْرَأَة وَسمع من النَّاس أَن فُلَانَة زَوْجَة فلَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 511 وَسعه أَن يشْهد أَنَّهَا زَوجته وَإِن لم يعاين عقد النِّكَاح اه. وَيشْهد من رأى رجلا وَامْرَأَة بَينهمَا انبساط الازواج أَنَّهَا عرسه اه. دُرَر. وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا شهد تعريسه وزفافه أَو أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ حل لَهُ أَن يشْهد أَنَّهَا امْرَأَته. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الشُّهْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَمثله فِي الظَّهِيرِيَّة. قَوْله: (وَالدُّخُول بِزَوْجَتِهِ) فَإِنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ. ذكر فِي الْخُلَاصَة خلافًا فِي الدُّخُول، فَفِي فَوَائِد أستاذنا ظهير الدّين: لَا يجوز لَهُم أَن يشْهدُوا على الدُّخُول بالمنكوحة بِالتَّسَامُعِ، وَلَو أَرَادَ أَن يثبق الدُّخُول يثبت الْخلْوَة الصَّحِيحَة اه. لَكِن أَفَادَ الْعَلامَة عبد الْبر أَنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ، وَيَتَرَتَّب على قبُولهَا أَحْكَام كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب اه. قَوْله: (وَولَايَة القَاضِي) أَي كَونه قَاضِيا فِي نَاحيَة كَذَا، فَإِنَّهُ لم سَمعه من النَّاس جَازَ أَن يشْهد بِهِ، قُهُسْتَانِيّ. وَإِن لم يعاين تَقْلِيد الامام اه. عبد الْبر. وَفِي الْبَحْر وَظَاهر مَا فِي الْمِعْرَاج أَن الامير كَالْقَاضِي فيزاد الامرة اه. وَصرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا يجوز الشَّهَادَة على أَنه قَاضِي بلد كَذَا أَو وَالِي بلد كَذَا وَإِن لم يعاين التَّقْلِيد والمنشور اه. وَصرح بِهِ فِي الْخُلَاصَة أَيْضا: قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا إِذا رأى شخصا جَالِسا مجْلِس الحكم يفصل الْخُصُومَات جَازَ لَهُ أَن يشْهد على أَنه قَاض. مطلب: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ قَوْله: (وأصل الْوَقْف) بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف على مَوضِع أَو جمَاعَة كَذَا، وَهل ذكر الْمصرف شَرط؟ فِي الْكَافِي عَن المرغياني نعم. وَفِي الخزانة: لَا يشْتَرط على الْمُخْتَار إِن كَانَ وَقفا قَائِما ينْصَرف إِلَى الْفُقَرَاء. وَذكر الشَّيْخ ظهير الدّين المرغيناني: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه ط. وَفِي فَتَاوَى قَارِئ الْهِدَايَة: صُورَة الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ على أصل الْوَقْف أَن يشْهدُوا أَن فلَانا وَقفه على الْفُقَرَاء أَو على الْقُرَّاء أَو على أَوْلَاده من غير أَن يتَعَرَّضُوا إِنَّه شَرط فِي وَقفه كَذَا وَكَذَا، فَإِن شهدُوا على شَرط الْوَاقِف وَأَنه قَالَ للجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا وللجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا فَلَا تسمع بِالتَّسَامُعِ على شُرُوط الْوَاقِف، لَان الَّذِي يشْتَهر إِنَّمَا هُوَ أصل الْوَقْف وَأَنه على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة، أما الشُّرُوط فَلَا تشتهر فَلَا تجوز الشَّهَادَة على الشُّرُوط بِالتَّسَامُعِ اه. وَتقدم فِي الْوَقْف أَنه تقبل الشَّهَادَة فِيهِ من غير بَيَان الْوَاقِف لَو قَدِيما عِنْد أبي يُوسُف وَأَن الْفَتْوَى عَلَيْهِ، فَرَاجعه. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لنَفس الْوَقْف. أما الدَّعْوَى بِهِ بِأَن ادّعى أَن هَذِه الارض وقف وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَيَّ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ وَيَقُولُ هِيَ ملكي فَيشْتَرط بَيَان الْوَاقِف وَأَنه وَقفه وَهُوَ يملكهُ. قَوْله: (قيل وشرائطه على الْمُخْتَار) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَلَا وَجه لذكر قيل فَإِنَّهُمَا قَولَانِ مصصحان. قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من الْعَاشِر: الْمُخْتَار أَن لَا تقبل الشَّهَادَة بالشهرة على شَرَائِط الْوَقْف اه. وَفِي الْمُجْتَبى: الْمُخْتَار أَن تقبل على شَرَائِط الْوَقْف اه. وَاعْتَمدهُ فِي الْمِعْرَاج، وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ وَعَزاهُ إِلَى الْعَلامَة قَاسم، وَقواهُ فِي الْفَتْح بقوله: وَأَنت إِذا عرفت قَوْلهم فِي الاوقاف الَّذِي انْقَطع ثُبُوتهَا وَلم يعرف لَهَا مصارف وشرائط أَنه يسْلك بهَا مَا كَانَت فِي دواوين الْقُضَاة لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اه. أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ. وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 512 يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُجْهَلْ مِنْهَا يُعْمَلُ بِمَا عُلِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْعِلْمُ قَدْ لَا يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْوَاقِفِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قِوَامَهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اه. فَهَذَا عَيْنُ الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ. وَفِي الْخَيْرِيَّة: إِذا كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالسِّجِلِّ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اُتُّبِعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سبق من الزَّمَان من أَن قوامه كَيفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فِيمَا سَبَقَ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ بِالْبُرْهَانِ حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ اه. لَكِنْ قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَصَرُّفِ الْقُوَّامِ لَا يُرْجَعُ إلَى مَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ، وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. أَقُول: ثمَّ إِن المُرَاد من الشَّرَائِط والجهات كَمَا وَقع فِي عبارَة الاسعاف وأوضحه الرَّمْلِيّ أَن يَقُول: إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِل إِلَى كَذَا بعد بَيَان الْجِهَة، وَلَيْسَ معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لانه لَا بُد مِنْهُ فِي إِثْبَات أصل الْوُقُوف كَمَا تقدم آنِفا. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْمرَاد بِأَصْل الْوَقْف أَن هَذِه الضَّيْعَة وقف على كَذَا، فبيان الْمصرف دَاخل فِي أصل الْوَقْف. أما الشَّرَائِط فَلَا يحل فِيهَا الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ، وَهُوَ معنى قَوْله فِي فتح الْقَدِير: وَلَيْسَ فِي معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ اه. وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَحْر: ومسأل الشَّهَادَة بِالْوَقْفِ أصلا وشروطا لم تذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَأَنَّهَا قاسها الْمَشَايِخ على الْمَوْت. وَقد اخْتلف فِيهَا الْمَشَايِخ: بَعضهم قَالَ يحل وَبَعْضهمْ قَالَ لَا يحل، وَبَعْضهمْ فصل كَمَا سبق، وَلَكِن نقل الشلبي عَن شرح الْمجمع للْمُصَنف فِي كتاب الْوَقْف أَن قبُول الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فِي أصل الْوَقْف قَول مُحَمَّد، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَهُوَ الْمُخْتَار اه. قَوْله: (فِي بَابه) أَي بَاب الْوَقْف فِي فصل يُرَاعى شَرط الْوَاقِف، وَتقدم هُنَاكَ تَحْقِيقه فِي الْحَاشِيَة، فَرَاجعه. قَوْله: (هُوَ كل مَا تعلق بِهِ صِحَّته) كَأَن يكون مُنجزا مُسلما مجعولا آخِره لجِهَة لَا تَنْقَطِع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ذكر فِي شُرُوط صِحَّته. قَالَ المُصَنّف فِي الْوَقْف: وَبَيَان الْمصرف من أَصله: أَي لتوقف صِحَة الْوَقْف عَلَيْهِ: أَي فَتقبل شَهَادَة على الْمصرف بِالتَّسَامُعِ كَأَصْلِهِ، وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا من الاصل. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَلَعَلَّه هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ: لَا تجوز الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اه. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَينهمَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 513 وَفِي التاترخانية: وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بالاستفاضة من غير الدَّعْوَى، وَتقبل الشَّهَادَة الْوَقْف وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اه. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو ذكر الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اه. وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ على مُجَرّد الْوَقْف، فَإِن ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذكرهم كَمَا علم من عبارَة التاترخانية والفصولين. وَقد ذكر الْخَيْر الرَّمْلِيّ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ، بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ، بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُور مَعَ علته وَجَازَت إِذا قَدَّمَ. قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بذلك اه مُلَخصا. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِلَّا تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته كذكر الْجِهَات من إِمَام ومؤذن أَو تأبيد، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ فِي رِوَايَة عَن الثَّانِي، وَعَلَيْهَا الافتاء كَمَا تقدم آنِفا. قَوْله: (بذلك) أَي بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَعَ عدم المعاينة إِذا أخبرهُ بهَا من يَثِق بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج وتعطيل الاحكام إِذْ لَا يحضرها إِلَّا الْخَواص، فَالنِّكَاح لَا يحضرهُ كل أحد، وَالدُّخُول لَا يقف عَلَيْهِ أحد، وَكَذَا الْمَوْت لَا يعاينه كل أحد وَسبب النّسَب الْولادَة وَلَا يحضرها إِلَّا الْقَابِلَة. وَسبب الْقَضَاء التَّقْلِيد وَلَا يعاين ذَلِك إِلَّا الْوَزير وَنَحْوه من الْخَواص، وَكَذَا الْوَقْف تتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا بِمَا مر أَحْكَام تبقى على مر الدهور، فَلَو لم يقبل فِيهَا التسامع أدّى إِلَى الْحَرج وتعطيل الاحكام. وَتَمَامه فِي الْحَمَوِيّ ط. قَوْله: (مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الشَّهَادَة بالشهرة فِي النّسَب وَغَيره بطرِيق الشُّهْرَة الْحَقِيقِيَّة أَو الْحكمِيَّة. فالحقيقية أَن يشْتَهر وَيسمع من قوم كثيرين لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب، وَلَا يشْتَرط فِي هَذَا الْعَدَالَة بل يشْتَرط التَّوَاتُر. والحكمية أَن يشْهد عِنْده عَدْلَانِ من الرِّجَال أَو رجل وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة، لَكِن الشُّهْرَة فِي الثَّلَاثَة الاول: يَعْنِي النّسَب وَالنِّكَاح وَالْقَضَاء لَا تثبت إِلَّا بِخَبَر جمَاعَة لَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب أَو خبر عَدْلَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة وَفِي بَاب الْمَوْت بِخَبَر الْعدْل الْوَاحِد وَإِن لم يكن بِلَفْظ الشَّهَادَة. كَذَا فِي بَاب النّسَب من شَهَادَات خُوَاهَر زَاده وَكَذَا ذكر عَدَالَة الْمخبر فِي الْمَوْت صَاحب الْمُخْتَصر. شرنبلالية. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَلَا يشْتَرط فِي الْمَوْت لفظ الشَّهَادَة لانه لَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد فَكَذَا لفظ الشَّهَادَة. وَفِي شَهَادَة الْوَاحِد بِخَبَر الْمَوْت قَولَانِ مصححان. وَوجه الْقبُول أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، فَلَو قُلْنَا إِنَّه لَا تسمع الشَّهَادَة إِلَّا بِعَدَد لضاعت الْحُقُوق ط. قَوْله: (لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب) هَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر عِنْد الاصوليين، فَإِنَّهُ كَمَا فِي الْمنَار: الَّذِي رَوَاهُ قوم لَا يُحْصى عَددهمْ وَلَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب. قَالَ شَارِحه: وَلَا يشْتَرط فِي التَّوَاتُر عدد معِين خلافًا للْبَعْض. قَوْله: (بِلَا شَرط عَدَالَة) أَي لَا يشْتَرط الْعَدَالَة والاسلام فِي المخبرين حَتَّى لَو أخبر جمع غير مَحْصُورين من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 514 كفار بَلْدَة بِمَوْت ملكهم حصل لنا الْيَقِين كَمَا فِي شرح الْمنَار. قَوْله: (أَو شَهَادَة عَدْلَيْنِ) بِالْجَرِّ عطف على خبر جاعة: يَعْنِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدْلٌ وَعَدْلَتَانِ كَمَا فِي الْمُلْتَقى: يَعْنِي أَن الشُّهْرَة لَهَا طَرِيقَانِ: حَقِيقِيّ وَهُوَ بالمتواتر، وحكمي وَهُوَ مَا كَانَ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فقد ذكر ظهير الدّين أَن الاشتهار بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة بِدُونِ اشتهار وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَقد تقدم عَن الصُّغْرَى. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمَوْتِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شهد أَن أَبَاهُ مَاتَ وَتَركه مِيرَاثًا لَهُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا الْمَوْتَ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ بِسَمَاعٍ فَلم تجز اه. قَوْله: (فَيَكْفِي الْعدْل) أَي بِالنِّسْبَةِ للشَّهَادَة. وَأما الْقَضَاء فَلَا بُد فِيهِ من شَهَادَة اثْنَيْنِ، لقَولهم: وَفِي الْمَوْت مَسْأَلَة عَجِيبَة، هِيَ إِذا لم يعاين الْمَوْت إِلَّا وَاحِد، وَلَو شهد عِنْد القَاضِي لَا يقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحده مَاذَا يصنع؟ قَالُوا: يخبر بذلك عدلا مثله، وَإِذا سمع مِنْهُ حل لَهُ أَن يشْهد على مَوته فَيشْهد هُوَ مَعَ ذَلِك الشَّاهِد فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا اه. وَلَا بُد أَن يذكر ذَلِك الْمخبر أَنه شهد مَوته أَو جنَازَته وَدَفنه حَتَّى يشْهد الآخر مَعَه كَمَا قدمْنَاهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَلَا يشْتَرط أَن يتَلَفَّظ الْمخبر بِالْمَوْتِ بِلَفْظ الشَّهَادَة عِنْد من يشْهد. أما الَّذِي يشْهد عِنْد القَاضِي يتَلَفَّظ الشَّهَادَة. وَأما الْفُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي يشْتَرط فِيهَا شَهَادَة العدلين يَنْبَغِي أَن يشْهد عِنْده بِلَفْظ الشَّهَادَة. قَالَ أستاذنا ظهير الدّين فِي الاقضية: وَهَذَا اخْتِيَار الصَّدْر الامام الشَّهِيد برهَان الائمة. وَفِي مُخْتَصر الْقَدُورِيّ: إِنَّمَا تجوز الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ إِذا أخبرهُ من يَثِق بِهِ، فَهَذَا يدل على أَن لفظ الشَّهَادَة لَيْسَ بِشَرْط اه. وَفِي شرح ابْن الشّحْنَة: وَالْجَوَاب فِي الْقَضَاء وَالنِّكَاح نَظِير الْجَواب فِي النّسَب، فقد فرقوا جَمِيعًا بَين الْمَوْت والاشياء الثَّلَاثَة فاكتفوا بِخَبَر الْوَاحِد فِي الْمَوْت دونهَا. وَالْفرق أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، بِخِلَاف الثَّلَاثَة لَان الْغَالِب كَونهَا بَين جمَاعَة. وَمن الْمَشَايِخ من لم يفرق. وَتَمَامه فِيهِ. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالصَّحِيح أَن الْمَوْت كَنِكَاح وَغَيره لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَة الْوَاحِد، وَمن الْمَشَايِخ من قَالَ لَا فرق بَين الْمَوْت وَالثَّلَاثَة، وَإِنَّمَا اخْتلف الْجَواب لاخْتِلَاف الْمَوْضُوع، مَوْضُوع مَسْأَلَة الْمَوْت إِذا أخبرهُ وَاحِد عدل وَلم يذكر الْعدْل فِي الثَّلَاثَة، فَلَو كَانَ الْمخبر فِي الثَّلَاثَة عدلا أَيْضا حل لَهُم أَن يشْهدُوا، ثمَّ فِي الثَّلَاثَة إِذا ثَبت الشُّهْرَة عِنْدهَا بِخَبَر عَدْلَيْنِ يجب الاخبار بِلَفْظ الشَّهَادَة، وَفِي الْمَوْت لما ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد بالاجماع لَا يجب بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد الاخبار. قَوْله: (وَلَو أُنْثَى) قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: إِنَّهَا تجوز إِذا سمع من مَحْدُود فِي قذف أَو النسوان أَو العبيد إِذا كَانَ الصدْق ظَاهرا، وَلَا يجوز من الصّبيان إِلَّا إِذا كَانَ مُمَيّزا كَلَامه مُعْتَبر اه. قَوْله: (وَهُوَ الْمُخْتَار) لانه قد يتَحَقَّق فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَاحِدَة. بِخِلَاف غَيره. عَيْني. قَوْله: (وَقَيده شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) عبد الْبر نقلا عَن السّير الْكَبِير. قَوْله: (كوارث وموصى لَهُ) كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (وَمن فِي يَده شئ) نَقْدا كَانَ أَو عرضا أَو عقارا، وَقد تقدم أَن هَذِه تَمام الْعشْرَة، لَكِن فِي عدهَا من الْعشْرَة نظر. ذكره فِي الْبَحْر وَالْفَتْح، وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (سوى رَقِيق) يعم العَبْد والامة. قَوْلُهُ: (عُلِمَ رِقُّهُ) صَوَابُهُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُ كَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 515 هُوَ ظَاهر لمن تَأمل. مدنِي. قَالَ ط: إِلَّا وَجه لهَذِهِ الْجُمْلَة، وَالَّذِي أوقعه: أَي الشَّارِح فِي ذكرهَا عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَنَصهَا: قَوْله سوى الرَّقِيق الْمعبر: يَعْنِي إِذا لم يعرف أَنه رَقِيق لَا يشْهد بِهِ بمعاينة الْيَد، وَفِي غير الْمعبر شهد برقه اه: أَي بمعاينة الْيَد، وَمرَاده أَن الَّذِي يعبر عَن نَفسه لَا يشْهد برقه بمعاينة الْيَد إِلَّا إِذا علم رقّه لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى لم يفده الْمُؤلف، فَلَو قَالَ سوى رَقِيق يعبر عَن نَفسه وَلم يعلم رقّه ثمَّ يَأْتِي بمفومه لاصاب. فَالْحَاصِل: أَن الْمَعْنى فِيهِ أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد فِي رَقِيق لم يعلم رقّه ويعبر عَن نَفسه إِذا رَآهُ فِي يَد غَيره أَنه ملكه، لَان للرقيق يدا على نَفسه تدفع يَد الْغَيْر عَنهُ فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى إِذا ادّعى أَنه حر الاصل كَانَ القَوْل قَوْله، وَلَا يُمكن أَن يعْتَبر فِيهِ التَّصَرُّف وَهُوَ الِاسْتِخْدَام، لَان الْحر يستخدم طَائِعا كَالْعَبْدِ، إِلَّا إِذا علم رقّه أَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه فَإِنَّهُ كالمتاع لَا يَد لَهُ، فَلهُ أَن يشْهد فِيهِ لذِي الْيَد أَنه ملكه، وَهَذَا هُوَ المُرَاد كَمَا يظْهر من عبارَة الْبَحْر وَغَيرهَا، لَكِن الَّذِي أوقع الشَّارِح مَا نَقَلْنَاهُ. قَوْله: (ويعبر عَن نَفسه) أَي سَوَاء كَانَ بَالغا أَو غير بَالغ وَهَذَا تَفْسِير للكبير الْوَاقِع فِي عبارتهم سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى كَمَا فِي النِّهَايَة. وَالْوَجْه فِيهِ أَن لَهما: أَي العَبْد والامة الكبيرين يدا على أَنفسهمَا تدفع يَد الْغَيْر عَنْهُمَا فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى لَو ادّعَيَا الْحُرِّيَّة الاصلية يكون القَوْل قَوْلهمَا. وَعَن أبي حنيفَة أَنه يحل لَهُ أَن يشْهد فيهمَا أَيْضا اعْتِبَارا بالثياب، وَالْفرق مَا بَيناهُ، وَإِن كَانَا صغيرين لَا يعبران عَن أَنفسهمَا كالمتاع لَا يَد لَهما فَلهُ أَن يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لغيره كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (فلك أَن تشهد بِهِ) أخرج المُصَنّف عَن مُرَاده وَإِن كَانَ الحكم ظَاهرا، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة بالشئ لواضع الْيَد لَان الْيَد أقْصَى مَا يسْتَدلّ بِهِ على الْملك إِذْ هِيَ مرجع الدّلَالَة فِي الاسباب كلهَا فكيتفي بهَا. صورته رجل رأى عينا فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رأى تِلْكَ الْعين فِي يَد آخر والاول يَدعِي الْملك يَسعهُ أَن يشْهد أَنَّهَا للْمُدَّعِي ط. قَوْله: (أَنه لَهُ) أَي لمن فِي يَده بِلَا مُنَازع. قَوْله: (إِن وَقع فِي قَلْبك ذَلِك) أَي إِذا شهد بذلك قبلك وَصدقه، وَأسْندَ هَذَا الْقَيْد فِي الظَّهِيرِيَّة إِلَى الصاحبين. قَالَ فِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن يَقع فِي قلبه أَنه قَالُوا لَهُ: يَعْنِي الْمَشَايِخ، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا تَفْسِيرا لاطلاق مُحَمَّد فِي الرِّوَايَة. قَالَ فِي فتح الْقَدِير: قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَبِه نَأْخُذ، فَهُوَ قَوْلهم جَمِيعًا اه. قَالَ الرَّازِيّ: هَذَا قَوْلهم جَمِيعًا إِذْ الاصل فِي حل الشَّهَادَة الْيَقِين، فَعِنْدَ تعذره يُصَار إِلَى مَا يشْهد لَهُ الْقلب، لَان كَون الْيَد مسوغا بِسَبَب إفادتها ظن الْملك، فَإِذا لم يَقع فِي الْقلب ذَلِك الظَّن لم يفد مُجَرّد الْيَد، وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ من هُوَ أهل لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ، فَعُرِفَ أَن مُجَرّد الْيَد لَا يَكْفِي. شرنبلالية. وَيشْتَرط أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهَا لغيره، فَلَو أخبرهُ لم تجز الشَّهَادَة بِالْملكِ خُلَاصَة، بِخِلَاف مَا إِذا شهد بِهِ عدل وَاحِد، لَان شَهَادَة الْوَاحِد لَا تزيل مَا كَانَ فِي قَلْبك أَنه للاول، فَلَا يحل لَك أَن تمْتَنع عَن الشَّهَادَة إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك أَن هَذَا الْوَاحِد صَادِق، فَحِينَئِذٍ لَا يحل لَك أَن تشهد أَنه للاول اه. شلبي. فِي الْحَاشِيَة عَن الْخَانِية: وكما جَازَ لَهُ أَن يشْهد أَنه ملك بِوَضْع الْيَد جَازَ لَهُ شِرَاؤُهُ إِن لم يكن رَآهُ قبله فِي يَد غَيره، فَإِن كَانَ وَأخْبرهُ بانتقال الْملك إِلَيْهِ أَو بِالْوكَالَةِ مِنْهُ حل الشِّرَاء، وَإِلَّا لَا، كَمَا إِذا رأى جَارِيَة فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رَآهَا فِي بَلْدَة أُخْرَى وَقَالَت أَنا حرَّة الاصل لَا يحل لَهُ أَن ينْكِحهَا اه. وَأفَاد المُصَنّف بعبارته أَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 516 عاين الْيَد وواضعا ليد، فَلَو لم يعاينهما وَإِنَّمَا سمع أَن لفُلَان كَذَا فَلَا يجوز لَهُ الشَّهَادَة لانه مجازفة، كَمَا لَو عاين الْمَالِك لَا الْملك لانه لم يحصل لَهُ الْعلم بالمحدود. تَنْبِيه: نقل الصَّدْر حسام الدّين فِي شرح أدب القَاضِي أَنه إِن عاين الْملك دون الْمَالِك، بِأَن عاين محدودا ينْسب إِلَى فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ وَهُوَ لم يعاينه بِوَجْهِهِ وَلَا يعرفهُ بِنَفسِهِ الْقيَاس أَن لَا تحل. وَفِي الِاسْتِحْسَان: تحل لَان النّسَب مِمَّا يثبت بِالتَّسَامُعِ والشهرة فَيصير الْمَالِك مَعْرُوفا بِالتَّسَامُعِ وَالْملك مَعْرُوف فترتفع الْجَهَالَة، وَكَذَا إِذا أدْرك الْملك وَلم يعاين الْملك، وَالْمَالِك امْرَأَة لَا يَرَاهَا الرِّجَال وَلَا تخرج، فَإِن كَانَ ذَلِك مَشْهُورا عِنْد الْعَوام وَالنَّاس فالشهادة على ذَلِك جَائِزَة، يُرِيد بِهِ إِذا عاين الْملك وَوَقع فِي قلبه أَن الامر كَمَا اشْتهر، وَهَذَا قَاصِر على هَذِه الصُّورَة. ذكره عبد الْبر. وَلم يسمع مثل هَذَا لضاعت حُقُوق النَّاس لَان فيهم المحجوب وَلَا يبرز أصلا وَلَا يتَصَوَّر أَن يرَاهُ متصرفا فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا إِثْبَات الْملك بِالتَّسَامُعِ وَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَات النّسَب بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضمنه إِثْبَات الْملك بِهِ وَهُوَ لَا يمْتَنع إثْبَاته قصدا. عَيْني تبعا للزيلعي. وَعَزاهُ فِي الْبَحْر إِلَى النِّهَايَة، وَهَذَا هُوَ النَّص، وَقد بحث فِيهِ الْكَمَال بِأَن مُجَرّد ثُبُوت نسبه بِالشَّهَادَةِ عِنْد القَاضِي لم يُوجب ثبوب ملكه لتِلْك الضَّيْعَة لَوْلَا الشَّهَادَة بِهِ، وَكَذَا الْمَقْصُود لَيْسَ إِثْبَات النّسَب بل الْملك فِي الضَّيْعَة اه. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة، لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه وَلَا رآياه فِي يَد الْمُدَّعِي، وَلَو شهد دَابَّة تتبع دَابَّة وترضع مِنْهَا لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اه ط. وَفِي الْبَحْر: وَلَو رَآهُ على حمَار يَوْمًا لم يشْهد أَنه لَهُ لاحْتِمَال أَنه رَكبه بالعارية، وَلَو رَآهُ على حمَار خمسين يَوْمًا أَو أَكثر وَوَقع فِي قلبه أَنه لَو وَسعه أَن يشْهد أَنه لَهُ، لَان الظَّاهِر أَن الانسان لَا يركب دَابَّة مُدَّة كَثْرَة إِلَّا الْملك اه. قَوْله: (أَي إِذا ادَّعَاهُ الْمَالِك) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُتَابعًا لصَاحب الْبَحْر. وَقد ذكره مجيبا بِهِ عَن التَّنَافِي الْوَاقِع بَين قَول من قَالَ إِنَّه يقْضِي بمعاينة وضع الْيَد كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة، وَبَين قَول الشَّارِح أَن القَاضِي لَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِسَمَاع نَفسه وَلَو تَوَاتر عِنْده وَلَا بِرُؤْيَة نَفسه فِي يَد إِنْسَان، فَحمل صَاحب الْبَحْر كَلَام الاولين على مَا إِذا حصلت دَعْوَى وَكَلَام الشَّارِح على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى. ورده الْمَقْدِسِي وَحمل كَلَام الشَّارِح على أَن القَاضِي لَا يقْضِي قَضَاء محكما مبرما، بِحَيْثُ لَو ادّعى الْخصم لَا يقبل مِنْهُ، فَلَا يُنَافِي أَنه يقْضِي قَضَاء ترك، بِمَعْنى أَنه يتْرك فِي يَد ذِي الْيَد مَا دَامَ خَصمه لَا حجَّة لَهُ، وَقد صرح بذلك الشَّارِح أول كَلَامه. وَأما حمله على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى فَغير صَحِيح، لَان الْقَضَاء بِغَيْر دَعْوَى لَا يَقع أصلا فَلَا يتَوَهَّم إِرَادَته. قَالَ السَّيِّد أَبُو السُّعُود: وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ يبتنى على قَول الْمُتَأَخِّرين من أَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ. وَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة يبتنى على مُقَابِله. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَا يتَوَهَّم الْمُخَالفَة بَين مَا ذكر الزَّيْلَعِيّ وَمَا فِي النِّهَايَة، فَإِن مَا فِي شرح الْكَنْز هُوَ مَا إِذا رأى القَاضِي قبل حَال الْقَضَاء ثمَّ رأى حَال قَضَائِهِ فِي يَد غَيره كَمَا لَا يخفى اه. قَوْله: (وَإِن فسر الشَّاهِد الخ) أَي فِيمَا يشْهد فِيهِ بِالتَّسَامُعِ. وَقَالُوا: يَنْبَغِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 517 للشَّاهِد بِهِ أَن يُطلق الشَّهَادَة وَلَا يُفَسِّرهَا. حموي. قَوْله: (بِالتَّسَامُعِ أَو بمعاينة الْيَد) أَي بِأَن يَقُول أشهد لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْملاك وَالشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ كَمَا يذكرهَا الشَّارِح أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ. قَوْله: (إِلَّا فِي الْوَقْف) لما تقدم من أَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إلَى وَجهه فِي الدُّرَر بقوله: حفظا للاوقاف الْقَدِيمَة عَن الِاسْتِهْلَاك. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَإِنْ صَرَّحَا بِالتَّسَامُعِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بالعيان، فَإِذن لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ إلَيْهِ ظهير الدّين المرغياني، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهُمَا إِذا صرحا بِهِ لَا تقبل اه: أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَيُفَرق بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا اسْتِثْنَاءَ الْوَقْفِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ حِفْظُ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ لَا يزدْ على الافصاح بِهِ، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (على الاصح) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ الشَّهَادَاتِ. فَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ القَاضِي وأصل الْوَقْف، فَلهُ أَن يشْهد بهَا إِذْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَمَنْ فِي يَده شئ سوء الرَّقِيق لَك أَن تشهد أَنه لَهُ، وَإِن فسر للْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يشْهد بِالتَّسَامُعِ فِي مَوضِع يجوز بالتسمع أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَد، يَعْنِي بِرُؤْيَة فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَزِيدُ عِلْمًا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يحكم الخ، وَمثله فِي الزَّيْلَعِيّ. مَبْسُوط. وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ فِيهَا خلاف، والمتون طاطبة قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يشْهد بِالسَّمَاعِ لَا تقبل، وَبِه صرح قاضيخان وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا اه. وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ اه مُلَخصا من مَجْمُوعَة ملا عَليّ التركماني. أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ آنِفا من التَّصْحِيح فِي الْوَقْف حفظا لَهُ عَن الِاسْتِهْلَاك. قَوْله: (بل فِي العزمية) أَي حَاشِيَة عزمي زَاده على الدُّرَر، وَنَقله المُصَنّف عَن الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (معنى التَّفْسِير) أَي الَّذِي ترد بِهِ الشَّهَادَة فِي غير الْوَقْف وَالْمَوْت. قَوْله: (وَلكنه اشْتهر عندنَا) أَفَادَ الْعَلامَة نوح فِي كتاب الْوَقْف أَن الشُّهْرَة للشئ بِكَوْنِهِ مَشْهُورا مَعْرُوفا اه. وَهَذَا يَقْتَضِي شهرته عِنْد كل النَّاس أَو جلهم. وَأما السماع من النَّاس الَّذِي وَقع فِي الْعبارَة الاولى لَا يُفِيد ذَلِك، لَان كَقَوْل الشَّاهِد أَنا أشهد بِالسَّمَاعِ، وَفَسرهُ فِي الدُّرَر بِأَن يَقُولُوا عِنْد القَاضِي نشْهد بِالتَّسَامُعِ. وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاس وَنَحْوه اه. وَفسّر الشَّارِح الشُّهْرَة بِالسَّمَاعِ فَأفَاد أَنَّهُمَا شئ وَاحِد كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 518 تَعَالَى. وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ أَنْ يَدعِي الْمُتَوَلِي أَن هَذِه الضَّيْعَة وف عَلَى كَذَا مَشْهُورٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ. وَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَادَّة، فَافْهَم. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (جَازَت فِي الْكُلِّ) أَيْ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا فِي الْخَانِية. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُولُ: بَقِيَ لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّسَامُعِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مِنْهُ اه. وَعبارَة الْبَحْر: وَفِي الْيَنَابِيع: تَفْسِيره أَن يَقُول فِي النِّكَاح لم أحضر العقد، وَفِي غَيره أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَو سَمِعت وَنَحْوه. وَحَاصِل مَا يُقَال أَنه إِن أطلقا بِأَن يَقُولَا نشْهد على موت رجل فَإِنَّهُ يقبل، وَإِن قَالَا لَمْ نُعَايِنْ مَوْتَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا مِنْ النَّاس: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَشْهُورًا فَلَا تُقْبَلُ بِلَا خلاف، وَإِن كَانَ مَشْهُور اذكر فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تقبل، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد. وَفِي الغياثية: هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ لانه أخبرنَا من شهد مَوته مِمَّن نثق بِهِ جَازَت. وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز كَمَا فِي الحامدية. قَوْله: (وَصَححهُ شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) أَي الْعَلامَة عبد الْبر فِي شَرحه عَلَيْهَا، وَقد نظم جَمِيع مَا تجوز بِهِ الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع بقوله: وَقد جوزوها فِي النِّكَاح بسمعه وَإِن بَينا ردَّتْ وَتقبل أظهر كَذَا نسب ثمَّ الطَّرِيق سَمَاعه من الْجمع مَا كذب لَهُم يتَصَوَّر وأفتوا بِمَا قَالَا بعدلين يكْتَفى قَضَاء وَفِي موت كفى الْعدْل يخبر وَقيل لكل والمصحح أَن ذاكما مر والاخبار فِيهِ مُؤثر وَفِي غَيره فَالشَّرْط لفظ شَهَادَة بِهِ أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد الْمصدر وَإِن أطلقا سمعا وَنفى عيانه ترد إِذا مَا الْمَوْت لم يَك يشهر وَأطلق بعض (1) ردهَا ثمَّ صححو اقبولا إِذا قَالَ الموثق يخبر وَبَعض يقلبها بِالسَّمَاعِ بِمَوْت من غَدا غير مَشْهُور وَلَا بُد ينظر وَقد جوزوها فِي الدُّخُول ورجحوا جَوَاز الْمهْر ثمَّ فِي الْوَقْف يذكر خلاف شُيُوخ وَالصَّحِيح جَوَازهَا على الاصل دون الشَّرْط فِيمَا يحرر وجوزها الثَّانِي أخيرا على الولا وَفِي الْعتْق بعض قَالَ وَالْبَعْض يُنكر وَفِي الْملك محدودا ويعزى لمَالِك وَلم يدر عينا إِذْ الامر أشهر ويعزى إِلَى الْخصاف فِي ذَا جَوَازهَا وَمن دائن والخصم حَيّ وموسر فضمير بَينا لشاهدي التسامع أَي بَينا أَن شَهَادَتهمَا بِالتَّسَامُعِ ردَّتْ: أَي الشَّهَادَة وَضمير تقبل أَيْضا لَهَا، وَقَوْلِي أظهر إِشَارَة إِلَى تَصْحِيح الْقبُول، وَضمير سَمَاعه لمن يشْهد، وَضمير أفتوا للمشايخ، وَضمير قَالَا للصاحبين، وَالْمرَاد بِكُل كل الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة، والاشارة بذا إِلَى الْمَوْت كَمَا مر فِي أَنه لَا بُد * (عامش) * (1) قَوْله: (وَأطلق بعض إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وَلَعَلَّه وَأطلق بعض ردهَا ثمَّ صححوا، وَقَوله وَبَعض يقبلهَا هَكَذَا بالاصل أَيْضا وَهُوَ غير مُسْتَقِيم الْوَزْن فاليحرر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 519 من إِخْبَار عَدْلَيْنِ، وَضمير فِيهِ للْمَوْت وَترد للشَّهَادَة، وَضمير قَالَ للشَّاهِد، وَالله تَعَالَى أعلم. قَالَ فِي الْقنية بعد أَن رقم لنجم الائمة البُخَارِيّ وَالْقَاضِي البديع: تقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لرب الدّين. وَفِي الْمُحِيط: وَلَا تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه إِذا كَانَ مُفلسًا. وشمس الائمة الْحلْوانِي ووالد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا. وَفِي شرح الْجَامِع للعتابي: لَا تقبل بعد الْمَوْت لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِأَلف مُرْسلَة أَو شئ بِعَيْنِه لانه يزْدَاد بِهِ مَحل الْوَصِيَّة أَو سَلامَة عينه، ثمَّ رمز لقاضيخان وَقَالَ: إِنَّه يجوز شَهَادَته للحي دون الْمَيِّت، هَذَا خُلَاصَة مَا فِي الْقنية، وَقد ذكر فِيهَا فِي مَوضِع بعد أَن رقم لبرهان الدّين صَاحب الْمُحِيط: ادّعى الْكَفِيل عَلَيْهَا الْكفَالَة فأنكرت تقبل شَهَادَة البَائِع بكفالتها كرب الدّين إِذا شهد لمديونه. وَحَاصِله الْقبُول إِذا كَانَ مُوسِرًا حَيا. وَالْقَوْلَان فِي الْمُفلس وَعدم الْقبُول بعد الْمَوْت قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ، لَكِن رَأَيْت فِي جَامع الْفَتَاوَى لحافظ الدّين البزازي تَقْيِيد الْجَوَاز بِمَا إِذا شهد بِمَا سوى جنس حَقه، وَهَذَا لَا إِشْعَار للنظم بِهِ كَمَا لَا إِشْعَار بالاختلاف فِي صُورَة الْمُفلس، بل مَفْهُوم عدم الْقبُول فِي انعدام الْحَيَاة واليسار. وَالله تَعَالَى أعلم اه. نقل الطَّحْطَاوِيّ عَن الْحَمَوِيّ أَن مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فِيهَا، وَمن كَانَ بعرضية أَن ينْتَصب خصما وَلم ينْتَصب تقبل، وَشَهَادَة أجِير الوحد لاستاذه لَا تجوز فِي تِجَارَته وَغَيرهَا وَإِن كَانَ عدلا وَإِن كَانَ أجِير مياومة أَو مشاهرة أَو مسانهة اسْتِحْسَانًا، وَلَو مَضَت الاجارة وَأعَاد شَهَادَته تقبل، بِخِلَاف الاجير الْمُشْتَرك حَيْثُ تقبل شَهَادَته لانه غير مَمْلُوك لَا رَقَبَة وَلَا مَنْفَعَة، وَتجوز شَهَادَة الدَّائِن لمديونه وَلَو مُفلسًا بِمَا هُوَ من جنس دينه، وَلَو شهد لمديونه بعد مَوته لم تقبل. لَان الدّين لَا يتَعَلَّق بِمَال الْمَدْيُون حَال حَيَاته وَيتَعَلَّق بِهِ بعد وَفَاته، وَتقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لدائنه اه. وَالله تَعَالَى أعلم. بَاب الْقبُول وَعَدَمه لما فرغ (1) من بَيَان مَا تسمع فِيهِ الشَّهَادَة وَمَا لَا تسمع، وَقدم ذَلِك على هَذَا لانه مَحل وَالْمحل مَشْرُوط وَالشّرط مقدم على الْمَشْرُوط. ثمَّ معنى الْقبُول لُغَة يُقَال: قبلت القَوْل حَملته: على الصدْق. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. قَوْله: (لصِحَّة الْفَاسِق) أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ: أَي وَقد ذكره مِمَّا لَا يقبل، وكما يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ الْفَاسِق يَصح بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وبشهادة أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخر لصَاحبه وبشهادة الْوَالِد لوَلَده وَعَكسه، حَتَّى لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانه اه. بَحر عَن خزانَة الْمُفْتِينَ. أَقُول: لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ القَاضِي يرى ذَلِك، بِخِلَاف الْحَنَفِيّ بِقَرِينَة قَوْله حَتَّى لَا يجوز للثَّانِي الخ. تَأمل. وَاسْتظْهر الطَّحْطَاوِيّ.   (1) قَوْله: (وَلما فرغ إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وليحرر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 520 وَذكر فِي منية الْمُفْتِي فِي بحث الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ: قضى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بذلك ثمَّ ظهر لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، وَعَلِيهِ أَن يَأْخُذ المَال من المقضى لَهُ، وَكَذَا لَو علم أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَو كَافِرَانِ أَو أعيمان، وَقيل ينفذ فَإِنَّهُ ذكر: إِذا قضى بِشَهَادَة محدودين قد تابا ثمَّ عزل أَو مَاتَ وَرفع ذَلِك إِلَى قَاض آخر لَا يرَاهُ أمضى الْقَضَاء الاول اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُول: وَسَيذكر الشَّارِح: أَي صَاحب الْبَحْر نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه وَهل يُقَال مثل ذَلِك فِي شَهَادَة الاجير الْخَاص؟ صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى وَلم أرها، لَان الْعلَّة التُّهْمَة لَا الْفسق على مَا يحرره الْمُؤلف فِيمَا سَيَأْتِي فِي شَهَادَة الْعَدو، وَهَذِه مثلهَا. قَوْله: (مثلا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أحد الْقَوْلَيْنِ من نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الاعمى أَو أحد الزَّوْجَيْنِ أَو الْوَالِد لوَلَده أَو عَكسه، فَالْمُرَاد من عدم الْقبُول عدم حلّه كَمَا فِي الْبَحْر. وَفِيه أَنه لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ فِي كل ذَلِك اه، وَهَذَا إِذا لم يُؤَيّد قَضَاءَهُ بأرجح الاقوال كَمَا مر. قَوْله: (كَمَا حَقَّقَهُ المُصَنّف تبعا ليعقوب باشا) أَفَادَ عَنهُ أَن كل شَهَادَة يكون سَبَب ردهَا الْفسق إِذا قبلهَا يَصح كالمخنث والنائحة وَالْمُغني، وَمن يلْعَب بالطيور أَو الطنبور أَو يُغني للنَّاس، وَمن يظْهر سبّ السّلف وَمن ارْتكب مَا يحد لَهُ. وَيصِح قبُول شَهَادَة الاعمى لقَوْل مَالك بقبولها مُطلقًا كالبصير، أما الْمَمْلُوك لَا يَصح قبُول شَهَادَته، وَكَذَا الْعَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ، وَكَذَا السَّيِّد لعَبْدِهِ ومكاتبه والاجير لما ذكر، وَكَذَا من يَبُول فِي الطَّرِيق أَو يَأْكُل فِيهِ لانه لم ينْقل فِيهِ خلاف حَتَّى يكون مُجْتَهدا فِيهِ، وَلم يصرحوا بِكَوْنِهِ فسقا حَتَّى يدْخل فِي حكمه اه. وَسَيَأْتِي تَحْقِيقه. قَوْله: (تقبل من أهل الاهواء) أَي قَبُولًا عَامًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ الْمُرَادُ أَصْلُ الْقَبُولِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ، وَمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ إِنَّمَا ترد شَهَادَته لتهمة الْكَذِب، فصاروا كمن يشرب المثلث أَو يَأْكُل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا مستبيحا لذَلِك من حَيْثُ التعاطي. قَالَ فِي الْمغرب: أهل الاهواء من زاغ عَن طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَكَانَ من أهل الْقبْلَة. والاهواء جمع هوى مصدر هويته من بَاب تَعب، إِذا أحبه واشتهاه، ثمَّ يُسمى بِهِ المهوى والمشتهى مَحْمُودًا كَانَ أَو مذموما ثمَّ غلب فِي المذموم. والهواء مَمْدُود: هُوَ المسخر بَين السَّمَاء والارض، وَالْجمع أهوية. وَأهل الاهواء لَيْسُوا بطَائفَة بِعَينهَا، بل يُطلق على كل من خَالف السّنة بِتَأْوِيل فَاسد. قَوْلُهُ: (لَا تُكَفِّرُ) فَمَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيرِ. وَفِي الْمُحِيط البرهاني: وَهُوَ الصَّحِيح، وَمَا ذكره فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ. بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ السِّرَاجِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا، وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَفِيه نظر، فَإِن الْعَدَالَة شرطت فِي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَمَا ظَنك فِي غَيرهم. تَأمل. وَفِي فتح الْقَدِير: قَالَ مُحَمَّد بِقبُول شَهَادَة الْخَوَارِج إِذا اعتقدوا وَلم يقاتلوا، فَإِذا قَاتلُوا ردَّتْ شَهَادَتهم لاظهار الْفسق بِالْفِعْلِ. قَوْله: (كجبر) أَهله طَائِفَة نافون لقدرة العَبْد، والاولى حذف الْكَاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 521 وَيَقُول والهوى الْجَبْر الخ. وَيكون بَيَانا لاهل الاهواء فِي ذاتهم لَا من تقبل شَهَادَته مِنْهُم. قَوْله: (وَقدر) هم النافون للْقَضَاء وَالْقدر عَنهُ تَعَالَى، والقائلون إِن العَبْد يخلف أَفعَال نَفسه. قَوْله: (ورفض) هم الملعونون اللاعنون الصهرين وَغَيرهمَا من الاخبار. كَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ. فهم من أهل الاهواء وَإِن لم تقبل شَهَادَتهم، بِخِلَاف من يفضلهما وعليا (1) على الشَّيْخَيْنِ. قَوْله: (وَخُرُوج) هم المكفرون للختنين وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمُعَاوِيَة. قَوْله: (وتشبيه) ذكر بدله الْقُهسْتَانِيّ المرجئة وهم النافون ضَرَر الذَّنب مَعَ الايمان. ثمَّ قَالَ بعد كل: من كفر مِنْهُم كالمجسمة والخوارج وغلاة الروافض والقائلين بِخلق الْقُرْآن لَا تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين. كَذَا فِي المشارع اه. فعد هَؤُلَاءِ الْفرق لبَيَان أهل الاهواء فِي ذاتهم لَا لمن تقبل شَهَادَته مِنْهُم، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْر عَن النِّهَايَة أَن أصُول الْهوى سِتَّة وَذكر مَا ذكره الْمُؤلف. قَوْله: (وتعطيل) هم الْقَائِلُونَ بخلو الذَّات عَن الصِّفَات. قَوْله: (فصاروا اثْنَتَيْنِ وَسبعين) فرقة كلهم فِي النَّار، والفرقة الزَّائِدَة على هَذَا الْعدَد هِيَ النَّاجِية، وَهِي مَا كَانَت على مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْكِرَام، فَفِي الحَدِيث الشريف: وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، قُلْنَا: من هِيَ يَا رَسُول الله، قَالَ: من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي وَإِضَافَة الْفرْقَة النَّاجِية من النَّار وهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الحَدِيث الشريف إِلَى مَا ذكر تَكْمِلَة إِلَى الثَّلَاث وَالسبْعين فرقة. ولنذكرها على طَرِيق الاجمال فَنَقُول: أَصْنَاف الْخَوَارِج اثْنَا عشر: الازرقية والاباحية والخازمية والتغلية والخلقية والكوزية والمكتوية والمعتزلة (2) والميمونية والمجلية والاخنسية والمشراقية. وأصناف الروافضة اثْنَا عشر أَيْضا: العلوية والاموية والشعيبية والاسحاقية والزيدية والعباسية والاسماعيلية والامامية والمتناسخة والاعينية والراجعية والمرشية. وأصناف الْقَدَرِيَّة اثْنَا عشرَة أَيْضا الخمرية والشعرية والكيسانية والشيطانية والشركية والوهمية والعروندسية والمناسية والمتبرية والباسطية والنظامية والمعتزلة. وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمتربية والباسطية والنظامية والمعتزلة. وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمركوعية والصنجارية والمباينة والصبية والسابقية والحرفية والكرفية والخشية والحشرية والمعينية. وأصناف الْجَهْمِية: أَي التعطيل اثْنَا عشر أَيْضا: المعطلة واللازقية والمواردية والخرقية والمملوقية والقهرية والغائية والزنادقة والراهفية والقطية والمرسية والعبرية. وأصناف المرجئة اثْنَا عشر أَيْضا: التاركية والسبيئة والراجية والشاكية والبهشية والعملية والمشبهة والاقربة والبدعية والمنبسية والحشوية والبعوضية كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال. قَوْله: (إِلَّا الخطابية) نِسْبَة إِلَى أبي الْخطاب. وَاخْتلف فِي اسْمه. قيل مُحَمَّد بن وهب الاجدع، وَقيل مُحَمَّد بن   (1) بِخِلَاف من يفضلها وعليا) كَذَا بالاصل وَلَعَلَّ الصَّوَاب من يفضل عليا إِلَخ فَليُحرر اه. مصححه (2) قئله: (والمعتزلة) سَيَأْتِي بعدهمْ فِي أَصْنَاف الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّ أَحدهمَا مُحَرر عَن لفظ آخر، وَبِالْجُمْلَةِ فَلْتنْظرْ هَذِه الاسماء جَمِيعهَا فِي مَحل آخر اه. مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 522 أبي زَيْنَب الاسدي الاجدع، وَكَانَ يَقُول بإمامة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، فَلَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيل رَجَعَ إِلَى القَوْل بإمامة جَعْفَر وغلوا فِي ذَلِك غلوا كَبِيرا. وَقَالَ فِي شرح الاقطع: هم قوم ينسبون إِلَى أبي الْخطاب: رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ حَارب عِيسَى بن مُوسَى بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَأظْهر الدعْوَة إِلَى جَعْفَر فتبرأ مِنْهُ ودعا عَلَيْهِ فَقتل هُوَ وَأَصْحَابه، قَتله وصلبه عِيسَى بالكناسة بِالضَّمِّ: مَحل بِالْكُوفَةِ لانه كَانَ يزْعم أَن عليا هُوَ الاله الاكبر وجعفر الصَّادِق هُوَ الاله الاصغر، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن من ادّعى مِنْهُم شَيْئا على غَيره يجب أَن يشْهد لَهُ بَقِيَّة شيعته، وَذكر شمس الائمة السَّرخسِيّ أَنهم ضرب من الروافض يجوزون أَدَاء الشَّهَادَة إِذا حلف الْمُدَّعِي بَين أَيْديهم أَنه محق فِي دَعْوَاهُ وَيَقُولُونَ الْمُسلم لَا يحلف كَاذِبًا. قَوْله: (يرَوْنَ الشَّهَادَة لشيعتهم) أَي وَاجِبَة. قُهُسْتَانِيّ. قَوْله: (وَلكُل من حلف أَنه محق) الاولى التَّعْبِير بِأَو كَمَا فِي الْفَتْح بدل الْوَاو لانهما قَولَانِ كَمَا فِي الْبَحْر وَالْفَتْح وَغَيرهمَا واختلطا فِي عبارَة الشَّارِح. نعم فِي شرح الْمجمع كَمَا هُنَا. وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالُوا الْأَئِمَّةُ الانبياء وَأَبُو الْخطاب نَبِي اه، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِلُّونَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقَالُوا: الْجنَّة نعيم الدُّنْيَا وَالنَّار آلامها اه. قَوْله: (فردهم) أَي عَن أَدَاء الشَّهَادَة. قَوْله: (لَا لبدعتهم لانها غير مكفرة) إِذا لم يعتقدوا اعْتِقَاد رئيسهم. قَوْله: (بل لتهمة الْكَذِب) وَمِنْ التُّهْمَةِ الْمَانِعَةِ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مغرما. خَانِية. قَوْله: (وَلم يبْق لمذهبهم ذكر) لفنائهم وانقراضهم. قَوْله: (وَمن الذِّمِّيّ الخ) لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أجَاز شَهَادَة النَّصَارَى بَعضهم على بعض، ولانه من أهل الْولَايَة على نَفسه وَأَوْلَاده الصغار فَيكون من أهل الشَّهَادَة على جنسه، وَالْفِسْق من حَيْثُ الِاعْتِقَاد غير مَانع لانه يجْتَنب عَمَّا يَعْتَقِدهُ محرم دينه، وَالْكذب محرم فِي الاديان كلهَا، قيد بالذمي لَان الْمُرْتَد لَا شَهَادَة لَهُ لانه لَا ولَايَة لَهُ. مطلب: شَهَادَة الْمُرْتَد وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة مُرْتَد على مثله، والاصح عدم قبُولهَا بِحَال. كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني. مطلب: فِي شَهَادَة الدرزي وَيلْحق بِهِ الدرزي كَمَا أفتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والعلامة عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي فِي رسَالَته (أَقْوَال الائمة العالنة فِي أَحْكَام الدروز والتيامنة) قَالَ الْعَلامَة السَّيِّد مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فتواه فِي جَوَاب سُؤال رفع إِلَيْهِ ي شَهَادَة أهل الاهواء الْكَفَرَة: هَل تقبل على بَعضهم سَوَاء كَانُوا متفقين فِي الِاعْتِقَاد أم مُخْتَلفين، وَسَوَاء كَانُوا أهل كتاب أم لَا؟ فَكتب حفظه الله تَعَالَى جَوَابا حَاصله بعد ذكر النقول وَالتَّفْصِيل: وَأما شَهَادَة الْكَفَّارَة الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من العقيدة كَأَهل الاهواء المكفرة وَالْمُنَافِقِينَ والباطنية والزنادقة وَالْمَجُوس والدروز والتيامنة والنصيرية والمرتدين فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أحد، سَوَاء كَانَ مثلهم فِي الِاعْتِقَاد أَو مُخَالفا لَهُم لعم ولايتهم. قَالَ فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْمن على الذِّمِّيّ لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ اه. فمجوز الشَّهَادَة الَّتِي تَدور عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْولَايَة، ولكمالها فِي الْمُسلم صحت شَهَادَته على الْجَمِيع، ولنقصانها فِي أهل الذِّمَّة صِحَّته على بَعضهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 523 وعَلى من دونهم سوى الْمُرْتَد للشُّبْهَة، ولقصورها فِي الْمُسْتَأْمن صحت على من هُوَ مثله، وَلعدم الْولَايَة فِي غَيرهم من الْكفَّار الْمَار ذكرهم وهم الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من الِاعْتِقَاد لم تصح شَهَادَتهم على أحد أصلا. قَالَ فِي شرح الداماد: وَتقبل شَهَادَة أهل الاهواء مُطلقًا، سَوَاء كَانَت على أهل السّنة أَو بَعضهم على بعض أَو على الْكَفَرَة إِذا لم يكن اعْتِقَادهم مُؤديا إِلَى الْكفْر كَمَا فِي الذَّخِيرَة، وَمن الْمَعْلُوم أَن الشَّرْط إِذا تعقب المتعاطفات فَإِنَّهُ يرجع للْجَمِيع. فمفهوم هَذِه الْجُمْلَة أَن اعْتِقَاد أهل الاهواء إِذا كَانَ مُؤديا إِلَى الْكفْر فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أهل السّنة وَلَا على بَعضهم وَلَا على الْكَفَرَة. وَمن الْمُقَرّر أَن مفاهيم الْكتب حجَّة عندنَا، وَإِذا لم يكن من مر ذكرهم من أهل الاهواء المكفرة من الْكفَّار فهم شَرّ مِنْهُم فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أحد أصلا. مطلب: الدروز والتيامنة والنصيرية والبادنية كلهم كفار على أَن الْمولى عبد الرَّحْمَن أَفَنْدِي الْعِمَادِيّ نَص فِي فَتَاوِيهِ فِي كتاب السّير على أَن الدروز والتيامنة والنصيرية والباطنية كلهم كفار ملا حِدة زنادقة فِي حكم الْمُرْتَدين. وعَلى تَقْدِير قبُول تَوْبَتهمْ يعرض عَلَيْهِم الاسلام وَإِن يسلمُوا أَو يقتلُوا، وَلَا يجوز لولاة الامور تَركهم على مَا هم عَلَيْهِ أبدا اه بِتَصَرُّف اه مُلَخصا. قَالَ سيد الْوَالِد: شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض مَقْبُولَة إِذا كَانُوا عُدُولًا فِي دينهم، اتّفقت مللهم أَو اخْتلفت. أَقُول: وَالظَّاهِر أَن عداوتهم دينية وَإِلَّا لم تقبل. فَتَأمل. مطلب: إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته قَوْله: (لَو عدلا فِي دينهم) قدمنَا فِي الْبَحْر أَن تَزْكِيَة الذِّمِّيّ أَن يُزكي بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ يقظة ويزيكه الْمُسلمُونَ إِن وجدوا، وَإِلَّا فَيسْأَل من عدُول الْكفَّار، وَأَنه إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته. قَوْله: (على مثله) فَلَا تقبل على مُسلم لقَوْله تَعَالَى: * (وَلنْ يَجْعَل للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا) * (النِّسَاء: 141) ولانه لَا ولَايَة لَهُ على الْمُسلم، ولانه يتقول عَلَيْهِ لانه يغيظه قهره إِيَّاه (1) . قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: مَاتَ وَعَلِيهِ دين الْمُسلم بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ وَدَيْنٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ. قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمُحَمّد وَزفر: بُدِئَ بدين الْمُسلم، هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ، فَإِن فضل شئ كَانَ ذَلِك لِلنَّصْرَانِيِّ، هَكَذَا فِي الْمُحِيط. وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَن التَّرِكَة تقسم بَينهمَا على مِقْدَار دينهما، فَتَاوَى الانقروي عَن التاترخانية وَالْمُحِيط اه. وَتَمام الْمَسْأَلَة فِيهَا وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْبَحْر.   (1) قَوْله: (لانه يغيضه قهره إِيَّاه) قَالَ الرَّمْلِيّ: الضَّمِير فِي أَنه ويغيضه رَاجع الذِّمِّيّ، وَفِي قهره رَاجع للْمُسلمِ: أَي لانه بِسَبَب قهر الْمُسلم إِيَّاه وإذلاله لَهُ يتقول عَلَيْهِ، بِخِلَاف ملل الْكفْر لانه مِلَّة السَّلَام قاهرة للْكُلّ، فَلم يبْقى لَهُ غيرَة يستظهرون بهَا انْتهى مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 524 أَقُول: فِي الذَّخِيرَة نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأقَام نَصْرَانِيّ آخَرين كَذَلِك تدفع الالف المتروكة للْمُسلمِ وَلَا يتحاصان عِنْده. وَعند أبي يُوسُف: يتحاصان. وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن بَيِّنَة النَّصْرَانِي مَقْبُولَة عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِي حق إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ. وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف مَقْبُولَة فيهمَا اه. وَالْحَاصِل: أَنه على قَول الامام يلْزم من إِثْبَات الشّركَة والمحاصة الحكم بِشَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم. قَوْله: (إِلَّا فِي خمس مسَائِل) الاولى فِيمَا إذَا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أسلم وَهُوَ يجْحَد لم تجز شَهَادَتهمَا، وَكَذَا لَو شهد عَلَيْهِ رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَترك على دينه، وَلَو شهد نصرانيان على نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أسلمت جَازَ وأجبرت على الاسلام وَلَا تقتل، وَهَذَا قَول الامام اه. قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يكون الْكَافِر الذّكر كَذَلِك يجْبر وَلَا يقتل، كَمَا لَو أسلم مكْرها أَو سَكرَان، وَهُوَ كَذَلِك فِي الْوَلوالجِيَّة وَالْمُحِيط. وَنَصه: لَو شهد على إِسْلَام النَّصْرَانِي رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَهُوَ يجْحَد أجبر على الاسلام وَلَا يقتل، وَلَو شهد رجلَانِ من أهل دينه وَهُوَ يجْحَد فشهادتهما بَاطِلَة، لَان فِي زعمهما أَنه مُرْتَد وَلَا شَهَادَة لاهل الذِّمَّة على الْمُرْتَد اهـ. الثَّانِيَة: فِيمَا إِذا شَهدا على نَصْرَانِيّ ميت وَهُوَ مديون مُسلم: أَي والتركة لَا تفي. الثَّالِثَة: فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِعَيْنٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَالْمُسلم يُنكر البيع. الرَّابِعَة: فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ إلَّا إذَا قَالَ استكرهها فَإِنَّهُ يحد الرجل وَحده. الْخَامِسَة: فِيمَا إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ كَافِرٍ فَشهد كَافِرَانِ أَنه عَبده وَقضى بِهِ فلَان القَاضِي الْمُسلم اه. قَوْله: (وَتبطل بِإِسْلَامِهِ) أَي شَهَادَة الذِّمِّيّ على مثله بِإِسْلَامِهِ: أَي الْمَشْهُود عَلَيْهِ قبل الْقَضَاء، لانه لَو قضى عَلَيْهِ لقضى على مُسلم بِشَهَادَة الْكَافِر. قَوْله: (وَكَذَا بعده لَو بعقوبة) كقود. بَحر. لَان الْمُعْتَبر إِسْلَامه حَال الْقَضَاء لَا حَال أَدَاء الشَّهَادَة وَلَا حَال الشَّهَادَة، لما فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: نصرانيان شَهدا على نَصْرَانِيّ بِقطع يَد أَو قصاص ثمَّ أسلم الْمَشْهُود عَلَيْهِ بعد الْقَضَاء بطلت الشَّهَادَة لَان الامضاء من الْقَضَاء فِي الْعُقُوبَات اه. وَهل تجب الدِّيَة؟ ذكر الْخصاف أَنَّهَا تجب الدِّيَة، فَقيل إِنَّه قَول الْكل، وَقيل عِنْده ينفذ الْقَضَاء فِيمَا دون النَّفس وَيَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي النَّفس. وَعِنْدَهُمَا: يقْضِي بِالدِّيَةِ فيهمَا اه. شرنبلالية. قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا مِلَّة) لَان الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة. قَوْله: (وَالذِّمِّيّ على الْمُسْتَأْمن) لَان الذِّمِّيّ أَعلَى حَالا مِنْهُ لكَونه من أهل دَارنَا وَلذَا يقتل الْمُسلم بالذمي وَلَا يقتل بالمستأمن. منح. قَوْله: (لَا عَكسه) لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ لكَونه أدنى حَالا مِنْهُ. منح. قَوْله: (وَلَا مُرْتَد على مثله) وَالْوَجْه فِيهِ أَنه لَا ولَايَة لَهُ على أحد كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (فِي الاصح) أَي أَنَّهَا لَا تقبل بِحَال غَيره كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْمُحِيط. قَوْله: (وَتقبل مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ. فَتْحٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَمْ تقبل. هِدَايَة. لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَانُوا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ فِي دَارِنَا، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِاتِّحَادِ الدَّارِ بِكَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُثُهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 525 وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْمُسلم تقبل على الْمُسْتَأْمن فَكَذَا الذِّمِّيّ. قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. وَيَأْتِي تأييده فِي المقولة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لَان اخْتِلَاف داريهما) قَالَ فِي الْبَحْر: وَيسْتَثْنى من الْحَرْبِيّ على مثله مَا إِذا كَانَا فِي دارين مُخْتَلفين كالافرنج والحبش لانْقِطَاع الْولَايَة بَينهمَا، وَلِهَذَا لَا يتوارثان، وَالدَّار تخْتَلف باخْتلَاف المنعة وَالْملك اه. وَالَّذِي فِي الْمنح وَنَحْوه فِي الْقُهسْتَانِيّ التَّعْبِير بِمَا إِذا كَانَا من دارين، فَيُفِيد أَنَّهُمَا لَو كَانَا فِي دَارنَا وهما من دارين لَا تقبل شَهَادَتهمَا على الآخر، لَان الارث يمْتَنع فِي هَذِه الصُّورَة لوُجُود، الِاخْتِلَاف الْحكمِي، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر: خلافًا لما أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ كَمَا تقدم فِي المقولة السَّابِقَة، فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا فِي داريهما لَا وَجه للْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ لَان دَار الْحَرْب لَيست دَار أَحْكَام. فَلْيتَأَمَّل ط. قَوْله: (عَدو) الْعَدو: من يفرح لحزنك ويحزن لفرحك، وَقيل يعرف بِالْعرْفِ. بَحر. وَمثله فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي عَن خزانَة الْمُفْتِينَ. قَالَ الْعَلامَة التَّحْرِير السَّيِّد الشريف مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فَتَاوَاهُ بعد كَلَام: فَتحصل من هَذَا أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه فَهُوَ عدوه، وكل عَدو ترد شَهَادَته إِذا كَانَت دنيوية، فَمن يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، فالصغرى مسلمة لما فِي الْبَحْر وَعلي أَفَنْدِي من تَعْرِيف الْعَدو والكبرى مسلمة للْحَدِيث الشريف (1) الَّذِي هُوَ دَلِيل الْمُجْتَهد، فأنتج لذاته أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، ثمَّ إِذا حكم بهَا حَاكم لَا ينفذ حكمه لما فِي الْبَحْر أَيْضا: وَكَيف لَا ترد شَهَادَة من اتّصف بِهَذِهِ الصّفة وَهِي مِمَّا تتناهى بِهِ الْعَدَاوَة، وَقد وصف الله تَعَالَى بهَا الْمُنَافِقين فِي كِتَابه الْعَزِيز: * (إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا) * (آل عمرَان: 120) . قَالَ القَاضِي: بَيَان تناهي عداوتهم إِلَى حد حسد وأمانا لَهُم من خير وَمَنْفَعَة وتمنوا مَا أَصَابَهُم من ضَرَر وَشدَّة، فَخذ الْجَواب مَعَ الدَّلِيل والبرهان وَالله تَعَالَى أعلم اه. قَوْله: (لانها من التدين) فَيدل على كَمَال دينه وعدالته، وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة، بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه وَقد قبلوا شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة. حموي. قَوْله: (بِخِلَاف الدُّنْيَوِيَّة) كَشَهَادَة الْمَقْذُوف على الْقَاذِف، والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، وَالزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا إِذا كَانَ قَذفهَا أَو لَا، فالعداوة لَيْسَ كَمَا يتوهمه بعض المتفقهة، أَو الشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى علهي أَن يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة، بل العداة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرنَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ بِهِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه. وَفِي فَتَاوَى المُصَنّف: سُئِلَ عَن رجل شتم آخر وقذفه فَهَل تثبت الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة بَينهمَا بِهَذَا الْقدر، حَتَّى لَو شهد لَا تقبل؟ أجَاب: ظَاهر كَلَامهم أَن الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة تثبت بِهَذَا الْقدر، فقد صرح   (1) هُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنه وَلَا ذِي الحنة) رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح. وَذُو الحنة: قَالَ فِي النِّهَايَة: الحنة الْعَدَاوَة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 526 فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة أَنَّهَا: أَي الْعَدَاوَة تثبت بِنَحْوِ القدف وَقتل الْوَلِيّ اه. مطلب الْفسق لَا يتَجَزَّأ وَلَا تقبل شَهَادَة من فِيهِ عَدَاوَة دنيوية على عدوه، وَلَا على غَيره بل تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى كَون فَاسِقًا فِي حق شخص لَا فِي حق غَيره، وَيُقَاس على عدم تُجزئ الْفسق مَا لَو كَانَ نَاظرا على أوقاف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خِيَانَة فِي وَاحِد مِنْهَا، فَإِن يسرى فِي كلهَا فيعزل مِنْهَا جَمِيعًا كَمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ الْمُفَسّر فِي فَتَاوِيهِ، وَلَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَو شهد الشَّاهِد على آخر فخاصم الْمَشْهُود عَلَيْهِ الشَّاهِد قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع إِلَيْهِ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَتبْطل شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي جَوَاب سُؤال عَمَّن شهد عَلَيْهِ شُهُود بِحَق وزكوا فتعلل الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الشُّهُود من زكاهم أَعدَاء لَهُ بِسَبَب تشاجر مَعَهم على قمار وَلعب. فَأجَاب بعد كَلَام حَاصله: فَفِي الْحَادِثَة المسؤول عَنْهَا رُبمَا أَنه فسق بهَا، إِذْ الْعَدَاوَة جرت بَينهمَا على مَا قَالَه الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب قمار وَلعب محرمين شرعا، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الاول من الاطلاق سَوَاء فسق بهَا أَو لَا، والْحَدِيث الشريف شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد. وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْر. مطلب: الْعَدَاوَة إِذا فسق بهَا لَا تقبل شَهَادَته على أحد، وَإِن لم يقسق بهَا تقبل على غير عدوه وَقَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَصَرَّحَ يَعْقُوب باشا فِي حاشتيه بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عدوه، وَالْمَسْأَلَة دوارة فِي الْكتب فَإِذا أثبت الْمُدعى عَلَيْهِ الْعَدَاوَة ثبوتا شَرْعِيًّا فتجري الاحكام الْمَذْكُورَة من عدم صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة والتزكية الْمَذْكُورَة لثُبُوت عداوتهم بالسببين المرقومين المحرمين شرعا، وَسبب الحقد وَأَنَّهُمْ مِمَّن يفرحون لحزنه ويحزنون لفرحه اه. وَتَمَامه فِيهِ. فَإِن قلت: الْعَدَالَة الدُّنْيَوِيَّة فسق لانه لَا يحل معاداة الْمُسلم لاجل الدُّنْيَا، فَهَلا اسْتغنى عَنهُ بقوله لَا تقبل شَهَادَة الْفَاسِق. قلت: للْفرق بَينهمَا، فَإِنَّهُ لَو قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ وأثم كَمَا مر، وَلَو قضى بِشَهَادَة الْعَدو بِسَبَب النديا لَا ينفذ، لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ كَمَا نَقله المُصَنّف عَن يَعْقُوب باشا، لَكِن قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته على الدُّرَر: وَقد جَاءَت الرِّوَايَة بِعَدَمِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا مُطلقًا. وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن من العدادوة المؤثرة فِي الْعَدَالَة كعداوة الْمَجْرُوح على الْجَارِح وعداوة ولي الْمَقْتُول على الْقَاتِل. وَمِنْهَا غير مُؤثرَة كعداوة شَخْصَيْنِ بَينهمَا وَقعت مُضَارَبَة أَو مشاتمة أَو دَعْوَى مَال أَو حق فِي الْجُمْلَة، فشهادة صَاحب النَّوْع - الاول لَا تقبل كَمَا هُوَ الْمُصَرّح فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا، وَشَهَادَة صَاحب النَّوْع الثَّانِي تقبل لانه عدل، وَبِهَذَا التَّحْقِيق يحصل التوافق بَين الرِّوَايَتَيْنِ وَبَين الْمَتْن وَالشَّرْح وَإِن لم يهتد المُصَنّف إِلَيْهِ، الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 527 قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَة لَا لفسق وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا ثَانِيهمَا: أَنَّهَا تقبل إِلَّا فَسَقَ بِهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ اه. وَهل حكم القَاضِي فِي الْعَدَاوَة حكم الشَّاهِد؟ قَالَ شاحر الْوَهْبَانِيَّة: لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا. وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة من الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي ينفذ. ذكره الْحَمَوِيّ. وَسِيَاق كَلَام البرجندي يُفِيد أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه مَقْبُولَة لعدم التُّهْمَة، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْعلَّة التُّهْمَة، أما إِذا كَانَت الْعلَّة الْفسق فَلَا فرق. وَقد اخْتلف تَعْلِيل الْمَشَايِخ فِي ذَلِك. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ: مِنْهُم من علل بالاول، وَمِنْهُم من علل بِالثَّانِي اه. أَقُول: قد علمت مَا قدمْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد أَنَّهُمَا قَولَانِ معتمدان، وَأَن الْمُتُون على عدم قبُولهَا وَإِن لم يفسق بهَا للتُّهمَةِ. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الصداقة متناهية) أَي فَإِنَّهَا لَا لَا تقبل للتُّهمَةِ. قَوْله: (بِلَا إِصْرَار) أَي تقبل من مرتكب صَغِيرَة بِلَا إِصْرَار، لَان الالمام من غير إِصْرَار لَا يقْدَح فِي الْعَدَالَة، إِذْ لَا يُوجد من الْبشر من هُوَ مَعْصُوم سوى الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيُؤَدِّي اشْتِرَاط الْعِصْمَة إِلَى سد بَاب الشَّهَادَة وَهُوَ مَفْتُوح. أما إِذا أصر عَلَيْهَا وَفَرح بهَا أَو استخف، إِن كَانَ عَالما يقْتَدى بِهِ فَهِيَ كَبِيرَة كَمَا ذكره بَعضهم. قَوْله: (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَغَلَبَ صَوَابُهُ عَلَى صغائره) الاولى أَن يَقُول على خطئه، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِلَا غَلَبَةٍ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ بِالْإِصْرَارِ، وَكَذَا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ للغلبة والدوام على الصَّغِيرَة لتصير كَبِيرَة وَلذَا قَالَ: وَغلب صَوَابه. قَوْله: (وَهُوَ معنى الْعَدَالَة) قَالَ الْكَمَال: أحسن مَا نقل فِيهَا عَن أبي يُوسُف أَن لَا يأتبي بكبيرة وَلَا يصر على صَغِيرَة وَيكون ستره أَكثر من هتكه، وَصَوَابه أَكثر من خطئه، ومروءته ظَاهِرَة، وَيسْتَعْمل الصدْق ويجتنب الْكَذِب ديانَة ومروءة اه. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: من اجتنبي الْكَبَائِر وَفعل مائَة حَسَنَة وتسعا وَتِسْعين صَغِيرَة فَهُوَ عدل، وَإِن فعل حَسَنَة وصغيرتين لَيْسَ بِعدْل اه. قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ الاسْتقَامَة، وَهِي بالاسلام واعتدال الْعقل، ويعارضه (1) هوى يضله ويصده، وَلَيْسَ لكمالها حد يدْرك مداه، ويكتفي لقبولها بأدناه كي لَا تضيع الْحُقُوق، وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على الْهوى والشهوة اه. وَتَمَامه فِيهِ. قَوْله: (كل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة) أَي كل فعل من الذُّنُوب والمعاصي فَهُوَ كَبِيرَة، إِذْ يبعد أَن يُقَال: إِن   (1) قَوْله: (ويعارضه إِلَخ) لَعَلَّه ومعارضه فَليُحرر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 528 الاكل فِي السُّوق مثلا لغير السوقي كَبِيرَة، بل قَالُوا: إِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ ذَلِك إِذا كَانَ متحملا شَهَادَة لِئَلَّا يضيع حق الْمَشْهُود لَهُ. وَعبارَة الْخُلَاصَة بعد أَن نقل القَوْل بِأَن الْكَبِيرَة مَا فِيهِ حد بِنَصّ الْكتاب. قَالَ: وأصحابنا لم يَأْخُذُوا بذلك وَإِنَّمَا بنوا على ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة. وَالثَّانِي أَن يكون فِيهِ منابذة الْمُرُوءَة وَالْكَرم، فَكل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة. وَالثَّالِث أَن يكون مصرا على الْمعاصِي أَو الْفُجُور اه وَتعقبه فِي فتح الْقَدِير بِأَنَّهُ غير منضبط وَغير صَحِيح اه. وَلذَا قَالَ الْمحشِي فِيمَا ذكره الشَّارِح عَنْهَا، قَالَ: إِلَّا أَن يُرَاد الْكَبِيرَة من حَيْثُ منع الشَّهَادَة. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: هَذَا التَّعْرِيف غير الاصح. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الاصح أَن مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة الدّين فَهُوَ من الْكَبَائِر، وَكَذَا مَا فِيهِ نبذ الْمُرُوءَة وَالْكَرم، وَكَذَا الاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا. وَفِي معِين الْمُفْتِي: رفض الْمُرُوءَة ارْتِكَاب مَا يعْتَذر مِنْهُ ويضعه على رتبته عِنْد أهل الْفضل. قَالَ الْعَيْنِيّ: اخْتلفُوا فِي الْكَبِيرَة، فَقَالَ أهل الْحجاز وَأهل الحَدِيث: هِيَ السَّبع الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث الْمَشْهُور، وَهِي: الاشراك بِاللَّه، والفرار من الزَّحْف، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وبهت الْمُؤمن، وَالزِّنَا، وَشرب الْخمر. وَزَاد بَعضهم عَلَيْهَا: أكل الرِّبَا، وَأكل أَمْوَال الْيَتَامَى بِغَيْر حق. وَقيل مَا ثَبت حرمته بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل مَا فِيهِ حد أَو قتل فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل كل مَا أصر عَلَيْهِ الْمَرْء فَهُوَ كَبِيرَة. وَمَا اسْتغْفر عَنهُ فَهُوَ صَغِيرَة. والاوجه مَا ذكره المتكلمون أَن كل ذَنْب فَوْقه ذَنْب وَتَحْته ذَنْب، فبالنسبة إِلَى مَا قومه فَهُوَ صَغِيرَة، وَإِلَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ كَبِيرَة. والاصح مَا نقل عَن شمس الائمة الْحلْوانِي أَنه قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هتك حُرْمَة الله تَعَالَى وَالدّين فَهُوَ من جملَة الْكَبَائِر اه. قَوْله: (وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته) غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم الادمان اه. حموي. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ عَن قَضَاء الْخُلَاصَة: الْمُخْتَار اجْتِنَاب الاصرار على الْكَبَائِر، فَلَو ارْتكب كَبِيرَة مرّة قبلت شَهَادَته. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ. وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ. وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لعصام وَعَلِيهِ الْمعول، غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم وَالسكر والادمان، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم اه. وَإِذا سَقَطت عَدَالَته تعود إِذا تَابَ، لما صَرَّحُوا بِأَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ فَهُوَ عدل: أَي وَإِن لم تقبل شَهَادَته، لَكِن فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مفوض إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تقبل من غير مُدَّة اه. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب وَقبل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة فِي كَلَام الشَّارِح، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضا وَالْخَانِيَّة، وَالظَّاهِر أَنه لَا يحل لَهُ ذَلِك كَمَا استظهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 529 قَالَ فِي الْخَانِية قبل التَّزْكِيَة: وَالتَّعْدِيل الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنه لَا تقبل شَهَادَته أصلا أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ. وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَر أَنه تقبل شَهَادَته وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه. وفيهَا: مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ، وَالْمُعَدِّلُ إِذا قَالَ الشَّاهِد هُوَ مُتَّهم بِالْفِسْقِ لَا تبطل عَدَالَته اه. وَلَا بَأْس بِذكر أَفْرَاد سَقَطت عدالتهم نَص عَلَيْهَا: مِنْهَا إِذا ترك الصَّلَاة بِجَمَاعَة بعد كَون الامام لَا طعن فِيهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَركهَا بِأَن يكون مُعْتَقدًا فَضِيلَة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ، وَكَذَا من ترك الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّات، والاول أوجه. وَذكر الاسبيجابي أَن من أكل فَوق الشِّبَع سَقَطت عَدَالَته عِنْد الاكثر، وَلَا بُد من كَونه فِي غير إِرَادَة التَّقْوَى على صَوْم الْغَد أَو مؤانسة الضَّيْف اه. والاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا كَبِيرَة، وَلَا تقبل شَهَادَة الطفيلي والرقاص والمجازف فِي كَلَامه والمسخرة بِلَا خلاف، وَلَا من يحلف فِي كَلَامه كثيرا. وَلَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل وَالَّذِي أخر الْفَرْض بعد وُجُوبه لغير عذر، إِن كَانَ لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ بطلت عَدَالَته، وَإِن لم يكن لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة والمشايخ. وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَن الْفَتْوَى على سُقُوطهَا بِتَأْخِير الزَّكَاة من غير عذر. بِخِلَاف تَأْخِير الْحَج، وبركوب بَحر الْهِنْد لانه مخاطر بِنَفسِهِ وَدينه من سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم لاجل المَال وَمثله لَا يُبَالِي بِشَهَادَة الزُّور. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ وَالشرب وَإِن لم يشرب كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَتَمام ذَلِك فِي المطولات. وَفِي الْبَحْر عَن الْعَتَّابِيَّةِ: من آجر بَيته لمن يَبِيع الْخمر لم تسْقط عَدَالَته اه. قَوْله: (وَمن أقلف) إِذْ تقبل شَهَادَة الْكَبِير الَّذِي لم يختتن، لَان الْعَدَالَة لَا تخل بترك الْخِتَان لكَونه سنة عندنَا. كَذَا أطلقهُ فِي الْكَنْز وَغَيره وتبعهم المُصَنّف. قَوْله: (لَو لعذر) بِأَن يتْركهُ خوفًا على نَفسه، أما إِذا تَركه بِغَيْر عذر لم تقبل مَا قَيده قاضيخان، وَقَيده فِي الْهِدَايَة بِأَن لَا يتْركهُ اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ، أما إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا لم تقبل لانه لم يبْق عدلا، وكما تقبل شَهَادَته تصح إِمَامَته كَمَا فِي فتح الْقَدِير. مطلب: فِي وَقت الْخِتَان وَاخْتلفُوا فِي وقته، فالامام لم يقدر لَهُ وقتا مَعْلُوما لعدم وُرُود النَّص بِهِ، وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي توقف الامام فِي الْجَواب عَنْهَا، وَقدره الْمُتَأَخّرُونَ وَاخْتلفُوا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعٌ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عشرَة. كَذَا فِي الْخُلَاصَة من بَاب الْيَمين فِي الطَّلَاق وَالْعتاق. وَلَعَلَّ أَن سبع سِنِين أول وَقت اسْتغْنَاء الصَّبِي عَن الْغَيْر فِي الاكل وَالشرب واللبس والاستنجاء حَيْثُ يتَحَمَّل بِمثلِهِ وَوقت الِاحْتِيَاج إِلَى التَّأْدِيب وتهذيب الاخلاق، وَلذَلِك كَانَ ذَلِك نِهَايَة مُدَّة الْحَضَانَة بل وَقت كَونه مَأْمُورا بِالصَّلَاةِ وَلَو ندب، وَمن جملَته الْخِتَان أَيْضا، وَكَونه ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَقت المراهقة الْبَتَّةَ وَاحْتِمَال الْبلُوغ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يجْرِي عَلَيْهِ قلم التَّكْلِيف فرضا ووجوبا وَسنة وندبا، وَمن جملَته كشف الْعَوْرَة وَهُوَ حرَام على الْبَالِغين من غير محرم، فَظهر أَن وَقت الْخِتَان على الْوَجْه الْمسنون يتم عِنْده، فَلَو قَالَ رجل إِن بلغ وَلَدي الْخِتَان فَلم أختنه فامرأتي طَالِق: فَإِن نوى أول الْوَقْت لَا يَحْنَث مَا لم يبلغ سبع سِنِين. وَإِن نوى آخِره قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: الْمُخْتَار أَنه اثْنَتَا عشرَة سنة، وَهُوَ سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء، إِذْ جماع المختونة ألذ. وَكَانَ ابْن عَبَّاس لَا يُجِيز ذَبِيحَة الاقلف وَلَا شَهَادَته اه. وَفِيه فَائِدَة من كَرَاهِيَة فَتَاوَى العتابي. وَقيل فِي ختان الْكَبِير: إِذا أمكن أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا أَن يُمكنهُ أَن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 530 يتَزَوَّج أَو يَشْتَرِي ختانة تختنه. وَذكر الْكَرْخِي فِي الْكَبِير: يختنه الحمامي، وَكَذَا عَن ابْن مقَاتل. مطلب: لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة إِذا غُصْن بَصَره حَالَة الضَّرُورَة لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة انْتهى. لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة بعد أَن نقل عَن التاترخانية أَن أَبَا حنيفَة كَانَ لَا يرى بَأْسا بِنَظَر الحمامي إِلَى عَورَة الرجل، وَنقل أَنه مَا يُبَاح من النّظر للرجل من الرجل يُبَاح الْمس، وَنَقله عَن الْهِدَايَة وَنقل مَا نَقَلْنَاهُ، لَكِن قَيده بِمَا إِذا كَانَ يغص بَصَره. وَنقل عَن الْفَقِيه أبي اللَّيْث أَن هَذَا فِي حَالَة الضَّرُورَة لَا فِي غَيرهَا، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي لكل وَاحِد أَن يتَوَلَّى عانته بِيَدِهِ إِذا تنور كَمَا فِي الْمُحِيط، فَلْيحْفَظ. أَقُول: وَمعنى يَنْبَغِي هُنَا الْوُجُوب كَمَا يظْهر، فَتَأمل. قَوْله: (بَحر) وَمثله فِي التاترخانية. قَوْله: (والاستهزاء بشئ من الشَّرَائِع كُفْرٌ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ تَقْيِيدِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَن لَا يتْرك الْخِتَان اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ. قَوْله: (ابْن كَمَال) عِبَارَته: والاقلف لانه لَا يخل بِالْعَدَالَةِ إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ. قَالَ الرَّازِيّ: لم يرد بالاستخفاف الِاسْتِهْزَاء، لَان الِاسْتِهْزَاء بشئ من الشَّرَائِع كفر، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التواني والتكاسل اه ح. وَكَذَا ذكر مثله عزمي زَاده مؤولا عبارَة الدُّرَر. مطلب: فِي شَهَادَة الْخصي قَوْله: (وَخصي) بِفَتْح الْخَاء: منزوع الخصا، لَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قبل شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْن شيبَة (1) ولانه قطع مِنْهُ عُضْو ظلما فَصَارَ كمن قطعت يَده ظلما فَهُوَ مَظْلُومٌ. نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا منع. فتح. قَوْله: (وأقطع) إِذا كَانَ عدلا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله قطع يَد رجل فِي السّرقَة، ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك يشْهد فَيقبل شَهَادَته. منح. قَوْله: (وَولد الزِّنَا) لَان فسق الْوَالِدين لَا يُوجب فسق الْوَلَد ككفرهما. منح. قَوْله: (وَلَو بِالزِّنَا) أَيْ وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى غَيْرِهِ تقبل، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ، خلافًا لمَالِك فِي الاول كَمَا فِي الْمنح. قَوْلُهُ: (كَأُنْثَى) فَيُقْبَلُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غير حد وقود. قوه: (لَو مُشكلا) فِي كل الاحكام. شرنبلالية، والاولى أَن يَقُول وَهُوَ كأنثى. قَوْله: (وعتيق لمعتقه) أَي تقبل شَهَادَته، لَان شريحا قبل شَهَادَة قنبر لعَلي وَهُوَ عتيقه. وَأَشَارَ بِاللَّامِ إِلَى أَن شَهَادَته على الْمُعْتق تقبل بالاولى كَمَا صرح بِهِ متْنا بقوله. (وَعَكسه) وقنبر بِفَتْح الْقَاف، وَأما بِضَم الْقَاف فجد سِيبَوَيْهٍ. ذكره الذَّهَبِيّ فِي مشتبه الانساء والاسماء. مطلب: فِي تَرْجَمَة شُرَيْح القَاضِي وَشُرَيْح بن الْحَارِث بن قيس الْكُوفِي النَّخعِيّ القَاضِي أَبُو أُميَّة، تَابِعِيّ ثِقَة. وَقيل لَهُ صُحْبَة، مَاتَ قبل الثَّمَانِينَ أَو بعْدهَا وَله مائَة وثمان سِنِين أَو أَكثر، واستقضاه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْكُوفَة، وَلم يزل بعد ذَلِك قَاضِيا خمْسا وَسبعين سنة، إِلَّا ثَلَاث سِنِين امْتنع فِيهَا من الْقَضَاء فِي فتْنَة الْحجَّاج فِي حق ابْن الزبير حَيْثُ استعفى الْحجَّاج من الْقَضَاء فأعفاه، وَلم يقْض إِلَى أَن مَاتَ الْحجَّاج   (1) قَوْله: (ابْن شيبَة) هَكَذَا بِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ الصَّوَاب ابْن أبي شيبَة فَليُحرر اه. مصححه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 531 كَمَا فِي الْبَحْر وَشرح جلال الدّين التباني على الْمنَار. قَوْله: (أَن الثّمن كَذَا) وَلَو شَهدا بإيفائه وإبرائه تقبل. مقدسي. قَوْله: (لجر النَّفْع بِإِثْبَات الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لابطال الْعتْق. منح. لَكِن تقدم فِي آخر بَاب الاقالة أَنه لَا يُخَالف بعد خُرُوج الْمَبِيع عَن ملكه، لانه يشْتَرط قيام الْمَبِيع عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي التَّحَالُفِ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ المُشْتَرِي، فَرَاجعه وَتَأمل. قَوْله: (وَمن محرم رضَاعًا) كابنه مِنْهُ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ: تُقْبَلُ لِأَبَوَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلِمَنْ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَته، وَلَام وَامْرَأَته وَابْنهَا. بَزَّازِيَّة من الشَّهَادَة. قَوْله: (أَو مصاهرة) كَأُمّ امْرَأَته وبنتها وَزوج بنته وَامْرَأَة أَبِيه وَابْنه، لَان الاملاك بَينهم متميزة والايدي متحيزة، وَلَا بسطوة لبَعْضهِم فِي مَال بعض فَلَا تتحق التُّهْمَة، بِخِلَاف شَهَادَته لِقَرَابَتِهِ ولادا. دُرَر. وَمثله فِي الْبَحْر. قَوْله: (إِلَّا إِذا امتدت الْخُصُومَة) أَي سِنِين كَمَا فِي الْمنح عَن الْقنية، وَالظَّاهِر أَنه اتفاقي. قَالَ ابْن وهبان: وَقِيَاس ذَلِك أَن يطرد فِي كل قرَابَة، وَالْفِقْه فِيهِ أَنه لما كثر مِنْهُ التَّرَدُّد مَعَ المخاصم صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ الْخِصَام على القَوْل بِهِ لَا يخص الشَّهَادَة للاخ وَنَحْوه اه. قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لَو عدلا: أَي بِمُجَرَّد الْخُصُومَة على مَا تقدم، وَذَا لَا يُنَافِي ذَلِك لَان المتردد الْمَذْكُور بِمَنْزِلَة الْمُدَّعِي لَا بِمَنْزِلَة الْعَدو. تدبر. قَوْله: (على مَا فِي الْقنية) يَعْنِي إِذا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي أَخ أَو ابْن عَم يخاصمان لَهُ مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ شَهدا لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي هَذِه الْحَادِثَة بعد هَذِه الْخُصُومَة، وَكَذَا كل قرَابَة وَصَاحب تردد فِي الْمُخَاصمَة سِنِين، لانه بطول التَّرَدُّد صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّة. قَوْله: (وَفِي الخزانة الخ) أَي خاصماه عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِأَن نسبهما إِلَى الْكَذِب فدفعا عَن أَنفسهمَا، وَمَسْأَلَة الْقنية فِيمَا إِذا خاصماه مَعَ قَرِيبه على الْحق الَّذِي يَدعِيهِ. قَوْله: (تقبل لَوْ عُدُولًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدْ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ ذَلِكَ تَوْفِيقًا اه. وفْق الرَّمْلِيُّ بِغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ عُدُولًا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ، وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ. فَحمل مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا تَوْفِيقًا، وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمد فِي بَاب الشَّهَادَة الْعَدَالَة. قَوْله: (على عبد كَافِر مَوْلَاهُ مُسلم) لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وَلزِمَ مِنْهُ الحكم على الْمولى الْمُسلم ضمنا، على أَن اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى غير مُضَاف إِلَى الشَّهَادَة، لانه لَيْسَ من ضَرُورَة وجوب الدّين عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى لَا محَالة بل يَنْفَكّ عَنهُ فِي الْجُمْلَة. قَوْله: (لَا يجوز عَكسه) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ العَبْد مُسلما مَوْلَاهُ كَافِر: يَعْنِي لَا تجوز شَهَادَة الْكَافِر على عبد مُسلم مَوْلَاهُ كَافِر، وعَلى وَكيل مُسلم مُوكله كَافِر: فَإِن كَانَ مُسلما لَهُ عبد كَافِر أذن لَهُ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فَشهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَافِر ان بشرَاء وَبيع جَازَت شَهَادَتهمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 532 عَلَيْهِ، لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وعَلى الْمُسلم ضمنا كَمَا تقدم، وَلَو أَن مُسلما وكل كَافِرًا بشرَاء أَو بيع فَشهد على الْوَكِيل شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بشرَاء أَو بيع لَا تقبل شَهَادَتهمَا عَلَيْهِ لانها شَهَادَة كَافِر قَامَت لاثبات حق على مُسلم قصدا كَمَا فِي الدُّرَر وَالْغرر. قَوْله: (إِن لم يكن عَلَيْهِ دين لمُسلم) هَذَا ظَاهر إِن كَانَت التَّرِكَة لَا يخرج مِنْهَا الدينان، وَأما إِذا كَانَت متسعة لم يكن فِيهَا شُبْهَة أَنه تنقيص شَهَادَة على حق مُسلم. وَفِي الْمنح: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيين عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَينهمَا اه: أَي لَان شَهَادَة أهل الذِّمَّة على الْمُسلم لَا تقبل وَهنا لَا تقبل فِي مُشَاركَة الذِّمِّيّ للْمُسلمِ فِي الْمِائَة. وَالْحَاصِل: أَنَّهَا أَثْبَتَت الدّين على الْمَيِّت دون الْمُشَاركَة مَعَ الْغَرِيم الْمُسلم، وَأَن الْمُسْلِمَ لَمَّا ادَّعَى الْمِائَةَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ صَارَ طَالبا نصفهَا وَالْمُنْفَرد بِطَلَب كلهَا فتقسم عولا عِنْد الامام، فلمدعي الْكل الثُّلُثَانِ لانه لَهُ نِصْفَيْنِ وللمسلم الثُّلُث لَان لَهُ نصفا فَقَط، وَلَكِن لما ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِي قسم بَينهمَا. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا من االنصارى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ نَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ، فَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَتَحَاصَّانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَطْ دُونَ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ. وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّهِمَا. ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَن قبُولهَا على الْمَيِّت غير مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ. نَعَمْ هُوَ قَيْدٌ لِإِثْبَاتِهَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ نَصْرَانِيًّا أَيْضًا يُشَارِكُهُ، وَإِلَّا فَالْمَالُ لِلْمُسْلِمِ، إذْ لَوْ شَارَكَهُ لَزِمَ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ ضيق التَّرِكَة عَن الدينَيْنِ، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَعْدَ التَّنْقِيرِ التَّامِّ. قَوْله: (بَحر) نَص عِبَارَته: وَتقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ بدين على ذمِّي ميت وَإِن كَانَ وَصِيّه مُسلما بِشَرْط أَن لَا يكون عَلَيْهِ دين لمُسلم، فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ اه. وَاَلَّذِي كَتَبَهُ هُوَ قَوْلُهُ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِي بِمثلِهِ فالثالثان لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بقرار اه. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ لِلذِّمِّيِّ مُشَارَكَتَهُ مَعَ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُسلم لما ادّعى بِطَلَب كُلَّهَا فَتُقْسَمُ عَوْلًا فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَيْنِ وَلِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ الثُّلُثَ لِأَنَّ لَهُ نِصْفًا فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِيِّ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ لَا تمنع لانها بِإِقْرَارِهِ. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيقدم دين الصِّحَّة وَهُوَ مَا كَانَ ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ أَو الاقرار فِي حَال الصِّحَّة، وَقد يرجح بَعضهم على بعض كَالدّين الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ فهما سَوَاء اه. فَافْهَم. وَتَمام الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وفروعها يطْلب من الْبَحْر وحاشيته لسيدي الْوَالِد. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْبَحْر: فتحصيل أَن الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء، وَقد تقرر أَن الْوَكِيل فِي الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بهما: أَي البيع وَالشِّرَاء أصيل وَالْوَصِيّ قَائِم مقَام الْوَصِيّ، وَقَول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 533 صَاحب الظَّهِيرِيَّة اسْتِحْسَانًا صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ، وَقد صرح صَاحب الْمُحِيط بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّة اه. قَوْله: (كَمَا مر) أَي فِي العَبْد الْكَافِر وسيده مُسلم وَالْوَكِيل الْكَافِر وموكله مُسلم. وَزَاد فِي الاشباه: عَلَيْهَا إِثْبَات تَوْكِيل كَافِر كَافِرًا بكافرين بِكُل حق لَهُ بِالْكُوفَةِ على خصم كَافِر فيتعدى إِلَى خصم مُسلم اه. قَوْله: (أَو ضَرُورَة فِي مَسْأَلَتَيْنِ) حُمِلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مقرا بِالدّينِ مُنْكرا مُنْكرا للوصاية والنشب، فتقيل شَهَادَة الذميين لانها شَهَادَة على النصرانز الْمَيِّت، أما لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَحْضَرَ) أَيْ الْوَصِيُّ. قَوْلُهُ: (ابْن الْمَيِّت) أَي النَّصْرَانِي: قَوْله: (فَادّعى على مُسلم بِحَق) أَي ثَابت: أَي وَأقَام شَاهِدين نَصْرَانِيين نسبه تقبل اسْتِحْسَانًا. مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى قَوْله: (وَوَجهه فِي الدُّرَر) حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الْمُسلمين لَا يحْضرُون موت النَّصَارَى، والوصايا تكون عِنْد الْمَوْت غَالِبا وَسبب ثُبُوت النّسَب النِّكَاح وهم لَا يحْضرُون نكاحهم، فَلَو لم تقبل شَهَادَة النَّصَارَى على الْمُسلم فِي إِثْبَات الايصاء الَّذِي بِنَاؤُه على الْمَوْت وَالنّسب الَّذِي بناءه على النِّكَاح أدّى إِلَى ضيَاع الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بالايصاء فَقبلت ضَرُورَة كَمَا قبلت شَهَادَة الْقَابِلَة اه. مطلب: أسلم زَوجهَا وَمَات تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة على مهرهَا قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته: وَفِيه إِشَارَة إِلَى حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي: ذِمِّيَّة أسلم زَوجهَا ثمَّ مَاتَ فادعت مهرهَا عَلَيْهِ بِوَجْه خصم شَرْعِي قبلت شَهَادَة أهل الذِّمَّة لثُبُوت مهرهَا عَلَيْهِ لضَرُورَة عدم حُضُور الْمُسلمين نكاحهم. قَوْله: (والعمال) بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل، وهم الَّذين يَأْخُذُونَ الْحُقُوق الْوَاجِبَة كالخراج وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور، لَان نفس الْعَمَل لَيْسَ بفسق، فبعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم عُمَّال. قَوْله: (للسُّلْطَان) هَذَا هُوَ المُرَاد بهم عِنْد عَام الْمَشَايِخ كَمَا فِي الْبَحْر. وَفِيه عَن السِّرَاجِيَّة معزيا إِلَى الْفَقِيه أبي اللَّيْث: إِن كَانَ الْعَامِل مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فشهادته جَائِزَة، وَإِن كَانَ مثل يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَا اه. وَفِي إِطْلَاق الْعَامِل على الْخَلِيفَة نظر، وَالظَّاهِر مِنْهُ أَنه من قبل عملا من الْخَلِيفَة اه. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانُوا أعوانا على الظُّلم الخ) أَي كعمال زَمَاننَا. قَالَ فَخر الاسلام. لَكِن نقل فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة أَن الْعَامِل إِذا كَانَ وجيها فِي النَّاس ذَا مُرُوءَة لَا يجازف فِي كَلَامه تقبل شَهَادَته، كَمَا مر عَن أبي يُوسُف فِي الْفَاسِق لانه لوجاهته لَا يقدم على الْكَذِب: يَعْنِي وَلَو كَانَ عونا على الظُّلم كَمَا فِي الْعِنَايَة اه. مطلب: فِي شَهَادَة مُخْتَار الْقرْيَة وموزع النوائب قَوْله: (كرئيس الْقرْيَة) هُوَ الْمُسَمّى شيخ الْبَلَد، وهم من أعون النَّاس على الظُّلم لغَيرهم غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 534 ظلم النَّاس لانفسهم خَاصَّة، وَيُسمى فِي بِلَادنَا شيخ الضَّيْعَة ومختار الْقرْيَة. قَالَ فِي الْفَتْح: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَته اه. قَوْله: (والجابي) أَي جابي الظُّلم. قَوْله: (والصراف) الَّذِي يجمع عِنْده المَال وَيَأْخُذهُ طَوْعًا. قَوْله: (والمعرفون) بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ المعرفين بِالْيَاءِ عطف على الْمَجْرُور وَهُوَ الصَّوَاب، وهم الَّذين يعْرفُونَ عَن قدر الاشخاص الَّذين فِي الْمركب ليَأْخُذ الْحَاكِم مِنْهُم شَيْئا مَعْلُوما مصادرة. قَوْله: (والعرفاء فِي جَمِيع الاصناف) هم مَشَايِخ الْحَرْف. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَبِه يعلم أَن شَهَادَة الفلاحين لشيخ قريتهم وشهادتهم للقسام الَّذِي يقسم عَلَيْهِم وَشَهَادَة الرّعية لحاكمهم وعاملهم وَمن لَهُ نوع ولَايَة عَلَيْهِم لَا تجوز اه. أَقُول: لكنه مُقَيّد بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْهِنْدِيَّة من أَنهم إِذا كَانُوا يُحصونَ وهم مَا إِذا كَانُوا مائَة فَأَقل. تَأمل. قَوْله: (ومحضر قُضَاة الْعَهْد) أَي الَّذِي يحضر الاخصام للْقَاضِي لقبولهم الرشا وَلعدم الْمُرُوءَة فيهم، وَالْمرَاد بالعهد الزَّمن أَي قُضَاة زمنهم فيكف الْحَال فِي زَمَاننَا ط. قَوْله: (والوكلاء المفتعلة) لَعَلَّ المُرَاد بهم من يتوكل فِي الدَّعَاوَى والخصومات، وَذَلِكَ لانه قد ش وهدمنهم قلَّة المبالاة فِي الاحكام وَأخذ الرشا وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا جعلُوا مفتعلة لَان النَّاس لَا يقصدون مِنْهُم إِلَّا الاعانة على أغراضهم بحيلهم وَلم يقصدوا التَّوْكِيل حَقِيقَة فَقَط. قَوْله: (والصكاك) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة جمع صكاك بِفَتْحِهَا. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: من الشَّهَادَات والصكاك تقبل فِي الصَّحِيح. وَقيل: لَا لانهم يَكْتُبُونَ اشْترى وَبَاعَ وَضمن الدَّرك وَإِن لم يَقع فَيكون كذبا وَلَا فرق بَين الْكَذِب بِالْكِتَابَةِ أَو التَّكَلُّم. قُلْنَا: الْكَلَام فِي كَاتب غلب عَلَيْهِ الصّلاح وَمثله يُحَقّق ثمَّ يكْتب. ط. عَن الْحَمَوِيّ: أَي وَمَا ذكر من الْكَذِب عَفْو لانهم يحققون مَا كتبُوا. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: وَفِي إجازات الْبَزَّازِيَّة لَا تقبل شَهَادَة الدَّلال ومحضر قُضَاة الْعَهْد والوكلاء المفتعلة والصكاك اه. أَقُول وَسَيَأْتِي فِي شرح قَوْله أَو يَبُول أَو يَأْكُل على الطَّرِيق أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة النّحاس وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لَا يحلف وَلَا يكذب، وَنَقله عَن السراج هُنَا، وَقد رَأَيْنَاهُ فِي كَلَامهم كثير. وَأَقُول: قد ظهر من هَذَا أَن شَهَادَة الدَّلال والصكاك وَنَحْوهمَا لَا ترد لمُجَرّد الصِّنَاعَة بل لمباشرة مَا لَا يحل شرعا، وَإِنَّمَا تنصيص الْعلمَاء على من ذكر لاشتهار ذَلِك مِنْهُ. تَأمل. قَوْله: (وَضَمان الْجِهَات) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم. وَقَالَ الْكَمَال عاطفا على من لَا تقبل شَهَادَته مَا نَصه: وَكَذَا كل من شهد على إِقْرَار بَاطِل، وَكَذَا على فعل بَاطِل مثل من يَأْخُذ سوق النخاسين مقاطعة أَو شهد على وثيقتها اه. وَقَالَ الْمَشَايِخ: إِن شهدُوا حل عَلَيْهِم اللَّعْن أَنه شَهَادَة على بَاطِل، فَكيف هَؤُلَاءِ الَّذين يشْهدُونَ من مباشري السُّلْطَان على ضَمَان الْجِهَات وعَلى المحبوسين عِنْدهم هَؤُلَاءِ وَالَّذين فِي ترسيمهم اه. قَوْله: (كمقاطعة سوق النخاسين) كمن يَأْخُذهَا بِقِطْعَة من المَال يَجْعَلهَا عَلَيْهِ مكسا وَيُوجد فِي بعض الْكتب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع نخاس، وَهُوَ بَائِع الدَّوَابّ وَالرَّقِيق، وَالِاسْم النخاسة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، من نخس من بَاب نصر: إِذا غرز مُؤخر الدَّابَّة بِعُود وَنَحْوه كَمَا فِي الْقَامُوس، وَقد جعل فِي الاسواق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 535 الَّتِي تبَاع فِيهَا الْحمير مكاسون فَلَا تقبل شَهَادَتهم. قَوْله: (حَتَّى حل لعن الشَّاهِد) أَي الَّذِي شهد على صك مقاطعة النخاسين كَمَا فِي الْمنح، وَلَيْسَ المُرَاد لعن الْعين لعدم جَوَازه، بل المُرَاد بِأَن يُقَال: لعن الله شَاهد ذَلِك. مطلب: لَا تصح المقاطعة بِمَال لاحتساب قَرْيَة قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه فِي رجل قَاطع على مَال مَعْلُوم احتساب قَرْيَة هَل يَصح ذَلِك أم لَا؟ أجَاب: لَا يَصح ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فَلَا يُطَالب الْمُحْتَسب بِمَا الْتَزمهُ من المَال وَلَا يَصح الدَّعْوَى فِي ذَلِك، وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَا يحل للْقَاضِي سَماع مثل هَذِه الدَّعْوَى سَوَاء وَقعت بِلَفْظ المقاطعة أَو الِالْتِزَام كَمَا رَأَيْنَاهُ بِخَط الثِّقَات اه. وَوَجهه أَن المقاطعة لَا يتَصَوَّر أَن تكون بيعا لعدم وجود الْمَبِيع ولزومه شرعا وَلَا إِجَارَة لانها بيع الْمَنَافِع، وَإِذا وَقعت بَاطِلَة كَانَت كَالْعدمِ، وَلَا فرق بَين مقاطعة الاحتساب ومقاطعة الْقَضَاء، فعلى المقاطع على الْقَضَاء مَا على المقاطع على الاحتساب، وَلَا يسْأَل عَن جَوَازه بل يسْأَل عَن كفره مستحله ومتعاطيه كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَالَ مؤيد زَاده: سُئِلَ الصفار عَن رجل أَخذ سوق النخاسين مقاطعة من الدِّيوَان وَأشْهد على كتاب المقاطعة إنْسَانا هَل لَهُ أَن يشْهد؟ قَالَ: إِذا شهد حل عَلَيْهِ اللَّعْن، وَلَو شهد على مُجَرّد الاقرار وَقد علم السَّبَب فَهُوَ أَيْضا مَلْعُون، وَيجب التَّحَرُّز عَن تحمل مثل هَذِه الشَّهَادَة، وَكَذَا كل إِقْرَار بناءه على حرَام. قَوْله: (ورعاياهم) أَي رعايا الْعمَّال والنواب. قَوْله: (لَا تقبل) لجهلهم وميلهم خوفًا مِنْهُ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي شرح الْمَنْظُومَة: أَمِير كَبِير ادّعى فَشهد لَهُ عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لَا تقبل اه. قَالَ الرَّمْلِيّ: يُؤْخَذ مِنْهُ أَن شَهَادَة خُدَّامه الملازمين لَهُ كملازمة العَبْد لمَوْلَاهُ كَذَلِك لَا تقبل، وَهُوَ ظَاهر وَلَا سِيمَا فِي زَمَاننَا هَذَا. تَأمل، وَقد أَفْتيت بِهِ مرَارًا، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَمثله فِي شَهَادَات جَامع الْفَتَاوَى بِصِيغَة أعوان الْحُكَّام والوكلاء على بَاب الْقُضَاة لَا تسمع شَهَادَتهم، لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحق وهم فساق. وَالله تَعَالَى أعلم. مطلب: الْجند إِذا كَانُوا يُحصونَ لَا تقبل شَهَادَتهم لامير وَإِلَّا تقبل وحد الاحصاء مائَة قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل، نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ. كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي اه نَاقِلا عَن الْخُلَاصَة. قَوْله: (كَشَهَادَة الْمزَارِع لرب الارض) فَإِنَّهَا لَا تقبل لفساد الزَّمَان اه، ذكره عبد الْبر، وَظَاهره: وَإِن كَانَت الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالمزارعة ط. قَالَ الرحمتي: قَيده فِي الْقنية فِيمَا إِذا كَانَ الْبذر من رب الارض. وَوَجهه أَن وُجُوه الْمُزَارعَة الْجَائِزَة ثَلَاثَة: أَن يكون الارض وَالْبذْر وَالْبَقر لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر، فَيكون الزَّرْع لصَاحب الْبذر وَيكون مَا يَأْخُذهُ الْعَامِل فِي مُقَابلَة عمله فَهُوَ أجِير خَاص فَلَا تقبل شَهَادَته لمستأجره. وَكَذَا إِن كَانَ الارض وَالْبذْر لوَاحِد وَالْعلم وَالْبَقر لآخر فَيكون أَجِيرا بِمَا يَأْخُذهُ من الْمَشْرُوط وَالْبَقر تبع لَهُ آلَة للْعَمَل. الثَّالِث أَن تكون الارض لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر فَيكون الْخَارِج لرب النّذر، وَمَا يَأْخُذهُ رب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 536 الارض آجرة أرضه، والمزارع مُسْتَأْجر للارض بِمَا يَدْفَعهُ لصَاحِبهَا من الْمَشْرُوط. وَمن اسْتَأْجر أَرضًا من آخر تصح شَهَادَته لَهُ، وَلَا تصح الْمُزَارعَة فِي غير هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة كَمَا حرر فِي بَابهَا. قَوْله: (وَقيل أَرَادَ بالعمال) هَذَا مُمْكِنٌ فِي مِثْلِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا إلَخْ. قَوْله: (المحترفين) أَي وَالَّذين يؤجرون أنفسهم للْعَمَل، فَإِن بعض النَّاس رد شَهَادَة أهل الصناعات الخسيسة فأفردت هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذَا الاظهار مخالفتهم، وَكَيف لَا وكسبهم أطيب المكاسب كَمَا فِي الْبَحْر. قَالَ الرَّمْلِيّ: فَتحَرَّر أَن الْعبْرَة للعدالة لَا للحرفة، وَهَذَا الَّذِي يجب أَن يعوف عَلَيْهِ ويفتى بِهِ. فَإنَّا نرى بعض أَصْحَاب الْحَرْف الدنيئة عِنْده من الدّين وَالتَّقوى مَا لَيْسَ عِنْد كثير من أَرْبَاب الوجاهة وَأَصْحَاب المناصب وَذَوي الْمَرَاتِب. إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم. اه. فَيكون فِي إِيرَاد الشَّارِح هَذَا القَوْل رد على من رد شَهَادَة أهل الحرفة الْخَسِيسَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يبْنى على ظَاهر لصناعة، وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه. قَوْله: (وَهِي حِرْفَة آبَائِهِ وأجداده) ظَاهره أَنَّهَا إِذا كَانَت حرفتهم لَا تكون دنيئة وَلَو كَانَت دنيئة فِي ذَاتهَا وَهُوَ خلاف مَا يُعْطِيهِ الْكَلَام الْآتِي. قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَة لَهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَاجِرًا وَاحْتَرَفَ هُوَ الحياكة أَو الحلافة وَغير ذَلِك. قَوْله: (فَلَا شَهَادَة لَهُ) أَي لارتكابه الدناءة، وَفِيه نظر لانه مُخَالف لما دقدمه: يَعْنِي صَاحب الْبَحْر قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيح اه. قَوْله: (لما عرف فِي حد الْعَدَالَة) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول النقاية: وَمن اجْتنب الْكَبَائِر وَلم يصر على الصَّغَائِر وَغلب صَوَابه على خطئه مَا نَصه: كَانَ عَلَيْهِ أَن يزِيد قيدا آخر: أَي فِي تَعْرِيف الْعَدَالَة، وَهُوَ أَن يجْتَنب الافعال الدَّالَّة على الدناءة وَعدم الْمُرُوءَة كالبول فِي الطَّرِيق اه. وَهُوَ يَقْتَضِي رد شَهَادَة ذِي الصِّنَاعَة الرَّديئَة لخرم الْمُرُوءَة بهَا وَإِن لم تكن مَعْصِيّة، فَتَأمل ط. وتحقيقه مَا نذكرهُ فِي المقولة الْآتِيَة. قَوْلُهُ: (فَتْحٌ) لَمْ أَرَهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذكره فِي الْبَحْر بِصِيغَة يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيد الْقبُول بِأَن تكون تِلْكَ الحرفة لَا ثِقَة بِهِ، بِأَن تكون حِرْفَةُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إِذا كَانَت حِرْفَة دنيئة فَلَا شَهَادَة لَهُ لَهُ لما عرف فِي حد الْعَدَالَة اه. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيد نظر يظْهر لمن نظر، فَتَأمل اه: أَيْ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ إلَخْ. قلت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ، فكم من دنئ صناعَة أتقى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ. عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا إلَّا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ صُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّمَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي صِغَرِهِ وَلَمْ يُتْقِنْ غَيْرَهَا، فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيحِ اه. وقدمناه قَرِيبا. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عذر. تَأمل اه. أَقُول: فَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر الْعَدَالَة، وَلَا نظر إِلَى الحرفة إِلَّا إِذا عدل عَن حِرْفَة آبَائِهِ الشَّرِيفَة إِلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 537 الحرفة الخسيسة إِذا كَانَ بِلَا دَاع إِلَيْهِ من عجز أَو عدم أَسبَاب أَو قلَّة يَد تقصر عَن حِرْفَة أَبِيه، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ أَبوهُ أَو وَصِيّه علمه فِي صغره هَذِه الحرفة الدنيئة فَكبر وَهُوَ لَا يعرف غَيرهَا. أما إِذا كَانَ بِلَا دَاع فَيدل على رزالته وَعدم مروءته ومبالاته، هَذَا مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة. أما لَو كَانَ انْتِقَاله لَاحَدَّ هَذِه الاعذار الْمَذْكُور فَتقبل إِذا كَانَ عدلا وَلَا وَجه لرد شَهَادَته فَتعين مَا قُلْنَا. قَوْله: (لَا تقبل من أعمى) فِي شئ من الْحُقُوق دينا أَو عينا، مَنْقُولًا أَو عقارا. قُهُسْتَانِيّ. وَالْعلَّة فِيهِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إِلَّا بالنغمة فيخشى عَلَيْهِ التَّلْقِين من الْخصم، إِذْ النغمة تشبه النغمة. قَوْله: (وَلَو قضى صَحَّ) أَي قَاضِي وَلَو حَنِيفا كَمَا يفِيدهُ إِطْلَاقه، أَو يحمل على قَاض يرى قبُولهَا كمالكي ط. قَوْله: (مَا لَو عمي بعد الاداء) لَان المُرَاد بِعَدَمِ قبُولهَا عدم الْقَضَاء بهَا، لَان قيام أهليتها شَرط وَقت الْقَضَاء لصيرورتها حجَّة عِنْده. قَوْله: (وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ) أَي كالنسب وَالْمَوْت، وَمَا تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بالشهرة والتسامع كَمَا فِي الْخُلَاصَة. قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) أَي فِيمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ كَمَا فِي فتح الْقَدِير. ولزفر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الامام، وَاسْتظْهر قَول بالاول صدر الشَّرِيعَة فَقَالَ: وَقَوله أظره، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ. نعم، قَالَ ط: وَجزم بِهِ فِي النّصاب من غير ذكر خلاف كَمَا فِي الْحَمَوِيّ اه. أَقُول: وَهُوَ تَرْجِيح لَهُ، لَكِن عزاهُ فِي الْخُلَاصَة إِلَى النّصاب. وَفِي النّصاب: لم يتَعَرَّض لحكاية الْخلاف. وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح عِنْد قَوْله وَدخل تَحْتَهُ مَا كَانَ طَرِيقه السماع خلافًا لابي يُوسُف كَمَا فِي فتح الْقَدِير. أَقُول: عبارَة فتح الْقَدِير: وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يجوز فِيمَا طَرِيقه السماع، وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السماع إِذا كَانَ بَصيرًا وَقت التَّحَمُّل أعمى عِنْد الاداء إِذا كَانَ يعرفهُ باسمه وَنسبه اه. أَقُول: فَحق الْعبارَة: خلافًا لابي يُوسُف فِيمَا طَرِيقه السماع أَولا، ولزفر فِيمَا طَرِيقه السماع، وَقد تبع الشَّارِح شَيْخه فِي ذَلِك، فَإِن هَذِه عبارَة حرفا بِحرف، وَلَا يخفى مَا فِيهَا من إِيهَام اخْتِصَاص مَذْهَب أبي يُوسُف بِمَا طَرِيقه السماع وَلَيْسَ كَذَلِك. وفى الْفَتْح:. قيد فِي الذَّخِيرَة قَول أبي يُوسُف بِمَا إِذا كَانَت شَهَادَته فِي الدّين وَالْعَقار، أما فِي الْمَنْقُول فأجمع عُلَمَاؤُنَا أنهاا لاتقبل. أَقُول: وفى الْحَقَائِق: وَقَالَ فِي العون: الْخلاف فِيمَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الاشارة وَفِي غير الْحُدُود. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْخلاف فِيمَا لَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع، أما فِي خِلَافه تقبل شَهَادَة الاعمى فَلَا خلاف اه وَهَذَا مُخَالف لما فِي أَكثر الْكتب من أَنه لاتقبل شَهَادَته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا طَرِيقه السماع أَو لَا، فَارْجِع إِلَى الشُّرُوح والفتاوى إنشئت. قَالَ فِي صدر الشَّرِيعَة فِي مَسْأَلَة الاعمى: الْعَمى بعد الاداء قبل الْقَضَاء خلافًا لابي يُوسُف، وَقَوله أظهر. قَالَ أخى راده فِي حَاشِيَته: وَجه الاظهر إِن الْعَمى إِذا لم يكن مَانِعا عَن الاداء إِذا تحمل بَصيرًا عِنْد أبي يُوسُف، فَعدم كَونه مَانِعا عَن الْقَضَاء بعد أَدَائِهِ بَصيرًا يكون فِي غَايَة الظُّهُور عِنْدهمَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 538 لانه لَا تَأْثِير فِي نفس قَضَاء القَاضِي للعمى الْعَارِض للشَّاهِد بعد أَدَائِهِ شَهَادَته اه. قَوْله: (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التسامع أم لَا. وَفِي الْبَحْر: وَلَا تقبل شَهَادَته سَوَاء كَانَت بالاشارة أَو بِالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ. وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ. كَذَا فِي الْفَتْح، ولانه لَا عبارَة لَهُ أصلا، بِخِلَاف الاعمى. وَفِي الْمَبْسُوط أَنه بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء لَان لَفْظَة الشَّهَادَة لَا تتَحَقَّق. وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي الْفَتْح. تَنْبِيه: نصوا على أَن نعْمَة السّمع أفضل من نعْمَة الْبَصَر لعُمُوم مَنْفَعَتهَا فَإِنَّهُ يدْرك من كل الْجِهَات، بِخِلَاف الْبَصَر، ولانه لَا أنس فِي مجالسة أخرس، بِخِلَاف الاعمى، ولانه يدْرك التكاليف الشَّرْعِيَّة بِخِلَافِهِ ط. قَوْله: (ومرتد) لَان الشَّهَادَة من بَاب الْولَايَة وَلَا ولَايَة لَهُ على أحد فَلَا تقبل شَهَادَته، وَلَو على كَافِر أَو مُرْتَد مثله فِي الاصح كَمَا قدمْنَاهُ موضحا. قَوْله: (ومملوك) وَلَو مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد إِذْ لَا ولَايَة لَهُ على نَفسه كَالصَّبِيِّ، فعلى غَيره أولى. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: الْوكَالَة ولَايَة كَمَا يعلم من أَوَائِل عزل الْوَكِيل، وَالْعَبْد مَحْجُورا كَانَ أَو مَأْذُونا تجوز وكَالَته، فَتَأمل فِي جَوَابه اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَمثله تَوْكِيل صبي يعقل. وَقد يُقَال: ولايتهما فِي الْوكَالَة غير أَصْلِيَّة. تَأمل. قَوْله: (أَو مبعضا) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن المُرَاد من الْمَمْلُوك من فِيهِ رق، وَإِلَّا فالمملوك لَا يتَنَاوَل الْمكَاتب والمبعض. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَالْمُعتق فِي الْمَرَض كالكاتب فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا: حر مديون اه. أَقُول: وَالْمرَاد بِالْمرضِ مرض الْمَوْت، وَكَانَ الثُّلُث يضيق عَن يقمته وَلم تجزه الْوَرَثَة. تَنْبِيهَاتٌ: مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعم فشهدا ببنوة إِحْدَاهمَا بِعَينهَا للْمَيت: أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً، لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته عِنْده لَا عِنْدهمَا لانه حر مديون وَلَو شهد أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ. بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا، بل هما عَبْدَانِ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتهمَا وَثَبت نسبهما، ويسعيان فِي نصف قيمتهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ للشَّرِيك السَّاكِت. وَأَقُول: عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فتفقه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 539 مطلب: يبطل الْقَضَاء بِظُهُور الشُّهُود عبيدا فَائِدَةٌ: قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاس من الدُّيُون ثمَّ وجدوا عبيدا لمن تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى أَمِينه، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ، فَلْيُتَأَمَّلْ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْف مَا يُؤَيّدهُ اه. قَوْله: (وَصبي) مُطلقًا لعدم الْولَايَة كالمملوك، وَقدمنَا أَن الصَّبِي إِذا بلغ فَشهد فَإِنَّهُ لَا بُد من التَّزْكِيَة، وَكَذَا الْكَافِر إِذا أسلم، وَإِن الْكَافِر إِذا عدل فِي كفره لشهادة ثمَّ أسلم فَشهد فَإِنَّهُ يَكْفِي التَّعْدِيل الاول، وَأَن الْفرق بَين الصَّبِي وَالْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِي. قَوْله: (ومغفل) قَالَ مُحَمَّد فِي رجل عجمي صوام قوام مُغفل يخْشَى عَلَيْهِ أَن يلقن فَيَأْخُذ بِهِ، قَالَ: هَذَا شَرّ من الْفَاسِق فِي الشَّهَادَة. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَة أَقوام نرجو شفاعتهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مَعْنَاهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَأَمْثَالِهِ لَا تقبل وَإِن كَانَ عدلا صَالحا. تاترخانية. وَفِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف: أُجِيز شَهَادَة الْمُغَفَّل وَلَا أُجِيز تعديله، لَان التَّعْدِيل يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي وَالتَّدْبِير والمغفل لَا يستقصي فِي ذَلِك اه. وَفِي مؤيد زَاده: وَمن اشتدت غفلته لَا تقبل شَهَادَته. قَوْله: (وَمَجْنُون إِلَّا فِي حَالِ صِحَّتِهِ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِهِ صَاحِيًا. قَالَ فِي الْمُحِيط: وَمن يجن سَاعَة ويفيف أُخْرَى فَشهد فِي حَال صِحَّته تقبل لَان ذَلِك بِمَنْزِلَة الاغماء، وَقدر بعض مَشَايِخنَا جُنُونه بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، فَإِذا شهد بعدهمَا وَكَانَ صَاحِيًا تقبل اه. وَقد علم أَن قَوْله إِلَّا فِي حَال صِحَّته اسْتثِْنَاء من مَجْنُون. قَوْله: (إِلَّا أَن يتحملا) أَي الْمَمْلُوك وَالصَّبِيّ. قَوْله: (والتمييز) إِنَّمَا عدل عَن قَول حَافظ الدّين والصغر، لَان التَّحَمُّل بالضبط وَهُوَ إِنَّمَا يحصل بالتمييز إِذْ لَا ضبط قبله. قَالَ فَخر الاسلام: إِن الصَّبِي أَو حَاله كَالْمَجْنُونِ: يَعْنِي إِذا كَانَ عديم الْعقل والتمييز، وَأما إِذا عقل فَهُوَ وَالْمَعْتُوه الْعَاقِل سَوَاء فِي كل الاحكام. أَفَادَهُ المُصَنّف. قَوْله: (وأديا بعد الْحُرِّيَّة) أَي النافذة، فَلَو أعتق عَبده فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره ثمَّ شهد لَا تقبل عِنْد الامام لَان عتقه مَوْقُوف. بَحر. قَوْله: (كَمَا مر) فِي قَوْله: وعتيق لمعتقه. قَوْله: (وَبعد الْبلُوغ) لَان الصَّبِي وَالرَّقِيق والمملوك أهل للتحمل، لَان التَّحَمُّل بِالشَّهَادَةِ وَالسَّمَاع وَيبقى إِلَى وَقت الاداء بالضبط وهما لَا ينافيان ذَلِك وهما أهل عِنْد الاداء، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَا إِذا لم يؤدها إِلَّا بعد الاهلية، وأداها قبلهَا فَردَّتْ ثمَّ زَالَت الْعلَّة فأداها ثَانِيًا. قَوْله: (وَكَذَا بعد إبصار) أَي بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَمَّلَ وَهُوَ بَصِيرٌ أَيْضًا، بِأَنْ كَانَ بَصيرًا فَتحمل ثمَّ عمي ثمَّ أبْصر فَأدى فَافْهَم. قَالَه سَيِّدي الْوَالِد. وَعبارَة الشَّارِح توهم أَنه إِذا تحمل أعمى وَأدّى بَصيرًا أَنَّهَا تقبل، وَلَيْسَ كَذَلِك لما تقدم من أَن شَرط التَّحَمُّل الْبَصَر، فَتعين مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد. قَوْله: (والاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن الْكَافِر إِذا تحملهَا على مُسلم ثمَّ أسلم فأداها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540 تقبل كَمَا فِي فتح الْقَدِير. قَوْله: (وتوبة فسق) أَي بِأَن تحمل فَاسِقًا فَأدى بعد تَوْبَة فَإِنَّهَا تقبل. وَالصَّحِيح أَن تَقْدِير الْمدَّة فِي التَّوْبَة مفوض إِلَى رأى الْمعدل وَالْقَاضِي كَمَا قدمْنَاهُ، احْتَرز بتوبة الْفسق عَن تَوْبَة الْقَذْف كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (وَطَلَاق زَوْجَة) يَعْنِي إِذا تحمل وَهُوَ زوج وَأدّى بعد زَوَال الوزجية حَقِيقَة وَحكما: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِرَدِّهَا لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْخُلَاصَة. قَوْله: (برده) أَي الشَّاهِد. قَوْله: (فَشهد بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَادِثَة، أما فِي غَيرهَا فَلَا مَانع. قَوْله: (لم تقبل) أَي الشَّهَادَة. قَوْله: (إِلَّا أَرْبَعَة الخ) فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ والمغفل وَالْمُتَّهَم وَالْفَاسِق بعد ردهَا اه. بَحر. وَفِيه أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ، فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِلِ اه. وَأطلق عدم الْقبُول فشمله وَلَو من قَاض آخر. قَالَ الوبري: من رد الْحَاكِم شَهَادَته فِي حَادِثَة لَا يجوز لحَاكم آخر أَن يقبله فِي تِلْكَ الْحَادِثَة وَإِن اعتقده عدلا. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَمَّا مَا سِوَى الْأَعْمَى فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: اسْتشْكل قبُول شَهَادَة الاعمى اه. أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال بِأَن الْفرق ظَاهر بَينهمَا، وَهُوَ أَن الاعمى لَيْسَ أَهلا للشَّهَادَة مُطلقًا كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيّ، وَأما الزَّوْج فَأهل لَهَا لَكِن عدم ققبولها لتهمته. تَأمل. وَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (عبد الخ) وَجه الْقبُول فِيهَا بعد الرَّد أَن الْمَرْدُود أَولا لَيْسَ بِشَهَادَة، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا ردَّتْ شَهَادَته، أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ شهد، لَا تقبل لَان لمردود أَولا شَهَادَة فَيكون فِي قبُولهَا بعض نقض قَضَاء قد أمضى بِالِاجْتِهَادِ. وَقَوله: (وأعمى) يحمل على مَا إِذا تحمل بَصيرًا وَأدّى كَذَلِك وَقد تخَلّل الْعَمى بَينهمَا، وَعَلِيهِ يحمل قَوْله: وَكَذَا بعد إبصار السَّابِق كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (وَإِدْخَال الْكَمَال) مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِهِ، وَمثله فِي التاترخانية والجوهرة والبدائع. قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَمن ردَّتْ شَهَادَته لعِلَّة ثمَّ زَالَت الْعلَّة لَا تقبل إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع، إِلَى أَن قَالَ: الْخَامِسَة إِذا تحمل الْمَمْلُوك شَهَادَة لمَوْلَاهُ فَلم يؤد حَتَّى عتق ثمَّ شهد بهَا تقبل، وَكَذَا الزَّوْج إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا جَازَ، فَظَاهر جعله من المستثنيات يُؤَيّد كَلَام الْكَمَال، وتصويره لَا يساعده لانه قَالَ لم يؤد حَتَّى عتق فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا ردَّتْ لذَلِك ثمَّ شهد بهَا. وَقَالَ: إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا وَلم يذكر أَنَّهَا ردَّتْ قبل الابانة كَمَا نذْكر تَصْوِيره قَرِيبا عَن الْجَوْهَرَة والبدائع إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَتَأمل. قَوْلُهُ: (سَهْوٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ شَهَادَةٌ وَقَدْ حكم بردهَا بِخِلَاف العَبْد وَنَحْوه. تَأمل. وَالْعجب أَنه ذكر أَولا أَنَّهَا لَا تقبل، كَمَا لَو ردَّتْ لفسق ثمَّ تَابَ ثمَّ قَالَ فَصَارَ الْحَاصِل الخ فَذكر أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ من يقبل، فَالظَّاهِر أَنه سبق قلم لمُخَالفَته صدر كَلَامه، وَلما صرح بِهِ فِي التَّتارْخَانِيَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541 وَالْخُلَاصَة: لَا تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة، وَلما فِي الْجَوْهَرَة: إِذا شهد الزَّوْج الْحر لزوجته فَردَّتْ ثمَّ أَبَانهَا وَتَزَوَّجت غَيره ثمَّ شهد لَهَا بتلكا الشَّهَادَة لم تقبل لجَوَاز أَن يكون توصل بِطَلَاقِهَا إِلَى تَصْحِيح شَهَادَته، وَكَذَا إِذا شهِدت لزَوجهَا ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ شهِدت لَهُ اه. وَلما فِي الْبَدَائِع: لَو شهد الْفَاسِق فَردَّتْ أَو أحد الزَّوْجَيْنِ لصَاحبه فَردَّتْ ثمَّ شَهدا بعد التَّوْبَة والبينونة لَا تقبل. وَلَو شهد العَبْد أَو الصَّبِي أَو الْكَافِر فَردَّتْ ثمَّ عتق وَبلغ وَأسلم وَشهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة بِعَينهَا تقبل. وَوجه الْفرق أَن الْفَاسِق وَالزَّوْج لَهما شَهَادَة فِي الْجُمْلَة فَإِذا ردَّتْ لَا تقبل بعد، بِخِلَاف الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْكَافِر إِذْ لَا شَهَادَة لَهُم أصلا اه. كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وفيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بذلك بعد الْعتْق لم يجز، لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة. ثمَّ قَالَ: وَالصَّبِيّ أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شَهِدَهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَ، لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة بِدَلِيل أَن قَاضِيا لَو قضى بِهِ لَا يجوز. فَإِذا عرفت يسهل عَلَيْك تَخْرِيج الْمسَائِل أَن الْمَرْدُود لَو كَانَ شَهَادَة لَا تجوز بعد ذَلِك أبدا، وَلَو لم يكن شَهَادَة تقبل عِنْد اجْتِمَاع الشَّرَائِط اه. وَلَكِن يشكل عَلَيْهِ شَهَادَة الاعمى، إِذْ لَو قضى بهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَة وَقد حكم بقبولها بِزَوَال الْعَمى. قَوْله: (ومحدود فِي قذف) أَي بِسَبَبِهِ، وَقيد بِهِ لَان الرَّد فِي غَيره للفسق وَقد ارْتَفع بِالتَّوْبَةِ. وَأما فِيهِ فلَان عدم قبُول شَهَادَتهم من تَمام الْحَد وَالْحَد لَا يَزُول بِالتَّوْبَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الشَّهَادَة لَا ترد بِالْقَذْفِ مُؤَبَّدًا بل بِالْحَدِّ. قَوْله: (تَمام الْحَد) أَي لَا تسْقط شَهَادَته مَا لم يضْرب تَمام الْحَد، لَان الْحَد لَا يتَجَزَّأ فَمَا دونه لَا يكون حدا وَهُوَ صَرِيح الْمَبْسُوط، لَان الْمَحْدُود من ضرب الْحَد: أَي تَمامًا، لَان مَا دونه يكون تعزيرا غير مسْقط لَهَا وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة. قَوْله: (وَقيل بالاكثر) كَمَا هُوَ رِوَايَة، وَقد علمت أَن ظَاهر الرِّوَايَة تَمَامه، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيط لَان الْمُطلق يحمل على الْكَمَال. وَفِي رِوَايَة: وَلَو بِسَوْط كَمَا فِي المنبع، وَلَا فرق فِي عدم إِتْمَامه بَين أَن يكون ضرب نَاقِصا أَو فر قبل إِتْمَامه، لانه لَيْسَ بِحَدّ حِينَئِذٍ. قَوْله: (وَإِن تَابَ) إِن وصلية: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف وَإِن تَابَ. قَوْله: (بتكذيبه نَفسه) الْبَاء للسَّبَبِيَّة: أَي بِسَبَب تَكْذِيبه نَفسه لَان تَكْذِيبه نَاشِئ عَن كذبه وَكذبه ذَنْب يَقْتَضِي التَّوْبَة، فَلَيْسَ التَّكْذِيب تَوْبَة لصِحَّة الشَّهَادَة، وَيُمكن أَن تكون الْبَاء للتصوير، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَرَاجعهَا وَتَأمل. قَوْله: (لَان الرَّد) أَي رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف. قَوْله: (من تَمام الْحَد بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن الله تَعَالَى نَص على الابد وَهُوَ مَا لَا نِهَايَة لَهُ، والتنصيص عَلَيْهِ يُنَافِي الْقبُول فِي وَقت مَا، وَأَن معنى قَوْله لَهُم للمحددين فِي الْقَذْف وبالتوبة لم يخرج عَن كَونه محدودا فِي قذف، ولانه يَعْنِي رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد لكَونه مَانِعا عَن الْقَذْف كالجلد وَالْحَد وَهُوَ الاصل فَيبقى بعد التَّوْبَة لعدم سُقُوطه بهَا، فَكَذَا تَتِمَّة اعْتِبَارا لَهُ بالاصل كَمَا فِي الْعِنَايَة. وَفِي الْعَيْنِيّ على الْهِدَايَة: وَإِنَّمَا كَانَ رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد: أَي لكَون تَمام الْحَد مَانِعا: أَي عَن الْقَذْف لكَونه زاجرا لانه يؤلم قلبه كالجلد يؤلم بدنه، ولان الْمَقْصُود مِنْهُ رفع الْعَار عَن الْمَقْذُوف وَذَلِكَ فِي إهدار قَول الْقَاذِف أظهر، لانه بِالْقَذْفِ آذَى قلبه فَجَزَاؤُهُ أَن لَا تقبل شَهَادَته. لانه فعل لِسَانه وفَاقا لجريمته فَيكون من تَمام الْحَد فَيبقى: أَي الرَّد بعد التَّوْبَة كَأَصْلِهِ: أَي كأصل الْحَد اعْتِبَارا بالاصل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 542 قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء منصرف لما يَلِيهِ) أَي قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) النُّور: 4) لقَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * بِخِلَاف آيَة الْمُحَاربين، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى الْحَد لَا لقَوْله: * (وَلَهُم عَذَاب عَظِيم) * لانه لَو رَجَعَ إِلَيْهِ لما قيد الِاسْتِثْنَاء بقبل الْقُدْرَة، لَان التَّوْبَة نافعة مُطلقًا، ففائدة التَّقْيِيد بِهِ سُقُوط الْحَد بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: تقبل، لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الافاسقون إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 4 - 5) فَإِن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على الْبَعْض ينْصَرف إِلَى الْكل كَقَوْل الْقَائِل: مرأته طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ حجَّة إِلَّا أَن يدْخل الدَّار، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى جَمِيع مَا تقدم، لَان هَذَا افتراء على عبد من عبيد الله تَعَالَى، والافتراء على الله تَعَالَى وَهُوَ الْكفْر لَا يُوجب رد الشَّهَادَة على التَّأْبِيد، بل إِذا أسلم يقبل فَهَذَا أولى. وَلنَا أَن قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) مَعْطُوف على قَوْله * (فَاجْلِدُوهُمْ) * (النُّور: 4) والعطف للاشتراك فَيكون رد الشَّهَادَة من حد الْقَذْف وَالْحَد لَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ. وَلَا نسلم أَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، بل تعقب جملَة مُنْقَطِعَة عَن جمل بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، لانه يعقب جملَة * (أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهِي جملَة مستأنفة لَان مَا قبلهَا أَمر وَنهي فَلم يحسن عطفها عَلَيْهِ، بِخِلَاف الْمِثَال فَإِن الْجمل كلهَا فِيهِ إنشائية معطوفة فَيتَوَقَّف كلهَا على آخرهَا، حَتَّى إِذا وجد الْغَيْر فِي الاخير تغير الْكل، وَالْقِيَاس على الْكفْر مُمْتَنع لفقط شَرطه، وَهُوَ أَن لَا يكون فِي الْفَرْع نَص يُمكن الْعَمَل بِهِ، وَهَا هُنَا نَص وَهُوَ التَّأْبِيد. شمني. وَفِي الْعِنَايَة: وَلَا يُمكن صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع لانه منصرف إِلَى مَا يَلِيهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهُوَ لَيْسَ بمعطوف على مَا قبله، لَان مَا قبله طلبي وَهُوَ إخباري. فَإِن قلت: فَجعله بِمَعْنى الطّلب ليَصِح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وبالوالدين إحسانا) * (الاسراء: 23) قلت: يأباه ضمير الْفَصْل، فَإِنَّهُ يُفِيد حصر أحد المسندين فِي الآخر وَهُوَ يُؤَكد الاخبارية. سلمناه لَكِن يلْزم جعل الْكَلِمَات المتعددة كالكلمة الْوَاحِدَة وَهُوَ خلاف الاصل. سلمناه لكنه كَانَ إِذا ذَاك جَزَاء فَلَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ كأصل الْحَد وَهُوَ تنَاقض ظَاهر. سلمناه لكنه كَانَ أبدا مجَازًا عَن مُدَّة غير متطاولة وَلَيْسَ بمعهود. سلمناه لَكِن جعله لَيْسَ بِأولى من جعل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا بل جعله مُنْقَطِعًا أولى دفعا للمحذورات، وَتَمام الصُّور على هَذَا الْبَحْث يَقْتَضِي مطالعة تقريرنا فِي تقريرنا فِي الاستدلالات الْفَاسِدَة اه. قَوْله: (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرًا فِي الْقَذْفِ فَيُسْلِمَ فَتُقْبَلُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمام الْحَد، وبالاسلام حدثت شَهَادَة أُخْرَى فَتقبل على الْمُسلمين والذميين. قَوْله: (بعد الاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وضع هَذِه الْمَسْأَلَة يدل على أَن الاسلام لَا يسْقط حد الْقَذْف، وَهل يسْقط شَيْئا من الْحُدُود؟ قَالَ الشَّيْخ عمر قَارِئ الْهِدَايَة: إِذا سرق الذِّمِّيّ أَو زنى ثمَّ أسلم، فَإِن ثَبت عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنهُ الْحَد، وَإِن ثَبت بِشَهَادَة أهل الذِّمَّة فَأسلم سقط عَنهُ الْحَد اه. وَيَنْبَغِي أَن يُقَال كَذَلِك فِي حد الْقَذْف. وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَلم أر حكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 543 الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ. وَنقل الْفَخر الرَّازِيّ عَن الشَّافِعِي سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ أَنه لَا يسْقط إِلَّا أَن يُوجد نقل صَرِيح اه. قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه أسلم بعد مَا ضرب تَمام الْحَد، فَلَو أسلم بعد مَا ضرب بعضه فَضرب الْبَاقِي بعد إِسْلَامه فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات: فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا تبطل شَهَادَته على التَّأْبِيد، فَإِذا تَابَ قبلت. وَفِي رِوَايَة: تبطل إِن ضرب الاكثر بعد إِسْلَامه. وَفِي رِوَايَة: تبطل وَلَو بِسَوْط. بَحر عَن السراج: أَي لانه لم يُوجد فِي حَقه مَا ترد بِهِ شَهَادَته الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي كفره وَلَا الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي إِسْلَامه. لانه فِي حَال كفره لم يقم عَلَيْهِ تَمام الْحَد وَلَا ترد الشَّهَادَة إِلَّا بذلك. وَفِي الاسلام لم يقم عَلَيْهِ تَمام أَيْضا فَلم تسْقط شَهَادَته. قَوْله: (بِخِلَاف عبد حد فَعتق لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَال رقّه فتوقف الرَّد عَلَى حُدُوثِهَا، فَإِذَا حَدَثَتْ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بعد الْعتْق من تَمام الْحَد. وَالْفرق بَينه وَبَين الْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر فِي حَال كفره لَهُ شَهَادَة، فَإِذا حد للقذف سَقَطت تِلْكَ الشَّهَادَة فَإِذا أسلم فقد اسْتَفَادَ بالاسلام بعد الْحَد شَهَادَة فَلم يخلفها رد، بِخِلَاف العَبْد إِذا حد ثمَّ أعتق حَيْثُ لَا تقبل شَهَادَته لانه لم يكن لَهُ شَهَادَة على أحد وَقت الْجلد فَلم يتم الرَّد إِلَّا بعد الاعتاق. قَوْله: (على زِنَاهُ) أَي الْمَقْذُوف: قَوْله: (أَو اثْنَيْنِ) أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ. منح. قَوْله: (كَمَا لَو برهن قبل الْحَد بَحر) وَنَصه: لانه لَو أَقَامَ أَرْبَعَة بعد مَا حد على أَنه زنى قبلت شَهَادَته بعد التَّوْبَة فِي الصَّحِيح، لانه لَو أَقَامَهَا قبل لم يحد فَكَذَا لَا ترد شَهَادَته، وَإِنَّمَا قيد بقوله على أَنه زنى، لانه لَو أَقَامَ بَيِّنَة على إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا لَا يشْتَرط أَن يَكُونُوا أَرْبَعَة، لما فِي فتح الْقَدِير من بَاب حد الْقَذْف: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا يدْرَأ الْحَد عَن الْقَاذِف، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة الخ، فَكَذَا إِذا أَقَامَ رجلَيْنِ بعد حَده على إِقْرَاره بِالزِّنَا تعود شَهَادَته كَمَا لَا يخفى. ثمَّ اعْلَم أَن الضَّمِير فِي قَوْله لَهُم عندنَا عَائِد إِلَى المحدودين. وَعند الشَّافِعِي إِلَى القاذفين العاجزين عَن الاثبات كَمَا ذكره الْفَخر الرَّازِيّ، فَلَو لم يحد تقبل شَهَادَته عندنَا خلافًا لَهُ، وَلَو قذف رجلا ثمَّ شهد مَعَ ثَلَاثَة على أَنه زنى: فَإِن كَانَ حد لم يحد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَإِن لم يحد الْقَاذِف حد الْمَشْهُود عَلَيْهِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة اه. قَوْله: (الْفَاسِق إِذا تَابَ تقبل شَهَادَته) قدمنَا أَن الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ أَثَرَ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ، وَأَن بَعضهم قدر ذك بِسِتَّة أشهر وَبَعْضهمْ قدر بِسنة، وَأَن الصَّحِيح أَنه مفوض إِلَى رَأْي القَاضِي والمعدل، فَرَاجعه. قَوْله: (وَالْمَعْرُوف بِالْكَذِبِ) أَي الْمَشْهُور بِهِ، فَلَا تقبل شَهَادَته فَإِنَّهُ لَا يعرف صدقه متوبته، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا تَابَ عَن سَائِر أَنْوَاع الْفسق فَإِن شَهَادَته تقبل. بَحر عَن الْبَدَائِع. قَوْله: (وَشَاهد الزُّور الخ) قَالَ ط: صَنِيعه يَقْتَضِي أَنه ذكر ذَلِك فِي الْبَحْر، وَقد اقْتصر فِيهِ على الاولين، فَلَو قَالَ وَفِي الْمُلْتَقط وسَاق الْعبارَة لَكَانَ أولى اه. أَقُول: نعم ذكره فِي الْبَحْر فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَول الْكَنْز: وَمن ألم بصغيرة إِن اجْتنب الْكَبَائِر، وَقدمنَا عِبَارَته فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَوْله: وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته. قَوْله: (لَو عدلا لَا تقبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 544 أبدا) لانه لَا تعرف تَوْبَته وَلَا تعتمد عَدَالَته: أَي من غير ضرب مُدَّة كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته، وَقيد بِالْعَدْلِ لَان غير الْعدْل إِذا شهد بزور ثمَّ تَابَ تقبل شَهَادَته كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (لَكِن سيجئ تَرْجِيح قبُولهَا) أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة. قَالَ فِي الْخَانِية: تقبل وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَجُعِلَ الْأَوَّلُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي. وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وَكَلَام الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي: أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي يُوسُف أَيْضا. تَأمل. قَوْله: (ومسجون) وَلَو تعدد، وَلذَا عبر فِي الدُّرَر: يشْهد بَعضهم على بعض، وَالتَّعْلِيل يفِيدهُ. قَالَ فِي الْمنح: يَعْنِي إِذا حدث بَين أهل السجْن حَادِثَة فِي السجْن وَأَرَادَ بَعضهم أَن يشْهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة لم تقبل لكَوْنهم متهمين. كَذَا فِي الْجَامِع الْكَبِير وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة اه. قَوْله: (وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة الصّبيان) ظَاهر عبارَة المُصَنّف: وَعبارَة الصُّغْرَى يُفِيد أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة الْبَالِغ الَّذِي حضر الملاعب لفسقه بالحضور. قَوْله: (لمنع الشَّرْع عَمَّا يسْتَحق بِهِ السجْن) لَان الْعدْل لَا يحضر السجْن. والبالغ لَا يحضر ملاعب الصّبيان وَالرِّجَال لَا تحضر حمام النِّسَاء، وَالشَّرْع شرع لذَلِك طَرِيقا آخر وَهُوَ الِامْتِنَاع عَن حُضُور الملاعب وَعَما يسْتَحق بِهِ الدُّخُول فِي السجْن، وَمنع النِّسَاء عَن الحمامات، فَإِذا لم يمتثلوا كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه. وَقد تقدم الْكَلَام على أَنه قد يسجن الشَّخْص من غير جرم، وَالْمَنْع إِنَّمَا يظْهر فِي حق المسجون، وَالنِّسَاء فِي الْحمام لَا فِي الصّبيان لعدم تكليفهم. ذكر فِي إِجَارَة المنبع معزيا إِلَى الْمَبْسُوط أَن عِنْد أَكثر الْعلمَاء والمجتهدين لَا بَأْس باتخاذ الْحمام للرِّجَال وَالنِّسَاء للْحَاجة إِلَيْهَا خُصُوصا فِي الديار الْبَارِدَة، وَمَا رُوِيَ من مَنعهنَّ مَحْمُول على دخولهن مكشوفات الْعَوْرَة. وَقَالَ الْمَقْدِسِي: وَهُوَ الصَّحِيح. قَوْله: (وصغرى وشرنبلالية) مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نَقله عَن الصُّغْرَى، فالاولى شرنبلالية عَن الصُّغْرَى. قَالَ فِي جَامع الْفَتَاوَى: وَقيل فِي كل ذَلِك يقبل، والاصح الاول كَمَا فِي الْقنية اه. قَوْله: (تقبل شَهَادَة النِّسَاء وَحْدَهُنَّ) قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْضِي قَضَاءَ قَاضٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شجاج الْحمام. سائحاني. وَحمله سَيِّدي الْوَالِد على الْقصاص بالشجاج. قَوْله: (فِي الْقَتْل) فَلَا تقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج. قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج. قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل: أَي لَا فِي ثُبُوت الْقصاص، فَإِنَّهُ لَا يثبت بِالنسَاء، وَظَاهر ذَلِك أَنه يحكم بِالدِّيَةِ مَعَ شَهَادَتهنَّ بالعمد ط. قَوْله: (الْمعلم) وَلَو لغير قُرْآن. قَوْله: (وَالزَّوْجَة لزَوجهَا وَهُوَ لَهَا) أَي وَلَو كَانَت الزَّوْجَة أمة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تجوز شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده، وَلَا الْوَلَد لوالده، وَلَا الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَلَا الزَّوْج لامْرَأَته، وَلَا العَبْد لسَيِّده، وَلَا السَّيِّد لعَبْدِهِ، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 545 الشَّرِيك لشَرِيكه، وَلَا الاجير لمن اسْتَأْجرهُ كَمَا فِي الْفَتْح مَرْفُوعا من رِوَايَة الْخصاف وَمن قَول شُرَيْح وَسَاقه بِسَنَدِهِ، ولان الْمَنَافِع بَين هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَة، وَلِهَذَا لَا يجوز أَدَاء بَعضهم الزَّكَاة إِلَى بعض فَتكون شَهَادَته لنَفسِهِ من وَجه فَلَا تقبل. قيل مَا فَائِدَة قَول لسَيِّده: فَإِن العَبْد لَا شَهَادَة لَهُ فِي حق أحد؟ وَأجِيب بِأَن ذكره على سَبِيل الاستطراد، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما عد مَوَاضِع التُّهْمَة ذكر العَبْد مَعَ السَّيِّد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَو قبلت شَهَادَة العَبْد فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع على سَبِيل الْفَرْض لم تقبل فِي حق سَيّده. قَوْله: (وَجَاز عَلَيْهَا) أَي وَعَلِيهِ. قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الاشباه) وَفِي الْبَحْر أَيْضا: الاولى: قَذفهَا الزَّوْج ثمَّ شهد عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة لم تقبل، لانه يدْفع اللّعان عَن نَفسه. الثَّانِيَة: شهد الزَّوْج وَآخر بِأَنَّهَا أقرَّت بِالرّقِّ لفُلَان وَهُوَ يَدعِي ذَلِك لم تقبل. وَلَو قَالَ الْمُدَّعِي أَنا أَذِنت لَهَا فِي نِكَاحه إِلَّا إِذا كَانَ دفع لَهَا الْمهْر بِإِذن الْمولى. كَذَا فِي النَّوَازِل. بَحر. وَكَأن وَجهه أَن إقدامه على نِكَاحهَا وتسليمها الْمهْر منَاف لشهادته إِذا لم يعْتَرف الْمُدَّعِي بِإِذْنِهِ بِالنِّكَاحِ وبقبض الْمهْر. قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ علم أَن من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لَا يجوز قَضَاؤُهُ، فَلَا يقْضِي لاصله وَإِن علا، وَلَا لفرعه، وَإِن سفل، وَلَو وَكيل من ذكرنَا كَمَا فِي قَضَائِهِ لنَفسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وَمِنْهَا أَيْضا: اخْتصم رجلَانِ عِنْد القَاضِي ووكل أَحدهمَا ابْن القَاضِي أَو من لَا تجوز شَهَادَته لَهُ فَقضى القَاضِي لهَذَا الْوَكِيل لَا يجوز، وَإِن قضى عَلَيْهِ يجوز. وَفِي الخزانة: وَكَذَا لَو كَانَ وَلَده وَصِيّا فضى لَهُ وَلَو كَانَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم لم يجز قَضَاؤُهُ فِي أَمر الْيَتِيم، وَلَو كَانَ القَاضِي وَكيلا لم يجز قَضَاؤُهُ لمُوكلِه. وَتَمَامه فِيهَا اه. قَوْله: (وَلَو شهد لَهَا ثمَّ تزَوجهَا) أَي قبل الْقَضَاء، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَار أَجِيرا قبل أَن يقْضِي بهَا. تاترخانية. قَالَ ط: وَانْظُر مَا لَو طَلقهَا وَانْقَضَت عدتهَا، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا هَل يقْضى بهَا؟ وَالْمُنَاسِب للمؤلف زِيَادَة مَسْأَلَة أُخْرَى يزِيد التَّفْرِيع بهَا وضوحا، وَهِي أَنه لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل وَلم يرد الْحَاكِم شَهَادَته حَتَّى طلقه بَائِنا وَانْقَضَت عدتهَا فَإِنَّهُ تنفذ شَهَادَته كَمَا فِي الْخَانِية اه. قَوْله: (فَعلم منع الزَّوْجِيَّة) وَلَو الْحكمِيَّة كَمَا فِي الْمُعْتَدَّة، لَكِن الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فَلَا يعلم مِمَّا ذكر فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ مَا ذَكَرَهُ. فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ تَحَمَّلَهَا حَالَ نِكَاحِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَشَهِدَ لَهَا: أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عدتهَا تقبل، وَمَا قدمْنَاهُ فِي المقولة السَّابِقَة قبل هَذِه عَن ط وَهِي: لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل الخ. قَوْله: (لَا تحمل) أَي لَا تمنع الزَّوْجِيَّة عَن التَّحَمُّل، فَلَو تحمل أَحدهمَا حَال الزَّوْجِيَّة وَأدّى بعد انْقِضَاء الْعدة يجوز. قَوْله: (أَو أَدَاء) كَمَا فِي الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخَانِية. قَالَ الرحمتي: وَهُوَ مَعْطُوف على الْقَضَاء: أَي يمْنَع الزَّوْجِيَّة عَن الْقَضَاء أَو الاداء لَا عِنْد التَّحَمُّل، فَلَو تحملت فِي النِّكَاح أَو الْعدة وَأَدت بعْدهَا جَازَ كتحمل الزَّوْج، وَلَا يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَا أداؤهما للشَّهَادَة فِي حَال قيام الزَّوْجِيَّة أَو الْعدة، وَهَذَا هُوَ المتفرع على عبارَة الْخَانِية حَيْثُ قَالَ: ثمَّ تزَوجهَا بطلت: أَي لَا يقْضى بهَا بعد أَدَائِهَا قبل الزَّوْجِيَّة، كَمَا لَا يَصح الاداء حَال قيام الزَّوْجِيَّة اه. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ نَفاذ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 546 شَهَادَة الْعدْل لزوجته حَال الزَّوْجِيَّة إِذا أَبَانهَا وَانْقَضَت عدتهَا قبل رد الْحَاكِم شَهَادَته، وَهُوَ الْمُوَافق لظَاهِر عبارَة الشَّارِح، لَان الظَّاهِر عطف قَوْله أَو أَدَاء على قَوْله لَا تحمل من غير تكلّف لما قَالَه الرحمتي كَمَا سَمِعت، فَتكون الزَّوْجِيَّة غير مَانِعَة عِنْد التَّحَمُّل وَعند الاداء، إِلَّا أَن يشْهد لما قَالَه الرحمتي نقل. فَتَأمل. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من انْتِفَاء التُّهْمَة وَقت الْقَضَاء، وَأما فِي بَاب الرُّجُوع إِلَى الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، فَلَوْ وُهِبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الاقرار، فَلَو أقرّ لاجنبيه ثمَّ نَكَحَهَا وَمَات وَهِي زَوجته صَحَّ. وَفِي بَاب الْوَصِيَّة: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّة اه. قَوْله: (وَالْفرع لاصله) وَلَو كَانَ فرعا من وَجه كَوَلَد الْمُلَاعنَة لَا تقبل شَهَادَته لاصوله أَو هوله أَو لفروعه لثُبُوت نسبه من وَجه بِدَلِيل صِحَة دَعوته مِنْهُ وَعدمهَا من غَيره. وَتحرم مناكحته وَوضع الزَّكَاة فِيهِ، وَلَا إِرْث وَلَا نَفَقَة من الطَّرفَيْنِ كَوَلَد العاهر، وَلَو بَاعَ أحد التوأمين وَقد ولدا فِي ملكه وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَشهد لبَائِعه تقبل، فَإِن ادّعى الْبَاقِي ثَبت نسبهما وانتقض البيع وَالْعِتْق وَالْقَضَاء، وَيرد مَا قبض أَو مثله إِن هلك للاستناد لتحويل العقد، وَإِن كَانَ الْقَضَاء قصاصا فِي طرف أَو نفس فأرشه عَلَيْهِ دون الْعَاقِلَة. وَتَمَامه فِي تَلْخِيص الْجَامِع من بَاب شَهَادَة ولد الْمُلَاعنَة. وَلَا تقبل شَهَادَة ولد أم الْوَالِد الْمَنْفِيّ من السَّيِّد وَلَا يُعْطِيهِ الزَّكَاة كَوَلَد الْحرَّة الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ. كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني. وَفِي فتح الْقَدِير: تجوز شَهَادَته لِابْنِهِ رضَاعًا. وَفِي خزانَة الاكمل: شهد ابناه أَن الطَّالِب أَبْرَأ أباهما واحتال بِدِينِهِ على فلَان لم تجز إِذا كَانَ الطَّالِب مُنْكرا، وَإِن كَانَ المَال على غير أَبِيهِمَا فشهدا أَن الطَّالِب أحَال بِهِ أباهما والطالب يُنكر وَالْمَطْلُوب يَدعِي الْبَرَاءَة وَالْحوالَة جَازَت انْتهى. وَفِي الْمُحِيط البرهاني: إِذا شَهدا على فعل أَبِيهِمَا فعلا ملزما لَا تقبل إِذا كَانَ للاب مَنْفَعَة اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل. وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ، فَلَو قَالَ إِن كلمك فلَان فَأَنت حر فَادّعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد ابناه بِهِ (1) لم تقبل عِنْدهمَا، وَكَذَا إِن علق عتقه بِدُخُولِهِ الدَّار، وَلَو أنكر الاب جَازَت شَهَادَتهمَا، وَكَذَا الحكم فِي كل شئ كَانَ من فعل الاب من نِكَاح أَو طَلَاق أَو بيع. وَإِن شهد ابْنا الْوَكِيل على عقد الْوَكِيل فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن يقر الْمُوكل وَالْوَكِيل بالامر وَالْعقد. وَهُوَ على وَجْهَيْن، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم قضى القَاضِي بالتصادق لَا بِالشَّهَادَةِ، وَإِن أنكر فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل وَلَا يقْضِي بشئ، إِلَّا فِي الْخلْع فَإِنَّهُ يقْضِي بِالطَّلَاق بِغَيْر مَال لاقرار الزَّوْج بِهِ وَهُوَ الْمُوكل. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالْعقدِ إِلَّا بِعقد ترجع حُقُوقه إِلَى الْعَاقِد كَالْبيع. الثَّانِي: أَن يُنكر الْوَكِيل وَالْمُوكل، فَإِن جحد الْخصم لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل اتِّفَاقًا. الثَّالِث: أَن يقر الْوَكِيل بهما ويجحد الْمُوكل العقد فَقَط، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم يقْضِي بِالْعُقُودِ كلهَا،   (1) قَوْله: (فاادعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد لبناه بِهِ) أَي ابْنا فلَان وكذت الضضمير فِي قَوْله بِدُخُولِهِ لفُلَان اه. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 547 إِلَّا النِّكَاح على قَول أبي حنيفَة. وتمامها فِيهِ. قَوْله: (وَإِن علا) كجده وجد جده إِلَى مَا لَا نِهَايَة، سَوَاء كَانَ جده لابيه أَو لامه. قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد الْجد الخ) مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبِالْعَكْسِ إذْ الْجد أصل لَا فرع، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذِه لَيست من جزئيات شَهَادَة الْفَرْع لاصله بل الامر بِالْعَكْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل لَهُ بعد قَوْله وَبِالْعَكْسِ. وَقِيَاسه هُنَا أَن يُقَال: إِلَّا إِذا شهد ابْن الابْن على أَبِيه لجده، وَهَذَا تبع فِيهِ صَاحب الاشباه ابْن الشّحْنَة كَمَا نَقله مِنْهُ فِي الْمنح، وَيظْهر لَك بَيَانه قَرِيبا. ثمَّ إِن صَاحب الْمُحِيط جعل ذَلِك فِي صُورَة مَخْصُوصَة، وَهِي مَا إِذا ولدت امْرَأَة ولدا فادعت أَنه من زَوجهَا هَذَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد أَبوهُ وَابْنه على إِقْرَار الزَّوْج أَنه وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة تقبل شَهَادَتهمَا، لانها شَهَادَة على الاب اه. وَمثله فِي الْخَانِية. أَقُول: وتتمة عبارتها: وَلَو شهد أَبُو الْمَرْأَة وجدهَا على إِقْرَار الزَّوْج بذلك لَا تقبل شَهَادَتهمَا لانهما يَشْهَدَانِ لولدهما، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وأقرت بذلك اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة. قَالَ فِي الاصل: لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي رِوَايَة هِشَام، وَتقبل فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان. وَإِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته انْتَهَت. ونقلها فِي التاترخانية بحروفها. وَوجه الاولى أَنَّهَا شَهَادَة على الابْن للْمَرْأَة صَرِيحًا بجحوده وادعائها، وَفِي الثَّانِيَة بِالْعَكْسِ، وَالْقَبُول فِي الاولى يَقْتَضِي الْقبُول فِي الثَّانِيَة وترجيح رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، إِذْ لَا فرق يظْهر، وَلم يصر الْوَلَد المجحود ابْن ابْن إِلَّا بعد الشَّهَادَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الاموال وَالنّسب فِي الْقبُول. وَفِي الْمنح عَن شرح الْعَلامَة عبد الْبر نقلا عَن الْخَانِية: الْقبُول مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِحَق. قَالَ المُصَنّف: وَلَعَلَّ وَجه الْقبُول أَن إقدامه على الشَّهَادَة على وَلَده وَهُوَ أعز عَلَيْهِ من ابْنه دَلِيل على صدقه فتنفي التُّهْمَة الَّتِي ردَّتْ لاجلها الشَّهَادَة، وَهَذَا خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر من أَنه مُقَيّد بِشَهَادَة الاب على إِقْرَار ابْنه ببنوة وَلَده فِي الاموال وَنَقله قبله أَنَّهَا لَا تقبل، وَحمله على أَنَّهَا فِي غير مَسْأَلَة الْمُحِيط الْمَذْكُورَة، وَتعقب المُصَنّف كَلَامه بِكَلَام ابْن الشّحْنَة. وَنَصّ قاضيخان فِيمَن لَا تقبل شَهَادَته للتُّهمَةِ أَو إِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته كَمَا ذكرنَا اه. قَالَ الشلبي فِي فَتَاوِيهِ: سُئِلت عَمَّا لَو شهِدت الام لبنتها على بنت لَهَا أُخْرَى هَل تقبل شَهَادَتهمَا؟ فأجبت بِمَا حَاصله: إِن شَهَادَة الام على إِحْدَى البنتين وَإِن كَانَت مَقْبُولَة لَكِن لما تَضَمَّنت الشَّهَادَة للاخرى ردَّتْ فَلَا تقبل شَهَادَتهمَا للتُّهمَةِ، وَالله الْمُوفق. وَيشْهد لما أجبْت بِهِ قَول الزَّيْلَعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب النِّكَاح: وَلَو تزَوجهَا بِشَهَادَة ابنيهما ثمَّ تجاحدا لَا تقبل مُطلقًا لانهما يَشْهَدَانِ لغير الْمُنكر مِنْهُمَا اه. ثمَّ أجَاب عَن سُؤال الآخر بِمَا نَصه: شَهَادَة الاب على وَلَده لابنته غير صَحِيحَة، وَالله تَعَالَى أعلم اه. أَقُول: وَيظْهر على اعْتِمَاد عدم الْقبُول أَيْضا لانه مَنْطُوق الْمُتُون، فَتَأمل. قَوْله: (قَالَ) أَي صَاحب الاشباه. قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد على أَبِيه لامه) فِي مَال لَا طَلَاق ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي تنوير الاذهان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 548 والضمائر معزيا فِيهِ لفتاوى شمس الائمة الاوزجندي من أَن الام وَإِن ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شَهَادَتهمَا وَهُوَ الاصح، لَان دَعْوَاهَا لَغْو، فَإِن الشَّهَادَة تقبل حسبَة من غير دَعْوَاهَا فَصَارَ وجود دَعْوَاهَا وَعدمهَا سَوَاء ط. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ. قَوْله: (والام فِي نِكَاحه) الْوَاو للْحَال. وَوَجهه الشريف الْحَمَوِيّ بِأَن فِيهِ جر نفع للام. وَأخذ السَّيِّد أَبُو السُّعُود من كَلَام الاوزجندي السَّابِق أَن الْقبُول هُنَا أولى، لَان الام لم تدع وَالشَّهَادَة فِي الطَّلَاق مَقْبُولَة حسبَة. قَالَ فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقَضَاء من الْفَصْل الرَّابِع: رجل شهد عَلَيْهِ بنوه أَنه طلق أمّهم ثَلَاثًا وَهُوَ يجْحَد: فَإِن كَانَت الام تَدعِي فالشهادة بَاطِلَة، وَإِن كَانَت تجحد فالشهادة جَائِزَة، لانها إِذا كَانَت تَدعِي فهم يشْهدُونَ لامهم لانهم يصدقون الام فِيمَا تَدعِي ويعيدون الْبضْع إِلَى ملكهَا بعد مَا خرج عَن ملكهَا. وَأما إِذا كَانَت تجحد فَيَشْهَدُونَ على أمّهم لانهم يكذبونها فِيمَا تجحد ويبطلون عَلَيْهَا مَا اسْتحقَّت من الْحُقُوق على زَوجهَا من الْقسم وَالنَّفقَة وَمَا يحصل لَهَا من مَنْفَعَة عود بضعهَا إِلَى ملكهَا فَتلك مَنْفَعَة مجحودة يشوبها مضرَّة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة اه. وَهَذِه من مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير. وَأورد عَلَيْهِ أَن الشَّهَادَة بِالطَّلَاق شَهَادَة بِحَق الله تَعَالَى، فوجود دَعْوَى الام وَعدمهَا سَوَاء لعدم اشْتِرَاطهَا. وَأجِيب بِأَن مَعَ كَونه حَقًا لله تَعَالَى فَهُوَ حَقّهَا أَيْضا، فَلم تشْتَرط الدَّعْوَى للاول واعتبرت إِذا وجدت مَانِعَة من الْقبُول للثَّانِي عملا بهما. وَفِي الْمُحِيط البرهاني معزيا إِلَى فَتَاوَى شمس الاسلام الاوزجندي: أَن الام إِذا ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شهادنهما، قَالَ: وَهُوَ الاصح لَان دَعْوَاهَا لَغْو. قَالَ مَوْلَانَا: وَعِنْدِي أَن مَا ذكره فِي الْجَامِع أصح اه. وَيتَفَرَّع على هَذَا مسَائِل ذكرهَا ابْن وهبان فِي شَرحه. الاولى: شَهدا أَن امْرَأَة أَبِيهِمَا ارْتَدَّت وَهِي تنكر: فَإِن كَانَت أمهما حَيَّة لم تقبل ادَّعَت أَو أنْكرت لانتفاعها، وَإِلَّا فَإِن ادّعى الاب لم يقبل، وَإِلَّا قبلت. الثَّانِيَة: طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول ثمَّ تزَوجهَا فَشهد ابناه أَنه طَلقهَا فِي الْمدَّة الاولى ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا بِلَا مُحَلل: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل. الثَّالِثَة: شهد ابناه على الاب أَنه خلع امْرَأَته على صَدَاقهَا: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لم تقبل، دخل بهَا أَولا، وَإِلَّا تقبل ادّعى أَو لَا. الرَّابِعَة: شهد ابْنا الْجَارِيَة الحران أَن مَوْلَاهَا أعْتقهَا على ألف دِرْهَم: فَإِن كَانَت تَدعِي لم تقبل، وَإِلَّا فَتقبل. وَإِن شهد ابْنا الْمولى وَهُوَ يَدعِي لم تقبل وعتقت لاقراره بِغَيْر شئ وَإِلَّا تقبل. بِخِلَاف مَا إِذا شَهدا على عتق أَبِيهِمَا بِأَلف فَإِنَّهَا لَا تقبل مُطلقًا لَان دَعْوَاهُ شَرط عِنْده. وَلَو شهد ابْنا الْمولى: فَإِن ادّعى الْمولى لم تقبل، وَإِن جحد وَادّعى الْغُلَام تقبل وَيقْضى بِالْعِتْقِ وبوجوب المَال، وَإِن أنكر لم تقبل. الْخَامِسَة: جَارِيَة فِي يَد رجل ادَّعَت أَنه بَاعهَا من فلَان وَأَن فلَانا الَّذِي اشْتَرَاهَا أعْتقهَا وَالْمُشْتَرِي يجْحَد فَشهد ابْنا ذِي الْيَد با ادَّعَت الْجَارِيَة: فَإِن ادّعى الاب لم تقبل، وَإِلَّا تقبل اه. وَهَذِه كلهَا مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير ذكرهَا الصَّدْر الشَّهِيد سُلَيْمَان فِي بَاب من الشَّهَادَات. وَزَاد: قَالَت: بعتني مِنْهُ وأعتقني وَشهد ابْنا البَائِع: إِن داعى لَا تقبل وعتقت بِإِقْرَارِهِ، وَإِن كذبه قبلت وَثَبت الشِّرَاء وَالْعِتْق لانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 549 خصم، كالشفيع فِي يَده جَارِيَة قَالَ بعتها من فلَان بِأَلف وَقَبضهَا وباعها مني بِمِائَة دِينَار وَشهد ابْنا الباع يقْضى بالبيعين وبالثمنين. وَعند مُحَمَّد: يشْتَرط تَصْدِيقه وَلَا يحبس بِهِ، وَإِن ادّعى الاب لَا تقبل وَيسلم لَهُ إِقْرَاره إِلَى آخر مَا فِيهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَفِي الْمُنْتَقى: شَهدا على أَن أباهما القَاضِي قضى لفُلَان على فلَان بِكَذَا لَا تقبل، والمأخوذ أَن الاب لَو كَانَ قَاضِيا يَوْم شهد الابْن على حكمه تقبل، وَلَو شهد الابنان على شَهَادَة أَبِيهِمَا تجوز بِلَا خلاف وَكَذَا على كِتَابه اه. ثمَّ قَالَ: قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة وَلَده وحافده يجوز. وَفِي الْخَانِية: وَلَو ولدت ولدا وَادعت أَنه من زَوجهَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد على الزَّوْج أَبوهُ وَابْنه أَنه أقرّ أَن هَذَا وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة. قَالَ فِي الاصل: جَازَت شَهَادَتهمَا، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وَأَنَّهَا أقرَّت بذلك اخْتلف فِيهِ الرِّوَايَة اه، وَتقدم نقل مَسْأَلَة الْخَانِية فَلَا تنسه. قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ) قَالَ مؤيد زَاده: شَهَادَة الانسان فِيمَا بَاشرهُ مَرْدُودَة بالاجماع، سَوَاء كَانَ لنَفسِهِ أَو لغيره وَهُوَ خصم فِي ذَلِك أَولا، فَلَا تجوز شَهَادَة الْوَكِيل بِالنِّكَاحِ اه. قَوْله: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ بِعَفْوِ ولي الْمَقْتُول) أل فِي الْقَاتِل للْجِنْس الصَّادِق بالتعدد. وَصورتهَا كَمَا فِي الْحلَبِي عَن الاشباه: ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَة أَو الْوَلِيَّ قَدْ عَفَا عَنَّا. قَالَ الْحَسَنُ: لَا تقبل إلَّا أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ. وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل اه. قَالَ البيري: الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي تَلْخِيص الْكُبْرَى وخزانة الاكمل وَعَن الْحسن فِي ثَلَاثَة قتلوا رجلا عمدا ثمَّ تَابُوا وأقروا وشهدوا أَنه عَفا عَنَّا لَا يجوز. وَإِن قَالَ اثْنَان عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ. وَقَالَ الْحسن: يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ. وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: وَالْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف اه. ثمَّ على قَول أبي يُوسُف: لَا شَهَادَة لانسان لنَفسِهِ بل شَهَادَتهمَا للثَّالِث، وَلَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُمَا كملا فَلم تجز مَنْفَعَة اه. وَأما على قَول الْحسن بِالْقبُولِ فقد قبلت شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ بِالنّظرِ لَهما. وَقَوله: وَقَالَ الْحسن يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ ذكر عَن الْحسن فِيمَا إِذا قَالَ الثَّلَاثَة عَفا عَنَّا لَا يجوز، فَإِن عبارتي الاشباه والبيري متفقتان على عد الْقبُول فِيمَا إِذا قَالَ عَفا عَنَّا فَقَط عِنْد الْحسن. وَالظَّاهِر أَن أَبَا يُوسُف مَعَه إِذْ لم يذكر خِلَافه إِلَّا فِي الثَّانِيَة، فَإِن أُرِيد بِالْوَجْهَيْنِ الثَّالِث والشاهدان وَافق عجز عبارَة الاشباه السَّابِقَة، وَلَا وَجه لقَوْل البيري: وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ الخ فَإِنَّهُ يُفِيد الْمُخَالفَة بَين العبارتين ط. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن كَانَ المُرَاد بقول الْحسن تقبل إِذا قَالَ اثْنَان مِنْهُ عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا الْوَاحِد تقبل إِن الْقَاتِل اثْنَان فَقَط كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من ظَاهر الْعبارَة، فَالظَّاهِر أَن الْقبُول فِي حق سُقُوط الْقود عَن الْكل، وَعَلِيهِ فَتجب الدِّيَة على الشَّاهِدين فَقَط، وَإِن كَانَ المُرَاد أَن كل اثْنَيْنِ قَالَ ذَلِك أَو كل وَاحِد قَالَ ذَلِك فَتسقط الدِّيَة عَن الْكل، وَانْظُر مَا وَجه قَول أبي يُوسُف هَذَا وَقد جعل الْمَسْأَلَة فِي الاشباه مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة: لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَقَالَ محشيها الْحَمَوِيّ تبعا للرملي: لَا يَصح اسْتثِْنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة من الضَّابِط الْمَذْكُور، لانه لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، وَلَا على قَول الْحسن، بل إِنَّمَا قبلت على قَوْله فِي الْوَجْه الْمَذْكُور لانها شَهَادَة الِاثْنَيْنِ كل مِنْهُم على عَفْو الْوَلِيّ عَن الثَّالِث. وَأما شَهَادَة كل لنَفسِهِ فَلَا قَائِل بهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 550 وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن شَهَادَة الِاثْنَيْنِ للْآخر لَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُم كملا فَلم تجر مَنْفَعَة فَهِيَ كَشَهَادَة غريمين لغريمين، فَتَأمل. وَفِي حاشيتها للكفيري: قَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل فِي حق الْوَاحِد وَيسْقط الْقصاص عَن الِاثْنَيْنِ ويلزمهما بَقِيَّة الدِّيَة، وَذَلِكَ لَان الشَّهَادَة لَيست لانفسهما. وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل، وَذَلِكَ لما فِيهِ من اعْتِبَار أَن كل اثْنَيْنِ تكون شَهَادَتهمَا لغَيْرِهِمَا، وَإِذا فرض ذَلِك فَتحصل الشَّهَادَة فِي الْمَعْنى لكل من الِاثْنَيْنِ للْآخر فَتقبل شَهَادَة الْكل اه. نَقله بعض الْفُضَلَاء. وعَلى هَذَا التَّقْرِير يَصح الِاسْتِثْنَاء لَان فِيهِ قبُول شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَتَأمل اه. قَالَ فِي الْبَحْر: وَنَظِيره أَي نَظِير مَسْأَلَة الْقَاتِل مَا فِي الْخَانِية أَيْضا: لَو قَالَ إِن دخل دَاري أحد فَعَبْدي حر فَشهد ثَلَاثَة أَنهم دخلوها، قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن قَالُوا دخلناها جَمِيعًا لَا تقبل، وَإِن قَالُوا دَخَلنَا وَدخل هَذَا تقبل. وَسَأَلَ الْحسن بن أبي يُوسُف عَنْهَا فَقَالَ: إِن شهد ثَلَاثَة بِأَنا دخلناها جَمِيعًا تقبل، وَإِن شهد اثْنَان لَا تقبل، فَقَالَ لَهُ الْحسن أصبت وخالفت أَبَاك اه. قَوْله: (وَسيد لعَبْدِهِ) أَي وَأمته وَأم وَلَده وَتقبل عَلَيْهِم. قُهُسْتَانِيّ قَوْله: (ومكاتبه) لانه شَهَادَة لنَفسِهِ من كل وَجه إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَمن وَجه إِن كَانَ عَلَيْهِ دين لَان الْحَال مَوْقُوف مراعى. وَفِي منية الْمُفْتِي: شهد العَبْد لمَوْلَاهُ فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا عبد الْعتْق تقبل، وَلَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بعد الْعتْق لم يجز لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة، وَكَذَا الصَّبِي أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَت لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة اه. بَحر. وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي هَذَا الْبَاب فَرَاجعه. قَوْله: (وَالشَّرِيك لشَرِيكه) سَوَاء كَانَت شركَة أَمْلَاك أَو شركَة عقد عنانا أَو مُفَاوَضَة أَو وُجُوهًا أَو صنائع، وخصصه فِي النِّهَايَة بِشريك الْعَنَان. قَالَ: وَأما شَهَادَة أحد المفاوضين لصَاحبه فَلَا تقبل إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالنِّكَاح لَان مَا عَداهَا مُشْتَرك بَينهمَا، وَتَبعهُ فِي الْعِنَايَة والبناية، وَزَاد فِي فتح الْقَدِير على الثَّلَاثَة: الطَّلَاق وَالْعتاق وَطَعَام أَهله وكسوتهم. وَتعقبه الشَّارِح بِأَنَّهُ سَهْو فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَلَا يدْخل فِيهِ الْعقار وَلَا الْعرُوض، وَلِهَذَا قَالُوا: لَو وهب لاحدهما مَال غير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا تبطل الشّركَة، لَان الْمُسَاوَاة فِيهِ لَيْسَ بِشَرْط اه. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: فِيهِ بحث لانه إِذا كَانَ مَا عداهما مُشْتَركا يدْخل فِي عُمُوم قَوْله مَا لَيْسَ من شركتهما، فَيشْمَل كَلَام المُصَنّف شركَة الْمُفَاوضَة أَيْضا، فَلَا وَجه للاخراج فَتَأمل، إِلَّا أَن يخص بالاملاك بِقَرِينَة السِّيَاق. ثمَّ إِن قَوْله لَان مَا عداهما مُشْتَرك بَينهمَا غير صَحِيح فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الخ، وَمَا ذكره فِي النِّهَايَة هُوَ صَرِيح كَلَام مُحَمَّد فِي الاصل كَمَا ذكره فِي الْمُحِيط البرهاني. ثمَّ قَالَ: وَشَهَادَة أحد شَرِيكي الْعَنَان فِيمَا لم يكن من تجارتهما مَقْبُولَة لَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا، وَلم يذكر هَذَا التَّفْصِيل فِي الْمُفَاوضَة لَان الْعَنَان قد تكون خَاصّا وَقد تكون عَاما، فَأَما الْمُفَاوضَة فَلَا تكون إِلَّا فِي جَمِيع الاموال، وَقد عرف ذَلِك فِي كتاب الشّركَة. وعَلى قِيَاس مَا ذكره شيخ الاسلام فِي كتاب الشّركَة أَن الْمُفَاوضَة تكون خَاصَّة يجب أَن تكون الْمُفَاوضَة على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا فِي الْعَنَان اه. مطلب: شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وَهِي على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان وَلَهُمَا على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 551 الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان. الثَّالِث: أَن يطلقا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك. مطلب شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وهى على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان واهما على الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل. الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان. الثَّالِث: أَن يطلفا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك. مطلب: شَهدا أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف وَلَو كَانَ لوَاحِد على ثَلَاثَة دين فَشهد اثْنَان مِنْهُم أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا فَإِن كَانُوا كفلاء لم تقبل، وَإِلَّا فَإِن شهدُوا بالابراء بِكَلِمَة وَاحِدَة فَكَذَلِك وَإِلَّا تقبل. كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني. بَحر بِزِيَادَة. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَلِكَ: أَي لَا تقبل شَهَادَة أجِير أحد الشَّرِيكَيْنِ للشَّرِيك الآخر كَمَا فِي الْمَبْسُوط اه. قَوْله: (فِيمَا هُوَ من شركتهما) أَي فِيمَا لَيْسَ من شركتهما تقبل لانْتِفَاء التُّهْمَة. قَالَ فِي الْبَحْر: وَهنا مسَائِل متفرعة على عدم شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه: الاولى: شَهدا أَن زيدا أوصى بِثلث مَاله لقبيلة بني فلَان وهما من تِلْكَ الْقَبِيلَة صحت وَلَا شئ لَهما مِنْهَا. الثَّانِيَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه وهما مِنْهُم فَالْحكم كَذَلِك. الثَّالِثَة: لَو أوصى لفقراء بَيته أَو لاهل بَيته وهما مِنْهُم لم تصح، وَلَو كَانَا غَنِيَّيْنِ صحت. وَالْفرق بَين الاولين وَالثَّالِثَة أَنه يجوز فيهمَا تَخْصِيص الْبَعْض مِنْهُم بِخِلَافِهِ فِي الثَّالِثَة. الرَّابِعَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه فَشهد من لَهُ أَوْلَاد محتاجون مِنْهُم لم تقبل مُطلقًا فِي حق الاولاد وَغَيرهم. وَالْفرق بَينهمَا وَبَين أولادهما أَن الْمُخَاطب لم يدْخل تَحت عُمُوم خطابه فَلم يتناولهما الْكَلَام، بِخِلَاف الاولاد فَإِنَّهُم داخلون تَحت الشَّهَادَة، وَإِنَّمَا أدخلنا الْمُتَكَلّم فِي مَسْأَلَة لفقراء أهل بَيته بِاعْتِبَار أَنهم يُحصونَ، بِخِلَاف فُقَرَاء جِيرَانه وَبني تَمِيم. وَذكر قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من الْوَقْف: لَو شَهدا أَنَّهَا صَدَقَة مَوْقُوفَة على فُقَرَاء جِيرَانه وهما مِنْهُم جَازَت وَلَو على فُقَرَاء قرَابَته لَا. قَالَ الناطفي فِي الْفرق: إِن الْقَرَابَة لَا تَزُول والجوار يَزُول فَلم تكن شَهَادَة لنَفسِهِ لَا محَالة اه. وَأهل بَيت الانسان لَا يَزُول عَنْهُم لانهم أَقَاربه الَّذين فِي عِيَاله فَلهَذَا لم تقبل فِيهَا، وَلَكِن يشكل بِمَسْأَلَة الْقَبِيلَة فَإِن الِاسْم عَنْهُم لَا يَزُول مَعَ قبُولهَا وَلَكِن لَا يدخلَانِ. وَيُمكن الْفرق بَين الْوَصِيَّة وَالْوَقْف بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الشّحْنَة اه. وعَلى هَذَا شَهَادَة أهل الْمدرسَة بوقفها جَائِزَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي كَلَام الشَّرْح. قَوْله: (لانها لنَفسِهِ من وَجه) وَهُوَ الْبَعْض الَّذِي هُوَ حِصَّة وَذَلِكَ بَاطِل، وَإِذا بَطل فِي الْبَعْض بَطل فِي الْكل لكَونهَا غير متجزئة إِذْ هِيَ شَهَادَة وَاحِدَة. عناية. قَوْله: (برق) فَإِذا طعن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الشُّهُود أَنهم عبيد فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم. بَحر عِنْد قَوْله: إِلَّا أَن يتحملا فِي الرّقّ والصغر، لكل نقل بعده عَن الْخُلَاصَة فِي الْكَلَام على الْجرْح الْمُجَرّد أَنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 552 يُقَال للشاهدين أقيما الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة وَهُوَ صَرِيح مَا قدمه فِي شرح قَوْله والمملوك، وَمَا هُنَا صَرِيح فِي أَن ذَلِك على الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْله فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم، فَتَأمل. قَوْله: (وحد) فَلَو قَالَ هم محدودون فِي قذف فعلى الطاعن إِقَامَة الْبَيِّنَة. حموي. وَله الطعْن وَلَو بعد الحكم وَلَو عدلهم الْخصم قبلهَا فَلهُ الطعْن وَلَو عدلهم بعد الشَّهَادَة لَا يقبل طعنه ط. قَوْله: (وَشركَة) أَي إِذا ادّعى الْخصم أَن الشَّاهِد شريك الْمُدَّعِي وَأقَام بَيِّنَة تقبل شَهَادَة بَينته وَلَا يُكَلف الْمُدَّعِي إِقَامَة بَيِّنَة على أَنه لَيْسَ شَرِيكا لَهُ على الظَّاهِر لانها بَيِّنَة نفي ط. قَوْله: (بِزِيَادَة الْخراج) أَي الَّذِي لم يكن معينا لَا تقبل لانه يدْفع عَن نَفسه بهَا مغرما. قَوْله: (مَا لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا) فَإِن الشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ لَا يجر لنَفسِهِ مغنما وَلَا يدْفع بهَا مغرما، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد. قَوْلُهُ: (أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة. قَوْله: (شهدُوا على ضَيْعَة) أَي يعود نَفعهَا لجميعهم أما إِذا كَانَت لجَماعَة مُعينين فَلَا مَانع من الْقبُول فِيمَا يظْهر ط. وَعبارَة الْبَزَّازِيَّة على قِطْعَة لَكِن فِي الْفَتْح كَمَا هُنَا على ضَيْعَة وَفِي الْقَامُوس: الضَّيْعَة: الْعقار والارض المغلة. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أهل الْقرْيَة أَو أهل السِّكَّة الْغَيْر النافذة شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من قريتهم أَو سكنهم لَا تقبل، وَإِن كَانَت نَافِذَة: إِن ادّعى لنَفسِهِ حَقًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا تقبل. كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ. قَوْله: (يشْهدُونَ بشئ من مَصَالِحه) بِأَن شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من سكتهم كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (وَفِي النافذة الخ) صورته: ادّعى أهل السِّكَّة قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من السِّكَّة وَشهد بَعضهم: إِن كَانَ الشَّاهِد لَا غَرَض لَهُ إِلَّا إِثْبَات نفع عَام لَا جر مغنم لَهُ تقبل، وَإِن أَرَادَ أَن يفتح بَابا فِيهَا لَا تقبل ط. قَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ) وَقِيلَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي النافذة. فتح. قَوْله: (وَإِن قَالَ لَا آخذ شَيْئا تقبل) فِي قاضيخان: دَار بِيعَتْ وَلها شُفْعَة وَأنكر البَائِع البيع فَشهد بذلك بعض الشفعاء: إِن كَانَ لَا يطْلب الشُّفْعَة وَقَالَ أبطلت شفعتي جَازَت شَهَادَته، وَإِلَّا لَا لَان حق الشُّفْعَة مِمَّا يحْتَمل الابطال. أما فِي الْمَسْأَلَة الْآتِيَة فِي الْوَقْف على الْمدرسَة مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحقّا للْوَقْف استحقاقا لَا يبطل بإبطاله، فَإِنَّهُ لَو قَالَ أبطلت حَقي كَانَ لَهُ أَن يطْلب وَيَأْخُذ بعد ذَلِك، فَكَانَ شَاهدا لنَفسِهِ فَيجب أَن لَا تقبل شَهَادَته. وَعَن بعض الْمَشَايِخ: إِذا شهد اثْنَان من أهل سكَّة على وقف تِلْكَ السِّكَّة: إِن كَانَ الشَّاهِد يطْلب لنَفسِهِ حَقًا لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ لَا يطْلب تقبل وَنظر فِيهِ اه مُلَخصا. وَيُؤَيِّدهُ مَا نذكرهُ من الْكَلَام عَلَيْهَا فِي المقولة الْآتِيَة فاحفظه. قَوْله: (وَكَذَا) أَي تقبل فِي وقف الْمَدْرَسَةِ: أَيْ فِي وَقْفِيَّةِ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةٍ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَيْهَا، وَشَهَادَتُهُمْ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ، بَزَّازِيَّة. وَقيد بِالشَّهَادَةِ بوقف الْمدرسَة، لَان شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَة وَنَحْوهَا لَا تقبل لَان لَهُ حَقًا فِي الْمَشْهُود بِهِ فَكَانَ مُتَّهمًا. بَحر. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ مُسْتَحِقٍّ فِيهِ اه. وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ، أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 553 وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مِثْلَهُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَة بِمَا يرجع إِلَى الْغلَّة لما ذكرنَا، وَتَقْرِيره فيهمَا لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا. وَفَائِدَتُهَا إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَلَا يَحْلِفُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ، كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاك فَالْقَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، فَإِن برهن فَلَا يَمِين. بَحر مُلَخصا، فَرَاجعه. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَيعلم من قَوْله وَمن هَذَا النمط الخ جَوَاز شَهَادَة النَّاظر فِي وقف تَحت نظره، لَان الْقَضَاء وَالشَّهَادَة من بَاب وَاحِد كَمَا تقدم. وَقد أفتى بِهِ شيخ الاسلام الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي فِي وَاقعَة الْحَال بقوله الظَّاهِر قبُولهَا، كَمَا شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا. وَالله تَعَالَى أعلم، فَتَأمل اه. وَيرد على مَا مر من الْفرق فِي الْبَزَّازِيَّة من قَوْله: أهل الْقرْيَة إِذا شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من أَرَاضِي قريتهم لَا تقبل. وَأجَاب عَنهُ التُّمُرْتَاشِيّ بِحمْلِهِ على قَرْيَة مَمْلُوكَة كَمَا فِي التَّنْقِيح. قَوْلُهُ: (انْتَهَى) أَيْ مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (والاجير الْخَاص) وَذَلِكَ لَان مَنَافِعه مُسْتَحقَّة للْمُسْتَأْجر وَلِهَذَا لَا يجوز لَهُ أَن يُؤجر نَفسه من آخر فِي تِلْكَ الْمدَّة، فَلَو جَازَت شَهَادَته للْمُسْتَأْجر كَانَت شَهَادَة بالاجر لَان شَهَادَته من جملَة مَنَافِعه، فَلَا تقبل شَهَادَته فِي تِجَارَة أستاذه وَلَا فِي شئ آخر اه. شلبي. وَقيد بالخاص لَان شَهَادَة الْمُشْتَرك كالخياط تقبل لانه لَا يسْتَوْجب أجرا إِلَّا بِعِلْمِهِ، فَإِذا لم يسْتَوْجب بإجارته شَيْئا انْتَفَت التُّهْمَة عَن شَهَادَة اه. وَتقبل شَهَادَة من اسْتَأْجرهُ يَوْمًا فِي ذَلِك الْيَوْم اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَعِير لمعيره بالمستعار، وَلَو رهن دَارا فَشهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ للْبِنَاء يقبل، وَإِن شهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ لهدمها لَا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَشهد لَهُ شَاهِدَانِ بهَا وَأَن الْمُدَّعِي استأجرهما على بنائها وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِي ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا، وَإِن قَالَا استأجرنا على هدمها فهدمناها لَا تقبل شَهَادَتهمَا بِالْملكِ للْمُدَّعِي ويضمنان قيمَة الْبناء للْمُدَّعى عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَشَهَادَة الاستاذ للتلميذ مَقْبُولَة، وَكَذَا الْمُسْتَأْجر للاجير. فتح. وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر للآجر بالمستأجر. بَحر. لَو اسْتَأْجر دَارا شهرا فسكن الشَّهْر كُله ثمَّ جَاءَ مُدع آخر فَشهد بهَا الْمُسْتَأْجر وَرجل آخر مَعَه فَالْقَاضِي يسْأَل الْمُدَّعِي عَن الاجارة أَكَانَت بأَمْره أَو بِغَيْر أمره؟ فَإِن قَالَ كَانَت بأَمْري لم تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر لانه مُسْتَأْجر شهد بالمستأجر للآجر، وَإِن قَالَ كَانَت بِغَيْر أَمْرِي تقبل شَهَادَته لانه لَيْسَ بمستأجر فِي حَقه، وَلَو لم يسكن الشَّهْر كُله لم تجز شَهَادَته وَإِن لم يدع الْمُدَّعِي أَن الاجارة كَانَت بأَمْره. وَلَو شهد المستأجران أَن الْمُدَّعِي للَّذي آجرهما لاثبات الاجارة أَو لانسان آخر على الْمُؤَجّر لفسخ الاجارة، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: جَازَت شَهَادَتهمَا سَوَاء كَانَت الاجرة رخيصة أَو غَالِيَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: لَا تجوز شَهَادَتهمَا فِي فَسخهَا لانهما يدفعان عَن أَنفسهمَا الاجرة، وَإِن كَانَا ساكنين فِي الدَّار بِغَيْر أجر جَازَت شَهَادَتهمَا. هندية عَن الْمُحِيط. وفيهَا إِذا شهد الاجير لاستاذه وَهُوَ أجِير شهر فَلم ترد شَهَادَته وَلم يعدل حَتَّى مضى الشَّهْر ثمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 554 عدل لم تقبل شَهَادَته، فَمن شهد لامْرَأَته ثمَّ طَلقهَا قبل التَّعْدِيل لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قبل الْقَضَاء بطلت شَهَادَته وَلَو أَن القَاضِي لم يرد شَهَادَته وَهُوَ غير أجِير ثمَّ صَار أَجِيرا ثمَّ مَضَت مُدَّة الاجارة لَا يقْضى بِتِلْكَ الشَّهَادَة وَإِن لم يكن أَجِيرا عِنْد الْقَضَاء وَلَا عِنْد الشَّهَادَة، فَلَو أَن القَاضِي لم يبطل شَهَادَته وَلم يقبل فَأَعَادَ الشَّهَادَة بعد انْقِضَاء مُدَّة الاجارة جَازَت شَهَادَته اه. وَلَا تجوز شَهَادَة الكيال بِخِلَاف الذِّرَاع، وَشَهَادَة الدَّائِن لمديونه تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل بدين لَهُ بعد مَوته. بَحر. قَالَ الْعَلامَة التُّمُرْتَاشِيّ فِي فَتَاوِيهِ: تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه حَال حَيَاته إِذا لم يكن مُفلسًا قولا وَاحِدًا. وَاخْتلف فِيمَا إِذا شهد لَهُ فِي حَال كَونه مُفلسًا: فَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل. وشمس الائمة الْحلْوانِي وَالِد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل. وَأما إِذا شهد لَهُ بعد الْمَوْت فَلَا تقبل قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ. كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة اه. قَوْله: (أَو مشاهرة) أَو مياومة هُوَ الصَّحِيح، جَامع الْفَتَاوَى. وَمثله فِي الْخُلَاصَة، وَيلْحق بِهِ الْمزَارِع فَإِنَّهُ لَا يلْزم أَن تكون مسانهة أَو مشاهرة، فقد يزارعه على إنهاء هَذَا الزَّرْع لكنه فِي حكمه فَلَا تصح شَهَادَته لرب الْبذر كَمَا تقدم. قَوْله: (أَو الْخَادِم أَو التَّابِع) يحرر الْفرق بَين الْمَذْكُورين. وَقد يُقَال: إِن المُرَاد بالخادم من يخْدم بِغَيْر أجر، وَالتَّابِع من يكون يتعيش فِي منزل الْمَشْهُود لَهُ من غير خدمَة كملازم فِي الْبَيْت، وَالْمرَاد بالتلميذ الصناع التابعون لكبيرهم ط. وَفِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَاله وَلَيْسَ لَهُ أجر مَعْلُوم. وَقيل المُرَاد الاجير مسانهة أَو مشاهرة أَو مياومة. وَتَمَامه فِي الْفَتْح. وَكَانَ بَين الْخَادِم وَبَين الاجير عُمُوم وخصوص من وَجه، فالاجير يسْتَأْجر لغير الْخدمَة الْخَاصَّة بِهِ، كَمَا لَو اسْتَأْجرهُ لرعي الْغنم أَو للخياطة أَو الْخبز مسانهة أَو مشاهرة وَالْخَادِم قد بِخِدْمَة بِلَا أجر طَمَعا فِي طَعَامه أَو أَمر آخر، فيجتمعان فِيمَن اسْتَأْجرهُ مسانهة أَو مشاهرة للْخدمَة، وينفرد الاجير فِيمَا لَو اسْتَأْجرهُ للخياطة مثلا كَذَلِك، وينفرد الْخَادِم فِيمَا إِذا كَانَ يَخْدمه طَمَعا فِي طَعَامه وَشَرَابه بِدُونِ اسْتِئْجَار، وَالتَّابِع هُوَ الَّذِي يكون عَالَة عَلَيْهِ وَإِن لم يَخْدمه، والتلميذ هُوَ الَّذِي يتَعَلَّم مِنْهُ علما أَو غَيره من الصَّنَائِع ويدخله فِي نَفَقَته، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بقوله يعد ضَرَر أستاذه الخ بِدَلِيل قَوْله: وَهُوَ معنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الخ. قَوْله: (من القنوع) الضَّم. قنع يقنع قنوعا: إِذا سَأَلَ، فَيكون المُرَاد بِهِ السُّؤَال كَمَا هُوَ أحد مَعَانِيه. قَالَ تَعَالَى: * (وأطعموا القانع) * (الْحَج: 63) قَالَ بَعضهم: القانع هُوَ السَّائِل الَّذِي لَا يلح فِي السُّؤَال ويرضى بِمَا يَأْتِيهِ عفوا، وَيُطلق على التذلل. وَمن دُعَائِهِمْ: نسْأَل الله القناعة ونعوذ بِهِ من القنوع، وَيُطلق على الرِّضَا بالقسم فَهُوَ ضد. وَفِي الْمثل: خير الْغنى القنوع، وَشر الْفقر الخضوع، وَالْفِعْل كمنع وَاسم الْفَاعِل قَانِع وقنيع. أما القناعة فالرضا فالقسم كالقنع محركا وَالْفِعْل كفرح وَاسم الْفَاعِل قنع وقانع وقنيع. أَفَادَهُ فِي الْقَامُوس وَبِهَذَا علمت أَن قَوْله من القناعة: يَعْنِي أَن المُرَاد بالقنوع إِمَّا السُّؤَال وَإِمَّا التذلل، وَعلمت أَن القنوع يَأْتِي بِمَعْنى القناعة. ط بِزِيَادَة. قَوْله: (لَا من القناعة) الاجتزاء باليسير من الاعراض الْمُحْتَاج إِلَيْهَا، يُقَال قنع يقنع قناعة وقنعانا إِذا رَضِي، وللحن الْبَابَيْنِ أَشَارَ الشَّاعِر بقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 555 العَبْد حر إِن قنع وَالْحر عبد إِن طمع فاقنع وَلَا تطمع فَمَا شئ أضرّ من الطمع قَوْله: (وَمفَاده) أَي الحَدِيث الخ صرح بِهِ فِي الْفَتْح جَازِمًا بِهِ، وَنَقله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: أَي إِذا كَانَ الْعلَّة فِي عدم قبُوله شَهَادَتهمَا هُوَ طلب معاشهم من الْمَشْهُود لَهُ، إِذْ حِينَئِذٍ يتمتعون بِمَا يحصل لَهُ من الْخَيْر، وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الْمُسْتَأْجر والاستاذ فَتَصِح شَهَادَتهم. لَكِن فِي التاترخانية عَن الْفَتَاوَى الغيائية: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ. وَفِي حَاشِيَةِ الفتال عَن الْمُحِيط للسرخسي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ وَلَا الاستاذ لاجيره اه. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (من يفعل الردئ) أَي من أَفعَال النِّسَاء من التزين بزينتهن والتشبه بِهن فِي الْفِعْل وَالْقَوْل، فالفعل مثل كَونه محلا للواطة، وَالْقَوْل مثل تليين كَلَامه بِاخْتِيَارِهِ تشبها بِالنسَاء اه. مغرب. وَجعل بَعضهم الْوَاو فِي قَوْله وَالْقَوْل بِمَعْنى أَو، فأحدهما كَاف لَان التَّشْبِيه بقولهن حرَام للرِّجَال. وَجعل الْقُهسْتَانِيّ المخنث خلقَة بِمَنْزِلَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الشَّهَادَة، وَهُوَ غَرِيب ط. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أما إِذا كَانَ فِي كَلَامه لين وَفِي أَعْضَائِهِ تكسر خلقَة وَلم يشْتَهر بشئ من الافعال الرَّديئَة فَهُوَ عدل مَقْبُول الشَّهَادَة، هَكَذَا فِي التَّبْيِين اه. وَإِنَّمَا كَانَت مَعْصِيّة لَو بِقَصْدِهِ لحَدِيث لعن الله المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء. قَوْله: (ومغنية) وَلَو بِشعر فِي حِكْمَة. قُهُسْتَانِيّ. لانه صلى الله عَلَيْهِ وَآله نهى عَن الصوتين الاحمقين: الْمُغنيَة، والنائحة. وصف الصَّوْت بِصفة صَاحبه. اعْلَم أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خلاف وَالنوح كَذَلِك خُصُوصا إِذا كَانَ من الْمَرْأَة، لَان رفع الصَّوْت مِنْهَا حرَام بِلَا خلاف اهـ. شلبي. قَوْله: (لحُرْمَة رفع صَوتهَا) ظَاهره أَنه يحرم رفع صَوتهَا فِي مَكَانهَا الْخَاص بهَا بِحَيْثُ لَا يسْمعهَا الاجنبي. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ. وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْح. وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَوْله: وَمن بغني للنَّاس لَكِن نظر فِيهِ الطَّحْطَاوِيّ وَاسْتظْهر عَلَيْهِ بِمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن شرح أبي المكارم، فَلَا تسمع شَهَادَة مغنية تسمع النَّاس صَوتهَا وَإِن لم تتغن لَهُم اه. قَالَ فِي السعدية: وَمَا ذكره: أَي صَاحب الدُّرَر من قَوْله وَلَو لنَفسهَا الخ جَارٍ فِي النَّوْحِ بِعَيْنِهِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ إذَا نَاحَتْ فِي مُصِيبَةِ نَفسهَا اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: يُمكن الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ صَوْتٍ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَة اه. قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَقْيِيده الخ) مثله كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر. أَفَادَهُ الْكَمَال. وَإِنَّمَا خص الظُّهُور عِنْد القَاضِي بالمداومة، لَان الشَّهَادَة على ذَلِك جرح مُجَرّد، لَكِن فِيهِ أَنه تقبل الشَّهَادَة عَلَيْهِ سرا. تَأمل. قَوْله: (ونائحة فِي مُصِيبَة غَيرهَا) فِي الْمغرب: ناحت الْمَرْأَة على الْمَيِّت: إِذا ندبته، وَذَلِكَ أَن تبْكي عَلَيْهِ وتعدد محاسنه. والنياحة الِاسْم، وَمِنْهَا الحَدِيث على مَا قرأته فِي الْفَائِق ثَلَاثَة من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الطعْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 556 فِي الانساب والنياحة، والانواء فالطعن مَعْرُوف، والنياحة مَا ذكر. والانواء جمع نوء: هِيَ منَازِل الْقَمَر وَالْعرب كَانَت تعتقد أَن الامطار وَالْخَيْر كلهَا تجئ مِنْهَا، وَقيل النوح: بكاء مَعَه صَوت اه. رملي على الْمنح. قَالَ فِي الْبَحْر: قَوْلهم إِن النائحة لَا تسْقط عدالتها إِلَّا إِذا ناحت فِي مُصِيبَة غَيرهَا مَعَ أَن النِّيَاحَة كَبِيرَة للتوعد عَلَيْهَا لَكِن لَا تظهر إِلَّا فِي مُصِيبَة غَيرهَا غَالِبا اه. وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْلِيل بِهِ، وَأما الَّذِي يذكرهُ الشَّارِح عَن الواني فَلَا يَنْبَغِي تَضْييع المُرَاد بِهِ، إِذْ ظَاهره أَنه يُبَاح لَهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ خلاف الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ. قَالَ فِي التَّتارْخَانِيَّة معزيا للمحيط: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي تنوح فِي مصيبتها، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مكسبة اه. وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَحَدٌ فِيمَا علمت، لَكِن بعض متأخري الشَّارِحين نظر فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلَا فرق بَين كَونه للنَّاس أَو لَا. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة وَقَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَهِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ. وَلَا شكّ أَن النِّيَاحَة وَلَو فِي مُصِيبَة نَفسهَا مَعْصِيّة، لَكِن الْكَلَام فِي أَن القَاضِي لَا يقبل شهادتها لذَلِك وَذَلِكَ يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشُّهْرَة ليصل إِلَى القَاضِي، فَإِنَّمَا قيد بِكَوْنِهَا للنَّاس لهَذَا الْمَعْنى، وَإِلَّا فَهُوَ يرد عَلَيْهِ مثله فِي قَوْلهم: وَلَا مدمن الشّرْب على اللَّهْو، يُرِيد شرب الاشربة الْمُحرمَة خمرًا أَو غَيره. وَلَفظ مُحَمَّد فِي الاصل: وَلَا شَهَادَة مدمن خمر، وَلَا شَهَادَة مدمن السكر، يُرِيد وَلَو من الاشربة الْمُحرمَة الَّتِي لَيست خمر فَقَالَ هَذَا الشَّارِح يشْتَرط الادمان فِي الْخمر وَهَذِه الاشربة: يَعْنِي الاشربة الْمُحرمَة لسُقُوط الْعَدَالَة مَعَ أَن شرب الْخمر كَبِيرَة بِلَا قيد الادمان، وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ، لَكِن نَص عَلَيْهِ فِي الاصل كَمَا سَمِعت فَمَا هُوَ جَوَابه؟ هُوَ الْجَواب فِي تَقْيِيد الْمَشَايِخ بِكَوْن النِّيَاحَة للنَّاس، ثمَّ هُوَ نقل كَلَام الشَّيْخ فِي تَوْجِيه اشْتِرَاط الادمان أَنه إِنَّمَا شَرط ليظْهر عِنْد النَّاس، فَإِن من شربهَا سرا لَا تسْقط عَدَالَته وَلم يتنفس فِيهِ بِكَلِمَة وَاحِدَة، فَكَذَا الَّتِي ناحت فِي بَيتهَا لمصيبتها لَا تسْقط عدالتها لعدم اشتهار ذَلِك عِنْد النَّاس، وَانْظُر إِلَى تَعْلِيل المُصَنّف بِعَدَمِ ذكر الادمان بِأَنَّهُ ارْتكب محرم دينه مَعَ أَن ذَلِك ثَابت بِلَا إدمان، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا أدمن حِينَئِذٍ يظْهر أَنه مرتكب محرم دينه فَترد شَهَادَته، بِخِلَاف الَّتِي استمرت تنوح للنَّاس لظُهُوره حِينَئِذٍ، فَيكون كَالَّذي يسكر وَيخرج سكرانا وتلعب بِهِ الصّبيان فِي رد شَهَادَته، وَصرح بِأَن الَّذِي يتهم بِشرب الْخمر لَا تسْقط عَدَالَته. وَمِنْهُم من فسر الادمان بنيته، وَهُوَ أَن يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب مرّة أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ معنى الاصرار، وَأَنت تعلم أَنه سَيذكرُ رد من يَأْتِي بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الْحَد، وَشرب الْخمر مِنْهَا من غير توقف على نِيَّة أَن يشرب، ولان النِّيَّة أَمر مبطن لَا يظْهر للنَّاس، والمدارات (1) الَّتِي يتَعَلَّق بوجودها حكم القَاضِي لَا بُد أَن تكون ظَاهِرَة لَا خُفْيَة لانها معرفَة، والخفي لَا يعرف والظهور بالادمان الظَّاهِر لَا بِالنِّيَّةِ. نعم بالادمان الظَّاهِر يعرف إصراره، لَكِن بطلَان الْعَدَالَة لَا يتَوَقَّف فِي الْكَبَائِر على الاصرار بل أَن يَأْتِيهَا وَيعلم ذَلِك، وَإِنَّمَا ذَلِك *   (1) قَوْله: (والمدارات) المدارات بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء وَالدَّال المهملات أَي مدَار الامر لعدم قبُول الشَّهَادَة النِّيَّة وَهِي أَمر خَفِي لَا بُد أَن تكون إِلَخ اه. مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 557 فِي الصَّغَائِر، وَقد اندرج فِيمَا ذكرنَا شرح ذَلِك اه. قَوْله: (بِأَجْر) أطلق فِي مِسْكين وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَكَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ كَمَا يَأْتِي النَّفْل عَنهُ قَرِيبا. قَوْله: (زَاد الْعَيْنِيّ فَلَو فِي مصيبتها تقبل) اعْلَم أَن هَذَا التَّفْرِيع بعض من الْمَفْهُوم السَّابِق، فالعجب من قَوْله زَاد الخ بل فِي اقْتِصَار الْعَيْنِيّ وتعليل الواني إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا نقصا من الْعبارَة السَّابِقَة اشْتِرَاط الاجر، وَلِهَذَا قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَلَو بِلَا أجر، وَتقدم الْكَلَام على مَا فِي ظَاهر التَّعْلِيل، فَافْهَم. قَوْله: (بِزِيَادَة اضطرارها) أَي وَفِي النوح تَخْفيف هَذِه الضَّرُورَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك ليظْهر قَوْله فَكَانَ كالشرب للتداوي ط. قَوْلُهُ: (وَاخْتِيَارِهَا) مُقْتَضَاهُ لَوْ فَعَلَتْهُ عَنْ اخْتِيَارِهَا لَا تقبل. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (فَكَانَ كالشرب) أَي شرب محرم للتداوي فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الثَّانِي للضَّرُورَة. قَوْله: (وعدو) أَي على عدوه كَمَا فِي الْمُلْتَقى. قَوْله: (بِسَبَب الدُّنْيَا) لَان المعاداة لاجلها حرَام، فَمن ارتكبها لَا يُؤمن من التقول عَلَيْهِ. أما إِذا كَانَت دينية فَإِنَّهَا لَا تمنع لانها تدل على كَمَال دينه وعدالته. وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه، بِدَلِيل قبُول شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، أَو الزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا. ذكره ابْن وهبان. وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ: والعدو من يفرح لحزنه ويحزن لفرحه. وَقيل يعرف بِالْعرْفِ اه. وَمِثَال الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة أَن يشْهد الْمَقْذُوف على الْقَاذِف والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، وَفِي إِدْخَال الزَّوْج هُنَا نظر، فقد صَرَّحُوا بِقبُول شَهَادَته عَلَيْهَا بِالزِّنَا إِلَّا إِذا قَذفهَا أَولا، وَإِنَّمَا الْمَنْع مُطلقًا قَول الشَّافِعِي. وَفِي بعض الْفَتَاوَى: وَتقبل شَهَادَة الصّديق لصديقه اه: أَي إِلَّا إِذا كَانَت متناهية بِحَيْثُ يتَصَرَّف أَحدهمَا بِمَال الآخر كَمَا تقدم. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُصَرّح بِهِ فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا مَا ذكره الْمُؤلف من التَّفْصِيل. وَنقل فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ، مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد. وَمَا فِي الْوَاقِعَات وَغَيرهَا اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين. وَأما الرِّوَايَة المنصوصة فبخلافها. وَفِي كنز الرؤوس: شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل لانه مُتَّهم. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا. قَالَ أستاذنا: وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد، لانه إِذا كَانَ عدلا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة بِسَبَب أَمر الدُّنْيَا اه. وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِن الحَدِيث شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا: لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد. وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ. وَقد ذكر ابْن وهبان رَحمَه الله تَعَالَى تَنْبِيهَات حَسَنَة لم أرها لغيره. الاول: الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام صَاحبه الْقنية والمبسوط أَنا إِذا قُلْنَا إِن الْعَدَاوَة قادحة فِي الشَّهَادَة تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس لَا فِي حق الْعَدو فَقَط، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْه، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى يكون فَاسِقًا فِي حق شخص عدلا فِي حق آخر اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 558 قلت: وَلِهَذَا لم يقل الْمُؤلف على عدوه بل أطلقهُ، وَيُقَاس على قَوْلهم إِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ النَّاظر إِذا كَانَ عَلَيْهِ أنظار وقف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خيانته فِي وَاحِد مِنْهَا، فَهَل يسري فسقه فِي كلهَا فيعزل؟ أجَاب سَيِّدي الْوَالِد بالسريان وَأَنه يعْزل مِنْهَا جَمِيعًا، وَبِه أفتى أَبُو السُّعُود، وَكتب الرَّمْلِيّ هُنَا: الظَّاهِر من كَلَامهم أَن عدم الْقبُول إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ لَا للفسق، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال، وَمَا صرح بِهِ يَعْقُوب باشا وَكثير من عُلَمَائِنَا صَرَّحُوا بِأَن شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل، فالتقييد بِكَوْنِهَا على عدوه يَنْفِي مَا عداهُ وَهُوَ الْمُتَبَادر للافهام، فَتَأَمّله اه. أَقُول: أَنْت خَبِير بِأَن فعل الْكَبِيرَة والاصرار على الصَّغِيرَة قَادِح فِي الْعَدَالَة، وَقد شَرط فِي الْقنية لعدم الْقبُول كَونه فسق بِتِلْكَ الْعَدَاوَة. وعَلى هَذَا فَعدم قبُولهَا مُطلقًا ظَاهر، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَت عَدَاوَة ظَاهِرَة كَمَا يفِيدهُ مَا يَأْتِي عَن الْفَتْح فِي شرح قَوْله أَو يرتكب مَا يوجبد الْحَد. فَتحَرَّر أَن الْوَجْه عدم الْقبُول مُطلقًا، وَالتَّعْلِيل بالاتهام كَمَا مر عَن كنز الرؤوس لَا يُنَافِيهِ، لَان الْفَاسِق لَا يقبل للاتهام أَيْضا، وَمَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال يُمكن حمله على مَا إِذا لم يفسق بهَا فَلْيتَأَمَّل اه. قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. الثَّانِي: لَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون مُجَرّد دَعْوَاهُ اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَا يكون ذَلِك قادحا فِي عَدَالَة الْمُدَّعِي أَنه عَدو مَا لم يثبت الْمُدَّعِي أَنه عَدو لَهُ. الثَّالِث: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه أَو على غير عدوه هَل يَصح أَو لَا؟ قُلْنَا: إِن الْمَانِع من قبُول الشَّهَادَة هُوَ الْفسق فَيكون حِينَئِذٍ صَحِيحا نافدا، لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح، وَإِن قُلْنَا: إِنَّه لِمَعْنى آخر أقوى من الْفسق لَا يَصح فِي حق الْعَدو وَيصِح فِي حق غَيره. وَذكر ابْن الْكَمَال فِي إصْلَاح الايضاح أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه جَائِزَة عكسر شَهَادَة الاصل لفرعه اه. وَهَذَا يدل على أَنَّهَا لم تقبل للتُّهمَةِ لَا للفسق اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه. وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ ضاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيله كَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا مَنْقُولًا عَن معِين الْحُكَّام، فَتَأمل اه. الرَّابِع: قد يتَوَهَّم بعض المتفقهة وَالشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى عَلَيْهِ حَقًا أَنه يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْعَدَاوَة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرت. نعم لَو خَاصم الشَّخْص آخر فِي حق لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْحق، كَالْوَكِيلِ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ وَنَحْو ذَلِك، لانه إِذا تخاصم اثْنَان فِي حق لَا تقبل شَهَادَة أَحدهمَا على الآخر لما بَينهمَا من الْمُخَاصمَة اه. قلت: وَيدل لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قاضيخان من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رجل خَاصم رجلا فِي دَار أَو فِي حق ثمَّ إِن هَذَا الرجل شهد عَلَيْهِ فِي حق آخر جَازَت شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا اه. وَاعْلَم أَنه لَو شهد على رجل آخر فخاصمه فِي شئ قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع لَهُ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَحِينَئِذٍ بطلت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 559 شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَان الْجرْح. الْخَامِس: إِذا قُلْنَا: لَا تجوز شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت دنيوية هَل الحكم فِي القَاضِي كَذَلِك حَتَّى لَا يجوز قَضَاء القَاضِي على من بَينه وَبَينه عَدَاوَة؟ لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل: إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي يَنْبَغِي أَن ينفذ. وَفرق الْمَاوَرْدِيّ من الشَّافِعِيَّة بَينهمَا بِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الشَّهَادَة خافية. بَحر. وَقدمنَا أَوَائِل الْبَاب أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قبُولهَا على الْعَدو، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تقبل على غير الْعَدو أَيْضًا. ثَانِيهِمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بهَا، وَاخْتَارَهُ ابْن وهبان وَابْن الشّحْنَة فَرَاجعه، وَكَذَا تقدم فِي أول الْقَضَاء الْكَلَام على ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ. وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً، وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذا قضى لَا ينْقض اه. لَكِن يُعَارضهُ مَا قدمْنَاهُ آنِفا عَن الرَّمْلِيّ، وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه. وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيلته كَمَا فِي معِين الْحُكَّام اه. أَقُول: وَقدم الشَّارِح عبارَة اليعقوبية أول الْقَضَاء وأقرها سَيِّدي الْوَالِد، وَكَذَا الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ فَتنبه. قَوْله: (فَتقبل لَهُ لَا عَلَيْهِ) هَذَا يُفِيد قبُولهَا لغير عدوه إِذا لم يفسق بِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْله: (وَاعْتمد فِي الْوَهْبَانِيَّة والمحبية قبُولهَا الخ) قد علمت مَا تحصل مِمَّا سبق أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِن كَانَ عدلا وعد نَفاذ الْقَضَاء بهَا، وَالْمَسْأَلَة دوراة فِي الْكتب فاحفظه. قَوْله: (مَا لم يفسق بِسَبَبِهَا) وَهِي الرِّوَايَة المنصوصة والاطلاق اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ مَا يُفِيد أَن مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ الصَّحِيح فِي زمانهم وزماننا اهـ. وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي مدمن الْخمر من الاشتهار ط. قَوْله: (قَالُوا والحقد فسق للنَّهْي عَنهُ) فسره فِي الطَّرِيقَة المحمدية بِأَن يلْزم نَفسه بغضه وَإِرَادَة الشَّرّ لَهُ. وَحكمه: إِن لم يكن بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ بل بِحَق وَعدل كالامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَحَرَام، وَإِن كَانَ بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحرَام، وَإِن لم يقدر على أَخذ الْحق فَلهُ تَأْخِيره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ الله تَعَالَى: * (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الارض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم) * (الشورى: 41 - 42) وسَاق للنَّهْي أَحَادِيث دَالَّة عَلَيْهِ. مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك. وَمِنْهَا قَوْله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 560 صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا يحل لمُؤْمِن أَن يهجر مُؤمنا فَوق ثَلَاث، فَإِذا مرت بِهِ ثَلَاث فليلقه وليسلم عَلَيْهِ، فَإِن رد عَلَيْهِ فقد اشْتَركَا فِي الاجر، وَإِن لم يرد عَلَيْهِ فقد بَاء بالاثم وَهَذَا مَحْمُول على الهجر لاجل الدُّنْيَا، وَأما لاجل الْآخِرَة وَالْمَعْصِيَة والتأديب فَجَائِز بل مُسْتَحبّ من غير تَقْدِير اه. قَوْله: (سَوَاء شهد على عدوه أَو غَيره) أَو لَهما قيل عَلَيْهِ مفاده أَن عَدو الشَّخْص لَا تقبل شَهَادَته على الشَّخْص وَلَا على غَيره وَلَا معنى لَهُ، إِذْ شَهَادَة عَدو زيد على عَمْرو مَقْبُولَة، فَلَعَلَّ فِي الْعبارَة سقطا اه. أَقُول: حَيْثُ كَانَ عدم قبُول شَهَادَة الْعَدو على عدوه مَبْنِيا على أَنه يفسق بالمعاداة وَالْفِسْق مِمَّا لَا يتَجَزَّأ فَلهُ معنى، وَلَيْسَ فِي الْعبارَة سقط حِينَئِذٍ لَا فرق بَين ذَلِك الشَّخْص وَغَيره، وَإِنَّمَا يفرق الْحَال لَو كَانَ عدم الْقبُول مَبْنِيا على التُّهْمَة. فَتَأمل. ذكره الْحَمَوِيّ. قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْجَاهِل) قَالَ فِي معِين الْحُكَّام: وَلَا من لَا يحكم فَرَائض الْوضُوء وَالصَّلَاة. وَمن سَافر فَاحْتَاجَ للتيمم فَلم يُحسنهُ وَلَا المنجم وَإِن اعْتقد عدم تَأْثِير النُّجُوم وَادّعى أَنَّهَا أَدِلَّة ويؤدب حَتَّى يكف عَن هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا يصدق لقَوْله تَعَالَى: * () * (الْجِنّ: 26 - 27) . قَوْله: (على الْعَالم) لَيْسَ بِقَيْد بِدَلِيل التَّفْرِيع وَالتَّعْلِيل ح. قَوْله: (لفسقه بترك مَا يجب تعلمه شرعا) قدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن للْقَاضِي أَن يسْأَل عَن سَبَب فسق الشَّاهِد، فَلَو قَالَ الطاعن هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ عَمَّا يجب عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تقبل شَهَادَته، وَالْمرَاد مَا يجب تعلمه مِنْهُ اه. قَوْله: (والعالم الخ) أَتَى بِهِ دفعا لتوهم أَن الْعَالم الْمدرس. قَوْله: (من يسْتَخْرج الْمَعْنى) السِّين وَالتَّاء زائدتان، وَالْمرَاد بِإِخْرَاجِهِ من التَّرْكِيب فهمه مِنْهُ، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَبَعض آلاتها ط. قَالَ فِي الاشباه: والاهلية للتدريس لَا تخفى على من لَهُ بَصِيرَة، وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَن تكون لَهُ سَابِقَة الِاشْتِغَال عَلَى الْمَشَايِخِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْكُتُبِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ اشْتِغَالٍ فِي النَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الْفَاعِلَ مِنْ الْمَفْعُول إِلَى غير ذَلِك، وَإِذا قَرَأَ لَا يلحن، وَإِذا لحن قَارِئ بِحَضْرَتِهِ رد عَلَيْهِ اه. أَقُول: لَكِن يُؤَيّد أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَا قَالَه قاضيخان: أوصى لاهل الْعلم ببلخ يدْخل أهل الْفِقْه والْحَدِيث اه. قَوْله: (ومجازف فِي كَلَامه) هُوَ المكثر مِنْهُ الَّذِي لَا يتحَرَّى الصدْق، فَإِن من كثر كَلَامه كثر سقطه. والمجازفة: هِيَ التَّكَلُّم بِلَا معيار شَرْعِي. رُوِيَ أَن الْفضل بن الرّبيع وَزِير الْخَلِيفَة شهد عِنْد أبي يُوسُف فَرد شَهَادَته، فَعَاتَبَهُ الْخَلِيفَة وَقَالَ: لم رددت شَهَادَته؟ قَالَ: لاني سمعته يَوْمًا يَقُول للخليفة أَنا عَبدك، فَإِن كَانَ صَادِقا فَلَا شَهَادَة للْعَبد، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِك، لانه إِذا لم يبال فِي مجلسك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مجلسي، فعذره الْخَلِيفَة اه. زَاد فِي فتح الْقَدِير بعده: وَالَّذِي عِنْدِي أَن رد أبي يُوسُف شَهَادَته لَيْسَ للكذبة، لَان قَول الْحر لغيره أَنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 561 عَبدك إِنَّمَا هُوَ مجَاز بِاعْتِبَار معنى الْقيام بخدمتك وكوني تَحت أَمرك ممتثلا لَهُ على إهانة نَفسِي فِي ذَلِك، والتكلم بالمجاز على اعْتِبَار الْجَامِع، فَإِن وَجه التَّشَبُّه لَيْسَ كذبا مَحْظُورًا شرعا، وَلذَا وَقع الْمجَاز فِي الْقُرْآن، وَلَكِن رده لما يدل عَلَيْهِ خُصُوص هَذَا الْمجَاز من إذلال نَفسه وطاعته لاجل الدُّنْيَا، فَرُبمَا يضر هَذَا الْكَلَام إِذا قيل للخليفة فَعدل إِلَى الِاعْتِذَار بِأَمْر يقرب من خاطره اه. قَوْله: (أَو يحلف فِيهِ) أَي فِي كَلَامه كثيرا: أَي وَإِن كَانَ فِي صدق فَإِن جرأته على ذَلِك تَقْتَضِي قلَّة مبالاته بِأُمُور الدّين، ولانه رُبمَا أَدَّاهُ ذَلِك إِلَى الْكَذِب فِيهِ. وَقد عده فِي الطَّرِيقَة المحمدية من جملَة آفَات اللِّسَان وسَاق آيَات وَأَحَادِيث، ثمَّ قَالَ: إِن الْحلف بِاللَّه تَعَالَى صَادِقا جَائِزا بِلَا خلاف، لَكِن إكثاره مَكْرُوه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: الْحلف حنث أَو نَدم وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (أَو اعْتَادَ شتم أَوْلَاده أَو غَيرهم) كمماليكه وَأَهله، فَإِن كَانَ ذَلِك يصدر مِنْهُ أَحْيَانًا لَا يُؤثر فِي إِسْقَاط الْعَدَالَة، لَان الانسان قَلما يَخْلُو مِنْهُ: هندية. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحْيَانَا يُقْبَلُ، وَكَذَا الشتام للحيوان كدابته اه. قَالَ فِي شرح أدب القَاضِي: إِن من سبّ وَاحِدًا من الْمُسلمين لَا يكون عدلا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وحرر ابْن وهبان مَسْأَلَة الشتم حَيْثُ قَالَ: وَالْفِقْه فِي ذَلِك أَن الشتم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِمَا فِيهِ أَو بِمَا لَيْسَ فِيهِ فِي وَجهه أَو غيبته، فَإِن كَانَ فِي غيبته فَهُوَ غيبَة وَإِنَّهَا توجب الْفسق، وَإِن كَانَ فِي وَجهه فَفِيهِ إساءة أدب، وَإنَّهُ من صَنِيع رعاع النَّاس وسوقتهم الَّذين لَا مُرُوءَة لَهُم وَلَا حَيَاء فيهم، وَإِن ذَلِك مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة، وَكَذَا إِذا كَانَ السب باللعنة والابعاد كَمَا يَفْعَله من لَا خلاق لَهُم من السوقة وَغَيرهم اه: أَي وَإِن كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كذب وَحِكْمَة ظَاهر، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي الحَدِيث: سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر قَالَ ابْن الاثير فِي النِّهَايَة: السب: الشتم، يُقَال سبه يسبه سبا وسبابا، قيل هَذَا مَحْمُول على من سبّ أَو قَاتل مُسلما بِغَيْر تَأْوِيل، وَقيل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على جِهَة التَّغْلِيظ لَا أَنه يُخرجهُ إِلَى الْكفْر وَالْفِسْق. وَأَقُول: هَذَا خلاف الظَّاهِر اه. قَوْله: (لانه) أَي الاعتياد. قَوْله: (كَبِيرَة) أَي إِذا أصر عَلَيْهِ بِالْعودِ وَلذَا قَيده بالاعتياد، وَإِلَّا فَهُوَ صَغِيرَة. قَوْله: (كَتَرْكِ زَكَاة) أَي من غير عذر وَبِه أَخذ الْفَقِيه. قَالَ الامام فَخر الدّين: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْحَجِّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا. كَذَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ. منح فِي الْفُرُوع آخر الْبَاب. وَالصَّحِيح أَن تَأْخِير الزَّكَاة لَا يبطل الْعَدَالَة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (أَو حج) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: كل فرض لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم إِذا أخر من غير عذر سَقَطت عَدَالَته. وَمَا لَيْسَ لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج. روى هِشَام عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَن تَأْخِيره لَا يسْقط الْعَدَالَة وَبِه أَخذ مُحَمَّد بن مقَاتل. وَقَالَ بَعضهم: إِذا أخر الزَّكَاة وَالْحج من غير عذر ذهبت عَدَالَته، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث. وبتأخير الْحَج لَا تسْقط خُصُوصا فِي زَمَاننَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات. قَوْله: (على رِوَايَة فوريته) فِي الْعَام الاول عِنْد الثَّانِي، وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن الامام وَمَالك وَأحمد: أَي فيفسق وَترد شَهَادَته بِتَأْخِير سِنِين، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ، وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ. بَحْرٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 562 بِمَوْتِهِ قبله كَمَا نَقله الشَّارِح فِي الْحَج. قَوْله: (أَو ترك جمَاعَة) قَالَ فِي الْفَتْح: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِن كَانَ متأولا فِي تَركهَا كَأَن يكون مُعْتَقدًا أَفضَلِيَّة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ. أَقُول: وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة فِي قُوَّة الْوَاجِب، وَقيل وَاجِبَة، وَقيل فرض كِفَايَة، وَقيل فرض عين. وَالْقَوْل بِوُجُوبِهَا هُوَ قَول عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَب، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: لَا تقبل شَهَادَته إِذا تَركهَا اسْتِخْفَافًا بِأَن لَا يستعظم أمرهَا كَمَا يَفْعَله الْعَوام أَو مجانة أَو فسقا إمَّا سَهْوًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ، كَكَوْنِ الْإِمَامِ مِنْ أهل الاهواء أَو فَاسِقًا فكره الِاقْتِدَاء بِهِ وَلَا يُمكنهُ أَن يصرفهُ، أَو لَا يُرَاعى مَذْهَب الْمُقْتَدِي فَتقبل. وَالْقَائِل بالفرضية لَا يشترطها للصِّحَّة فَتَصِح صلَاته مُنْفَردا، وتسميتها سنة لوُجُوبهَا بِالسنةِ. وَتَمام الْكَلَام فِي شرحنا على (نور الايضاح الْمُسَمّى بمعراج النجاح) فَرَاجعه، فَإِن فِيهِ فَوَائِد خلت عَنْهَا أَكثر الشُّرُوح. قَوْله: (أَو جُمُعَة) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كالسرخسي، والاول أوجه. فتح. لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بارتكاب الْكَبِيرَة يحْتَاج إِلَى الظُّهُور. تَأمل. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَالَ فِي تَهْذِيب القلانسي قَالَ: فِي ترك الْجَمَاعَة مجَّانا شهرا. وَفِي الذَّخِيرَة: هَذَا إِن لم يستخف بِالدّينِ وَإِن اسْتحق فَهُوَ كَافِر اه. قَوْله: (أَو أكل فَوق شبع) عِنْد الاكثرين. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالشبع مَا لَا يضرّهُ، وَبِمَا زَاد عَلَيْهِ مَا يضرّهُ لانه هُوَ الَّذِي يحرم ط. قَوْله: (بِلَا عذر) رَاجع إِلَى الثَّلَاثَة قبله. وَمِثَال الْعذر فِي الاكل مؤانسة الضَّيْف وَقصد التقوي على صَوْم الْغَد كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَالْفَتْح. وَمن الْعذر مَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يتقايأ وينفعه ذَلِك. خَانِية. أَقُول: وَهل مثله مَا إِذا كَانَ مضيفا وَلَا يرضى صَاحب الطَّعَام إِلَّا بذلك؟ بَحر. وَالَّذِي فِي حفظي أَنه عذر أَيْضا فَليُرَاجع. أما مَسْأَلَة الضَّيْف فَالظَّاهِر إِذا لم يكن بَينهمَا مباسطة تَامَّة، أما إِذا كَانَ فَلَا يكون عذرا وليحرر أَيْضا. قَوْله: (وَخُرُوج لفرجة قدوم أَمِير) فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا قدم الامير بَلْدَة فَخرج النَّاس وجلسوا فِي الطَّرِيق ينظرُونَ إِلَيْهِ، قَالَ خلف: بطلت عدالتهم إِلَّا أَن يذهبوا للاعتبار فَحِينَئِذٍ لَا تبطل عدالتهم، وَالْفَتْوَى على أَنهم إِذا خَرجُوا لَا لتعظيم من يسْتَحق التَّعْظِيم وَلَا للاعتبار تبطل عدالتهم. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وقاضيخان. وَعلله فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بشغله الطَّرِيق فَصَارَ مرتكبا لِلْحَرَامِ لانه حق الْعَامَّة وَلم يعْمل للجلوس اه. وَهَذَا التَّعْلِيل يُفِيد أَنه إِذا تجرد عَن شغل الطَّرِيق لَا يكون قادحا مُطلقًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تقدم إِذا تأملته، لَكِن كَلَام قاضيخان يُفِيد خِلَافه. قَالَ ابْن وهبان: وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك على مَا اعتاده أهل الْبَلَد، فَإِن كَانَ من عَادَة أهل الْبَلَد أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَا يُنكرُونَ وَلَا يستخفون فَيَنْبَغِي أَن لَا يقْدَح. وَذكر ابْن الشّحْنَة بعده: فَقَوْل المُصَنّف وَيَنْبَغِي الخ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي اه. وَمثله فِي الْبَحْر. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول فَتحَرَّر من مَجْمُوع مَا ذكر أَنه إِن كَانَ الامير غير صَالح قدح فِي الْعَدَالَة مُطلقًا. وَإِن كَانَ صَالحا وَلم يشغل الطَّرِيق لَا يقْدَح، وَإِن شغله قدح، وَأَنت على علم بِأَن الحكم يَدُور مَعَ الْعلَّة وَالْعلَّة فِي الْقدح ارْتِكَاب مَا هُوَ مَحْظُور وتعظيم الْفَاسِق كَذَلِك، فعلى ذَلِك يَدُور الحكم. تَأمل اه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 563 أَقُول: هَذَا بمعزل عَمَّا قدمْنَاهُ فِيمَا إِذا خرج للاعتبار وَلم يجلس فِي الطَّرِيق وَكَانَ الامير صَالحا أَو فَاسِقًا وَلم يقْصد تَعْظِيمه فَحِينَئِذٍ لَا يقْدَح كَمَا علمت، فَافْهَم. قَوْله: (وركوب بَحر) أَي بَحر الْهِنْد، وَهُوَ الْبَحْر الاحمر الْمَعْرُوف الْآن ببحر السويس بِأَنَّهُ إِذا ركب الْبَحْر إِلَى الْهِنْد فقد خاطر بِنَفسِهِ وَدينه، وَمِنْهَا سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم وتشبهه بهم لينال بذلك مَالا وَيرجع إِلَى أَهله غَنِيا، فَإِذا كَانَ لَا يُبَالِي بِمَا ذكر لَا يَأْمَن أَن يَأْخُذ من عرض الدُّنْيَا فَيشْهد بالزور. وَقَالَ ظهير الدّين: لَا يمْنَع. قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَالَّذِي يظْهر أَن الْمَانِع لَيْسَ الرّكُوب لَهُ مُطلقًا بل مَعَ مَا اقْترن بِهِ، وَهَذَا حِين كَانَ الْهِنْد كُله كفرا كَمَا يرشد إِلَيْهِ التَّعْلِيل. كَيفَ وَالنَّص الْقطعِي أَبَاحَ ركُوب الْبَحْر مُطلقًا إِلَّا عِنْد ظن الْهَلَاك، وَمَا زَالَ السّلف يركبون الْبحار من غير إِنْكَار، وَنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم أعظم دَلِيل على الْجَوَاز اه بِتَصَرُّف. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَقيل يشْهد رَاكب الْبَحْر للتِّجَارَة وَغَيرهَا، وَهُوَ الصَّوَاب اه ط. أَقُول: لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا الْآن فَإِنَّهُ لَا مخاطرة بِالنَّفسِ، وَلَا مَحل لظن الْهَلَاك فِي السفن المخترعة الْآن وَهِي الْمَعْرُوفَة ببابور النَّار، فَإِن سَيرهَا بالعجل لَا بِالرِّيحِ، فَإِن سَيرهَا بالعجل يَدُور ببخار المَاء المغلي بالنَّار فَلَا يخْشَى من تلف إِلَّا نَادرا من غَفلَة الملاحين. قَوْله: (وَلبس حَرِير) إِلَى قَوْله أَو قمر محمل ذَلِك فِيمَا يظْهر على من شهر بذلك ط. أما لبس الْحَرِير فلحرمته إِلَّا مَا اسْتثْنى. وَأما الْبَوْل فِي السُّوق فلاخلاله بالمروءة. وَأما اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْبَوْل فلكراهة ذَلِك لانهما آيتان عظيمتان مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذين مَعَهُمَا، وَالْمرَاد بالاستقبال اسْتِقْبَال عينهما، فَلَو كَانَ فِي مَكَان مَسْتُور وَلم تكن عينهما بمرأى مِنْهُ بِأَن كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَة، كَمَا إِذا لم يَكُونَا فِي كبد السَّمَاء كَمَا حررته فِي (مِعْرَاج النجاح على نور الايضاح) . أَقُول: وَمثل لبس الْحَرِير اسْتِعْمَال مَا يحرم شرعا كفضة وَذهب، وَقَوله: أَو إِلَى قبْلَة ظَاهره وَلَو فِي بِنَاء مَعَ أَن الائمة يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَة فِيهِ، فَالظَّاهِر أَن يُقيد هُوَ وَمَا يعده فِي الصَّحرَاء. قَوْله: (وطفيلي) يتتبع الدَّعْوَات من غير أَن يَدعِي وَصَارَ عَادَة لَهُ وَإِن أَثم بِمرَّة: أَي بِلَا خلاف كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (ومسخرة) لرفضه الْمُرُوءَة إِن اعْتَادَ ذَلِك واشتهر، ولارتكاب الْمَحْظُورَات غَالِبا بِلَا خلاف كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (ورقاص) وَمِنْه الكوشت والحربية وَالْمَعْرُوف بِالسَّمَاعِ كل ذَلِك حرَام، فَمن اعتاده واشتهر عَنهُ يقْدَح فِي عَدَالَته دون مَا يَقع مِمَّن غلب عَلَيْهِم الْحَال ويفعلون ذَلِك بِدُونِ اخْتِيَار، نفعنا الله تَعَالَى بهم، كَمَا أوضح ذَلِك سَيِّدي الْوَالِد فِي رِسَالَة (شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بالختومات والتهاليل) . قَوْله: (وشتام للدابة) مَحْمُول على الاعتياد. أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (وَفِي بِلَادنَا يشتمون بَائِع الدَّابَّة) فَيجْرِي فِيهِ التَّفْصِيل فِي الاعتياد وَعَدَمه، وَكَثِيرًا مَا يلعنون الدَّابَّة وبائعها فَلَا يجوز لعن الدَّابَّة وَغَيرهَا من الجماد، وَقد ورد التَّصْرِيح بِالنَّهْي عَن اللَّعْن. قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل) ذكره فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُحِيط. قَوْله: (يستقصي) بالصَّاد الْمُهْملَة: أَي يُبَالغ. قَوْله: (فِيمَا يتقرض) وَفِي نُسْخَة يقبض وَهُوَ كَذَلِك فِي الْخُلَاصَة. وَالَّذِي فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لعبد الْبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 564 والشرنبلالي يقْرض بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت وَالْقَاف اه ح. قَوْله: (وَلَا شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لِتَعَصُّبِهِمْ) لانهم قوم يتعصبون، فَإِذا نَاب قوم أحد مِنْهُم نائبة أَتَى سيد قومه فَيشفع فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اه. وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. بَحر. قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالَ الْغَزِّي قلت: وَفِي الْخُلَاصَة من كتاب الْقَضَاء: فَإِن عدله اثْنَان وجرح اثْنَان فالجرح أولى، إِلَّا إِذا كَانَ بَينهم تعصب فَإِنَّهُ لَا يقبل جرحهم لَان أصل الشَّهَادَة لَا تقبل عِنْد العصبية فالجرح أولى اه. وَفِي معِين الْحُكَّام فِي مَوَانِع قبُول الشَّهَادَة قَالَ: وَمن العصبية أَن يبغض الرجل الرجل لانه من بني فلَان أَو من قَبيلَة كَذَا اه. أَقُول: من التعصب أَن يبغضه لانه من حزب فلَان أَو من أَصْحَابه أَو من أَقَاربه أَو منسوبيه اه. قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَة الدُّرَر: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن أَكثر طَائِفَة الْقُضَاة بل الموَالِي فِي عصرنا بَينهم تعصب ظَاهر لاجل المناصب والرتب، فَيَنْبَغِي أَن لَا تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض مَا لم يتَبَيَّن عَدَالَته كَمَا لَا يخفى اه. قَوْله: (وَلَا مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الخ) أَي اسْتِخْفَافًا لانه لَا يكون أَهلا للشَّهَادَة فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ. منح، وَتقدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن من ارتحل إِلَى مَذْهَب بِدُونِ حَاجَة شَرْعِيَّة يُعَزّر فَكَانَ ذَلِك مَعْصِيّة مُوجبَة لرد شَهَادَته، ولانه لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِيُزَوَّجَ لَهُ أَخَافُ أَن يَمُوت مسلوب الايمان لاهانته بِالدّينِ بجيفة قذرة. قنية من كتاب الْكَرَاهِيَة. وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمِنَحِ: وَإِنْ انْتقل إِلَيْهِ لقلَّة مبالاة فِي الِاعْتِقَاد والجرأة عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا يتقوله وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اه. فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِانْتِقَالِ الْحَنَفِيِّ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَافْهَمْ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ فَتَحْرُمَ بَرَكَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهدين نفعنا الله تَعَالَى بهم أَجْمَعِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين. وَتقدم هَذَا الْبَحْثَ مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ. قَوْله: (وَكَذَا بَائِع الاكفان والحنوط) أَي إِذا ابتكر وترصد لذَلِك، أما إِذا كَانَ يَبِيع الثِّيَاب وَيَشْتَرِي مِنْهُ الاكفان تجوز شَهَادَته. جَامع الْفَتَاوَى وبحر. وَفِي الْهِنْدِيَّة: إِذا كَانَ الرجل يَبِيع الثِّيَاب المصورة أَو ينسجها لَا تقبل شَهَادَته اه: أَي صُورَة ذِي روح. قَوْلُهُ: (لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ) وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّهُ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا تُقْبَلْ. كَذَا قَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الرحمتي: وَيَنْبَغِي أَن يكون مثله بَائِع الطَّعَام لتمنيه الغلاء والشدة على النَّاس اه. أَقُول: وَهَذَا أَيْضا إِن لم يتمنه بِأَن كَانَ عدلا تقبل. قَوْله: (وَكَذَا الدَّلال) أَي فِيمَا عقده لعدم صِحَة الشَّهَادَة على فعل نَفسه أَو مُطلقًا لِكَثْرَة كذبه. فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد: سُئِلَ فِي شَهَادَة الدَّلال الْعدْل الَّذِي لَا يحلف وَلَا يكذب هَل تقبل؟ الْجَواب نعم إِذا كَانَ كَذَلِك تقبل. قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة النخاس، وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لم يكذب وَلم يحلف اه. وَقدمنَا عَن الْفَتْح أَن أهل الصناعات الدنيئة الاصح أَنَّهَا تقبل كالزبال والحجام لانها تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يَبْنِي على ظَاهر الصِّنَاعَة، وَكَذَا الدلالون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 565 والنخاسون، وَيحْتَمل أَن المُرَاد الدَّلال إِذا شهد على البيع، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: الوكيلان بِالْبيعِ والدلالان إِذا شَهدا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ من فلَان لَا تقبل شَهَادَتهمَا اه. قَوْله: (وَالْوَكِيل) أَي بِالنِّكَاحِ. قَوْله: (وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح) أَي لَا تقبل بِإِثْبَات النِّكَاح لانها شَهَادَة على فعله، وَقَوله: لَو بِإِثْبَات النِّكَاح للتمثيل لَا للتَّقْيِيد، وَمثله سَائِر الْعُقُود الَّتِي بَاشَرَهَا لَا يَصح شَهَادَته بهَا إِذا صرح بِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وكَالَة، أما إِذا شهد أَنه ملكه أَو فِي إِجَارَته تقبل. وَفِي بعض نسخ الشَّرْح زِيَادَة وَاو قبل لَو: أَي وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح ترقيا إِذْ هُوَ هُنَا سفير وَهِي الاولى. قَوْله: (أما لَو شهد أَنَّهَا امْرَأَته تقبل) لانه شهد بِقِيَام النِّكَاح لَا بعقده. قَوْلُهُ: (وَالْحِيلَةُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَهَا وَيَشْهَدَ، كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَو ابْنه أَو نَحْو ذَلِك، فَلْيتَأَمَّل. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. أَقُول: وَسَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْبَحْر عَن الْمُلْتَقط أَن لشارب الْخمر أَن يشْهد إِذا لم يطلع عَلَيْهِ، وَأَنه لَا يحل لَهُ أَن يهتك ستره بِذكر فسقه وَإِبْطَال حق الْمُدَّعِي. قَوْله: (بِالنِّكَاحِ) أَي بإثباته، وَلَا يذكر الْوكَالَة: أَي أَن كَانَ وَكيلا فِيهِ. قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: وَشَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الدَّلَّالَيْنِ إِذا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ، أَوْ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْخُلْعِ إذَا قَالَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَذَا النِّكَاحَ أَوْ الْخُلْعَ لَا تُقْبَلُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مِلْكُهُ تُقْبَلُ. وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ النِّكَاحَ فَشَهِدَ رَجُلٌ قَدْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَالنِّكَاحَ يَذْكُرُ النِّكَاحَ وَلَا يذكر أَنه تولاه انْتَهَت. قَوْله: (وَمُلَخَّصه) أَي ملخص مَا ذكره المُصَنّف فِي كتاب الاجارة من كِتَابه الْمُسَمّى بالمعين. قَوْله: (الدلالين والصكاكين) إِذا كَانَ غَالب حَالهم الْفساد لِكَثْرَة الْكَذِب مِنْهُم غَالِبا، أما إِذا غلب عَلَيْهِم الصّلاح فَالصَّحِيح أَنَّهَا تقبل كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وقدمناه آنِفا. قَوْله: (والمحضرين والوكلاء المفتعلة على أَبْوَابهم) أَي الْقُضَاة، وَهُوَ مُتَعَلق بِالثَّانِي وَحذف من الاول نَظِيره. قَالَ ح: الوكلاء المفتعلة الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ يَتَوَكَّلُونَ لِلنَّاسِ فِي الْخُصُومَة اه. قَالَ فَخر الدّين: لما سُئِلَ عَن شَهَادَة أعوان الْحَاكِم والوكلاء على أَبْوَاب الْقُضَاة. قَالَ: لَا تسمع شَهَادَتهم لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحقّين فَهُوَ فسق فَلَا تسمع. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا. قَوْله: (أخرج من الْوِصَايَة) نَص على المتوهم، لانه إِذا لم يخرج فشهادته للْمَيت بدين أَو غَيره بَاطِلَة سَوَاء كَانَت الْوَرَثَة كبارًا أَو صغَارًا، وَلَو شهد على الْمَيِّت بدين قبلت على كل حَال. هندية. قَوْله: (بعد قبُولهَا) أما إِذا لم يقبل بعد موت الْمُوصي وَلم يرد فَشهد فَالْقَاضِي يَقُول لَهُ أتقبل الْوِصَايَة؟ فَإِن قبل أبطلها، وَإِن رد أمضاها، وَإِن لم يخبر بشئ توقف القَاضِي. ملتقط. قَوْله: (للْمَيت) وَلَا للْيَتِيم. هندية. قَوْله: (أبدا) أَي وَإِن لم يُخَاصم. هندية. قَوْله: (وَكَذَا الْوَكِيل) أَي شَهَادَة الْوَكِيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 566 للْمُوكل. قَوْله: (فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل عِنْد أبي يُوسُف وَتقبل عِنْد الامام وَمُحَمّد. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. وَإِنَّمَا اقْتصر الْمُؤلف على قَول الثَّانِي لما قيل إِن الْفَتْوَى وَالْقَضَاء على قَوْله فِي الْوَقْف وَالْقَضَاء ط. قَوْله: (ومدمن الشّرْب) قَالَ فِي النِّهَايَة معزيا إِلَى الذَّخِيرَة: أَرَادَ بِهِ الادمان فِي النِّيَّة: يَعْنِي يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب بعد ذَلِك إِذا وجده. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: بِخِلَاف مَا إِذا أقلع عَنهُ فَإِنَّهُ فَاسق تَابَ فَتقبل شَهَادَته اه. فَإِذا تمّ هَذَا فَلَا فرق بَين الْخمر وَغَيره، لانه وَإِن كَانَ بقطرة مِنْهَا ارْتكب الْكَبِيرَة وَترد شَهَادَته، لَكِن بِالتَّوْبَةِ يَزُول فسقه وَيعود عدلا وَتقبل شَهَادَته، لَكِن لَا تتمّ بِالتَّوْبَةِ بِمُجَرَّد نِيَّة عدم الشّرْب، بل لَا بُد من النَّدَم والاقلاع فِي الْحَال والعزم على أَن لَا يعود. وَإِذا علمت معنى الادمان وَأَن غير المدمن تائب بِأَنَّهُ قد أقلع عَنهُ وَنوى أَن لَا يعود إِلَيْهِ سقط هَذَا الْكَلَام كُله، لَان التائب تقبل شَهَادَته سَوَاء تَابَ عَن الصَّغِيرَة أَو الْكَبِيرَة. أَقُول: لَكِن قدمنَا عَن الْفَتْح عِنْد الْكَلَام على النائحة أَن تَفْسِير الادمان بِالنِّيَّةِ أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة. فَتَأمل. قَوْله: (لَان بقطرة مِنْهَا) فِيهِ حذف اسْم أَن. قَوْله: (يرتكب الْكَبِيرَة) لانه يحرم قليلها وكثيرها، والقليل يُطلق على القطرة بالاجماع، خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بِإِبَاحَة الْقَلِيل. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ للْكتاب فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا. وَالرِّجْسُ: مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله حَرَّمَ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخمر، ولانه لَو أقرّ بِشرب قَطْرَة وَاحِدَة يلْزمه الْحَد كَمَا قرر فِي مَحَله. قَوْله: (فَترد شَهَادَته) أَي من غير إدمان، هَذَا مُخَالف لما فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليَكُون ذَلِك ظَاهرا مِنْهُ، فَإِن من شرب الْخمر سرا وَلَا يظْهر مِنْهُ ذَلِك لَا يخرج من أَن يكون عدلا وَإِن شربهَا كثيرا وَإِنَّمَا تسْقط عَدَالَته إِذا كَانَ ذَلِك يظْهر مِنْهُ أَو يخرج سَكرَان فتلعب بِهِ الصّبيان فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَة لمثله وَلَا يحْتَرز عَن الْكَذِب عَادَة، وَكَذَا مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ فِي الشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانه كَبِيرَة. وَفِي الذَّخِيرَة: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر. زَيْلَعِيّ وعيني. وَفِي النِّهَايَة: الادمان شَرط فِي الْخمر أَيْضا فِي حق سُقُوط الْعَدَالَة اه. فَهَذِهِ نقُول صَرِيحَة فِي عدم الْفرق فِي اشْتِرَاط الادمان بَين الْخمر وَغَيره، فَمَا ذكره الشَّرْح تبعا لصَاحب الْبَحْر لَا يعول عَلَيْهِ. أَبُو السُّعُود. وَقد تقدم أَنه يشْتَرط الاشتهار فِي كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر. ط بِزِيَادَة. أَقُول: وَكَذَلِكَ صحّح شَرط الادمان فِي شرب الْخمر لسُقُوط الْعَدَالَة. البرجندي وَصَاحب التَّتِمَّة، وَعَلِيهِ كَلَام الدُّرَر حَيْثُ عمم الشّرْب شرب الْخمر والعرقي والوزج وَنَحْوهَا كَمَا فِي عبد الْحَلِيم. قَوْله: (وَمَا ذكره ابْن الْكَمَال) من أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَة إِلَّا بالاصرار عَلَيْهِ. قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر) قَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ: أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بكبيرة فَلَا تسْقط الْعَدَالَة إِلَّا بالادمان عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 567 قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لم يثبت بِنَصّ قَاطع إِلَّا إِذا داوم على ذَلِك اه. وَهُوَ غلط من ابْن الْكَمَال لما قدمْنَاهُ عَن الْمَشَايِخ من التَّصْرِيح بِأَن شربهَا كَبِيرَة، ولمخالفتها للْحَدِيث الْمَشْهُور فِي الْكَبَائِر أَنَّهَا سبع، وَذكر مِنْهَا شرب الْخمر اه. بل إِنَّمَا شَرط الادمان عَلَيْهَا للاشتهار لَا لانها صَغِيرَة، لَان الشَّهَادَة لَا ترد إِلَّا بالادمان وظهوره بالاشتهار. وَأما مُجَرّد الشّرْب مَعَ قطع النّظر عَن سُقُوط الشَّهَادَة فقد علمت أَنه كَبِيرَة وَلَو بقطرة، فَلَو تغفل. قَالَ السائحاني: أَقُول: نِسْبَة الْغَلَط إِلَى هَذَا الْهمام فِي الْفرق بَين شَرط الادمان للخمر وَغَيره من الاشربة غير مسلمة لما صرح قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ. وَعبارَته: وَلَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانها كَبِيرَة، وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليظْهر ذَلِك عِنْد النَّاس، فَإِن من اتهمَ بِشرب الْخمر فِي بَيته لَا تبطل عَدَالَته وَإِن كَانَت كَبِيرَة، وَإِنَّمَا تبطل إِذا ظهر ذَلِك أَو يخرج سَكرَان يسخر مِنْهُ الصّبيان، لَان مثله لَا يحْتَرز عَن الْكَذِب. وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن شرب الْخمر يبطل الْعَدَالَة. وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى: مَا لم يظْهر ذَلِك يكون مَسْتُور الْحَال اه. وَفِي الْمَقْدِسِي: وَمُحَمّد شَرط الادمان وَهُوَ الصَّحِيح. نعم إِذا حمل الْغَلَط على قَول ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ يظْهر لما قدمْنَاهُ قَرِيبا من أَن شرب قَطْرَة مِنْهُ كَبِيرَة. وَفِي الْبَدَائِع: شرب الْخمر أَحْيَانًا للتقوي لَا للتلهي يكون عدلا، وَعَامة الْمَشَايِخ لَا يكون عدلا لَان شرب الْخمر كَبِيرَة مَحْضَة اه. قَوْله: (قَالَ وَفِي غير الْخمر) قد علمت أَنَّهَا يشْتَرط فِيهَا أَيْضا. قَوْله: (يشْتَرط الادمان) قدمنَا أَنه اخْتلف فِي الادمان هَل هُوَ فِي الْفِعْل أَو النِّيَّة على قَوْلَيْنِ محكيين فِيهِ؟ وَفِي الاصرار، قَالَ ابْن كَمَال: إِن الادمان بالعزم أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة، ومحصله أَن ابْن الْكَمَال يمِيل إِلَى تَرْجِيح اشْتِرَاط الادمان بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَرَاجعه. قَوْله: (على اللَّهْو) أَي لاجل اللَّهْو: أَي وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله ترويح النَّفس بِمَا لَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة. بَحر عَن الْمِصْبَاح، وَالْمرَاد بِهِ أَن لَا يكون للتداوي فَيدْخل فِي اللَّهْو الشّرْب للاعتياد. قَالَ فِي الْبَحْر: فَأطلق اللَّهْو على المشروب، وَظَاهره أَنه لَا بُد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا. قَالَ فِي الْمنح: هُوَ خلاف الظَّاهِر من الْعبارَة، لَان الظَّاهِر مِنْهَا أَن معنى مدمن الشّرْب: أَي مداوم شرب الْخمر على اللَّهْو. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: أَي مداوم شرب الْخمر لاجل اللَّهْو لَان شربهَا كَبِيرَة. وَقَالَ منلا خسرو: ومدمن الشّرْب: أَي شرب الاشربة الْمُحرمَة، فَإِن إدمان شرب غَيرهَا لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو اه. فَأفَاد كَلَامه أَن الشّرْب على اللَّهْو إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي غير الاشربة الْمُحرمَة، أما فِيهَا فَلَا يشْتَرط، وَهَذَا يُوَافق كَلَام صَاحب الْبَحْر. وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الَّذِي أحوجه إِلَى ذكره من حمل اللَّهْو فِي كَلَام الْكَنْز على المشروب، وَهُوَ مُخَالف لكَلَام الزَّيْلَعِيّ، فَإِنَّهُ جعله شرطا فِي الْخمر أَيْضا، وَرُبمَا يُنَاسِبه كَلَام الشَّارِح هُنَا، وَالظَّاهِر خِلَافه لَان شرب الْخمر كَبِيرَة ترد الشَّهَادَة بهَا سَوَاء شربت على اللَّهْو أم لَا، وَظَاهر كَلَامهم أَنه لابد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا. وَأما إدمان شرب غير الْمحرم لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو، فَجعل اللَّهْو قيدا للشُّرْب وَحمله على شرب غير الْمُحرمَة هُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا يظْهر لي من كَلَامهم، وَالله تَعَالَى الْمُوفق. قَوْله: (لشُبْهَة الِاخْتِلَاف) قَالَ فِي الْبَحْر: فِي قَوْله على اللَّهْو إِشَارَة إِلَى أَنه لَو شربهَا للتداوي لم تسْقط عَدَالَته لَان للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغا اه. قَالَ ط: والاصح الْحُرْمَة. نعم لَو شرب لغصة شئ فِي حلقه وَنَحْوه مِمَّا ينفسه لَا محَالة كَانَ مُبَاحا. قُهُسْتَانِيّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 568 وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَا تسْقط عَدَالَة أَصْحَاب المروءات بالشرب مَا لم يشْتَهر. وَفِي الظَّهِيرِيَّة: من سكر من النَّبِيذ بطلت عَدَالَته فِي قَول الْخصاف لَان السكر حرَام عِنْد الْكل. وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تبطل عَدَالَته إِلَّا إِذا اعْتَادَ ذَلِك اه. قَالَ فِي الْبَحْر: وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد لانه قَالَ بِحرْمَة قَلِيله وَلم يُسْقِطهَا بكثيرة، وَظَاهره أَنه يَقُول بِأَن السكر مِنْهُ صَغِيرَة فَشرط الاعتياد اه. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قَوْله وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد الخ فِيهِ نظر ظَاهر يعلم مِمَّا قدمه عَن الصَّدْر الشَّهِيد من أَن الادمان على شرب الْخمر شَرط لسُقُوط الْعَدَالَة عِنْد مُحَمَّد مَعَ أَنه مِمَّن يَقُول بِأَن مُجَرّد شرب الْخمر وَلَو بِدُونِ إدمان وإسكار، وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِي: وَإِنَّمَا فعل ذَلِك مُحَمَّد: يَعْنِي حَيْثُ اشْتِرَاط الاعتياد على السكر من النَّبِيذ للِاحْتِيَاط فَمنع الْقَلِيل: يَعْنِي من الْمُسكر، وَلم يسْقط الْعَدَالَة إِلَّا إِذا اعْتَادَ وَلم يكتف بِالْكَثْرَةِ اه. فَإِن قلت: لم اشْترط الادمان فِي الشّرْب دون غَيره مِمَّا يُوجب الْحَد؟ قلت: ذكر البرجندي أَن الْوُقُوع فِي الشّرْب أَكثر من الْوُقُوع فِي غَيره، فَلَو جعل مُجَرّد الشّرْب مسْقطًا للعدالة أدّى إِلَى الْحَرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 569 تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار - ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2 تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2 الجزء: 7 حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخيار تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أفندى نجل الْمُؤلف طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الْجُزْء الثَّامِن دَار الْفِكر للطباعة والنشر والتوزيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 جَمِيع حُقُوق اعادة الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر 1415 هـ / 1995 م دَار الْفِكر بيروت - لبنان دَار الْفِكر: حارة حريك - شَارِع عبد النُّور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص. ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 كتاب الدَّعْوَى لَا يخفى مناسبتها للخصومة: أَي لما اقْتضى كَون الْعَزْل معقبا للوكالة تَقْدِيم بَاب عزل الْوَكِيل فتأخرت الدَّعْوَى عَن الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ عَنهُ. وَوجه مناسبتها لَهُ أَن الْخُصُومَة شرعا: هِيَ الدَّعْوَى وَالْجَوَاب عَنْهَا، فَكَانَ ذكرهَا بعد الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ من قبيل التَّفْصِيل بعد الاجمال. قَوْله: (قَول الخ) ظَاهره يَشْمَل الشَّهَادَة إِلَّا أَن يكون تعريفا بالاعم، فَإِن أُرِيد إِخْرَاج الشَّهَادَة يُزَاد لنَفسِهِ. قَوْله: (إِيجَاب حق على غَيره) أَي ن غير تَقْيِيد بمنازعة وَلَا مسالمة. حموي. وَلَا تعرض فِيهِ إِلَى الدّفع عَن حق نَفسه، والمصدر الادعاء وَهُوَ افتعال من ادّعى وَالدَّعْوَى اسْم مِنْهُ، وَتطلق على دَعْوَى الْحَرْب، وَهِي أَن يُقَال يَا لفُلَان، وَكَذَا الدعْوَة والدعاوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر اسمان مِنْهُ، والدعوة بِالْفَتْح أَيْضا الْمرة وَالْحلف وَالدُّعَاء إِلَى الطَّعَام وتضم وبالكسر فِي النّسَب ط. وَقيل الدَّعْوَى فِي اللُّغَة: قَول يقْصد بِهِ الانسان إِيجَاب الشئ على غَيره، إِلَّا أَن اسْم الْمُدَّعِي يتَنَاوَل من لَا حجَّة لَهُ فِي الْعرف وَلَا يتَنَاوَل من لَهُ حجَّة، فَإِن القَاضِي يُسَمِّيه مُدعيًا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا يُسَمِّيه محقا لَا مُدعيًا، وَيُقَال لمُسَيْلمَة الْكذَّاب مدعي النُّبُوَّة لانه قد أثبتها بالمعجزة. قَوْله: (وألفها للتأنيث) هِيَ لُغَة بعض الْعَرَب، وَبَعْضهمْ يؤنثها بِالتَّاءِ. مِصْبَاح. قَوْله: (جزم فِي الْمِصْبَاح الخ) قَالَ بَعضهم: الْكسر أولى وَهُوَ الْمَفْهُوم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ، لانه ثَبت أَن مَا بعد ألف الْجمع لَا يكون إِلَّا مكسورا، وَأما فَتحه فَإِنَّهُ مسموع لَا يُقَاس عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: الْفَتْح أولى لَان الْعَرَب آثرت التَّخْفِيف ففتحت ح. قَوْله: (فيهمَا) أَي فِي الدَّعَاوَى والفتاوى ح. قَوْله: (مُحَافظَة على ألف التَّأْنِيث) أَي الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْمُفْرد، وَالظَّاهِر أَنه سَاقِط لفظ وَفتحهَا بعد قَوْله بِكَسْرِهَا كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة والمصباح، أَو يُقَال: إِنَّمَا جزم صَاحب الْمِصْبَاح بِفَتْحِهَا أَيْضا مُحَافظَة الخ فَلَا يسْقط. تَأمل. قَوْله: (وَشرعا قَول) أَي إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِلَّا فتكفي كِتَابَته. قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي عَاجِزا عَن الدَّعْوَى عَن ظهر الْقلب يكْتب دَعْوَاهُ فِي صحيفَة وَيَدعِي بهَا فَتسمع دَعْوَاهُ. اهـ. قَوْله: (عِنْد القَاضِي) أَي فَلَا تسمع هِيَ وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي الْحَاكِم. بَحر. وَأَرَادَ بِالْقبُولِ الملزم فَخرج غَيره كَمَا يَأْتِي. أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَالْقَاضِي فِيمَا يجوز بِهِ التَّحْكِيم بِشُرُوطِهِ فَإِنَّهُ شَرط كَمَا فِي الِاخْتِيَار وَنبهَ عَلَيْهِ الشَّارِح فِي شَرحه عَن الْمُلْتَقى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر القَاضِي قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَذَلِك لانه يلْزم الْخصم بِالْحَقِّ وَيُخَلِّصهُ اهـ. وَأَقُول: قد صدر الامر السلطاني الْآن بنفاذ حكم الْمُحكم إِذا رفع للْحَاكِم الشَّرْعِيّ وَكَانَ مُوَافقا نفذه كَمَا فِي كتاب الْقَضَاء من مجلة الاحكام العدلية. قَوْله: (يقْصد بِهِ طلب حق) أَي مَعْلُوم قبل غَيره. هَذَا التَّعْرِيف خَاص بِدَعْوَى الاعيان والديون، فَخرج عَنهُ دَعْوَى إِيفَاء الدّين والابراء عَنهُ. بَحر. ورده الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن هَذَا إِنَّمَا يكون من جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ لدفع الدَّعْوَى: أَي فَلَيْسَ بِدَعْوَى. وَأَيْضًا إِذا علم أَن الدُّيُون نفضى بأمثالها فالايفاء دَعْوَى دين والابراء دَعْوَى تِلْكَ معنى. اهـ. وَقَوله طلب حق يُفِيد أَنه حَال الْمُنَازعَة، فَخرج الاضافة حَال الْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا. وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصح نَفْيه، فَلَو ادَّعَاهُ بعده لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إِقْرَار بِالْملكِ للمنازع، فَلَو ادَّعَاهُ بعد ذَلِك لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يكون إِقْرَار بِالْملكِ لَهُ. اهـ. بَحر. أَقُولُ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ مَفْرُوضٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ إقْرَارًا لِلْمُنَازِعِ أَوْ لَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ حَالَة المسالمة. قَوْله: (خرج الشَّهَادَة) فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت قولا مَقْبُولًا إِلَّا أَنه يقْصد بِهِ إِثْبَات حق للْغَيْر. قَوْله: (والاقرار) أَي وَكَذَا الاقرار. وَأورد على التَّعْرِيف يَمِين الِاسْتِحْقَاق، فَإِنَّهُ قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق قبل الْغَيْر. وَأجِيب بِأَنَّهُ خرج بِالطَّلَبِ فَإِن المُرَاد بِهِ طلب خَاص وَهُوَ مَا كَانَ بِلَفْظ الدَّعْوَى وَنَحْوه ط. قَوْله: (أَوْ دَفْعَهُ) أَيْ دَفْعَ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفسه. زَاد الباقاني فِي الْحَد بعد دَعْوَى صَحِيحَة لينطبق على الْمَحْدُود. اهـ. وَعطفه بِأَو التويعية إِشَارَة إِلَى أَن الدَّعْوَى نَوْعَانِ، وَالْقَصْد بِهِ الادخال فَلَا اعْتِرَاض بِإِدْخَال أَو فِي التَّعْرِيف قَوْله: (دخل دَعْوَى دفع التَّعَرُّض) أَي بقوله أَو دَفعه وَهُوَ أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا أَرضًا أَنَّهَا فِي يَده وَبرهن أَحدهمَا على دَعْوَاهُ فَكَانَ مُدعيًا دفع تعرض الآخر حَيْثُ أثبت بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا فِي يَده وَالْبَيِّنَة لَا تقبل إِلَّا بعد صِحَة الدَّعْوَى فَعلمنَا صِحَة دَعْوَى دفع التَّعَرُّض. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَالْفَتْوَى على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض صَحِيحَة، فَإِنَّهُ ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير: أَرض يدعيها رجلَانِ كل يَقُول فِي يَدي لَا يقْضى بِالْيَدِ لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو أَحدهمَا بِالْيَدِ لآخر لَا يقْضى لَهُ بِهِ، وَلَو برهن أَحدهمَا بِالْيَدِ بقضى لَهُ بِالْيَدِ لانه قَامَ على خصم لنزاعه مَعَه فِي الْيَد، دلّ على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض مسموعة لعدم ثُبُوت الْيَد للْآخر. اهـ. أَفَادَهُ الرحمتي، لَكِن صورها الطَّحْطَاوِيّ بقوله أَن يَقُول إِن فلَانا يتَعَرَّض لي فِي كَذَا بِغَيْر حق وأطالبه بِدفع التَّعَرُّض فَإِنَّهَا تسمع فينهاه القَاضِي عَن التَّعَرُّض لَهُ بِغَيْر حق، فَمَا دَامَ لَا حجَّة لَهُ فَهُوَ مَمْنُوع عَن التَّعَرُّض، فَإِذا وجد حجَّة تعرض بهَا اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ نَاقِلا عَن بعد الْفُضَلَاء: لانه وَقع عِنْده تردد فِيمَا إِذا سمع القَاضِي دَعْوَى دفع التَّعَرُّض وَمنع الْخصم من معارضته بعْدهَا هَل يكون قَضَاء مِنْهُ مَانِعا للخصومة من الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 الْحَادِثَة الْمُتَنَازع فِيهَا أم لَا؟ فَإِن كَانَ مَانِعا ظهر نتيجة، وَإِذا لم يكن مَانِعا فَأَي فَائِدَة فِيهِ، وَلم أر من صرح بذلك اهـ. أَقُول: فَائِدَته فِيمَا يظْهر عدم سَماع ذَلِك القَاضِي مِنْهُ دَعْوَى التَّعَرُّض قبل وجود الْحجَّة مَعَه. وَاعْلَم أَن النزاع والتعرض متقاربان، لَكِن إِن أُرِيد بالتعرض أَن يكون بِغَيْر حق بل مُجَرّد أذية وَأُرِيد بالنزاع أَن يكون بمستند يتَوَهَّم وجوده فَالْفرق ظَاهر. قَوْله: (بِخِلَاف دَعْوَى قطع النزاع) أَي بَينه وَبَين غَيره، حَقِيقَته أَن يَأْتِي بشخص للْقَاضِي وَيَقُول هَذَا يَدعِي عَليّ دَعْوَى، فَإِن كَانَ لَهُ شئ فليبينه، وَإِلَّا يشْهد على نَفسه بالابراء، وَهَذَا غير صَحِيح. وَهَذِه الدَّعْوَى غير مسموعة لَان الْمُدَّعِي من إِذا ترك ترك. قَالَ فِي الْبَحْر: سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. فَأَجَابَ: لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي على الدَّعْوَى لَان الْحق لَهُ. اهـ. وَالَّذِي رَأَيْته فِي عبارَة قَارِئ الْهِدَايَة: سُئِلَ إِذا ادّعى شخص على آخر أَنه يقطع النزاع بَينه وَبَينه: إِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حق أَو مُطَالبَة يَدعِي بِهِ ويطالبه، وَإِن كَانَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ حق يشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا من الْحُقُوق والدعاوى والطلبات، فَهَل تسمع هَذِه الدَّعْوَى من الْمُدَّعِي أم لَا؟ أجَاب لَا يجب عَلَيْهِ أَن يَدعِي عَلَيْهِ لَان الْحق لَهُ، إِن شَاءَ طلبه وَإِن شَاءَ تَركه اهـ. وَهِي الَّتِي عناها الشَّارِح بقوله سراجية أَي فَتْوَى سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، وَهَذَا بِخِلَاف دَعْوَى دفع التَّعَرُّض كَمَا علمت، لَان ذَلِك يَقُول هَذِه الارض فِي يَدي وَهَذِه الْبَيِّنَة تشهد لي بهَا وَهَذَا يَدعِي أَنَّهَا لَهُ وَفِي يَده وَلَا بَيِّنَة لَهُ على دَعْوَاهُ فَأُرِيد أَن لَا يتَعَرَّض لي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد دونه. قَوْله: (وَهَذَا الخ) يَعْنِي لما عرفنَا أَن الدَّعْوَى قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق، فَإِن أردنَا بِالْحَقِّ الامر الوجودي كَأَن يَقُول هَذَا المَال لي أُرِيد أَن يُسلمهُ إِلَيّ بَقِي من أَنْوَاع الدَّعْوَى دَعْوَى دفع التَّعَرُّض فيزاد أَو دَفعه عَنهُ حق نَفسه، وَإِن أَرَادَ بِالْحَقِّ أَعم من الوجودي وَهُوَ مَا تقدم وَمن العدمي وَهُوَ أَن يَقُول هَذَا لَا حق لَهُ فِي مَالِي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد وَأطلق أَن لَا يتَعَرَّض لي بِغَيْر حق وَعدم تعرض حق لكنه عدمي فيستغني عَن هَذِه الزِّيَادَة وَهُوَ قَوْله أَو دَفعه. قَوْله: (الامر الوجودي) فَلَا يَشْمَل العدمي كالدفع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَته لادخاله فِي تَعْرِيف الدَّعْوَى، وَالْمرَاد بالعدمي مَا يَشْمَل الِاعْتِبَار، فَإِن الدّفع لَيْسَ عدميا لَان المُرَاد بِهِ كَفه عَن الْمُنَازعَة ط. قَوْله: (لهَذَا الْقَيْد) أَي فيستغني فِي التَّعْرِيف عَن هَذَا الْقَيْد وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُ فَصْلٌ قَصَدَ بِهِ الادخال والفصل بعد الْجِنْس قيد، فَافْهَم. والاوضح أَن يَقُول لم يحْتَج إِلَى زِيَادَة أَو دَفعه. قَوْله: (وَالْمُدَّعِي الخ) اسْم فَاعل من ادّعى يَدعِي أَصله متدعي لَان ثلاثية دُعَاء فَنقل إِلَى بَاب الافتعال فَصَارَ اتدعى وقلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال فَصَارَ ادّعى، وَكَذَلِكَ فِي بَاب التَّصَرُّفَات من الْمُضَارع والامر والمصدر، وَإِنَّمَا أبدلت التَّاء دَالا وَلم يعكس لانها من المهموسة وَالدَّال من المهجورة، فالاقوى لَا يتَحَوَّل إِلَى الضَّعِيف. تَتِمَّة: لما كَانَ قَوْله وَالْمُدَّعِي الخ للاغلب من المتنازعين فعلا احْتَرز عَنهُ فِي الدُّرَر بقوله من المتنازعين قولا، وَلما كَانَ هَذَا متناولا للمتنازعين فِي المباحث احْتَرز عَنهُ بقوله فِي الْحق: أَي حق العَبْد. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 قَالَ شَيخنَا: يُوضحهُ أَنه إِذا تضاربا وَكَانَ الظَّاهِر أَحدهمَا فَإِنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ مُدع مَعَ أَنه إِذا ترك لَا يتْرك فَاحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجه بقوله من المتنازعين قولا. اهـ. أَبُو السُّعُود. وَالْحَاصِل: أَن طَالب الْحق يُسمى مُدعيًا والطالب إِذا ترك لَا يتَعَرَّض لَهُ، وَالْمَطْلُوب هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التّرْك حَتَّى يسلم مَا عَلَيْهِ. قَوْله: (من إِذا ترك ترك أَي لَا يجْبر عَلَيْهَا لَان حق الطّلب لَهُ، فَإِذا تَركه لَا سَبِيل عَلَيْهِ. عَيْني. أَقُول: وَهَذَا أحسن مَا قيل فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: قيل الْمُدعى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنكر وَالْآخر الْمُدَّعِي. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا صَحِيح غير أَن التَّمْيِيز بَينهمَا يحْتَاج إِلَى فقه وحدة ذكاء، إِذْ الْعبْرَة للمعاني دون الصُّور والمباني، ولان الْكَلَام قد يُوجد من الشَّخْص فِي صُورَة الدَّعْوَى، وَهُوَ إِنْكَار معنى كَالْمُودعِ إِذا ادّعى أَدَاء الْوَدِيعَة أَو هلاكها فَإِنَّهُ مُدع صُورَة ومنكر لوُجُوب الضَّمَان معنى، وَلِهَذَا يحلفهُ القَاضِي إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة أَو لهلاكها أَنه لَا يلْزمه رده وَلَا ضَمَان، وَلَا يحلفهُ أَنه رده لَان الْيَمين أبدا تكون على النَّفْي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَي ملتبس بمخالفته، وَهُوَ من إِذا ترك لَا يتْرك بل يجْبر على الْخُصُومَة إِذا تَركهَا وَهَذَا فرق صَحِيح. حموي. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: فَلَا يشكل بوصي الْيَتِيم فَإِنَّهُ مدعى عَلَيْهِ معنى فِيمَا إِذا أجْبرهُ القَاضِي على الْخُصُومَة للْيَتِيم، وَإِنَّمَا عرفهَا بذلك وَعدل عَمَّا يَقْتَضِي التَّعْرِيف إِشَارَة إِلَى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ فيهمَا. وَقيل الْمُدَّعِي من يخبر بِحَق لَهُ على غَيره، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يخبر بِأَن لَا حق لغيره عَلَيْهِ. وَقيل الْمُدَّعِي من يلْتَمس خلاف الظَّاهِر، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ. اهـ. وَقيل الْمُدَّعِي من لَا يسْتَحق إِلَّا بِحجَّة كالخارج وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يسْتَحق بقوله بِلَا حجَّة كذي الْيَد. قلت: وَهَذَا تَعْرِيف بالحكم فِيهِ دور. وَأَصَح مَا ذكر فِيهِ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف. قَوْله: (فَلَوْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلٌّ فِي مَحَلَّةٍ) أَي بخصوصها وَلَيْسَ قَضَاؤُهُ عَاما، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجَبْرَ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى لَا فِيمَنْ يَدَّعِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفْرِيعُ لَا يظْهر، وَفِي بعض النّسخ بِالْوَاو بدل الْفَاء. قَوْله: (فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِهِ يُفْتَى. بَزَّازِيَّةٌ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ. وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يذهب إِلَى قَاض فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَفِي الْمِنَحِ قُبِلَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ، اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أهل الْعَسْكَر وَالْآخر من أهل الْبَلدة اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافع لَهَا اهـ. وَبَيَان التَّعْلِيل كَمَا قَالَ الرَّمْلِيّ إِن عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى الْمُدَّعِي إِذا ترك فَهُوَ منشئ، فَيتَخَيَّر إِن شَاءَ أنشأ الْخُصُومَة عِنْد قَاضِي محلته، وَإِن شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْد قَاضِي محلّة خَصمه، وَأَن مُحَمَّدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: الْمُدعى عَلَيْهِ دَافع لَهُ والدافع يطْلب سَلامَة نَفسه والاصل بَرَاءَة ذمَّته، فَأَخذه إِلَى من يأباه لريبة ثبتَتْ عِنْده وتهمة وَقعت لَهُ رُبمَا يوقعه فِي إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا فِي ذمَّته بِالنّظرِ إِلَيْهِ واعتباره أولى، لانه يُرِيد الدّفع عَن نَفسه وخصمه يُرِيد أَن يُوجب عَلَيْهِ الاخذ بالمطالبة، وَمن طلب السَّلامَة أولى بِالنّظرِ مِمَّن طلب ضدها. تَأمل. وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَحَلَّةِ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ. هَذَا كُلُّهُ وَكُلُّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ، إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيل صَاحب الْمُحِيط. اهـ. وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فَإِن الحكم دائر مَعَ الْعلَّة. اهـ. وَهُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا قَالَ شَيخنَا، لكنه لم يَأْتِ لرده بِوَجْه يقويه، وَالظَّاهِر أَنه لم يظْهر لَهُ المُرَاد وَهُوَ الَّذِي نذكرهُ فِي الْحَاصِل آخر هَذِه الْعبارَة. وَأَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَن الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أَمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحدهمَا من أهل العكسر وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَلَا ولَايَة لقَاضِي العكسر عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ، فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ دَلِيلٌ وَاضح على ذَلِك. أما إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف لموافقته لتعريف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَة فيطلبها عِنْد أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ مَحَلَّتِهِمَا. قَالَ: وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا. أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَن الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ أَنَّ قُضَاةَ الْمَمَالِكِ الْمَحْرُوسَةِ مَمْنُوعُونَ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح، وَذكر شيخ شُيُوخ مَشَايِخنَا السائحاني بعد كَلَام: قَالَ فِي قَضَاء الْبَزَّازِيَّة: فوض قَضَاء نَاحيَة إِلَى رجلَيْنِ لَا يملك أَحدهمَا الْقَضَاء، وَلَو قلد رجلَيْنِ على أَن ينْفَرد كل مِنْهُمَا بِالْقضَاءِ لَا رِوَايَة فِيهِ. وَقَالَ الامام ظهير الدّين: يَنْبَغِي أَن يجوز لَان القَاضِي نَائِب السُّلْطَان يملك التفرد. اهـ. فَتحصل أَن الْولَايَة لَو لقاضيين فَأكْثر كل وَاحِد فِي محلّة فتفرد القَاضِي صَحِيح وَالْعبْرَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَإِن كَانُوا فِي مَحل وَاحِد على السوَاء فقد سَمِعت أَنه لَا يملك أحدهم التفرد فَلَا فَائِدَة فِي اخْتِيَار أحدهم، وَإِن أَمر كل وَاحِد بالتفرد جَازَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يظْهر فرق بَين كل وَاحِد فِي محلّة أَو مُجْتَمعين، فَمَا فهمه المُصَنّف لَيْسَ على إِطْلَاقه بل على هَذَا التَّفْصِيل. اهـ. وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يذكر بعد قَوْله جَازَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وَالْعبْرَة للْمُدَّعِي. وَقد اتَّضَح المرام من هَذِه الْمَسْأَلَة على أتم وَجه، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد، لَكِن صدر الامر السلطاني الْآن بِالْعَمَلِ على مَا فِي الْمحلة من الْمَادَّة 3081 من أَن الْعبْرَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ فاحفظه وَالسَّلَام. قَوْله: (وَبِه أَفْتيت مرَارًا) رده الْعَلامَة الْمَقْدِسِي، وَذكر أَنه يَنْبَغِي التعويل على قَول أبي يُوسُف لموافقته تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَذكر أَنه غير صَحِيح. أما أَولا فَإِن النّسخ الْمَشْهُورَة من الْبَزَّازِيَّة على الاطلاق الَّذِي ادَّعَاهُ وَبنى عَلَيْهِ فتواه، بل على مَا قَيده من أَن كلا من المتداعيين يطْلب المحاكمة عِنْد قَاضِي محلته كَمَا علمت من عِبَارَته الْمُتَقَدّمَة. وعَلى تَقْدِير فِي نسخته إطلاقا فَهُوَ مَحْمُول على التَّقْيِيد الْمُصَرّح بِهِ فِي الْعمادِيَّة وَالْخَانِيَّة وَغَيرهمَا، فَإِن الَّذِي ولاه خَصمه بِتِلْكَ الْبَلَد أَو بِتِلْكَ الْمحلة. وَلِهَذَا قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: اخْتصم غَرِيبَانِ عِنْد قَاضِي بَلْدَة صَحَّ قَضَاؤُهُ على سَبِيل التَّحْكِيم. أَقُول: وَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا لَان الْقَضَاء يُفَوض لَهُم الحكم على الْعُمُوم فِي كل من هُوَ فِي بلدهم أَو قريتهم وَلَو من الغرباء الَّتِي توَلّوا الْقَضَاء بهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي ذكره الْمُؤلف بعد عَن المُصَنّف. قَوْلُهُ: (عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ فِي عُمُومِ الْوِلَايَةِ، لِأَنَّ قُضَاةَ الْمَذَاهِبِ فِي زَمَانِنَا وِلَايَتُهُمْ عَلَى السوَاء فِي التَّعْمِيم، وَهُوَ رد على الْبَحْر. قَوْله: (بإجابة الْمُدعى عَلَيْهِ) بِأَن قَالَ لَهُ من اخْتَار غَيْرك من الْقَضَاء فَلَا تحكم عَلَيْهِ. قَوْله: (لزم اعْتِبَاره) أَي أَمر السُّلْطَان أَي الْعَمَل بِهِ وَقد أَمر كَمَا مر فَلَا تنسه. قَوْلُهُ: (لِعَزْلِهِ) أَيْ لِعَزْلِ مَنْ اخْتَارَهُ الْمُدَّعِي عَن الحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الدَّعْوَى عملا بِأَمْر السُّلْطَان، فَكَأَنَّهُ خصص قَضَاءَهُ بالحكم على من اخْتَارَهُ وَالْقَضَاء يتخصص. قَوْله: (كَمَا مر مرَارًا) من أَن الْقَضَاء يتَقَيَّد. قَوْله: (قلت وَهَذَا الْخلاف) أَي بَين مُحَمَّد الْقَائِل بِاعْتِبَار الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين أبي يُوسُف الْقَائِل بِاعْتِبَار الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (عَلَى حِدَةٍ) أَيْ لَا يَقْضِي عَلَى غير أَهلهَا. قَوْله: (أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ حَنَفِيٌّ وَشَافِعِيٌّ الخ) أَي وَقد ولى الْحَنَفِيّ على أَن يحكم على جَمِيع أهل الْمصر وَكَذَا الشَّافِعِي وَنَحْوه فَلَيْسَ هُوَ كمن ولى على محلّة. قَوْله: (فِي مجْلِس وَاحِد) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَة لَان الْمدَار على عُمُوم الْولَايَة كَمَا تقدم، فَلَو اقْتصر على قَوْله وَالْولَايَة وَاحِدَة لَكَانَ أحسن، وَيَعْنِي باتحادها عمومها. قَوْلُهُ: (وَالْوِلَايَةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ لَمْ يُخَصِّصْ كُلَّ وَاحِد بمحله. قَوْله: (لما أَنه صَاحب الْحق) هَذَا مَا يُعْطِيهِ كَلَام الْمَقْدِسِي، وَهُوَ يُفِيد اعْتِبَار الْمُدَّعِي وَلَو كَانَ أحد الْقُضَاة يساعد الْمُدعى عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيل مِنْهُ أولى من تَعْلِيله السَّابِق بقوله إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ للْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ ط. قَالَ الشَّارِح فِي الدّرّ الْمُنْتَقى بعد أَن ذكر نَحْو هَذَا: وَأفْتى بعض موَالِي الرّوم بِأَنَّهُ إِن انْضَمَّ إِلَيْهِ احْتِمَال ظلمه فللمدعى عَلَيْهِ، وَالله تَعَالَى الْمُوفق. اهـ. قَوْله: (وركنها) أَي الدَّعْوَى إِضَافَة الْحق إِلَى نَفسه. الرُّكْن جُزْء الْمَاهِيّة، وَقد قدم أَنَّهَا قَول مَقْبُول الخ، فَهِيَ مركبة من إِضَافَة الْحق إِلَى نَفسه وَمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 القَوْل الدَّال عَلَيْهِ وَمن كَونه عِنْد القَاضِي، فَيكون أَرْكَانهَا ثَلَاثَة، وَيحْتَمل أَن كَونهَا عِنْد القَاضِي شَرط كَمَا سيصرح بِهِ فَيكون الرُّكْن شَيْئَيْنِ فَقَط القَوْل ومدلوله، وَظَاهر كَلَام الشَّارِح أَن الرُّكْن هُوَ الْمَدْلُول فَقَط. وَأما القَوْل فَهُوَ وَسِيلَة إِلَيْهِ فَيكون أَرَادَ بالركن الْمَاهِيّة وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك فِي كَلَامه، فَلْيتَأَمَّل. قَوْله: (كوكيل ووصي) الاولى كموكل ويتيم. قَوْله: (عِنْد النزاع الخ) إِنَّمَا تسمى دَعْوَى عِنْد النزاع لانه حِينَئِذٍ يُسمى مُدعيًا، أما بعد ثُبُوت حَقه وَانْقِطَاع النزاع عَنهُ فَلَا يُسمى مُدعيًا، وَكَذَا عِنْد المسالمة فَإِنَّهَا لَيست دَعْوَى شرعا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَخَرَّجَ الْإِضَافَةَ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَة لَا شرعا. اهـ. وَنَظِير مَا تقدم عَن الْبَزَّازِيَّة عِنْد قَوْله يقْصد بِهِ طلب حق. قَوْله: (وَأَهْلهَا) أدخلهُ فِي الْبَحْر فِي الشُّرُوط، ونظم الْحَمَوِيّ الشُّرُوط بقوله: أيا طَالبا مني شَرَائِط دَعْوَة فَتلك ثَمَان من نظامي لَهَا حلا فحضرة خصم وَانْتِفَاء تنَاقض ومجلس حكم بِالْعَدَالَةِ سربلا كَذَلِك معلومية الْمُدَّعِي بِهِ وإمكانه وَالْعقل دَامَ لَك الْعلَا كَذَاك لِسَان الْمُدَّعِي من شُرُوطهَا وإلزامه خصما بِهِ النّظم كملا قَوْله: (وَلَو صَبيا) أَي وَلَو الْمُمَيز صَبيا. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَأْذُونا لَا تصح دَعْوَاهُ كَسَائِر عِبَارَته الدائرة بَين الضّر والنفع. تَتِمَّة: نقل الْعَلامَة أَبُو السُّعُود عَن الزَّيْلَعِيّ أَن الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ، وَلَا يسْتَحْلف الاب فِي مَال الصَّبِي وَالْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِم العقد فيستحلفون حِينَئِذٍ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي ذكره فِي كتاب الْقِسْمَة، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي عينا أَو دينا وَجب بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو وَجب لَا بمباشرته كضمان الِاسْتِهْلَاك وَنَحْوه. وَذكر الْخصاف فِي أدب القَاضِي: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور مَالا بالاستهلاك أَو بِالْغَصْبِ، إِن قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وَيشْتَرط حُضُور الصَّغِير لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه، حَتَّى إِذا ألزم الصَّغِير بشئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله: يَعْنِي من مَال الصَّغِير. وَذكر بعض الْمُتَأَخِّرين حَضْرَة الصَّغِير الدَّعَاوَى شَرط، سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ. وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعَاوَى، هَكَذَا ذكر فِي الْمُحِيط، وَذكر رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ أَن الْمُخْتَار أَنه يشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعَاوَى. اهـ. وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني: وَلَو ادّعى رجل على صبي مَحْجُور شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا يشْتَرط حُضُور الصَّبِي، هَكَذَا ذكر شيخ الاسلام، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي دينا أَو عينا وَجب الدّين بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو لَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 وَذكر الناطفي فِي أجناسه: إِذا كَانَ الدّين وَاجِبا بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ لَا يشْتَرط إِحْضَار الصَّبِي. وَفِي أدب القَاضِي للخصاف: إِذا وَقع الدَّعْوَى على الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ حق إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي: لانه لَو حضر لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْيَمين، لانه لَو نكل لَا يقْضِي بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك كَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود يَحْتَاجُونَ إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ حَتَّى إِذا لزم الصَّبِي شئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله. وَفِي كتاب الاقضية أَن إِحْضَار الصَّبِي فِي الدَّعَاوَى شَرط، وَبَعض الْمُتَأَخِّرين من مَشَايِخ زَمَاننَا مِنْهُم من شَرط ذَلِك سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من أَبى ذَلِك. وَإِذا لم يكن للصَّبِيّ وَصِيّ وَطلب الْمُدَّعِي من القَاضِي أَن ينصب عَنهُ وَصِيّا أَجَابَهُ القَاضِي إِلَى ذَلِك. وَفِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين: وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعْوَى، ونشترط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد نصب الْوَصِيّ للاشارة إِلَيْهِ. هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى. وَفِي كتاب الاقضية: وَمن مَشَايِخ زَمَاننَا من أَبى ذَلِك، وَقَالَ لَو كَانَ الصَّبِي فِي المهد يشْتَرط إِحْضَار المهد مجْلِس الحكم، وَلَا شكّ أَن اشْتِرَاطه بعيد، والاول أقرب إِلَى الصَّوَاب وأشبه بالفقه. اهـ. وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني أَيْضا: الصَّبِي التَّاجِر وَالْعَبْد التَّاجِر يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ. وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث أَن الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف عِنْد عُلَمَائِنَا، وَبِه نَأْخُذ. وَفِي الْفَتَاوَى أَنه لَا يَمِين على الصَّبِي الْمَأْذُون حَتَّى يدْرك. وَذكر فِي النَّوَادِر: يحلف الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ. وَفِي الْمنية: الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ. وَفِي الْوَلوالجِيَّة: صبي مَأْذُون بَاعَ شَيْئا فَوجدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا فَأَرَادَ تَحْلِيفه فَلَا يَمِين عَلَيْهِ حَتَّى يدْرك. وَعَن مُحَمَّد: لَو حلف وَهُوَ صبي ثمَّ أدْرك لَا يَمِين عَلَيْهِ كالنصراني إِذا حلف ثمَّ أسلم لَا يَمِين عَلَيْهِ، فَهَذَا دَلِيل على أَنه لَو حلف يكون مُعْتَبرا. وَعَن مُحَمَّد: إِذا ادّعى على الصَّبِي دين وَأنكر الْغُلَام فَالْقَاضِي يحلفهُ، وَإِن نكل يقْضى بِالدّينِ عَلَيْهِ وَلَزِمَه فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْكَبِير، وَفِي الصَّبِي الْمَحْجُور إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة لَا يكون لَهُ إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي، لانه لَو حلف وَنكل لَا يقْضى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَو كَانَ لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك لَهُ إِحْضَاره لانه مَأْخُوذ بأفعاله، وَإِن لم يكن مأخوذا بأقواله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فيحضر، لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ وَمن هُوَ فِي مَعْنَاهُ، لَان الصَّبِي بِنَفسِهِ لَا يَلِي شَيْئا فيحضر الاب، حَتَّى إِذا لزمَه يُؤمر الاب بالاداء عَنهُ فِي مَاله. كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية. وَالْحَاصِل: أَن الْمَفْهُوم مِمَّا ذكر أَنه لَا يلْزم إِحْضَار الصَّغِير وَلَو مدْركا على الصَّحِيح مَا لم يكن مُسْتَهْلكا للاشارة إِلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهَا) لَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، فَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تصح الدَّعْوَى. بَحر. فَائِدَة: لَا تُسْمَعْ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَة: ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَلِك وَأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ لَهُ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ ابْتَدَأَ بِدَعْوَى الْإِقْرَارِ وَقَالَ إنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 قِيلَ يَصِحُّ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْإِقْرَارِ لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ. بَحْرٌ مِنْ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ. وَسَيَأْتِي متْنا أول الاقرار. قَوْله: (أَي شَرط جَوَاز الدَّعْوَى) أَي صِحَّتهَا. قَوْله: (مجْلِس الْقَضَاء) فِيهِ مناقشته، فَإِن شَرط الشئ خَارج عَن ذَلِك الشئ وَحُضُور مجْلِس القَاضِي مَأْخُوذ فِي مَفْهُوم الدَّعْوَى حَيْثُ عرفهَا فِي الدُّرَر بِأَنَّهَا مُطَالبَة حق عِنْد من لَهُ الْخَلَاص. وَأما على تَعْرِيف الْكَنْز بِأَنَّهَا إِضَافَة الشئ إِلَى نَفسه حَالَة الْمُنَازعَة فَلَا ترد هَذِه المناقشة. أَبُو السُّعُود. وَالْمرَاد بِمَجْلِس القَاضِي مَحل جُلُوسه حَيْثُ اتّفق وَلَو فِي بَيت أَو دكان، إِذْ لَا تسمع الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي القَاضِي، أما نوابه الْآن فِي محاكم الكنارات فَلَا يَصح سماعهم الدَّعْوَى إِلَّا بهَا مَا لم يُطلق لَهُم الاذن بسماعها أَيْنَمَا أَرَادوا، فَإِذا أطلق لَهُم صَارُوا مثله. قَوْله: (وَحُضُور خَصمه) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من بَيَان من يكون خصما فِي الدَّعَاوَى ليعلم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَقد أغفله الشارحون وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. فَأَقُول: فِي دَعْوَى الْخَارِج ملكا مُطلقًا فِي عين فِي يَد مُسْتَأْجر أَو مستعير أَو مُرْتَهن فَلَا بُد من حَضْرَة الْمَالِك وَذي الْيَد، إِلَّا إِذا ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ قبل الاجارة فالمالك وَحده يكون خصما، وتشترط حَضْرَة المزراع إِن كَانَ الْبذر مِنْهُ أَو كَانَ الزَّرْع نابتا وَإِلَّا لَا. وَفِي دَعْوَى الْغَصْب عَلَيْهِ لَا تشْتَرط حَضْرَة الْمَالِك. وَفِي البيع قبل التَّسْلِيم لَا بُد فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة من حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَاسِدا بعد الْقَبْض خصم لمن يَدعِي الْملك فِيهِ وَقبل الْقَبْض الْخصم هُوَ البَائِع وَحده وَأحد الْوَرَثَة ينْتَصب خصما عَن الْكل فالقضاء عَلَيْهِ قَضَاء الْكل وعَلى الْمَيِّت. وَقَيده فِي الْجَامِع بِكَوْن الْكل فِي يَده وَأَن الْبَعْض فِي يَده فبقدره وَالْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخصم فِي إِثْبَات الدّين إِنَّمَا هُوَ خصم فِي إِثْبَات الْوكَالَة أَو الْوِصَايَة، إِلَّا إِذا كَانَ موصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث وَلَا وَارِث فَهُوَ كالوارث. وَاخْتِلَاف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا تسمع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا أَي لاجل المحاصصة. والخصم فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ: الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ والغريم للْمَيت أَو على الْمَيِّت. وقف على صَغِير لَهُ وَصِيّ ولرجل فِيهِ دَعْوَى يَدعِيهِ على مُتَوَلِّي الْوَقْف لَا على الْوَصِيّ لَان الْوَصِيّ لَا يَلِي الْقَبْض. وَلَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعْوَى عَلَيْهِ وتكفي حَضْرَة وَصِيّه دينا أَو عينا بَاشرهُ الْوَصِيّ أَو لَا. وَلَا تشْتَرط حَضْرَة العَبْد والامة عِنْد دَعْوَى الْمولى أَرْشه ومهرها. وَلَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ استهلاكا أَو غصبا وَقَالَ لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وتشترط حَضْرَة الصَّبِي مَعَ أَبِيه أَو وَصِيّه وَإِلَّا نصب لَهُ القَاضِي وَصِيّا، وتشترط حَضرته عِنْد الدَّعْوَى مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْد الدَّعْوَى. وَالْمُسْتَأْجر خصم لمن يَدعِي الاجارة فِي غيبَة الْمَالِك على الاقرب إِلَى الصَّوَاب، وَلَيْسَ بخصم على الصَّحِيح لمن يَدعِي الاجارة أَو الرَّهْن أَو الشِّرَاء وَالْمُشْتَرِي خصم للْكُلّ كالموهوب لَهُ. وَفِي دَعْوَى الْعين الْمَرْهُونَة تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن وَتَصِح الدَّعْوَى على الْغَاصِب وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده، فَلِذَا كَانَ للْمُسْتَحقّ الدَّعْوَى على البَائِع وَحده، وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 لكَونه غَاصبا وَالْمُودع أَو الْغَاصِب إِذا كَانَ مقرا بالوديعة وَالْغَصْب لَا ينْتَصب خصما للْمُشْتَرِي وينتصب خصما لوَارث الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مِنْهُ. وَمن اشْترى شَيْئا بِالْخِيَارِ فَادَّعَاهُ آخر يشْتَرط حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي بَاطِلا لَا يكون خصما للْمُسْتَحقّ، وَإِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْملكِ الْمُطلق وَقضى بِهِ فبرهن البَائِع على النِّتَاج وَبرهن على المُشْتَرِي فِي غيبَة الْمُسْتَحق ليدفع عَنهُ الرُّجُوع بِالثّمن اخْتلف الْمَشَايِخ، والاصح أَنه لَا يشْتَرط حَضرته. وَمِنْهُم من قَالَ: الْمُخْتَار اشْتِرَاطهَا، وَأفْتى السَّرخسِيّ بالاول وَهُوَ الاظهر. والاشبه أَن الْمُوصى لَهُ ينْتَصب خصما للْمُوصى لَهُ فِيمَا فِي يَده، فَإِن لم يقبض وَلَكِن قضى لَهُ بِالثُّلثِ فخاصمه موصي لَهُ آخر: فَإِن إِلَى القَاضِي الَّذِي قضى لَهُ كَانَ خصما، وَإِلَّا فَلَا. وَإِذا ادّعى نِكَاح امْرَأَة وَلها زوج ظَاهر يشْتَرط حَضرته لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَدَعوى النِّكَاح عَلَيْهَا بتزويج أَبِيهَا صَحِيحَة بِدُونِ حَضْرَة أَبِيهَا. وَدَعوى الْوَاهِب الرُّجُوع فِي الْهِبَة للْعَبد عَلَيْهِ صَحِيحَة إِن كَانَ مَأْذُونا، وَإِلَّا فَلَا بُد من حَضْرَة مَوْلَاهُ. وَالْقَوْل للْوَاهِب أَنه مَأْذُون وَلَا تقبل بَيِّنَة العَبْد أَنه مَحْجُور، فَإِن غَابَ العَبْد لم تصح دَعْوَى الرُّجُوع على مَوْلَاهُ إِن كَانَت الْعين فِي يَد العَبْد. وَتَمَامه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. اهـ. قَوْله: (فَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَد إِلَّا أَن يكون ذَلِك ضَرُورِيًّا، كَمَا إِذا توجه الْقَضَاء على الْخصم فاستتر بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور فِي مَوْضِعه. ابْن الْغَرْس: وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إِعَانَة، لَكِن قَالَ فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ نَاقِلا عَن الْخَانِية: غَابَ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يحكم وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ. وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ، وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي الْقَضَاء، فَرَاجعه. وَكَذَا لَا تسمع الشَّهَادَة على غَائِب إِلَّا إِذا التمس الْمُدَّعِي بذلك كتابا حكميا للْقَضَاء بِهِ فَيُجِيبهُ القَاضِي إِلَيْهِ، فَيكْتب إِلَى القَاضِي الْغَائِب الَّذِي بطرفه الْخصم بِمَا سَمعه من الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة ليقضي عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْبَدَائِع. قَوْله: (وَهل يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى) أَي يحضر القَاضِي الْخصم. قَوْله: (فحتى يبرهن) يَعْنِي قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا يحضرهُ إِذا برهن على دَعْوَاهُ لَا للْقَضَاء بهَا بل ليعلم صدقه. وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا تُقَام الْبَيِّنَة على الْخصم وَلَا خصم هُنَا بل يحلفهُ بِاللَّه أَنه صَادِق فِيمَا يَدعِي عَلَيْهِ ليعلم بذلك صدقه، فَإِن حلف أحضر لَهُ خَصمه. قَوْله: (أَو يحلف) أَو لحكاية الْخلاف، لانهما قَوْلَانِ لَا قَوْلٌ وَاحِدٌ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْبُرْهَان والتحليف. قَالَ فِي الْبَحْر: إِن كَانَ فِي الْمصر أَو قَرِيبا مِنْهُ بِحَيْثُ لَو أجَاب يبيت فِي منزله، وَإِن كَانَ أبعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 مِنْهُ قيل يَأْمُرهُ بإقامته الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه والمستور فِي هَذَا يَكْفِي، فَإِذا أَقَامَ يَأْمر إنْسَانا ليحضر خَصمه. وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه، وَإِن حلف أَمر بإحضاره. اهـ. قَالَ قاضيخان: فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة قبلت بَينته للاشخاص لَا للْقَضَاء اهـ: أَي بل لاحضاره، فَإِذا حضر أعَاد الْبَيِّنَة ثَانِيًا، فَإِن عدلت قضى عَلَيْهِ كَمَا فِي شرح أدب القَاضِي. قَالَ الشلبي: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا على خلاف مَا تقدم، فَإِذا أَتَى لَهُم شخص فَقَالَ لي دَعْوَى على شخص يأمرون بإحضاره من غير أَن يستفسروا الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ ليعلموا صِحَّتهَا من فَسَادهَا، وَهَذَا مِنْهُم غَفلَة عَمَّا ذَكرُوهُ أَو جهل بِهِ. اهـ. وَفِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَو اختفى الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْبَيْت بعث إِلَيْهِ القَاضِي نسَاء وأمرهن بِدُخُول دَاره، فَإِن عرفنه، وَإِلَّا عزل النِّسَاء فِي بَيت ثمَّ يدْخل الرِّجَال فيفتشون بَقِيَّة الدَّار، قَالَ هِشَام لمُحَمد: مَا تَقول فِي رجل لَهُ حق على ذِي سُلْطَان فَلم يجِئ مَعَه إِلَى مجْلِس القَاضِي؟ فَأَخْبرنِي أَن أَبَا يُوسُف كَانَ يعْمل بالاعداء وَهُوَ قَول أهل الْبَصْرَة وَبِه نَأْخُذ. والاعداء أَن يبْعَث القَاضِي إِلَى بَابه من يَأْتِيهِ بِهِ، بِأَن يَقُول لَهُ إِن القَاضِي يَدْعُوك إِلَى مجْلِس الحكم، فَإِن أَجَابَهُ فبها، وَإِلَّا جعل القَاضِي وَكيلا عَنهُ. وَلَا يَأْخُذ أَبُو حنيفَة بالاعداء اهـ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يذكر الشارحون هُنَا حكم اسْتِيفَاء ذِي الْحق حَقه من الْغَيْر بِلَا قَضَاء، وأحببت جمعه من موَاضعه تكثرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها، فَإِن كَانَ الْحق حد قذف فَلَا يَسْتَوْفِيه بِنَفسِهِ لَان فِيهِ حق الله تَعَالَى اتِّفَاقًا. والاصح أَن الْغَالِب فِيهِ حَقه تَعَالَى، فَلَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا من يُقيم الْحُدُود وَلَكِن يطْلب الْمَقْذُوف كَمَا بَيناهُ فِي بَابه، وَإِن كَانَ قصاصا فَقَالَ فِي جنايات الْبَزَّازِيَّة: قتل الرجل عمدا وَله ولي لَهُ أَن يقْتَصّ بالسي فَقضى بِهِ أَولا وَيضْرب علاوته، وَلَو رام قَتله بِغَيْر سيف منع، وَإِن فعل عزّر لَكِن لَا يضمن لاستيفائه حَقه اهـ. وَإِن كَانَ تعزيرا فَفِي حُدُود الْقنية: ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يعزران، وَيبدأ بِإِقَامَة التَّعْزِير بالبادئ مِنْهُمَا لانه أظلم وَالْوُجُوب عَلَيْهِ أسبق اهـ. وَأما إِذا شَتمه فَلهُ أَن يَقُول لَهُ مثله، والاولى تَركه كَمَا قدمْنَاهُ فِي مَحَله، بِخِلَاف مَا إِذا قذفه فَلَا يجوز لَهُ أَن يَقُول لَهُ مثله كَمَا إِذا قَالَ لَهُ يَا كلب لانه كذب مَحْض. وَقَالُوا: للزَّوْج أَن يُؤَدب زَوجته، وَله أَن يضْربهَا على عدم إجَابَته إِذا دَعَاهَا لفراشه وَلَا مَانع، وعَلى ترك الزِّينَة وَهُوَ يريدها، وعَلى ضربهَا وَلَده، وعَلى خُرُوجهَا بِغَيْر إِذْنه بِغَيْر حق، وعَلى صعودها على السلط لتطل على الْجِيرَان أَو يَرَاهَا الاجانب، وَحِينَئِذٍ فَلهُ أَن يقفل عَلَيْهَا الْبَاب. وَالصَّحِيح أَنه لَا يضْربهَا على ترك الصَّلَاة كَمَا مر فِي مَوْضِعه مفصلا. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من التَّحْلِيف: وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير لَو مكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ: يَعْنِي لم يخْتَص الامام بإقامته، فَإِن الزَّوْج يُؤَدب الْمَرْأَة وَلَو رأى أحدا يفعل ذَلِك فَلهُ أَن يمنعهُ ويضربه لَو لم ينزجر بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ، وَلَو كَانَ حَقه تَعَالَى لانعكست هَذِه الاحكام اهـ. وَإِن كَانَ عينا. فَفِي إِجَارَة الْقنية: وَلَو غَابَ الْمُسْتَأْجر بعد السّنة وَلم يسلم الْمِفْتَاح إِلَى الْآجر فَلهُ أَن يتَّخذ مفتاحا آخر، وَلَو أجره من غير إِذن الْحَاكِم جَازَ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى وَقد صَارَت حَادِثَة الْفَتْوَى: مَضَت الْمدَّة وَغَابَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَتَاعه فِي الدَّار فأفتيت بِأَن لَهُ أَن يفتح الدَّار ويسكن فِيهَا، وَأما الْمَتَاع فَيَجْعَلهُ فِي نَاحيَة إِلَى حُضُور صَاحبه، وَلَا يتَوَقَّف الْفَتْح على إِذن القَاضِي أخذا مِمَّا فِي الْقنية. وَفِي غصب منية الْمُفْتِي: أخذت أَغْصَان شَجَرَة إِنْسَان هَوَاء دَار آخر فَقطع رب الدَّار الاغصان: فَإِن كَانَت الاغصان بِحَال يُمكن لصَاحِبهَا أَن يشدها بِحَبل ويفرغ هَوَاء دَاره ضمن الْقَاطِع، وَإِن لم يكن لَا يضمن إِذا قطع من مَوضِع لَو رفع إِلَى الْحَاكِم أَمر بِالْقطعِ من ذَلِك الْموضع. اهـ. وَإِن كَانَ دينا، فَفِي مداينات الْقنية رب الدّين إِذا ظفر من جنس حَقه من مَال الْمَدْيُون على صفته فَلهُ أَخذه بِغَيْر رِضَاهُ، وَلَا يَأْخُذ خلاف جنسه كالدراهم وَالدَّنَانِير. وَعند الشَّافِعِي: لَهُ أَخذه بِقدر قِيمَته. وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ: لَهُ أَخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسا، وَلَو أَخذ من الْغَرِيم جنس الْحق غير رب الدّين وَدفعه لرب الدّين. قَالَ ابْن سَلمَة: هُوَ غَاصِب والغريم غَاصِب الْغَاصِب، فَإِن ضمن الْآخِذ لم يصر قصاصا بِدِينِهِ، وَإِن ضمن الْغَرِيم صَار قصاصا. وَقَالَ نصير بن يحيى: صَار قاصصا بِدِينِهِ والآخذ معِين لَهُ، وَبِه يُفْتى. وَلَو غصب غير الدَّائِن جنس الدّين من الْمَدْيُون فغصبه مِنْهُ الدَّائِن، فالمختار هُنَا قَول ابْن سَلمَة اهـ. وَظَاهر قَول أَصْحَابنَا أَن لَهُ الاخذ من جنسه مقرا كَانَ أَو مُنْكرا لَهُ بَيِّنَة أَو لَا، وَلم أر حكم مَا إِذا لم يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِكَسْر الْبَاب ونقب الْجِدَار، وَيَنْبَغِي أَن لَهُ ذَلِك حَيْثُ لَا يُمكنهُ الاخذ بالحاكم وَإِذا أَخذ غير الْجِنْس بِغَيْر إِذْنه فَتلف فِي يَده ضمنه ضَمَان الرَّهْن كَمَا فِي غصب الْبَزَّازِيَّة: رفع عِمَامَة مديونه عَن رَأسه حِين تقضاه الدّين وَقَالَ لَا أردهَا عَلَيْك حَتَّى تقضي الدّين فَتلفت الْعِمَامَة فِي يَده تهْلك هَلَاك الرَّهْن بِالدّينِ. قَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا أمكنه استردادها فَتَركهَا عِنْده. أما إِذا عجز فَتَركهَا لعَجزه فَفِيهِ نظر اهـ. وَأَنت خَبِير بِأَن مَا هُنَا مُشكل، إِذْ يَقْتَضِي أَن الزَّائِد على الدّين أَمَانَة مَعَ كَونه غَاصبا، إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذ غير جنس حَقه، فَتَأمل ذَلِك. وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الرَّهْن، تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأسه وَأَعْطَاهُ منديلا فلفه عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْده رَضِي بِكَوْنِهَا رهنا، وَسَيَأْتِي فِي الرَّهْن متْنا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تكن رهنا اهـ. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَخذ عِمَامَة مديونه لتَكون رهنا لم يجز أَخذه وهلكه كرهن، وَهَذَا ظَاهر لَو رَضِي الْمَدْيُون بِتَرْكِهِ رهنا. اهـ. والتوفيق بَين النقول ظَاهر، فَتَأمل، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (منية) عبارتها إِذا طلب من القَاضِي إِحْضَار الْخصم وَهُوَ خَارج الْمصر، إِن كَانَ الْوَضع قَرِيبا بِحَيْثُ لَو ابتكر من أَهله أمكنه أَن يحضر مجْلِس القَاضِي ويجيب خَصمه ويبيت فِي منزله يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمصر، وَإِن كَانَ أبعد قيل يَأْمر بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه. وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه وَإِن حلف يَأْمر بإحضاره. اهـ. كَمَا قدمْنَاهُ بأوضح من هَذَا. قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الْمُدَّعَى) أَيْ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَقدره بالاجماع، لَان الْغَرَض إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا إِلْزَام فِيمَا لَا يعلم جنسه وَقدره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بِاشْتِرَاط معلومية الْجِنْس وَالْقدر إِلَى أَنه لَا بُد من بَيَان الْوَزْن فِي الموزونات. وَفِي دَعْوَى وقر رمان أَو سفرجل لَا بُد من ذكر الْوَزْن للتفاوت فِي الوقر، وَيذكر أَنه حُلْو أَو حامض أَو صَغِير أَو كَبِير. وَفِي دَعْوَى الكعك يذكر أَنه من دَقِيق المغسول أَو من غَيره، وَمَا عَلَيْهِ من السمسم أَنه أَبيض أَو أسود وَقدر السمسم. وَقيل لَا حَاجَة إِلَى السمسم وَقدره وَصفته. وَفِي دَعْوَى الابريسم بِسَبَب السّلم لَا حَاجَة إِلَى ذكر الشَّرَائِط، وَالْمُخْتَار أَنه لَا بُد من ذكر الشَّرَائِط. وَفِي الْقطن يشْتَرط بَيَان أَنه بخاري أَو خوارزمي. وَفِي الْحِنَّاء لَا بُد من بَيَان أَنه مدقوق أَو ورق. وَفِي الديباج إِن سلما يذكر الاوصاف وَالْوَزْن، وَإِن عينا لَا حَاجَة إِلَى ذكر الْوَزْن وَيذكر الاوصاف، وَلَا بُد من ذكر النَّوْع وَالْوَصْف مَعَ ذكر الْجِنْس وَالْقدر فِي المكيلات، وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأس المَال وَغَيره ونوعه وَصفته وَقدره بِالْوَزْنِ إِن كَانَ وزنيا، وانتقاده بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ. وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ قَليلَة يَكْتَفِي بقوله بِسَبَب كَذَا صَحِيح. وَإِن ادّعى ذَهَبا أَو فضَّة فَلَا بُد من بَيَان جنسه ونوعه إِن كَانَ مَضْرُوبا كبخاري الضَّرْب وصنعته جيدا أَو وسطا أَو رديئا إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة. وَفِي الْعِمَادِيّ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود وأحدها أروج لَا تصح الدَّعْوَى مَا لم يبين. وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة وخزانة الْمُفْتِينَ اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو قَالَ بسلم صَحِيح وَلم يذكر الشَّرَائِط، كَانَ شمس الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَغَيره لَا، لَان شَرَائِط مِمَّا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص وَيخْتَلف فِيهِ بَعْضهَا. وَفِي الْمُنْتَقى: لَو قَالَ بِبيع يَكْفِي، وعَلى هَذَا كل مَا لَهُ شَرَائِط كَثِيرَة لَا يَكْتَفِي فِيهِ بقوله بِسَبَب صَحِيح، وَإِذا قلت الشَّرَائِط يَكْتَفِي بِهِ. أجَاب شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنه لَا يَصح كَمَا فِي السّلم لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَلَعَلَّهُ صَحِيح على اعْتِقَاده لَا فِي الْوَاقِع وَلَا عِنْد الْحَاكِم، والحنفي يعْتَقد عدم صِحَة الْكفَالَة بِلَا قبُول فَيَقُول كفل وَقبل الْمَكْفُول لَهُ فِي الْمجْلس فَيصح وَيذكر فِي الْقَرْض وأقرضه مِنْهُ مَال نَفسه لجَوَاز أَن يكون وَكيلا فِي الاقراض من غَيره وَالْوَكِيل سفير فِيهِ فَلَا يملك الطّلب وَيذكر أَيْضا قبض الْمُسْتَقْرض وَصَرفه إِلَى حَوَائِجه ليَكُون دينا بالاجماع، فَإِن كَونه دينا عِنْد الثَّانِي مَوْقُوف على صرفه واستهلاكه، وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (إِذْ لَا يقْضِي بِمَجْهُول) أَي لَان فَائِدَة الدَّعْوَى الْقَضَاء بهَا وَلَا يقْضِي بِمَجْهُول فَلَا تصح دَعْوَى الْمَجْهُول. وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْب، لما فِي الْخَانِية: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْب. اهـ. فالدعوى بالاولى. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَفَسَادُ الدَّعْوَى، إمَّا أَنْ لَا يكون لزمَه شئ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُول بِلَا خلاف اهـ. فبلغت المستثنيات خَمْسَة. اهـ. وَفِي الاشباه: وَلَا يحلف على مَجْهُول إِلَّا فِي مسَائِل: الاولى: إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 الثَّانِيَة: إِذا اتهمَ مُتَوَلِّي الْوَقْف فَإِنَّهُ يحلفهما نظرا للْوَقْف واليتيم. الثَّالِثَة: إِذا ادّعى الْمُودع خِيَانَة مُطلقَة. الرَّابِعَة: الرَّهْن الْمَجْهُول. الْخَامِسَة: دَعْوَى الْغَصْب. السَّادِسَة: دَعْوَى السّرقَة. اهـ. قَوْله: (وَلَا يُقَال مدعى فِيهِ) قَالَ الْحلَبِي: تعديته بفي لم أرها فَليُرَاجع. اهـ. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: لم أجد فِي كتاب أَن الْمُدعى فِيهِ خطأ أَو لَغْو، وَلَعَلَّ الشَّارِح وجده. اهـ. وَفِي طلبة الطّلبَة: وَلَا يُقَال مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ المتفقهة إِلَّا أَنه مَشْهُورٌ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ مَهْجُورٍ. حَمَوِيٌّ. أَقُول: وَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَمَّا قَالَه الشَّارِح من أَن الادعاء يضمن معنى الاخبار فيعدي بِالْبَاء. تَأمل. قَوْله: (إِلَّا أَن يتَضَمَّن الاخبار) فِي بعض النّسخ إِلَّا بتضمن الاخبار بِحَذْف أَن وبالباء الْمُوَحدَة فِي تضمن: أَي فعل الدَّعْوَى يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَيُقَال ادَّعَاهُ، وَقد يضمن معنى الاخبار فَيُقَال ادّعى بِأَرْض أَي أخبر بِأَنَّهَا لَهُ فَهُوَ رَاجع إِلَى بِهِ وَبَقِي الاول على عُمُومه. قَوْله: (وَكَونهَا ملزمة) فَلَا تصح دَعْوَى التَّوْكِيل على مُوكله الْحَاضِر لامكان عَزله. بَحر. قَوْله: (وظهوره) أَي الْكَذِب وَهُوَ بِالْجَرِّ عطفا على تَيَقّن. قَوْله: (كدعوى مَعْرُوف بالفقر) وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء. منح: أَي إِن ادّعى لنَفسِهِ، أما لَو ادّعى وكَالَة عَن غَنِي فَيصح كَمَا صرح بِهِ ابْن الْغَرْس لانه غير مُسْتَحِيل عَادَة. قَوْله: (أَنه أقْرضهُ إِيَّاهَا) نَقْدا منح. قَوْله: (دفْعَة وَاحِدَة) ظَاهر التَّقْيِيد بِمَا ذكر أَنه إِذا ادَّعَاهَا ثمن عقار كَانَ لَهُ أَو ادَّعَاهَا قرضا بدفعات أَن تسمع دَعْوَاهُ. قَوْله: (وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ) فِي القضايا الْحكمِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَمن شُرُوط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكون الْمُدَّعِي بِهِ مِمَّا يحْتَمل الثُّبُوت بِأَن يكون مستحيلا عقلا أَو عَادَة، فَإِن الدَّعْوَى وَالْحَال مَا ذكر ظَاهِرَة الْكَذِب فِي المستحيل العادي يقينية الْكَذِب فِي المستحيل الْعقلِيّ مثلا، الدَّعْوَى بالمستحيل العادي دَعْوَى من هُوَ مَعْرُوف بالفقر وَالْحَاجة، وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء وَيَدعِي على آخر أَنه أقْرضهُ مائَة ألف دِينَار ذَهَبا نَقْدا دفْعَة وَاحِدَة وَأَنه تصرف فِيهَا بِنَفسِهِ ويطالبه برد بدلهَا فَمثل هَذِه الدَّعْوَى لَا يلْتَفت إِلَيْهَا القَاضِي لخروجها مخرج الزُّور والفجور، وَلَا يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جوابها اهـ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِي إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْر فِي آخر بَاب التَّحَالُف وَالله أعلم هَل مَنْقُول أَو قَالَه تفقها كَمَا وَقع لي ثمَّ ذكر نَحْو مَا ذكره ابْن الْغَرْس، إِلَى أَن قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: غصب لي مَالا عَظِيما كنت ورثته من مورثي الْمَعْرُوف بالغنى فَحِينَئِذٍ تسمع. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْمَذْهَبِ فُرُوعٌ تَشْهَدُ لَهُ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي آخر فصل التَّحَالُف. قَوْله: (حَتَّى لَو سكت) لَا يظْهر التَّفْرِيع ط. قَالَ فِي الْبَحْر: وَزَاد الزَّيْلَعِيّ وجوب الْحُضُور على الْخصم، وَفِيه نظر لَان حُضُوره شَرطهَا كَمَا قدمْنَاهُ فَكيف يكون وُجُوبه حكمهَا الْمُتَأَخر عَنْهَا اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 وَأَقُول: وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: وَحكمهَا وجوب الْجَواب على الْخصم إِذا صحت، وَيَتَرَتَّب على صِحَّتهَا وجوب إِحْضَار الْخصم، والمطالبة بِالْجَوَابِ بِلَا أَو نعم، وَإِقَامَة الْبَيِّنَة أَو الْيَمين إِذا أنكر. اهـ. فَلَيْسَ فِي كَلَام الزَّيْلَعِيّ مَا يُفِيد أَنه جعل وجوب الْحُضُور حكما. وَغَايَة مَا اسْتُفِيدَ من كَلَامه أَن القَاضِي لَا يحضرهُ بِمُجَرَّد طلب الْمُدَّعِي بل بعد سَمَاعه دَعْوَاهُ، فَإِن رَآهَا صَحِيحَة أحضرهُ لطلب الْجَواب وَإِلَّا فَلَا، فَتدبر. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وسنحققه) أَي فِي شرح قَول المُصَنّف وَقضى بِنُكُولِهِ مرّة. قَوْله: (تعلق الْبَقَاء) أَي بَقَاء عَالم الْمُكَلّفين. قَوْله: (الْمُقدر) أَي الْمُحكم وَهُوَ نعت الْبَقَاء: أَي الَّذِي قدره الله تَعَالَى. قَوْله: (بتعاطي الْمُعَامَلَات) أَي بِسَبَب تعَاطِي الْمُعَامَلَات، وَهُوَ مُتَعَلق بتعلق: أَي والمعاملات من نَحْو البيع والاجارة والاستئجار وَغير ذَلِك يجْرِي فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان والاقرار والجحود وَالتَّوْكِيل وَغير ذَلِك، فَكَانَت الدَّعْوَى مِمَّا يتقضي بَقَاءَهُ، لانه لَو أهملت لضاعت أَحْوَاله، لَان الانسان مدنِي بالطبع لَا يُمكن أَن يقوم بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَالدَّعْوَى من الْمُعَامَلَات، فَمَا كَانَ سَببا للمعاملات وَهُوَ تعلق الْبَقَاء كَانَ سَببا لَهَا. قَوْله: (فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا) أَي مجحودا غير وَدِيعَة، أما الْمقر بِهِ لَا يلْزم إِحْضَاره لانه يَأْخُذهُ من الْمقر، وَكَذَا لَو كَانَ وَدِيعَة لَا يَصح الامر بإحضارها إِذْ الْوَاجِب فِيهَا التَّخْلِيَة لَا النَّقْل ط. وَيرد عَلَيْهِ أَن الدَّعْوَى فِي الْعين الْوَدِيعَة إِنَّمَا تكون إِذا جَحدهَا، وَحِينَئِذٍ فَتكون مَغْصُوبَة، وَالْعين الْمَغْصُوبَة يُكَلف إحضارها. تَأمل. والقهستاني زَاد: وَذكر فِي الخزانة أَنهم لَو شهدُوا بشئ مغيب عَن الْمجْلس قبلت وَإِن أمكن إِحْضَاره، بِخِلَاف مَا قَالَ بعض الْجُهَّال إِنَّه لَا تقبل اهـ. لكنه غَرِيب فَلْيتَأَمَّل، وَيَأْتِي خِلَافه. قَوْله: (وَذكر الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ) فَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ بِإِحْضَارِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَرَدَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ هَذَا اسْتِصْحَابٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدّفع لَا فِي الاثبات، وَلَا شكّ أَن مَا ذكر من قبيل الاثبات. قَالَ صَاحب التَّوْضِيح: وَمن الْحجَج الْفَاسِدَة الِاسْتِصْحَاب، وَهُوَ حجَّة عِنْد الشَّافِعِي فِي كل مَا يثبت وجوده بِدَلِيل ثمَّ وَقع الشَّك فِي بَقَائِهِ. وَعِنْدنَا حجَّة للدَّفْع لَا للاثبات، إِذْ الدَّلِيل الْمُوجب لَا يدل على الْبَقَاء وَهَذَا ظَاهر اهـ. قَوْله: (بِغَيْر حق لاحْتِمَال كَونه مَرْهُونا الخ) فَإِن الشئ قد يكون فِي يَد غير الْمَالِك بِحَق كَالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن وَالْمَبِيع فِي يَد البَائِع لاجل قبض الثّمن. قَالَ صدر الشَّرِيعَة: هَذِه عِلّة تَشْمَل الْعقار أَيْضا، فَمَا وَجه تَخْصِيص الْمَنْقُول بِهَذَا الحكم؟ أَقُول: دراية وَجهه مَوْقُوفَة على مقدمتين مسلمتين. إِحْدَاهمَا: أَن دَعْوَى الاعيان لَا تصح إِلَّا على ذِي الْيَد كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِنَّمَا ينْتَصب خصما إِذا كَانَ فِي يَده. وَالثَّانيَِة: أَن الشُّبْهَة مُعْتَبرَة يجب دَفعهَا لَا شُبْهَة الشُّبْهَة، كَمَا قَالُوا: إِن شُبْهَة الرِّبَا مُلْحقَة بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَة الشُّبْهَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 إِذا عرفتهما فَاعْلَم أَن فِي ثُبُوت الْيَد على الْعقار شُبْهَة لكَونه غير مشَاهد، بِخِلَاف الْمَنْقُول فَإِن فِيهِ مُشَاهدَة فَوَجَبَ دَفعهَا فِي دَعْوَى الْعقار بإثباته بِالْبَيِّنَةِ لتصح الدَّعْوَى، وَبعد ثُبُوته يكون احْتِمَال كَون الْيَد لغير الْمَالِك شُبْهَة الشُّبْهَة فَلَا يعْتَبر. وَأما فِي الْيَد فِي الْمَنْقُول فلكونه مشاهدا لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته. لَكِن فِيهِ شُبْهَة كَون الْيَد لغير الْمَالِك فَوَجَبَ دَفعهَا لتصح الدَّعْوَى. اهـ. قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قد نَشأ من كَلَام صدر الشَّرِيعَة هَذَا كَلِمَات للفضلاء الْمُتَأَخِّرين، وعد كل مِنْهُم مَا طولوا تَحْقِيقا وَمَا لخصوا تدقيقا، وَقد وَقع بَينهم تدافع فذيلوا كَلَامهم بِالْحَمْد لله على كَونهم مهتدين لما منحوا. أَقُول: وَمن الله التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق والتدقيق: إِنَّه لَا خَفَاء فِي أَنه لَا اخْتِصَاص لقَوْله بِغَيْر حق بالمنقول لَان مفاده دفع احْتِمَال كَون الْمُدَّعِي مَرْهُونا أَو مَحْبُوسًا بِالثّمن فِي يَده، فَفِي الْمَنْقُول: كَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الدّفع احْتَاجَ فِي الْعقار أَيْضا. وَمن ذَلِك أَن الْمَشَايِخ صَرَّحُوا فِي هَذَا الدّفع بِأَنَّهُ وَجب أَن يَقُول فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق، وَأَن يذكر فِي الْعقار أَنه يُطَالِبهُ، لَان ظَاهر حَال الطَّالِب أَن لَا يُطَالِبهُ إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ الطّلب وَذَا لَا يكون إِذا كَانَ فِي يَد غَيره بِحَق، فمطالبته بالعقار تَتَضَمَّن قَوْله بِغَيْر حق، وَلذَلِك دفعت هَذَا الِاحْتِمَال كَمَا صرح بِهِ فِي الْهِدَايَة. وَقد قَالَ ظهير الدّين المرغيناني: إِنَّه لَا بُد فِي دَعْوَى الْعقار من معرفَة القَاضِي كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، فيذكر الْمُدَّعِي أَنه فِي يَده الْيَوْم بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة. وَأَيْضًا لَا اخْتِصَاص فِي الْمُطَالبَة بالعقار، إِلَّا أَن وُجُوبهَا لما كَانَ بعد إِحْضَار الْمَنْقُول وتضمنها طلب الاحضار فِي الْجُمْلَة لم يحتاجوا إِلَى التَّصْرِيح بهَا، وَللَّه دِرْهَم فِي التَّحْقِيق والتدقيق. إِذا عرفت هَذَا ظهر أَن إِشْكَال صدر الشَّرِيعَة سَاقِط عَن أصل، وَأَنه لَا فرق بَينهمَا فِي الِاحْتِيَاج إِلَى هَذَا الدّفع. نعم وجد الْفرق بَينهمَا وَهُوَ أَن الْمَنْقُول لما غلب فِيهِ الاعارة وَالرَّهْن بل البيع وَجرى الْغَصْب عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ دون الْعقار أوجبوا فِي الْمَنْقُول التَّصْرِيح بِأَنَّهُ فِي يَده بِغَيْر حق، واكتفوا فِي الْعقار بتضمن كَلَامه هَذَا الْمَعْنى. وَأَيْضًا مَا ذكره المُصَنّف هُنَا يصلح أَن يكون عِلّة أَيْضا للُزُوم التَّصْرِيح فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق وللاكتفاء بتضمن كَلَامه ذَلِك فِي الْعقار هَذَا، خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ، وَلَا تعجب من تَبْدِيل كَلِمَات جم غفير فَإِنَّهُ ثَمَرَة الانتباه. وَلَا مبدل لكلمات الله. وَلَا يشاركها فِيهِ كَلِمَات من سواهُ يورثه من يَشَاء * ((7) الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله) * (الاعراف: 34) وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. قَوْله: (وَطلب الْمُدَّعِي إِحْضَاره) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُودِعًا، فَإِذن ادَّعَى عَيْنَ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا بَلْ يُكَلف التَّخْلِيَة كَمَا تقدم قَرِيبا. وَنَقله فِي الْبَحْر عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ. قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: ثمَّ إِذا حضر ذَلِك الشئ إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه يجوز لَان اللَّام للتَّمْلِيك، وَكَذَلِكَ إِن شهدُوا بِأَن هَذَا مَالك لَهُ أَو شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ للْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إِشْكَال فِيهِ، إِنَّمَا الاشكال فِيمَا لَو ادّعى أَنه أقرّ بِهَذَا الشئ وَلم يدع بِأَنَّهُ ملكي وَأقَام الشُّهُود على ذَلِك هَل يقبل وَهل يقْضِي بِالْملكِ؟ مِنْهُم من يَقُول نعم، فقد ذكرنَا أَن الشُّهُود لَو شهدُوا بِأَن هَذَا أقرّ بِهَذَا الشئ لَهُ تقبل وَإِن لم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرهم على أَنه لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 تصح الدَّعْوَى مَا لم يقل أقرّ بِهِ وَهُوَ ملكي، لَان الاقرار خبر وَالْخَبَر يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كَانَ كذبا لَا يُوجب وَالْمُدَّعِي يَقُول أقرّ بِهِ لي يصير مُدعيًا للْملك والاقرار غير مُوجب لَهُ فَلم تُوجد دَعْوَى الْملك، فَلهَذَا شَرط قَوْله وَهُوَ ملكي، بِخِلَاف الشَّهَادَة لَان الثَّابِت بهَا كَالثَّابِتِ بالمعاينة. اهـ. مُلَخصا. قَوْله: (إِن أمكن) المُرَاد بالممكن مَا لَا مُؤنَة فِي نَقله لَا مَا يُمكن مُطلقًا، لِئَلَّا يلْزم تَكْلِيفه الاحضار مَعَ الامكان وَلَو فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة مَعَ أَنه لَا يلْزمه. أَبُو السُّعُود. وَقيل فِي كَلَام الْمُتُون مساهلة، لَان فِي دَعْوَى عين وَدِيعَة لَا يُكَلف إحضارها وَإِنَّمَا يُكَلف التَّخْلِيَة. أَقُول: سوق الْكَلَام على أَن الْمُدَّعِي الْوَاجِب إِحْضَاره مَا يكون فِي يَد الْخصم بِغَيْر حق، والوديعة لَيست كَذَلِك فَلَا يشملها صدر الْكَلَام حَتَّى يحْتَاج إِلَى تدارك إخْرَاجهَا هُنَا كَمَا لَا يخفى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: بالانكار لَهَا صَارَت غصبا فيكلف إحضارها كَمَا قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا فَتدبر. قَوْله: (فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره) قدره ليُفِيد وُجُوبه، وَهَذَا إِذا لم يكن هَالكا وَلَا غَائِبا وَلَا مُمْتَنع الْوُصُول إِلَيْهِ بِسَبَب من الاسباب وَلَا يحْتَاج إِلَى حمل وَمؤنَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: ليشار إِلَيْهِ فِي الدَّعْوَى بِأَن يَقُول هَذَا ثوبي مثلا، لَان الاعلام أقْصَى مَا يُمكن شَرط وَذَلِكَ بالاشارة فِي الْمَنْقُول لَان النَّقْل مُمكن والاشارة أبلغ فِي التَّعْرِيف. قَوْله: (وَالشَّهَادَة) بِأَن يَقُول الشَّاهِد أشهد أَن هَذَا الثَّوْب لهَذَا الْمُدَّعِي مثلا. قَوْله: (والاستحلاف) بِاللَّه الْعَظِيم هَذَا الثَّوْب لي وَهُوَ فِي يدك بِغَيْر حق. قَوْلُهُ: (بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهَا مُؤْنَةٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّحَى وَالصُّبْرَةِ فَذِكْرُهُ هَهُنَا سَهْو. قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِنْ قُلْت ذَكَرَهُ فِي الخزانة. والاولى فِي التَّرْكِيب أَن يَقُول: إِن تعذر إِحْضَار الْعين بهلاكها أَو غيبتها أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة أَو يَقُول وَهُوَ مُقَيّد بِمَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا إِذا كَانَت الْعين قَائِمَة، فَلَو كَانَت هالكة فَهُوَ كدعوى الدّين فِي الْحَقِيقَة كَمَا فِي جَامع الْفَتَاوَى. قَالَ فِي الْبَحْر: وَتَفْسِير الْحمل والمؤنة كَونه بِحَال لَا يحمل إِلَى مجْلِس القَاضِي إِلَّا بِأُجْرَة مجَّانا، وَقيل مَا لَا يُمكن حمله بيد وَاحِدَة، وَقيل مَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كبر وشعير لَا مَا لَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كمسك وزعفران قَلِيل، وَقيل مَا اخْتلف سعره فِي الْبلدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حمل وَمؤنَة لَا مَا اتّفق. اهـ. وَعبارَة ابْن الْكَمَال متْنا وشرحا: وَهِي إِنَّمَا تصح فِي الدّين بِذكر جنسه وَقدره. وَفِي الْعين الْمَنْقُول: أَي الَّذِي يحْتَمل النَّقْل بالاشارة إِلَيْهِ، فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره مجْلِس القَاضِي إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت: ذكره فِي الخزانة. حضر الْحَاكِم عِنْده أَو بعث أَمينا. اهـ. فَتَأَمّله. وَتَأمل هَذَا الشَّارِح فَإِنَّهُ ظَاهر فِي أَنه إِذا كَانَ فِي النَّقْل مُؤنَة يَكْتَفِي بِذكر الْقيمَة مَعَ أَن الْمُصَرّح بِهِ أَنه فِي صُورَة التعسر يحضرهُ الْحَاكِم أَو يبْعَث أَمِينه ليشير إِلَيْهَا كَمَا سيجئ قَرِيبا، وَذكر الْقيمَة إِنَّمَا هُوَ فِي المتعذر إِحْضَاره حَقِيقَة بِأَن يكون هَالكا أَو حكما بِأَن يكون غَائِبا، وَإِن لم يكن بِهَذِهِ المثابة بِأَن كَانَ متعسر الاحضار مَعَ بَقَائِهِ كالرحى وصبرة الطَّعَام وقطيع الْغنم أرسل القَاضِي أَمِينه أَو أحضرهُ بِنَفسِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يذكرهَا بعد قَوْله فِيمَا سَيَأْتِي وَإِن تعذر إحضارها وَكَانَ الاولى للماتن أَن يَقُول: وَإِن تعسر بدل تعذر، لَان الرحمى وصبرة الطَّعَام من قبيل المتعسر كَمَا هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي غير كتاب، فَتَأمل. لَكِن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 الَّذِي عَلَيْهِ الْمجلة بِمُوجب الامر الشريف السلطاني أَن الْمَنْقُول مَتى احْتَاجَ إِحْضَاره لمصرف وَلَا يُمكن إِلَّا بذلك فَيَكْفِي فِيهِ التَّعْرِيف وَذكر الْقيمَة كَمَا فِي مَادَّة 0261 ومادة 1261. قَوْله: (أَو غيبتها) أَي بِحَيْثُ لَا يُمكن إحضارها وَلَا حُضُور القَاضِي بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لبعد مَسَافَة أَو مَانع آخر فَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة الْهَلَاك فقد تعذر إحضارها حَقِيقَة فِي الْهَلَاك وَحكما فِي الْغَيْبَة فيكتفي بِذكر قيمتهَا، وَلذَا قَالَ قاضيخان: بِأَن لَا يدْرِي مَكَانهَا. قَوْله: (لانه) أَي الْمَذْكُور وَهُوَ الْقيمَة، وَهَذَا مِمَّا يزِيد الْعبارَة غموضا لاحتياجه إِلَى التويل وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف من النَّاسِخ. والاولى أَن يُقَال: لانها أَي الْقيمَة مثلهَا: أَي مثل الْعين كَمَا فِي شَرحه الْمُلْتَقى. قَوْله: (مثله) أَي مثل مَا يَدعِيهِ، وَهُوَ عِلّة لقَوْله وَذكر قِيمَته عِنْد تعذر إِحْضَار الْعين فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَان ذكر الْقيمَة مثل إِحْضَار الْعين، لَان الْمَقْصُود من الْمُدَّعِي مَالِيَّته وَالْقيمَة تماثله فِي الْمَالِيَّة فصح تذكير الضميرين، وَقد قَالُوا: قيمَة القيمي كعينه. قَوْله: (وَإِن تعذر) المُرَاد بالتعذر هُنَا التعسر. قَوْله: (مَعَ بَقَائِهَا) أَي وَالْحَال أَن القَاضِي يُمكنهُ أَن يحضرها بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لتفترق عَمَّا قدمه من قَوْله أَو غيبتها. قَوْله: (بعث القَاضِي الخ) لَان أَمِينه يقوم مقَام نَفسه، فَلَو ذهب بِنَفسِهِ لَكَانَ هُوَ الاصل فَلَا شُبْهَة فِي صِحَّته، وَمثله مَا ذكره ابْن الْكَمَال حَيْثُ قَالَ: فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره إلَّا إذَا تَعَسَّرَ، بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت. ذكره فِي الخزانة. حضر القَاضِي عِنْده أَو بعث أَمينا. اهـ. وَهِي الَّتِي قدمهَا الشَّارِح، وَقدمنَا أَنه ذكرهَا فِي غير محلهَا لانه جعلهَا مِثَالا لما تعذر نَقله وَأَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة، وَالْحَال أَنه مِمَّا تعسر لَا مِمَّا تعذر، وَأَن الحكم فِيهِ أَن الْحَاكِم يحضر عِنْده أَو يبْعَث أَمينا وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة كَمَا تفيده عبارَة ابْن الْكَمَال الَّتِي نقل الشَّارِح عَنهُ. تَأمل. قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: من المنقولات مَا لَا يُمكن إِحْضَاره عِنْد القَاضِي كالصبرة من الطَّعَام والقطيع من الْغنم، فَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ حضر ذَلِك الْموضع لَو تيَسّر لَهُ ذَلِك، وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ الْحُضُور وَكَانَ مَأْذُونا بالاستخلاف بعث خَلِيفَته إِلَى ذَلِك، وَهُوَ نَظِير مَا إِذا كَانَ القَاضِي يجلس فِي دَاره وَوَقع الدَّعْوَى فِي جمل لَا يسع بَاب دَاره فَإِنَّهُ يخرج إِلَى بَاب دَاره أَو يَأْمر نَائِبه حَتَّى يخرج ليشير إِلَيْهِ الشُّهُود بِحَضْرَتِهِ. وَتَمَامه فِي الدُّرَر. قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الدَّابَّة يُخَيّر القَاضِي، إِن شَاءَ خرج إِلَيْهَا، وَإِن شَاءَ بعث إِلَيْهَا من يسمع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة بحضرتها كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. اهـ. لَكِن قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: فَإِن كَانَت دَابَّة وَلَا يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا وَلَا تتأتى الاشارة من الشُّهُود وَالْمُدَّعِي وَهُوَ على بَاب الْمَسْجِد يَأْمر بإدخالها فَإِنَّهُ جَائِز عِنْد الْحَاجة. أَلا ترى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَاف بِالْبَيْتِ على نَاقَته مَعَ أَن حُرْمَة الْمَسْجِد الْحَرَام فَوق حُرْمَة سَائِر الْمَسَاجِد، وَإِن كَانَ يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يدخلهَا لانه لَا يَأْمَن مَا يكون مِنْهَا وَالْحَاجة منعدمة اهـ. قَوْله: (وَإِلَّا تكن بَاقِيَة الخ) هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ. وَالْحَاصِل: أَن الْمُدعى بِهِ إِن أمكن إِحْضَار عينه، وَلم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة كلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِحْضَاره، وَإِن لم يُمكن بِأَن تعذر لهلاك الْعين أَو غيبتها، أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة ذكر الْمُدَّعِي الْقيمَة، وَإِن لم تكن هالكة وَلَا غَائِبَة وَلَا يُمكن إحضارها إِلَى مجْلِس القَاضِي لتعذره كبستان ورحى أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 تعسره كصبرة وقطيع غنم خير الْحَاكِم: إِن شَاءَ حضر بِنَفسِهِ لانه الاصل، أَو بعث أَمِينه. وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْمجلة من أَنه إِذا لم يكن إِحْضَار الْمَنْقُول إِلَّا بمصرف يَكْفِي تَعْرِيفه وَذكر قِيمَته. قَوْلُهُ: (بِذِكْرِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعِي تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ، فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقيمَة لانها شئ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ. غَايَةَ الْبَيَانِ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ لِلتَّوْصِيفِ لِأَنَّهُ لَا يُجْدِي بِدُونِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ ذِكْرِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أُشِيرَ إلَى ذَلِك فِي الْهِدَايَة. اهـ. وَفِي قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ إشَارَةٌ إِلَى أَنه لَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَةِ وَالسِّنِّ فِي الدَّابَّةِ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْعمادِيَّة. وَقَالَ السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم: إنَّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ لِلْمُدَّعِي لَازِمَةٌ إذَا أَرَادَ أَخْذَ عَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ فِي الْقِيَمِيِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي مَحَاضِرِ الخزانة اهـ. فَرْعٌ: وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ: إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ لِأَنَّهَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (وَقَالُوا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَيْنَ كَذَا الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأطلق فِي بَيَان وجوب الْقيمَة عِنْد التَّعَذُّر واستثنوا مِنْهُ دَعْوَى الْغَصْب وَالرَّهْن. فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى عينا غَائِبا لَا يعرف مَكَانَهُ بِأَن ادّعى أَنه غصب مِنْهُ ثوبا أَو قِنَا وَلَا يدْرِي قِيَامه وهلاكه، فَلَو بَين الْجِنْس وَالصّفة وَالْقيمَة تقبل دَعْوَاهُ، وَإِن لم يبين قِيمَته أَشَارَ فِي عَامَّة الْكتب إِلَى أَنَّهَا تقبل، فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الرَّهْن لَو ادّعى أَنه رهن عِنْده ثوبا، وَهُوَ يُنكر تسمع دَعْوَاهُ. وَذكر فِي كتاب الْغَصْب: ادّعى أَنه غصب مِنْهُ أمة وَبرهن تسمع. وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: إِنَّمَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا ذكر الْقيمَة، وَهَذَا تَأْوِيل مَا ذكر فِي الْكتاب أَن الشُّهُود شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ، فَيثبت غصب الْقِنّ بِإِقْرَارِهِ فِي حق الْحَبْس وَالْحكم جَمِيعًا، وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل، وَلَكِن فِي حق الْحَبْس وَإِطْلَاق مُحَمَّد فِي الْكتاب يدل عَلَيْهِ. وَمعنى الْحَبْس: أَن يحْبسهُ حَتَّى يحضرهُ ليعيد الْبَيِّنَة عَليّ عينه، فَلَو قَالَ لَا أقدر عَلَيْهِ حبس قدر مَا لَو قدر أحضرهُ ثمَّ يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه اهـ. وَلم يبين الحكم فِيمَا إِذا لم يدر قيمتهَا أَيْضا. قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ، ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نكل عَن الْيَمين، فَلْيتَأَمَّل. فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيق اهـ. وَقَوله فائدتها توجه الْيَمين: أَي حَيْثُ لَا بَيِّنَة، وَإِلَّا ففائدتها الْحَبْس كَمَا علمت. وَقَوله ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل وَلَكِن فِي حق الْحَبْس لَا الحكم، وَقدر الْحَبْس بشهرين كَمَا فِي الْخَانِية. وَالْحَاصِل: أَنه فِي دَعْوَى الرَّهْن وَالْغَصْب لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَيكون القَوْل فِي الْقيمَة للْغَاصِب وَالْمُرْتَهن. بَحر: أَي مَعَ الْيَمين كَمَا هُوَ الظَّاهِر. قُلْت: وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ: دَعْوَى الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ فَإِن فيهمَا: يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خلاف اهـ. فَهِيَ خَمْسَة. قَوْله: (وَلِهَذَا) أَي لسَمَاع الدَّعْوَى فِي الْغَصْب وَإِن لم يذكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 الْقيمَة. قَوْله: (مُخْتَلفَة الْجِنْس وَالنَّوْع) كثياب ودواب فَإِن تحتهَا أنواعا. قَوْله: (كفى ذَلِك الاجمال) أَي وَلَا يشْتَرط التَّفْصِيل. هندية. قَوْله: (على الصَّحِيح) كَمَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ وقاضيخان. هندية. قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ عَلَى الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (أَو يحلف) أَي عِنْد عدم الْبُرْهَان. قَوْله: (على الْكل مرّة) أَي وَلَا يحْتَاج أَن يحلفهُ على كل وَاحِد بِخُصُوصِهِ، خلافًا لمن اخْتَار ذَلِك رَاجع مَا هُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِك. قَوْله: (لانه) عِلّة لِلْعِلَّةِ. قَوْله: (وَقيل فِي دَعْوَى السّرقَة) حَكَاهُ يقبل، لَان ثُبُوت حق الِاسْتِرْدَاد أَو تضمين الْقيمَة لَا يتَوَقَّف على ذَلِك، بل يتَوَقَّف عَلَيْهِ لُزُوم الْقطع مَعَ الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي أَو الاقرار من السَّارِق، وَهَذَا مُقَابل لقَوْل المُصَنّف فِيمَا تقدم، وَذكر قِيمَته إِن تعذر. قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت دَعْوَى سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا اهـ وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى ذكره هُنَاكَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إِلَّا فِي دَعْوَى السّرقَة. حموي. والتقويم يكون من أهل الْخِبْرَة فِيمَا يظْهر لَا بقول الْمُدَّعِي. قَوْله: (فَأَما فِي غَيرهَا) أَي السّرقَة فَلَا يشْتَرط: أَي ذكر الْقيمَة. قَوْلُهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُور من الِاكْتِفَاء بِذكر الْقيمَة. قَوْله: (فِي دَعْوَى الْعين) أَي الشئ الْمُتَعَيّن المحسوس الْمَمْلُوك للْمُدَّعِي على زَعمه كالمغصوب والوديعة. قَوْله: (لَا الدّين) أَي الْحق الثَّابِت فِي الذِّمَّة، وَسَتَأْتِي دَعْوَى الدّين فِي الْمَتْن. قَوْله: (فَلَو ادّعى الخ) هُوَ تَمْثِيل للدّين، لَان الْقيمَة لَازِمَة ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ فِي زعم الْمُدَّعِي اهـ. رَحْمَتي. لَكِن قَالَ بعض الافاضل: هُوَ تَفْرِيع على كَون الشُّرُوط الْمَارَّة إِنَّمَا هِيَ فِي دَعْوَى الْعين، وَأما الدّين فَسَيَأْتِي بأقسامه. تَأمل. قَوْله: (بَيَان جنسه) أَي جنس الْقيمَة، وَكَذَا كل دين يَدعِي وجنسه كالذهب مثلا أَو الْفضة أَو النّحاس، وَكَذَا كل مَكِيل أَو مَوْزُون يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة يبين جنسه مَا هُوَ فَلَا يَكْفِي ذكر الْفرش والحرف فِي الْمَدِينَة، لانها كالعنقاء مَعْلُوم الِاسْم مَجْهُول الْجِنْس وَالنَّوْع. قَوْله: (ونوعه) فَفِي الذَّهَب يبين أَنه من نوع كَذَا، وَكَذَا فِي الْفضة، وَكَذَا فِي الْبر بِأَن يَقُول: حورانية أَو بلدية أَو جيدورية أَو سلمونية. قَالَ ط: فِيهِ أَنه عِنْد دَعْوَاهُ الْعين لَا يَكْفِي ادِّعَاء عين مَجْهُولَة، بل لَا بُد من بَيَان جِنْسهَا ونوعها ثمَّ يذكر الْقيمَة، فَالْقيمَة إِنَّمَا أغنت عَن الْحُضُور فَحِينَئِذٍ لَا بُد من ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فِي كل، فَلْيتَأَمَّل. وَلذَا قَالُوا فِي التَّعْلِيل لذكر الْقيمَة لَان الاعيان تَتَفَاوَت وَالشّرط أَن يكون فِي مَعْلُوم وَقد تعذر مشاهدته لانها خلف عَنهُ. وَفِي الذَّخِيرَة: إِن كَانَ الْعين غَائِبا وَادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فَأنْكر إِن بَين الْمُدَّعِي قِيمَته وَصفته تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اهـ. قَوْله: (ليعلم القَاضِي بِمَاذَا يقْضِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَة مثلا: لَو كَانَ الْمُدَّعِي مَكِيلًا لَا بُد من بَيَان جنسه بِأَنَّهُ حِنْطَة أَو شعير، ونوعه بِأَنَّهَا سقية أَو بَريَّة، وصفتها بِأَنَّهَا جَيِّدَة أَو رَدِيئَة، وَقدره بِأَن يَقُول كَذَا قَفِيزا، وَسبب وُجُوبهَا ذكره ابْن ملك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 أَقُولُ: لِي شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةً، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ لِلْكُلِّ جُمْلَةً. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَة بِيَدِهِ يُؤمر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْضَارِهَا. وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا بِهَلَاكٍ وَنَحْوِهِ، فَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُغْنٍ عَنْ التَّوْصِيفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ هُنَا اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مُشْكِلٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ بَيَانِ التَّوْصِيفِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الْقِيمَةِ وَدَعْوَى نَفْسِ الْعَيْنِ الْهَالِكَةِ، فَمَا معنى قَوْله تبعا للبحر فِيمَا تقدم، وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُود لم يشْتَرط بَيَان حُدُوده. اهـ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا ادّعى على آخر ثمن مَبِيع مَقْبُوض وَلم يبين الْمَبِيع أَو مَحْدُود وَلم يحدد يجوز، وَهُوَ الاصح وَكَذَا فِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر اهـ. قَوْله: (وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ) أَي المستهلكة، أما الْقَائِمَة فَهِيَ حَاضِرَة فِي الْمجْلس مشار إِلَيْهَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدَّابَّة فَفِي الرَّقِيق أولى. قَوْله: (فشرطه أَبُو اللَّيْث أَيْضا) أَي كَمَا شَرط بَيَان الْقيمَة. قَوْله: (وَشرط الشَّهِيد بَيَان السن أَيْضا) أَي كَمَا يشْتَرط بَيَان الْقيمَة والذكورة أَو الانوثة. قَالَ فِي الْمنح: وَذكر الصَّدْر الشَّهِيد إِذا ادّعى قيمَة دَابَّة مستهلكة لَا بُد من ذكر الذُّكُورَة أَو الانوثة، وَلَا بُد من بَيَان السن، وَهَذَا على أصل أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُسْتَقِيم، لَان عِنْده الْقَضَاء بِقِيمَة الْمُسْتَهْلك بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك، لَان حق الْمَالِك عِنْده بَاقٍ فِي الْعين المستهلكة، فَإِنَّهُ قَالَ: يَصح الصُّلْح عَن الْعين الْمَغْصُوب الْمُسْتَهْلك على أَكثر من قِيمَته، فَلَو لم يكن الْعين الْمُسْتَهْلك ملكا لَا يجوز الصُّلْح على أَكثر من قِيمَته، لانه حِينَئِذٍ يكون الْوَاجِب فِي ذمَّة الْمُسْتَهْلك قيمَة الْمَغْصُوب، وَهُوَ دين فِي الذِّمَّة، وَإِن صَالح من الدّين على أَكثر من قِيمَته لَا يجوز، وَإِذا كَانَ الْقَضَاء بِالْقيمَةِ بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك لَا بُد من بَيَان الْمُسْتَهْلك فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي، وَهَذَا الْقَائِل يَقُول: مَعَ ذكر الانوثة والذكورة لَا بُد من ذكر النَّوْع بِأَن يَقُول: فرس أَو حمَار أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَا يَكْتَفِي بِذكر اسْم الدَّابَّة لانها مَجْهُولَة. اهـ. قَالَ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَلَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن والشية فِي دَعْوَى الدَّابَّة، حَتَّى لَو ادّعى أَنه غصب مِنْهُ حمارا وَذكر شيته، وَأقَام الْبَيِّنَة على وفْق دَعْوَاهُ فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ حمارا فَقَالَ الْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي ادعيته وَزعم الشُّهُود كَذَلِك أَيْضا فنظروا فَإِذا بعض شياته على خلاف مَا قَالُوا، بِأَن ذكر الشُّهُود بِأَن مشقوق الاذن وَهَذَا الْحمار غير مشقوق الاذن، قَالُوا: لَا يمْنَع هَذَا الْقَضَاء للْمُدَّعِي وَلَا يكون هَذَا خللا فِي شَهَادَتهم. اهـ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة ادّعى على آخر ألف دِينَار بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أعيانا لَا بُد وَأَن يبين قيمتهَا فِي مَوضِع الِاسْتِهْلَاك، وَكَذَا لَا بُد وَأَن يبين الاعيان فَإِن مِنْهَا مَا يكون مثلِيا وَمِنْهَا مَا يكون من ذَوَات الْقيم. اهـ. وفيهَا وَفِي دَعْوَى خرق الثَّوْب وجرح الدَّابَّة لَا يشْتَرط إِحْضَار الثَّوْب وَالدَّابَّة، لَان الْمُدعى بِهِ فِي الْحَقِيقَة الْجُزْء الْفَائِت من الثَّوْب وَالدَّابَّة. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 إِذا ادّعى جوهرا لَا بُد من ذكر الْوَزْن إِذا كَانَ غَائِبا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا كَون ذَلِك فِي يَده كَذَا فِي السِّرَاجِيَّة. وَفِي اللُّؤْلُؤ يذكر درره وضوءه ووزنه. كَذَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ. اهـ. قَوْله: (سَوَاء كَانَ لَهُ حمل أَو لَا) لَان الْمُودع عَلَيْهِ أَن يخلي بَينه وَبَين الْوَدِيعَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن ينقلها إِلَيْهِ مُطلقًا لانه محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل، فَلَا بُد من بَيَان مَكَان الايداع حَتَّى يلْزمه تَسْلِيمهَا فِيهِ دفعا للضَّرَر عَنهُ لَا فرق بَين مَاله حمل أَو لَا. وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين: يَنْبَغِي أَن تكون لَفْظَة الدَّعْوَى فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة أَن لي عِنْده كَذَا قِيمَته كَذَا فَأمره ليحضره لاقيم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على أَنه ملكي إِن كَانَ مُنْكرا وَإِن كَانَ مقرا فَأمره بِالتَّخْلِيَةِ حَتَّى أرفع وَلَا يَقُول فَأمره بِالرَّدِّ. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. قَوْلُهُ: (مِنْ بَيَانِهِ) أَيْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ لانه يلْزمه تَسْلِيم مَا غصبه مِنْهُ، غير أَنه إِذا كَانَ لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزمه بنقله لانه لَا يُكَلف فَوق جِنَايَته فَيشْتَرط حِينَئِذٍ مَحل بَيَان الْغَصْب. قَوْله: (وَإِلَّا حمل لَهُ لَا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزم بَيَان الْمَكَان، وَمَا فسرنا بِهِ هُوَ الْمُوَافق للقواعد. قَالَ المُصَنّف فِي الْغَصْب: وَيجب رد عين الْمَغْصُوب فِي مَكَان غصبه. قَالَ الْمُؤلف: لتَفَاوت الْقيم باخْتلَاف الاماكن. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَن يجب بَيَان الْمَكَان مُطلقًا، إِلَّا أَن هَذَا فِي الْهَالِك وَكَلَام المُصَنّف فِي الْقَائِم. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِك أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةُ: أَيِّ الْيَوْمَيْنِ انْتهى. وَإِن كَانَ الْمُدعى بِهِ هَالكا لَا تصح الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيَان جنسه وسنه وَصفته وحليته وَقِيمَته، لانه لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بِذكر هَذِه الاشياء. وَشرط الْخصاف: بَيَان الْقيمَة. وَبَعض الْقُضَاة لَا يشترطون بَيَان الْقيمَة كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. اهـ. وَالْحَاصِل: أَنه يجب بَيَان مَكَان الايداع مُطلقًا، لَان الرَّد غير وَاجِب على الْمُودع وَلَيْسَ مُؤْنَته عَلَيْهِ بل على الْمَالِك وَالْوَاجِب عَلَيْهِ تَسْلِيمهَا لَهُ بِمَعْنى عدم الْمَنْع، فَلَو لم يبين الْمَكَان رُبمَا لحق الْمُودع ضَرَر، وَهُوَ مَرْفُوع بِخِلَاف الْغَصْب، فَإِن رد الْعين الْمَغْصُوبَة فِي مَكَان غصبه وَاجِب على الْغَاصِب فَلَا بُد من بَيَانه إِن كَانَ للْمَغْصُوب حمل وَمؤنَة لاخْتِلَاف القيمي باخْتلَاف الاماكن، بِخِلَاف مَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة. قَوْله: (يَوْم غصبه على الظَّاهِر) بِصِيغَة الْفِعْل والمصدر، وَظَاهره جَرَيَان خلاف. وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْب مَا نَصه: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ يَوْمَ غَصْبِهِ إجْمَاعًا. اهـ. ط. وَفِي رِوَايَة: يُخَيّر كَمَا مر قَرِيبا عَن نور الْعين. تَتِمَّة: قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَدَعوى الجمد حَال انْقِطَاعه لَا تصح، وَإِن كَانَت من ذَوَات الامثال لعدم وجوب رد مثله لانقطاعه فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِقِيمَتِه يَوْم الْخُصُومَة. كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ. وَفِي دَعْوَى الرَّهْن وأشباهه: إِن كَانَت الدَّعْوَى بِسَبَب البيع يحْتَاج إِلَى الاحضار للاشارة إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أَو بِسَبَب الْقَرْض أَو بِسَبَب الثمنية لَا يحْتَاج إِلَى الاحضار. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ اهـ. قَوْله: (وَيشْتَرط التَّحْدِيد فِي دَعْوَى الْعقار) لانه تعذر التَّعْرِيف بالاشارة لتعذر النَّقْل فصير إِلَى التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَجمعه عقارات. قَالَ فِي الْمغرب: الْعقار الضَّيْعَة، وَقيل كل مَا لَهُ أصل كَالدَّارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 والضيعة. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ فَإِنْ بِيعَا مَعهَا وَجَبت تبعا، وَقد غلط بعض العصرين فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كعادته. بَحر. وَذكر بعده على قَول الْكَنْز: وَقيل لخصمه أعْطه كَفِيلا الخ عَن الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو طلب الْمُدَّعِي من القَاضِي وضع الْمَنْقُول على يَد عدل، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ، وَإِن فَاسِقًا أَجَابَهُ، وَفِي الْعَقَارِ: لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمر لَان الثَّمر نقلي. اهـ. قَالَ الْمُؤلف هُنَاكَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ. وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود هُنَاكَ: أَقُول: نقل الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي التَّصْرِيح بِأَن الشّجر عقار. اهـ. قلت: وَيُؤَيِّدهُ كَلَام الْمِصْبَاح، لانه إِذا قيل إِنَّه عقار يبتنى عَلَيْهِ وجوب التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَكَيف يُمكن ذَلِك فِي شَجَرَة بُسْتَان بَين أَشجَار كَثِيرَة، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَقَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَخْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً، وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ. اهـ. أَقُول: لَكِن الَّذِي اعْتَمدهُ الشَّارِح فِي بَابهَا عدم ثُبُوت الشُّفْعَة فِيهِ بقوله: وَأما مَا جزم بِهِ ابْن الْكَمَال مِنْ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا بِيعَ مَعَ حَقِّ الْقَرار يلْتَحق الْعقار، فَرده شَيخنَا الرَّمْلِيّ، وَأفْتى بعدمها تبعا للبزازية وَغَيرهَا فَلْيحْفَظ اهـ. وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَبَالغ فِي الرَّد على اسْتِدْلَال أبي السُّعُود، فَرَاجعه ثمَّة. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قَالَ جمَاعَة من أهل الشُّرُوط: يَنْبَغِي أَن يذكر فِي الْحُدُود دَار فلَان وَلَا يذكر لزيق دَار فلَان، وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاء طحم: يكْتب فِي الْحَد يَنْتَهِي إِلَى كَذَا ويلاصق كَذَا أَو لزيق كَذَا، وَلَا يكْتب أحد حُدُوده كَذَا. وَقد قَالَ ح: لَو كتب أحد حُدُوده دجلة أَو الطَّرِيق أَو الْمَسْجِد فَالْبيع جَائِز، وَلَا تدخل الْحُدُود فِي البيع إِذْ قصد النَّاس بهَا إِظْهَار مَا يَقع عَلَيْهِ البيع، لَكِن س قَالَ: البيع فَاسد إِذْ الْحُدُود فِيهِ تدخل فِي البيع، فاخترنا يَنْتَهِي أَو لزيق أَو يلاصق تَحَرُّزًا عَن الْخلاف، ولان الدَّار على قَول من يَقُول يدْخل الْحَد فِي البيع فِي الْموضع الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَأَما ذَلِك الْموضع المنتهي إِلَيْهِ. فقد جعل حدا وَهُوَ دَاخل فِي البيع. وعَلى قَول من يَقُول: لَا يدْخل الْحَد فِي البيع فالمنتهي إِلَى الدَّار لَا يدْخل تَحت البيع، وَلَكِن عِنْد ذكر قَوْلنَا بِحُدُودِهِ يدْخل فِي البيع وفَاقا. قَالُوا: وَالصَّحِيح من الْجَواب أَن يُقَال: لَو ذكر فِي الْحَد لزيق أَو يَنْتَهِي أَو نَحوه تصح الشَّهَادَة، وَلَو ذكر دَار فلَان أَو طَرِيق مَسْجِد لَا تصح الشَّهَادَة ط. وَالشَّهَادَة كالدعوى فِيمَا مر من الاحكام. فش: كتب فِي الْحَد لزيق الزقيقة أَو الزقاق وإليها الْمدْخل أَو الْبَاب لَا يَكْفِي لِكَثْرَة الازقة، فَلَا بُد أَن ينسبها إِلَى مَا تعرف بِهِ، وَلَو كَانَت لَا تنْسب إِلَى شئ يَقُول: زقيقة بهَا: أَي بالمحلة أَو الْقرْيَة أَو النَّاحِيَة ليَقَع بِهِ نوع معرفَة. أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَا يَكْفِي ذكر الثَّلَاثَة، وَيحْتَمل أَن يكون غَرَضه من قَوْله لَا يَكْفِي فَلَا بُد الخ، أَنه فِي بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ كَذَا، وَهَذَا لَا يدل على أَن بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ، إِذْ بَين قَوْلنَا بَيَان الرَّابِع لَا يبين إِلَّا بِكَذَا فرق بَين فَلَا دلَالَة حِينَئِذٍ، وَالله أعلم بغرضه. وَأَقُول: أَيْضا بالحدود الثَّلَاثَة تتَمَيَّز تِلْكَ الزقيقة من سَائِر الازقة فَلَا تضر الْكَثْرَة، وَأَيْضًا فِي قَوْله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 بهَا: أَي بالمحلة الخ نظر، إِذْ الْمعرفَة الْحَاصِلَة بِذكر الْمحلة أَو الْقرْيَة تحصل بِدُونِ ذكرهَا، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة فَذكرهَا وَعَدَمه سَوَاء، لَكِن يمْنَع أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة لجَوَاز أَن يكون مقابلها أَو بقربها أَو نَحْو ذَلِك فَقَط. لَو كَانَ الْحَد الرَّابِع ملك رجلَيْنِ لكل مِنْهُمَا أَرض على حِدة فَذكر فِي الْحَد الرَّابِع لزيق ملك فلَان وَلم يذكر الآخر يَصح، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّابِع لزيق أَرض أَو مَسْجِد فَذكر الارض لَا الْمَسْجِد يجوز. وَقيل الصَّحِيح: أَنه لَا يَصح الفصلان إِذا جعل الْحَد الرَّابِع كُله لزيق ملك فلَان، فَإِذا لم يكن كُله ملك فلَان فدعواه لم تتَنَاوَل هَذَا الْمَحْدُود فَلَا يَصح، كَمَا لَو غلط فِي أحد الاربعة، بِخِلَاف سُكُوته عَن الرَّابِع. فش: لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَرضًا وَذكروا أَن الْفَاصِل شَجَرَة لَا يَكْفِي، إِذْ الشَّجَرَة لَا تحيط بِكُل الْمُدعى بِهِ، والفاصل يجب أَن يكون محيطا بِكُل الْمُدعى بِهِ حَتَّى يصير مَعْلُوما. فش: الشَّجَرَة والمسناة تصلح فاصلا. وَالْحَاصِل: أَن الشَّجَرَة تصلح فاصلا إِذا أحاطت، وَإِلَّا لَا. أَقُول: وَمثل الشَّجَرَة الْبِئْر وَعين المَاء عدَّة. الْمقْبرَة لَو كَانَت ربوة تصلح حدا، وَإِلَّا فَلَا: أَي بِأَن كَانَت تلاط. لَو ذكر فِي الْحَد لَزِيقَ أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يذكر أَنَّهَا وقف على الْفُقَرَاء أَو على مَسْجِد كَذَا وَنَحْوه، أَو فِي يَد من أَو ذكر الْوَاقِف. أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَمَا يتلوه من جنسه عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تضييق بِلَا ضَرُورَة. جف: ذكر اسْم جد الْمَالِك للحد شَرط، وَكَذَا ذكر جد الْوَاقِف لَو كَانَ الْحَد وَقفا، إِلَّا إِذا كَانَ مَشْهُورا مَعْرُوفا لَا يلتبس بِهِ غَيره. طذ: لَو ذكر لزيق ملك وَرَثَة فلَان لَا يَكْفِي، إِذْ الْوَرَثَة مَجْهُولُونَ مِنْهُم ذُو فرض وَعصب وَذُو رحم فجهلت جَهَالَة فَاحِشَة، أَلا يرى أَن الشَّهَادَة بِأَن هَذَا وَارِث فلَان لَا تقبل لجَهَالَة فِي الْوَارِث. فش: لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يحصل التَّعْرِيف بِذكر الِاسْم وَالنّسب. وَقيل يَصح ذكره حدا لانه من أَسبَاب التَّعْرِيف عدَّة. لَو كتب لزيق أَرض وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا. ش: كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حدا. كتب لزيق أَرض مبان وَهِي لَا تَكْفِي. كَذَا ذكره الشَّارِح وَقَالَ: لَان أَرض مبان وَهِي قد تكون للْغَائِب، وَقد تكون أَرضًا تَركه مَالِكه على أهل الْقرْيَة بالخراج، وَقد تكون أَرضًا تركت لرعي دَوَاب الْقرْيَة من وَقت الْفَتْح فَهِيَ مبان فَبِهَذَا الْقدر مَا يحصل التَّعْرِيف. أَقُول: فِيهِ نظر، لَان أَرض مبان وَهُوَ لَو كَانَ مَعْرُوفا فِي نَفسه يَنْبَغِي أَن يحصل بِهِ التَّعْرِيف والجهالة فِي مَالِكه، وَفِي جِهَة تَركه لَا يضر التَّعْرِيف. ط: لَو جعل الْحَد طَرِيق الْعَامَّة لَا يشْتَرط فِيهِ ذكر أَنه طَرِيق الْقرْيَة أَو الْبَلدة، لَان ذكر الْحَد لاعلام مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَحْدُود، وَقد حصل الْعلم حَيْثُ انْتهى إِلَى الطَّرِيق. ط: الطَّرِيق يصلح حدا وَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى بَيَان طوله وَعرضه إِلَّا على قَول شح فَإِنَّهُ قَالَ: تبين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 الطَّرِيق بالذراع وَالنّهر لَا يصلح حدا عِنْد الْبَعْض، وَكَذَا السُّور، وَهُوَ رِوَايَة عَن ح. وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يصلح حدية، وَالْخَنْدَق كنهر فَإِنَّهُ يصلح حدا عِنْدهمَا. وَاخْتَارَ من قَوْلهمَا، وَلَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص وَإِن السُّور يخرب وَإِن الطَّرِيق يتْرك السلوك فِيهِ، لَان تبدل دَار فلَان أسْرع من تبدل السُّور وَنَحْوه فَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك أولى: أَي بصلاحيتها حدا. ذ: ولوحد بِأَنَّهُ لَزِيقُ أَرْضُ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا المدعاة أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ. اهـ. بِزِيَادَة وَبَعض تَغْيِير. قَوْله: (كَمَا يشْتَرط فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ) لانه بهَا يصير مَعْلُوما عِنْد القَاضِي. قَوْله: (وَلَو كَانَ الْعقار مَشْهُورا) لانه يعرف بِهِ مَعَ تعذر الاشارة إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الصَّحِيح. كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن السراج الْوَهَّاج. لَان قدرهَا لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بالتحديد. دُرَر. قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فَإِن عِنْدهمَا إِذا كَانَ الْعقار مَشْهُورا شهرة الرجل فَلَا يحْتَاج إِلَى تحديده. قَوْله: (إِلَّا إِذا عرف) بتَشْديد الرَّاء الشُّهُود الدَّار بِعَينهَا: أَي بِأَن أشاروا إِلَيْهَا حَاضِرَة وَقَالُوا نشْهد أَن هَذِه الدَّار لفُلَان، فَافْهَم. قَوْله: (فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر حُدُودهَا) قَالَ شمس الائمة السَّرخسِيّ: يشْتَرط فِي شِرَاء الْقرْيَة الْخَالِصَة أَن يذكر حُدُود المستثنيات من الْمَسَاجِد والمقابر والحياض للعامة وَنَحْوهَا، وَأَن يذكر مقاديرها طولا وعرضا، وَكَانَ يرد المحاضر والسجلات والصكوك الَّتِي فِيهَا اسْتثِْنَاء هَذِه الاشياء مُطلقَة فَلَا تَحْدِيد وَلَا تَقْرِير. وَكَانَ أَبُو شجاج لَا يشْتَرط ذَلِك. قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا يَكْتُبُونَ فِي زَمَاننَا وَقد عرف المتعاقدان جَمِيع ذَلِك وأحاطا بِهِ علما فقد استرذله بعض مَشَايِخنَا وَهُوَ الْمُخْتَار، إِذْ البيع لَا يصير بِهِ مَعْلُوما للْقَاضِي عِنْد الشَّهَادَة فَلَا بُد من التَّعْيِين اهـ. أَي بِذكر حُدُوده أَو بالاشارة إِلَيْهِ فِي مَحَله. قَوْله: (كَمَا لَو ادّعى ثمن الْعقار الخ) ظَاهره وَلَو غير مَقْبُوض. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى ثمن مَبِيع لم يقبض لَا بُد من إِحْضَار الْمَبِيع مجْلِس الحكم حَتَّى يثبت البيع عِنْد القَاضِي، بِخِلَاف لَو ادّعى ثمن مَبِيع قبض فَإِنَّهُ لَا يجب إِحْضَاره لانه دَعْوَى الدّين حَقِيقَة. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَن يفصل فِي الْعقار، وَذكر حُدُوده تُقَام مقَام إِحْضَاره. قَوْله: (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ) ذكر شيخ الاسلام الْفَقِيه أَحْمد أَبُو النَّصْر مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي فِي شُرُوطه. وَفِي دَعْوَى الْعقر لَا بُد أَن يذكر بَلْدَة فِيهَا الدَّار، ثمَّ الْمحلة ثمَّ السِّكَّة، فَيبْدَأ أَولا بِذكر الكورة ثمَّ الْمحلة اخْتِيَارا لقَوْل مُحَمَّد: فَإِن مذْهبه أَن يبْدَأ بالاعم ثمَّ بالاخص. وَقيل يبْدَأ بالاخص ثمَّ بالاعم فَيَقُول دَار فِي سكَّة كَذَا فِي محلّة كَذَا، وقاسه على النّسَب حَيْثُ يُقَال فلَان ثمَّ يُقَال ابْن فلَان، ثمَّ يذكر الْجد بِمَا هُوَ أقرب فيترقى إِلَى الابعد، وَقَول مُحَمَّد أحسن إِذْ الْعَام يعرف بالخاص لَا بِالْعَكْسِ، وَفصل النّسَب حجَّة عَلَيْهِ إِذْ الاعم اسْمه، فَإِن أَحْمد فِي الدُّنْيَا كثير، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْحَد. كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ط. وَالَّذِي فِي شرح أدب القَاضِي: يجب على الْمُدَّعِي وعَلى الشُّهُود الاعلام بأقصى مَا يُمكن، وَهُوَ فِي الدَّار بالبلدة ثمَّ الْمحلة الَّتِي فِيهَا الدَّار فِي تِلْكَ الْبَلدة، ثمَّ يبين حُدُود الدَّار لَان أقْصَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 مَا يُمكن فِي التَّعْرِيف هَذَا اهـ. وَالشَّارِح تبع مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. قَالَ ط: وَالَّذِي يظْهر الاول. اهـ. تَأمل. وَذكر بعض الافاضل على هَامِش الدّرّ قَوْله: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ الخ. وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْزم. وَذكر المرغيناني أَنه لَو سمع قَاض تصح هَذِه الدَّعْوَى. وَقَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَيشْتَرط تَحْدِيد الدَّار بِمَا لَا يتَغَيَّر كالدور والاراضي والسور وَالطَّرِيق فَخرج النَّهر لانه يزِيد وَينْقص ويعمر، وَلَو لم تحد وَقضى بِحِصَّة ذَلِك نفذ. اهـ. أَقُول: لَكِن قد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْفُصُولَيْنِ أَنه لَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص الخ فَلَا تنسه. وَأَقُول: لَكِن الْمشَاهد فِي دِيَارنَا دمشق الشَّام، وَبَعض أنهارها فِي بعض المحلات كنهر بردى فَإِنَّهُ كثيرا مَا يتْرك أرضه وَيَمْشي فِي أَرض أُخْرَى مَمْلُوكَة للْغَيْر. ويمر على ذَلِك أَعْوَام كَثِيرَة بِسَبَب انحدار المَاء إِلَى تِلْكَ الارض ويسفلها ويجعلها لَهُ طَرِيقا آخر فتتغير الْحُدُود وَتصير نسيا منسيا، وَعَلِيهِ فالنهر لَا يصلح أَن يكون حدا إِلَّا إِذا كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض لَا يُمكن للْمَاء نحرها وتغيير مَحَله بِأَن كَانَت حافتاه مبنيتين بالآجر والاحجار والمؤنة، أَو كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض مثقوبة من صَخْر أَو نَحْو ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (كَمَا فِي النّسَب) أَي إِذا ادّعى على رجل اسْمه جَعْفَر مثلا، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الاخص فَيَقُول ابْن مُحَمَّد، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْجد. قَوْله: (ويكتفي بِذكر ثَلَاثَة) لَان للاكثر حكم الْكل. زَيْلَعِيّ. فَيجْعَل الرَّابِع بِإِزَاءِ الثَّالِث حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مبدأ الْجد الاول. فصولين. وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقَالَ زفر، لَا بُد من ذكر الْحُدُود الاربعة لَان التَّعْرِيف لَا يتم إِلَّا بهَا، وَلنَا أَن للاكثر حكم الْكل، على أَن الطول يعرف بِذكر الحدين وَالْعرض بِأَحَدِهِمَا، وَقد يكون بِثَلَاثَة. روى عَن أبي يُوسُف: يَكْفِي الِاثْنَان، وَقيل الْوَاحِد، وَالْفَتْوَى على قَول زفر. وَلذَا لَو قَالَ: غَلطت فِي الرَّابِع لَا يقبل، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة. وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي يُفْتِي بهَا بقول زفر كَمَا أَشرت إِلَى ذَلِك فِي منظومتي فِيمَا يُفْتى بِهِ من أَقْوَال زفر بِقَوْلِي: دَعْوَى الْعقار بهَا لَا بُد أَرْبَعَة من الْحُدُود وَهَذَا بَين وجلي اهـ ط بِزِيَادَة. لَكِن قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى المحبية بعد كَلَام طَوِيل: فَإِذا كَانَت الْحُدُود الثَّلَاثَة كَافِيَة عِنْد الائمة الثَّلَاثَة كَانَ الْفَتْوَى على ذَلِك، فَقَوْل زفر لانه لَا بُد من الْحُدُود الاربعة غير مفتى بِهِ اهـ. أَقُول: وَكَون الْفَتْوَى على قَول زفر لم أَجِدهُ فِي كتب الْمَذْهَب وَلَا فِي نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل الْعشْرين الَّتِي يُفْتى بهَا على قَول زفر. قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَرَكَ) أَيْ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ الرَّابِع صَحَّ، فَحكمهَا فِي التّرْك والغلط وَاحِد. قَوْله: (وَإِن ذكره) أَي الْحَد الرَّابِع وَغلط فِيهِ لَا: أَي لَا يَصح، وَهُوَ المفتوى بِهِ ط. لانه يخْتَلف الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِك بِتَرْكِهِ، وَنَظِيره إِذا ادّعى شِرَاء بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لم تقبل. كَذَا فِي الزَّيْلَعِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 قَوْله: (بِإِقْرَار الشَّاهِد) كَذَا فِي الْبَحْر، وَفِي الْحَمَوِيّ: والغلط إِنَّمَا يثبت بِإِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه غلط الشَّاهِد، وَالظَّاهِر أَن الْغَلَط يثبت بهما، أما لَو ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الْغَلَط لَا تسمع هَذِه الدَّعْوَى، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة لَا تقبل، وَبَيَانه فِي الْبَحْر وَغَيره. قَوْله: (فصولين) وَعبارَته: وَإِنَّمَا يثبت الْغَلَط بِإِقْرَار الشَّاهِد إِنِّي غَلطت فِيهِ، أما لَو ادَّعَاهُ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع وَلَا تقبل بَينته، لَان دَعْوَى غلط الشَّاهِد من الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تكون بعد دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَجَوَاب الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي، فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، فَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْغَلَطِ مناقضا بعده. أَوْ نَقُولُ: تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ، أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ كُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تقبل. اهـ. قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِي عبارَة الْفُصُولَيْنِ: إِسْقَاط من أصل النُّسْخَة وَلَا بُد مِنْهُ وَهُوَ بعد قَوْله بِدَعْوَى الْغَلَط بعده مناقضا فَيَنْبَغِي أَن يفصل أَيْضا، وَيُمكن أَن يغلط لمُخَالفَته لتحديد الْمُدَّعِي فَلَا تنَاقض. ثمَّ قَالَ: أَو نقُول الخ، وَقد كتبت على نُسْخَتي جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي هَذَا الْمحل كِتَابَة حَسَنَة فَرَاجعهَا فَإِنَّهَا مفيدة وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا. أَقُول: لَو قَالَ بعض حُدُوده كَذَا لَا مَا ذكره الشَّاهِد وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَن تقبل بَينته عَلَيْهِ من حَيْثُ إثْبَاته أَن بعض حُدُوده كَذَا فينفي مَا ذكره الْمُدَّعِي ضمنا، فَيكون شَهَادَة على الاثبات لَا على النَّفْي، وَيدل عيه مَسْأَلَة ذكرت فِي فصل التَّنَاقُض أَنه ادّعى دَارا محدودة، فَأجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَدي ثمَّ ادّعى أَن الْمُدَّعِي غلط فِي بعض حُدُوده لم يسمع، لَان جَوَابه إِقْرَار بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُود، وَهَذَا إِذا أجَاب بِأَنَّهُ ملكي. أما لَو أجَاب بقوله لَيْسَ لهَذَا ملكك وَلم يزدْ عَلَيْهِ يُمكن الدّفع بعده بخطأ الْحُدُود. كَذَا حكى عَن ط أَنه لقن الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع بخطأ الْحُدُود. أَقُول: دلّ على هَذَا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو برهن على الْغَلَط يقبل، فَدلَّ على ضعف الجوابين الْمَذْكُورين فَالْحق مَا قلت من أَنه يَنْبَغِي أَن يكون على هَذَا التَّفْصِيل وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. قَالَ فِي نور الْعين: جَمِيع مَا ذكره الْمُعْتَرض فِي هَذَا الْبَحْث مَحل نظر كَمَا لَا يخفى على من تَأمل وتدبر اهـ. أَقُول: والملخص كَمَا ذكره السائحاني أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الْمَحْدُودُ لَيْسَ فِي يَدِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ بَلْ فِي يَدِك وَلَكِنْ حَصَلَ غَلَطٌ فَيُمْنَعُ بِهِ، وَلَوْ تَدَارَكَ الشَّاهِدُ الْغَلَطَ فِي الْمَجْلِسِ يُقْبَلُ أَو فِي غَيره إِذا وفْق. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ غَلِطُوا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّيْنِ ثمَّ تداركوا فِي الْمجْلس أَو فِي غَيْرِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَ اسْمُهُ فُلَانًا ثُمَّ صَارَ اسْمُهُ فُلَانًا أَو بَاعَ فلَان وَاشْتَرَاهُ الْمَذْكُور. اهـ. وَفِيه مسَائِل أَحْبَبْت ذكرهَا هُنَا تتميما للفائدة. وَفِي ذ: بَين حُدُوده وَلم يبين أَنه كرم أَو أَرض أَو دَار وشهدا كَذَلِك قيل لَا تسمع الدَّعْوَى، وَلَا الشَّهَادَة وَقيل تسمع لَو بَين الْمصر والمحلة والموضع. ادّعى عشر دبرات أَرض وحد التسع لَا الْوَاحِدَة لَو كَانَت هَذِه الْوَاحِدَة فِي وسط التسع تقبل وَيَقْضِي بِالْجُمْلَةِ لَا لَو على طرف. جف: ادّعى سُكْنى دَار وَنَحْوه وَبَين حُدُوده لَا يَصح إِذْ السُّكْنَى نقلي فَلَا يحد بشئ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 فش: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا لَكِن لما اتَّصل بالارض اتِّصَال تأييد كَانَ تَعْرِيفه بِمَا بِهِ تَعْرِيف الارض، إِذْ فِي سَائِر النقليات إِنَّمَا لَا يعرف بالحدود لامكان إِحْضَاره فيستغني بالاشارة إِلَيْهِ عِنْد الْحَد، أما السُّكْنَى فنقله لَا يُمكن لانه مركب فِي الْبناء تركيب قَرَار فالتحق بِمَا لَا يُمكن نَقله أصلا. اهـ. أَقُول: وَالْمرَاد بِالسُّكْنَى مَا ركب فِي الارض كَمَا ظهر فِي كَلَامه: أَي لانه مَنْقُول تعسر إِحْضَاره فَلَا يَكْفِي تحديده، وَلَا بُد من الاشارة إِلَيْهِ عِنْد الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَالْحكم عَلَيْهِ. وَقَوله: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا الخ هَذَا قَول آخر نَقله عَن فَتْوَى رشيد الدّين: أَي فَيَكْفِي تحديده وَإِن كَانَ نقليا لانه الْتحق بالعقار لاتصاله بالارض اتِّصَال قَرَار. أَقُول: وَمِنْه يظْهر حكم حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي مَا لَو أَرَادَ مُتَوَلِّي أَرض وقف مَعْلُومَة انتزاعها من يَد مستأجرها بعد مُضِيّ مُدَّة الاجارة وَرفع يَده عَنْهَا وَكَانَ قد غرس وَبنى فِيهَا الْمُسْتَأْجر بِإِذن متوليها بِحَق الْقَرار فَأثْبت بناءه وأشجاره الْمَوْضُوعَة فِي الارض على الْوَجْه الْمَذْكُور لَدَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِذكر حُدُود الارض فَقَط من غير إِشَارَة إِلَى الْبناء والاشجار وَحكم لَهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِحَق الْقَرار فِيهَا فَإِنَّهُ يَصح على هَذَا القَوْل الثَّانِي سِيمَا وَقد اتَّصل بِحكم الْحَاكِم. وَأَقُول: أَيْضا قد تأيد ذَلِك بِأَمْر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن كَمَا سمعته فِي الْمَنْقُول الَّذِي يحْتَاج نَقله إِلَى مصرف، وَقد تأيد ذَلِك عِنْدِي بعده بفتوى من مفتي الانام بوأهم الله دَار السَّلَام أفتوا فِيهَا بِصِحَّة حجج الاحترام طبق هَذَا المرام، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَأَمّله منصفا بِكَمَال الالمام. وَفِيه برمز طظه: شرى علو بَيت لَيْسَ لَهُ سفل يحد السّفل لَا الْعُلُوّ، إِذْ السّفل مَبِيع من وَجه من حَيْثُ إِن قَرَار الْعُلُوّ عَلَيْهِ، فَلَا بُد من تحديده، وتحديده يُغني عَن تَحْدِيد الْعُلُوّ، إِذْ الْعُلُوّ عرف بتحديد السّفل، ولان السّفل أصل والعلو تبع فتحديد الاصل أولى. قَالَ طى: هَذَا إِذا لم يكن حول الْعُلُوّ حجرَة، فَلَو كَانَت يَنْبَغِي أَن يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحده وَقد أمكن. قَوْله: (وَأَسْمَاء أنسابهم) جمعنسب بِمَعْنى مَنْسُوب إِلَيْهِ. قَالَ فِي الْبَحْر: الْمَقْصُود الاعلام. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقط: رُبمَا لَا يحد إِلَّا بِذكر الْجد، وَإِذا لم يعرف جده لَا يتَمَيَّز عَن غَيره إِلَّا بِذكر موَالِيه أَو ذكر حرفته أَو وَطنه أَو دكانه أَو حليته إِنَّمَا التَّمْيِيز هُوَ الْمَقْصُود فَيحصل بِمَا قل أَو كثر. اهـ. وَلَو ذكر مولى العَبْد وَأَبا مَوْلَاهُ يَكْفِي على الْمُفْتى بِهِ ط. مطلب: الْمَقْصُود التَّمْيِيز لمعْرِفَة الْحَد قَوْله: (وَإِلَّا اكْتفى باسمه لحُصُول الْمَقْصُود) قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: أما الدَّارِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَلَوْ مَشْهُورًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَمَامُ حَدِّهِ بِذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحَدِّ. وَعِنْدَهُمَا: التَّحْدِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الدَّار الْمَعْرُوف كدار عمر بن الْحَرْث بِكُوفَةَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَكْفِيهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لِإِعْلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهَذَا مِمَّا يحفظ جدا. اهـ. وَفِيه: وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضُ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لِأَنَّهَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ. اهـ. وَهَذَا إِذا كَانَ الامير وَاحِدًا، فَلَو كَانَ اثْنَيْنِ لَا بُد أَن يبين اسْم الامير وَنسبه كَمَا فِي الْخُلَاصَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَقَالَ لَهُ القَاضِي هَل تعرف حُدُود الدَّار؟ قَالَ لَا، ثمَّ ادَّعَاهَا وَبَين الْحُدُود لَا تسمع. أما إِذا قَالَ لَا أعرف أسامي أَصْحَاب الْحُدُود ثمَّ ذكر فِي الْمرة الثَّانِيَة فَتسمع، وَلَا حَاجَة إِلَى التَّوْفِيق. كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة. وفيهَا: وَلَو أَنه قَالَ لَا أعرف الْحُدُود ثمَّ ذكر الْحُدُود بعد ذَلِك ثمَّ قَالَ: عنيت بِقَوْلِي لَا أعرف الْحُدُود وَلَا أعرف أَسمَاء أَصْحَاب الْحُدُود قبل ذَلِك مِنْهُ، وَتسمع دَعْوَاهُ. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. رجل ادّعى محدودة وَذكر حُدُودهَا وَقَالَ فِي تَعْرِيفهَا: وفيهَا أَشجَار، وَكَانَت المحدودة بِتِلْكَ الْحُدُود وَلكنهَا خَالِيَة عَن الاشجار لَا تبطل الدَّعْوَى، وَكَذَا لَو ذكر مَكَان الاشجار الْحِيطَان، وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ فِي تَعْرِيفهَا: لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا حَائِط فَإِذا فِيهَا أَشجَار عَظِيمَة لَا يتَصَوَّر حدوثها بعد الدَّعْوَى إِلَّا أَن حُدُودهَا توَافق الْحُدُود الَّتِي ذكر تبطل دَعْوَاهُ. وَلَو ادّعى أَرضًا ذكر حُدُودهَا وَقَالَ: هِيَ عشر دبرات أَرض أَو عشر جرب، فَكَانَت أَكثر من ذَلِك لَا تبطل دَعْوَاهُ، وَكَذَا لَو قَالَ: هِيَ أَرض يبذر فِيهَا عشر مكاييل فَإِذا هِيَ أَكثر من ذَلِك أَو أقل إِلَّا أَن الْحُدُود وَافَقت دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي، لَان هَذَا خلاف يحْتَمل التَّوْفِيق وَهِي غير محتاجة إِلَيْهِ. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى على رجل أَنه وضع على حَائِطه لَهُ خشبا أَو أجْرى على سطحه مَاء أَو دَاره ميزابا أَو ادّعى أَنه فتح فِي حَائِط لَهُ بَابا أَو بنى على حَائِط لَهُ بِنَاء أَو ادّعى أَنه رمى التُّرَاب أَو الزبل فِي أرضه أَو دَابَّة ميتَة فِي أرضه أَو غرس شَجرا أَو مَا فِيهِ فَسَاد الارض وَصَاحب الارض يحْتَاج إِلَى رَفعه وَنَقله، وَصَححهُ دَعْوَاهُ بِأَن بَين طول الْحَائِط وَعرضه وموضعه وَبَين الارض بِذكر الْحُدُود وموضعها، فَإِذا صحت دَعْوَاهُ وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يتسحلفه على السَّبَب، وَلَو كَانَ صَاحب الْخشب هُوَ الْمُدَّعِي فَقدم صَاحب الْحَائِط إِلَى القَاضِي وَقَالَ: كَانَ لي على حَائِط هَذَا الرجل خشب فَوَقع أَو قلعته لاعيده وَأَن صَاحب الْحَائِط يَمْنعنِي عَن ذَلِك لَا تسمع دَعْوَاهُ مَا لم يَصح، وَتَصْحِيح الدَّعْوَى بِأَن يبين مَوضِع الْخشب وَأَن لَهُ حق وضع خَشَبَة أَو خشبتين أَو مَا أشبه ذَلِك وَبَين غلظ الْخَشَبَة وخفتها، فَإِذا صحت الدَّعْوَى وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يحلفهُ القَاضِي على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لهَذَا فِي هَذَا الْحَائِط وضع الْخشب الَّذِي يَدعِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي مَوضِع كَذَا من الْحَائِط فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره حق وَاجِب لَهُ، فَإِذا نكل ألزمهُ القَاضِي حَقه. اهـ. قَوْله: (وَذكر أَنه أَي الْعقار فِي يَده الخ) أَي لَان الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يكون خصما إِلَّا إِذا كَانَ الْعقار فِي يَده، فَلَا بُد من ذكره، وَإِنَّمَا خصصه فِي الذّكر، لَان الْكَلَام فِيهِ وَإِلَّا فالمنقول كَذَلِك، وَلذَا جعل صَاحب الْبَحْر الضَّمِير رَاجعا إِلَى الْمُدَّعِي الشَّامِل للمنقول وَالْعَقار. قَالَ: وَلم أخصصه بالعقار كَمَا فعل الشَّارِح لكَونه شرطا فيهمَا. اهـ. وَفِي كَلَامه إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك فِي الدَّعْوَى، أما إِذا شهدُوا بمنقول أَنه فِي ملك الْمُدَّعِي تقبل، وَإِن لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق، لانهم شهدُوا بِالْملكِ لَهُ وَملك الانسان لَا يكون فِي يَد غَيره إِلَّا بِعَارِض وَالْبَيِّنَة تكون على مدعي الْعَارِض وَلَا تكون على صَاحب الاصل. وَقَالَ بَعضهم: مَا لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق لَا تقطع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، والاول أصح. وَفِيمَا سوى الْعقار لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ لَان القَاضِي يرَاهُ فِي يَده فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيَان. كَذَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 الْخَانِية. بَحر. قَوْله: (إِن كَانَ مَنْقُولًا) هَذَا تكْرَار لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ قَوْله فِيمَا تقدم فِي الْمَنْقُول ذكر أَنه فِي يَده بِغَيْر حق، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره مَعَ مَا تقدم ليشير أَن فِي الْعقار لَا يَتَأَتَّى ذَلِك لَان الْيَد لَا تستولي عَلَيْهِ وَلذَا لَا يثبت فِيهِ الْغَصْب. تَأمل. قَوْله: (لما مر) أَي من احْتِمَال كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَده: أَي ليصير خصما: أَقُول: هَذَا يَشْمَل الْعقار، فالتقييد لَا يُفِيد، وَهَكَذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَيزِيد أَيْضا فِي الْعقار عِنْد بعض الْمَشَايِخ كَمَا فِي قاضيخان، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد كثير من أهل الشُّرُوح، وَمثله فِي الخزانة. قَوْله: (وَلَا تثبت يَده) أَي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بتصادقهما لَان الْيَد فِيهِ غير مُشَاهدَة، وَلَعَلَّه فِي يَد غَيرهمَا تواضعا فِيهِ ليَكُون لَهما ذَرِيعَة إِلَى أَخذه بِحكم الْحَاكِم. عَيْني. وسيشير إِلَيْهِ الشَّارِح لَكِن اعْترض على تَعْلِيل الْعَيْنِيّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَل مَا لَا يُمكن حُضُوره إِلَى مجْلِس الحكم كصبرة بر ورحى كَبِيرَة وَنَحْو ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يلْحق بالعقار لمشابهتها لَهُ. أَقُول: هَذَا الِاعْتِرَاض فِي غَايَة السُّقُوط لما سبق، وسيجئ أَن مَا تعذر نَقله من الْمَنْقُول يحضرهُ القَاضِي أَو يبْعَث أَمينا أَو نَائِبه فَيسمع، وَيَقْضِي ثمَّ يمْضِي القَاضِي، فَفِي صُورَة الْحُضُور مشَاهد أَيْضا، وَفِي صُورَة بعث القَاضِي كالمشاهد، وَلذَلِك أمضى قَضَاءَهُ، بِخِلَاف الْعقار فَإِن كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ قد لَا يُشَاهِدهُ القَاضِي وَإِن حضر عِنْده، وَلذَلِك صَرَّحُوا بِأَن ثُبُوت يَده عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا غير. أَقُول: وَهَذَا مِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ قُضَاةِ زَمَانِنَا حَيْثُ يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ فَأَقَرَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي إنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْعقار وَيشْهد لَهُ شَاهِدَانِ، وَلذَا نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك بقوله: وَالْيَد لَا يثبت فِي الْعقار مَعَ التصادق فَلَا تُمَارِي بَلْ يَلْزَمُ الْبُرْهَانُ إنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ غصبا أَو شِرَاء مدعي قَوْله: (بل لَا بُد من بَيِّنَة) أَي من الْمُدَّعِي تشهد أَنهم عاينوه فِي يَده: أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِالْملكِ، وَلَا يشْتَرط ذَلِك لصِحَّة الدَّعْوَى. قَالَ فِي الْخَانِية: قَالَ أَبُو بكر: لَا تقبل بَيِّنَة الْمُدَّعِي على الْملك مَا لم يقم الْبَيِّنَة أَنَّهَا فِي يَد ذِي الْيَد، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ بأوضح بَيَان. ثمَّ قَالَ: وَإِذا شهدُوا أَنه فِي يَده يسألهم القَاضِي أَنهم شهدُوا عَن سَماع أَو مُعَاينَة لانهم رُبمَا سمعُوا إِقْرَاره أَنه فِي يَده، وَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ، فَإِنَّهُم لَو شهدُوا على البيع مثلا يسألهم عَن ذَلِك لانها شَهَادَة بِالْملكِ للْبَائِع وَالْملك لَا يثبت بالاقرار. قَوْله: (أَو علم قَاض) هَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَثِيرًا مَا يذكرُونَهُ فِي الْمسَائِل، والمفتى بِهِ: أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَعَلَيهِ لَا بُد من الْبَيِّنَة. قَوْله: (لاحْتِمَال تزويرهما) هُوَ الصَّحِيح، اعْتَرَضَهُ صدر الشَّرِيعَة بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة ثَابِتَة مَعَ إِقَامَة الْبَيِّنَة أَيْضا، فَإِن الدَّار مثلا إِذا كَانَت أَمَانَة فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فتواضعا على أَن لَا يقر بالامانة فيقيم الْبَيِّنَة على الْيَد، ثمَّ إِنَّهَا ملكه فَيقْضى عَلَيْهِ. وَأجِيب بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة فِي صُورَة الاقرار ظَاهِرَة وَقَرِيبَة بل أَكثر، وَفِي صُورَة إِقَامَة الْبَيِّنَة خُفْيَة وبعيدة بل نادرة وَأبْعد، لَان مبْنى ذَلِك على مواضعة الْخَصْمَيْنِ وشاهدي زور وارتكاب ضَرَر، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا حكم عَلَيْهِ وأخرجت من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 يَده يتَضَرَّر، فَتدبر. وَعند الْبَعْض يَكْفِي تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَده، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة، لانه إِن كَانَ فِي يَده وَأقر بذلك فالمدعي يَأْخُذ مِنْهُ إِن ثَبت ملكيته بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار ذِي الْيَد أَو نُكُوله، وَإِن لم يكن فِي يَده لَا يكون للْمُدَّعِي ولَايَة الاخذ من ذِي الْيَد، لَان الْبَيِّنَة قَامَت على غير خصم فالضرر لَا يلْحق إِلَّا بِذِي الْيَد، على أَن التزوير يُوجد لَو كَانَت فِي يَده أَمَانَة، وَلم يذكر إِلَّا مُجَرّد أَنَّهَا فِي يَده كَمَا علمت. قَوْله: (لمعاينة يَده) قدمنَا قَرِيبا الِاعْتِرَاض على هَذَا التَّعْلِيل، وَإِن الِاعْتِرَاض الذُّكُور فِي غَايَة السُّقُوط فَلَا تنسه. قَوْله: (ثمَّ هَذَا) أَي عدم ثُبُوت الْيَد بالتصادق. قَوْله: (ملكا مُطلقًا) أَي بِلَا بَيَان سَبَب الْملك. قَوْله: (فَلَا يفْتَقر لبينة) أَي أَنه فِي يَده بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَغَيرهَا، وَظَاهره أَنه يَصح دَعْوَى الْعقار بِلَا بَيَان سَبَب. وَقَالَ فِي الْبَحْر: فَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَأطْلقهُ أَصْحَاب الْمُتُون أَنه يَصح دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار، بِلَا بَيَان سَبَب الْملك. ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة أَن صِحَة دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار فِي بِلَاد لم يقدم بناؤها، أما فِي بلد قدم بِنَاؤُه فَلَا تسمع فِيهِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق لوجوه بَينهَا فِيهِ. وَظَاهره اعْتِمَاد الاول. هَذَا خُلَاصَة كَلَامه. وَقيد بِالدَّعْوَى لَان الشَّاهِد إِذا شهد أَنه ملكه وَلم يقل فِي يَده بِغَيْر حق اخْتلفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنه يقبل فِي حق الْقَضَاء بِالْملكِ لَا فِي حق الْمُطَالبَة بِالتَّسْلِيمِ، حَتَّى لَو سَأَلَ القَاضِي الشَّاهِد أهوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق؟ فَقَالَ لَا أَدْرِي يقبل على الْملك، نَص عَلَيْهِ فِي الْمُحِيط كَمَا فِي شَهَادَة الْبَزَّازِيَّة، فَظهر أَن الْمُدَّعِي لَو ادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وطالبه وَشهد شاهداه أَنه ملك الْمُدَّعِي وَأَنه فِي يَده الْمُدعى عَلَيْهِ عَن مُعَاينَة يقْضِي القَاضِي بِالْملكِ وَالتَّسْلِيم، إِذْ لَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يثبت كلا الْحكمَيْنِ بِشَهَادَة فريق وَاحِد أَو فريقين كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان مفصلا. قَوْله: (لَان دَعْوَى الْفِعْل) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَدَعوى الْفِعْل. وَحَاصِله: أَن دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تصح على غَيره أَيْضا، فَإِنَّهُ يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك والتملك وَهُوَ كَمَا يتَحَقَّق من ذِي الْيَد يتَحَقَّق من غَيره أَيْضا، فَعدم ثُبُوت الْيَد لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى. أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطلق فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا من صَاحب الْيَد، وبإقراره لَا يثبت كَون ذَا يَد لاحْتِمَال الْمُوَاضَعَة. أَفَادَهُ فِي الْبَحْر. قَوْله: (وَذكر أَنه يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا، فَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي مُرْهُ حَتَّى يُعْطِيهِ، وَقيل: تصح وَهُوَ الصَّحِيح. قُهُسْتَانِيّ. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْهُ لِيُعْطِيَنِي حَقي، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى كالخلاصة جعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا، فَالصَّحِيح على مَا فِي الْفَتَاوَى عدم اشْتِرَاط الْمُطَالبَة أصلا. كَذَا بِخَط شَيخنَا اهـ. وَمثله فِي الْعُمْدَة، وَسَيَأْتِي فِي دَعْوَى الدّين قَرِيبا. قَوْله: (لتوقفه) أَي توقف دَعْوَى الْعقار ذكر الضَّمِير، وَإِن كَانَ الْمرجع مؤنثا لاكتسابه التَّذْكِير من الْمُضَاف إِلَيْهِ. قَوْله: (ولاحتمال رَهنه أَو حَبسه بِالثّمن) أَو لدفع التَّأْجِيل فِي نَحْو الدّين وكل ذَلِك يَزُول بالمطالبة. قَوْله: (وَبِه) أَي بِذكر أَنه يُطَالِبهُ، لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِحَق. قَوْله: (اسْتغنى عَن زِيَادَة بِغَيْر حق) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 فَرجع الْكَلَام إِلَى مُوَافقَة صدر الشَّرِيعَة فِي التَّسْوِيَة بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار. قَوْله: (فَافْهَم) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن ذكر كَونه بِغَيْر حق غير لَازم فِي الْعقار وَالْمَنْقُول لَان الْمُطَالبَة تغني عَنهُ. قَوْله: (وَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ دينا) أَي فِي الذِّمَّة. قَوْله: (مَكِيلًا أَو مَوْزُونا) إِنَّمَا قيد بِهِ لانه هُوَ الَّذِي يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة، وَيلْحق بِهِ المذروع إِذا استوفى شُرُوط السّلم، وَكَذَا العددي المتقارب كالجوز وَالْبيض وَاللَّبن الَّذِي سمي فِيهِ ملبنا مَعْلُوما وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة. قَوْله: (نَقْدا أَو غَيره) تَعْمِيم فِي الْمَوْزُون. قَوْله: (ذكر وَصفه) أَنه جيد أَو ردئ لانه لَا يعرف إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى ذكر وَصفه إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة، أما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقد وَاحِد فَلَا. حموي. زَادَ فِي الْكَنْزِ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ والشروح، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى فَجعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا كَمَا فِي الْعُمْدَة انْتهى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ هُنَا: أَي فِي دَعْوَى الدّين كَمَا ذكره فِي دَعْوَى الْعقار لِمَا قَالُوا: أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، لَكِنْ هَذَا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ ذَكَرْت مَسْأَلَةَ فِي الْمُتُونِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِتَصْحِيحِهَا بَلْ صَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ مُقَابِلِهَا فَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ تَرْجِيحَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا فِي الْمُتُونِ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْحِيحِ الِالْتِزَامِيِّ: أَيْ الْتِزَامُ الْمُتُونِ ذِكْرُ مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَب كَمَا تقدم فِي رسم الْمُفْتِي أول الْكتاب. قَالَ ط: وَلَو اسْتغنى عَن ذكر الدّين وَأدْخلهُ فِي جملَة الْمِثْلِيَّات الَّتِي ذكر حكمهَا بعد لَكَانَ أَخْضَر. قَوْله: (من ذكر الْجِنْس) كحنطة وَالنَّوْع كبلدية أَو حورانية وَالصّفة كجيدة وَالْقدر كعشرة أَقْفِزَة إِن كَانَ كيليا وَعشرَة أَرْطَال إِن كَانَ وزنيا. قَوْله: (وَسبب الْوُجُوب) بِأَن يَقُول بِسَبَب بيع صَحِيح جرى بَينهمَا. قَوْله: (لم تسمع) وَكَذَا لَو ادّعى مَالا بِسَبَب لَهُ كحساب جرى بَينهمَا لَا يَصح، لَان الْحساب لَا يصلح سَببا لوُجُوب المَال كَمَا فِي مُشْتَمل الاحكام والهندية عَن الْخُلَاصَة. وَفِي الاشباه: لَا يلْزم الْمُدَّعِي بَيَان السَّبَب وَتَصِح بِدُونِهِ، إِلَّا فِي الْمِثْلِيَّات وَدَعوى الْمَرْأَة لدين على تَرِكَة زَوجهَا، فَلَو ادّعى مَكِيلًا مثلا فَلَا بُد من بَيَان سَبَب الْوُجُود لاخْتِلَاف الاحكام باخْتلَاف الاسباب حَتَّى من أسلم يحْتَاج إِلَى بَيَان مَكَان الايفاء تَحَرُّزًا عَن النزاع. وَكَذَا لَو ادَّعَت الْمَرْأَة على تَرِكَة الزَّوْج لم تسمع مَا لم تبين السَّبَب، لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ جملَة. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّة: وَإِن وَقعت الدَّعْوَى فِي الدّين فَلَا بُد من بَيَان السَّبَب، لانه لَا يجب فِي الذِّمَّة إِلَّا بالاستهلاك، بِخِلَاف دَعْوَى الاملاك والاعيان فَلَا يحْتَاج. مطلب: فِيمَا يجب ذكره فِي دَعْوَى العقد قَوْله: (فِي مَكَان عَيناهُ) هَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا فِي مَكَان العقد، وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَمَا لَا حمل لَهُ كمسك لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ اتِّفَاقًا، ويوفي حَيْثُ شَاءَ كَمَا تقدم فِي السّلم. وَيَنْبَغِي على قَوْلهمَا أَن يذكر فِي الدَّعْوَى مَكَان العقد فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، لَان عِنْدهمَا يجب تَسْلِيمه فِيهِ يُرَاجع. وَقدمنَا فِي هَذَا الْبَاب أَنه يذكر فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ المَال وَغَيره ونوعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادٍ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصح الخ، فَرَاجعه.. قَوْله: (وَفِي نَحْو قرض الخ) أَي وَفِي دَعْوَى نَحْو الْقَرْض الخ، وَلَا بُد أَن يذكر أَنه أقْرضهُ كَذَا من مَال نَفسه، لجَوَاز أَن يكون وَكيلا بالاقراض، وَالْوَكِيل بالاقراض سفير ومعبر لَا يُطَالب بالاداء، وَيذكر أَيْضا أَنه صرف ذَلِك إِلَى حَاجَة نَفسه ليصير ذَلِك دينا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، لَان الْقَرْض عِنْد أبي يُوسُف ف لَا يصير دينا فِي ذمَّة الْمُسْتَقْرض إِلَّا بصرفه فِي حوائج نَفسه هـ. فَلَو كَانَ بَاقِيا عِنْد الْمُسْتَقْرض لَا يصير دينا عِنْده، وَنَحْو الْقَرْض ثمن الْمَبِيع، فَإِنَّهُ يتَعَيَّن مَكَان العقد للايفاء ط. قَالَ صدر الاسلام: لَا يشْتَرط بَيَان مَكَان الايفاء فِي الْقَرْض وَتَعْيِين مَكَان العقد. هندية عَن الْوَجِيز الْكرْدِي. قَوْله: (وغصب واستهلاك فِي مَكَان الْقَرْض) وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَإِلَّا فَلَا كَمَا تقدم قَرِيبا. قَوْله: (وَنَحْوه) أَي من الْغَصْب والاستهلاك فَيتَعَيَّن مكانهما للتسليم، وَقد مثل ذَلِك فِي الْبَحْر بِالْحِنْطَةِ لما أَن مَحل ذَلِك فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة. مطلب: فِي كَلَام الْمُتُون والشروح فِي الدَّعْوَى قُصُور إِذا لم يبينوا بَقِيَّة الشُّرُوط قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن فِي كَلَام أَصْحَاب الْمُتُون والشروح فِي دَعْوَى قصورا، فَإِنَّهُم لم يبينوا بَقِيَّة شَرَائِط دَعْوَى الدّين وَلم يذكرُوا دَعْوَى العقد. أما الاول: فَفِي دَعْوَى البضاعة والوديعة بِسَبَب مَوته مجهلا لَا بُد أَن يبين قِيمَته يَوْم مَوته إِذْ هُوَ يَوْم الْوُجُوب، وَفِي الْمُضَاربَة بِمَوْت الْمضَارب مجهلا لَا بُد من ذكر أَن مَال الْمُضَاربَة يَوْم مَوته نقد أَو عرض، لَان الْعرض يَدعِي قِيمَته، وَفِي مَال الشّركَة لَا بُد من ذكر أَنه مَاتَ مجهلا لمَال الشّركَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها إِذْ مَالهَا يضمن بِمثلِهِ وَالْمُشْتَرِي بمالها يضمن بِالْقيمَةِ. وَلَو ادّعى مَالا بكفالة لَا بُد من بَيَان المَال بِأَيّ سَبَب لجَوَاز بُطْلَانهَا، إِذْ الْكفَالَة بِنَفَقَة الْمَرْأَة إِذا لم تذكر مُدَّة مَعْلُومَة لَا تصح إِلَّا أَن يَقُول: مَا عِشْت أَو دمت فِي نِكَاحه وَالْكَفَالَة بِمَال الْكِتَابَة لَا تصح، وَكَذَا بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة، وَلَا بُد أَن يَقُول: وَأَجَازَ الْمَكْفُول لَهُ الْكفَالَة فِي مجْلِس الْكفَالَة، حَتَّى لَو قَالَ فِي مَجْلِسه لم يجز وَلَا يشْتَرط بَيَان الْمَكْفُول عَنهُ كَمَا فِي الْخَانِية. وَلَو ادَّعَت امْرَأَة مَالا على وَرَثَة الزَّوْج لم يَصح مَا لم تبين السَّبَب لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة، وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ. وَفِي دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت لَو كتب توفّي بِلَا أَدَائِهِ وَخلف من التَّرِكَة بيد هَذَا الْوَارِث مَا يَفِي تسمع هَذِه الدَّعْوَى وَإِن لم يبين أَعْيَان التَّرِكَة وَبِه يُفْتى. لَكِن إِنَّمَا يَأْمر القَاضِي الْوَارِث بأَدَاء الدّين لَو ثَبت وُصُول التَّرِكَة إِلَيْهِ، وَلَو أنكر وصولها إِلَيْهِ لَا يُمكن إثْبَاته إِلَّا بعد بَيَان أَعْيَان التَّرِكَة فِي يَده لما يحصل بِهِ الاعلام. وَلَو ادّعى الدّين بِسَبَب الوراثة لَا بُد من بَيَان كل ورثته وَفِي دَعْوَى السّعَايَة بِهِ إِلَى الْحَاكِم لَا يجب ذكر قَابض المَال، وَلَكِن فِي محْضر دَعْوَاهَا لابد أَن يبين السّعَايَة لينْظر أَنه هَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِ لجَوَاز أَنه سعى بِحَق فَلَا يضمن. وَلَو ادّعى الضَّمَان على الْآمِر أَنه أَمر فلَانا وَأخذ مِنْهُ كَذَا تصح الدَّعْوَى على الامر لَو سُلْطَانا، وَإِلَّا فَلَا. مطلب: فِي شُرُوط العقد وَأما دَعْوَى العقد من بيع وَإِجَارَة وَوَصِيَّة وَغَيرهَا من أَسبَاب الْملك لَا بُد من بَيَان الطوع وَالرَّغْبَة بِأَن يَقُول: بَاعَ فلَان مِنْهُ طَائِعا أَو رَاغِبًا فِي حَال نَفاذ تصرفه لاحْتِمَال الاكراه. وَفِي ذكر التخارج وَالصُّلْح عَن التَّرِكَة لَا بُد من بَيَان أَنْوَاع التَّرِكَة، وتحديد الْعقار، وَبَيَان قيمَة كل نوع، ليعلم أَن الصُّلْح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 لم يَقع على أَزِيد من قيمَة نصِيبه، لانهم لَو استهلكوا التَّرِكَة ثمَّ صَالحُوا الْمُدَّعِي على أَزِيد من نصِيبه لم يجز عِنْدهم، كَمَا فِي الْغَصْب إِذا استهلكوا الاعيان وصالحوا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره. هَذَا مَا حررته من كَلَامهم. اهـ. قلت: إِنَّمَا تركُوا ذكر ذَلِك لذكرهم حكم كل وَاحِد فِي بَابه، وَفِي كتب الشُّرُوط استوفوا هَذَا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَإِن ادّعى الْحِنْطَة أَو الشّعير بالامناء فالمختار للْفَتْوَى أَنه يسْأَل الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ، فَإِن ادّعى بِسَبَب الْقَرْض والاستهلاك لَا يُفْتى بِالصِّحَّةِ، وَإِن ادّعى بِسَبَب بيع عين من أَعْيَان مَاله بحنطة فِي الذِّمَّة أَو بِسَبَب السّلم يُفْتى بِالصِّحَّةِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَة. وَإِن ادّعى مكايلة حَتَّى صحت الدَّعْوَى بِلَا خلاف وَأقَام الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْحِنْطَةِ أَو بِالشَّعِيرِ وَلم يذكر الصّفة فِي إِقْرَاره قبلت الْبَيِّنَة فِي حق الْجَبْر على الْبَيَان، لَا فِي حق الْجَبْر على الاداء. كَذَا فِي الْمُحِيط. وَفِي الذّرة والمج: يعْتَبر الْعرف. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. إِذا ادّعى الدَّقِيق بالقفيز لَا تصح، وَمَتى ذكر الْوَزْن حَتَّى صحت دَعْوَاهُ لَا بُد أَن يذكر دَقِيق منخول أَو غير منخول مخبوز أَو غير مخبوز والجودة والوساطة والرداءة. هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة. وَإِذا ادّعى على آخر مائَة عدالية غصبا وَهِي مُنْقَطِعَة عَن أَيدي النَّاس يَوْم الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن يَدعِي قِيمَته، غير أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى تعْتَبر الْقيمَة يَوْم الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة. وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْغَصْب، وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الِانْقِطَاع، وَلَا بُد من بَيَان سَبَب وجوب الدَّرَاهِم فِي هَذِه الصُّورَة. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. وَفِي الدّين: لَو ادّعى الْمَدْيُون أَنه بعث كَذَا من الدَّرَاهِم إِلَيْهِ أَو قضى فلَان دينه بِغَيْر أمره صحت الدَّعْوَى وَيحلف، وَلَو ادّعى عَلَيْهِ قرض ألف دِرْهَم وَقَالَ: وصل إِلَيْك بيد فلَان وَهُوَ مَالِي لَا تسمع دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْعين. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة بِمَوْت الآخر: إِذا كَانَت الاجرة دَرَاهِم أَو عدالية يَنْبَغِي أَن يذكر كَذَا دَرَاهِم كَذَا عدالية رائجة من وَقت العقد إِلَى وَقت الْفَسْخ. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر، وَكَذَا ثمن مَبِيع مَقْبُوض، وَلم يبين البيع أَو مَحْدُود وَلم يحدده وَهُوَ الاصح. وَلَو ادّعى على آخر أَنه اسْتَأْجر الْمُدَّعِي لحفظ عين معِين سَمَّاهُ، وَوَصفه كل شهر بِكَذَا وَقد حفظه مُدَّة كَذَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاء الاجرة الْمَشْرُوطَة، وَلم يحضر ذَلِك الْعين فِي مجْلِس الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن تصح الدَّعْوَى اهـ. وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط حَضْرَة الْمُسْتَعِير مَعَ الْمُعير فِي دَعْوَى الْمُسْتَعَار وحضرة الْمُودع مَعَ الْمُودع فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة، وَكَذَا فِي اشْتِرَاط حُضُور الْمزَارِع مَعَ رب الارض فِي دَعْوَى الارض. بَزَّازِيَّة. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى عين رهن وَالْعَارِية والاجارة كَالرَّهْنِ، وَأما حَضْرَة الْمزَارِع فَهَل هِيَ شَرط فِي دَعْوَى الضّيَاع إِن كَانَ الْبذر من الْمزَارِع فَهُوَ كالمستأجر يشْتَرط حُضُوره، وَإِن لم يكن الْبذر مِنْهُ إِن نبت الزَّرْع فَكَذَلِك ك، وَإِن لم ينْبت لَا يشْتَرط. هَذَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق. أما إِذا ادّعى على آخر غصب ضيعته وَأَنَّهَا فِي يَد الْمزَارِع فَلَا تشْتَرط حَضْرَة الْمزَارِع لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد البَائِع بعد البيع فجَاء مُسْتَحقّ واستحقها لَا يقْضِي بِالدَّار لَهُ إِلَّا بِحَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَلَو ادّعى مسيل مَاء فِي دَار الآخر لَا بُد أَن يبين أَنه مسيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 مَاء الْمَطَر أَو مَاء الْوضُوء، وَيَنْبَغِي أَن يبين مَوضِع المسيل أَنه فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره. وَلَو ادّعى طَرِيقا فِي دَار الآخر يَنْبَغِي أَن يبين طوله وَعرضه وموضعه فِي الدَّار. جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَفِيه وَفِي دَعْوَى الاكراه على بيع وَتَسْلِيم يَنْبَغِي أَن يَقُول: بِعته مكْرها وسلمته مكْرها ولي حق فَسخه فافسخه، وَلَو قبض ثمنه يذكر وقبضت ثمنه مكْرها، ويبرهن على كل ذَلِك. أما لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَده بِغَيْر حق لَا تسمع، إِذْ بيع الْمُكْره يُفِيد الْملك بِقَبْضِهِ، فالاسترداد بِسَبَب فَسَاد البيع يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك. وفيهَا لَو ادّعى فَسَاد البيع يستفسر عَن سَبَب فَسَاده لجَوَاز أَن يظنّ الصَّحِيح فَاسِدا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره، كَمَا لَو ادّعى السّعَايَة فَلَا حَاجَة إِلَى تعْيين العون. قَوْله: (وَيسْأل القَاضِي) أَي بِطَلَب الْمُدَّعِي وَقيل: إِن كَانَ الْمُدَّعِي جَاهِلا يسْأَل القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلبه. اهـ. سراجية. وفيهَا: إِذا حضر الخصمان لَا بَأْس أَن يَقُول مَا لَكمَا، وَإِن شَاءَ سكت حَتَّى يبتدئاه بالْكلَام، وَإِذا تكلم الْمُدَّعِي يسكت الآخر وَيسمع مقَالَته، فَإِذا فرغ يَقُول للْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِطَلَب الْمُدَّعِي مَاذَا تَقول. وَقيل إِن الْمُدَّعِي إِذا كَانَ جَاهِلا فَإِن القَاضِي يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي. اهـ. وَفِي شَهَادَات الخزانة: يجوز للْقَاضِي أَن يَأْمر رجلا يعلم الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة إِذا كَانَ لَا يقدر عَلَيْهَا وَلَا يحسنها. اهـ. قَوْله: (بعد صِحَّتهَا) أَي إِذا جَازَت وَقَامَت دَعْوَى الْمُدَّعِي برعاية مَا سبق من شُرُوط صِحَّتهَا. قَوْله: (لعدم وجوب جَوَابه) الاولى أَن يُعلل بِعَدَمِ الْبَاعِث على السُّؤَال، فَتَأمل ط. قَوْله: (قَوْله فِيهَا) إِنَّمَا قدره فِرَارًا من اسْتِعْمَال قضى الْآتِي فِي كَلَام المُصَنّف فِي حَقِيقَته ومجازه، لَان الاقرار حجَّة ملزمة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء، فإطلاق اسْم الْقَضَاء فِيهِ مجَاز عَن الامر بِالْخرُوجِ عَمَّا لزمَه بالاقرار كَمَا صرح بِهِ فِي التَّبْيِين اهـ ح. بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِن الشَّهَادَة خبر مُحْتَمل بِالْقضَاءِ تصير حجَّة وَسقط احْتِمَال الْكَذِب. كَذَا فِي التَّبْيِين. فَقَوْل الشَّارِح فِيهَا أَي فبالقضية الْمَطْلُوبَة حصل الْمَقْصُود وَلَزِمَه الْحق سَوَاء قضى بِهِ القَاضِي أَو لَا، وبالقضاء لَا يثبت أَمر زَائِد، أَلا يرى أَنه يلْزمه الْحق بِإِقْرَارِهِ عِنْد غير القَاضِي، أَو أنكر الْخصم فبرهن الْمُدَّعِي قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَزِمَه الْحق بِالْقضَاءِ وَيثبت حكم الْبَيِّنَة بِهِ، أما بِدُونِ الْقَضَاء فَلَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حكم، وَكَذَا لَا تعْتَبر فِي غير مجْلِس القَاضِي. قَالَ فِي الاشباه: لَا يجوز للْمُدَّعى عَلَيْهِ الانكار إِذا كَانَ عَالما بِالْحَقِّ، إِلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْب فَإِن للْبَائِع إِنْكَاره ليقيم المُشْتَرِي الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ليتَمَكَّن من الرَّد على بَائِعه، وَفِي الْوَصِيّ إِذا علم بِالدّينِ. كَذَا فِي بُيُوع النَّوَازِل. قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن القَاضِي لَا يُمْهل الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا استمهله، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْبَزَّازِيَّة: ويمهله ثَلَاثَة أَيَّام إِن قَالَ الْمَطْلُوب لي دفع وَإِنَّمَا يمهله هَذِه الْمدَّة لانهم كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام أَو جُمُعَة، فَإِن كَانَ يجلس كل يَوْم وَمَعَ هَذَا أمهله ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، فَإِن مَضَت لمُدَّة وَلم يَأْتِ بِالدفع حكم اهـ. قَوْله: (أَو أنكر فَبَرْهَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى مقرّ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن الْبَيِّنَة لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر فَلَا تُقَام على مقرّ. وكتبنا فِي فَوَائِد كتاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 الْقَضَاء أَنَّهَا تُقَام على الْمقر فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ، ثمَّ زِدْت الْآن رَابِعا من جَامع الْفُصُولَيْنِ من فصل الِاسْتِحْقَاق قَالَ: المرجوع عَلَيْهِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق لَو أقرّ الِاسْتِحْقَاق وَمَعَ ذَلِك برهن الرَّاجِع على الِاسْتِحْقَاق كَانَ لَهُ أَن يرجع على بَائِعه إِذْ الحكم وَقع بِبَيِّنَة لَا بِإِقْرَار، لانه مُحْتَاج إِلَى أَن يثبت عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاق ليمكنه الرُّجُوع على بَائِعه. وَفِيه لَو برهن الْمُدَّعِي ثمَّ أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْملكِ لَهُ يقْضِي لَهُ بالاقرار لَا بِبَيِّنَة، إِذا الْبَيِّنَة إِنَّمَا تقبل على الْمُنكر لَا على الْمقر. وَفِيه من مَوضِع آخر: فَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من غير الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا. اهـ. قَوْله: (بِلَا طلب الْمُدَّعِي) وإعلامه الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه يُرِيد الْقَضَاء عَلَيْهِ أدب غير لَازم وَتقدم فِي الْقَضَاء أَنه مَتى قَامَت الْبَيِّنَة العادلة وَجب على القَاضِي الحكم بِلَا تَأْخِير. مطلب: لَا يجوز للْقَاضِي تَأْخِير الحكم بعد شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث مَوَاضِع: الاولى: رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب. الثَّانِيَة: إِذا استمهل الْمُدَّعِي. الثَّالِثَة: إِذا كَانَ عِنْده رِيبَة اهـ. قَوْله: (وَإِلَّا حلفه الْحَاكِم) لانه لَا بُد أَولا من سُؤال القَاضِي الْمُدَّعِي بعد إِنْكَار الْخصم عَن الْبَيِّنَة ليتَمَكَّن من الِاسْتِحْلَاف لَان النَّبِي (ص) قَالَ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينه سَأَلَ ورتب الْيَمين على عدم الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا تعْتَبر إِقَامَتهَا بعد الانكار والاستشهاد من الْمُدَّعِي، حَتَّى لَو شهدُوا بعد الدَّعْوَى والانكار بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي الشَّهَادَة لَا تسمع عِنْد الطَّحَاوِيّ، وَعند غَيره تسمع كَمَا فِي الْعمادِيَّة. وفيهَا: ثمَّ بعد صِحَة الدَّعْوَى إِنَّمَا يسْتَحْلف فِيهَا سوى الْقصاص بِالنَّفسِ فِي مَوضِع يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ. وَفِي مَوضِع: لَا يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ لَا يجوز الِاسْتِحْلَاف. وتحليف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عَلَيْك عهد الله وميثاقه أَنه كَانَ كَذَا فيشير بنعم. بَحر. وَإِنَّمَا يظْهر لَو كَانَ يسمع. وَانْظُر حكم الاخرس الَّذِي لَا يسمع، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا الْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف وَيذكر تَمَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (بعد طلبه) قيد بِهِ لَان الْحلف حَقه، وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث وَهِي للتَّمْلِيك، وَإِنَّمَا صَار حَقًا لَهُ لَان الْمُنكر قصد إتواء حَقه على زَعمه بالانكار فمكنه الشَّارِع من إتواء نَفسه بِالْيَمِينِ الكاذبة، وَهِي الْغمُوس إِن كَانَ كَاذِبًا كَمَا يزْعم وَهُوَ أعظم من إتواء المَال، وَإِلَّا يحصل للْحَالِف الثَّوَاب بِذكر الله تَعَالَى، وَهُوَ صَادِق على وَجه التَّعْظِيم، وَلَا بُد أَن يكون النّكُول فِي مجْلِس الْقَضَاء لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطع للخصومة، وَلَا عِبْرَة للْيَمِين عِنْد غَيره. وَلَو حلفه القَاضِي بِغَيْر طلبه ثمَّ طلب الْمُدَّعِي التَّحْلِيف فَلهُ أَن يحلفهُ ثَانِيًا كَمَا فِي الْعمادِيَّة. وَلَو حلف بِطَلَب الْمُدَّعِي بِدُونِ تَحْلِيف القَاضِي لم يعْتَبر، وَإِن كَانَ بَين يَدَيْهِ، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي بِطَلَب الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْقنية. وَيَأْتِي تَمَامه فِي كَلَام المُصَنّف. وَأطلق الْحَالِف فَيشْمَل الْمُسلم وَالْكَافِر وَلَو مُشْركًا، إِذْ لَا يُنكر أحد مِنْهُم الصَّانِع فيعظمون اسْم الله تَعَالَى ويعتقدون حرمته، لَا الدهرية والزنادقة وَأهل الاباحة، وَهَؤُلَاء أَقوام لم يتجاسروا على إِظْهَار نحلهم فِي عصر من الاعصار إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وَنَرْجُو من فضل الله تَعَالَى على أمة حَبِيبه أَن لَا يقدرهم على إِظْهَار مَا انتحلوه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا كَمَا فِي الْبَدَائِع. ثمَّ إِذا حلف لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا. دُرَر. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهد الزُّور. اهـ. وَفِيه أَيْضا أَنه لَا يَحْنَث لَو كَانَ حلفه بِالطَّلَاق وَنَحْوه. وَقيل عِنْد أبي يُوسُف، يظْهر كذبه. وَعند مُحَمَّد: لَا يظْهر. اهـ. وَفِي الْخَانِية: وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد: يظْهر أَيْضا، وَالْفَتْوَى على أَنه يَحْنَث، وَهَكَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة وَذكر فِي المنبع. وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وجد الْقَرْض مثلا ثمَّ وجد الابراء أَو الايفاء. اهـ. وَهَكَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فَظهر أَن مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيّ وَتَبعهُ فِي الدُّرَر من الصَّوَاب خلاف مَا يُفْتى بِهِ، سِيمَا وَقع فِي أَمر الدّين. تدبر قَوْله: (إِذْ لَا بُد من طلب الْيَمين فِي جَمِيع الدَّعَاوَى) قَالَ فِي الاشباه: الاصح أَنه لَا تَحْلِيف فِي الدّين الْمُؤَجل قبل حُلُوله، لانه لَا تسوغ لَهُ الْمُطَالبَة حَتَّى يَتَرَتَّب على إِنْكَاره التَّحْلِيف. اهـ. وَإِذا أَرَادَ تَحْلِيفه يَنْبَغِي للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يسْأَل القَاضِي إِن الْمُدَّعِي يَدعِي حَالَة أم نَسِيئَة، فَإِن قَالَ حَالَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ عَليّ هَذِه الدَّرَاهِم الَّتِي يدعيها ويسعه ذَلِك كَمَا فِي الْبَحْر. مطلب: يحلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع قَوْله: (إِلَّا عِنْد الثَّانِي فِي أَربع) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيف إِلَّا بعد طلب عِنْدهمَا فِي جَمِيع الدَّعَاوَى وَعند أبي يُوسُف: يسْتَحْلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ: يسْتَحْلف المُشْتَرِي على عدم الرِّضَا بِهِ، وَالشَّفِيع على عدم إِبْطَاله الشُّفْعَة، وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِب تستحلف أَنَّهَا لم يطلقهَا زَوجهَا وَلم يتْرك لَهَا شَيْئا وَلَا أَعْطَاهَا النَّفَقَة، وَالرَّابِع الْمُسْتَحق يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا بِعْت وَهَذَا بِنَاء على جَوَاز تلقين الشَّاهِد. اهـ. والاولى: أَن يحلف على أَنه لم يستوفه كلا أَو بَعْضًا بِالذَّاتِ أَو بالواسطة وَلم يُبرئهُ مِنْهُ، وَلم يكن عِنْده بِهِ رهن أَو بشئ مِنْهُ، وَقَوله بِاللَّه مَا بِعْت فِيهِ قُصُور، والاولى أَن يحلف بِاللَّه مَا خرج عَن ملكك ليشْمل مَا لَو خرج عَن ملكه بِالْبيعِ وَغَيره، وَانْظُر للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَكَذَا يحلف القَاضِي الْبكر الطالبة للتفريق أَنَّهَا اخْتَارَتْ الْفرْقَة حِين بلغت وَإِن لم يَطْلُبهُ الزَّوْج كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. قَالَ فِي التَّتِمَّة: وَلَو ادّعى دعاوى مُتَفَرِّقَة لَا يحلفهُ القَاضِي على كل شئ مِنْهَا، بل يجمعها ويحلفه يَمِينا وَاحِدَة على كلهَا إِذا برهن فَإِنَّهُ يحلف كَمَا وَصفنَا، وَهِي فِي الْخُلَاصَة. قَوْله: (قَالَ) أَي البزازي. قَوْله: (وَأَجْمعُوا على التَّحْلِيف) أَي وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الاشباه عَن التاترخانية، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ الْقَضَاءِ. قَوْله: (فِي دَعْوَى الدّين) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا خُصُوصِيَّة لدعوى الدّين بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَة وأثبته بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يحلف من غير خصم، بل وَإِن أَبى الْخصم كَمَا صرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة لانه حق الْمَيِّت أَنه مَا استوفى حَقه وَهُوَ مثل حُقُوق الله تَعَالَى يحلف من غير دَعْوَى. كَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة. اهـ. وَقيد بإثباته بالبنية لانه لَو أقرّ بِهِ الْوَارِث أَو نكل عَن الْيَمين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 المتوجهة عَلَيْهِ لَا يحلف كَمَا يعلم من مَسْأَلَة إِقْرَار الْوَرَثَة بِالدّينِ وَمِمَّا قدمْنَاهُ من كَون الاقرار حجَّة بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْبَيِّنَة. تَأمل. لَكِن ذكر فِي خزانَة أبي اللَّيْث خَمْسَة نفر جَائِز للْقَاضِي تحليفهم، ثمَّ قَالَ: وَرجل ادّعى دينا فِي التَّرِكَة يحلفهُ القَاضِي بِاللَّه الْعَظِيم جلّ ذكره مَا قَبضته. اهـ. فَهَذَا مُطلق وَمَا هُنَا مُقَيّد بِمَا إِذا أثْبته بِالْبَيِّنَةِ، وتعليلهم بِأَنَّهُ حق الْمَيِّت رُبمَا يُعَكر على مَا تقدم. وَقد يُقَال: التَّرِكَة ملكهم خُصُوصا عِنْد عدم دين على الْمَيِّت، وَقد صَادف إقرارهم ملكهم فَأنى يرد، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا حجَّة قَائِمَة من غَيرهم عَلَيْهِم فيحتاط فِيهَا، وَأما الاقرار فَهُوَ حجَّة مِنْهُم على أنفسهم فَلَا يتَوَقَّف على شئ آخر. وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يحلفهُ القَاضِي مَعَ الاقرار فِيمَا إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين مُسْتَغْرق لعدم صِحَة إقرارهم فِيهَا وَالْحَال هَذِه فيحلفه القَاضِي بِطَلَب الْغُرَمَاء إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَبِغير طَلَبهمْ، لَكِن إِذا صدقوه شاركهم لانهم أقرُّوا بِأَن هَذَا الشئ الَّذِي هُوَ بَينهم خَاص بهم لهَذَا فِيهِ شركَة مَعنا بِقدر دينه. تَأمل. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ، هَلْ يَحْلِفُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيّ: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف أخذا من قَوْلهم الدُّيُون تقضى بأمثالها لَا بِأَعْيَانِهَا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ قد ادّعى حَقًا للْمَيت. اهـ. ذكره الْغَزِّي. وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يُقَال بدل اللَّام على كَمَا هُوَ ظَاهر. وَأَقُول: قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا باستصحاب الْحَال وَقد استوفى فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَال الْمَذْكُور، فَكيف يُقَال: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف؟ تَأمل. وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي أَوَاخِر دَعْوَى النّسَب. قَوْله: (بل يحبس) أَي يحْبسهُ القَاضِي، لانه ظَالِم فَجَزَاؤُهُ الْحَبْس. قَوْله: (ليقْرَأ وينكر) هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَقَالا: يستحلفه كَمَا فِي الْمجمع، وَجه قَوْلهمَا: إِن كلاميه تَعَارضا وتساقطا فَكَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم بشئ فَكَانَ ساكتا، وَالسُّكُوت بِلَا آفَة نُكُول فيستحلفه القَاضِي وَيَقْضِي بِالنّكُولِ كَمَا فِي المنبع. وَفِي الْبَدَائِع: هُوَ الاشبه. قَوْله: (وَكَذَا لَوْ لَزِمَ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ عِنْدَ الثَّانِي) أَي فَإِنَّهُ يحبس لانه نُكُول حكما، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، وَعند أبي يُوسُف: السُّكُوت لَيْسَ بإنكار، فحبس إِلَى أَن يُجيب. صرح بِهِ السَّرخسِيّ. وقولهما: هُوَ الاشبه كَمَا فِي الْبَدَائِع وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي المنبع، وَصرح فِي رَوْضَة الْفُقَهَاء أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف. وَفِي الْقنية وَالْبَزَّازِيَّة: الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف: فَلَو سكت الْخصم بِلَا آفَة وَقضى صَحَّ، وَكَذَا لَو نكل مرّة لَان الْيَمين وَاجِبَة عَلَيْهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ترك هَذَا الْوَاجِب بِالنّكُولِ دَلِيل على أَنه باذل ومقر، وَإِلَّا قدم على الْيَمين تفصيا عَن عُهْدَة الْوَاجِب ودفعا للضَّرَر عَن نَفسه ببذل الْمُدَّعِي أَو الاقرار بِهِ، وَالشَّرْع ألزمهُ التورع عَن الْيَمين الكاذبة دون الترفع عَن الْيَمين الصادقة، فترجح هَذَا الْجَانِب: أَي جَانب كَون الناكل باذلا أَو مقرا على جَانب التورع فِي نُكُوله. كَذَا فِي الدُّرَر. وَسَيَأْتِي تَمَامه. قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا: إِذا لزم السُّكُوت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل، ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى أَن يكون بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَإِن أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزله مُنْكرا: أَي فَيحلف من غير حبس ط. قَوْله: (لما أَن الْفَتْوَى على قَول الثَّانِي) أَقُول: ظهر مِمَّا هُنَا وَمِمَّا تقدم أَنه قد اخْتلف التَّصْحِيح وَالتَّرْجِيح، وَلَكِن الارجح قَول أبي يُوسُف لما يُقَال فِيهِ: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَقد مر غير مرّة وَيَأْتِي. قَوْله: (ثمَّ نقل عَن الْبَدَائِع الخ) رَاجع إِلَى قَول الْمَتْن وَإِذا قَالَ الخ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ. قَالَ الشَّارِح: بل يحبس عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَقَالا: يسْتَحْلف. وَفِي الْبَدَائِع: الاشبه أَنه إِنْكَار. اهـ. وَهُوَ تَصْحِيح لقولهما: فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. فحاصل مَا فِي الْبَحْر: اخْتِيَار قَول الثَّانِي لَو لزم السُّكُوت بِلَا آفَة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يقر أَو يُنكر، وَاخْتِيَار قَوْلهمَا فِيمَا إِذا قَالَ لَا أقرّ وَلَا أنكر يَقْتَضِي اخْتِيَار جعله إنكارا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت بالاولى، فَكَانَ نقل صَاحب الْبَحْر تَصْحِيح الثَّانِي رُجُوعا عَمَّا أفتى بِهِ أَولا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت، فَلِذَا قَالَ الشَّارِح ثمَّ نقل الخ ليُفِيد أَن تَصْحِيح مَا فِي الْبَدَائِع يَقْتَضِي تَصْحِيح قَول الامامين فِي الاولى، وَلَا يشكل مَا قدمْنَاهُ عَن رَوْضَة الْفُقَهَاء من أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف، لَان الْكَلَام هما فِيمَا إِذا لزم السُّكُوت، وَمَا هُنَاكَ لَا يعد نكولا بِمُجَرَّد سُكُوته فَيقْضى عَلَيْهِ، وشتان مَا بَينهمَا: قَوْله: (اصطلحا على أَن يحلف الخ) سَيذكرُ الشَّارِح لَو قَالَ: إِذا حَلَفت فَأَنت برِئ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْحَقِّ قبل، لَكِن هُنَا الْيَمين من الْمُدَّعِي، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّة. قَوْله: (لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْقَاضِي مَعَ طَلَبِ الْخَصْمِ) الاولى كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْقنية: لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي اهـ. حَتَّى لَو أَبرَأَهُ الْخصم عَنهُ لَا يَصح. بَزَّازِيَّة. وكما أَن التَّحْلِيف عِنْد غير القَاضِي، لَا يعْتَبر فَكَذَلِك النّكُول عِنْد غَيره لَا يُوجب الْحق، لانص الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة، وَالْيَمِين عِنْد غير القَاضِي غير قَاطِعَة. دُرَر. وَكَذَلِكَ لَا عِبْرَة لَهَا عِنْده بِلَا تَحْلِيفه كَمَا قَيده بقوله مَعَ طلب الْخصم، لَكِن الَّذِي يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الدُّرَر والعيني أَن الْيَمين حق الْمُدَّعِي. وَاسْتدلَّ لَهُ فِي الدُّرَر بقوله: وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه قَالَ: وَوجه كَونه حَقًا لَهُ أَن الْمُنكر قصد إتواء حَقه الخ، وَكَانَ الاولى لَهُ أَن يُعلل الْمَسْأَلَة بقوله: لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة الخ، ثمَّ يسْتَدرك بِمَا نَقله المُصَنّف عَن الْقنية الْآتِي ذكره، فَلَو فعل ذَلِك لسلم من التّكْرَار. قَوْله: (وَلَا عِبْرَة الخ) أَي وَلَا يعْتَبر إبراؤه الْمُعَلق بِهَذَا الشَّرْط، لَان الابراء من الدّين لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ كَمَا تقدم. قَوْله: (فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى حَقِّهِ يُقْبَلُ) هَذَا لَا يصلح تَفْرِيعا على مَا قبله، فَإِنَّهُ لَو حلف عِنْد قَاض ثمَّ برهن الْمُدَّعِي يقبل كَمَا سَيَأْتِي ح. إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا فَرعه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار قَوْله: وَإِلَّا يحلف ثَانِيًا عِنْد قَاض: أَي حَيْثُ لم يعْتَبر حلفه عِنْد غير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 القَاضِي لَهُ تَحْلِيفه عِنْد القَاضِي عِنْد عدم الْبَيِّنَة، بِخِلَاف مَا لَو حلفه عِنْد قَاض فَإِنَّهُ لَا يحلف ثَانِيًا لَان الْحلف الاول مُعْتَبر، وَهَذَا معنى قَوْله: إِلَّا إِذا كَانَ حلفه الخ. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَ حَلِفُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ قَاضٍ فَيَكْفِي: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ ثَانِيًا. هَذَا، وموقع للاستثناء كَمَا لَا يخفى ح: أَي لانه اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الْحلف الاول عِنْد غير قَاضِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ تقلده الْقَضَاء. تَأمل وراجع. قَوْله: دُرَر عبارتها يحلفهُ القَاضِي لَو لم يكن حلفه الاول حِين الصُّلْح عِنْده. قَوْله: (وَنقل المُصَنّف عَن الْقنية هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُغَايِرُ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْمَتْنِ. فَإِنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ، وَهَذِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي بِاسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي لَا القَاضِي ح: أَي وكما أَنه لَا يَصح التَّحْلِيف إِلَّا عِنْد القَاضِي لَا يَصح إِلَّا تَحْلِيف القَاضِي، حَتَّى لَو أَن الْخصم حلف خَصمه فِي مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي لَا حق الْخصم. قَوْله: (وَكَذَا لَو اصطلحا الخ) فِي الْوَاقِعَات الحسامية قبيل الرَّهْن. وَعَن مُحَمَّدٍ قَالَ لِآخَرَ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت إنَّهَا لَك أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرط فَهُوَ بَاطِل، وللمؤدي أَن يرجع بِمَا أَدَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمين على من أنكر دون الْمُدَّعِي، إِ هـ بَحر. قَوْله: (لم يضمن) وَلَو أدّى لَهُ على هَذَا الشَّرْط رَجَعَ بِمَا أدّى لَان هَذَا الشَّرْط بَاطِل كَمَا علمت. قَوْله: (لحَدِيث الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) تتمته وَالْيَمِين على مَا أنكر وَالدَّلِيل مِنْهُ من وَجْهَيْن الاول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قسم بَينهمَا وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وَجعل جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شئ. الثَّانِي: أَن أل فِي الْيَمين للاستغراق، لَان لَام التَّعْرِيف تحمل على الِاسْتِغْرَاق، وَتقدم على تَعْرِيف الْحَقِيقَة إِذا لم يكن هُنَاكَ مَعْهُود، فَيكون الْمَعْنى: أَن جَمِيع الايمان على المنكرين، فَلَو رد الْيَمين على الْمُدَّعِي لزم الْمُخَالفَة لهَذَا النَّص. الثَّالِث: إِن قَوْله: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي يُفِيد الْحصْر، فَيَقْتَضِي أَن لَا شئ عَلَيْهِ سواهُ. قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ: وَالْحكمَة فِي كَون الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِن جَانب الْمُدَّعِي ضَعِيف، لَان دَعْوَاهُ خلاف الظَّاهِر، فَكَانَت الْحجَّة القوية عَلَيْهِ وَهِي الْبَيِّنَة، لانها لَا تجلب لنَفسهَا نفعا وَلَا تدفع عَنْهَا ضَرَرا فيتقوى بهَا ضعف الْمُدَّعِي، وجانب الْمُدعى عَلَيْهِ قوي لَان الاصل فرَاغ ذمَّته فَاكْتفى فِيهِ بِحجَّة ضَعِيفَة وَهِي الْيَمين، لَان الْحَالِف يجلب لنَفسِهِ النَّفْع وَيدْفَع عَنْهَا الضَّرَر، فَكَانَ ذَلِك فِي غَايَة الْحِكْمَة اهـ. وَهَذَا من حَيْثُ مَا ذكره ظَاهر: أَي من ضعف الْيَمين، وَإِلَّا فاليمين إِذا كَانَت غموسا مهلكة لصَاحِبهَا، فَتَأمل. قَوْله: (وَحَدِيث الشَّاهِد وَالْيَمِين) هُوَ مَا رُوِيَ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضعى بِشَاهِد وَيَمِين " حَلَبِيّ عَن التَّبْيِين. قَوْله: (عَيْني) عِبَارَته: ولانه يرويهِ ربيعَة عَن سهل بن أبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 صَالح وَأنْكرهُ سهل، فَلَا يبْقى حجَّة بعد مَا أنكرهُ الرَّاوِي فضلا عَن أَن يكون مُعَارضا لصحاح الْمَشَاهِير. اهـ. قَوْله: (وَطلب من القَاضِي) يَعْنِي الْمُدعى عَلَيْهِ. قَوْله: (أَن يحلف الْمُدَّعِي) الْمُنَاسب أَو الشُّهُود، وَيَأْتِي بضميرهم بعد بدل الِاسْم الظَّاهِر ط. قَوْله: (أَو على أَن الشُّهُود) أَي أَو طلب الْمُدعى عَلَيْهِ من القَاضِي أَن يحلف الشُّهُود على أَنهم صَادِقُونَ، كَمَا يدل عَلَيْهِ اللحاق ح. قَوْله: (لَا يجِيبه القَاضِي) كَمَا لَا يُجيب ذَا الْيَد إِذا طلب مِنْهُ استحلاف الْمُدَّعِي مَا تعلم أَنِّي بنيت بِنَاء هَذِه الدَّار. قنية: أَي لانه خلاف الشَّرْع. قَوْله: (إِلَى طلبته) بِكَسْر اللَّام مَا طلبه والطلبة بِالضَّمِّ السفرة الْبَعِيدَة والطلاب اسْم مصدر طَالب كالطلبة بِالْكَسْرِ قَامُوس. قَوْله: (لَان الْخصم) فِيهِ أَنه لم يتَقَدَّم مِنْهُ حلف، فالاولى أَن يُعلل بقوله لانه خلاف الشَّرْع، وَيجْعَل هَذَا التَّعْلِيل للثَّانِيَة، وَهُوَ تَحْلِيف الشُّهُود على الصدْق أَو أَنهم محقون لَا يجِيبه لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ. قَوْله: (لَان لفظ أشهد عندنَا يَمِين) وَإِن لم يقل بِاللَّه، فَإِذا طلب مِنْهُ الشَّهَادَة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَقَالَ أشهد فقد حلف. قَوْله: (لانا أمرنَا بإكرام الشُّهُود) أَي وَفِي التَّحْلِيف تَعْطِيل هَذَا الْحق. قَوْله: (لَان لَا يلْزمه) أَي الاداء حِينَئِذٍ. قَوْله: (وَبَيِّنَة الْخَارِج) أَي الَّذِي لَيْسَ ذَا يَد. قَوْله: (وَفِي الْملك الْمُطلق) قيد بِهِ لما سَيَأْتِي، وَأطْلقهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا، وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ، فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا يدل عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيح. بَحر. قَوْله: (وَهُوَ الَّذِي لم يذكر لَهُ سَبَب) السَّبَب كَشِرَاء وَارِث فالمطق مَا يتَعَرَّض للذات دون الصِّفَات لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ط. قَوْله: (أَحَق من بَيِّنَة ذِي الْيَد) أَي أولى بِالْقبُولِ مِنْهَا، لَان الْخَارِج أَكثر إِثْبَاتًا وإظهارا، لَان ملك ذِي الْيَد ظَاهر فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيِّنَة: يَعْنِي لَو ادّعى خَارج دَارا أَو مَنْقُولًا ملكا مُطلقًا وَذُو الْيَد ادّعى ذَلِك وبرهنا وَلم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد، وَيَقْضِي للْخَارِج، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ يقْضى لذِي الْيَد، ثمَّ يَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يكون الْخَارِج مُسلما أَو ذِمِّيا أَو مستأمنا أَو عبدا أَو حرا أَو امْرَأَة أَو رجلا، وبقولنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ الامام أَحْمد، وَقَالَ الامام مَالك وَالشَّافِعِيّ وَزفر: بَيِّنَة ذِي الْيَد أولى. ط بِاخْتِصَار. قَوْله: (لانه الْمُدَّعِي) أَي وَذُو الْيَد مدعى عَلَيْهِ لانطباق تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا. قَوْله: (بِخِلَاف الْمُقَيد بِسَبَب) أَي لَا يتَكَرَّر. قَوْله: (كنتاج) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على أَنَّهَا ولدت عِنْده فذو الْيَد أولى، لَان بَينته قد دلّت على مَا دلّت عَلَيْهِ بَيِّنَة الْخَارِج: أَي نَظِيره وَمَعَهُ تَرْجِيح الْيَد فَكَانَ أولى. عَيْني. قَوْله: (وَنِكَاح) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنه نَكَحَهَا فذو الْيَد أولى فَالْمُرَاد بِالْملكِ مَا يعم الْحكمِي. قَوْله: (فَالْبَيِّنَة لذِي الْيَد) أَي فِي الصُّورَتَيْنِ. قَوْله: (إِجْمَاعًا) أَي لَان بَينته قَامَت على أَوْلَوِيَّة ملكه فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه مفصلا. قَوْله: (كَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 سيجئ) أَي فِيمَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، والاولى ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مقَامهَا. قَوْله: (وَقضى القَاضِي الخ) أَي قضى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، وَأفَاد أَن النّكُول لَا يُوجب شَيْئا إِلَّا إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء وبدونه لَا يُوجب شَيْئا وَهُوَ بذل على مَذْهَب الامام، وَإِقْرَار على مَذْهَب صَاحِبيهِ وَحَيْثُ لم يقدم على الْيَمين دلّ على أَنه بذل الْحق أَو أقرّ، وَإِذا بذل أَو أقرّ وَجب على القَاضِي الحكم بِهِ، فَكَذَا إِذا نكل. قَوْله: (حَقِيقَة) الاولى ذكره بعد قَوْله مرّة لَان المتصف بِكَوْنِهِ حَقِيقَة وَحكما أَو صَرِيحًا وَدلَالَة إِنَّمَا هُوَ النّكُول كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. قَوْله: (أَو حكما كَأَن سكت) . أَقُول: تقدم أَنه مُنْكِرًا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يحبس إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا لزم السُّكُوت ابْتِدَاء وَلم يجب على الدَّعْوَى بِجَوَابٍ، وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ ثمَّ لزم السُّكُوت تَأمل. كَذَا أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ. ومفاد ذكر المُصَنّف للحكمي بِالسُّكُوتِ تَصْحِيح لقولهما أَيْضا مَنْقُول عَن السراج، كَمَا تقدم اقْتِضَاء تَصْحِيحه عَن الْبَحْر بعد أَن أفتى بِخِلَافِهِ. قَوْله: (من غير آفَة) أما إِذا كَانَ بهَا فَهُوَ عذر كَمَا فِي الِاخْتِيَار، وَيَأْتِي قَرِيبا بَيَانه. قَوْله: (كخرس) وَآفَة بِاللِّسَانِ تمنع الْكَلَام أصلا. قَوْله: (وطرش) يُقَال طرش يطرش طرشا من بَاب علم: أَي صَار أطروشا، وَهُوَ الاصم. قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا تقدم. وَقيل إِذا سكت يحْبسهُ حَتَّى يُجيب، وَأما إِذا كَانَ بِهِ آفَة الخرس فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يحسن الْكِتَابَة، أَو يسمع أَو لَا يحسن شَيْئا، فَإِذا لم يسمع وَله إِشَارَة مَعْرُوفَة فإشارته كالبيان، وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك أعمى نصب القَاضِي لَهُ وَصِيّا، وَيَأْمُر الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مَعَه إِن لم يكن لَهُ أَب أَو جد أَو وصيهما، وَإِذا كَانَ يسمع يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إِن كَانَ كَذَا، فَإِن أَوْمَأ بِرَأْسِهِ أَن نعم فَإِنَّهُ يصير حَالفا فِي هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا لانه إِن أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم لَا يصير حَالفا بِهَذَا الْوَجْه بل مقرا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة. قَوْله: (وَعرض) مُبْتَدأ خَبره قَوْله ثمَّ الْقَضَاء. قَوْله: (أحوط) أَي على وَجه النّدب، وَإِنَّمَا لم يعرج عَلَيْهِ المُصَنّف لانه غير ظَاهر الرِّوَايَة. قَالَ فِي الْكَافِي: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَقُول إِنِّي أعرض عَلَيْك الْيَمين ثَلَاث مَرَّات فَإِن حَلَفت وَإِلَّا قضيت عَلَيْك بِمَا ادّعى، وَهَذَا الانذار لاعلامه بالحكم إِذْ هُوَ مُجْتَهد فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَظَنَّة الخفاء اهـ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَو قضى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ينفذ وَهُوَ نَظِير إمهال الْمُرْتَد كَمَا فِي التَّبْيِين. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: لَو كَانَ مَعَ الْخصم بَيِّنَة وَلم يذكرهَا، وَطلب يَمِين الْمُنكر يحل لَهُ إِن ظن أَنه ينكل. وَأما إِذا ظن أَنه يحلف كَاذِبًا لم يعْذر فِي التَّحْلِيف ثمَّ على الاحوط، ذكر فِي الْخَانِية وَلَو أَن القَاضِي عرض عَلَيْهِ الْيَمين فَأبى، ثمَّ قَالَ قبل القَاضِي أَنا أَحْلف بحلفه وَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ، وَهَذَا الاحوط جعله صدر الشَّرِيعَة متْنا. فَتنبه. لَكِن جعله ابْن ملك مُسْتَحبا فِي مَوضِع الخفاء ويترجح مَا فِي الْخَانِية بِكَوْن الْمَتْن منع الْحلف بعد الْقَضَاء فَافْهَم أَنه قبله لَا يمْنَع مِنْهُ. قَوْله: (وَهل يشْتَرط) الاولى وَهل يفترض. قَوْله: (على فَور النّكُول خلاف) أَي فِيهِ خلاف، وَلم يبين الْفَوْر بِمَاذَا يكون. حموي. قَالَ ط: قلت: هُوَ ظَاهر، وَهُوَ أَن يقْضِي عقبه من غير تراخ قبل تكراره أَو بعده على الْقَوْلَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 قَوْله: (قلت قدمنَا) أَي فِي كتاب الْقَضَاء: أَي وجزمهم هُنَاكَ بِهِ مُطلقًا حَيْثُ شَمل كَلَامهم هُنَاكَ مَا بعد الْبَيِّنَة والاقرار، والنكول تَرْجِيح لُزُوم الْفَوْر الَّذِي هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ، وَكَأن المُصَنّف غفل عَنهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: لم أر فِيهِ تَرْجِيحا، إِلَّا أَن الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه قَالَ: اعْلَم أَنه يجب على القَاضِي الحكم بِمُقْتَضى الدَّعْوَى عِنْد قيام الْبَيِّنَة على سَبِيل الْفَوْر، وَعَزاهُ لجامع الْفُصُولَيْنِ وَقد خصّه بِالْبَيِّنَةِ كَمَا ترى، فَلَا يُفِيد تَرْجِيح أحد الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُوم الْقَضَاء فَوْرًا بعد النّكُول، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذكر من الِاسْتِدْرَاك فمحله بعد الْبَيِّنَة أَو الْيَمين، فَتدبر. قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث) قدمنَا أَنَّهَا أَن يرتاب القَاضِي فِي طَرِيق الْقَضَاء كالبينة وَأَن يستمهل الْخصم: أَي الْمُدَّعِي، وَأَن يكون لرجاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَظَاهره أَنه لَا خلاف. قَوْله: (لَا يلْتَفت إِلَيْهِ) لانه أبطل حَقه بِالنّكُولِ فَلَا ينْقض بِهِ الْقَضَاء قيد بِالْقضَاءِ، لانه قبله إِذا أَرَادَ أَن يحلف يجوز، وَلَو بعد الْعرض كَمَا فِي الدُّرَر، أما لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة بعد النّكُول فَإِنَّهَا تقبل كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (فبلغت طرق الْقَضَاء ثَلَاثًا) بَيِّنَة وَإِقْرَار ونكول، وَهُوَ تَفْرِيع على قَوْله فَإِن أقرّ أَو أنكر الخ. قَوْله: (سبعا) فِيهِ أَن الْقَضَاء بالاقرار مجَاز كَمَا تقدم، والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين، وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بذكرها ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل ط. قَوْله: (بَيِّنَة) لَا شكّ أَن الْبَيِّنَة طَرِيق للْقَضَاء وَأَن الحكم لَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى يقْضِي بهَا كَمَا تقدم. قَوْله: (وَإِقْرَار) تقدم أَن الْحق يثبت بِهِ بِدُونِ حكم، وَإِنَّمَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِدفع مَا لزمَه بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لُزُوم الْحق بِالْقضَاءِ كَمَا لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ، فَجعل الاقرار طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهرا، وَإِلَّا فَالْحق ثَبت بِهِ لَا بِالْقضَاءِ. قَوْله: (وَيَمِين) لَيْسَ الْيَمين طَرِيقا للْقَضَاء، لَان الْمُنكر إِذا حلف وَعجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة يتْرك الْمُدَّعِي فِي يَده لعدم قدرَة الْمُدَّعِي على إثْبَاته لَا قَضَاء لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلذَا لَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي لَهُ بهَا، وَلَو ترك المَال فِي يَده قَضَاء لَهُ لم ينْقض فَجعله طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهر بِاعْتِبَار أَن الْقَضَاء يقطع النزاع، وَهَذَا يقطعهُ لَان الاتيان بِالْبَيِّنَةِ بعد الْعَجز عَنْهَا نَادِر. قَوْله: (ونكول عَنهُ) الْفرق بَين النّكُول والاقرار أَن الاقرار مُوجب للحق بِنَفسِهِ لَا يتَوَقَّف على قَضَاء القَاضِي، فحين الاقرار يثبت الْحق كَمَا ذكرنَا، وَأما النّكُول فَلَيْسَ بِإِقْرَار صَرِيحًا وَلَا دلَالَة لَكِن يصير إِقْرَارا بِقَضَاء القَاضِي بإنزالة مقرا، وَعَلِيهِ يظْهر كَونه رَابِعا. أما لَو أرجعناه إِلَى الاقرار فَلَا يظْهر كَونه رَابِعا كَمَا فِي الْمُحِيط. قَوْله: (وقسامة) قَالَ المُصَنّف: وَسَيَأْتِي أَن الْقسَامَة من طرق الْقَضَاء بِالدِّيَةِ. قَوْله: (وَعلم قَاض على الْمَرْجُوح) وَظَاهر مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَن الْفَتْوَى أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ لفساد قُضَاة الزَّمَان. بَحر. قَوْله: (وَالسَّابِع قرينَة) ذكر ذَلِك ابْن الْغَرْس. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أره إِلَى الْآن لغيره. اهـ. قَالَ بعض الافاضل: صَرِيح قَول ابْن الْغَرْس فقد قَالُوا: إِنَّه مَنْقُول عَنْهُم، لَا أَنه قَالَه من عِنْد نَفسه، وَعدم رُؤْيَة صَاحب الْبَحْر لَهُ لَا يَقْتَضِي عدم وجوده فِي كَلَامهم، والمثبت مقدم. لَكِن قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَا شكّ أَن مَا زَاده ابْن الْغَرْس غَرِيب خَارج عَن الجادة، فَلَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تغتر بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. وَالْحق أَن هَذَا مَحل تَأمل، وَلَا يظنّ أَن فِي مثل ذَلِك يجب عَلَيْهِ الْقصاص مَعَ أَن الانسان قد يقتل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 نَفسه وَقد يقْتله آخر ويفر. وَقد يكون أَرَادَ قتل الْخَارِج فَأخذ السكين وَأصَاب نَفسه فَأَخذهَا الْخَارِج وفر مِنْهُ وَخرج مذعورا، وَقد يكون اتّفق دُخُوله فَوَجَدَهُ مَنْقُولًا فخاف من ذَلِك وفر، وَقد يكون السكين بيد الدَّاخِل فَأَرَادَ قتل الْخَارِج وَلم يتَخَلَّص مِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَصَارَ دفع الصَّائِل، فَلْينْظر التَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَالْحَاصِل: أَن الْقَضَاء فِي الاقرار مجَاز والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بهَا ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل. لَكِن فِي الْمجلة مَادَّة 1471 قد اعْتبر الْقَرِينَة القاطعة الْبَالِغَة حد الْيَقِين وَصدر الامر السلطاني بِالْعَمَلِ بموجبها. قَوْله: (يَنْبَغِي) أَي تورعا ندبا بِدَلِيل قَوْله تَحَرُّزًا لَان اتقاء الشُّبُهَات مَنْدُوب لَا وَاجِب، وَهُوَ عِنْد من يضن بِدِينِهِ منزلَة الْوَاجِب خوفًا من الْيَمين الْفَاجِرَة الَّتِي تدع الديار بَلَاقِع: أَي خَالِيَة عَن أَهلهَا وخوفا من أكل مَال الْغَيْر، لَكِن قد يُقَال: أَن التَّحَرُّز عَن الْحَرَام وَاجِب لَا مَنْدُوب. تَأمل. قَوْله: (وَإِن أَبى خَصمه) هَذِه غير مَسْأَلَة الشَّك، وَقَوله بِأَن غلب على ظَنّه أَنه محق تقدم أَن الشَّك نَظِيره. قَوْله: (حلف) لجَوَاز بِنَاء الاحكام وَالْحلف على غَالب الظَّن، وَإِلَّا سلم أَن لَا يفعل بذلا للدنيا لحفظ الدّين، بل لَو تحقق إبِْطَال الْمُدَّعِي الاولى فِي حَقه أَن يبْذل لَهُ مَا يَدعِيهِ وَلَا يحلف كَمَا فعله السّلف الصَّالح مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بِأَن غلب على ظَنّه) ظَاهر هَذِه الْعبارَة مُشكل، لانه يَقْتَضِي أَنه إِذا اسْتَوَى عِنْده الطرفان أَنه يحلف، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا يجوز لَهُ الْحلف إِلَّا إِذا غلب على ظَنّه أَنه محق، وَالشَّارِح هُنَا تبع المُصَنّف فِي هَذِه الْعبارَة. وَالَّذِي نَقله فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة أَن أكبر رَأْيه أَن الْمُدَّعِي محق لَا يحلف، وَإِن مُبْطل سَاغَ لَهُ الْحلف، وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن. قَوْله: (وَتقبل الْبَيِّنَة الخ) لامكان التَّوْفِيق بِالنِّسْيَانِ ثمَّ بالتذكر، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لم تسمع للتناقض. قَوْله: (خلافًا لما فِي شرح الْمجمع) عبارَة ابْن ملك فِيهِ. وَفِي الْمُحِيط: إِذا قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة على هَذَا ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة لانه كذب بَينته، وَتقبل عِنْد مُحَمَّد، لانه يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ بَيِّنَة ونسيها انْتهى. فقد ذكر خلافًا فِي الْمَسْأَلَة لكنه لم يتَعَرَّض للْيَمِين، وَرجح فِي السِّرَاجِيَّة قَول مُحَمَّد. وَفِي الدُّرَر قَالَ لَا بَيِّنَة لي ثمَّ برهن أَولا شَهَادَة ثمَّ شهد، فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة لَا تقبل لظَاهِر التَّنَاقُض، وَفِي رِوَايَة تقبل، والاصح الْقبُول. وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة بَين مَا ذكره وَبَين مَا فِي الْمجمع بل حكى قَوْلَيْنِ. تَأمل. لَكِن الْآن قد صدر أَمر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن بِالْعَمَلِ بِمُوجب الْمجلة من أَنه إِذا قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَة لي أبدا ثمَّ أحضر بَيِّنَة لَا تقبل أَو قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة سوى فلَان وَفُلَان وأتى بِغَيْرِهِمَا لَا تقبل كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 3571. قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمين انْقِطَاع الْخُصُومَة للْحَال مؤقتا إِلَى غَايَة إِحْضَار الْبَيِّنَة عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح. وَقيل انقطاعها مُطلقًا ط. وَقَوله بعد الْيَمين مُتَعَلق بتقبل: أَي لَو حلف الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد عدم حُضُور الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي سَوَاء قَالَ لَا بَيِّنَة لي أَو لَا ثمَّ أَتَى بهَا تقبل. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 (كَمَا تقبل الْبَيِّنَة بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ) أَي لَو نكل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْيَمين وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي بهَا: أَي كَمَا يقْضِي بهَا مَعَ الاقرار فِي مسَائِل وَقد مرت، فَإِن قيل مَا فَائِدَة قبُولهَا بعده، وَقد لزم حق الْمُدَّعِي بِالْقضَاءِ. قلت: فائدتها التَّعَدِّي إِلَى غَيره فِي الرَّد بِالْعَيْبِ، لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَة. قَوْلُهُ: (خَانِيَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا فِي الْخَانِية من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْب عِنْده فاستحلف فنكل فَقضى عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْت إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْب وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته. اهـ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْبَ عِنْدَهُ، فَإِقَامَتُهُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ضِمْنِ نُكُولِهِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ وَحُكْمًا بِهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَضَاهُ إيَّاهُ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَنَقْضًا لِلْحُكْمِ، فَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فرق، فَكيف تصبح قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْبَحْرِ فِي إقَامَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الخاني من هَذَا الْوَجْه أَيْضا. وَعبارَة صَاحب الْبَحْر فِي الاشياء: وَتسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية. قَالَ محشيها الْحَمَوِيّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالف مَا ذكره، وَعبارَته: ادّعى عبدا فِي يَد رجل أَنه لَهُ فَجحد الْمُدعى عَلَيْهِ فاستحلفه فنكل وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن المقضى عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ فَاشْترى هَذَا العَبْد من الْمُدَّعِي قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَن كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء. وَذكر فِي مَوضِع آخر أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو قَالَ كنت اشْتَرَيْته مِنْهُ قبل الْخُصُومَة وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته وَيَقْضِي لَهُ انْتهى. قلت: وَذكر فِي الْبَحْر فِي فصل رفع الدَّعْوَى عَن الْبَزَّازِيَّة: وَكَانَ يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَسَنذكر تَمَامه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. لَكِن ذكر فِي الْبَحْر فِي أول فصل دَعْوَى الخارجين عَن النِّهَايَة مَا نَصه: وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضِي بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا يقبل، وَكَذَا لَو ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ. اهـ. وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار. تَأمل. قَوْله: (عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح) رَاجع إِلَى الْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ بعد الْيَمين بِدَلِيل تَعْلِيله بقول سيدنَا شُرَيْح: إِذْ لَا يَمِين فاجرة مَعَ النّكُول وبدليل قَوْله: ولان الْيَمين الخ وَالْمرَاد بالعامة الكافة لَا مَا قَابل الْخَاصَّة. قَوْله: (وَيظْهر كذبه) فيعاقب معاقبة شَاهد الزُّور، وَلَو ألحق بِيَمِينِهِ يَمِين طَلَاق أَو عتاق يَقع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 عَلَيْهِ. قَوْله: (بِلَا سَبَب) تقدم أَنه لَا يَصح دَعْوَى إِلَّا بعد ذكر سَببه، وَالْحلف لَا بُد أَن يكون بعد صِحَة الدَّعْوَى. تَأمل. فَكيف يُقَال: لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: إِن هَذَا فِي دَعْوَى عين لَا دين. قَوْله: (حَتَّى يَحْنَث فِي يَمِينه) أَي لَو كَانَ بِطَلَاق أَو عتاق لانه هُوَ الَّذِي يدْخل تَحت الْقَضَاء. قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ قَول أبي يُوسُف. قَوْله: (طَلَاق الْخَانِية) وعبارتها: ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن كَانَ لَك عَليّ ألف فامرأتي طَالِق، وَقَالَ الْمُدَّعِي إِن لم يكن لي عَلَيْك ألف فامرأتي طَالِق، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على حَقه وَقضى القَاضِي بِهِ وَفرق بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته. وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. فَإِن أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بعد ذَلِك أَنه كَانَ أوفاه ألف دِرْهَم تقبل دَعْوَاهُ، وَيبْطل تَفْرِيق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبَين امْرَأَته، وَتطلق امْرَأَة الْمُدَّعِي إِن زعم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَّا ألف دِرْهَم، وَإِن أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَلف قَالُوا لم يفرق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته. أَقُول: ظهر لَك مِمَّا نَقَلْنَاهُ وَمن عبارَة الشَّارِح أَن عبارَة الشَّارِح غير محررة، لَان الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ طَلَاقِ الْخَانِيَّةِ والولجية مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّبَبِ وَعَدَمِهِ. وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ مُطْلَقًا جَعَلُوهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَاَلَّذِي جَعَلُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ، وَهُوَ قَول أَبِي يُوسُف، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَسَنذكر قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (خلافًا لاطلاق الدُّرَر) تبعا للتبيين، وعبارتها: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنه لَا يظْهر كذبه حَتَّى لَا يُعَاقب عِقَاب شَاهد الزُّور اهـ. وَمثله فِي الْعَيْنِيّ تبعا للزيلعي. وَقيل عِنْد أبي يُوسُف: يظْهر كذبه، وَعند مُحَمَّد لَا يظْهر لجَوَاز أَن يكون لَهُ بَيِّنَة أَو شَهَادَة فنسيها ثمَّ ذكرهَا، أَو كَانَ لَا يعلمهَا ثمَّ علمهَا. وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا. ذكره فِي الْمُلْتَقط. وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا. ذكره فِي الْمُلْتَقط. وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقيل: لَا يَصح دَفعه اتِّفَاقًا لَان مَعْنَاهُ لَيْسَ لي دَعْوَى الدّفع، وَمن قَالَ لَا دَعْوَى لي قبل فلَان ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ لَا تسمع، كَذَا هَا هُنَا. وَبَعْضهمْ قَالَ: يَصح وَهُوَ الاصح، لَان الدّفع يحصل بِالْبَيِّنَةِ على دَعْوَى الدّفع لَا بِدَعْوَى الدّفع فَيكون قَوْله لَا دفع لي بِمَنْزِلَة قَوْله لَا بَيِّنَة لي. كَذَا فِي الْعمادِيَّة. قَوْله: (وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب) كقرض. قَوْله: (أَنه لَا دين عَلَيْهِ) ظَاهره أَنه لَو حلف أَنه لم يقْرضهُ يَحْنَث وَهُوَ ظَاهر ط. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي) سَيُعِيدُ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أثْنَاء هَذَا الْبَاب. قَوْله: (ثمَّ وجد الابراء أَوْ الْإِيفَاءَ) بَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ أَنْ يَبْقَى عَلَى ثُبُوتِهِ، وَقد حكمتهم لمن شهد لَهُ بشئ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِذَا وجد السَّبَب ثَبت والاصل بَقَاؤُهُ انْتهى. وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن إِثْبَات كَون الشئ لَهُ يُفِيدُ مِلْكِيَّتَهُ لَهُ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ، وَاسْتِصْحَابُ هَذَا الثَّابِتِ يَصْلُحُ لِدَفْعِ مَنْ يُعَارِضُهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لَهُ، وَقَدْ قَالُوا: الِاسْتِصْحَابُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحِنْثَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءَ الْقَرْضِ يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. فَتَأمل. قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) أَي على التَّفْصِيل الَّذِي فِي المُصَنّف، وَمُقَابِله إِطْلَاق الدُّرَر تبعا للزيلعي، بل هُوَ الَّذِي عَن إِطْلَاق الْخَانِية كَمَا يفِيدهُ سِيَاق الْمنح، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 ويستغني بعبارته هُنَا عَن قَوْله أَولا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. طَلَاق الْخَانِية ط. قَوْله: (فصولين) قَالَ فِي الْبَحْر وَفِي الْجَامِع: وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَنه لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ اهـ. فَإِن قلت: هَل يقْضِي بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لنفي التُّهْمَة كالامين إِذا ادّعى الرَّد أَو الْهَلَاك فَحلف وَنكل عَن الْيَمين الَّتِي للِاحْتِيَاط فِي مَال الْمَيِّت كَمَا قدمْنَاهُ؟. قلت: أما الاول فَنعم كَمَا فِي الْقنية، وَأما الثَّانِي فَلم أره إِ هـ. وَعبارَة الْبَحْر: قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْوَجْه يَقْتَضِي الْقَضَاء بِالنّكُولِ فِيهَا أَيْضا، إِذْ فَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا هُوَ ظَاهر. تَأمل. قَالَ فِي نور الْعين: حلف أَن لادين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يظْهر كذبة فِي يمنه إِذْ الْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر، وَعند أبي يُوسُف يظْهر كذبه فَيحنث. وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين: أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن عَلَيْهِ يظْهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن على السَّبَب لَا يظْهر كذبه، لجَوَاز أَن وجد الْقَرْض ثمَّ وجد الايفاء أَو الابراء. قلت: حلف بطرق أَو عتق مَاله عَلَيْهِ شئ فشهدا عَلَيْهِ بدين لَهُ وألزمه القَاضِي وَهُوَ يُنكر. قَالَ أَبُو يُوسُف: يَحْنَث، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يَحْنَث لانه لَا يدْرِي لَعَلَّه صَادِق، وَالْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه. ذكر مُحَمَّد فِي ح قَالَ: امْرَأَته طَالِق إِن كَانَ لفُلَان عَلَيْهِ شئ فشهدا أَن فلَانا أقْرضهُ كَذَا قبل يَمِينه وَحكم بِالْمَالِ لم يَحْنَث، وَلَو شَهدا أَن لفُلَان عَلَيْهِ شَيْئا وَحكم بِهِ حنث لانه جعل شَرط حنثه وجوب شئ من المَال عَلَيْهِ، وَقت الْيَمين وَحين شَهدا بالقرض لم يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ وَقت الْحلف، بِخِلَاف مَا لَو شَهدا أَن المَال عَلَيْهِ. يَقُول الحقير: قَوْله بِخِلَاف مَا لَو شَهدا مَحل نظر، إِذْ كَيفَ يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ إِذا شَهدا بِأَن المَال عَلَيْهِ بعد أَن مر آنِفا أَن الْبَيِّنَة حجَّة ظَاهرا، فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه، وَأَيْضًا يرد عَلَيْهِ أَن يُقَال فعلى مَا ذكر، ثمَّ يَنْبَغِي أَن يَحْنَث فِي مَسْأَلَة الْحلف بِطَلَاق أَو عتق أَيْضا، إِذْ لَا شكّ أَن الْحلف عَلَيْهِمَا لَا يكون إِلَّا بطرِيق الشَّرْط أَيْضا. وَالْحَاصِل: أَنه يَنْبَغِي أَن يتحد حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ نفيا أَو إِثْبَاتًا، وَالْفرق تحكم فالعجب كل الْعجب من التَّنَاقُض بَين كَلَامي مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى مَعَ أَنه إِمَام ذَوي الادب والارب إِلَّا أَن تكون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ غير صَحِيحَة إِ هـ. مَا قَالَه فِي أَوَاخِر الْخَامِس عشر. قَوْله: (وَلَا تَحْلِيف فِي نِكَاح) أَي مُجَرّد عَن المَال عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن ادّعى رجل على امْرَأَة أَو هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحا والاخر يُنكر، مَا إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة تزَوجهَا على كَذَا وَادعت النَّفَقَة وَأنكر الزَّوْج يسْتَحْلف اتِّفَاقًا. وَهَذِه الْمسَائِل خلافية بَين الامام وصاحبيه، والخرف بَينهم مَبْنِيّ على تَفْسِير الانكار فَقَالَا: إِن النّكُول إِقْرَار لانه يدل على كَونه كَاذِبًا فِي الانكار فَكَانَ إِقْرَار أَو بَدَلا عَنهُ، والاقرار يجْرِي فِي هَذِه الاشياء. وَقَالَ الامام: إِنَّه بذل وَالْبدل لَا يجْرِي فِي هَذِه الاشياء لانه إِنَّمَا يجْرِي فِي الاعيان. وَفَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ، فَلَا يسْتَحْلف. وأنما قُلْنَا: إِن الْبَدَل لَا يجْرِي فِي هَذِه الْمسَائِل، لانها لَو قَالَت الْمَرْأَة: لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 وَلَكِن بذلت نَفسِي لَك لم يَصح، وَلَو قَالَ فِي دَعْوَى الْوَلَاء عَلَيْهِ: لست أَنا مَوْلَاهُ بل أَنا حر أَو مُعتق فلَان آخر وَلَكِن أبحت لَهُ ولائي لَا يكون لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء، وَكَذَا سَائِر الامثلة. وَسَيَأْتِي بَيَانه قَرِيبا بأوضح من هَذَا. وَصُورَة الِاسْتِحْلَاف فِي النِّكَاح على قَوْلهمَا أَن يَقُول فِي يَمِينه: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن، لانها إِن كَانَت صَادِقَة لَا يبطل النِّكَاح بجحوده، فَإِذا حلف تبقى معطلة إِن لم يقل مَا ذكر، وَلَا يلْزمه مهر، فَإِن أَبى الْحلف على هَذِه الصُّورَة أجْبرهُ القَاضِي. بَحر عَن الْبَدَائِع. وَسَيَأْتِي أَنه بِالنّكُولِ عَن الْحلف يثبت مَا ادَّعَتْهُ من الصَدَاق أَو النَّفَقَة دون النِّكَاح. فَإِن كَانَ مدعي النِّكَاح وَهُوَ الزَّوْج لم يجز لَهُ تزوج أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا مَا لم يطلقهَا وَإِن كَانَت الزَّوْجَة وَأنْكرهُ الزَّوْج فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّج بسواه، والمخلص لهاما ذَكرْنَاهُ إِن كَانَت زَوْجَة لي الخ. وَفِي الْقنية: يسْتَحْلف فِي دَعْوَى الاقرار بِالنِّكَاحِ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهره أَنه بِاتِّفَاق إِ هـ. أَقُول: وَهَذَا إِذا لم يَجْعَل الاقرار سَببا لدعوى النِّكَاح بِأَن ادّعى أَنَّهَا زَوجته لانها أقرَّت بِالزَّوْجِيَّةِ لي، أما لَو ادّعى نِكَاحهَا وَأَنَّهَا أقرَّت لَهُ بِهِ فَإِنَّهَا تسمع. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة وكما لَا تصح دَعْوَى المَال بِسَبَب الاقرار لَا تصح دَعْوَى النِّكَاح أَيْضا. قَوْله: (أنكرهُ هُوَ أَو هِيَ) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِه الاشياء تتَصَوَّر من أحد الْخَصْمَيْنِ أَيهمَا كَانَ، إِلَّا فِي الْحَد وَاللّعان وَالِاسْتِيلَاد، وَقد فرعوا فروعا على قَول الامام فِي هَذِه الْمسَائِل مَحل بَيَانهَا المطولات. قَوْله: (بعدة عدَّة) قيد للثَّانِي كَمَا فِي الدُّرَر، أما قبل مُضِيّ الْعدة يثبت بقوله وَإِن كَذبته، لانه أَمر يملك استئنافه للْحَال، وَلَو ادعتها هِيَ فِيهَا فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف، وَلَو ادَّعَاهَا بعد مضيها وصدقته ثَبت بتصادقهما. بَحر. وَلَو كَذبته وَلَا بَيِّنَة فعلى قوليهما يحلف لَا على قَوْله، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن، وَكَذَا لَو ادَّعَت أَنه رَاجعهَا وكذبها. قَوْله: (وَفِي إِيلَاء) زَاد الشَّارِح لَفْظَة إِيلَاء لتوضيح الْمَسْأَلَة، وَإِلَّا فالفئ لَا يسْتَعْمل فِي عرف الْفُقَهَاء إِلَّا فِي الايلاء، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة. قَوْله: (بعد الْمدَّة) لَو فِيهَا ثَبت بقوله لانه يملك الِاسْتِئْنَاف لَو كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْج وَلَو كَانَت هِيَ فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف. وَصُورَة الْمَسْأَلَة: لَو حلف لَا يقر بهَا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ قَالَ: فئت وَأنْكرت، فَلَو ادَّعَاهُ فِي مُدَّة الايلاء ثَبت بقوله، لَان من ملك الانشاء مَالك الاقرار، وَلَو بعد مضيها فَإِن صدقته ثَبت، وَإِلَّا لَا، أما لَو ادَّعَت أَنه فَاء إِلَيْهَا وَأنكر الزَّوْج فَلَا يثبت سَوَاء كَانَت فِي الْمدَّة أَو بعْدهَا. وَالْحَاصِل: أَن التَّقْيِيد بِهِ لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا ادّعى عَلَيْهَا رَجْعَة فأنكرت، لانه إِذا ادّعى فِي الْعدة الرّجْعَة كَانَ رَجْعَة، وَأما إِذا ادَّعَت هِيَ الرّجْعَة فَأنْكر فَلَا لَان دَعْوَاهَا فِي الْعدة وَبعدهَا سَوَاء. قَوْلُهُ: (تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ) بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَقَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَصَارَت أم ولد وَأنْكرهُ الْمولى فَهُوَ على هَذَا الْخلاف. ابْن كَمَال. قَوْله: (لثُبُوته بِإِقْرَار) وَلَا يعْتَبر إنكارها وَكَذَا الْحَد وَاللّعان، بِخِلَاف سَائِر الاشياء الْمَذْكُورَة إِذْ يَتَأَتَّى فِيهَا الدَّعْوَى من الْجَانِبَيْنِ. شَيخنَا عَن الدُّرَر وعزمي زَاده. وَقَوله وَكَذَا الْحَد وَاللّعان: أَي لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمُدَّعِي إِلَّا الْمَقْذُوف والامة: أَي الْمَقْذُوف بِالنِّسْبَةِ للحد وَاللّعان والامة بِالنِّسْبَةِ للاستيلاد، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ من قَوْله وَالْمولى سبق قلم، وَالصَّوَاب والامة. بَقِي أَن يُقَال: ظَاهر كَلَام الشَّارِح كَغَيْرِهِ أَنَّهَا ادَّعَت الِاسْتِيلَاد مُجَردا عَن دَعْوَى اعترافه، وَالَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 فِي صدر الشَّرِيعَة ادَّعَت أَنَّهَا ولدت مِنْهُ هَذَا الْوَلَد وادعاه: أَي ادَّعَت أَنه ادَّعَاهُ فَهُوَ من تَتِمَّة كَلَامهَا كَمَا ذكره أخي جلبي. وَالَّذِي يظْهر أَن التَّقْيِيد بِهِ لَيْسَ احترازيا، بل يبتني على مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه يشْتَرط لثُبُوت نسب ولد الامة وجود الدَّعْوَى من السَّيِّد، وعَلى غير الْمَشْهُور لَا يشْتَرط ذَلِك، بل يَكْفِي عدم نَفْيه. وَكَذَا ظَاهر كَلَامهم ادَّعَت أمة يُفِيد الِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الزوجه، وَيُخَالِفهُ قَول الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول الْمَتْن واستيلاد بِأَن ادّعى أحد من الامة وَالْمولى وَالزَّوْجَة وَالزَّوْج أَنَّهَا ولدت مِنْهُ ولدا حَيا أَو مَيتا كَمَا فِي قاضيخان. وَلَكِن فِي الْمَشَاهِير أَن دَعْوَى الزَّوْج وَالْمولى لَا تتَصَوَّر، لَان النّسَب يثبت بِإِقْرَارِهِ، وَلَا عِبْرَة لانكارها بعده، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه بِحَسب الظَّاهِر لم يدع النّسَب كَمَا يدل عَلَيْهِ تصويرهم. اهـ. أَبُو السُّعُود. قَالَ البرجندي: وَيُمكن تَصْوِير الْعَكْس فِيهِ أَيْضا بِأَن حبلت من الْمولى فَأعْتقهَا قبل وضع الْحمل وَبعد قرب الْولادَة قتلت الْوَلَد، وَادّعى الْمولى دِيَة الْوَلَد عَلَيْهَا، وَلَا بُد من ثُبُوت الْوَلَد فأنكرت الامة ذَلِك اهـ. وَفِيه تَأمل. قَوْله: (وَنسب) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَوِلَادٍ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: لَمْ يَقُلْ وَنَسَبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. ابْن كَمَال. قَوْله: (وَبِالْعَكْسِ) بِأَن ادّعى مَجْهُول الْحَال على رجل أَنه مَوْلَاهُ وَأنكر الْمولى أَو ادّعى مَجْهُول الْحَال عَلَيْهِ أَنه أَبوهُ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نسب مُجَرّد عَن المَال، أما إِذا ادّعى مَالا بِدَعْوَى النّسَب بِأَن ادّعى رجل على رجل أَنه أَخُوهُ وَقد مَاتَ الاب وَترك مَالا فِي يَد هَذَا، وَطلب الْمِيرَاث أَو ادّعى على رجل أَنه أَخُوهُ لابيه وَطلب من القَاضِي أَن يفْرض لَهُ النَّفَقَة، وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ ذَلِك فَالْقَاضِي يحلفهُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فعلى الْخلاف الْمَذْكُور، وَحِينَئِذٍ فيلغز: أَيُّ شَخْصٍ أَخَذَ الْإِرْثَ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ. ط عَن الْحَمَوِيّ بِزِيَادَة: وَفِيه عَن الاتقاني: يثبت الِاسْتِحْلَاف عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي النّسَب الْمُجَرّد بِدُونِ دَعْوَى حق آخر، وَلَكِن يشْتَرط أَن يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر: أَي يكون النّسَب بِحَيْثُ يثبت بالاقرار. أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر فَلَا يجْرِي الِاسْتِحْلَاف فِي النّسَب الْمُجَرّد عِنْدهمَا أَيْضا، بَيَانه أَن إِقْرَار الرجل يَصح بِخَمْسَة بالوالدين وَالْولد وَالزَّوْجَة وَالْمولى، لانه إِقْرَار بِمَا يلْزمه وَلَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، وَلَا يَصح إِقْرَاره بِمَا سواهُم، وَيصِح إِقْرَار الْمَرْأَة بأَرْبعَة بالوالدين وَالزَّوْج وَالْمولى وَلَا يَصح بِالْوَلَدِ وَمن سوى هَؤُلَاءِ، لَان فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، إِلَّا إِذا صدقهَا الزَّوْج فِي إِقْرَارهَا بِالْوَلَدِ أَو تشهد بِوِلَادَة الْوَلَد قَابِلَة. قَوْله: (وَوَلَاء عتاقة) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتقه أَو مَوْلَاهُ. قَوْله: (أَو مُوالَاة) أَي ادّعى عَلَيْهِ أَنه مَوْلَاهُ. قَوْله: (ادَّعَاهُ الاعلى أَو الاسفل) بِأَن ادّعى على رجل مَعْرُوف أَنه مَوْلَاهُ أَو ادّعى الْمَعْرُوف ذَلِك وَأنكر الآخر. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَأَشَارَ إِلَى عدم الْفرق فِي دَعْوَى الْوَلَاء بَين الْمَعْرُوف والمجهول، بِخِلَاف دَعْوَى الرّقّ وَالنّسب فَإِن مجهولية نسب الْمُدَّعِي على رقّه، وَنسبه شَرط صِحَة الدَّعْوَى شَيخنَا. قلت: وَلِهَذَا قَالَ الشمني فِي جَانب دَعْوَى الْوَلَاء بِأَن ادّعى رجل على آخر بِأَن لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء عتاقة أَو مُوالَاة أَو الْعَكْس. اهـ. وَلم يُقيد بِالْمَجْهُولِ. قَوْله: (وحد ولعان) هَذَانِ مِمَّا لَا يحلف فيهمَا اتِّفَاقًا، أما على قَول الامام فَظَاهر، وَأما على قَوْلهمَا فَإِن النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا لكنه إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة، وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ وَاللّعان فِي معنى الْحَد ط. قَوْله: (وَالْفَتْوَى الخ) هُوَ قَول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 الصاحبين. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ التِّسْعَة، وَعبر عَنْهَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بالاشياء السَّبْعَة. وَفِيه ادّعى نِكَاحهَا، فحيلة دفع الْيَمين عَنْهَا على قَوْلهمَا أَن تتَزَوَّج فَلَا تحلف، لانها لَو نكلت فَلَا يحكم عَلَيْهَا، لانها لَو أقرَّت بعد مَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا. وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح لغَائِب: قيل يَصح إِقْرَارهَا لَكِن يبطل بالتكذيب، ويندفع عَنْهَا الْيَمين، وَقيل لَا يَصح إِقْرَارهَا فَلَا ينْدَفع عَنْهَا الْيَمين. اهـ. وَفِي الْوَلوالجِيَّة: رجل تزوج امْرَأَة بِشَهَادَة شَاهِدين ثمَّ أنْكرت وَتَزَوَّجت بآخر وَمَا شُهُود الاول لَيْسَ للزَّوْج الاول أَن يخاصمها لانها للتحليف، وَالْمَقْصُود مِنْهُ النّكُول، وَلَو أقرَّت صَرِيحًا لم يجز إِقْرَارهَا، لَكِن يُخَاصم الزَّوْج الثَّانِي ويحلفه، فَإِن حلف برِئ وَإِن نكل فَلهُ أَن يخاصمها ويحلفها، فَإِن نكلت يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي، وَهَذَا الْجَواب على قَوْلهمَا الْمُفْتى بِهِ. اهـ. قَوْله: (بِالنّسَبِ) نظرا إِلَى دَعْوَى الامة. قَوْله: (أَو الرّقّ) نظرا إِلَى إِنْكَار الْمولى. قَوْله: (حد قذف ولعان) بِأَن ادَّعَت الْمَرْأَة على زَوجهَا أَنه قَذفهَا بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللّعان وَهُوَ مُنكر، وَفِي الْحَد بِأَن ادّعى على آخر بأنك قد قذفتني بِالزِّنَا عَلَيْك الْحَد وَهُوَ يُنكر، وَهَاتَانِ الصورتان مِمَّا لَا يُمكن تصويرهما إِلَّا من جَانب وَاحِد كَمَا تقدم. قَوْله: (فِي الْكل) لَان هَذِه حُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ فَيجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَاف كالاموال، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخّرُونَ أَنه إِن كَانَ الْمُنكر مُتَعَنتًا يسْتَحْلف أخذا بقولهمَا، وَإِن كَانَ مَظْلُوما لَا يسْتَحْلف أخذا بقول الامام زَيْلَعِيّ. صُورَة الِاسْتِحْلَاف على قَوْلهمَا كَمَا تقدم: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: يسْتَحْلف على النِّكَاح، فَإِن حلف يَقُول القَاضِي فرقت بَيْنكُمَا كَمَا فِي الْبَدَائِع قَوْله: (فَلَا يَمِين إِجْمَاعًا) يرد عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِع من قَوْله: وَأما فِي دَعْوَى الْقَذْف إِذا حلف على ظَاهر الرِّوَايَة فنكل يقْضِي بِالْحَدِّ فِي ظَاهر الاقاويل، لانه بِمَنْزِلَة الْقصاص فِي الطّرف عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَة النَّفس. وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُدُود لَا يقْضِي فِيهِ بشئ وَلَا يحلف. وَقيل يحلف وَيَقْضِي فِيهِ بالتعزير دون الْحَد كَمَا فِي السّرقَة يحلف وَيَقْضِي بِالْمَالِ دون الْقطع. شرنبلالية. قَوْله: (إِلَّا إِذا تضمن) أَي دَعْوَى الْحَد حَقًا: أَي حق عبد. قَوْله: (بِأَن علق) كَأَن قَالَ: إِن زَنَيْت فَعَبْدي حر فَادّعى العَبْد زِنَاهُ وَأنكر حَقًا: أَي حق عبد. قَوْله: (فللعبد تَحْلِيفه) أَي على السَّبَب بِاللَّه مَا زَنَيْت بَعْدَمَا حَلَفت بِعِتْق عَبدك هَذَا. بَحر. قَالَ الْعَلامَة سعدي: وَيَنْبَغِي أَن يَقُول العَبْد أَنه قد أَتَى بِمَا علق عيه عتقي وَلَا يَقُول زنى كَيْلا يكون قَاذِفا إِ هـ. قَالَ الرحمتي وَلَا حد على العَبْد لانه غير قَاصد الْقَذْف وَإِنَّمَا يُرِيد إِثْبَات عتقه. قَوْله: (وَكَذَا يسْتَخْلف السارف لاجل المَال) يَعْنِي كَمَا أَن مولى العَبْد يسْتَحْلف على الزِّنَا لاجل عتق العَبْد لَا لاقامة الْحَد. كَذَا يسْتَحْلف السَّارِق لاجل المَال لَا للْقطع. قَالَ ط: هُوَ من جملَة المستثني، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يسْتَخْلف فِي شئ من الْحُدُود، لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السّرقَة وَلَا الْقَذْف وَلَا شرب الْخمر وَلَا السكر، إِلَّا إِن طَالب الْمَسْرُوق مِنْهُ بِضَمَان المَال استحلفه، فَإِن نكل على الْيَمين ضمنه المَال وَلم يقطعهُ، وَذَلِكَ لَان الدَّعْوَى تَتَضَمَّن أَمريْن: الضَّمَان، وَالْقطع، وَالضَّمان لَا يَسْتَوْفِي النّكُول فَوَجَبَ إِثْبَات أَحدهمَا وَإِسْقَاط الآخر إِ هـ. وَكَذَا يحلف فِي النِّكَاح إِن ادَّعَت المَال: أَي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَغَرَضُهَا الْمَالُ كَالْمَهْرِ وَالنَّفقَة فَأنْكر الزَّوْج يحلف، فَإِن نكل يلْزم الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ يثبت بالبذل لَا الْحِلِّ. وَفِي النَّسَبِ: إذَا ادَّعَى حَقًّا مَالًا كَانَ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ فِي اللَّقِيطِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ: فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَعَلَى الْخلاف الْمَذْكُور، وَكَذَا مُنكر الْقود إلَخْ. ابْنُ كَمَالٍ. وَإِنْكَارُ الْقَوَدِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي صدر الشَّرِيعَة فيلغز: أما امْرَأَةٍ تَأْخُذُ نَفَقَةً غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ وَلَا حَائِضَةٍ وَلَا نفسَاء وَلَا يحل وَطْؤُهَا، وَفِيه يلغز اللغز الْمُتَقَدّم. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحْلِيفَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَدَّعِ مَعَهَا مَالًا فَإِنَّهُ يحلف وفَاقا. قَوْله: (لاجل المَال) أَي بِطَلَب الْمَسْرُوق مِنْهُ، فَلَو لن يطْلب المَال لَا يحلف لَان الْيَمين لَا تلْزم إِلَّا بِطَلَب الْخصم. قَوْله: (فَإِن نكل ضمن وَلَمْ يُقْطَعْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَطْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَمَا فِي قَوَدِ الطَّرَفِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النُّكُولَ فِي قطع الطّرف النّكُول فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا فِي إيجَابِ الْقطع، وَعَدَمه، وَيُمكن الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظهر الْفرق، فَلْيتَأَمَّل. يعقوبية. قَوْله: (وَقَالُوا يسْتَحْلف فِي التَّعْزِيرِ) . لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يملك العَبْد بإسقاطه بِالْعَفو وَحُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة لَا تسْقط بِالشُّبْهَةِ، فَلَو كَانَ التَّعْزِير لمحض حق الله تَعَالَى كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه قبل امْرَأَة بِرِضَاهَا: فَإِنَّهُ إِذا أثبت عَلَيْهِ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يعزران، وَإِذا أنكر يَنْبَغِي أَن لَا يستحلفا. قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الدُّرَر) وَنَصه: وَيحلف فِي التَّعْزِير: يَعْنِي إِذا ادّعى على آخر مَا يُوجب التَّعْزِير، وَأَرَادَ تَحْلِيفه إِذا أنكر فَالْقَاضِي يحلفهُ، لَان التَّعْزِير مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفو وَلَا يمْنَع الصغر وُجُوبه، وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير إِذا أمكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ، لَو كَانَ حق الله تَعَالَى لكَانَتْ هَذِه الاحكام على عكس هَذَا، والاستحلاف يجْرِي فِي حُقُوق الْعباد سَوَاء كَانَت عُقُوبَة أَو مَالا إِ هـ. وتعليله هُنَا: بِأَن التَّعْزِير مَحْض حق العَبْد مُخَالف لما سبق لَهُ فِي فصل التَّعْزِير أَن حق العَبْد غَالب فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ عزمي زَاده: بَين كَلَامه تدفع إِ هـ. قلت: لَا يَخْلُو حق العَبْد من حق الله فَلَا يسْتَقلّ عبد بِحَق، لَان الَّذِي جعله حَقه هُوَ الْحق تَعَالَى الْآمِر الناهي، فَكَلَامه الثَّانِي مؤول بالاول. قَوْله: (وَفِي الْفُصُول) قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا بأوضح مِمَّا هُنَا مَعَ فروع أخر. قَوْله: (فحيلة دفع يَمِينهَا) أَي على قَوْلهمَا. قَوْله: (أَن تتَزَوَّج) أَي بآخر. قَوْله: (فَلَا تحلف) لانها لَو نكلت لَا يحكم عَلَيْهَا وَلَو أقرَّت بَعْدَمَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا، وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح غَائِب فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَارهَا على أحد قَوْلَيْنِ، وَلَكِن يبطل بالتكذيب وتندفع عَنْهَا الْيَمين. قَالَ بعض الافاضل: هَذِه الْحِيلَة ظَاهِرَة لَو تزوجته، أما لَو تزوجت غَيره فَالظَّاهِر عدم صِحَة العقد إِلَّا إِذا حَلَفت نعم لَو تزوجت قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي رُبمَا يظْهر. اهـ. تَأمل. قَوْلُهُ: (فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 تقدّمت فِي الْوَقْف وَذكرهَا فِي الْبَحْر هُنَا. قَوْله: (فِي الِاسْتِحْلَاف) يَعْنِي يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن آخر لَهُ حق على غَيره فِي طلب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فالسين وَالتَّاء فِي قَوْله الِاسْتِحْلَاف للطلب كَمَا يفِيدهُ كَلَامه بعد، وَهَذَا الَّذِي ذكره المُصَنّف ضَابِط كلي، أَفَادَهُ عماد الدّين فِي فصوله فِي مَوَاضِع إِجْمَالا تَارَة وتفصيلا أُخْرَى فِي الْفَصْل السَّادِس عشر، وَالْمُصَنّف لخصه كَمَا نرى. وَابْن قَاضِي سماوة لخصه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أخصر مِنْهُ كَمَا هُوَ دأبه، وَهَذَا من الْمسَائِل الَّتِي أوردهَا المُصَنّف فِي كِتَابه، وَلم يُؤْت بهَا فِي الْمُتُون الْمَشْهُور سوى الْغرَر، وَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يُخَالف الاصل إِلَّا فِي تَعْمِيم الشَّارِح ضمير إِقْرَار فَفِيهِ نوع حزازة، لَان كلا من الْوَصِيّ وَمن بعده لَيْسُوا كَالْوَكِيلِ فِي صِحَة إقرارهم تَارَة وَعدمهَا أُخْرَى، وَأَيْضًا لَيْسَ الْوَكِيل مُطلقًا كَذَلِك كَمَا أَفَادَهُ التَّقْيِيد. فَلَو قَالَ: إِلَّا إِذا كَانَ الْوَكِيل وَكيلا بِالْبيعِ أَو الْخُصُومَة فِي الرَّد بِالْعَيْبِ لصِحَّة إِقْرَاره بدل قَوْله: أَو صَحَّ إِقْرَاره الخ لَكَانَ سالما، ثمَّ إِنَّه لَا يلْزم من عدم التَّحْلِيف عدم سَماع الدَّعْوَى، بل يَجْعَل كل مِنْهُم خصما فِي حق سَماع الدَّعْوَى وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من غير استحلاف كَمَا فِي الْعمادِيَّة. قَوْله: (لَا الْحلف) يَعْنِي لَا يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن شخص توجه عَلَيْهِ الْيَمين ليحلف من قبله، وَيُخَالِفهُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الاخرس الاصم الاعمى يحلف وليه عَنهُ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنى من الضَّابِط الْمَذْكُور كَمَا صرح بِهِ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وَفرع على الاول) الاولى إِسْقَاطه وَأَن يَقُول: وَفرع عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، فعلى الاول قَوْله فالوكيل الخ وعَلى الثَّانِي قَوْله فَلَا يحلف أحد مِنْهُم. قَوْله: (فَلهُ طلب) أَي ظَاهرا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَة خَصمه الاصيل. قَوْله: (وَلَا يحلف) لَو قَالَ: وَفَرَّعَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْلِفُ إلَخْ لَكَانَ أسبك. قَوْله: (أحد مِنْهُم) أَشَارَ بذلك إِلَى جَوَاب مَا يرد على قَوْله يملك الِاسْتِحْلَاف حَيْثُ وَقع خَبرا عَن قَوْله فالوكيل الخ حَيْثُ وَقع خَبرا عَن الْمُبْتَدَأ وَمَا عطف عَلَيْهِ، وَهُوَ جملَة فَيجب اشتماله على ضمير مُطَابق، فَيُقَال: يملكُونَ وَلَا يحلفُونَ، فَأجَاب بِأَنَّهُ مؤول: أَي يملك كل وَاحِد مِنْهُم الِاسْتِحْلَاف وَلَا يحلف، وكما يَصح التَّأْوِيل فِي الْخَبَر يَصح فِي الْمُبْتَدَأ، والسر فِي أَنه يملك الِاسْتِحْلَاف، وَلَا يحلف أحد مِنْهُم، وَذَلِكَ أَن الْوَكِيل وَمَا عطف عَلَيْهِ لما كَانَ لَهُ الطّلب وَقد عجز عَن الْبَيِّنَة فَيحلف خَصمه، إِذْ لَا مَانع من ذَلِك. وَأما إِذا ادّعى عَلَيْهِم فَإِن الْحلف يقْصد بِهِ النّكُول ليقضي بِهِ، والنكول إِقْرَار أَو بذل كَمَا علم، وَلَا يملك وَاحِد مِنْهُم الاقرار على الاصيل وَلَا بذل مَاله وَهُوَ نَائِب فِي الدَّعْوَى قد يعلم حَقِيقَتهَا وَقد لَا يعلم، فَكيف يحلف على مَا لَا علم لَهُ بِهِ؟ تَأمل. قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد) أَي عقد بيع أَو شِرَاء أَو إِجَارَة، لانه يكون حِينَئِذٍ أصلا فِي الْحُقُوق فَتكون الْيَمين متجهة عَلَيْهِ لَا على الاصيل، فَلَا نِيَابَة فِي الْحلف فالاستثناء مُنْقَطع، وَهُوَ شَامِل للاربعة. وَالْمرَاد بِالْعقدِ مَا ذكر، أما عقد النِّكَاح فَغير مُرَاد هُنَا لَان الشَّارِح قدم أَنه لَا تَحْلِيف فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَعِنْدَهُمَا: يُسْتَحْلَفُ الاب الصَّغِير. تَأمل. أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (أَو صَحَّ إِقْرَاره) مُخْتَصّ بالوكيل فَقَط كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كَالْوَكِيلِ الخ. قَوْله: (فيستحلف) الاولى فِي الْمُقَابلَة فَيحلف. قَوْله: (حِينَئِذٍ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْله: (كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ) هُوَ دَاخل تَحت قَوْله إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد فَكَانَ الاول مغنيا عَنهُ. تَأمل. نعم كَانَ الاولى بِهَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَاره على الْمُوكل، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَحْلف على مُقْتَضى قَوْله أَو صَحَّ إِقْرَاره وَلَيْسَ كَذَلِك. بَقِيَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتَاتِ؟ ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نور الْعين: أَنه الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ. اهـ. فَتَأَمّله. وَالْحَاصِل: أَن كل من يَصح إِقْرَاره كَالْوَكِيلِ يَصح استحلافه، بِخِلَاف من لَا يَصح إِقْرَاره كالوصي. قَوْله: (فَإِن إِقْرَاره صَحِيح) لم يبين إِقْرَاره بِأَيّ شئ. وليحرر. ط. أَقُول: الظَّاهِر أَن إِقْرَاره فِيمَا هُوَ من حُقُوق العقد كالاقرار بِعَيْب أَو أجل أَو خِيَار للْمُشْتَرِي. قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث ذكرهَا) هِيَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يحلف، فَإِن أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ. الثَّالِثَةُ: الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأهُ عَن الدّين وَطلب يَمِين الْوَكِيل على الْعلم لَا يحلف وَإِن أقرّ بِهِ لزمَه. اهـ. منح قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ فِي أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِضَمِّ الثَّلَاثَة إِلَى مَا فِي الْخَانِية، لَكِن الاوى مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِابْنِ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَهُوَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ صَاحِبُ الزواهر. قَوْله: (وَلَوْلَا خشيَة التَّطْوِيل لاوردتها كلهَا) هَذِه ونظائرها تَقْتَضِي أَنه لم يقدمهَا وَأَخَوَاتهَا قبيل الْبيُوع، مَعَ أَن ذكرهَا هُنَاكَ لَا مُنَاسبَة لَهُ، وَهُوَ مَفْقُود فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة، وَلَعَلَّ الشَّارِح جمعهَا فِي ذَلِك الْمحل بعد تتميم الْكتاب وَبَلغت هُنَاكَ إِحْدَى وَسِتِّينَ مَسْأَلَة. مسَائِل الْخَانِية إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، ومسائل الْخُلَاصَة ثَلَاث، ومسائل الْبَحْر سِتَّة، وَزِيَادَة تنوير البصائر أَرْبَعَة عشر، وَزِيَادَة زواهر الْجَوَاهِر سَبْعَة، وَزَاد عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ثَمَان مسَائِل من جَامع الْفُصُولَيْنِ فَصَارَت تِسْعَة وَسِتِّينَ، فَرَاجعهَا ثمَّة إِن شِئْت فِي آخر كتاب الْوَقْف قبيل الْبيُوع. قَوْله: (أَي الْقطع) فِي بعض كتب الْفِقْه الْبَتّ بدل الْبَتَات وَهُوَ أولى. وَقد ذكر فِي الْقَامُوس أَن الْبَتّ: الْقطع، وَأَن الْبَتَات: الزَّاد والجهاز ومتاع الْبَيْت، والجميع أبتة ط. قَوْله: (بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك) هَذَا فِي النَّفْي أَو أَنه كَذَلِك فِي الاثبات. قَوْله: (على الْعلم) أَي على نَفْيه. قَوْله: (لعدم علمه بِمَا فعل غير ظَاهرا) فَلَو حلف على الْبَتَات لامتنع عَن الْيَمين مَعَ كَونه صَادِقا فيتضرر بِهِ، فطولب بِالْعلمِ فَإِذا لم يقبل مَعَ الامكان صَار باذلا أَو مقرا، وَهَذَا أصل مُقَرر عِنْد أَئِمَّتنَا. دُرَر. قَوْله: (يتَّصل بِهِ) أَي يتَعَلَّق حكمه بِهِ بِحَيْثُ يعود إِلَى فعله. قَوْلُهُ: (أَوْ إبَاقَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِبَاقِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي الْإِبَاقَ الْكَائِنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 عِنْدَهُ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ لَا يلْزمه شئ، لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، بِأَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَحَلِّهِ. أَبُو السُّعُودِ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَوْلُهُ: يَحْلِفُ على الْبَتَات بِاللَّه مَا أبق. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك حق الرَّدُّ، فَإِنَّ فِي الْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ البَائِع أَو قد يبرأ المُشْتَرِي عَن الْعَيْب. قَوْله: (وَأثبت ذَلِك) أَي على مَا سبق فِي مَحَله من وجوده عِنْد البَائِع ثمَّ عِنْد المُشْتَرِي الخ. قَوْله: (يحلف البَائِع على الْبَتَات) يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. دُرَر. قَوْله: (فَرجع إِلَى فعل نَفسه) وَهُوَ تَسْلِيمه سليما. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا آكَدُ) أَيْ لِأَنَّ يَمِينَ الْبَتَاتِ آكِد من يَمِين الْعلم حَيْثُ جزم فِي الاولى، وَلم يجْزم فِي الثَّانِيَة، مَعَ أَن فِي الاولى إِنَّمَا حلف على علمه أَيْضا، إِذْ غَلَبَة الظَّن تبيح لَهُ الْحلف، لكنه إِذا جزم بهَا كَانَت آكِد صُورَة. قَوْله: (وَلذَا تعْتَبر مُطلقًا) أَي فِي فعل نَفسه وَفعل غَيره، فَلَو حلف على الْبَتَات فِي فعل غَيره أَجزَأَهُ بالاولى لانه قد أَتَى بالآكد. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي أَنَّ يَمِينَ الْعِلْمِ لَا تَكْفِي فِي فعل نَفسه ح. قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ فِي كل مَوضِع وَجَبت فِيهِ الْيَمين عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ فِي الدُّرَر: وَاعْلَم أَن فِي كل مَوضِع الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَات آكِد فَيعْتَبر مُطلقًا، بِخِلَاف الْعَكْس. ذكره الزَّيْلَعِيّ. اهـ. وَاسْتشْكل الثَّانِي الْعِمَادِيّ. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَجه الاشكال أَنه كَيفَ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِين مسقطة للحلف عَنهُ، بِخِلَاف عَكسه، وَلِهَذَا يحلف فِيهِ ثَانِيًا لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا، فَنُكُولُهُ عَنهُ لعدم اعْتِبَاره والاجتزاء بِهِ فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بِسَبَب. تَأمل. أَقُول: يشكل قَول الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ يَزُول الاشكال الخ، مَعَ أَنه لَا يَزُول بذلك بعد قَول الْبَحْر: وَلَا يقْضِي بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ. تَأمل. وَاسْتشْكل فِي السعدية الْفَرْع الاول بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، بل اللَّائِق أَن يقْضِي بِالنّكُولِ، فَإِنَّهُ إِذا نكل عَن الْحلف على الْعلم فَفِي الْبَتَات أولى. وَأجَاب عَنهُ: بِالْمَنْعِ لانه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ، فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التّكْرَار، وَهُوَ بِمَعْنى مَا ذكره الرَّمْلِيّ، وَاسْتشْكل الثَّانِي أَيْضا بِأَنَّهُ مَحل تَأمل، فَإِنَّهُ إِذا لم يجب عَلَيْهِ كَيفَ يقْضِي عَلَيْهِ إِذا نكل، وَلم يجب عَنهُ بِجَوَاب، وَاسْتَشْكَلَهُ الخادمي أَيْضا بِأَن الْبَتَات أَعم تحققا من الْعلم، وَيعْتَبر فِي الْيَمين انتفاؤهما وَانْتِفَاء الاعم أخص من انْتِفَاء الاخص، فَكيف يقْضِي بِالنّكُولِ عَن الْبَتَات فِي مَوضِع يجب عَلَيْهِ الْحلف على الْعلم، فَإِنَّهُ بعد هَذَا النّكُول يحْتَمل أَن يحلف على الْعلم. ا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 هـ. قَالَ الْفَاضِل يَعْقُوب باشا بعد نَقله عَن النِّهَايَة: وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر عدم الحكم بِالنّكُولِ لعدم وجوب الْيَمين على الْبَتَات كَمَا لَا يخفى، فَتَأمل. اهـ. قَالَ عزمي زَاده: وَفِي هَذَا الْمقَام كَلَام. اهـ. فَليُرَاجع. فرع: مِمَّا يحلف فِيهِ على الْعلم مَا إِذا قَالَ فِي حَال مَرضه لَيْسَ لي شئ فِي الدُّنْيَا ثمَّ مَاتَ عَن زَوْجَة وَبنت وَرَثَة فللورثة أَن يحلفوا زَوجته وَابْنَته على أَنَّهُمَا لَا يعلمَانِ بشئ من تَرِكَة المتوفي بطريقه اهـ. بَحر عَن الْقنية. قَوْله: (عَنهُ) أَي عَن الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (هَذَا إِذا قَالَ الْمُنكر أَيْضا) حكى هَذَا الْقُهسْتَانِيّ بقيل. قَوْله: (كمودع إِلَخ) صورته: قَالَ رب الْوَدِيعَة أودعتك كَذَا فَرده عَليّ فَقَالَ الْمُودع سلمته إِلَيْك فَالْقَوْل للْمُودع، لانه يَنْفِي الضَّمَان عَن نَفسه وَيَمِينه على الْبَتَات بِأَن يَقُول: وَالله سلمته إِلَيْك، إِذْ مَعْنَاهُ النَّفْي وَهُوَ أَنَّك لَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا، وَمثله وَكيل البيع إِذا ادّعى قبض الْمُوكل الثّمن، وكما لَو قَالَ إِن لم يدْخل فلَان الْيَوْم الدَّار فامرأته طَالِق ثمَّ قَالَ إِنَّه دخل يحلف على الْبَتَات بِاللَّه أَنه دخل الْيَوْم مَعَ أَنه فعل الْغَيْر لكَونه ادّعى علما بذلك. أَفَادَهُ فِي الْبَحْر. قَوْله: (سبق الشِّرَاء) أَي من عَمْرو ومثلا. قَوْله: (وَهُوَ بكر) صَوَابه: وَهُوَ زيد لَان بكرا هُوَ الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يحلف زيد الْمُدعى عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ جعله تَفْسِيرا للهاء فِي خَصمه، فَيكون الْمَعْنى وَهُوَ خصم بكر وخصم بكر هُوَ زيد، والاولى أَن يَقُول: أَي خصم بكر هُوَ زيد. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْمُصَنِّفَ وَصَاحِبَ الدُّرَرِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: صَوَابُهُ زَيْدٌ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنْ يَحْلِفَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحْلِيفِ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ فِي خَصمه، لَكِن فِيهِ ركاكة اهـ. قَوْله: (لما مر) أَي من أَنه يحلف فِي فعل الْغَيْر على الْعلم وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه من التَّفْرِيع. قَوْله: (كَذَا إدا ادّعى دينا) بِأَن يَقُول رجل لآخر إِن لي على مورثك ألف دِرْهَم فَمَاتَ وَعَلِيهِ الدّين وَلَا بَيِّنَة لَهُ، فَيحلف الْوَارِث على الْعلم. دُرَر: أَي لَا على الْبَتَات، وَهَذَا لَو قبض الدّين على مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيه وقاضيخان، خلافًا للخصاف. قُهُسْتَانِيّ. وَفِي الْبَحْر: وَحَاصِل مَا ذكره الصَّدْر فِي دَعْوَى الدّين على الْوَارِث: أَن القَاضِي يسْأَله أَولا عَن موت أَبِيه ليَكُون خصما فَإِن أقرّ بِمَوْتِهِ سَأَلَهُ عَن الدّين، فَإِن أقرّ بِهِ يَسْتَوْفِيه الْمُدَّعِي من نصِيبه فَقَط لانه لَا يَصح إِقْرَارا على الْمَيِّت فَيبقى إِقْرَارا فِي حق نَفسه، وَإِن أنكر فبرهن الْمُدَّعِي اسْتَوْفَاهُ من التَّرِكَة، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت، وَإِلَّا يبرهن الْمُدَّعِي وَطلب يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ استحلفه على الْعلم: أَي بِاللَّه مَا تعلم أَن لفُلَان بن فلَان هَذَا على أَبِيك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ ألف دِرْهَم وَلَا شئ مِنْهُ قضى عَلَيْهِ، فيستوفي من نصِيبه إِن أقرّ بوصول نصِيبه من الْمِيرَاث إِلَيْهِ، وَإِلَّا يقر بوصوله إِلَيْهِ، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي فَلَا شئ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اسْتحْلف على الْبَتَات مَا وصل إِلَيْهِ قدر مَال الْمُدَّعِي وَلَا بعضه، فَإِن نكل لزمَه الْقَضَاء وَإِلَّا لَا، هَذَا إِذا حلفه على الدّين أَولا، فَإِن حلفه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 على الْوُصُول أَولا فَحلف فَلهُ تَحْلِيفه على الدّين ثَانِيًا: أَي على الْعلم لاحْتِمَال ظُهُور مَاله فَكَانَ فِيهِ فَائِدَة منتظرة. وَإِن لم يصل المَال إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَتى استحلفه وَأقر أَو نكل وَثَبت الدّين فَإِذا ظهر للاب مَال من الْوَدِيعَة أَو البضاعة عِنْد إِنْسَان لَا يحْتَاج إِلَى الاثبات، فَهَذِهِ الْفَائِدَة المنتظرة، وَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي استحلافه على الدّين والوصول مَعًا فَقيل لَهُ ذَلِك وعامتهم إِنَّه يحلف مرَّتَيْنِ وَلَا يجمع وَإِن أنكر مَوته حلفه على الْعلم، فَإِن نكل حلف على الدّين: أَي على الْعلم أَيْضا. مطلب: دَعْوَى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين إِذا أنكرها يحلف على الْعلم وَدَعوى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين، فَيحلف على الْعلم لَو أنكرها ومدعي الدّين على الْمَيِّت إِذا ادّعى على وَاحِد من الْوَرَثَة وحلفه فَلهُ أَن يحلف الْبَاقِي، لَان النَّاس يتفاوتون فِي الْيَمين، وَرُبمَا لَا يعلم الاول بِهِ وَيعلم الثَّانِي. وَلَو ادّعى أحد الْوَرَثَة دينا على رجل للْمَيت وحلفه لَيْسَ للْبَاقِي تَحْلِيفه، لَان الْوَارِث قَائِم مقَام الْمُورث وَهُوَ لَا يحلفهُ إِلَّا مرّة. انْتهى مُلَخصا بِزِيَادَة. قَوْله: (أَو عينا على وَارِث) صورته: أَن يَقُول إِن هَذَا العَبْد الَّذِي ورثته عَن فلَان ملكي وبيدك بِغَيْر حق وَلَا بَيِّنَة لَهُ فَإِن الْوَارِث يحلفهُ على الْعلم يُخَصِّصَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ بِصُورَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ مُشكل. عزمي. وَهَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ والمفتى بِهِ لَا فَيكون علمه كَعَدَمِهِ. قَالَ الْعَلامَة أَبُو الطّيب: أَقُول فِي قَوْله فَإِن جَرَيَان ذَلِك فِي الدّين مُشكل نظر، لما قَالَ فِي نور الْعين نقلا عَن الْمُحِيط البرهاني: إِنَّمَا يحلف على الْعلم فِي الارث لَو علم القَاضِي بالارث أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي أَو برهن عَلَيْهِ، وَإِلَّا يحلف بتا، وَكَذَا لَو ادّعى دينا على الْوَارِث يحلف على الْعلم. اه. قَوْله: (أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي) هُوَ كَمَا سبق فِي التَّصْوِير. قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَوْله: (فَيحلف) أَي الْوَارِث على الْعلم فَإِن لم يعلم القَاضِي حَقِيقَة الْحَال وَلَا أقرّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ هَذَا الْعين إِلَى الْمُدَّعِي. عمادية. قَالَ ط: يُمكن تَصْوِير بِأَن ادّعى مُدع على شخص إِن هَذِه الْعين لَهُ وَعجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَطلب يَمِينه على الْبَتّ فَقَالَ إِنَّهَا إِرْث وَأَرَادَ الْيَمين على الْعلم فَأنْكر الْمُدَّعِي ذَلِك فَأَقَامَ الْوَارِث بَيِّنَة على مدعاه فَإِنَّهُ يحلف على الْعلم: أَي فَالشَّرْط فِي تَحْلِيفه الْوَارِث على الْعلم فِي دَعْوَى الْعين أحد هَذِه الثَّلَاثَة. قَوْله: (وَالْعين) الْوَاو بِمَعْنى أَو. قَوْله: (الْوَارِث) أَي إنَّهُمَا حق موروث وَأنكر الْخصم. قَوْله: (يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات) أَي إنَّهُمَا ليسَا بِحَق مُوَرِثه. قَوْله: (كموهوب وَشِرَاء. دُرَر) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رجل وَزعم أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ استحلاف الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على الْبَتَات. حَلَبِيّ عَن الدُّرَر: أَي أَنه لَيْسَ بِعَبْدِهِ، والاولى كموهوب ومشتري أَو كَهِبَة وَشِرَاء للموافقة لفظا، وَعلله الزَّيْلَعِيّ بِأَن الْهِبَة وَالشِّرَاء سَبَب مَوْضُوع للْملك بِاخْتِيَار الْمَالِك ومباشرته وَلَو لم يعلم أَنه ملك للْملك لَهُ لما بَاشر السَّبَب ظَاهرا، فَيحلف على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 الْبَتَات، فَإِذا امْتنع عَمَّا أطلق لَهُ يكون باذلا، أما الْوَارِث فُلَانُهُ لَا اخْتِيَار لَهُ فِي الْملك، وَلَا يَدعِي مَا فعل الْمُورث فَلم يُوجد مَا يُطلق لَهُ الْيَمين على الْبَتَات، ولان الْوَارِث حلف على الْمُورث وَالْيَمِين لَا تجْرِي فِيهَا النِّيَابَة فَلَا يحلف على الْبَتَات، وَالْمُشْتَرِي والموهوب لَهُ أصل بِنَفسِهِ فَيحلف عَلَيْهِ. اهـ. قَوْله: (وَيحلف جَاحد الْقود) أَي مُنكر الْقصاص بِأَن ادّعى رجل عَلَيْهِ قصاصا. عَيْني: أَي سَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو الاطراف بالِاتِّفَاقِ. دامادا. قَوْله: (حبس) أَي وَلَا يقْتَصّ، أما عِنْده فلَان النّكُول بذل وَلَا يجْرِي فِي النَّفس، أَلا ترى أَنه لَو قَتله بأَمْره يجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي رِوَايَة، وَفِي أُخْرَى الدِّيَة، وَلَو قطع يَده بأَمْره لَا يجب عَلَيْهِ شئ، إِلَّا أَنه لَا يُبَاح لعدم الْفَائِدَة، أما مَا فِيهِ فَائِدَة كالقطع للاكلة وَقلع السن للوجع لَا يَأْثَم بِفِعْلِهِ، وَأما عِنْدهمَا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ إِقْرَارا إِلَّا أَن فِيهِ شُبْهَة فَلَا يثبت فِيهِ الْقود لانه كالحدود من وَجه. قَوْله: (حَتَّى يقر) أَي فيقتص مِنْهُ. قَوْله: (أَو يحلف) أَي عِنْد الامام فَيبرأ من الدَّعْوَى. وَفِي الشلبي عَن الاتقاني، أَو يَمُوت جوعا لَان الانفس لَا يسْلك بهَا مسالك الاموال فَلَا يجْرِي فِيهَا الْبَذْل الَّذِي هُوَ مؤدي الانكار، وَإِذا امْتنع الْقصاص وَالْيَمِين حق مُسْتَحقّ يحبس بِهِ كَمَا فِي الْقسَامَة، فَإِنَّهُم إِذا نكلوا عَن الْيَمين يحبسون، حَتَّى يقرُّوا أَو يحلفوا. وَفِي الْخَانِية فِي كَيْفيَّة التَّحْلِيف بِالْقَتْلِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يسْتَحْلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك دم ابْنه فلَان مثلا وَلَا قبلك حق بِسَبَب هَذَا الدَّم الَّذِي يَدعِي. وَفِي رِوَايَة يحلف على السَّبَب بِاللَّه مَا قتلت فلَان بن فلَان ولي هَذَا عمدا. وَفِيمَا سوى الْقَتْل من الْقطع والشجة وَنَحْو ذَلِك يحلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك قطع هَذَا العَبْد وَلَا لَهُ عَلَيْك ك حق بِسَبَبِهَا، وَكَذَلِكَ فِي الشجاج والجراحات الَّتِي يجب فِيهَا الْقصاص. اهـ. قَوْله: (وَفِيمَا دونه) أَي دون الْقود من الاطراف. قَوْله: (يقْتَصّ) مِنْهُ: أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا علم مَا مر. قَوْله: (فَيجْرِي فِيهَا الابتذال) أَي فَتثبت بِالنّكُولِ كَمَا أَن المَال يثبت بِهِ، والاولى الْبَذْل كَمَا فِي بعض النّسخ. قَوْله: (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُمَا قَالَا: يجب عَلَيْهِ الارش فيهمَا، وَلَا يقْضِي بِالْقصاصِ لَان الْقصاص فِيمَا دون النَّفس عُقُوبَة تدرأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا تثبت بِالنّكُولِ كَالْقصاصِ فِي النَّفس، ولان النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا فَفِيهِ شُبْهَة الْعَدَم فَلَا يثبت بِهِ الْقصاص، وَيجب بِهِ المَال خُصُوصا إِذا كَانَ امْتنَاع الْقصاص لِمَعْنى من جِهَة من عَلَيْهِ خَاصَّة، كَمَا إِذا أقرّ بالْخَطَأ وَالْوَلِيّ يَدعِي الْعمد، وَإِذا امْتنع الْقود تجب الدِّيَة، وَعند الثَّلَاثَة يقْتَصّ فيهمَا بعد حلف الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَأما إِذا كَانَ الِامْتِنَاع من جَانب من لَهُ كَمَا إِذا أَقَامَ على مَا ادّعى وَهُوَ الْقصاص رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بشئ لَان الْحجَّة قَامَت بِالْقصاصِ لَكِن تعذر اسْتِيفَاؤهُ وَلم يشبه الْخَطَأ فَلَا يجب شئ، وَلَا تفَاوت فِي هَذَا الْمَعْنى بَين النَّفس وَمَا دونهَا كَمَا فِي الْعِنَايَة. قَوْله: (قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة الخ) أَطْلَقَ حُضُورَهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ فِي الْمصر. اهـ. بَحر. قَوْله: (فِي الْمصر) أَرَادَ بِهِ حضورهما فِيهِ أَو مَحل بَينه وَبَين مَحل الْمُدَّعِي دون مَسَافَة الْقصر، كَمَا يفِيدهُ الْكَلَام الْآتِي. وَقيد فِي الْمصر، وَإِن كَانَ إِطْلَاق كَلَام المُصَنّف متناولا لما لَو كَانَت حَاضِرَة فِي الْمجْلس لانه الْمُخْتَلف فِيهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 قَالَ فِي الْبَحْر: أطلق فِي حُضُورهَا فَشَمَلَ حُضُورهَا فِي مجْلِس الحكم، وَلَا خلاف لَا يحلف وحضورها فِي الْمصر وَهُوَ مَحل الِاخْتِلَاف. قَوْله: (لم يحلف) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَان ثُبُوت الْحق فِي الْيَمين مُرَتّب على الْعَجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فَلَا تكون حَقه دونه. عَيْني: أَي فَلَا تكون الْيَمين حَقه دون الْعَجز. قَوْله: (خلافًا لَهما) لَان الْيَمين حَقه بِالْحَدِيثِ الشريف، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَك يَمِينه حِين سَأَلَ الْمُدَّعِي فَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه، فَقَالَ يحلف وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ (ص) : لَيْسَ لَك إِلَّا هَذَا، شَاهِدَاك أَو يَمِينه فَصَارَ الْيَمين حَقًا لَهُ لاضافته إِلَيْهِ بلام التَّمْلِيك، فَإِذا طَالبه بِهِ يجِيبه. قَالَ ط: وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر لانه (ص) إِنَّمَا جعل لَهُ الْيَمين عِنْد فَقده الْبَيِّنَة. قَالَ فِي الْبَحْر: اخْتلف النَّقْل عَن مُحَمَّد، فَمنهمْ من ذكره مَعَ أبي يُوسُف كالزيلعي والخصاف، وَمِنْهُم من ذكره مَعَ الامام كالطحاوي. قَوْله: (وَقدر فِي الْمُجْتَبى الْغَيْبَة بِمدَّة السّفر) قَالَ فِيهِ بينتي غَائِبَة عَن الْمصر حلف عِنْد أبي حنيفَة، وَقيل قدر الْغَيْبَة بمسيرة سفر. اهـ. فقد خَالف مَا نَقله المُصَنّف عَن ابْن ملك من أَن فِي الغائبة عَن الْمصر يحلف اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الْقَاضِي) أَيْ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَالِمًا بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ. رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. بَحر. وَالْمرَاد بِأخذ القَاضِي كَفِيلا: أَي مِمَّن عَلَيْهِ الْحق لَا بِالْحَقِّ نَفسه، وَقد تقدم فِي كتاب الْكفَالَة فِي كَفَالَة النَّفس أَنه لَو أعْطى كَفِيلا بِنَفسِهِ بِرِضَاهُ جَازَ اتِّفَاقًا، وَلَا يجْبر عَلَيْهِ عِنْد الامام خلافًا لَهما، فعندهما يجْبر بالملازمة فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة للتَّقْيِيد بِهَذَا، وَلَيْسَ مَذْكُورا فِي الدُّرَر وَلَا فِي شرح الْكَنْز. تَأمل. قَوْله: (فِي مَسْأَلَة الْمَتْن) وَهِي قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة الخ وَقيد بِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. كَذَا فِي الْهِدَايَة. قَوْله: (فِيمَا لَا يسْقط بِشُبْهَة) أما فِيمَا يسْقط بهَا كالحدود وَالْقصاص، فَلَا يجْبر على دفع الْكَفِيل كَمَا تقدم. قَالَ فِي الْبَحْر: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لامر الدَّم. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَمُقْتَضى الاطلاق أَن دَعْوَى الطَّلَاق كدعوى الاموال وَأَن احتاطوا فِي الْفروج لَا تبلغ استعظام أَمر الدِّمَاء، وَلذَلِك يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ. اهـ. قَوْله: (كَفِيلا ثِقَة يُؤمن هروبه) وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته. قَالَ فِي الْكَافِي: وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته حَتَّى لَو غَابَ الاصل يُقيم الْبَيِّنَة على الْوَكِيل، فَيقْضى عَلَيْهِ، وَإِن أعطَاهُ وَكيلا أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الْوَكِيل، وَإِذا أعطَاهُ كَفِيلا بِنَفس الْوَكِيل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الاصيل لَو كَانَ الْمُدَّعِي دينا، لَان الدّين يَسْتَوْفِي من ذمَّة الاصيل دون الْوَكِيل، فَلَو أَخذ كَفِيلا بِالْمَالِ لَهُ أَن يطْلب كَفِيلا بِنَفس الاصيل، لَان الِاسْتِيفَاء من الاصيل قد يكون أيسر، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي مَنْقُولًا لَهُ أَن يطْلب مِنْهُ مَعَ ذَلِك كَفِيلا بِالْعينِ ليحضرها، وَلَا يغيبه الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عقارا لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لانه لَا يقبل التغييب، وَصَحَّ أَن يكون الْوَاحِد كَفِيلا بِالنَّفسِ ووكيلا بِالْخُصُومَةِ لَان الْوَاحِد يقوم بهما، فَلَو أقرّ وَغَابَ قضى، لانه قَضَاء إِعَانَة اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 وَفِيه: وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة فَلم تزك فَغَاب الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يقْضى عَلَيْهِ حَال غيبته فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَان لَهُ حق الْجرْح فِي الشُّهُود، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يقْضى. اهـ. وَاعْلَم أَنه يَنْبَغِي أَن يشْتَرط فِي الْوَكِيل مَا سبق فِي الْكَفِيل من كَونه ثِقَة مَعْرُوف الدَّار، وَفِي الْبَحْر عَن الصُّغْرَى: لَو أَبى إِعْطَاء الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لم يجْبر. اهـ. قَوْله: (يُؤمن هروبه) تَفْسِير للثقة. قَالَ فِي الْبَحْر: وَفَسرهُ فِي الصُّغْرَى بِأَن لَا يخفي نَفسه وَلَا يهرب من الْبَلَد بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ وَيَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ مِنْهُ، وَهَذَا شئ يحفظ جدا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفَقِيه ثِقَة بوظائفه بالاوقاف، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ أَو حَانُوت لانه لَا يَتْرُكهَا ويهرب اهـ. وَفَسرهُ فِي شرح الْمَنْظُومَة بِأَن يكون مَعْرُوف الدَّار وَالتِّجَارَة، وَلَا يكون لحوحا مَعْرُوفا بِالْخُصُومَةِ، وَأَن يكون من أهل الْمصر لَا غَرِيبا. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَكَذَا العسكري فَإِنَّهُ لَا يهرب وَيتْرك علوفته من الدِّيوَان. وَالْحَاصِل: أَن الْمدَار على الامن من الهروب اهـ. وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن كَفَالَة الصُّغْرَى: القَاضِي أَوْ رَسُولِهِ إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفسِهِ بِأَمْر الْمُدَّعِي أَولا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك، وَلَمْ يَقُلْ للطَّالِب ترجع الْحُقُوق إِلَى القَاضِي وَرَسُوله، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَا، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ الْجَواب على الْعَكْس اهـ. وَفِيهِ عَنْهَا: طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُول على يَد عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ النَّفْسِ: فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ فَاسِقًا يُجِيبُهُ. وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نقلي. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ من الْعقار. اهـ. أَقُول: وَقدمنَا الصَّحِيح من ذَلِك فَلَا تنسه. وَفِي الخزانة: إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَلم تزك فِي جَارِيَة يَضَعهَا القَاضِي على يَد امْرَأَة ثِقَة حَتَّى يسْأَل عَن الشُّهُود، وَلَا يَتْرُكهَا فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ عدلا كَانَ أَو لَا. هَذَا إِن سَأَلَ الْمُدَّعِي من القَاضِي وَضعهَا. اه. وَإِنَّمَا أَخذ الْكَفِيل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا لَان فِيهِ نظرا للْمُدَّعِي، وَلَيْسَ فِيهِ كثير ضَرَر بالمدعى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَان الْحُضُور مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فصح التكفيل بإحضاره: أَي من غير جبر كَمَا قدمنَا. قَوْله: (وَلَو وجيها) ضد الخامل، والوجيه من لَهُ حَظّ ورتبة، والخامل من خمل الرجل خمولا من بَاب قعد: سَاقِط لنباهة لَا حَظّ لَهُ. مِصْبَاح. قَوْله: (فِي ظَاهر الْمَذْهَب) أَي الْمُعْتَمد. وَعَن مُحَمَّد أَن الْخصم إِذا كَانَ مَعْرُوفا أَو المَال حَقِيرًا وَالظَّاهِر من حَاله أَنه لَا يخفي نَفسه بذلك الْقدر من المَال لَا يجْبر على إِعْطَائِهِ الْكَفِيل. قَوْله: (فِي الصَّحِيح) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ تأقيت الْكفَالَة بِثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا لَيْسَ لاجل أَن يبرأ الْكَفِيل عَنْهَا بعد الْوَقْت، فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّكْفِيلَ إلَى شَهْرٍ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ، لَكِنْ لَوْ عجل يَصِحُّ، وَهُنَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قَدْ يَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَن إِقَامَتهَا، وَإِنَّمَا يسلم إِلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قد يعجز الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ. قَوْلُهُ: (إلَى مَجْلِسِهِ) أَي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 القَاضِي. قَوْله: (لَازمه بِنَفسِهِ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ فَلَا يُلَازِمُهُ فِي مَكَان معِين، وَلَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلذِّكْرِ، بِهِ يُفْتى. بَحر. وَفِيه: وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا يَدُورُ مَعَهُ. وَرَأَيْت فِي الزِّيَادَات أَن الطَّالِب لَو أَمر غَيره بملازمة مديونه فللمديون أَن لَا يرضى بالامين عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى التَّوْكِيل بِلَا رضَا الْخصم، لكنه لَا يحْبسهُ فِي مَوضِع لَان ذَلِك حبس، وَهُوَ غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِنَفس الدَّعْوَى، وَلَا يشْغلهُ عَن التَّصَرُّف بل هُوَ يتَصَرَّف وَالْمُدَّعِي يَدُور مَعَه. مطلب: هَل للطَّالِب أَن يمنعهُ من دُخُول دَاره إِن لم يَأْذَن لَهُ بِالدُّخُولِ مَعَه؟ وَإِذا انْتهى الْمَطْلُوب إِلَى دَاره فَإِن الطَّالِب لَا يمنعهُ من الدُّخُول إِلَى أَهله بل يدْخل والملازم يجلس على بَاب دَاره. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَة: وَمن الْقُضَاة الْمُتَأَخِّرين من أوجب حبس الْخصم، لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى طلب الشُّهُود وَغَيره. اهـ. وَفِي الْبَحْر: عَن الزِّيَادَات: أَن الْمَطْلُوب إِذا أَرَادَ أَن يدْخل بَيته، فإمَّا أَن يَأْذَن للْمُدَّعِي فِي الدُّخُول مَعَه أَو يجلس مَعَه على بَاب الدَّار، لانه لَو تَركه حَتَّى يدْخل الدَّار وَحده فَرُبمَا يهرب من جَانب آخر فَيفوت مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا. مطلب: فِيمَا لَو كَانَ الْمَطْلُوب امْرَأَة وَفِي تَعْلِيق أستاذنا: لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ امْرَأَة فَإِن الطَّالِب لَا يلازمها بِنَفسِهِ، بل يسْتَأْجر امْرَأَة فتلازمها. وَفِي أول كَرَاهِيَة الْوَاقِعَات: رجل لَهُ على امْرَأَة حق فَلهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا لَان هَذَا لَيْسَ بِحرَام، فَإِن هربت وَدخلت خربة لَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ الرجل يَأْمَن على نَفسه وَيكون بَعيدا مِنْهَا يحفظها بِعَيْنِه، لَان فِي هَذِه الْخلْوَة ضَرُورَة، وَأَشَارَ بملازمته إِلَى مُلَازمَة الْمُدَّعِي لما فِي خزانَة الْمُفْتِينَ إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متلافا وأبى عَطاء الْكَفِيل بالمدعي. مطلب: لَهُ مُلَازمَة الْمُدَّعِي فللمدعي أَن يلازم ذَلِك الشئ أَن يُعْطِيهِ كَفِيلا، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي ضَعِيفا عَن ملازمته يضع ذَلِك الشئ على يَد عدل. اهـ. وَظَاهر مَا فِي السراج الْوَهَّاج أَنه لَا يلازمه إِلَّا بِإِذن القَاضِي، وَذكر فِيهِ أَن مِنْهَا أَن يسكن حَيْثُ سكن. وَفِي الْمِصْبَاح: دَار حول الْبَيْت يَدُور دورا ودورانا طَاف بِهِ، ودوران الْفلك تَوَاتر حركاته بَعْضهَا أثر بعض من غير ثُبُوت وَلَا اسْتِقْرَار. وَمِنْه قَوْلهم: دارت الْمَسْأَلَة: أَي كلما تعلّقت بِمحل توقف ثُبُوت الحكم على غَيره فتنتقل إِلَيْهِ ثمَّ يتَوَقَّف على الاول وَهَكَذَا. اهـ. قَوْله: (مِقْدَار مُدَّة التكفيل) فَإِن لم يَأْتِ بِبَيِّنَة أمره أَن يخلي سَبيله وَلَا يقبل دَعوته إِلَّا بإحضار الْبَيِّنَة كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (إِلَّا أَن يكون الْخصم غَرِيبا أَي مُسَافِرًا) وَأي تَفْسِير مُرَاد، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن حكم الْمُقِيم مُرِيد السّفر كالغريب. قَالَ فِي الْمنح: المُرَاد من الْغَرِيب الْمُسَافِر. قَوْله: (إِلَى انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي) أطلق فِي مِقْدَار القَاضِي فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَ يجلس فِي كل خَمْسَة عشرَة يَوْمًا مرّة. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (دفعا للضَّرَر) بِأخذ الْكَفِيل وبالملازمة أَزِيد من ذَلِك، كَذَا علله فِي الْهِدَايَة لَان فِي أَخذ الْكَفِيل والملازمة زِيَادَة على ذَلِك إِضْرَارًا بِهِ يمنعهُ عَن السّفر، وَلَا ضَرَر هَذَا الْمِقْدَار ظَاهرا. قَوْله: (حَتَّى لَو علم وَقت سَفَره) بِأَن قَالَ أخرج غَدا مثلا، فَلَو علم أَن السّفر قبل انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي يكون التكفيل إِلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 وَقت السّفر دفعا للضَّرَر. قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي إِلَى وَقت سَفَره. قَوْله: (أَو يستخبر رفقاءه) بِأَن يبْعَث إِلَيْهِم أَمينا، فَإِن قَالُوا أعد لِلْخُرُوجِ مَعنا يكفله إِلَى وَقت الْخُرُوج. بَحر. قَوْله: (لَا بَيِّنَة لي الخ) هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة قَوْله وَتقبل الْبَيِّنَة لَو أَقَامَهَا بعد الْيَمين، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح هُنَاكَ بقوله: وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا بَيِّنَةَ لِي، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكرهَا هُنَاكَ ح. قَوْله: (قبل ذَلِك الْبُرْهَان) لَان الْيَمين الْفَاجِرَة أَحَق بِالرَّدِّ من الْبَيِّنَة العادلة كَمَا مر. قَوْله: (فَهِيَ شُهُود زور) لَان الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالشهود، وَيجب عَلَيْهِم أَدَاؤُهَا وَيَأْثَم كاتمها، وَهَذَا القَوْل مِنْهُ لَا يثبت زور الْعدْل لانه قبل الشَّهَادَة ولانه فِي غير مَعْلُوم ولانه جرح مُجَرّد ط. قَوْله: (أَو قَالَ) أَي الْمُدَّعِي. قَوْله: (حَلَفت) بتاء الْخطاب. قَوْله: (كَمَا مر) عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ إلَخْ لَكِنْ هُنَاكَ الْيَمِينُ من الْمُدَّعِي، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِمُدَّعِي الْإِيصَالِ. قَوْلُهُ (فَطَلَبَ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ الدَّائِنِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْم) المُرَاد بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم: المنقد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوس إِن المختم كمنبر آلَة ينْقد بهَا، فَرَاجعه ط. أَقُول: وَلَعَلَّه الْمعد الَّذِي يعد عَلَيْهِ الصيارفة والتجار وَفِي بَيت المَال الدَّرَاهِم، وَالْمَقْصُود إِحْضَار الْحق. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: المُرَاد، بالختم الصَّك، وَمَعْنَاهُ اكْتُبْ الصَّك بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ استحلفني، أَو المُرَاد بإحضار نفس الْحق فِي شئ مَخْتُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْفَتَاوَى الْأَنْقِرَوِيَّةِ: يَعْنِي أَحْضِرْ حَقِّي ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي، وَمثله فِي الحامدية. قَوْله: (لحَدِيث من كَانَ حَالفا) صَدره كَمَا فِي الْحَمَوِيّ: لَا تحلفُوا بإبائكم وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، فَمن كَانَ حَالفا الخ. وَلما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سمع عمر يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد. وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله (ص) لَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه، وَلَا تحلفُوا إِلَّا وَأَنْتُم صَادِقُونَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ. عَيْني. قَوْله: (وَظَاهره) أَي ظَاهر قَول الخزانة من قَوْله: وَهُوَ قَوْله وَالله إِنَّه لَو حلفه بِغَيْرِهِ من أَسمَاء الله أَو صفة تعورف الْحلف بهَا لم يكن يَمِينا: يَعْنِي فِي بَاب الدَّعْوَى، وَيُمكن أَن يكون وَجهه أَن لفظ الْجَلالَة جَامع لجَمِيع الاسماء وَالصِّفَات حَتَّى صحّح بَعضهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 أَنه الِاسْم الاعظم، وَقد ورد تَحْلِيف الشَّارِع بِهِ فَيقْتَصر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنه ذكره على سَبِيل التَّمْثِيل لما علم فِي كتاب الايمان أَنه ينْعَقد الْحلف بِكُل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وكل صفة تعورف الْحلف بهَا، وَقد صَرَّحُوا هُنَا بِمَا يدل على ذَلِك. قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: مَتى حلفه بِاللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم كَانَ يَمِينا وَاحِدًا، وَإِذا حلفه بِاللَّه والرحمن والرحيم يكون ثَلَاثَة أَيْمَان اهـ. فَهَذَا صَرِيح بِأَن الرَّحْمَن والرحيم يَمِين. تَأمل. وَمثله فِي التَّبْيِين فَإِنَّهُ قَالَ: ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض كَيْلا يتَكَرَّر عَلَيْهِ الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا. اهـ. وسيصرح الشَّارِح بِهِ فِي قَوْله ويجتنب الْعَطف كي لَا يتَكَرَّر الْيَمين وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَالْحَقِّ، أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَعِزَّةِ اللَّهِ وجلاله وكبريائه وعظمته الخ، فَهَذَا كُله يدل على كَونه يَمِينا، وَكَذَا مَا ثَبت فِي الحَدِيث وَرب الْكَعْبَة وَنَحْوه يَقْتَضِي أَن الْحلف بالرحمن والرحيم وَغَيره من أَسْمَائِهِ تَعَالَى يكون يَمِينا، على أَنه صرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الْيَمين يكون بالرحمن والرحيم وَسَائِر أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَأما الْحصْر فِي الحَدِيث الشريف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجبت والطاغوت وَنَحْوهمَا. قَوْله: (بِغَيْرِهِ) كالرحمن والرحيم. بَحر. قَوْله: (لم يكن يَمِينا) قد علمت أَن الْحق أَنه يَمِين، وَلَا يشكل عَلَيْهِ مَا يفهم من ظَاهر عبارَة الدُّرَر من قَوْله: وَالْحلف بِاللَّه تَعَالَى دون غَيره، وَإِن كَانَ ظَاهره أَن هَذَا التَّرْكِيب للحصر كَمَا فِي الْحَمد لله لَان المُرَاد أَن لَا يكون الْحلف إِلَّا بِذَاتِهِ تَعَالَى: أَي باسم من أَسْمَائِهِ الذاتية أَو الصفاتية فقد انْتَفَى الاشكال، على أَنه هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي عُمْدَة الْكتب بل عامتهم، وَلَا يُمكن أَن يُقَال إِن مَا ذَكرُوهُ فِي كتاب الايمان فرق عَن هُنَا: أَي الدَّعْوَى لانه لم يُصَرح أحد يفرق أصلا. قَوْله: (وَلم أره صَرِيحًا بَحر) حَيْثُ قَالَ بعد نَقله عبارَة الخزانة: وَظَاهره أَنه لَا تَحْلِيف بِغَيْر هَذَا الِاسْم، فَلَو حلفه بالرحمن أَو الرَّحِيم لَا يكون يَمِينا، وَلم أره صَرِيحًا اهـ. قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: فِيهِ قُصُور لوُجُود النَّص على خِلَافه، فقد ذكر فِي كتاب الايمان أَنه لَو قَالَ: والرحمن أَو الرَّحِيم أَو الْقَادِر فَكل ذَلِك يَمِين، وَيدل عَلَيْهِ قَوْلهم فِيمَا إِذا غلظ بِذكر الصّفة يحْتَرز عَن الاتيان بِالْوَاو لِئَلَّا تَتَكَرَّر الْيَمين وَنَصه هُنَا فِي تَحْلِيف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عهد الله عَلَيْك، وَلَا فرق بَينه وَبَين الصَّحِيح بل صرح بِهَذَا الصَّحِيح، وَصرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الرَّحْمَن الرَّحِيم وَسَائِر أَسمَاء الله تَعَالَى تكون يَمِينا اهـ. أَقُول: وَالْعجب من المُصَنّف حَيْثُ نَقله وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الشَّارِح. قَوْله: (لَا بِطَلَاق وعتاق وَإِن ألح الْخصم) أَي داوم على طلب الْيَمين بهما، وَمثل الطَّلَاق وَالْعتاق الْحَج كَمَا فِي الْعِنَايَة، وَقد قصد بِهَذَا مُخَالفَة الْكَنْز والدرر حَيْثُ قَالَ: إِلَّا إِذا ألح الْخصم، وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي بقيل، وَكَذَا فِي الْهِدَايَة، فَإِن مَا مَشى عَلَيْهِ الشَّارِح هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة. قَوْله: (لَان التَّحْلِيف بهما حرَام) بل فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْمُضْمرَات اخْتلفُوا فِي كفره إِذا قَالَ حلفه بِالطَّلَاق، وَقدمنَا الْكَلَام قَرِيبا على مَا لَو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا مَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ برهن الْمُدَّعِي على المَال، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح. قَوْله: (وَقِيلَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ فُوِّضَ إلَى الْقَاضِي) قَالَ فِي الْمنية: وَإِن مست الضَّرُورَة يُفْتِي أَن الرَّأْي فِيهِ للْقَاضِي. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 (وَظَاهره أَنه مُفَرع على قَول الاكثر) تبع فِيهِ المُصَنّف وَصَاحب الْبَحْر وَهُوَ عَجِيب، فَإِن صَاحب الخزانة صرح بِأَن ذَلِك على قَول الاكثر فَهُوَ صَرِيح لَا ظَاهر. قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة) قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: قد تكون فَائِدَته اطمئنان خاطر الْمُدَّعِي إِذا حلف فَرُبمَا كَانَ مشتبها عَلَيْهِ الامر لنسيان وَنَحْوه، فَإِذا حلف لَهُ بهما صدقه اهـ. وَفِي شرح الْمُلْتَقى عَن الباقلاني: الاقرار بالمدعي إِذا احْتَرز عَنهُ. اهـ: أَي تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نُكُولِهِ، فَإِذَا طَلَبَ حَلِفَهُ بِهِ رُبَّمَا يمْتَنع ويقر بالمدعي. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كَلَام ظَاهر يجب قبُوله والتعويل عَلَيْهِ، لَان التَّحْلِيف إِنَّمَا يقْصد لنتيجته، وَإِذا لم يقْض بِالنّكُولِ عَنهُ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَال بِهِ، وَكَلَام الْعُقَلَاء فضلا عَن الْعلمَاء الْعِظَام يصان عَن اللَّغْو، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ اهـ. لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ: فَإِنْ أَلَحَّ الْخَصْمُ: قيل يَصح بِهِمَا فِي زَمَانِنَا لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ انْتَهَت. وَاسْتشْكل فِي السعدية بِأَنَّهُ إِذا امْتنع عَمَّا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا فَكيف يجوز للْقَاضِي تَكْلِيف الاتيان بِمَا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا؟ وَلَعَلَّ ذَلِك الْبَعْض يَقُول النَّهْي تنزيهي، وَمثل مَا فِي ابْن الْكَمَال فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَكِنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى دِيَانَةٍ لَا يَحْلِفُ بِهِمَا كَاذِبًا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ إمْسَاكِهِمَا بِالْحَرَامِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُتَسَاهَلُ بِهِ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا. تَأَمَّلْ. قَوْله: (لَا يفرق) أَي بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة. قَوْله: (لَان السَّبَب لَا يسْتَلْزم قيام الدّين) لاحْتِمَال وفائه أَو إبرائه أَو هِبته مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي شرح عبد الْبر ط. قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ الْمَالِ: لَا يَحْنَث لاحْتِمَال صدقه) . أَقُول: تقدم قَرِيبا قَوْله وَيظْهر كذبه بإقامتها لَوْ ادَّعَاهُ: أَيْ الْمَالَ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ، وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب فَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ أَقَامَهَا لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ، ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَقد ذكرنَا هُنَاكَ الْكَلَام وَبحث الْمَقْدِسِي فِيهِ وَالْجَوَاب عَنهُ فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (وَقد تقدم) أَي فِي كَلَام المُصَنّف حَيْثُ قَالَ: وَيظْهر كذبه بإقامتها لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف الخ، وَإِنَّمَا أعَاد هُنَا لَان هَذِه الْعبارَة أوضح وأدل على الْمَطْلُوب، وفيهَا زِيَادَة فَائِدَة كذكر الْخلاف بَين مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، وَهُوَ كالشرح للعبارة الْمُتَقَدّمَة، فقد بَين بِهِ أَن إِطْلَاق الدُّرَر على قَول أحد الشَّيْخَيْنِ، وَلَا اعْتِرَاض على من أَتَى بالعبارة التَّامَّة بعد الْعبارَة القاصرة، كَمَا قَالُوا فِي عطف الْعَام على الْخَاص لَا يحْتَاج إِلَى نُكْتَة لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة. تَأمل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 مطلب: مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل قَالَ الْعَلامَة الشلبي فِي حَاشِيَة الزَّيْلَعِيّ: وَنَذْكُر نبذا من مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل: إِن قَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق مثلا، وَنوى كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا بِالْيَمِينِ أَو الْهِنْد أَو بالسند أَو فِي بلد من الْبلدَانِ لَهُ نِيَّته، وَإِن ابْتَدَأَ الْيَمين يحتال وَيَقُول: هُوَ الله، ويدغم ذَلِك حَتَّى لَا يفهم المستحلف. فَإِن قَالَ المستحلف: إِنَّمَا أحلفك بِمَا أُرِيد وَقل أَنْت نعم، وَيُرِيد أَن يستحلفه بِاللَّه وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْمَشْي وَصدقَة مَا يملك، يَقُول نعم وَيَنْوِي نعما من الانعام، وَكَذَا لَو قيل لَهُ نساؤك طَوَالِق وَنوى نِسَاءَهُ العور أَو العميان أَو العرجان أَو المماليك أَو اليهوديات فَيكون لَهُ نِيَّته. وَإِن أَرَادَ أَن يحلف أَنه لم يفعل كَذَا وأحصر الْمَمْلُوك ليحلف بِعِتْقِهِ قَالَ: يضع يَده على رَأس الْمَمْلُوك أَو ظَهره وَيَقُول هَذَا حر: يَعْنِي ظَهره إِن كَانَ فعل فَلَا يعْتق الْمَمْلُوك. وَإِن حلف بِعِتْق الْمَمْلُوك أَنه لم يفعل كَذَا، وَنوى بِمَكَّة أَو فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، أَو فِي بلد من الْبلدَانِ لَا يَحْنَث إِن كَانَ فعله فِي غير ذَلِك الْموضع. وَإِن حلف بِطَلَاق امْرَأَته وَيَقُول امْرَأَتي طَالِق ثَلَاثًا، وَيَنْوِي عملا من الاعمال كالخبز وَالْغسْل أَو أطالق من وثاق، وَيَنْوِي بقوله ثَلَاثًا ثَلَاثَة أَيَّام أَو أشهر أَو جمع فَلَا حنث. وَلَو بلغ سُلْطَانا عَن رجل كَلَام فَأَرَادَ السُّلْطَان أَن يحلفهُ عَلَيْهِ فَالْوَجْه أَن يَقُول: مَا الَّذِي بلغك عني؟ فَإِذا قَالَ بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا، فَإِن شَاءَ حلف لَهُ بالعتاق وَالطَّلَاق أَنه مَا قَالَ هَذَا الْكَلَام الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سمع بِهِ إِلَّا هَذِه السَّاعَة فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ نوى فِي الطَّلَاق وَالْعتاق مَا شرحناه، وَإِن شَاءَ نوى أَنه لم يتَكَلَّم بِهَذَا الْكَلَام بِالْكُوفَةِ مثلا غير الْبَلَد الَّذِي تكلم فِيهِ بِهِ أَو الْموضع، أَو يَنْوِي عدم التَّكَلُّم لَيْلًا، وَإِن تكَلمه نَهَارا أَو عَكسه أَو يَنْوِي زَمنا غير الَّذِي تكلم فِيهِ. اهـ مُلَخصا. أَقُول: الظَّاهِر فِي ذَلِك أَن الْحَالِف مَظْلُوما، أما لَو كَانَ ظَالِما فَلَا يَنْوِي، بل الْعبْرَة بِظَاهِر اللَّفْظ الْعرفِيّ الَّذِي حلف بِهِ، لَان الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الْأَغْرَاض كَمَا علم ذَلِك من كتاب الايمان، فَرَاجعه. قَوْله: (ويغلظ بِذكر أَوْصَافه تعاى) أَيْ يُؤَكِّدُ الْيَمِينَ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مثل قَوْله: * ((59) هُوَ الله الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم) * (الْحَشْر: 22) الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ، لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يمْتَنع عَن الْيَمين بالتغليظ، ويتجاسر عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ، وَلَو لم يغلظ جَازَ، وَقيل: لَا تَغْلِيظ على الْمَعْرُوف بالصلاح، ويغلظ على غَيره، وَقيل يغلظ على الخطير من المَال دون الحقير. عَيْني. قَوْله: (وَقَيده) أَي قيد بَعضهم التَّغْلِيظ. قَوْله: (بفاسق) أَي إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ فَاسِقًا. قَوْله: (وَمَال خطير) أَي كَمَا ذكرنَا كَمَا بَينه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ وتبيين الْحَقَائِق. قَوْله: (وَالِاخْتِيَار فِيهِ) أَي فِي التَّغْلِيظ لما علمت من أَنه جَائِز وَيجوز إرجاع الضَّمِير إِلَى أصل الْيَمين: أَي الِاخْتِيَار فِي الْيَمين بِأَن يَقُول لَهُ قل وَالله أَو بِاللَّه أَو الرَّحْمَن والقادر على مَا سلف، وَقد صَرَّحُوا أَن التَّحْلِيف حق القَاضِي: أَي الِاخْتِيَار فِي صفة التَّغْلِيظ إِلَى الْقُضَاة يزِيدُونَ فِيهِ مَا شاؤوا أَو ينقصُونَ مَا شاؤوا وَلَا يغلظون لَو شاؤوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة. قَوْله: (وَفِي صفته) أَي التَّغْلِيظ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 الَّتِي ينْطَلق بهَا. قَوْله: (إِلَى القَاضِي) أَي تفويضه إِلَى القَاضِي. قَوْله: (ويجتنب الْعَطف) أَي فِي الْيَمين فَلَا يذكرهُ بِحرف الْعَطف ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض وَإِلَّا لتَعَدد الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ وقدمناه قَرِيبا فَلَا تنسه. قَوْله: (لَا يسْتَحبّ) وَقيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع. وَظَاهر مَا فِي الْهِدَايَة أَن الْمَنْفِيّ وجوب التَّغْلِيظ بهما فَيكون مَشْرُوعا، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط فِي مَوضِع أَن الْمَنْفِيّ كَونه سنة وَفِي مَوضِع بعده عدم مشروعيته حَيْثُ قَالَ: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان، وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان أَن للْحَاكِم فعله عندنَا إِن رأى ذَلِك، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه وَاجِبا أَو سنة. وَفِي الْبَحْر: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ. قَالَ فِي الْكَافِي: قيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع، لَان فِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ تَأْخِير حق الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك الزَّمَان. قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَكَذَا فِي الْمَكَان لَان فِيهِ التَّأْخِير إِلَى الْوُصُول إِلَى ذَلِك الْمَكَان المغلظ بِهِ، فَلَا يشرع. كَذَا فِي التَّبْيِين وَالْكَافِي. اهـ. قلت: وَهَذَا لَا يظْهر إِذا كَانَ على وفْق مَطْلُوبه، وَلَو علل بمخالفته الْمَشْرُوع لَكَانَ أولى، وَعند الشَّافِعِي: يسْتَحبّ هَذَا التَّغْلِيظ فِي قَول، وَيجب فِي قَول بِهِ قَالَ مَالك كَمَا فِي البناية وَغَيره. أَقُول: الظَّاهِر أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم جَوَاز هَذَا التَّغْلِيظ، وَعَلِيهِ دَلَائِل مَشَايِخنَا الْمَذْكُورَة فِي الشُّرُوح وَأما سلب حسن هَذَا لتغليظ تَارَة وسلب الْوُجُوب أُخْرَى فِي عبارتهم فمبني على نفي مَذْهَب الْخصم. تدبر. قَوْله: (بِزَمَان) مثل يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (وَلَا بمَكَان) مثل الْجَامِع عِنْد الْمِنْبَر أَو مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَعند قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعند صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس. قَوْله: (وَظَاهره أَنه مُبَاح) فِيهِ أَن الْمُبَاح مَا اسْتَوَى طرفاه فَكَانَ يَقُول فَهُوَ خلاف الاولى. وَأَقُول كَيفَ يكون مُبَاحا وَفِيه زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ قَوْله (ص) الْيَمين على من أنكر وَهُوَ مُطلق عَن التَّقْيِيد بِزَمَان أَو مَكَان، والتخصيص بهما زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ نسخ كَمَا أَفَادَهُ الْعَيْنِيّ. وَفِي شرح الْمُلْتَقى للداماد وَعند الائمة الثَّلَاثَة: يجوز أَن تغلظ بهما أَيْضا إِن كَانَت الْيَمين فِي قسَامَة ولعان وَمَال عَظِيم. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يوضع الْمُصحف فِي حجره، وَيقْرَأ الْآيَة الْمَذْكُورَة وَهِي * ((3) إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا) * (آل عمرَان: 77) الْآيَة ثمَّ يحلف فِي مَكَان مِنْهَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات. قَوْله: (ويستحلف الْيَهُودِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الْيَهُودِيّ نِسْبَة إِلَى هود، وَهُوَ اسْم نَبِي عَرَبِيّ، وَسمي بِالْجمعِ والمضارع من هدى إِذا رَجَعَ، وَيُقَال هم يهود وَهُوَ غير منصرف للعلمية وَوزن الْفِعْل، وَجَاز تنوينه، وَقيل نِسْبَة إِلَى يهود بن يَعْقُوب. قَوْله: (بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِابْنِ صوريا الاعور: أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى أَن حكم الزِّنَا فِي كتابكُمْ هَذَا كَمَا فِي الْبَحْر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَا يحلف على الاشارة إِلَى مصحف معِين: أَي من التَّوْرَاة بِأَن يَقُول: بِاللَّه الَّذِي أنزل هَذِه التَّوْرَاة أَو هَذَا الانجيل، لانه ثَبت تَحْرِيف بَعْضهَا فَلَا يُؤمن أَن تقع الاشارة إِلَى الْحَرْف المحرف فَيكون التَّحْلِيف تَعْظِيمًا لما لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى شرنبلالية. أَو من حَيْثُ إِن الْمَجْمُوع لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى ط. قَوْله: (وَالنَّصْرَانِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: رجل نَصْرَانِيّ بِفَتْح النُّون وَامْرَأَة نَصْرَانِيَّة، وَرُبمَا قيل نصران ونصرانة، وَيُقَال هُوَ نِسْبَة إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا نصْرَة، وَلِهَذَا قيل فِي الْوَاحِد نصري على الْقيَاس، وَالنَّصَارَى جمعه مثل مهري ومهارى، ثمَّ أطلق النَّصْرَانِي على كل من تعبد بِهَذَا الدّين اهـ. قَوْله: (والمجوسي) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: هِيَ كلمة فارسية يُقَال تمجس: إِذا دخل فِي دين الْمَجُوس، كَمَا يُقَال تهود أَو تنصر إدا دخل فِي دين الْيَهُود والنصاري. قَوْله: (فيغلظ على كل بمعتقده) لتَكون ردعا لَهُ عَن الْيَمين الكاذبة. قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا ذكره من صُورَة تَحْلِيف الْمَجُوسِيّ مَذْكُور فِي الاصل. وروى عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يحلف أحد: أَي من أهل الْكفْر إِلَّا بِاللَّه خَالِصا تحاشيا عَن تشريك الْغَيْر مَعَه فِي التَّعْظِيم. وَذكر الْخصاف أَنه لار يحلف غير الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِلَّا بِاللَّه، وَاخْتَارَهُ بعض مَشَايِخنَا لما فِي ذكر النَّار من تعظيمها، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك، بِخِلَاف الْكِتَابَيْنِ لانهما من كتبه تَعَالَى، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط أَن مَا فِي الْكتاب قَول مُحَمَّد، وَمَا ذكره الْخصاف قَوْلهمَا. فَإِنْ قُلْت: إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ قلت: لم أره صَرِيحًا، وَظَاهر قَوْلهم إِن يُغَلَّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَاب التَّغْلِيظ، فَيَكْفِي بِاَللَّهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُور. اهـ. قَوْله: (اخْتِيَار) قَالَ فِيهِ بعد قَول الْمَتْن ويستحلف الْيَهُودِيّ الخ وَلَو اقْتصر فِي الْكل على قَوْله بِاللَّه فَهُوَ كَاف، لَان الزِّيَادَة للتَّأْكِيد كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسلم، وَإِنَّمَا يغلظ ليَكُون أعظم فِي قُلُوبهم فَلَا يتجاسرون على الْيَمين الكاذبة. اهـ. قَوْله: (والوثني) الْوَثَنُ: الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حجر أَو غَيره، وَالْجمع وثن مثل أَسد وَأسد وأوثان، وينسب إِلَيْهِ من يتدين بِعِبَادَتِهِ على لَفظه فَيُقَال رجل وَثني، وَأَرَادَ بالوثني الْمُشرك سَوَاء عبد صنما أَو وثنا أَو غَيرهمَا. قَوْله: (لانه يقر بِهِ وَإِن عبد غَيره) أَي يعْتَقد أَن الله تَعَالَى خالقه لكنه يُشْرك مَعَه غَيره. قَالَ تَعَالَى: * (وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات والارض ليَقُولن الله) * (لُقْمَان: 52) . قَوْله: (وَجزم ابْن الْكَمَال بِأَن الدهرية) بِفَتْح الدَّال. أَي الطَّائِفَة الَّذين يَقُولُونَ بقدم الدَّهْر وَيُنْكِرُونَ الصَّانِع وَيَقُولُونَ: إِن هِيَ إِلَّا أَرْحَام تدفع وَأَرْض تبلع، وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر. قَالَ فِي الْقَامُوس: الدَّهْر قد يعد فِي الاسماء الْحسنى والزمن الطَّوِيل والامد الْمَمْدُود وَألف سنة، والدهري وَيضم الْقَائِل بِبَقَاء الدَّهْر. قَوْله: (لَا يعتقدونه تَعَالَى) وَإِن قَالُوا يقدمهُ لَان قدمه عِنْدهم بِأَنَّهُ قديم بِالزَّمَانِ، وَذَلِكَ لَان مِنْهُم من يَقُول القدماء خَمْسَة: الرب، والدهر، والفلك، والعناصر، والفراغ: أَي الْخَلَاء وَرَاء الْعَام، فالزهرا الْخَالِق لَهَا وَهِي قديمَة بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ كَمَا فِي حَاشِيَة الْكُبْرَى. قَوْله: (قلت وَعَلِيهِ فبماذا يحلفُونَ) قلت يحلفُونَ بِاللَّه تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 لما فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة عَن الْمَبْسُوط الْحر والمملوك وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالْفَاسِق والصالح وَالْكَافِر وَالْمُسلم فِي الْيَمين سَوَاء، لَان الْمَقْصُود هُوَ الْقَضَاء بِالنّكُولِ، وَهَؤُلَاء فِي اعْتِقَاد الْحُرْمَة فِي الْيَمين الكاذبة سَوَاء. اهـ. أَقُول: والزنديق والمباحي داخلون تَحت الْمُشْركين، إِذْ قد سبق فِي صدر الْكتاب من الْبَدَائِع أَنهم لم يتجاسروا فِي عصر من الاعصار على إِظْهَار نحلهم سوء كفرهم، فَلَمَّا لم يقرُّوا بِالْوَاجِبِ الْوُجُود لله تَعَالَى تقدس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ، وَلَا نَبِي من الانبياء، وَلم يقدروا على إِظْهَار مللهم ألْحقُوا بالمشركين، فيعدون مِنْهُم حكما، على أَنه قد صرح فِي بعض الْكتب أَنهم يقرونَ بِهِ تَعَالَى. وَلَكِن ينفون الْقدر عَنهُ تَعَالَى فَظهر أَن الْكَفَرَة بأسرهم يَعْتَقِدُونَ الله تَعَالَى وتعمهم الْآيَة الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة، فيستحلفون بِاللَّه تَعَالَى، سَوَاء كَانَ المستحلف مِمَّن يعْتَقد الله تَعَالَى أَو لَا، فَإِنَّهُ وَإِن لم يعلم الله تَعَالَى يُعلمهُ، فَإِذا حلف بِهِ كَاذِبًا فَالله تَعَالَى يقطع دابره وَيجْعَل دياره بَلَاقِع: أَي خَالِيَة، وَحِينَئِذٍ فَلَا معنى لقَوْل الشَّارِح: قلت الخ تَأمل. أَقُول: وَهَذَا كُله بِخِلَاف الكتابيين كَمَا مر من أَنهم يحلفُونَ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة أَو الانجيل، وَفِي الْمَقْدِسِي: لانهما من كتبه تَعَالَى. قَالَ فِي شرح الاقطع: أما الصابئة إِن كَانُوا يُؤمنُونَ بِإِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام استحلفوا بِالَّذِي أنزل الصُّحُف على إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِن كَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب استحلفوا بِالَّذِي خلق الْكَوَاكِب. اه. إتقاني. وَلَا تنس مَا قَرّرته. قَوْله: (أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ) وَلَا يَقُول لَهُ: تحلف بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْك حق فَإِنَّهُ لَا يكون يَمِينا، وَلَو أشر بنعم لانه يصير كَأَنَّهُ قَالَ احْلِف وَذَلِكَ لَا يكون يَمِينا أَفَادَهُ الاتقاني. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا، لانه إِذا قَالَ نعم إِقْرَارا لَا يَمِينا. اهـ. قَوْله: (فَإِذَا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ صَارَ حَالِفًا) وَإِن أَشَارَ بالانكار صَار نكولا وَيَقْضِي عَلَيْهِ: قنية. قَوْله: (أَن عرفه) أَي الْخط. قَوْله: (وَإِلَّا فبإشارته) ويعامل مُعَاملَة الاخرس. عبد الْبر. قَوْله: (وَلَو أعمى أَيْضا) أَي وَهُوَ أَصمّ أُخْرَى. قَوْله: (فأبوه الخ) مُرَاده بِهِ مَا يعم الْجد، كَمَا أَن المُرَاد بوصيه مَا يَشْمَل وَصِيّ الْجد. أَفَادَهُ عبد الْبر. وَظَاهره أَنه يسْتَحْلف عَنهُ، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يكون مُخَصّصا لما تقدم من قَوْله إِن النِّيَابَة لَا تجْرِي فِي الْحلف. كَذَا أَفَادَهُ بعض الْفُضَلَاء. لَكِن صرح الْعَلامَة أَبُو السُّعُود بِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من قَوْلهم الْحلف لَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة، وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف أَبوهُ أَو وَصِيّه. تَأمل. قَوْله: (أَو من نَصبه القَاضِي) الصَّوَاب ثمَّ من نَصبه القَاضِي لانه إِنَّمَا ينصب عَنهُ إِذا فقد من سبق ذكره عبد الْبر، وَهل يحلفُونَ على الْعلم لكَونه مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر أَو على الْبَتّ؟ يحرر ط. قَوْله: (بَحر) قَالَ فِيهِ: وَالْقَاضِي لَا يحضرها بل هُوَ مَمْنُوع عَن ذَلِك. كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَو قَالَ الْمُسلم لَا يحضرها لَكَانَ أولى، لما فِي التاترخانية: يكره للْمُسلمِ الدُّخُول فِي الْبيعَة والكنيسة من حَيْثُ إِنَّه مجمع الشَّيَاطِين، وَالظَّاهِر أَنَّهَا تحريمية لانها المرادة عِنْد الاطلاق، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُود. اهـ. قَوْله: (فِي دَعْوَى سَبَب يرْتَفع) أَي سَبَب ملك وَلَو حكميا أَو سَبَب ضَمَان، وَقيد بِهِ لَان الدَّعْوَى إِذا وَقعت مُطلقَة عَن سَبَب بِأَن ادّعى عبدا أَنه ملكه فاليمين على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 الحكم بِلَا خلاف، فَيُقَال قل بِاللَّه مَا هَذَا العَبْد لفُلَان هَذَا وَلَا شئ مِنْهُ كَمَا فِي الْعمادِيَّة. قَوْله: (يرْتَفع) أَي برافع كالاقالة وَالطَّلَاق وَالرَّدّ. قَوْله: (أَي على صُورَة إِنْكَار الْمُنكر) وَهُوَ صُورَة دَعْوَى الْمُدَّعِي. بَحر: هَذَا مَعْنَاهُ الاصطلاحي، أما مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ: فَالْحَاصِل من كل شئ مَا بَقِي وَثَبت وَذهب مَا سواهُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَيُمكن اعْتِبَاره هُنَا فَإِنَّهُ يحلف على الثَّابِت والمستقر الْآن، وَيكون قَوْله أَي على صُورَة الخ تَفْسِير مُرَاد، وَإِنَّمَا كَانَ على صورته، لَان الْمُنكر يَقُول لم يكن بَيْننَا بيع وَلَا طَلَاق وَلَا غصب. وَالْحَاصِل: أَن التَّحْلِيف على الْحَاصِل نوع آخر من كَيْفيَّة الْيَمين، وَهُوَ الْحلف على الْحَاصِل وَالسَّبَب، وَالضَّابِط فِي ذَلِك أَن السَّبَب إِمَّا أَن يكون مِمَّا يرْتَفع برافع أَو لَا، فَإِن كَانَ الثَّانِي فالتحليف على السَّبَب بالاجماع، وَإِن كَانَ الاول فَإِن تضرر الْمُدَّعِي بالتحليف على الْحَاصِل عِنْد الطَّرفَيْنِ، وعَلى السَّبَب عِنْد أبي يُوسُف كَمَا سَيَأْتِي مفصلا. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي مَوَاضِعِ التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ جغ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي دَيْنًا أَوْ مِلْكًا فِي عَيْنٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ، فَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِل مَا هَذَا لفُلَان وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ بِأَنْ ادّعى دينا بسب قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَا عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا غصبت مَا استقرضت مَا أودعك مَا شريت مِنْهُ. كَافِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَب فِي هَذِه الصُّور الْمَذْكُورَةِ، إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئا ثمَّ يقيل، فَحِينَئِذٍ يحلف القَاضِي على الْحَاصِل صَحَّ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَبِ، وَلَوْ قَالَ مَا عَليّ مَا يَدعِيهِ يحلف على الْحَاصِل. قاضيخان. وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ. يَقُول الْحَقِيرِ: وَكَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. وَقَالَ فَخر الاسلام الْبَزْدَوِيّ: اللَّائِق أَن يُفَوض الامر إِلَى القَاضِي فَيحلف على الْحَاصِل أَو السَّبَب أَيهمَا رَآهُ مصلحَة كَمَا فِي الْكَافِي، وَمَا فِي الْمَتْن ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا فِي الشُّرُوح، وَاعْترض على رِوَايَة عَن أبي يُوسُف بِأَنِّي اللَّائِق التَّحْلِيف على السَّبَب دَائِما، وَلَا اعْتِبَار للتعريض، لانه لَو وَقع فعلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، وَإِن عجز فعلى الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين. وَأجِيب بِأَنَّهُ قد لَا يقدر عَلَيْهَا والخصم مِمَّن يقدم على الْيَمين الْفَاجِرَة، فاللائق التَّحْلِيف على الْحَاصِل كي لَا يبطل الْحق. قَالَ البرجندي: مَا ذكره الْمُعْتَرض اعْتِرَاض على قَول أبي يُوسُف بِأَنَّهُ لَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّعْرِيض وَعَدَمه، وَذَا لَا ينْدَفع بِهَذَا الْجَواب. قَوْله: (أَي بِاللَّه مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) إدْخَالُ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُحَلَّفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ، لِأَنَّ أَبَا حنيفَة لَا يَقُول بالتحليف بِالنِّكَاحِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلهمَا كتفريعه فِي الْمُزَارعَة على قَوْلهمَا. بَحر. أَو يُقَالَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاح دَعْوَى المَال كَمَا نقل عَن الْمَقْدِسِي، وَلَكِن ذكره فِي اليعقوبية أَيْضا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا بعيد، لَان الظَّاهِر أَنه يحلف عِنْده فِي تِلْكَ الصُّورَة على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 عدم وجوب المَال لَا على عدم النِّكَاح، فَلْيتَأَمَّل. اهـ. قَوْله: (وَمَا بَيْنكُمَا بيع قَائِم الْآن) هَذَا قَاصِر، وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَالَ الْمُشْتَرِي: إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا العَبْد ملك الْمُدَّعِي، وَلَا شئ مِنْهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ قَبْضَ هَذَا الثَّمَنِ وَلَا تَسْلِيم هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثّمن فَيحلف على ملك الْمَبِيع، وَدَعوى البيع مَعَ تَسْلِيم الْمَبِيع، وَدَعوى الثَّمَنِ مَعْنًى وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَة الْمَبِيع فَيحلف على ملك الثّمن. قَوْله: (وَمَا يجب عَلَيْك رده الْآن) الصَّوَاب مَا فِي الْخُلَاصَة: مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَلَا مِثْلِهِ وَلَا بَدَلِهِ وَلَا شئ من ذَلِك انْتهى. وَإِلَى بعض ذَلِك أَشَارَ الشَّارِح بقوله أَو بدله لَان الْمَغْصُوب لَو كَانَ هَالكا لَا يجب على الْغَاصِب رد عينه لتعذر ذَلِك، بل يجب عَلَيْهِ رد مثله لَو مثلِيا أَو قِيمَته لَو قيميا، فَلَو حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده وَكَانَ ذَلِك بعد هَلَاكه وَحلف على ذَلِك لم يَحْنَث لعدم وجوب رده ح. بل يحلفهُ بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَلَا رد بدله ليعم حَاله قيام الْمَغْصُوب وهلاكه فَلَو ادّعى عَلَيْهِ قيام الْمَغْصُوب حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ أَن الْمَغْصُوب قد هلك فِي يَده وَيُرِيد تَضْمِينه حلف بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك بدله، وَإِنَّمَا عبر بِالْبَدَلِ ليعم الْمثل لَو مثلِيا وَالْقيمَة لَو قيميا. قَوْله: (وَمَا هِيَ بَائِن مِنْك الْآن) هَذَا فِي الْبَائِن الْوَاحِد، وَأما إِذا كَانَ بِالثلَاثِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنكُمَا وَفِي الرَّجْعِيّ يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا، وَهُوَ معنى قَوْله الْآن قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاح الَّذِي بَيْنكُمَا. قَوْله: (وَمَا بِعْت) أَي أَو مَا غصبت أَو مَا طلقت لاحْتِمَال أَنه رده أَو جدد النِّكَاح بعد الابانة. قَالَ فِي الْبَحْر وَلم يسْتَوْف الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل المفرعة على هَذَا الاصل، فَمِنْهَا الامانة وَالدّين وَقد ذكرناهما. وَفِي منية الْمُفْتِي: الْمُدعى عَلَيْهِ الالف يحلف بِاللَّه مَا لَهُ قبلك مَا يَدعِي وَلَا شئ مِنْهُ، لانه قد يكون عَلَيْهِ الالف إِلَّا درهما فَيكون صَادِقا. اهـ. وَفِيمَا ذكره الاسبيجابي فِي التَّحْلِيف على الْوَدِيعَة إِذا أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على صُورَة إِنْكَاره بِاللَّه لَيْسَ لَهُ عنْدك شئ، وَلَا عَلَيْك دين وَعند أبي يُوسُف بِاللَّه مَا أودعهُ وَلَا بَاعه وَلَا أقْرضهُ قُصُور، وَالصَّوَاب مَا فِي الخزانة. وَفِي دَعْوَى الْوَدِيعَة: إِذا لم تكن حَاضِرَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَديك وَدِيعَة وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ لانه مَتى استهلكها أَو دلّ إنْسَانا عَلَيْهَا لَا تكون فِي يَدَيْهِ وَيكون عَلَيْهِ قيمتهَا فَلَا يَكْتَفِي بقوله فِي يَديك بل يضم إِلَيْهِ وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ احْتِيَاطًا. اهـ. وَمِنْهَا دَعْوَى الْملك الْمُطلق: فَإِن كَانَ فِي ملك مَنْقُول حَاضر فِي الْمجْلس يحلف بِاللَّه مَا هَذَا الْعين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 ملك الْمُدَّعِي من الْوَجْه الَّذِي يَدعِيهِ وَلَا شئ مِنْهُ، وَإِن كَانَ غَائِبا من الْمجْلس إِن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فِي يَده وَأنكر كَونه ملك الْمُدَّعِي كلف إِحْضَاره ليشير إِلَيْهِ، وَإِن أنكر كَونه فِي يَده فَإِنَّهُ يسْتَحْلف بعد صِحَة الدَّعْوَى مَا لهَذَا فِي يَديك كَذَا وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا شئ عَلَيْك وَلَا قبلك وَلَا قيمَة وَهِي كَذَا وَلَا شئ مِنْهَا. كَذَا فِي الخزانة. وَمِنْهَا دَعْوَى إِجَارَة الضَّيْعَة أَو الدَّار أَو الْحَانُوت أَو العَبْد أَو دَعْوَى مُزَارعَة فِي أَرض أَو مُعَاملَة فِي نخل بِاللَّه مَا بَيْنك وَبَين هَذَا الْمُدَّعِي إِجَارَة قَائِمَة تَامَّة لَازِمَة الْيَوْم فِي هَذَا الْعين الْمُدَّعِي وَلَا لَهُ قبلك حق بالاجارة الَّتِي وصفت. كَذَا فِي الخزانة. وَمِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت امْرَأَة على زَوجهَا أَنه جعل أمرهَا بِيَدِهَا وَإِنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا وَأنكر الزَّوْج، فَالْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه، إِمَّا أَن يُنكر الزَّوْج الامر وَالِاخْتِيَار جَمِيعًا وَفِيه لَا يحلف على الْحَاصِل بِلَا خلاف، لانه لَو حلف مَا هِيَ بَائِن مِنْك السَّاعَة رُبمَا تَأَول قَول بعض الْعلمَاء: إِن الْوَاقِع بالامر بِالْيَدِ رَجْعِيّ، فَيحلف على السَّبَب، وَلكنه يحْتَاط فِيهِ للزَّوْج بِاللَّه مَا قلت لَهَا مُنْذُ آخر تزوج تَزَوَّجتهَا أَمرك بِيَدِك، وَمَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا بِحكم ذَلِك الامر، وَإِن أقرّ بالامر وَأنكر اخْتِيَارهَا يحلف بِاللَّه مَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا، وَإِن أقرّ بِالِاخْتِيَارِ وَأنكر الامر يحلف بِاللَّه مَا جعلت أَمر امْرَأَتك هَذِه بِيَدِهَا قبل أَن تخْتَار نَفسهَا فِي ذَلِك الْمجْلس، وَكَذَا إِن ادَّعَت أَن الزَّوْج حلف بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَن لَا يفعل كَذَا وَقد فعل فَهُوَ على التَّفْصِيل. كَذَا فِي الخزانة. وَمِنْهَا: أَن مَا ذكره فِي حلف البيع قَاصِر، وَالْحق مَا فِي الخزانة وَقد قدمْنَاهُ قَرِيبا. وَمِنْهَا: فِي دَعْوَى الْكفَالَة إِذا كَانَت صَحِيحَة بِأَن ذكر أَنَّهَا منجزة أَو معلقَة بِشَرْط مُتَعَارَف وَأَنَّهَا كَانَت بِإِذْنِهِ أَو أجازها فِي الْمجْلس، وَإِذا حلفه يحلفهُ بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذِه الالف بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها حَتَّى لَا يتَنَاوَلهُ كَفَالَة أُخْرَى، وَكَذَا إِذا كَانَت كَفَالَة بِعرْض بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذَا الثَّوْب بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة، وَفِي النَّفس بِاللَّه مَا لَهُ قبلك تَسْلِيم نفس فلَان بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها. كَذَا فِي الخزانة. وَمِنْهَا: تَحْلِيف الْمُسْتَحق. قَالَ فِي الخزانة: رجل أعَار دَابَّة أَو أجرهَا أَو أودعها فجَاء مُدع وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ لَا يقْضِي لَهُ بشئ حَتَّى يحلف بِاللَّه مَا بِعْت وَلَا وهبت وَلَا أَذِنت فيهمَا وَلَا هِيَ خَارِجَة عَن ملكك للْحَال. وَمِنْهَا: إِذا ادّعى غَرِيم الْمَيِّت إِيفَاء الدّين لَهُ وَأنكر الْوَارِث يحلف مَا تعلم أَنه قَبضه، وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا برِئ إِلَيْهِ مِنْهُ. كَذَا فِي الخزانة وَقدمنَا كَيْفيَّة تَحْلِيف مدعيه على الْمَيِّت. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: قَوْله: وَلَا برِئ الخ لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه يَدعِي الايفاء لَا الْبَرَاءَة فَلَا وَجه لذكره فِي التَّحْلِيف إِ هـ. وأوجبت عَنهُ فِيمَا كتبناه عَلَيْهِ بِجَوَاز أَن الْمَيِّت أَبرَأَهُ وَلم يعلم الْمَدْيُون أَنه لَا يتَوَقَّف على قبُوله إِ هـ. أَقُول: وَأجَاب عَنهُ أَيْضا فِي نور الْعين حَيْثُ قَالَ قَوْله: لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَحل نظر، لَان الْمُدَّعِي هُوَ إِيفَاء مَجْمُوع الدّين، فَلَو أُرِيد تسويته بالمحلوف عَلَيْهِ لاكتفى فِي الْحلف بِلَفْظ مَا تعلمُونَ أَن أَبَاكُم قَبضه فَزِيَادَة لفظ وَلَا شئ مِنْهُ تدل قطعا على أَن المُرَاد إِنَّمَا هُوَ دفع جَمِيع الْوُجُوه المحتملة فِي جَانب الْمُورث نظرا للْغَرِيم وشفقة عَلَيْهِ، وَيجوز أَن يكون وَجه زِيَادَة، وَلَا برِئ إِلَيْهِ احْتِمَال أَن الْغَرِيم تجوز، فَأَرَادَ بالايفاء الابراء نظرا إِلَى اتِّحَاد مآلها وَهُوَ خلاص الذِّمَّة إِ هـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الاتلاف، قَالَ فِي الخزانة: ادّعى على آخر أَنه خرق ثَوْبه، واحضر مَعَه إِلَى القَاضِي لَا يحلفهُ مَا خرقت لاحْتِمَال أَنه خرقه وَأَدَّاهُ ضَمَانه ثمَّ ينظر فِي الْخرق إِن كَانَ يَسِيرا وَضمن النُّقْصَان يحلف مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقدر من الدَّرَاهِم الَّتِي تَدعِي، وَلَا أقل مِنْهُ وَإِن لم يكن الثَّوْب حَاضرا كلفه القَاضِي بَيَان قِيمَته، وَمِقْدَار النُّقْصَان ثمَّ تترتب عَلَيْهِ الْيمن وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هدم الْحَائِط أَو فَسَاد مَتَاع أَو ذبح شَاة أَو نَحوه اه. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارٌ، لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَة مَعَ قَوْلهم فِي كتاب الايمان: الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ، مَعَ قَوْلِهِ: لَا، كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ: يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عَطَفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابا بل وَلَا من تعرض لَهُ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيّ: إِذا تَأمل المتأمل وجد التّكْرَار لتكرار الْمُدَّعِي فَلْيتَأَمَّل. إِ هـ: يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ ضِمْنًا فَيحلف الْخصم عَلَيْهَا احْتِيَاطًا. قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) فَقَالَ: الْيَمين تستوفى لحق الْمُدَّعِي فَيجب مطابقتها لدعواه وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَب، إِلَّا إِذا عرض الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا بِأَن يَقُول الْمَطْلُوب عِنْد طلب يَمِينه قد يَبِيع الشَّخْص شَيْئا ثمَّ يقايل فَيحلف حِينَئِذٍ على الْحَاصِل ط. وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (نظرا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) أَي كَمَا هُوَ نظر للْمُدَّعِي. وَهَذَا تَعْلِيل لقَوْل الامام وَالثَّالِث، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْمَتْن من التَّحْلِيف على الْحَاصِل: يَعْنِي إِنَّمَا يحلفهُ على الْحَاصِل، لَا على السَّبَب لاحْتِمَال طَلَاقه بعد النِّكَاح وإقالته بعد البيع: أَي وأدائه أَو إبرائه بعد الْغَصْب، وتزوجه بعد الابانة وَلَو بعد زوج آخر فِي الْحُرْمَة الغليظة، فَلَو حلف على السَّبَب لَكَانَ حانثا، وَلَو ادّعى الْوَاقِع بعد السَّبَب لكلف إثْبَاته فيتضرر بذلك، فَكَانَ فِي التَّحْلِيف على الْحَاصِل نظر للْمُدَّعى عَلَيْهِ. قَوْله: (لاحْتِمَال طَلَاقه) أَي فِي دَعْوَى النِّكَاح. قَوْله: (وإقالته) أَي فِي البيع وإدانته أَو إبرائه بعد الْغَصْب وتزوجه بعد الابانة. وَالْحَاصِل: أَن الْيَمين كَمَا تقدم شرعت لرجاء النّكُول، فَإِذا حلف على السَّبَب الَّذِي يرْتَفع برافع فنكل وَأقر بِالسَّبَبِ ثمَّ ادّعى الرافع لَا يقبل مِنْهُ قيتضرر، بِخِلَاف مَا إِذا حلف على الْحَاصِل فَإِن فِيهِ نظرا إِلَيْهَا. قَوْله: (على السَّبَب) بِأَن يحلفهُ بِاللَّه مَا اشْتريت هَذِه الدَّار وَمَا هِيَ مُطلقَة مِنْك بَائِنا فِي الْعدة، وَتقدم تَفْصِيله موضحا فَارْجِع إِلَيْهِ. قَوْله: (كدعوى شُفْعَة بالجوار وَنَفَقَة مبتوتة) قيد بهما لَان فِي الشُّفْعَة بِالشّركَةِ وَنَفَقَة الرَّجْعِيّ يسْتَحْلف على الْحَاصِل عِنْدهمَا، وَعند أبي يُوسُف على السَّبَب إِلَّا إِذا عرض كَمَا سبق. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (لكَونه شافعيا) ظَاهر كَلَام الْخصاف والصدر الشَّهِيد أَن معرفَة كَون الْمُدعى عَلَيْهِ شافعيا إِنَّمَا هُوَ بقول الْمُدَّعِي، وَلَو تنَازعا فَالظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا اعْتِبَار بقول الْمُدعى عَلَيْهِ. بَحر: أَي سَوَاء كَانَ فِي جَمِيع الْمسَائِل أَو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، حَتَّى لَو كَانَ حنفيا لحلف على السَّبَب لاحْتِمَال أَن يقْصد تَقْلِيد الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْد الْحلف، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُحَلِّفُ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 الْحَاصِلِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلَا شُفْعَة مثلا فَيُضَيِّعُ النَّفْعَ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَبَانَهَا وَمَا اشْترى ظَهَرَ النَّفْعُ، وَرِعَايَةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَاحْتِمَالُ سُقُوطِهِ بِعَارِض موهوم، والاصل عَدمه حَتَّى يقوم الدَّلِيل على الْعَارِض. قَالَ تَاج الشَّرِيعَة: حكى عَن القَاضِي أبي عَليّ النَّسَفِيّ أَنه قَالَ: خرجت حَاجا فَدخلت على القَاضِي أبي عَاصِم فَإِنَّهُ كَانَ يدرس وخليفته يحكم، فَوَافَقَ جلوسي أَن امْرَأَة ادَّعَت على زَوجهَا نَفَقَة الْعدة وَأنكر الزَّوْج، فحلفه بِاللَّه مَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة من الْوَجْه الَّذِي تَدعِي، فَلَمَّا تهَيَّأ الرجل ليحلف نظرت إِلَى القَاضِي، فَعلم أَنِّي لماذا نظرت، فَنَادَى خَلِيفَته فَقَالَ: سل الرجل من أَي محلّة هُوَ؟ حَتَّى إِن كَانَ من أصَاب الحَدِيث حلفه بِاللَّه مَا هِيَ مُعْتَدَّة مِنْك، لَان الشَّافِعِي لَا يرى النَّفَقَة للمبتوتة، وَإِن كَانَ من أَصْحَابنَا حلفه بِاللَّه مَا لَهَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة إِلَيْهَا من الْوَجْه الَّذِي تدعى نظرا لَهَا أهـ. قَوْله: (فيتضرر الْمُدَّعِي) فَإِن قلت: التَّحْلِيف على السَّبَب روعي فِيهِ جَانب الْمُدَّعِي، وَلَا نظر فِيهِ للْمُدَّعى عَلَيْهِ لانه قد يثبت البيع وَالشِّرَاء، وَلَا شُفْعَة بِأَن يُسَلِّمهَا الْمُدَّعِي أَو يسكت عَن الطّلب. وَالْجَوَاب: أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَر بِأَحَدِهِمَا، ورعاية جَانب الْمُدَّعِي أولى، لَان سَبَب وجوب الْحق لَهُ وَهُوَ الشِّرَاء إِذا ثَبت ثَبت الْحق لَهُ، وثبوته إِنَّمَا يكون بِأَسْبَاب عارضة فصح التَّمَسُّك بالاصل حَتَّى يقوم دَلِيل على الْعَارِض كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (وَأما مَذْهَب الْمُدَّعِي فَفِيهِ خلاف) فَقيل لَا اعْتِبَار بِهِ أَيْضا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار لمَذْهَب القَاضِي، فَلَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا وَقيل لَا. قَوْله: (والاوجه أَن يسْأَله) أَي الْمُدَّعِي. قَوْله: (هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ أَوْ لَا) فَإِن قَالَ اعتقدها يحلف على الْحَاصِل، وَإِن كَانَ لَا يعتقدها يحلف على السَّبَب. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) أَي تبعا للبحر: وَالَّذِي يظْهر القَوْل بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَار بِمذهب الْمُدعى عَلَيْهِ بل لمَذْهَب القَاضِي كَمَا هُوَ أحد الاقوال الثَّلَاثَة، حَتَّى لَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا أَلا يرى أَن أهل الذِّمَّة إِذا تحاكموا إِلَيْنَا نحكم عَلَيْهِم بمعتقدنا فَهَذَا أولى فَلْيتَأَمَّل. على أَن قُضَاة زَمَاننَا مأمورون بالحكم بِمذهب سيدنَا أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى من السُّلْطَان عز نَصره. قَوْله: (لعدم تكَرر رقّه) لَان الْمُرْتَد لَا يسترق وَإِن لحق بدار الْحَرْب، لانه لَو ظفر بِهِ فموجبه الْقَتْل فَقَط إِن لم يسلم كَمَا مر فِي بَابه، وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بِإِسْلَامِهِ حَال ادعوى عملا باستصحاب الْحَال كَمَا فِي مَسْأَلَة الطاحون. قَوْله: (على الْحَاصِل) فَيحلف السَّيِّد على أَنه بَيْنكُمَا عتق قَائِم الْآن لَا مَا أَعتَقته لجَوَاز أَنه أعْتقهُ فلحق ثمَّ عَاد إِلَى رقّه فيتضرر بِصُورَة هَذَا الْيَمين، وَكَذَا يُقَال فِي الامة ط. قَوْله: (وَصَحَّ فدَاء الْيَمين) أَي بِمثل الْمُدَّعِي، أَو أقل. حموي. مِثَاله إِذا توجه حلف على الْمُدعى عَلَيْهِ أعْطى الْمُدَّعِي مثل الْمُدَّعِي أَو أقل صَحَّ. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 (وَالصُّلْح مِنْهُ) أَي على شئ أقل من الْمُدَّعِي، لَان مبْنى الصُّلْح على الحطيطة. حموي. فَيكون الْفِدَاء أَعم من الصُّلْح وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج إِلَى نُكْتَة، وَظَاهر مَا قَرَّرَهُ الشَّارِح أَن أَخذ المَال فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح عَن الْيَمين إِنَّمَا يحل إِذا كَانَ الْمُدَّعِي محقا ليَكُون الْمَأْخُوذ فِي حَقه بَدَلا كَمَا فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار، فَإِن كَانَ مُبْطلًا لم يجز. اهـ. بَحر. قَوْله: (لحَدِيث ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم) قَالَ الْحَمَوِيّ: لما رُوِيَ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه افتدى يَمِينه بِمَال، وَكَذَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ افتدى يَمِينه حِين ادّعى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ درهما، فَقيل أَلا تحلف وَأَنت صَادِق؟ فَقَالَ أَخَاف أَن يُوَافق قدر يَمِيني فَيُقَال هَذَا بِيَمِينِهِ الكاذبة. ولان فِيهِ صون عرضه وَهُوَ مستحسن عقلا وَشرعا، ولانه لَو حلف يَقع فِي القيل والقال، فَإِن النَّاس بَين مُصدق ومكذب، فَإِذا افتدى بِيَمِينِهِ فقد صان عرضه وَهُوَ حسن. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم. قَوْله: (أَي ثَابت) الاولى أَن يُقَال: أَي لَازم من جِهَة الحزم والمروءة وصيانة الْعرض: أَي متأكد الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْوَاجِب الْعرفِيّ لَا الشَّرْعِيّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة. نعم هُوَ غير وَاجِب شرعا لما علل بِهِ. قَوْله: (بِدَلِيل جَوَاز الْحلف صَادِقا) وَقد وَقع من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَعْلِيما وتشريعا. قَوْله: (وَلَا يحلف) بِالتَّشْدِيدِ من التَّحْلِيف: أَي لَيْسَ للْمُدَّعِي أَن يحلفهُ بعده. قَوْله: (لانه) أَي لَان الْمُدَّعِي أسقط حَقه فِي الْيَمين بِأخذ الْفِدَاء أَو الصُّلْح عَنهُ. قَوْله: (أسقط) الَّذِي فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ. قَوْله: (حَقه) أَي حق خصومته بِأخذ المَال مِنْهُ. قَوْله: (لَو أسْقطه أَي الْيَمين) ذكر بِاعْتِبَار كَون الْيَمين قسما وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنّثَة. قَوْله: (أَو تركته عَلَيْهِ) الاوضح أَو تركته لَك ليناسب الْخطاب قبله وَلَا يظْهر التَّعْبِير بعلى. قَوْله: (بِخِلَاف الْبَرَاءَة عَن المَال) أَي فَإِنَّهَا لَهُ فيستقل بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَكَذَا عَن الدَّعْوَى: أَي فَيصح لانه حَقه. قَوْله: (لَان التَّحْلِيف للْحَاكِم) أَي هُوَ حق الْحَاكِم، حَتَّى لَو حلفه الْمُدَّعِي، وَلَو عِنْد الْحَاكِم لَا يعْتَبر كَمَا تقدم فَلَا يَصح الابراء عَن حق غَيره، وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح اسْتِحْسَانًا على خلاف الْقيَاس بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره، ولان بِالْفِدَاءِ وَالصُّلْح يَأْخُذهُ الْمُدَّعِي على أَنه هُوَ مَا يَدعِيهِ على زَعمه أَو صلحا عَنهُ فَتسقط دَعْوَاهُ، فَيسْقط الْيَمين ضمنا لَا قصدا. قَوْله: (لعدم ركن البيع) وَهُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ فَلم يجز، لَكِن لَا يظْهر تَعْلِيل الشَّارِح فِيمَا ذكر، لَان الَّذِي سبق لَهُ فِي أول البيع بِأَن المَال مَحل البيع على أَن عبارَة الدُّرَر خلية عَن ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لَان الشِّرَاء عقد تمْلِيك المَال بِالْمَالِ، وَالْيَمِين لَيست بِمَال وَحِينَئِذٍ فعبارة الدُّرَر أظهر. فَتَأمل. ولانه إِسْقَاط للْيَمِين قصدا وَالْمُدَّعِي لَا يملكهُ، لانه لَيْسَ حَقًا لَهُ بل للْقَاضِي كَمَا مر بِخِلَاف الاول، فَإِن الْفِدَاء وَالصُّلْح وَقع عَن الْمُدَّعِي وَهُوَ حق الْمُدَّعِي على زَعمه. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن عِنْد حَاكم أَو مُحكم لانه حِينَئِذٍ غير مُعْتَبر، وَكَذَا إِذا كَانَ عِنْد أَحدهمَا، لَكِن بتحليف الْمُدَّعِي لَا الْحَاكِم أَو لم يبرهن لعدم ثُبُوت التَّحْلِيف قَوْله: (فَلهُ تَحْلِيفه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 أَي تَحْلِيف الْمُدَّعِي لما سبق من أَن التَّحْلِيف للْحَاكِم، فَإِذا وَقع عِنْد غَيره لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم دينوي. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَبَرْهَنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي كَذَا يقبل، وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ إذْ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ اسْتَحَقَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ. وَقَوْلُهُ أَبْرَأَنِي إلَخْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ فَلَا يُسْمَعُ، وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك ثُمَّ ادَّعِ مَا شِئْت، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، إذْ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِهِ وَالْإِقْرَارُ جَوَابٌ، وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ مُسْقِطٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ كَمَا يحلف على دَعْوَى التَّحْلِيف، وَإِلَيْهِ مَال مح، وَعَلِيهِ أَكثر قُضَاة زَمَاننَا اهـ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَاسْتَحْلَفَهُ: أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي جَازَ انْتَهَتْ. وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الايهام فَتنبه. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. وَنقل أَيْضا عَن الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا المَال عَنهُ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى، وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ انْدفع الدَّعْوَى، وَإِن حلف لزمَه الْمَالُ، لِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى المَال. اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ وَإِلَّا يُبَرْهِنُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ تَحْلِيف الْمُدَّعِي الاول تَأمل. قَوْله: (قلت وَلم أر الخ) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَجَدْت فِي هَامِشِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعلمَاء مَا نَصه: قَدْ رَأَيْتهَا فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَة من فَتَاوَى الكرنبشي معزيا الاول قَضَاءِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَعْوَى وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَمَّا عَرَضَ القَاضِي الْيَمين عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت بِالطَّلَاق أَن لَا أَحْلِفُ أَبَدًا، وَالْآنَ لَا أَحْلِفُ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْيَمين ثَلَاثًا ثمَّ يحكم عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بِهَذَا الْيَمِينِ اهـ. قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ مُحَرر لانه ناكل عَن الْيَمين فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، لَان الَّذِي تقدم أَن الآفة إِنَّمَا هِيَ قيد فِي السُّكُوت لَا فِي قَوْله لَا أَحْلف لَو فرض إِن هَذَا من الآفة. وَسبق عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْحَاصِل، أَو على السَّبَب، فمراعاة جَانب الْمُدَّعِي أولى، فعلى هَذَا لَا يُعَزّر بِدَعْوَاهُ بِالْحلف بِالطَّلَاقِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الضَّرَرَ بِنَفسِهِ بإقدامه على الْحلف بِالطَّلَاق كَمَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود. وَأَقُول: لَو كَانَ ذَلِك حجَّة صَحِيحَة لتحيل بِهِ كل من تَوَجَّهت عَلَيْهِ يَمِين فَيلْزم ضَيَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَمُخَالَفَةُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ على من أنكر فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم. بَاب التَّحَالُف التَّحَالُف من الْحلف بِفَتْح الْحَاء: وَهُوَ الْقسم وَالْيَمِين، فَيكون مَعْنَاهُ التقاسم، وَأما الْحلف بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْعَهْد. وَفِي الْبَحْر عَن الْقَامُوس: تحالفوا تَعَاهَدُوا. وَفِي الْمِصْبَاح: الحليف الْمعَاهد، يُقَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 مِنْهُ: تحَالفا: تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية، وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا وَإِنَّمَا المُرَاد حلف الْمُتَعَاقدين عِنْد الِاخْتِلَاف، يُرِيد بِهِ أَن كلا مِنْهُمَا لم يذكر التَّحَالُف بِمَعْنى التقاسم، وَهَذَا اصْطِلَاح جَدِيد من الْفُقَهَاء، وَلَا يذهب عَلَيْك أَن هَذَا غَفلَة عَن دأب أهل اللُّغَة، فَإِنَّهُم يذكرُونَ أصل الْمَادَّة فِي كل كلمة ثمَّ يفرعون عَلَيْهَا المزيدات تَارَة وَلَا يفرعون أُخْرَى، وَهنا كَذَلِك حَيْثُ فرعوا بالمزيد على الْحلف بِالْكَسْرِ، وَلم يفرعوا بِهِ على الْحلف بِالْفَتْح تدرب كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (ذكر يَمِين الِاثْنَيْنِ) ليناسب الْوَضع الطَّبْع. قَوْله: (فِي قدر ثمن) دخل فِيهِ رَأس المَال فِي السّلم كَمَا دخل الْمُسلم فِيهِ فِي الْمَبِيع. بَحر. قَوْله: (أَو وَصفه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِدَرَاهِم رائجة وَادّعى المُشْتَرِي أَنه بِدَرَاهِم فَاسِدَة. قَوْله: (أَو جنسه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ، وَكَذَا لَو اخْتلفَا فِي جنس العقد كَالْهِبَةِ وَالْبيع على الْمُخْتَار فيهمَا. قَوْله: (أَو فِي قدر مَبِيع) وَلم يتَعَرَّض للِاخْتِلَاف فِي وَصفه أَو جنسه لانه لَا يُوجب التَّحَالُف، بل القَوْل فِيهِ للْبَائِع مَعَ يَمِينه، صرح بالاول فِي الظَّهِيرِيَّة على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد ذكر الشَّارِح لَهُ، وَلم أر من صرح بِالثَّانِي، وَلَكِن يدْخل تَحت الِاخْتِلَاف فِي أصل البيع. تدبر. قَوْله: (لانه نور دَعْوَاهُ بِالْحجَّةِ) وَبَقِي فِي الآخر مُجَرّد الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة أقوى لانها تلْزم الحكم على القَاضِي، بِخِلَاف الدَّعْوَى. وَفِي الْبَحْر عَن الْمِصْبَاح، الْبُرْهَان: الْحجَّة وإيضاحها. قيل النُّون زَائِدَة، وَقيل أَصْلِيَّة. وَحكى الازهري الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي بَاب الثلاثي: النُّون زَائِدَة، وَقَوله برهن فلَان مولد، وَالصَّوَاب أَن يُقَال أَبرَأَهُ إِذا جَاءَ بالبرهان كَمَا قَالَ ابْن الاعرابي. وَقَالَ فِي بَاب الرباعي: برهن: إِذا أَتَى بِحجَّة اهـ. قَوْله: (وَإِن برهنا فلمثبت الزِّيَادَة) بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا. حموي. إِذْ لَا مُعَارضَة أَي فِي الزِّيَادَة: أَي إِن برهن كل مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ حكم لمن أثبت الزِّيَادَة، وَهُوَ البَائِع إِن اخْتلفَا فِي قدر الثّمن، وَالْمُشْتَرِي إِن اخْتلفَا فِي قدر الْمَبِيع، هَذَا مُقْتَضى ظَاهر كَلَامه. وَكَذَا إِذا اخْتلفَا فِي وصف الثّمن أَو جنسه، وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ حكم لمثبت وصف أَو جنس اقْتضى زِيَادَة، وَهَذَا مُقْتَضى سِيَاق كَلَامه وسياقه أَيْضا حَيْثُ صرح فِي بَيَان اخْتِلَاف الاجل بِأَن التَّحَالُف يجْرِي فِي الِاخْتِلَاف فِي وصف الثّمن أَو جنسه. تدبر. قَوْله: (إِذْ الْبَينَات للاثبات) ومثبت الاقل لَا يُعَارض مُثبت الاكثر، ولان النَّافِي مُنكر ويكفيه الْيَمين فَلَا حَاجَة لبينته، بِخِلَاف مدعي الزِّيَادَة لانه مُدع حَقِيقَة، وَلَا يعْطى بِدَعْوَاهُ بِلَا برهَان. وَفِي الزَّيْلَعِيّ، قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بعبدك هَذَا وَقَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَة دِينَار وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى لانها تثبت الْحق لَهُ فِيهِ والاخرى تنفيه، وَالْبَيِّنَة للاثبات دون النَّفْي. قَوْله: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ جَمِيعًا بِأَن ادّعى البَائِع أَكثر مِمَّا يَدعِيهِ المُشْتَرِي من الثّمن، وَادّعى المُشْتَرِي أَكثر مِمَّا يقر البَائِع من الْمَبِيع فِي حَالَة وَاحِدَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع، لَان حجَّة البَائِع فِي الثّمن أَكثر إِثْبَاتًا وَحجَّة المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع أَكثر إِثْبَاتًا. دُرَر. وَصُورَة فِي الْعِنَايَة بِمَا إِذا قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بِمِائَة دِينَار وَقَالَ المُشْتَرِي بعتنيها وَأُخْرَى مَعهَا بِخَمْسِينَ دِينَارا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة فهما جَمِيعًا للْمُشْتَرِي بِمِائَة دِينَار. قيل هَذَا قَول أبي حنيفَة آخرا، وَكَانَ يَقُول أَولا وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 قَول زفر: يقْضِي بهما للْمُشْتَرِي بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا. قَوْله: (لَو فِي الثّمن) يجب إِسْقَاط لَو هُنَا، وَفِي قَوْله لَو فِي الْمَبِيع ح. لَان فِي زِيَادَة لَو هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خللا، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا، فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوْلَى، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى نَظَرًا إلَى زِيَادَة الاثبات. مدنِي. قَوْله: (فِي الصُّور الثَّلَاث) فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا. قَوْله: (فَإِن رَضِي كل بمقالة الآخر فِيهَا) بِأَن رَضِي البَائِع بِالثّمن الَّذِي ذكره المُشْتَرِي عِنْد الِاخْتِلَاف فِيهِ أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ذكره البَائِع إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ، أَو رَضِي كل بقول الآخر إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فيهمَا. والاولى فِي التَّعْبِير أَن يَقُول: فَإِن تَرَاضيا على شئ بِأَنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ رَضِيَ كُلٌّ بِقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فيهمَا، لَان مَا ذكره الشَّارِح لَا يَشْمَل إِلَّا صُورَة الِاخْتِلَاف فيهمَا، فَتَأمل. قَول: (وَإِن لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) قيد بِهِ للاشارة إِلَى أَن القَاضِي يَقُول لكل مِنْهُمَا: إِمَّا أَن ترْضى بِدَعْوَى صَاحبك وَإِلَّا فسخنا البيع، لَان الْقَصْد قطع الْمُنَازعَة، وَقد أمكن ذَلِك بِرِضا أَحدهمَا بِمَا يَدعِيهِ الآخر، فَيجب أَن لَا يعجل القَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يسْأَل كلا مِنْهُمَا بِمَا يختاره كَمَا فِي الدُّرَر، وَهَذَا قياسي إِن كَانَ قبل الْقَبْض لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر، واستحساني بعده لَان المُشْتَرِي لَا يَدعِي شَيْئا لَان الْمَبِيع سلم لَهُ. بَقِي دَعْوَى البَائِع فِي زِيَادَة الثّمن وَالْمُشْتَرِي يُنكره، فَكَانَ يَكْفِي حلفه لَكِن عَرفْنَاهُ بِحَدِيث إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وترادا. قَالَ فِي الاشباه: وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا فَحلف كل بِعِتْقِهِ على صدق دَعْوَاهُ، فَلَا تحالف وَلَا فسخ وَيلْزم البيع وَلَا يعْتق، وَالْيَمِين على المُشْتَرِي كَمَا فِي الْوَاقِعَات. اهـ. وَيلْزم من الثّمن مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لانه مُنكر الزِّيَادَة، لَان البَائِع قد أقرّ أَن العَبْد قد عتق. قَوْله: (تحَالفا) أَي اشْتَركَا فِي الْحلف. قُهُسْتَانِيّ. وَظَاهر كَلَامهم وَمَا سَيَأْتِي أَنه يَقع أَيْضا على الْحلف مِنْهُمَا. قَوْله: (مَا لم يكن فِيهِ خِيَار) أَي لاحدهما. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَأَشَارَ بعجزهما إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِهَذَا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرط لَا يَتَحَالَفَانِ. اهـ. وَالْبَائِع كالمشتري وَظَاهره أَنه يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْفَسْخ، فَلَو أَبى يجْبر وَيُحَرر. وَالْمَقْصُود أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نقلا. بَحر. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ دَائِمًا فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَيفْسخ) لانه يَسْتَغْنِي عَن التَّحَالُف حِينَئِذٍ. قَوْله: (وَبَدَأَ) أَي القَاضِي بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي: أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شرح ابْن الْكَمَال، وَكَذَا فِي صُورَتي الِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف وَالْجِنْس. قَوْله: (لانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 البادئ بالانكار) لانه يُطَالب أَولا بِالثّمن وَهُوَ يُنكره، ولاحتمال أَن ينكل فتتعجل فَائِدَة نُكُوله بإلزامه الثّمن، وَلَو بَدَأَ بِيَمِين البَائِع فنكل تَأَخَّرت مُطَالبَته بِتَسْلِيم الْمَبِيع حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحَالُفِ فِي الثَّمَنِ، أَمَّا فِي الْمَبِيعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجّر، وَإِلَى ذَلِك أَوْمَأ الْقُهسْتَانِيّ وَبحث مثل هَذَا الْعَلامَة الرَّمْلِيّ. قَوْله: (هَذَا) أَي البدء بِيَمِين المُشْتَرِي. قَوْله: (مقايضة) وَهِي بيع سلْعَة بسلعة. قَوْله: (أَو صرفا) هُوَ بيع ثمن بِثمن. قَوْله: (فَهُوَ مُخَيّر) لَان كلا مِنْهُمَا فيهمَا مُشْتَر من وَجه فاستويا فَيُخَير القَاضِي، ولانهما يسلمان مَعًا فَلم يكن أَحدهمَا سَابِقًا. قَوْله: (وَقيل يقرع ابْن ملك) هَذَا رَاجع إِلَى مَا قبل فَقَط لَا إِلَى المقايضة وَالصرْف لانه لم يحك فيهمَا خلافًا. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَبَدَأَ بِيَمِين المُشْتَرِي عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَزفر وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يبْدَأ بِيَمِين البَائِع وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَقيل يقرع بَينهمَا فِي الْبدَاءَة اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْيِ) بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ وَالله مَا بَاعه بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَاهُ بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الاول وَلَقَد بِعته بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الثَّانِي وَلَقَد بَاعَنِي بِأَلف، لَان الايمان على ذَلِك وضعت، أَلا ترى أَنه اقْتصر عَلَيْهِ فِي الْقسَامَة بقَوْلهمْ مَا قتلنَا وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا. وَالْمعْنَى: أَن الْيَمين تجب على الْمُنكر وَهُوَ النَّافِي فَيحلف على هَيْئَة النَّفْي إشعارا بِأَن الْحلف وَجب عَلَيْهِ لانكاره، وَإِنَّمَا وَجب على البَائِع وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر. قَوْله: (فِي الاصح) إِشَارَة إِلَى تَضْعِيف مَا فِي الزِّيَادَات بِضَم الاثبات إِلَى النَّفْي تَأْكِيدًا، وَعبارَته: يحلف البَائِع بِاللَّه مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلف. قَالَ فِي الْمنح: والاصح الِاقْتِصَار على النَّفْي لَان الايمان على ذَلِك وضعت. قَوْله: (بِطَلَب أَحدهمَا) وَهُوَ الصَّحِيح، لانهما لما حلفا لم يثبت مدعي كل مِنْهُمَا فَبَقيَ بيعا بِثمن مَجْهُول، فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة. وَفرع عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوط بقوله: فَلَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الْمَبِيعَة بعد التَّحَالُف، وَقبل الْفَسْخ يحل لانها لم تخرج عَن ملكه مَا لم يفْسخ القَاضِي. دُرَر. وَفسخ القَاضِي لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو فسخاه انْفَسَخ، لَان الْحق لَهما، وَظَاهره أَن فسخ أَحدهمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَبِهِ. بَحر وحموي. وَقَوله فِي الدُّرَر: لَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الخ يُفِيد أَن وطأه لَا يمْنَع من ردهَا بعد الْفَسْخ للتحالف، بِخِلَاف مَا لَو ظهر بهَا عيب قديم بعد الوطئ حَيْثُ لَا يملك ردهَا، وَإِنَّمَا يرجع بِالنُّقْصَانِ إِلَّا إِذا وطئ لاختبار بَكَارَتهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَنزع من سَاعَته وَلم يلبث اهـ. فَيُفَرق بَين هَذَا وَاللّعان، وَهُوَ أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا تلاعنا فَالْقَاضِي يفرق بَينهمَا طلبا التَّفْرِيق أَو لم يطلباه، لَان حُرْمَة الْمحل قد ثبتَتْ شرعا للعان على مَا قَالَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا وَهَذِه الْحُرْمَة حق الشَّرْع، وَأما العقد وفسخه فحقهما بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تحَالفا وترادا. قَوْله: (أَو طلبهما) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه بالاولى. قَوْله: (وَلَا يَنْفَسِخ بالتحالف) فِي الصَّحِيح: أَي بِدُونِ فسخ القَاضِي لانهما لما حلفا لم يثبت مدعاهما فَيبقى بيعا مَجْهُولا فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة، أَو أَنه لما لم يثبت بدل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 يبْقى بيعا بِلَا بدل، وَهُوَ فَاسد فِي رِوَايَة، وَلَا بُد من الْفَسْخ فِي الْفَاسِد اهـ. حموي. قَوْله: (وَلَا بِفَسْخ أَحدهمَا) لبَقَاء حق الآخر وَلَا ولَايَة لصَاحبه عَلَيْهِ، بِخِلَاف القَاضِي فَإِن لَهُ الْولَايَة الْعَامَّة. قَوْله: (بل بفسخهما) أَي بِلَا توقف على القَاضِي لَان لَهما الْفَسْخ بِدُونِ اخْتِلَاف فَكَذَا مَعَه، فَكَمَا ينْعَقد البيع بتراضيهما يَنْفَسِخ بِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى قَضَاء. قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا توقف عَلَى الْقَاضِي، وَأَنَّ فَسْخَ أَحَدِهِمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَب أَحدهمَا. قَوْله: (لزمَه دَعْوَى الآخر) لانه جعل باذلا فَلم تبْق دَعْوَاهُ مُعَارضَة لدعوى الآخر فَلَزِمَ القَوْل بِثُبُوتِهِ. منح: أَي بِثُبُوت مدعي الآخر. قَوْله: (بِالْقضَاءِ) مُتَعَلق بقوله لزم: أَي لَا بِمُجَرَّد النّكُول، بل إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء. قَالَ فِي التَّبْيِين: لانه بِدُونِ اتِّصَال الْقَضَاء بِهِ لَا يُوجب شَيْئا، أما على اعْتِبَار الْبَذْل فَظَاهر، وَأما على اعْتِبَار أَنه إِقْرَار فُلَانُهُ إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة الْبَذْل فَلَا يكون مُوجبا بِانْفِرَادِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَسَيَأْتِي متناف. قَوْله: (وَهَذَا كُله) أَي من التَّحَالُف وَالْفَسْخ. قَوْله: (كاختلافهما فِي الزق) أَي الظّرْف بِأَن بَاعه التَّمْر فِي زق ووزنه مائَة رَطْل ثمَّ جاءز بالزق فَارغًا ليَرُدهُ على صَاحبه وَزنه عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ. وَفِيهِ الْقَوْلُ قَول الْقَابِض، وَإِن كَانَ فِي ضمنه اخْتِلَاف فِي الثّمن لم يُعْتَبَرْ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقع مُقْتَضى اخْتِلَافهمَا فِي الزق. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي) لَان القَوْل قَول الْقَابِض أَمينا كَانَ أَو ضمينا. قَوْله: (وَلَا تحالف) وَإِن لزم فِي ضمنهما الِاخْتِلَاف فِي الثّمن فالبائع يَجعله تسعين وَالْمُشْتَرِي ثَمَانِينَ، لكنه لَيْسَ مَقْصُودا، بل وَقع فِي ضمن اخْتِلَافهمَا فِي الزق. وَفِي الْبَحْر من البيع الْفَاسِد: وَلَو رد المُشْتَرِي الزق وَهُوَ عشرَة أَرْطَال فَقَالَ البَائِع الزق غَيره وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوض فَالْقَوْل قَول الْقَابِض ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَة اهـ. قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي وصف الْمَبِيع) مُحْتَرز قَوْله سَابِقًا أَو وَصفه أَي الثّمن. وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْوَصْف فَإِن كَانَ وصف الثّمن تحَالفا وَإِن كَانَ وصف الْمَبِيع فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف. قَوْله: (فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف) لَان اخْتِلَافهمَا لَيْسَ فِي الْبَدَل، لَكِن المُشْتَرِي يَدعِي اشْتِرَاط أَمر زَائِد وَالْبَائِع يُنكره وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ. قَوْله: (لكَونه لَا يخْتل بِهِ قوام العقد) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأشبه الِاخْتِلَاف فِي الْحَط والابراء. قَوْله: (نَحْو أجل) أطلقهُ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِهِ وَقَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزَّائِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ وَخَرَجَ الِاخْتِلَافُ فِي مُضِيِّهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ. كَذَا فِي النِّهَايَة. بَحر. قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَقَوله والاجل: أَي فِي أَصله أَو فِي قدره أَو فِي مضيه أَو فِي قدره ومضيه، فَفِي الاولين: القَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه. وَفِي الثَّالِث: القَوْل قَول المُشْتَرِي. وَفِي الرَّابِع: القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي الْمُضِيّ وَقَول البَائِع فِي الْقدر. وَبَاقِي التَّفْصِيل فِيهَا وَفِي غَايَة الْبَيَان. وَمِنْه: مَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه اشْترى بِشَرْط كَونه كَاتبا أَو خبازا فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِيمه. وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ مَا لَوْ اخْتلفَا فِي الاجل فِي السَّلَمِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِمُدَّعِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فِيهِ شَرْطٌ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ، فَكَانَ القَوْل لنا فِيهِ. اهـ. وَفِيه عَن الظَّهِيرِيَّة: قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي رجلَيْنِ تبَايعا شَيْئا وَاخْتلفَا فِي الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت هَذَا الشئ بِخَمْسِينَ درهما إِلَى عشْرين شهرا على أَن أؤدي إِلَيْك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا وَقَالَ البَائِع بعتكه بِمِائَة دِرْهَم إِلَى عشرَة أشهر على أَن تُؤدِّي إِلَيّ كل عشرَة دَرَاهِم وَأَقَامَا الْبَيِّنَة. قَالَ مُحَمَّد: تقبل شَهَادَتهمَا وَيَأْخُذ البَائِع من المُشْتَرِي سِتَّة أشهر كل شهر عشرَة وَفِي الشَّهْر السَّابِع سَبْعَة وَنصفا ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى أَن تتمّ لَهُ مائَة، لَان المُشْتَرِي أقرّ لَهُ بِخَمْسِينَ درهما على أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا، وَبرهن دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة بِزِيَادَة خمسين على أَن يَأْخُذ من هَذِه الْخمسين مَعَ مَا أقرّ لَهُ بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر عشرَة، فَالزِّيَادَة الَّتِي يدعيها البَائِع فِي كل شهر سَبْعَة وَنصف، وَمَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لَهُ فِي كل شهر دِرْهَمَانِ وَنصف فَإِذا أَخذ فِي كل شهر عشرَة فقد أَخذ فِي كل سِتَّة أشهر مِمَّا ادَّعَاهُ خَمْسَة وَأَرْبَعين وَمِمَّا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي خَمْسَة عشر. بَقِي إِلَى تَمام مَا يَدعِيهِ من الْخمسين خَمْسَة، فيأخذها البَائِع مَعَ مَا يقر بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر، وَذَلِكَ سَبْعَة وَنصف ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك فِي كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى عشْرين شهرا حَتَّى تتمّ الْمِائَة. وَهَذِه مَسْأَلَة عَجِيبَة يقف عَلَيْهَا من أمعن النّظر فِيمَا ذَكرْنَاهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطِ رَهْنٍ) أَيْ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي. قَوْله: (أَو خِيَار) فَالْقَوْل لمنكره على الْمَذْهَب، وَقد ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي بَاب خِيَار الشَّرْط، وَالْمذهب مَا ذَكرُوهُ هُنَا لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ. بَحر. وَلَا فرق بَين أصل شَرط الْخِيَار، وَقدره عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة ويتحالفان عِنْد زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك كَمَا فِي البناية. قَوْله: (أَو ضَمَان) أَي ضَمَان الثّمن بِأَن قَالَ بعتكه بِشَرْط أَن يتكفل لي بِالثّمن فلَان وَأنكر المُشْتَرِي، وَمثله ضَمَان الْعهْدَة. حموي. فَالْقَوْل قَول الْمُنكر. قَوْلُهُ: (وَقَبْضِ بَعْضِ ثَمَنٍ) أَوْ حَطِّ الْبَعْضِ أَو إِبْرَاء الْكل وَقيد بِالْبَعْضِ مَعَ أَن كل الثّمن كَذَلِك لدفع وهم، وَهُوَ أَن الاخلاف فِي أصل بعض الثّمن لما أوجب التَّحَالُف كَمَا سبق ذهب الْوَهم إِلَى أَن الِاخْتِلَاف فِي قبض بعضه يُوجب ب التَّحَالُف أَيْضا فَصرحَ بِذكرِهِ دفعا لَهُ كَمَا فِي البرجندي، فَظهر أَن الْقَيْد لَيْسَ للِاحْتِرَاز بل لدفع الْوَهم وَأَرَادَ بِالْقَبْضِ الِاسْتِيفَاء، فَيشْمَل الاخذ والحط والابراء وَلَو كلا، كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة. قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جنس فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الِاخْتِلَاف فِي الْقدر فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِك الاجل فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَصْف، أَلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 ترى أَن الثّمن مَوْجُود بعد مضيه فَالْقَوْل لمنكر الْخِيَار والاجل مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ. بَحر. قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: ولان أصل الثّمن حق البَائِع والاجل حق المُشْتَرِي، وَلَو كَانَ وَصفا لَهُ لتبع الاصل وَكَانَ حَقًا للْبَائِع، وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا خلاف الْمَعْقُول، لانه اسْتِدْلَال بِبَقَاء الْمَوْصُوف على بَقَاء الصّفة، وَالصّفة قد تَزُول مَعَ بَقَاء الْمَوْصُوف بِأَن تنزل صِفَاته، فعندكم البيع يَقع بِثمن ثمَّ يُزَاد أَو ينقص مَعَ بَقَائِهِ. اهـ. تَأمل. قَوْله: (وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ: يَتَحَالَفَانِ) أَي فِي الْمسَائِل الثَّلَاثَة وَهِي الاجل وَالشّرط وَقبض بعض الثّمن، وَعَلِيهِ صَاحب الْمَوَاهِب بقوله: وَإِن اخْتلفَا فِي الاجل أَو شَرط أَو قبض الثّمن لم يتحالفا عندنَا واكتفيا بِيَمِين الْمُنكر، حَيْثُ أَشَارَ بعندنا إِلَى خلاف مَالك وَالشَّافِعِيّ، وباكتفيا إِلَى خلاف زفر، فَكَانَ على الشَّارِح أَن يزِيد مَالِكًا، وَجعل الْعَيْنِيّ الْخلاف قاصرا على الاجل حَيْثُ قَالَ: وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك يَتَحَالَفَانِ فِي الاجل إِذا اخْتلفَا فِي أَصله وَقدره. قَوْله: (بعد هَلَاك البيع) أَي عِنْد المُشْتَرِي، إِمَّا إِذا هلك عِنْد البَائِع قبل قَبضه انْفَسَخ البيع ط ومعراج، وَأفَاد أَنَّهُ فِي الْأَجَلِ وَمَا بَعْدَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ. قَوْله: (أَو تعيبه بِمَا لَا يرد بِهِ) هَذَا دَاخِلٌ فِي الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مِنْهُ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ إِن عباراتهم هَكَذَا، أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: بِأَنْ زَادَ زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة إِ هـ: أَيْ زِيَادَةً مِنْ الذَّاتِ كَسِمَنٍ وَوَلَدٍ وَعُقْرٍ. قَالَ فِي غرر الافكار: أَو تغير إِلَى زِيَادَة منشؤها الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة كَوَلَد وَأرش وعقر، وَإِذا تحَالفا عِنْد مُحَمَّد يفْسخ على الْقيمَة، إِلَّا إِذا اخْتَار المُشْتَرِي رد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَلَوْ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ من حَيْثُ السّعر أَو غَيره كَانَت قبل الْقَبْض أَو بعده يتحالفات اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا: إِ هـ. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَقد صَرَّحُوا بِأَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بِالْمَبِيعِ الَّتِي تتولد من الاصل مَانِعَة من الرَّد كالغرس وَالْبناء وطحن الْحِنْطَة وشي اللَّحْم وَخبر الدَّقِيق، فَإِذا ژجد شئ من ذَلِك لَا تحالف عِنْدهمَا، خلافًا لمُحَمد، وَالله تَعَالَى أعلم. لم يذكر غَالب الشَّارِحين وَأَصْحَاب الْفَتَاوَى اخْتِلَافهمَا بعد الزِّيَادَة وَلَا بعد موت الْمُتَعَاقدين أَو أَحدهمَا، مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَقد ذكر ذَلِك مفصلا فِي التاترخانية فَارْجِع إليبه إِن شِئْت، ثمَّ بحثت فِي الْكتب فَرَأَيْت ابْن ملك قَالَ فِي شرح الْمجمع: اعْلَم أَن مَسْأَلَة التَّغَيُّر مَذْكُورَة فِي الْمَنْظُومَة وَقد أهملها المُصَنّف، ثمَّ تغيره إِلَى زِيَادَة إِن كَانَ من حَيْثُ الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة، مُتَوَلّدَة من عينهَا كَالْوَلَدِ أَو بدل الْعين كالارض والعقر يَتَحَالَفَانِ عِنْد مُحَمَّد خلافًا لَهما، وَإِذا تحَالفا يترادان الْقيمَة عِنْده، إِلَّا إِن شَاءَ المُشْتَرِي أَن يرد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَقيل: يترادان إِن رَضِي المُشْتَرِي أَو لَا. قيدنَا الزِّيَادَة بقولنَا من حَيْثُ الذَّات، لانها لَو كَانَت من حَيْثُ السّعر يَتَحَالَفَانِ، سَوَاء كَانَ قبل الْقَبْض أَو بعده، وَقَيَّدنَا بقولنَا مُتَوَلّدَة من عينهَا، لانها لَو لم تكن كَذَلِك يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي عِنْدهم جَمِيعًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 وَفِي التاترخانية: وَفِي التَّجْرِيد: وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بَين ورثتهما أَو بَين وَرَثَة أَحدهمَا وَبَين الْحَيّ: فَإِن كَانَ قبل قبض السّلْعَة يَتَحَالَفَانِ بالاجماع، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: إِلَّا أَن الْيمن على الْوَرَثَة على الْعلم. وَإِن كَانَ الْقَبْض فَكَذَلِك عِنْد مُحَمَّد، وعَلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يَتَحَالَفَانِ، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي أَو قَول ورثته بعد وَفَاته. وفيهَا وَفِي الْخُلَاصَة: رجل اشْترى شَيْئا فَمَاتَ البَائِع أَو المُشْتَرِي وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي الثّمن بَين الْحَيّ وورثة الْمَيِّت إِن مَاتَ البَائِع، فَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْوَرَثَة يَتَحَالَفَانِ، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْحَيّ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدهمَا. وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ، هَذَا إِذا مَاتَ البَائِع، فَإِن مَاتَ المُشْتَرِي والسلعة فِي بُد البَائِع يَتَحَالَفَانِ عِنْد الْكل، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد وَرَثَة المُشْتَرِي عِنْدهمَا لَا يَتَحَالَفَانِ، وعَلى قَول مُحَمَّد يَتَحَالَفَانِ وهلاك الْعَاقِد بِمَنْزِلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذكر مَسْأَلَة بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص الِاخْتِيَار والمنهاج والتغير بِالْعَيْبِ الدُّرَر وَالْغرر، وَالله تَعَالَى أعلم. وَاقعَة الْحَال: اخْتلف المُشْتَرِي مَعَ الْوَكِيل بِقَبض الثّمن، هَل يجْرِي التَّحَالُف بَينهمَا؟ وَقد كتبت الْجَواب: لَا يجْرِي إِذْ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ لَا يحلف وَإِن ملك الْخُصُومَة عِنْد الامام فَيدْفَع الثّمن الَّذِي أقرّ بِهِ لَهُ، وَإِذا حضر الْمُوكل الْمُبَاشر للْعقد وَطَلَبه بِالزِّيَادَةِ يَتَحَالَفَانِ حِينَئِذٍ إِ هـ. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الدُّرَرَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالُوهُ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت مِنْ شُمُوله الْعَيْب، وَغَيره. تَأمل. قَوْله: (وَحلف المُشْتَرِي) لانه يُنكر زِيَادَة الثّمن، فَلَو ادّعى البَائِع أَن مَا دَفعه إِلَيْهِ بعض مِنْهُ هُوَ الْمَبِيع وَالْبَاقِي وَدِيعَة يَنْبَغِي أَن يكون القَوْل فوله لانه مُنكر لتمليك الْبَاقِي، وليراجع. قَوْله: (إِلَّا إِذا اسْتَهْلكهُ البَائِع الخ) أَي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لقيان الْقيمَة مقَام الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُسْتَهْلك المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَجْعَل قَابِضا باستهلاكه وَيلْزمهُ الْمَبِيع، وَصَارَ كَمَا لَو هلك فِي يَده فَلَا تحالف، وَالْقَوْل لَهُ فِي أنكار الزِّيَادَة بِيَمِينِهِ، وَلَو اسْتَهْلكهُ البَائِع كَانَ فسخا للْبيع كَمَا لَو هلك بِنَفسِهِ، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّحَالُف، وَلذَا قَاضِي زَاده فِي قَوْله بعد هَلَاك الْمَبِيع: لَو عِنْد المُشْتَرِي، وَأَرَادَ بِغَيْر المُشْتَرِي الاجنبي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ على قيمَة الْمَبِيع كَمَا فِي التَّبْيِين وَالْبَحْر. قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِك) وَهل تعْتَبر قِيمَته يَوْم التّلف أَو الْقَبْض أَو أقلهما يُرَاجع. قَوْله: (وَهَذَا) أَي الِاقْتِصَار على يَمِين المُشْتَرِي. قَوْله: (لَو الثّمن دينا) بِأَن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا، وَإِن كَانَ عينا بِأَن كَانَ العقد مقايضة فاختلفا بعد هَلَاك أحد الْبَدَلَيْنِ يَتَحَالَفَانِ بالِاتِّفَاقِ كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح. قَوْله: (فَلَو مقايضة تحَالفا) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْبَدَلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا لَا يَتَحَالَفَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَبِيع كل مِنْهُمَا) أَي فَكَانَ العقد قَائِما بِبَقَاء الْبَاقِي مِنْهُمَا. قَوْله: (وَيرد مثل الْهَالِكِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا. قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي جنس الثّمن الخ) كألف دِرْهَم وَألف دِينَار، وَهَذَا تَشْبِيه بالمقايضة فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِلَا خلاف، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ، فَلَا بُدَّ من التَّحَالُف ف للْفَسْخ كَمَا فِي الْبَحْر، وَبِهَذَا تعلم أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قدره، إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع هَالكا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك الْمَبِيع لَا تحالف عِنْدهمَا خلافًا لمُحَمد إِذا كَانَ الثّمن دينا، وَاخْتلفَا فِي قدره أَو وَصفه، أما إِذا اخْتلفَا فِي جنسه أَو لم يكن دينا فَلَا خلاف فِي التَّحَالُف. قَوْله: (وَلَا تحالف بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ هَلَاكِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا سَيذكرُهُ قَرِيبا، لَان التَّحَالُف بعد الْقَبْض ثَبت بِالنَّصِّ على خلاف الْقيَاس، وورلاد الشَّرْع بِهِ فِي حَال قيام السّلْعَة، والسلعة اسْم لجميعها فَلَا تبقى بعد فَوَات جُزْء مِنْهَا، وَلَا يُمكن التَّحَالُف فِي الْقَائِم إِلَّا على اعْتِبَار حِصَّته من الثّمن، وَلَا بُد من الْقِسْمَة على قيمتهمَا، وَالْقيمَة تعرف بِالظَّنِّ والحزر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّحْلِيف مَعَ الْجَهْل وَذَلِكَ لَا يجوز. قَوْله: (عِنْد المُشْتَرِي) أَي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَبْضِهِمَا) فَلَوْ قَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ فِي مَوْتِهِمَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَفِي الزِّيَادَة لوُجُود الانكار من الْجَانِبَيْنِ. كِفَايَة. وَلَو عِنْد البَائِع قبل الْقَبْض تحَالفا على الْقَائِم عِنْدهم. قَوْله: (لم يتحالفا عِنْد أبي حنيفَة) أَي وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ التَّحَالُفَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِي اسْم لجَمِيع الْمَبِيع كَمَا تقدم، فَإِذا هلك بعضه انْعَدم الشَّرْط. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيّ وَيفْسخ العقد فِيهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِك، وَيكون القَوْل فِي ثمنه قَول المُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيفْسخ العقد فيهمَا، وَيرد الْحَيّ وَقِيمَة الْهَالِك كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. قَوْله: (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ أصلا) أَي لَا يَأْخُذ من ثمن الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَيَجْعَلُ الْهَالِكَ كَأَنْ لَمْ يكن وَكَأن العقد لن يكن، إِلَّا على الْحَيّ فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ فِي ثمنه وَيكون الثّمن كُله فِي مُقَابلَة الْحَيّ، وبنكول أَيهمَا لزم دَعْوَى الآخر كَمَا فِي غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَوْلُهُ: (يَتَحَالَفَانِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِ الْحَيّ فَإِن حلفا فسخ العقد فِيهِ وَأَخذه، وَلَا يُؤْخَذ من ثمن الْهَالِك وَلَا فِي قِيمَته شئ، وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر كَمَا فِي التَّبْيِين. قَوْله: (هَذَا على تَخْرِيج الْجُمْهُور) أَي صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى التَّحَالُف، وَلَفظ الْمَبْسُوط يدل على هَذَا، لَان الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عدم التَّحَالُف حَيْثُ قَالَ: لم يتحالفا إِلَّا أَن يرضى الخ. قَوْله: (وَصرف مَشَايِخ بَلخ الِاسْتِثْنَاء) أَيْ الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تحالف بعد هَلَاكه بعضه بل الْيَمين على المُشْتَرِي. قَالَ فِي غرر الافكار بعد ذكره مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى حَلِفِ الْمُشْتَرِي الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ يَعْنِي يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِك قدر مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي وَحلف، لَا الزَّائِد إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يَأْخُذ الْقَائِم، وَلَا يخاصمه فِي الْهَالِك، فَحِينَئِذٍ لَا يحلف المُشْتَرِي إِذا الْبَائِعُ أَخَذَ الْقَائِمَ صُلْحًا عَنْ جَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا الزِّيَادَة، فيتحالفان ويترادان فِي الْقَائِم إِ هـ. قَوْله: (إِلَى يَمِين المُشْتَرِي) اعْلَم أَن الْمَشَايِخ اخْتلفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء، فالعامة على أَنه منصرف إِلَى التَّحَالُف، لانه الْمَذْكُور فِي كَلَام الْقَدُورِيّ، فتقدير الْكَلَام: لم يتحالفا إِلَّا إِذا ترك البَائِع حِصَّة الْهَالِك فيتحالفان. وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه منصرف إِلَى يَمِين المُشْتَرِي الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَلَا تَحَالُفَ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي إِلَّا أَن يرضى الخ: أَي فَحِينَئِذٍ لَا يَمِين على المُشْتَرِي، لانه لما أَخذ البَائِع بقول المُشْتَرِي وَصدقه لَا يحلف المُشْتَرِي، وَيكون القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر أَن لَو كَانَ الثّمن مفصلا أَو كَانَت قيمَة الْعَبْدَيْنِ سَوَاء أَو مُتَفَاوِتَة مَعْلُومَة، أما إِذا كَانَت قيمَة الْهَالِك مَجْهُولَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 وتنازعا فِي الْقدر الْمَتْرُوك لَهَا فَلم أره، وَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي تعْيين الْقدر وَيُحَرر. ط. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك بعض الْمَبِيع أَو أخرجه المُشْتَرِي عَن ملكه لَا تحالف، وَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ فيتحالفان، فَيحلف البَائِع أَنه مَا بَاعه بِمَا يَقُول للْمُشْتَرِي، وَيحلف المُشْتَرِي بِأَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا يَقُوله البَائِع وَيفْسخ العقد بَينهمَا، وَيَأْخُذ البَائِع الْقَائِم فَقَط وَلَا شئ لَهُ سواهُ، لانه رَضِي بِإِسْقَاط حِصَّة الْهَالِك هَذَا مَا تفيده عبارَة الْمَبْسُوط، وَجعله الشَّارِح تبعا للزيلعي تَخْرِيج الْجُمْهُور، وَالَّذِي تفهمه عبارَة الْجَامِع الصَّغِير، اخْتَارَهُ مَشَايِخ بَلخ عدم التَّحَالُف مُطلقًا، وَأَن القَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ، وَأخذ الْقَائِم صلحا عَمَّا يَدعِيهِ من جملَة الثّمن وَلَا شئ لَهُ سواهُ لرضاه بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (وَلَا فِي قدر بدل كِتَابَة) أَي إِذا اخْتلف الْمولى وَالْمكَاتب، فَلَا تحالف عِنْد الامام لَان التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة، وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا فَلم يكن فِي معنى البيع، ولان فَائِدَة النّكُول ليقضى عَلَيْهِ، وَالْمكَاتب لَا يقْضى عَلَيْهِ، ولان الْبَدَل فِي الْكِتَابَة مُقَابل بفك الْحجر، وَهُوَ ملك التَّصَرُّف وَالْيَد فِيهِ للْحَالِف وَقد سلم ذَلِك لَهُ وَلَا يَدعِي على مَوْلَاهُ شَيْئا، وَقد بَينا أَن التَّحَالُف بعد الْقَبْض على خلاف الْقيَاس فَلَا يَتَحَالَفَانِ، فَيكون القَوْل قَول العَبْد لكَونه مُنْكرا، وَإِنَّمَا يصير مُقَابلا بِالْعِتْقِ عِنْد الاداء وَقَبله لَا يُقَابله أصلا. فتعليل الشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف حَيْثُ علل للامام الْقَائِل بِعَدَمِ التَّحَالُف فِي الْكِتَابَة بِأَن التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا، فَلم يكن فِي معنى البيع. وَقَالا: يَتَحَالَفَانِ وتفسخ الْكِتَابَة كَالْبيع، وَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة قبلت، وَإِن أقاماها فَبَيِّنَة الْمولى أولى لاثباتها الزِّيَادَة، لَكِن يعْتق بأَدَاء قدر مَا برهن عَلَيْهِ، وَلَا يمْتَنع وجوب بدل الْكِتَابَة بعد عتقه، كَمَا لَو كَاتبه على ألف على أَنه إِذا أدّى خَمْسمِائَة عتق، وكما لَو اسْتحق الْبَدَل بعد الاداء كَمَا فِي التَّبْيِين. قَوْله: (وَقدر رَأس مَال بعد إِقَالَة عقد السّلم) أَي بِأَن اخْتلف رب السّلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ فِي قدر رَأس المَال بعد إِقَالَة السّلم، فَقَالَ رب السّلم رَأس المَال عشرَة وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ خَمْسَة لم يتحالفا، لَان التَّحَالُف مُوجبه رفع الاقالة وعود السّلم: أَي مَعَ أَنه دين وَقد سقط والساقط لَا يعود، ولانها لَيست بِبيع بل هِيَ إبِْطَال من وَجه، فَإِن رب السّلم لَا يملك الْمُسلم فِيهِ بالاقالة بل يسْقط فَلم يكن فِيهَا معنى البيع حَتَّى يتحالفا، وَاعْتبر حَقِيقَة الدَّعْوَى والانكار وَالْمُسلم إِلَيْهِ هُوَ الْمُنكر فَكَانَ القَوْل قَوْله، وَقيد بالاختلاف بعْدهَا، لانهما لَو اخْتلفَا قبلهَا فِي قدره تحَالفا كالاختلاف فِي نَوعه وجنسه وَصِفَتِهِ، كَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْوُجُوهِ الاربعة على مَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (بل القَوْل للْعَبد وَالْمُسلم إِلَيْهِ) مَعَ يَمِينِهِمَا. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ بَعْدَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. بَحْرٌ. وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ هُنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ، إلَّا فِي إقَالَةِ السَّلَمِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَقْبَلُهَا، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِد. قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن الخ) بِأَن اشْترى أمة بِأَلف دِرْهَم وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا البيع حَال قيام الامة، ثمَّ اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن بعد الاقالة قبل أَن يقبض البَائِع الامة بِحكم الاقالة تحَالفا وَيعود البيع الاول. قَوْله: (وَلَا بَيِّنَة) أما إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 وجدت لاحدهما عمل بهَا لَهُ وَإِن برهنا، فَبَيِّنَة مُثبت الزِّيَادَة مُقَدّمَة، وَهَذَا قِيَاس مَا تقدم ط. قَوْله: (وَعَاد البيع) حَتَّى يكون البَائِع فِي الثّمن وَحقّ المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع كَمَا كَانَ قبل الاقالة، لَان التَّحَالُف قبل الْقَبْض مُوَافق للْقِيَاس لما أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدع ومنكر فيتعدى إِلَى الاقالة، وَلَا بُد من الْفَسْخ مِنْهُمَا أَو من القَاضِي. أبي السُّعُود. قَوْله: (لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَقْبُوضًا) فَلَو لم يَكُونَا مقبوضين أَو أَحدهمَا فَلَا يعود البيع وَالْقَوْل قَول مُنكر الزِّيَادَة مَعَ يَمِينه. هَذَا مَا ظهر لي ط. وَفِي مِسْكين: وَالْقَوْل للْمُنكر. قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) لانه يرى النَّص معلولا بعد الْقَبْض أَيْضا، وهما قَالَا: كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا تحالف مُطلقًا، لانه إِنَّمَا ثَبت فِي البيع الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ، والاقالة فسخ فِي حَقّهمَا إِلَّا أَنه قبل الْقَبْض على وفْق الْقيَاس، فَوَجَبَ الْقيَاس عَلَيْهِ كَمَا قسنا الاجارة على البيع قبل الْقَبْض وَالْوَارِث على الْعَاقِد وَالْقيمَة على الْعين فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي. بَحر. قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي قدر الْمهْر) كألف وألفين. هَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت مكررة، لانها ذكرت فِي بَاب الْمهْر وَتبع فِيهِ صَاحب الْهِدَايَة والكنز، وَلذَلِك لم يذكرهَا هُنَا صَاحب الْوِقَايَة، لَان محلهَا الانسب ثمَّة، إِلَّا أَن المُصَنّف ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة على تَخْرِيج الْكَرْخِي هُنَا وعَلى تَخْرِيج الرَّازِيّ ثمَّة، وَهَكَذَا فِي الْكَنْز، وَقصد مِنْهُ نُكْتَة تخرجها عَن حد التّكْرَار على مَا تقف عَلَيْهِ الْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقيد بِقدر الْمهْر، لَان الِاخْتِلَاف لَو كَانَ فِي أَصله يجب مهر الْمثل لما سبق فِي بَابه، وَالِاخْتِلَاف فِي جنسه كالاختلاف فِي قدره، إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مهر مثلهَا كقيمة مَا عينته الْمَرْأَة مهْرا أَو أَكثر فلهَا قِيمَته لَا عينه كَمَا يَأْتِي ذكره فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا. قَوْله: (أَو جنسه) كَمَا إِذا ادّعى أَن مهرهَا هَذَا العَبْد وَادعت أَنه هَذِه الْجَارِيَة فَحكم الْقدر وَالْجِنْس وَاحِد، إِلَّا فِي صُورَة وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عينهَا. بَحر. وَفِيه: لم يَذْكُرْ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةُ لَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نصف الْجَارِيَة اهـ. قَوْله: (قضى لمن أَقَامَ الْبُرْهَان) لانه نور دَعْوَاهُ بهَا، أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَلَا إشْكَالَ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى قَبُولِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمين لَا الْبَيِّنَة، فَكيف تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. قُلْنَا: هُوَ مُدَّعٍ صُورَةً لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا بِأَدَاءِ مَا أقرّ بِهِ الْمَهْرِ، وَهِيَ تُنْكِرُ وَالدَّعْوَى كَافِيَةٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمُودِعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ. مِعْرَاجٌ. قَوْله: (بِأَن كَانَ كمقالته أَو أقل) لانها تثبت الزِّيَادَة، وَبَيِّنَة الزَّوْج تَنْفِي ذَلِك والمثبت أولى، ولان الظَّاهِر يشْهد لَهُ وَبَيِّنَة الْمَرْأَة تثبت خلاف الظَّاهِر، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي الْبَينَات. قَوْله: (فبينته أولى) هَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا وَفِي بَابِ الْمهْر. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ شَيْئا لم يكن ظَاهرا بتصادقهما كَمَا فِي الْبَحْر. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَيْفَ يُفْعَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لاثباتها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 خلاف الظَّاهِر) عِلّة للمسألتين أَيْ وَالظَّاهِرِ مَعَ مَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمثل. قَوْله: (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَاهِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَينهمَا) لَيْسَ المُرَاد أَنه متوسط بَينهمَا، بل المُرَاد أَنه أقل مِمَّا ادَّعَتْهُ وَأكْثر مِمَّا ادَّعَاهُ، وَبِه عبر فِي الدُّرَر. قَوْله: (فالتهاتر) أَي التساقط: أَي فَالْحكم حِينَئِذٍ التهاتر مَعَ الهتر بِكَسْر الْهَاء وَهُوَ السقط من الْكَلَام أَو الْخَطَأ فِيهِ. عناية. قَوْله: (للاستواء) أَي فِي الاثبات، لَان بينتها تثبت الزِّيَادَة وبينته تثبت الْحَط، وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر. دُرَر. قَوْله: (وَيجب مهر الْمثل عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلتَّهَاتُرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيح التهاتر وَيجب مهر الْمثل. قَوْله: (تحَالفا) أَي عِنْد أبي حنيفَة وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر، لانه صَار مقرا بِمَا يَدعِيهِ خَصمه، أَو باذلا. دُرَر. وَعند أبي يُوسُف لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه، إِلَّا أَن يَأْتِي بشئ مستنكر لَا يتعارف مهْرا لَهَا. وَقيل هُوَ أَن يَدعِي مَا دون عشرَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْجَوْهَرَة. وَقَالَ الامام جَوَاهِر زَاده: هُوَ أَن يَدعِي مهْرا لَا يتَزَوَّج مثلهَا عَلَيْهِ عَادَة، كَمَا لَو ادّعى النِّكَاح على مائَة دِرْهَم وَمهر مثلهَا ألف. وَقَالَ بَعضهم: المستنكر مَا دون نصف الْمهْر، فَإِذا جَاوز نصف الْمهْر لم يكن مستنكرا. عَيْني. قَوْله: (وَلم يفْسخ النِّكَاح لتبعية الْمهْر) لَان أثر التَّحَالُف فِي انعدام التَّسْمِيَة وَذَا لَا يخل بِصِحَّة النِّكَاح: أَي لَان يَمِين كل مِنْهُمَا يبطل مَا يَدعِيهِ صَاحبه من التَّسْمِيَة، وَهُوَ لَا يفْسد النِّكَاح إِذْ الْمهْر تَابع فِيهِ. بِخِلَاف البيع فَإِن عدم تَسْمِيَته الثّمن يُفْسِدهُ كَمَا مر ويفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة بَينهمَا. قَوْلُهُ: (وَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ مَهْرِ الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْبَابا لانه لَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر. وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرُونَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ كتقديم المُشْتَرِي على البَائِع، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ) التسليمان: هما تَسْلِيم الزَّوْج الْمهْر، وَتَسْلِيم الْمَرْأَة نَفسهَا، وَالسَّابِق فيهمَا تَسْلِيم معجل الْمهْر، وَمَا ذكر تَخْرِيج الْكَرْخِي فَيقدم التَّحَالُف عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان فِي الْوُجُوه كلهَا: يَعْنِي فِيمَا إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا اعْترف بِهِ الزَّوْج أَو أقل مِنْهُ أَو مثل مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة أَو أَكثر مِنْهُ، أَو كَانَ بَينهمَا خَمْسَة أوجه. وَأما على تَخْرِيج الرَّازِيّ فَلَا تحالف إِلَّا فِي وَجه وَاحِد، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن مهر الْمثل شَاهدا لاحدهما، وَفِيمَا عداهُ فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا يَقُول أَو أقل، وَقَوْلها مَعَ يَمِينهَا إِذا كَانَ مثل مَا ادَّعَتْهُ أَو أَكثر. أَبُو السُّعُود عَن الْعِنَايَة. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا خَالَفَ قَوْلَهُمَا، أَمَّا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ يَحْكُمُ مهر الْمثل. وَصَححهُ فِي الْمَبْسُوط وَالْمُحِيط بِهِ جزم فِي الْكَنْز. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الاول وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَة. وَقَالَ قاضيخان إنَّهُ الْأَوْلَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِير غَيره، وَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. قَوْله: (وحيكم بِالتَّشْدِيدِ) وَهَذَا: أَعْنِي التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، لَان مهر الْمثل لَا اعْتِبَار لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ، فَلِهَذَا يقدم فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ فالتحكيم قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ. بَحْرٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا بالهم لَا يحكمون قيمَة الْمَبِيع إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن لمعْرِفَة من يشْهد لَهُ الظَّاهِر كَمَا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا مَحْظُور فِيهِ، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مهر الْمثل أَمر مَعْلُوم ثَابت بِيَقِين فَجَاز أَن يكون حكما، بِخِلَاف الْقيمَة فَإِنَّهَا تعلم بالحزر وَالظَّن فَلَا تفِيد الْمعرفَة فَلَا جعل حكما. عناية. قَوْله: (وَلَو اخْتلفَا الخ) وَجه التَّحَالُف أَن الاجارة قبل قبض الْمَنْفَعَة كَالْبيع قبل قبض الْمَبِيع فِي كَون كل من الْمُتَعَاقدين يَدعِي على الآخر وَهُوَ يُنكر، وَكَون كل من الْعقْدَيْنِ مُعَاوضَة يجْرِي فِيهَا الْفَسْخ فالتحقت بِهِ. وَاعْترض بِأَن قيام الْمَعْقُود عَلَيْهِ شَرط لصِحَّة التَّحَالُف، وَالْمَنْفَعَة مَعْدُومَة، وَأجِيب بِأَن الدَّار مثلا أُقِيمَت مقَام الْمَنْفَعَة فِي حق إِيرَاد العقد عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا قَائِمَة تَقْديرا. دُرَر. قَوْله: (فِي بدل الاجارة) أَي فِي قدرهَا بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا بِعشْرَة وَادّعى الْمُسْتَأْجر أَنه آجره بِخَمْسَة. قَوْله: (أَو فِي قدر الْمدَّة) بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا وَالْمُسْتَأْجر شَهْرَيْن. قَوْله: (قبل الِاسْتِيفَاء للمنفعة) لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَظِيرُهُ. بَحْرٌ. وَفِيه: المُرَاد بِالِاسْتِيفَاءِ التَّمَكُّن مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَبِعَدَمِهِ عَدَمُهُ لِمَا عُرِفَ أَنه قَائِم مقَامه فِي وجوب الاجر اهـ. فَلَو أبدل المُصَنّف قَوْله قبل الِاسْتِيفَاء بقوله قبل التَّمَكُّن من الِاسْتِيفَاء لَكَانَ أولى، وَأَشَارَ فِي الْبَحْر بقوله فِي وجوب الاجر إِلَى الِاحْتِرَاز عَن الاجارة الْفَاسِدَة، فَإِن أجر الْمثل إِنَّمَا يجب بِحَقِيقَة الِاسْتِيفَاء لَا بِمُجَرَّد التَّمَكُّن على مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأيهمَا برهن قبل. قَوْله: (وبدئ بِيَمِين الْمُسْتَأْجر) لانه هُوَ الْمُنكر للزِّيَادَة. فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاجِب. وَأجِيب بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ فَهُوَ الاسبق إنْكَارًا فَيَبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يمْنَع الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ. أَبُو السُّعُودِ قَوْله: (والمؤجر لَوْ فِي الْمُدَّةِ) وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ: أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ ولمستأجر شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ. بَحْرٌ. قَوْلُهُ: (وَإِن برهنا فَالْبَيِّنَة للمؤجر فِي الْبَدَل) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة، وَلَو اخْتلفَا فيهمَا فَتقدم حجَّة كل فِي زَائِد يَدعِيهِ. قَوْله: (وللمستأجر فِي الْمدَّة) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة. قَوْله: (وَبعده) أَي بعد الِاسْتِيفَاء لَا تحالف، وَالْمرَاد من الِاسْتِيفَاء التَّمَكُّن كَمَا تقدم. قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر) أَي إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الاجرة، فَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الْمدَّة كَأَن ادّعى الْمُسْتَأْجر بعد الِاسْتِيفَاء مُدَّة أَكثر مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُؤَجّر لَا يكون القَوْل للْمُسْتَأْجر بل للمؤجر، وَكَأَنَّهُم تركُوا التَّنْبِيه على ذَلِك لظُهُوره. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وَفسخ العقد فِي الْبَاقِي) لانه من الِاخْتِلَاف فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 العقد. قَوْله: (وَالْقَوْل فِي الْمَاضِي للْمُسْتَأْجر) لانه من الِاخْتِلَاف فِي الدّين وَهَذَا بالاجماع فَأَبُو يُوسُف مر على أَصله فِي هَلَاك بعض الْمَبِيع، فَإِن التَّحَالُف فِيهِ يتَقَدَّر بِقدر الْبَاقِي عِنْده، فَكَذَا هُنَا، وهما خالفا أَصلهمَا فِي الْمَبِيع، وَالْفرق لمُحَمد مَا بَيناهُ فِي اسْتِيفَاء الْكل من أَن الْمَنَافِع لَا تتقوم إِلَّا بِالْعقدِ، فَلَو تحَالفا لَا يبْقى العقد، فَلم يُمكن إِيجَاب شئ، وَالْفرق لابي حنيفَة أَن العقد فِي الاجارة ينْعَقد سَاعَة فساعة على حسب حُدُوث الْمَنَافِع، فَيصير كل جُزْء من الْمَنَافِع كالمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ على حِدة، فَلَا يلْزم من تعذر التَّحَالُف فِي الْمَاضِي التَّعَذُّر فِيمَا بَقِي إِذْ هما فِي حكم عقدين مُخْتَلفين فيتحالفان، بِخِلَاف مَا إِذا هلك بعض الْمَبِيع حَيْثُ يمْنَع التَّحَالُف فِيهِ عِنْده لانه عقد وَاحِد، فَإِذا امْتنع فِي الْبَعْض امْتنع فِي الْكل ضَرُورَة كي لَا يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيق الصَّفْقَة على البَائِع. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (لانعقادها سَاعَة فساعة) أَي على حسب حُدُوث الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فِي الاجارة. قَوْله: (فَكل جُزْء كعقد) أَي فَيصير كل جُزْء من الْمَنْفَعَة كالمعقود عَلَيْهِ ابْتِدَاء. قَوْله: (بِخِلَاف البيع) أَي بِخِلَاف مَا إِذا هلك بعض الْمَبِيع، لَان كل جُزْء لَيْسَ بمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ، بل الْجُمْلَة معقودة بِعقد وَاحِد، فَإِذا تعذر العقد فِي بعضه بِالْهَلَاكِ تعذر فِي كُله ضَرُورَة. قَوْله: (وَإِن اخْتلف الزَّوْجَانِ الخ) قيد باختلافهما للِاحْتِرَاز عَن اخْتِلَاف نسَاء الزَّوْج دونه، فَإِن مَتَاع النِّسَاء بَينهُنَّ على السوَاء إِن كن فِي بَيت وَاحِد، وَإِن كَانَت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي بَيت على حِدة فَمَا فِي بَيت كل امْرَأَة بَينهَا وَبَين زَوجهَا على مَا ذكر بعد، وَلَا يشْتَرك بَعضهنَّ مَعَ بعض. كَذَا فِي خزانَة الاكمل وَالْخَانِيَّة. وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الاب وَالِابْن فِيمَا فِي الْبَيْت. قَالَ فِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذا كَانَ الاب فِي عِيَال الابْن فِي بَيته فالمتاع كُله للِابْن، كَمَا لَو كَانَ الابْن فِي بَيت الاب وَعِيَاله فمتاع الْبَيْت للاب. اهـ. وَانْظُر هَل يَأْتِي التَّفْصِيل هُنَا كَمَا ذَكرُوهُ فِي الزَّوْجَيْنِ بِأَن يكون أَحدهمَا عَالما مثلا وَالْآخر جَاهِلا، وَفِي الْبَيْت كتب وَنَحْوهَا مِمَّا يصلح لاحدهما فَقَط؟ وَكَذَا لَو كَانَت الْبِنْت فِي عِيَال أَبِيهَا فَهَل لَهَا ثِيَاب النِّسَاء؟ وَيَقَع كثيرا إِن الْبِنْت يكون لَهَا جهاز فيطلقها زَوجهَا فتسكن فِي بَيت أَبِيهَا فَهَل تكون كَمَسْأَلَة الزَّوْجَيْنِ أَو كَمَسْأَلَة الاسكاف والعطار الْآتِيَة؟ لم أره فَليُرَاجع. قَالَ فِي الْبَحْر: قَالَ مُحَمَّد: رجل زوج ابْنَته وَهِي وَخَتنه فِي دَاره وَعِيَاله ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ للاب، لانه فِي بَيته وَفِي يَده، وَلَهُم مَا عَلَيْهِم من الثِّيَاب انْتهى. لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَهُوَ مُخَالف لما مر عَن خزانَة الاكمل من عدم اعْتِبَار الْبَيْت، بل الْيَد هِيَ الْمُعْتَبرَة كَمَا سَيذكرُهُ الشَّارِح عَنْهَا. أَقُول: وَيظْهر من هَذَا جَوَاب الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة هِيَ: لَو طلقت الْبِنْت وَلها جهاز وسكنت عِنْد أَبِيهَا فَتَأمل. وللاحتراز عَن إسكاف وعطار، اخْتلفَا فِي آلَة الاساكفة أَو آلَة العطارين وَهِي فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا بَينهمَا وَلَا ينظر إِلَى مَا يصلح لاحدهما، لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو للْبيع فَلَا يصلح مرجحا، وللاحتراز عَمَّا إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي مَتَاع الْبَيْت فَإِن القَوْل فِيهِ للْمُسْتَأْجر، لكَون الْبَيْت مُضَافا إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا، وَقد ذكر الْمُؤلف بعد بعض مَا ذكر. قَوْله: (وَلَو مملوكين) أَي أَو حُرَّيْنِ أَو مُسلمين أَو كَافِرين أَو كبيرين، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا حرا وَالْآخر مَمْلُوكا فَسَيَأْتِي، وَأَشَارَ باختلافهما أَنَّهُمَا حَيَّان، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 وَلذَلِك فرع عَلَيْهِ بعد حكم موت أَحدهمَا. قَوْله: (وَالصَّغِير يُجَامع) قيد بِالْجِمَاعِ ليَكُون القَوْل قَوْله فِي الصَّالح لَهما، لَان الْمَرْأَة لَا تكون مَعَ مَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج إِلَّا بذلك، بِخِلَاف الصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الْجِمَاع، فَإِنَّهُ لَا يَد لَهُ على زَوجته، أما فِي الصَّالح لَهُ فَالْقَوْل لوَلِيِّه فِيهِ، سَوَاء كَانَ يُجَامع أَو لَا. ثمَّ معنى كَون القَوْل للصَّغِير أَن القَوْل لوَلِيِّه لَان عِبَارَته غير مُعْتَبرَة. قَوْله: (أَو ذِمِّيَّة) لَان لَهُم مَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا فِي الْمُعَامَلَات. قَوْله: (قَامَ النِّكَاح أَو لَا) بِأَن طَلقهَا مثلا، ويستثني مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ عِدَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الرَّمْلِيّ: أَي سَوَاء وَقع الِاخْتِلَاف بَينهمَا حَال قيام النِّكَاح أَو بعده، وَمَا هُنَا هُوَ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ الشُّرَّاح، وَإِن كَانَ فِي لِسَان الْحُكَّام مَا يُخَالف ذَلِك. قَوْله: (فِي مَتَاع) مُتَعَلق باختلف. قَوْله: (هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت) الاولى أَن يَقُول الْبَيْت وَمَا كَانَ فِيهِ بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن خزانَة الاكمل معزيا للامام الاعظم، من أَن الْمنزل وَالْعَقار والمواشي والنقود مِمَّا يصلح لَهما. تَأمل. وَسَيذكر الشَّارِح أَن الْبَيْت للزَّوْج إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَة: أَي لكَونه ذَا يَد وَهُوَ تبع لَهُ فِي السُّكْنَى، وَهِي خَارِجَة معنى كَمَا علل بِهِ فِي الْخَانِية، وَالْمَتَاع لُغَة: كل مَا ينْتَفع بِهِ كالطعام والبز وأثاث الْبَيْت، وَأَصله مَا ينْتَفع بِهِ من الزَّاد، وَهُوَ اسْم من متعته بالتثقيل: إِذا أَعْطيته ذَلِك، وَالْجمع أَمْتعَة. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. بَحر. قَالَ الرَّمْلِيّ: أَقُول: الَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بقوله فِي مَتَاعِ هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت: أَي مَا ثَبت وضع أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ أَو تصرفهما فِيهِ بِأَن كَانَت أَيْدِيهِمَا تتعاقب عَلَيْهِ وتختلف بِالتَّصَرُّفِ، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل فِي مسَائِل هَذَا الْبَاب بِالْيَدِ وَعدمهَا فِي الاخذ بقول الْمُدَّعِي وَعَدَمه. تَأمل. اهـ. قَوْله: (وَلَو ذَهَبا أَو فضَّة) أَقُول: جعل الشَّارِح فِي الدّرّ الْمُنْتَقى النُّقُود مِمَّا يصلح لَهما، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ. قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ) أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، فالصالح لَهُ الْعِمَامَة والقباء والقلنسوة والطيلسان وَالسِّلَاح والمنطقة والكتب وَالْفرس والدرع الْحَدِيد، والصالح لَهَا الْخمار والدرع والاساور وخواتيم النِّسَاء والحلي والخلخال وَنَحْوهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا لانها أقرَّت بِأَن الْملك للزَّوْج ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا شكّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ كَإِقْرَارِهَا بِهِ فَلَا بُد من بَيِّنَة على انْتِقَاله لَهَا. اهـ. بَدَائِع. وَكَذَا إِذا ادَّعَت أَنَّهَا اشترته مِنْهُ مثلا فَلَا بُد من بَيِّنَة على الِانْتِقَال إِلَيْهَا مِنْهُ بِهِبَة أَو نَحْو ذَلِك، لَا يَكُونُ اسْتِمْتَاعُهَا بِمُشْرِيهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا ذَلِكَ كَمَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ وَالْعَوَامُّ، وَقد أَفْتيت بذلك مرَارًا بَحر. أَقُول: وَظَاهر قَوْله وَهَذَا كُله إِذا لم تقر الْمَرْأَة الخ شَامِل لما يخْتَص بِالنسَاء. تَأمل. وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا لم يكن من ثِيَاب الْكسْوَة الْوَاجِبَة على الزَّوْج. تَأمل. وَفِي الْبَحْر عَن الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِ الْبَنَاتِ: افْتَرقَا وَفِي بَيتهَا جَارِيَة نقلهَا مَعهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً وَلم يُوجد المزيل. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يصلح لَهما لَا يبطل دَعْوَاهُ اهـ. أَقُول: قَوْله لَا يبطل دَعْوَاهُ: أَي وَلَا دَعْوَاهَا لَان الْجَارِيَة صَالِحَة لَهما. قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، وَتقدم الْفرق بَين الصَّالح لَهُ والصالح لَهَا. قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) أَي للَّذي يفعل أَو يَبِيع من الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: لَيْسَ هَذَا على ظَاهره، لَان الْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يخْتَص بهَا لانه عَارض يَد الزَّوْج مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَة، لكنه خلاف مَا عَلَيْهِ الشُّرُوح فقد صرح الْعَيْنِيّ بِخِلَافِهِ. قَوْله: (لتعارض الظاهرين) أَي ظَاهر صالحيته لَهما، وَظَاهر اصطناعه أَو بَيْعه لَهُ فتساقطا ورجعنا إِلَى اعْتِبَار الْيَد، وَهِي وَمَا فِي يَدهَا فِي يَده. وَبِهَذَا الْحل ظهر أَنه لَا وَجه لتوقف سَيِّدي أبي السُّعُود فَإِنَّهُ قَالَ: وَاعْلَم أَن فِي التَّعْلِيل بتعارض الظاهرين تأملا، لانه حَيْثُ اسْتَويَا فِي الْقُوَّة لَا يصلح أَن يكون تعارضهما مرجحا لاحدهما، هَكَذَا توقفت بُرْهَة ثمَّ راجعت عبارَة الدُّرَر فَلم أجد فِيهَا التَّعْلِيل الْمَذْكُور. اهـ. فَإِنَّهُ يَجْعَل التَّعَارُض مرجحا: أَي بل هُوَ مسْقط والمرجح الْيَد فَلْيتَأَمَّل. وَالْحَاصِل: أَن مَا علل بِهِ الشَّارِح لَا يصلح عِلّة لوَجْهَيْنِ. الاول إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع مَا يصلح لَهُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِد فَلَا تعَارض، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت هِيَ تبيع ذَلِك لَا يتَرَجَّح ملكهَا إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا عَلَى أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بَلْ التَّهَاتُرَ. الثَّانِي أَنه إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع فَلَا تعَارض، وَإِن كَانَت هِيَ تبيع فَكَذَلِك، وَحِينَئِذٍ الاوجه فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لَان ظَاهر الَّذِي يفعل وَيبِيع أظهر وَأقوى، كَمَا أَن ظَاهرهَا فِيمَا يخْتَص بهَا أظهر وَأقوى من ظَاهره مَعَ أَن لَهُ يَد عَلَيْهِ. تَأمل. قَوْله: (دُرَر وَغَيرهَا) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يفعل أَو يَبِيع مَا يصلح للْآخر اهـ. أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا وَلَهُ أساور وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا، فَلَا يَكُونُ لَهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرِّجَال أَوْ النِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا. كَذَا فِي شُرُوح الْهِدَايَة. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَول الدُّرَرِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلزَّوْجِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا بِجَعْلِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِدٌ فَلَا تَعَارُضَ، إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تبيع فَلَا يُرَجَّحُ مِلْكَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا، عَلَى أَنَّ التَّعَارُض لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيح بَلْ التَّهَاتُرَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَبِيعُ هِيَ فَكَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، فَتَنَبَّهْ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَرْأَةِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالْخِمَارِ وَالدِّرْعِ والملحفة والحملى فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ: أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِر. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك. اهـ. فَالظَّاهِر أَن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ فَليُحرر. اهـ. أَقُول: وَالْحَاصِل أَن القَوْل للرجل فِيمَا يخْتَص بِهِ، وَفِي الْمُتَشَابه سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة دلَالَة أَو لَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 وَإِذا كَانَ يصنع أَو يَبِيع ثِيَاب النِّسَاء وحليهن فَالْقَوْل لَهُ فِي الاجناس كلهَا فِي الْمَشْهُور. قَوْله: (وَالْقَوْل لَهُ فِي الصَّالح لَهما) أَي القَوْل لَهُ فِي مَتَاع يصلح للرجل وللمرأة. قَوْله: (لانها وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج) أَي وَالْقَوْل فِي الدعاوي لصَاحب الْيَد، وَشَمل كَلَامه مَا إِذا كَانَ فِي لَيْلَة الزفاف فَيكون القَوْل لَهُ، لَكِن قَالَ الاكمل فِي الخزانة: لَو مَاتَت الْمَرْأَة فِي لَيْلَة زفافها فِي بَيته لَا يستحسن أَن يَجْعَل مَتَاع الْبَيْت من الْفرش وحلي النِّسَاء وَمَا يَلِيق بِهن للزَّوْج والطنافس والقماقم والاباريق والفرش والخدم واللحف للنِّسَاء، وَكَذَا مَا يُجهز مثلهَا، إِلَّا أَن يكون الرجل مَعْرُوفا بِتِجَارَة جنس مِنْهَا فَهُوَ لَهُ. وَاسْتثنى أَبُو يُوسُف من كَون مَا يصلح لَهما لَهُ مَا إِذا كَانَ مَوتهَا لَيْلَة الزفاف، فَكَذَا إِذا اخْتلفَا حَال حياتهما فِيمَا يصلح لَهما فَالْقَوْل لَهُ، وَإِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي لَيْلَة الزفاف فَالْقَوْل لَهَا فِي الْفرش وَنَحْوهَا لجَرَيَان الْعرف غَالِبا من الْفرش والصناديق والخدم تَأتي بِهِ الْمَرْأَة، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْفَتْوَى، إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ فِي حكمه لَيْلَة الزفاف عَن الامام بِخِلَافِهِ فَيتبع، بَحر. لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد نَقله عبارَة الاكمل: فَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل فِيهِ. اهـ. قَوْله: (بِخِلَاف مَا يخْتَص بهَا الخ) جَوَاب سُؤال ورد على الْكَلَام السَّابِق تَقْرِيره إِذا كَانَ القَوْل فِي الدَّعَاوَى لذِي الْيَد وَالْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج يكون القَوْل للزَّوْج أَيْضا فِي الْمُخْتَص بهَا لانه فِي يَده ط. قَوْله: (وَهُوَ) أَي ظَاهرهَا. قَوْله: (لانها خَارِجَة) أَي عَن اعْتِبَار الظَّاهِر، إِذْ الظَّاهِر أَنه لَهُ لانه فِي يَده وَبَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة ذِي الْيَد، لَكِن تقدم أَن هَذَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَت الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق، فَإِن كَانَت على النِّتَاج وَسبب ملك لَا يتَكَرَّر كَانَت الْبَيِّنَة لذِي الْيَد فَيَنْبَغِي أَن يجْرِي هَذَا هُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَيْتُ لِلزَّوْجِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْت فَهُوَ لَهُ لانه من الصَّالح لَهما وَفِي يَده حَتَّى لَو برهنا قضى ببرهانها خَارِجَة. خَانِية. وفيهَا: إِن كَانَ غير الزَّوْجَة فِي عِيَال أحد كَابْن فِي عيلة أَب أَو الْقلب كَانَ الْمَتَاع عِنْد الِاشْتِبَاه للَّذي يعول. قَوْله: (إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَةٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْبَيْتُ لَهَا، وَكَذَا لَو برهنت على كل مَا صلح لَهما أَو لَهُ وَالْبَيْت الْمسكن، وَبَيت الشّعْر مَعْرُوف. مِصْبَاح. وَالْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد. مغرب. وَلم يذكر الدَّار، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي الْعقار فَالظَّاهِر أَن حكمه مثل الْبَيْت بِدَلِيل مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَكَذَا صَاحب الْبَحْر عَن الْكَافِي أَن الْعرف الْآن أَن الدَّار وَالْبَيْت وَاحِد، فَيحنث إِن دخل صحن الدَّار، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. اهـ. إِلَّا أَن يفرق بَين هَذَا وَبَين الْيَمين. أَقُول: وَالَّذِي نَقله الشَّارِح هُنَا عَن الْبَحْر أَنَّهَا للزَّوْج على قَوْلهمَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا قدمْنَاهُ وَللَّه الْحَمد. قَالَ فِي الْبَحْر: إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا. اهـ. وَبِه علم أَن الْعقار إِذا لم يَكُونَا ساكنين فِيهِ لم يدْخل فِي مُسَمّى مَتَاع الْبَيْت، لَان الْكَلَام فِي مَتَاع الْبَيْت فَقَط، وَقد علمت تَفْسِير مَتَاع الْبَيْت مِمَّا قدمْنَاهُ من أَن الاولى فِي تَفْسِيره بِالْبَيْتِ، وَبِمَا كَانَ فِيهِ، لما ذَكرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف فِي نفس الْبَيْت كَذَلِك، فَعلم أَن قَول الْبَحْر: وَإِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت: المُرَاد بِهِ مَا كَانَ خَارِجا عَن سكناهما فَيقسم بَينهمَا، فَيتَعَيَّن تَقْيِيد الْعقار بِمَا كَانَا ساكنين فِيهِ، فَلْيتَأَمَّل. قَوْله: (وَهَذَا) أَي مَا تقدم لَو حيين. قَوْله:: (فِي الْمُشكل) وَالْجَوَاب فِي غير الْمُشكل على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 مَا مر. حموي: أَي أَن القَوْل لكل مِنْهُمَا فِيمَا يخْتَص بِهِ ط. قَوْله: (الصَّالح لَهما) بَيَان للمراد بالمشكل على حذف أَي التفسيرية. قَوْله: (فَالْقَوْل فِيهِ للحي) أَي بِيَمِينِهِ إِذْ لَا يَد للْمَيت. در منتقى. وَأما مَا يصلح لاحدهما وَلَا يصلح للْآخر فَهُوَ على مَا كَانَ قبل الْمَوْت وَيقوم ورثته مقَامه فِيهِ. عَيْني. وَأفَاد قَوْله يقوم وَارثه مقَامه أَنه يعْمل بِبَيِّنَة وَارِث الزَّوْجَة فِي الصَّالح لَهما. قَوْله: (وَلَو رَقِيقا) لَان الرَّقِيق لَهُ يَد، وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام لَان الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَا حُرَّيْنِ، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا مَمْلُوكا فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْآتِيَة، وَعَلِيهِ فَلَو حذفه وَاسْتغْنى بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْن لَكَانَ أولى. قَوْله: (وَهِي المسبعة) أَي الَّتِي فِيهَا سَبْعَة أَقْوَال لارباب الِاجْتِهَاد. قَوْلُهُ: (تِسْعَةُ أَقْوَالٍ) الْأَوَّلُ: مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. الثَّانِي: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِلْمَرْأَةِ جِهَازُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ: يَعْنِي فِي الْمُشْكِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. الثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ أبي ليلى: الْمَتَاع كُله لَهُ وَلها مَا عَلَيْهَا فَقَط. الرَّابِع: قَوْلُ ابْنِ مَعْنٍ وَشَرِيكٍ هُوَ بَيْنَهُمَا. الْخَامِسُ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ: كُلُّهُ لَهَا وَلَهُ مَا عَلَيْهِ. السَّادِسُ: قَوْلُ شُرَيْح: الْبَيْت للْمَرْأَة. السَّابِع: قَول مُحَمَّد: إِن الْمُشْكِلِ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ، وَوَافَقَ الْإِمَامُ فِيمَا لَا يُشْكِلُ. الثَّامِنُ: قَوْلُ زُفَرَ الْمُشْكِلُ بَينهمَا. التَّاسِع: قَول مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لكل بَيْنَهُمَا. هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَا يخفى أَن التَّاسِع هُوَ الرَّابِع. حَلَبِيّ عَن الْبَحْر. قَالَ فِي الْكِفَايَة: وعَلى قَول الْحسن الْبَصْرِيّ إِن كَانَ الْبَيْت بَيت الْمَرْأَة فالمتاع كُله لَهَا إِلَّا مَا على الزَّوْج من ثِيَاب بدنه، وَإِن كَانَ الْبَيْت للزَّوْج فالمتاع كُله لَهُ اهـ. قَوْله: (وَلَو أَحدهمَا مَمْلُوكا فَالْقَوْلُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) كَمَا فِي عَامَّة شُرُوح الْجَامِع. وَذكر السَّرخسِيّ أَنه سَهْو، وَالصَّوَاب أَنه للْحرّ مُطلقًا. وَفِي الْمُصَفّى: ذكر فَخر الاسلام أَن القَوْل هُنَا فِي الْكُلِّ لَا فِي خُصُوصِ الْمُشْكِلِ، لَكِن اخْتَار فِي الْهِدَايَة قَول الْعَامَّة فاققتفى أَصْحَاب الْمُتُون أَثَره، وَهُوَ قَول الامام وَعِنْدَهُمَا: الْمَأْذُون وَالْمكَاتب كَالْحرِّ كَمَا فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى. قَوْله: (هما كَالْحرِّ) لَان لَهما يدا مُعْتَبرَة، وَله أَن يَد الْحر أقوى وَأكْثر تَصرفا فتقدمت. قَوْله: (فَالْقَوْل للْحرّ) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَقَوله الْكل مشير إِلَى وُقُوع الِاخْتِلَاف فِي مُطلق الْمَتَاع على مَا ذكر فَخر الاسلام كَمَا فِي الْمُصَفّى، لَكِن فِي الْحَقَائِق قَيده بِمَا إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الامتعة المشكلة اهـ بِتَصَرُّف. ذكره أَبُو السُّعُود. وللحي فِي الْمَوْت حرا كَانَ أَو رَقِيقا، إِذْ لَا يَد للْمَيت فَبَقيت يَد الْحَيّ بِلَا معَارض، هَكَذَا ذكره فِي الْهِدَايَة وَالْجَامِع الصَّغِير للصدر الشَّهِيد وَصدر الاسلام وشمس الائمة الْحلْوانِي وقاضيخان. وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد والزعفراني: للْحرّ مِنْهُمَا بالراء اهـ. دُرَر. قَوْله: (لَان يَد الْحر أقوى) عِلّة للمسألة الاولى، وَقَوله وَلَا يَد للْمَيت عِلّة للمسألة الثَّانِيَة، وَهِي كَون القَوْل للحي فِيمَا إِذا مَاتَ أَحدهمَا سَوَاء كَانَ الْحَيّ الْحر أَو العَبْد، لانها إِنَّمَا تظهر قَوِيَّة يَد الْحر إِذا كَانَ حيين، أما الْمَيِّت فَلَا يَد لَهُ حرا كَانَ أَو عبدا فَلِذَا كَانَ القَوْل للحي مِنْهُمَا، وَفِيه لف وَنشر مُرَتّب، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 وَبحث فِيهِ صَاحب اليعقوبية فَليُرَاجع. قَوْله: (واختارت نَفسهَا) أَي لم ترض ببقائها فِي نِكَاحه فَاخْتَارَتْ نَفسهَا. قَوْله: (فَهُوَ للرجل) لتحققه عِنْده وَهِي رقيقَة وَالرَّقِيق لَا ملك لَهُ. قَوْله: (قبل أَن تخْتَار نَفسهَا) الظَّاهِر أَنه قيد اتفاقي، بل الحكم كَذَلِك وَلَو بعد الِاخْتِيَار، لانه لَا يشْتَرط قيام النِّكَاح كَمَا تقدم، وَعَلِيهِ فَلَا فرق وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بعد الْفرْقَة أَو بعد انْقِضَاء الْمدَّة. تَأمل ط بِزِيَادَة. قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَا صَلَحَ لَهَا لِأَنَّهَا وَقْتَهُ حُرَّةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ السِّيَاقِ وَاللَّحَاقِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالْمَرْأَةُ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَمَا أحدثا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا أَحْدَثَاهُ بَعْدَهُ فهما فِيهِ كلاحرين اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا: أَيْ جَمِيعُ مَا مر إِذا لم يَقع التنازل بَيْنَهُمَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ وَقع قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد رجل وَامْرَأَة فأقامت الْمَرْأَة الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهَا وَأَن الرجل عَبدهَا وَأقَام الرجل الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهُ وَالْمَرْأَة امْرَأَته تزَوجهَا بِأَلف دِرْهَم، وَدفع إِلَيْهَا وَلم يقم الْبَيِّنَة أَنه حر يقْضِي بِالدَّار وَالرجل للْمَرْأَة وَلَا نِكَاح بَينهمَا، لَان الْمَرْأَة أَقَامَت الْبَيِّنَة على رق الرجل وَالرجل لم يقم الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة فَيَقْضِي بِالرّقِّ، وَإِذا قضى بِالرّقِّ بطلت بَيِّنَة الرجل فِي الدَّار وَالنِّكَاح ضَرُورَة، وَإِن كَانَ الرجل أَقَامَ بَيِّنَة أَنه حر الاصل وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يقْضِي بحريّة الرجل وَنِكَاح الْمَرْأَة، وَيَقْضِي بِالدَّار للْمَرْأَة لانا لما قضينا النِّكَاح صَار الرجل فِي الدَّار صَاحب يَد وَالْمَرْأَة خَارِجَة فَيَقْضِي بِالدَّار لَهَا، كَمَا لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي دَار فِي أَيْدِيهِمَا كَانَت الدَّار للزَّوْج فِي قَوْلهمَا، وَلَو اخْتلفَا فِي الْمَتَاع وَالنِّكَاح فأقامت الْبَيِّنَة أَن الْمَتَاع لَهَا وَأَنه عَبدهَا وَأقَام أَن الْمَتَاع لَهُ وَأَنه تزَوجهَا بِأَلف ونقدها فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ عبدا لَهَا وبالمتاع أَيْضا لَهَا، وَإِن برهن على أَنه حر الاصل قضى لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وبالمرأة وَالْمَتَاع إِن كَانَ مَتَاع النِّسَاء، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بحريَّته وبالمرأة وبالمتاع لَهَا اهـ. قَوْله: (طَلقهَا وَمَضَت الْعدة فالمشكل للزَّوْج) قد اسْتُفِيدَ هَذَا من التَّعْمِيم السَّابِق فِي قَوْله قَامَ النِّكَاح أَو لَا وَصَاحب الْبَحْر إِنَّمَا فرض الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا مَاتَ الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، وَجعل الْمُشكل لوَارث الزَّوْج، وَلَا اعْتِبَار للزَّوْجَة وَإِن كَانَت حَيَّة لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة إِلَى آخر مَا يَأْتِي عَن الْمنح قَرِيبا. وَلما شَرْطِيَّة، وَالْجَوَاب: فَكَذَا يكون القَوْل لوَارِثه ط. قَوْله: (لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة) تَعْلِيل لقَوْله ولورثته بعده يَعْنِي إِنَّمَا قُلْنَا أَن القَوْل للحي لَو مَاتَ وَهِي فِي نِكَاحه، أما بعد انْقِضَاء الْعدة فقد صَارَت أَجْنَبِيَّة فَلم يبْق لَهَا يَد على الصَّالح لَهما فَكَانَ القَوْل فِيهِ لوَرَثَة الزَّوْج، لَان الْمَتَاع فِي يدهم بعد مُورثهم، وَفِيه تَأمل. أَو هُوَ مَحْمُول على مَا إِذا انْتَقَلت وَتركت الْمَتَاع بِالْبَيْتِ، أما لَو بقيت سَاكِنة بعد انْقِضَاء الْعدة فَالظَّاهِر أَن الْمَتَاع بَاقٍ فِي يَدهَا فَيكون القَوْل قَوْلهَا فِي الصَّالح لَهما فَليُحرر، قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَيُسْتَفَاد من التَّعْلِيل أَنَّهُمَا لَو مَاتَا فَكَذَلِك. قَوْله: (وَلما ذكرنَا الخ) الاولى إِسْقَاطه لعلمه من قَوْله ولورثته بعده وَلذَا لم يذكرهُ فِي الْبَحْر. قَوْله: (أما لَو مَاتَ الخ) لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الطَّلَاق فِي مرض الْمَوْت بِدَلِيل تَعْلِيله بقوله بِدَلِيل إرثها قَالَ فِي الْمنح: قيد بكونهما زَوْجَيْنِ للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا طَلقهَا فِي الْمَرَض وَمَات الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، فَإِن الْمُشكل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 لوَارث الزَّوْج لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة لم يبْق لَهَا يَد، وَإِن مَاتَ قبل انْقِضَاء الْعدة كَانَ الْمُشكل للْمَرْأَة فِي قَول أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة مَا لَو مَاتَ الزَّوْج قبل الطَّلَاق، كَذَا فِي الْخَانِية. مطلب: تورك على عبارَة الشَّارِح وَهَذِه الْعبارَة هِيَ الَّتِي نقلهَا الشَّارِح هُنَا، إِلَّا أَنه أخل بقوله طَلقهَا فِي الْمَرَض، ثمَّ نقل المُصَنّف بعْدهَا عَن الْبَحْر: وَإِن علم أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا فِي صِحَّته أَو فِي مَرضه وَقد مَاتَ بعد انْقِضَاء عدتهَا فَمَا كَانَ من مَتَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء فَهُوَ لوَرَثَة الزَّوْج، وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة فَهُوَ للْمَرْأَة كَأَنَّهُ لم يُطلق. اهـ. فَيمكن أَن يرجع قَوْله: وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة الخ إِلَى قَوْله أَو مَرضه، ليُوَافق مَا نَقله عَن الْخَانِية ولظهور وَجهه حِينَئِذٍ. تَأمل. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر بِيَمِينِهِ) لَان الْبَيْت مُضَاف إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَقد سبق ذَلِك فِي المحترزات. مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح قَوْله: (فِي آلَات الاساكفة وآلات العطارين) لَعَلَّ الْوَاو بِمَعْنى أَو: أَي اخْتلفَا فِي آلَات الاساكفة مُنْفَرِدَة أَو آلَات العطارين مُنْفَرِدَة، لَان مَا اخْتلفَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيقسم بَينهمَا، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة فِي أَيْدِيهِمَا، أَو فِي دَقِيق فِي أَيْدِيهِمَا وَكَانَ أَحدهمَا ملاحا وَالْآخر بَائِع الدَّقِيق، فَإِن كلا من السَّفِينَة والدقيق يقسم بَينهمَا لما ذكرنَا، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلفَا فيهمَا مُجْتَمعين، فَإِنَّهُ يُعْطي لكل مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبه، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة ودقيق وَهِي الَّتِي تَأتي فِي الْمَتْن. أما لَو لم نحمل الْوَاو على معنى أَو وَتَركنَا الْعبارَة على ظَاهرهَا وأعطينا الاسكاف نصف آلَات الْعَطَّار والعطار نصف آلَات الاسكاف فنكون تركنَا الِاسْتِصْحَاب وَالْعَمَل بِالظَّاهِرِ من الْحَال، وَيكون خَالف هَذَا الْفَرْع مَا قبله وَمَا بعده، وَيُعَكر علينا ذَلِك، لَان تِلْكَ الْفُرُوع تَقْتَضِي أَن لكل مَا عرف بِهِ، فَتَأمل وراجع. قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا الخ) لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو البيع، فَلَا يصلح مرجحا. تَأمل وتفطن. قَوْله: (وعَلى عُنُقه بدرة) هِيَ كيس فِيهِ ألف أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو سَبْعَة آلَاف دِينَار. اهـ. قَامُوس. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا المَال الْكثير. قَوْله: (وَذَلِكَ بداره) يفهم مَفْهُومه بالاولى. قَوْله: (فَهُوَ للمعروف باليسار) وَهَذَا كَالَّذي بعده مِمَّا عمل فِيهِ الاصحاب بِظَاهِر الْحَال. مطلب: استنبط صَاحب الْبَحْر أَن من شَرط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله وَقد تقدم تَحْقِيقه أول الدَّعْوَى قَالَ فِي الْبَحْر: وَقد استنبطت من فرع الْغُلَام أَن من شَرط سَماع الدَّعْوَى أَن لَا يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي كتب الشَّافِعِيَّة، فَلَو ادّعى فَقير ظَاهر الْفقر على رجل أَمْوَالًا عَظِيمَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 قرضا أَو ثمن مَبِيع لَا تسمع فَلَا جَوَاب لَهَا، وَقدمنَا تَحْقِيق ذَلِك أَوَائِل الدَّعْوَى. قَوْله: (وعَلى عُنُقه قطيفة) القطيفة دثار مخمل وَالْجمع قطائف وقطف مثل صحيفَة وصحف كَأَنَّهَا جمع قطيف وصحيف، وَمِنْه القطائف الَّتِي تُؤْكَل صِحَاح. قَوْله: (الَّذِي هِيَ) هَكَذَا فِي نُسْخَتي الَّتِي بيَدي وَهِي الصَّحِيحَة، وَفِي بعض النّسخ كنسخة الطَّحْطَاوِيّ الَّذِي هُوَ بضمير الْمُذكر، وَكتب عَلَيْهَا الاولى: وَهِي بضمير المؤنثة، وَكَذَا يُقَال فِي ادَّعَاهُ. قَوْله: (وَآخر مُمْسك) الظَّاهِر أَنه ماسك الدَّفَّةَ الَّتِي هِيَ لِلسَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ اللِّجَامِ لِلدَّابَّةِ. قَوْله: (وَآخر يجذب) بحبلها على الْبر. قَوْله: (وَآخر يمدها) أَي يجريها بمقدافها. قَوْله: (وَلَا شئ للماد) لانه لَا يَد لَهُ فِيهَا أَو أجبرهم على الْعَمَل، بِخِلَاف البَاقِينَ لانهم المتصرفون فِيهَا التَّصَرُّف الْمُعْتَاد. قَوْله: (وَآخر رَاكب) أَي بَعِيرًا مِنْهَا. قَوْله: (إِن على الْكل مَتَاع الرَّاكِب) أَي إِن كَانَ على جَمِيع الابل مَتَاع الرَّاكِب فَجَمِيع الابل للراكب، وَإِن لم يكن على الابل شئ من الْحمل فللراكب الْبَعِير الَّذِي هُوَ رَاكب عَلَيْهِ مَعَ مَا عَلَيْهِ وَبَاقِي الابل للقائد. قَالَه أَبُو الطّيب. وَالظَّاهِر أَن الحكم كَذَلِك لَو كَانَ على الْكل مَتَاع الْقَائِد، فَإِن اخْتلفَا فِي الْمَتَاع كَيفَ يكون وَيُرَاجع. مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح قَوْله: (بِخِلَاف الْبَقر وَالْغنم) أَي إِذا كَانَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ، فَهِيَ لِلسَّائِقِ إلَّا أَنْ يَقُودَ شَاةً مَعَهُ فَتَكُونَ لَهُ تِلْكَ الشَّاة وَحدهَا. بَحر عَن نَوَادِر الْمُعَلَّى: أَي إِلَّا أَن يكون السَّائِق للبقر أَو الْغنم مَعَه شَاة يَقُودهَا: أَي أَو بقرة فَيكون لَهُ تِلْكَ الشَّاة أَو الْبَقَرَة وَحدهَا، وَانْقطع حكم السُّوق وَيكون الْبَاقِي لقائدها، وَعَلِيهِ فَكَلَام الشَّارِح غير تَامّ. قَوْله: (وَتَمَامه فِي خزانَة الاكمل) وَيَأْتِي تَمام تفاريع هَذِه الْمسَائِل فِي الْفَصْل الْآتِي. وَذكر فِي الْمنح مسَائِل من هَذَا الْقَبِيل قَالَ: دخل رجل فِي منزل يعرف الدَّاخِل أَنه يُنَادي بِبيع الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو الْمَتَاع، وَمَعَهُ شئ من ذَلِك فادعياه، فَهُوَ لمن يعرف بِبيعِهِ، وَلَا يصدق رب الْمنزل، وَإِن لم يكن كَذَلِك القَوْل قَول رب الْمنزل. رجل خرج من دَار إِنْسَان وعَلى عُنُقه مَتَاع رَآهُ قوم وَهُوَ مَعْرُوف بِبيع مثله من الْمَتَاع فَقَالَ صَاحب الدَّار ذَلِك الْمَتَاع متاعي وَالْحَامِل يَدعِيهِ فَهُوَ للَّذي يعرف بِهِ وَإِن لم يعرف بِهِ فَهُوَ لصَاحب الدَّار. اهـ. مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ الْمدَّة قَالَ فِي الْبَحْر عَن ابْن الْغَرْس: رجل تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانع من الدَّعْوَى ثمَّ ادّعى لم تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يدل على عدم الْحق ظَاهرا، وَقدمنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 عَنْهُم أَن من الْقَضَاء الْبَاطِل الْقَضَاء بِسُقُوط الْحق بِمُضِيِّ سِنِين، لَكِن مَا فِي الْمَبْسُوط لَا يُخَالِفهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاء بالسقوط، وَإِنَّمَا فِيهِ عدم سماعهَا. مطلب: نهى السُّلْطَان عَن سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة وَقد كثر السُّؤَال بِالْقَاهِرَةِ عَن ذَلِك مَعَ وُرُود النَّهْي من السُّلْطَان أيده الله تَعَالَى بِعَدَمِ سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة، وَقد أَفْتيت بِعَدَمِ سماعهَا عملا بنهيه على مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. اهـ. مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر شَرْعِي من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهما ولي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ ذَا شَوْكَة أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرْضٍ وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ، لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدٌ. اهـ. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي عُقُود الدرية بعد كَلَام أَقُول: وَالْحَاصِل من هَذِه النقول أَن الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ لَا تسمع إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا يخَاف مِنْهُ، أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر، لَان تَركهَا هَذِه الْمدَّة مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَمَا مر عَن الْمَبْسُوط، وَإِذا كَانَ الْمُدَّعِي نَاظرا ومطلعا على تصرف الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع الدَّعْوَى على ورثته كَمَا مر عَن الْخُلَاصَة. وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُدَّعِي لَا تسمع دَعْوَى ورثته كَمَا مر عَن الْوَلوالجِيَّة. وَالظَّاهِر أَن الْمَوْت لَيْسَ بِقَيْد وَأَنه لَا تَقْدِير بِمدَّة مَعَ الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لما ذكره المُصَنّف وَالشَّارِح فِي مسَائِل شَتَّى آخر الْكتاب. مطلب: بَاعَ عقارا أَو غَيره وَزَوجته أَو قَرِيبه حَاضر سَاكِت يعلم البيع لَا تسمع دَعْوَاهُ بَاعَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثَوْبًا وَابْنُهُ وَامْرَأَته أَو غَيرهمَا من أَقَاربه حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ مَثَلًا أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا للتزوير والحيل. مطلب: لَا يعد سكُوت الْجَار رضَا بِالْبيعِ إِلَّا إِذا سكت عِنْد التَّسْلِيم وَالتَّصَرُّف بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَلَوْ جَارًا لَا يَكُونُ رِضًا، إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً فَحِينَئِذٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَة. اهـ. وَقَوله لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ: أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جارا كَمَا فِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح، وَأطَال فِي تَحْقِيقه فِي فَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّة من كتاب الدَّعْوَى، فقد جعلُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع مَانِعا من دَعْوَى الْقَرِيب وَنَحْوه كَالزَّوْجَةِ بِلَا تَقْيِيد باطلاع عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى. وَأَمَّا دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا فَلَا يمْنَعهَا مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع، بل لَا بُد من الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمُدَّةٍ وَلَا بِمَوْت كَمَا ترى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 مطلب: مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى وَارثه لَان مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْوَارِث لقِيَامه مقَامه كَمَا فِي الْحَاوِي الزَّاهدِيّ وَغَيره، فَتَأمل. ثمَّ إِن مَا فِي الْخُلَاصَة والولجية يدل على أَن البيع غير قيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاجنبي وَلَو جارا، بل مُجَرّد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف مَانع من الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا فَائِدَة التَّقْيِيد هِيَ الْفرق بَين الْقَرِيب والاجنبي، فَإِن الْقَرِيب للْبَائِع لَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا سكت عِنْد البيع، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ لَا تسمع إِذا اطلع على تصرف المُشْتَرِي وَسكت فالمانع لدعواه هُوَ السُّكُوت عِنْد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَا السُّكُوت عِنْد البيع، فلاجل الْفرق بَينهمَا صوروا الْمَسْأَلَة بِالْبيعِ، وَوجه الْفرق بَينهمَا مَعَ تَمام بَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة مُحَرر فِي حواشينا رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار. ثمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى المرحوم الْعَلامَة الْغَزِّي صَاحب التَّنْوِير مَا يُؤَيّد ذَلِك، وَنَصه: سُئِلَ عَن رجل لَهُ بَيت فِي دَار يسكنهُ مُدَّة تزيد على ثَلَاث سنوات وَله جَار بجانبه، وَالرجل الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِي الْبَيْت الْمَزْبُور هدما وَعمارَة مَعَ اطلَاع جَاره على تصرفه فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة، فَهَل إِذا ادّعى الْبَيْت أَو بعضه بَعْدَمَا ذكر من تصرف الرجل الْمَذْكُور فِي الْبَيْت هدما وَبِنَاء فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة تسمع دَعْوَاهُ أم لَا؟ أجَاب: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى إِ هـ. فَانْظُر كَيفَ أفتى بِمَنْع سماعهَا من غير الْقَرِيب بِمُجَرَّد التَّصَرُّف مَعَ عدم سبق البيع، وَبِدُون مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر. ثمَّ اعْلَم أَن عدم سَماع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَيْسَ مَبْنِيا على بطلَان الْحق فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد منع للقضاة عَن سَماع الدَّعْوَى مَعَ بَقَاء الْحق لصَاحبه، حَتَّى لَو أقرّ بِهِ الْخصم يلْزمه، وَلَو كَانَ ذَلِك حكما بِبُطْلَانِهِ لم يلْزمه وَيدل على مَا قُلْنَاهُ تَعْلِيلهم للْمَنْع بِقطع التزوير والحيل كَمَا مر فَلَا يرد مَا فِي قَضَاء الاشباه مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، ثمَّ رَأَيْت التَّصْرِيح بِمَا نَقَلْنَاهُ فِي الْبَحْر قبيل قُضَاته دفع الدَّعْوَى، وَلَيْسَ أَيْضا مَبْنِيا على الْمَنْع السلطاني حَيْثُ منع السُّلْطَان عز نَصره قُضَاته من سَماع الدَّعْوَى بعض خمس عشرَة سنة فِي الاملاك وَثَلَاثِينَ سنة فِي الاوقاف، بل هُوَ حكم اجتهادي نَص عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَمَا رَأَيْت، فاغتنم تَحْرِير هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنعم الْوَهَّاب إِ هـ. أَقُول: وعَلى هَذَا لَو ادّعى على آخر دَارا مثلا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متصرفا فِيهَا هدما وَبِنَاء أَو مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وَسَوَاء فِيهِ الْوَقْف وَالْملك وَلَو بِلَا نهي سلطاني، أَو خمس عشرَة سنة وَلَو بِلَا هدم وَبِنَاء فيهمَا، وَالْمُدَّعى مطلع على التَّصَرُّف فِي الصُّور الثَّلَاث مشَاهد لَهُ فِي بَلْدَة وَاحِدَة، وَلم يدع وَلم يمنعهُ من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ. أما الاول: فاطلاعه على تصرفه هدما وَبِنَاء وسكوته، وَهُوَ مَانع من الدَّعْوَى كَمَا عرفت. وَأما الثَّانِي: فلتركه الدَّعْوَى للمدة المزبورة وسكوته، وَهُوَ دَلِيل على عدم الْحق لَهُ، ولان صِحَة الدَّعْوَى شَرط لصِحَّة الْقَضَاء وَالْمَنْع مِنْهُ حكم اجتهادي كَمَا علمت. وَأما الثَّالِث: فللمنع من السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن قُضَاته فِي سَائِر ممالكه عَن سماعهَا بعد خمس عشرَة سنة إِذا كَانَ تَركهَا لغير عذر شَرْعِي فِي الْملك لَا لكَون التقادم يبطل الْحق بِدَلِيل أَن الْحق بَاقٍ، وَيلْزمهُ لَو أقرّ بِهِ فِي مجْلِس القَاضِي، فَلَو قَالَ: لَا أسلمها لمضي هَذِه الْمدَّة مَعَ عدم دَعْوَاهُ عَليّ وَهُوَ مَانع مِنْهَا لَا يلْتَفت إِلَى تعلله وتنزع من يَده، فَلَو ادّعى أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لي بهَا فِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَهُوَ يُنكره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 يَنْبَغِي أَن تسمع أَيْضا، لَان لما كَانَ الْمَنْع من سَماع أصل الدَّعْوَى ففرعها وَهُوَ الاقرار أولى بِالْمَنْعِ لما أَن النَّهْي مُطلق فيشملهما، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي كَمَا عرفت، فتنزع من يَده لابطاله ملكه ولالزامه الْحجَّة على نَفسه، وَهِي الاقرار بِعَدَمِ صِحَة تصرفه. مطلب: لَو ترك دَعْوَاهُ الْمدَّة ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة على أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لَهُ بهَا تسمع لَكِن يُعَارض ذَلِك إِطْلَاق عبارَة الاسماعيلية حَيْثُ قَالَ فِيمَا إِذا كَانَت دَار بَين زيد وَهِنْد فَوضع زيد يَده على الدَّار المزبورة مُدَّة تزيد على خمس عشرَة سنة، وَطلبت هِنْد مِنْهُ فِي أثْنَاء الْمدَّة أَن يقسم لَهَا حصَّتهَا وأجابها إِلَى ذَلِك وَمَات وَلم يقسم لَهَا فطالبت أَوْلَاده بحصتها فِي الدَّار فَذكرُوا بِأَن والدهم تصرف أَكثر من خمس عشرَة سنة وَلم تدع عَلَيْهِ هِنْد وَلم يمْنَعهَا من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي، فَلَا تسمع دَعْوَاهَا بذلك، فَهَل تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا فِي الدَّار حِصَّة؟ أجَاب: تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا حِصَّة إِ هـ. إِلَى غير ذَلِك من الاجوبة، إِلَّا أَنه لم يعز ذَلِك لَاحَدَّ كَمَا هُوَ عَادَته فِي فَتَاوَاهُ، لَكِن يُؤَيّد إِطْلَاق التَّنْقِيح أَيْضا، فَتَأمل وراجع يظْهر لَك الْحق. أما عدم ترك الدَّعْوَى فِي مُدَّة الْخمس عشرَة سنة فَيشْتَرط كَون الدَّعْوَى عِنْد القَاضِي، فَإِن ادّعى عِنْد القَاضِي مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة إِلَّا أَن الدَّعْوَى لم تفصل، فَإِن دَعْوَاهُ تسمع وَلَا يمْنَع مُرُور الزَّمَان، أما لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ غَائِبا مَسَافَة لسفر ثمَّ حضر مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة وَسكت ثمَّ أَرَادَ أَن يَدعِي بعد ذَلِك فَلَا تسمع دَعْوَاهُ. كَذَا فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي، وَإِذا كَانَ الْمَانِع شَوْكَة الْمُدعى عَلَيْهِ وزالت فَلَا يمْنَع الدَّعْوَى إِلَّا إِذا استدام زَوَال شوكته خمس عشرَة سنة، فَلَو زَالَت شوكته أقل من خمس عشرَة سنة ثمَّ صَار ذَا شَوْكَة لَا يمْنَع بعد ذَلِك من الدَّعْوَى لانه لم يصدق أَنه ترك الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَة زَوَال الشَّوْكَة خمس عشرَة سنة، وَإِنَّمَا قيدت بِقَوْلِي عِنْد القَاضِي، فَلَو ترك الْمدَّة المزبورة إِلَّا أَنه فِي أثْنَاء ذَلِك ادّعى مرَارًا عِنْد غير القَاضِي لَا تعْتَبر دَعْوَاهُ كَمَا فِي تَنْقِيح سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، هَذَا مَا ظهر لي تفقها أخذا من مَفْهُوم عِبَارَات السَّادة الاعلام بوأهم الله تَعَالَى دَار السَّلَام. وَأَقُول: لَكِن الْمُعْتَبر الْآن مَا تقرر فِي الْمجلة الشَّرْعِيَّة فِي الاحكام العدلية، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بمواجبه أَن دَعْوَى الاقرار بعد مُضِيّ مُدَّة الْمَنْع من سَماع الدَّعْوَى لَا تسمع إِذا ادّعى أَنه أقرّ لَهُ بهَا من جُمُعَة أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو خَتمه المعروفين، وَكَانَ بِمحضر من الشُّهُود وشهدوا بذلك فَإِنَّهَا تسمع حِينَئِذٍ إِذا لم يمض على الاقرار خمس عشرَة سنة، أَو كَانَ دَعْوَى الاقرار على عقار وَكَانَ يستأجره الْمُدعى عَلَيْهِ مُدَّة تزيد على خمس عشرَة سنة وَالْمُسْتَأْجر يَدعِي التَّصَرُّف وينكر الِاسْتِئْجَار وَأثبت الْمُدَّعِي الِاسْتِئْجَار ومواصلة الاجرة فِي كل سنة وَكَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بَين النَّاس، فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق فِي دَعْوَى التَّصَرُّف الْمدَّة الْمَمْنُوع من سَماع الدَّعْوَى بهَا، وَأَيْضًا فَإِن أول ابْتِدَاء مُدَّة الْمَنْع من حِين زَوَال الْعذر كَمَا تقدم. وَدَعوى الْمَرْأَة مهرهَا الْمُؤَجل إِذا تركت دَعْوَاهُ وَالْوَقْف الْمُرَتّب بثم إِذا كَانَ الْمُدعى محجوبا بالطبقة إِذا اسْتحق بزوالها وَترك دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ يعْتَبر مُدَّة التّرْك من حِين الْوَفَاة أَو الطَّلَاق وَزَوَال الدرجَة لَو كَانَ خمس عشرَة سنة لَا تسمع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 وَدَعوى الدّين على مُعسر أيسر إِذا تَركهَا الْمدَّة الْمَذْكُورَة من حِين الْيَسَار. وَمُدَّة عدم سَماع الدَّعْوَى فِي الْوَقْف سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة إِذا كَانَ بِدُونِ عذر شَرْعِي وَكَانَ للْوَقْف متول. وَأما دَعْوَى الاراضي الاميرية فَمن بعد مُرُور عشر سِنِين لَا تسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا بشئ من حُقُوقهَا. وَأما الدَّعْوَى فِي الْمَنَافِع الْعَامَّة كالطريق الْعَام وَالنّهر الْعَام والمرعى وأمثال ذَلِك إِذا تصرف بهَا أحد: أَي مُدَّة كَانَت فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بهَا. وَأَن الْقَاصِر إِذا ادّعى عقارا إِرْثا عَن وَالِده مثلا بعد بُلُوغه وأثبته بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة فَلَا يسري سَماع الدَّعْوَى لبَقيَّة الْوَرَثَة البَاقِينَ الْبَالِغين التاريكين للدعوى مُدَّة الْمَنْع، وَمثله من كَانَ مُسَافِرًا. وَأَنه إِذا ترك شخص الدَّعْوَى عشر سِنِين مثلا بِلَا عذر شَرْعِي وَمَات وَترك دَعْوَاهَا وَارثه أَيْضا الْبَالِغ عشر سِنِين أَو خمس سِنِين فَلَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث حِينَئِذٍ لَان مَجْمُوع المدتين مُدَّة الْمَنْع، وَأَيْضًا الْمَالِك وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ إِذا تركا الدَّعْوَى كَذَلِك لَا تسمع دَعْوَى المُشْتَرِي فِيمَا يتَعَلَّق بِحُقُوق الْمَبِيع إِذا كَانَ مَجْمُوع المدتين خمس عشرَة سنة كَمَا فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى من الْمجلة، وفيهَا من الْمَادَّة (0381) : لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ غَابَ قبل الحكم عَلَيْهِ وَكَانَ الاقرار لَدَى القَاضِي فَلهُ أَن يحكم عَلَيْهِ فِي غيابه، وَكَذَلِكَ لَو ثَبت الْحق عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَغَابَ قبل التَّزْكِيَة وَالْحكم، فللحاكم أَن يُزكي الشُّهُود وَيحكم عَلَيْهِ فِي غيبته وفيهَا من الْمَادَّة (4381) لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على وَكيل الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ حضر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالذَّاتِ فللحاكم أَن يحكم عَلَيْهِ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ يحكم على الْوَكِيل، وَكَذَلِكَ لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أحد الْوَرَثَة بِحَق ثمَّ غَابَ فللحاكم أَن يحضر وَارِثا آخر ليحكم عَلَيْهِ، وفيهَا فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: إِذا طلب الْحَاكِم الشَّرْعِيّ الْخصم بِطَلَب الْمُدَّعِي وَامْتنع عَن الْحُضُور بِلَا عذر فللحاكم إِحْضَاره جبرا، وَإِذا لم يُمكن إِحْضَاره فَبعد طلبه بورثة الاحضار ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يُمكن إِحْضَاره فللحاكم أَن ينصب عَنهُ وَكيلا لتقام عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَيحكم عَلَيْهِ. مطلب فِي أَمْرَد كره خدمَة سَيّده لفسقه فَادّعى السَّيِّد عَلَيْهِ مبلفا سَمَّاهُ وَقَامَت الامارات على السَّيِّد بِأَن غَرَضه استبقاؤه لَا تسمع دَعْوَاهُ فَرْعٌ: سُئِلَ فِي شَابٍّ أَمْرَدَ كَرِهَ خِدْمَةَ مَنْ هُوَ فِي خِدْمَتِهِ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهِ وَحَقِيقَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ عمد إِلَى سبته وَكَسَرَهُ فِي حَالَ غَيْبَتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا الْمبلغ سَمَّاهُ وَقَامَتْ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ بذلك استبقاؤه واستقراره فِي يَده على مَا يتوخاه، هَلْ يَسْمَعُ الْقَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بِخِدْمَتِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَرَقَتِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِحُبِّ الْغِلْمَانِ، الْجَوَابُ وَلَكُمْ فَسِيحُ الْجِنَانِ. الْجَوَابُ: قَدْ سَبَقَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَتْوَى بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى مُعَلِّلًا بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِيلَةِ مَعْهُودٌ فِيمَا بَين الفجرة واختلاقاتهم فِيمَا بَين النَّاس مشتهرة، وفيهَا من لَفظه رَحمَه الله تَعَالَى: لَا بُد للْحَاكِم أَن لَا يصغوا لمثل هَذِهِ الدَّعَاوَى، بَلْ يُعَزِّرُوا الْمُدَّعِيَ وَيَحْجِزُوهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْغَمْرِ الْمُنْخَدِعِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، لِانْتِشَارِ ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي بَاب الدَّعْوَى، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 تَتَعَلَّقُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُدَّعِي وَحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيزِيد ذَلِك بعد إشهاده من بعشاه يتعشى وبغداه يَتَغَدَّى، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لم يكن، وَالله تَعَالَى أعلم. فتاوي الْخَيْرِيَّة. وَعبارَة المُصَنّف فِي فَتَاوِيهِ بعد ذكره فَتْوَى أَبِي السُّعُودِ: وَأَنَا أَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْفِسْقِ وَحُبِّ الْغِلْمَانِ وَالتَّحَيُّلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ فَلَهُ سَمَاعُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم. مطلب: دفع الدَّعْوَى صَحِيح وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ الحكم وَبعده على الصَّحِيح إِلَّا فِي المخمسة فصل فِي دفع الدَّعَاوَى قَالَ فِي الاشباه: دفع الدَّعْوَى صَحِيح، وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح هُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما قبل الحكم يَصح بعده، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا كتبناه فِي الشَّرْح، وكما يَصح عِنْد الْحَاكِم الاول يَصح عِنْد غَيره، وكما يَصح قبل الاستمهال يَصح بعده هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا فِي ثَلَاث: الاولى: إِذا قَالَ لي دفع وَلم يبين وَجهه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. الثَّانِيَة: لَو بَينه لَكِن قَالَ بينتي غَائِبَة عَن الْبَلَد لم تقبل. الثَّالِثَة: لَو بَين دفعا فَاسِدا وَلَو كَانَ الدّفع صَحِيحا وَقَالَ بينتي حَاضِرَة فِي الْمصر يمهله إِلَى الْمجْلس الثَّانِي. كَذَا فِي جامعي الْفُصُولَيْنِ. والامهال هُوَ الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وعَلى هَذَا: لَو أقرّ بِالدّينِ فَادّعى إيفاءه أَو الابراء فَإِن قَالَ بينتي فِي الْمصر لَا يقْضى عَلَيْهِ بِالدفع، وَإِلَّا قضي عَلَيْهِ الدّفع بعد الحكم صَحِيح، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا ذكرته فِي الشَّرْح. مطلب: لَا يَصح الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة اهـ: أَي فَإِنَّهُ يسمع دَفعه وَإِن ادّعى على غَيره لقِيَام بَعضهم مقَام الْكل، حَتَّى لَو ادّعى مُدع على أحد الْوَرَثَة فبرهن الْوَارِث الآخر أَن الْمُدَّعِي أقرّ بِكَوْنِهِ مُبْطلًا فِي الدَّعْوَى تسمع كَمَا فِي الْبَحْر، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا لَهُم وَعَلَيْهِم. قَوْله: (ذكر من لَا يكون خصما) لَان معرفَة الملكات قبل معرفَة الاعدم، فَإِن قيل الْفَصْل مُشْتَمل على ذكر من يكون خصما أَيْضا قلت: نعم من حَيْثُ الْفرق لَا من حَيْثُ الْقَصْد الاصلي. عناية. قَوْله: (هَذَا الشئ أَو دعنيه الخ) أطلق قَوْله هَذَا فَشَمَلَ أَنه قَالَ ذَلِك وَبرهن عَلَيْهِ قبل تَصْدِيقه الْمُدَّعِي فِي أَن الْملك لَهُ أَو بعد تَصْدِيقه كَمَا فِي تَلْخِيص الْجَامِع، أَو أنكر كَونه ملكا لَهُ، فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ القَاضِي حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي بِأحد هَذِه الاشياء كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن قَوْله فِي التَّصْوِير زيد لغَائِب بِنَاء لما فِي الشُّرُوح فَيحمل على التَّمْثِيل، لَكِن فِي نور الْعين برمز قَشّ: ادّعى ذُو الْيَد وَدِيعَة وَلم يُمكنهُ إِثْبَاتهَا حَتَّى حكم للْمُدَّعِي وَنفذ حكمه ثمَّ لَو برهن على الايداع لَا يقبل، فَلَو قدم الْغَائِب فَهُوَ على حجَّته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 مطلب: لَا تنْدَفع الدَّعْوَى لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا يَقُول الحقير: فِيهِ إِشْكَال لما سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر هَذَا الْفَصْل نقلا عَن الذَّخِيرَة أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا، وَلَعَلَّه بِنَاء على أَن الدّفع بعد الحكم لَا يسمع، وَهُوَ خلاف القَوْل الْمُخْتَار كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا هُنَاكَ، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. وَأَشَارَ بقوله هَذَا الشئ إِلَى أَن الْمُدَّعِي بِهِ قَائِم كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح، إِذْ لَو كَانَ هَالكا لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، فَيَقْضِي بِالْقيمَةِ على ذِي الْيَد للْمُدَّعِي، ثمَّ إِن حضر الْغَائِب فَصدقهُ فِيمَا قَالَ فَفِي الْوَدِيعَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة يرجع الْمُدعى عَلَيْهِ على الْغَائِب بِمَا ضمن، وَلَا يرجع الْمُسْتَعِير وَالْغَاصِب وَالسَّارِق كَمَا فِي الْعمادِيَّة، وَإِلَى أَنه أَعم من أَن يكون مَنْقُولًا أَو عقارا كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح أَيْضا كَمَا فِي الْمَبْسُوط، وَظَاهر هَذَا القَوْل على أَن ذَا الْيَد ادّعى إِيدَاع الْكل أَو عاريته أَو رَهنه الخ. مطلب: قَالَ النّصْف لي وَالنّصف وَدِيعَة لفُلَان هَل تبطل الدَّعْوَى فِي الْكل وَفِي النّصْف؟ وَلَو ادّعى أَن نصفه وَنَحْوه ملكه وَنصفه الآخر وَدِيعَة فِي يَد لفُلَان الْغَائِب قيل لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي إِلَّا فِي النّصْف، وَإِلَيْهِ الاشارة فِي بُيُوع الْجَامِع الْكَبِير كَمَا فِي الذَّخِيرَة. وَقيل تبطل فِي الْكل لتعذر التَّمْيِيز، وَعَلِيهِ كَلَام الْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَالْبَحْر، وَاخْتَارَ فِي الِاخْتِيَار. وَلَكِن قَالَ صَاحب الْعمادِيَّة: فِي هَذَا القَوْل نظر، فَيظْهر مِنْهُ أَن الْمُخْتَار عِنْده عدم الْبطلَان فِي النّصْف. وَنقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ هَذَا النّظر من غير تعرض، وَكَذَا صَاحب نور الْعين، وَاقْتصر المُصَنّف عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ، وَلَو أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ وَلَمْ يزدْ لَا يكون دفعا. حموي مُلَخصا. قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بقوله: وَبرهن عَلَيْهِ أَي على مَا قَالَ إِلَى أَنه لَو برهن على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه لفُلَان وَلم يزِيدُوا فالخصومة بَينهمَا قَائِمَة كَمَا فِي خزانَة الاكمل. اهـ. لَكِن يُخَالِفهُ مَا ذكره بعد عَن الْبَزَّازِيَّة أَنَّهَا تنْدَفع فِي هَذِه الصُّورَة، وَكَذَا مُخَالف لما قدمه قبل أسطر عَن خزانَة الاكمل، لَكِن مَا قدمه فِيهِ الشَّهَادَة على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن رجلا دَفعه إِلَيْهِ وَمَا هُنَا على إِقْرَار بِأَنَّهُ لفُلَان بِدُونِ التَّصْرِيح بِالدفع، فَتَأمل. مطلب: حِيلَة إِثْبَات الرَّهْن على الْغَائِب قَوْله: (أَو رهننيه) هَذِه مِمَّا تصلح حِيلَة لاثبات الرَّهْن فِي غيبَة الرَّاهِن كَمَا فِي حيل الْوَلوالجِيَّة. مطلب: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة قَوْله: (زيد الْغَائِب) أَتَى باسم الْعلم لانه لَو قَالَ أودعينه رَحل لَا أعرفهُ لن تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدّفع، وَكَذَا فِي الشَّهَادَة كَمَا يذكرهُ الشَّارِحُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ. بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ حزانة الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ: لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَة بَينهمَا. مطلب: أطلق فِي الْغَائِب فَشَمَلَ الْبعيد والقريب وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا، قَوْله: (أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 غصبته مِنْهُ) المُرَاد أم الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ وَلَمْ يدع فعلا. وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَده يَد أَمَانَة أَو مَضْمُونَة وَالْملك لغيره. قَوْله: (وَبرهن عَلَيْهِ) مُرَاده بالبرهان: أَي بعد إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبُرْهَان على مدعاه، لانه لما ادّعى الْملك أنكرهُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَطلب مِنْهُ الْبُرْهَان، وَلم يقْض للْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا وَبرهن على الدّفع، وَلَا بُد من ذَلِك، حَتَّى لَو قضي للْمُدَّعى لم يسمع برهَان ذِي الْيَد كَمَا فِي الْبَحْر. لَكِن قدمنَا عَن نور الْعين معزيا للذخيرة أَن الْمُخْتَار خِلَافه، وَهُوَ أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا فَلَا تنسه، وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ إِذا لم يدع الايداع أَو ادَّعَاهُ وَلم يبرهن عَلَيْهِ لم يظْهر أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة فتوجهت عَلَيْهِ دَعْوَى الْخَارِج، وَصَحَّ الحكم بهَا بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْملك لانها قَامَت على خصم، ثمَّ إِذا أَرَادَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَن يثبت الايداع لَا يُمكنهُ، لانه صَار أَجْنَبِيّا يُرِيد إِثْبَات الْملك الْغَائِب وإيداعه، فَلم تَتَضَمَّن دَعْوَاهُ إبِْطَال الْقَضَاء السَّابِق، وَالدَّفْع إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ فِيهِ برهَان على إبِْطَال الْقَضَاء، وَلما لم يقبل برهانه وَلَا دَعْوَاهُ لما قُلْنَا لم يظْهر بطلَان الْقَضَاء، وعَلى هَذَا لَا نرد الْمَسْأَلَة وعَلى القَوْل الْمُخْتَار، فَلْيتَأَمَّل. قَالَ فِي نور الْعين: ادّعى ملكا مُطلقًا فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قد أقلت البيع فَلَو قَالَ الآخر إِنَّك أَقرَرت أَنِّي مَا أشتريته يسمع إِذا ثبتَتْ الْعَدَالَة، إِذْ وَيصِح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا وَقبل الحكم وَبعده، وَدفع الدّفع وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، حَتَّى لَو برهن عل مَال وَحكم لَهُ فبرهن خَصمه أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الحكم أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ بَطل الحكم. قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقُول: يَنْبَغِي أَن لَا يبطل الحكم لَو أمكن التَّوْفِيق بحدوثه بعد إِقْرَاره على مَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي فش أَنه لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك. يَقُول الحقير: قَوْله: يَنْبَغِي مَحل نظر، لَان مَا فِي ذَلِك بِنَاء على اخْتِيَار اشْتِرَاط التَّوْفِيق، وَعدم الِاكْتِفَاء بِمُجَرَّد إِمْكَان التَّوْفِيق كَمَا مر مرَارًا، فغقط متقدمو مَشَايِخنَا جوزوا دفع الدّفع، وَبَعض متأخريهم على أَنه لَا يَصح، وَقيل يَصح مَا لم يظْهر احتيال وتلبيس. فش: حكم لَهُ بِمَال ثمَّ رَفعه إِلَى قَاض آخر جَاءَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالدفع يسمع وَيبْطل حكم الاول، وَفِيه: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان، ثمَّ مضى وقتا الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ. يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل، وَيحكم على مذب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم. ا. هـ. ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة الْمُقْتَضِي عَلَيْهِ: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بالارث وَبرهن وَقضى ثمن ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ من شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاحها عِنْده. اه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 مطلب: أرد بالبرهان الْحجَّة سَوَاء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الْمُدَّعِي وَمرَاده بالبرها وجود حجَّة على مَا قَالَ، واء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الندعي كَمَا فِي الْبَحْر، وَقدمنَا مَا يدل عَلَيْهِ قَرِيبا، لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ لما فِي الْبَحْر أَيْضا عَن خزانَة الاكمل قَالَ: شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا نَدْرِي لمن هُوَ، فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، وَلَو لَك يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِن نكل فَلَا خصوة. ا. هـ. وَفِي الخزانة: وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خصما، وَإِن نكل فَلَا خُصُومَة ا. هـ. وَإِن ادّعى أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلفهُ الْحَاكِم بِاللَّه لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول. بَزَّازِيَّة. قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَالشّرط إِثْبَات هَذِه الاشياء دون الْملك، حَتَّى لَو شهدُوا بِالْملكِ للْغَائِب دون هَذِه الاشياء لم تنْدَفع الْخُصُومَة وَبِالْعَكْسِ تنْدَفع قَوْله: (وَالْعين قَائِمَة) مفهومة أَنَّهَا لَا تنْدَفع لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا وَسَيَأْتِي، وَبِه صرح فِي الْعِنَايَة أخدا من خزانَة الاكمل فَقَالَ: عبد هلك فِي يَد رجل أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَو آجره وَلم يُقْبَلْ وَهُوَ خَصْمٌ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي، أَمَّا لَوْ كَانَ غصبا لَمْ يَرْجِعْ. وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاك هَاهُنَا، فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقر عَلَيْهِ الضَّمَان. اهـ. وَكَأن الشَّارِح أَخذ التَّقْيِيد من الاشارة بقوله الْمَار هَذَا الشئ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وأشرنا إِلَيْهِ فِيمَا سبق. قَوْله: (وَقَالَ الشُّهُود نعرفه) أَي الْغَائِب الْمُودع باسمه وَنسبه. قَالَ فِي الْبَحْر: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكسه لم تنْدَفع. قَوْلُهُ: (أَوْ بِوَجْهِهِ) فَمَعْرِفَتُهُمْ وَجْهَهُ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْد الامام كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ أَيْضا) صَوَاب الْعبارَة: وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ واسْمه وَنسبه أَيْضا، أَو يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْمنح: فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنّسب. اهـ. وَمحل الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنّسب فشهدا بِمَجْهُول لَكِن قَالَا نعرفه بِوَجْهِهِ، أما لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إِجْمَاعًا. كَذَا فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف. قَوْله: (فَلَو حلف لَا يعرف فلَانا) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ ف مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ. وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تعرف اسْمه وَنسبه؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: إِذا لَا تعرفه وَكَذَا لَو حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَث. قَوْله: (ذكره الزَّيْلَعِيّ) عِبَارَته: وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا قَالَ الشُّهُود نَعْرِف صَاحب المَال وَهُوَ الْمُودع أَو الْمُعير باسمه وَنسبه وَوَجهه، لَان الْمُدَّعِي يُمكنهُ أَن يتبعهُ، وَإِن قَالُوا لَا نعرفه بشئ من ذَلِك لَا يقبل القَاضِي شَهَادَتهم وَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة عَن ذِي الْيَد بالاجماع، لانهم مَا أحالوا الْمُدَّعِي على رجل مَعْرُوف تمكن مخاصمته، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 وَلَو اندفعت لبطل حَقه، ولانه لَو كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودع لَا يبطل، وَإِن كَانَ غَيره يبطل، فَلَا يبطل بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَال دفعا للضَّرَر عَنهُ، إِلَّا إِذا أَحَالهُ على مَعْرُوف يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ كي لَا يتَضَرَّر الْمُدَّعِي، والمعرفة بِوَجْهِهِ فَقَط لَا تكون معرفَة الخ. وَالْحَاصِل على مَا يُؤْخَذ من كَلَامهم: إِذا قَالُوا نعرفه باسمه وَنسبه وَوَجهه تنْدَفع اتِّفَاقًا، وَإِن قَالُوا نعرفه بِوَجْهِهِ وَلَا نعرفه باسمه وَنسبه تنْدَفع عِنْد أبي حنيفَة، وَلَا تنْدَفع عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، فَإِنَّهُمَا يشترطان مَعْرفَته باسمه وَوَجهه، وَأما مَعْرفَته باسمه دون وَجهه فَلَا تَكْفِي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة) وَفِي الْمنح تبعا للبحر: وتعويل الائمة على قَول مُحَمَّد. قَوْلُهُ: (دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي بدفعها لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْفِعْل عَلَيْهِ كالغصب وَغَيره، لَان ذَا الْيَد صَار خصما للْمُدَّعِي بِاعْتِبَار دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ، فَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة بِإِقَامَة الْبَيِّنَة أَن الْعين لَيْسَ للْمُدَّعِي. زَيْلَعِيّ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. بَحْرٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ بعد الْبُرْهَان كَيفَ يتَوَهَّم وجوب الْحلف، أما قبله فقد نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ لَا عَلَى الْعِلْمِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْإِيدَاعَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا تَنْدَفِعُ بَلْ يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن صَاحب الْبَحْر لاحظ أَنه يُمكن قِيَاسه على مديون الْمَيِّت. تَأمل. قَالَ ط: وَأطلق فِي اندفاعها فَشَمَلَ مَا إِذا صدقه ذُو الْيَد على دَعْوَى الْملك ثمَّ دَفعه بِمَا ذكر فَإِنَّهَا تنْدَفع كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يشْتَرط أحد من أَئِمَّتنَا لقبُول الدّفع إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، فَقَوْل صَاحب الْبَحْر: وَلَا بُد من الْبُرْهَان من الْمُدَّعِي غير مُسلم، لانه لم يسْتَند فِيهِ إِلَى نقل أَبُو السُّعُود اهـ. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: شح قَالَ ذُو الْيَد أَنه للْمُدَّعِي إِلَّا أَنه أودعني فلَان تنْدَفع الْخُصُومَة لَو برهن، وَإِلَّا فَلَا. فش لَا تنْدَفع الْخُصُومَة إِذا صدقه. أَقُول: فعلى إِطْلَاقه يَقْتَضِي أَن لَا تنْدَفع وَلَو برهن على الايداع، وَفِيه نظر. اهـ. قَوْله: (للْملك الْمُطلق) أَي من غير زِيَادَة عَلَيْهِ، وَاحْترز بِهِ عَمَّا إِذا ادّعى عبدا أَنه ملكه وَأعْتقهُ فَدفعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكر وَبرهن فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، وَيَقْضِي بِالْعِتْقِ على ذِي الْيَد، فَإِن جَاءَ الْغَائِب وَادّعى وَبرهن أَنه عَبده أَو أَنه أعْتقهُ يقْضى بِهِ، فَلَو ادّعى على آخر أَنه عَبده لم يسمع. وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَاد وَالتَّدْبِير. وَلَو أَقَامَ العَبْد بَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَهُوَ يملكهُ فبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع فلَان الْغَائِب بِعَيْنِه يقبل، وَبَطلَت الْبَيِّنَة العَبْد، فَإِذا حضر الْغَائِب قيل للْعَبد أعد الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، فَإِن أَقَامَهَا قضينا بِعِتْقِهِ وَإِلَّا رد عَلَيْهِ، وَلَو قَالَ العَبْد أَنا حر الاصل قبل قَوْله، وَلَو برهن ذُو الْيَد على الايداع، وَلَا يُنَافِيهِ دَعْوَى حريَّة الاصل، فَإِن الْحر قد يودع، وَكَذَا الاجارة والاعارة. وَأما فِي الرَّهْن قَالَ بَعضهم: الْحر قد برهن. وَقَالَ بَعضهم: لَا يرْهن، فَتعْتَبر الْعَادة. كَذَا فِي خزانَة الاكمل. اهـ. لَكِن قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالُوا الْحر لَا يجوز رَهنه لانه غير مَمْلُوك. وَأَقُول: فَلَو رهن رجل قرَابَته كابنه أَو أَخِيه على مَا جرت بِهِ عَادَة السلاطين فَلَا حكم لَهُ لقَوْله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 تَعَالَى: * (فرهان مَقْبُوضَة) * (الْبَقَرَة: 382) . وَالْحر لَا تثبت عَلَيْهِ الْيَد. قَالَ بَعضهم: وَرَأَيْت فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم وَهُوَ النَّخعِيّ قَالَ: إِذا رهن الرجل الْحر فَأقر بذلك كَانَ رهنا حَتَّى يفكه الَّذِي رَهنه أَو يفك نَفسه. وَجه كَلَام النَّخعِيّ الْمُؤَاخَذَة بِإِقْرَارِهِ اهـ. وَمن الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْوَقْف وَدَعوى غلبته. قَالَ فِي الْبَحْر: لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه فبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عُرِفَ ذُو الْيَدِ بِالْحِيَلِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعَهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً على أَن فلَانا أودعهُ فَيبْطل حَقه. أَفَادَهُ الْحلَبِي. قَوْله: (وَبِه يُؤْخَذ ملتقى) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار. قَالَ فِي التَّبْيِين: فَيجب على القَاضِي أَن ينظر فِي أَحْوَال النَّاس وَيعْمل بِمُقْتَضى حَالهم، فقد رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَى هَذَا القَوْل بعد مَا ولي الْقَضَاء وابتلي بِأُمُور النَّاس وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان اهـ. وَمثله فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة. قَوْله: (لَان فِيهَا أَقْوَال خَمْسَة عُلَمَاء) الاول: مَا فِي الْكتاب. الثَّانِي: قَول أبي يُوسُف: إِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ صَالحا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ. الثَّالِث: قَول مُحَمَّد: إِنَّه لَا بُد من معرفَة الِاسْم وَالنّسب. وَالْوَجْه الرَّابِعُ، قَوْلُ ابْن شُبْرُمَةَ: إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنهُ مُطلقًا لانه تعذر إِثْبَات الْملك للْغَائِب لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفَعَ الْخُصُومَةَ بِنَاءً عَلَيْهِ. الْخَامِسُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة لاقرار بِالْملكِ للْغَائِب، وَقد علم مِمَّا ذكر من قَول مُحَمَّد: إِن الْخلاف لم يتوارد على مورد وَاحِد. وشبرمة بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء، واسْمه عبد الله بن صبية بِفَتْح الصَّاد وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الطُّفَيْل أحد فُقَهَاء الْكُوفَة، ونظمها بَعضهم فَقَالَ: إِذا قَالَ: إِنِّي مُودع كَانَ دافعا لمن يَدعِي ملكا لَدَى ابْن أبي ليلى كَذَا عندنَا إِن جَاءَ فِيهِ بِحجَّة وَلم تنْدَفع عِنْد ابْن شبْرمَة الدَّعْوَى وَيَكْفِي لَدَى النُّعْمَان قَول شُهُوده بِأَنا عرفنَا ذَلِك الْمَرْء بالمرأى كَذَاك لَدَى الثَّانِي إِذا كَانَ مصلحا وَآخرهمْ يَأْبَى إِذا لم يكن سمى قَوْله: أَو لَان صورها خمس هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْمَتْن. قَوْله: (عَيْني) لم يقْتَصر الْعَيْنِيّ على هَذَا الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكر الِاحْتِمَالَيْنِ. قَوْله: (وَفِيه نظر الخ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وَكَّلَنِي يَرْجِعُ إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَأَسْكَنَنِي إلَى أَعَارَنِيهِ وَسَرَقْته مِنْهُ إلَى غَصَبْته مِنْهُ، وَضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَهِيَ فِي يَد مُزَارَعَةً إلَى الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، فَلَا يُزَادُ على الْخمس بِحَسب أُصُولهَا، وَإِلَّا فبحسب الْفُرُوع أحد عشر كَمَا ذكره الشَّارِح، وَبِه ينْدَفع التنظير ويندفع مَا أوردهُ صَاحب الْبَحْر على الْبَزَّازِيَّة، وَنسبَة الذهول إِلَيْهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. قَوْله: (أَو أسكنني فِيهَا زيد الْغَائِب الخ) هِيَ وَمَا قبلهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بالامانة: أَي الْوَدِيعَة وَالْعَارِية. وَفِي الْكَافِي: ادّعى دَارا أَنَّهَا دَاره فبرهن ذُو الْيَد أَن فلَانا أسْكنهُ بهَا، فَهَذَا على أَرْبَعَة أوجه: إِن شَهدا بِإِسْكَان فلَان وتسليمه أَو بإسكانه وَكَانَت فِي يَد سَاكن يَوْمئِذٍ أَولا فِي يَد السَّاكِن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 تنْدَفع، وَإِن قَالُوا: كَانَت يَوْمئِذٍ فِي يَد ثَالِث لَا تقبل. أما الاول: فلانهما شَهدا على إسكان صَحِيح لَان الصَّحِيح يكون فِيهِ تَسْلِيم وتسلم. وَكَذَا الثَّانِي: لَان الْقَبْض الْمَوْجُود عقب العقد يُضَاف إِلَيْهِ. وَكَذَا الثَّالِث: لَان تحكيم الْحَال لمعْرِفَة الْمِقْدَار أصل مُقَرر وَالرَّابِع فَاسد. قَوْله: (أَو سَرقته مِنْهُ) هِيَ وَالَّتِي بعْدهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بِالْغَصْبِ. قَوْله: (أَو انتزعته مِنْهُ) عبر فِي الْبَحْر بدل بدله بقوله أَو أَخَذته مِنْهُ وَالْحكم وَاحِد ط. قَوْله: (بَحر) ذكر فِيهِ بعد هَذَا نَا نَصه: وَإِلَّا ولان رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ لَمْ يَشْهَدْ فِي الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ، فَالصُّوَرُ عَشْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِر فِي الْخمس. اهـ. وَقد علمت أَن عدم انحصارها بِحَسب فروعها، وَإِلَّا فعلى مَا قَرَّرَهُ من رُجُوع الْخَمْسَة المزيدة إِلَى الْخَمْسَة الاصول فَهِيَ منحصرة، فَالْمُرَاد انحصار أُصُولهَا فِي الْخَمْسَة، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِ مَا زَادَهُ لي مَا ذُكِرَ لَا مَحَلَّ لِلِاعْتِرَاضِ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ. تَأمل. قَوْله: (أَو هِيَ فِي يَدي مُزَارعَة) مُقْتَضى كَلَامهَا أَن هَذِه لَيْسَتْ فِي الْبَحْرِ مَعَ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِيهِ ح. قَوْله: (ألحق) بِصِيغَة الْمَاضِي الْمَعْلُوم. قَوْله: (الْمُزَارعَة بالاجارة) من حَيْثُ إِن الْعَامِل إِذا دفع الْبذر مِنْهُ كَانَ مُسْتَأْجرًا لَهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَت الارض لوَاحِد وَالْبذْر وَالْعَمَل للْآخر، فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ أجره أرضه بِمَا شَرطه من الْخَارِج. قَوْله: (أَو الْوَدِيعَة) من حَيْثُ عدم الضَّمَان لنصيب صَاحبه إِذا ضَاعَ مِنْهُ من غير تعد كَمَا إِذا كَانَ الْعَمَل لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر، أَو الْعَمَل وَالْبَقر فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهُ، أَو اسْتَأْجرهُ مَعَ بقره ليعْمَل لَهُ فِي أرضه ببذر صَاحب الارض وَصَارَت الارض وَالْبذْر فِي يَد الْعَامِل بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة. قَوْله: (قل) أَي فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (فَلَا يُزَاد على الْخمس) أَيْ لَا تُزَادُ مَسْأَلَةُ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي زَادَهَا الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُزَاد لباقية أَيْضا، لَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة لم يبين إِلَّا إِلْحَاق الْمُزَارعَة، وَمَا فِي الْبَحْر من رُجُوع الاولين إِلَى الامانة وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة إِلَى الضَّمَان لَيْسَ فِيهِ بَيَان إِلْحَاق، لَان الامانة وَالضَّمان ليستا من الْمسَائِل الْخمس، غَايَته أَنه بَين أَن بَعْضهَا، رَاجع إِلَى الامانة والامانة أَنْوَاع، وَكَذَا الضَّمَان. نعم قَوْله أسكنني فِيهَا رَاجع إِلَى الْعَارِية، وَهِي من الصُّور الْخمس وانتزعته مِنْهُ رَاجع إِلَى الْغَصْب، وَهُوَ كَذَلِك فَألْحق أَنَّهَا ثَمَان صور أَو تسع، لَان الْمُزَارعَة وَإِن رجعت إِلَى غَيرهَا لَكِنَّهَا تميزت باسم على حِدة وَكَذَا بِأَحْكَام، فَإِن الاجارة بِالْمَجْهُولِ وَإِعْطَاء الاجير من عمله مَشْرُوطَة لَهُ ذَلِك لَا يَصح، وفيهَا يَصح. قَوْله: (وَقد حررته فِي شرح الْمُلْتَقى) حَيْثُ عمم قَوْله: غبته مِنْهُ بقوله وَلَو حكما، فَأدْخل فِيهِ بقوله أَوْ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ انْتَزَعْته مِنْهُ، وَكَذَا عَمَّمَ قَوْلَهُ أَوْدَعَنِيهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا، فَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُحَرَّرٌ أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّهُ هُنَا أَرْسَلَ الِاعْتِرَاضَ، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ فأوهم خُرُوج مَا عَداهَا عَمَّا ذَكَرُوهُ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ كَمَا عَلِمْت، فَافْهَم. مطلب: إِذا حضر الْغَائِب وَصدق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضمن للْمُدَّعِي وَحَاصِل مَا يُقَال: أَنه إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْن رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 ضمن للْمُدَّعِي، لانه هُوَ الَّذِي أوقعه فِي هَذِه الْمسَائِل لانه عَامل لَهُ، أما فِي الايداع فَظَاهر. وَأما فِي الاجارة: فُلَانُهُ لما أَخذ الْبَدَل صَار كَأَنَّهُ هُوَ المستوفي للمنفعة باستيفائه بدلهَا فَصَارَ الْمُسْتَأْجر عَاملا لَهُ، وَكَذَا الرَّاهِن فَإِنَّهُ موف لدينِهِ بِالرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهن مستوف بِهِ دينه فَأشبه عقد الْمُعَارضَة، فَإِن مَنْفَعَة الرَّهْن لَهُ ليحصل بِهِ غَرَضه عَن وُصُوله إِلَى الدّين، أما لَو كَانَ غصبا فلَان ضَمَان الْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَقد أَدَّاهُ فَلَا يرجع بِهِ على غَيره، لَكِن ظَاهر كَلَام الْمنح أَنه لَيْسَ للْمقر لَهُ رُجُوع عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ بعد اسْتِيفَاء الْمُدَّعِي، لانه صَار مُكَذبا شرعا فِي إِقْرَاره للْغَائِب، وَكَذَا الْعَارِية، لَا يرجع فِيهَا على الْمُعير، لَان الْمُسْتَعِير عَامل لنَفسِهِ، والمعير محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا رُجُوع لَهُ على معيره. وَيَنْبَغِي أَن يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ، والمسروق مِنْهُ كالمغصوب مِنْهُ. وَينظر فِي اللّقطَة هَل يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ؟ يتَأَمَّل فِي ذَلِك. والمزارعة كالاجارة. قَوْله: (وَإِن كَانَ هَالكا) مُحْتَرز قَوْله وَالْعين قَائِما، وَقد سبق أَنه يَدعِي الدّين عَلَيْهِ وَهُوَ قيمَة الْهَالِك، وإيداع الدّين لَا يُمكن وَكَذَا أَخَوَات الايداع. قَوْله: (أَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ) لانهم مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل، وَلَو اندفعت لبطل حَقه كَمَا مر. لَكِن قد يُقَال: إِن مُقْتَضى الْبَيِّنَة لشيئين ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يثبت، وَدفع خُصُومَة الْمُدَّعِي وَهُوَ خصم فَيثبت. وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الْمَجْهُول أَن لَا يثبت للْمَجْهُول وتندفع خُصُومَة الْمُدَّعِي. تَأمل. قَوْله: (أَو أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة) كيد الْملك فَإِن القَاضِي يقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي، لَان ذَا الْيَد لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خصما. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَمْ تُسْمَعْ. قَوْله: (قَالَ ذُو الْيَد اشْتَرَيْته) وَلَو فَاسِدا مَعَ الْقَبْض كَمَا فِي الْبَحْر، وَأطلق فِي الشِّرَاء فَعم الْفَاسِد كَمَا فِي أدب القَاضِي، وَأَشَارَ إِلَى أَن المُرَاد من الشِّرَاء الْملك الْمُطلق، وَلَو هبة كَمَا يذكر. وَحَاصِل هَذِهِ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ: يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا. بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِذَا لم تنْدَفع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ ثمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبَ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّ الْغَائِب لم يصر مقضيا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً. اهـ. لَكِن فِيهِ أَن الْقَضَاء على ذِي الْيَد قَضَاء على من تلقى ذُو الْيَد الْملك مِنْهُ أَيْضا، فَلَا تسمع دَعْوَاهُ أَيْضا إِلَّا إِذا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه كَمَا تقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق. تَأمل. وَحِينَئِذٍ فَيجب تصويرها فِيمَا إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ: هَذَا الشئ ملك فلَان الْغَائِب وَلم يزدْ على ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الدَّعْوَى عَنهُ بذلك، فَإِذا جَاءَ الْمقر لَهُ الخ فبناؤها على مَا قبلهَا غير صَحِيح، وَهُوَ خلط مَسْأَلَة بِمَسْأَلَة. تَأمل. قَوْله: (أَو اتهبته من الْغَائِب) أَي وقبضته، وَمثلهَا الصَّدَقَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا كَمَا ترى لَيْسَ فِيهِ إِلَّا دَعْوَى مَا ذكر من غير أَن يَدعِي ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعهَا من الْغَائِب، فَلَو ادّعى ذَلِك: أَي وَبرهن تقبل وتندفع الْخُصُومَة، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد ذَلِك وَإِن لم يدع تلقى الْملك من الْغَالِب ط. قَوْله: (أَو لم يدع الْملك الْمُطلق) الضَّمِير فِي يَدعِي يرجع إِلَى الْمُدَّعِي لَا إِلَى ذِي الْيَد، والاوضح إِظْهَاره لدفع التشتيت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 وَقد سبق بَيَانه. قَوْلُهُ: (بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ الْفِعْلَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ على غَيره فَدفعهُ ذُو الْيَد لوَاحِد مِمَّا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. بَحْرٌ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبَ مِنِّي إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَرْهَنَ يُنَافِيهِ مَا سننقله عَن نور الْعين مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُتُون بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي غصبته مني أَو سرق مني، ذكر الْغَصْب وَالسَّرِقَة تَمْثِيلٌ، وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيد ملك الرَّقَبَة لَهُ لَا يدْفع. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. بَحْرٌ. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُول: كَأَن قَالَ سرق مني. قَوْله: (وبناه للْمَفْعُول للستر عَلَيْهِ) والاولى لدرء الْحَد عَنهُ، لَان السّتْر يحْتَاج إِلَيْهِ كل من السَّارِق وَالْغَاصِب، لَان فعلهمَا مَعْصِيّة، لَكِن الْغَصْب لَا حد فِيهِ وَالسَّرِقَة فِيهَا الْحَد، وَيعلم بالاولى حكم مَا إِذا بناه للْفَاعِل فقد نَص على الموهوم وَمَوْضِع الْخلاف، فَإِن مُحَمَّدًا يَجْعَلهَا كالغصب، فَلَو بناه للْفَاعِل فَهُوَ مَحل اتِّفَاق على عدم صِحَة الدّفع. قَوْله: (فَكَأَنَّهُ قَالَ سَرقته مني) فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة اتِّفَاقًا لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَأما سرق مني فَهُوَ عِنْد الامام الاول وَالثَّانِي. وَمُحَمّد يَقُول: تنْدَفع الْخُصُومَة، لانه لم يدع عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ كَقَوْلِه غصب مني، وقولهما اسْتِحْسَان، لانه فِي معنى سَرقته مني، وَإِنَّمَا بناه للْمَفْعُول لما قدمْنَاهُ لدرء الْحَد الخ. قَوْله: (بِخِلَاف غصب مني) أَي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، فَإِن الْخُصُومَة تنْدَفع فِيهِ لاحْتِمَال أَن الْغَاصِب غير ذِي الْيَد. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَا أَخذ مني. اهـ. وَمفَاده أَن الاخذ كالغصب كَمَا تقدم. قَوْله: (أَو غصبه مني فلَان الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (وَهل تنْدَفع) أَي خُصُومَة الْمُدَّعِي بِالْمَصْدَرِ بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي هَذَا ملكي وَهُوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ غصب فبرهن ذُو الْيَد عَن الايداع وَنَحْوه، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع. أما فِي السّرقَة فَيجب أَن لَا تنْدَفع كَمَا فِي بنائِهِ للْمَفْعُول. خير الدّين على الْمنح. وَمِثَال السّرقَة أَن يَقُول: هَذَا ملكي فِي يَده سَرقَة. قَوْله: (الصَّحِيح لَا) أَي لَا تنْدَفع بل تتَوَجَّه الْخُصُومَة عَلَيْهِ لما قُلْنَا. وَقيل تنْدَفع لعدم دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدِهِ غُصِبَ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع. بَحر. قَوْله: (أودعنيه) ظَاهر الْبَزَّازِيَّة أَو الْوَدِيعَة مِثَال. وعبارتها: لَو برهن الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَهُ سرقت مِنْهُ لَا ينْدَفع وَإِن برهن الْمُدعى عَلَيْهِ على الْوُصُول إِلَيْهِ بِهَذِهِ الاسباب. قَوْلُهُ: (وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تنْدَفع، وَإِن لم تنْدَفع بِإِقَامَة الايداع بِثُبُوت إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة. بَحر. قَوْله: (لَا تنْدَفع فِي الْكل) أَي فَيَقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي. قَوْله: (لما قُلْنَا) أَي من أَنه أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة، أَمَّا فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ فَأَشَارَ إلَى عِلَّةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِيَدِ الْخُصُومَةِ، وَإِلَى عِلَّةِ الثَّانِيَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 بِقَوْلِهِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ: أَيْ فَإِنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا عِلَّةُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا فَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذمَّته لغيره، فَلَا تنْدَفع كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا عِلَّةُ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ، وَهِيَ أَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ مخاصمته. كَذَا قيل. قَوْله: (قَالَ) أَي ذُو الْيَد. قَوْله: (ثمَّ قَالَ فِي مَجْلِسه) أَي مجْلِس الحكم. قَوْله: (وَلَو برهن الْمُدَّعِي) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: تَطْوِيل من غير فَائِدَة، والاخضر الاوضح أَن يَقُول: إِلَّا إِذا برهن الْمُدَّعِي على ذَلِك الاقرار، ومحصله: إِن ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي إِقْرَاره فِي غير مجْلِس الحكم لَا يقبل إِلَّا إِذا برهن عَلَيْهِ. قَوْله: (يَجعله الخ) أَي يَجْعَل الْحَاكِم ذَا الْيَد خصما فَيحكم عَلَيْهِ بإثباته للْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (لِسَبْقِ إقْرَارٍ) بِإِضَافَةِ سَبْقٍ إلَى إقْرَارٍ وَيمْنَع فعل مضارع وَالدَّفْع مَفْعُوله وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التعقد. قَوْله: (يمْنَع الدّفع) أَي دفع ذِي الْيَد بِأَنَّهُ عَارِية مثلا من فلَان. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُدَّعِي الَّذِي يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ، وَقيد بِهِ للِاحْتِرَاز عَمَّا لَو ادّعى الشِّرَاء من فلَان الْغَائِب الْمَالِك وَبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع غَائِب آخر مِنْهُ لَا تنْدَفع. ذكره فِي الْبَحْر. قَوْلُهُ: (أَيْ بِنَفْسِهِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ لَا تَفْسِير لقَوْله ذَلِك ح. قَوْله: (لم تنْدَفع) أَي الْخُصُومَة بِلَا بَيِّنَة، لانه لَمْ يُثْبِتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكيله لانكار المُشْتَرِي. بَحر. ولان الْوكَالَة لَا تثبت بقوله. مِعْرَاج. قَوْله: (دفعت الْخُصُومَة) جَوَاب إِن. قَوْله: (وَإِن لم يبرهن) لم يذكر يَمِين ذِي الْيَد وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الايداع يحلف على الْبَتَات انْتهى. بَحر. قَوْله: (لتوافقهما أَن أصل الْملك للْغَائِب) فَيكون وصولها إِلَى يَده من جِهَته فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (اشْتَرَيْته) أَي من الْغَائِب. قَوْله: (ووكلني بِقَبْضِهِ) أَي مِنْك: أَعنِي وَاضع الْيَد فَيَأْخذهُ لكَونه أَحَق بِالْحِفْظِ. عَيْني. قَوْله: (وَبرهن) أَي فَحِينَئِذٍ يَصح دَعْوَاهُ. وَالْحَاصِل: أَنه بِدَعْوَى الْوَدِيعَة ينْدَفع الْمُدَّعِي إِلَّا إِذا ادّعى أَنه اشْتَرَاهُ من الْغَائِب، وَأَن البَائِع أمره بِالْقَبْضِ. قَوْله: (بِإِقْرَارِهِ) أَي بِإِقْرَار ذِي الْيَد والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تسري على الْمَالِك. وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة: أَن الْمُدَّعِي ادّعى الْملك بِسَبَب من جِهَة الْغَائِب فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَن يَده من الْغَائِب، فقد اتفقَا على أَن الْملك فِيهِ للْغَائِب فَيكون وصولها إِلَى ذِي الْيَد من جِهَته، فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة، إِلَّا أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ كَونه كَونه أَحَق بإمساكها، وَلَو صدقه ذُو الْيَد فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يكون قَضَاء على الْغَائِب. قَوْله: (وَهِي عَجِيبَة) سبقه على التَّعَجُّب الزَّيْلَعِيّ، وَلَا عجب أصلا لَان إِقْرَاره على الْغَيْر غير مَقْبُول، لَان الاقرار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى إِلَى غير الْمقر، وَقد اتفقَا على أَن الْمُدعى بِهِ ملك الْغَائِب فَلَا ينفذ إِقْرَار مودعه عَلَيْهِ، وَلها نَظَائِر كَثِيرَة كمتولي الْوَقْف وناظر الْيَتِيم فَإِنَّهُ يلْزمه بالبرهان لَا بالاقرار، وَتَقَدَّمت هَذِه بِعَينهَا فِي كتاب الْوكَالَة أَن الْمُودع لَو أقرّ لَهُ أَن الْمُودع وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة لَا يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لعدم نُفُوذ إِقْرَار الْمُودع على الْمُودع فِي إبِْطَال يَده، وَلَو برهن على الْوكَالَة أَمر بِالدفع إِلَيْهِ، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ مديون الْغَائِب وَادّعى عَلَيْهِ شخص الْوكَالَة بِالْقَبْضِ وَصدقه فَإِنَّهُ يدْفع إِلَيْهِ لَان الدُّيُون تقضي بأمثالها، فَكَانَ إِقْرَارا على نَفسه لَا على الْغَائِب، وَيُمكن أَن يُقَال فِي وَجه الْعجب: أَن فِي كل من الْمَسْأَلَتَيْنِ قَضَاء على الْغَائِب، وَقد أَمر بِالتَّسْلِيمِ فِي الاولى دون الثَّانِيَة، ولانا نلزمه بِالتَّسْلِيمِ بالبرهان لَا بالاقرار. تَأمل. قَوْله: (وَلَو ادّعى أَنه لَهُ) قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِفُلَانٍ كَمَا يظْهر من الْعلَّة. قَوْلُهُ: (انْدَفَعَتْ) أَيْ بِلَا بَيِّنَةٍ. نُورُ الْعَيْنِ. قَوْله: (وَلَو كَانَ مَكَان الْغَصْب سَرقَة لَا تنْدَفع) أَي دَعْوَى سَرقَة الْغَائِب، وَفِيه أَنَّهُمَا توافقا أَن الْيَد لذَلِك الرجل. قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَقد سَأَلت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ. فَأَجَابَ بِالرَّهْنِ، فأجبت إِن ادَّعَت الاخت غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ اندفعت وَإِن ادَّعَت السّرقَة لَا، وَالله تَعَالَى أعلم: أَيْ لَا تَنْدَفِعُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ تَقْيِيدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ ذُو الْيَد بِوَاحِد مِمَّا ذكر وَبرهن تنْدَفع كدعوى الْملك الْمُطلق، فَيجب أَن يحمل كَلَامه هُنَا عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا للْمَجْهُول لتَكون الدَّعْوَى على ذِي الْيَد، وَإِن أبقى على ظَاهره يكون جَريا على مُقَابل الِاسْتِحْسَان الْآتِي قَرِيبا، لَكِن يُنَافِي الْحمل الْمَذْكُور قَوْلُهَا أَنَّ أَخَاهَا أَخَذَهُ مِنْ بَيْتِهَا. تَأَمَّلْ، وَقيد بقوله غصبه مِنْهُ أَو سَرقه للِاحْتِرَاز عَن قَوْلِهِ إنَّهُ ثَوْبِي سَرَقَهُ مِنِّي زَيْدٌ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ اسْتِحْسَانًا. يَقُولُ الْحُقَيْرُ: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَن الْغَصْب إِزَالَة الْيَد المحققة بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ، إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَةِ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى. نُورُ الْعَيْنِ. وَهَذَا أولى مِمَّا قَالَهُ السَّائِحَانِيُّ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ سُرِقَ مِنِّي، أَمَّا لَوْ قَالَ سَرَقَهُ الْغَائِبُ مِنِّي فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ الْيَدَ لِلْغَائِبِ، وَصَارَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَفَادَ أَنَّهَا مَبْنِيَّة لِلْفَاعِلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفُصُولَيْنِ، فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ قِيَاسا واستحسانا انْتهى. قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) قدمنَا وَجهه قَرِيبا عَن نور الْعين، وَلَعَلَّ وَجهه أَيْضا دفع إِفْسَاد السراق، لَان الضَّرُورَة فِي السّرقَة أعظم من غَيرهَا لانها تكون خُفْيَة، وَلذَا شرع فِيهَا الْحَد. قَوْله: (لم يكن الثَّانِي خصما للاول) أَي مَا لم يدع عَلَيْهِ فعلا أَو حَتَّى يحضر الْمَالِك بِمَنْزِلَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 الْمُسْتَعِير، لانه لَا يَدعِي ملك الْعين فَلَا يكون خصما للاول. اهـ. عبد الْبر. وَلَا يحْتَاج فِي دفع هَذِه إِلَى الْبَيِّنَة لاتِّفَاقهمَا على ملك زيد وَأَنه صَاحب الْيَد. قَوْله: (وَلَا لمُدعِي رهن أَو شِرَاء) لما ذكرنَا من الْعلَّة. قَوْله: (أما المُشْتَرِي فخصم للْكُلّ) وَكَذَلِكَ الْمَوْهُوب لَهُ: أَي من يَدعِي الشِّرَاء أَو الْهِبَة مَعَ الْقَبْض إِذا برهن يكون خصما للْمُسْتَأْجر، ولمدعي الرَّهْن ولمدعي الشِّرَاء. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: بِيَدِهِ دَار زعم شراءها من فلَان الْغَائِب أَو صَدَقَة مَقْبُوضَة وَهبة مُنْذُ شهر أَو أمس وَبرهن أَولا وَبرهن آخرا أَن ذَلِك الْغَائِب رَهنهَا مُنْذُ شهر وأجرها أَو أعارها وَقَبضهَا يحكم بهَا للْمُسْتَعِير، وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُرْتَهن، ثمَّ ذُو الْيَد بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم الْمُدَّعِي وتربص إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة أَو فك الرَّهْن، وَإِن شَاءَ نقض البيع، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي برهن أَن الدَّار لَهُ أعارها أَو أجرهَا أَو رَهنهَا من الْغَائِب أَو اشْتَرَاهَا الْغَائِب مِنْهُ وَلم ينْقد الثّمن قبل أَن يَشْتَرِيهَا ذُو الْيَد يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي فِي الْوُجُوه كلهَا، أما فِي الاعارة فلعدم اللُّزُوم، وَأما فِي الاجارة فُلَانُهُ عذر فِي الْفَسْخ لانه يُرِيد إِزَالَتهَا عَن ملكه، وَأما فِي الشِّرَاء فلَان لَهُ حق الِاسْتِرْدَاد لِاسْتِيفَاء الثّمن، فَإِذا دفع الْحَاكِم الدَّار إِلَى الْمُدَّعِي: فَإِن كَانَ أجرهَا وَلم يقبض الاجرة أخد مِنْهُ كَفِيلا بِالنَّفسِ إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة، وَإِن كَانَ قبض الاجرة أَو كَانَ ادّعى رهنا لَا تدفع للْمُدَّعِي تُوضَع على يَد عدل. وَفِي الْقنية: فَلَو ادّعى ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعَ الْعين للْغَائِب وَبرهن ذكر فِي أَجنَاس الناطفي أَنَّهَا تقبل وتندفع الْخُصُومَة. قَوْله: (يُمْهل إِلَى الْمجْلس الثَّانِي) أَي مجْلِس القَاضِي، وَظَاهر الاطلاق يعم مَا طَال فَصله وَقصر، وَهَذَا بعد السُّؤَال عَنهُ وَعلمه بِأَنَّهُ دفع صَحِيح كَمَا تقدم قبيل التَّحْكِيم. قَوْله: (للْمُدَّعِي تَحْلِيف مدعي الايداع على الْبَتَات) يَعْنِي إِذا ادّعى شِرَاء شئ من زيد وَادّعى ذُو الْيَد إيداعه مِنْهُ فَإِنَّهَا تنْدَفع الْخُصُومَة من غير برهَان لاتِّفَاقهمَا على أَن أصل الْملك الْغَائِب، لَكِن لمُدعِي الشِّرَاء تَحْلِيف دي الْيَد على الايداع على الْبَتّ لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول. وَفِي الذَّخِيرَة: لَا يحلف ذُو الْيَد على الايداع لانه مدعي الايداع وَلَا حلف على الْمُدَّعِي، وَلَو حلف أَيْضا لَا تنْدَفع، وَلَكِن لَهُ أَن يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم. اهـ. فَأفَاد بِذكر عبارَة الذَّخِيرَة أَن مَا نَقله أَولا مَعْنَاهُ أَن حَقه لَو حلف يحلف على الْبَتَات، وَلكنه بحلفه لَا تنْدَفع الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهر، وَلذَا قَالَ فِي الدُّرَر: الظَّاهِر أَن التَّحْلِيف يَقع على التَّوْكِيل لَا على الايداع فَإِن طلب مدعي الايداع يَمِين مدعي التَّوْكِيل بِنَاء على مَا ادّعى من الايداع وَعجز عَن إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهِ حلف على الْبَتَات: يَعْنِي على عدم تَوْكِيله إِيَّاه لَا على عدم علمه بتوكيله إِيَّاه. وَعبارَة الدُّرَر غير صَحِيحَة لانه جعل الْيَمين على مدعي التَّوْكِيل، وَإِنَّمَا هِيَ على الْمُدعى عَلَيْهِ: أَي مدعي الايداع كَمَا هُوَ ظَاهر من قَول الْكَافِي، فَإِن طلب الْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء يَمِينه: أَي يَمِين مدعي الايداع. كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة، وَعجز الْمُدَّعِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات وَلَكِن فِي تَحْلِيفه حِينَئِذٍ على الْبَتَات. تَأمل. لانه تَحْلِيف على فعل الْغَيْر فَلِذَا اضْطَرَبَتْ عباراتهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَحَاصِل كَلَام الشَّارِح للْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء من الْغَائِب وتوكيله إِيَّاه بِالْقَبْضِ إِذا جحد مدعي الايداع تَوْكِيله إِيَّاه وَعجز عَن الْبُرْهَان أَن يحلف مدعي الايداع بِاللَّه مَا وَكله الْغَائِب بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه على الْبَتَات لَا على الْعلم، لَكِن ينظر هَل هَذَا مُوَافق لعبارة الدُّرَر فَيصح عزوه إِلَيْهَا وَيُمكن حمل كَلَام الدُّرَر على مَا إِذا ادّعى الشِّرَاء وَالتَّوْكِيل بِالْقَبْضِ، فَإِن برهن قبل برهانه وَله أَخذه، فَإِن عجز عَن الْبُرْهَان وَطلب يَمِين مدعي الايداع على مَا ادّعى من الايداع حلف على الْبَتَات. قَالَ عزمي: وَهُوَ صَرِيح عبارَة التسهيل حَيْثُ قَالَ: وَحلف ذُو الْيَد على الايداع بِطَلَب مدعي البيع إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة على التَّوْكِيل. اهـ. وَعَلِيهِ فَكَانَ على الشَّارِح أَن يذكر هَذَا الْفَرْع فِي مَحَله كَمَا نَقله صَاحب الدُّرَر. فَتَأمل. وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة وَعجز الْمُدَّعِي عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة) وعبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: وَإِن ادّعى ذُو الْيَد الْوَدِيعَة وَلم يبرهن عَلَيْهَا وَأَرَادَ أَن يحلف أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلف الْحَاكِم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِاللَّه تَعَالَى لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لكنه تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول، وَإِن طلب الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين الْمُدَّعِي فعلى الْعلم بِاللَّه تَعَالَى مَا يعلم إِيدَاع فلَان عِنْده لانه فعل الْغَيْر وَلَا تعلق لَهُ بِهِ. اهـ. قَوْله: (ابْن ملك) ذكر ذَلِك فِي جَوَاب سُؤال ورد على دفع الدَّعْوَى بِأحد الامور الْمُتَقَدّمَة، وَنَصه: فَإِن قيل ذُو الْيَد خصم ظَاهرا وَدفع الْخُصُومَة عَن نَفسه تَابع لثُبُوت الْملك للْغَائِب، وَهَذِه الْبَيِّنَة لم تثبته، فَكيف يثبت التَّابِع بِلَا ثُبُوت الاصل؟ قُلْنَا: هَذِه الْبَيِّنَة تَقْتَضِي أَمريْن: أَحدهمَا: الْملك للْغَائِب، وَهُوَ لَيْسَ يخصم فِيهِ، إِذْ لَا ولَايَة لَهُ فِي إِدْخَال شئ فِي ملك غَيره بِلَا رِضَاهُ. وَثَانِيهمَا: دفع الْخُصُومَة عَنهُ وَهُوَ خصم فِيهِ فَكَانَت مَقْبُولَة، كمن وكل وَكيلا ينْقل أمته فأقامت بَيِّنَة أَنه أعْتقهَا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الْعتاق مَا لم يحضر الْغَائِب، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. أَقُول: وَكَذَا إِذا وَكله بِنَقْل امْرَأَته فأقامت الْبَيِّنَة أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الطَّلَاق مَا لم يحضر الْغَائِب كَمَا فِي الْكَافِي. فروع: فِي يَدَيْهِ وَدِيعَة لرجل: جَاءَ رجل وَادّعى أَنه وَكيل الْمُودع بقبضها وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، وَأقَام الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْوَدِيعَة بَيِّنَة أَن الْمُودع قد أخرج هَذَا من الْوكَالَة قبلت بَينته، وَكَذَا إِذا أَقَامَ بَيِّنَة أَن شُهُود الْوَكِيل عبيد. كَذَا فِي الْمُحِيط. ادّعى على آخر دَارا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّهَا وَدِيعَة من فلَان فِي يَدي وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ حَتَّى اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة، ثمَّ حضر الْغَائِب وَسلمهَا ذُو الْيَد إِلَيْهِ، وَأعَاد الْمُدَّعِي وَالدَّعْوَى فِي الدَّار، فَأجَاب: أَنَّهَا وَدِيعَة فِي يَدي من فلَان، وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، قَالَ: تنْدَفع الْخُصُومَة عَنهُ أَيْضا كَمَا فِي الِابْتِدَاء. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ إِذا ادّعى على ذِي الْيَد فعلا لم تَنْتَهِ أَحْكَامه بِأَن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ بِأَلف وَلم يذكر أَنه نقد الثّمن وَلَا قبض مِنْهُ، فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه أَو غصبته مِنْهُ لَا تنْدَفع عَنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 الْخُصُومَة فِي قَوْلهم، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ عقدا انْتَهَت أَحْكَامه بِأَن ادّعى أَنه اشْترى مِنْهُ هَذِه الدَّار أَو هَذَا العَبْد ونقده الثّمن وَقبض مِنْهُ الْمَبِيع، ثمَّ أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه، اخْتلفُوا فِيهِ. قَالَ بَعضهم: تنْدَفع عَنهُ الْخُصُومَة وَهُوَ الصَّحِيح. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي دَعْوَى الدّور والاراضي. عبد أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا ذَلِك أودعهُ تقبل، وَتبطل بَيِّنَة العَبْد وَلَا يُحَال بَينه وَبَين العَبْد قِيَاسا ويحال اسْتِحْسَانًا، وَيُؤْخَذ من العَبْد كَفِيل بِنَفسِهِ استيثاقا حَتَّى لَا يهرب، فَإِذا حضر الْغَائِب: فَإِن أعَاد الْبَيِّنَة عتق، وَإِلَّا فَهُوَ عبد. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. وَكَذَا لَو أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا آخر أودعهُ إِيَّاه كَذَا فِي الْخُلَاصَة. لَو ادّعى العَبْد أَنه حر الاصل فَإِن أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة على الْملك وإيداعه تقبل، وَإِن أَقَامَ على إيداعه فَحسب لَا تقبل، بِخِلَاف الدَّار، وَإِن برهن على الْملك والايداع وَبرهن العَبْد على حريَّة الاصل حيل بَينهمَا بكفيل. كَذَا فِي الْكَافِي. عبد فِي يَد رجل ادّعى رجل أَنه قتل وليا لَهُ خطأ وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن العَبْد لفُلَان أودعهُ اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. رجل ادّعى على آخر أَنه بَاعه جَارِيَة فَقَالَ لم أبعها مِنْك قطّ، فَأَقَامَ المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء فَوجدَ بهَا أصبعا زَائِدَة وَأَرَادَ ردهَا وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة أَنه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب لم تقبل بَيِّنَة البَائِع. وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْمَسْأَلَة فِي آخر أدب القَاضِي وَقَالَ على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: تقبل بَينته. كَذَا فِي شرح الْجَامِع للصدر الشَّهِيد. ادّعى على آخر محدودا فِي يَده وَقَالَ هَذَا ملكي بَاعه أبي مِنْك حَال مَا بلغت وَقَالَ ذُو الْيَد: بَاعه مني حَال صغرك فَالْقَوْل قَول الْمُدَّعِي. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. اشْترى دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير من نَفسه وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا وَكبر الابْن وَلم يعلم بِمَا صنع الاب ثمَّ إِن الاب بَاعَ تِلْكَ الدَّار من رجل وَسلمهَا إِلَيْهِ ثمَّ إِن الابْن اسْتَأْجر الدَّار من المُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ على المُشْتَرِي وَقَالَ إِن أبي كَانَ اشْترى هَذِه الدَّار من نَفسه فِي صغري وَإِنَّهَا ملكي وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَى الْمُدَّعِي إِنَّك متناقض فِي هَذِه الدَّعْوَى لَان استئجارك الدَّار مني إِقْرَار بِأَن الدَّار لَيست لَك فدعواك بعد ذَلِك الدَّار لنَفسك يكون تناقضا، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى. مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى وَقد اخْتلفت أجوبة الْمُفْتِينَ فِي هَذَا، وَالصَّحِيح أَن هَذَا لَا يصلح دفعا لدعوى الْمُدَّعِي وَدَعوى الْمُدَّعِي صَحِيحَة وَإِن ثَبت التَّنَاقُض، إِلَّا أَن هَذَا تنَاقض فِيمَا طَرِيقه طَرِيق الخفاء. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. ادّعى دَارا بِسَبَب الشِّرَاء من فلَان فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنِّي اشْتريت من فلَان ذَلِك أَيْضا وَأقَام بَيِّنَة وتاريخ الْخَارِج أسبق فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن دعواك بَاطِلَة لَان فِي التَّارِيخ الَّذِي اشْتريت هَذِه الدَّار من فلَان كَانَت رهنا عِنْد فلَان وَلم يرض بشرائك وَأَجَازَ شرائي، لانه كَانَ بعد مَا فك الرَّهْن وَأقَام الْبَيِّنَة لَا يَصح هَذَا الدّفع. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي ادّعى إِن هَذَا الْعين كَانَ لفُلَان رَهنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 بِكَذَا عِنْدِي وقبضته وَأقَام الْبَيِّنَة وَأقَام الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَاهُ أَنه اشْتَرَيْته مِنْهُ ونقدته الثّمن كَانَ ذَلِك دفعا لدعوى الرَّهْن. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي بَاب الْيَمين. ادّعى عَلَيْهِ دَارا فِي يَده إِرْثا أَو هبة فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبرهن الْمُدَّعِي على إقالته صَحَّ دفع الدّفع. كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ. دَار فِي يَد رجل وَادّعى أَن أَبَاهُ مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا لَهُ وَأقَام بَيِّنَة شهدُوا أَن أَبَاهُ مَاتَ وَهَذِه الدَّار فِي يَدَيْهِ وَأخذ هَذَا الرجل هَذِه الدَّار من تركته بعد وَفَاته أَو أَخذهَا من أبي هَذَا الْمُدَّعِي فِي حَال حَيَاته وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن الْوَارِث أَو أَبَاهُ أقرّ أَن الدَّار لَيست لَهُ، فَالْقَاضِي يقْضِي بِدفع الدَّار إِلَى الْوَارِث. هَكَذَا فِي الْمُحِيط. رجل ادّعى على آخر ضَيْعَة فَقَالَ: الضَّيْعَة كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لاخته فُلَانَة ثمَّ مَاتَت فُلَانَة وَأَنا وارثها وَأقَام الْبَيِّنَة تسمع، فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدّفع إِن فُلَانَة مَاتَت قبل فلَان مورثها صَحَّ الدّفع. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. رجل ادّعى على آخر مائَة دِرْهَم فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ دفعت إِلَيْك مِنْهَا خمسين درهما وَأنكر الْمُدَّعِي قبض ذَلِك مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه دفع إِلَى الْمُدَّعِي خمسين درهما، فَإِنَّهُ لَا يكون دفعا مَا لم يشْهدُوا أَنه دفع إِلَيْهِ أَو قضى هَذِه الْخمسين الَّتِي يَدعِي. كَذَا فِي جَوَاهِر الْفِقْه. ادّعى على غَيره كَذَا كَذَا دِينَارا أَو دَرَاهِم فَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الايفاء وَجَاء بِشُهُود شهدُوا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ دفع هَذَا المَال كَذَا كَذَا درهما من الدَّرَاهِم وَلَكِن لَا يدْرِي بِأَيّ جِهَة دفع، هَل يقبل القَاضِي هَذِه الشَّهَادَة وَهل تنْدَفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي؟ عَن بعض مَشَايِخنَا رَحِمهم الله تَعَالَى: أَنه يقبل وتندفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الاشبه والاقرب إِلَى الصَّوَاب. هَكَذَا فِي الْمُحِيط، الْكل من الْهِنْدِيَّة من الْبَاب السَّادِس فِيمَا تدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَفِي نور الْعين: ادّعى إِرْثا لَهُ ولاخيه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت إِن أخي بَاعه مِنْك وَسلم وَهَذَا إِقْرَار بِأَنَّهُ ملك الاخ فَلَا يَصح مِنْك دَعْوَى الارث، قيل لَا ينْدَفع لانه لم يقر أَن أخي بَاعَ جَائِزا لَكِن أقرّ بِالْبيعِ فَقَط، وَمن أقرّ أَن فلَانا بَاعه ثمَّ ادّعى أَنه ملكه يسمع، إِلَّا إِذا أقرّ أَنه بَاعَ بيعا صَحِيحا جَائِزا فَحِينَئِذٍ لَا يسمع دَعْوَاهُ بعده. وَقيل: لَو بَاعَ وَالدَّار بِيَدِهِ وَقت البيع أَو قَالَ: بَاعَ وَسلم فَهَذَا يَكْفِي لانه مِمَّا يدل على الْملك. وَفِيه لَو برهن ذُو الْيَد على إِقْرَار الْوَصِيّ بِأَنَّهُ بوصاية قَالُوا: لَا يقبل، لَا أَن يشْهدُوا أَنه وصّى من جِهَة الْمُورث أَو القَاضِي إِذْ الْوِصَايَة لَا تثبت بِإِقْرَارِهِ إِ هـ. الابراء الْعَام فِي ضمن عقد فَاسد لَا يمْنَع الدَّعْوَى. أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى مَالا بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة يقبل. لَا تسمع دَعْوَاهُ فِي شئ من الاشجار بعد مَا ساقى عَلَيْهَا. التَّنَاقُض يمْنَع الدَّعْوَى لغيره كَمَا يمنعهُ لنَفسِهِ. من أقرّ بِعَين لغيره فَكَمَا لَا يملك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ لَا يملك أَن يَدعِيهِ لغيره بوكالة أَو وصاية لَا ينفذ الْقَضَاء بِالدفع قبل يَمِين الِاسْتِظْهَار. الدَّعْوَى على بعض الْوَرَثَة صَحِيحَة. لَا تسمع دَعْوَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِم إِلَّا بِإِذن القَاضِي أَو كَون الْمُدَّعِي نَاظرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 الْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا تقدم. دَعْوَى الْملك لَا تصح على غير ذِي الْيَد. ادّعى أَنه عَم الْمَيِّت، لَا بُد أَن يُفَسر أَنه لابيه أَو لامه وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره بعد أَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد بعد دَعْوَى المَال. العَبْد إِذا انْقَادَ للْبيع لَا تسمع دَعْوَاهُ حريَّة الاصل بِدُونِ بَيِّنَة. الابْن إِذا كَانَ فِي عِيَال الاب يكون معينا لَهُ فِيمَا يصنع. مَا اكْتَسبهُ الابْن يكون لابيه إِذا اتّحدت صنعتهما وَلم يكن مَال سَابق لَهما وَكَانَ الابْن فِي عِيَال أَبِيه، لَان مدَار الحكم كَونه معينا لابيه. القَوْل للدافع لانه أعلم بِجِهَة الدّفع. دفع إِلَى ابْنه مَالا فَأَرَادَ أَخذه صدق فِي أَنه دَفعه قرضا. يَصح إِثْبَات الشِّرَاء فِي وَجه مدعي دين فِي التَّرِكَة المستغرقة. التَّنَاقُض لَا يمْنَع دَعْوَى الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَت أَصْلِيَّة أَو عارضة. لَا تسمع الدَّعْوَى بِالْعينِ أَنَّهَا لَهُ بعد مَا ساومه عَلَيْهَا. لَا تسمع الدَّعْوَى بعد الابراء الْعَام إِلَّا ضَمَان الدَّرك، وَإِلَّا إِذا ظهر شئ للقاصر بعد إبرائه وَصِيّه بعد بُلُوغه وَلم يكن يُعلمهُ. يدْخل فِي قَوْله لَا حق لي قبله كل عين وَدين وكفالة وَجِنَايَة وَإِجَارَة وَحبس. لَا تسمع دَعْوَى الْكفَالَة بعد الابراء الْعَام. ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الزَّوْج الظَّاهِر. السَّبَاهِي لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَرْضِ مِلْكًا أَو وَقفا. الاستيداع يمْنَع دَعْوَى الْملك. لَاحَدَّ الْوَرَثَة حق الاستخلاص من التَّرِكَة المستغرقة بأَدَاء قِيمَته إِلَى الْغُرَمَاء إِذا امْتنع الْبَاقُونَ. لَيْسَ لَهُ الدَّعْوَى على وَكيله بِقَبض الرسومات بِمَا أَخذه من الرسومات لَهُ بل الدَّعْوَى لَهُم عَلَيْهِ. إِذا برهن على مديون مديونه لَا يقبل، وَلَيْسَ لَهُ أَخذه مِنْهُ بِدُونِ وكَالَة أَو حِوَالَة. لَا يجوز الابراء عَن الاعيان، وَيجوز عَن دَعْوَاهَا. الارث جبري لَا يسْقط بالاسقاط. هَل يشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى الرَّهْن؟ قَولَانِ. هَل يشْتَرط حَضْرَة الْمُودع فِي إِثْبَات الْوَدِيعَة؟ فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ. ادّعى الشِّرَاء ثمَّ ادّعى الارث تقبل، وبعكسه لَا. كل مَا كَانَ مَبْنِيا على الخفاء يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُض، فالمديون بعد قَضَاء الدّين لَو برهن على إِبْرَاء الدَّائِن، وَالْمُخْتَلِعَةُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ بَرْهَنَتْ على طَلَاق الزَّوْج قبل الْخلْع يقبل، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة إِذا قاسموا مَعَ الْمُوصى لَهُ بِالْمَالِ ثمَّ ادعوا رُجُوع الْمُوصي يَصح لانفراد الْمُوصي بِالرُّجُوعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 التَّنَاقُض إِذا كَانَ ظَاهرا والتوفيق خفِيا لَا يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق، بل لَا بُد من بَيَانه وَإِلَّا يَكْفِي الامكان. جحد الامين الامانة ثمَّ اعْترف وَادّعى الرَّد لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة. التَّصْدِيق إِقْرَار إِلَّا فِي الْحُدُود. إِذا ثَبت اسْتِحْقَاقه فَطَلَبه على من تنَاول الْغلَّة لَا على النَّاظر. لَا تصح دَعْوَى التَّمْلِيك مَا لم يبين أَنه بعوض أَو بِلَا عوض. إِذا ادّعى الْمَأْذُون بالانفاق أَو الدّفع يصدق إِن كَانَ المَال أَمَانَة، وَإِن كَانَ دينا فِي ذمَّته فَلَا. الدَّعْوَى مَتى فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ لَا تنقض وَلَا تُعَاد مَا لم يكن فِي إِعَادَتهَا فَائِدَة بِأَن أَتَى بهَا مَعَ دفع أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا تسمع. غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان. لَا يلْزم الابْن وَفَاء دين أَبِيه من اسْتِحْقَاقه الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَنهُ فِي وَقت أَهلِي. ادّعى بعد مَا أقرّ بِالْمَالِ: إِن بعضه قرض وَبَعضه رَبًّا يسمع. مَاتَ لَا عَن وَارِث وَعَلِيهِ دين لزيد أثْبته زيد فِي وَجه وصيي نَصبه القَاضِي لَهُ أَخذه من التَّرِكَة. لَا يُكَلف الاب إِحْضَار ابْنه الْبَالِغ لاجل دَعْوَى عَلَيْهِ. لَا تصح الدَّعْوَى على جَمِيع الضاربين بالبندق إِذا أَصَابَت وَاحِدًا بندقة فَقتلته إِذا لم يعلم الضَّارِب. العَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة. وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى. وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة. وَعِنْدَهُمَا لَيست بِشَرْط. وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيست بِشَرْط لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج فَهِيَ حسبَة، الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. كفل بِثمن أَو مهر ثمَّ برهن الْكَفِيل على فَسَاد البيع أَو النِّكَاح لَا يقبل، لَان إقدامه على الْتِزَام المَال إِقْرَار مِنْهُ بِصِحَّة سَبَب وجود المَال فَلَا يسمع مِنْهُ بعده دَعْوَى الْفساد، وَلَو برهن على إِيفَاء الاصيل أَو على إبرائه لَا يقبل لانه تَقْرِير للْوُجُوب السَّابِق. ادّعى دَارا فَأنْكر ذُو الْيَد فَصَالحه على ألف على أَن يسلم الدَّار لذِي الْيَد ثمَّ برهن ذُو الْيَد على صلح قبل هَذَا الصُّلْح صَحَّ الصُّلْح الاول وَبَطل الثَّانِي. فِي وَقَالَ كل صلح بعد صلح فَالثَّانِي بَاطِل، وَلَو شراه ثمَّ بَطل الاول وَنفذ الثَّانِي. وَلَو صَالح ثمَّ شرى جَازَ الشِّرَاء وَبَطل: أَي فِي الصُّلْح الَّذِي هُوَ بِمَعْنى أما إِذا كَانَ الصلج عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَانْفَسَخَ الاول كَالْمَبِيعِ. يقبل عذر الْوَارِث وَالْوَصِيّ وَالْمُتوَلِّيّ بالتناقض للْجَهْل. الاقرار الْمُتَأَخر يرفع الانكار الْمُتَقَدّم، والاقرار الْمُتَقَدّم يمْنَع الانكار الْمُتَأَخر. ادّعى مَالا فَصَالح ثمَّ ظهر أَنه لَا شئ عَلَيْهِ بَطل الصُّلْح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 من دفع شَيْئا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ لَهُ الرُّجُوع بِمَا دفع. دَعْوَى الدّفع من الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ بتعديل للشُّهُود، حَتَّى لَو طعن فِي الشَّاهِد أَو فِي الدَّعْوَى يَصح من نور الْعين، وَمن أَرَادَ اسْتِيفَاء الْمَقْصُود من مسَائِل الدفوع فَليرْجع إِلَيْهِ الْفَصْل الثَّامِن عشر. وَذكر فِي الْمجلة فِي مَادَّة 881 البيع بِشَرْط مُتَعَارَف بَين النَّاس فِي الْبَلَد صَحِيح، وَالشّرط مُعْتَبر، وَإِن كَانَ فِيهِ نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لَهما، وَإِن كَانَ لَا يلائم العقد. وَفِي 291: الاقالة بالتعاطي الْقَائِم مقَام الايجاب وَالْقَبُول صَحِيحَة. وَفِي 022: بيع الصُّبْرَة كل مد بقرش يَصح فِي جَمِيع الصُّبْرَة. وَفِي 983: كل شئ تعومل بَيْعه بالاستصناع يَصح فِيهِ على الاطلاق إِذا وصف الْمَصْنُوع وعرفه على الْوَجْه الْمُوَافق الْمَطْلُوب وَيلْزم، وَلَيْسَ لاحدهما الرُّجُوع إِذا كَانَ على الاوصاف الْمَطْلُوبَة، وَإِذا خَالف يكون المُشْتَرِي مُخَيّرا. وَأما مَا لَا يتعامل استصناعه إِذا بَين فِيهِ الْمدَّة صَار سلما فَتعْتَبر فِيهِ حِينَئِذٍ شَرَائِط السّلم، وَإِذا لم يبين فِيهِ الْمدَّة كَانَ من قبيل الاستصناع أَيْضا. وَفِي 893: إِذا شَرط فِي بيع الْوَفَاء أَن يكون قدر من مَنَافِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي صَحَّ وَيلْزم الْوَفَاء بِالشّرطِ. وَفِي 044: الاجارة المضافة صَحِيحَة لَازِمَة قبل حُلُول وَقتهَا، وَقد صدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضى ذَلِك كُله، فاحفظه وَالسَّلَام، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. بَاب دَعْوَى الرجلَيْن لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ عَقْدَ الْبَابِ لِدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدَّعَاوَى لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى. وَقلت: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ إنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ مُقْتَفِيًا فِي ذَلِكَ أَثَرَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ، لِتَحَقُّقِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِحَيْثُ تَكُونُ فَاتِحَةً لِمَسَائِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ: عزمي. قَوْله: (تقدم حجَّة خَارج) هُوَ الَّذِي لم يكن ذَا يَد وَالْخَارِج الْمُدَّعِي، لانه خَارج عَن يَده فأسند إِلَى الْمُدَّعِي تجوزا، وَإِنَّمَا قدمت بَيِّنَة الْخَارِج، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، وَفِيه خلاف الشَّافِعِي وَإِنَّمَا كَانَ الْخَارِج مُدعيًا لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ. قَوْله: (فِي ملك مُطلق) أَي ملك المَال، بِخِلَاف ملك النِّكَاح فَإِن ذَا الْيَد مقدم وَلَو بِلَا برهَان مَا لم يسْبق تَارِيخ الْخَارِج كَمَا سَيَأْتِي، وَقيد الْمِلْكُ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ، فَإِنَّ فِي هَذِه الصُّور تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي دُرَر: أَي وَلم يلْزم انْتِقَاض مُقْتَضى الْقِسْمَة لَان قبُول بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا هُوَ من حَيْثُ مَا ادّعى من زِيَادَة النِّتَاج وَغَيره، فَهُوَ مُدع من تِلْكَ الْجِهَة، وَالْمرَاد بِالْقَبْضِ التلقي من شخص مَخْصُوص مَعَ قَبضه، فَلَا يرد مَا قيل كَون الْمُدَّعِي فِي يَد الْقَابِض أَمر معاين لَا يَدعِيهِ ذُو الْيَد فضلا من إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وقبولها بالاجماع. فَإِن قلت: هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين لكَونه إِذْ ذَاك مدعى عَلَيْهِ؟ قلت: لَا، لَان الْيَمين إِنَّمَا يجب عِنْد عجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة، وَهنا لم يعجز كَمَا فِي الْعِنَايَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 أَو رد عَلَيْهِ بِأَن مُرَاد السَّائِل هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن الْبَيِّنَة؟ وَإِلَّا فَلَا تمشية لسؤاله أصلا اهـ. يُرِيد بِهِ أَن الْجَواب لم يدْفع السُّؤَال بل هُوَ بَاقٍ، وَلم يتصد للجواب عَنهُ. أَقُول: الظَّاهِر أَن يجب الْيَمين على الْخَارِج عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن بَيِّنَة فِيمَا إِذا ادّعى الزِّيَادَة، لانه مُدع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا لزم عَلَيْهِ الْبُرْهَان، فَيكون الْمُدَّعِي مدعى عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَيلْزم عَلَيْهِ الْيَمين عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان، وَبَيِّنَة الْمُدَّعِي لم تعْمل مَا لم تسلم من دفع ذِي الْيَد إِذْ هُوَ معَارض لَهَا، وَدَعوى ذِي الْيَد لم تسْقط بعجزه عَن الْبُرْهَان عَلَيْهَا، بل تتَوَجَّه الْيَمين على من كَانَ فِي مُقَابِله كَمَا هُوَ شَأْن الدَّعْوَى، فَيحلف على عدم الْعلم بِتِلْكَ الزِّيَادَة، فَإِن حلف يحكم للْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ لكَونهَا سَالِمَة عَن الْمعَارض، وَإِن نكل يكون مقرا أَو باذلا فَيمْنَع وَيبقى الْمُدعى فِي يَد ذِي الْيَد نعم لَا يجْبر الْخَارِج على الْجَواب عَن دَعْوَى ذِي الْيَد لَو ترك دَعْوَاهُ لعدم كَونه ذَا يَد، لَا لقُصُور فِي كَون ذِي الْيَد مُدعيًا فِيمَا ادَّعَاهُ كَمَا توهمه صَاحب التكملة، هَذَا هُوَ التَّحْقِيق تدبر. عبد الْحَلِيم قَوْله: (أَي لم يذكر لَهُ سَبَب) أَي معِين، أَو مُقَيّد بتاريخ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو ذكر لَهُ سَبَب يتَكَرَّر، فَإِن ذكر لَهُ سَبَب لَا يتَكَرَّر قدم بِبَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا يَأْتِي أَيْضا، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فِي منية الْمُفْتِي: أَقَامَا بَيِّنَة على عبد فِي يَد رجل أَحدهمَا بِغَصب وَالْآخر بوديعة فَهُوَ بَينهمَا: أَي لَان الْمُودع بالجحود يصير غَاصبا. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا إرْثًا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى كَمَا فِي الشِّرَاءِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ تَلَقِّيَ الْملك من جِهَة وَاحِدَة، فَلَو ادّعَيَا مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ، إلَّا إذَا سبق تَارِيخُ ذِي الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَاهُ من وَاحِد فَإِنَّهُ هُنَا يقْضِي لذِي الْيَد، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِجُ. وَالْفَرْقُ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَهُوَ أَوْلَى: كَمَا لَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانٍ وَبَرْهَنَا وَأَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا وَالْمَبِيعُ فِي يَد أَحدهمَا يحكم للاسبق اهـ من الثَّامِن، وَتَمَامه فِيهِ. وَفِي الاشباه قبيل الْوكَالَة: إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى نَسَبِ صَغِيرٍ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخِزَانَةِ. الْأُولَى: لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنه ابْنه من امْرَأَته هَذِه وَهُمَا حُرَّانِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى أُمِّهِ فَهُوَ لِلْخَارِجِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا فَبَرْهَنَ الذِّمِّيُّ بِشُهُودٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَبَرْهَنَ الْخَارِجُ قُدِّمَ الْخَارِجُ سَوَاءٌ بَرْهَنَ بِمُسْلِمِينَ أَوْ بِكُفَّارٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْكَافِرُ بِمُسْلِمِينَ قُدِّمَ عَلَى الْمُسلم مُطلقًا اهـ. قَوْله: (وَإِن وَقت أَحدهمَا فَقَط) ، إِن وصلية ومقتضاها الْعُمُوم: أَي إِن لم يوقتا أَو وقتا مُتَسَاوِيا أَو مُخْتَلفا أَو وَقت أَحدهمَا وَعَلِيهِ مُؤَاخذَة، وَهُوَ أَنه إِذا وقتا وَاخْتلف تاريخهما فَالْعِبْرَة للسابق مِنْهُمَا على مَا تقدم، لَان للتاريخ عِبْرَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، ووافقاه فِي رِوَايَة، وخالفاه فِي أُخْرَى، فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول إِن لم يوقتا أَو وقتا وَأَحَدهمَا مسَاوٍ للْآخر أَو وَقت أَحدهمَا فَقَط. قَالَ فِي الْغُرَرِ: حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إِلَّا إِذا أرخا وَذُو الْيَد أسبق قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف: ذُو الْوَقْت أَحَق) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط، لَان التَّارِيخ من أحد الطَّرفَيْنِ مُعْتَبر عِنْده. وَالْحَاصِل: أَن الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إلَّا إذَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق. قَوْله: (وثمرته) أَي ثَمَرَة الْخلاف الْمَعْلُوم من الْمقَام. قَوْله: (هَذَا العَبْد لي) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا قُبَيْلَ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (تَارِيخُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 غيبَة) أَي غيبَة العَبْد عَن يَده، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مُنْذُ شَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِغَابَ فَهُوَ قيد للغيبة. قَوْله: (مُنْذُ سَنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِي) أَيْ مِلْكٌ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ قيد للْملك وتاريخ، وَالْمُعْتَبَرُ تَارِيخُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. قَوْله: (فَلم يُوجد التَّارِيخ) أَي تَارِيخ الْملك. قَوْله: (من الطَّرفَيْنِ) بل وجد من طرف ذِي الْيَد والتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد لَا يعْتَبر عِنْد الامام، فَكَانَ دَعْوَى صَاحب الْيَد مُطلق الْملك كدعوى الْخَارِج فَيَقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط قَوْله: (وَلَو حَالَة الِانْفِرَاد) أَي قَالَ أَبُو يُوسُف: يقْضى للمؤرخ سَوَاء أرخا مَعًا وَكَذَا لَو أرخا حَالَة الِانْفِرَاد، لَان التَّارِيخ حَالَة الِانْفِرَاد مُعْتَبر عِنْده، وَالْحكم فِيمَا لَو أرخا مَعًا أولى بالحكم حَالَة الِانْفِرَاد، لانه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مذْهبه فَقَط كَمَا هِيَ الْقَاعِدَة فِي لَو الوصلية: أَي الحكم فِي الْمُقدر قبلهَا أولى بالحكم مِمَّا بعْدهَا، وَالْمرَاد بِمَا إِذا أرخا مَعًا سبق تَارِيخ أَحدهمَا أما لَو اسْتَوَى تاريخهما فَهُوَ كَمَا لَو لم يؤرخا لتساقطهما، وَالْفُقَهَاء يطلقون الْعبارَة عِنْد ظُهُور الْمَعْنى، وَحِينَئِذٍ فَقَوْل بعض المحشين: الاولى إِسْقَاط لَو لَان الْكَلَام فِي حَالَة الِانْفِرَاد، وَكَلَامه ينْحل أَنه يقْضى للمؤرخ حَال صُدُور التَّارِيخ مِنْهُمَا. وَفِي حَالَة الِانْفِرَاد وَلَا معنى للْقَضَاء للمؤرخ فِيمَا إِذا أرخا لتحققه مِنْهُمَا بل الْقَضَاء للسابق اهـ غير لَازم، لَان إِعْمَال الْكَلَام أولى من إهماله. قَوْله: (كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ اسْتحق حمارا فَطُلِبَ ثَمَنُهُ مِنْ بَائِعِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كَمْ مُدَّةً غَابَ عَنْك هَذَا الْحِمَارُ؟ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ أَرَّخَ غَيْبَتَهُ لَا الْمِلْكَ وَالْبَائِعُ أَرَّخَ الْمِلْكَ وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لِتَلَقِّيهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ عَشْرِ سِنِينَ، غَيْرَ أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَاد عِنْد أبي حنيفَة، فَبَقيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَحُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ. أَقُولُ: يُقْضَى بهَا للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف، لانه يرجع المؤرخ حَالَة الِانْفِرَاد اهـ مُلَخصا. قَوْله: (وَأقرهُ المُصَنّف) وناقشه الْخَيْر الرَّمْلِيّ بِأَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ ذكره فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، وَقدم فِي الثَّامِن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام أَنه لَا عِبْرَة للتاريخ فِي الْملك الْمُطلق حَالَة الِانْفِرَاد، وَحَاصِله أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن فِي دَعْوَى الخارجين نقل أَن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام عدم اعْتِبَاره حَالَة الِانْفِرَاد وَفِي الثَّامِن عشر فِي الِاسْتِحْقَاق قَالَ: يَنْبَغِي أَن يُفْتى بقول أبي يُوسُف من اعْتِبَاره لانه أوفق وَأظْهر، وَمَا ذكره الْفَقِيه فِي بَابه أولى بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مَا ذكره فِي الثَّامِن، وَلَا سِيمَا أَنه نَقله جَازِمًا بِهِ وَأقرهُ، وَالثَّانِي فِي غير بَابه وَعبر عَنهُ بينبغي مَعَ مَا قَالُوا أَنه يُفْتى بقول الامام قطعا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَعَه غَيره كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ وَافقه مُحَمَّد. تَأمل. قَوْله: (وَلَو برهن خارجان على شئ) يَعْنِي: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدٍ ثَالِثٍ فَيُقْضَى بالعقار نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق بِاعْتِبَار ملك الْوَاقِف، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقنية: دَار فِي يَد رجل أَقَامَ عَلَيْهِ رجل بَيِّنَة أَنَّهَا وقفت عَلَيْهِ وَأقَام قيم الْمَسْجِد بَيِّنَة أَنَّهَا وقف الْمَسْجِد: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 فَإِن أرخا فَهِيَ للسابق مِنْهُمَا، وَإِن لم يؤرخا فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ اهـ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يَدعِي ذُو الْيَد الْملك فِيهَا أَو الْوَاقِف على جِهَة أُخْرَى. مطلب: دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالْحَاصِل: أَن دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَلِهَذَا لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه وَبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف، فدعوى الْوَقْف دَاخل فِي الْمَسْأَلَة المخمسة، وكما تقسم الدَّار بَين الوقفين كَذَلِك لَو برهن كل على أَن الْوَاقِف جعل لَهُ الْغلَّة وَلَا مُرَجّح، فَإِنَّهَا تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لما فِي الاسعاف من بَاب إِقْرَار الصَّحِيح بِأَرْض فِي يَده أَنَّهَا وقف: لَو شهد اثْنَان على إِقْرَار رجل بِأَن أرضه وقف على زيد ونسله، وَشهد آخرَانِ على إِقْرَاره بِأَنَّهَا وقف على عَمْرو ونسله تكون وَقفا على الاسبق وقتا إِن علم، وَإِن لم يعلم أَو ذكرُوا وقتا وَاحِدًا تكون الْغلَّة بَين الْفَرِيقَيْنِ أنصافا، وَمن مَاتَ من ولد زيد فَنصِيبه لمن بَقِي مِنْهُم، وَكَذَلِكَ حكم أَوْلَاد عَمْرو. وَإِذا انقرض أحد الْفَرِيقَيْنِ رجعت إِلَى الْفَرِيق الْبَاقِي لزوَال المزاحم اهـ. وَقُيِّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا، إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَار ذَا يَد بِالْقضَاءِ لَهُ، وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده حَقِيقَة فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج الآخر عَلَيْهِ، وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضى بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا تقبل، وَكَذَا إِذا ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ. بَحر لَكِن قدمنَا عَن الاشباه أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية، ونقلنا عَن محشيها الْحَمَوِيّ مَا يُخَالف مَا ذكر من أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو نكل عَن الْيَمين للْمُدَّعِي وَقضي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن الْمقْضِي عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ اشْترى هَذَا الْمُدَّعِي من الْمُدعى قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء، وَقدمنَا أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَلَعَلَّ مَا مشي عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر هُنَا مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار. تَأمل. قَوْله: (قضى بِهِ لَهما) لما رُوِيَ عَن أبي مُوسَى أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا على عهد رَسُول الله (ص) ، فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشَاهِدين، فَقَسمهُ رَسُول الله (ص) بَينهمَا نِصْفَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ولان الْبَينَات من حجج الشَّرْع فَيجب الْعَمَل بهَا مَا أمكن، وَقد أمكن هُنَا، لَان الايدي قد تتوالى فِي عين وَاحِدَة فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، فيعتمد كل فريق مَا شَاهد من السَّبَب الْمُطلق للشَّهَادَة وَهُوَ الْيَد فَيحكم بالتنصيف بَينهمَا. وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (فَإِن برهنا فِي دَعْوَى نِكَاح) أَي مَعًا لانه لَو برهن مدعي نِكَاحهَا وَقضي لَهُ بِهِ ثمَّ برهن الآخر على نِكَاحهَا لَا يقبل، كَمَا فِي الشِّرَاء إِذا ادَّعَاهُ من فلَان وَبرهن عَلَيْهِ وَحكم لَهُ بِهِ ثمَّ ادّعى آخر شِرَاءَهُ من فلَان أَيْضا لَا تقبل، وَيجْعَل الشِّرَاء الْمَحْكُوم بِهِ سَابِقًا، وَلَا وَجه للتفريع، فالاولى الاتيان بإلا الاستثنائية. قَوْله: (سقطا) الضَّمِير للخارجين، فَلَو أَحدهمَا خَارِجا وَالْآخر ذَا يَد فالخارج أَحَق قِيَاسا على الْملك، وَقيل ذُو الْيَد أولى على كل حَال، وَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لتعذر الْجمع) أَي اجْتِمَاع الزَّوْجَيْنِ على زَوْجَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ مُتَعَذر شرعا، لَان النِّكَاح لَا يقبل الِاشْتِرَاك فتتهاتر الْبَيِّنَتَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 وَيفرق القَاضِي بَينهمَا حَيْثُ لَا مُرَجّح، وَإِن كَانَ ذَلِك قبل الدُّخُول فَلَا شئ على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (لَو حَيَّة) أَي هَذَا الحكم كَمَا ذكر لَو حَيَّة، وَلَو ميتَة قضى بِهِ: أَي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا سَوَاء أرخا واستوى تاريخهما أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط أَو لم يؤرخا، وَفَائِدَة الْقَضَاء تظهر فِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم جمع على وطئ، لانه حِينَئِذٍ دَعْوَى مَال وَهُوَ الْمِيرَاث، أَو دَعْوَى نسب، وَيُمكن ثُبُوته مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي فِي بَاب دَعْوَى النّسَب أَنَّهُمَا لَو ادّعَيَا نسب مَجْهُول كَانَ ابنهما بتصديقه، وَهنا ثُبُوت الْفراش يقوم مقَام التَّصْدِيق. قَوْله: (وعَلى كل نصف الْمهْر) وَلَو مَاتَ قبل الدُّخُول، لَان الْمَوْت متمم للمهر. فَإِن قلت: كل مِنْهُمَا مدعي الزَّوْجِيَّة معترف بِأَن عَلَيْهِ الْمهْر كَامِلا فَيَنْبَغِي أَن يلْزمه ذَلِك الْمُسَمّى إِن أثبت تَسْمِيَته، وَإِلَّا فمهر الْمثل. فَالْجَوَاب أَنه لما قضى بِدَعْوَى رَفِيقه فِي النّصْف صَار مُكَذبا شرعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نصف الْمهْر فَوَجَبَ عَلَيْهِ النّصْف فَقَط. قَوْله: (ويرثان مِيرَاث زوج وَاحِد) لانه دَاخل تَحت أول الْمَسْأَلَة، فَإِن كلا مِنْهُمَا يَدعِي الْمِيرَاث كَامِلا فينصف بَينهمَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَيِّتَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَظَاهر الْعبارَة أَنَّهَا ولدت بعده، وَلَكِن لينْظر هَل يُقَال لَهُ ولادَة؟ استظهر بعض الْفُضَلَاء عدم اتصاف الْميتَة بِالْولادَةِ الْحَقِيقِيَّة، وَأَن المُرَاد بِالْولادَةِ انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا بِنَفسِهِ أَو غَيره من الاحياء. قَوْله: (يثبت النّسَب مِنْهُمَا) أَي لَو ادّعَيَا بعد الْمَوْت أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة لَهما قبل الْولادَة أَو ولدت بعد الْمَوْت وَقد ادّعى كل مِنْهُمَا أَنَّهَا زَوجته. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخُلَاصَة) وَهُوَ أَنَّهُمَا يرثان مِنْهُ مِيرَاث أَب وَاحِد وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ. منح وَمَا لَو كَانَ البرهانان بِلَا تَارِيخ أَو بتاريخ مستو أَو من أَحدهمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَة. وَفِي الْمنية: وَلَا يعْتَبر فِيهِ الاقرار وَالْيَد، فَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا يقْضى لَهُ، وَلَو ادّعَيَا نِكَاحهَا وبرهنا وَلَا مُرَجّح ثمَّ مَاتَا فلهَا نصف الْمهْر وَنصف الْمِيرَاث من كل مِنْهُمَا، وَلَو مَاتَت قبل الدُّخُول فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْمُسَمّى، وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فَقَالَت هُوَ الاول لَهَا الْمهْر وَالْمِيرَاث. مقدسي عَن الظَّهِيرِيَّة. قَوْله: (وَهِي لمن صدقته) أَي إِن لم يسْبق تَارِيخ الآخر، لَان النِّكَاح مِمَّا يحكم بِهِ بتصادق الزَّوْجَيْنِ فَيرجع إِلَى تصديقها، إِلَّا إِذا كَانَت فِي بَيت أَحدهمَا أَو دخل بهَا أَحدهمَا فَيكون هُوَ أَوْلَى، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنه تزَوجهَا قبله فَيكون هُوَ أولى، لَان الصَّرِيح يفوق الدّلَالَة. زَيْلَعِيّ. وَفِي الْبَحْر عَن الظَّهِيرِيَّة: لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الآخر فَصَاحب الْبَيْت أولى، وَأطلق فِي التَّصْدِيق فَشَمَلَ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مدعيه بعد إنكارها لَهُ. قَالَ فِي التَّبْيِين: حَاصله أَنَّهُمَا إِذا تنَازعا فِي امْرَأَة وَأَقَامَا الْبَيِّنَة. فَإِن أرخا وَكَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أقدم كَانَ أولى، وَإِن لم يؤرخا أَو اسْتَوَى تاريخهما، فَإِن كَانَ مَعَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى منزله كَانَ أولى، وَإِن لم يُوجد شئ من ذَلِك يرجع إِلَى تَصْدِيق الْمَرْأَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 وَفِي الْبَحْر: وَالْحَاصِل أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ، ثُمَّ الْيَد، ثمَّ الدُّخُول، ثمَّ الاقرار، ثمَّ ذُو التَّارِيخ اهـ. ثمَّ اعْلَم أَن بَعضهم عبر بإقرارها وَبَعْضهمْ بتصديقها، فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا سَوَاء هُنَا، وَلَكِن فرقوا بَينهمَا فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي بَاب اللّعان: فَإِن أَبَت حبست حَتَّى تلاعن أَو تصدقه. وَفِي بعض نسخ الْقَدُورِيّ: أَو تصدقه فتحد، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يجب بالتصديق أَربع مَرَّات، لَان التَّصْدِيق لَيْسَ بِإِقْرَار قصدا لكنه إِقْرَار ضمنا، فَلَا يعْتَبر فِي حق وجوب الْحَد، وَيعْتَبر فِي درئه فيندفع بِهِ اللّعان وَلَا يجب بِهِ الْحَد اهـ. وَتقدم فِي حد الْقَذْف أَنه لَو قَالَ لرجل يَا زاني فَقَالَ لَهُ غَيره صدقت حد الْمُبْتَدِئ دون الْمُصدق، وَلَو قَالَ صدقت هُوَ كَمَا قلت فَهُوَ قَاذف أَيْضا اهـ. وَإِنَّمَا وَجب فِي الثَّانِيَة للْعُمُوم فِي كَاف التَّشْبِيه لَا للتصديق، فَعلم بِهَذَا أَن الْحَد لَا يجب بالتصديق. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ لي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ صدقت يلْزمه إِذا لم يقل على وَجه الِاسْتِهْزَاء وَيعرف ذَلِك بالنغمة اهـ فَهُوَ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا. وَأَقُول: لَو اخْتلفَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ، وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر. تَأمل. وَفِي شرح أدب الْقَضَاء: وَإِن شَهدا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْدَمَا شَهدا عَلَيْهِ: الَّذِي شهد بِهِ فلَان عَليّ هُوَ الْحق ألزمهُ القَاضِي وَلم يسْأَل عَن الآخر لَان هَذَا إِقْرَار مِنْهُ، وَإِن قَالَ قبل أَن يشهدَا عَلَيْهِ: الَّذِي يشْهد بِهِ فلَان عَليّ حق أَو هُوَ الْحق فَلَمَّا شَهدا قَالَ للْقَاضِي سل عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهدا عَليّ بباطل وَمَا كنت أظنهما يَشْهَدَانِ لم يلْزمه وَسَأَلَ عَنْهُمَا لانه إِقْرَار مُعَلّق بالخطر فَلَا يَصح اهـ. قَوْله: (إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ) فَلَو وجد أَحدهمَا لَا يعْتَبر قَوْلهَا كَمَا علمت. قَوْله: (وَلم يكن دخل من كَذبته بهَا) لَان الدُّخُول صَار ذَا يَد، وَذَلِكَ دَلِيل سبق عقده ظنا بِالْمُسلمِ خيرا وحملا لامره على الصّلاح، ولاهل الذِّمَّة مَا لنا فِي الْمُعَامَلَات. قَوْله: (هَذَا إِذا لم يؤرخا) مثل عدم التأريخ مِنْهُمَا إِذا أرخا تأريخا مستويا أَو أرخ أَحدهمَا. بَحر قَوْله: (فَالسَّابِق أَحَق بهَا) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْ الْآخَرَ أَوْ كَانَ ذَا يَد أَو دخل بهَا لانه لَا يعْتَبر مَعَ السَّبق وضع يَد وَلَا دُخُول لكَونه صَرِيحًا وَهُوَ يفوق الدّلَالَة كَمَا علمت. قَوْله: (فَهِيَ لمن صدقته) إِن لم يكن لاحدهما يَد: أَي أَو دُخُول. قَوْله: (أَو لذِي الْيَد) أَي إِن كَانَت يَد، وَلَا يعْتَبر تَصْدِيق مَعَه: أَي إِن أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الثَّانِي) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى هُنَا لِلْمُؤَرِّخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَهُوَ أولى، وَسَيَأْتِي متْنا. قَوْله: (وَلم أر من نبه على هَذَا) ذكره فِي الْبَحْر بحثا حَيْثُ قَالَ: فَالْحَاصِل كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة إِنَّه لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا إِلَّا بسبق التَّارِيخ أَو بِالْيَدِ أَو بإقرارها بِدُخُول أَحدهمَا اهـ. وَكَانَ يَبْتَغِي أَن يزِيد أَو بتاريخ من أَحدهمَا فَقَط كَمَا عَلمته اهـ. وَلَعَلَّ وَجه عدم التَّنْبِيه أَنَّهُمَا إِذا أرخ أَحدهمَا وَللْآخر يَد فاليد دَلِيل على العقد والتأريخ لَيْسَ بِدَلِيل عَلَيْهِ. قَوْله: (فَتَأمل) أَي هَل يجْرِي قَوْله هُنَا وَيعْتَبر التأريخ من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 جَانب وَاحِد أَو لَا يعْتَبر احْتِيَاطًا فِي أَمر الْفروج، وَالَّذِي يظْهر الثَّانِي فَرَاجعه. قَوْله: (وَإِن أقرَّت) أَي الْمَرْأَة لمن لَا حجَّة لَهُ فَهِيَ لَهُ لما عرفت من أَن النِّكَاح يثبت بتصادق الزَّوْجَيْنِ. قَوْله: (وَإِن برهن الآخر) أَي بعد الحكم للاول بِمُوجب الاقرار، والاولى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ فَهِيَ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ، ثُمَّ إنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ قضي لَهُ. قَوْله: (قضى لَهُ) لانه أقوى من التصادق، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة وَيثبت فِي حق الْكل، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ حجَّة قَاصِرَة يثبت فِي حق الْمقر فَقَط، فإقرارها إِنَّمَا نفذ عَلَيْهَا لَا على من أَقَامَ الْبُرْهَان على أَنَّهَا زَوجته، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي حق الْكل لَان الْقَضَاء لَا يكون على الكافة إِلَّا فِي الْقَضَاء بِالْحُرِّيَّةِ وَالنّسب وَالْوَلَاء وَالنِّكَاح، وَلَكِن فِي النِّكَاح شَرط هُوَ أَن لَا يؤرخا، فَإِن أرخ الْمَحْكُوم لَهُ ثمَّ ادَّعَاهَا آخر بتاريخ أسبق فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ وَيبْطل الْقَضَاء الاول، ويشترك ذَلِك أَيْضا فِي الْحُرِّيَّة الاصلية كَمَا فِي الْبَحْر. وَقَوله: (وَلَكِن فِي النِّكَاح الخ) أَي الْقَضَاء فِي النِّكَاح إِنَّمَا يكون على الكافة إِذا لم يؤرخا، وَيحمل على مَا إِذا ترجحت بَينته بمرجح آخر غير التَّارِيخ كَالْقَبْضِ والتصديق، وَإِلَّا فَلَا يتَصَوَّر الْقَضَاء لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي عدم التَّارِيخ. قَوْله: (لم يقْض لَهُ) لتأكد الاول بِالْقضَاءِ. قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ بِأَن أرخ الاول تَارِيخا مَعَ الْبُرْهَان وأرخ الثَّانِي تَارِيخا سَابِقًا وَأقَام الْبُرْهَان فَإِنَّهُ يقدم. قَالَ الْمَقْدِسِي: وَنَظِيره الشِّرَاء من زيد لَو حكم بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ آخر من زيد وَبرهن، وَكَذَا النّسَب وَالْحريَّة بِخِلَاف الْملك الْمُطلق. اهـ: يَعْنِي الحكم فِيهِ لمن برهن بعد الحكم لآخر وَإِن لم يثبت السَّبق. قَوْله: (لَان الْبُرْهَان مَعَ التَّارِيخ) أَي السَّابِق بِدَلِيل مَا قَالَ فِي الْمَتْن إِلَّا إِذا ثَبت سبقه ولان من الْمَعْلُوم أَنه إِنَّمَا يكون أقوى بِالسَّبقِ. قَوْله: (أقوى مِنْهُ بِدُونِهِ) أَي بِدُونِ التَّارِيخ السَّابِق. وَصُورَة الْمَسْأَلَة: ادّعى أَنه تزَوجهَا الْعَام وَأقَام بَيِّنَة على ذَلِك فَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى آخر نِكَاحهَا قبل الْعَام تسمع وَيَقْضِي لَهُ لسبقه، لَان السَّبق لَا يتَحَقَّق إِلَّا عِنْد التَّارِيخ مِنْهُمَا، لَكِن لما كَانَ الثَّانِي سَابِقًا فَكَأَن الاول لم يؤرخ أصلا. قَوْله: (ظهر نِكَاحه) أَي ثَبت نِكَاحه وظهوره إِنَّمَا يكون بِالْبَيِّنَةِ. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن ذَا الْيَد لَو برهن بَعْدَمَا قضى للْخَارِج يقبل. وَقَالَ بَعضهم: إِن لم يقْض لَهُ. قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق نِكَاحه: أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ فَإِنَّهُ يقدم على مَا علم مِمَّا ذَكرْنَاهُ من الْحَاصِل عَن التَّبْيِين وَالْبَحْر، وَقد تبع المُصَنّف صَاحب الدُّرَر فِي ذكر هَذِه الْعبارَة. وَقَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَهِي مَوْجُودَة فِي النّسخ بِصُورَة الْمَتْن، وَلَعَلَّه شرح إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة على الْمُتَقَدّم اهـ. وَاعْلَم أَنه إِذا ادّعى نِكَاح صَغِيرَة بتزويج الْحَاكِم لَا تسمع إِلَّا بِشُرُوط: أَن يذكر اسْم الْحَاكِم وَنسبه وَأَن السُّلْطَان فوض إِلَيْهِ التَّزْوِيج وَأَنه لم يكن لَهَا ولي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. ثمَّ اعْلَم: أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْم الْقَتْل يدْخل، هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية والولجية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا. وفرعوا على الاول مَا لَو برهن الْوَارِث على موت مُوَرِثه فِي يَوْم ثمَّ برهنت امْرَأَة على أَن مُوَرِثه كَانَ نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم يقْضِي لَهَا بِالنِّكَاحِ، وعَلى الثَّانِي لَو برهن الْوَارِث على أَنه قتل يَوْم كَذَا فبرهنت امْرَأَة على أَن هَذَا الْمَقْتُول نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم لَا تقبل. وعَلى هَذَا جَمِيع الْعُقُود والمداينات. وَكَذَا لَو برهن الْوَارِث على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 كَانَ مَاتَ قبل هَذَا بِزَمَان لَا يسمع، وَلَو برهن على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ قَبْلَ هَذَا بِزَمَان يكون دفعا لدُخُوله تَحت الْقَضَاء، هَذِه عبارَة الْبَزَّازِيَّة. وَزَاد الْوَلْوَالجيّ موضحا لدعوى الْمَرْأَة النِّكَاح بعد ثُبُوت الْقَتْل فِي يَوْم كَذَا. بقوله: أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو أَقَامَت الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِشُهُودِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْم النَّحْر بخراسان لَا تقبل بَيِّنَة الْمَرْأَة الاخرى لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخ، فَإِذا ادَّعَت امْرَأَة أُخْرَى بعد ذَلِك التَّارِيخ بتاريخ لم يقبل اهـ. أَقُول: وَجه الشّبَه بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن تَارِيخ برهَان الْمَرْأَة على نِكَاح الْمَقْتُول مُخَالف لتاريخ الْقَتْل، إِذْ لَا يتَصَوَّر بعد قَتله أَن ينْكح، كَمَا أَن نِكَاح الثَّانِيَة لَهُ يَوْم النَّحْر بخراسان لَا يتَصَوَّر مَعَ نِكَاح الاولى لَهُ يَوْمه بِمَكَّة فَهُوَ مُخَالف من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَأَشْبَهت هَذِه الْمَسْأَلَة الاولى فِي الْمُخَالفَة، وكل من النِّكَاح وَالْقَتْل يدْخل تَحت الحكم فَتَأمل. وَفِي الظهيرين: ادّعى ضَيْعَة فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لفلانة لَا وَارِث لَهُ غَيرهَا، ثمَّ إِن فُلَانَة مَاتَت وتركتها مِيرَاثا لي لَا وَارِث لَهَا غَيْرِي وَقضى القَاضِي لَهُ بالضيعة فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ دفعا للدعوى إِن فُلَانَة الَّتِي تَدعِي أَنْت الارث عَنْهَا لنَفسك مَاتَت قبل فلَان الَّذِي تَدعِي الارث عَنهُ لفلانة اخْتلفُوا. بَعضهم قَالُوا: إِنَّه صَحِيح، وَبَعْضهمْ قَالُوا: إِنَّه غير صَحِيح بِنَاء على أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ. وَإِذا كَانَ الْمَوْت مستفيضا علم بِهِ كل صَغِير وكبير وكل عَالم وجاهل لَا يقْضى لَهُ وَلَا يَكُونُ بِطَرِيقِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ على ذَلِك الْمَوْت بل يكون بطرِيق التيقن بكذب الْمُدَّعِي. قَالَ فِي التاترخانية: فِي الْفَصْل الثَّامِن فِي التهاتر نقلا عَن الذَّخِيرَة: فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُود أَنه: أَي القَاضِي مَاتَ فِي سنة كَذَا الخ أَنه لَا يقْضِي بِهِ إِلَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدعى عَلَيْهِ مستفيضا اهـ مَعَ غَايَة الِاخْتِصَار، فَرَاجعه إِن شِئْت، وَالله تَعَالَى الْمُوفق. وَتَمام التفاريع على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَنور الْعين وَالْبَحْر وَغَيرهَا، وَقد مر تَحْقِيقه فِي فصل الْحَبْس فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (وَإِن ذكرا) هُوَ مُقَابل لقَوْله وَإِن برهن الخارجان مَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي إِن برهنا على مُطلق الْملك فقد تقدم حكمه: وَإِن ذكرا سَبَب الْملك فحكما هَذَا. قَوْله: (بِأَن برهنا على شِرَاء شئ من ذِي يَد) مثله مَا إِذا برهن الخارجان على ذِي يَد أَن كلا أودعهُ الَّذِي فِي يَده فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الارث، فَلَو ادّعى كل من خَارِجين الْمِيرَاث عَن أَبِيه وَبرهن قضى بِهِ بَينهمَا، وَأفَاد المُصَنّف باقتصار كل على دَعْوَى الشِّرَاء مُجَرّدَة أَنه لَو ادّعى أَحدهمَا شِرَاء وعتقا وَالْآخر شِرَاء فَقَط يكون مدعي الْعتْق أولى، فَإِن الْعتْق بِمَنْزِلَة الْقَبْض. ذكره فِي خزانَة الاكمل. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه لَو أرخ أَحدهمَا فَهُوَ لَهُ، وَفِي قَوْله: (من ذِي يَد) إِشَارَة إِلَى أَنه لَو فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، وَإِن أرخ الْخَارِج. نعم لَو تلقياه من جِهَتَيْنِ كَانَ الْخَارِج أَحَق وَهَذَا أوضح مِمَّا فِي الْمَتْن. قَوْله: (فَلِكُل نصفه) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَب، لكنه يُخَيّر كَمَا ذكره بعد فَصَارَ كفضوليين بَاعَ كل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 مِنْهُمَا من رجل وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين فَإِن كلا مِنْهُمَا يُخَيّر أَنه تغير عَلَيْهِ شَرط عدم عقده، فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل اهـ. قَوْله: (بِنصْف الثّمن) أَي الَّذِي عينه أَحدهمَا، وَإِن كَانَ مَا عينه الآخر، كَأَن ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَخذ الاول نصفه بِخَمْسِينَ وَالْآخر نصفه بِمِائَة، وَقيد بِالشِّرَاءِ من ذِي الْيَد لانه لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من ذِي الْيَد فَإِنَّهُ يَأْتِي حكمه. قَوْله: (لتفريق الصَّفْقَة عَلَيْهِ) فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل. قَوْله: (وَإِن ترك أَحدهمَا بَعْدَمَا قضى لَهما) أَفَادَ أَنه بِالْقضَاءِ لَهُ بِالنِّصْفِ لَا يجْبر على أَخذه لما فِيهِ من الضَّرَر. قَوْله: (لانفساخه) أَي انْفِسَاخ البيع فِي النّصْف بِالْقضَاءِ: أَي لانه صَار مقضيا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ لصَاحبه فانفسخ البيع فِيهِ فَلَا يكون لَهُ أَن يَأْخُذهُ بعد الِانْفِسَاخ، لَان العقد مَتى انْفَسَخ بِقَضَاء القَاضِي لَا يعود إِلَّا بتجديده وَلم يُوجد. قَوْله: (فَلَو قبله) أَي فَلَو ترك أَحدهمَا قبل الْقَضَاء بِهِ بَينهمَا فللآخر أَن يَأْخُذهُ كُله، لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَنه اشْترى الْكل، وَإِنَّمَا يرجع إِلَى النّصْف بالمزاحمة ضَرُورَة الْقَضَاء بِهِ وَلم يُوجد، وَنَظِيره تَسْلِيم أحد الشفيعين قبل الْقَضَاء، وَنَظِير الاول تَسْلِيمه بعد الْقَضَاء كَمَا فِي الْبَحْر قَوْله: (للسابق تأريخا إِن أرخا) أَي لانه أثبت الشِّرَاء فِي زمن لَا ينازعه فِيهِ أحد فَانْدفع الآخر بِهِ، وَهَذَا كَمَا علمت فِيمَا إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، فَلَو اخْتلف بائعهما لم يتَرَجَّح أسبقهما تَارِيخا وَلَا المؤرخ فَقَط لَان ملك بائعهما لَا تَارِيخ لَهُ. قَوْله: (فَيرد البَائِع مَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لِذِي يَد) أَي الْمُدَّعِي بِالْفَتْح إِن لم يؤرخا الخ. لما ذكر مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد، وَفِيه لَا يتَرَجَّح وَاحِد إِلَّا بسبق التَّارِيخ، أَخذ يتَكَلَّم على مَا إِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد الشِّرَاء من وَاحِد ويترجح ذُو الْيَد لانها دَلِيل سبقه ولانهما اسْتَويَا فِي الاثبات وترجيح ذِي الْيَد بهَا وَلَيْسَ للثَّانِي مَا يعارضها فَلَا يُسَاوِيه، ولان يَد الثَّابِت لَا تنقص بِالشَّكِّ. وَيكون التَّرْجِيح أَيْضا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بسبق التَّارِيخ، فيترجح ذُو الْيَد فِي أَربع: مَا إِذا سبق تَارِيخه وَهُوَ ظَاهر، وَمَا إِذا لم يؤرخا لما ذكر، وَمَا إِذا كَانَ التَّارِيخ من جَانب لانه غير مُعْتَبر كَمَا لَو لم يؤرخا، وَمَا إِذا اسْتَوَى التاريخان لتعارضهما فَصَارَ كَمَا لَو لم يؤرخا، ويترجح الْخَارِج فِي وَاحِدَة وَهُوَ مَا إِذا سبق تَارِيخه. وَيُمكن أَن تجْعَل هَذِه الْمَسْأَلَة من تفاريع مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد وَأثبت أَحدهمَا بِالْبَيِّنَةِ قَبضه فِيمَا مضى من الزَّمَان على مَا نَقله فِي الْبَحْر عَن الْمِعْرَاج. وَيشكل عَلَيْهِ مَا ذكره بعد عَن الذَّخِيرَة من أَن ثُبُوت الْيَد بِأَحَدِهِمَا بالمعاينة. وَيُمكن أَن يُقَال: مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ مُعَاينَة لَان المعاينة لَا تَكْفِي من القَاضِي لانه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَلم يبْق إِلَّا مُعَاينَة الشُّهُود. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكتاب، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآن فِي يَد البَائِع انْتهى. إِلَّا أَنه يشكل مَا ذكره بعد عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ انْتهى وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا. وَحَاصِلُهَا: أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاء من ثَالِث وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِج فِي وَجه وَاحِد انْتهى كَلَام الْبَحْر. وَفِيه الاشكال الَّذِي ذكره عَن الذَّخِيرَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 وَأجَاب الْمَقْدِسِي بِأَن قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد إِن لم يؤرخا) يرجع إِلَى مُطلق مدعيين لَا بِقَيْد كَونهمَا خَارِجين، وَقد أَشَارَ المُصَنّف إِلَى مَا قدمنَا من أَن الْحق أَنَّهَا مَسْأَلَة أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفرادها، حَيْثُ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَلِذِي وَقْتٍ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذِي يَدٍ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلِذِي اسْتِئْنَاف مَسْأَلَة أُخْرَى. فرع: لَو برهنا على ذِي يَد بالوديعة يقْضِي بهَا لَهما نِصْفَيْنِ ثمَّ ذَا أَقَامَ أَحدهمَا الْبَيِّنَة على صَاحبه أَنه لَهُ لم يسمع، وَلَو برهن أَحدهمَا وَأقَام الآخر شَاهِدين وَلم يزكيا قضى بِهِ لصَاحب الْبَيِّنَة، ثمَّ أَقَامَ الآخر بَيِّنَة عادلة أَنه ملكه أودعهُ عِنْد الَّذِي فِي يَده أَو لم يذكرُوا ذَلِك فَقضى بِهِ لَهُ على الْمقْضِي لَهُ أَولا، وَهَذَا يُخَالف الشِّرَاء فَإِن فِيهِ لَا يحكم للثَّانِي، وَلَعَلَّه لَان الايداع من قبيل الْمُطلق. قَوْله: (وَهُوَ لذِي وَقت الخ) الاولى تَقْدِيمهَا على قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد) لانها من تَتِمَّة الاولى، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل لَهُ لثُبُوت ملكه فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ احْتِمَال الآخر أَن يكون قبله أَو بعده فَلَا يقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ، وإنهما اتفقَا على أَن الْملك للْبَائِع وَلم يثبت الْملك لَهما إِلَّا بالتلقي مِنْهُ وَأَن شراءهما حَادث والحادث يُضَاف إِلَى أقرب الاوقات، إِلَّا إِذا ثَبت التَّارِيخ فَيثبت تقدمه، فَلهَذَا كَانَ المؤرخ أولى، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف بائعهما على مَا بَينا، وَبِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْملك وَلم يدع الشِّرَاء من ذِي الْيَد حَيْثُ لم يكن التَّارِيخ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد. تَبْيِين: قَالَ الْمدنِي: أَقُولُ التَّارِيخُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ فِي الْمِلْكِ بِسَبَب كَمَا هُوَ مَعْرُوف اهـ. وَفِيه عَن الْقُهسْتَانِيّ عَن الخزانة أَنه لَو وَقت أَحدهمَا شهرا وَالْآخر سَاعَة فالساعة أولى والتاريخ هُوَ قلب التَّأْخِير. وَاصْطِلَاحا: هُوَ تَعْرِيف وَقت الشئ بِأَن يسند إِلَى وَقت حُدُوث أَمر شَائِع كظهور دولة أَو غَيره كطوفان وزلزلة لينسب إِلَى ذَلِك الْوَقْت الزماني الْآتِي، وَقيل هُوَ يَوْم مَعْلُوم نسب إِلَيْهِ ذَلِك الزَّمَان، وَقيل هُوَ مُدَّة مَعْلُومَة بَين حُدُوث أَمر ظَاهر وَبَين أَوْقَات حوادث أخر كَمَا فِي نِهَايَة الادراك. قَوْله: (وَالْحَال أَنه لَا يَد لَهما) بِأَن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد ثَالِث. قَوْله: (وَإِن لم يوقتا الخ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ أَحَدُهُمَا ذَا يَدٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ أَوْ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا تَرْجِيحَ، وَلَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَا يَدٍ فَهُوَ لَهُمَا، أَوْ للاسبق تَارِيخا كدعوى ملك مُطلق، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا سَوَاء، بِخِلَاف مَا لَو اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى، وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَبِأَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَتْ بَيْعًا، وَأَشَارَ إلَى اسْتِوَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً كَهِبَةِ مُحْرِمٍ وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَلْزَمُ بِأَنْ كَانَت لَغَنِيّ كَذَا فِي الْبَحْر مُلَخصا. وَفِيهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلٍّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 الْقَبْضِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ. وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَن الاولى تَقْدِيم الْهِبَة لكَونهَا مَشْرُوعَة وَالْبيع الْفَاسِد مَنْهِيّ عَنهُ، وَلم يذكر مَا لَو اخْتلفَا فِي الشِّرَاء مَعَ الْوَقْف، فَحكمه مَا فِي مُشْتَمل الاحكام عَن الْقنية قَالَ: ادّعى على رجل أَن هَذِه الدَّار الَّتِي فِي يَده وقف مُطلق وَذُو الْيَد ادّعى أَن بائعي اشْتَرَاهَا من الْوَقْف وأرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى، ثمَّ إِذا أثبت ذُو الْيَد تَارِيخا سَابِقًا على الْوَقْف فبينته أولى، وَإِلَّا فبينه الْوَقْف أولى اهـ. وَفِي فَتَاوَى مؤيد زَاده: ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَنه بَاعهَا مني مُنْذُ خمس عشرَة سنة وَادّعى الآخر أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ مسجل وَأَقَامَا بَيِّنَة فَبَيِّنَة مدعي البيع أولى، وَإِن ذكر الْوَاقِف بِعَيْنِه فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى لانه يصير مقضيا عَلَيْهِ. قَوْله: (وَصدقَة) قَالَ فِي الْبَحْر: الصَّدَقَة المقبوضة وَالْهِبَة كَذَلِك سَوَاء للتبرع فيهمَا، وَلَا تَرْجِيح للصدقة باللزوم لَان أثر اللُّزُوم يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ من الرُّجُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَالتَّرْجِيح يكون بِمَعْنى قَائِم فِي الْحَال، وَالْهِبَة قد تكون لَازِمَة بِأَن كَانَت لمحرم، وَالصَّدَََقَة قد تلْزم بِأَن كَانَت لَغَنِيّ. قَوْله: (وَرهن وَلَو مَعَ قبض) إِنَّمَا قدم الشِّرَاء عَلَيْهِ لانه يُفِيد الْملك بعوض للْحَال وَالرَّهْن لَا يُفِيد الْملك للْحَال فَكَانَ الشِّرَاء أقوى، وَقد علمت أَن الْهِبَة بعوض كالشراء فَتقدم عَلَيْهِ وَقَوله وَلَو مَعَ قبض رَاجع إِلَى الرَّهْن فَقَط لَان دَعْوَى الْهِبَة أَو الصَّدَقَة غير المقبوضة لَا تسمع. قَوْله: (واتحد المملك) أما إِذا كَانَ المملك مُخْتَلفا فَلَا يعْتَبر فِيهِ سبق التَّارِيخ. أَبُو السُّعُود. بل يستويان كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ وَهُوَ مُقَيّد بِأَن لَا تَارِيخ لَهما، إِذْ لَو أرخا مَعَ اتِّحَاد المملك كَانَ للاسبق، فَأَخذه مِنْهُ وَذكر مَا ذكر من خلل صَاحب الْكَنْز بِهَذَا الْقَيْد مَعَ جَوَاز الِاعْتِذَار بِحمْل الْمُطلق على الْخَالِي من التَّارِيخ إِذْ الاصل عَدمه، فَتَأمل. أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لما تقدم فِيمَا إِذا أرخت إِحْدَى بينتي مدعي الشِّرَاء من وَاحِد. قَوْله: (فالمؤرخة أولى) لانهما اتفقَا على الْملك وَالْملك لَا يتلَقَّى إِلَّا من جِهَة المملك وَهُوَ وَاحِد، فَإِذا أثبت أَحدهمَا تَارِيخا يحكم لَهُ بِهِ دُرَر. قَوْله: (اسْتَوَيَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إِذا اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى كَمَا فِي الْبَحْر: أَي فينصف الْمُدَّعِي بَين مدعي الشِّرَاء ومدعي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الرَّهْن، أما فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح فِيهِ مُطلقًا لعدم صِحَة رهن الْمشَاع شيوعا مُقَارنًا أَو طارئا على حِصَّة شائعة يقسم أَو لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه. وَأما طروه على حِصَّة مفروزة فَلَا يُبطلهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَقْدِسِي، فَتنبه. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ مِنْ آخَرَ قُضِيَ بَينهم أَربَاعًا، لانهم يلتقون الْمِلْكَ مِنْ مُمَلَّكِهِمْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق. قَوْله: (وَهَذَا) أَي الاسْتوَاء. اعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر والهندية جعلا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا. وَعبارَة الْبَحْر بعد أَن صرح بِأَن مدعي الشِّرَاء وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض خارجان، ادّعَيَا على ثَالِث نَصهَا: وَقيد بكونهما خَارِجين للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يقْضى للْخَارِج، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ للاسبق، وَإِن أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا تَرْجِيح لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيط، وَإِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا فَيَقْضِي بَينهمَا، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهِيَ لَهُ كدعوى ملك مُطلق، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدعى مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 وَأما فِيمَا يقسم كَالدَّارِ فَإِنَّهُ يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء، لَان مدعي الْهِبَة أثبت بِالْبَيِّنَةِ الْهِبَة فِي الْكل ثمَّ اسْتحق الآخر نصفه بِالشِّرَاءِ، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يبطل الْهِبَة بالاجماع. فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، فَكَانَ مدعي الشِّرَاء مُنْفَردا بِإِقَامَة الْبَيِّنَة. اهـ. ونقلاها عَن الْمُحِيط. وَكَلَام الْمُؤلف يُفِيد أَن ذَلِك فِيمَا إِذا اخْتلف المملك واستويا، وَالْحكم وَاحِد لَان الاشاعة تتَحَقَّق فِي حَال اختلافه أَيْضا. قَوْله: (لَان الِاسْتِحْقَاق) أَي اسْتِحْقَاق مدعي الشِّرَاء النّصْف، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يفْسد الْهِبَة وَيفْسد الرَّهْن اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ الدُّرَرِ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ، فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيكون مُقَارنًا لَهَا لَا طارئا عَلَيْهَا انْتَهَت: أَي وَحَيْثُ كَانَت مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ وَهُوَ يُبْطِلُ الْهِبَةَ إجْمَاعًا ينْفَرد مدعي الشِّرَاء بالبرهان فَيكون أولى. قَوْله: (من قبيل الشُّيُوع الْمُقَارن) أَي وَهُوَ يبطل الْهِبَة بالاجماع كَمَا علمت، فينفرد مدعي الشِّرَاء بِإِقَامَة الْبَيِّنَة فَيكون أولى. قَوْله: (لَا الطَّارِئ) لانه لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، بِخِلَاف الْمُقَارن كَمَا علمت، وَهَذَا جَوَاب عَمَّا قَالَه الْعِمَادِيّ كَمَا تقدم، وَالرُّجُوع بِبَعْض الْهِبَة كالشيوع الطَّارِئ. قَوْله: (هبة الدُّرَر) وَمثله فِي التَّبْيِين والمنح. قَوْله: (وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء) يَعْنِي إِذا ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من ذِي يَد وَادعت امْرَأَة أَنه تزَوجهَا عَلَيْهِ فهما سَوَاء لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّة، فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاوضَة يثبت الْملك بِنَفسِهِ، وَهَذَا عِنْدهمَا. وَقَالَ مُحَمَّد: الشِّرَاء أولى. قَوْله: (وَترجع هِيَ) أَي على الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة لاسْتِحْقَاق نصف الْمُسَمّى. قَوْله: (وَهُوَ بِنصْف الثّمن) أَي إِن كَانَ نَقده. قَوْله: (أَو يفْسخ) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول ليشْمل الْمهْر وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا دخل عَلَيْهِ عيب تَفْرِيق الصَّفْقَة، فللمرأة أَن ترده وَترجع بِجمع الْقيمَة وَالْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن قَوْله: (لما مر) أَي من تفرق الصَّفْقَة عَلَيْهِ. قَوْله: (أَو أرخا واستوى تاريخهما الخ) قَالَ فِي تَرْجِيح الْبَينَات للبغدادي: قَامَت بَيِّنَة على المَال وَبَيِّنَة على الْبَرَاءَة وأرخا: فَإِن كَانَ تَارِيخ الْبَرَاءَة سَابِقًا يقْضِي بِالْمَالِ، وَإِن كَانَ لاحقا يقْضِي بِالْبَرَاءَةِ، وَإِن لم يؤرخا أَو أرخت إِحْدَاهمَا، دون الاخرى أَو أرخا وتاريخهما سَوَاء فالبراءة أولى، لَان الْبَرَاءَة إِنَّمَا تكْتب لتَكون حجَّة صَحِيحَة وَلَا صِحَة لَهَا إِلَّا بعد وجوب المَال، وَالظَّاهِر أَنه كَانَ بعد وجوب المَال اهـ. قَوْله: (قيد بِالشِّرَاءِ) أَي فِي جعله مَعَ الْمهْر سَوَاء، لَان الْهِبَة وَأَخَوَاتهَا لَا تَسَاوِي الْمهْر وَلذَا قَالَ الشَّارِح: لَان النِّكَاح أَحَق. قَوْله: (لِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَو صَدَقَة) انْظُر مَا معنى هَذِه الْعبارَة مَعَ قَوْله الْمَار وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء فَلم يظْهر لي فائدتها سوى أَنه تكْرَار مَحْض. تَأمل. قَوْله: (وَالْمرَاد من النِّكَاح) أَي فِي قَول الْعِمَادِيّ لَان النِّكَاح الخ الْمهْر. قَالَ فِي الْبَحْر نَاقِلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ بالبينتين لَو استويتا بِأَن تكون مَنْكُوحَة لذا وَهبة للْآخر بِأَن يهب أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَةُ الْهِبَة حذرا من تَكْذِيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 الْمُؤمن، وَكَذَا الصَّدَقَةُ مَعَ النِّكَاحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ مَعَ النِّكَاح اهـ. وَهُوَ وهم لانه فهم أَن المُرَاد لَو تَنَازَعَا فِي أَمَةِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهبةِ وَالْآخر أَنه تزَوجهَا وَلَيْسَ مُرَادهم، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَهْرُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحِيط فِي الْكتاب، وَلذَا قَالَ فِي الْمُحِيط: وَالشِّرَاء أولى من النِّكَاح عِنْد مُحَمَّد. وَعند أبي يُوسُف: هما سَوَاء. لمُحَمد أَن الْمهْر صلَة من وَجه قد أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر، وَمِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ أَن الْعِمَادِيّ بَعْدَمَا ذكر أَن النِّكَاح أولى قَالَ: ثمَّ إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي للْخَارِج، وَلَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا يقْضى بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَيَقْضِي لَهُ اهـ. وَكَيف يتَوَهَّم أَن الْكَلَام فِي الْمَنْكُوحَة بعد قَوْله تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ؟. وَيَنْبَغِي لَو تنَازعا فِي الامة ادّعى أَحدهمَا أَنَّهَا ملكه وَالْآخر أَنَّهَا منكوحته وهما من رجل وَاحِد وبرهنا وَلَا مُرَجّح أَن يثبتا لعدم الْمُنَافَاة فَتكون ملكا لمُدعِي الْملك هبة أَو شِرَاء مَنْكُوحَة للْآخر كَمَا بَحثه فِي الْجَامِع، وَلم أره صَرِيحًا. اهـ. فَالْحَاصِل: أَن صَاحب الْبَحْر اسْتحْسنَ بحث صَاحب الْفُصُولَيْنِ وَلكنه لم يره مَنْقُولًا، ووهمه فِي حمله قَوْلهم النِّكَاح أولى من الْهِبَة أَن المُرَاد ادِّعَاء أَحدهمَا نِكَاح الامة وَالْآخر هبتها، بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْعمادِيَّة أَنَّهَا لَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُرَجّح يقْضِي بَينهمَا، وَلَا يَصح ذَلِك فِي الْمُدَّعِي نِكَاحهَا، وَأَن صَاحب الْمُحِيط أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر كَمَا بَينه. قَوْله: (الْمهْر) فَيكون من إِطْلَاق الشئ وَإِرَادَة أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر مُغَلِّطًا لِلْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي قَوْلِهِ لَو اجْتمع نِكَاح وَهبة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (نعم الخ) هَذَا الَّذِي جعله صَاحب الْبَحْر بحثا لصَاحب الْفُصُولَيْنِ وَذكر أَنه لم يره مَنْقُولًا كَمَا تقدم، وَهُوَ اسْتِدْرَاك على قَوْله وَالْمرَاد من النِّكَاح الْمهْر. قَوْله: (لَو تنَازعا فِي الامة) أَي وبرهنا. قَوْله: (وَلَا مُرَجّح) كسبق التَّارِيخ. قَوْله: (فَتكون مملكا لَهُ الخ) لعدم الْمُنَافَاة. قَوْله: (وَرهن مَعَ قبض الخ) أَي إِن لم يكن مَعَ وَاحِد مِنْهُمَا تَارِيخ. قَوْله: (مَعَه) أَي مَعَ الْقَبْض. قَالَ المُصَنّف فِي منحه: قولي بِلَا عوض هُوَ قيد لَازم أخل بِهِ صَاحب الْكَنْز والوقاية قَالَ الرَّمْلِيّ: هُوَ لصَاحب الْبَحْر مَعَ أَنه لَا يضر تَركه، إِذا الْهِبَة إِذا أطلقت يُرَاد بهَا الخالية عَن الْعِوَض كَمَا هُوَ ظَاهر. بل لقَائِل أَن يَقُول: ذكرهَا رُبمَا يشبه التّكْرَار لانها بيع انْتِهَاء حَتَّى جرت أَحْكَام البيع عَلَيْهَا فَيعلم حكمهَا مِنْهُ. تَأمل. قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الرَّهْن مَضْمُون، فَكَذَا الْمَقْبُوض بِحكم الرَّهْن وَالْهِبَة أَمَانَة، والمضمون أقوى فَكَانَ أولى. وَالْقِيَاس أَن الْهِبَة أولى لانها تثبت الْملك وَالرَّهْن لَا يُثبتهُ. قَوْله: (وَلَو الْعين مَعَهُمَا اسْتَويَا) يَعْنِي أَن مَا تقدم فِيمَا إِذا كَانَ خَارِجين: فَإِن كَانَت فِي يديهما فهما سَوَاء، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي لَهُ. وَبحث فِيهِ الْعِمَادِيُّ بِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُ الرَّهْنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 لِأَنَّ مُدَّعِيَ الرَّهْنِ أَثْبَتَ رَهْنًا فَاسِدًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ انْفَرَدَ بِإِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلِهَذَا قَالَ شيخ الاسلام خُوَاهَر زَاده: إِنَّه إِنَّمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا فِيمَا إِذا اجْتمع الشِّرَاء وَالْهِبَة إِذا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة، أما إِذا كَانَ شَيْئا يحتملها يقْضِي بِالْكُلِّ لمُدعِي الشِّرَاء، قَالَ: لَان مدعي الشِّرَاء قد اسْتحق النّصْف على مدعي الْهِبَة، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يُوجب فَسَاد الْهِبَة فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، غير أَن الصَّحِيح مَا أعلمتك من أَن الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْن، وَالله تَعَالَى أعلم. بَحر. قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالْأَوْلَى، فَالْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشكل، فَلْيتَأَمَّل. قَالَ المُصَنّف فِي الْمنح: هَذَا الْكَلَام من الْعِمَادِيّ يُشِير إِلَى أَن الِاسْتِحْقَاق من قبيل الشُّيُوع الطَّارِئ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من الشُّيُوع الْمُقَارن الْمُفْسد كَمَا صرح بِهِ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَصَححهُ فِي شرح الدُّرَر وَالْغرر وَنَقله فِي الْكَنْز فِي كتاب الْهِبَة وَأقرهُ. قَوْلِهِ: (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ الخ) قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَده مُنْذُ سِنِين وَلم يشْهد أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ كَمَا فِي الْبَحْر. وَفِيه: وَمن أهم مسَائِل هَذَا الْبَاب معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد: وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى كل أَنه فِي يَده، فَلَو برهن أَحدهمَا يقبل وَيكون الآخر خَارِجا، وَلَوْلَا بَيِّنَة لَهما لَا يحلف وَاحِد مِنْهُمَا. وَلَو برهن أَحدهمَا على الْيَد وَحكم بِيَدِهِ ثمَّ برهن على الْملك لَا تقبل، إِذْ بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْملك لَا تقبل. مطلب: من أهم مسَائِله دَعْوَى الرجلَيْن معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد أَخذ عينا من يَد آخر وَقَالَ إِنِّي أَخَذته من يَده لانه كَانَ ملكي وَبرهن على ذَلِك تقبل، لانه وَإِن كَانَ ذَا يَد بِحكم الْحَال لكنه لما أقرّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ أَن ذَا الْيَد فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْخَارِج. وَلَو غصب أَرضًا وزرعها فَادّعى رجل أَنَّهَا لَهُ وغصبها مِنْهُ: فَلَو برهن على غصبه وإحداث يَده يكون هُوَ ذَا يَد والزراع خَارِجا، وَلَو لم يثبت إِحْدَاث يَده فالزارع ذُو يَد وَالْمُدَّعِي هُوَ الْخَارِج. بِيَدِهِ عقار أحدث الآخر عَلَيْهِ يَده لَا يصير بِهِ ذَا يَد، فَلَو ادّعى عَلَيْهِ أَنَّك أحدثت الْيَد وَكَانَ بيَدي فَأنْكر يحلف اهـ. وَبِه علم أَن الْيَد الظَّاهِر لَا اعْتِبَار بهَا. ثمَّ اعْلَم: أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا، فإمَّا أَن يدعيا ملكا مُطلقًا أَو ملكا بِسَبَب مُتحد قَابل للتكرار أَو غير قَابل أَو مُخْتَلف أَحدهمَا أقوى من الآخر أَو مستويان من وَاحِد أَو من مُتَعَدد أَو يَدعِي أَحدهمَا الْملك الْمُطلق وَالْآخر الْملك بِسَبَب أَو أَحدهمَا مَا يتَكَرَّر وَالْآخر مَا لَا يتَكَرَّر فَهِيَ تِسْعَة، وكل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يبرهن أَو يبرهن أَحدهمَا فَقَط، أَو لَا برهَان لوَاحِد مِنْهُمَا وَلَا مُرَجّح أَو لاحدهما مُرَجّح، فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت سِتا وَثَلَاثِينَ، وكل مِنْهَا إِمَّا أَن يكون الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث أَو فِي يدهما أَو فِي يَد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 أَحدهمَا فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت مائَة وَثَمَانِية وَعشْرين وكل مِنْهَا على أَرْبَعَة: إِمَّا أَن لَا يؤرخا أَو أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا صَارَت خَمْسمِائَة واثني عشر اهـ. وَقد أوصلها فِي التسهيل لجامع الْفُصُولَيْنِ إِلَى سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة وَسبعين مَسْأَلَة، وأفردها برسالة خَاصَّة، وَقد تخرج مَعَ هَذَا الْعَاجِز الحقير زِيَادَة على ذَلِك بِكَثِير حررته فِي ورقة حِين اطلاعي على تِلْكَ الرسَالَة، وسأجمع فِي ذَلِك رِسَالَة حافلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلَكِن ذكر ذَلِك هُنَا يطول وَلَا حَاجَة إِلَى ذكره، بل اقْتصر على مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبَاقِي أَفَنْدِي أسيري زَاده حَيْثُ جعل لَهَا ميزانا، إِلَّا أَنه أوصل الصُّور إِلَى سِتَّة وَتِسْعين فَقَالَ: اعْلَم أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا وبرهنا فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن ادّعى كِلَاهُمَا ملكا مُطلقًا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا بِسَبَب وَاحِد بِأَن ادّعَيَا إِرْثا أَو شِرَاء من اثْنَيْنِ أَو من وَاحِد، أَو ادّعى أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا ملكا، وَأَنه إِمَّا أَن يكون الْمُدعى بِهِ فِي يَد ثَالِث أَو فِي يَد أَحدهمَا. وكل وَجه على أَرْبَعَة أَقسَام: إِمَّا إِن لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، وَجُمْلَة ذَلِك سِتَّة وَتسْعُونَ فصلا كَمَا سيجئ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهِي هَذِه كَمَا ترى أَحْبَبْت ذكرهَا تسهيلا للمراجعة وتقريبا، وَإِن كَانَ فِي المُصَنّف وَالشَّارِح شئ كثير مِنْهَا، لَكِن بِهَذِهِ الصُّورَة يقرب المأخذ، وَإِن تكَرر فَإِن المكرر للْحَاجة يحلو. ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد ثَالِث (1) : إِن لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا. (2) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا. (3) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق. وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا. (4) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ. وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا بقول أبي حنيفَة. وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخا وَاحِدًا وبرهنا: يقْضِي بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة. وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ. مطلب: تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة وَلَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا لَا يدل على تقدم ملكه، لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَيجْعَل مُقَارنًا رِعَايَة للاحتمالين. وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ وَلَا يُعَارضهُ. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي لمن أطلق لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق من الاصل، وَدَعوى الْملك المؤرخ يقْتَصر على وَقت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 التَّارِيخ، وَلِهَذَا يرجع الباعة بَعضهم على بعض، أَو تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة فَكَانَ الْمُطلق أسبق تَارِيخا فَكَانَ أولى، هَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث. وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره، إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ. من الْمحل الْمَزْبُور: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا لَا يدل على تقدم ملكه لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَجعل مغايرا رِعَايَة للاحتمالين. من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ، لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ فَلَا يُعَارضهُ. من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند مُحَمَّد يقْضِي لمن أطلق، لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْملك من الاصل وَدَعوى الْملك المؤرخ تقتصر على وَقت التَّارِيخ. ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (5) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا. (6) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا. (7) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق. وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين. (8) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا. وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة. وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب: أَي كَمَا كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، لانه لم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِالْيَدِ وَلم ينحط حَاله عَن حَال الآخر بِالْيَدِ. جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن. ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (9) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج. (01) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج. (11) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، عِنْدهمَا: يقْضِي لاسبقهما، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا بأولوية الاسبق على قَول الامامين. (21) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا على قَول مُحَمَّد. وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا: فَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: فَإِن كَانَا أرخا سَوَاء أَو لم يؤرخا فَهُوَ للْخَارِج لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما. وَعَن مُحَمَّد: أَنه رَجَعَ عَن هَذَا القَوْل وَقَالَ: لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْوَقْت وَلَا على غَيره، لَان الْبَيِّنَتَيْنِ قامتا على الْملك الْمُطلق وَلم يتعرضا لجِهَة الْملك فَاسْتَوَى التَّقَدُّم والتأخر فَيَقْضِي للْخَارِج. مطلب: الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن معنى بَيِّنَة دفع الْخَارِج وَلَهُمَا أَن الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن الدّفع، فَإِن الْملك إِذا ثَبت للشَّخْص فِي وَقت فثبوته لغيره بعده لَا يكون إِلَّا بالتلقي مِنْهُ، فَصَارَت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِذكر التَّارِيخ متضمنة دفع بَيِّنَة الْخَارِج على معنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بعد إِثْبَات التلقي من قبله وبينته على الدّفع مَقْبُولَة، وعَلى هَذَا إِذا كَانَت الدَّار فِي أَيْدِيهِمَا فَصَاحب الْوَقْت الاول أولى عِنْدهمَا، وَعِنْده يكون بَينهمَا. وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَعِنْدَ أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ لَان بَينته أقدم من الْمُطلق، كَمَا لَو ادّعى رجلَانِ شِرَاء من آخر وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر كَانَ المؤرخ أولى. وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد يقْضِي للْخَارِج وَلَا عِبْرَة للْوَقْت لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا تقبل إِذا كَانَت متضمنة معنى الدّفع، وَهنا وَقع الِاحْتِمَال فِي معنى الدّفع لوُقُوع الشَّك فِي وجوب التلقي من جِهَته لجَوَاز أَن شُهُود الْخَارِج لَو وقتوا لَكَانَ أقدم، فَإِذا وَقع الشَّك فِي تضمنه معنى الدّفع فَلَا يقبل مَعَ الشَّك وَالِاحْتِمَال، جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن. قَالَ الرَّمْلِيّ أَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخُلَاصَة لَيست من بَاب دَعْوَى الْملك الْمُطلق. وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا، أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق اهـ. قَالَ: رجل ادّعى دَارا أَو عقارا أَو مَنْقُولًا فِي يَد رجل ملكا مُطلقًا وَأقَام الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق وَأقَام ذُو الْيَد بَيِّنَة أَيْضا أَنه ملكه: فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، وَهَذَا إِذا لم يذكرَا تَارِيخا. وَأما إِذا ذكرَاهُ وتاريخهما سَوَاء فَكَذَلِك يقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج، وَإِن كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فلاسبقهما تَارِيخا سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو صَاحب يَد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف قَول مُحَمَّد أَولا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا، لَا عِبْرَة فِيهِ للتاريخ بل يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَكَذَلِك يقْضِي للْخَارِج. من صرة الفتاوي نقلا من الذَّخِيرَة حجَّة الْخَارِج فِي الْملك الْمُطلق أولى من حجَّة ذِي الْيَد، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، إِلَّا إِذا كَانَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق، لَان للتاريخ عِبْرَة عِنْد أبي حنيفَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف آخرا، وَقَول مُحَمَّد أَولا. وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا: لَا عِبْرَة لَهُ بل يقْضِي للْخَارِج دُرَر. ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيه وَالْعين فِي يَد ثَالِث (31) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (41) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا. يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (51) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (61) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا. وَلَو ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا إِرْثا من أَبِيه: فَلَو كَانَ الْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف. وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول أَولا: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فِي الارث وَالْملك الْمُطلق ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَا. وَقَالَ مُحَمَّد فِي رِوَايَة أبي حَفْص كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة. وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: لَا عِبْرَة للتاريخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 فِي الارث فَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا لانهما لَا يدعيان الْملك لانفسهما ابْتِدَاء بل لمورثهما ثمَّ يجرانه إِلَى أَنفسهمَا وَلَا تَارِيخ لملك المورثين، فَصَارَ كَمَا لَو حضر المورثان وبرهنا على الْملك الْمُطلق، حَتَّى لَو كَانَ لملك المورثين تَارِيخ: يقْضِي لاسبقهما. أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون حكم هَذَا كَحكم دَعْوَى الشِّرَاء من اثْنَيْنِ، لَان المورثين كبائعين فِي تلقي الْملك مِنْهُمَا، فَمن لم يعْتَبر التَّارِيخ فِي الشِّرَاء من البائعين يَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر التَّارِيخ فِي الارث أَيْضا، فَرد الاشكال على من خَالف فيشكل التفصي: أَي التَّخَلُّص إِلَّا بِالْحملِ على الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْحَاصِل: أَن فِي اعْتِبَار تَارِيخ تلقي الْملك من البائعين اخْتِلَاف الرِّوَايَات على مَا سيجئ، فَكَذَا الارث، فَلَا فرق بَينهمَا فِي الحكم فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ إِجْمَاعًا لانهما ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ فَلَا عِبْرَة للتاريخ. وَقيل يقْضِي للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن. وَفِي كتاب الدَّعْوَى من الْخُلَاصَة وَإِن أرخا لملك مورثهما يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي قَوْلهم جَمِيعًا اهـ: أَي بِأَن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنة وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأقَام الآخر بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنتَيْن وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ، فَفِي هَذَا الْوَجْه خَالف مُحَمَّد أنقروي فِي دَعْوَى الارث. ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيهِمَا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا أَي ادّعى كل مِنْهُمَا الارث من أَبِيه (71) : لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (81) : أَو أرخا تَارِيخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (91) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد هُنَا. (02) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا. أَي كَمَا لَو كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا. فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب. فِي أول الثَّامِن الْفُصُولَيْنِ مُلَخصا. ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (12) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج. (22) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج. (32: أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْدهمَا يقْضِي للْخَارِج، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين. (42) أَو أرخ أَحدهمَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج إِجْمَاعًا. وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه: إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما. وَعند مُحَمَّد: للْخَارِج لانه لَا عِبْرَة للتاريخ هُنَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ للْخَارِج إِجْمَاعًا، وَقيل يقْضى للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف من جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن. أَقُول: أَو أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق، وَإِن أرخا وتاريخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ لَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 وَالْحَاصِل: أَنه للْخَارِج إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد كَمَا سَيَأْتِي، وَوضع الْمَسْأَلَة فِي تلقي الْملك عَن اثْنَيْنِ، خير الدّين. وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: وَلَو ادّعَيَا الْمِيرَاث كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا لِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ للْخَارِج، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ أولى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ للْخَارِج بالاجماع. قَالَ فِي الرَّابِع من الاستروشنية وَالثَّامِن من الْعمادِيَّة نقلا عَن التَّجْرِيد: لَو ادّعى صَاحب الْيَد الارث عَن أَبِيه وَادّعى خَارج مثل ذَلِك وَأقَام الْبَيِّنَة: يقْضِي للْخَارِج فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق قضى للاسبق عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج اهـ. قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْمَبْسُوط لخواهر زَاده: إِن ادّعَيَا ملكا بِسَبَب بِأَن ادّعى كل تلقي الْملك من اثْنَيْنِ بِالْمِيرَاثِ أَو بِالشِّرَاءِ فَالْجَوَاب عَنهُ كالجواب فِي الْملك الْمُطلق على التَّفْصِيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ اهـ. وَقد ذكر أَن الْعين فِي الْملك الْمُطلق إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وأرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فعلى قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف الآخر وَهُوَ قَول مُحَمَّد الاول: يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الآخر: يقْضِي للْخَارِج من هَامِش الانقروي فِي نوع دَعْوَى الارث من كتاب الدَّعْوَى. ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (52) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (62) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (72) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك بائعهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لوقت اشترائهما: عِنْد مُحَمَّد يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد. (82) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا اتِّفَاقًا. وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالدَّار فِي يَد الثَّالِث، فَإِن لم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: قضى بِالدَّار بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا فِي الْمِيرَاث: يَعْنِي أَن فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ على مَا ذكرنَا فِي الْمِيرَاث أَيْضا. وَأما إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وأرخا الشِّرَاء وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فقد روى عَن مُحَمَّد أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا ملك البائعين: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَمَا فِي فصل الْمِيرَاث، فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يحْتَاج إِلَى الْفرق بَين الشِّرَاء وَالْمِيرَاث، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة: يقْضِي فِي فصل الشِّرَاء لاسبقهما تَارِيخا عِنْد مُحَمَّد، وعَلى ظَاهر رِوَايَة مُحَمَّد يحْتَاج إِلَى الْفرق. أنقروي من نوع فِي دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، بِخِلَاف مَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من رجلَيْنِ لانهما يثبتان الْملك لبائعهما وَلَا تَارِيخ بَينهمَا لملك البائعين فتاريخه لملكه لَا يعْتد بِهِ، وصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك بِلَا تَارِيخ فَيكون بَينهمَا. أما هُنَا فقد اتفقَا على أَن الْملك كَانَ لهَذَا الرجل، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي الملتقي مِنْهُ وَهَذَا الرجل أثبت التلقي لنَفسِهِ فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ صَاحبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 فَيَقْضِي لَهُ بِهِ، ثمَّ لَا يقْضِي بِهِ لغيره بعد إِلَّا إِذا تلقى مِنْهُ وَهُوَ لَا يتلَقَّى مِنْهُ انْتهى. وَفِيه أَيْضا أَقُول: يتَرَاءَى لي أَن الاصوب هُوَ أَن لَا يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي صُورَة التلقي من اثْنَيْنِ، إِذْ لَا تَارِيخ لابتداء ملك البائعين، فتاريخ المُشْتَرِي لملكه لَا يعْتد بِهِ مَعَ تعدد البَائِع فصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك الْمُطلق بِلَا تَارِيخ اهـ. ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (92) لم يؤرخا. يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (03) أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (13) أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما. (23) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَفِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط فِي نوع فِي دَعْوَى صَاحب الْيَد تلقي الْملك من جِهَة غَيرهمَا: ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا بِالدَّار، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا، وَإِن ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة اثْنَيْنِ فَكَذَلِك الْجَواب على التَّفْصِيل الَّذِي قُلْنَا فِيمَا إِذا ادّعَيَا التلقي من جِهَة وَاحِدَة. أنقروي فِي آخر دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع. ادّعَيَا عينا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (33) : لم يؤرخا يقْضِي للْخَارِج. (43) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج (53) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما. (63) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر يقْضِي للْخَارِج إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق. خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من كتاب الدَّعْوَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عبد فِي يَد رجل برهن رجل على أَنه كَانَ لفُلَان اشْتَرَاهُ مِنْهُ عشرَة أَيَّام وَبرهن ذُو الْيَد على أَنه كَانَ لآخر اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُنْذُ شهر بِكَذَا وَسَماهُ، فعلى قَول الثَّانِي فِي قَوْله الثَّانِي هُوَ لاسبقهما تَارِيخا وَهُوَ ذُو الْيَد. وَقَالَ مُحَمَّد فِي قَوْله الآخر: هُوَ للْمُدَّعِي، وعَلى قِيَاس قَول الثَّانِي أَولا هُوَ للْمُدَّعِي اهـ. أَقُول: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُفْتى لاسبقهما تَارِيخا، كَمَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، لَان الْعَمَل بِظَاهِر الرِّوَايَة أولى. ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (73) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (83) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج. (93) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 أَو أرخا وتاريخ أحداهما أسبق: يقْضِي لاسبقهما (04) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج، وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، وَإِن أرخ أَحدهمَا: أَي وهما خارجان لَا الآخر فَهُوَ للمؤرخ اتِّفَاقًا. من الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن. وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء وَالدَّار فِي يَد ثَالِث، إِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الشِّرَاء من صَاحب الْيَد وَلم يؤرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَلَهُمَا الْخِيَار: إِن شَاءَ قبض كل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك، فَإِن ترك أَحدهمَا: إِن ترك قبل الْقَضَاء فالآخر يَأْخُذهُ بِجَمِيعِ الثّمن بِلَا خِيَار، وَإِن ترك بعد الْقَضَاء لَا يقبض إِلَّا النّصْف بِنصْف الثّمن. وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء من غير صَاحب الْيَد فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فأسبقهما تَارِيخا أولى بالاجماع، فَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر يقْضِي لصَاحب التَّارِيخ. خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى. وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد بَائِعه فبرهن أَحدهمَا على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن آخر على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ عشرَة أَيَّام فذو الْوَقْت الاول أولى. جَامع الْفُصُولَيْنِ. ادّعَيَا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (14) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (24) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (34) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما. (44) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا إِذا أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَحِينَئِذٍ يقْضِي لاسبقهما. من جَامع الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن مُلَخصا. إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا. فِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط. وَفِي بَاب بَيَان اخْتِلَاف الْبَينَات فِي البيع وَالشِّرَاء من دَعْوَى الْمُحِيط: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا يقْضِي بَينهمَا فِي الْفُصُول، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق. وَفِي غَايَة الْبَيَان عَن مَبْسُوط خُوَاهَر زَاده: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا إِن لم يؤرخا أَو أرخ سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، أما فِي الاولين فَلَا إِشْكَال فِيهِ. وَأما إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر فَكَذَلِك يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لانه لَا عِبْرَة للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد إِذا كَانَت الْعين المؤرخ بيدهما مَعًا، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فأرخ الْخَارِج لَا يكون تَارِيخ أَحدهمَا عِبْرَة لَا تنقض يَد ذِي الْيَد بِالِاحْتِمَالِ؟ فَكَذَا لَا يكون التَّارِيخ عِبْرَة إِذا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا حَتَّى لَا ينْقض مَا يثبت من يَد الآخر فِي النّصْف، وَإِن لم يكن للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد عِبْرَة بِمُقَابلَة الْيَد صَار وجود التَّارِيخ وَعَدَمه بِمَنْزِلَة، وَلَو عدم: يقْضِي بِالدَّار بَينهمَا نِصْفَيْنِ. من هَامِش الانقروي فِي أول دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع. ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (54) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد. (64) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد. (74) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما. (84) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد. وَإِن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ لذِي الْيَد سَوَاء أرخ أَو لم يؤرخ، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي بِهِ للْخَارِج ف أول الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ. وَفِيه فِي أواسط الْفَصْل الْمَذْكُور: وَلَو ادّعى الْخَارِج وَذُو الْيَد بِسَبَب بِهَذَا السَّبَب نَحْو شِرَاء وإرث وَشبهه، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يدعيا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد أَو من جِهَة اثْنَيْنِ: فَلَو ادعياه من جِهَة وَاحِد وبرهنا حكم بِهِ لذِي الْيَد لَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء، فَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ أولى، وَلَو أرخ أَحدهمَا فذو الْيَد أولى، إِذْ وَقت السَّاكِت مُحْتَمل فَلَا ينْقض قَبضه بشك اهـ. وَفِيه أَيْضا فِي الْمحل الْمَزْبُور بِإِشَارَة الْمَبْسُوط: وَأَجْمعُوا أَن الْخَارِج وَذَا الْيَد لَو أثبتا الشِّرَاء من وَاحِد وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر فذو التَّارِيخ أولى (فش) ذُو الْيَد أولى (فث) إِذْ تَارِيخ الْخَارِج فِي حَقه مخبر بِهِ وَالْقَبْض فِي حق ذِي الْيَد معاين، وَهُوَ دَلِيل على سبق عقده، والمعاينة أقوى من الْخَبَر إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق يحكم للْخَارِج اهـ. وَفِي بعده مَسْأَلَة: وَلَو برهن من لَيْسَ بِيَدِهِ على أَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن ذُو الْيَد على قَبضه بِلَا تَوْقِيت أَو برهن على الشِّرَاء وَلم يذكر شُهُوده الْقَبْض فالمبيع لَهُ، إِذْ يَده فِي الْحَال تدل على مَا سبق قَبضه وَقد ثَبت لَهُ التَّارِيخ ضمنا وَلَا يدْرِي أَنه قبل قبض الْخَارِج أَو بعده فلغت الْبَيِّنَتَانِ، وترجح ذُو الْيَد بِيَدِهِ الْقَائِمَة فِي الْحَال اهـ. ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث (94) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (05) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (15) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (25) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (35) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (45) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (55) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (65) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (75) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (85) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصالح النِّتَاج. (95) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. (06) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج. فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن من الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو برهن أَحدهمَا من الْخَارِج وَذي الْيَد على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج فذو النِّتَاج أولى. وَفِي الْبَاب الْمَزْبُور من الملتقي: وَلَو برهنا على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج فَهُوَ أولى، وَكَذَا لَو كَانَا خَارِجين اهـ. وَفِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ من شرح الْمجمع: لَو أَقَامَ أحد المدعيين بَيِّنَة على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج قدم صَاحب النِّتَاج سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو ذَا يَد، لَان صَاحب النِّتَاج يثبت أولية الْملك فَلَا يملكهُ الْغَيْر إِلَّا بالتلقي مِنْهُ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 وَقَالَ أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ فِي تحريراته: قد علم من هَذِه النقول أَنه لَا فرق فِي أَوْلَوِيَّة صَاحب النِّتَاج بَين أَن تكون الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، فَإِن كَانَت الْعين فِي يدهما فَكَذَلِك صَاحب النِّتَاج أولى، لَان كل وَاحِد من صَاحب الْيَد ذُو يَد فِي نصفه وخارج فِي النّصْف الآخر كذي الْيَد مَعَ الْخَارِج. وَالْحَاصِل: إِذا برهن المدعيان أَحدهمَا على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج تقدم بَيِّنَة النِّتَاج، سَوَاء كَانَ الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يدهما أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا بَين فِي الاصول اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي الْقَضَاء: أطْلقُوا هَذِه الْعبارَة وَهِي قَوْلهم: تقدم بَيِّنَة النِّتَاج على بَيِّنَة الْملك الْمُطلق، فَشَمَلَ مَا إِذا أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا أَو لم يؤرخا أصلا، فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا من أرخ تَارِيخا مستحيلا بِأَن لم يُوَافق سنّ الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لَغَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُتْرَكُ فِي يَد ذِي الْيَد على مَا كَانَ. والنتاج بِكَسْر النُّون: ولادَة الْحَيَوَان وَوَضعه عِنْد مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ: وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَو ملك بَائِعه أَو مورثها اهـ. وَالْمرَاد لكَون التَّارِيخ مستحيلا فِي دَعْوَى النِّتَاج عدم مُوَافقَة التَّارِيخ لسن الْمَوْلُود. وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى سَبَب الْملك بِالْولادَةِ فِي ملكه، لَان سَبَب ذَلِك نَوْعَانِ: أَحدهمَا: لَا يُمكن تكرره وَالثَّانِي: يُمكن تكرره، فَمَا لَا يُمكن تكرره هُوَ النِّتَاج، فوقوع النِّتَاج فِي الْخَارِج مرَّتَيْنِ محَال: يَعْنِي لَا يتَصَوَّر عود الْوَلَد إِلَى بطن أمه ثمَّ خُرُوجه مرّة بعد أُخْرَى، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك الْوَلَد لَا يُعَاد وِلَادَته بعد الْولادَة مرّة أُخْرَى، وَمَا كَانَ من الْمَتَاع كَذَلِك وَلَا يصنع مرّة أُخْرَى بعد نقضه فَلَا يكون نَحْو النِّتَاج كَمَا صرح بِهِ فِي المفصلات اهـ. فدعوى النِّتَاج دَعْوَى مَا لَا يتَكَرَّر كَمَا صرح بِهِ قاضيخان فِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول، وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى أولية الْملك كَمَا ذكرُوا فِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ، فَيكون كل دَعْوَى أولية الْملك كالنتاج، وعَلى هَذَا اتِّفَاق الائمة الفحول فِي الْفُرُوع والاصول كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده. فَكل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا لَا يتَكَرَّر: يَعْنِي لَا يُعَاد وَلَا يصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه فَهُوَ فِي معنى النِّتَاج، وَدَعوى الْملك بِهَذَا السَّبَب كدعواه بالنتاج فَإِن مثله فِي عدم التكرر فَحكمه كحكمه فِي جَمِيع أَحْكَامه، وَأما كل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا يتَكَرَّر: يَعْنِي يُعَاد ويصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه: فَهُوَ لَا يكون بِمَعْنى النِّتَاج بل يكون فِي منزلَة الْملك الْمُطلق كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحِيط والمبسوط والزيلعي والظهيرية وَغَيرهَا اهـ. مِثَال مَا لَا يتَكَرَّر كنسخ ثِيَاب قطنية أَو كتانية لَا تنسج إِلَّا مرّة، فنسج ثوب قطن أَو كتَّان سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو أَقَامَ خَارج وَذُو يَد على أَن هَذَا الثَّوْب ملكه وَأَنه نسخ عِنْده فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا فِي الْخَانِية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا اهـ. وكحلب لبن فَحلبَ لبن سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو برهن كل من خَارج وَذي يَد على أَن هَذَا اللَّبن حلب فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا نَقله شَارِح الملتقي وَحْدَتي عُثْمَان أَفَنْدِي الاسكوبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 وَمِثَال مَا يتَكَرَّر كالمنطقة المصنوعة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا كالبناء وَالشَّجر والمغروس وَالْبر المزروع وَسَائِر الْحُبُوب وَنَحْوهَا مثلا فَهُوَ مِمَّا يتَكَرَّر ويعاد لَهُ بعد النَّقْض مرّة أُخْرَى، فَلَو برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد أَن المنطقة صنعت فِي ملكه وَأَن الشّجر المغروس لَهُ فِي ملكه وَأَن الْبر لَهُ زرعه والحبوب الْمَمْلُوكَة لَهُ كَانَ الْخَارِج أولى، لاحْتِمَال أَن الْخَارِج فعله أَولا ثمَّ غصبه ذُو الْيَد مِنْهُ ونقضه وَفعل ثَانِيًا فَيكون ملكا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيق، فَلم يكن فِي معنى النِّتَاج بل يكون بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق كَمَا ذكره ابْن ملك على الْمجمع، فَإِن الذَّهَب الْمَصْنُوع وَالْفِضَّة المصنوعة وَالْبناء ينْقض ويعاد ثَانِيًا، وَالشَّجر يغْرس ثمَّ يقطع من الارض ويغرس ثَانِيًا، والحبوب تزرع ثمَّ تغربل مَعَ التُّرَاب فتميز ثمَّ تزرع ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ الْمُصحف الشريف مِمَّا يتَكَرَّر، فَلَو أَقَامَ كل من الْخَارِج وَذي الْيَد الْبَيِّنَة أَنه مصحفه كتبه فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ للْمُدَّعِي، لَان الْكِتَابَة مِمَّا يتَكَرَّر يكْتب ثمَّ يمحى ثمَّ يكْتب كَمَا فِي دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان. وَفِي الْخُلَاصَة فِي الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: أما لسيف فَمِنْهُ مَا يضْرب مرَّتَيْنِ وَمِنْه مَا يضْرب مرّة وَاحِدَة فَيسْأَل عُلَمَاء الصياقلة، إِن قَالُوا يضْرب مرَّتَيْنِ يقْضِي للْمُدَّعِي، وَإِن قَالُوا مرّة يقْضِي لذِي الْيَد، فَإِن أشكل عَلَيْهِم أَو اخْتلفُوا، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، وَفِي رِوَايَة حَفْص: يقْضِي للْخَارِج. وَفِي الْوَجِيز للسرخسي: وَإِن كَانَ مُشكلا فالاصح أَنه مُلْحق بالنتاج اهـ. وَفِي الدُّرَر: فَإِن أشكل يرجع إِلَى أهل الْخِبْرَة لانهم أعرف بِهِ، فَإِن أشكل عَلَيْهِم قضى بِهِ للْخَارِج، لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ الاصل والعدول عَنهُ بِحَدِيث النِّتَاج، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل اهـ. ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث (16) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر: قضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (26) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف مِنْهُ الْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيقْضى بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر. (36) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا قضى بِهِ إِن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على أَحدهمَا. قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف للوقتين يطْلب الْبَيَان عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر. وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر. (46) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان أَو الرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود التَّارِيخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 أشكل عَلَيْهِمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضي بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ. ادّعَيَا نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (56) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. (66) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر: قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه للْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيَقْضِي بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وَحقه صَاحب الدُّرَر. (76) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على وَاحِد مِنْهُمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر. وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر. (86) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: وَإِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف الْوَقْت المؤرخ: يقْضى بِهِ لمن لم يؤرخ انْتهى. لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ أشكل الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ. فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط انْتهى. وَفِيه: برهن الخارجان على النِّتَاج: فَلَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ بَينهمَا لفقد الْمُرَجح، وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: فَلَو وَافق سنه لاحدهما فَهُوَ لَهُ لظُهُور كذب الآخر، وَلَو خالفهما أَو أشكل فَهُوَ بَينهمَا لانه لم يثبت الْوَقْت فكأنهما لم يؤرخا. وَقيل فِيمَا خالفهما بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذبهما فَلَا يقْضِي لَهما اهـ. وَاعْلَم أَنه إِذا تنَازعا فِي دَابَّة وبرهنا على النِّتَاج عِنْده أَو عِنْد بَائِعه وَلم يؤرخا يحكم بهَا لذِي الْيَد إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا، أَو يحكم لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا ذكره الزَّيْلَعِيّ. وَفِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى التاترخانية: وَإِن أرخا سَوَاء ينظر إِلَى سنّ الدَّابَّة: إِن كَانَ مُوَافقا للْوَقْت الَّذِي ذكرا يقْضِي بهَا بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لصَاحب الْوَقْت الَّذِي سنّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ. يَعْنِي قضى لمن وَافق سنّهَا وقته، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة الْوَقْت المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ أَيْضا، لانه إِذا كَانَ أَحدهمَا أسبق قضى بِهِ لمن وَافق سنّهَا وقته، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك: إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر كَانَ وَقت غير المؤرخ مُبْهما لعدم ذكر التَّارِيخ، فَإِن فرض المؤرخ سَابِقًا أَو غير سَابق يَسْتَقِيم على صُورَة مَسْأَلَة سبق أحد التاريخين، وَفِي ذَلِك قضى لمن وَافق سنّهَا، فَهُنَا كَذَلِك قضى للمؤرخ لموافقة تَارِيخه سنّهَا، وَإِن فرض المؤرخ مُسَاوِيا لغير المؤرخ قضى للمؤرخ أَيْضا لَان فِي مُوَافقَة غير المؤرخ شكا فَلَا يُعَارضهُ لموافقته المؤرخ. كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته اهـ. فَلَا فرق للْقَضَاء لمن وَافق سنّهَا بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يديهما أَو فِي يَد ثَالِث لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف، وَإِن خَالف سنّهَا للوقتين أَو أشكل يقْضِي بهَا بَينهمَا إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث. وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ صَاحب الدُّرَر نقلا عَن الزَّيْلَعِيّ وأيده بقوله وَهُوَ الاصح اهـ. ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين، أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ، كَذَا فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية اهـ. هَذَا إِن أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ: يقْضِي لمن لم يؤرخ لانه بِالطَّرِيقِ الاولى فِي أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنّ الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى، فَيقْضى بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ. كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته انْتهى. وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا قضى بَينهمَا كَمَا فِي الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر من دَعْوَى التاترخانية انْتهى. هَذَا إِذا كَانَت الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث. وَأما إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا قضى بهَا لذِي الْيَد إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده فِي تحريراته. وَالْمرَاد من الْمُخَالفَة بَين السن والوقتين كَون الدَّابَّة أكبر من الْوَقْتَيْنِ أَو أَصْغَر مِنْهُمَا كَمَا فِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى الْمُحِيط. وَفِي عبارَة دَعْوَى التَّتِمَّة فِي فصل مَا يتَرَجَّح بِهِ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة دون الْوَقْتَيْنِ أَو فَوْقهمَا يكون مُخَالفا للوقتين، وَالْمرَاد بالاشكال عدم ظُهُور سنّ الدَّابَّة كَمَا قَالَ ابْن مَالك على الْمجمع فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، فَإِن أشكل: أَي إِن لم يظْهر سنّ الدَّابَّة اهـ. وَاخْتلفت عِبَارَات بعض النّسخ فِيمَا إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين. قَالَ فِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ. كَذَا ذكره الْحَاكِم وَتَبعهُ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَة وَغَايَة الْبَيَان والبدائع. وَقَالَ مُحَمَّد: والاصح أَن تكون الدَّابَّة بَينهمَا، لانه إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين أَو أشكل يسْقط اعْتِبَار ذكر الْوَقْت فَينْظر إِلَى مقصودهما وَهُوَ إِثْبَات الْملك فِي الدَّابَّة وَقد اسْتَويَا فِي الدَّعْوَى وَالْحجّة فَوَجَبَ الْقَضَاء بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ. كَذَا فِي الْكَافِي كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته. وَفِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط. قَالَ الْمولى قَاضِي زَاده أخذا من كَلَام صَاحب الدُّرَر والبدائع: بِأَن مُخَالفَة السن للوقتين مكذب الْوَقْتَيْنِ لَا مكذب الْبَيِّنَتَيْنِ، فاللازم مِنْهُ سُقُوط اعْتِبَار ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 الْوَقْت لَا سُقُوط اعْتِبَار أصل الْبَيِّنَتَيْنِ، لانا لم نتيقن بكذب إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لجَوَاز أَن يكون سنّ الدَّابَّة مُوَافقا للوقتين وَلَا يعرف النَّاظر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السَّرخسِيّ فِي محيطه، وَقد يُشَاهد أَن بعض أهل النّظر نظر فِي سنّ فرس وَقَالَ إِن سنه اثْنَان وَنصف وَكَانَ سنه ثَلَاثًا وَنصفا. فَإِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَنه إِذا لم يثبت الْوَقْت صَار كَمَا لَو لم يُوَقت على ذكر شيخ الاسلام الاسبيجابي فِي شرح الْكَافِي، لَان الاصل عدم اعْتِبَار التَّارِيخ فِي النِّتَاج كَمَا مر آنِفا من الْفُصُولَيْنِ كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته. وَقَالَ: قَالَ قاضيخان فِي أَوَاخِر دَعْوَى الْمَنْقُول: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة الْوَقْتَيْنِ: فِي رِوَايَة يقْضى لَهما، وَفِي رِوَايَة يبطل الْبَيِّنَتَانِ اهـ. وَكَذَا فِي خزانَة الاكمل. وَفِي الثَّامِن من الْعمادِيَّة. وَفِي الرَّابِع عشر من الاستروشنية كَمَا فِي الْخَانِية: وَالظَّاهِر من كَلَام قاضيخان أَنه رجح الْقَضَاء بَينهمَا لانه قَالَ فِي أول كِتَابه: وَفِيمَا كثرت فِيهِ الاقاويل من الْمُتَأَخِّرين اختصرت عَلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ وَقَدَّمْتُ مَا هُوَ الاظهر وافتتحت بِمَا هُوَ الاشهر. وَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي شرح الْكَنْز نقلا من الْمَبْسُوط: والاصح أَنَّهُمَا لَا تبطلان، بل يقْضِي بَينهمَا إِذا كَانَا خَارِجين أَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، وَهَكَذَا ذكر مُحَمَّد. وَأما مَا ذكره الْحَاكِم بقوله بطلت الْبَيِّنَتَانِ، وَهُوَ قَول بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ لَيْسَ بشئ اهـ. وَاعْتمد صَاحب الدُّرَر مَا فِي الزَّيْلَعِيّ. وَقَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ: وَقَول الزَّيْلَعِيّ ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ اخْتِيَار الائمة الثَّلَاثَة كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة. وَفِي رضَاع الْبَحْر: الْفَتْوَى إِذا اخْتلفت كَانَ التَّرْجِيح بِظَاهِر الرِّوَايَة تمت النقول من تحريرات المرحوم أنقروي أَفَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى. ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (96) : لم يؤرخا إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على النِّتَاج فَصَاحب الْيَد أولى. كَذَا أفتى الْمولى عَليّ أَفَنْدِي. وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: قضى بِهِ لذِي الْيَد من بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي دَعْوَى الْهِنْدِيَّة. (07) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكرا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل أَو خالفهما: قضى بِهِ لذِي الْيَد كَذَلِك. (17) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الدَّابَّة لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أشكل على أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ قضى بِهِ للْآخر. (27) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا أَن الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ. قَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: إِذا ادّعى الرجل دَابَّة فِي يَد إِنْسَان أَنَّهَا ملكه نتجت عِنْده وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة بِمثل ذَلِك الْقيَاس يقْضى بهَا للْخَارِج. وَفِي الِاسْتِحْسَان: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد سَوَاء أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ قبل الْقَضَاء بهَا للْخَارِج أَو بعده وَفِي الْهِدَايَة: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي أَوَائِل الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية. هَذَا إِذا لم يؤرخا، وَإِن أرخا قضى بهَا لصَاحب الْيَد، إِلَّا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لوقت صَاحب الْيَد مُوَافقا لوقت الْخَارِج فَحِينَئِذٍ يقْضِي للْخَارِج فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى الْمُحِيط. وَلَا عِبْرَة للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا إِذا أرخا وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة تَارِيخ الْخَارِج فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للْخَارِج، وَإِن وَافق تَارِيخ ذِي الْيَد أَو كَانَ مُشكلا أَو خالفهما: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا فِي دَعْوَى الْوَجِيز. فَاعْلَم هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين. أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ فَلَا يَخْلُو من أَن يكون مُوَافقا أَو مُخَالفا أَو مُشكلا للْآخر: فَإِن كَانَ مُوَافقا فَكَمَا مر حكمه آنِفا قضى لمن وَافق، وَإِن كَانَ مُخَالفا للوقتين قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا مر، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ لما ذكر فِي التاترخانية وَالْمُحِيط مُطلقًا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ. هَذَا إِذا كَانَا أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ يقْضِي لمن لم يؤرخ، لانه بِالطَّرِيقِ الاولى من أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنة الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى فَيَقْضِي بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده اهـ. وَفِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي ملتقى الابحر: وَإِن برهن خَارج وَذُو الْيَد على النِّتَاج فذو الْيَد أولى، وَكَذَا لَو برهن كل من تلقى الْملك من آخر على النِّتَاج عِنْده اهـ. يَعْنِي لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد بَائِعه فذو الْيَد أولى، كَمَا لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد نَفسه فَإِن كلا مِنْهُمَا إِذا تلقى الْملك من رجل وَأقَام الْبَيِّنَة على سَبَب ملك عِنْده لَا يتَكَرَّر فَهُوَ بِمَنْزِلَة من أَقَامَهَا على ذَلِك السَّبَب عِنْد نَفسه، لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد قَامَت على أوليه الْملك فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا صرح بِهِ فِي الدُّرَر وَالْغرر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن اهـ. وَفِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَلَو تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْملك من رجل على حِدة وَأقَام الْبَيِّنَة على النِّتَاج عِنْده فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِقَامَتهَا على النِّتَاج عِنْد نَفسه اه. وَسَوَاء تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو صَدَقَة مقبوضتين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الثَّامِن من شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة. وَفِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده اشْتَرَاهُ من فلَان آخر وَأَنه ولد فِي ملك بَائِعه فلَان فَإِنَّهُ يقْضِي بِالْعَبدِ لذِي الْيَد لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا ادّعى نتاج بَائِعه وَدَعوى نتاج بَائِعه كدعوى نتاج نَفسه فَيَقْضِي بِبَيِّنَة ذِي الْيَد انْتهى. لَان كل وَاحِد من الْخَارِج وَذي الْيَد خصم فِي إِثْبَات نتاج بَائِعه كَمَا أَنه خصم فِي إِثْبَات الْملك لَهُ، وَلَو حضر البائعان وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على النِّتَاج كَانَ صَاحب النِّتَاج أولى، فَكَذَا من قَامَ مقامهما كَمَا صرح بِهِ الزَّيْلَعِيّ انْتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 وَفِي الدُّرَر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: وَالْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على مُطلق الْملك، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج النِّتَاج، أَو ادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية وَنَحْوهَا، فَأَما إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا مَعَ ذَلِك فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى. وَقَالَ فِي الْعمادِيَّة بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج من الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَقَامَ بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد لانه يَدعِي النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد، وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ اهـ. وَفِي البرهاني فِي الْفَصْل الثَّانِي عشر من كتاب الدَّعْوَى: إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَد كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج أَنه ملكه أجره أَو أودعهُ أَو أَعَارَهُ كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى. قَالَ شيخ الاسلام: الْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على الْملك الْمُطلق، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق أَو النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية أَو مَا أشبه ذَلِك. أما إِذا ادّعى الْملك الْمُطلق وَمَعَ ذَلِك فعلا فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَأَشَارَ مُحَمَّد ثمَّة إِلَى هَذَا الْمَعْنى، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّورَة أَكثر إِثْبَاتًا انْتهى. هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة فِي النَّوْع الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى. تمت النقول. وَأفْتى مَشَايِخنَا بِمَسْأَلَة الْمُحِيط يَعْنِي يُفْتِي بترجيح بَيِّنَة الْخَارِج فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة. ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (37) : لم يؤرخا: يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء. (47) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء. (57) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق. (67) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للمؤرخ. ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يدهما (77) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا. (87) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا. (97) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق. (08) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا. ادّعَيَا ملكا بسببين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (18) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد. (28) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد. (38) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق. (48) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (58) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (68) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (78) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين. (88) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ. وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قبُول أبي حنيفَة. ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يدهما (98) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (09) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (19) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق. عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين. (29) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا. وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة. ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (39) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (49) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. (59) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين. (69) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج. وَعند أبي يُوسُف: يقْضى للمؤرخ كَمَا فِي الْملك الْمُطلق. ومشايخنا أفتوا على قَول مُحَمَّد. ادّعَيَا عينا فِي يَد آخر فبرهن أَحدهمَا أَنه اشْتَرَاهُ من زيد وَبرهن الآخر أَنه ارتهنه من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى. وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَلَو كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِج فَهُوَ للْخَارِج، وَلَو ادّعى أَحدهمَا هبة وقبضا من زيد وَادّعى الآخر شِرَاء من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَكَذَا جَمِيع مَا مر فِي الرَّهْن. وَلَو كَانَت الْعين بيدهما فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا أَن يؤرخ وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَالصَّدَََقَة مَعَ الشِّرَاء كَالْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاء، وَلَو اجْتمعت الهبتان فَحكمه حكم مَا اجْتمع الشراءان. فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: وَإِذا اجْتمعت الْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالصَّدَََقَة مَعَ الْقَبْض فَالْجَوَاب فِيهِ كالجواب فِيمَا إِذا اجْتمع الشراءان. من أنقروي. فِي دَعْوَى الرجلَيْن بسببين مُخْتَلفين من كتاب الدَّعْوَى نقلا فِي الرَّابِع من دَعْوَى التاترخانية. هَذَا لَو ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد بسببين مُخْتَلفين، فَلَو ادعياه من جِهَة اثْنَيْنِ بسببين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 مُخْتَلفين، بِأَن ادّعى أَحدهمَا هبة وَالْآخر شِرَاء، لَو كَانَت الْعين بيد ثَالِث أَو بيدهما أَو بيد أَحدهمَا فَحكمه كَحكم مَا إِذا ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، إِذْ كل مِنْهُمَا يثبت الْملك الْمُطلق لمملكه ثمَّ يثبت الِانْتِقَال إِلَى نَفسه، فَكَأَن المملكين ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وبرهنا، فَفِي كل مَوضِع ذكرنَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق أَن يقْضِي بَينهمَا فَكَذَا هُنَا، كَذَا ذَا. وَفِي يس: عين بِيَدِهِ وَبرهن آخر أَنه شراه من زيد وَبرهن آخر أَن بكرا وهبه فَهُوَ بَينهمَا، وَلَو برهنا على التلقي من وَاحِد فالشراء أولى إِذا تَصَادقا، على أَنه لوَاحِد فَبَقيَ النزاع فِي السَّبق فالشراء أسبق، لانه لما لم يبين سبق أَحدهمَا جعلا كَأَنَّهُمَا وافقا مَعًا، وَلَو تقارنا كَانَ الشِّرَاء أسْرع نفاذا من الْهِبَة لانها لَا تصح إِلَّا بِقَبض وَالْبيع يَصح بِدُونِهِ. هَذَا، وَإِن ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من زيد وَالْآخر هبة وقبضا من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا لَو ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة وقبضا من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا عِنْد اسْتِوَاء الْحجَّة إِذْ تلقوا الْملك من مملكهم فكأنهم حَضَرُوا وبرهنوا على الْملك الْمُطلق. فصولين من أَوَاخِر الثَّامِن. وَإِن ادّعى أَحدهمَا شِرَاء من زيد وَالْآخر الْهِبَة من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا إِن ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا، وَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: يقْضى للْخَارِج إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ، وَإِن كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا: يقْضى بَينهمَا إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ لَهُ، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة. وَأما مَا يقسم كَالدَّارِ وَالْعَقار فَإِنَّهُ يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء. أنقروي. وَإِنَّمَا يَصح أَن يقْضى بَينهمَا لَو كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة، أما الْمُحْتَمل فَيَقْضِي بكله لمُدعِي الشِّرَاء. وَالصَّحِيح فِي الْهِبَة أَن يقْضِي بَينهمَا احْتمل الْقِسْمَة أَو لَا، إِذْ الشُّيُوع الطَّارِئ لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فِي الصَّحِيح وَيفْسد الرَّهْن. كَذَا فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ. وَهَذَا آخر مَا وجدته ونقلته من نُسْخَة محرفة تحريفا كليا بعد أَن صححت مَا ظهر لي من الْغَلَط بِالرُّجُوعِ إِلَى أُصُوله الَّتِي هِيَ فِي يَدي وَمَتى ظَفرت بِبَقِيَّة الاصول الْمَنْقُول عَنْهَا تمم تصحيحهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (أَو شِرَاء مؤرخ) أَشَارَ بِذكرِهِ بعد ذكر الْملك إِلَى أَنه لَا فرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالَّذِي بِسَبَب. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَأما الصُّورَة الثَّانِيَة: أَي صُورَة الشِّرَاء فلانهما لما ادّعَيَا الشِّرَاء من شخص وَاحِد فقد اتفقَا أَن الْملك لَهُ، فَمن أثبت مِنْهُمَا التلقي من جِهَته فِي زمَان لَا يزاحمه فِيهِ أحد كَانَ أولى اهـ. فَقَوله وَإِن برهن خارجان الخ يشْتَمل على ثَمَان مسَائِل من الصُّور الْمُتَقَدّمَة. قَوْله: (من وَاحِد غير ذِي يَد) إِنَّمَا قيد بِهِ تبعا للهداية، لَان دَعْوَى الخارجين الشِّرَاء من ذِي يَد قد تقدّمت فِي قَوْله وَلَو برهن خارجان على شئ قضى بِهِ لَهما فَلَا فَائِدَة فِي التَّعْمِيم. بَحر. وَفِيه: وَقيد بالبرهان على التَّارِيخ أَي مِنْهُمَا فِي الاولى، لانه لَو أرخت إِحْدَاهمَا دون الاخرى فَهُوَ سَوَاء كَمَا لم يؤرخا عِنْده. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: المؤرخ أولى. وَقَالَ مُحَمَّد: الْمُبْهم أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أرخت إِحْدَاهمَا فَقَط فِي الثَّانِيَة فَإِن المؤرخ أولى. وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا واستويا فَهِيَ بَينهمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَإِن أرخا وَسبق أَحدهمَا فَالسَّابِق أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الاحق فِي الثَّانِيَة لَا فِي الاولى، وَقدمنَا أَن دَعْوَى الْوَقْف كدعوى الْملك الْمُطلق فَيقدم الْخَارِج والاسبق تَارِيخا. قَوْله: (وَذُو يَد على ملك) قيد بِالْملكِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 لانها لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سنتَيْن وَلم يشهدَا أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ. قَوْلُهُ: (فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلم يتلق الآخر مِنْهُ، وَقُيِّدَ بِالتَّارِيخِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَيَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَالسَّابِقَةُ أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الْأَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (مُتَّفق) يجوز أَن يقْرَأ بِالرَّفْع خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي هُوَ: أَي الشَّأْن مُتَّفق، وَيجوز النصب على الْحَال من فَاعل برهنا. قَوْله: (أَو مُخْتَلف عَيْنِيٍّ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ هُوَ السَّاهِي، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ. فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو بَرْهَنَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أسبق اخْتلف الرِّوَايَاتُ فِي الْكُتُبِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُشِير إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِسَبْقِ التَّارِيخِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى، ثمَّ رجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الاول اهـ مُلَخصا. وَفِي نور الْعين عَن قاضيخان: ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ أَحَق من ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ: يَعْنِي يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا فَقَط يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وِفَاقًا، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَالْخَارِجُ أولى خُلَاصَة، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد هِدَايَة. برهن خارجان على شِرَاء شئ من اثْنَيْنِ وأرخا فهما سَوَاء، لانهما يثبتان الْملك لبائعهما فَيصير كَأَنَّهُمَا حضرا وادعيا ثمَّ يُخَيّر كل مِنْهُمَا كَمَا فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الخارجين شِرَاء من ذِي الْيَد كِفَايَة. لَو برهنا على شِرَاء من اثْنَيْنِ وتاريخ أَحدهمَا أسبق اخْتلفت رِوَايَات الْكتب، فَمَا فِي الْهِدَايَة يُشِير إِلَى أَنه لَا عِبْرَة لسبق التَّارِيخ بل يقْضِي بَينهمَا، وَفِي الْمَبْسُوط مَا يدل صَرِيحًا أَن الاسبق أولى. يَقُول الحقير: وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن قاضيخان أَنه ظَاهر الرِّوَايَة، فَمَا فِي الْهِدَايَة اخْتِيَار قَول مُحَمَّد اهـ. ثمَّ قَالَ: وَدَلِيل مَا فِي الْمَبْسُوط وقاضيخان وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُمَا يثبتان الْملك لبائعهما فكأنهما حضرا أَو ادّعَيَا الْملك بِلَا تَارِيخ، وَوجه قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ، ويرجحه أَنه ظَاهر الرِّوَايَة اهـ. وَكَذَا بُحِثَ فِي دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِاتِّفَاقِ التَّارِيخِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَة، فَهُوَ أولى مِمَّا فعله الشَّارِح مُتَابعًا للدرر وَإِنْ وَافَقَ الْكَافِيَ وَالْهِدَايَةَ وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بالسهو كَمَا تقدم عَن الْبَحْرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي. قَوْلُهُ: (مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحبه زَيْلَعِيّ. قَوْله: (اسْتَويَا) لانهما فِي الاول يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا، وَلَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَتَوْقِيتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ. بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك اهـ. قَوْله: (وَإِن اتَّحد الخ) ذكرنَا الْكَلَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 عَلَيْهِ آنِفا، وَتَقَدَّمت فِي هَذَا الْبَاب فِي محلهَا عَن السراج قَوْله: (مَا يُفِيد مِلْكَ بَائِعِهِ) بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فلَان وَهُوَ يملكهَا. قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْبَيِّنَة على الشِّرَاء لَا تقبل حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل. وَفِي السراج الْوَهَّاج: لَا تقبل الشَّهَادَة على الشِّرَاء من فلَان حَتَّى يشْهدُوا أَنه بَاعهَا مِنْهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ يملكهَا، أَو يشْهدُوا أَنَّهَا لهَذَا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فلَان بِكَذَا ونقده الثّمن وَسلمهَا إِلَيْهِ، لَان الانسان قد يَبِيع مَا لَا يملك لجَوَاز أَن يكون وَكيلا أَو مُتَعَدِّيا فَلَا يسْتَحق المُشْتَرِي الْملك بذلك فَلَا بُد من ذكر ملك البَائِع أَو مَا يدل عَلَيْهِ اهـ. قلت: إِذا كَانَ البَائِع وَكيلا فَكيف يشْهدُونَ بِأَنَّهُ بَاعهَا وَهُوَ يملكهَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ. أَقُول: إِذا عرف الشُّهُود أَن البَائِع وَكيل فَالظَّاهِر أَنهم يَقُولُونَ بَاعهَا بِالْوكَالَةِ عَمَّن يملكهَا لَان خُصُوص وَهُوَ يملكهَا غير لَازم. قَالَ فِي نور الْعين فِي آخر الْفَصْل السَّادِس رامزا للمبسوط: لَا تقبل بَيِّنَة الشِّرَاء من الْغَائِب إِلَّا بِالشَّهَادَةِ بِأحد الثَّلَاثَة، إِمَّا بِملك بَائِعه بِأَن يَقُولُوا بَاعَ وَهُوَ يملكهُ، وَإِمَّا بِملك مُشْتَرِيه بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ من فلَان، وَإِمَّا بِقَبْضِهِ بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبضه اهـ. وَفِيه رامز الْفَتَاوَى القَاضِي ظهير: ادّعى إِرْثا وَرثهُ من أَبِيه وَادّعى آخر شِرَاءَهُ من الْمَيِّت وشهوده شهدُوا بِأَن الْمَيِّت بَاعه مِنْهُ وَلم يَقُولُوا بَاعه مِنْهُ وَهُوَ يملكهُ، قَالُوا: لَو كَانَت الدَّار فِي يَد مدعي الشِّرَاء أم مدعي الارث فالشهادة جَائِزَة لانها على مُجَرّد البيع، إِنَّمَا لَا تقبل إِذا لم تكن الدَّار فِي يَد المُشْتَرِي أَو الْوَارِث، أما لَو كَانَت فالشهادة بِالْبيعِ كَالشَّهَادَةِ بِبيع وَملك اهـ. وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع تقبل من غير ذكر ملك البَائِع، وَإِن كَانَ فِي يَد غَيره وَالْمُدَّعِي يَدعِيهِ لنَفسِهِ، أَن ذكر الْمُدَّعِي وشهوده أَن البَائِع يملكهَا أَو قَالُوا سلمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ سلمهَا إِلَيّ أَو قَالَ قبضت وَقَالُوا قبض أَو قَالَ ملكي اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَهِي لي تقبل، فَإِن شهدُوا على الشِّرَاء والنقد وَلم يذكرُوا الْقَبْض وَلَا التَّسْلِيم وَلَا ملك البَائِع وَلَا ملك المُشْتَرِي لَا تقبل الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة، وَلَو شهدُوا بِالْيَدِ للْبَائِع دون الْملك اخْتلفُوا اهـ. قَوْله: (إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَي وَهُوَ يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ وَبرهن فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى شَهَادَة الشُّهُود بِملك البَائِع لمعاينة وضع يَده. قَوْله: (وَلَو شهدُوا بِيَدِهِ) أَي بيد البَائِع دون الْملك: أَي وَالْمَبِيع لَيْسَ فِي يَده. قَوْله: (فَقَوْلَانِ) يَنْبَغِي أَن يعْتَمد عدم صِحَة ذَلِك، لَان الْيَد تتنوع إِلَى يَد ملك وَيَد غصب وَيَد أَمَانَة، وَبَيَان الْعَام لَا يُحَقّق الْخَاص وَهُوَ الْمَطْلُوب الَّذِي هُوَ الْملك. تَأمل. قَوْله: (وَذُو الْيَد على الشِّرَاء مِنْهُ) صورته: عبد فِي يَد زيد ادَّعَاهُ بكر أَنه ملكه وَبرهن عَلَيْهِ وَبرهن زيد على الشِّرَاء مِنْهُ فذو الْيَد أولى، لَان الْخَارِج إِن كَانَ يثبت أولية الْملك فذو الْيَد يتلَقَّى الْملك مِنْهُ فَلَا تنَافِي فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ بِالْملكِ لَهُ ثمَّ ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ، وَكَذَا لَو برهن الْخَارِج على الارث، فصولين. وَلَو برهن على الشِّرَاء من أَجْنَبِي فالخارج أَحَق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 مطلب: لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أرخ تَارِيخا مستحيلا قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ. وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أصلا أَو أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج، إِلَّا أَن مَنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ من الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لغت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ يتْرك فِي يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةٍ. كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: برهن الْخَارِج أَن هَذِه أمته ولدت هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مِثْلِهِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الْأَمَةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي ثمَّ يسْتَحق الْقِنّ تبعا اه. مطلب: يقدم ذُو الْيَد فِي دَعْوَى النِّتَاج إِن لم يكن النزاع فِي الام وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَا الْيَدِ إنَّمَا يُقَدَّمُ فِي دَعْوَى النِّتَاج على الْخَارِج إِن لَمْ يَتَنَازَعَا فِي الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ تَنَازَعَا فِيهَا فِي الْملك الْمُطلق وَشَهِدُوا بِهِ وَبِنِتَاجِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَهَذِه يجب حفظهَا اهـ. تَعْرِيف النِّتَاج قَوْله: (كَالنِّتَاجِ) هُوَ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ، مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. مطلب: المُرَاد بالنتاج وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه وَالْمرَاد وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه. مطلب: هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ لَا يقْضى لَهُ وَلذَا قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو أَقَامَ ذُو الْيَد أَن هَذِه الدَّابَّة نتجت عِنْده أَو نسج هَذَا الثَّوْب عِنْده أَو أَن هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يقْضِي لَهُ اهـ. وَكَذَا لَو شهدُوا أَنَّهَا بنت أمته لانهم إِنَّمَا شهدُوا بِالنّسَبِ. كَذَا فِي الخزانة. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد على نتاج فِي ملك بَائِعه حكم لذِي الْيَد إِذْ كل مِنْهُمَا خصم عَن بَائِعه، فَكَأَن بائعيهما حضرا وادعيا ملكا بنتاج لذِي الْيَد اهـ. وَإِنَّمَا حكم لذِي الْيَد لَان الْبَيِّنَة قَامَت على مَا لَا تدل عَلَيْهِ الْيَد وترجحت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِالْيَدِ فَقضى لَهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَالْقَضَاء بِبَيِّنَة الْخَارِج هُوَ الاصل، وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ بِخَبَر النِّتَاج، وَهُوَ مَا روى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَده بَيِّنَة أَنَّهَا نَاقَته نتجها، فَقضى بهَا رَسُول الله (ص) للَّذي هِيَ فِي يَده وَهَذَا حَيْثُ مَشْهُور صَحِيح، فَصَارَت مَسْأَلَة النِّتَاج مَخْصُوصَة كَمَا فِي الْمُحِيط. وَفِي الْقنية كَمَا تقدم: بَيِّنَة ذِي الْيَد إِذا أَثْبَتَت أولية الْملك بالنتاج عِنْده، فَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ عِنْد مُوَرِثه اهـ. وَلَو برهن أَنه لَهُ ولد فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد أَنه لَهُ ولد فِي ملك بَائِعه حكم بِهِ لذِي الْيَد لانه خصم عَمَّن تلقى الْملك مِنْهُ وَيَده يَد الملتقي مِنْهُ فَكَأَنَّهُ حضر وَبرهن على النِّتَاج وَالْمُدَّعِي فِي يَده يحكم لَهُ بِهِ. كَذَا هَذَا اهـ. مطلب: لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه وَبِه ظهر أَنه لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 مطلب: لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَن أمه فِي ملكه وَلَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا بِأَن أمه فِي ملكه، لَكِن لَو شهِدت بَيِّنَة بذلك دون أُخْرَى قدمت عَلَيْهَا، لما فِي الخزانة: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه وَأقَام آخر الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمته هَذِه قضى للَّذي أمه فِي يَده، فَإِن أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمة أُخْرَى فَصَاحب الْيَد أولى. مطلب: برهن كل من خَارِجين أَنه عَبده ولد من أمته وَعَبده هذَيْن ينصف وَهُوَ ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد من أمته هَذِه من عَبده هَذَا وَأقَام رجل آخر الْبَيِّنَة بِمثل ذَلِك فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَيكون ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين. وَقَالَ صَاحِبَاه: لَا يثبت نسبه مِنْهُمَا اهـ. وَمحل تَقْدِيم بَيِّنَة ذِي الْيَد فِي النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج نتاجا وعتقا، وَإِلَّا كَانَ الْخَارِج أولى، لَان بَيِّنَة النِّتَاج مَعًا لعتق أَكثر إِثْبَاتًا، لانها أَثْبَتَت أولية الْملك على وَجه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ أصلا، وَبَيِّنَة ذِي الْيَد أَثْبَتَت الْملك على وَجه يتَصَوَّر اسْتِحْقَاق ذَلِك عَلَيْهِ، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْخَارِج الْعتْق مَعَ مُطلق الْملك وَذُو الْيَد ادّعى النِّتَاج فَبَيِّنَة ذِي الْيَد أولى. مطلب: رأى دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع يشْهد بِالْملكِ والنتاج وَفِي شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة الشَّاهِد عاين دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وعَلى هَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ على النِّتَاج لزيد وآخران على النِّتَاج لعَمْرو، وَيتَصَوَّر هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخر فَتحل الشَّهَادَة لِلْفَرِيقَيْنِ اهـ. قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا لَا يتَكَرَّر. قَوْله: (كنسج لَا يُعَاد) كالثياب القطني. قَوْله: (وحلب لبن) واتخاذ الْجُبْن واللبد والمرعزاء وجز الصُّوف، فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذِه ثِيَابِي نسجت عِنْدِي أَو لبني حلب عِنْدِي أَو جبني أَو لبدي اتخذ عِنْدِي أَو صوفي جز عِنْدِي فَإِنَّهُ يقدم ذُو الْيَد كَمَا فِي النِّتَاج، وَالْعلَّة مَا فِي النِّتَاج والجبن بضمة وبضمتين كقبل قَامُوس. والمرعزاء إِذا شددت الزَّاي قصرت وَإِذا خففت مدت وَالْمِيم وَالْعين مكسورتان، وَقد يُقَال: مرعزاء بِفَتْح الْمِيم مخففا ممدودا وَهِي كالصوف تَحت شعر العنز. مغرب. قَالَ أَبُو السُّعُود: هُوَ الشّعْر الْخَفِيف الَّذِي ينتف من ظهر الْمعز وَيعْمل مِنْهُ الاقمشة الرفيعة اهـ. أَقُول: وَيُوجد جنس مَخْصُوص يُسمى المرعز يعْمل من صوفه الشال اللاهور والفرماش، وَهُوَ يشبه الْمعز فِي الْخلقَة وَالْغنم فِي الصُّوف إِلَّا أَنه أَلين من صوف الْغنم، وَلَعَلَّه هُوَ هُوَ. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج اهـ ط. قَوْله: (وَلَو عِنْد بَائِعه) أَو عِنْد مُوَرِثه كَمَا تقدم: أَي لَا فرق بَين أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا النِّتَاج وَنَحْوه عِنْده أَو عِنْد بَائِعه، فَحكم النِّتَاج يجْرِي على مَا فِي مَعْنَاهُ من كل غير متكرر. قَوْله: (فذو الْيَد أَحَق) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَو سبق أَحدهمَا إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْبَحْر قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى الْخَارِج الخ) أَي حَيْثُ تكون بَيِّنَة الْخَارِج أولى وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 الصُّور أَكثر إِثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل على ذِي الْيَد وَهُوَ الْغَصْب وأشباهه إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا، وأولية الْملك إِن لم يكن ثَابتا بِالْيَدِ فَأصل الْملك ثَابت بهَا ظَاهرا فَكَانَ ثَابتا بِالْيَدِ من وَجه دون وَجه، فَكَانَ إِثْبَات غير الثَّابِت من كل وَجه أولى إِذْ الْبَيِّنَة للاثبات كَمَا فِي التَّبْيِين. بَقِي مَا إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا ونتاجا يقدم بالاولى. وَيُمكن إدخالها فِي عِبَارَته بِأَن يُقَال: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته ملكا أَو نتاجا أَخذهَا من ذِي الْيَد. تَأمل. قَوْلُهُ: (فِعْلًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ النِّتَاج. تَأمل. مطلب: ادّعى الْخَارِج الْفِعْل على ذِي الْيَد الْمُدَّعِي النِّتَاج فالخارج أولى قَوْله: (كغصب أَو وَدِيعَة) قَالَ فِي الْبَحْر وَقد يكون كل مِنْهُمَا مُدعيًا للْملك والنتاج فَقَطْ، إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أولى، وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّور أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا كَمَا ذكره الشَّارِح اهـ. قَوْلُهُ: (فِي رِوَايَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَول كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لما قَالَ فِي العماية بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج عَن الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة، فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، لانه يَدعِي ملك النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد. وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ دُرَر. وَاسْتظْهر فِي نور الْعين أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، وَبِه ظهر عدم الِاخْتِلَاف بَين العبارتين، بِأَن يحمل الاول على أَن كلا مِنْهُمَا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه وَزَاد دَعْوَى الْفِعْل، وَمَا نَقله عَن أبي اللَّيْث أَن الْخَارِج إِنَّمَا ادّعى الْفِعْل فَقَط بِدُونِ النِّتَاج، لَكِن تَعْلِيل الزَّيْلَعِيّ يَقْتَضِي أَن الْمُثبت للْفِعْل أَكثر إِثْبَاتًا سَوَاء كَانَ مَعَه دَعْوَى نتاج أَو لَا، فَلذَلِك حكم صَاحب الدُّرَر أَنَّهَا رِوَايَة ثَانِيَة، وَعَلَيْهَا اقْتصر فِي الْبَحْر وشراح الْهِدَايَة. وَعبارَة الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَعْلِيلِ: تَقْدِيمِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ بِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا، فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ، وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ على ذِي الْيَد حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَتُهُ أَرْجَحَ وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لاثباتها مَا هُوَ غير ثَابت أصلا. اهـ مُلَخصا ويؤيدها مَا نذكرهُ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَول المُصَنّف قضى بهَا لذِي الْيَد وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْأُمِّ كَمَا مَرَّ، وَمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ إعْتَاقًا على النِّتَاج كَمَا مر وَيَأْتِي. فروع فِي الْبَحْر: شَاتَان فِي يَد رجل إِحْدَاهمَا بَيْضَاء والاخرى سَوْدَاء فادعاهما رجل وَأقَام الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه الْبَيْضَاء ولدت هَذِه السَّوْدَاء فِي ملكه وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه السَّوْدَاء ولدت هَذِه الْبَيْضَاء فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة الَّتِي ذكرت شُهُوده أَنَّهَا ولدت فِي ملكه: أَي فَيَقْضِي للاول بِالسَّوْدَاءِ وَللثَّانِي بالبيضاء. قَالَ فِي التاترخانية: هَكَذَا ذكر مُحَمَّد، وَهَذَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا، فَإِن كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا تصلح أما للاخرى والاخرى لَا تصلح أما لهَذِهِ كَانَت عَلامَة الصدْق ظَاهِرَة فِي شَهَادَة شُهُود أَحدهمَا فَيَقْضِي بِشَهَادَة شُهُوده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 وَعَن أبي يُوسُف فِيمَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا: إِنِّي لَا أقبل بينتهما وأقضي بِالشَّاة لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة فِي يَده، وَهَذَا قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق. وَلَو أَقَامَ الَّذِي فِي يَده الْبَيْضَاء أَن الْبَيْضَاء شاتي ولدت فِي ملكي والسوداء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي شاتي ولدت من هَذِه الْبَيْضَاء وَأقَام الَّذِي السَّوْدَاء فِي يَده أَن السَّوْدَاء ولدت فِي ملكي والبيضاء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي ملكي ولدت من هَذِه السَّوْدَاء فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا فِي يَده اهـ. وَإِن كَانَ فِي يَد رجل حمام أَو دَجَاج أَو طير مِمَّا يفرخ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه لَهُ فرخ فِي ملكه وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على مثل ذَلِك: قضى بِهِ لصَاحب الْيَد. وَلَو ادّعى لَبَنًا فِي يَد رجل أَنه لَهُ ضربه فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد: يقْضِي بِهِ للْخَارِج، وَلَو كَانَ مَكَان اللَّبن آجر أَو جص أَو نورة: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد، وغزل الْقطن لَا يتَكَرَّر فَيَقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، بِخِلَاف غزل الصُّوف وورق الشّجر وثمرته بِمَنْزِلَة النِّتَاج، بِخِلَاف غُصْن الشَّجَرَة وَالْحِنْطَة لابد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج. لَو برهن الْخَارِج على أَن الْبَيْضَة الَّتِي تفلقت عَن هَذِه الدَّجَاجَة كَانَت لَهُ لم يقْض لَهُ بالدجاجة وَيَقْضِي على صَاحب الدَّجَاجَة ببيضة مثلهَا لصَاحِبهَا، لَان ملك الْبَيْضَة لَيْسَ لملك الدَّجَاجَة، فَإِن من غصب بَيْضَة وحضنها تَحت دجَاجَة لَهُ كَانَ الفرخ للْغَاصِب وَعَلِيهِ مثلهَا، بِخِلَاف الامة فَإِن وَلَدهَا لصَاحب الام، وَجلد الشَّاة يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد والجبة المحشوة والفرو وكل مَا يقطع من الثِّيَاب والبسط والانماط وَالثَّوْب الْمَصْبُوغ بعصفر أَو زعفران يقْضِي بهَا للْخَارِج اهـ. قَوْله: (أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر) عطف على ادّعى: يَعْنِي أَن ذَا الْيَد أَحَق فِي كل حَال إِلَّا فِي حَال مَا إِذا ادّعى غصبا أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق قَوْله: (كبناء) أَي كَمَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد أَن هَذَا الْآجر ملكي بنيت بِهِ حائطي وَادّعى الْخَارِج كَذَلِك يقدم الْخَارِج لانه يُمكن تكرره. قَوْله: (وغرس) قَالَ الْحَمَوِيّ: وَالْحِنْطَة مِمَّا يتَكَرَّر، فَإِن الانسان قد يزرع فِي الارض ثمَّ يغربل التُّرَاب فيميز الْحِنْطَة مِنْهَا ثمَّ يزرع ثَانِيَة، فَإِذا ادّعى كل أَنَّهَا حنطته زَرعهَا وَأَقَامَا برهانا فَإِنَّهُ يقدم الْخَارِج، وَالنَّخْل يغْرس غير مرّة فَإِذا تنَازعا فِي أَرض ونخيل: أَي كل يَدعِي غرسه وبرهنا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بهما، وَكَذَا الارض المزروعة: يَعْنِي أَنَّهَا أرضه زَرعهَا كل يَدعِي ذَلِك، أما إِذا كَانَ الزَّرْع مِمَّا يتَكَرَّر فَظَاهر وَإِلَّا كَانَ تبعا للارض كَمَا فِي الْخُلَاصَة. وَالْحَاصِل: أَن المنظور إِلَيْهِ فِي كَونه يتَكَرَّر أَولا يتَكَرَّر هُوَ الاصل لَا التبع كَمَا فِي الْبَحْر قَوْله: (ونسج خَز) الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ، ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ من وبره خَزًّا. قيل هُوَ نسج إِذا بلَى يغزل مرّة ثَانِيَة ثمَّ ينسج. عزمي. قَوْله: (أَو أشكل على أهل الْخِبْرَة) قَالَ فِي الْبَحْر ونصل السَّيْف يسْأَل عَنهُ، فَإِن أخبروا أَنه لَا يضْرب إِلَّا مرّة كَانَ لذِي الْيَد وَإِلَّا للْخَارِج: أَي فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذَا النصل لَهُ ضربه بِيَدِهِ وَأَقَامَا برهانا فَهُوَ على هَذَا اهـ. قَالَ أَبُو السُّعُود: فَإِن أشكل على أهل الْخِبْرَة قضى بِهِ للْخَارِج وَالْوَاحد مِنْهُم يَكْفِي والاثنان أحوط. عزمي وزيلعي. وَذكر فِي غَايَة الْبَيَان أَنه إِذا أشكل على أهل الْخِبْرَة اخْتلفت الرِّوَايَة، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي لذِي الْيَد. وَفِي رِوَايَة أبي حَفْص: يقْضِي للْخَارِج اهـ. قَوْله: (لانه الاصل) أَي كَون الْمُدَّعِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 للْخَارِج المبرهن لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ الاصل، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل. قَوْله: (وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ بِحَدِيث النِّتَاج) سبق مَا فِيهِ قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: النِّتَاج بِالْكَسْرِ مصدر، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت قَالَ شيخ الاسلام زَكَرِيَّا: النِّتَاج بِكَسْر النُّون من تَسْمِيَة الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت اهـ. وَقَالَ ابْن الملقن فِي ضبط كَلَام الْمِنْهَاج النِّتَاج بِفَتْح النُّون، وَرَأَيْت بِخَط المُصَنّف فِي الاصل بِكَسْرِهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع اهـ. قَالَ الهيتمي: ضَبطه المُصَنّف: يَعْنِي النَّوَوِيّ بِكَسْر النُّون، وَضَبطه الاستاذ بِالْفَتْح اهـ. تَتِمَّة: الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي حَادِثَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده إِلَّا إِذا برهن على إبِْطَال الْقَضَاء أَو على تلقي الْملك من الْمقْضِي لَهُ أَو على النِّتَاج كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي خزانَة الاكمل هُوَ الرَّاجِح كَمَا يشْهد لَهُ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، فازدد نقلا فِي الْمَسْأَلَة إِن شِئْت، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي دفع الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ خَصْمِهِ الْآخَرِ. قَوْله: (بِلَا وَقت) قيد بِهِ لانهما لَو أرخا يقْضِي بِهِ لصَاحب الْوَقْت الاخير، كَذَا فِي خزانَة الاكمل. قَوْله: (وَتُرِكَ الْمَالُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ مَنْ مَعَه) أَي لَا على وَجه الْقَضَاء بل عملا بالاصل، لانه لما تهاترت الْبَيِّنَتَانِ رَجَعَ إِلَى الاصل، وَهُوَ أَن وضع الْيَد من أَسبَاب الْملك. قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج) أَي لامكان الْعَمَل بالبينتين وَبِأَن يَجْعَل ذُو الْيَد كَأَنَّهُ اشْترى من الآخر وَقبض ض ثمَّ بَاعَ، لَان الْقَبْض دَلِيل الشِّرَاء فَيُؤْمَر بِالدفع إِلَيْهِ لَان تمكنه من الْقَبْض دَلِيل السَّبق. وَلَا يعكس الامر لَان البيع قبل الْقَبْض لَا يجوز وَإِن كَانَ فِي الْعقار عِنْده، وَهَذَا فِيمَا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا كَمَا يظْهر من تَقْرِير كَلَامه. وَجه قَوْلهمَا كَمَا فِي الْبَحْر أَن الاقدام على الشِّرَاء إِقْرَار مِنْهُ بِالْملكِ للْبَائِع فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ. وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بالاجماع. كَذَا هُنَا. ولان السَّبَب يُرَاد لحكمه وَهُوَ الْملك وَلَا يُمكن الْقَضَاء لذِي الْيَد إِلَّا بِملك مُسْتَحقّ فَبَقيَ الْقَضَاء بِمُجَرَّد السَّبَب وَأَنه لَا يفِيدهُ، ثمَّ لَو شهِدت الْبَيِّنَتَانِ على نقد الثّمن فالالف بالالف قصاص عِنْدهمَا إِذا اسْتَويَا لوُجُود قبض الْمَضْمُون من كل جَانب، وَإِن لم يشْهدُوا على نَقده الثّمن فالقصاص مَذْهَب مُحَمَّد للْوُجُوب عِنْده. قَوْله: (قُلْنَا الاقدام) أَي من الْخَارِج على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ والاقدام من ذِي الْيَد على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ. قَوْله: (إِقْرَار مِنْهُ) أَي من القادم بِالْملكِ لَهُ للْآخر فَصَارَت بَيِّنَة كل وَاحِد مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَت على إِقْرَار الآخر، وَفِيه التهاتر بالاجماع لتعذر الْجمع. قَوْله: (وَلَو أثبتا قبضا تهاترتا اتِّفَاقًا) لَان الْجمع غير مُمكن عِنْد مُحَمَّد لجَوَاز كل وَاحِد من البيعين، بِخِلَاف الاول، وَهَذَا فِي غير الْعقار، أما فِي الْعقار: فَإِن وقتت الْبَيِّنَتَانِ وَلم يثبتا قبضا، فَإِن كَانَ وَقت الْخَارِج أسبق: يقْضِي لصَاحب الْيَد عِنْدهمَا فَيجْعَل كَأَن الْخَارِج اشْترى أَولا ثمَّ بَاعَ قبل الْقَبْض من صَاحب الْيَد وَهُوَ جَائِز فِي الْعقار عِنْدهمَا. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج لانه لَا يَصح بَيْعه قبل الْقَبْض فَبَقيَ على ملكه، وَإِن أثبتا قبضا: يقْضِي بهَا لصَاحب الْيَد بالاجماع، وَإِن كَانَ وَقت صَاحب الْيَد أسبق: يقْضِي بهَا للْخَارِج سَوَاء شهدُوا بِالْقَبْضِ أَو لم يشْهدُوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة. وَفِيه وَفِي الْمَبْسُوط مَا يُخَالِفهُ كَمَا علم من الْكَافِي اه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 أَقُول: ثمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا يكون تأييدا لكَلَام الْهِدَايَة، حَيْثُ قَالَ: وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بالبينتين: يَعْنِي إِن ذكرُوا الْقَبْض الخ. تَأمل. وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن الْكَافِي: دَار فِي يَد زيد برهن عَمْرو على أَنه بَاعهَا من بكر بِأَلف وَبرهن بكر على أَنه بَاعهَا من عَمْرو بِمِائَة دِينَار وَجحد زيد ذَلِك كُله قضى بِالدَّار بَين المدعيين وَلَا يقْضِي بشئ من الثمنين لانه تعذر الْقَضَاء بِالْبيعِ لجَهَالَة التَّارِيخ وَلم يتَعَذَّر الْقَضَاء بِالْملكِ. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بهَا بَينهمَا. وَلكُل وَاحِد نصف الثّمن على صَاحبه، لانه لم يسلم لكل وَاحِد إِلَّا نصف الْمَبِيع. وَلَو ادَّعَت امْرَأَة شِرَاء الدَّار من عَمْرو بِأَلف وَعَمْرو ادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهَا بِأَلف وَزيد وَهُوَ ذُو الْيَد يَدعِي أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا من عَمْرو بِأَلف وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة: قضى لذِي الْيَد لتعارض بينتي غَيره فَبَقيت بَينته بِلَا معَارض. وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالدَّار لذِي الْيَد بِأَلف عَلَيْهِ للْخَارِج وَيَقْضِي لَهَا على الْخَارِج بِأَلف، لَان ذَا الْيَد وَالْمَرْأَة ادّعَيَا التلقي من الْخَارِج فَيجْعَل كَأَنَّهَا فِي يَده اهـ. مطلب: برهن كل على إِقْرَار الآخر أَنَّهَا لَهُ تهاترا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو برهن كل على إِقْرَار الآخر أَن هَذَا الشئ لَهُ فَإِنَّهُمَا يتهاتران وَيبقى فِي يَد ذِي الْيَد. كَذَا فِي الخزانة. قَوْله: (وَلَا ترجح) يحْتَمل أَن يقْرَأ الْفِعْل بالتذكير أَو التَّأْنِيث، فعلى الاولى يعود الضَّمِير الْمُسْتَتر على الحكم، وعَلى الثَّانِي يعود على الدَّعْوَى. إِلَى هَذَا أَشَارَ الْعَيْنِيّ. قَوْله: (فَإِن التَّرْجِيح عندنَا) أَي وَعند الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَبَعض الْمَالِكِيَّة يرجحون بِكَثْرَة الْعدَد. قَوْله: (بِقُوَّة الدَّلِيل) بِأَن يكون أَحدهمَا متواترا وَالْآخر من الْآحَاد أَو كَانَ أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا، فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والتواتر على الْآحَاد لقُوَّة فِيهِ، وَكَذَا لَا يرجح أحد القياسين وَلَا الحَدِيث بِحَدِيث آخر، وَشَهَادَة كل شَاهِدين عِلّة تَامَّة فَلَا تصليح للترجيح كَمَا فِي الْبَحْر. وَسَيَأْتِي قَرِيبا تَمَامه. قَوْله: (لَا بكثرته) وَلذَا لَا ترجح الْآيَة بِآيَة أُخْرَى وَلَا الْخَبَر بالْخبر وَلَا أحد القياسين بِقِيَاس آخر. قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: لَان التَّرْجِيح يكون بِقُوَّة الْعلَّة لَا بِكَثْرَة فِي الْعِلَل، وَلذَلِك قُلْنَا: إِن الْخَبَرَيْنِ إِذا تَعَارضا لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِخَبَر آخر بل بِمَا بِهِ يتَأَكَّد معنى الْحجَّة فِيهِ، وَهُوَ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) حَتَّى يتَرَجَّح الْمَشْهُور بِكَثْرَة رُوَاته على الشاذ لظُهُور زِيَادَة الْقُوَّة فِيهِ من حَيْثُ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) ، ويترجح بِفقه الرَّاوِي وَحسن ضَبطه وإتقانه لانه يتقوى بِهِ معنى الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) على الْوَجْه الَّذِي وصل إِلَيْنَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَلِكَ الْآيَتَانِ إِذا وَقعت الْمُعَارضَة بَينهمَا لَا تترجح إِحْدَاهمَا بِآيَة أُخْرَى، بل بِقُوَّة فِي معنى الْحجَّة وَهُوَ أَنه نَص مُفَسّر وَالْآخر مؤول، وَكَذَلِكَ لَا يتَرَجَّح أحد الْخَبَرَيْنِ بِالْقِيَاسِ، فَعرفنَا أَن مَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح هُوَ مَا لَا يصلح عِلّة للْحكم ابْتِدَاء بل مَا يكون مقويا لما بِهِ صَارَت الْعلَّة مُوجبَة للْحكم اهـ. قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قَوْله فلَان التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل بل التَّرْجِيح يَقع بِقُوَّة الْعلَّة وَلذَلِك ترجح شَهَادَة الْعدْل على شَهَادَة المستور، كَمَا يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ أَو الْآيَتَيْنِ مُفَسرًا أَو محكما على الآخر اهـ. قَوْله: (فهما سَوَاء فِي ذَلِك) أَي فِي الاقامة الْمَأْخُوذَة من أَقَامَ: أَي فِي حكمهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ يُفِيد حِينَئِذٍ الْعِلْمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّتِهَا، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ آحَادًا أَوْ يكون أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والمتواتر على الْآحَاد اهـ. بيري. وَفِي شرح الْمُفْتِي أَن عدد الشُّهُود إِذا بلغ حد التَّوَاتُر يَنْبَغِي أَن يرجح على من لم يبلغهُ قِيَاسا على الْخَبَر من أَنه يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَلم أظفر على الرِّوَايَة اهـ، أَقُول: قد ذكر فِي التَّحْرِير وَشَرحه مَا حَاصله: فرق بَين الشَّهَادَة وَالْخَبَر، لَان السّمع ورد فِي الشَّهَادَة على خلاف الْقيَاس بِأَن يكون نصابها اثْنَيْنِ فَلَا يكون لكثرتهم قُوَّة زَائِدَة تمنع مَا اعْتَبرهُ السّمع فِي الطّرف الآخر، بِخِلَاف الرِّوَايَة فِي الْخَبَر فَإِن الحكم فِيهِ نيط بِرِوَايَة كل من الرَّاوِي، فَلَا شكّ أَن كثرتهم تزيد الظَّن وَالْقُوَّة وَفِيه فَافْتَرقَا على أَن مَا ورد فِيهِ النَّص لَا يؤثره الْقيَاس. تدبر. قَوْله: (لَان الْمُعْتَبر أصل الْعَدَالَة) بل الْمُعْتَبر فِيهِ الْولَايَة بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّاس فِيهِ سَوَاء وَالْعَدَالَة شرطت لظُهُور أثر الصدْق حَتَّى وَجب على القَاضِي الْقَضَاء وَلذَلِك لم يلْتَفت إِلَى زِيَادَة قُوَّة فِي الْعَدَالَة، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي شرح الْمُفْتِي الشَّارِح الْهِنْدِيّ. قَوْله: (وَلَا حد للاعدلية) أَي فَلَا يَقع التَّرْجِيح بهَا لاحْتِمَال أَن يجد الآخر مَا هُوَ أعدل فَلَا يسْتَقرّ الحكم على حَالَة. قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحمَه الله تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِلَا مُنَازَعَةٍ، بَقِي النّصْف الآخر وَفِيه منازعتهما على السوَاء فينصف، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبْعُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ هَذَا هُوَ الْعَوْلُ. وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثَانِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثُ فِي الدَّارِ فَحَصَلَ ثُلُثُ الدَّارِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضُرِبَ الثُّلُثُ فِي السِّتَّةِ مَعْنَاهُ ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان. منح. قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِن لهَذِهِ الْمَسْأَلَة نَظَائِر وأضدادا لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي الزِّيَادَات اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان. قَوْله: (بطرِيق الْعَوْل) هُوَ فِي اللُّغَة الزِّيَادَة والارتفاع. وَعند أهل الْحساب أَن يُزَاد على الْمخْرج من أخواته إِذا ضَاقَ عَن فرض ذِي السهْم. قَوْله: (فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ) لوُجُود كسر مخرجه ذَلِك وَهُوَ النّصْف. قَوْله: (وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ) فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النّصْف سهم فَيقسم أَثلَاثًا بَينهمَا. والاصل أَنه إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 وَقعت الدَّعْوَى فِي شئ معِين كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْمُنَازعَة، وَمَتى كَانَت الدَّعْوَى فِي جُزْء غير معِين وَكَانَ باسم السهْم والنصيب كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، فَالْوَجْه لَهما أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي جُزْء غير معِين وَهُوَ النّصْف فَيقسم على طَرِيق الْعَوْل كَمَا فِي الْمَوَارِيث. وَله أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي الْعين وَإِن كَانَت باسم النّصْف شَائِعا، لَكِن الدَّعْوَى لَا تصح إِلَّا بالاضافة والاشارة إِلَى مَحل معِين كَأَن يَقُول نصف هَذِه الدَّار، فَإِذا صحت الدَّعْوَى على تعْيين الْمحل الَّذِي وَقعت الدَّعْوَى فِيهِ أَخذ حكم دَعْوَى شئ معِين، وَالْعين قطّ لَا تعول فَيقسم على طَرِيق الْمُنَازعَة، بِخِلَاف الْمَوَارِيث والديون لَان المنازع فِيهِ ابْتِدَاء هُوَ الدُّيُون فِي ذمَّة الْمَيِّت دون الْعين، وَكَذَا الْمَوَارِيث أنصباء غير مُعينَة بل هِيَ شائعة فِي التَّرِكَة. كَذَا فِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة. قَوْله: (مِيرَاث) يَعْنِي إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا تقسم على طَرِيق الْعَوْل، فَإِن مَاتَت وَتركت زوجا وأختا شَقِيقَة وأختا لَام فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة. قَوْله: (وديون) بِأَن كَانَ عَلَيْهِ مِائَتَان وَترك مائَة فيعطي لكل ذِي مائَة خَمْسُونَ، فَلَو كَانَ لاحدهما مائَة وَللْآخر خَمْسُونَ قسمت الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم اثْنَان لصَاحب الْمِائَة وَوَاحِد لصَاحب الْخمسين. قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي بِمَا دون الثُّلُث كَمَا قَيده الزَّيْلَعِيّ إِذا اجْتمعت وزادت على الثُّلُث، كَمَا لَو أوصِي لرجل بسدس مَاله وَلآخر بِثُلثِهِ وَلم تجز الْوَرَثَة يقسم الثُّلُث بطرِيق الْعَوْل فَيجْعَل الثُّلُث ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب السُّدس وسهمان لصَاحب الثُّلُث. قَوْله: (ومحاباة) أَي الْوَصِيَّة بالمحاباة، بِأَن أوصى بِأَن يُبَاع عبد يُسَاوِي مائَة بِخَمْسِينَ وَعبد يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَة وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة كَانَ ثلث المَال مائَة والمحاباة مائَة وَخمسين فتجعل الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للمحابي بِمِائَة وَسَهْم للمحابي بِخَمْسِينَ. قَوْله: (ودراهم مُرْسلَة) أَي مُطلقَة غير مُقَيّدَة بِثلث أَو نصف أَو نَحْوهمَا: كَمَا إِذا أوصى لرجل بِمِائَة وَلآخر بمائتين وَلم يتْرك إِلَّا ثلثمِائة فَكَانَ ثلث المَال مائَة وَلم تجز الْوَرَثَة تقسم الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب الْمِائَة وسهمان لصَاحب الْمِائَتَيْنِ. قَوْله: (وسعاية) بِأَن أوصى بِعِتْق عَبْدَيْنِ أَو أعتقهما فِي مرض مَوته وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة يسْعَى كل بِثُلثي قِيمَته، فَلَو أعتق وَاحِدًا وَنصف الآخر أَو أوصى بعتقهما كَذَلِك وقيمتهما سَوَاء وَكَانَ ذَلِك جَمِيع التَّرِكَة وَلم تجز الْوَرَثَة وَقِيمَة العَبْد مائَة وَقِيمَة نصف العَبْد خَمْسُونَ وَثلث وَالْمَال خَمْسُونَ يَجْعَل الْخَمْسُونَ ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للْعَبد وَيسْعَى فِي بَاقِي قِيمَته وَسَهْم لنصف العَبْد وَيسْعَى فِي الْبَاقِي. قَوْله: (وَجِنَايَة رَقِيق) أَدخل فِي هَذِه صُورَتَيْنِ، جِنَايَة العَبْد الرَّقِيق غير الْمُدبر وَالْمُدبر. وَصُورَة الاولى: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَإِنَّهُ يدْفع لَهما بطرِيق الْعَوْل، فأولياء الْمَقْتُول يريدونه كُله وَصَاحب الْعين يُرِيد نصفه وَالْكل نِصْفَانِ مَعَ نصف صَاحب الْعين فَيجْعَل ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان لوَلِيّ الْمَقْتُول وَسَهْم للمقلوع عينه. وَصُورَة الثَّانِيَة: جِنَايَة الْمُدبر إِذا جنى على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يدْفع السَّيِّد قِيمَته ثلثاها لوَلِيّ الْمَقْتُول وثلثها لصَاحب الْعين، وَكَأَنَّهَا سَقَطت من الْكَاتِب فَإِنَّهَا لم تُوجد فِي نسخ الدّرّ. وَبَقِي من الصُّور الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَبهَا تتمّ الثمان. قَوْله: (وَهِي مَسْأَلَة الفضوليين) بِأَن بَاعَ فُضُولِيّ عبد إِنْسَان بِمِائَة وفضولي آخر نصف ذَلِك العَبْد بِخَمْسِينَ وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين كَانَ لصَاحب الْكل ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 ترك وَصَاحب النّصْف ربعه أَو ترك بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم جَمِيعًا. قَوْله: (وَإِذا أوصى لرجل بِكُل مَاله) أَي وَلآخر بِنصفِهِ وأجازت الْوَرَثَة ذَلِك، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: صَاحب النّصْف لَا يُنَازع صَاحب الْكل فِي أحد النصفين فَيسلم لَهُ ويتنازعان فِي النّصْف الثَّانِي فيقتسمانه. وَعِنْدَهُمَا: للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ نِصْفَانِ وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ وَاحِد، فَيجْعَل المَال ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ، وَسَهْم للْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِالْعَبدِ: ثَلَاثَة أَرْبَاعه عِنْده، وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ ربعه. وَعِنْدَهُمَا: يَجْعَل ثَلَاثَة أسْهم. قَوْله: (وَهُوَ خمس) الاولى: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا نَسِيئَة بِمِائَة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الدَّائِن وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للْمولى، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه. الثَّانِيَة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا. الثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن فدى الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لِشَرِيك الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دَفعه يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا. الرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة. الْخَامِسَة: أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد ولي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا وَكَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة. وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة. كَذَا فِي الْبَحْر. وَالَّذِي فِي التَّبْيِين: فَيعْطى الرّبع لِشَرِيك الْعَافِي آخرا وَالنّصف الآخر بَينه وَبَين شريك الْعَافِي أَولا أَثلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِشَرِيك الْعَافِي أَولا، وَالثلث لِشَرِيك الْعَافِي آخرا عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا. مطلب: جنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) نَقله عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان حَيْثُ قَالَ: وجنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة: مِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة عِنْد الْكل. وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم. وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة. ومنهما مَا يقسم على عكس ذَلِك. مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم ثَمَانِيَة أما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم فثمانية. إِحْدَاهَا: الْمِيرَاث إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التركت عَن الْوَفَاء بهَا تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل. وَالثَّانيَِة: إِذا اجْتمعت الدُّيُون المتفاوتة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا: تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بربعه وَلآخر بسدس مَاله وَلم يجز الْوَرَثَة حَتَّى عَادَتْ الْوَصَايَا إِلَى الثُّلُث: يقسم الثُّلُث بَينهم على طَرِيق الْعَوْل. وَالرَّابِعَة: الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الرجل بألفي دِرْهَم وَأوصى لآخر بِأَن يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ حَتَّى حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لَهُمَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل. وَالْخَامِسَة: الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ نِصْفُهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الآخر ثلثه وَذَاكَ لَا يخرج من الثُّلُث: يُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ السِّعَايَةِ. وَالسَّادِسَة: الْوَصِيَّة بِأَلف مُرْسلَة: إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل. وَالسَّابِعَة: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدفع بهَا: يُقْسَمُ الْجَانِي بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيل، وَثلثه للْآخر. وَالثَّامِنَة: مُدَبَّرٌ جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْل. مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة مَسْأَلَة وَاحِدَة وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ: فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَم وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى البيعين جَمِيعًا: خير المشتريان، فَإِن اختارا الاخذ أخذا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِمُشْتَرِي الْكُلِّ وَرُبْعُهُ لمشتري النّصْف عِنْدهم جَمِيعًا. مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْده وبطريق الْعَوْل عِنْدهمَا ثَلَاث مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْعَوْل فَثَلَاث مسَائِل. إِحْدَاهَا: دَار تنَازع فِيهَا رجلَانِ أَحدهمَا يَدعِي كلهَا وَالْآخر يَدعِي نصفهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة: عِنْد أبي حنيفَة: تقسم الدَّار بَينهمَا بطرِيق الْمُنَازعَة، ثَلَاثَة أرباعها لمُدعِي الْكل وَالرّبع لمُدعِي النّصْف. وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا، ثلثاها لمُدعِي الْكل وثلثها لمُدعِي النّصْف. وَالثَّانيَِة: إِذا أوصى بِجَمِيعِ مَاله لرجل وَنصفه لآخر وأجازت الْوَرَثَة: عِنْد أبي حنيفَة المَال بَينهمَا أَربَاعًا، وَعِنْدَهُمَا أَثلَاثًا. وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى بِعَبْد بِعَيْنِه لرجل وبنصفه لآخر وَهُوَ يخرج من ثلثه أَو لَا يخرج وأجازت الْوَرَثَة كَانَ العَبْد بَينهمَا أَربَاعًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا. مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْده وبطريق الْمُنَازعَة عِنْدهمَا خمس مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْمُنَازعَة فَخمس مسَائِل. مِنْهَا: مَا ذكره فِي الْمَأْذُون: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا بنسيئة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الْمَدِين وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للمولي، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 وَالثَّانيَِة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا. وَالثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن هَذَا الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لشَرِيكه الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دفع يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا. وَالرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة. وَالْخَامِسَة: مَسْأَلَة الْكتاب أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد وليي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا: كَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة. وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة. والاصل لابي يُوسُف وَمُحَمّد أَن الْحَقَّيْنِ مَتى ثبتا على الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَإِن ثبتا على وَجه التَّمْيِيز أَو فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْقيَاس يَأْبَى الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، لَان تَفْسِير الْعَوْل أَن يضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه أَحدهمَا بِنصْف المَال وَالْآخر بِالْكُلِّ، وَالْمَال الْوَاحِد لَا يكون لَهُ كل وَنصف آخر، وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: من شَاءَ باهلته، إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل فِي المَال الْوَاحِد ثلثين وَنصفا وَلَا نِصْفَيْنِ وَثلثا، وَإِنَّمَا تركنَا الْقيَاس فِي الْمِيرَاث بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَيلْحق بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي الْمِيرَاث حُقُوق الْكل ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت، وَفِي التَّرِكَة إِذا اجْتمعت حُقُوق مُتَفَاوِتَة حق أَرْبَاب الدُّيُون وَثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ فِي الْوَصَايَا وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِذا فَقَأَ عين إِنْسَان وَقتل آخر خطأ حق أَصْحَاب الْجِنَايَة ثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت دفع العَبْد الْجَانِي أَو قيمَة الْمُدبر لَان مُوجب جِنَايَة الْخَطَأ لَا يملك قبل الدّفع، وَلِهَذَا لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة قبل الْقَبْض وَلَا تصح بِهِ الْكفَالَة. وَإِنَّمَا يملك التَّسْلِيم وَوقت الدّفع وَاحِد. وَفِي مَسْأَلَة دَعْوَى الدَّار الْحق إِنَّمَا يثبت بِالْقضَاءِ وَوقت الْقَضَاء وَاحِد فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَفِي مَسْأَلَة بيع الْفُضُولِيّ وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان الْملك ثَبت عِنْد الاجارة مُسْتَندا إِلَى قوت العقد وَوقت العقد مُخْتَلف. وَفِي الْقسم الرَّابِع وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، أما فِي مَسْأَلَة الادانة فلَان الْحق ثَبت بالادانة وَوقت الادانة مُخْتَلف. وَفِي العَبْد إِذا قتل رجلا عمدا وَآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا وَاخْتَارَ الْمولى دفع العَبْد أَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَدفع الْمولى الْقيمَة عِنْدهمَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة، لَان وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان حق السَّاكِت من ولي الدَّم كَانَ فِي الْقصاص لَان مثل وَالْمَال بدل عَن الْقصاص وَوُجُوب الْبَدَل مُضَاف إِلَى سَبَب الاصل وَهُوَ الْقَتْل، فَكَانَ وَقت ثُبُوت حَقه الْقَتْل وَحقّ ولي الْخَطَأ فِي الْقيمَة، إِذْ العَبْد الْمَدْفُوع يثبت عِنْد الدّفع لَا قبله، لانه صلَة معنى والصلات لَا تملك قبل الْقَبْض، فَكَانَ وَقت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلفا فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث وَكَانَت القسمتين نزاعية. وَفِي جِنَايَة أم الْوَلَد وجوب الدِّيَة للَّذي لم يعف مُضَاف إِلَى الْقَتْل لما قُلْنَا والقتلان وجدا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين فَكَانَت الْقِسْمَة نزاعية عِنْدهمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة أَو بِحَق ثَبت فِي الْعين على وَجه الشُّيُوع فِي الْبَعْض دون الْكل كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَبت على وَجه التَّمْيِيز أَو كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل كَانَت الْقِسْمَة نزاعية. وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْحُقُوق مَتى وَجَبت فِي الذِّمَّة فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان الذِّمَّة متسعة فَيضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه فِي الْعين وَكَذَا إِذا كَانَ حق كل وَاحِد فِي الْعين، لَكِن فِي الْجُزْء الشَّائِع فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان مَا من جُزْء ثَبت فِيهِ حق أَحدهمَا إِلَّا وَللْآخر أَن يزاحمه فَكَانَت الْحُقُوق مستوية فِي الْقُوَّة. والاصل فِي قسْمَة الْعَوْل الْمِيرَاث كَمَا قَالَا، وثمة حق كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَبت فِي الْبَعْض الشَّائِع. وَإِذا ثَبت الحقان على وَجه التَّمْيِيز لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَا إِذا كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، لَان صَاحب الْكل يزاحم صَاحب الْبَعْض فِي كل شئ، أما صَاحب الْبَعْض فَلَا يزاحم صَاحب الْكل فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، ولان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ فِي الْبَعْض الشَّائِع وَمَا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحكم الْقِسْمَة غير مُقَرر وَأَنه غير الشَّائِع كَانَ الْمَأْخُوذ بدل حَقه لَا أصل حَقه، فَيكون فِي معنى الْمِيرَاث والتركة الَّتِي اجْتمعت فِيهَا الدُّيُون. وَفِي مسَائِل الْقِسْمَة إِنَّمَا وَجَبت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة، لَان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مُوجب الجباية، وَمُوجب الْجِنَايَة يكون فِي الذِّمَّة فَكَانَت الْقِسْمَة فِيهَا عولية، فعلى هَذَا تخرج الْمسَائِل. هَذَا إِذا لم يكن لَهَا ولد من الْمولى، فَإِن كَانَ لَهَا ولد من الْمولى يَرِثهُ فَلَا قصاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى، لَان الْوَلَد لَا يسْتَوْجب الْقصاص على وَالِديهِ، وَلِهَذَا لَو قتلت الْمَرْأَة وَلَدهَا لَا يجب عَلَيْهَا الْقصاص لَان الوالدة سَبَب لوُجُوده فَلَا يسْتَحق قَتلهَا، وَلِهَذَا لَا يُبَاح لَهُ قتل وَاحِد من أَبَوَيْهِ وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا. فَإِذا سقط حق وَلَدهَا سقط حق الْبَاقِي وانقلب الْكل مَالا، لَان الْقصاص تعذر اسْتِيفَاؤهُ لَا لِمَعْنى من جِهَة الْقَاتِل بل حكما من جِهَة الشَّرْع فَانْقَلَبَ الْكل مَالا، بِخِلَاف مَا تقدم، لَان ثمَّة الْعَافِي أسقط حق نَفسه فَلَا يَنْقَلِب نصِيبه مَالا. فَإِن قيل: إِذا لم تكن هَذِه الْجِنَايَة مُوجبَة للْقصَاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى يَنْبَغِي أَن تكون هدرا كَمَا لَو قتلته خطأ. قُلْنَا: الْجِنَايَة وَقعت مُوجبَة للْقصَاص، لانه يجب للمقتول وَالْمولى يسْتَوْجب الْقصاص على مَمْلُوكه، وَإِنَّمَا سقط الْقصاص ضَرُورَة الِانْتِقَال إِلَى الْوَارِث وَهِي حرَّة وَقت الِانْتِقَال فتنقلب مَالا وتلزمها الْقيمَة دون الدِّيَة اعْتِبَارا بِحَالَة الْقَتْل. هَذَا كمن قتل رجلا عمدا وَابْن الْقَاتِل وَارِث الْمَقْتُول كَانَ لِابْنِ الْمَقْتُول الدِّيَة على وَالِده الْقَاتِل كَذَلِك هُنَا، ولورثة الاجنبي الْقصاص كَمَا كَانَ، لَان حَقّهمَا يمتاز عَن حق وَرَثَة الْمولى فَكَانَ لَهما الْقصاص: وَإِن شاءا أخرا حَتَّى يُؤَدِّي الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى، وَإِن شاءا عجلا الْقَتْل، لانهما لَو أخرا إِلَى أَن يُؤَدِّي السّعَايَة رُبمَا لَا يُؤَدِّي مَخَافَة الْقَتْل فَيبْطل حَقّهمَا فَكَانَ لَهما التَّعْجِيل، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي وَجب للساكت مِنْهُمَا نصف الْقيمَة أَيْضا، وجنايات أم الْوَلَد وَإِن كثرت لَا توجب إِلَّا قيمَة وَاحِدَة فَصَارَت الْقيمَة مُشْتَركَة بَين وَرَثَة الْمولى ووارث الاجنبي. ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تقسم قيمتهَا بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا لما ذكرنَا، فَإِن كَانَت سعت فِي قيمتهَا لوَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا أحد وليي الاجنبي: إِن دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى بِقَضَاء القَاضِي لَا سَبِيل لوَارث الاجنبي عَلَيْهَا لَان الْوَاجِب عَلَيْهَا قيمَة وَاحِدَة وَقد أدَّت بِقَضَاء القَاضِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 فتفرغ ذمَّتهَا وَيتبع وَارِث الاجنبي وَرَثَة الْمولى ويشاركهم فِي تِلْكَ الْقيمَة لانهم أخذُوا قيمَة مُشْتَركَة، وَإِن دفعت بِغَيْر قَضَاء عِنْدهمَا كَذَلِك. وَعند أبي حنيفَة. وَارِث الاجنبي بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ يرجع على وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ يرجع على أم الْوَلَد. لَهما: أَنَّهُمَا فعلت عين مَا يَفْعَله القَاضِي لَو رفع الامر إِلَيْهِ فيستوي فِيهِ الْقَضَاء وَعَدَمه كالرجوع فِي الْهِبَة لما كَانَ فسخا بِقَضَاء لَو حصل بتراضيهما يكون فسخا. ولابي حنيفَة أَن مُوجب الْجِنَايَة فِي الذِّمَّة، فَإِذا أدَّت فقد نقلت من الذِّمَّة إِلَى الْعين فَيظْهر أثر الِانْتِقَال فِي حق الْكل إِن كَانَ بِقَضَاء، وَلَا يظْهر إِذا كَانَ بِغَيْر قَضَاء فَكَانَ لَهُ الْخِيَار: إِن شَاءَ رَضِي بدفعها وَيتبع وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ لم يرض وَيرجع عَلَيْهَا بِحقِّهِ، وَهُوَ ثلث الْقيمَة عِنْد أبي حنيفَة، وَترجع هِيَ على وَرَثَة الْمولى. هَذَا إِذا دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا ولي الاجنبي، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي ثمَّ دفعت الْقيمَة قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر قضاءء يتَخَيَّر ان وإرث الاجنبي عِنْدهم، وَإِن كَانَ بِقَضَاء عِنْد أبي حنيفَة يتَخَيَّر. وَعِنْدَهُمَا لَا يتَخَيَّر. وَالصَّحِيح أَن هُنَا يتَخَيَّر عِنْد الْكل سَوَاء كَانَ الدّفع بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء، لَان قَضَاء القَاضِي بِدفع الْكل إِلَى وَرَثَة الموى بعد تعلق حق الاجنبي وثبوته لَا يَصح، بِخِلَاف الْوَصِيّ إِذا قضى دين أحد الغريمين بِأَمْر القَاضِي حَيْثُ لَا يضمن لَان للْقَاضِي أَن يضع مَال الْمَيِّت حَيْثُ شَاءَ، أما هُنَا فبخلافه، وَإِذا لم يَصح قَضَاء القَاضِي فلَان لَا يَصح فعلهَا بِغَيْر قَضَاء أولى. قَوْله: (والاصل عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة أَن الْقِسْمَة: أَي قسْمَة الْعين. قَوْله: (فِي عين أَو ذمَّة) أَي بِحَق ثَابت فِي ذمَّة الاولى زِيَادَة فِي الْبَعْض، بِأَن يَقُول أَو لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا: أَي أَو وَجَبت الْقِسْمَة لاحدهما الخ، أَو أَن يَقُول فِي ذمَّة أَو عين شَائِعا لانه لَا يعقل التَّبْعِيض فِي الذِّمَّة. والاولى أَن يَقُول شَائِعا فِي الْبَعْض دون الْكل. وَعبارَة الْبَحْر: والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت الخ كَمَا قدمناها قَرِيبا. قَوْله: (شَائِعا) أَي على وَجه الشُّيُوع فِي بعض دون الْكل. قَوْله: (فعولية) أَي كَانَت الْقِسْمَة عولية. قَوْله: (أَو مُمَيّزا) أَي وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَابت على وَجه التَّمْيِيز دون الشُّيُوع. قَوْله: (أَو لاحدهما) أَي كَانَ حق لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا. قَوْله: (وَللْآخر فِي الْكل) أَي وَحقّ الآخر فِي الْكل. قَوْله: (فمنازعة) أَي كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَقدمنَا الْحَاصِل على قَول الامام فَلَا تنسه. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي بِأَن ثبتا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين أَو على وَجه التَّمْيِيز فمنازعة، فحقوق الْكل فِي الْمِيرَاث ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت الْمَوْت فتقسم بطرِيق الْعَوْل، وَكَذَا التَّرِكَة إِذا اجْتمعت فِيهَا دُيُون مُتَفَاوِتَة فَإِن حَقهم يثبت فِي وَقت وَاحِد، وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا، وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر فَلَا تنسه. قَوْله: (فَهِيَ للثَّانِي) وَهُوَ مدعي الْكل. قَوْله: (نصف لَا بِالْقضَاءِ) لَان دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ لتَكون يَده محقة فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى، وَاجْتمعَ بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي المقولة الثَّانِيَة موضحا. قَوْله: (وَنصف بِهِ) لانه خَارج: يَعْنِي دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ، لتَكون يَده محقة لَا يَدعِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 شَيْئا مِمَّا فِي يَد صَاحبه فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى. وَأما مدعي الْكل فَإِنَّهُ يَدعِي مَا فِي يَد نَفسه وَمَا فِي يَد الآخر وَلَا ينازعه أحد فِيمَا فِي يَده فَيتْرك مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء، وَقد اجْتمعت بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَكَانَت بَينته أولى فَتقدم لانه خَارج فِيهِ فَيَقْضِي لَهُ فِي ذَلِك النّصْف، فَسلم لَهُ كل الدَّار نصفهَا بِالتّرْكِ لاعلى وَجه الْقَضَاء وَالنّصف الآخر بِالْقضَاءِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. قَوْله: (وَآخر ثلثهَا) الاولى ثلثيها كَمَا سيتضح فِي المقولة الْآتِيَة. قَوْله: (وَبَيَانه فِي الْكَافِي) هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع وَشَرحه لِابْنِ ملك حَيْثُ قَالَ: وَلَو ادّعى أحد ثَلَاثَة فِي يدهم دَار كلهَا وَالْآخر ثلثيها وَالْآخر نصفهَا وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ، فلنفرض اسْم مدعي الْكل كَامِلا ومدعي الثُّلثَيْنِ ليثا ومدعي النّصْف نصرا، فَهِيَ مقسومة بَينهم. عِنْد أبي حنيفَة بالمنازعة من أَرْبَعَة وَعشْرين لكامل خَمْسَة عشر وَهِي خَمْسَة أَثمَان الدَّار وربعها لليث وَثمنهَا لنصر. بَيَانه أَنا نجْعَل الدَّار سِتَّة لاحتياجنا إِلَى النّصْف والثلثين، وَأَقل مخرجهما سِتَّة فِي يَد كل مِنْهُم سَهْمَان، وَمَعْلُوم أَن بَيِّنَة كل مِنْهُم على مَا فِي يَده غير مَقْبُولَة لكَونه ذَا يَد وَإِن بَيِّنَة الْخَارِج أولى فِي الْملك الْمُطلق، فَاجْتمع كَامِل وَلَيْث على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث نصفه وَذَلِكَ لانه يَقُول حَقي فِي الثُّلثَيْنِ ثلث فِي يَدي وَبَقِي لي ثلث آخر نصفه فِي يَد كَامِل وَنصفه فِي يَد نصر فَسلم لكامل نصف مَا فِي يَده وَهُوَ سهم بِلَا نزاع وَالنّصف الآخر وَهُوَ سهم بَينهمَا نِصْفَانِ فَيضْرب مخرج النّصْف وَهُوَ اثْنَان فِي سِتَّة فَصَارَت اثْنَي عشر، ثمَّ كَامِل وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث وَهُوَ أَرْبَعَة فكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه، لانه يَقُول حَقي فِي النّصْف سِتَّة وَقد أَخذ الثُّلُث أَرْبَعَة وَبَقِي لي سدس من الدَّار وَهُوَ سَهْمَان سهم فِي يَد اللَّيْث وَسَهْم فِي يَد كَامِل وَثَلَاثَة من الاربعة سلمت لكامل وتنازعا فِي سهم، فَيضْرب مخرج النّصْف فِي اثْنَي عشر فَصَارَت الدَّار أَرْبَعَة وَعشْرين فِي يَد كل مِنْهُم ثَمَانِيَة. اجْتمع كَامِل وَلَيْث على الثَّمَانِية الَّتِي فِي يَد نصر فَأَرْبَعَة سلمت لكامل بِلَا نزاع لَان ليثا يَدعِي الثُّلثَيْنِ وَهُوَ سِتَّة عشر ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي يَده وَأَرْبَعَة فِي يَد نصر وَأَرْبَعَة فِي يَد كَامِل والاربعة بَين كَامِل وَلَيْث نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُنَازعَة فَحصل لكامل سِتَّة ولليث سَهْمَان، ثمَّ اجْتمع كَامِل وَنصر على مَا فِي يَد لَيْث فنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده وَهُوَ سَهْمَان فَسلمت سِتَّة لكامل واستوت منازعتهما فِي سَهْمَيْنِ فَصَارَ لكل وَاحِد مِنْهُم سهم فَحصل لكامل سَبْعَة ولنصر سهم، ثمَّ اجْتمع لَيْث وَنصر على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده أَرْبَعَة وَنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده سَهْمَيْنِ وَفِي المَال سَعَة فَيَأْخُذ لَيْث أَرْبَعَة وَنصر سَهْمَيْنِ فَيبقى مَا فِي يَد كَامِل سَهْمَان فَحصل لكامل مِمَّا فِي يَد نصر سِتَّة وَمِمَّا فِي يَد لَيْث سَبْعَة وَمِمَّا فِي يَده سَهْمَان فجميعه خَمْسَة عشر، وَللثَّانِي سِتَّة وَهِي ربع الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد نصر سَهْمَان وَمِمَّا فِي يَد كَامِل أَرْبَعَة فَذَاك سِتَّة، وللثالث وَهُوَ نصر ثَلَاثَة وَهِي ثمن الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد لَيْث سهم وَمِمَّا فِي يَد كَامِل سَهْمَان وَذَا ثَلَاثَة. وبالاختصار، تكون الْمَسْأَلَة من ثَمَانِيَة: خَمْسَة أثمانها لكامل وربعها سَهْمَان لليث وَثمنهَا وَاحِد لنصر، وَهَذَا قَول الامام وَقَالا: بالعول تقسم. وَبَيَانه أَن الدَّار بَينهم أَثلَاثًا الْكَامِل وَاللَّيْث اجْتمعَا على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 نصفه فنأخذ أقل عدد لَهُ نصف وَهُوَ اثْنَان فَيضْرب الْكَامِل بكله سَهْمَيْنِ وَلَيْث بِنصفِهِ سَهْما فعالت إِلَى ثَلَاثَة، ثمَّ الْكَامِل والنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث والكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه ومخرج الرّبع أَرْبَعَة فَيضْرب بربعه سهم وكامل بكله أَرْبَعَة فعالت إِلَى خَمْسَة، ثمَّ لَيْث وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده وَنصر يَدعِي ربعه وَالنّصف وَالرّبع يخرجَانِ من أَرْبَعَة فَنَجْعَل مَا فِي يَده أَرْبَعَة لَان فِي المَال سَعَة فنصفه سَهْمَان لليث وربعه سهم لنصر وَبَقِي ربع لكامل فَحصل هُنَا ثَلَاثَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعَة وانكسر حِسَاب الدَّار على هَذَا وَهِي متباينة فضربنا الثَّلَاثَة فِي الاربعة فَصَارَت اثْنَي عشر ضربناها فِي خَمْسَة صَارَت سِتِّينَ ضربناها فِي أصل الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة بلغت مائَة وَثَمَانِينَ فِي يَد كل وَاحِد سِتُّونَ فلكامل مائَة وَثَلَاثَة، لَان ربع مَا فِي يَده وَهُوَ الْخَمْسَة عشر سلم لَهُ وَأخذ من نصر ثُلثي مَا فِي يَده وَهُوَ أَرْبَعُونَ وَمن لَيْث أَرْبَعَة أخماسه وَهِي ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ فَصَارَ الْمَجْمُوع مائَة وَثَلَاثَة ولليث خَمْسُونَ لَان ليثا أَخذ نصف مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثلث فِي يَد نضر وَهُوَ عشرُون وللثالث وَهُوَ نصر سَبْعَة وَعِشْرُونَ لانه أَخذ خمس مَا فِي يَد لَيْث، وَهُوَ اثْنَا عشر وَربع مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ خَمْسَة اهـ. حَلَبِيّ بِتَصَرُّف. وَهَذَا كُله اعْتِبَار وَتَقْدِير ط وَذكره فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَرْهَنَا الخ) يُتَصَوَّرُ هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخَرَ فَتَحِلُّ الشَّهَادَةُ لِلْفَرِيقَيْنِ. بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَة. وقدمناه وَقدمنَا عَنهُ أَيْضا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا إلَخْ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (تَارِيخه) أَي تَارِيخ الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بِتَأْوِيل الْبُرْهَان. حموي. قَوْله: (بِشَهَادَة الظَّاهِر) لَان عَلامَة الصدْق ظَهرت فِيمَن وَافق تَارِيخه سنّهَا فترجحت بِبَيِّنَتِهِ بذلك، وَفِي الاخرى ظَهرت عَلامَة الْكَذِب فَيجب ردهَا منح. وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف. بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت الدَّعْوَى فِي النِّتَاج من غير تَارِيخ حَيْثُ يحكم بهَا لذِي الْيَد كَمَا صرح بِهِ المُصَنّف إِن كَانَت بيد أَحدهمَا أَو لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (قضى بهَا لذِي الْيَد) لَان ذَا الْيَد مقدم على الْخَارِج فِي دَعْوَى النِّتَاج. قَالَ فِي الاشباه هَكَذَا أطلق أَصْحَاب الْمُتُون. قلت: إِلَّا مَسْأَلَتَيْنِ: الاولى لَو كَانَ النزاع فِي عبد فَقَالَ الْخَارِج إِنَّه ولد فِي ملكي وَأعْتقهُ وَبرهن وَقَالَ ذُو الْيَد ولد فِي ملكي فَقَط قدم على ذِي الْيَد أَي لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الْخَارِج كاتبته أَو دَبرته فَإِنَّهُ لَا يقدم، لَكِن فِي الاشباه أَيْضا الشَّهَادَة بحريّة العَبْد بِدُونِ دَعْوَاهُ لَا تقبل عِنْد الامام إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، إِلَى أَن قَالَ: وَالصَّحِيح عِنْده اشْتِرَاط دَعْوَاهُ فِي الْعَارِضَة والاصلية، وَلَا تسمع دعو الاعتاق من غير العَبْد إِلَّا فِي مَسْأَلَة الخ. وَفِي فتاوي الحانوتي جَوَابا عَن سُؤال: حَيْثُ اعْترف العَبْد بالعبودية لسَيِّده بانقياده للْبيع يكون عبدا لَهُ وَسَوَاء كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَة أم لَا، وَلَا عِبْرَة بقول المنازع إِنَّه حر الاصل مَعَ عدم دَعْوَى العَبْد لذَلِك، لَان حريَّة العَبْد لَا تثبت إِلَّا بعد دَعْوَاهُ، وَلَا تجوز فِيهَا دَعْوَى الْحِسْبَة، بِخِلَاف الامة لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج إِلَى آخر مَا قَالَ. الثَّانِيَة: لَو قَالَ الْخَارِج ولد فِي ملكي من أمتِي هَذِه وَهُوَ ابْني قدم على ذِي الْيَد اهـ. وَقدمنَا أَنه إِنَّمَا يقْضِي بالنتاج لذِي الْيَد فِيمَا إِذا ادّعى كل مِنْهُمَا النِّتَاج فَقَط، أما لَو ادّعى الْفِعْلَ عَلَى ذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَنَقَلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، لِمَا فِي الْخُلَاصَة من كِتَابِ الْوَلَاءِ لِخُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَدِ أَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ أَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى فِعْلًا كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل عَلَيْهِ اهـ. وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عِنْد قَول الشَّارِح فِي رِوَايَة. قَالَ ط: وَالظَّاهِر أَن حكم موافقتهما لسنها أَنه يحكم بهَا لذِي الْيَد. قَوْله: (وَلَهُمَا أَن فِي أَيْدِيهِمَا) لَان أَحدهمَا لَيْسَ أولى من الآخر. قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما بِأَن خَالف أَو أشكل) أَي فَلَو خَالف السن تاريخهما كَانَ كَمَا لَو لم يؤرخا، وَكَذَا إِذا أشكل وَقد تقدم أَنه يحكم لذِي الْيَد. قَوْله: (فَلَهُمَا إِن الخ) لعدم تَرْجِيح أَحدهمَا. قَوْله: (قضى بهَا لَهُ) لانه لما أشكل أَي أَو خَالف سقط التاريخان فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لم يؤرخا. قَوْله: (هُوَ الاصح) مُقَابِله مَا فِي الْهِدَايَة، إِذا خَالف سنّهَا الْوَقْتَيْنِ بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذب الْفَرِيقَيْنِ فَتتْرك فِي يَد من كَانَت فِي يَده. ب قَوْله: (وَهَذَا أولى مِمَّا وَقع فِي الْكَنْز) أَي مَا ذكر المُصَنّف. ب قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) لعمومه أولى مِمَّا فِي الْكَنْز وَمَا عطف عَلَيْهِ من تَعْبِيره ب قَوْله: (وَإِن أشكل) . أَقُول: قد ذكره المُصَنّف فِي شرح الْمنح تبعا للبحر حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يوافقهما يَشْمَل مَا إِذا أشكل سنّهَا بِأَن لم يعلم وَمَا إِذا خَالف سنّهَا تاريخهما فَإِنَّهَا تكون لَهما على الاصح. قَالَ الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَإِن خالفها أَو أشكل فَلَهُمَا. على أَن لنا أَن لَا نسلم عدم شُمُول مَا فِي الْكَنْز وشمول مَا عبر بِهِ، إِذْ الاشكال الالتباس. وَفِي الصُّورَتَيْنِ التباس الامر على الْحَاكِم وَعدم موافقتهما غير عدم الْعلم أصلا لانه للْعلم بالمخالفة كَمَا قَرَّرَهُ الشُّرَّاح فَكيف يدْخل فِيهِ عدم الْعلم بشئ لانه مَعَ عدم الْعلم يحْتَمل الْمُوَافقَة والمخالفة. والصور ثَلَاثَة: إِمَّا عدم الْعلم الْمُوَافقَة لَهما وَهُوَ الْمُخَالفَة، بِأَن تحقق مُخَالفَته للتاريخين، وَإِمَّا الْمُوَافقَة لاحدهما فَقَط والمخالفة للْآخر، وَأما عدم معرفَة شئ وَهِي لَا تدخل فِي صور الْمُخَالفَة الَّتِي هِيَ عدم الْمُوَافقَة فَلم يشملها. قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) على أَن الظَّاهِر أَن اختبار صَاحب الْكَنْز فِي صُورَة الْمُخَالفَة بطلَان الْبَيِّنَتَيْنِ وَالتّرْك فِي يَد ذِي الْيَد كَمَا أفْصح عَنهُ فِي الْكَافِي، فَخص صُورَة الاشكال ليحترز بِهِ عَن صُورَة الْمُخَالفَة، فَتنبه لكَلَام هَذَا الْعَالم النحرير يظْهر لَك مِنْهُ حسن التَّعْبِير اهـ. ثمَّ الظَّاهِر أَن مُرَاد صَاحب الْبَحْر والمنح من. قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) أَي لم تظهر مُوَافقَة السن للتاريخين فَشَمَلَ الصُّورَتَيْنِ لكنه تَأْوِيل، فَلِذَا قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَلم يقل الصَّوَاب. تَأمل. قَوْله: (فِي الْكَنْز والدرر والملتقي) حَيْثُ ث قَالَ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لم يوافقهما أَعم من قَول الْكَنْز، كَذَا قَوْلُ الْكَنْزِ فَلَهُمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يكن فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا، وَإِنْ خَالَفَهُمَا بَطَلَ. قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ كَذَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 قُلْت: لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَالْمُشْكِلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا. فَلْيُحْفَظْ اهـ. قُلْت: نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ. وَقَالَ: وَمُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيح اهـ. قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم، بل اللَّائِق على المُصَنّف أَن يَقُول هَكَذَا: وَإِن أشكل أَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَلَهُمَا إِن لم يكن فِي يَد أَحدهمَا فَقَط، وَإِلَّا فَلَا. وَاعْلَم أَن سنّ الدَّابَّة لَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يقْضِي لَهما، وَفِي رِوَايَة تبطل الْبَيِّنَتَانِ، صرح بِهِ الامام قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من غير تَرْجِيح إِحْدَاهمَا على الاخرى، وبطلانهما رِوَايَة أبي اللَّيْث الْخَوَارِزْمِيّ. وَاخْتَارَهُ الْحَاكِم الشَّهِيد حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَتَبعهُ صَاحب الْهِدَايَة وَمن تَابعه، وَالْقَضَاء بَينهمَا ظَاهر الرِّوَايَة. اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوط حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الاصح، وَتَبعهُ الزَّيْلَعِيّ وَمن تَابعه. وَقد اخْتلف التَّصْحِيح والرجحان لظَاهِر الرِّوَايَة وَقد سبق غير مرّة. هَذَا زبدة مَا فِي الشُّرُوح والفتاوي، فَظهر أَن المُصَنّف اخْتَار مَا هُوَ الارجح اهـ. قَوْله: (برهن أحد الخارجين) على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَهُوَ زيد. قَوْلُهُ: (مِنْ زَيْدٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ أَحَدِ الْخَارِجِينَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمِنَحُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ وَالْآخَرُ بالوديعة اسْتَوَتْ دَعْوَاهُمَا حَتَّى يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَدَنِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْغَصْبِ النَّاشِئِ مِنْ زَيْدٍ فَزَيْدٌ هُوَ الْغَاصِبُ، فَمِنْ لَيْسَتْ صِلَةَ الْغَصْبِ بَلْ ابْتِدَائِيَّةٌ. تَأَمَّلْ. قَوْله: (وَالْآخر) أَي برهن الآخر. قَوْله: (على الْوَدِيعَة مِنْهُ) أَي قَالَ الآخر هُوَ مَالِي أودعته من زيد وَزيد يُنكر ذَلِك. قَوْله: (اسْتَويَا) أَي الخارجان فِي الدَّعْوَى، لانه لَو كَانَ كَمَا يَدعِي الثَّانِي وَدِيعَة من زيد صَارَت غصبا حَيْثُ جَحدهَا الْمُودع، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح لانها أَي الْوَدِيعَة بالجحد تصير غصبا حَتَّى يجب عَلَيْهِ الضَّمَان، وَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ إِلَى الْوِفَاق بالاقرار حَتَّى يرد إِلَى صَاحبه، بِخِلَاف مَا إِذا خَالف بِالْفِعْلِ بِلَا جحود ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق كَمَا فِي الْحَمَوِيّ، فَمن فِي. قَوْله: (من زيد) للابتداء وَفِي قَوْله: (مِنْهُ) صلَة الْوَدِيعَة لانها تتعدى بِمن، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهَا فِي الاول لَان الْغَصْب محلى بأل فِي عبارَة المُصَنّف فَلم يُمكنهُ إِضَافَته إِلَى زيد، وَحِينَئِذٍ فَمَا نَقله بعض الافاضل عَن عزمي زَاده من أَن هَذَا التَّصْوِير سَهْو، والاولى إِسْقَاطه فِيهِ مَا فِيهِ فَرَاجعه. قَوْله: (النَّاس أَحْرَار) لَان الدَّار دَار الْحُرِّيَّة أَو لانهم أَوْلَاد آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقد كَانَا حُرَّيْنِ. قَوْله: (الشَّهَادَة) أَي فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِظَاهِر الْحُرِّيَّة بل يسْأَل عَنهُ إِذا طعن الْخصم بِالرّقِّ، أما إِذا لم يطعن فَلَا يسْأَل كَمَا فِي التَّبْيِين، لَان الْحُرِّيَّة تثبت بطرِيق الظُّهُور وَالظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يسْتَحق الْمُدَّعِي إِلْزَام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات حريَّة شُهُوده، وَكَذَا لَا يسْتَحق الشَّاهِد اسْتِحْقَاق الْولَايَة على الْمَشْهُود عَلَيْهِ ونفاذ شَهَادَته عَلَيْهِ إِلَّا بذلك، فَإِن قَالَ الشُّهُود نَحن أَحْرَار لم نملك قطّ لم يقبل قَوْلهمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قبُول شَهَادَتهمَا حَتَّى يأتيا بِالْبَيِّنَةِ على ذَلِك وَإِلَّا فهما مصدقان فِي قَوْلهمَا إِنَّا أَحْرَار لم نملك قطّ بِحَسب الظَّاهِر. وَفِي أبي السُّعُود على الاشباه تَفْسِيره فِي الشَّهَادَة: إِذا شهد شَاهِدَانِ لرجل بِحَق من الْحُقُوق فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ هما عَبْدَانِ وَإِنِّي لَا أقبل شَهَادَتهمَا حَتَّى أعلم أَنَّهُمَا حران. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 وَتَفْسِيره فِي الْحَد: إِذا قذف إنْسَانا ثمَّ زعم الْقَاذِف أَن الْمَقْذُوف عبد فَإِنَّهُ لَا يحد الْقَاذِف حَتَّى يثبت الْمَقْذُوف حُرِّيَّته بِالْحجَّةِ. وَفِي الْقصاص: إِذا قطع يَد إِنْسَان وَزعم الْقَاطِع أَن الْمَقْطُوع يَده عبد فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِالْقصاصِ حَتَّى يثبت حُرِّيَّته. وَفِي الدِّيَة: إِذا قتل إنْسَانا خطأ وَزَعَمت الْعَاقِلَة أَنه عبد فَإِنَّهُ لَا يقْضِي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة على حُرِّيَّته. وَفِي البيري: لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ حدا أَو قصاصا سَأَلَ القَاضِي عَنْهُم طعن الْخصم أَولا بالاجماع اهـ. لَان فِي الْقَذْف: أَي مثلا إِلْزَام الْحَد على الْقَاذِف، وَفِي الْقصاص إِيجَاب الْعقُوبَة على الْقَاطِع، وَفِي الْقَتْل خطأ إِيجَاب الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار حريَّة الشَّاهِد، فَمَا لم تثبت الْحُرِّيَّة بِالْحجَّةِ لَا يجوز الْقَضَاء بشئ من ذَلِك ط. مطلب: الاصل فِي النَّاس الْفقر والرشد والامانة وَالْعَدَالَة وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَقد سُئِلَ شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الْعَبَّادِيّ: هَل الاصل فِي النَّاس الرشد أَو السَّفه، وَهل الاصل فِي النَّاس الْفقر أَو الْغنى، وَهل الاصل فِي النَّاس الامانة أَو الْخِيَانَة، وَهل الاصل فِي النَّاس الْجرْح أَو التَّعْدِيل؟ فَأجَاب: الاصل الرشد والفقر والامانة وَالْعَدَالَة، وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا لَان الْقَضَاء مَبْنِيّ على الْحجَّة وَهِي شَهَادَة الْعدْل فيتعرف عَن الْعَدَالَة، وَفِيه صون قَضَائِهِ عَن لبُطْلَان، وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي قَوْله صون قَضَائِهِ عَن الْبطلَان نظر، فتدبره اهـ. وَوَجهه أَنه إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق يَصح قَضَاؤُهُ. مطلب: منع السُّلْطَان عَن نصْرَة قُضَاته عَن الحكم بِشَهَادَة الشُّهُود إِلَّا بعد التَّزْكِيَة سرا وَعَلَانِيَة لَكِن فِي زَمَاننَا قد تكَرر أَمر السُّلْطَان نَصره الله تَعَالَى فِي منع قُضَاته فِي سَائِر مَمْلَكَته أَن يحكموا بعد الشَّهَادَة بِدُونِ تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، فَافْهَم. قَوْله: (وَالْحُدُود) فَلَو أنكر الْقَاذِف حريَّة الْمَقْذُوف لَا يحد حَتَّى يثبت حُرِّيَّته لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ، وَالظَّاهِر لَا يَكْفِي للاستحقاق، ولان الْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ فيحتاط فِي إِثْبَاتهَا، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن البيري. قَوْله: (وَالْقصاص) أَي فِي الاطراف، فَلَو أنكر الْقَاطِع حريَّة الْمَقْطُوع لَا يقطع حَتَّى يثبت حُرِّيَّته، لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْقطع إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ إِذْ لَا قصاص بَين طرفِي حر وَعبد، لَان الاطراف يسْلك بهَا مَسْلَك الاموال. قَوْله: (وَالْقَتْل) أَي خطأ فَلَا تثبت الدِّيَة على الْعَاقِلَة حَتَّى تثبت حريَّة الْقَاتِل لانه يُرِيد اسْتِحْقَاق الْعقل عَلَيْهِ فَلَا يثبت بِظَاهِر الْحُرِّيَّة، وَلذَا وَقع فِي نُسْخَة الْعقل: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَهُوَ معنى عبارَة الاشباه من قَوْله: (وَالدية) . قَوْله: (وَفِي نُسْخَة الْعقل) هُوَ فِي معنى الاول: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح. قَوْله: (وَعبارَة الاشباه وَالدِّيَةُ) الثَّلَاثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَالِ. قَوْلُهُ: (أحر أم لَا) . بَيَان لوجه جَهَالَة حَاله. وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح. قَوْله: (لتمسكه بالاصل) أَي وَهُوَ دَافع، وَظَاهر الْحَال يَكْفِي للدَّفْع عَيْني. قَوْله: (واللابس للثوب الخ) شُرُوع فِي مسَائِل يصدق فِيهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 وَاضع الْيَد بِلَا برهَان، وَهل يصدق بِيَمِينِهِ، ينظر، وَيَأْتِي حكمه فِي التَّنْبِيه الْآتِي ط. وَإِنَّمَا كَانَ اللابس أَحَق لَان تصرفه أظهر لاقْتِضَائه الْملك فَكَانَ صَاحب يَد والآخذ خَارِجا وَذُو الْيَد أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أَقَامَ آخذ الْكمّ الْبَيِّنَة حَيْثُ يكون أولى وَالْعلَّة الْمَذْكُورَة تجْرِي فِيمَا بعد. قَالَ الْعَلامَة قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ فِي السَّرْجِ) أَي أولى من رديفه، لَان تمكنه فِي ذَلِك الْموضع دَلِيل على تقدم يَده. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة هِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَينهمَا قولا وَاحِدًا كَمَا فِي الْعِنَايَة. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلُ مَا فِي الْمَتْن فَتنبه، وَمَا فِي الْهِدَايَة وَهُوَ على رِوَايَة النَّوَادِر، وَلَو كَانَ أَحدهمَا مُتَعَلقا بذنبها وَالْآخر ماسك بِلِجَامِهَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَن يكون الماسك أولى. قَوْله: (مِمَّن علق كوزه بهَا) احْتَرز بِذكر الْكوز عَمَّا لَو كَانَ لَهُ بعض حملهَا، فَلَو كَانَ لاحدهما من وَللْآخر مائَة من كَانَت بَينهمَا شرنبلالية عَن التَّبْيِين وَالْحمل: بِكَسْر الْحَاء مَا يحمل على ظهر أَو رَأس حموي. قَوْله: (لانه أَكثر تَصرفا) عِلّة لجَمِيع الْمسَائِل. أَقُول: لَكِن فِيهِ أَنه لَا يعْتَبر الاكثر تَصرفا كَمَسْأَلَة الْمَنّ وَالْمِائَة من، والاولى أَن يعلق بِأَنَّهُ لَا يعد متصرفا عرفا كَمَسْأَلَة الهرادي الْآتِيَة. تَأمل. قَول: (والجالس على الْبسَاط والمتعلق بِهِ سَوَاء) لَان الْجُلُوس لَيْسَ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، لَان الْيَد تثبت بِكَوْنِهِ فِي بَيته أَو بنقله من مَوْضِعه، بِخِلَاف الرّكُوب واللبس حَيْثُ يكون بهما غَاصبا لثُبُوت يَده وَلَا يصير غَاصبا بِالْجُلُوسِ على الْبسَاط كَمَا فِي الدُّرَر، لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون الْقَاعِد أَحَق من الْمُتَعَلّق. تَأمل. وَعبارَة الدُّرَر: وينصف الْبسَاط بَين جالسه والمتعلق بِهِ بِحكم الاسْتوَاء بَينهمَا لَا بطرِيق الْقَضَاء الخ. وَفِي النِّهَايَة يقْضِي بَينهمَا. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن بَين الْكَلَامَيْنِ تدافعا وَأجِيب بِأَن الْمَنْفِيّ قَضَاء الِاسْتِحْقَاق لَا قَضَاء التّرْك. وَاعْترض على هَذَا الْجَواب بِأَن قَضَاء التّرْك يَقْتَضِي ثُبُوت الْيَد على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسْأَلَة التَّنَازُع فِي الْحَائِط. وَأجِيب بِأَن قَضَاء التّرْك يتَحَقَّق فِي الْمَنْقُول من غير ثُبُوت الْيَد الْمُعْتَبرَة شرعا بِثُبُوت الْيَد ظَاهرا فَإِن القَاضِي علم حسا وعيانا أَن هَذَا الْبسَاط لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا فَقضى بَينهمَا لِانْعِدَامِ مُدع غَيرهمَا عيَانًا بِالْيَدِ أَو بِالْملكِ هَذَا. قَوْله: (وراكبي سرج) أَي فينصف بَينهمَا أَي فِي الصُّورَتَيْنِ. قَوْله: (وطرفه مَعَ آخر) فينتصف بَينهمَا لَان يَد كل مِنْهُمَا ثَابِتَة فِيهِ وَإِن كَانَ يَد أَحدهمَا فِي الاكثر فَلَا يرجح بِهِ، لما مر أَنه لَا تَرْجِيح بالاكثرية دُرَر: أَي كَمَا فِي مَسْأَلَة كَثْرَة شُهُود أحد المدعيين، هَذَا كُله إِذا لم يقم الْبَيِّنَة فَإِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى من بَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا مر. قَوْله: (لَا هدبته) وَيُقَال لَهُ بالتركي سجق وَيسْتَعْمل هَذَا اللَّفْظ الْآن فِي بِلَادنَا. قَوْله: (الْغَيْر منسوجة) الاولى أَن يَقُول المنسوجة بالالف وَاللَّام لَان غير بِمَنْزِلَة اسْم الْفَاعِل لَا يُضَاف إِلَّا لما فِيهِ أل أَو مَا أضيف إِلَى مَا فِيهِ أل كالضارب رَأس الْجَانِي ط. قَوْله: (لانها لَيست بِثَوْب) فَلم يكن فِي يَده شئ من الثَّوْب فَلَا يزاحم الآخر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَو حفر فَهِيَ لَهُ، وَلَو لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرَ خَارِجٌ عَنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا، لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تثبت بالكون فِيهَا وَإِنَّمَا تثبت بِالتَّصَرُّفِ اهـ. أَقُول: لَكِن الَّذِي يفهم من التَّعْلِيل وَمِمَّا تقدم قَرِيبا أَنه لَا يقْضِي لَهما فِي مَسْأَلَة كَون أَحدهمَا دَاخِلا فِيهَا وَالْآخر خَارِجا عَنْهَا تَأمل. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُضِيَ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمين لصَاحبه إِذا طلب، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِهِ اهـ. شرنبلالية. قَوْله: (حَيْثُ لَا يقْضِي لَهما) لَا بطرِيق التّرْك وَلَا بِغَيْرِهِ لَان الْجُلُوس لَا يدل على الْملك. اهـ دُرَر. قَوْله: (وَهنا) أَي فِي الْجُلُوس على الْبسَاط إِذا كَانَا جالسين عَلَيْهِ. قَالَ فِي الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ فِي دَارٍ وَتَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُنَا علم أَنه لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا اهـ. مطلب: مسَائِل الْحِيطَان قَوْله: (الْحَائِط لمن جذوعه عَلَيْهِ) جمع جذع بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة للنخلة وَغَيرهَا، وَالْمرَاد الاخشاب الَّتِي ترص على الجدران لاجل تركيب السّقف عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لانه فِي يَد صَاحب الْجُذُوع، لَان يَده يَد اسْتِعْمَال والحائط مَا بني إِلَّا لَهُ فَوَضعه عَلامَة ملكه: وَلَو كَانَ لكل مِنْهُمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة لَان الْحَائِط يَبْنِي للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غَالِبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة عِنْد أبي حنيفَة اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاس أَن يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هما سَوَاء، وَقيل صَاحب الْجذع أولى. عَيْني. وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة من فصل الْحِيطَان: فَلَو كَانَ لكل جذع مُشْتَرك، فَلَو اخْتلفَا وأقيمت الْبَيِّنَة عمل بهَا وَينظر فِي وضع الآخر، فَإِن كَانَ قَدِيما يتْرك على قَدَمَيْهِ إِذْ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ للظن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه شَرْعِي. مطلب: حد الْقَدِيم مَا لَا يحفظ الاقران وَرَاءه وحد الْقَدِيم أَن لَا يحفظ أقرانه وَرَاء هَذَا الْوَقْت كَيفَ كَانَ فَيجْعَل أقْصَى الْوَقْت الَّذِي يحفظه الاقران حد الْقَدِيم، وَإِن كَانَ حَادِثا يُؤمر بِرَفْعِهِ، وَإِن سقط لَيْسَ لَهُ إِعَادَته بِغَيْر رضَا مَالِكه، لانه إِن كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ معير وللمعير أَن يرجع مَتى شَاءَ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ غَاصِب. وَإِذا اخْتلفَا فِي الْحُدُوث: فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَمر بِرَفْعِهِ وإزالته عَن ملك الْغَيْر شرعا، وَإِن لم يثبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يهدم، وَتَمَامه فِيهِ. وَالْحَاصِل: أَن الْحَائِط تَارَة يثبت بِالْبَيِّنَةِ والبرهان وَتارَة بغَيْرهَا، فَإِن أَقَامَ أحد الْخَصْمَيْنِ الْبَيِّنَة قضى لَهُ وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة قضى لَهما قَضَاء التّرْك، حَتَّى لَو أَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة قضى لَهُ كَمَا فِي الْفَيْض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 وَأما مَا يثبت بغَيْرهَا فَقَالَ فِي الْمُنْتَقى: الايدي فِي الْحَائِط على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع، واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع ومحاذاة، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب اتِّصَال الملازقة. بَيَانه: حَائِط بَين دارين يدعيانه: فَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا دون الآخر فَصَاحب الِاتِّصَال أولى، وَإِن كَانَ مُتَّصِلا ببنائهما اتِّصَال تربيع أَو ملازقة فَهُوَ بَينهمَا، وَإِن كَانَ لاحدهما اتِّصَال تربيع وَللْآخر اتِّصَال ملازقة لصَاحب التربيع أَو للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع، فالحائط لصَاحب الِاتِّصَال، وَلِصَاحِب الْجُذُوع مَوضِع جذوعه. وروى الطَّحَاوِيّ أَن الْكل لصَاحب التربيع، وَإِن لاحدهما اتِّصَال ملازقة وَللْآخر جُذُوع فَصَاحب الْجُذُوع أولى، وَسَيَأْتِي قَرِيبا بأوضح من هَذَا. أَقُول: ذكر الْحَنَابِلَة فِي كتبهمْ أَن الْمُعْتَبر فِي التربيع أساس الْحَائِط دون اللَّبن وَهُوَ حسن وَكَأَنَّهُ لما يحصل لَهُ من التَّغَيُّر، وَظَاهر نُصُوص أَئِمَّتنَا الاطلاق كَمَا ترى، وَكَأَنَّهُم لم يعتبروا هَذَا لانه عَارض وَيدْرك عروضه. نعم لَو كَانَ التربيع فِي الاساس دون اللَّبن فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة للاساس لانه أقوى لما يعرض للبن من الاصلاح، وَهَذَا وَلَو كَانَ لاحدهما التربيع فِي الاساس وَللْآخر فِي اللَّبن فَالظَّاهِر أَنه لصَاحب تربيع الاساس وَلم أره. ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِذا كَانَ الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا من جَانب وَاحِد يَقع فِيهِ التَّرْجِيح وَهُوَ الصَّحِيح. ذكره الطَّحَاوِيّ. وَذكر الْكَرْخِي أَنه لَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح مَا لم يكن مَوْصُولا طرفاه بالحائطين. قلت: وَظَاهر الرِّوَايَة يشْتَرط من جوانبه الاربع كَمَا فِي الْفَيْض وَغَيره، لَكِن قَالُوا: الاظهر مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ وَعَلِيهِ مَشى فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا من المعتمدات كالهندية وَالْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَغَيرهَا. ثمَّ ذكر أَيْضا: حَائِط بَين دارين يَدعِيهِ صَاحب أَحدهمَا وَلم يكن مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا: فَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ أولى، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هُوَ بَينهمَا، وَقيل لصَاحب الْجذع، وَإِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا وَلَا عِبْرَة لِكَثْرَة الْجُذُوع لاحدهما: أَي بعد الثَّلَاثَة. أَقُول: بَعْدَمَا كَانَ لَاحَدَّ الشَّرِيكَيْنِ ثَلَاثَة جُذُوع وَللْآخر أَكثر لَا يتَرَجَّح بهَا، وَلَكِن فِي الْعمادِيَّة مَا نَصه: وءن كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَسْفَل وجذوع الآخر أَعلَى وتنازعا فِي الْحَائِط فَإِن لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ لِسَبْقِ يَدِهِ وَلَا تُرْفَعُ جُذُوعُ الاعلى اهـ. فَالَّذِي يظْهر من كَلَام الْعمادِيَّة أَن مَحل وجود الْخشب على الْحَائِط لكل مُوجب للاشتراك إِذا لم يكن خشب أَحدهمَا أَعلَى وخشب الآخر أَسْفَل، أما إِذا كَانَ كَذَلِك وتنازعا فِي الْحَائِط فَهُوَ لصَاحب الاسفل وَلَا ترفع جُذُوع الآخر، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا مُقَيّد لكلامهم، وَلَكِن لَا تظهر ثَمَرَة ذَلِك إِلَّا فِي التَّصَرُّف فِي الْحَائِط وعمارته، فَافْهَم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِن كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر وَاحِد فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة، إِلَّا مَوضِع الْجذع الْوَاحِد وَهُوَ الاصح، وَمَا بَين الْجُذُوع قيل يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَقيل يكون على أحد عشر جُزْءا. وَإِن كَانَ الْحَائِط طَويلا وكل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَرد بِبَعْض الْحَائِط فِي الِاتِّصَال وَوضع الْجُذُوع قضى لكل وَاحِد بِمَا يوازي ساحته من الْحَائِط وَمَا بَينهمَا من الْقَضَاء يقْضِي بِكَوْنِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. لكل وَاحِد مِنْهُمَا بوار وَهُوَ الْقصب فَهُوَ بَينهمَا. لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَللْآخر عَلَيْهِ بوار يقْضِي بِهِ لصَاحب الْجُذُوع وَلَكِن لَا يُؤمر بِرَفْع البواري. لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَللْآخر عَلَيْهِ حَائِط ستْرَة فالحائط الاسفل لصَاحب الْخشب وَلِصَاحِب الستْرَة سترته، وَلَو تنَازعا فِي الْحَائِط والسترة جَمِيعًا فهما لصَاحب الْخشب اهـ مَا فِي الْمُنْتَقى. وَقَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض: حَائِط ادَّعَاهُ رجلَانِ وغلق الْبَاب إِلَى أَحدهمَا يقْضِي بِالْحَائِطِ وَالْبَاب بَينهمَا نِصْفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا الْحَائِط بَينهمَا وَالْبَاب للَّذي الغلق إِلَيْهِ، وَأَجْمعُوا أَنه إِذا كَانَ للباب غلقان فِي كل جَانب وَاحِد فَهُوَ بَينهمَا. وَذكر فِيهِ أَيْضا: رجلَانِ ادّعَيَا حَائِطا وَلَيْسَ الْحَائِط مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا وَلَيْسَ لاحدهما جُذُوع أَو غَيرهَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا، وَإِن كَانَت لاحدهما هرادي أَو بوار فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر أَو لَهُ عَلَيْهِ هرادي لم يذكر فِي الْكتاب. قَالَ بَعضهم: لَا يتَرَجَّح بجذع وَاحِد. وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد: يقْضِي لَهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خَشَبَة وَللْآخر عَلَيْهِ عشر خشبات يقْضِي بِهِ لصَاحب الْعشْرَة وَللْآخر مَوضِع جذعه. وَالصَّحِيح أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع وَلَا ينْزع جذع الآخر. أَقُول: أَي لَان الْملك الثَّابِت بِكَثْرَة الْجُذُوع هَاهُنَا ثَابت بِنَوْع الِاسْتِظْهَار فَهُوَ صَالح للدَّفْع لَا لابطال حق صَاحب الْجذع، بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَ صَاحب الْجُذُوع الْبَيِّنَة كَانَ الْحَائِط لَهُ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يرفع جذع الآخر كَمَا بَينه صَاحب الذَّخِيرَة، وسيأتيك بأوضح من هَذَا. وَعَن أبي يُوسُف أَن الْحَائِط بَينهمَا على أحد عشر سَهْما. وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذعان وَللْآخر عشرَة اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ. قَالَ بَعضهم: جذعان بِمَنْزِلَة جذع وَاحِد. وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة الثَّلَاثَة، وَلَو كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا، وَكَذَا لَو كَانَ لاحدهما خَمْسَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَقيل أَثلَاثًا. تنَازعا فِي خص أَو حَائِط بَين داريهما وَلَا بَيِّنَة والقمط: أَي الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ الخص وَالْوَجْه: أَي وَجه الْحَائِط أَو الطاقات أَو أَنْصَاف اللَّبن إِلَى أَحدهمَا. قَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بَينهمَا إِذْ الانسان كَمَا يَجْعَل الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه فِي ملكه الْخَاص يَجعله إِلَى جَانِبه فِي الْمُشْتَرك أَيْضا إِذا تولى الْعَمَل فَلَا يصلح حجَّة. وَقَالا: هُوَ لمن الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه إِذْ الظَّاهِر يشْهد لَهُ، لَان الانسان يزين وَجه دَاره إِلَى نَفسه لَا إِلَى جَاره، وَكَذَا القمط لانه وَقت العقد يَقُول على سطحه فَيجْعَل القمط إِلَيْهِ. زَاد فِي الْهِنْدِيَّة: هَذَا إِذا جعل وَجه الْبناء حِين بنى. وَأما إِذا جعل الْوَجْه بعد الْبناء بالنقش والتطيين فَلَا يسْتَحق بِهِ الْحَائِط فِي قَوْلهم جَمِيعًا. كَذَا فِي غَايَة الْبَيَان شرح الْهِدَايَة قَوْله: (أَو مُتَّصِل بِهِ) الاوضح أَن يَقُول: أَو هُوَ مُتَّصِل ببنائه اتِّصَال تربيع. قَوْله: (بِأَن تتداخل أَنْصَاف لبنَاته) أَي مثلا فَدخل الْآجر وَالْحجر. وَاخْتلف فِي صفة اتِّصَال التربيع، فَقَالَ الْكَرْخِي: صفته أَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 بحائطين لاحدهما من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا والحائطان متصلان بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ حَتَّى يصير مربعًا يشبه الْقبَّة، فَحِينَئِذٍ يكون الْكل فِي حكم شئ وَاحِد. والمروي عَن أبي يُوسُف أَن اتِّصَال جَانِبي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ بحائطين لاحدهما يَكْفِي، وَلَا يشْتَرط اتِّصَال الحائطين بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ. وَعبارَة الْكَافِي: هُوَ أَن يكون أحد طرفِي الآخر فِي هَذَا الْحَائِط والطرف الآخر فِي الْحَائِط الآخر حَتَّى يصير فِي معنى حَائِط وَاحِد وَبِنَاء وَاحِد فَيكون ثُبُوت الْيَد على الْبَعْض ثبوتا على الْكل، وَهُوَ عين مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف، وَمعنى التربيع فِيمَا قَالَ الْكَرْخِي أظهر. وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَذكر الطَّحَاوِيّ: إِن كَانَ مُتَّصِلا بحائط وَاحِد يَقع بِهِ التَّرْجِيح. قَالُوا: وَالصَّحِيح رِوَايَة الطَّحَاوِيّ اهـ. وَعَزاهُ إِلَى مُحِيط السَّرخسِيّ. قَوْله: (وَلَو من خشب) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا كَانَ الْحَائِط من لبن وَلَو من خشب الخ. قَوْله: (لدلَالَة) هَذِه عِلّة لكَون صَاحب اتِّصَال التربيع أولى. قَوْله: (على أَنَّهُمَا) أَي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ والحائطين المتصلين بِهِ. قَوْله: (وَلذَا سمي بذلك) أَي لِكَوْنِهِمَا بنيا مَعًا سمى باتصال التربيع قد علمت تَفْسِير اتِّصَال التربيع على قَول الْكَرْخِي وَهُوَ ظَاهر وتسميته بِهِ على قَول أبي يُوسُف بِاعْتِبَار التربيع فِي حائطيه باللبنات. قَوْله: (يبْنى مربعًا) هَذَا إِنَّمَا يظْهر على قَول الْكَرْخِي. قَوْله: (لَا لمن لَهُ اتِّصَال ملازقة) بِأَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ ملازقا لحائط أَحدهمَا من غير إِدْخَال فِيهِ. قَوْله: (أَو نقب وَإِدْخَال) وَهَذَا فِيمَا لَو كَانَ من خشب: أَي بِأَن نقب وأدخلت الْخَشَبَة فِيهِ، وَهَذَا مُحْتَرز. قَوْله: (فِي حَائِط الْخشب) ، بِأَن تكون الْخَشَبَة مركبة فِي الاخرى. قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَإِذا كَانَ الْجِدَار من خشب فالتربيع أَن يكون سَاج أَحدهمَا مركبا على الآخر. وَأما إِذا نقب وَأدْخل فَلَا يكون مربعًا فَلَا عِبْرَة بِهِ وَلَا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم المداخلة فَلَا يدل على أَنَّهُمَا بنيا مَعًا اهـ. وَمثله فِيمَا يظْهر النقب فِي جِدَار نَحْو اللَّبن. قَوْله: (أَو هرادي) جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ: قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرم فترسل عَلَيْهَا قصبات الْكَرم، كَذَا فِي ديوَان الادب، وَصحح فِيهَا الْحَاء وَالْهَاء جَمِيعًا، وَأنكر الْهَاء صَاحب الصِّحَاح، وَالرِّوَايَة فِي الاصل وَالْكَافِي للشهيد بِالْحَاء. وَفِي الْجَامِع الصَّغِير وَشرح الْكَافِي بِالْهَاءِ لَا غير. شلبي فِي الْحَاشِيَة مُلَخصا. وَفِي الْمنح: هِيَ خشبات تُوضَع على الْجُذُوع ويلقى عَلَيْهَا التُّرَاب. وَفِي الواني: هِيَ جمع هردي بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقصر الالف. وَفِي مُنْهَوَاتِ الْعَزْمِيَّةِ: الْهُرْدِيَّةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ. والهرادي بِفَتْح الْهَاء وَكسر الدَّال: نوع من النبت، وَقيل قصب يوضع فَوق الْحَائِط فَهِيَ كالزرب أَو المكعب. وَمثل الهرادي البواري، وَهِي والبوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية: الْحَصِير المنسوج، وَإِلَى بَيْعه ينْسب الْحسن بن الرّبيع البواري شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا فِي الْقَامُوس. قَوْله: (بل صَاحب الْجذع الْوَاحِد الخ) قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَالثَّلَاث هِيَ الْمُعْتَبرَة، حَتَّى لَو كَانَ لاحدهما ذَلِك وَللْآخر أَكثر لَا اعْتِبَار لَهُ، فالحائط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 بَينهمَا، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع أَو اثْنَان وَللْآخر ثَلَاثَة أَو أَكثر فَهُوَ لَهُ، وَأما لصَاحب مَا دون الثَّلَاثَة فموضع جذوعه: يَعْنِي مَا تَحْتَهُ فِي رِوَايَة، وَله حق الْوَضع فِي رِوَايَة اهـ. وَفِي نور الْعين: وَلَو لاحدهما جذع وَاحِد وَللْآخر هرادي أَو لَا شئ لَهُ لم يذكرهُ مُحَمَّد فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَقد قيل لَا يقْضِي بِهِ لَهُ إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لوضع جذع وَاحِد. وَعَن مُحَمَّد: إِنَّه لرب الْجذع، إِذا لَهُ مَعَ الْيَد نوع اسْتِعْمَال، إِذا وَضعه اسْتِعْمَال حَتَّى قضء لرب الْجذع فَيكون وَاحِدهَا اسْتِعْمَالا للحائط بِقَدرِهِ وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك، وَقد يبْنى الْحَائِط لوضع جذع وَاحِد لَو كَانَ الْبَيْت صَغِيرا، وَهَذَا كُله لَو لم يتَّصل الْحَائِط ببنائهما، فَلَو اتَّصل اتِّصَال تربيع أَو ملازقة قيقضى بِهِ نِصْفَيْنِ بَينهمَا إِذا ستويا اهـ. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَإِذا كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: فَقيل: هما سَوَاء لَان الْوَاحِد لَا يعْتد بِهِ، وَقيل: صَاحب الْجذع أولى لَان الْحَائِط قد يبْنى لجذع وَاحِد، وَإِن كَانَ غير غَالب. قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى للداماد: والهرادي غير مُعْتَبرَة، وَكَذَا البواري لانه لم يكن اسْتِعْمَالا وضعا، إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لَهَا بل للتسقيف، وَهُوَ لَا يُمكن على الهرادي والبواري كَمَا فِي الدُّرَر انْتهى. وَفِيه: وَلَا مُعْتَبر بِكَثْرَة الْجُذُوع وَقتهَا بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ على مَا بَينا، وَاشْترط أَن يبلغ الثَّلَاث لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غلبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ اهـ. فَتَأمل. قَوْله: (وَقيل لذِي الْجُذُوع) وَصَححهُ السَّرخسِيّ، وَصحح الاول الْجِرْجَانِيّ. وَقَالَ فِي الْمُحِيط: الايدي على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع محاذاة بِنَاء. وَلَا عَلامَة فِي الْحَائِط سوى هَذَا، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْمُحَاذَاة اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَإِنْ كَانَ كِلَا الِاتِّصَالَيْنِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُجَاوَرَةٍ يُقْضَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ مُلَازَقَةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ اتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ، ثُمَّ فِي اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ هَلْ يَكْفِي مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؟ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكْفِي، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ اهـ. وَقدمنَا نَحوه. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْعَيْنِيّ وَغَيره) قَالَ الْعَلامَة الْعَيْنِيّ: وَلَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة، وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثَة، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة، لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِدُونِ الثَّلَاثَة غَالِبا فَصَارَت الثَّلَاثَة كالنصاب لَهُ، وَلَو لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة. استحسنه الامام. وَالْقِيَاس المناصفة وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا. ثمَّ لصَاحب الْجذع الْوَاحِد أَو الِاثْنَيْنِ حق الْوَضع، لانا حكمنَا بِالْحَائِطِ لصَاحب الْجُذُوع: أَي الثَّلَاثَة فَأكْثر بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يُؤمر بِالْقَلْعِ إِلَّا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع فَحِينَئِذٍ يُؤمر بِالْقَلْعِ اهـ. وَهل الحكم كَذَلِك إِذا أقرّ لَهُ بِهِ؟ الظَّاهِر نعم. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز (جع) : جُذُوع أَحدهمَا فِي أحد النصفين وجذوع الآخر فِي النّصْف فَلِكُل مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ جذوعه، وَمَا بَين النصفين والجذوع أولى من الستْرَة، فالحائط لرب الجدوع، وَكَذَا الستْرَة لَو تنَازعا فِيهَا، وَلَو توافقا أَن الستْرَة للْآخر لَا ترفع كمن لَهُ سفل وتنازعا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 سقفه وَمَا عَلَيْهِ فَالْكل لذِي السّفل، وَلَو توافقا أَن الْعُلُوّ للْآخر لَا يرفع إِلَّا إِذا برهن. اهـ: أَي لانه هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ، فَإِذا برهن ذُو السّفل أَن السّقف لَهُ رفع مَا هُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ بِغَيْر حق، فَتَأمل. وَإِنَّمَا لم يرفع أَولا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة، لَان الظَّاهِر أَن وَضعه بِحَق، وَلم يحكم لَهُ بالسفل لَان الظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق وَهُوَ لصَاحب السّفل كَمَا هُوَ صَرِيح الْخَانِية. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يرفع بهَا وَبَين ثُبُوته بِظَاهِر الْيَد وَلم يرفع؟ قلت: الْبَيِّنَة كاسمها بَيِّنَة، وَهِي حجَّة متعدية فَيلْزم بهَا الرّفْع، وَالْيَد حجَّة لصَاحب الْحَال فصلحت للدَّفْع لَا للرفع، فَتَأمل. وَمِمَّا يتَّصل بمسائل الْحِيطَان مَا نَقله فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو كَانَ لَاحَدَّ المدعيين على الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ أَزجّ من لبن أَو آجر: أَي ضرب من الابنية فَهُوَ بِمَنْزِلَة الستْرَة. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. جُذُوع شاخصة إِلَى دَار رجل لَيْسَ لَهُ أَن يَجْعَل عَلَيْهَا كنيفا إِلَّا بِرِضا صَاحب الدَّار وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار قطعهَا إِذا أمكنه الْبناء عَلَيْهَا، وَإِن لم يُمكن الْبناء عَلَيْهَا بِأَن كَانَت جذوعا صغَارًا أَو جذعا وَاحِدًا ينظر: إِن كَانَ قطعهَا يضر بِبَقِيَّة الْجُذُوع ويضعفها لَا يملك الْقطع، وَإِن لم يضر بهَا يُطَالِبهُ بِالْقطعِ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدَّار أَن يعلق على أَطْرَاف هَذِه الْجُذُوع شَيْئا لَيْسَ لَهُ ذَلِك. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. جِدَار بَين اثْنَيْنِ لَهما عَلَيْهِ حمولة غير أَن حمولة أَحدهمَا أثقل فالعمارة بَينهمَا نِصْفَيْنِ. وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة والجدار مُشْتَرك بَينهمَا: قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ بِمثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يذكرُوا أَنه قديم أَو حَدِيث. كَذَا فِي الْخُلَاصَة فِي كتاب الْحِيطَان. وَإِن لم يكن لَهما عَلَيْهِ خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك وَلَيْسَ للْآخر أَن يمنعهُ وَيُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. لَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ أَن يضع والجدار لَا يحْتَمل جُذُوع اثْنَيْنِ وهما مقران بِأَن الْحَائِط مُشْتَرك بَينهمَا، يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فارفع ذَلِك عَن الْحَائِط لتستوي بصاحبك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ بِقدر مَا يُمكن لشريكك من الْحمل، كَذَا فِي الْخُلَاصَة. جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ بِنَاء فَأَرَادَ أَن يحول جذوعه إِلَى مَوضِع آخر: قَالَ: إِن كَانَ يحول من الايمن إِلَى الايسر أَو من الايسر إِلَى الايمن لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَنى يسفل الْجُذُوع فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن أَرَادَ أَن يَجعله أرفع عَمَّا كَانَ لَا يكون لَهُ ذَلِك. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. حَائِط بَينهمَا وَكَانَ لكل وَاحِد جُذُوع فللذي هُوَ صَاحب السّفل أَن يرفعها بحذاء صَاحب الاعلى إِن لم يضر بِالْحَائِطِ، وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا أَن ينْزع جذوعه من الْحَائِط لَهُ ذَلِك إِن لم يكن فِي نَزعه ضَرَر بِالْحَائِطِ، هَكَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. إِذا كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مُرْتَفعَة وجذوع الآخر متسفلة فَأَرَادَ أَن ينقب الْحَائِط لينزل فِيهِ الْخشب هَل لَهُ ذَلِك؟ قيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك. وَكَانَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ يُفْتِي بِأَن لَهُ ذَلِك. وَقيل: ينظر: إِن كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 ذَلِك مِمَّا يُوجب فِيهِ وَهنا لم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يدْخل فِيهِ وَهنا فَلهُ ذَلِك. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. جِدَار بَين رجلَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد فِي الْبناء لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن الشَّرِيك، أضرّ الشَّرِيك ذَلِك أَو لم يضر. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلازقين فيريد أَحدهمَا أَن يرفع جِدَاره وَيَزْعُم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِيهِ للستر فِيمَا بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنَّهُمَا حائطان فكلا الحائطين بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا بِغَيْر إِذن شَرِيكه، وَإِن أقرا أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي كتاب الْحِيطَان. جِدَار بَين اثْنَيْنِ وهى وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يصلحه وأبى الآخر يَنْبَغِي أَن يَقُول لَهُ: ارْفَعْ حمولتك بعمد لاني أرفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد على ذَلِك، فَإِن فعل فبها، وَإِن لم يفعل فَلهُ أَن يرفع الْجِدَار، فَإِن سَقَطت حمولته لَا يضمن، كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَعَن الشَّيْخ الامام أبي الْقَاسِم: جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة لَيْسَ للْآخر شئ فَمَال الْجِدَار إِلَى الَّذِي لَا حمولة فَأشْهد على صَاحب الحمولة فَلم يرفعهُ مَعَ إِمْكَان الرّفْع بعد الاشهاد حَتَّى انْهَدم وأفسد شَيْئا قَالَ: إِذا ثَبت الاشهاد وَكَانَ مخوفا وَقت الاشهاد يضمن الْمَشْهُود عَلَيْهِ نصف قيمَة مَا أفسد من سُقُوطه. هَكَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ غرفَة وَالْآخر عَلَيْهِ سقف بَيته فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بالاساطين ثمَّ اتفقَا جَمِيعًا حَتَّى بنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى صَاحب السّقف أَن يبْنى بعد ذَلِك لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جَاوز ذَلِك. كَذَا فِي الصُّغْرَى رجل لَهُ ساباط أحد طرفِي جُذُوع هَذَا الساباط على حَائِط دَار رجل فتنازعا فِي حق وضع الْجُذُوع فَقَالَ صَاحب الدَّار: جذوعك على حائطي بِغَيْر حق فارفع جذوعك عَنهُ وَقَالَ صَاحب الساباط: هَذِه الْجُذُوع على حائطك بِحَق وَاجِب، ذكر صَاحب كتاب الْحِيطَان الشَّيْخ الثَّقَفِيّ أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بِرَفْع جذوعه. وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد رَحمَه الله تَعَالَى: وَبِه يُفْتى. وَإِن تنَازعا فِي الْحَائِط يقْضى بِالْحَائِطِ لصَاحب الدَّار فِي ظَاهر مَذْهَب أَصْحَابنَا لَان الْحَائِط مُتَّصِل بِملك صَاحب الدَّار وبالاتصال تثبت الْيَد، وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ اتِّصَال اتِّصَال تربيع، إِمَّا إِذا كَانَ اتِّصَال ملازقة فَصَاحب الساباط أولى. وَهَكَذَا فِي الْمُحِيط فِي كتاب الْحِيطَان. الْكل الْهِنْدِيَّة. أَقُول: ثمَّ التَّصَرُّف فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك بعد ثُبُوته شرعا قِسْمَانِ: مُمْتَنع إِلَّا بِإِذن شَرِيكه وَهُوَ مُقْتَضى شركَة الْملك وَالْقِيَاس. وَجَائِز لضَرُورَة مَنْفَعَة الِاشْتِرَاك لغير إِذن شَرِيكه. أما الْمُمْتَنع فَهُوَ زِيَادَة خشب على خشب شَرِيكه أَو اتِّخَاذ ستر عَلَيْهِ أَو فتح كوَّة أَو بَاب، وَهُوَ مَحل إِطْلَاقهم الْوَاقِع فِي بعض عباراتهم من أَنه لَيْسَ لَهُ: أَي الشَّرِيك أَن يحدث فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك حَدثا بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو يزِيد عَلَيْهِ. وَأما الْجَائِز بِغَيْر إِذْنه فَلهُ صور: مِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بِاتِّفَاق، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن عَلَيْهِ لوَاحِد مِنْهُمَا خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه مَنعه وَلَكِن يُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 وَمِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بالِاتِّفَاقِ أَيْضا، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهُ جُذُوع ولشريكه أَكثر مِنْهَا فَلهُ الْمُسَاوَاة بِاتِّفَاق كلماتهم، كَمَا ستطلع عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، كَذَا قَالُوا. وَأَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهِي مَا إِذا كَانَت حمولته محدثة يَنْبَغِي أَن تكون عين الْمَسْأَلَة الاولى الْجَائِزَة بالانفاق، فَتَأمل. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد على قَول وَالرَّاجِح الاطلاق، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك فَأَرَادَ أَن يحدث حمولة فالمرجح لَهُ أَن يحدث إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم فِي هَذِه الصُّورَة: إِن كَانَت حمولة صَاحبه محدثة فَلهُ ذَلِك، وَإِن كَانَت قديمَة فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك. ثمَّ فِي هَذِه الصُّورَة على الرَّاجِح قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِن كَانَ الْحَائِط لَا يحْتَمل حمولتين يُؤمر الآخر بِرَفْع حمولته لتحصل التَّسْوِيَة مَعَ صَاحبه أَو بِرَفْع الْبَعْض لتمكن شَرِيكه من الْحمل فَهُوَ كالمهايأة. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِعَدَمِ الْمضرَّة، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهما عَلَيْهِ حمولة وحمولة أَحدهمَا أَسْفَل من حمولة الآخر فَأَرَادَ هُوَ أَن يرفع حمولته ويضعها بِإِزَاءِ حمولة صَاحبه فَلهُ ذَلِك وَلَيْسَ لصَاحبه مَنعه، وَكَذَا لَو كَانَت حمولة أَحدهمَا فِي وسط الْجِدَار وحمولة الآخر فِي أَعْلَاهُ فَأَرَادَ أَن يضع حمولته فِي أَعلَى الْجِدَار لَهُ ذَلِك إِذا لم يدْخل على الاعلى مضرَّة، وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع، وَقَيده بَعضهم بِمَا إِذا انْهَدم أَو هدماه، لانه إِذا يحصل ذَلِك يحصل مضرَّة وَلَا بُد، والمدار فِي أَجنَاس هَذَا على عدم الضَّرَر. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ التعلي، وَهُوَ أَن يزِيد فِي أَعلَى الْجِدَار فِي هَوَاء الْمُشْتَرك كَانَ للْآخر مَنعه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن مُحَمَّد، وَقيل لَا يمْنَع. أَقُول وَالْحَاصِل: أَن فِي مَسْأَلَة التعلي ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا: لَهُ التعلي مُطلقًا. ثَانِيهَا: لَهُ بِمَا إِذا لم يكن خَارِجا عَن الرَّسْم الْمُعْتَاد، وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة والشرنبلالي. ثَالِثهَا: الْمَنْع مُطلقًا، وَاعْتَمدهُ قاضيخان وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْخَيْرِيَّة فَكَانَ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وبالعمل بِهِ صدر الامر السلطاني وَجرى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة ألف وَمِائَتَيْنِ وَعشرَة. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا كَانَ الْحَائِط بَين رجلَيْنِ وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه أَن يمنعهُ عَن ذَلِك وَلَكِن يُقَال أَنْت ضع مثل ذَلِك إِن شِئْت، هَكَذَا حكى الامام النَّيْسَابُورِي. وَكَانَ بَين هَذَا وَبَين مَا إذَا كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد عَلَيْهِ خشبا على خشب صَاحبه وَأَرَادَ أَن يتَّخذ سترا أَو يفتح كوَّة أَو بَابا حَيْثُ لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن صَاحبه وَكَانَ لصَاحبه ولَايَة الْمَنْع. وَالْفرق أَن الْقيَاس أَن لَا يكون لَهُ ولَايَة وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، إِلَّا إِذا تركنَا الْقيَاس لضَرُورَة أَنا لَو منعناه عَن وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه رُبمَا لَا يَأْذَن لَهُ شَرِيكه فِي ذَلِك، فتتعطل عَلَيْهِ مَنْفَعَة الْحَائِط. وَهَذِه الصُّورَة مَعْدُومَة فِي زِيَادَة الْخشب وَفتح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 الكوة فَيرد لي الْقيَاس اهـ. وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا من الْكتب الْمُعْتَبرَة، لكنه مُقَيّد فِي الْبَزَّازِيَّة بِمَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، وَهَذَا الْقَيْد لَا بُد مِنْهُ فِي أَمْثَال هَذَا. وَعبارَة الذَّخِيرَة أغفلته وقيدناه فِيمَا أسلفناه لَك، فَتنبه. قَالَ السَّرخسِيّ فِي الْوَجِيز عَن النَّوَادِر حَائِط بَين رجلَيْنِ ولاحدهما عَلَيْهِ عشر خشبات وَللْآخر أَربع فَلصَاحِب الاربع أَن يتم عشر خشبات مثل صَاحبه وَلَيْسَ لَهُ الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَلَا شئ للْآخر عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَن يحمل مثل خشب صَاحبه، قيل لَهُ ذَلِك، وَقيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك اهـ. فَانْظُر كَيفَ نقل الْخلاف فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَلم يحكه فِي الاولى، وَالْفرق بَينهمَا وَاضح كَمَا ستقف عَلَيْهِ. قَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض من كتاب الْحِيطَان: حَائِط بَين رجلَيْنِ وَكَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع أَكثر من جُذُوع الآخر فَلصَاحِب الْقَلِيل أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جذوعه صَاحبه اهـ. وَفِي الْعمادِيَّة: وَلَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك وَلم يفصلوا بَين الْقَدِيم والْحَدِيث اهـ. قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَ الْحَائِط بَين دَاري رجلَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا يَدعِيهِ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوع يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ هُوَ الْمُخْتَار، فَإِن كَانَت جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جُذُوع الآخر، وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل الزِّيَادَة، فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل لَيْسَ لَهُ أَن يزِيد اهـ. قلت: وَانْظُر إِلَى قَوْله وكل وَاحِد يَدعِيهِ إِلَى قَوْله يقْضِي نجده صَرِيحًا فِي أَنه لَا يلْزم فِي هَذِه الصُّورَة أَن يكون الْحَائِط ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ بَينهمَا، خلافًا لمن وهم من أَنَّهَا لَا تثبت الْمُسَاوَاة فِي وضع الْجُذُوع إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط لَهما بِالْبَيِّنَةِ، ومنشؤه أخذا من عبارَة الذَّخِيرَة وَذَلِكَ من عدم التَّأَمُّل بهَا. وَحَاصِل عبارَة الذَّخِيرَة: أَن الْملك الثَّابِت بِنَوْع ظَاهر كالاتصال والتربيع لَا يصلح لابطال حق الآخر، لانا هَاهُنَا لم نبطل حق الآخر بل قصدنا الْمُسَاوَاة، نعم هَذَا يظْهر من يثبت لَهُ الْحَائِط بالتربيع وَكَانَ لصَاحبه جُذُوع فَلَيْسَ لَهُ أَن يرفع جُذُوع الآخر إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط بِالْبَيِّنَةِ فَلهُ رفع جُذُوع لآخر كَمَا ستراه فِي عبارَة الذَّخِيرَة، هَذَا وَقد اتّفقت كلمتهم فِي كتاب الصُّلْح على أَنه لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر، فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل. وَلما كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة اتفاقية قَاس عَلَيْهَا الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَأَرَادَ الآخر أَن يحدث جذوعا فَرجع هُوَ والحسام الشَّهِيد وهما من أهل التَّرْجِيح جَوَاز إِحْدَاث الْجُذُوع أَيْضا مُطلقًا قديمَة كَانَت الاولى أَو لَا، وَإِن كَانَ بَعضهم قد أبدى فرقا بَين الحديثة والقديمة كَمَا ستطلع عَلَيْهِ. قَالَ الحسام الشَّهِيد فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة وَيُرِيد الَّذِي لَا حمولة لَهُ أَن يضع على هَذَا الْجِدَار حمولة مثل حمولة شَرِيكه، إِن كَانَت حمولته عَلَيْهَا محدثة فللآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثلهَا، وَإِن كَانَت الحمولة الَّتِي لَهُ قديمَة فَلَيْسَ للْآخر أَن يضع حمولة. قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل مثل ذَلِك مُطلقًا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 أَي سَوَاء كَانَت حمولة صَاحبه محدثة أَو قديمَة، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يشترطوا لَا قَدِيما وَلَا حَدِيثا. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ الآخر أَن ينصب عَلَيْهِ جذوعا فَمَنعه من ذَلِك صَاحبه والجدار لَا يحْتَمل ذَلِك: أَي الحملين يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فحط حملك لتستوي مَعَ صَاحبك ك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ مَا يُمكن شريكك من الْحمل، لَان الْبناء الَّذِي عَلَيْهِ إِن كَانَ بِغَيْر رضَا صَاحبه فَهُوَ مُعْتَد ظَالِم، وَإِن كَانَ بِإِذن صَاحبه فَهُوَ عَارِية، أَلا يرى أَن دَارا بَين رجلَيْنِ وَأَحَدهمَا ساكنها، فَأَرَادَ الآخر أَن يسكن مَعَه وَالدَّار لَا تسع لسكنهما فَإِنَّهُمَا يتهايان بهَا، كَذَا هُنَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: وروينا عَن أبي بكر خلاف هَذَا، وَبقول أبي الْقَاسِم نَأْخُذ. وَوجه الْقَائِل بِالْمَنْعِ الْفرق، لجَوَاز أَن يكون هَذَا مُسْتَحقّا لاحدهما من أصل الْملك وَذَلِكَ حَال الْقِسْمَة بِأَن يَقع الْحَائِط بِنَصِيب أَحدهمَا وَيكون للْآخر عَلَيْهِ حق الْخشب، أما تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَهِي مَا لَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ خشبات فَفِيهَا دلّ على أَن التَّصَرُّف فِي الِابْتِدَاء ثَبت لَهما فَيثبت بعد ذَلِك لَهما. كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لِابْنِ الشّحْنَة. أَقُول: وَمُقْتَضى كَلَامه أَن الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اتفاقية، فَافْهَم. وَالْحَاصِل: أَن كلا الشَّرِيكَيْنِ إِذا لم يكن لَهما عَلَيْهِ حمولة صَاحبه كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا وضع حمولة بِلَا إِذن شَرِيكه اتِّفَاقًا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة أنقص من حمولة صَاحبه كَانَ لَهُ الْمُسَاوَاة اتِّفَاقًا أَيْضا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة وَالثَّانِي لَا حمولة لَهُ كَانَ لَهُ أَن يُسَاوِي مَعَ صَاحبه، على مَا رَجحه أَبُو اللَّيْث والحسام الشَّهِيد قِيَاسا على الْمَسْأَلَة الاتفاقية كَمَا تقدم، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع أَو يعليها أَو يتوسط بهَا للمساواة عِنْد عدم الضَّرَر لَهُ ذَلِك، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يعلي بِأَن يزِيد فِي الْجِدَار فِي هَوَاء مُشْتَرك لم يكن للْآخر مَنعه، والمروي عَن مُحَمَّد لَهُ الْمَنْع، وَلذَا قدمه ابْن وهبان فِي الْمَنْظُومَة بقوله: وَمَا لِشَرِيكٍ أَنْ يُعَلِّيَ حَيْطَهُ وَقِيلَ التَّعَلِّي جَائِز فيعمر وعَلى الْمَنْع مُطلقًا مَشى فِي الْخَانِية فَلْيَكُن هُوَ الْمعول. وَفِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا نزع جذوعه من الْحَائِط فَلهُ ذَلِك لَو لم يصر بِالْحَائِطِ. وَفِيه: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَبنى أَحدهمَا فَإِنَّهُ وَجْهَيْن: إِمَّا عَلَيْهِ حمولة أَو لَا. والاحكام ثَلَاثَة: أَحدهَا طلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط وأبى الآخر. وَالثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر. وَثَالِثهَا لَو بناه بِلَا إِذن شريكة هَل يرجع عَلَيْهِ بشئ. أما الْوَجْه الاول وَهُوَ عدم الحمولة عَلَيْهِ، فَأَما الحكم الاول وَهُوَ طلب الْقِسْمَة وإباء الآخر فقد ذكر فِي بعض الْمَوَاضِع مُطلقًا أَنه لَا يجْبر، وَبِه نَأْخُذ ص. أما لَو لم تكن عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت لَا يُصِيب كلا مِنْهُمَا شئ يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ فَظَاهر لتعنته فِي طلب الْقِسْمَة، وَأما لَو عريضة بِحَيْثُ يُصِيب كلا مِنْهُمَا مَا يُمكن الْبناء فِيهِ فلَان القَاضِي لَو قسم يقرع بَينهمَا، وَرُبمَا يخرج فِي قرعَة كل مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه فَلَا ينْتَفع بِهِ فَلَا تقع الْقِسْمَة مفيدة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ م فِيمَا روى عَنهُ هِشَام: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا أقسم وَالْآخر أَبى قَالَ لَا أقسم بَينهمَا إِذْ رُبمَا يُصِيب كلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه. وَبَعض الْمَشَايِخ قَالُوا: لَو كَانَ القَاضِي لَا يرى الْقِسْمَة إِلَّا بإقراع لَا يَسْتَقِيم لما مر. وَأما لَو يَرَاهَا بِلَا إقراع فيقسمه لَو كَانَت الْعَرَصَة عريضة على وَجه مر وَيجْعَل نصيب كل مِنْهُمَا مِمَّا يَلِي دَاره تتميما للمنفعة عَلَيْهِمَا. مطلب: لَو كَانَت عَرصَة الْحَائِط عريضة تقسم بَينهمَا وَيُعْطى كلا من جِهَة دَاره بِلَا قرعَة وَيجْبر الآبي بِهِ يُفْتى وَقَالَ ص: لَو عريضة فَالْقَاضِي يجْبر الآبي على كل حَال وَبِه يُفْتى، إِذْ الْعَرَصَة لَو عريضة على وَجه مر فطالب الْقِسْمَة طلب بهَا تتميم الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كدار وَأَرْض. س: يجْبر الآبي على قسْمَة حَائِط بَينهمَا وَذكر الْجَبْر بِلَا فصل بَين العريضة وَغَيرهَا اهـ. أَقُول: يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي دَار لزيد وَدَار أُخْرَى مُشْتَركَة بَينه وَبَين عَمْرو أَرَادَ زيد قسمتهَا وَأخذ حِصَّته مِنْهَا من جِهَة دَاره حَيْثُ لَا يُمكن الِاتِّصَال إِلَيْهَا إِلَّا من دَاره وَالدَّار قَابِلَة للْقِسْمَة والمعادلة مُمكنَة فللقاضي قسمتهَا على هَذَا الْوَجْه وَإِن لم يرض عَمْرو بذلك، وَلَا تلْزم الْقرعَة فِي هَذَا، على أَن الْقرعَة لَيست بواجبة على القَاضِي، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنهم قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَن يقرع بَينهمَا تطييبا لقلوبهما، وَلَا نقُول إِن يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنى يجب لما أَنهم صَرَّحُوا فِي غير مَا كتاب أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، لَا سِيمَا وَفِيه رفع الضَّرَر عَن أَحدهمَا وَعدم الضَّرَر بِالْآخرِ، فَتَأمل وراجع. وَفِي الْفُصُولَيْنِ: الحكم الثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر، فَلَو عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ حَائِطا لنَفسِهِ لَا يجْبر على الْبناء فِي ملك شَرِيكه إِلَّا إِذا تضرر شَرِيكه بِتَرْكِهِ وَلَا ضَرَر هُنَا، وَلَو غير عريضة فَاخْتلف الْمَشَايِخ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، إِذا بِتَرْكِهِ يتَضَرَّر شَرِيكه بتعطيل مَنَافِع الْحَائِط والباني لَا يتَضَرَّر إِذْ يحصل لَهُ بدل مَا أنْفق، وَمَال إِلَى الثَّانِي الشَّيْخ الامام الْجَلِيل أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل وَالشَّيْخ الامام الاجل شمس الائمة. الحكم الثَّالِث: لَو بنى أَحدهمَا بِلَا إِذن شَرِيكه هَل يرجع على شَرِيكه بشئ؟ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: قيل لَا يرجع مُطلقًا، وَهَكَذَا ذكر فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَازِل عَن أَصْحَابنَا. وَقيل لَو عريضة على مَا بَينا لَا يرجع لانه غير مُضْطَر فِيهِ، وَإِن كَانَت غير عريضة يرجع. قلت: لاحدهما أَن يمْتَنع من الْبناء إِذْ لَهُ أَن يقاسم أَرض الْحَائِط نِصْفَيْنِ، وَلَو بنى أَحدهمَا لَا يرجع على شَرِيكه إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذه بِالْبِنَاءِ. الْوَجْه الثَّانِي: لَو كَانَ على الْحَائِط حمولة بِأَن كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا وَهُوَ مَا لَو كَانَ لَهما عَلَيْهِ جُذُوع وَطلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط لَا يجْبر شَرِيكه عَلَيْهَا إِلَّا عَن ترَاض مِنْهُمَا وَلَو عريضة على مَا بَينا إِذْ تعلق حق كل مِنْهُمَا بِكُل الْعَرْصَةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، فَلَو قسمت بِلَا رضَا أَحدهمَا يسْقط عَمَّا حصل لشَرِيكه بِلَا رِضَاهُ وَأَنه لم يجز، فَإِذا أَرَادَ أَحدهمَا الْبناء وأبى الآخر قَالَ ض: لَا يجْبر لَو عريضة. وَذكر شيخ الاسلام أَنه لَا يجْبر بِلَا تَفْصِيل. ذكر شح أَنه يجْبر من غير تَفْصِيل، وَبِه يُفْتى. إِذا فِي عدم الْجَبْر تَعْطِيل حق شَرِيكه إِذْ لَهُ حق وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ. وَلَوْ بَنَى أَحدهمَا بِدُونِ إِذن شَرِيكه، قيل لَو عريضة على مَا فسرنا لَا يرجع الْبَانِي وَيكون مُتَطَوعا، وَكَذَا عَن مُحَمَّد وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ للثَّانِي حق وضع الْجُذُوع على جَمِيع الْحَائِط وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِبِنَاء جَمِيع الْحَائِط فَكَانَ مُضْطَرّا فِي الْبناء فَلَا تبرع، كَمَا لَو غير عريضة فبناه أَحدهمَا اهـ. وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 الْهِنْدِيَّة: هَكَذَا ذكر الْخصاف فِي نفقاته. وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: لَا يكون مُتَطَوعا، وَإِلَيْهِ إشار فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن سَمَّاعَة فِي نوادره رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الاصح. هَكَذَا فِي الْمُحِيط. قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُجْبَرُ على الْبناء وَلَا اضطرار فِيمَا يجْبر، وسيجئ تَحْقِيقه فَيَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى على أَنه مُتَبَرّع، وَالله تَعَالَى أعلم. وَإِن كَانَ بناه بِإِذْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُ، لَكِن يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق. كَذَا فِي فتاوي قاضيخان. صل: انْهَدم حائطهما وَعَلِيهِ جُذُوع لاحدهما وَطلب رب الْجُذُوع الْبناء من شَرِيكه لَا يجْبر عَلَيْهِ وَيُقَال لَهما إِن شئتما اقْتَسمَا أَرض الْحَائِط، وَلَو شَاءَ رب الْجُذُوع الْبناء وَأَرَادَ الآخر الْقِسْمَة يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ. الْوَجْه الثَّانِي من هَذَا الْوَجْه: لَو لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَطلب هُوَ الْقِسْمَة وَأبي الاخير يجْبر الآبي لَو عريضة كَمَا مر وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ أَرَادَ ذُو الْحُمُولَةِ الْبِنَاءَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْبَرُ لما مر فِيمَا لَهما عَلَيْهِ حمولة. وَلَو بنى ذُو الحمولة فَحكمه حكم مَالهمَا عَلَيْهِ حمولة فَالصَّحِيح أَنه يرجع لما مر ثمَّة أَنه مُضْطَر. وَلَو بناه الآخر وعرصة الْحَائِط عريضة كَمَا مر فَهُوَ مُتَبَرّع إِذا لم يضر فِي الْبناء إِذْ لَا يجْبر بِهِ حَقًا لنَفسِهِ، ثمَّ فِي كل مَحل لم يكن الْبَانِي مُتَبَرعا كَمَا لَهُ أَو لَهما عَلَيْهِ حمولة كَانَ للباني مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا اخْتلفُوا فِيهِ على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَو قَالَ صَاحبه أَنا لَا أتمتع بِالْبِنَاءِ هَل يرجع الْبَانِي؟ قيل لَا يرجع، وَقيل يرجع. شجي: رب الْعُلُوّ يرجع على رب السّفل بِقِيمَة السّفل مَبْنِيا لَا بِمَا أنْفق. فض يرجع بِمَا أنْفق فِي السّفل، وَأما فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك فَيرجع بِنصْف مَا أنْفق. وَاسْتحْسن بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالُوا: لَو بنى بِأَمْر القَاضِي يرجع بِمَا أنْفق، وَلَو بنى بِلَا أَمر القَاضِي رَجَعَ بِقِيمَة الْبناء. لاحدهما بِنَاء وأبى جَاره أَن يَبْنِي لَا يجْبر قَالَ ت: هُوَ الْقيَاس وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا وَقَالَ بَعضهم: لَا بُد من بِنَاء يكون سترا بَينهمَا وَبِه نَأْخُذ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه لَا يجْبر لانهم كَانُوا فِي زمن الصّلاح، أما فِي زَمَاننَا فَلَا بُد من حاجز بَينهمَا. جص: جِدَار بَين كرمين لِرجلَيْنِ انْهَدم فاستعدى أَحدهمَا على السُّلْطَان لما أَبى شَرِيكه أَن يَبْنِي فَأمر السُّلْطَان بِنَاء بِرِضا المستعدي أَن يبنيه على أَن يَأْخُذ الاجر مِنْهُمَا فَلهُ أَخذه مِنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو بكر: انْهَدم جِدَار بَينهمَا وَأَحَدهمَا غَائِب فبناه الْحَاضِر فِي ملكه من خشب وَبَقِي مَوضِع الْحَائِط على حَاله ثمَّ قدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي على طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِي جَاره وَيجْعَل ساحة الْحَائِط إِلَى ملكه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو أَرَادَ أَن يَبْنِي حَائِطا غلظه كالاول أَو يَبْنِي أدق مِنْهُ فِي وسط الاس ويدع الْفضل من أسه مِمَّا يَلِي ملكه لَهُ ذَلِك. كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَمثله فِي نور الْعين. لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: جِدَار بَين رجلَيْنِ انْهَدم وَأحد الجارين غَائِب فَبنى الْحَاضِر فِي ملكه جدارا من خشب وَترك مَوضِع الْحَائِط على حَاله فَقدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط فِي الْموضع الْقَدِيم وَمنعه الآخر. قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر: إِن أَرَادَ الَّذِي قدم أَن يَبْنِي على مَوضِع طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِيهِ جَازَ، وَإِن جعل ساحة أس الْحَائِط إِلَى جَانب نَفسه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط كَمَا كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 أَو أدق مِنْهُ وَيتْرك الْفضل من الْجَانِبَيْنِ سَوَاء لَهُ ذَلِك. كَذَا فِي فتاوي قاضيخان فِي الْحِيطَان. اهـ أَقُول: وَهَذَا أشبه بالقواعد، وَلم يظْهر لي مَا نَقله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَتَبعهُ فِي نور الْعين. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَقَالَ فِي جِدَار بَينهمَا وَلكُل مِنْهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَوَهَى الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَكَ بِأُسْطُوَانَاتٍ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيد رَفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَار، فَلَو سقط حمولته لم يضمن. فض: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَو أنْفق بِلَا أَمر القَاضِي انْتهى. أَقُول: قَوْله لَا يجْبر صَرِيح فِي أَنه لَيْسَ للْآخر مَنعه من الْبناء لَان لَهُ غَرضا فِي وُصُوله إِلَى حَقه، فَلَا يُقَال هُوَ تصرف فِي الْمُشْتَرك فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يكون يجوز بِدُونِ رضَا الشَّرِيك. وَأَقُول: قيد بقوله وهى لانه لَو لم يكن كَذَلِك لَا يملك هَدمه وبناءه لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك، وَلَا بُد وَأَن يكون معنى قَوْله وَلكنه يبْنى: أَي بِغَيْر النَّقْض الْمُشْتَرك، أما بِهِ لَا لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك. تَأمل رملي. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ت: قَالَ أَبُو بكر فِي جِدَار بَينهمَا وَبَيت أَحدهمَا أَسْفَل وَبَيت الآخر أَعلَى قدر ذِرَاع أَو ذراعين فانهدم فَقَالَ ذُو الاعلى لذِي الاسفل ابْن لي حذاء أسي ثمَّ نَبْنِي جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ ذَلِك، بل يبنيانه جَمِيعًا من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ. قَالَت: وَلَو بَيت أَحدهمَا أَسْفَل بأَرْبعَة أَذْرع أَو نَحْوهَا قدر مَا يُمكن أَن يتَّخذ بَيْتا فإصلاحه على ذِي الاسفل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَحل الْبَيْت الآخر لانه كحائطين سفل وعلو، وَقيل: يبنيان الْكل. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَينهمَا عَلَيْهِ لاحدهما غرفَة وَللْآخر سقف بَيت فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بأساطين ثمَّ اتفقَا حَتَّى يبنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى رب السّقف أَن يَبْنِي بعمده لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جاوزه. وَقَالَ: حَائِط بَينهمَا انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلاصقين فَأَرَادَ أَحدهمَا رفع جِدَاره وَزعم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِي للْآخر ستْرَة بَينهمَا وَزعم الآخر أَن جِدَاره لَو بَقِي ذَا طاق يهي وينهدم، فَلَو سبق مِنْهُمَا إِقْرَار أَن الْحَائِط بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنه حائطان فكلاهما بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا إِلَّا بِإِذن الآخر، وَلَو أقرّ أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب. قاضيخان. حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا عِنْد غيبَة شَرِيكه. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: إِن بناه ينْقض الْحَائِط الاول فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا يكون لَهُ أَن يمْنَع شَرِيكه من الْحمل عَلَيْهِ، وَإِن بناه بِلَبن أَو خشب من قبل نَفسه فَلَيْسَ للشَّرِيك أَن يحمل على الْحَائِط حَتَّى يُؤَدِّي نصف قيمَة الْحَائِط. أَرَادَ أَحدهمَا نقض جِدَار مُشْتَرك وأبى الآخر فَقَالَ لَهُ صَاحبه أَنا أضمن لَك كل شئ ينهدم لَك من بَيْتك وَضمن ثمَّ نقض الْجِدَار بِإِذن شَرِيكه فانهدم من منزل الْمَضْمُون لَهُ شئ لَا يلْزمه ضَمَان ذَلِك، وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ رجل لآخر ضمنت لَك مَا يهْلك من مَالك لَا يلْزمه شئ. خُلَاصَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحدهمَا للباني أَن يمْنَع الآخر من وضع الْخشب على الْحَائِط حَتَّى يُعْطِيهِ نصف الْبناء مَبْنِيا. وَفِي الاقضية: حَائِط بَين اثْنَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا نقضه وأبى الآخر: لَو بِحَال لَا يخَاف سُقُوطه لَا يجْبر، وَلَو يخَاف فَعَن الفضلي أَنه يجْبر، فَإِن هدما وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يَبْنِي وأبى الآخر لَو أس الْحَائِط عريضا يُمكنهُ بِنَاء حَائِطه فِي نصِيبه بعد الْقِسْمَة لَا يجْبر الشَّرِيك، وَلَو لم يُمكن يجْبر، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَتَفْسِير الْجَبْر أَنه إِن لم يُوَافقهُ الشَّرِيك فَهُوَ ينْفق على الْعِمَارَة، وَيرجع على الشَّرِيك بِنصْف مَا أنْفق لَو أس الْحَائِط لَا يقبل الْقِسْمَة. وَفِي فَتَاوَى الفضلي: وَلَو هدماه وأبى أَحدهمَا عَن الْبناء يجْبر، وَلَو انْهَدم لَا يجْبر، وَلَكِن يمْنَع من الِانْتِفَاع بِهِ مَا لم يسْتَوْف نصف مَا أنْفق فِيهِ مِنْهُ إِن فعل ذَلِك بِقَضَاء القَاضِي، وَلَو بِغَيْر قَضَاء فَنصف قيمَة الْبناء، وَإِن انْهَدم أَو خيف وُقُوعه فهدم أَحدهمَا لَا يجْبر الآخر على الْبناء. وَلَو كَانَ الْحَائِط صَحِيحا فهدمه أَحدهمَا بِإِذن الآخر لَا شكّ أَنه يجْبر الهادم على الْبناء إِن أَرَادَ الآخر الْبناء كَمَا لَو هدماه. وَعَن ابْن أبي سَلمَة: لَو لَهما عَلَيْهِ حمولة وانهدم وأبى الآخر الْعِمَارَة فَبنى أَحدهمَا يمْنَع الآخر من وضع الحمولة حَتَّى يُؤَدِّي نصف مَا أنْفق، وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر على الْعِمَارَة وَلَا يرجع بشئ لانه بِمَنْزِلَة الستارة، وَهَذَا كُله إِذا أنْفق فِي الْعِمَارَة بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَلَو بِإِذْنِهِ أَو بِأَمْر الْحَاكِم يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق. وَفِي الْبناء الْمُشْتَرك: لَو أَحدهمَا غَائِبا فهدم الآخر بِإِذن القَاضِي أَو بِلَا إِذْنه لَكِن بنى بِإِذن القَاضِي فَهُوَ كإذن شَرِيكه لَو حَاضرا فَيرجع عَلَيْهِ بِمَا أنْفق لَو حضر. كَذَا فِي نور الْعين. أَقُول: أما قَوْله وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر الخ هَذَا على جَوَاب الْمُتَقَدِّمين. وَأما على مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ من أَنه إِذا كَانَ لَهُ حرم فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حمولة، فَتَأمل وراجع. قَوْله: (فَلَا يسْقط بإبراء) أَي عَن رفع الْجُذُوع، لَان الابراء لَا يكون فِي الاعيان بل عَمَّا فِي الذِّمَّة. قَوْله: (وَلَا صلح) بشئ عَن الْوَضع لجَهَالَة مُدَّة الْوَضع. قَوْله: (وَبيع) أَي إِذا بَاعَ الْوَاضِع أَو الْمَوْضُوع على حَائِط دَاره فَلِلْمُشْتَرِي حق الْمُطَالبَة بِالرَّفْع. وَذكر الْحَمَوِيّ أَن المُرَاد بِالْبيعِ بيع الْحَائِط الْمَوْضُوع عَلَيْهِ الْجُذُوع وإجارتها. قَوْله: (وَإِجَارَة) أَي إِذا آجر دَاره مِنْهُ لَا تسْقط الْمُطَالبَة بِالرَّفْع بالاجارة. قَوْلُهُ: (أَشْبَاهٍ مِنْ أَحْكَامِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ) صَوَابه: لَا يقبل الاسقاط من الْحُقُوق وَمَا لَا يقبله وَهُوَ قبله، وَلذَا قَالَ ط: وَلم أَقف عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي للشَّارِح فِي الْعَارِية عَن الاشباه تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِيمَا إذَا اسْتَعَارَ جِدَارَ غَيْرِهِ لِوَضْعِ جُذُوعِهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الْجِدَارَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَفْعُهَا، وَقِيلَ نَعَمْ إلَّا إذَا شَرَطَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ. قُلْت: وَبِالْقِيلِ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، وَكَذَا قاضيخان مِنْ بَابِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا من الْفَصْل الاول، وَمثله فِي الاشباه من الْعَارِية، لَكِن فِيهِ أَن الشَّرْط إِذا كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعقل لَا يلائمه وَفِيه نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لآخر من أهل الِاسْتِحْقَاق وَلم يتعارف بَين النَّاس يفْسد البيع، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 فَلَو كَانَ متعارفا كَبيع نعل على أَنه يحذوه البَائِع فَالْبيع صَحِيح للْعُرْف. تَأمل. قَوْله: (وَذُو بَيت) يَعْنِي إِذا كَانَ بَيت من دَار فِيهَا بيُوت كَثِيرَة فِي يَد رجل والبيوت الْبَاقِيَة فِي يَد آخر. قَوْله: (فِي حق ساحتها) بِالْحَاء الْمُهْملَة هِيَ عَرصَة فِي الدَّار أَو بَين يَديهَا. قَالَ فِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَلَو كَانَ الْعُلُوّ فِي يَد أَحدهمَا والسفل فِي يَد آخر والساحة فِي أَيْدِيهِمَا وَلم يكن لَهما بَيِّنَة وحلفا وكل مِنْهُمَا يَدعِي الْجَمِيع يتْرك السّفل فِي يَد صَاحبه والعلو كَذَلِك والساحة لصَاحب السّفل، وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق الْمُرُور فِي رِوَايَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى الساحة بَينهمَا نِصْفَانِ. اهـ. قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ) لانهما اسْتَويَا فِي اسْتِعْمَال الساحة فِي الْمُرُور وَوضع الامتعة وَكسر الْحَطب وَنَحْو ذَلِك وَلم تكن فِي يَد أَحدهمَا دون الآخر وهما فِي ذَلِك سَوَاء فتنصف بَينهمَا كالطريق، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَاعْلَم أَن الْقِسْمَة على الرؤوس: فِي السَّاحَةِ وَالشُّفْعَةِ وَأُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَالنَّوَائِبِ: أَيْ الْهَوَائِيَّةَ الْمَأْخُوذَةَ ظُلْمًا وَالْعَاقِلَةِ وَمَا يُرْمَى مِنْ الْمركب خوف الْغَرق والحريق اهـ. قَوْله: (كالطريق) فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهَا صَاحب الْبَيْت وَصَاحب الْمنزل وَصَاحب الدَّار. اتَّقَانِي. وَصَاحب بَيت وَصَاحب بيُوت. قَالَ فِي الْقنية: الطَّرِيق يقسم على عدد الرؤوس، لَا بِقدر ساحة الْأَمْلَاكِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ، وَفِي الشُّرْبِ مَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْأَنْصِبَاءِ يُقْسَمُ عَلَى قدر الاملاك لَا الرؤوس اهـ. وَاعْترض بِأَن الْبيُوت الْكَثِيرَة تجمع عَادَة جمعا كثيرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الْوَاحِد فَيكون احتياجهم إِلَى نَحْو التوضي أَكثر وقوعا فَيَنْبَغِي أَن يرجح صَاحبهَا وَلَا أقل أَن يُسَاوِي. أَقُول: الْمَسْأَلَة من مسَائِل الْجَامِع الصَّغِير، والمجتهد لَيْسَ بغافل عَن مثل هَذِه الملاحظة، فاللازم علينا أَن نلاحظ وَجه الاستنباط وَذَا هُنَا أَنه ثَبت فِي أصولهم أَن التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل فتفرع عَلَيْهِ مسَائِل جمة: مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة، وَمِنْهَا مَسْأَلَة أَنه لَا يرجح صَاحب الْجِرَاحَات على صَاحب جِرَاحَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ الْمَجْرُوح يجب الْقصاص عَلَيْهِمَا فِي الْعمد وَالدية نِصْفَيْنِ فِي الْخَطَأ حَيْثُ لم يعتبروا عدد الْجِرَاحَات مَعَ إِمْكَان اعْتِبَار تَقْسِيم الدِّيَة عَلَيْهَا، فَكَذَا لم يعتبروا تعدد الْبيُوت فِي تَقْسِيم الساحة عَلَيْهَا فضلا أَن يرجح صَاحبهَا وَيحكم بِكُل الساحة لَهُ سوى حق الْمُرُور لصَاحب الْبَيْت. تدبر. قَوْله: (بِخِلَاف الشّرْب) لَان الشّرْب يحْتَاج إِلَيْهِ لاجل سقِِي الارض، فَعِنْدَ كَثْرَة الاراضي تكْثر الْحَاجة إِلَيْهِ فَيقدر بِقدر الاراضي منح. وَفِي الثَّالِث عشر من الْبَزَّازِيَّة: دَارٌ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ وَبَيْتٌ وَاحِدٌ لِرَجُلٍ تَنَازَعَا فِي السَّاحَةِ أَوْ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ تَنَازَعَا فِيهِ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِفضل الْيَد، كَمَا لَا اعْتِبَار لفضل الشُّهُود لبُطْلَان التَّرْجِيح بِكَثْرَة الادلة. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُ الْمِلْكِ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ تَقَاسَمُوا الْبُيُوتَ مِنْهَا فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قدر الْبيُوت. قَوْله: (يقدر بالارض بِقَدْرِ سَقْيِهَا) فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي. بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 فِي الطَّرِيق. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (برهنا أَي الخارجان الخ) أَي إِن لكل يَد فِيهَا، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا لانهما فِي حَالَة الدَّعْوَى خارجان، وَعبارَة الشَّارِح هُنَا تبع فِيهَا الدُّرَر والمنح. وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ كَغَيْرِهَا تفِيد أَنَّهُمَا ذُو أيد. وَفِي الْفُصُولَيْنِ خَ: ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَفِي يَدِهِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى الْيَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ وَيَصِيرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا، وَلَوْ بَرْهَنَا يُجْعَلُ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ. وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْر ذِي الْيَدِ لَوْ نَازَعَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودا ومدعيا للْملك تبعا اهـ. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَد صَاحبه على الْبَتَات فَإِن حلفا لَمْ يُقْضَ بِالْيَدِ لَهُمَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَال، فَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلٍّ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ تُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الثَّالِث اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْخَارِجَيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْله: (قضى بيدهما فتنصف) لَان الْيَد فِيهَا غير مُشَاهدَة لتعذر إحضارها وَالْبَيِّنَة تثبت مَا غَابَ عَن علم القَاضِي. دُرَر. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْيَد لَا تثبت فِي الْعقار بالتصادق وَكَذَا بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لاحْتِمَال أَنَّهَا فِي يَد غَيرهمَا. وَإِن ادّعَيَا أَنَّهَا فِي يَد أَحدهمَا فَكَذَلِك لانهما يُمكن أَنَّهُمَا تواضعا على ذَلِك ط. وَأَشَارَ إِلَى أَنه لَو طلبا الْقسم لم يقسم بَينهمَا مَا لم يبرهنا على الْملك. قيل هَذَا بالِاتِّفَاقِ، وَقيل هَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا: يقسم بَينهمَا كَمَا فِي الشُّرُوح. قَوْله: (بِأَن لبن أَو بنى) وَلبن بتَشْديد الْبَاء: أَي ضرب فِيهَا الْبَنَّا وَهُوَ الطوب النئ، بِخِلَاف المشوي فَإِنَّهُ آجر. قَوْله: (قضى بِيَدِهِ لوُجُود تصرفه) لَان التَّمَكُّن من هَذِه الاشياء دَلِيل على أَنَّهَا فِي يَده، وَمحل ذَلِك إِذا لم يقم الآخر برهانا كَمَا لَا يخفى زَيْلَعِيّ. قَوْله: (لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ) فشهادتهم تثبت الْملك فِي الْحَال والماضي. قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) فَلَا تقبل دَعْوَى أحد عَلَيْهِ أَنه عَبده عِنْد إِنْكَاره إِلَّا بِبَيِّنَة. اهـ. دُرَر وَهَذَا لَان الاصل أَن يكون لكل إِنْسَان يَد فِي نَفسه إبانة لِمَعْنى الْكَرَامَة، إِذْ كَونه فِي يَد غَيره دَلِيل الاهانة وَمَعَ قيام يَده على نَفسه لَا تثبت يَد الْغَيْر عَلَيْهِ للتنافي بَين الْيَدَيْنِ. حموي. قَوْله: (قضى بِهِ لذِي الْيَد) لَا يُقَالُ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْمَضَارِّ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ. وَلَا يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ، وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كاللقيط لَا يقبل قَوْله الْمُلْتَقِطِ إنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 اعْترض على الاصل دَلِيل خِلَافه بَطَلَ وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لانه أَمِين. زَيْلَعِيّ مُلَخصا. حموي. قَوْله: (كمن لَا يعبر عَن نَفسه) مَفْهُوم من يعبر. قَوْله: (لاقراره بِعَدَمِ يَده) حَيْثُ أقرّ على نَفسه بِالْملكِ وَثبتت رقيته بِدَعْوَى ذِي الْيَد الخالية عَن الْمعَارض لَا بِإِقْرَارِهِ فَكَانَ ملكا لمن فِي يَده كالقماش وَمن لَا يعبر بِمَنْزِلَة الْمَتَاع فَلَا يقبل قَوْله أَنا حر، لَكِن هُنَا بعد أَن صرح بِأَنَّهُ عبد فلَان فَيكون مقرا بِمَا للْغَيْر فَلَا يسري إِقْرَاره عَلَيْهِ: أَي على الْغَيْر، بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن بيد أحد حَيْثُ يَصح إِقْرَاره لانه حِينَئِذٍ فِي يَد نَفسه. تَأمل. قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى) لَا سِيمَا وَقد صدر الاقرار الاول حَال عدم التَّكْلِيف. فروع رحى مَاء بَينهمَا فِي بَيت لَهما فخربت كلهَا حَتَّى صَارَت صحراء لم يجبرا على الْعِمَارَة وتقسم الارض بَينهمَا: أَي بطلبهما أَو بِطَلَب أَحدهمَا، وَلَو قَائِمَة ببنائها وأدواتها إِلَّا أَنه ذهب شئ مِنْهَا يجْبر الشَّرِيك على أَن يعمر مَعَ الآخر وَلَو مُعسرا قيل لشَرِيكه أنْفق أَنْت لَو شِئْت فَيكون نصفه دينا على شريكك وَكَذَا الْحمام لَو صَار صحراء تقسم الارض بَينهمَا، وَلَو تلف شئ مِنْهُ يجْبر الآبي على عِمَارَته. ن عَن م: فِي حمام بَينهمَا انْهَدم بَيت مِنْهُ أَو احْتَاجَ إِلَى قدر وَمَرَمَّة وأبى أَحدهمَا لَا يجْبر وَيُقَال للْآخر إِن شِئْت فابنه أَنْت وَخذ من غَلَّته نَفَقَتك ثمَّ تستويان. ط عَن بعض الْمُتَأَخِّرين: لَو أَبى أَحدهمَا فَالْقَاضِي يخرج الْحمام من أَيْدِيهِمَا ويؤجره ثمَّ يعمره فَيَأْخُذ نَفَقَته من أجرته. كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْخَانِية من بَاب الْحِيطَان: دَار بَين رجلَيْنِ انْهَدَمت أَو بَيت بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا لَا يرجع هُوَ على شَرِيكه بشئ لَان الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِذا أمكنه أَن يقسم يكون مُتَبَرعا فِي الْبناء وَالْبَيْت، كَذَلِك إِذا كَانَ كَبِيرا يحْتَمل الْقِسْمَة، وَكَذَلِكَ الْحمام إِذا خرب وَصَارَ ساحة، وَكَذَلِكَ الْبِئْر أَرَادَ بِهِ إِذا امتلات من الحمأة فَلهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ، فَإِذا لم يُطَالِبهُ وَأَصْلَحهَا وفرغها كَانَ مُتَبَرعا اهـ. ومفاد هَذَا أَن الدَّار لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تمكن قسمتهَا أَنه لَا يكون مُتَبَرعا لانه حِينَئِذٍ يكون مُضْطَرّا إِلَى الْبناء ليتوصل إِلَى الِانْتِفَاع بِملكه، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت كَبِيرَة لانه يُمكنهُ أَن يقسم حِصَّته مِنْهَا ثمَّ يَبْنِي فِي حِصَّته، فَإِذا بنى قبل الْقِسْمَة لم يكن مُضْطَرّا فَيكون مُتَبَرعا، وَلذَا قيد الْحمام بِمَا إِذا خرب وَصَارَ ساحة لانه حِينَئِذٍ تمكن قسمته فَإِذا لم يقسم يكون مُتَبَرعا، لَكِن فِي الْبِئْر يَنْبَغِي أَن لَا يكون مُتَبَرعا لكَونه مِمَّا لَا يقسم، لَكِن أَشَارَ صَاحب الْخَانِية إِلَى الْفرق بِأَن لَهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ: أَي فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ غَيره. مطلب: الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ مِمَّا لَا يقسم لَا يكون مُتَبَرعا وَإِذا أجبر لم يكن الآخر مُضْطَرّا فَصَارَ الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ بِأَن كَانَ مِمَّا لَا يقسم أَو مِمَّا لَا يجْبر الشَّرِيك على بنائِهِ فبناه أَحدهمَا لم يكن مُتَبَرعا، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرّع، لَكِن اسْتشْكل هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِأَن من لَهُ حمولة على حَائِط لَو بنى الْحَائِط يرجع لانه مُضْطَر إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى حَقه إِلَّا بِهِ مَعَ أَن الشَّرِيك يجْبر أَيْضا كالبئر فَيَنْبَغِي أَن يتحد حكمهمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 مطلب: التَّبَرُّع وَالرُّجُوع دائر على الْجَبْر وَعَدَمه ثمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يجْبر صَاحبه كَمَا سيجئ، فَيَنْبَغِي أَن يَدُور التَّبَرُّع وَالرُّجُوع على الْجَبْر وَعَدَمه، إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا يخلصك من التحير بِمَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب من الِاضْطِرَاب، ويرشدك إِلَى الصَّوَاب اهـ. لَكِن عبارَة الْخُلَاصَة الَّتِي ذكرهَا الْمُؤلف تدل على أَن للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِبِنَاء الدَّار، فَإِن كَانَ كَذَلِك لم يكن مُضْطَرّا إِلَى الْبناء أَبى شَرِيكه لانه يُمكنهُ اسْتِئْذَان القَاضِي. وَقد يُجَاب بِأَن للْقَاضِي ذَلِك إِذا كَانَ الشَّرِيك غَائِبا مثلا لانه حِينَئِذٍ لَا يُمكن طلب الْبناء مِنْهُ وَلَا الْقِسْمَة مَعَه. فَالْحَاصِل: أَنه إِذا كَانَت الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِن أذن لَهُ شَرِيكه بنى، وَإِلَّا قسمهَا جبرا عَلَيْهِ ثمَّ بنى فِي حِصَّته، فَإِن لم يكن اسْتِئْذَانه يبْنى بِإِذن القَاضِي، وَفِيمَا عدا ذَلِك فَهُوَ مُتَطَوّع. وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْقِسْمَة من تنقيحه أَن فِي غير مُحْتَمل الْقِسْمَة للطَّالِب أَن يَبْنِي ثمَّ يُؤجر ثمَّ يَأْخُذ نصف مَا أنْفق فِي الْبناء من الْغلَّة. وَذكر هُنَاكَ عَن الاشباه أَنه يرجع بِمَا أنْفق لَو بنى بِأَمْر قَاض إِلَّا فبقيمة الْبناء وَقت الْبناء اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُحَرر كَمَا قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّة، لَكِن هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا ذَكرُوهُ فِي السّفل إِذا انْهَدم، وَعبارَة الاشباه مُطلقَة. وَالَّذِي يظْهر الاطلاق إِذْ لَا فرق يظْهر، فَيجْرِي ذَلِك فِي كل مَا يضْطَر فِيهِ أَحدهمَا إِلَى الْبناء كالسفل والجدار والرحى وَالْحمام وَالْبَيْت وَالدَّار الصَّغِيرَة وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي الْهِنْدِيَّة: لَو ادّعى على آخر حق الْمُرُور ورقبة الطَّرِيق فِي دَاره فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يمر فِي هَذِه الدَّار لم يسْتَحق بِهَذَا شَيْئا. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَلَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ طَرِيقا فِي هَذِه الدَّار جَازَت شَهَادَتهم وَإِن لم يَجدوا الطَّرِيق وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي الْخَانِية وَالْمُحِيط، لَكِن فِي الْمُحِيط عبر بالاصح إِذا كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح من دَاره على حَائِط فِي زقاق أنكر أهل الزقاق أَن يكون لَهُ حق الْمُرُور فِي زقاقهم فَلهم مَنعه، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على أَن لَهُ طَرِيقا ثَابتا فِيهَا. كَذَا فِي الْمُحِيط. إِذا كَانَ الْمِيزَاب مَنْصُوبًا إِلَى دَار رجل وَاخْتلفَا فِي حق إِجْرَاء المَاء وإسالته، فَإِن كَانَ فِي حَال عدم جَرَيَان المَاء لَا يسْتَحق إِجْرَاء المَاء وإسالته إِلَّا بِبَيِّنَة. هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار أَيْضا أَن يقطع الْمِيزَاب. كَذَا فِي الْمُحِيط. وَحكى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى أَنهم استحسنوا أَن الْمِيزَاب إِذا كَانَ قَدِيما وَكَانَ تصويب السَّطْح إِلَى دَاره وَعلم أَن التصويب قديم وَلَيْسَ بمحدث أَن يَجْعَل لَهُ حق التسييل، وَإِن اخْتلفَا فِي حَال جَرَيَان المَاء، قيل القَوْل لصَاحب الْمِيزَاب وَيسْتَحق إِجْرَاء المَاء، وَقيل لَا يسْتَحق، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن لَهُ حق المسيل وبينوا أَنه لماء الْمَطَر من هَذَا الْمِيزَاب فَهُوَ لماء الْمَطَر، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فِيهِ، وَإِن بينوا أَنه لماء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فَهُوَ كَذَلِك، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الْمَطَر فِيهِ، وَإِن قَالُوا لَهُ فِيهَا حق مسيل مَاء وَلم يبنوا أَنه لماء الْمَطَر أَو غَيره صَحَّ، وَالْقَوْل لرب الدَّار مَعَ يَمِينه أَنه لما الْمَطَر أَو لماء الْوضُوء والغسالة. وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة فِي المسيل، وَفِي الطَّرِيق تقبل. كَذَا فِي الْمُحِيط. وَلَو لم تكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة أصلا اسْتحْلف صَاحب الدَّار وَيَقْضِي فِيهِ بِالنّكُولِ. كَذَا فِي الْحَاوِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 رجل لَهُ قناة خَالِصَة عَلَيْهَا أَشجَار لقوم أَرَادَ صَاحب الْقَنَاة أَن يصرف قناته من هَذَا النَّهر ويحفر لَهُ موضعا آخر لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو بَاعَ صَاحب الْقَنَاة الْقَنَاة كَانَ لصَاحب الشَّجَرَة شُفْعَة جوَار، كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة فِي الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. بَاب دَعْوَى النّسَب حَقه التَّقْدِيم بِالنّظرِ إِلَى أَنه دَعْوَى الانفس، إِلَّا أَن دَعْوَى المَال لما كَانَت كَثِيرَة الْوُقُوع والانواع قدمهَا اهتماما. والدعوة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح، وَفِي النّسَب بِالْكَسْرِ، وَقد يعكس، وَأما بِالْحَرْبِ فبالضم: نِهَايَة. قَوْله: (الدعْوَة نَوْعَانِ) زَاد أَبُو السُّعُود ثَالِثَة، وَهِي دَعْوَى شُبْهَة، وَهِي دَعْوَة الاب ولد أمة ابْنه فَيثبت مِنْهُ النّسَب وَإِن لم يصدقهُ ابْنه بِشَرْط أَن تكون الامة فِي ملك ابْنه من حِين الْعلُوق إِلَى حِين الدعْوَة. قَوْله: (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا إذَا وطئ جَارِيَة ابْنه فَولدت فَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهَا وَيَثْبُتُ عِتْقُ الْوَلَدِ وَيضمن قيمتهَا لوَلَده كَمَا تقدم، وَحِينَئِذٍ فَيكون النَّوْع الثَّانِي على قسمَيْنِ: دَعْوَة الْملك، ودعوة شُبْهَة الْملك، فَتبقى الدعْوَة نَوْعَيْنِ لَا ثَلَاثَة، لَكِن الاتقاني جعلهَا ثَلَاثَة كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي السُّعُود. قَوْله: (وَهُوَ بِخِلَافِهِ) بِأَن لَا يكون الْعلُوق فِي ملك الْمُدَّعِي. قَوْله: (واستنادها لوقت الْعلُوق) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: والاولى أولى لانها أسبق لاستنادها. حَلَبِيّ وَأَنت بِاعْتِبَار الْمَعْنى. قَوْله: (مبيعة) وَلَو بيعا بِخِيَار للْبَائِع أَو المُشْتَرِي أَو لَهما إِلَى وَقت الْولادَة. حموي. وَالظَّاهِر أَنه على قَوْلهمَا، وَإِلَّا فمدة الْخِيَار عِنْده ثَلَاثَة أَيَّام ط. قَوْله: (ولدت لاقل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَفَادَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْمدَّة، وَإِلَّا فَفِي التاترخانية عَنْ الْكَافِي: قَالَ الْبَائِعُ بِعْتهَا مِنْكَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ مِنِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَهَا مِنِّي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْوَلَدُ لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْبَائِعِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ. قَوْله: (وَلَو تنَازعا الخ) وَقُيِّدَ بِدَعْوَى الْبَائِعِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ ابْنُهُ وَكذبه المُشْتَرِي صدقه البَائِع أَو لَا فدعوته بَاطِلَة وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (فَادَّعَاهُ البَائِع) أَي وَلَو أَكثر من وَاحِد. قُهُسْتَانِيّ. والاداء بِالْفَاءِ يُفِيد أَنَّ دَعْوَتَهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا ثَبَتَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَشَرَاهَا أَحَدُهُمْ فَوَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ جَمِيعًا ثَبَتَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ وَخَصَّاهُ بِاثْنَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النَّظْمِ، وَبِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ عِنْدَكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَبَيِّنَتُهُ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الثَّانِي وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ عِنْدَ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْمنية شرح الملتقي. قَوْلُهُ: (ثَبَتَ نَسَبُهُ) صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَأَطْلَقَ فِي الْبَائِعِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرَّ وَالْمُكَاتَبَ، كَذَا رَأَيْتُهُ معزوا للاختيار، وَشرط أَبُو السُّعُود أَن لَا يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) أَيْ لَا قِيَاسًا، لِأَنَّ بَيْعَهُ إِقْرَار مِنْهُ بِأَنَّهَا أمة فَيصير مناقضا. وَالْقِيَاس أَن لَا يثبت، وَبِه قَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَان بَيْعه إِقْرَار كَمَا علمت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وَجه الِاسْتِحْسَان أَنه تنَاقض فِي مَحل الخفاء فيغتفر لَان النّسَب يبتني على الْعلُوق، وَفِيه من الخفاء مَا لَا يخفى. وَنَظِيره المختلعة تَدعِي الطَّلَاق وتريد الرُّجُوع بِالْبَدَلِ مدعية أَنه طَلقهَا قبل الْخلْع تسمع دَعْوَاهَا وَإِن كَانَت متناقضة كَمَا قدمْنَاهُ، لَان إقدامها على الْخلْع كالاقرار بِقِيَام الْعِصْمَة، لَكِن لما كَانَ التَّنَاقُض فِي مَحل الخفاء جعل عفوا لَان الزَّوْج يسْتَقلّ بِالطَّلَاق فَلَعَلَّهُ طلق وَلم تعلم، فَإِذا أَقَامَت الْبَيِّنَة على الطَّلَاق قبلت. قَوْله: (لعلوقها الخ) قَالَ فِي الْمنح وَلنَا أَن مَبْنِيّ النّسَب فِيهِ على الخفاء فيعفى فِيهِ التَّنَاقُض فَتقبل دَعوته إِذا تَيَقّن بالعلوق فِي ملكه بِالْولادَةِ للاول فَإِنَّهُ كالبينة العادلة فِي إِثْبَات النّسَب مِنْهُ، إِذْ الظَّاهِر عدم الزِّنَا مِنْهَا وَأمر النّسَب على الخفاء، فقد يظنّ الْمَرْء أَن الْعلُوق لَيْسَ مِنْهُ ثمَّ يظْهر أَنه مِنْهُ فَكَانَ عذرا فِي أسقاط اعْتِبَار التَّنَاقُض اهـ. قَوْله: (وَإِذا صحت) أَي الدَّعْوَى. قَوْله: (فَيفْسخ البيع) لعدم جَوَاز بيع أم الْوَلَد. قَوْله: (وَيرد الثّمن) لَان سَلامَة الثّمن مَبْنِيَّة على سَلامَة الْمَبِيع. قَوْله: (وَلَكِن إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي الخ) قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته على مِسْكين: وَالْحَاصِل أَن البَائِع إِذا ادّعى ولد الْمَبِيعَة فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر أم لَا. وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سنتَيْن أم لَا، ثمَّ ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، بِأَن ادَّعَاهُ مَعَ البَائِع أَو بعده أَو لم يدع أصلا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْوَلَد الْمُدَّعِي نسبه حَيا أَو مَيتا، والاول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُوقع المُشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُمكن نقضه كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير، أَو مَا يُمكن كَالْبيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة أم لَا، وَكَذَلِكَ الام على هَذَا التَّقْسِيم إِمَّا أَن تكون وَقت الدعْوَة حَيَّة أَو ميتَة، فَإِن كَانَت حَيَّة فإمَّا أَن يكون المُشْتَرِي أوقع بهَا مَا لَا يُمكن نقضه وَهُوَ الْعتْق وَالتَّدْبِير، أَو يُمكن وَهُوَ البيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة وَالتَّزْوِيج. إِذا عرف هَذَا فَنَقُول: إِذا ادّعى البَائِع ولد الْمَبِيعَة ينظر إِذا جَاءَت لاقل من سِتَّة أشهر وَهُوَ حَيّ لم يَتَّصِف بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير وَلم يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدعْوَة ثَبت النّسَب من البَائِع مُطلقًا صدقه المُشْتَرِي أم لَا، فالتقييد بِالْحَيَاةِ للِاحْتِرَاز عَن الْوَفَاة حَيْثُ لَا يثبت نسبه، لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ اتصافه بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَ الْوَلَد عِنْد الدعْوَة عتيقا أَو مُدبرا، بِأَن أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو دبره حَيْثُ لَا يثبت نسبه أَيْضا، لَان ثُبُوت نسبه يسْتَلْزم نقص عتقه أَو تَدْبيره، وكل مِنْهُمَا بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى نسبه بعد أَن بَاعه المُشْتَرِي أَو كَاتبه أَو رَهنه أَو وهبه أَو آجره حَيْثُ يثبت نسبه وتنقض هَذِه التَّصَرُّفَات، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ سبق المُشْتَرِي البَائِع فِي الدعْوَة للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا ادَّعَاهُ قبله فَإِن النّسَب مِنْهُ يثبت وَلَا يتَصَوَّر بعده ثُبُوت النّسَب من البَائِع، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ مَعَه أَو قبله حَيْثُ لَا تعْتَبر دَعْوَة المُشْتَرِي مَعَ دَعْوَة البَائِع لَان دَعْوَة البَائِع أقوى لاستنادها إِلَى وَقت الْعلُوق، بِخِلَاف دَعْوَة المُشْتَرِي فَإِنَّهَا تقتصر وَلَا تستند لعدم كَون الْعلُوق فِي ملكه، فَيُفَرق بَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد مَوته أَو عتقه أَو تَدْبيره، وَبَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد كِتَابَته أَو رَهنه أَو نَحْو ذَلِك، فَفِي الثَّانِي يثبت النّسَب لَا فِي الاول، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد موت أمه أَو عتقهَا أَو تدبيرها حَيْثُ لَا يفْتَرق الْحَال فِي ثُبُوت النّسَب بَين مَوتهَا وعتقها وتدبيرها وَبَين كتَابَتهَا وإجارتها وتزويجها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا سبق الْكَلَام عَلَيْهِ، بل يثبت نسب وَلَدهَا بالدعوة مُطلقًا وَلَا يمْنَع مِنْهُ ثُبُوت هَذِه الاوصاف لامه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 غير أَنه فِي الْوَجْه الاول: أَعنِي الْمَوْت وأخويه لَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد، أما فِي الْمَوْت فَلَمَّا سبق من أَن الْمَيِّت لَا يثبت لَهُ الْحُقُوق ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَأما فِي الْعتْق وَنَحْوه فلَان ثُبُوت أمومية ولد لَهَا يسْتَلْزم نقض الْعتْق وَهُوَ بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض فِي الْوَجْه الثَّانِي: أَعنِي الْكِتَابَة وَأَخَوَاتهَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد بالتبعية لثُبُوت نسب الْوَلَد لعدم الْمَانِع، لَان الْكِتَابَة وَنَحْوهَا تنْتَقض ضمن ثُبُوت الِاسْتِيلَاد لَهَا. هَذَا كُله إِذا ادّعى نسبه وَالْحَال أَنَّهَا قد جَاءَت بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر، فَإِن جَاءَت بِهِ لاكثر ردَّتْ دَعوته إِلَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي، فَإِن صدقه ثَبت مِنْهُ النّسَب سَوَاء جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر مِنْهُمَا، وَهل يثبت لامه الِاسْتِيلَاد فينتقض البيع وَيرد الثّمن أم لَا؟ إِن جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن انْتقض البيع وَثَبت لَهَا الِاسْتِيلَاد فَتَصِير أم ولد البَائِع وَيرد الثّمن، وَإِلَّا فَلَا. قَوْله: (قبله) أَي قبل ادِّعَاء البَائِع. قَوْله: (لوُجُود ملكه) وَهُوَ المجوز للدعوى، أَلا ترى أَنه يجوز إِعْتَاقه وإعتاق أمه. قَوْله: (وأميتها) بِالرَّفْع عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ ثَبَتَ. ح: وَهَذَا لَوْ جُهِلَ الْحَالُ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِيلَادِ أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ فَمَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَمَرَّ فِيهِ مَتْنًا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ظَنَنْتُ حِلَّهَا لِي فَلَا نَسَبَ، وَإِنْ مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ: وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوت نسبه. قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِهِ) ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ بعده لاستغناء الْوَلَد بِثُبُوت نسبه من المُشْتَرِي ولانه لَا يحْتَمل الابطال زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَقيل يحمل الخ) أَي حملا لحاله على الصّلاح فَإِنَّهُ حَيْثُ لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فنكاحه صَحِيح، وَإِلَّا ففاسد، وَكِلَاهُمَا يثبت بِهِ النّسَب، وَمَعَ كل فدعوة البَائِع مُقَدّمَة، لَان ملكه وَقت الْعلُوق مُحَقّق وَملك المُشْتَرِي مَفْرُوض فَلَا يُعَارضهُ. تَأمل. وَلم يذكر فِي الْمنح وَلَا فِي غَيرهَا لَفظه قيل. قَوْله: (لَان دَعوته تَحْرِير) على أَنه لما ثَبت نسبه من البَائِع بَطل البيع فَلم يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي فَهُوَ كأجنبي كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. قَالَ ط: فِيهِ أَنَّهَا دَعْوَة استيلاد أَيْضا، إِلَّا أَن يُقَال إِنَّهَا دَعْوَة تَحْرِير بعد دَعْوَة البَائِع قَوْله: (وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ موت الام) أَي وَقد ولدت لاقل من سِتَّة أشهر وَذَلِكَ لَان الْوَلَد هُوَ الاصل فِي النّسَب وَلذَلِك تُضَاف إِلَيْهِ وَيُقَال أم الْوَلَد، والاضافة إِلَى الشئ أَمارَة أَصَالَة الْمُضَاف إِلَيْهِ ولانها تستنفيد مِنْهُ الْحُرِّيَّة، أَلا ترى إِلَى قَوْله (ص) : أعْتقهَا وَلَدهَا قَالَه حِين قيل بِهِ وَقد ولدت مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِبْرَاهِيم من رَسُول الله (ص) أَلا تعتقها؟ فالثابت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَله حَقِيقَة الْحُرِّيَّة، والحقيقة أولى من الْحق فيستتبع الادنى وَلَا يضرّهُ فَوَات التبع. قَوْله: (بِخِلَاف موت الْوَلَد) أَي دون الام لفَوَات الاصل وَهُوَ الْوَلَد: أَي وَقد ولدت لِدُونِ الْأَقَلِّ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ لفَوَات الاصل لانه اسْتَغْنَى بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ التَّعْلِيل بالاستغناء كَمَا لَا يخفى، فَتدبر. وعللوا لمَوْت الْوَلَد بتعذر ثُبُوت النّسَب فِيهِ لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت وَلَا عَلَيْهِ كَمَا سبق، وَإِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 لم يثبت النّسَب لم يثبت الِاسْتِيلَاد لانه فرع النّسَب وَكَانَت الام بِحَالِهَا. إتقاني. قَوْله: (وَيسْتَرد المُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا هِدَايَة. قَوْله: (وَقَالا حِصَّته) أَي الْوَلَد فَقَط، وَلَا يرد حِصَّة الام لانها مُتَقَومَة عِنْدهمَا فتضمن بِالْغَصْبِ وَالْعقد فيضمنها المُشْتَرِي، فَإِذا رد الْوَلَد دونهَا يجب على البَائِع رد حِصَّة مَا سلم لَهُ وَهُوَ الْوَلَد كي لَا يجْتَمع الْبَدَل والمبدل فِي ملكه، وَلَا يجب رد حِصَّة الام. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: هَكَذَا ذكرُوا الحكم على قَوْلهمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يرد البَائِع جمع الثّمن عِنْدهمَا أَيْضا ثمَّ يرجع بِقِيمَة الام، لانه لما ثَبت نسب الْوَلَد مِنْهُ تبين أَنه بَاعَ أم وَلَده وَبيع أم الْوَلَد غير صَحِيح بالاجماع فَلَا يجب فِيهِ الثّمن، وَلَا يكون لاجراء الْمَبِيع مِنْهُ حِصَّة، بل يجب على كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين رد مَا قَبضه إِن كَانَ بَاقِيا وَإِلَّا فبدله اهـ. قَالَ الْمَقْدِسِي: لَعَلَّ مُرَادهم مَا ذكره بِنَاء على أَن الْغَالِب تَسَاوِي الثّمن وَالْقيمَة اهـ. قَوْله: (وإعتاقهما أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي الام وَالْولد) الْوَاو بِمَعْنى أَو المجوزة للْجمع. قَوْلُهُ: (كَمَوْتِهِمَا) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَد فَادّعى البَائِع أَنه ابْنه صحت دَعوته وَثَبت نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعَوْته لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ كَمَا فِي الْمَوْتِ، أما الاول فلانها إِن صحت بَطل إِعْتَاقه وللعتق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الْبطلَان. وَأما الثَّانِي فلانها تبع لَهُ، فَإِذا لم تصح فِي حق الاصل لم تصح فِي حق التبع ضَرُورَة اهـ. منح. فَقَوله أما الاول أَي عدم صِحَّته فِي حق الْوَلَد، وَقَوله وَأما الثَّانِي: أَي عدم صِحَّته فِي حق الام. وَيشكل على قَوْله وَالْعِتْق بعد وُقُوعه إِلَى آخِره مَا سَيَأْتِي متْنا فِي قَوْله بَاعَ أحد التوأمين إِلَى أَن قَالَ وَبَطل عتق المُشْتَرِي. قَالَ فِي الْمنح: لَان الَّذِي عِنْده ظهر أَنه حر الاصل، وَقَالَ الشَّارِح بِأَمْر فَوْقه وَهُوَ حريَّة الاصل فَكَذَا يُقَال هُنَا فَيَنْبَغِي أَن تصح دَعوته بعد الاعتاق لانه ظهر أَنه أعتق حر الاصل فَلم يَصح أعتاقه. تَأمل. وَأجَاب عَنهُ الْعَيْنِيّ تبعا للزيلعي بِأَنَّهُ لَو بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُود الاجل دَعْوَة البَائِع وَأَنه لَا يجوز. وَفِي مَسْأَلَة التوأمين تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ يتَعَدَّى إِلَى آخر ضمنا وتبعا، إِذْ يَسْتَحِيل أَن يلحقا من مَاء وَاحِد وَأَحَدهمَا حر وَالْآخر رَقِيق، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ. فَإِن قلت: تَحْرِير المُشْتَرِي تبين أَنه وَقع فِي غير ملكه لانه أعتق حر الاصل فَلم يَصح عتقه يُجَاب بِأَنَّهُ أعتق ملكه فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ أحد فنفذ عتقه وَثَبت وَلَاؤُه، وكل من الْوَلَاء والاعتاق لَا يحْتَمل النَّقْض، وبثبوت ذَلِك صَار البَائِع مُكَذبا شرعا فِي ادعائه فَلم تصح دَعوته وَتبين صِحَة عتق المُشْتَرِي. قَوْله: (لانه أَيْضا لَا يحْتَمل الابطال) لثُبُوت بعض آثَار الْحُرِّيَّة كامتناع التَّمْلِيك للْغَيْر. منح وَيرد عَلَيْهِ مَا ورد على مَا قبله، وَعلم جَوَابه مِمَّا مر عَن الْعَيْنِيّ. والاولى أَن يَقُول وإعتاقهما وتدبيرهما كموتهما، إِذا لَا يظْهر فَائِدَة فِي تَشْبِيه الاعتاق بِالْمَوْتِ ثمَّ تَشْبِيه التَّدْبِير بالاعتاق. تَأمل. قَوْله: (وَيرد حِصَّته اتِّفَاقًا) أَي فِيمَا إِذا أعتق المُشْتَرِي الام أَو دبرهَا فَقَط دون الْوَلَد فَيقسم الثّمن على قيمَة الام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 وَقِيمَة الْوَلَد، فَمَا أصَاب الْوَلَد يردهُ وَمَا أصَاب الام لَا يردهُ، وَتعْتَبر قيمَة الام يَوْم الْقَبْض وَقِيمَة الْوَلَد يَوْم الْولادَة لانها دخلت فِي ضَمَانه بِالْقَبْضِ وَصَارَ لَهُ قيمَة وبالولادة فَتعْتَبر الْقيمَة بذلك كَمَا فِي صدر الشَّرِيعَة والشرنبلالية. قَوْله: (وَكَذَا حصَّتهَا أَيْضًا) أَيْ فِي التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ. وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ رَحمَه الله تَعَالَى قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ. قَالَ: وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ: يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ح. فَصَارَ الْحَاصِل من هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْأُمِّ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ فِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا. وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي يَرُدُّ حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا. قَوْلُهُ: (على الصَّحِيح من مَذْهَب الامام) لَان أم الْوَلَد لَا قيمَة لَهَا عِنْده وَلَا تضمن بِالْعقدِ فيؤاخذ بِزَعْمِهِ. قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر والمنح عَن الْهِدَايَة) قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ حِصَّتَهَا. كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ. لَكِنْ رَجَّحَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ وَجَعَلَهُ هُوَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ التَّصْحِيحِ عَنْ الْهِدَايَة. وَهُوَ يُخَالف الرِّوَايَةِ، وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إِعْتَاقه، بل برد حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قيمتهمَا يعْتَبر قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَار لَهُ الْقيمَة بِالْولادَةِ فَتعْتَبر قِيمَته عِنْد ذَلِك اهـ. وقدمناه قَرِيبا فَلَا تغفل عَنهُ. قَوْله: (عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ) من أَنه لَا يرد حصَّتهَا عِنْده أَيْضا وَقد تقدم ذَلِك. قَوْله: (وَقِيلَ لَا يَرُدُّ حِصَّتَهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِالِاتِّفَاقِ) هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تقدم، وَهَذَا من تَتِمَّة عبارَة الْمَوَاهِب فَلَا يعْتَرض بِأَنَّهُ مُكَرر لانه عين مَا فِي الْمَبْسُوط قَوْله: (لاكثر من حَوْلَيْنِ) مثله تَمام الْحَوْلَيْنِ إِذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِد وَالْحجّة. شرنبلالية. قَوْله: (ثَبت النّسَب بتصديقه) إِذْ عدم ثُبُوته لرعاية حَقه. وَإِن صدقه زَالَ ذَلِك الْمَانِع وَلم يبطل بَيْعه بِالْجَزْمِ بِأَن الْعلُوق لَيْسَ فِي ملكه فَلَا تثبت حَقِيقَة الْعتْق وَلَا حَقه لانها دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ من أَهله. قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ وَكَانَتْ دَعْوَةَ استيلاد، وَإِن ادعياه مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لَا البَائِع. قَوْله: (على الْمَعْنى اللّغَوِيّ) أَي إِنَّهَا كَانَت زَوجته وَأَتَتْ مِنْهُ بِولد وَلَيْسَت أم ولد لَهُ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي، وَهِي من اسْتَوْلدهَا فِي ملكه لما تقدم من تَيَقّن أَنَّهَا فِي غير ملكه. وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِيلَاد لَا يَصح فِي غير الْملك، بل لَو ملكهَا بعد ذَلِك لَصَارَتْ بعد ذَلِك أم وَلَده شرعا أَيْضا. قَوْله: (نِكَاحا) أَي يحمل على أَنه زوجه إِيَّاهَا المُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ زنا، وَيُعْطى الْوَلَد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 حكم ولد أمة الْغَيْر الْمَنْكُوحَة فَيكون للْمُشْتَرِي وَالنّسب ثَابت من البَائِع. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَيبقى الْوَلَد عبدا، فَهُوَ كالاجنبي إِذا ادَّعَاهُ لانه بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يبْقى فِي الْبَطن أَكثر من سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة وَلَا يظْهر بطلَان البيع، وَدَعوى البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْل لَهَا اهـ. قَوْله: (حملا لامره على الصّلاح) عِلّة. ل قَوْله: (نِكَاحا) أَي فَهُوَ ولد نِكَاح لَا زنا حملا الخ. وَالْحَاصِل: أَنه لَو ولدت لاكثر من سنتَيْن من وَقت البيع ردَّتْ دَعْوَة البَائِع إِلَّا إِذا صدقه المُشْتَرِي فَيثبت النّسَب مِنْهُ، وَيحمل أَن البَائِع اسْتَوْلدهَا بِحكم النِّكَاح حملا لامره على الصّلاح وَيبقى الْوَلَد عبدا للْمُشْتَرِي وَلَا تصير الامة أم ولد للْبَائِع، كَمَا لَو ادَّعَاهُ أَجْنَبِي آخر لَان بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة، وَلَا يظْهر بطلَان البيع، ودعوة البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير غير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْلِهَا، فَلِذَا حول الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى الْعبارَة وَحملهَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ، لَكِن إِنَّمَا يتم هَذَا الْحمل إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة أما لَو كَانَ فَإِن نِكَاحه لَا يَصح وَمَعَ ذَلِك يثبت بِهِ النّسَب كَمَا مر. قَوْله: (فِيمَا بَين الاقل والاكثر) المُرَاد بالاقل آخر الاقل من سِتَّة أشهر ليشْمل مَا إِذا ادَّعَاهُ فِي سِتَّة أشهر، كَمَا أَفَادَهُ الْقُهسْتَانِيّ. قَوْله: (فَحكمه كالاول) يَعْنِي نسبه وأميتها فَيكون الْوَلَد حرا وَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن لاحْتِمَال أَن يكون الْعلُوق فِي ملك البَائِع. دُرَر. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالْحَاصِل أَن رد الدَّعْوَى فِيمَا إِذا جَاءَت بِهِ لاكثر من سِتَّة أشهر لَوْلَا التَّصْدِيق، لَا فرق فِيهِ بَين مَا إِذا جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر إِلَّا من جِهَة ثُبُوت الِاسْتِيلَاد للام بعد التَّصْدِيق وَنقض البيع فِيهَا ورد الثّمن: أَي فِي الاقل مِنْهُمَا دون الاكثر اهـ بِتَصَرُّف ط. قَوْله: (لاحْتِمَال الْعلُوق قبل بَيْعه) قَالَ فِي التاترخانية: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَتْ الْمُدَّةَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي يَصح، وَإِن ادَّعَاهُ مَعًا لَا تصح دَعْوَة وَاحِد مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا: فَلَوْ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَلَوْ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا يصدقهُ بِأَن كذبه وَلم يَدعه أَو ادَّعَاهُ أَو سكت فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي حكم الاول فِيهِ فَهُوَ أَعم من قَوْله وَلَو تنَازعا. وَالْحَاصِل: أَنه يثبت نسبه وَتصير أم وَلَده شرعا لَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ كَمَا فِي الصُّورَة الَّتِي قبلهَا، وَيرد الثّمن وَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم من التفاريع كلهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ فِي كَوْنِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّة أشهر أَو لاكثر بِأَن قَالَ البَائِع بعتها لَك مُنْذُ شهر وَالْولد مني وَقَالَ المُشْتَرِي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْولد لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي لانه مدعي الصِّحَّة فَالظَّاهِر شَاهد لَهُ، وَكَذَا لَو ادّعى الْوَلَد صحت دَعوته لوُقُوع الْعلُوق فِي ملكه دون البَائِع تحكما للْحَال، وَأما إِذا سكت فقد تقدم حكم سكُوت الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 بعد الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يَجْعَل إنكارا، فَقَوله وَلَو تنَازعا يَشْمَل الصُّور الثَّلَاث. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا) لانه يُنكر دَعْوَى البَائِع نقض البيع ولانه وَاضع الْيَد فَهُوَ مُنكر وَالْآخر خَارج فَهُوَ مُدع وَالْبَيِّنَة للْمُشْتَرِي. قَوْله: (وَكَذَا الْبَيِّنَة لَهُ عِنْد الثَّانِي) لانه أثبت زِيَادَة مُدَّة للشراء، وَهَذَا أَمر حَادث وَهُوَ صِحَة ملكه. قَوْله: (خلافًا للثَّالِث) فَقَالَ الْبَيِّنَة بَيِّنَة البَائِع لانه يثبت نسب الْوَلَد واستيلاد الامة وَنقض البيع. حموي عَن الْكَافِي: أَي وَهُوَ إِثْبَات خلاف الظَّاهِر كَمَا هُوَ شَأْن الْبَينَات، لَان الظَّاهِر وُقُوع العقد صَحِيحا، وَبَيِّنَة البَائِع أَثْبَتَت فَسَاده فَكَانَت أولى بِالْقبُولِ، ولان البَائِع يَدعِي فَسَاد العقد وَالْمُشْتَرِي يُنكره وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يظْهر أوجهية قَول مُحَمَّد، فَلْيتَأَمَّل. قَوْلُهُ: (وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ) أَيْ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أشهر. قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع لانهما خلقا من مَاء وَاحِد. وَإِذا صحت الدَّعْوَى فيهمَا كَانَت فِي حكم أول مَسْأَلَة من الْفَصْل فَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن فَتَأمل. وَفِي الاتقاني عَن الْمغرب: يُقَال هما توأمان كَمَا يُقَال هما زوجان، وَقَوْلهمْ هما توأم وهما زوج خطأ اهـ. قَوْله: (لكَون الْعلُوق فِي ملكه) أَي فَهُوَ كالبينة الشاهدة لَهُ على مدعاه، وَهَذَا يُفِيد تَقْيِيد المُصَنّف، فَقَوله بَاعَ من ولد عِنْده أَي وعلق عِنْده، أما إِذا كَانَ الْعلُوق عِنْد غَيره والوضع عِنْده فَهِيَ دَعْوَة تَحْرِير ط. قَوْله: (ورد بَيْعه) لانه تبين أَنه بَاعَ حر الاصل، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعده من كِتَابَة الْوَلَد وَرَهنه، أما فِي إِجَارَته فَالَّذِي يرد نفاذها، أما لَو رأى الاب إجازتها فَيَنْبَغِي أَن يجوز لَان للاب إِجَارَته فَكَذَا يملك إجَازَة لَهُ. قَوْله: (لَان البيع يحْتَمل النَّقْض) أَي وَمَاله من حق الدَّعْوَى لَا يحْتَملهُ فينتقض البيع لاجله. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَاتَبَ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْوَلَد أَو رَهنه مِنْهُ، كَذَا فِي نُسْخَة، وَلَا وجود للفظ مِنْهُ فِيمَا شرح عَلَيْهِ المُصَنّف وَلَا فِي أَصله الَّذِي نقل عَنهُ وَهُوَ الدُّرَر، وَالضَّمِير فِي الافعال رَاجع إِلَى المُشْتَرِي. وَاعْلَم أَن عبارَة الْهِدَايَة هَكَذَا: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدِّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ، لِأَنَّ هَذِه الْعَوَارِض تحْتَمل النَّقْض فينقض ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدِّعْوَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: ضَمِيرُ كَاتَبَ إنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ؟ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا، فَالْمَسْأَلَةُ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ مَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِعْتَاقِ الَّتِي مَرَّتْ مَا إذَا أعتق المُشْتَرِي الْوَلَد، لَان الْفرق الصَّحِيح أَن يَكُونُ بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَتِهِ لَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَةِ الْبَائِعِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَاتَبَ الْوَلَدَ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي كَاتَبَ الْأُمَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ بَاعَ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِمَا الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ بَيْعُهُ مَعَ أُمِّهِ بِقَرِينَة الْوِقَايَة سَوْقِ الْكَلَامِ، وَدَلِيلِ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بِحَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَعَمْ كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَنْ يُقَالَ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيه، وَكَذَا بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَلَد وَرَهنه الخ، لكنه سَهْو. إِنِّي عَلَى الدُّرَرِ قَوْلُهُ: (أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ) أَيْ لَوْ كَانَتْ بِيعَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَالضَّمِيرُ فِي الْكل للْمُشْتَرِي وَبِه سقط مَا فِي صدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (وَترد هَذِه التَّصَرُّفَات) لانه بَاعَ حر الاصل فتصرف المُشْتَرِي فِي غير مَحَله فينقض، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الاجارة، أما فِيهَا فَالَّذِي يرد نفاذها إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (بِخِلَاف الاعتاق) أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي، وَمثل الاعتاق التَّدْبِير كَمَا فِي عزمي زَاده. قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَولا ثمَّ ادَّعَاهُ البَائِع حَيْثُ لَا يثبت النّسَب من البَائِع كَمَا مر. قَوْله: (بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ الْمَوْلُودَيْنِ يَعْنِي عَلَقًا وَوَلَدًا) لما كَانَ لفظ المُصَنّف وَهُوَ قَوْله المولودين عِنْده مُحْتملا لشيئين، كَون الْعلُوق عِنْده أَو عِنْد غَيره، بِأَن اشْتَرَاهَا بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما وَكَانَ الحكم مُخْتَلفا فسره بقوله: يَعْنِي الَّتِي يُؤْتى بهَا إِذا كَانَ التَّفْسِير بِغَيْر الظَّاهِر من اللَّفْظ. قَالَ فِي الرَّمْز تبعا للتبيين: هَذَا إِذا كَانَ الْعلُوق فِي ملكه بِأَن اشتراهما بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما لاكثر من سنتَيْن يثبت نسبهما أَيْضا لانهما لَا يفترقان فِيهِ، لَكِن لَا يعْتق الَّذِي لَيْسَ فِي ملكه، وَإِن كَانَ المُشْتَرِي قد أعْتقهُ لَا يبطل عتقه، لَان هَذِه الدَّعْوَى دَعْوَة تَحْرِير لعدم الْعلُوق فِي الْملك، بخلا ف الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي ملكه حَيْثُ يعتقان جَمِيعًا لانها دَعْوَة استيلاد فتستند وَمن ضَرُورَته عتقهما بِدَلِيل أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا. اهـ. فَقَوله أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما الخ: أَي ثمَّ ملك وَاحِد مِنْهُمَا فَادَّعَاهُ، وَقَوله: علقا مُحْتَرزه قَوْله حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا حُبْلَى الخ. قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع، لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادِفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَى مِلْكُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَوْله: (وَهُوَ حريَّة الاصل) أَي الثَّابِتَة بِأَصْل الْخلقَة، وَأما حريَّة الاعتاق فعارضة وحرية الاصل هُنَا فِي الَّذِي أعْتقهُ، لَان الَّذِي عِنْد البَائِع ظهر أَنه حر الاصل فَاقْتضى كَون الآخر أَيْضا كَذَلِك إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (لانهما علقا فِي ملكه) أَي وَقد خلقا من مَاء وَاحِد، وَهَذَا كُله يصلح جَوَابا لما يرد من أَن نقض الاعتاق مُخَالفا، لما سبق من أَن الْعتْق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الانتقاض والبطلان. وَحَاصِله: أَن الْمَمْنُوع هُوَ انْتِقَاض الْعتْق إِلَى الرّقية وَهِي دونه لَا إِلَى شئ فَوْقه وَهِي الْحُرِّيَّة: أَي لانها ثَابِتَة بِأَصْل الْخلقَة كَمَا أَفَادَهُ عزمي، وَهَذَا لَا يتم وَلَا يطرد، فَإِن فِي السَّابِقَة وَهِي دَعْوَة من ولد عِنْد المُشْتَرِي لاقل من سِتَّة أشهر فَأعْتقهُ لَا يقبل مَعَ أَنه انْتقض الْعتْق بِأَمْر فَوْقه، وَهَذَا الامر لَا يتم فِي هَذَا الْمقَام، فَإِن حريَّة أحد التوأمين يظْهر حريَّة الآخر وينعدم تَأْثِير الاعتاق. وَعبارَة الْعَيْنِيّ: فَإِذا ثَبت نسبهما بَطل عتق المُشْتَرِي إِيَّاه، لَان دَعْوَة البَائِع بعده صحت فِي الَّذِي لم يبع، وَمن ضَرُورَة ذَلِك ثُبُوت نسب الآخر لانهما من وَاحِد فَيلْزم مِنْهُ بطلَان عتق المُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا حري الاصل، إِذا يَسْتَحِيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 أَن يكون أَحدهمَا حر الاصل وَالْآخر رَقِيقا وهما من مَاء وَاحِد، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَوْ بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُودا لاجل حق الدَّعْوَى لِلْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى الآخر ضمنا وتبعا، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ. فالشارح رَحمَه الله تَعَالَى ذكر آخر عبارَة الدُّرَر وَترك صدرها، فَكَانَ الاولى فِي التَّعْلِيل لانهما علقا فِي ملكه من مَاء وَاحِد، فَإِذا ثبتَتْ حريَّة أَحدهمَا ثبتَتْ حريَّة الآخر تبعا والشئ قد يثبت تبعا وَإِن لم يثبت قصدا. قَوْله: (حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا) أَي البَائِع حُبْلَى وَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ. عَيْنِيٌّ. قَوْله: (لم يبطل عتقه) قَالَ الْأَكْمَلُ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُوهُ الْآخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ويعتقان جَمِيعًا وَلَمْ تَقْتَصِرْ الدَّعْوَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ آخر، وَهُوَ أَن الْمُدَّعِي إِن كَانَ هُوَ الْأَبَ فَالِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَخَاهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الِابْنَ فَالْأَبُ قَدْ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَبُو الْبَائِعِ الْوَلَدَيْنِ وَكَذَّبَاهُ: أَيْ ابْنَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِالْقِيمَةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَعَتَقَ الَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْتِقُ الْمَبِيعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مِلْكِهِ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ بِعُلُوقٍ فِي ملكه، وَهنا حجَّة الاب شُبْهَةَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ تَظْهَرُ فِي مَالِ ابْنه البَائِع فَقَط. وَفِي التاترخانية: فَإِن بَاعَ الامة مَعَ أحد الْوَالِدين ثمَّ ادّعى أَبُو البَائِع نسب الْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا وَكذبه المُشْتَرِي وَالْبَائِع: فَفِي قَول مُحَمَّد: دَعْوَى الاب بَاطِلَة، وَعند أبي يُوسُف: وَدَعوى الاب لَا تصح فِي حق الامة وَلَا تصير أم ولد لَهُ، وَتَصِح دَعوته فِي حق الْوَلَدَيْنِ نسبا، وَلَا يحكم بحريّة الْمَبِيع، وَالْولد الثَّانِي حر بِالْقيمَةِ. وَإِن صدق المُشْتَرِي وَكذب البَائِع فالامة تصير أم وَلَده اتِّفَاقًا وَعَلِيهِ قيمتهَا للِابْن، وَيثبت نسب الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ، وَالْمَبِيع حر بِالْقيمَةِ على الاب عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: حر بِغَيْر الْقيمَة، وَإِن صدقه البَائِع وَكذبه المُشْتَرِي ثَبت نسب الْوَلَدَيْنِ من أبي البَائِع، فَمن الْمَشَايِخ من ظن أَن ثُبُوت نسبهما من أبي البَائِع قَول أبي يُوسُف، وَقَول مُحَمَّد: يَنْبَغِي أَن لَا يثبت نسبهما مِنْهُ وَالصَّحِيح أَن مَا ذكره مُحَمَّد قَول الْكل، وَلم يذكر مُحَمَّد حكم الام. وَقَالَ أَبُو حَازِم وَالْقَاضِي أَبُو الهشيم على قِيَاس أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يضمن البَائِع قيمتهَا للاب لَا على قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ أَكثر مَشَايِخنَا: لَا يضمن شَيْئا لصَاحبه بالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمَقْدِسِي. وَفِيه: رجل حملت أمته عِنْده وَولدت فَكبر عِنْده فَزَوجهُ أمة لَهُ فَولدت لَهُ ابْنا فَبَاعَ الْمولى هَذَا الابْن وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع نسب الاكبر ثَبت وَبَطل الْعتْق، وَإِن ادّعى نسب الثَّانِي لَا تسمع، وَلَو بَاعَ الام مَعَ أَحدهمَا ثمَّ ادّعى الاب صحت عِنْد أبي يُوسُف وَثَبت نسبهما، وَالْولد الْمَبِيع مَعَ أمه بقيا على ملك المُشْتَرِي، وَعند مُحَمَّد: لَا تصح. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ) لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (فَتَقْتَصِرُ) بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتَسْتَنِدُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا. عَيْنِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلَا تصح دَعْوَاهُ أبدا) أَي وَإِن جحد العَبْد، وَهَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: تصح دَعْوَاهُ إِن جحد العَبْد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 وَوجه قَول الامام أَن الاقرار ابالنسب من الْغَيْر إِقْرَار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض فَلَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه لَا يحْتَمل النَّقْض لَان فِي زعم الْمقر أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر وَالنّسب إِذا ثَبت لَا ينْتَقض بالجحود والتكذيب، وَلِهَذَا لَو عَاد الْمقر لَهُ إِلَى تَصْدِيقه جَازَ وَثَبت النّسَب مِنْهُ وَصَارَ كَالَّذي لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ ط. قَوْله: (وَقد أَفَادَهُ) أَي أَفَادَ نَظِيره لَا عينه. قَوْله: (مَعَه أَو مَعَ غَيره) أَشَارَ إِلَى أَن مَا وَقع من التَّقْيِيد بِكَوْنِهِ مَعَه لَيْسَ احترازيا. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: لَا يشْتَرط لهَذَا الحكم أَن يكون الصَّبِي فِي يَده، واشتراطه فِي الْكتاب وَقع اتفاقيا اهـ شرنبلالية. قَوْله: (الْغَائِب) إتقاني أَيْضا. قَوْله: (خلافًا لَهما) فَقَالَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد جحود الْمقر لَهُ أَن يكون ابْنه، لَان إِقْرَاره لَهُ بَطل بجحود الْمقر لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يقر وَقد تقدم تَوْجِيه قَول الامام، وَذكره الْمُؤلف. وَعبارَة الدُّرَر: هُمَا قَالَا: إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْن للْمقر، إِذا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبه لم تصح دَعْوَة الْمقر عِنْدهم. لَهما أَن الاقرار ارْتَدَّ برد زيد فَصَارَ كَأَن لم يكن، والاقرار بِالنّسَبِ يرْتَد بِالرَّدِّ، وَلِهَذَا إِذا أكره على الاقرار بِالنّسَبِ فَأقر بِهِ لَا يثبت، وَكَذَا لَو هزل بِهِ وَإِن لم يحْتَمل النّسَب نَفسه، النَّقْض، وَله أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، والاقرار بِمثلِهِ لَا يرْتَد بِالرَّدِّ: أَي بِمثل مَا لَا يحْتَمل النَّقْض إِذْ تعلق بِهِ حق الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ. وَأَيْضًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمقر لَهُ اهـ. قَالَ قاضيخان: وَمن جملَة النّسَب لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر لَان فِي زَعمه أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر فيصلح حجَّة فِي حق نَفسه وَإِن لم يصلح على الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد إِنْسَان وَكذبه الْمولي لَا يبطل إِقْرَاره فِي حق نَفسه، حَتَّى لَو ملكه بعد ذَلِك يعْتق عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر، وَمن ذَلِك لَو صدقه الخ، وَلَا فِي حق الْوَلَد لاحتياجه إِلَى النّسَب. قَوْله: (بعد ثُبُوته) وَهنا أثبت مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ لِلْمُقَرِّ لَهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ، وَفِي التَّفْرِيع خَفَاء لانه لَيْسَ هَذَا متفرعا على مَا زَعمه، بل على أَن الاقرار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد غَيره فكذبه مَوْلَاهُ فَيبقى فِي حق الْمقر حرا وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ، حَتَّى لَو ملكه عتق عَلَيْهِ، وَكَمن شهد على رجل بنس ب صَغِير فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة فَادَّعَاهُ الشَّاهِد لَا تقبل. وَلَا يرد مَا لَو أقرّ المُشْتَرِي على البَائِع بِإِعْتَاق الْمَبِيع قبل البيع وَكذبه البَائِع ثمَّ قَالَ المُشْتَرِي أَنا أعْتقهُ يتَحَوَّل الْوَلَاء إِلَيْهِ لانها من مَحل الْخلاف، وَلَو سلم فالنسب ألزم من الْوَلَاء لقبوله التَّحَوُّل من موَالِي الام إِلَى موَالِي الاب أَو إِلَى مولى آخر فِيمَا لَو ارْتَدَّت الْمُعتقَة ثمَّ سبيت بَعْدَمَا لحقت فاشتراها آخر وأعتقها. وَلَا يرد أَيْضا مَا لَو أقرّ أَن عَبده ابْن الْغَيْر ثمَّ ادَّعَاهُ حَيْثُ يعْتق، لَان الْعتْق لَيْسَ لثُبُوت نسبه مِنْهُ، بل لَان إِقْرَاره يسري على نَفسه كَقَوْلِه لعبد الثَّابِت نسبه من غَيره هُوَ ابْني. وَعبارَة الدُّرَر كَمَا سَمعتهَا فِي المقولة السَّابِقَة. فَظَهَرَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ. تَأمل. قَوْله: (فَلَا حَاجَة إِلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 الاقرار بِهِ ثَانِيًا) بِأَن يَقُول هُوَ ابْني. قَوْله: (وَلَا سَهْو فِي عبارَة الْعِمَادِيّ) عِبَارَته هَكَذَا: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ، إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ نسبه فَلَا يَصح نَفْيه. قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا سَهْو لَان التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن هُنَاكَ ثَلَاث عِبَارَات: إِثْبَات وَنفي وعود إِلَى الاثبات. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن عوده إِلَى التَّصْدِيق لَيْسَ لَهُ فَائِدَة فِي ثُبُوت النّسَب لانه بعد الاقرار لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ. وَأَقُول: هَذَا يُقرر مدعي الدُّرَر، وَلَيْسَ بِجَوَاب عَن الْعِمَادِيّ. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: نفي النّسَب عَن نَفسه لَا يمْنَع الاقرار بِهِ بعده، بِأَن قَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْني ثمَّ قَالَ هُوَ ابْني اهـ. وَأَقُول: لَيْسَ فِي عبارَة الْعِمَادِيّ سبق الاقرار على النَّفْي، وَانْظُر تَحْقِيقه فِيمَا يَأْتِيك فِي المقولة الْآتِيَة. قَوْله: (كَمَا زَعمه منلا خسرو) رَاجع إِلَى الْمَنْفِيّ الَّذِي هُوَ السَّهْو، وَنَصه قَالَ: هَذَا الْوَلَد مني ثمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ تعلق حق الْمقر لَهُ إِذا ثَبت نسبه من رجل معِين حَتَّى يَنْتَفِي كَونه مخلوقا من مَاء الزِّنَا، فَإِذا قَالَ لَيْسَ مني هَذَا الْوَلَد لَا يملك إبِْطَال حق الْوَلَد، فَإِذا عَاد إِلَى التَّصْدِيق صَحَّ. أَقُول: قد وَقعت الْعبارَة فِي الاستروشنية كالعمادية: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ أَنه مِنْهُ الخ الظَّاهِر أَنه سَهْو من النَّاسِخ الاول، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل الَّذِي ذكره لانه يَقْتَضِي أَن يكون هُنَا ثَلَاث عِبَارَات: تفِيد الاولى: إِثْبَات الْبُنُوَّة، وَالثَّانيَِة: نَفيهَا، وَالثَّالِثَة: الْعود إِلَى الاثبات، وَالْمَذْكُور فيهمَا العبارتان فَقَط. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن اللَّفْظ الثَّالِث وَهُوَ قَوْله ثمَّ قَالَ هُوَ مني لَيْسَ لَهُ فَائِدَة لثُبُوت النّسَب لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَلَا يحْتَاج إِلَى الاقرار بِهِ بعده، فَلْيتَأَمَّل اهـ. وَلذَلِك قَالَ فِي الْخُلَاصَة. وَلَو قَالَ هَذَا الْوَلَد لَيْسَ مني ثمَّ قَالَ مني صَحَّ، وَلَو قَالَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْي اهـ. فاقتصر هُنَا على العبارتين كالعمادية والاستروشنية، لَكِن كَلَام الشُّرُنْبُلَالِيّ لَا يدْفع كَلَام صَاحب الدُّرَر، لَان مناقشته إِنَّمَا هِيَ فِي إِسْقَاط الاولى، أما الثَّالِثَة فَهِيَ مَوْجُودَة فِي عبارَة الْعمادِيَّة والاستروشنية، فَصَاحب الدُّرَر ناقش: فِي إِسْقَاط الاولى والشرنبلالي فِي إِسْقَاط الثَّالِثَة. تَأمل. وَالْحَاصِل: أَن الِاعْتِبَار إِنَّمَا هُوَ إِلَى وجدان الاقرار سَوَاء تقدم عَلَيْهِ النَّفْي أَو تَأَخّر عَنهُ كَمَا علم من صَرِيح الْخُلَاصَة، وَمِمَّا ذكرنَا، فهر أَنه الْخلَل فِي سبك تَعْلِيل الاستروشني وَتَبعهُ الْعِمَادِيّ، وَأَن منلا خسرو لم يتفطنه وَظن أَنه مُحْتَاج إِلَى عبارَة أُخْرَى، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ الاقرار الْوَاحِد يَكْفِي سَوَاء وجد مقدما على النَّفْي أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ كَمَا لَا يخفى، فَتدبر. قَوْله: (كَمَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) رَاجع إِلَى النَّفْي الَّذِي هُوَ عدم السَّهْو. ط عَن الْحلَبِي. وَتقدم نَص عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَمُقْتَضى مَا يظْهر لي أَنه رَاجع إِلَى قَوْله فَلَا حَاجَة إِلَى الاقرار بِهِ ثَانِيًا. قَوْله: (وَهَذَا) أَي ثُبُوت النّسَب إِذا صدقه الابْن، أما بِدُونِهِ فَلَا لانه إِقْرَار على الْغَيْر بِأَنَّهُ جزؤه فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر، وَهَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا يَأْتِي فِي الاقرار بصبي يعبر عَن نَفسه، أما لَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه يصدق الْمقر اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْخُلَاصَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 قَوْله: (أما بِدُونِهِ فَلَا) أَي فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر. قَوْله: (لبَقَاء إِقْرَار الاب) لَان إِقْرَار الاب لم يبطل لعدم تَصْدِيق الابْن فَيثبت النّسَب كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (قبل) لانه إِقْرَار على نَفسه بِأَنَّهُ جزؤه. دُرَر. قَوْله: (فَلَا يقبل) أَي على الْغَيْر. قَوْله: (وَبَين جِهَة الارث صَحَّ) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: إِذا إِثْبَات الوراثة لَا يَصح مَا لم يعين جِهَة الارث. قَوْله: (وَلَو ادّعى بنوة الْعم) عبارَة الدُّرَر: ادّعى الاخوة وَلم يذكر راسم الْجد صَحَّ، بِخِلَاف دَعْوَى كَونه ابْن عَمه حَيْثُ يشْتَرط فِيهَا ذكر اسْم الْجد كَمَا فِي الْعمادِيَّة ح. وَفِي الْخَيْرِيَّة: وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ دَعْوَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ تحْتَاج إِلَى ذكر نِسْبَة الْعم والام إِلَى الْجد ليصير مَعْلُوما لانه لَا يحصل الْعلم للْقَاضِي بِدُونِ ذكر الْجد، وَتحقّق العمومة بأنواع مِنْهَا الْعم لَام ذكره فِي كتاب الْوَقْف. وَفِي التَّنْقِيح أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال، إِلَّا فِي الاب وَالِابْن، وَأَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد، وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره كَمَا صرح قاضيخان، وَلَا بُد أَن يكون الاب الْوَاحِد الملتقي إِلَيْهِ مَعْرُوفا للْقَاضِي بِالِاسْمِ وَالنّسب بالاب وَالْجد إِذْ الْخِصَام فِيهِ، والتعريف بذلك عِنْد الامام الاعظم رَحمَه الله تَعَالَى، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. فَإِذا لم يُوجد شَرط من هَذِه الشُّرُوط لَا تقبل وَلَا يَصح الْقَضَاء بهَا، وَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاط بِالشَّهَادَةِ بِالنّسَبِ سِيمَا فِي هَذَا الزَّمن. قَالَ الحامدي: قلت: هَذَا مُنَاقض لما ذكره فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية وَغَيرهمَا من أَنه يشْتَرط ذكر الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَقد مثل لَهُ فِي الظَّهِيرِيَّة مِثَالا وَلم يذكر اسْم أَب الْجد وَلَا اسْم جده، لَكِن أفتى الامام أَبُو السُّعُود بِاشْتِرَاط ذكر الاب كَمَا ذكره اليشمقجي فِي فَتَاوِيهِ، وأظن أَن الرحيمية اشْترط ذَلِك بِنَاء على قَوْلهم كصاحب التَّنْوِير وَغَيره: إِذا كَانَت الدَّعْوَى على غَائِب يشْتَرط ذكر أَبِيه وجده، وَإِن حكم بِدُونِ ذكر الْجد نفذ وَأَنه ظن أَن الدَّعْوَى على الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَالْحَال أَن الدَّعْوَى على الْمَيِّت الَّذِي يطْلبُونَ إِرْثه، فَتنبه اهـ. قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ أحد الْوَرَثَة لَا دَعْوَى لي فِي التَّرِكَة لَا تبطل دَعْوَاهُ، لَان مَا ثَبت شرعا من حق لَازم لَا يسْقط بالاسقاط، كَمَا لَو قَالَ لست ابْنا لابي قَالَ ذُو الْيَد لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه. أَي لَيْسَ ملكي وَلَا حق لي فِيهِ وَنَحْو ذَلِك وَلَا مُنَازع ثمَّة ثمَّ ادَّعَاهُ فَقَالَ: أَي ذُو الْيَد هُوَ لي صَحَّ وَالْقَوْل قَوْله، لَان هَذَا الْكَلَام لم يثبت حَقًا لَاحَدَّ، لَان الاقرار للْمَجْهُول بَاطِل، والتناقض إِنَّمَا يبطل إِذا تضمن إبِْطَال حق على أحد، وَلَو كَانَ ثمَّة مُنَازع كَانَ إِقْرَارا لَهُ فِي رِوَايَة وَهِي رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير، وَفِي أُخْرَى لَا، وَهِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 رِوَايَة دَعْوَى الاصل، لَكِن قَالُوا: القَاضِي يسْأَل ذَا الْيَد أهوَ ملك الْمُدَّعِي؟ فَإِن أقرّ بِهِ أمره بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَإِن أنكر أَمر الْمُدَّعِي بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَو قَالَه: أَي قَالَ لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه الْخَارِج لَا يَدعِي ذَلِك الشئ بعده للتناقض وَإِنَّمَا لم يمْنَع ذُو الْيَد على مَا مر لقِيَام الْيَد. كَمَا فِي الْعمادِيَّة. أَقُول: لَكِن قَيده فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِمَا إِذا قَالَ ذَلِك مَعَ وجود النزاع، أما لَو قَالَه قبل النزاع فعلى الْخلاف على عكس ذِي الْيَد، وَقَوله لقِيَام الْيَد وَهُوَ دَلِيل الْملك فنفي الْملك عَن نَفسه من غير إِثْبَات للْغَيْر لَغْو. وَفِي الدُّرَر أَيْضا: ادّعى الْعُصُوبَة وَبَين النّسَب وَبرهن الْخصم أَن النّسَب بِخِلَافِهِ، إِن قضى بالاول لم يقْض بِهِ، وَإِلَّا تساقطا للتعارض وَعدم الاولولية. قَوْله: (مَا لم يذكر اسْمَ الْجَدِّ) بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَا يَصح مَا لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ مَالًا. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ فَجَحَدَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَلَكَ قِبَلَهُ مِيرَاثٌ تَدَّعِيهِ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِك يقبل القَاضِي بِبَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا لَمْ يَدَّعِ حَقًّا، لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الصُّلْبِ أَوْ الرَّحِمِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ وَأَنْكَرَ فَأَثْبَتَهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ قِبَلَهُ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ صَحَّ فينتصب خصما، هَذَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا، فَإِنَّ الِابْنَ يَدَّعِي حَقَّ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَالْأَبُ يَدَّعِي وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَى نَفْسِهِ شَرْعًا. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. اهـ مُلَخصا. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابويه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن تقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى وَلَو حضر الاب وَأنكر لَا يقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب. وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على أَب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ. وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْغَائِب والحاضر جَمِيعًا كَمَا مر، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه، وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (وَلَو برهن الخ) مُكَرر مَعَ مَا قدمه قَرِيبا. قَوْله: (تقبل لثُبُوت النّسَب بِإِقْرَارِهِ) أَي ويزاحم الْوَارِث الْمَعْرُوف، وَيظْهر أَن الابوة مثل ذَلِك كَمَا علمت مِمَّا مر. بَقِي: فِيمَا لم يثبت بِإِقْرَارِهِ فَيشْتَرط أَن يَدعِي حَقًا آخر كإرث أَو نَفَقَة، فَلَو برهنت أَنه عَمها مريدة النَّفَقَة مِنْهُ فبرهن على زيد أَنه أَخُوهَا برِئ الْعم، بِخِلَاف دَعْوَى الابوة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. وَقَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أقرّ ذُو ابْن بِأَن فلَانا وَارثه ثمَّ مَاتَ الابْن ثمَّ الْمقر يَأْخُذ الْمقر لَهُ المَال: يَعْنِي بِحكم الْوَصِيَّة لَان هَذَا وَصِيَّة. حَتَّى لَو قَالَ هُوَ قريبي وَمَات الْمقر عَن زَوْجَة أخذت الرّبع وَالْبَاقِي للْمقر لَهُ اهـ. وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا يلْزم معرفَة جِهَة الْقَرَابَة، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَو ادّعى الارث بالاخوة يلْزم، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْمَعُ) أَيْ بَيِّنَةُ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، لَكِن فِي الاشباه تقبل الشَّهَادَة حسبَة فِي النّسَب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 وَيُمكن أَن يوفق بَينهَا وَبَين مَا هُنَا فِيمَا إِذا لم يكن خصم، كَمَا لَو ترك صَغِيرا وَارِثا فَإِن الشَّهَادَة حسبَة تقبل وَلَا تكون التَّرِكَة فِي بَيت المَال، بِخِلَاف مَا إِذا حصل خصام من الورقة مَعَ الْمُدَّعِي فَلَا بُد مِمَّا ذكر هُنَا. قَوْله: (وَهُوَ وَارِث) وَكَذَا على الْوَصِيّ. نور الْعين قَوْله: (أَو دائن) أَي على مَا ذكره الْخصاف وَخَالفهُ بعض الْمَشَايِخ، وَانْظُر مَا صورته، وَلَعَلَّ صورته أَنه يَدَّعِيَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْصِبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يُثْبِتُ فِي وَجْهِهِ دَيْنَهُ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِرْثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمُوصى لَهُ تَأمل. وَيُمكن التَّصْوِير لَهما: أَي الْوَارِث والدائن بِأَن يكون دفع القَاضِي التَّرِكَة للدائن بِدِينِهِ ثمَّ حضر مدعي الارث وَنَازع الدَّائِن بِأَنَّهُ يُرِيد استلام التَّرِكَة وَدفع جَمِيع الدّين إِلَيْهِ فَأنْكر الدَّائِن أَن يكون الْمُدَّعِي وَارِث الْمَيِّت يكون خصما فِي إِثْبَات النّسَب. قَوْله: (فَلَو أقرّ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ. قَوْله: (بِهِ) أَي بالبنوة بالموروث. قَوْله: (والدافع على الابْن) عَليّ بِمَعْنى من أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف: أَي وَيرجع الدَّافِع على الابْن. قَوْله: (وَلَو أنكر) أَي الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دَعْوَة النُّبُوَّة. قَوْله: (وَالصَّحِيح تَحْلِيفه) أَي تَحْلِيف الْمُنكر على الْعلم: أَي على أَنه لَا يعلم أَنَّك ابْن فلَان، فَإِذا أَرَادَ الْوَلَد أَخذ المَال كلف إِقَامَة الْبَيِّنَة على مدعاه. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِ فُلَانٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْمَوْتَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحْلِيفِهِ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ. تَأمل. قَوْله: (ثمَّ يُكَلف الابْن الخ) أَي إِن حلف، وَإِن نكل يكون مقرا، فَإِن كَانَ مُنْكرا لِلْمَالِ يحلف عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو نكل يصير مقرا بِنسَب وَمَوْت، وَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما صَرِيحًا وَأنكر المَال، وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا يَجْعَل القَاضِي الابْن خصما فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على إِثْبَات المَال، وَلَكِن يَجعله خصما فِي حق التَّحْلِيف على المَال وَأَخذه مِنْهُ فيحلفه بتا. قَوْله: (من الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين) صَوَابه: الثَّامِن وَالْعِشْرين. قَوْله: (هُوَ عَبدِي) قيد بِهِ لانه لَو قَالَ هُوَ ابْني يقدم الْمُسلم. قَوْلُهُ: (وَالْإِسْلَامَ مَآلًا) لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ، وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِهَا دُرَر. وَاسْتَشْكَلَهُ الاكمل بمخالفته لقَوْله تَعَالَى: * ((2) ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك) * (الْبَقَرَة: 112) وَدَلَائِل التَّوْحِيد وَإِن كَانَت ظَاهِرَة لَكِن الالفة مَعَ الْكفَّار مَانع قوي، أَلا ترى أَن آباءه كفرُوا مَعَ ظُهُور أَدِلَّة التَّوْحِيد، وَيُؤَيِّدهُ أَن الذِّمِّيَّة الْمُطلقَة أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَو يخف أَن يألف الْكفْر للنَّظَر قبل ذَلِك وَاحْتِمَال الضَّرَر بعده. وَأجَاب بِأَن قَوْله تَعَالَى: * ((33) ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ) * (الاحزاب: 5) يُوجب دَعْوَة الاولاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 لِآبَائِهِمْ، ومدعي النّسَب أَب لَان دَعوته لَا تحْتَمل النَّقْض فتعارضت الْآيَتَانِ، وَكفر الْآبَاء جحود والاصل عَدمه، أَلا ترى إِلَى انتشار الاسلام بعد الْكفْر فِي الْآفَاق. وَأما الْحَضَانَة فَتَركهَا لَا يلْزم مِنْهُ رق اهـ. بِخِلَاف ترك النّسَب هُنَا فَإِن الْمصير بعده إِلَى الرّقّ وَهُوَ ضَرَر عَظِيم لَا محَالة اهـ. أَقُول: لَكِن بعد اسْتِدْرَاك الشَّارِح الْآتِي عَن ابْن كَمَال بِأَنَّهُ يكون مُسلما فَلَا إِشْكَال، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ فَإنَّك ستسمع الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا، فَلَوْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَلَوْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ إذْ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ قَضَاءٌ بِإِسْلَامِهِ. قَوْله: (لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا) أَي تبعا للدَّار وابنا للْكَافِرِ بالدعوة كَمَا صرح بِهِ فِيهِ، لَان حكمه حكم دَار الاسلام، وَفِيه أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلدَّارِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ح. قُلْت: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُسلم تبعا للدَّار، وَتقدم فِي كِتَابه عَن الْوَلوالجِيَّة: وَلَا يُقَال إِن تَبَعِيَّة الدَّار إِنَّمَا تكون عِنْد فقد الابوين لَان تبعيته قبل ثُبُوت أَن الذِّمِّيّ أَب لَهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَد الْمُسلم وَالْكَافِر يتنازعان فِيهِ، وَهُوَ قَول فِي غَايَة الْحسن وَإِن كَانَ مُخَالفا الظَّاهِر. تَعْلِيل الْهِدَايَة وَغَيرهَا فليتبصر. قَوْله: (قَالَ زوج امْرَأَة لصبي مَعَهُمَا) أَيْ فِي يَدِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيهِمَا، وَقُيِّدَ بِإِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَدَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، لِمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْمُنْتَقَى: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذَا الرجل وَقَالَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا يَكُونُ ابْنَ الرَّجُلِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى وِلَادَتِهَا إيَّاهُ كَانَ ابْنَهَا مِنْهُ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَادَّعَاهُ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ وَشَهِدَتْ امْرَأَة عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يَكُونُ ابْنَهَا مِنْهُ بَلْ ابْنُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا فِيهَا أَيْضًا: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا وَلَدَتْهُ وَلَمْ تُسَمِّ أَبَاهُ وَأَقَامَ رَجُلٌ أَنَّهُ وُلِدَ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ، كَمَا لَوْ ادعها رَجُلَانِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لذِي الْيَد. قَوْله: (فَهُوَ ابنهما) لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا أقرّ للْوَلَد بِالنّسَبِ وَادّعى مَا يبطل حق صَاحبه وَلَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر لِاسْتِوَاء أَيْدِيهِمَا فِيهِ فَيكون ابنهما، هَذَا إِذا كَانَ لَا يعبر عَن نَفسه وَإِلَّا فَهُوَ لمن صدقه. عَيْني. قَوْله: (إِن ادّعَيَا) هَذَا إِذا كَانَ النِّكَاح بَينهمَا ظَاهرا، وَإِن لم يكن ظَاهرا بَينهمَا يقْضِي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا. هندية عَن شرح الطَّحَاوِيّ. قَوْله: (وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيل ابْن كَمَال) حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فعلى التَّفْصِيل الَّذِي فِي شرح الطَّحَاوِيّ وَلم يبين ذَلِك التَّفْصِيل، وَظَاهر إِطْلَاق الْمُتُون والشروح أَنه لَا فرق بَين أَن يدعيا مَعًا أَو متعاقبا وَهِي الْمَوْضُوعَة لنقل الْمَذْهَب فَلْيَكُن الْعَمَل عَلَيْهَا، ولان مَا يَدعِيهِ أَحدهمَا غير مَا يَدعِيهِ الآخر إِذْ هُوَ يَدعِي أبوته وَهِي تَدعِي الامومة، وَلَا يُنَافِي إِحْدَى الدعوتين الاخرى، غير أَن كلا يكذب صَاحبه فِي حق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ فَيلْغُو قَوْله وَلَا يعْتَبر السَّبق فِيهِ، وَالله تَعَالَى أعلم. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو ادّعى الزَّوْج أَولا أَنه ابْنه من غَيرهَا وَهُوَ فِي يَدَيْهِ يثبت النّسَب من غَيرهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 فَبعد ذَلِك إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة لَا يثبت النّسَب مِنْهَا، وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة أَولا أَنه من غَيره وَهُوَ فِي يَدهَا فَادّعى الرجل أَنه ابْنه من غَيرهَا بعد ذَلِك: فَإِن كَانَ بَينهمَا نِكَاح ظَاهر لَا يقبل فَهُوَ ابنهما، وَإِن لم يكن بَينهمَا نِكَاح ظَاهر فَالْقَوْل قَوْلهَا، وَيثبت نسبه مِنْهَا إِذا صدقهَا ذَلِك الرجل، هَذَا إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه. أما إِذا كَانَ يعبر عَن نَفسه وَلَيْسَ هُنَاكَ رق ظَاهر فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. وأوضحه فِي الْعِنَايَة أيضاحا حسنا حَيْثُ قَالَ: إِذا ادَّعَت امْرَأَة صَبيا أَنه ابْنهَا، فإمَّا أَن تكون ذَات زوج أَو مُعْتَدَّة، أَو لَا مَنْكُوحَة وَلَا مُعْتَدَّة، فَإِن كَانَت ذَات زوج وصدقها فِيمَا زعمت أَنه ابْنهَا مِنْهُ ثَبت النّسَب مِنْهُمَا بالتزامه فَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة، وَإِن كذبهَا لم تجز دعوتها حَتَّى تشهد بِالْولادَةِ امْرَأَة لانها تَدعِي تحميل النّسَب على الْغَيْر فَلَا تصدق إِلَّا بِالْحجَّةِ وَشَهَادَة الْقَابِلَة كَافِيَة لَان التَّعْيِين يحصل بهَا وَهُوَ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ، إِذْ النّسَب يثبت بالفراش الْقَائِم، وَقد صَحَّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل شَهَادَة الْقَابِلَة على الْولادَة وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة احْتَاجَت إِلَى حجَّة كَامِلَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي وَهِي شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، إِلَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ حَبل ظَاهر أَو اعْترف من قبل الزَّوْج. وَقَالا: يَكْفِي فِي الْجَمِيع شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة، وَقد مر فِي الطَّلَاق: وَإِن لم تكن ذَات زوج وَلَا مُعْتَدَّة قَالُوا يثبت النّسَب بقولِهَا لَان فِيهِ إلزاما على نَفسهَا دون غَيرهَا. وَفِي هَذَا لَا فرق بَين الرجل وَالْمَرْأَة، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يقبل قَوْلهَا سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لَا. وَالْفرق هُوَ أَن أصل أَن كل من ادّعى أمرا لَا يُمكنهُ إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ كَانَ القَوْل فِيهِ قَوْله من غير بَيِّنَة، وكل من ادّعى أمرا يُمكن إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ لَا يقبل قَوْله فِيهِ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمَرْأَة يُمكنهَا إِثْبَات النّسَب بِالْبَيِّنَةِ لَان انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا مِمَّا يُشَاهد فَلَا بُد لَهَا من بَيِّنَة، وَالرجل لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة على الاعلاق لخفاء فِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا، والاول هُوَ الْمُخْتَار لعدم التحميل على أحد فيهمَا اهـ. قَوْله: (وَهَذَا لَو غير معبر) أَي إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه. قَوْله: (فَهُوَ لمن صدقه) أَي فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه، فَلَو لم يصدقهما جَمِيعًا فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة لقَوْله ط. قَوْله: (لَان الخ) عِلّة لقَوْله فَهُوَ ابنهما، فَكَانَ الاولى تَقْدِيمه على قَوْله وَإِلَّا، وَأما كَونه لمن كَانَ صدقه إِذا كَانَ معبرا فعلته أَنه فِي يَد نَفسه. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَادّعى الْوَلَد. حموي. قَوْله: (غرم الاب قيمَة الْوَلَد) وَلَا يغرم الْوَلَد حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَوَلَاؤُهُ للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَإِنَّمَا قدر الرّقّ ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ فَلَا تعدو محلهَا. قَوْله: (يَوْم الْخُصُومَة) لَا يَوْم الْقَضَاء وَلَا يَوْم الْولادَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يغرم قيمَة الْوَلَد يَوْم الْقَضَاء، وَإِلَيْهِ يُشِير. قَوْله: (لانه يَوْم الْمَنْع) أَي منع الْوَلَد من الْمُسْتَحق، لَكِن فِي حَاشِيَة الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ مَا يُخَالِفهُ، حَيْثُ فسر يَوْم التخاصم بِيَوْم الْقَضَاء، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِعِبَارَة الزَّيْلَعِيّ وَشرح الطَّحَاوِيّ، وَلَا شكّ أَن الْمُغَايرَة بَينهمَا أظهر لاحْتِمَال تَأَخّر الْقَضَاء عَن التخاصم بِأَن لم يقم الْمُسْتَحق الْبَيِّنَة فِي يَوْم دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق بل فِي يَوْم آخر وَكَانَ بَين الْيَوْمَيْنِ تفَاوت بِالْقيمَةِ، يُؤَيّدهُ أَن قَول الطَّحَاوِيّ صَرِيح فِي الْمُغَايرَة بَين يومي التخاصم وَالْقَضَاء، إِلَّا أَن يُقَال: الْجمع بَينهمَا مُمكن. تَأمل. قَوْله: (وَهُوَ حر) أطلقهُ، وَلَكِن هَذَا إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 كَانَ حرا، أما إِذا كَانَ مكَاتبا أَو عبدا مَأْذُونا لَهُ فِي التَّزَوُّج يكون وَلَده عبدا: أَي قِنَا للْمُسْتَحقّ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد، وَهُوَ حر بِالْقيمَةِ عِنْده، وَبَاقِي التَّفْصِيل مَذْكُور فِي بَابه. قَوْله: (لانه مغرور) أَي والامة ملك للْمُسْتَحقّ وَالْولد جزؤها فاستوجب الْمُسْتَحق النّظر إِلَيْهِ والمغرور مَعْذُور، وَقد بنى الامر على سَبَب صَحِيح فَوَجَبَ الْجمع بَين النظرين مهما أمكن، وَذَلِكَ بِجعْل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب ورقيقا فِي حق الْمُسْتَحق، لَان اسْتِحْقَاق الاصل سَبَب اسْتِحْقَاق الْجُزْء فَيضمن الاب قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة. وَاعْلَم أَن ولد الْمَغْرُور حر الاصل من غير خلاف، وَلَا خلاف أَنه مَضْمُون على الاب إِلَّا أَن السّلف اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الضَّمَان، فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يفك الْغُلَام بالغلام وَالْجَارِيَة بالجارية: يَعْنِي إِذا كَانَ الْوَلَد غُلَاما فعلى الاب غُلَام مثله، وَإِن كَانَ جَارِيَة فَعَلَيهِ جَارِيَة مثلهَا. وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ: قِيمَته، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا، فَإِنَّهُ قد ثَبت بِالنَّصِّ أَن الْحَيَوَان لَا يضمن بِالْمثلِ، وَتَأْويل الحَدِيث الْغُلَام بِقِيمَة الْغُلَام وَالْجَارِيَة بِقِيمَة الْجَارِيَة، ولان النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب دفعا للضَّرَر عَنْهُمَا فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق أَبِيه رَقِيقا فِي حق مدعيه نظرا لَهما. عناية. قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لكَون الْمَغْرُور من اعْتمد فِي وَطئه على ملك يَمِين الخ: أَي وَلم يُقيد بِالشِّرَاءِ، فَعلم أَن قَول المُصَنّف أَولا اشْتَرَاهَا اتفاقي. قَوْله: (وَكَذَا الحكم لَو ملكهَا بِسَبَب آخر) كَمَا لَو ملكهَا أُجْرَة عين لَهُ آجرها أَو اتهبها أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ أَو أوصى لَهُ بهَا، إِلَّا أَن رُجُوع الْمَغْرُور بِمَا ضمن لَا يعم هَذِه الصُّور، بل يقْتَصر على الْمُشْتَرَاة والمجعولة أُجْرَة والمنكوحة بِشَرْط الْحُرِّيَّة لَا الْمَوْهُوبَة. والمتصدق بهَا وَالْمُوصى بهَا. أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود. قَوْله: (عَيْني) حَيْثُ قَالَ: النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب رَقِيقا فِي حق الْمُسْتَحق فَيضمن قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة لانه يَوْم الْمَنْع، وَيجب على الاب دون الْوَلَد، حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَلَا وَلَاء للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَكَذَا إِذا ملكهَا بِسَبَب آخر غير الشِّرَاء، وَكَذَا إِذا تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة فَولدت ثمَّ اسْتحقَّت، روى ذَلِك عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي النِّكَاح. وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الشِّرَاء بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا اهـ. قَوْله: (كَمَا لَو تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة) أَي بِأَن كَانَ المزوج وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا عَنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَلَا رُجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُخْبِرِ إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل: مِنْهَا إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قيمَة الْوَلَد. وَتَمَامه فِي بَاب الْمُرَابَحَة التَّوْلِيَة وَفِي بَاب الِاسْتِحْقَاق. قَوْله: (غرم قيمَة وَلَده) أَي وَيرجع ذَلِك عَلَى الْمُخْبِرِ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَة. قَوْله: (وإرثه لَهُ) أَي لَو مَاتَ الْوَلَد وَترك مَالا فَهُوَ لابيه، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَن الْوَلَد فَلَا يقوم مقَامه فَلم يَجْعَل سَلامَة الارث كسلامته. قَوْله: (لانه حر الاصل) فَإِن قلت: إِنَّه ظهر مِنْهُ أَنه رَقِيق فِي حق الْمُسْتَحق فَوَجَبَ أَن تكون التَّرِكَة بَينهمَا، قلت: بل هُوَ حر فِي حق الْمُسْتَحق أَيْضا، حَتَّى لَو لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 يكن لَهُ وَلَاء فِيهِ، وَإِنَّمَا جعل رَقِيقا ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ، وَمَا ثَبت بِالضَّرُورَةِ يتَقَدَّر بِقَدرِهَا كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن معنى قَوْله لانه حر الاصل فِي حَقه أَنه حر فِي جَمِيع الاحكام من كل وَجه فِي حق غير الْمُسْتَحق، وَفِي حق الْمُسْتَحق إِنَّمَا هُوَ رَقِيق فِي حق الضَّمَان. قَوْله: (فَإِن قَتله أَبوهُ) إِنَّمَا غرم لَان الْمَنْع تحقق بقتْله. قَوْله: (غرم الاب قِيمَته للْمُسْتَحقّ) لوُجُود الْمَنْع مِنْهُ فِيمَا إِذا كَانَ هُوَ الْقَاتِل ولقبضه بدله فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل غَيره، فَلِذَا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ فَوق مَا قبض كَمَا سَيَأْتِي، بِخِلَاف مِيرَاث الْوَلَد فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَنهُ، بل آل إِلَيْهِ خلَافَة عَنهُ كَمَا هُوَ طَريقَة الارث وَهُوَ حر الاصل فِي حَقه، والغرامة فِي مَاله لَو كَانَ الْوَلَد حَيا لَا فِي مَال الْوَلَد وَهُوَ لم يمنعهُ وَلَا بدله فَلَا شئ عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا شئ عَلَيْهِ) لَان الْمَنْع لَا يتَحَقَّق فِيمَا لم يصل إِلَيْهِ. قَوْله: (لزمَه بِقَدرِهِ) اعْتِبَارا للْبَعْض بِالْكُلِّ. قَوْله: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَي صُورَتي الْملك والتزوج، أما فِي صُورَة الْملك فلَان البَائِع صَار كَفِيلا بِمَا شَرطه من الْبَدَل لوُجُوب سَلامَة الْبَدَلَيْنِ فِي البيع وَلما سلم الثّمن للْبَائِع وَجب سَلامَة الْمَبِيع للْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ بِجعْل البَائِع كَفِيلا لتملكه الْبَدَل، لانه ضمن سلامتها من عيب والاستحقاق عيب. وَأما فِي صُورَة النِّكَاح فلَان الِاسْتِيلَاد مَبْنِيّ على التَّزَوُّج وَشرط الْحُرِّيَّة كوصف لَازم للتزوج فَنزل: أَي المزوج قَائِلا: أَنا كَفِيل بِمَا لزم فِي هَذَا العقد، بِخِلَاف مَا إِذا أخبرهُ رجل أَنَّهَا حرَّة أَو أخبر بِهِ هِيَ وَتَزَوجهَا من غير شَرط الْحُرِّيَّة حَيْثُ يكون الْوَلَد رَقِيقا، وَلَا يرجع على الْمخبر بشئ لَان الاخبار سَبَب مَحْض، لَان العقد حصل بِاخْتِيَار الرجل وَالْمَرْأَة، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ حكم الْعلَّة بالغرور وَذَلِكَ بِأحد أَمريْن: بِالشّرطِ أَو بالمعاوضة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي، وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا ذكرنَا، أما إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى قَوْله فَإِن قَتله أَبوهُ أَو غَيره كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيّ فَلَا يظْهر فِيمَا إِذا قَتله الاب لانه ضَمَان إِتْلَاف فَكيف يرجع بِمَا غرم؟ وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ: أَيْ بِالرُّجُوعِ فِيمَا إِذا قَتله غَيره وبعدمه بقتْله، والاولى إرجاع الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَا إِذا قَتله غير الاب، فَتَأمل. قَوْله: (وَلَو هالكة) يَعْنِي إِذا هَلَكت عِنْد المُشْتَرِي فضمنه: أَي الْمُسْتَحق قيمتهَا وَقِيمَة الْوَلَد فَإِنَّهُ يرجع على البَائِع بِثمنِهَا وبقيمة الْوَلَد لَا بِمَا ضمن من قيمتهَا، لانه لما أَخذ الْمُسْتَحق قيمتهَا صَار كَأَنَّهُ أَخذ عينهَا، وَفِي أَخذ الْعين لَا يرجع إِلَّا بِالثّمن فَكَذَا فِي أَخذ الْقيمَة. وَالْحَاصِل: أَن الْمُسْتَحق يَأْخُذهَا لَو قَائِمَة وَقيمتهَا لَو كَانَت هالكة، وَيرجع بذلك على بَائِعه لانه بِعقد البيع ضمن لَهُ السَّلامَة، بِخِلَاف الْوَاهِب أَو الْمُعير لَو هَلَكت فِي يَده فضمنه الْمُسْتَحق قيمتهَا لانهما محسنان وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا يرجع عَلَيْهِمَا كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَكَذَا لَو اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي) فَإِن المُشْتَرِي الثَّانِي يرجع على المُشْتَرِي الاول بِالثّمن وبقيمة الْوَلَد. قَوْله: (لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الاول بِالثّمن فَقَط) وَلَا يرجع بِقِيمَة الْوَلَد عِنْد الامام. وَقَالا: يرجع عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 بِقِيمَة الْوَلَد أَيْضا، لَان البَائِع الاول ضمن للثَّانِي سَلامَة الْوَلَد فِي ضمن البيع وَلم يسلم لَهُ حَيْثُ أَخذ مِنْهُ قيمَة الْوَلَد فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الثّمن وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ. ولابي حنيفَة أَن البَائِع الاول ضمن للْمُشْتَرِي سَلامَة أَوْلَاده دون أَوْلَاد المُشْتَرِي مِنْهُ، لَان ضَمَان السَّلامَة إِنَّمَا بثبت بِالْبيعِ، وَالْبيع الثَّانِي لَا يُضَاف إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى البَائِع الثَّانِي لمباشرته بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْقَطِع بِهِ سَبَب الاول، بِخِلَاف الثّمن لَان البَائِع الاول ضمن للْبَائِع الثَّانِي سَلامَة الْمَبِيع وَلم يسلم لَهُ فَلَا يسلم للْبَائِع الثّمن، وَبِخِلَاف الرَّد بِالْعَيْبِ لَان المُشْتَرِي الاول اسْتَحَقَّه سليما وَلم يُوجد اهـ. منح. قَوْله: (كَمَا فِي الْمَوَاهِب) وعبارتها: وَلَو اسْتحقَّت أمة بَعْدَمَا اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي غرم الْعقر وَقِيمَة الْوَلَد وَقت الْخُصُومَة، وَيرجع بِالثّمن وَقِيمَته على البَائِع وَهُوَ يرجع بِالثّمن فَقَط انْتهى. قَوْله: (لَا بعقرها) أَي لَا يرجع بالعقر الَّذِي أَخذه مِنْهُ الْمُسْتَحق لانه لزمَه بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا: أَي مَنَافِع بضعهَا وَهُوَ الوطئ وَهِي لَيست من أَجزَاء الْمَبِيع فَلم يكن البَائِع ضَامِنا لسلامته. صدر الشَّرِيعَة. قَوْله بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا على حذف مُضَاف: أَي مَنَافِع بضعهَا، دلّ على ذَلِك قَول الزَّيْلَعِيّ: الْعقر عوض عَمَّا استوفى من مَنَافِع الْبضْع، فَلَو رَجَعَ بِهِ سلم لَهُ المستوفي مجَّانا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يرجع بالعقر أَيْضا على البَائِع. قَوْله: (التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْوٌ) فِي الْأَشْبَاهِ: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي للْجَهْل اهـ. لَعَلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمَا فَعَلَهُ الْمُوَرِّثُ وَالْمُوصِي وَالْمَوْلَى. وَفِي دَعْوَى الْأَنْقِرْوِيِّ فِي التَّنَاقُضِ الْمَدْيُونُ بَعْدَ قَضَاء الدّين أَو المختلعة بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ: لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى طَلَاقِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَرْهَنَ عَلَى إبْرَاءِ الدّين يقبل، ثمَّ نُقِلَ أَنَّهُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ثمَّ ادّعى الابراء لَا يسمع. سائحاني. وَقدمنَا نَظِيره وَمِنْه الاقرار بِالرّضَاعِ، فَلَو قَالَ هَذِه رضيعتي ثمَّ اعْترف بالْخَطَأ يصدق فِي دَعْوَاهُ الْخَطَأ، وَله أَن يَتَزَوَّجهَا بعد ذَلِك، وَهَذَا مَشْرُوط بِمَا إِذا لم يثبت على إِقْرَاره بِأَن قَالَ هُوَ حَقٌّ أَوْ صِدْقٌ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُهُودًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الثَّبَاتِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ على الثَّبَات النَّفْسِيّ، واتفقت فِي ذَلِك مبَاحث طَوِيلَة الذيول لَا يحْتَمل هَذِه الاوراق إيرادها، والعذر للْمقر فِي رُجُوعه عَن ذَلِك لانه مِمَّا يخفى عَلَيْهِ، فقد يظْهر بعد إِقْرَاره خطأ النَّاقِل. وَمِنْهَا: تَصْدِيق الْوَرَثَة الزَّوْجَة على الزَّوْجِيَّة وَدفع الْمِيرَاث لَهَا ثمَّ دَعوَاهُم استرجاع الْمِيرَاث بِحكم الطَّلَاق الْمَانِع مِنْهُ حَيْثُ تسمع دَعوَاهُم لقِيَام الْعذر فِي ذَلِك لَهُم حَيْثُ استصحبوا الْحَال فِي الزَّوْجِيَّة وخفيت عَلَيْهِم الْبَيْنُونَة. وَمِنْهَا: مَا إِذا أدّى الْمكَاتب بدل الْكِتَابَة ثمَّ ادّعى الْعتْق قبل الْكِتَابَة قيل لانه يخفى عَلَيْهِ الْعتْق. وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادّعى ملكهَا على الْمُؤَجّر وَأَنَّهَا صَارَت إِلَى الْمُسْتَأْجر مِيرَاثا عَن أَبِيه إِذْ هُوَ مِمَّا يخفى. وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل أَو غير ذَلِك، فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته، فالدعوى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا لمُطلق الْعذر على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ. وَمن الْمَشَايِخ من اعْتبر الناقض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا ينافيها إِلَّا فِي مَسْأَلَة الرَّضَاع وَمَسْأَلَة إكذاب القَاضِي الْمُدَّعِي فِي التَّنَاقُض السَّابِق، وَهِي مَا إِذا أَمر إنْسَانا بِقَضَاء دينه فَزعم الْمَأْمُور أَنه قَضَاء عَن أمره وَصدقه الْآمِر وَكَانَ الاذن بِالْقضَاءِ مَشْرُوطًا بِالرُّجُوعِ فَرجع الْمَأْمُور على الْآمِر بِالْمَالِ الَّذِي صدقه على أَدَائِهِ للدائن فجَاء رب الدّين بعد ذَلِك وَادّعى على الْآمِر الْمَدْيُون بِدِينِهِ وَأَن الْمَأْمُور لم يُعْطه شَيْئا وَحلف على ذَلِك يقْضِي لَهُ القَاضِي على الْآمِر بأَدَاء الدّين، فَإِذا أَدَّاهُ ثمَّ ادّعى الْآمِر على الْمَأْمُور بِمَا كَانَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بِحكم تَصْدِيقه، فَهَل الدَّعْوَى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض لَان القَاضِي أكذب الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ الْآمِر فِيمَا سبق مِنْهُ من تَصْدِيق الْمَأْمُور حَيْثُ قضى عَلَيْهِ بِدفع الدّين إِلَى الدَّائِن وَالْحَال مَا ذكر مَانِعا من الرُّجُوع عَلَيْهِ بِالْمَالِ؟ ثمَّ قَالَ: وَهل يشْتَرط فِي صِحَة سَماع الدَّعْوَى إبداء الْمُدَّعِي عذره عِنْد القَاضِي والتوفيق بَين الدَّعْوَى وَبَين مَا سبق، أَو لَا يشْتَرط ذَلِك ويكتفي القَاضِي بِإِمْكَان الْعذر والتوفيق، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي، فَرَاجعه. وَمِمَّا يتَّصل بِهَذَا الْفَرْع: أَعنِي قَوْله التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْو مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قدم بَلْدَة واستأجر دَارا فَقيل لَهُ هَذِه دَار أَبِيك مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا فادعاها الْمُسْتَأْجر وَقَالَ مَا كنت أعلم بهَا لَا تسمع للتناقض. أَقُول: يَنْبَغِي أَن تسمع فِيهِ وَفِي أَمْثَاله، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يمْنَع مَا لم يوفق أَو لم يُمكن توفيقه. وَأما إِذا وفْق فَيَنْبَغِي أَن تسمع إِذْ لَا تنَاقض حِينَئِذٍ حَقِيقَة، أما لَو أمكن توفيقه وَلَكِن لم يوفق فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَنَصّ فِي هَذَا وَغَيره على أَن الامكان يَكْفِي اهـ. وَقدمنَا أَنه فِي مَحل الخفاء لَا يَكْفِي الامكان، وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهُ. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ لم يطلع على نَص صَرِيح يُفِيد سماعهَا، وَقد ظَفرت بِهِ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق، وَفِي شرح قَوْله لَا الْحُرِّيَّة وَالنّسب وَالطَّلَاق، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعُيُون: قدم بَلْدَة وَاشْترى أَو اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادَّعَاهَا قَائِلا بِأَنَّهَا دَار أَبِيه مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا وَكَانَ لم يعرفهُ وَقت الاستيام لَا يقبل وَالْقَبُول أصح. اهـ. ذكره الْغَزِّي. أَقُول: قَول أَقُول الخ لَا يدل على عدم اطِّلَاعه، بل هُوَ اخْتِيَار مِنْهُ لما هُوَ الاصح وتعليل لَهُ. وَأَقُول: قَوْله وَاشْترى يدل على أَنه لَو قَاسم فَهُوَ كَذَلِك، وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى. قَاسم عَمْرو كرما ثمَّ اطلع على أَن الْجَمِيع لوالده غرسه بِيَدِهِ ثمَّ مَاتَ وَتَركه لَهُ مِيرَاثا وَلم يعلم بذلك وَقت الْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أدل، فَلْيتَأَمَّل. وَالظَّاهِر أَن قَوْله قدم بَلْدَة لَيْسَ بِقَيْد بل لانه غَالِبا مَحل الخفاء، وَإِذا كَانَ مُقيما لَا يخفى غَالِبا، يُؤَيّدهُ مَا قدمه من قَوْله شراه أبي فِي صغري، فَتَأمل اهـ. وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين: دفع الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة الْمَيِّت إِلَى وَارثه وَأشْهد على نَفسه أَنه قبض مِنْهُ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كثير إِلَّا اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى دَارا فِي يَد الْوَصِيّ أَنَّهَا من تَرِكَة وَالِدي وَلم أقبضها، قَالَ: أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي بهَا لَهُ، أَرَأَيْت إِن قَالَ قد استوفيت جَمِيع مَا تَركه وَالِدي من دين على النَّاس وقبضت كُله ثمَّ ادّعى دينا على رجل لابيه أَلا أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي لَهُ بِالدّينِ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَة وَأنكر وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ. وفيهَا: وَلَو قَالَ تركت حَقي من الْمِيرَاث أَو بَرِئت مِنْهَا وَمن حصتي لَا يَصح وَهُوَ على حَقه، لَان الارث جبري لَا يَصح تَركه اهـ. وَفِي الْخَانِية: وَفِي الْوَصَايَا من تَصَرُّفَات الْوَصِيّ: أشهد الْيَتِيم على نَفسه بعد الْبلُوغ أَنه قبض من الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلم يبْق لَهُ من تَرِكَة وَالِده عِنْده من قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا قَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادّعى فِي يَد الْوَصِيّ شَيْئا وَقَالَ هُوَ من تَرِكَة وَالِدي وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، وَكَذَا لَو أقرّ الْوَارِث أَنه قد استوفى جَمِيع مَا ترك وَالِده من الدّين على النَّاس ثمَّ ادّعى لابيه دينا على رجل تسمع دَعْوَاهُ اهـ. وَقَول قاضيخان أشهد الْيَتِيم على نَفسه أَنه قبض تَرِكَة وَالِده. أَقُول: ذكر الطرسوسي فِي شرح فَوَائده الْمَنْظُومَة قلت: انْتقض قَوْلهم إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، لَان قَوْله لم يبْق حق نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فعلى مُقْتَضى الْقَاعِدَة لَا تصح دَعْوَاهُ بعد ذَلِك لتناقضه والمتناقض لَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته اهـ. أَقُول: إِنَّمَا اغتفر مثله لانه مَحل الخفاء بِكَوْنِهِ لَا يُحِيط علمه بِمَا ترك وَالِده بل قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك فيعفى التَّنَاقُض تَأمل. وَأَقُول: قد حرر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمَسْأَلَة برسالة سَمَّاهَا (إِعْلَام الاعلام بِأَحْكَام الابراء الْعَام) وفْق فِيهَا بَين عِبَارَات متعارضة وَرفع مَا فِيهَا من المناقضة. وَحَاصِل مَا فِيهَا الْفرق بَين إِقْرَار الابْن للْوَصِيّ وَبَين إِقْرَار الْوَرَثَة للْبَعْض، لما فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الْمُحِيط لَو أَبْرَأ أحد الْوَرَثَة الْبَاقِي إِلَى آخر عبارتها الْمُتَقَدّمَة. وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن الْوَصِيّ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف فِي مَال الْيَتِيم بِلَا اطِّلَاعه، فيعذر إِذا بلغ وَأقر بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لجهله، بِخِلَاف بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُم لَا تصرف لَهُم فِي مَاله، وَلَا فِي شئ من التَّرِكَة إِلَّا باطلاع وَصِيَّة الْقَائِم مقَامه فَلَا يعْذر بالتناقض، وَمن أَرَادَ مزِيد الْبَيَان وَرفع الْجَهَالَة فَعَلَيهِ بِتِلْكَ الرسَالَة فَفِيهَا الْكِفَايَة لِذَوي الدِّرَايَة. قَوْله: (لَا تسمع الدَّعْوَى) أَي من أَي مُدع كَانَ كغريم دائن ومودع هَذَا. وَقد تقدم أَن دَعْوَى أَنه وَارِث تسمع على الدَّائِن والمديون. قَوْله: (على غَرِيم ميت) بالاضافة، وَالْمرَاد بِهِ دائن الْمَيِّت كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من البيري وَاسْتظْهر الْحَمَوِيّ أَنه مديون الْمَيِّت. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ادّعى قوم على الْمَيِّت ديونا وَأَرَادُوا أَن يثبتوا ذَلِك فَلَيْسَ لَهُم أَن يثبتوا على غَرِيم للْمَيت عَلَيْهِ دين وَلَا على موصي لَهُ بل لَا بُد من حُضُور وَارِث أَو وَصِيّ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَإِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت هَل يَصح؟ اخْتلف الْمَشَايِخ. وَصورته: الْمَرِيض مرض الْمَوْت وهب كل مَاله فِي مَرضه أَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله ثمَّ ادّعى رجل دينا على الْمَيِّت؟ قَالَ السَّعْدِيّ: نصب القَاضِي وَصِيّا وَسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ. وَقَالَ شمس الائمة: يسمع على من فِي يَده المَال. اهـ. وَمن هُنَا تعلم أَن قَوْله الْآتِي زَائِدا صَوَابه ذَا يَد كَمَا هُوَ فِي أصل عبارَة الاشباه. وَفِي الْبَحْر: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا تسمع دَعْوَى دين على ميت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا. اه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 وَفِي حَاشِيَة الاشباه للحموي: واستثناء الْمَوْهُوب لَهُ من غَرِيم الْمَيِّت مُنْقَطع، إِذْ لَيْسَ هُوَ من الْغُرَمَاء حَتَّى يكون مُتَّصِلا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: تقبل بَيِّنَة إِثْبَات الدّين على الْمَيِّت على الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو الْوَارِث أَو الَّذِي لَهُ على الْمَيِّت دين وَمثله فِي العطائية. وَفِي قاضيخان من الْوَصَايَا: رجل مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُحِيط بِمَالِه. قَالَ أَبُو بكر: الْوَارِث لَا يصير خصما للْغُرَمَاء لانه لَا يَرث. وَقَالَ عَليّ بن مُحَمَّد: الْوَارِث يصير خصما وَيقوم مقَام الْمَيِّت فِي الْخُصُومَة وَبِه نَأْخُذ. ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أَن يكون الْوَارِث خصما لمن يَدعِي الدّين على الْمَيِّت وَإِن لم يملك شَيْئا. وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا: والخصم فِي إِثْبَات كَونه وَصِيّ الْوَارِث أَو الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو دائنه، وَقيل الدَّائِن لَيْسَ بخصم. قَالَ فِي نور الْعين من الْخَامِس: لَا تقبل دَعْوَى من يَدعِي على ميت بِحَضْرَة رجل يَدعِي أَنه وَصِيّ الْمَيِّت وَأقر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالوصاية. اهـ. فَتبين من هَذَا أَن الدَّعْوَى إِنَّمَا تسمع على وَصِيّ مُحَقّق. وَفِيه من السَّادِس فِي دَعْوَى دين على الْمَيِّت: يَكْفِي حُضُور وَصِيّه أَو وراثه، وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر كل الْوَرَثَة. اهـ. وَعبارَة الاشباه: لَا تسمع الدَّعْوَى بدين على ميت لَا على وَارِث أَو وَصِيّ موصى لَهُ، وَلَا تسمع على غَرِيم لَهُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، إلَّا إذَا وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ لَهُ فَإِنَّهَا تسمع عَلَيْهِ لكَونه ذَا يَد كَمَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ انْتهى، فعلى هَذَا. قَوْله: غَرِيم ميت تركيب إضافي بِمَعْنى اللَّام. فرع: قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو مَاتَ رجل فِي بلد بعيد وَترك مَالا وَادّعى رجل عَلَيْهِ دينا وورثته فِي بلد مُنْقَطع عَنهُ فَإِن القَاضِي ينصب لَهُ وَصِيّا وَيسمع بِبَيِّنَتِهِ وَيَقْضِي لَهُ بِالدّينِ، وَلَو لم يكن مُنْقَطِعًا لَا تسمع بَينته على غير الْوَارِث انْتهى قَوْله: (إِلَّا إِذا وهب الخ) صورته: رجل وهب جَمِيع مَاله لانسان وَسلمهُ إِيَّاه ثمَّ مَاتَ فَادّعى عَلَيْهِ آخر أَن هَذِه الْعين لَهُ أَو أَنه لَهُ على الْمَيِّت كَذَا من الدّين فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ، لَان فِي الاولى الْعين الَّتِي يدعيها فِي يَد الْمَوْهُوب لَهُ، وَفِي الثَّانِيَة الدّين مُتَعَلق بِالتَّرِكَةِ وَهِي فِي يَده، لَكِن فِي الثَّانِيَة يشْتَرط أَن تكون الْهِبَة فِي مرض الْمَوْت لَان الدّين إِنَّمَا يتَعَلَّق بهَا فِيهِ، فَعلم أَن الِاسْتِثْنَاء هُنَا مُنْقَطع لَان الْمَوْهُوب لَهُ لَيْسَ بغريم. وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَن الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال أَو بِمَا زَاد على الثُّلُث خصم لعدم الْوَارِث لَان اسْتِحْقَاق الزَّائِد على الثُّلُث من خَصَائِص الْوَارِث فَيلْحق بالوارث. حموي. قَوْله: (لكَونه زَائِدا) أَي عَليّ الثُّلُث كَمَا تقدم، وَفِي نُسْخَة ذَا يَد أَي صَاحب يَد، وَقد علمت تَوْجِيهه وَإِن كَانَ الاول صَوَابا أَيْضا كَمَا ذكر فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَلْحَقُ بِهَذَا مُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْحَقَّ حَتَّى يَثْبُتَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَا يَقْدِرُ. وَأَيْضًا ادِّعَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ وَثُبُوتُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ الْجَاحِدِ كَمَا ذكره قاضيخان، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ شَرْعًا صَحِيحًا يَجُوزُ فَيَلْحَقُ هَذَا أَيْضًا بِهِمَا، وَيَلْحَقُ بِالْوَصِيِّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِالْحَقِّ يلْزمه الْكُلُّ مِنْ حِصَّتِهِ، وَإِذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 أَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْ حِصَّتِهِ وحصتهم. حموي. قَوْله: (ليبرهن فيتمكن من الرَّد) لانه إِن قبله بِغَيْر قَضَاء لم يكن لَهُ الرَّد، وَالظَّاهِر أَن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ بَائِعه تملكه بِالشِّرَاءِ من آخر، أما إِذا كَانَ موروثا أَو موهوبا أَو موصى بِهِ أَو نتاجا فَلَا يُنكر الْبَتَّةَ. وَصورته: أَن لَا يكون عَالما بِالْعَيْبِ قبل البيع، وَإِلَّا كَانَ رَاضِيا بِهِ فَلَا يتَمَكَّن من الرَّد. قَوْله: (إِذا علم بِالدّينِ) فَإِنَّهُ لَو أقرّ يلْزمه وَلَا يرجع، بِخِلَاف مَا إِذا أنكر وأقيمت الْبَيِّنَة. زَاد أَبُو السُّعُود: أَو إِذا علم الْوَصِيّ بِالنّسَبِ كَمَا فهمه من عبارَة الحانوتي فِي فَتَاوَاهُ. قَوْله: (لَا تَحْلِيف مَعَ الْبُرْهَان) قيل عَلَيْهِ: لَو قَالَ مَعَ الْبَيِّنَة لَكَانَ صَوَابا، إِذْ لَا تَحْلِيف مَعَ الاقرار بِعَين وَهُوَ برهَان اهـ. وَالْجَوَاب أَن الْمُطلق مَحْمُول على الْفَرد الْكَامِل وَهُوَ الْبَيِّنَة. اهـ. قَوْله: (دَعْوَى دين على ميت) فِي أَوَائِل دَعْوَى التَّنْقِيح: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يَحْلِفُ بِلَا طَلَبِ وَصِيٍّ وَوَارِثٍ: بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ دَيْنَكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ عَنْهُ وَمَا قَبَضَهُ قَابِضٌ وَلَا أَبْرَأْتَهُ وَلَا شَيْئا مِنْهُ، وَلَا أحلّت بِهِ وَلَا بشئ مِنْهُ على أحد وَلَا عنْدك وَلَا بشئ مِنْهُ رهن، فَإِذا حلف أَمر بِالدفع إِلَيْهِ وَإِن نكل لم يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ. خُلَاصَةٌ. فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ لم ينفذ حكمه، وَتَمَامه فِيهَا. وفيهَا عَن الْبَحْر: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا، لَكِن رده الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة دفع الدّين شهدُوا على حَقِيقَة الدّفع فانتقى احْتِمَال أَنهم شهدُوا باستصحاب الْحَال، وَقد استوفى فِي بَاطِن الامر كَمَا فِي مدعي الدّين، وارتضاه الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بقوله: وَكَلَام الرَّمْلِيّ هُوَ الاوجه كَمَا لَا يخفى على من تنبه، وقدمناه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ. قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق مَبِيع) يَعْنِي إِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْبَيِّنَةِ من المُشْتَرِي فللمستحق عَلَيْهِ تَحْلِيف الْمُسْتَحق بِاللَّه مَا بِعته وَلَا وهبته وَلَا تَصَدَّقت بِهِ وَلَا خرجت الْعين عَن ملكك بِوَجْه من الْوُجُوه. قَوْله: (وَدَعوى آبق) أَي دَعْوَى تملك آبق. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: لَعَلَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدِي أَبَقَ مِنِّي وَأَقَامَ بَيِّنَة على أَنه عَبده فليحلف أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَهُ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ هَذَا الشَّرْحِ نُقِلَ عَنْ الْفَتْحِ هَكَذَا. وَعِبَارَتُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِق مَعَ الْبَين بِاللَّه أَنه بَاقٍ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنِ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هبة وَلَا نَحْوهَا. اهـ. وَصُورَة ط: بِمَا إِذا حبس القَاضِي الْآبِق فجَاء رجل وادعاه وَأقَام بَيِّنَة أَنه عَبده يسْتَحْلف بِاللَّه أَنه بَاقٍ فِي ملكه وَلم يخرج بِبيع وَلَا هبة فَإِذا حلف دَفعه إِلَيْهِ، وَذَلِكَ صِيَانة لقضائه عَن الْبطلَان ونظرا لمن هُوَ عَاجز عَن النّظر لنَفسِهِ من مُشْتَر وموهوب لَهُ، وَيلْحق بِهَذِهِ الْمسَائِل مَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة للْغَرِيم الْمَجْهُول حَاله بِأَنَّهُ معدم فَلَا بُد من يَمِينه أَنه لَيْسَ لَهُ مَال ظَاهر وَلَا بَاطِن وَإِن وجد مَالا يُؤَدِّي حَقه عَاجلا، لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا قَامَت على الظَّاهِر وَلَعَلَّه غيب مَاله، وَمَا لَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِم سَوَاء قَالُوا لَا نَعْرِف عَددهَا، أم لَا تجْعَل ثَلَاثَة وَيحلف على نفي مَا زَاد عَنْهَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي يَدعِي الزِّيَادَة. اهـ. قَوْلُهُ: (الْإِقْرَارُ لَا يُجَامِعُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهَا لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر، وَذكر هَذَا الْأَصْلَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ: وَهِيَ مَا سِوَى دَعْوَى الْآبِقِ، وَكَذَا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَةَ بل زَاد غَيرهَا وأوصلها إِلَى سبع وَتَأْتِي هُنَا مفصلة مَعَ زِيَادَة ثَلَاثَة أخر، وَعَلِيهِ فَتكون عشرَة. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا. قَوْله: (إِلَّا فِي أَربع) الَّذِي ذكره هُنَا خَمْسَة وَلكنهَا سَبْعَة كَمَا فِي الْحَمَوِيّ. ملخصها: أَنه لَا تسمع الْبَيِّنَة على مقرّ إِلَّا على وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مَعَ إقْرَارِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَأَمِينُ الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ. وَفِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ فَأَقَامَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ حَاضِرًا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ يقر بِمَا يَدعِي. قَوْله: (وكَالَة) يَعْنِي لَو أقرّ بوكالة رجل بِقَبض دين عَلَيْهِ لمُوكلِه فَإِن الْوَكِيل يُقيم بَينته، إِذْ لَو دَفعه بِلَا بَيِّنَة يتَضَرَّر إِذْ لَا تَبرأ ذمَّته إِذا أنكر الْمُوكل وكَالَته اهـ. ط. زَاد الْفَاضِل الْحَمَوِيّ ثامنة وتاسعة نقلهما عَن الْبَدَائِع من كتاب الْقِسْمَة. الثَّامِن: الْوَرَثَة إِذا كَانُوا مقرين بالعقار لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة على بَعضهم على قَول أبي حنيفَة. التَّاسِع: الاب أَو الْوَصِيّ إِذا أقرّ على الصَّغِير لَا بُد من بَيِّنَة مقَام عَلَيْهِ مَعَ كَونه مقرا اهـ. وَزَاد بعض الْفُضَلَاء عاشرا: وَهُوَ ادّعى على آخر عقارا أَنه فِي يَده وَهُوَ مُسْتَحقّ فَأقر بِالْيَدِ تسمع بَينته أَنه ذُو الْيَد مَعَ إِقْرَاره اهـ. قَوْله: (ووصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بالوصاية. وَصورته: رجل قَالَ للْقَاضِي إِن فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ أقامني وَصِيّا وَمَات وَله على هَذَا كَذَا أَو فِي يَد هَذَا كَذَا فَصدقهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فَالْقَاضِي لَا يثبت وصايته بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا، لانه إِذا دفع إِلَيْهِ المَال اعْتِمَادًا على الاقرار فَقَط لَا تَبرأ ذمَّته من الدّين إِذا أنكر الْوَارِث، أما لَو دفع بعد الْبُرْهَان تَبرأ ذمَّته. أَفَادَهُ صَاحب تنوير الاذهان. قَوْله: (وَإِثْبَات دين على ميت) صورته: ادّعى على بعض الْوَرَثَة دين على الْمَيِّت فَأقر الْوَارِث بِالدّينِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي من نصِيبه قدر مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وللطالب أَن يُقيم بَيِّنَة على حَقه ليَكُون حَقه فِي كل التَّرِكَة، وَكَذَا إِذا أقرّ جَمِيع الْوَرَثَة تقبل بَينته لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الدّين فِي حَقهم وَحقّ دائن آخر. وَفِي البيري: اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة هَل يقْضِي عَلَيْهِ بالاقرار أَو بِالْبَيِّنَةِ. قيل يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لانه بالانكار وَإِقَامَة الْبَيِّنَة اسْتحق عَلَيْهِ الحكم فَلَا يبطل الْحق السَّابِق بالاقرار اللَّاحِق، ولان زِيَادَة التَّعَدِّي الثَّابِتَة بالبرهان حَقه فَلَا يُؤثر الاقرار اللَّاحِق فِي بُطْلَانه. اهـ. موضحا ط. وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ. قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق عين من مُشْتَر) فَإِن المُشْتَرِي إِذا أقرّ بِالِاسْتِحْقَاقِ للْمُسْتَحقّ لَا يتَمَكَّن من الرُّجُوع بِالثّمن على بَائِعه، فَإِذا أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أمكنه ذَلِك، وَقد تقدم أَنه يسوغ لَهُ الانكار مَعَ الْعلم لاجل هَذَا التَّمَكُّن ط. لَكِن قد يُقَال مَعَ الاقرار كَيفَ يكون لَهُ الرُّجُوع. تَأمل. قَوْله: (وَدَعوى الْآبِق) يَعْنِي إِذا ادّعى على شخص أَن العَبْد الَّذِي عِنْده أبق مِنْهُ، وَأقر وَاضع الْيَد بذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 فَلهُ أَن يطْلب الْبَيِّنَة على ذَلِك لاحْتِمَال أَن الْغَيْر تملكه مِنْهُ. قَوْله: (لَا تَحْلِيف على حق مَجْهُول) أَي ادّعى بِهِ مُدع، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً لم يحلف كَمَا فِي الْخَانِية. لَكِن أفتى قَارِئ الْهِدَايَة بِخِلَافِهِ. وَعبارَته: سُئِلَ إِذا ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ على آخر خِيَانَة وَطلب من الْحَاكِم يَمِينه هَل يلْزم أَو لَا؟ أجَاب: إِذا ادّعى عَلَيْهِ خِيَانَة فِي قدر مَعْلُوم وَأنكر فَحلف عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَا الْحُكْمُ، لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يبين مِقْدَار مَا كَانَ فِيهِ، وَالْقَوْل فِي مِقْدَاره إِلَى الْمقر مَعَ يَمِينه لَان نُكُوله كالاقرار بشئ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى الاكثر، وَمثله الْمضَارب مَعَ رب المَال. قَوْله: (إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ) وَلم يدع عَلَيْهِ شَيْئا مَعْلُوما فَإِنَّهُ يحلف نظرا لليتم. وَالْوَقْف. حموي. قَوْله: (وَفِي رهن مَجْهُول) أَي لَو ادّعى الرَّاهِن رهنا مَجْهُولا: أَي كَثوب مثلا فَأنْكر الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يحلف، وَقَيده بعض الْفُضَلَاء عازيا إِلَى الْقنية بِمَا إِذا ذكر الْمُدَّعِي قدر الدّين الَّذِي وَقع بِهِ الرَّهْن ط. قَوْله: (وَدَعوى سَرقَة) أَقُول: فِيهِ نظر لما نقل قاضيخان من أَنه يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا. أَبُو السُّعُود. وَلَعَلَّ ذَلِك فِي حق الْقطع لَا الضَّمَان كَمَا يفِيدهُ كَلَامه ط. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قيمَة الْكل جملَة وَلم يذكر كلا على حِدة، اخْتلف فِيهِ الْمَشَايِخ: قيل لَا بُد من التَّفْصِيل، وَقيل يَكْتَفِي بالاجمال وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ الْمُدَّعِي لَو ادّعى غصب هَذِه الاعيان لَا يشْتَرط لصِحَّة دَعْوَاهُ بَيَان الْقيمَة، فَلَو ادّعى أَن الاعيان قَائِمَة فَيُؤْمَر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَين قيمَة الْكل تسمع دَعْوَاهُ. وَفِي ج: وَلَو ادّعى أَنه غصب أمته وَلم يذكر قيمتهَا تسمع دَعْوَاهُ وَيُؤمر برد الامة، وَلَو هالكة فَالْقَوْل فِي قدر الْقيمَة للْغَاصِب فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْب بِلَا بَيَان الْقيمَة فَلَأَنْ يَصِحَّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً أولى، وَقيل إِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة لَو كَانَت الدَّعْوَى سَرقَة ليعلم أَن السّرقَة كَانَت نِصَابا وَفِي غَيرهَا لَا يشْتَرط ذكره الْحَمَوِيّ، فَظهر أَن إيرادها فِي هَذَا الْمحل فِي حق الضَّمَان لَا الْقطع كَمَا قدمْنَاهُ عَن ط. قَوْله: (وغصب) قَالَ فِي الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو قَالَ غصب مني عين كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنه هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَته، وَذكر فِي عَامَّة الْكتب أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى لَان الانسان رُبمَا لَا يعرف قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ. وَفَائِدَة صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَان إِذا أقرّ وَنكل عَن الْيَمين. اهـ. وقدمناه فِي الدَّعْوَى مَعَ مَا عَلَيْهِ من الْكَلَام، فَرَاجعه. قَوْله: (وخيانة مُودع) فَإِنَّهُ يحلف مَا خَان فِيمَا ائْتمن، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل يجْبر على بَيَان قدر مَا نكل عَنهُ، وَقيل لَا يسْتَحْلف حَتَّى يقدر شَيْئا يسْتَحْلف عَلَيْهِ. وَذكر بعض الْفُضَلَاء: أَن سَماع الدَّعْوَى فِي مثل هَذِه الْمسَائِل مَعَ الْجَهَالَة مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة وَدَعوى الْغَصْب حَيْثُ يشْتَرط لسماعها فيهمَا بَيَان الْقيمَة عِنْد بعض الْمَشَايِخ اهـ. وَيَنْبَغِي زِيَادَة دَعْوَى السّرقَة كَمَا يعلم من الْحَمَوِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: الْجَهَالَة كَمَا تمنع قَول الْبَيِّنَة تمنع الِاسْتِحْلَاف. إِلَّا إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم الخ. وَحِينَئِذٍ فدعوى الْمَجْهُول لَا يسْتَحْلف عَلَيْهَا، فَلَو ادّعى على رجل أَنه اسْتهْلك مَاله وَطلب التَّحْلِيف من القَاضِي لَا يحلفهُ، وَكَذَا لَو قَالَ بَلغنِي أَن فلَان بن فلَان أوصى لي وَلَا أَدْرِي قدره وَأَرَادَ أَن يحلف الْوَارِث لَا يجِيبه القَاضِي، وَكَذَا الْمَدْيُون إِذا قَالَ قضيت بعض ديني وَلَا أَدْرِي كم قضيت أَو قَالَ نسيت قدره وَأَرَادَ تَحْلِيف الطَّالِب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِية. قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَة فِي دَعْوَى الْبَحْر الخ) أَي قبل قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ. قَوْلُهُ: (وَهِي غَرِيبَة يجب حفظهَا) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَتَبَ الْمُحَشِّي هُنَاكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ فِي النُّسْخَةِ خَلَلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَحْلِفُ عَلَيْهَا: أَيْ عَلَى نَفْيِهَا، وَفِي ظَنِّي أَنَّ أَصْلَ النُّسْخَةِ فَإِنْ بَيَّنَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِك هَذَا. وَيَنْبَغِي أَن يُقَارب فِي الْبَيَانَ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ قِيمَةَ فَرَسٍ بِدِرْهَمٍ لَا يقبل مِنْهُ كَمَا تقدم نَظِيره. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى الزِّيَادَةِ أَخَذَهَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ، فَليُرَاجع اهـ. قَوْله: (وألزم ببيانه) لانه أقرّ بِقِيمَة مَجْهُولَة، فَإِن أخبر بشئ يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ من الزِّيَادَة، فَإِن حلف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة فَإِن حلف أَخذ من الْغَصْب مائَة، وَقَوله يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ فِيهِ أَنه حلف أَولا على ذَلِك، فَلَو كَانَت هَذِه الْيَمين على مَا ذكره من الْقيمَة بِأَن يحلف أَن قِيمَته مَا ذكره. وَحَاصِله: أَن يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا لم تكن قِيمَته مائَة وَيَمِين الْمُدَّعِي أَن قِيمَته الْمِائَة. قَوْلُهُ: (يَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ) أَيْ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمَالِك، فَإِن حلف ف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: ثمَّ يحلف الْمَغْصُوب مِنْهُ الخ وَالظَّاهِر أَن ثَمَرَة هَذَا الْيَمين ثُبُوت الْخِيَار لَهُ إِذا ظهر. قَوْله: (ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَتَهُ مائَة) فَإِن حلف أَخذ من الْغَاصِب مائَة، لَكِن قد يُقَال: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يحلف عَلَيْهَا، وَعَلِيهِ فالاولى أَن يَقُول فَإِن بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ. تَأمل. قَوْله: (وَلَو ظهر) أَي الثَّوْب. قَوْله: (بَين أَخذه) أَي الثَّوْب بِمَا دَفعه من الدَّرَاهِم لَا بِقِيمَة الثَّوْب فِي ذَاته وَإِن كَانَت أنقص أَو أَزِيد لَان الْمَالِك لم يرض إِلَّا بِدَفْعِهِ بِالْمِائَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِيمَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ: أَي أَو أَخذ قِيمَته بِأَن يردهُ وَيَأْخُذ الْقيمَة الَّتِي دَفعهَا. وَفِي متفرقات إِقْرَار التاترخانية: وَيُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَالِكُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يُثْبِتْ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ يَحْلِفُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَو رده وَأخذ الْقيمَة. وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَأخذ الْمِائَة بِثمنِهِ مِنْ الْغَاصِبِ هَذَا بِالْإِنْكَارِ يَصِحُّ، وَكَانَ يَقُولُ: الصَّحِيحُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُجْبَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ أَبَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَكَانَ قِيمَتُهُ مِائَةً؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُولُ أَكَانَ خَمْسِينَ؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُول خَمْسَةً وَعِشْرِينَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ قِيمَتُهُ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِك. اهـ. لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء: الْحصْر مَمْنُوع لانهما إِذا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن أَو الْمَبِيع وَلَا بَيِّنَة تحَالفا، وَلَو اشْترى أمة بِأَلف وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا وَقيل قبضهَا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن تحَالفا، وَلَو اخْتلفَا فِي الاجرة أَو الْمَنْفَعَة أَو فيهمَا قبل التَّمَكُّن فِي الدمرة تحَالفا. حموي. وَفِيه أَن كلا مِنْهُمَا فِي هَذِه الْمسَائِل مُدع ومدعى عَلَيْهِ. ط عَن الطوري. وَمثله فِي حَاشِيَة الْحَمَوِيّ. تذنيب برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ: أَي بِأَنَّهُ ابْن عَمه لامه فَقَط كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء بالاول لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ. ادّعى مِيرَاثا بالعصوبة فَدفعهُ أَن يَدعِي خَصمه قبل الحكم بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ من ذَوي الارحام إِذْ يكون حِينَئِذٍ متناقضا. ادّعى قيمَة جَارِيَة مستهلكة فبرهن الْخصم أَنَّهَا حَيَّة رأيناها فِي بلد كَذَا لَا يقبل إِلَّا أَن يجِئ بهَا حَيَّة. الْكَفِيل ينصب خصما عَن الاصل بِلَا عكس، لَان الْقَضَاء على الْكَفِيل قَضَاء على الاصيل وَلَا عكس. إِذا اشْترك الدّين بَين شَرِيكَيْنِ لَا بِجِهَة الارث فأحدهما لَا ينْتَصب خصما عَن الآخر الْكل من الدُّرَر. رجل غَابَ عَن امْرَأَته وَهِي بكر أَو ثيب فَتزوّجت بِزَوْج آخر وَولدت كل سنة ولدا: قَالَ أَبُو حنيفَة: الاولاد للاول. وَعنهُ أَنه رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ: لَا يكون الاولاد للاول وَإِنَّمَا هم للثَّانِي. وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِية. وَلَو ادّعى عَلَيْهِ مهر امْرَأَة فَقَالَ مَا تزَوجهَا ثمَّ ادّعى الابراء عَن الْمهْر فَهُوَ دفع مسموع إِن وفْق كَمَا فِي الْقنية. وفيهَا: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأمره القَاضِي بالمصالحة فَقَالَ لَا أرْضى بِهَذِهِ الْمُصَالحَة وَتركته أصلا فَهُوَ إِسْقَاط لما يَدعِيهِ عَنْك. إِذا قَالَ تركته أصلا فَهُوَ إِبْرَاء وَعنهُ: لَو قَالَ تَرَكْت دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إِلَى الْآخِرَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده. أَقُول: قيد القَاضِي اتفاقي كَمَا لَا يخفى. وَفِي الفتاوي النجدية: رجل مَاتَ فَقَالَت امْرَأَة لِابْنِ الْمَيِّت كنت امْرَأَة أَبِيك مُحَمَّد إِلَى يَوْم مَوته وَطلبت الْمهْر وَالْمِيرَاث فَأنْكر الابْن وَقَالَ اسْم أبي لم يكن مُحَمَّدًا وَإِنَّمَا كَانَ عمر، ثمَّ جَاءَت فادعت أَنَّهَا امْرَأَة أَبِيه عمر إِلَى يَوْم مَوته وطلبتهما تسمع دَعْوَاهَا وَلَيْسَ بتناقض لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان شَذَّ تسمع إِذا وفْق الْمُدَّعِي. أَقُول: وَجه التَّوْفِيق بِأَن تَقول كنت أعلم أَن لابيه اسْمَيْنِ فادعيت بِأَحَدِهِمَا فَلَمَّا أنكر ادعيت بِالْآخرِ، وَفهم من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تسمع الدَّعْوَى على الْمَيِّت بِدُونِ اسْم أَبِيه وَنسبه. تدبر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 قَالَ فِي التاترخانية فِي الْخَامِس عشر من الدَّعْوَى: غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان، وَمثله فِي صور الْمسَائِل عَن الْفَتَاوَى الرشيدية. وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي السَّادِس عشر من الِاسْتِحْقَاق، وَكَذَا فِي الْخَيْرِيَّة من الْعشْر وَالْخَرَاج وقدمناه عَن التَّنْقِيح. ولنختم هَذَا الْبَاب بِمَسْأَلَة ختم بهَا كتاب الدَّعْوَى فِي الْجَامِع الصَّغِير، نسْأَل الله حسن الخاتمة. وَهِي أَنه إِذا قَالَت الْمَرْأَة أَنَّهَا أم ولد هَذَا الرجل وأرادت استحلافه لَيْسَ لَهَا ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة، خَاصَّة لَان أمومية الْوَلَد تَابع للنسب وَهُوَ لَا يرى الْيَمين فِي النّسَب اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 كتاب الاقرار ثَبت بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق) * (الْبَقَرَة: 282) أمره بالاملال، فَلَو لم يقبل إِقْرَاره لما كَانَ للاملال معنى، وَقَوله: * (كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم) * (النِّسَاء: 531) وَالْمرَاد بِهِ إِقْرَار. زَيْلَعِيّ. وَالسّنة، فقد قبل (ص) إِقْرَار مَاعِز والغامدية والاجماع. فقد أَجمعت الامة على أَن الاقرار حجَّة فِي حق نَفسه حَتَّى أوجبوا الْحَد وَالْقصاص بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم يكن حجَّة فِي حق غَيره لعدم ولَايَته عَلَيْهِ فَأولى المَال والمعقول، فَإِن الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا فِيهِ ضَرَر على نَفسه أَو مَاله فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة اهـ. بِخِلَاف إِقْرَاره فِي حق غَيره. حَتَّى لَو أقرّ مَجْهُول النّسَب بِالرّقِّ جَازَ ذَلِك على نَفسه وَمَاله وَلَا يصدق على أَوْلَاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه، بِخِلَاف مَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا تصير حجَّة بِالْقضَاءِ وَالْقَضَاء ولَايَة عَامَّة فَينفذ فِي حق الْكل. أما الاقرار فحجة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء فَينفذ عَلَيْهِ وَحده الخ، وَقَوله وَلَا يصدق على أَوْلَاده الخ لانه ثَبت لَهُم حق الْحُرِّيَّة أَو اسْتِحْقَاقهَا فَلَا يصدق عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (مناسبته) أَي للدعوى. وَوجه تَأْخِيره عَنْهَا أَن الدَّعْوَى تَنْقَطِع بِهِ فَلَا يحْتَاج بعده إِلَى شئ آخر، حَتَّى إِذا لم يُوجد يحْتَاج إِلَى الشَّهَادَة، وركنه لفظ أَو مَا فِي حكمه دَال عَلَيْهِ كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ كَذَا أَو مَا يُشبههُ، لانه يقوم بِهِ ظُهُور الْحق وانكشافه حَتَّى لَا يَصح شَرط الْخِيَار فِيهِ بِأَن أقرّ بدين أَو بِعَين على أَنه بِالْخِيَارِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَالْخِيَار بَاطِل، وءن صدقه الْمقر لَهُ وَالْمَال لَازم كَمَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ: وَله شُرُوط ستذكر فِي أثْنَاء الْكَلَام، وَهِي: الْعقل وَالْبُلُوغ بِلَا خلاف وَالْحريَّة فِي بعض الاحكام دون الْبَعْض، حَتَّى لَو أقرّ العَبْد الْمَحْجُور بِالْمَالِ لَا ينفذ فِي حق الْمولى، وَلَو أقرّ بِالْقصاصِ يَصح. كَذَا فِي الْمُحِيط ويتأخر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كإقراره بِالْمهْرِ بوطئ امْرَأَة تزَوجهَا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ، وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص كَمَا فِي التَّبْيِين، وَكَون المقربة مِمَّا يجب تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو أقرّ أَنه غصب كفا من تُرَاب أَو حَبَّة حِنْطَة لَا يَصح، لَان الْمقر بِهِ لَا يلْزمه تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، وَمِنْهَا الطواعية وَالِاخْتِيَار، حَتَّى لَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره فِي النِّهَايَة، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ صَحِيحٌ إلَّا فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ مِمَّا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَإِن كَانَ بطرِيق مُبَاح لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَحكمه ظُهُور الْمقر بِهِ: أَي لُزُومه على الْمقر بِلَا تَصْدِيق وَقبُول من الْمقر لَهُ فَإِنَّهُ يلْزم على الْمقر مَا أقرّ بِهِ لوُقُوعه دَالا على الْمخبر بِهِ لَا ثُبُوته ابْتِدَاء كَمَا فِي الْكَافِي، لانه لَيْسَ بناقل لملك الْمقر إِلَى الْمقر لَهُ فَلِذَا فرع عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي من صِحَة الاقرار بِالْخمرِ للْمُسلمِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ، وَكَذَلِكَ لَا يَصح الاقرار بِالطَّلَاق وَالْعتاق مَعَ الاكراه والانشاء يَصح مَعَ الاكراه كَمَا فِي الْمُحِيط. وَحَاصِله: أَن قَول الْمقر إِن هَذَا الشئ لفُلَان مَعْنَاهُ أَن الْملك فِيهِ ثَابت لفُلَان وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه ملك للْمقر وَجعله للْمقر لَهُ فَهُوَ إِخْبَار دَال على الْمخبر بِهِ فَيلْزمهُ الصدْق، وَيحْتَمل الْكَذِب فَيجوز تخلف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا فِي الاقرار بِالطَّلَاق مكْرها كَمَا قُلْنَا، وَسَيَأْتِي لقِيَام دَلِيل الْكَذِب وَهُوَ الاكراه، وَلَو كَانَ مَعْنَاهُ الثُّبُوت ابْتِدَاء لصَحَّ لكَونه إنْشَاء والانشاء لَا يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا سَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا. وَلَو أقرّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 لغيره بِمَال وَالْمقر لَهُ يعلم أَنه كَاذِب فِي إِقْرَاره لَا يحل لَهُ ديانَة إِلَّا أَن يُسلمهُ بِطيب من نَفسه فَيكون هبة مِنْهُ ابْتِدَاء كَمَا فِي الْقنية، وَإِنَّمَا يعْتَبر الاقرار إِظْهَارًا فِي حق ملكية الْمقر بِهِ حَتَّى يحكم بملكيته للْمقر لَهُ بِنَفس الاقرار وَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الْمقر لَهُ، أما فِي حق الرَّد فَيعْتَبر تَمْلِيكًا مُبْتَدأ كَالْهِبَةِ حَتَّى يبطل برد الْمقر لَهُ وَبَعْدَمَا وجد التَّصْدِيق من الْمقر لَهُ لَا يعْمل رده لَو رد الاقرار بعد ذَلِك، ثمَّ الاقرار إِنَّمَا يبطل برد الْمقر لَهُ إِذا كَانَ الْمقر لَهُ يبطل بِالرَّدِّ حق نَفسه خَاصَّة، أما إِذا كَانَ يبطل حق غَيره فَلَا يعْمل رده، كَمَا إِذا أقرّ لرجل أَنِّي بِعْت هَذَا العَبْد من فلَان بِكَذَا فَرد الْمقر لَهُ إِقْرَاره وَقَالَ: مَا اشْتريت مِنْك شَيْئا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: اشْتريت فَقَالَ البَائِع مَا بعتكه لزم البَائِع البيع بِمَا سمي لانه جحد البيع بعد تَمَامه، وجحود أحد الْمُتَعَاقدين لَا يضر، حَتَّى أَن المُشْتَرِي مَتى قَالَ مَا اشْتريت وَصدقه البَائِع وَقَالَ نعم مَا اشْتريت ثمَّ قَالَ لَا بل اشْتريت لَا يثبت الشِّرَاء وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على ذَلِك، لَان الْفَسْخ تمّ بجحودهما، ثمَّ فِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ، لَو أعَاد الْمقر ذَلِك الاقرار فَصدقهُ الْمقر لَهُ كَانَ للْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان. هَكَذَا فِي الْمُحِيط. ثمَّ اعْلَم أَن السُّكُوت نزلوه منزلَة الاقرار فِي مسَائِل سيذكرها الشَّارِح، وَنَذْكُر تَمامهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَذَلِك الايماء بِالرَّأْسِ وسيذكره المُصَنّف. قَوْله: (إِمَّا مُنكر أَو مقرّ) واللائق بِحَال الْمُسلم الاقرار بِالْحَقِّ كي لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي إِلَى تدارك الشُّهُود والملازمة فِي بَاب القَاضِي للاحضار، وَلَا سِيمَا وَمَا يلْزم عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان للتسبب بالوصول إِلَى سحت الْمَحْصُول، كَمَا أَن اللَّائِق بالمدعي أَن تكون دَعْوَاهُ حَقًا لِئَلَّا يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع لسحت الْمَنْع وَقدمه: أَي الاقرار على مَا بعده وَهُوَ الصُّلْح لترتبه على الانكار غَالِبا، ثمَّ إِذا حصل بِالصُّلْحِ شئ: إِمَّا إِن يستربح فِيهِ بِنَفسِهِ وَتقدم طَرِيقه فِي البيع أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَاربَة وَإِن لم يستربح فإمَّا أَن يحفظه بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى بَيَان حكمه أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَة. قَوْله: (وَهُوَ) أَي الاقرار أقرب، أَي لحَال الْمُسلم. قَوْله: (لغَلَبَة الصدْق) أَي من الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَمن الْمقر فِيمَا أقرّ لَهُ، لَان الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا ضَرَر على نَفسه أَو مَاله، فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة، بِخِلَاف إِقْرَار فِي حق غَيره. قَوْله: (هُوَ لُغَة) فَإِذا كَانَ حسيا يُقَال أقره، وَإِذا كَانَ قوليا يُقَال أقرّ بِهِ، فالاقرار إِثْبَات لما كَانَ متزلزلا بَين الْجُحُود والثبوت. أَبُو السُّعُود. وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرار. دُرَر. قَالَ فِي الْمنح: وَهُوَ فِي اللُّغَة إفعال من قر الشئ إِذا ثَبت، وَأقرهُ غَيره إِذا أثْبته، قَوْله: (وَشرعا إِخْبَار) أَي فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء لصِحَّته فِي ملك غَيره، وَلَو أقرّ مَرِيض بِمَالِه لاجنبي صَحَّ من غير توقف على إجَازَة وَارِث. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَعَلَّه ينْتَقض بالاقرار بِأَن لَا حق لَهُ على فلَان، وبالابراء وَإِسْقَاط الدّين وَنَحْوه كإسقاط حق الشُّفْعَة اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: فِيهِ إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ عدم وجوب الْمُطَالبَة. تَأمل. وللقول بِأَنَّهُ إنْشَاء فروع تشهد لَهُ: مِنْهَا لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ حموي. أَقُول: قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد الْغَيْر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 المستهلكة) . وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية: رَجُلٌ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ وَوَلَدُهَا أَقَرَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِفُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ يَسْتَحِقُّ أَوْلَادهَا اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الاقرار حَيْثُ لَا يتراجعون. بَقِي أَن يُقَال فِي قَول السَّيِّد الْحَمَوِيّ هُوَ إِخْبَار فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء مُخَالفَة لما صرح بِهِ فِي الْبَحْر وَجرى عَلَيْهِ المُصَنّف من أَنه إِخْبَار من وَجه إنْشَاء من وَجه فللاول يَصح إِقْرَاره بمملوك الْغَيْر وَيلْزمهُ تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق مكْرها لَا يَصح، وَللثَّانِي لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ. اهـ. من غير ذكر خلاف، وَمِنْه تعلم أَن مَا ذكره السَّيِّد الْحَمَوِيّ مِمَّا يدل على ثُبُوت الْخلاف فِيهِ حَيْثُ صحّح كَونه إِخْبَار الانشاء لَا يَصح عزوه لصَاحب الْبَحْر كَمَا وَقع فِي كَلَام بَعضهم، فَتنبه. قَوْله: (بِحَق عَلَيْهِ للْغَيْر) قَيده بِأَن يكون عَلَيْهِ، لانه لَو كَانَ على غَيره لغيره يكون شَهَادَة ولنفسه يكون دَعْوَى زَيْلَعِيّ، وَأطلق الْحق فِي قَوْله هُوَ إِخْبَار بِحَق عَلَيْهِ ليشْمل مَا لَو كَانَ الْحق الْمقر بِهِ من قبيل الاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق، إِذا الطَّلَاق رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ، فَإِذا أقرّ بِالطَّلَاق يثبت للْمَرْأَة من الْحق مَا لم يكن لَهَا من قبل، وَكَذَا العَبْد يثبت لَهُ على سَيّده حق الْحُرِّيَّة إِذا أقرّ سَيّده بِعِتْقِهِ، فَمَا قيل من أَنه يرد على التَّعْرِيف الاقرار بالاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق لعدم الاخبار فِيهَا عَن ثُبُوت حق للْغَيْر غير سديد. قَوْلُهُ: (إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنْشَاءً وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَايَة الْبَيَان عَن الاستروشنية. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ سَبَب للْملك أَو لَا؟ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: لَا، وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا الْمَرِيضُ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ بِلَا إجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ. وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاسْتَدَلَّ بمسائل: مِنْهَا إِن أقرّ لوَارِثه بدين فِي الْمَرَض لَا يَصح، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ اهـ. مُلَخَّصًا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ ثُبُوتُ مَا اسْتدلَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ. تَأمل أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. لَكِن لَو كَانَ إِخْبَارًا من وَجه وإنشاء من وَجه كَمَا ذكره المُصَنّف لعرف بِحَدّ يشملها وَلَا قَائِل بِهِ، ولانهم قَالُوا: لَو أقرّ بِمَال للْغَيْر لزمَه تَسْلِيمه للْمقر لَهُ إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق الخ فأمثال هَذِه الْمسَائِل دلّت على أَن الاقرار إِخْبَار لَا إنْشَاء. إِذْ لَو كَانَ إنْشَاء لم تكن كَذَلِك، وَمَا اسْتدلَّ بِهِ على كَونه إنْشَاء مُطلقًا أَو من وَجه أَنه لَو أقرّ لرجل فَرد إِقْرَاره ثمَّ قبل لم يَصح وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ، وَأَنه لَو ثَبت الْملك بِسَبَب الاقرار لم يظْهر فِي حق الزَّوَائِد الْمُتَقَدّم ذكرهَا، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لَصَارَتْ مَضْمُونَة عَلَيْهِ. أَقُول: أما الْجَواب عَن الاول فَهُوَ أَن ارتداده بِالرَّدِّ نَاشِئ من أَن حكمه الظُّهُور لَا الثُّبُوت ابْتِدَاء وَذَلِكَ نَاشِئ من كَونه حجَّة قَاصِرَة، فَلَمَّا صَار مُرْتَدا بِالرَّدِّ جعل كَأَنَّهُ لم يكن فَلذَلِك لم يَصح قبُوله بعده. على أَن هَذَا الدَّلِيل مُشْتَرك الالزام حَيْثُ إِنَّه دَلِيل على أَنه لَيْسَ بإنشاء، إِذْ الانشاء مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِيمَا يكون من قبيل الاسقاطات، كَمَا لَو قَالَ هَذَا الْوَلَد مني يرْتَد برد الْوَلَد فَهَذَا دَلِيل على أَن الاقرار إِخْبَار ثمَّ عَاد الْوَلَد إِلَى التَّصْدِيق يثبت النّسَب نظرا إِلَى احْتِيَاج الْمحل، وَقد سبق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي: أَن الاقرار لما كَانَ حجَّة قَاصِرَة اقْتصر ثُبُوت الْملك وظهوره على الْمقر بِهِ فَلم يَتَعَدَّ إِلَى الزَّوَائِد المستهلكة كَمَا مر وَيَأْتِي، فَتبين أَنه لَيْسَ بإنشاء أصلا. تدبر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ) أَيْ عَلَى الْغَيْر، وَلَو للْغَيْر على الْغَيْر يكون شَهَادَة كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (لَا إِقْرَارا) وَلَا ينْتَقض إِقْرَار الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ وَنَحْوِهِمَا لِنِيَابَتِهِمْ مَنَابَ الْمُنَوِّبَاتِ شَرْعًا. شرح الْمُلْتَقى. قَوْله: (ثمَّ فرع على كل من الشبهين) صَوَابه من الْوَجْهَيْنِ لانه لم يقل الاقرار يشبه الاخبار ويشبهه الانشاء، بل قَالَ من وَجه وَمن وَجه: أَي إِخْبَار من وَجه بِالنّظرِ لترتب بعض أَحْكَام الاخبارات عَلَيْهِ، وإنشاء من وَجه من حَيْثُ ترَتّب بعض أَحْكَام الانشاءات عَلَيْهِ، وَقد تبع الشَّارِح المُصَنّف فَالْمَعْنى أَنه يعْطى حكم الاخبار فِي بعض الجزئيات وَحكم الانشاء فِي بعض آخر، وَأما بِالنّظرِ للفظه فَهُوَ إِخْبَار عَن ثُبُوت حق عَلَيْهِ لغيره لَا غير. قَوْله: (فللوجه الخ) عِلّة مُقَدّمَة على الْمَعْلُول. قَوْله: (صَحَّ إِقْرَاره) لَان الاخبار فِي ملك الْغَيْر صَحِيح لكم بِالنّظرِ للْمقر، وَأفَاد أَنه لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول كَمَا قدمْنَاهُ. وَفِي الْمنح عَن تَتِمَّة الفتاوي: الاقرار يَصح من غير قبُول، لَكِن الْبطلَان يقف على الابطال وَالْملك للْمقر لَهُ يثبت من غير تَصْدِيق وَقبُول لَكِن يبطل برده، وَالْمقر لَهُ إِذا صدق الْمقر فِي الاقرار ثمَّ رده لَا يَصح الرَّد، وَأفَاد أَيْضا صِحَة الاقرار للْغَائِب. وَأَيْضًا يُسْتَفَاد هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي من قَوْله هِيَ: أَي الالف الْمعينَة لفُلَان لَا بل لفُلَان لَا يجب عَلَيْهِ للثَّانِي شئ: أَي لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل، وَبِهَذَا تبين ضعف مَا فِي الْخَانِية من قَوْله لَو أقرّ لغَائِب ثمَّ أقرّ لآخر قبل حُضُور الْغَائِب صَحَّ إِقْرَاره للثَّانِي، لَان الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق انْتهى. وَيُمكن أَن يُقَال: معنى صِحَّته للثَّانِي لَيست لاحتياجه للتصديق وَإِنَّمَا لاجل أَن يرْتَد بِالرَّدِّ، فَأفَاد فِي الْخَانِية أَنه يَأْخُذهُ الثَّانِي، فَإِذا جَاءَ الاول وصادق قبل رده الاقرار يَأْخُذهُ، وَإِن قَالَ لَيْسَ لي يكون ملكا للثَّانِي، وَلَكِن أَفَادَ فِي الْبَدَائِع أَنه إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء يضمن للثَّانِي لَان إِقْرَاره بهَا صَحِيح فِي حق الثَّانِي إِذا لم يَصح للاول اهـ. وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا التَّعْلِيل رُبمَا يرد عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فتعليل الْمنح ظَاهر وَهُوَ الْمُوَافق لظواهر الْكتب الْمُعْتَمدَة. وَفِي الْمنح فِي مسَائِل شَتَّى فسر الرَّد بِأَن يَقُول مَا كَانَ لي عَلَيْك شئ أَو يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان. قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: قَوْلهم الاقرار صَحِيح بِدُونِ التَّصْدِيق لَا يُعَارض قَول الْعِمَادِيّ: إِن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب، إِذْ لَا مَانع من توقف الْعَمَل مَعَ الصِّحَّة كَبيع الْفُضُولِيّ يَصح ويتوقف، وَكَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الْخَانِية من قَوْله: وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق، إِذْ مَعْنَاهُ يتَوَقَّف لُزُومه لَا صِحَّته، وَقَوله: فَإِن كَانَ صَحِيحا يمْتَنع الاقرار بِهِ للْغَيْر غير مُسلم لعدم الْمُلَازمَة، أَلا ترى أَن للفضولي قبل إجَازَة الْمَالِك أَن يَبِيع الْمَبِيع الَّذِي بَاعه الآخر ويتوقف فَلم يلْزم من صِحَّته عدم صِحَة بَيْعه للْآخر، بل الاقرار بِمَال الْغَيْر يَصح وَيلْزم تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَهَذَا يدل على أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك كَمَا سَيَأْتِي فَكيف يلْزم من صِحَة إِقْرَاره لغَائِب لَا يلْزمه ذَلِك حَتَّى كَانَ لَهُ الرَّد عدم صِحَة الاقرار بِهِ للْغَيْر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 وَالْحَاصِل: أَن الاقرار يَصح مُطلقًا بِلَا قبُول وَلَا يلْزم لَو كَانَ الْمقر لَهُ غَائِبا وَلعدم لُزُومه جَازَ أَن يقر بِهِ لغيره قبل حُضُوره فاجتمعت كلمتهم على أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَأما لُزُومه فشئ آخر، وَالْمُصَنّف لم يفرق بَين الصِّحَّة واللزوم فاستشكل فِي منحه على الصِّحَّة المجتمعة عَلَيْهَا كلمتهم باللزوم. وَأما مَا أجَاب بِهِ الْمُجيب الْمَذْكُور فَفِيهِ نظر، إِذْ لَو كَانَ كَمَا فهمه لما افترق الاقرار للحاضر وَالْغَائِب مَعَ أَن بَينهمَا فرقا فِي الحكم، أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي الْخَانِية: وَلَو أقرّ لوَلَده الْكَبِير الْغَائِب أَو أَجْنَبِي بعد قَوْله وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم، فَالَّذِي يظْهر أَن الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم من جَانب الْمقر حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ من جَانب الْمقر لَهُ حَتَّى رَدُّهُ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمقر حَتَّى لَا يَصح إِقْرَاره بِهِ لغيره قَبْلَ رَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا فِي الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول كَمَا يفهم من كَلَامهم انْتهى. وَفِيه: وَيشكل على مَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من قَوْله: وَإِن ادّعى الرجل عينا فِي يَد رجل وَأَرَادَ استحلافه فَقَالَ صَاحب الْيَد هَذِه الْعين لفُلَان الْغَائِب لَا ينْدَفع الْيَمين عَنهُ مَا لم يقم الْبَيِّنَة على ذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ هَذَا لِابْني الصَّغِير. وَالْفرق أَن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب فَلَا يكون الْعين مَمْلُوكا لَهُ بِمُجَرَّد إِقْرَار ذِي الْيَد فَلَا ينْدَفع الْيَمين. وَأما إِقْرَاره للصَّبِيّ فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الصَّبِي فَيصير الْعين ملكا للصَّبِيّ بِمُجَرَّد إِقْرَاره فَلَا يَصح إِقْرَاره بعد ذَلِك لغيره فَلَا يُفِيد التَّحْلِيف لَان فَائِدَته النّكُول الَّذِي هُوَ كالاقرار. أَقُول: لَا يشكل ذَلِك، فَإِن قَوْله توقف عمله صَرِيح فِي صِحَّته وَلَكِن لما توقف عمل وَهُوَ اللُّزُوم على تَصْدِيقه لم تنْدَفع الْيَمين بِمُجَرَّدِهِ مَا لم يقم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ. تَأمل. قَوْله: (إِذا ملكه بُرْهَة من الزَّمَان) أَي قَلِيلا من الزَّمَان، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ لغير الْمقر لَهُ بعد ملكه لَا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه فِي ملك غَيره كَمَا يُؤْخَذ من الْقَوَاعِد. وَيُؤْخَذ من هَذَا الْفَرْع كَمَا قَالَ أَبُو السُّعُود: أَنه لَو ادّعى شخص عينا فِي يَد غَيره فَشهد لَهُ بهَا شخص فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة وَنَحْوهَا كتفرد الشَّاهِد ثمَّ ملكهَا الشَّاهِد يُؤمر بتسليمها إِلَى الْمُدَّعِي انْتهى. قَوْله: (لما صَحَّ) أَي إِقْرَاره للْغَيْر: أَي وَلَو ملكه بعد. قَوْله: (لما صَحَّ) (وَلَا يرجع بِالثّمن) على البَائِع: أَي لاقتصار إِقْرَاره عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى لغيره. قَوْله: (صَارَت وَقفا) بِخِلَاف مَا إِذا غصب دَارا من رجل فوقفها ثمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا يجوز وَقفه. وَالْفرق أَن فعل الْغَاصِب إنْشَاء فِي غير ملكه فَلَا يَصح، لَان شَرط صِحَّته ملكه لَهُ، بِخِلَاف الاقرار لكَونه إِخْبَارًا لَا إنْشَاء. قَوْله: (مكْرها) حَال من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ الاقرار، وَإِنَّمَا لم يَصح إِقْرَاره بهَا مُكْرَهًا لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الوضعي عَنهُ. منح. قَوْله: (وَلَو كَانَ إنْشَاء لصَحَّ لعدم التَّخَلُّف) أَي تخلف مَدْلُول الانشاء عَنهُ: أَي لانه يمْتَنع فِي الانشاء تخلف مَدْلُول لَفظه الوضعي عَنهُ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 أَي مَتى وجد اللَّفْظ الدَّال على إنْشَاء الطَّلَاق أَو الْعتاق سَوَاء وجد مَدْلُوله فِي حَال الطواعية أَو الاكراه وَهَذَا مَخْصُوص فِيمَا يَصح مَعَ الاكراه، بِخِلَاف مَا لَا يَصح مَعَه كَالْبيع فَإِنَّهُ يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ مَعَ الاكراه: أَي وَهُوَ إِثْبَات الْملك غير مُسْتَحقّ الْفَسْخ. قَوْله: (وَصَحَّ إِقْرَار العَبْد الْمَأْذُون بِعَين فِي يَده) وَلَو كَانَ إنْشَاء لَا يَصح، لانه يصير تَبَرعا مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ أَهلا لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْلِمُ بِخَمْرٍ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَو كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَائِمَةٌ لَا مُسْتَهْلَكَةٌ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قَوْله: (وبنصف دَاره مشَاعا) أَي الدَّار الْقَابِلَة للْقِسْمَة فَإِنَّهُ يَصح الاقرار بهَا لكَونه إِخْبَارًا، وَلَو كَانَ إنْشَاء لَكَانَ هبة، وَهبة الْمشَاع الْقَابِل للْقِسْمَة لَا تتمّ، وَلَو قبض بِخِلَاف مَالا يقسم كبيت وحمام صغيرين فَإِنَّهَا تصح فِيهِ وتتم بِالْقَبْضِ. قَوْله: (وَالْمَرْأَة بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود) لانه إِخْبَار عَن عقد سَابق، وَلَو كَانَ إنْشَاء لما صَحَّ إِقْرَارهَا بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود، لَان إنْشَاء عقد النِّكَاح يشْتَرط لصِحَّته حضورهم كَمَا مر فِي بَابه. قَوْله: (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بشئ معِين بِنَاء على الاقرار لَهُ بذلك) يَعْنِي إِذا ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا لما أَنه أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَقَدْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ بِالْإِقْرَارِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أُطَالِبُهُ بِمَا لَا سَبَبَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ. مِنَحٌ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الدَّعْوَى بالشئ الْمُعَيَّنِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْن لَا بالاقرار بِنَاء على الاقرار، قَوْله بِأَنَّهُ أقرّ لَهُ لَا مَحل لَهُ، وَفِي إقحامه ركاكة. تَأمل. قَوْله: (بِهِ يُفْتِي) مُقَابِله أَنَّهَا تسمع كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَحَاصِله: أَن الاقرار هَل هُوَ بَاقٍ فِي الشَّرْع أَو هُوَ إنْشَاء فِي الْمَعْنى فَيكون سَببا لذَلِك، فَمن جعله إنْشَاء سوغ هَذِه الدَّعْوَى، وَمن جعله بَاقِيا على مَعْنَاهُ الاصلي لم يجوز سماعهَا، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَجَمِيع الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ الصَّحِيح الْمعول عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَة. قَوْله: (لانه إِخْبَار) أَي لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهُوَ قد جعل سَبَب وجوب الْمُدعى بِهِ على الْمقر الاقرار فَكَأَنَّهُ قَالَ أطالبه بِلَا سَبَبَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا بَاطِل لما علم من كَلَام مَشَايِخنَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ: أَي لَا يجوز لَهُ أَخذه جبرا ديانَة كإقراره لامْرَأَته بِجَمِيعِ مَا فِي منزله وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ اهـ. بَحر: أَي وَلَو كَانَ إنْشَاء يحل أَخذه كَمَا فِي الدُّرَر، وَمَا نَقله فِي الْقنية عَن بعض الْمَشَايِخ من أَن الاقرار كَاذِبًا يكون نَاقِلا للْملك فخلاف الْمُعْتَمد الصَّحِيح من الْمَذْهَب الَّذِي إِلَيْهِ يذهب. قَوْله: (نَعَمْ لَوْ سَلَّمَهُ بِرِضَاهُ كَانَ ابْتِدَاءَ هِبَةٍ وَهُوَ الاوجه) هَذَا ظَاهر إِذا تعمد الْكَذِب، أما إِذا كَانَ يظنّ أَنه وَاجِب عَلَيْهِ يتَعَيَّن الافتاء بِعَدَمِ الْحل. فرع: الابراء والاقرار لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول. أَفَادَهُ السائحاني. قَوْله: (أَوْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ) أَي إِنَّه لي عَلَيْهِ. وَفِي شرح تحفة الاقران وَأَجْمعُوا أَنه لَو قَالَ هَذَا الْعين ملكي وَهَكَذَا أقرّ بِهِ الْمُدعى عَلَيْهِ يقبل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر الاقرار) أَي وَقد ادّعى مَا أقرّ بِهِ لكَونه ملكه وَلم يبن على مُجَرّد إِقْرَاره لما تقدم. قَوْله: (الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ بَلْ على المَال) قَالَ ابْن الْغَرْس: ثمَّ لَا يجوز أَن يحلف أَنه مَا أقرّ بِهِ قولا وَاحِدًا، لَان الصَّحِيح أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك، وَقد علمت الحكم فِي الاسباب الشَّرْعِيَّة الْمُتَّفق على سببيتها وَأَن الصَّحِيح أَنه لَا يحلف عَلَيْهَا فَكيف الْحَال فِيمَا سببيته قَول مَرْجُوح اهـ. وَقيل يحلف بِنَاء على أَنه إنْشَاء ملك. قَوْله: (وَأما دَعْوَى الاقرار فِي الدّفع) بِأَن أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنه لَا حق لَهُ قبل الْمُدعى عَلَيْهِ، أَو أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَن هَذِه الْعين ملك الْمُدعى عَلَيْهِ فَتسمع، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقِيلَ لَا تُسْمَعُ لانه دَعْوَى الاقرار فِي طرف الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ الدَّيْنُ يُقْضَى بِمِثْلِهِ. فَفِي الْحَاصِلِ: هَذَا دَعْوَى الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طرف الِاسْتِحْقَاق، فَلَا تسمع، جَامع الْفُصُولَيْنِ معزيا للمحيط والذخيرة. وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة لَكِن زَاد فِيهَا: وَقِيلَ: يُسْمَعُ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ يَدْفَعُ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي طَرَفٍ الدّفع. ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُدَّعَى، أَوْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ أَو مَا كَانَت ملكا لَهُ ينْدَفع الدَّعْوَى إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ بِالْإِرْثِ، فَبَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إِقْرَار الْمُورث بِمَا ذكرنَا، وَتَمَامه فِيهَا. قَوْله: (فَتسمع عِنْد الْعَامَّة) كَمَا فِي الدُّرَر وَشرح أدب القَاضِي وَالْخَانِيَّة، وَهَذَا مُقَابل قَول المُصَنّف وَلَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا يَصح) هَذَا فِي الاقرار بِمَا يرْتَد، أما فِيمَا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ كالرق وَالنّسب، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمقر لَهُ بعد رده يقبل مَبْسُوط والعقود اللَّازِمَة مثل النِّكَاح مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ، فَلَو قَالَ لَهَا تَزَوَّجتك أمس فَقَالَت لَا ثمَّ قَالَت بلَى وَقَالَ هُوَ لَا لزمَه النِّكَاح، لَان إِقْرَاره لم يبطل، إِذْ النِّكَاح عقد لَازم لَا يبطل بِمُجَرَّد جحود أحد الزَّوْجَيْنِ، فَيصح بتصديقها بعد التَّكْذِيب فَيثبت، وَلَا يعْتَبر إِنْكَاره بعد اه. سري الدّين مُلَخصا ط. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ قَوْله لَا يَصِحُّ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُمَا مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ فَلَا، وَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضا بِمَا إِذا لم يكن الْمقر مقصرا عَلَى إقْرَارِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا شئ لَهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَهُوَ مصر اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ كُنْتُ بِعْتُكَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك فَسَكَتَ الْبَائِعُ حَتَّى قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بعده بلَى اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلف فَهُوَ جَائِز، وَكَذَا النِّكَاح، وكل شئ يكون لَهما جَمِيعًا فِيهِ حق، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعد ذَلِك. قَوْله: (وَأما بعد الْقبُول فَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ) يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ وَنَفْيُ الْمَالِكِ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا يَصِحُّ. نَعَمْ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ لِمَا تقدم فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ طَلَبَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْفَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يكن عَلَيْهِ شئ، فَانْظُر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 كَيْفَ التَّصَادُقُ اللَّاحِقُ نَقَضَ السَّابِقَ مَعَ أَنَّ ربحه طيب حَلَال. قَوْله: (لانه إِقْرَار آخر) أَي وَقد صدقه فِيهِ فَيلْزمهُ. قَالَه الْعَلامَة عبد الْبر. وَفِي التاترخانية: وَفِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ لَو عَاد الْمقر إِلَى ذَلِك الاقرار وَصدقه الْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يكون لَهُ ذَلِك اهـ. وَوجه الْقيَاس: أَن الاقرار الثَّانِي عين الْمقر بِهِ، فالتكذيب فِي الاول تَكْذِيب فِي الثَّانِي. وَوجه الِاسْتِحْسَان: أَنه يحْتَمل أَنه كذبه بِغَيْر حق لغَرَض من الاغراض الْفَاسِدَة فَانْقَطع عَنهُ ذَلِك الْغَرَض فَرجع إِلَى تَصْدِيقه، فقد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل. حموي قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر إِقْرَاره الثَّانِي) أَي وادعاه الْمقر لَهُ لكَونه ملكه وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تسمع، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ للتناقض بَين هَذِه الدَّعْوَى وَبَين تَكْذِيبه الاقرار الاول. قَوْله: (قَالَ البديع) هُوَ أستاذ صَاحب الْقنية، فَإِنَّهُ عبر فِيهَا بقال أستاذنا. قَالَ عبد الْبر: يَعْنِي للْقَاضِي البديع. وَفِي بعض النّسخ قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَيْسَ بصواب ط. قَوْله: (والاشبه) أَي بِالصَّوَابِ وَالْقَوَاعِد. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) وَعبارَته: وَلَو أنكر الْمقر الاقرار الثَّانِيَ لَا يَحْلِفُ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ للتناقض من الْكَذِب للاقرار الاول. وَقَالَ القَاضِي البديع: يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْمقر لَهُ على إِقْرَاره ثَانِيًا وَهُوَ الاشبه بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الشَّارِح. أَي عبد الْبر ناظما لَهُ: الطَّوِيل وَقد صوب القَاضِي البديع قبُولهَا وَعِنْدِي لَهُ الْوَجْه الصَّحِيح الْمنور وَمن أَرَادَ الْمَزِيد فَعَلَيهِ بشرحه. قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ) يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد بِغَيْر المستهلكة، وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهَا وَقيد بهَا فِي الاستروشنية وَنَقله عَنْهَا فِي غَايَة الْبَيَان، وَتقدم فِي الِاسْتِحْقَاق نَظِير مَا قدمْنَاهُ عَن الْخَانِية، وَأَنه فرق فِي الِاسْتِحْقَاق لولد الْمُسْتَحقَّة بَين الاقرار، فَلَا يتبعهَا وَلَدهَا وَبَين الاثبات فيتبعها وَلَدهَا وَكَذَا سَائِر الزَّوَائِد، وَهُوَ عَام يَشْمَل المستهلكة وَغَيرهَا، وَهنا قد قيدها بالمستهلكة فَافْهَم أَن الْقَائِمَة يظْهر بهَا لاقرار، فَليُحرر. وَلَعَلَّه أَرَادَ الِاحْتِرَاز بالمستهلكة عَن الهالكة بِنَفسِهَا لانها غير مَضْمُونَة مُطلقًا لانها كزوائد الْمَغْصُوب. تَأمل قَوْله: (فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَلَوْ إخْبَارًا لَمَلَكَهَا) قَالَ فِي نور الْعين: شرى أمة فَولدت عِنْده لَا بِاسْتِيلَادِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يتراجعون فِيمَا بَينهم، بِخِلَاف الاقرار حَيْثُ لَا يَتَرَاجَعُونَ ف. ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَمَةٍ حُكْمٌ بِوَلَدِهَا وَكَذَا الْحَيَوَانُ، إذْ الْحُكْمُ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَلَدَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ نَاقِصَة، وَهَذَا الْوَلَدُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ فِي مِلْكٍ آخَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ. اهـ. فَفِيهِ مُخَالفَة لمَفْهُوم كَلَام المُصَنّف، وَيُشبه أَن تكون هَذِه التفريعات كلهَا جَامعا بَين قَول من قَالَ إِن الاقرار إِخْبَار بِحَق لآخر لَا إِثْبَات، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْفضل وَالْقَاضِي أبي حَازِم وَقَول من قَالَ: إِنَّه تمْلِيك فِي الْحَال وَهُوَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ. قَالَه فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَذكر استشهاد كل على مَا قَالَ بمسائل ذكرت فِي الْفَصْل التَّاسِع من الاستروشنية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 وَالْحَاصِل أَن الاقرار هَل هُوَ إِخْبَار بِحَق لآخر أم تمْلِيك فِي الْحَال على مَا قدمْنَاهُ من الْخلاف؟ وَقد علمت أَن الاكثر على الاول الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول، وَقد ذكرُوا لكل مسَائِل تدل على مَا قَالَ، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. قَوْله: (أقرّ حر مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل. دُرَر. قيد بِالْحرِّ، لَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كَمَا قدمْنَاهُ. وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه لَان الاذن لم يتَنَاوَل إِلَّا التِّجَارَة، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص، لَان العَبْد مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي حَقّهمَا. زَيْلَعِيّ قَوْله: (مُكَلّف) شَرط التَّكْلِيف لَان إِقْرَار الصَّبِي وَالْمَعْتُوه وَالْمَجْنُون لَا يَصح لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّة الِالْتِزَام، إِلَّا إِذا كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فَيصح إِقْرَاره بِالْمَالِ لكَونه من ضرورات التِّجَارَة، لانه لَو لم يَصح إِقْرَاره لَا يعامله أحد، فَدخل فِي الاذن كل مَا كَانَ طَرِيقه التِّجَارَة كالديون والودائع والعواري والمضاربات والغصوب فَيصح إِقْرَاره بهَا لالتحاقه فِي حَقّهَا بالبالغ الْعَاقِل، لَان الاذن يدل على عقله، بِخِلَاف مَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كالمهر وَالْجِنَايَة وَالْكَفَالَة حَيْثُ لَا يَصح إِقْرَاره بهَا، لَان التِّجَارَة مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ وَالْمهْر مُبَادلَة مَال بِغَيْر مَال، وَالْجِنَايَة لَيست بمبادلة، وَالْكَفَالَة تبرع ابْتِدَاء فَلَا تدخل تَحت الاذن والنائم والمغمى عَلَيْهِ كالجنون لعدم التَّمْيِيز، وَإِقْرَار السَّكْرَان جَائِز إِذا سكر بمحظور، لانه لَا يُنَافِي الْخطاب إِلَّا إِذا أقرّ بِمَا يقبل الرُّجُوع كالحدود الْخَالِصَة، وَإِن سكر بمباح كالشرب مكْرها لَا يلْزمه شئ. زَيْلَعِيّ. وَالرِّدَّة كالحدود الْخَالِصَة. حموي. قَوْله: (يقظان) أخرج بِهِ النَّائِم فَلَا يُؤَاخذ بِمَا أقرّ بِهِ فِي النّوم لارْتِفَاع الاحكام عَنهُ. قَوْله: (طَائِعا) أخرج بِهِ الْمُكْره فَلَا يَصح إِقْرَاره، وَلَو بِطَلَاق وعتاق كَمَا تقدم، أما طَلَاقه وعتاقه فيقعان. قَوْله: (إِن أقرُّوا بِتِجَارَة) أَي بِمَال فَيصح، وَجَوَابه قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي صَحَّ أَيْ صَحَّ لِلْحَالِ. قَوْله: (كإقرار مَحْجُور) أَي عبد لانه مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي الْحُدُود وَالْقصاص ولانه غير مُتَّهم بِهَذَا الاقرار لَان مَا يدْخل عَلَيْهِ بِهَذَا الاقرار من الْمضرَّة أعظم مِمَّا يدْخل على مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى الصَّبِي وَالْمَعْتُوه فَإِنَّهُ لَا حد عَلَيْهِمَا، وَلَا قَود لَان عمد الصَّبِي خطأ وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ، وَيدل على تَخْصِيصه بِالْعَبدِ قَول الشَّارِح وَإِلَّا فَبعد عتقه أَي إِلَّا يكن إِقْرَار العَبْد الْمَحْجُور بِحَدّ أَو قَود بل بِمَال، فَإِنَّهُ لَا ينفذ عَلَيْهِ فِي الْحَال لانه وَمَا فِي يَده لمَوْلَاهُ والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى لغير الْمقر، فَلَا ينفذ على مَوْلَاهُ فَإِن عتق سقط حق الْمولى عَنهُ فنفذ إِقْرَاره على نَفسه والاولى أَن يعبر بدل الْمَحْجُور بِالْعَبدِ وَأَن يُؤَخِّرهُ بعد قَوْله الْآتِي صَحَّ. قَوْله: (بِحَدّ وقود) أَي مِمَّا لَا تُهْمَة فِيهِ كَمَا ذكرنَا فَيَصِحُّ لِلْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ تُهْمَة. قَوْله: (فَبعد عتقه) أَي فتتأخر الْمُؤَاخَذَة بِهِ إِلَى عتقه، وَكَذَا الْمَأْذُون رِعَايَة لحق الْمولى. عَيْني قَوْله: (ونائم) قصد بِهَذَا كَالَّذي قبله وَبعده بَيَان المحترزات. قَوْله: (أَو مَجْهُول) إِنَّمَا صَحَّ الاقرار بِهِ لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا بِأَن أتلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو جرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا، وَالضَّمِير فِي صَحَّ يرجع للاقرار الْمَعْلُوم من أقرّ. قَوْله: (لَان جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا تضر) كَمَا إِذا أقرّ أَنه غصب من رجل مَالا مَجْهُولا فِي كيس أَو أودعهُ مَالا فِي كيس صَحَّ الْغَصْب والوديعة، وَثَبت حكمهمَا لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا الخ. قَوْله: (إلَّا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَبَيْعٍ) أَي لَو قَالَ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 سهم من دَاري غير معِين وَلَا مَعْلُوم مِقْدَاره، لاني قد كنت بِعته ذَلِك لَا يَصح لَان البيع الْمَجْهُول فَاسد، وَكَذَا لَو كَانَ الاقرار بِإِجَارَة كَذَلِك. وَاعْلَم أَن الْمقر بِالْمَجْهُولِ تَارَة يُطلق، وَتارَة يبين سَببا لَا تضره الْجَهَالَة كالغصب وَالْجِنَايَة، وَتارَة يبين سَببا تضره الْجَهَالَة، فالاول يَصح وَيحمل على أَن الْمقر بِهِ لزمَه بِسَبَب لَا تضره الْجَهَالَة، وَالثَّانِي ظَاهر، وَالثَّالِث لَا يَصح الاقرار بِهِ كَالْبيع والاجارة، فَإِن مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَو آجر مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بشئ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيم شئ. أَفَادَهُ فِي الدُّرَر والشرنبلالية. قَوْله: (كَقَوْلِه لَك على أَحَدنَا ألف) ظَاهره أَن الْقَائِل وَاحِد من جمَاعَة وَلَو يُحصونَ، وصدوره من أحدهم لَا يعين أَنه هُوَ المطالب، وَأَنه لَا يجْبر الْمُتَكَلّم على الْبَيَان قَوْله: (إِلَّا إِذا جمع بَين نَفسه وَعَبده فَيصح) هَذَا فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ، لِأَنَّ مَا عَلَى عَبْدِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ، فَإِذَا جَمَعَهُ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَك عَليّ أَو على زيد وَهُوَ مَجْهُول لَا يَصح. حموي. قَالَ فِي الاشباه: إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، فَلَا يَصح: الاولى أَن يكون العَبْد مديونا، الثَّانِيَة أَن يكون مكَاتبا، فَافْهَم. قَوْله: (وَكَذَا تضر جَهَالَة الْمقر لَهُ) أَي فَتبْطل فَائِدَة الاقرار لعدم اعْتِبَاره. قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا تضر الْجَهَالَة إِن لم تتفاحش على مَا ذكر شيخ الاسلام فِي مبسوطه والناطفي فِي واقعاته، وَسوى شمس الائمة بَين المتفاحشة وَغَيرهَا فِي عدم الِاعْتِبَار، لَان الْمَجْهُول لَا يصلح مُسْتَحقّا إِذْ لَا يُمكنهُ جبره على الْبَيَان من غير تعْيين الْمُدَّعِي فَلَا يُفِيد فَائِدَته كَمَا فِي الْمنح. قَالَ الْحَمَوِيّ: أَقُول مثل شرَّاح الْهِدَايَة وَغَيرهَا للفاحشة بِأَن قَالَ لوَاحِد من النَّاس ولغير الْفَاحِشَة بِأَن قَالَ لاحدكما وَوَقع تردد بدرس شيخ مَشَايِخنَا بَين أهل الدَّرْس: لَو قَالَ لاحدكم وهم ثَلَاثَة أَو أَكثر محصورون هَل هُوَ من الثَّانِي أَو الاول؟ فَمَال بَعضهم إِلَى أَنه من قبيل غير الْفَاحِشَة، وانتصر لَهُ بِمَا فِي الْخَانِية لَو قَالَ من بَايَعَك من هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إِلَى قوم مُعينين معدودين فَأَنا قبيل بِثمنِهِ جَازَ اهـ. قَالَ السائحاني: وَيظْهر لي أَن المتفاحش مائَة. أَقُول: لَكِن الَّذِي يظْهر لي أَن الْفَاحِش مَا زَاد على الْمِائَة أخذا من قَوْلهم فِي كتاب الشَّهَادَات من الْبَاب الرَّابِع فِيمَن تقبل شَهَادَته من الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل. نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه، وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ. كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي، وقدمناه فِي الشَّهَادَات. قَوْله: (فَيصح) لَان صَاحب الْحق لَا يعدو من ذكره وَفِي مثله يُؤمر بالتذكر، لَان الْمقر قد ينسى صَاحب الْحق. منح. وَهَذَا قَول الناطفي. وَقَالَ السَّرخسِيّ إِنَّهَا تضر أَيْضا قَوْله: (وَلَا يجْبر على الْبَيَان) أَي إِن فحشت أَو لَا زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ ينسى صَاحِبَ الْحَقِّ، وَزَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَى. وَفِي التاترخانية: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ، بَعْضُهُمْ قَالُوا نَعَمْ، وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ يُقْرِعُ، وَإِذَا حَلَفَ لِكُلٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْآخَرِ فَقَطْ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا يُقْضَى بِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 نَكَلَ لَهُمَا جُمْلَةً بِأَنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَنْ حَلَّفَهُ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ بَرِئَ عَن دَعْوَة كل، فَإِن أَرَادَ أَن يصطلحا وأخذا الْعَبْدَ مِنْهُ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَبْلَ الْحَلِفِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ اصْطِلَاحُهُمَا بَعْدَ الْحَلِفِ، قَالُوا: وَلَا رِوَايَةَ عَن أبي حنيفَة اهـ. أَقُول: وَالْحَاصِل: أَن قَول الشَّارِح وَلَا يجْبر على الْبَيَان مُوَافق لما فِي الْبَحْر والزيلعي والعيني وَشرح السَّيِّد حموي، وَيُخَالِفهُ مَا فِي الدُّرَر عَن الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يفحش بِأَن أقرّ أَنه غصب هَذَا العَبْد من هَذَا أَو من هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد شمس الائمة السَّرخسِيّ، لانه إِقْرَار للْمَجْهُول. وَقيل يَصح وَهُوَ الاصح لانه يُفِيد وُصُول الْحق إِلَى الْمُسْتَحق، لانهما إِذا اتفقَا على أَخذه فَلَهُمَا حق الاخذ وَيُقَال لَهُ: بَين الْمَجْهُول، لَان الاجمال من جِهَته كَمَا لَو أعتق أحد عبديه وَإِن لم يبين أجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان إيصالا للحق إِلَى الْمُسْتَحق اهـ. وَكَلَام الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُفِيد مُوَافقَة مَا فِي الدُّرَر من أَنه يجْبر على الْبَيَان حَيْثُ قَالَ: قَوْله كَمَا لَو أعتق أحد عبديه: يَعْنِي من غير تعْيين، أما لَو أعتق أَحدهمَا بِعَيْنِه، ثمَّ نَسيَه لَا يجْبر على الْبَيَان كَمَا فِي الْمُحِيط اهـ. وَأَقُول: قَوْله لَان الاجمال الخ هَكَذَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة الشُّرَّاح قاطبة ربطوا هَذَا الْكَلَام على صِحَة الاقرار للْمَجْهُول، وَصَاحب الدُّرَر ظن أَنه مُرْتَبِط بالاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يظْهر لمن نظر نظر التدبر فِي كَلَام صَاحب الْكَافِي أَيْضا، وَقد سبق أَنه لَا جبر على الْمقر لبَيَان الْمقر لَهُ عِنْد كَونه مَجْهُولا غير متفاحش، فاللائق عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بِهَذَا الْكَلَام فِي شرح قَوْله وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل. أَقُول: وَإِنَّمَا يجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان فِيمَا إِذا أعتق أحد عبديه من غير تعْيين، لَان الظَّاهِر من حَال الْمقر هُوَ الْعلم بِالْحَقِّ الَّذِي أقرّ بِهِ، فَيجب عَلَيْهِ الْبَيَان. لَا يُقَال: إِنَّه تقدم عِنْد. قَوْله: (أَو مَجْهُول) أَن الْمقر قد يتْلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو يجرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا. لانا نقُول: إِن ذَلِك احْتِمَال اعْتبر هُنَاكَ بتصحيح الاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يسمع قَوْله لَا أَدْرِي فِي جَمِيع مَا أقرّ بِهِ، بل على القَاضِي أَن يعْتَمد على ظَاهر الْحَال وَلَا يصدقهُ فِيمَا هُوَ مُحْتَمل. قَوْله: (لجَهَالَة الْمُدَّعِي) أَي فيهمَا، ولانه قد يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الْحق على الْمُسْتَحق، وَالْقَاضِي إِنَّمَا نصب لايصال الْحق إِلَى مُسْتَحقّه لَا لابطاله اهـ. منح. قَوْله: (بَحر) تَتِمَّة عِبَارَته: وَلكُل مِنْهُمَا أَن يحلفهُ. قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر لَكِن بِاخْتِصَار مخل كَمَا بَينه عزمي زَاده) لَيْسَ فِي كَلَامه اخْتِصَار مخل بل زِيَادَة مضرَّة ذكرهَا فِي غير موضعهَا، وَقد سَمِعت عِبَارَته وصدرها، وَلم يَصح الاقرار للْمَجْهُول إِذا فحشت جهالته بِأَن يَقُول هَذَا العَبْد لوَاحِد من النَّاس، لَان الْمَجْهُول لَا يكون مُسْتَحقّا، وَإِن لم تفحش إِلَى آخر مَا قدمنَا عَنْهَا، وَاعْتَرضهُ عزمي زَاده بِأَن قَوْله: وَيُقَال لَهُ بَين الْمَجْهُول مُرْتَبِط بِصِحَّة الاقرار مَعَ جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا بِعَدَمِ الصِّحَّة فِي جَهَالَة الْمقر لَهُ، وَلَا مساغ لحمله على ذَلِك لانه علل الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَلَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَصَاحب الْحق مَجْهُول، وَكَانَ الْوَاجِب ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي أثْنَاء شرح قَوْله أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ ليُوَافق كَلَامه كَلَامهم ومرامه مرامهم اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ الْجَبْرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُقَرَّ بِهِ لَا الْمُقَرَّ لَهُ لِقَوْلِ الْكَافِي لِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَأَنه لَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَلَا يجْبر على الْبَيَان لانه إِنَّمَا يكون ذَلِك لصَاحب الْحق وَهُوَ مَجْهُول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 فَرْعٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْإِقْرَارَ الْعَامَّ وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْر، وَفِي الْمِنَحِ، وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْعَامِّ كَمَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ جَمِيعِ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان وَإِن اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ برد الْمقر لَهُ. صرح فِي الْخُلَاصَة، وَكثير من الْكتب الْمُعْتَمدَة وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَوْلَ الْعِمَادِيِّ وقاضيخان: الْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصْدِيقِ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ وَبَحَثَ فِي الْجَوَابِ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ اللُّزُومَ غَيْرُ الصِّحَّةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ مَعَ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، فَالْمُتَوَقِّفُ لُزُومُهُ لَا صِحَّتُهُ، فالاقرار للْغَائِب لَا يلْزم حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى صَحَّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ بِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول وَقدمنَا شَيْئا من ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ. قَوْله: (وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل) أَي يجْبر عَلَيْهِ إِذا امْتنع كَمَا فِي الشمني، لانه لزمَه الْخُرُوج عَمَّا وَجب عَلَيْهِ بالاقرار، لَان كثيرا من الاسباب تتَحَقَّق مَعَ الْجَهَالَة كالغصب والوديعة، لَان الانسان يغصب مَا يُصَادف ويودع مَا عِنْده من غير تَحْرِير فِي قدره وجنسه وَوَصفه فَيحمل عَلَيْهِ حَتَّى لَو فسره بِالْبيعِ أَو الاجارة لَا يَصح إِقْرَاره، لَان هَذِه الْعُقُود لَا تصح مَعَ الْجَهَالَة فَلَا يجْبر على الْبَيَان. زَيْلَعِيّ. قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول بِهِ استخرجت جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى: كرم وقف اسْتهْلك الْعَامِل عَلَيْهِ حِصَّة الْوَقْف مُدَّة سِنِين أَو مَاتَ الْعَامِل وَأقر ورثته باستهلاك ثَمَرَته فِي السنين الْمعينَة إِقْرَارا مَجْهُولا فِي الْغلَّة. فأجبت: بِأَنَّهُم يجبرون على الْبَيَان وَالْقَوْل لَهُم مَعَ الْحلف إِلَّا أَن يُقيم الْمُتَوَلِي بَيِّنَة بِأَكْثَرَ، فَتَأمل اهـ. وَقَالَ أَيْضا: ذكر صَاحب الْبَحْر فِي البيع فِي شرح قَوْله: وَإِن اخْتلفت النُّقُود فسد البيع، لَو أقرّ بِعشْرَة دَنَانِير حمر وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة حمر لَا يَصح بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يتَصَرَّف إِلَى الاروج. اهـ. وَلَا ريب أَن معنى قَوْله: لَا يَصح بِلَا بَيَان: أَي لَا يثبت بِهِ شئ بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يثبت الاروج بِدُونِ بَيَان، إِذْ صِحَة الاقرار بِالْمَجْهُولِ مقررة وَعَلِيهِ الْبَيَان. تَأمل. وَفِي الْمَقْدِسِي: وَلَو بَين الْغَصْب فِي عقار أَو خمر مُسلم صَحَّ لانه مَال، فَإِن قيل الْغَصْب أَخذ مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم بِغَيْر إِذن الْمَالِك على وَجه يزِيل يَده، وَهُوَ لَا يصدق على الْعقار وخمر الْمُسلم. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك حَقِيقَة وَقد تتْرك بِدلَالَة الْعَادة وَفِي خير مَطْلُوب سَوَاء عين فِي هَذِه الْبَلدة أَو غَيرهَا، وَلَو قَالَ: الدَّار الَّتِي فِي يَد فلَان صَحَّ بَيَانه، وَلَا تُؤْخَذ من يَده وَلَا يضمن الْمقر شَيْئا لانه أقرّ بغصبها وَهِي لَا تضمن بِالْغَصْبِ اهـ. أَقُول: وَإِنَّمَا يلْزمه بَيَان مَا جهل، هَذَا إِذا لم يكن الحكم عَلَيْهِ من لخارج، أما إِذا أمكن فَلَا وَيحكم عَلَيْهِ بالمتيقن، أَلا يرى أَنه لَو قَالَ: لَا أَدْرِي لَهُ عَليّ سدس أَو ريع فَإِنَّهُ يلْزم الاقل. وَسَيَأْتِي مَا يُوضح مَا ظهر لي. وَفِي الْمَقْدِسِي: لَهُ عَليّ عبد أَو قَالَ لَهُ شرك فِيهِ: أوجب أَبُو يُوسُف قيمَة وسط فِي الاول والشطر فِي الثَّانِي، وَمُحَمّد الْبَيَان فيهمَا، وَلَو قَالَ لَهُ عشرَة دَرَاهِم ودانق أَو قِيرَاط فهما من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 الدَّرَاهِم وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة. وَفِي الاشباه: الاقرار بِالْمَجْهُولِ صَحِيح، وَاعْتَرضهُ الْحَمَوِيّ بِمَا فِي الْمُلْتَقط: إِذا قَالَ عَليّ دَار أَو شَاة: قَالَ أَبُو يُوسُف: يلْزمه الضَّمَان بِقِيمَة الْمقر بِهِ وَالْقَوْل قَوْله. وَقَالَ بشر: تجب الشَّاة. اهـ. وَيُمكن الْجَواب بمشي الاشباه على قَول الامام وَالْخَانِيَّة والملتقط على قَول غَيره، وَلَعَلَّ المُرَاد بالوسط أَو الْقيمَة من أقل الْمقر بِهِ لانه مقرّ بِأَحَدِهِمَا الْمُبْهم إِلَّا بالاثنين، وَحِينَئِذٍ فَحلف بشر لَفْظِي. كَذَا بِخَط الْعَلامَة السائحاني. قَوْله: (كشئ وَحقّ) بِأَن قَالَ عَليّ لفُلَان شئ أَو حق، لَان الْحق قد يلْزم مَجْهُولا بِأَن يتْلف مَالا أَو يجرح جِرَاحَة أَو تبقى عَلَيْهِ بَاقِيَة حِسَاب لَا يعرف قيمتهَا وَلَا أَرْشهَا وَلَا قدرهَا كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَلَو قَالَ فِي قَوْله: عَليّ حق أردْت بِهِ حق الاسلام لم يصدق مُطلقًا، سَوَاء قَالَه مَوْصُولا أَو مَفْصُولًا، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الزَّيْلَعِيّ والعيني والكفاية لانه خلاف الْعرف، فَإِذا بَين بِغَيْر ذَلِك كَانَ رُجُوعا فَلَا يَصح وَعَلِيهِ الْمعول كَمَا فِي التَّبْيِين. وَفِي تَكْمِلَة قَاضِي زَاده: أَنه إِذا وَصله صدق وَإِن فَصله لَا يصدق، وَعَلِيهِ مَشى فِي التاترخانية، وَنَقله الْحَمَوِيّ، وَكَذَا نَقله صَاحب الْكِفَايَة عَن الْمُحِيط والمستزاد كَمَا فِي الشلبي. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: بَقِي لَو مَاتَ قبل الْبَيَان توقف فِيهِ الشَّيْخ الحانوتي، قَالَ الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَيَنْبَغِي أَن يرجع فِيهِ للْوَرَثَة. اهـ. وَفِيه أَن الْوَارِث إِذا كَانَ لَا يعلم كَيفَ يرجع إِلَيْهِ فَليُحرر بِالنَّقْلِ. وَفِيه أَن الْوَارِث قد يعلم فالرجوع إِلَيْهِ لاستكشاف مَا عِنْده، فَإِنَّهُ علمه وَافق علم بِهِ. قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يصدق فِي حق الشُّفْعَة أَو التطرق وَنَحْوه. اهـ. قَوْله: (وَالْقَوْل للْمقر مَعَ حلفه لانه الْمُنكر) ولانه لما كذبه فِيمَا بَين وَادّعى شَيْئا آخر بَطل إِقْرَاره بتكذيبه وَكَانَ القَوْل للْمقر فِيمَا ادّعى عَلَيْهِ اهـ. قَوْله: (وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ فِي عَليّ مَال) لَان مَا دونه من الكسور لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم المَال عَادَة وَهُوَ الْمُعْتَبر زَيْلَعِيّ، وَمثله فِي الْهِنْدِيَّة. وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَفِي الْقيَاس يصدق فِي الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا قَالَ الْقَدُورِيّ. قَالَ ط: وَظَاهر الْبَحْر أَنه يلْزمه دِرْهَم، وَلَا يجْبر على الْبَيَان، وَعبارَته: وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دَار أَو عبد لَا يلْزمه شئ، أَو مَال قَلِيل أَو دِرْهَم عَظِيم أَو دريهم لزمَه دِرْهَم. قَوْلُهُ: (وَمِنْ النِّصَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ دِرْهَم وَكَذَا المعطوفات بعده. قَوْله: (أَي نِصَاب الزَّكَاة) لانه عَظِيم فِي الشَّرْع حَتَّى اعْتبر صَاحبه غَنِيا وَأوجب عَلَيْهِ مواساة الْفُقَرَاء، وَفِي الْعرف حَتَّى يعد من الاغنياء عَادَة. منح. قَوْله: (وَقيل إِن الْمقر فَقِيرا الخ) قَالَ فِي الْمنح: والاصح أَنه على قَوْله مَبْنِيّ عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيّ لَيْسَ بعظيم وَهُوَ فِي الشَّرْع مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السّرقَة وَالْمهْر الْعشْرَة عَظِيم، فَيرجع إِلَى حَاله. كَذَا فِي النِّهَايَة. قَوْله: (فِي مَال عَظِيم) مَعْطُوف على قَوْله فِي عَليّ مَال الْمَعْمُول ليصدق فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعاملين مُخْتَلفين، وَهُوَ لَا يجوز، والاولى أَن يَقُول: وَلزِمَ فِي عَليّ مَال دِرْهَم، وَفِي عَليّ مَال عَظِيم نِصَاب، وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعامل وَاحِد. تَأمل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 وَاعْلَم أَن المَال الْقَلِيل دِرْهَم، فَإِذا قَالَ فِي لَهُ عَليّ مَال عَظِيم وَسُئِلَ الْبَيَان فَقَالَ لَا قَلِيل وَلَا كثير لزمَه مِائَتَان، لانه لما قَالَ لَا قَلِيل لزمَه الْكثير. كَذَا عَن مُحَمَّد. وَيظْهر لي أَن يلْزمه عِنْد الامام عشرَة إِذْ هِيَ الْكثير عِنْده، وَلَو قَالَ عَليّ شئ من الدَّرَاهِم أَو من دَرَاهِم فَعَلَيهِ ثَلَاثَة. قلت: وعَلى تَقْدِير من تبعيضية لَا يظْهر مقدسي قَوْله: (قَوْله لَو بَينه الخ) بِأَنْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ من الْفضة لزمَه النّصاب من الْمقر بِهِ وَمن الابل أَخذ نصابها أَيْضا، فَإِن قَالَ من ثِيَاب أَو كتب اعْتبر النّصاب بِالْقيمَةِ. قَوْله: (وَمن خمس وَعشْرين من الابل) أَيْ وَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَوْله: (لانها أدنى نِصَاب يُؤْخَذ من جنسه) جَوَاب سُؤال حَاصله: أَن أدنى نِصَاب الابل خمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فِيهَا شَاة. وَحَاصِل الْجَواب: أَن مَا دون الْخمس وَالْعِشْرين من الابل لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة من جنسه، وَإِن وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة، وَتَقْرِير ذَلِك أَن الْخمس س من الابل وَإِن كَانَت مَالا عَظِيما فَعَظمهُ لمَالِكه نسبي، فَصَارَ لَهُ جهتان: جِهَة الْغَنِيّ بتملكها فأوجبنا الشَّاة فِيهَا، وجهة عدم الْعظم الْحَقِيقِيّ، فَقُلْنَا بِعَدَمِ جَوَاز صَدَقَة فِيهَا مِنْهَا. أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ. وَالظَّاهِر أَنه يعْتَبر فِي الْبَقر وَالْغنم نصابهما إِذا بَين بهما كَمَا يُسْتَفَاد من الْمنح ط. قَوْله: (وَمن ثَلَاثَة نصب فِي أَمْوَال عِظَام) لَان أقل الْجَمِيع ثَلَاثَة فَلَا يصدق فِي أقل مِنْهُ للتيقن بِهِ، وَيَنْبَغِي على قِيَاس قَول الامام أَن يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر. منح. وَفِي الذَّخِيرَة: وَلَو قَالَ مَال نَفِيس أَو كريم أَو خطير أَو جليل: قَالَ الناطفي: لم أَجِدهُ مَنْصُوصا، وَكَانَ الْجِرْجَانِيّ يَقُول: يلْزمه مِائَتَان. وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ عَليّ دَرَاهِم مضاعفة فَعَلَيهِ سِتَّة دَرَاهِم، لَان أدنى الْجمع ثَلَاثَة وضعفها سِتَّة، وَلَو قَالَ دَرَاهِم أَضْعَاف مضاعفة يلْزمه ثَمَانِيَة عشر درهما، لَان أضعافا لفظ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة ومضاعفة التِّسْعَة ثَمَانِيَة عشر. ذكره الشمني. قَوْله: (ثَلَاثَة) لانها أدنى الْجمع. قَوْله: (عشرَة) عِنْد الامام وَقَالا نِصَاب، والاصل أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة، لكنه اعْتبر الْعرف لُغَة وهما اعتبراه شرعا. قَوْله: (لانها نِهَايَة اسْم الْجمع) الاضافة للْبَيَان: أَي نِهَايَة اسْم هُوَ الْجمع وَهُوَ دَرَاهِم إِذْ هُوَ جمع دِرْهَم وَلَيْسَ المُرَاد اسْم الْجمع المصطلح عَلَيْهِ كَمَا لَا يخفى: يَعْنِي أَن الْعشْرَة أقْصَى مَا يذكر بِلَفْظ الْجمع فَكَانَ هُوَ الاكثر من حَيْثُ اللَّفْظ فَيَنْصَرِف إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: لَا يصدق فِي أقل من نِصَاب: والاصل فِيهِ مَا قدمنَا من أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة الخ، وَهُوَ أول مَا يصدق عَلَيْهِ جمع الْكَثْرَة. أما تَعْلِيل الشَّارِح فيوهم أَن الْعبْرَة لاقل مَا يصدق اللَّفْظ لَا لنهايته، إِذْ هِيَ مشكوكة وَالْمَال لَا يثبت بِالشَّكِّ فَتعين مَا قُلْنَا. تَأمل قَوْله: (وَكَذَا درهما دِرْهَم) أَي لَا يصدق فِي أقل من دِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا درهما لانه تَفْسِير للمبهم. كَذَا فِي الْهِدَايَة وَفِيه مَا سبق من مُخَالفَة الْعَطف. قَالَ الاتقاني: وَيَنْبَغِي أَن يلْزمه فِي هَذَا أحد عشرَة لانه أول الْعدَد الَّذِي يَقع مميزه مَنْصُوبًا، هَكَذَا نقل عَن أهل اللُّغَة فَلَا يصدق فِي بَيَانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 بدرهم، وَالْقِيَاس فِيهِ مَا قَالَه فِي مُخْتَصر الاسرار إِذا قَالَ لَهُ كَذَا دِرْهَم أَنه يلْزمه عشرُون، لانه ذكر جملَة وفسرها بدرهم مَنْصُوب. وَذَلِكَ يكون من عشْرين إِلَى تسعين فَيجب الاقل وَهُوَ عشرُون لانه مُتَيَقن اهـ. وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَفِي السراج: وَإِن قَالَ كَذَا درهما لزمَه عشرُون، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه مائَة، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع أَو بِالسُّكُونِ لزمَه دِرْهَم وَاحِد لانه تَفْسِير للمبهم. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَفِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ، إذْ الْوَاحِد لَا يعد حَتَّى يكون مَعَه شئ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ: يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بعده الدِّرْهَم بِالنّصب عشرُون. منح. قَوْله: (وَلَو خفضه لزمَه دِرْهَم) كَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد، وَإِن قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه ثَلَاثمِائَة، والتوجيه فِي غَايَة الْبَيَان. قَوْله: (وَفِي دريهم الخ) أَي بِالتَّصْغِيرِ، وَكَذَا لَو صغر الدِّينَار يلْزمه تَاما، لَان التصغير يكون لصِغَر الحجم وللاستحقار ولخفة الْوَزْن فَلَا ينقص الْوَزْن بِالشَّكِّ ط. قَوْله: (أَو دِرْهَم عَظِيم) إِنَّمَا لزمَه دِرْهَم لَان الدِّرْهَم مَعْلُوم الْقدر فَلَا يزْدَاد قدره بقوله عَظِيم لانه وصف اهـ. تَبْيِين. قَالَ الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي إِذا كَانَت الدَّرَاهِم مُخْتَلفَة أَن يجب من أعظمها عملا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور حموي. قَوْله: (وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد إِلَّا بِحجَّة) قَالَ صَاحب الْهِدَايَة: وينصرف إِلَى الْوَزْن الْمُعْتَاد: أَي بَين النَّاس، وَذَلِكَ لَان الْمُطلق من الالفاظ ينْصَرف إِلَى الْمُتَعَارف وَهُوَ غَالب نقد الْبَلَد. وَلَا يصدق فِي أقل من ذَلِك لانه يُرِيد الرُّجُوع عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامه. قَالَ فِي تحفة الْفُقَهَاء: وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم فَهُوَ على مَا يتعارفه أهل الْبَلَد من الاوزان أَو الْعدَد، وَإِن لم يكن شَيْئا متعارفا يحمل على وزن سَبْعَة فَإِنَّهُ الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع، وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَار يعْتَبر المثاقيل إِلَّا فِي مَوضِع مُتَعَارَف فِيهِ بِخِلَافِهِ اهـ. شلبي. وَفِي الْكَافِي: وَإِن كَانَ نقد الْبَلَد مُخْتَلفا فَهُوَ على الاقل من ذَلِك اهـ. وَلَا يصدق إِن ادّعى وزنا دون ذَلِك اهـ. بِتَصَرُّف فَقَوله إِلَّا بِحجَّة إِن أُرِيد بهَا الْبَيَان فالامر ظَاهر، وَإِن لم يكن بَيَانا فالحجة عرف الْبَلَد، فَتدبر. ط. قَوْله: (وَكَذَا كَذَا درهما) بِالنّصب. قَوْله: (أحد عشر) لانه ذكر عددين مبهمين بِدُونِ حرف الْعَطف أقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد عشر وَأَكْثَره تِسْعَة عشر، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه. منح. وبالخفض ثَلَاثمِائَة وَفِي كَذَا وَكَذَا درهما، وَكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ مِنْ كُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ سِتَّةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَقَلُّ مَالِيَّةً وَالْقِيَاسُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ كُلٍّ، لَكِنْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ. غَايَة الْبَيَان مُلَخصا. أَقُول: لَكِن مُقْتَضى الِاحْتِيَاط أَن يلْزمه دِينَار وَاحِد وَعشرَة دَرَاهِم لانه أقل مَا يصدق عَلَيْهِ القَوْل الْمَذْكُور. تَأمل. قَوْله: (لَان نَظِيره الخ) لَو قَالَ: لَان أقل نَظِير لَهُ وَاحِد وَعِشْرُونَ لَكَانَ أولى. قَالَ فِي الْمنح: لَان فصل بَينهمَا بِحرف الْعَطف، وَأَقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد وَعِشْرُونَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 وَأَكْثَره تِسْعَة وَتسْعُونَ، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ثَلَّثَ) بِأَنْ قَالَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا. قَوْلُهُ: (إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ) وَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَصْبِ الدِّرْهَمِ وَتَمْيِيزُ هَذَا الْعَدَدِ مَجْرُورٌ، وَلْيُنْظَرْ هَلْ إذَا جَرَّهُ يلْزمه ذَلِك؟ وَظَاهر كَلَامهم لَا. قَوْله: (فَحمل على التّكْرَار) أَي تكْرَار لفظ كَذَا الاخير. قَوْله: (زيد ألف) فَيجب ألف وَمِائَة وَأحد وَعِشْرُونَ لانه أقل مَا يعبر عَنهُ بأَرْبعَة أعداد مَعَ الْوَاو. ط عَن أبي السُّعُود. قَوْله: (وَلَو خمس زيد عَشَرَةُ آلَافٍ) هَذَا حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ بِلَفْظِ يَنْبَغِي لَكِنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ تَتَرَكَّبُ مَعَ الْأَلْفِ بِلَا وَاوٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ ألفا، فتهدر الْوَاو الَّتِي تعْتَبر مهما أَمْكَنَ وَهُنَا مُمْكِنٌ فَيُقَالُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. نَعَمْ قَوْلُهُ: (وَلَوْ سدس الخ) مُسْتَقِيم. سائحاني. أَي بِأَن قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَا لَوْ سَبَّعَ زِيدَ قَبْلَهُ أَلْفٌ أَلْفٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ فِيهِ أَنَّهُ يُضَمُّ الالف إل الْعَشَرَةِ آلَافٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ، وَالْقِيَاسُ لُزُومُ مائَة ألف وَعشرَة آلَاف الخ. اهـ. لِأَنَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ، وَيَلْزَمُ أَيْضًا اخْتِلَالُ الْمَسَائِلِ الَّتِي بَعْدَهُ كُلِّهَا فَيُقَالُ لَوْ خَمَّسَ زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَدَّسَ زِيدَ أَلْفُ أَلْفٍ، وَهَكَذَا بِخِلَافِهِ على مَا مر، فَتدبر. قَوْله: (وَهَكَذَا يعْتَبر نَظِيره أبدا) أَي كلما زَاد مَعْطُوفًا بِالْوَاو زيد عَلَيْهِ مَا جرت بِهِ الْعَادة إِلَى مَا لَا يتناهى كَمَا فِي الْبَحْر، وَفِيه: وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد فِي كل زمَان أَو مَكَان، والنيف مَجْهُول يرجع إِلَيْهِ فِيهِ والبضعة للثَّلَاثَة. اهـ. فَلَو قَالَ عشرَة ونيف فالبيان فِي النيف إِلَيْهِ، فَإِن فسره بِأَقَلّ من دِرْهَم جَازَ، لَان النيف مُطلق الزِّيَادَة، وَلَو قَالَ بضع وَعِشْرُونَ فَفِي الْبَدَائِع: الْبضْع فِي عرف اللُّغَة من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة فَيحمل على الاقل للتيقن. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: اليضعة النّصْف. قَوْله: (لَان على للايجاب) قَالَ الاتقاني: أما قَوْله عَليّ فَإِنَّمَا كَانَ إِقْرَارا بِالدّينِ بسبيل الِاقْتِضَاء، وَإِن لم يذكر الدّين صَرِيحًا لَان كلمة عَليّ تسْتَعْمل فِي الايجاب، وَمحل الايجاب الذِّمَّة، وَالثَّابِت فِي الذِّمَّة الدّين لَا الْعين فَصَارَ إِقْرَاره بِالدّينِ مُقْتَضى قَوْله عَليّ، وَالثَّابِت اقْتِضَاء كَالثَّابِتِ نصا وَلَو نَص فَقَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم دين كَانَ مقرا بِالدّينِ لَا بِالْعينِ، فَكَذَلِك هُنَا اهـ. قَوْله: (وقبلي للضَّمَان غَالِبا) قَالَ الاتقاني: لَان. قَوْله: (قبلي) وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي الايجابات والامانات يُقَال لفُلَان قبلي وَدِيعَة وقبلي أَمَانَة غلب اسْتِعْمَاله فِي الايجابات، وَالْمُطلق من الْكَلَام ينْصَرف إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال. اهـ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كل من تقبل بشئ مقاطعة وَكتب عَلَيْهِ بذلك كتابا فالكتاب الَّذِي يكْتب هُوَ القبالة بِالْفَتْح، وَالْعَمَل قبالة بِالْكَسْرِ لانه صناعَة اهـ. وَفِي بعض النّسخ: وَقبل عوض وقبلي. قَوْله: (وَصدق إِن وصل بِهِ هُوَ وَدِيعَة) أَي بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة فَلَا تكون على للالزام، وَكَذَا لَو قَالَ أردْت بِهِ الْوَدِيعَة مُتَّصِلا عَيْني. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 (لانه يحْتَملهُ مجَازًا) وَذَلِكَ لَان لفظ عَليّ وقبلي ينشأن عَن الْوُجُوب، وَهُوَ مُتَحَقق فِي الْوَدِيعَة إِذْ حفظهَا وَاجِب، فَقَوله لَهُ عَليّ كَذَا: أَي يجب لَهُ عَليّ حفظ كَذَا، فَأطلق مَحل وجوب الْحِفْظ وَهُوَ المَال وَأَرَادَ الْحَال فِيهِ وَهُوَ وجوب حفظه، وَأما قبلي فقد تقدم أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الامانة ط. قَوْله: (لتقرره بِالسُّكُوتِ) فَلَا يجوز تَغْيِيره بعد ذَلِك كَسَائِر الْمُغيرَات من الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط. ط قَوْله: (عِنْدِي) أَي لَهُ عِنْدِي، وَكَذَا يُقَال فِي الْجَمِيع. قَوْله: (عملا بِالْعرْفِ) لَان الْكل إِقْرَار بِكَوْن الشئ فِي يَده وَذَا يكون أَمَانَة، لانه قد يكون مَضْمُونا وَقد يكون أَمَانَة وَهَذِه أقلهما. وَفِي كَفَالَة الْخَيْرِيَّة عَن التاترخانية لَفْظَة عِنْدِي للوديعة، لكنه بِقَرِينَة الدّين تكون كَفَالَة. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: مُطلقَة يحْتَمل الْعرف، وَفِي الْعرف إِذا قرن بِالدّينِ يكون ضمانا، وَقد صرح بِضَمَان بِأَن عِنْد إِذا اسْتعْملت فِي الدّين يُرَاد بِهِ الْوُجُوب اهـ. أَقُول: وَكَأَنَّهُ فِي عرفهم إِقْرَار بالامانة، أما الْعرف الْيَوْم فِي عِنْدِي وَمَعِي الدّين، لَكِنْ ذَكَرُوا عِلَّةً أُخْرَى تُفِيدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ عرفنَا اهـ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلُّ الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، إذْ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالْعَيْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ أَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهَا، وَالْعرْف يشْهد لَهُ أَيْضا. فَإِن قيل: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِيعَةُ دَيْنٍ أَوْ دَيْنُ وَدِيعَةٍ لَا تَثْبُتُ الْأَمَانَةُ مَعَ أَنَّهَا أَقَلُّهُمَا. أُجِيبَ: بِأَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِقْرَارِ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ اهـ. أَي بِخِلَاف اللَّفْظ الْوَاحِد الْمُحْتَمل لمعنيين كَمَا هُنَا. تَأمل. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر فِي كلمة عِنْدِي أَنَّهَا عِنْد الاطلاق للامانة، وَلذَا قَالَ فِي التاترخانية: إِنَّهَا بِقَرِينَة الدّين للكفالة، وَيُسْتَفَاد من هَذَا أَنَّهَا بِقَرِينَة الْغَصْب تكون لَهُ كَمَا لَو قَالَ غصبت مني كَذَا فَقَالَ عِنْدِي، فَتَأمل. وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَيْضا أَنه لَو سَأَلَ القَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ عِنْدِي يكون إِقْرَارا بالمدعي، وَقد نَص عَلَيْهِ السُّبْكِيّ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَلَا تأباه قواعدنا، فَتَأمل اهـ. قَوْله: (فَهُوَ هبة لَا إِقْرَار) أَي لَان مَاله أَو مَا ملكه يمْتَنع أَن يكون لآخر فِي ذَلِك الْحَال فَلَا يَصح الاقرار، وَاللَّفْظ يحْتَمل الانشاء فَيحمل عَلَيْهِ وَيكون هبة. قَوْله: (كَانَ إِقْرَار بِالشّركَةِ) قَالَ الْحَمَوِيّ: لَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف دِرْهَم أَو فِي دراهمي هَذِه فَهُوَ إِقْرَار، ثمَّ إِن كَانَ مُمَيّزا فوديعة وَإِلَّا فشركة. اهـ. فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: أَو بالوديعة. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إقْرَارًا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم، والاوضح أَن يَقُول: بِخِلَاف مَا لَو كَانَ إِقْرَارا كَمَا أَن الاوضح فَلَا بُد فِيهَا من التَّسْلِيم. قَوْله: (والاصل أَنه مَتى أضَاف المقربة الخ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ فِي كَمَا يعلم مِمَّا قبله. قَوْله: (كَانَ هبة) لَان إِضَافَته إِلَى نَفسه تُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً، فَيَكُونُ هِبَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنَحٌ. إذَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانِ فِي مَالِي أَلْفًا، فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَفِي الْأَصْلِ: إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِقْرَارٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ لَهُ سُدُسَ دَارٍ جَمِيعهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، وَفِي الثَّانِي جَعَلَ دَارَ نَفْسِهِ ظَرْفًا للسدس الَّذِي سَمَّاهُ كَانَ لفُلَان، وَإِنَّمَا يكون دَارُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ السُّدُسِ إذَا كَانَ السُّدُسُ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إقْرَارًا، أَمَّا لَوْ كَانَ إنْشَاءً لَا يَكُونُ ظَرْفًا، لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا لَهُ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ ظَرْفًا لِلْبَعْضِ. وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ فِي مَالِي فَهُوَ إِقْرَار اهـ. من النِّهَايَة. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ هِبَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ، وَسَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَنَّهُ إقْرَارٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِح هُنَاكَ وأوضحه سَيِّدي الْوَالِد ثَمَّةَ، فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى مَنْطُوق الاصل الْمَذْكُور، فَإِن الاضافة مَوْجُودَة وَمَعَ ذَلِك جعل إِقْرَارا، لَكِن الاضافة فِي الظّرْف لَا المظروف وَهُوَ الْمقر بِهِ. قَوْله: (مَا فِي بَيْتِي) أَي فَإِنَّهُ إِقْرَار، وَكَذَا مَا فِي مَنْزِلِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يبعثها فِي النَّهَار وتأوي إلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَكَذَا الْعَبِيدُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التاترخانية. قَوْله: (لانها إِضَافَة نِسْبَة) أَيْ فَإِنَّهُ أَضَافَ الظَّرْفَ لَا الْمَظْرُوفَ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا علمت: يَعْنِي أَن الاضافة هُنَا كلا إِضَافَة، لاحْتِمَال أَن الْبَيْت أَو الصندوق أَو الْكيس ملك غَيره، وَمر فِي الايمان أَن المُرَاد بِالْبَيْتِ مَا ينْسب إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى سَوَاء كَانَ بِملك أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة أَو غير ذَلِك، وَالْمقر بِهِ هُنَا مَا فِي الْبَيْت وَهُوَ غير مُضَاف أصلا، فَيكون قَوْله مَا فِي بَيْتِي إِقْرَارا لَا تَمْلِيكًا لعدم وجود إِضَافَة الْمقر بِهِ إِلَى ملكه، بل جعله مظروفا فِيمَا أضيف إِلَيْهِ نِسْبَة. قَوْله: (وَلَا الارض) عطف على مَا قبله. أَي وَلَا يرد على عكس الْقَاعِدَة قَوْله. قَوْله: (الارض) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ كَانَ إقْرَارًا، وَإِنَّمَا لَا وُرُود لَهَا على الاصل الْمُتَقَدّم إِذْ إِضَافَة فِيهَا إلَى مِلْكِهِ. نَعَمْ نَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى نَظِيرَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إقْرَارٌ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إقْرَارُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَار وَإِن أطلق فإقرار، كَمَا فِي سدس دَارِي وَسُدُسُ هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ ثُمَّ قَالَ: قُلْت بَعْضُ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْضِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ قَبْضٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِير شئ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِافْتِقَارِهِ إلَى الْقَبْضِ مفرزا اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَهُنَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ: وَهِيَ مَا إِذا أقرّ لآخر إِلَى آخر مَا ذكر الشَّارِحُ مُخْتَصَرًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي قَوْله الارض الَّتِي حددوها كَذَا لِطِفْلِي هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ هِبَةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا شئ مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة، فتظهر حِينَئِذٍ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَكَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى مَا إذَا كَانَت مَعْلُومَة بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه فَيكون فِيهَا الْإِضَافَةُ تَقْدِيرًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا إقْرَارٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ. قَوْله وَلَا الْأَرْضُ أَيْ وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 الَّتِي إلَخْ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ فَإِنَّهَا هِبَةٌ: أَيْ لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ دفع الْوُرُود. تَأمل قَوْله: (وَإِن لم يقبضهُ) قَالَ فِي الْمنح وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْض، لَان كَونه فِي يَده قبض لَهُ فَلَا فرق بَين الاظهار: أَي الاقرار وَالتَّمْلِيك، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي التَّمْلِيك الْقَبْض دون الاقرار. اهـ. وَإِنَّمَا يتم فِي حق الصَّغِير بِدُونِ قبض، لَان هبة الاب لطفله تتمّ بقوله: وهبت لطفلي فلَان كَذَا، وَيقوم مقَام الايجاب وَالْقَبُول وَيَكْفِي فِي قبضهَا بَقَاؤُهَا فِي يَده، لَان الاب هُوَ ولي طِفْله فَيقوم إِيجَابه مقَام إِيجَابه عَن نَفسه، وقبوله لطفله لانه هُوَ الَّذِي يقبل لَهُ وبقاؤها فِي يَده قبض لطفله، إِلَّا إِذا كَانَ مَا وهبه مشَاعا يحْتَمل الْقِسْمَة فَلَا بُد من إفرازه وَقَبضه بعد الْقِسْمَة لعدم صِحَة هبة الْمشَاع. قَوْله: (إِلَّا أَن يكون مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة) أَي وَقد ملكه بعضه. قَوْله: (مفرزا) فِي بعض النّسخ بعد هَذَا اللَّفْظ لفظ اهـ. وَفِي بَعْضهَا بَيَاض. قَوْله: (للاضافة تَقْديرا) عِلّة. قَوْله: (وَلَا الارض) أَي إِنَّمَا كَانَت تَمْلِيكًا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن لم يُوجد فِيهَا إِضَافَة صَرِيحًا لَان فِيهَا إِضَافَة تقديرية كَأَنَّهُ قَالَ: أرضي الخ وَالدَّلِيل عَلَيْهَا أَن ملكه إِيَّاهَا مَعْلُوم للنَّاس. فَالْحَاصِل: أَن الاضافة إِلَى نَفسه الَّتِي تَقْتَضِي التَّمْلِيك، إِمَّا أَن تكون صَرِيحَة أَو تقديرية تعلم بالقرائن، كَأَن كَانَ مَشْهُورا بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه، وَبِهَذَا يظْهر الْجَواب عَن مسَائِل جعلوها تَمْلِيكًا وَلَا إِضَافَة فِيهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى مَا ادَّعَاهُ المُصَنّف من ثُبُوت الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ بعض هَذِه الْفُرُوع تَقْتَضِي التَّسْوِيَة: أَي فِي التَّمْلِيك بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خلافًا اهـ. فَلْيتَأَمَّل ط. وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ من إِفَادَة التَّوْفِيق. قَوْله: (فَهَل يكون إِقْرَارا أَو تَمْلِيكًا) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَوْهُوبَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ هِبَةً، وَإِلَّا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ فَيُعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَرُبَّمَا يُوَفَّقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِلْمِلْكِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِلَّا فَهُوَ إقْرَارٌ إِن وجدت قرينَة، وتمليك أَو وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي الْحَوَادِثِ مَا يَقْتَضِيهِ رَمْلِيٌّ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَقْوَالَ الْمَذْهَبِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْأَصْلِ إلَخْ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ السَّعْدِيِّ: أَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنِ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ فَانْظُرْ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يُعْهَدُ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِي وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَمِيعُ مَا يعرف بِي أَو جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان، قَالَ الاسكاف إِقْرَار. اهـ. فَإِنَّ مَا فِي بَيْتِهِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ يَكُونُ مَعْلُومًا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ بَحْثُ السَّائِحَانِيِّ. وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ بِالْهِبَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِطِفْلِهِ، وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَقَى فِي جَانِبِ غَيْرِ الطِّفْلِ مُضَافَةً لِلْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 أَرْضِي هَذِهِ وَذَكَرَ حُدُودَهَا لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِوَلَدِي فُلَانٍ وَهُوَ صَغِيرٌ كَانَ جَائِزًا وَيَكُونُ تَمْلِيكًا، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم. أَقُول: لَعَلَّه إِنَّمَا كَمَا كَذَلِك: أَي تَمْلِيكًا من حَيْثُ إِن الارض مَشْهُورَة إِنَّهَا ملك وَالِده، واستفادة الْملك إِنَّمَا تكون من جِهَته وَذَلِكَ بالتمليك مِنْهُ، بِخِلَاف الاقرار للاجنبي ولولده الْكَبِير حَيْثُ يُمكن أَن تكون ملكهمَا من غير جِهَة الْمقر. تَأمل. قَوْله: (فَقَالَ اتزنه) أَصله أَو تزنه قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت فِي التَّاء، وَهُوَ أَمر مَعْنَاهُ: خُذ بِالْوَزْنِ الْوَاجِب لَك عَليّ. قَوْله: (وَنَحْو ذَلِك) كأحل بهَا غرماءك أَو من شِئْت مِنْهُم أَو أضمنها لَهُ أَو يحتال بهَا عَليّ أَو قضي فلَان عني. حموي. أَو خُذْهَا أَو تنَاولهَا أَو استوفها. منح أَو سأعطيكها أَو غَدا أعطيكها أَو سَوف أعطيكها، أَو قَالَ: لَيست الْيَوْم عِنْدِي أَو أجلني فِيهَا كَذَا أَو أَخّرهَا عني أَو نفسني فِيهَا أَو تبرأتني بهَا أَو أبرأتني فِيهَا، أَو قَالَ: وَالله لَا أقضيكها أَو لَا أزنها لَك الْيَوْم أَو لَا تأخذها مني الْيَوْم، أَو قَالَ: حَتَّى يدْخل عَليّ مَالِي أَو حَتَّى يقدم عَليّ غلامي أَو لم يحل بعد، أَو قَالَ: غَدا أَو لَيست بمهيأة أَو ميسرَة الْيَوْم، أَو قَالَ: مَا أَكثر مِمَّا تتقاضى بهَا. هندية عَن مُحِيط السَّرخسِيّ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا) وَكَذَا لَا أقضيكها أَو وَالله لَا أعطيكها فإقرار. مقدسي. وَكَذَا غممتني بهَا، ولزمتني بهَا وأذيتني فِيهَا. ذكره الْعَيْنِيّ. وَفِي الْمَقْدِسِي أَيْضا قَالَ: أَعْطِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: اصبر أَو سَوف تأخذها لَا يكون إِقْرَارا، وَقَوْلُهُ أَتَزِنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إقْرَارٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَوْلُهُ عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ: بِأَيّ سَبَب دَفعه إِلَيّ قَالُوا يكون إِقْرَارا، وَفِيه نظر اهـ. قَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَطَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَا لَهُ عَلَيَّ الْيَوْم شئ وَهَذَا الْحَلِفُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا. وَقَالَ الْفَقِيهُ: لَا يلْتَفت إِلَى قَول من جعله إِقْرَارا سائحاني. وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل قَالَ اقضني الالف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم فقد أقرّ بهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ فَاقْعُدْ فاتزنها فانتقدها فاقبضها. وَفِي نوار هِشَام قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول فِي رجل قَالَ لآخر أَعْطِنِي ألف دِرْهَم فَقَالَ اتزنها قَالَ لَا يلْزمه شئ، لانه لم يقل أَعْطِنِي ألفي كَذَا فِي الْمُحِيط اهـ. قَوْله: (لرجوع الضَّمِير إِلَيْهَا فِي كل ذَلِك) فَكَانَ إِعَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ أَتَزِنُ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَنَحْوه. قَوْله: (فَكَانَ جَوَابا) لَا ردا وَلَا ابْتِدَاء فَيكون إِثْبَاتًا للاول. قَوْله: (وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ) ويستدل عَلَيْهِ بالقرائن. قَوْله: (أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق) أَفَادَ كَلَامه أَن مُجَرّد دَعْوَاهُ الِاسْتِهْزَاء لَا تعْتَبر، بل لَا بُد من الشَّهَادَة عَلَيْهِ، وَلَا تعْتَبر الْقَرِينَة كهز الرَّأْس مثلا، وَيدل لَهُ مَا سَيَأْتِي من أَنه إِذا ادّعى الْكَذِب بعد الاقرار لَا يقبل، وَيحلف الْمقر لَهُ عِنْد أبي يُوسُف. وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة: سُئِلَ عَن دَعْوَى النسْيَان بعد الاقرار، لَا تسمع دَعْوَاهُ النسْيَان كَمَا هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، وعَلى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ: أَنَّ دَعْوَى الْهَزْلِ فِي الْإِقْرَارِ تَصِحُّ وَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَن الْمقر مَا كَانَ كَاذِبًا فِي إِقْرَاره اهـ. فَلَعَلَّ قَول الشَّارِح أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق جرى على ظَاهر الرِّوَايَة. نعم يرد عَلَيْهِ مَسْأَلَة الصُّلْح الْآتِيَة حَيْثُ قَالُوا: تسمع دَعْوَاهُ بِعَين بعد الابراء الْعَام، وَقَوله لَا حق لي عِنْده: أَي مِمَّا قَبضته فقد اكتفوا بِالْقَرِينَةِ، وَسَيَأْتِي فِي عبارَة الاشباه مَا يُفِيد اعْتِبَار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 الْقَرِينَة، لَكِن فِيهَا عَن الْقنية فِي قَاعِدَة السُّؤَال معاد فِي الْجَواب، قَالَ لآخر لي عَلَيْك ألف فادفعه إِلَيّ فَقَالَ استهزاء نعم أَحْسَنت، فَهُوَ إِقْرَار عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو قَالَ أَعْطِنِي الالف الَّتِي عَلَيْك فَقَالَ اصبر أَو قَالَ سَوف تأخذها لم يكن إِقْرَارا، لَان هَذَا قد يكون استهزاء واستخفافا بِهِ اهـ. معزيا للمحيط. وفيهَا عَن النَّوَازِل: إِذا قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كيسه بِدُونِ قبضي كن: أَي خيط الْكيس واقبض لَا يكون إِقْرَارا، وَكَذَا قَوْله بكير: أَي أمسك لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تصلح للابتداء، وَكَذَا إِذا قَالَ كنش كيسه بِدُونِ شئ لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تذكر للاستهزاء. ثمَّ ذكر مسَائِل بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْضا وَقَالَ: قد اخْتلف الْمَشَايِخ والاصح أَنه إِقْرَار، لَان هَذِه الالفاظ لَا تذكر على سَبِيل الِاسْتِهْزَاء وَلَا تصح للابتداء فتجعل للْبِنَاء مربوطا. كَذَا فِي الْمُحِيط. اهـ. فَلْيتَأَمَّل. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَو اخْتَلَفْنَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ، وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك مفصلا فِي مسَائِل شَتَّى قبيل الصُّلْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لعدم انْصِرَافه) الاولى فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لانه يحْتَمل أَنه أَرَادَ مَا استقرضت من أحد سواك فضلا عَن استقراضي مِنْك، وَكَذَلِكَ فِيمَا بعْدهَا وَهُوَ الظَّاهِر فِي مثل هَذَا الْكَلَام، وَيحْتَمل مَا استقرضت من أحد سواك بل مِنْك فَلَا يكن إِقْرَارا مَعَ الشَّك. قَوْلُهُ: (إلَى الْمَذْكُورِ) أَيْ انْصِرَافًا مُتَعَيِّنًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمل. قَوْله: (والاصل أَن إلَخْ) كَالْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي بَعْدَ هَذَا كَمَا فِي الْمنح: فَإِن ذكر ضمير صلح جَوَابا لابتداء وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ. قَوْله: (كل مَا يصلح جَوَابا) كَمَا لَو تقاضاه بِمِائَة دِرْهَم فَقَالَ أبرأتني فَإِنَّهُ يصلح جَوَابا، لَان الضَّمِير يعود إِلَى كَلَام الْمُدَّعِي، وَلَو كَانَ ابْتِدَاء بَقِي بِلَا مرجع. قَوْله: (وَمَا يصلح للابتداء) كتصدقت عَليّ ووهبت لي وَمَا استقرضت من أحد سواك وَنَحْوه. قَوْلُهُ: (لَا لِلْبِنَاءِ) أَيْ عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ بِأَن يكون جَوَابا عَنهُ. قَوْله: (أَو يصلح لَهما) كاتزن. قَوْله: (لِئَلَّا يلْزمه المَال بِالشَّكِّ) تَعْلِيل لما يصلح لَهما وَذَلِكَ كَقَوْلِه مَا استقرضت من أحد الخ كَمَا تقدم. وَالْحَاصِل: أَنه إِن ذكر الضَّمِير صلح جَوَابا للابتداء، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ لعدم التيقن بِكَوْن جَوَابا، وبالشك لَا يجب المَال. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ذِكْرِ الضَّمِيرِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَبْلُ. قَوْلُهُ: (إِذا كَانَ الْجَواب مُسْتقِلّا) أَي بالمفهومية بِأَن يفهم معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ فيتأتى فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم. قَوْله: (فَلَو غير مُسْتَقل) بِأَن لَا يَتَأَتَّى فهمه إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَا بني عَلَيْهِ. قَوْله: (كَانَ إِقْرَار مُطلقًا) ذكره بضمير بِأَن يَقُول نعم هُوَ عَليّ بعد قَوْله لي عَلَيْك ألف أَو لَا كَمَا مثل، وَحِينَئِذٍ فَلَا يظْهر مَا قَالَه، لَان نعم لَا تستقل بالفهومية فَإِنَّهَا حرف جَوَاب يقدر مَعهَا جملَة السُّؤَال فَتكون إِقْرَارا، وَلذَلِك لَا يَتَأَتَّى الاطلاق لَان فِيهِ التَّفْصِيل، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 إِذْ لَا يُمكن أَن تكون ابْتِدَاء لَا بِنَاء وَلَا يصلح لَهما لانها وضعت للجواب. فَفِي لفظ الاطلاق هُنَا تسَامح، وَفِي الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي: لقَائِل أَن يَقُول: نعم جَوَاب فِي الْخَبَر لَا فِي الانشاء، وَهَذِه الامور إنْشَاء مَعَ أَنه قد يَقُوله ليستعيد الْكَلَام، فَكَأَنَّهُ يَقُول مَاذَا تَقول، وَيُمكن أَن يُقَال الْكَلَام الْمَذْكُور وَإِن كَانَ إنْشَاء لكنه مُتَضَمّن للْخَبَر، فَنعم جَوَاب لَهُ اهـ. قَوْله: (بِالْعَبدِ) أَي وَالثَّوْب. حموي. قَوْله: (وَالدَّابَّة) أَي والسرج كَمَا يفِيدهُ الْحَمَوِيّ. قَوْله: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ بهَا) لَان بلَى تقع جَوَابا لاستفهام دَاخل على نفي فتفيد إِبْطَاله. قَول: (وَإِن قَالَ نعم) لَان نعم تَصْدِيق للمستخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب، فَقَوله بلَى بعد أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف إبِْطَال للنَّفْي، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَك عَليّ ألف فَكَانَ إِقْرَارا، بِخِلَاف نعم بعد النَّفْي كَأَنَّهُ قَالَ: نعم لَيْسَ لَك عَليّ ألف فَيكون جحُودًا قَوْله: (وَقيل نعم) أَي نعم يكون مقرا بقوله نعم بعد. قَوْله: (أَلَيْسَ الخ) . قَوْله: (لَان الاقرار يحمل على الْعرف) لَان الْمُتَكَلّم يتَكَلَّم بِمَا هُوَ الْمُتَعَارف عِنْده، والعوام لَا يدركون الْفرق بَين بلَى وَنعم، وَالْعُلَمَاء لَا يلاحظون ذَلِك فِي محاوراتهم فِيمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ بَين النَّاس، وَإِنَّمَا يلاحظونه فِي مسَائِل الْعلم، وَلذَلِك كَانَ مسَائِل الاقرار وَالْوكَالَة والايمان مَبْنِيَّة على الْعرف. قَوْله: (وَالْفرق) الاوضح تَقْدِيمه على قَوْله وَقيل: نعم وَهَذَا على القَوْل بِالْفرقِ بَين بلَى وَنعم، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف، وَأما مَا نَقله الشَّارِح عَن الْجَوْهَرَة فَلَا فرق. قَوْله: (أَن بلَى الخ) ذكر فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مُوجِبَ نَعَمْ تَصْدِيقُ مَا قَبْلَهَا مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ أَوْ مُثْبَتٍ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، كَمَا إذَا قِيلَ لَك: قَامَ زَيْدٌ أَوْ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت نَعَمْ كَانَ تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهُ وَتَحْقِيقًا لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَمُوجِبُ بَلَى إيجَابُ مَا بَعْدَ النَّفْيِ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، فَإِذَا قِيلَ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر. ذكره فِي شرح الْمنَار لِابْنِ نجيم. قَوْله: (من النَّاطِق) احْتَرز بِهِ عَن الاخرس، فَإِن إِشَارَته قَائِمَة مقَام عِبَارَته فِي كل شئ من بيع وَإِجَارَة وَهبة وَرهن وَنِكَاح وَطَلَاق وعتاق وإبراء وَإِقْرَار وقصاص على الْمُعْتَمد فِيهِ إِلَّا الْحُدُود، وَلَو حد قذف وَالشَّهَادَة، وتعمل إِشَارَته وَلَو قَادِرًا على الْكِتَابَة على الْمُعْتَمد، وَلَا تعْمل إِشَارَته إِلَّا إِذا كَانَت معهودة، وَأما معتقل اللِّسَان فالفتوى على أَنه إِن دَامَت العقلة إِلَى وَقت الْمَوْت يجوز إِقْرَاره بالاشارة والاشهاد عَلَيْهِ، وَقد اقْتصر فِي الاشباه وَغَيرهَا على اسْتثِْنَاء الْحُدُود. وَزَاد فِي التَّهْذِيب: وَلَا تقبل شَهَادَته أَيْضا، وَأما يَمِينه فِي الدَّعَاوَى فقدمناه، وَظَاهر اقْتِصَار الْمَشَايِخ على اسْتثِْنَاء الْحُدُود فَقَط صِحَة إِسْلَامه بالاشارة، وَلم أره الْآن نقلا صَرِيحًا وَكِتَابَة الاخرس كإشارته. وَاخْتلفُوا فِي أَن عدم الْقُدْرَة على الْكِتَابَة شَرط للْعَمَل بالاشارة أَو لَا، وَالْمُعْتَمد لَا. قَالَ ابْن الْهمام: لَا يخفى أَن المُرَاد بالاشارة الَّتِي يَقع بهَا طَلَاقه الاشارة المقرونة بتصويت مِنْهُ، إِذْ الْعَادة مِنْهُ ذَلِك فَكَانَت بَيَانا لما أجمله الاخرس اهـ. وَلَو أَشَارَ الاخرس بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ جنب يَنْبَغِي أَن يحرم أخذا من قَوْلهم يجب على الاخرس تَحْرِيك لِسَانه، فَجعلُوا التحريك قِرَاءَة، وَلَو علق رجل الطَّلَاق بِمَشِيئَة أخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ يَنْبَغِي الْوُقُوع لوُجُود الشَّرْط، وَلَو علق بِمَشِيئَة رجل نَاطِق فخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 يَنْبَغِي الْوُقُوع أَيْضا. نور الْعين عَن الاشباه. وَفِيه عَن الْهِدَايَة: أخرس قرئَ عَلَيْهِ كتاب وَصِيَّة فَقيل لَهُ نشْهد عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكتاب، فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ. أَي نعم أَو كتب، فَإِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف أَنه إِقْرَار فَهُوَ جَائِز، وَلَا يجوز ذَلِك فِي معتقل اللِّسَان، وَالْفرق أَن الاشارة إِنَّمَا تعْتَبر إِذا صَارَت مَعْلُومَة، وَذَلِكَ فِي الاخرس لَا فِي معتقل للسان، حَتَّى لَو امْتَدَّ الاعتقال وَصَارَت لَهُ إِشَارَة مَعْلُومَة قَالُوا هَذَا بِمَنْزِلَة الاخرس، وَلَو كَانَ الاخرس يكْتب كتابا أَو يومي إِيمَاء يعرف بِهِ جَازَ نِكَاحه وطلاقه وَبيعه وشراؤه ويقتص مِنْهُ وَلَا يحد، وَلَا يحد لَهُ، وَالْفرق أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ. وَأما الْقصاص فَفِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يثبت مَعَ الشُّبْهَة كالمعاوضات اهـ. قَوْله: (بِخِلَاف إِفْتَاء) أَي لَو سَأَلَ مفتيا عَن حكم فَقَالَ: أهكذا الحكم؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم كَمَا نَقله فِي الْقنية عَن عَلَاء الدّين الزَّاهدِيّ، وَنقل عَن ظهير الدّين المرغيناني: أَنه لَا يعْتَبر، قَالَ: لَان الاشارة من النَّاطِق لَا تعْتَبر. وَفِي مجمع الفتاوي: تعْتَبر، وَمثله فِي تَنْقِيح المحبوبي وَنور الْعين وَغَيرهمَا، لَان جَوَاب الْمُفْتى بِهِ لَيْسَ بِحكم مُتَعَلق بِاللَّفْظِ، إِنَّمَا اللَّفْظ طَرِيق معرفَة الْجَواب عِنْد المستفتي، وَإِذا حصل هُنَا الْمَقْصُود استفتى المستفتي عَن اللَّفْظ كَمَا لَو حصل الْجَواب بِالْكِتَابَةِ، بِخِلَاف الشَّهَادَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُمَا يتعلقان بِاللَّفْظِ، والاشارة إِنَّمَا تقوم مقَام اللَّفْظ عِنْد الْعَجز. وَفِي شرح الشافية: أَن جَارِيَة أُرِيد إعْتَاقهَا فِي كَفَّارَة فجِئ بهَا إِلَى رَسُول الله (ص) فَسَأَلَهَا: أَيْن الله تَعَالَى؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: أعْتقهَا فَإِنَّهَا مسلمة كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية وَغَيرهَا. قَوْله: (وَنسب) بِأَن قيل لَهُ أَهَذا ابْنك؟ فَأَشَارَ بنعم ط. قَالَ أَبُو السُّعُود قَوْله: (وَنسب) أَي الاشارة من سيد الامة تنزل منزلَة صَرِيح الدَّعْوَى. قَوْله: (وَكفر) بِأَن قَالَ لَهُ قَائِل: أتعتقد هَذَا الْمُكَفّر؟ فَأَشَارَ بنعم. قَوْله: (وَإِشَارَة محرم لصيد) فَإِذا أَشَارَ لشخص يدله على طير فَقتله يجب جَزَاء على المشير. قَوْله: (وَالشَّيْخ بِرَأْسِهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث) أَي لَو قيل لَهُ: أجزني بِرِوَايَة كَذَا عَنْك فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ كفى، أما لَو قَرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِت فَإِنَّهُ يرويهِ عَنهُ، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِشَارَة، وَمَسْأَلَة الشَّيْخ مُلْحقَة بِمَسْأَلَة الافتاء. قَوْله: (وَالطَّلَاق) أَي وَإِشَارَة عدد الطَّلَاق المتلفظ بِهِ. قَوْله: (هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث) فالاشارة مبينَة لهَذَا الْمُبْهم، فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة. أشباه. قَالَ فِيهَا: وَلم أر الْآن حكم أَنْت هَكَذَا مُشِيرا بِأُصْبُعِهِ وَلم يقل طَالِق اهـ. وَالظَّاهِر عدم الْوُقُوع لانه لَيْسَ من صَرِيح الطَّلَاق وَلَا كنايته لانه لَيْسَ لفظ يحْتَملهُ وَغَيره ط. أَقُول: الْمَفْهُوم من عبارَة الشَّارِح المنقولة عَن الاشباه فِي قَوْله: وَالطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق أَي وَبِخِلَاف الطَّلَاق الْكَائِن فِي أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث، فَإِن الاشارة بِالرَّأْسِ فِيهِ كالنطق. لَكِن تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث يَقع ثَلَاث وَلَو لم يشر بِالرَّأْسِ، فَالظَّاهِر أَنه فِي هَذِه الصُّورَة لَا فَائِدَة فِي إِشَارَة الرَّأْس. وَقَالَ فِي الاشباه: وَيُزَاد أخذا من مَسْأَلَة الافتاء بِالرَّأْسِ وَإِشَارَة الشَّيْخ فِي رِوَايَة الحَدِيث. وأمان الْكَافِر أخذا من النّسَب لانه محتاط فِيهِ لحقن الدَّم، وَلذَا يثبت بِكِتَاب الامام كَمَا تقدم، أَو أخذا من الْكتاب وَالطَّلَاق إِذا كَانَ تَفْسِيرا لمبهم كَمَا لَو قَالَ: أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث وَقعت، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: أَنْت وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع أَلا وَاحِدَة كَمَا علم فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 الطَّلَاق اهـ. من أَحْكَام الاشارة. نعم لَو قيل: مُخَالفَة هَذِه الْمَسْأَلَة لما قبلهَا فِي كَونهَا تعْتَبر فِيهَا الاشارة مُطلقًا كَانَ الْكَلَام منتظما كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب. أَقُول: وَعبارَة الْمنح فِي كتاب الطَّلَاق هَكَذَا: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بأصابعه وَلم يقل هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَة لفقد التَّشْبِيه، لَان الْهَاء للتّنْبِيه وَالْكَاف للتشبيه اهـ. وَفِي الْبَحْر عَن الْمُحِيط: لَو قَالَت لزَوجهَا: طَلقنِي فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِثَلَاث أَصَابِع وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاث تَطْلِيقَات لَا يَقع مَا لم يقل هَكَذَا، لانه لَو وَقع وَقع بالضمير وَالطَّلَاق لَا يَقع بالضمير اهـ. وَأَنت خَبِير بِأَن اعْتِرَاض الْمحشِي لَيْسَ فِي مَحَله، لانه إِذا أَتَى بقوله هَكَذَا اعْتبرت الاشارة، فَإِذا قيل لَهُ: أطلقت أمرأتك هَكَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِثَلَاث أَصَابِع فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ: أَي نعم فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر. تَأمل. قَوْله: (إِشَارَة الاشباه) أَي كَذَا فِي أَحْكَام الاشارة من الاشباه فِي الْفَنّ الثَّالِث. قَوْله: (وَيُزَاد الْيَمين الخ) ظَاهره أَن جَمِيع الايمان يَحْنَث فِيهَا بالاشارة لَان الْمَذْكُور أَمْثِلَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا حلف ليضربن فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يبرأ، أَو حلف لَا يضْرب فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يَحْنَث إِذا كَانَ مثله مِمَّن يباشره. وَالَّذِي فِي الْمنح عَن إِيمَان الْبَزَّازِيَّة: إِذا حلف لَا يظْهر سر فلَان أَو لَا يفشى أَو لَا يعلم فلَانا بسر فلَان أَو حلف ليكتمن سره أَو ليخفينه أَو ليسترنه أَو حلف لَا يدل على فلَان فَأخْبر بِهِ بِالْكِتَابَةِ أَو برسالة أَو كَلَام أَو سَأَلَهُ أحد أَكَانَ سر فلَان كَذَا أَو أَكَانَ فلَان بمَكَان كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم حنث فِي جَمِيع هَذِه الْوُجُوه، وَكَذَا إِذا حلف لَا يستخدم فلَانا فَأَشَارَ إِلَيْهِ بشئ من الْخدمَة حنث فِي يَمِينه خدمه فلَان أَو لَا يَخْدمه اهـ ط. أَقُول: وَإِنَّمَا حنث للْعُرْف إِذْ الايمان مبناها عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْعرف يكون بذلك مظْهرا سره ومفشيه ومعلما بِهِ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي خُرُوجهَا عَن الضَّابِط الْمَذْكُور، فَافْهَم. قَوْله: (وَأَشَارَ حنث) قَالَ فِي الاشباه: حلفه السراق أَن لَا يخبر بِأَسْمَائِهِمْ، فَالْحِيلَةُ أَن يعد عَلَيْهِ الاسماء فَمن لَيْسَ بسارق يَقُول لَا وَالسَّارِق يسكت عَن اسْمه فَيعلم الْوَالِي السَّارِق وَلَا يَحْنَث الْحَالِف اهـ. وَفِي مَسْأَلَتنَا: الْحِيلَة أَن يُقَال لَهُ: أَنا تذكر أمكنة وَأَشْيَاء من السِّرّ فَمَا لَيْسَ بمَكَان فلَان وَلَا سره فَقل: لَا، فَإِذا تكلمنا بسره أَو مَكَانَهُ فاسكت أَنْت، فَفعله وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على سره ومكانه لَا يَحْنَث. قَوْله: (إِلَّا فِي تسع) وَيدخل تَحت الْيَمين مِنْهَا ثَلَاث صور. يَنْبَغِي أَن يُزَاد على التسع تَعْدِيلُ الشَّاهِدِ مِنْ الْعَالِمِ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهَا تَكْفِي كَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات. فَقَالَ: اعْلَم أَن من الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة أَنه لَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول كَمَا فِي مسَائِل: مِنْهَا: رأى أَجْنَبِيّا يَبِيع مَاله وَلم يَنْهَهُ لَا يكون وَكيلا لسكون الْمَالِك. وَمِنْهَا: لَو رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت لَا يكون إِذْنا فِي التِّجَارَة. وَمِنْهَا: لَو رأى الْمُرْتَهن راهنه يَبِيع الرَّهْن فَسكت لَا يبطل الرَّهْن وَلَا يكون مَأْذُونا بِالْبيعِ وَزَاد فِي الاشباه. قَوْله: (فِي رِوَايَة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 وَمِنْهَا: لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا بإتلافه. وَمِنْهَا: لَو رأى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا. وَمِنْهَا: لَو سكت على وطئ أمته لم يسْقط الْمهْر، وَكَذَا عَن قطع عضوه آخِذا من سُكُوته عِنْد إِتْلَاف مَاله. وَمِنْهَا: لَو رأى قنه أَو أمته يتَزَوَّج فَسكت وَلم يَنْهَهُ لَا يصير لَهُ آذنا فِي النِّكَاح. وَمِنْهَا: لَو زوجت غير كُفْء فَسكت الْوَلِيّ عَن مُطَالبَة التَّفْرِيق لَيْسَ بِرِضا وَإِن طَال ذَلِك، لَان فِي الْمَوَانِع كَثْرَة: إِي مَا لم تَلد مِنْهُ. وَمِنْهَا: سكُوت امْرَأَة الْعنين لَيْسَ بِرِضا وَإِن أَقَامَت مَعَه سِنِين. وَمِنْهَا: الاعارة لَا تثبت بسكوت. وَمِنْهَا: حلف لَا يسلم شُفْعَة فَلم يُسَلِّمهَا وَلَكِن سكت عَن خُصُومَة فِيهَا حَتَّى بطلت شفعته لَا يَحْنَث. وَمِنْهَا: حلف لَا يُؤَخر عَن فلَان حَقًا لَهُ عَلَيْهِ شهرا فَلم يُؤَخِّرهُ شهرا وَسكت عَن تقاضيه حَتَّى مضى الشَّهْر لَا يَحْنَث. وَمِنْهَا: لَو وهبت شَيْئا والموهوب لَهُ سَاكِت لَا يَصح مَا لم يقل قبلت، بِخِلَاف الصَّدَقَة كَمَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: لَو أجر قنه أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فَسكت الْقِنّ لَا يكون إِقْرَارا برقه، بِخِلَاف مَا لَو بَاعه أَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة فَسكت كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا. وَمِنْهَا: أحد شَرِيكي عنان قَالَ لصَاحبه: إِنِّي اشْتريت هَذِه الامة لنَفْسي خَاصَّة فَسكت صَاحبه فشراها لَا تكون لَهُ مَا لم يقل صَاحبه نعم. كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا للخلاصة وَغَيرهَا. وَزيد فِي مختارات النَّوَازِل: فَإِذا قَالَ نعم فَهِيَ لَهُ بِغَيْر شئ عِنْد أبي حنيفَة، إِذْ الاذن يتَضَمَّن هبة نصِيبه مِنْهُ، إِذْ الوطئ لَا يحل إِلَّا بِالْملكِ بِخِلَاف طَعَام وَكِسْوَة. يَقُول الحقير: وَفِي الاشباه: فَسكت صَاحبه لَا تكون لَهما، وَذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِيمَا يكون السُّكُوت فِيهِ كالنطق، كل ذَلِك سَهْو وَاضح لمُخَالفَته لما مر آنِفا من الْمُعْتَبرَات، وَاحْتِمَال كَون الْمَسْأَلَة خلافية فِيهَا رِوَايَتَانِ بعيد، إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لتعرض لَهُ أحد من أَصْحَاب الْمُعْتَبرَات الْمَنْقُول عَنْهَا. ثمَّ اعْلَم أَنه خرج عَن الْقَاعِدَة السَّابِقَة مسَائِل كَثِيرَة صَار السُّكُوت فِيهَا كالنطق: أَي يكون رضَا. فَمِنْهَا: سكُوت الْبكر عِنْد استئمار وَليهَا عَنْهَا قبل التَّزْوِيج وَبعده هَذَا لَو زَوجهَا الْوَلِيّ، فَلَو زوج الْجد مَعَ قيام الاب لَا يكون سكُوتهَا رضَا. وَمِنْهَا سكُوتهَا عِنْد قبض مهرهَا الْمهْر أَبوهَا أَو من زَوجهَا فَسَكَتَتْ يكون إِذْنا بِقَبْضِهِ، إِلَّا أَن تَقول لَا تقبضه فَحِينَئِذٍ لم يجز الْقَبْض عَلَيْهَا وَلَا يبرأ الزَّوْج. وَمِنْهَا: سكُوت الصبية إِذا بلغت بكرا يكون رضَا وَيبْطل خِيَار بُلُوغهَا لَا لَو بلغت ثَيِّبًا. وَمِنْهَا: بكر حَلَفت أَن لَا تزوج نَفسهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ حنثت فِي يَمِينهَا كرضاها بِكَلَام، وَلَو حَلَفت بكر أَن لَا تَأذن فِي تَزْوِيجهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ لَا تَحنث إِذْ لم تَأذن وَلزِمَ النِّكَاح بِالسُّكُوتِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 وَمِنْهَا: تصدق على إِنْسَان فَسكت الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يثبت وَلَا يحْتَاج إِلَى قبُوله قولا، بِخِلَاف الْهِبَة وَمِنْهَا: قبض هبة وَصدقَة بِحَضْرَة الْمَالِك وَهُوَ سَاكِت كَانَ إِذْنا بِقَبْضِهِ. وَمِنْهَا: لَو أَبْرَأ مديونه فَسكت الْمَدْيُون يبرأ وَلَو رد يرْتَد برده. وَمِنْهَا: الاقرار يَصح وَلَو سكت الْمقر لَهُ ويرتد برده. وَمِنْهَا: لَو وَكله بشئ فَسكت الْوَكِيل وباشره صَحَّ ويرتد برده فَلَو وَكله بِبيع قنه فَلم يقبل وَلم يرد فَبَاعَهُ جَازَ وَيكون قبولا. وَمِنْهَا: لَو أوصى إِلَى رجل فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ للوصاية. وَمِنْهَا: الامر بِالْيَدِ إِذا سكت الْمُفَوض إِلَيْهِ صَحَّ يرْتَد برده. وَمِنْهَا: الْوَقْف على رجل معِين صَحَّ وَلَو سكت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَو رده، قيل يبطل، وَقيل لَا. وَمِنْهَا: تواضعا على تلجئة ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا، فَسكت الآخر ثمَّ تبَايعا صَحَّ البيع وَلَيْسَ للساكت إِبْطَاله بعد مَا سمع قَول صَاحبه. وَمِنْهَا: سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ حِينَ قُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغَانِمين رضَا، كَمَا لَو أسر قن لمُسلم فَوَقع فِي الْغَنِيمَة وَقسم ومولاه الاول حَاضر فَسكت بَطل حَقه فِي دَعْوَى قنه. وَمِنْهَا: لَو كَانَ المُشْتَرِي مُخَيّرا فِي قن شراه فَرَأى الْقِنّ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت بَطل خِيَاره، وَلَو كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لَا يبطل خِيَاره. وَمِنْهَا: للْبَائِع حبس الْمَبِيع لثمنه، فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَرَآهُ البَائِع وَسكت كَانَ إِذْنا فِي قَبضه، الصَّحِيح وَالْفَاسِد فِيهِ سَوَاء فِي رِوَايَة، وَهُوَ رضَا بِقَبض فِي الْفَاسِد لَا فِي الصَّحِيح فِي رِوَايَة. وَمِنْهَا: علم الشَّفِيع بِالْبيعِ وَسكت يبطل شفعته. وَمِنْهَا: رأى غير القَاضِي قنه يَبِيع وَيَشْتَرِي وَسكت كَانَ مَأْذُونا فِي التِّجَارَة لَا فِي بيع ذَلِك الْعين. وَمِنْهَا: لَو حلف الْمولى لَا يَأْذَن لقنه فَرَآهُ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يَحْنَث فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَا فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف. وَمِنْهَا: بَاعَ قن شَيْئا بِحَضْرَة مَوْلَاهُ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمولى أَنه لَهُ فَلَو كَانَ مَأْذُونا يَصح دَعْوَى الْمولي وَلَو مَحْجُورا صَحَّ. قَالَ الاستروشني: فَإِن قيل ألم يصر مَأْذُونا بسكوت مَوْلَاهُ؟ قُلْنَا نعم، وَلَكِن أثر الاذن يظْهر فِي الْمُسْتَقْبل. وَمِنْهَا: بَاعَ قِنَا والق حَاضر علم بِهِ وَسكت، وَفِي بعض الرِّوَايَات فانقاد للْبيع وَالتَّسْلِيم ثمَّ قَالَ أَنا حر لَا يقبل قَوْله. كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا لما فِي فتاوي قاضيخان. وَفِي فَوَائِد العتابي: وَلَو سكت الْقِنّ وَهُوَ يعقل فَهُوَ إِقْرَار برقه، وَكَذَا لَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة والقن سَاكِت، بِخِلَاف مَا لَو آجره أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فسكوته هُنَا لَيْسَ بِإِقْرَار برقه. يَقُول الحقير: قَوْله وَفِي بعض الرِّوَايَات الخ ظَاهره يشْعر بِضعْف اشْتِرَاط الانقياد أَو تَسَاوِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 الِاحْتِمَالَيْنِ، لَكِن الاظهر أَن الانقياد شَرط لما ذكر فِي مَحل آخر من فتاوي قاضيخان: رجل شرى أمة وَقَبضهَا فَبَاعَهَا من آخر وَالثَّانِي من ثَالِث فادعت حريتها فَردهَا الثَّالِث على الثَّانِي فقبلها ثمَّ أَرَادَ ردهَا على الاول فَلم يقبل لَهُ ذَلِك لَو ادَّعَت عتقا، إِذْ الْعتْق لَا يثبت بقولِهَا، وَلَو ادَّعَت حريَّة الاصل: فَلَو كَانَت حِين بِيعَتْ وسلمت انقادت لبيع وَتَسْلِيم فَكَذَلِك إِذْ الانقياد إِقْرَار بِالرّقِّ، وَإِن لم تنقد فَلَيْسَ للاول أَن لَا يقبل اهـ. وَمِنْهَا: حلف لَا ينزل فلَانا دَاره وَفُلَان نَازل فِيهَا فَسكت الْحَالِف حنث، لَا لَو قَالَ لَهُ: اخْرُج فَأبى أَن يخرج فَسكت. وَمِنْهَا: ولدت ولدا فهنأ النَّاس زَوجهَا فَسكت الزَّوْج لزمَه الْوَلَد وَلَيْسَ لَهُ نَفْيه كإقراره. وَمِنْهَا: أم ولد ولدت فَسكت مَوْلَاهَا حَتَّى مضى يَوْمَانِ لهَذَا الْوَلَد لَا يملك نَفْيه بعده. وَمِنْهَا: السّكُون قبل البيع عِنْد الاخبار بِالْعَيْبِ رضَا بِهِ، حَتَّى لَو قَالَ رجل: هَذَا الشئ معيب فَسَمعهُ وأقدم مَعَ ذَلِك على شِرَائِهِ فَهُوَ رضَا لَو الْمخبر عدلا لَا لَو فَاسِقًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا هُوَ رضَا وَلَو فَاسِقًا. وَمِنْهَا: سكُوت بكر عِنْد إخبارها بتزويج الْوَلِيّ على خلاف مَا مر آنِفا. وَمِنْهَا: بَاعَ عقارا وَامْرَأَته أَو وَلَده أَو بعض أَقَاربه حَاضر فَسكت ثمَّ ادَّعَاهُ على المُشْتَرِي من كَانَ حَاضرا عِنْد البيع أفتى مَشَايِخ سَمَرْقَنْد أَنه لَا يسمع، وَجعل سُكُوته فِي هَذِه الْحَالة كإقرار دلَالَة قطعا للاطماع الْفَاسِدَة، وَأفْتى مَشَايِخ بُخَارى أَنه يَنْبَغِي أَن يسمع فَينْظر الْمُفْتِي فِي ذَلِك، فَلَو رأى أَنه لَا يسمع لاشتهار الْمُدَّعِي بحيلة وتلبيس وَأفْتى بِهِ كَانَ حسنا سدا لباب التزوير. وَمِنْهَا: الْحَاضِر عِنْد البيع لَو بعث البَائِع إِلَى المُشْتَرِي وتقاضاه الثّمن لَا يسمع دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ بعده لانه يصير مجيزا للْبيع بتقاضيه. وَمِنْهَا: رَآهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ المُشْتَرِي زَمَانا وَهُوَ سَاكِت سقط دَعْوَاهُ. يَقُول الحقير: وَفِي الْفَتَاوَى الْوَلوالجِيَّة: رجل تصرف أَيْضا زَمَانا وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَا يسمع بعد ذَلِك دَعْوَى وَلَده فَيتْرك على يَد الْمُتَصَرف، لَان الْحَال شَاهد. وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَكِيل بشرَاء شئ بِعَيْنِه لمُوكلِه إِنِّي أُرِيد شِرَاءَهُ لنَفْسي فَسكت مُوكله ثمَّ شراه يكون للْوَكِيل. يَقُول الحقير: وَجه الْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين مَا مر نَحْو ورقة من مَسْأَلَة شَرِيكي الْعَنَان، وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْخُلَاصَة بعد ذكر هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ بقوله: وَالْفرق أَن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه إِذا علم الْمُوكل رَضِي أَو سخط، بِخِلَاف أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذْ لَا يملك فسخ الشّركَة إِلَّا بِرِضا صَاحبه. وَمِنْهَا: لي صبي عَاقل رأى الصَّبِي يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يكون إِذْنا. وَمِنْهَا: سكُوت رجل رأى غَيره شقّ زقه حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ يكون رضَا. وَمِنْهَا: سكُوت الْحَالِف بِأَن لَا يستخدم فلَانا: أَي مَمْلُوكه ثمَّ خدمه فلَان بِلَا أمره وَلم يَنْهَهُ حنث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 وَمِنْهَا: امْرَأَة دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الاب والاب سَاكِت فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد. وَمِنْهَا: أنفقت الام فِي تجهيز بنتهَا مَا هُوَ مُعْتَاد فَسكت الاب لَا تضمن الام. وَمِنْهَا: بَاعَ أمه وَعَلَيْهَا حلي وقرطان وَلم يشْتَرط ذَلِك لَكِن تسلم المُشْتَرِي الامة وَذهب بهَا وبالبائع سَاكِت كَانَ سُكُوته بِمَنْزِلَة التَّسْلِيم فَكَانَ الْحلِيّ لَهَا. وَمِنْهَا: الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَهُوَ سَاكِت تنزل منزلَة نطقه فِي الاصح. وَمِنْهَا: مَا ذكر فِي قَضَاء الْخُلَاصَة: ادّعى على الآخر مَالا فَسكت وَلم يجب أصلا: يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَلَو أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزل منزلَة الْمُنكر عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يحبس حَتَّى يُجيب، فَإِن فهم أَنه أخرس يُجيب بالاشارة انْتهى. وَمِنْهَا: سكُوت الْمُزَكي عِنْد سُؤَاله عَن حَال الشَّاهِد تَعْدِيل. وَمِنْهَا: سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ. يَقُول الحقير: فَصَارَت الْمسَائِل الَّتِي يكون السُّكُوت فِيهَا رضَا أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة: ثَلَاثُونَ مِنْهَا ذكرت فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَعشرَة مِنْهَا زِيَادَة صَاحب الاشباه والنظائر نقلهَا عَن الْكتب الْمُعْتَبرَة انْتهى. الْكل من نور الْعين. وَقد ذكرنَا بعض هَذِه فِيمَا قدمنَا محررا فَرَاجعه إِن شِئْت، وَتَقَدَّمت فِي كَلَام الشَّارِح قبيل الدَّعْوَى آخر الْوَقْف وَزَاد على مَا هُنَا مسَائِل كَثِيرَة، وَكتب عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَزَاد عَلَيْهَا، فَرَاجعهَا ثمَّة. قَوْله: (لزمَه الدّين حَالا) قَالَ فِي الدُّرَر: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى لنَفسِهِ حَقًا فِيهِ فَيصدق فِي الاقرار بِلَا حجَّة دون الدَّعْوَى اهـ. قَالَ فِي الْوَاقِعَات: هَذَا إِذا لم يصل الاجل بِكَلَامِهِ، أما إِذا وصل صدق اهـ. قَوْله: (لانه دَعْوَى بِلَا حجَّة) قَالَ الْحَمَوِيّ: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى حَقًا على الْمقر لَهُ فَإِقْرَاره حجَّة عَلَيْهِ وَلَا تقبل دَعْوَاهُ بِلَا حجَّة اهـ. قَوْله: (لثُبُوته بِالشّرطِ) الاوضح أَن يَقُول: يثبت بِالشّرطِ وَيكون بَيَانا. ل قَوْله: (عَارض) وَعبارَة الْحَمَوِيّ: والاجل عَارض وَلَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض. اهـ. قَوْله: (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ وَلِلْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ) أَي فَكَانَت من قبيل الاقرار بالنوع لَا بالعارض، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون الشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال، كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود، وَلَيْسَ السوَاد عارضا بِالشّرطِ فَكَانَ إِقْرَارا بالنوع، بِخِلَاف الدّين فَإِن الاصل فِيهِ الْحُلُول، وَلَا يصير مُؤَجّلا إِلَّا بِالشّرطِ، فَكَانَ الاقرار بِالدّينِ الْمُؤَجل إِقْرَارا بِالدّينِ، وادعاء لحُصُول الْعَارِض وَالْمقر لَهُ يُنكر الْعَارِض وَالْقَوْل للْمُنكر، وَمثله إِجَارَة العَبْد كَمَا أَفَادَهُ بعض الافاضل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 وَالْحَاصِل: أَن الاجل عَارض لَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض. قَوْله: (لثُبُوته فِي كَفَالَة الْمُؤَجل بِلَا شَرْطٍ) فَالْأَجَلُ فِيهَا نَوْعٌ فَكَانَتْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدَ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ فَيُصَدَّقُ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون للشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا، فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَقد مرت الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَك مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَى شهر فراجع. قَوْله: (وشراؤه أمة متنقبة) فَإِذا لم تكن متنقبة فَأولى بالحكم الْمَذْكُور. قَوْله: (كَثوب فِي جراب) أَي كَشِرَاء ثوب فِي جراب. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالضَّابِطُ أَنَّ الشئ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى رَأسهَا غطاء لَا يرى مِنْهَا شئ يقبل، وَلِهَذَا اخْتلفت أقاويل الْعلمَاء فِي ذَلِك اهـ. وَبِه ظهر أَنَّ الثَّوْبَ فِي الْجِرَابِ كَهُوَ فِي الْمِنْدِيلِ، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي الْفَوَاكِه البدرية لِابْنِ الْغَرْس حَيْثُ عد مَسْأَلَة الثَّوْب فِي الجراب، مِمَّا يغْتَفر فِيهِ التناقد فَقَالَ: وَإِذا اشْترى ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي نسْمع دَعْوَاهُ، فالدعوى مسموعة مَعَ التناقد فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل: أَي الَّتِي مِنْهَا هَذِه على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ، وَمن الْمَشَايِخ من اعْتَبرهُ التَّنَاقُض مُطلقًا فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا يناقضها، وَقدمنَا ذَلِك فِي الدَّعْوَى، فَرَاجعه. قَوْله: (وَكَذَا الاستيام والاستيداع) أَي طلب إيداعه عِنْده، وَمثله يُقَال فِي الاستيهاب والاستئجار. قَالَ فِي تنوير البصائر: وَمِمَّا يجب حفظه هُنَا أَن المساومة بِالْملكِ للْبَائِع أَو بِعَدَمِ كَونه ملكا لَهُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَلَيْسَ كَالْإِقْرَارِ صَرِيحًا بِأَنَّهُ ملك البَائِع، والتفاوت إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا وصل الْعين إِلَى يَده، وَيُؤمر بِالرَّدِّ إلَى الْبَائِعِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحِ، وَلَا يُؤْمَرُ فِي فَصْلِ الْمُسَاوَمَةِ. وَبَيَانُهُ: اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ إنْسَانٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّهُ بِالْبُرْهَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَوَرِثَهُ الِابْنُ الْمُشْتَرِي لَا يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، هَذَا بِالْإِرْثِ. وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الاب وَورثه الابْن المُشْتَرِي هَذَا لَا يرجع إِلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ بِحكم الشِّرَاء الاول لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يُوجِبُ فسخ البيع قبل الرُّجُوع بِالثّمن. اهـ. كَذَا فِي جَامع البزازي. قَوْلُهُ: (وَالْإِعَارَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِعَارَةُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الْعَاشِر: أَي لَو قبل إِعَارَة الثَّوْب وَالْجَارِيَة الْمَذْكُورين كَانَ قبُوله إِقْرَارا بِالْملكِ، فَإِن الْقبُول هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ والاعارة فعل ذِي الْيَد فَكيف تكون إِقْرَارا بِالْملكِ؟ وَالَّذِي سهل ذَلِك وُقُوعهَا بَين الاستيداع والاستيهاب. وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِعَارَة هِيَ الَّتِي تكون إِقْرَارا بِالْملكِ للْغَيْر، أما الاعارة فَهِيَ فعل الْمُعير. تَأمل قَوْله: (والاستيهاب والاستئجار) قَالَ فِي الاشباه الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ على أحد الْقَوْلَيْنِ. وَفِي الْحَمَوِيّ: إِن مِمَّا يغْتَفر التَّنَاقُض اسْتِئْجَار دَار ثمَّ ادِّعَاء ملكهَا لانه مَوضِع خَفَاء. وَقيل يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا لم يكن ملكه فِيهِ ظَاهرا، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا بِأَن الرَّاهِن أَو البَائِع وَفَاء إِذا اسْتَأْجر الرَّهْن أَو الْمَبِيع لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 يَصح، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عدم كَون الِاسْتِئْجَار إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ اهـ. وَمثله فِي الْحَوَاشِي الرملية. قَالَ الْعَلامَة الْحَمَوِيّ: قيل عَلَيْهِ الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه إِقْرَارا لذِي الْيَد بِالْملكِ فقد اشْتبهَ على صَاحب الاشباه الاول بِالثَّانِي فَأجرى الْخلاف بالاول كَمَا فِي الثَّانِي، وَهُوَ سَهْو عَظِيم، ورد بِأَن الضَّمِير فِي لَهُ رَاجع للمؤخر، والقرينة عَلَيْهِ قَوْله: على أحد الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَهُوَ بيعد جدا. وَقد صحّح الْعِمَادِيّ كلا الْقَوْلَيْنِ فِي فصوله فِي الْفَصْل السَّادِس. وَفِي الاشباه: إِلَّا إِذا اسْتَأْجر الْمولى عَبده من نَفسه لم يكن إِقْرَارا بحريَّته كَمَا فِي الْقنية. قَوْله: (وَلَو من وَكيل) أَي وَكيل وَاضع الْيَد والاستنكاح فِي الامة يمْنَع دَعْوَى الْملك فِيهَا ودعواه فِي الْحرَّة يمْنَع دَعْوَى نِكَاحهَا. كَذَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ وَلغيره الخ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى. قَالَ فِي عدَّة الفتاوي: الِاسْتِعَارَة والاستيداع والاستيهاب من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو من غَيره، وَكَذَا الشِّرَاء والمساومة وَمَا أشبهه من الاجارة وَغَيرهَا تمنع صَاحبهَا من دَعْوَى الْملك لنَفسِهِ وَلغيره. قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ ظَاهر، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا. قَالَ: وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن مُجَرّد ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لذِي الْيَد، إِذْ قد بِفعل مَعَ وَكيل الْمَالِك فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد، فَلَا بُد أَن يُمَيّز بالقرائن فَيجْعَل إِقْرَارا فِي مَوضِع دون مَوضِع بِحَسب الْقَرَائِن، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح دَعْوَاهُ لغيره فِي بعض الْمَوَاضِع لَا فِي بَعْضهَا، فَإِن برهن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على وَكيل الْخُصُومَة أَنه سبقت مِنْهُ مساومة أَو اسْتِعَارَة أَو نَحْوهمَا عزل من الْوكَالَة، لانه لَو فعله عِنْد القَاضِي عَزله وَالْمُوكل على حَقه لَو شَرط أَن إِقْرَاره عَلَيْهِ لَا يجوز. قَالَ صَاحب نور الْعين: قَوْله لَو شَرط الخ مُسْتَدْرك، إِذْ لَو صدر ذَلِك من الْوَكِيل فِي غير مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، فَلَا حَاجَة إِلَى الشَّرْط الْمَذْكُور، هَذَا إِذا كَانَ قَوْله وَالْمُوكل على حَقه مَعْطُوفًا على قَوْله عزل من الْوكَالَة، أما إِذا كَانَ مَعْطُوفًا على قَوْله فعله عِنْد القَاضِي عَزله فَلَا اسْتِدْرَاك حِينَئِذٍ، لَكِن مَسْأَلَة الاولى نَاقِصَة، حَيْثُ لم يتَعَرَّض فِيهَا إِلَى كَون الْمُوكل على حَقه أَو لَا فِي صُورَة مساومة وَكيله فِي غير مجْلِس القَاضِي، وَهَذَا قُصُور وإبهام فِي مقَام بَيَان وإعلام كَمَا لَا يخفى على ذَوي الاعلام. اهـ. وَفِيه الاستيام هَل هُوَ إِقْرَار؟ وَفِيه رِوَايَتَانِ، على رِوَايَة الزِّيَادَات: يكون إِقْرَارا بِكَوْنِهِ ملك البَائِع. وَفِي رِوَايَة: لَا يكون إِقْرَارا والاول أصح. وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ لَا تسمع دَعْوَاهُ بعد الاستيام، والاستيام من غير البَائِع كالاستيام من البَائِع والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار وَإِقْرَار بِأَنَّهُ لذِي الْيَد سَوَاء ادَّعَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره. وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أَن الْوَكِيل ساومه فِي مجْلِس الْقَضَاء خرج من الْخُصُومَة هُوَ وموكله أَيْضا، وَلَو كَانَت المساومة فِي غير مجْلِس الْقَضَاء خرج هُوَ من الْخُصُومَة دون مُوكله. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ، فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَيُبْتَنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ اهـ. وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْأَنْقِرْوِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 قلت: فيفتى بِهِ لترجحه بِكَوْن ظَاهر الرِّوَايَة وَإِن اخْتلف التَّصْحِيح كَمَا تقدم. أَقُول: وَمثل مَا تقدم من الِاسْتِعَارَة والاستيداع وَأَخَوَاتهَا الاقتسام. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا لفتاوى رشيد الدّين: قسم تَرِكَة بَين وَرَثَة أَو قبل تَوْلِيَة لوقف أَو وصاية فِي تَرِكَة بعد الْعلم، وَالْيَقِين بِأَن هَذَا تَرِكَة أَو وقف ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لَا تسمع اهـ. وَتَمَامه فِيهِ. قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ) هَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأما كَونه إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مصححتان كَمَا علمت. قَوْله: (وَلغيره) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْحَاصِل من جملَة مَا مر: أَن الْمُدَّعِي لَو صدر عَنهُ مَا يدل على أَن الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى عَلَيْهِ تبطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ، وَلغيره للتناقض، وَلَو صدر عَنهُ مَا يدل على عدم ملكه وَلَا يدل على عدم ملك الْمُدعى عَلَيْهِ بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ لَا لغيره لانه إِقْرَار بِعَدَمِ ملكه لَا بِملك الْمُدعى عَلَيْهِ. وَلَو صدر عَنهُ مَا يحْتَمل الاقرار وَعَدَمه فالترجيح بالقرائن. وَإِلَّا فَلَا يكون إِقْرَارا للشَّكّ. اهـ. قَوْله: (بوكالة أَو وصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الرجل بِمَال أَنه لفُلَان، ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لم يَصح، وَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ بوكالة أَو وصاية لوَرَثَة موصيه لَان فِيهِ تناقضا، لَان المَال الْوَاحِد لَا يكون لشخصين فِي حَالَة وَاحِدَة كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (للتناقض) مَحَله مَا إِذا كَانَ لَا يخفى سَببه كَمَا تقدم. قَوْله: (بِخِلَاف إبرائه) أَي لَو أَبرَأَهُ من جَمِيع الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ وكَالَة للْغَيْر أَو ليتيم هُوَ وَصِيّه صَحَّ لعدم التَّنَاقُض، لانه إِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن حق نَفسه لَا عَن حق غَيره. قَوْله: (بهما) أَي بِالْوكَالَةِ والوصاية. قَوْله: (لعدم التَّنَاقُض) لَان إِبْرَاء الرجل عَن جَمِيع الدَّعَاوَى الْمُتَعَلّقَة بِمَالِه لَا يَقْتَضِي عدم صِحَة دَعْوَى مَال لغيره على ذَلِك الرجل. دُرَر. قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ سِوَى الاعادة وَإِلَى الْمَذْكُورِ شَرْحًا، فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِيهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَوْنِهِ إقْرَارًا مُنْلَا خُسْرو. وَفِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لعبد الْبر ذكر خلافًا. ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَالِاسْتِئْجَارَ وَالِاسْتِعَارَةَ وَنَحْوَهَا إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُسَاوَمِ مِنْهُ وَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ، وَرِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. وَحَكَى فِيهَا اتِّفَاقَ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُسَاوِمِ وَنَحْوِهِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخلاف يبتنى صِحَّةُ دَعْوَاهُ مِلْكًا لِمَا سَاوَمَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَو لغيره اهـ. وَإِنَّمَا جَزَمْنَا هُنَا بِكَوْنِهِ إقْرَارًا أَخْذًا بِرِوَايَةِ الْجَامِع الصَّغِير، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ أَبْدَى عُذْرًا يُفْتَى بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَنَحْوَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح. وَفِي السِّرَاجِيَّة أَنه الاصح. وَقدمنَا عَن الانقروي أَنه قَالَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهر الرِّوَايَة اهـ. أَقُول: لَكِن فِي الاستيام لنَفسِهِ على كل من الرِّوَايَتَيْنِ يكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ فِيهِ فَكيف يَدعِيهِ لنَفسِهِ؟ نعم لَهُ أَن يَدعِيهِ لغيره لعدم التَّنَاقُض بِنَاء على رِوَايَة الزِّيَادَات، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا نذكرهُ قَرِيبا فِي المقولة الْآتِيَة فِي التَّتِمَّة حَتَّى لَو برهن يكون دفعا. تَأمل. قَوْله: (وَصَححهُ فِي الْجَامِع) أَي صحّح مَا مر من أَن الاستيام والاستعارة والاستئجار وَنَحْوهَا إِقْرَار بِالْملكِ للمساوم مِنْهُ والمستعار مِنْهُ، وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ، وَالْمرَاد بالجامع جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 تَتِمَّة: الاستشراء مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا ملك للْمُدَّعِي كالاستشراء مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ يَكُونُ دَفْعًا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الصُّغْرَى: أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيدَاعُ وَكَذَا الاستيهاب وَنَحْوه كالاستشراء. قَوْله: (خلافًا لتصحيح الْوَهْبَانِيَّة) أَي فِي مَسْأَلَة الاستيام، لَان الْمَبِيع يحْتَمل أَن يكون فِي يَد البَائِع عَارِية أَو غصبا أَو يكون وَكيلا أَو فضوليا، فَلم يقتض ثُبُوت الْملك للْبَائِع، كَذَا ذكره ابْن وهبان، وَهَذَا مَا فِي الزِّيَادَات. قَوْله: (ووفق شارحها الشُّرُنْبُلَالِيّ) أَي بَين مَا فِي الْجَامِع والزيادات. قَوْله: (بِأَنَّهُ إِن قَالَ بِعني هَذَا) أَي مثلا أَو هبني أَو أجرني وَنَحْوه. قَوْله: (كَانَ إِقْرَارا) أَي اعترافا لَهُ بِالْملكِ لانه جازم بِأَنَّهُ ملكه، وَقد طلب شِرَاءَهُ مِنْهُ أَو هِبته أَو إِجَارَته. قَوْله: (وَإِن قَالَ أتبيع هَذَا) أَو هَل أَنْت بَائِع هَذَا لَا يكون إِقْرَارا بل استفهاما، لانه يحْتَمل أَن يقْصد بذلك استظهار حَاله، هَل يَدعِي الملكية وَجَوَاز البيع لَهُ أَو لَا؟ أَو يكون مُرَاده طلب إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِرَادَةِ بَيْعِ مِلْكِ الْقَائِلِ؟ فَيلْزمهُ بِهِ بعد ذَلِك: أَي بِإِقْرَارِهِ الضمني بِنَاء على رِوَايَة الْجَامِع، ونفتي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة بِرِوَايَة الزِّيَادَات، لَكِن قد يُقَال: إِن مَا ذكره لَا يصلح أَن يكون تَوْفِيقًا بَين الْقَوْلَيْنِ بل هُوَ تَفْصِيل فِي كَون الْمَذْكُورَات قد يكون بَعْضهَا إِقْرَارا بِعَدَمِ ملك الْمقر، وَقد يكون ملك الْمقر، فَتَأمل. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا قَالَ بِعني إِيَّاه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه، فَيكون ذَلِك اعترافا مِنْهُ لَهُ بِالْملكِ فَلَا يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ، وَلَا لغيره. وَإِن قَالَ أتبيع فَلَعَلَّهُ يُرِيد أَن يَبِيعهُ لَو وكَالَة عَنهُ أَو فضولا فَلَا يكون إِقْرَارا لَهُ بِالْملكِ. قَوْله: (صك البيع) أَي وَثِيقَة الْمُبَايعَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي مَا ذكر من كِتَابَة الِاسْم والختم. قَوْله: (لَيْسَ بِإِقْرَار بِعَدَمِ ملكه) أَي فَمَا هُنَا أولى أَو مسَاوٍ: أَي فَلهُ أَن يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ وَلغيره: أَي فَقَوله أتبيع هَذَا أولى بِأَن لَا يكون إِقْرَارا بِعَدَمِ ملكه، وَصُورَة مَسْأَلَة كِتَابَته وختمه على صك البيع: هِيَ أَنه لَو كتب شَهَادَته وَختم عَلَيْهَا على صك فِيهِ بَاعَ فلَان لَا يكون اعترافا مِنْهُ بِالْبيعِ، فَإِن الانسان قد يَبِيع مَال غَيره فضولا، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الصَّك مَكْتُوبًا فِيهِ بيعا صَحِيحا أَو نَافِذا، فَإِن كِتَابَة الشَّهَادَة عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تكون اعترفا لَهُ بِالْملكِ، فَلَا يَصح بعد ذَلِك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ، وَكَذَلِكَ هُنَا إِذا قَالَ بعنيه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، وَيجب تَقْيِيده أَيْضا بِغَيْر أحد الزَّوْجَيْنِ وَالرحم الْمحرم وَبِمَا إِذا لم يُصَرح فِي صك البيع. مهمة: فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الزِّيَادَات: ساوم ثوبا ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ لَهُ قبل المساومة أَو كَانَ لابيه يَوْم مَاتَ قبل ذَلِك وَتَركه مِيرَاثا لَا يسمع. أما لَو قَالَ كَانَ لابي وَكَذَلِكَ بِالْبيعِ فساومته وَلم يتَّفق البيع يسمع، وَلَو ادَّعَاهُ أَبوهُ يسمع أَيْضا، وَكَذَا لَو قَالَ قضى لابي وَمَات قبل الْقَبْض وَتَركه مِيرَاثا لي يسمع أَيْضا وَإِن لم يقْض للاب حَتَّى مَاتَ وَتَركه مِيرَاثا لَا يقْضى، لَان دوَام الْخُصُومَة شَرط وَلَا يُمكن، لانه لَا يصلح خصما بعد المساومة. وعَلى هَذَا لَو الادعى رجل شِرَاء ثوب وشهدا لَهُ بِالشِّرَاءِ من الْمُدعى عَلَيْهِ وَقضى أَولا ثمَّ زعم أحد الشَّاهِدين أَن الثَّوْب لَهُ أَو لابيه وَورثه هُوَ عَنهُ لَا يسمع دَعْوَاهُ لما قُلْنَا. وَلَو قَالَ عِنْد الشَّهَادَة هَذَا الثَّوْب بَاعه مِنْهُ هَذَا لكنه لي أَو لابي ورثته عَنهُ يقْضى بِالْبيعِ وَيسمع دَعْوَى الشَّاهِد، فَإِذا برهن على مدعاه قضى لَهُ لِانْعِدَامِ التَّنَاقُض، وَلَو قَالَ قولا وَلم يؤديا الشَّهَادَة ثمَّ ادَّعَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 لنَفسِهِ أَو أَنه لابيه وَكله بِالطَّلَبِ يقبل، وَكَذَا إِذا شهد بِهِ الِاسْتِئْجَار أَو الاستيداع أَو الاستيهاب أَو الِاسْتِعَارَة من الْمُدَّعِي بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره وَسَوَاء طلب تَحْقِيق هَذِه الْعُقُود الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو غَيره، لَو ساوم ثمَّ ادَّعَاهُ مَعَ الآخر يقبل فِي نصيب الآخر، وَلَا يقبل فِي نصيب المساوم، ومساومة الابْن لَا تمنع دَعْوَى الاب، لَكِن بعد موت الاب لَا يملك الدَّعْوَى، وَإِن كَانَ الاب ادَّعَاهُ وَقضى لَهُ بِهِ أَخذه الابْن، وَقبل الْقَضَاء لَا لما مر آنِفا وَلَو برهن. وَفِي الاقضية: ساوم ولد جَارِيَة أَو زرع أَرض أَو ثَمَرَة نخل ثمَّ برهن على أَن الاصل ملكه تقبل، وَإِن ادّعى الْفَرْع مَعَ الاصل يقبل فِي حق الاصل لَا الْفَرْع، فعلى هَذَا لَوْ ادَّعَى شَجَرًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَاوِمْنِي ثمره أَو اشْترى مني لَا يكون دفعا لجَوَاز أَن يكون الشّجر لَهُ وَالثَّمَر لغيره. وَفِي الخزانة: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَقَالَ اشْتَرَيْته من فلَان وأجزت البيع لَا يكون دفعا، لَان الانسان قد يُجِيز بيع الْغَيْر ملك الْغَيْر. وَفِي الْمُحِيط: برهن على أَن هَذَا الْكَرم لَهُ فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه كَانَ آجر مِنْهُ نَفسه فِي عمل هَذَا الْكَرم ينْدَفع. وَفِي الْمُنْتَقى: اسْتَأْجر ثوبا ثمَّ برهن أَنه لِابْنِهِ الصَّغِير تقبل. قَالَ القَاضِي هَذِه على الرِّوَايَة الَّتِي جعل الِاسْتِئْجَار وَنَحْوه إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ، فَعدم كَونه ملكا يمْنَع كَونه ملكا لغيره، فَجَاز أَن يَنُوب عَن الْغَيْر. فَأَما على الرِّوَايَة الَّتِي تكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ ملك للمطلوب لَا تسمع الدَّعْوَى لغيره كَمَا لَا تسمع لنَفسِهِ اهـ. قَوْله: (مائَة وَدِرْهَم) وَكَذَا لَو قَالَ مائَة ودرهمان أَو مائَة وَثَلَاثَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْخَانِية: وَعَلِيهِ التَّعْلِيل الْآتِي، وَأَرَادَ بدرهم مَال مُقَدّر فَشَمَلَ الدِّينَار وَسَائِر الموزونات والمكيل. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ذكر بعد عقد من الاعداد شئ من المقدرات أَو عدد مُضَاف نَحْو مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو أَفْرَاس يكون بَيَانا، وَإِلَّا فَلَا يكون بَيَانا كَمَا فِي المنبع. قَوْله: (كلهَا دَرَاهِم) أَي فَيلْزمهُ مائَة دِرْهَم وَدِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم. قَالَ فِي الْمُخْتَار: وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم فَالْكل دَرَاهِم وَكَذَا كل مَا يُكَال ويوزن. وَاعْلَم أَن صَاحب الدُّرَر ذكر مُمَيّز الْمِائَة بِصِيغَة الْجمع، وَلَفظه إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم لزمَه مائَة دَرَاهِم وَدِرْهَم، وَتعقبه عزمي بِأَن الصَّوَاب مائَة دِرْهَم بالافراد، وَاسْتدلَّ بِمَا فِي الْمُقدمَة الحاجبية حَيْثُ قَالَ: ومميز مائَة وَألف مخفوض مُفْرد اهـ. وَاعْتَرضهُ أَيْضا عبد الْحَلِيم بِأَن الالف فِي دَرَاهِم من طغيان الْقَلَم، لَان مُمَيّز مائَة مُفْرد لَا غير، وَأجَاب شيخ الْمولى أَبُو السُّعُود بِأَن دَعْوَى التصويب سَاقِطَة، وَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب فِي الْمُقدمَة هُوَ الْكثير، وَمَا وَقع لصَاحب الدُّرَر حَيْثُ أضَاف الْمِائَة إِلَى الْجمع قَلِيل، وَلَيْسَ بخطأ، وَمِنْه قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: * ((18) وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين) * (الْكَهْف: 52) بِإِضَافَة مائَة إِلَى سِنِين. وَالْحَاصِل أَن الْعدَد الْمُضَاف على قسمَيْنِ: أحدهم مَا لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى جمع وَهُوَ ثَلَاثَة إِلَى عشرَة. وَالثَّانِي: مَا لَا يُضَاف كثيرا إِلَّا إِلَى مُفْرد وَهُوَ مائَة وَألف وتثنيتهما نَحْو مِائَتَا دِرْهَم وَألف دِرْهَم الخ. قَوْله: (وَكَذَا الْمكيل وَالْمَوْزُون) كمائة وقفيز حِنْطَة أَوْ رِطْلٌ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ نِصْفُ دِرْهَم ودينار وثوب فَعَلَيهِ نصف كل مِنْهَا، وَكَذَا نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، لِأَنَّ الْكَلَام كُله وَقع على شئ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ معِين كَنِصْف هَذَا الدِّينَار وَدِرْهَم يجب عَلَيْهِ نصف الدِّينَار وَالدِّرْهَم كُله. قَالَ الزَّيْلَعِيّ. وَأَصله: أَن الْكَلَام إِذا كَانَ كُله على شئ بِعَيْنِه أَو كَانَ كُله على شئ بِغَيْر عينه فَهُوَ كُله على الانصاف، وَإِن كَانَ أَحدهمَا بِعَيْنِه وَالْآخر بِغَيْر عينه فالنصف على الاول مِنْهُمَا. شرنبلالية. لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد أَن عزا وجوب كل الدِّرْهَم للتبيين: فِيهِ أَن هَذَا على تَقْدِير خفض الدِّرْهَم مُشكل، وَأما فِي الرّفْع والسكون فَمُسلم اهـ. وَأَقُول: لَا إِشْكَال على لُغَة الْجَوَاز، على أَن الْغَالِب على الطّلبَة عدم اعْتِبَار الاعراب: أَيْ فَضْلًا عَنْ الْعَوَّامِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ الِاسْتِفْسَارُ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْجَرَّ. تَأمل. قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن يلْزمه الْمَعْطُوف وَيرجع فِي بَيَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِلَيْهِ، وبالقياس أَخذ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (وَفِي مائَة ثوب) نَحْو مائَة وشَاة وَمِائَة وَعبد. قَوْله: (لانها مُبْهمَة) قَالَ فِي التَّبْيِين: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن عطف الْمَوْزُون والمكيل على عدد مُبْهَم يكون بَيَانا للمبهم عَادَة، لَان النَّاس استثقلوا تكْرَار التَّفْسِير وَهُوَ الدِّرْهَم عِنْد كَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَذَلِكَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التَّعَامُل وَهُوَ مَا يثبت فِي الذِّمَّة وَهُوَ الْمكيل وَالْمَوْزُون، لانها تثبت دينا فِي الذِّمَّة سلما وقرضا وَثمنا، واكتفوا بِذكرِهِ مرّة لِكَثْرَة أَسبَابه ودورانه فِي الْكَلَام، بِخِلَاف الثِّيَاب وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ من المقدرات: أَي مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن، لانها لَا يكثر التَّعَامُل بهَا لعدم ثُبُوتهَا فِي الذِّمَّة جَمِيع الْمُعَامَلَات وَالثيَاب، وَإِن ثبتَتْ فِي الذِّمَّة فِي السّلم وَالنِّكَاح إِلَّا أَنَّهُمَا لَا يكثرن كَثْرَة الْقَرْض وَالثمن، فَلم يستثقلوا ذكرهَا لعدم دورانها فِي الْكَلَام والاكتفاء بِالثَّانِي للكثرة وَلم تُوجد فَبَقيَ على الْقيَاس، بِخِلَاف قَوْله مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب حَيْثُ يكون الاثواب تَفْسِيرا للمائة أَيْضا، وَيَسْتَوِي فِيهِ المقدرات وَغَيرهَا، لانه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تَفْسِيرا فَيَنْصَرِف إِلَيْهِمَا فَيكون بَيَانا لَهما، وَهَذَا بالاجماع لَان عَادَتهم جرت بذلك، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ أحد وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ درهما فَيَنْصَرِف التَّفْسِير إِلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجة إِلَيْهِ اهـ. قَالَ أَبُو السُّعُود: والمتقارب الَّذِي لَا تخْتَلف آحاده بِالْكبرِ والصغر كالمكيل وَالْمَوْزُون. قَوْله: (وَفِي مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب) أَو دَرَاهِم أَو شِيَاه. قَوْلُهُ: (كُلُّهَا ثِيَابٌ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وأردفها بالتفسير فصرف إِلَيْهِمَا لعدم العاطف، وَهَذَا بالاجماع. قَوْله: (خلافًا للشَّافِعِيّ) ظَاهر كَلَامه أَن مُخَالفَته فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الْعَيْنِيّ: وَعند الشَّافِعِي وَمَالك تَفْسِير الْمِائَة إِلَيْهِ فِي الْكل، وَعند أَحْمد: الْمُبْهم من جنس الْمُفَسّر فِي الْفَصْلَيْنِ اهـ. وَنَحْوه فِي الدُّرَر. قَوْله: (لم تذكر بِحَرْفِ الْعَطْفِ) بِأَنْ يَقُولَ مِائَةٌ وَأَثْوَابٌ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي مائَة وثوب. قَوْله: (فَانْصَرف التَّفْسِير) أَي بالاثواب. قَوْله: (إِلَيْهِمَا) يَعْنِي أَنَّهَا تكون تَفْسِيرا لَهما لِاسْتِوَاء الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فِي الْحَاجة إِلَى التَّفْسِير. قَوْله: (تلْزمهُ الدَّابَّة فَقَط) لَان غصب الْعقار لَا يتَحَقَّق عِنْدهمَا، وعَلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يضمنهما. قَوْله: (وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا إنْ أَمْكَنَ نَقله) كتمر فِي قوصرة لزماه، وَمثله طَعَام فِي جوالق أَو فِي سفينة. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 (لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ، وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً، وَيرجع فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ. هَكَذَا قَرَّرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ قَصْرُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ، وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة اهـ. وَفِي الْبَحْر والاشباه: لَا يلْزمه شئ اهـ. وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا قَاصِرٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقيمَة أَو لم يلْزمه شئ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: إِن أضَاف مَا أقربه إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ تَمْرًا فِي قوصرة لزمَه التَّمْر والقوصرة وَإِلَّا يضفه إِلَى فعل، بل ذكره ابْتِدَاء وَقَالَ لَهُ عَلَى تَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ القوصرة، لَان الاقرار قَول وَالْقَوْل يُمَيّز الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُ لَهُ زعفرانا فِي سلة. اهـ. وَللَّه تَعَالَى الْحَمد، وَمثله فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على منلا مِسْكين، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ: قِيمَتُهُ. تَأَمَّلْ اهـ. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. أَقُول: وَلَعَلَّ عَلَيْهِ التَّمْر لَا قِيمَته لانه مثلي. تَأمل. قَوْله (وَإِلَّا لزم المظروف فَقَط) وَهَذَا عِنْدَهُمَا، لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ ينْقل لم يصدق لانه أقرّ بِغَصب تَامّ لانه مُطلق فَيحمل على الْكَمَال. قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) بِنَاء على غصب الْغَائِب الْعقار فعندهما غير مُتَصَوّر، فَيكون الاقرار بالمظروف فَقَط، وَعِنْده مُتَصَوّر فَيكون إِقْرَارا بالظرف والمظروف. قَوْله: (وَإِن لم يصلح) أَي مَا جعل ظرفا صُورَة وَهُوَ قَوْله فِي دِرْهَم، وَالدِّرْهَم لَا يصلح أَن يكون ظرفا للدرهم فَيكون قَوْله فِي دِرْهَم لَغوا وَيلْزمهُ دِرْهَم فَقَط. قَوْلُهُ: (فِي خَيْمَةٍ) فِيهِ أَنَّ الْخَيْمَةَ لَا تسمى ظرفا حَقِيقَة، وَالْمُعْتَبر كَونه ظرفا حَقِيقَة كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ ظَاهر الحكم أخذا من الاصل، وَيدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي متْنا وَهُوَ قَوْله ثوب فِي منديل أَو ثوب، بل هُنَا أَوْلَى. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ غصبتك كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ، وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ فَقَطْ وَإِنْ صَلُحَ الْقَفِيزُ ظَرْفًا، بَيَانُهُ مَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: أَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِيهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شئ آخر اهـ. وَنَحْوه فِي الاسبيجابي. وَاسْتظْهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّ هَذَا فِي الْإِقْرَارِ ابْتِدَاءً، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيَلْزَمُهُ الظَّرْفُ أَيْضًا كَمَا فِي غَصَبْتُهُ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَيُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ دِرْهَمٌ فِي ثوب. تَأمل. قَوْله: (وبخاتم) بِأَن يَقُول هَذَا الْخَاتم لَك. قَوْله: (تلْزمهُ حلقته) الْحلقَة بِسُكُون اللَّام فِي حَلقَة الْبَاب وَغَيره، وَالْجمع حلق بِفتْحَتَيْنِ على غير قِيَاس. وَقَالَ الاصمعي بِكَسْر الاولى كقصعة وقصع وبدرة وَبدر، وَحكى يُونُس عَن ابْن الْعَلَاء أَن الْفَتْح لُغَة فِي السّكُون ط. قَوْله: (وفصه) هُوَ مَا يركب فِي الْخَاتم من غَيره. وَفِي الْقَامُوس: الفص للخاتم مُثَلّثَة، وَالْكَسْر غير لحن. قَوْله: (جَمِيعًا) لَان اسْم الْخَاتم يشملهما، وَلِهَذَا يدْخل الفص فِي بيع الْخَاتم من غير تَسْمِيَة. ط عَن الشلبي. قَوْله: (جفْنه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 بِفَتْح الْجِيم غمده وقرابه. قَوْله: (وحمائله) جمع حمالَة بِكَسْر الْحَاء علاقته ط. وَهِي مَا يشد بِهِ السَّيْف على الخاصرة قِطْعَة جلد، وَنَحْوهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا وَاحِدهَا محمل. عَيْني. قَوْله: (ونصله) حديده لَان اسْم السَّيْف يُطلق على الْكل. قَوْله: (بَيت مزين بستور وسرر) وَمُقْتَضى هَذَا التَّفْسِير أَن يلْزم الْبَيْت أَيْضا وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقيل يتَّخذ من خشب وَثيَاب وَهُوَ ظَاهر، وَفِي الْعَيْنِيّ: هُوَ بَيت يزين بالثياب والاسرة والستور، وَيجمع على حجال. قَالَ منلا مِسْكين: واسْمه بشخانه، وَقيل خرشمانه اهـ. وَيُقَال لَهَا الْآن: الناموسية، وَالظَّاهِر لُزُومهَا لانها من مفهومها، وَصدق الِاسْم على الْكل كَمَا لَزِمته العلاقة لصدق السَّيْف عَلَيْهَا، وَيُمكن الْفرق بالاتصال وَعَدَمه. تَأمل. قَوْله: (العيدان) بِضَم النُّون جمع عود كدود جمعه ديدان والدود جمع دودة. صِحَاح. قَوْلُهُ: (فِي قَوْصَرَّةٍ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفَ. مُخْتَارٌ الصِّحَاح. قَالَ صَاحب الجمهرة: أما القوصرة فأحسبها دخيلا، وَقد روى: أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصره يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم مره ثمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَة هَذَا الْبَيْت اهـ. وَهِي وعَاء التَّمْر منسوج من قصب، وَيُسمى بهَا مَا دَامَ التَّمْر فِيهَا، وَإِلَّا فَهِيَ تسمى بالزنبيل كَمَا فِي الْمغرب. أَقُول: والزنبيل مَعْرُوف، وَيُسمى فِي عرف الشَّام قفة، فَإِذا كَسرته شددت فَقلت زنبيل، لانه لَيْسَ فِي الْكَلَام فعليل بِالْفَتْح. كَذَا فِي الصِّحَاح. بَقِي أَن يُقَال: مُقْتَضى قَوْله فَإِذا كَسرته الخ يُفِيد جَوَاز الْفَتْح، وَقَوله لانه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الخ يقْضى عدم جَوَازه، وَعبارَة الْقَامُوس تفِيد جَوَازه مَعَ الْقلَّة. قَوْله: (جوالق) كصحائف جمع جولق بِكَسْرِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحِ اللَّامِ وَكسرهَا وعَاء مَعْرُوف. قَامُوس: أَي وَهُوَ الْعدْل. قَوْله: (أَو ثوب فِي منديل) لانه ظرف لَهُ، وَهُوَ مُمكن حَقِيقَة فَيدْخل فِيهِ على مَا بَينا. زَيْلَعِيّ والمنديل بِكَسْر الْمِيم. قَالَ فِي الْمغرب: تمندل بمنديل خيش أَي شده بِرَأْسِهِ، وَيُقَال تمندلت بالمنديل وتمندلت: أَي تمسحت بِهِ حموي. قَوْله: (يلْزمه الظّرْف كالمظروف لما قدمْنَاهُ) أَي من أَن الصَّالح للظرفية حَقِيقَة إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفَ فَقَط عِنْدهمَا، وَكَذَا لَو أقرّ بِأَرْض أَو دَار يدْخل الْبناء والاشجار إِذا كَانَا فيهمَا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ أَن الْبناء والاشجار والفص والجفن والعيدان لي لم يصدق وَلم تقبل بَينته كَمَا فِي المنبع وَغَيره، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا بناؤها فَإِنَّهُ لي، وَكَذَا فِي سائرها، وَإِن لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَيكون الْكل للْمقر لَهُ، إِلَّا أَنه لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة تقبل كَمَا فِي الْخَانِية. قَوْله: (لَا تلْزمهُ القوصرة) لَان من للانتزاع فَكَانَ إِقْرَارا بالمنتزع. قَوْله: (كَثوب فِي عشرَة وَطَعَام فِي بَيت) هُوَ على قَوْلهمَا، وَقِيَاس مُحَمَّد لزومهما. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 (فليلزمه المظروف فَقَط) عِنْدهمَا وألزمه مُحَمَّد الْكل لَان النفيس قد يلفت فِي عشرَة، ونوقض بِمَا لَو قَالَ كرباس فِي عشرَة حَرِيرًا. قَوْله: (لَا تكون ظرفا لوَاحِد عَادَة) والممتنع عَادَة كالممتنع حَقِيقَة. وَفِي قد تَأتي بِمَعْنى بَين أَي على معنى الْبَين وَالْوسط مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى: * ((89) فادخلي فِي عبَادي) * (الْفجْر: 92) فَوَقع الشَّك والاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْمَال لَا يجب مَعَ الِاحْتِمَال، وَفِي كَلَام الشَّرْح أَن فِي الْآيَة بِمَعْنى مَعَ. قَوْله: (وعنى معنى على) لَان غصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا غصب الْمحل كَمَا فِي النِّهَايَة عَن الْمَبْسُوط. زَيْلَعِيّ فِي تَعْلِيل قَوْله بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ غصبت إكافا على حمَار حَيْثُ يلْزمه الاكاف دون الْحمار، لَان الْحمار مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه فَيُقَال هُنَا إِذا قَالَ خَمْسَة فِي خَمْسَة، وعنى على فقد أقرّ باغتصاب خَمْسَة مُسْتَقِرَّة على خَمْسَة، فالمغصوب هُوَ الْخَمْسَة المستقرة والخمسة المستقر عَلَيْهَا مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه، وغصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا بِالْغَصْبِ الْمحل. تَأمل. قَوْله: (أَو الضَّرْب خَمْسَةٌ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِير المَال دُرَر. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ عَنَى بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ الضَّرْبَ فَقَط أَو الضَّرْب وتكثير الْأَجْزَاءِ فَعَشَرَةٌ، وَإِنْ نَوَى بِالضَّرْبِ تَكْثِيرَ الْعَيْنِ لزمَه مائَة. قَوْله: (لما مر) أَي فِي الطَّلَاق من أَن الضَّرْب يكثر الاجزاء لَا المَال، فَإِذا قلت: خَمْسَة فِي خَمْسَة تُرِيدُ بِهِ أَن كل دِرْهَم من الْخَمْسَة مثلا خَمْسَة أَجزَاء. وَفِي الْوَلوالجِيَّة: أَي فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ على عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب إِن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا يلْزمه إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، وَمَعْلُوم أَن ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر. قَوْله: (وألزمه زفر بِخَمْسَة وَعشْرين) وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد، وَفِي الشَّارِح. وَقَالَ زفر: عَلَيْهِ عشرَة، فَلَعَلَّ عَن زفر رِوَايَتَيْنِ: وَفِي التَّقْرِيب ذكر أَن مَذْهَب زفر مثل قَول الْحسن كَمَا ذكره الْعَيْنِيّ مُخَالفا للزيلعي. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَقَالَ زفر عَلَيْهِ عشرَة وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد خَمْسَة وَعِشْرُونَ لعرف الْحساب، لانهم يُرِيدُونَ بِهِ ارْتِفَاع أحد العددين بِقدر الْعدَد الآخر، ولزفر أَن حرف فِي يسْتَعْمل بِمَعْنى مَعَ، وَإِن مَا يُرَاد بِهِ ارْتَفع أحد العددين بِقدر الآخر عِنْد الْخَواص من النَّاس فَتعين الْمجَاز الْمُتَعَارف بَين النَّاس، وَقُلْنَا: لما تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة وَهِي الظَّرْفِيَّة لَغَا، وَلَا يُصَار إِلَى الْمجَاز لَان الْمجَاز متعارض لانها تسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَاو وَبِمَعْنى مَعَ وَبِمَعْنى على، وَلَيْسَ حملهَا على الْبَعْض أولى من الْبَعْض فلغت اهـ مُلَخصا. قَوْله: (وَعشرَة إِن عَنى مَعَ) لَان اللَّفْظ يحْتَمل الْمَعِيَّة فقد نوى مُحْتَمل كَلَامه فَيصدق، وَفِي البيانية على دِرْهَم مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَاهُ، وَكَذَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ وَدِرْهَمٌ، بِخِلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ، وَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ بُرٍّ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَبَطَلَ الْقَفِيزُ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا لَهُ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَة وَدِرْهَم بدرهم وَاحِد لانه للبدلية اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَنَيِّفٌ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي النَّيِّفِ، وَفِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفٍ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسمِائَة وَالْقَوْل لَهُ فِي الزِّيَادَة. قَوْله: (كَمَا مر فِي الطَّلَاق) من أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 وَاحِدَة فِي ثِنْتَيْنِ طلق وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَإِن نوى وَاحِدَة وثنتين فَثَلَاث، وَإِن نوى مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاث، وبثنتين فِي ثِنْتَيْنِ بنية الضَّرْب ثِنْتَانِ، وَإِن نوى الْوَاو أَو مَعَ كَمَا مر وَكَذَا يُقَال مثله فِي مَسْأَلَتنَا، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب بِأَن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا تلْزمهُ إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء كَمَا فِي الْوَلوالجِيَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، لَان ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر كَمَا مر قَرِيبا تَأمل. قَوْله: (تِسْعَة) أَي عِنْد الامام وَعِنْدَهُمَا عشرَة وَعند زُفَرُ ثَمَانِيَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حدا للموجود ووجوده بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي المغيا لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ، لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِث لَا يتَحَقَّق بِدُونِ الاول، فَدخلت الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ. دُرَرٌ. وَفِي الْمنح: ولان الْعدَد يَقْتَضِي ابْتِدَاء، فَإِذا أخرجنَا الاول من أَن يكون ابْتِدَاء صَار الثَّانِي هُوَ الاول فَيخرج هُوَ أَيْضا من أَن يكون ابْتِدَاء كالاول، وَكَذَا الثَّالِث وَالرَّابِع الخ فَيُؤَدِّي إِلَى خُرُوج الْكل من أَن يكون وَاجِبا وَهُوَ بَاطِل اهـ. وَالْمرَاد بالغاية الثَّانِيَة المتمم للمذكور، فالغاية فِي الْعشْرَة الْعَاشِر وَفِي الالف الآخر الاخير وَهَكَذَا، فَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة فِي الْغَايَة الاولى: اسْتِحْسَان، وَفِي الثَّانِيَة: قِيَاس، وَمَا قَالَاه فِي الغايتين اسْتِحْسَان، وَمَا قَالَه زفر فيهمَا قِيَاس كَمَا فِي قَاضِي زَاده. قَوْله: (بِخِلَاف الثَّانِيَة) أَي مَا بعد إِلَى فَإِن للتسعة وجودا بِدُونِ الْعَاشِر فَلَا دَلِيل على دُخُوله فَلَا يدْخل بِالشَّكِّ. قَوْله: (وَمَا بَين الحائطين) أَي بِخِلَاف مَا بَين الحائطين: أَي لَو قَالَ: لَهُ فِي دَاري من هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط فَإِنَّهُمَا لَا يدخلَانِ فِي الاقرار، لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم، وَبِخِلَاف الْمَعْدُوم فَإِنَّهُ لَا يصلح حدا إِلَّا بِوُجُودِهِ ووجوده بِوُجُوبِهِ، وَمن ذَلِك لَو وضع بَين يَدَيْهِ عشرَة دَرَاهِم مرتبَة فَقَالَ مَا بَين هَذَا الدِّرْهَم إِلَى هَذَا الدِّرْهَم وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا لفُلَان لم يدْخل الدرهمان تَحت الاقرار بالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي المنيع. قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لما كَانَ فِي الْمَعْدُود تدخل الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة. قَالَ: وَفِي لَهُ كرّ حِنْطَة الخ لَان الْكر مَعْدُود بالقفيز عَادَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ من قفيز إِلَى تَمام القفزان من قفيزي حِنْطَة وشعير، فَتدخل الْغَايَة الاولى وَلَا يدْخل القفيز الاخير من كرّ الشّعير، لانه ذكر الشّعير بعد إِلَى فَيلْزمهُ كرّ حِنْطَة وكر شعير إِلَّا قَفِيزا. قَالَ فِي الْمنح: لَان القفيز الاخير من الشّعير هُوَ الْغَايَة الثَّانِيَة، وَعِنْدَهُمَا: يلْزمه الكران. قَوْله: (إِلَّا قَفِيزا) من شعير. قَالَ الْقَدُورِيّ فِي التَّقْرِيب: قَالَ أَبُو حنيفَة: فَمن قَالَ لفُلَان عَليّ مَا بَين كرّ شعير إِلَى كرّ حِنْطَة لزمَه كرّ شعير وكر حِنْطَة إِلَّا قَفِيزا، وَلم يَجْعَل الْغَايَة جَمِيع الْكر لَان الْعَادة أَن الْغَايَة لَا تكون أَكثر الشئ وَلَا نصفه، وَالْكر عبارَة عَن جملَة من القفزان فَوَجَبَ أَن يصير الِانْتِهَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 إِلَى وَاحِد مِنْهَا اهـ. شلبي عَن الاتقاني. وَمثل هَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَة المُصَنّف. وَنقل الشلبي أَيْضا عَن قاضيخان: لَو قَالَ لَهُ عَليّ بَين مائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فِي قَول أبي حنيفَة: يلْزمه مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَتدخل فِيهِ الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة. وَلَو قَالَ من عشرَة دَرَاهِم إِلَى عشرَة دَنَانِير فَعنده تلْزمهُ الدَّرَاهِم وَتِسْعَة دَنَانِير، وَعِنْدَهُمَا الْكل. ذكره الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة وَانْظُر مَا وَجه لُزُوم الْكر من الشّعير إِلَّا قَفِيزا مَعَ أَنه جعل الْغَايَة نفس الْكر. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَة لَا تدخل لعدم الضَّرُورَة، والغاية الاولى دَاخِلَة لضَرُورَة بِنَاء الْعدَد عَلَيْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَمِّمُ لِلْمَذْكُورِ، فالغاية فِي إِلَى عشرَة الْعَاشِر، وَفِي إلَى أَلْفٍ الْفَرْدُ الْأَخِيرُ، وَهَكَذَا عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ، وَفِي الْأَشْبَاهِ عَليّ من شَاة إِلَى بقرة لم يلْزمه شئ سَوَاء كَانَ بِعَيْنِه أَو لَا، وَرَأَيْت مَعْزِيًّا لِشَرْحِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُمَا عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ مَا بَين دِرْهَم إِلَى دَرَاهِم فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدِرْهَمَانِ عِنْدَ أبي يُوسُف، سائحاني. قَوْله: (لَهُ مَا بَينهمَا فَقَط) أَي دون الحائطين لقيامهما بأنفسهما شرنبلالية عَن الْبُرْهَان، وَعلل الْمَسْأَلَة فِي الدُّرَر تبعا للزيلعي بقوله: لما ذكرنَا أَن الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا اهـ. وَلَا يخفى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ للمبدأ لدُخُوله فِيمَا سبق، بِخِلَاف مَا هُنَا، وَلِهَذَا زَاد الْعَيْنِيّ على مَا اقْتصر عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيّ حَيْثُ قَالَ: لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم اهـ. وقدمناه قَرِيبا قَوْله: (لما مر) هُوَ لم يقدم لَهُ تعليلا، وَإِنَّمَا ذكر مُخَالفَته لقَوْله من دِرْهَم إِلَى عشرَة أَو بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة، وَقد ذكره فِي الْمنح بقوله: بِخِلَاف مَا ذكر من المحسوس لانه مَوْجُود فيصلح حدا فَلَا يدخلَانِ اهـ. والمحسوس هُوَ هَذِه الْمَسْأَلَة ط. قَوْلُهُ: (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) سَوَاءٌ كَانَ حَمْلَ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ أَمَتِي أَوْ حَمْلُ شَاتِي لِفُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ سَبَبًا، لِأَنَّ لِتَصْحِيحِهِ وَجْهًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِحَمْلِ شَاةٍ مَثَلًا لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ ابْنُهُ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ. حموي. قَوْله (الْمُحْتَمل) اسْم فَاعل من احْتمل: أَي يَصح أَن يحمل عَلَيْهِ لفظ الْوُجُود فَيُقَال: هَذَا الْحمل مَوْجُود وَهُوَ أَعم من كَونه لانه مَاله أَولا، فَإِنَّهَا إِذا ولدت بعده لدوّنَ نصف حول كَانَ مَوْجُودا. محققا ولدون حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة غير مُحَقّق، لكنه مُمكن، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه مُحَقّق شرعا لثُبُوت نسبه. كَذَا غير الْآدَمِيّ إِذا قدر بِأَدْنَى مُدَّة الْحمل المتصورة فِيهِ كَانَ محققا وجوده، فَلَو قَالَ الْمَعْلُوم وجوده أَو الْمُحْتَمل كَمَا فِي التَّبْيِين لَكَانَ أظهر، وَاسْتغْنى عَن التَّكَلُّف، وَاقْتصر على الْمَعْلُوم وجوده لما علم فِي مَسْأَلَة الْمُعْتَدَّة أَنه مَعْلُوم شرعا، وَلَعَلَّ أصل الْعبارَة كالتبيين فَسقط لفظ الْمَعْلُوم من قلم النَّاسِخ مَعَ أَنه يرد على قَوْله الْمُحْتَمل مَا لَو جَاءَت بِهِ الْمُزَوجَة لدوّنَ سنتَيْن، فَإِنَّهُ مُحْتَمل وجوده بِمَعْنى الامكان، مَعَ أَنه لَا يَصح الاقرار بِهِ حِينَئِذٍ فَتعين الِاقْتِصَار على قَوْلنَا لمعلوم وجوده، وَيدخل فِيهِ ولد الْمُعْتَدَّة لدوّنَ السنتين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 كَمَا علمت. قَوْله: (بِأَن تَلد) أَي الامة. قَوْله: (لدوّنَ نصف حول لَو مُزَوّجَة) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لما تقرر أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر، وأكثرها سنتَانِ، فَإِذا كَانَت مُزَوّجَة وَجَاءَت بِالْوَلَدِ لاقل من سِتَّة أشهر علم أَنه مَوْجُود وَقت الاقرار وَكَونه ابْن الزَّوْج لَا يمْنَع الاقرار بِهِ لغيره، لَان ولد الامة رَقِيق كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (أَو لدوّنَ حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة) أَي لَو كَانَت مُعْتَدَّة فَجَاءَت بِهِ لاقل من حَوْلَيْنِ يَصح الاقرار بِهِ للْعلم بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار. قَوْله: (لثُبُوت نسبه) أَي أَنه لما حكم الشَّارِع بِثُبُوت نسبه من الْمُطلق كَانَ حكما بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار بِهِ. قَوْله: (وَلَو الْحمل غير آدَمِيّ) كحمل الشَّاة مثلا بِأَن قَالَ حمل شاتي لفُلَان كَمَا مر بِشَرْط أَن يتَيَقَّن بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار. قَوْله: (ذَلِك) أَي الْحمل وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، لَان الْموضع للاضمار. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَة إِذْ لَا يلْزم فِيمَا ذكر. مطلب: أقل مُدَّة الْحمل للآدمي وَغَيره قَوْله: (أقل مُدَّة حمل الشَّاة الخ) سَيَأْتِي فِي كتاب الْوَصَايَا نقلا عَن الْقُهسْتَانِيّ أَن أقل مُدَّة الْحمل للآدمي سِتَّة أشهر، وللفيل أحد عشر، وللابل وللخيل وَالْحمير سَنَةٌ، وَلِلْبَقَرِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَلِلشَّاةِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، وَمثله الْمعز، وللسنور شَهْرَان، وللكلب أَرْبَعُونَ يَوْمًا وللطير إِحْدَى وَعِشْرُونَ يَوْمًا. قَوْله: (وَصَحَّ لَهُ) أَي للْحَمْل الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لدوّنَ نصف حول أَو لِسنتَيْنِ: أَي وَهِي زَوْجَة حَلَال وَأَبوهُ ميت، أما لَو جَاءَت بِهِ لِسنتَيْنِ وَأَبُو حَيّ ووطئ الام لَهُ حَلَال فالاقرار بَاطِل، لانه يُحَال بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. بَيَانِيَّةٌ وكفاية. قَوْله: (إِن بَين سَببا صَالحا يتَصَوَّر للْحَمْل) أَي يتَصَوَّر ثُبُوته للْحَمْل: أَي بِأَن بَين سَببا صَالحا لثُبُوت الحكم لَهُ. قَوْله: (كالارث وَالْوَصِيَّة) الْكَاف استقصائية لانحصار السَّبَب الصَّالح فيهمَا. قَوْله: (فورثه) الْحمل واستهلكت من مَال الْمُورث ألفا مثلا. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يبين سَببا صَالحا بِأَن لم يبين سَببا أصلا، أَو بَين سَببا غير صَالح لَا يَصح الاقرار بل بلغو كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (كَمَا يَأْتِي) أَي فِي قَوْله وَإِن فسره الخ. قَوْله: (لاقل من نصف حول) أَي بِأَن كَانَت ذَات زوج أَو لاقل من سنتَيْن إِن كَانَت مُعْتَدَّة، فَإِن وَلدته لاكثر من سِتَّة أشهر لم يسْتَحق شَيْئا حموي. وَمثله فِي ابْن الْكَمَال. قَوْله: (وَإِن ولدت حيين) أَي ذكرين أَو انثيين. قَوْله: (فَلَهُمَا) لَان مجموعهما هُوَ الْحمل وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره فالموروث أَو الْمُوصى بِهِ، وَقَوله نِصْفَيْنِ نصب على الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر: أَي فَهُوَ لَهما نِصْفَيْنِ. قَوْله: (فَكَذَلِك) أَن نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّة، لَان المَال للْحَمْل وَهُوَ مجموعهما،، وَلَا أرجحية لاحدهما على الآخر فِيهِ. قَوْله: (بِخِلَاف الْمِيرَاث) فَإِن فِيهِ للذّكر مثل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 مثل حَظّ الانثيين. قَوْله: (لوَرَثَة ذَلِك) لَا حَاجَة إِلَى اسْم الاشارة. قَوْله: (الْمُوصي والمورث) عبارَة الْبَحْر: وَإِن ولدت مَيتا يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي أَو وَرَثَة أَبِيه اهـ. قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: أَقُول يَعْنِي إِذا قَالَ الْمقر أوصى لَهُ بِهِ فلَان ثمَّ ولد مَيتا فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي الَّذِي قَالَ الْمقر: إِنَّه أوصى للْحَمْل، وَقَوله أَو وَرَثَة أَبِيه: يَعْنِي إِن قَالَ الْمقر مَاتَ أَبوهُ فورثه فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة أَبِيه إِن ولد مَيتا عملا بقول الْمقر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْله: (لعدم أَهْلِيَّة الْجَنِين) أَي لَان هَذَا الاقرار فِي الْحَقِيقَة لَهما: أَي للْمُوصي والمورث، وَإِنَّمَا ينْتَقل للجنين بعد وِلَادَته حَيا، وَلم ينْفَصل حَيا فَيكون لورثتهما كَمَا فِي الدُّرَر. وَالْحَاصِل: أَن الْحمل لَا يكون أَهلا لَان يَرث وَيُورث، وَيسْتَحق الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا خرج أَكْثَره حَيا. قَوْله: (كَهِبَة) أَي للْحَمْل فَإِنَّهَا لَا تصح لَهُ لَان حكمهَا ثُبُوت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ وَالْحمل لَا يملك قَوْله: (أَو بيع أَو إقراض) بِأَن قَالَ الْحمل: بَاعَ مني أَو أَقْرضنِي دُرَر. إِذْ لَا يتَصَوَّر شئ مِنْهُ من الْجَنِين لَا حَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا حكما لانه لَا يُولى عَلَيْهِ. قَوْله: (أَو أبهم الاقرار وَلم يبين سَببا) بِأَن قَالَ لحمل فُلَانَة كَذَا. قَوْله: (لَغَا) أَي بَطل فَلَا يلْزمه شئ أَيْضا عِنْد أبي يُوسُف، لَان مُطلق الاقرار ينْصَرف إِلَى الاقرار بِسَبَب التِّجَارَة، وَلِهَذَا حمل إِقْرَار الْمَأْذُون وَأحد الْمُتَفَاوضين عَلَيْهِ فَيصير كَمَا إِذا صرح بِهِ وَلَا يَصح، فَكَذَا هَذَا. دُرَر قَوْله: (وَحمل مُحَمَّد الْمُبْهم على السَّبَب الصَّالح) لانه يحْتَمل الْجَوَاز وَالْفساد، ولان الاقرار إِذا صدر من أَهله مُضَافا إِلَى مَحَله كَانَ حجَّة يجب الْعَمَل بهَا، وَلَا نزاع فِي صدوره من أَهله لانه هُوَ الْمَفْرُوض وَأمكن إِضَافَته إِلَى مَحَله بِحمْلِهِ على السَّبَب الصَّالح حملا لكَلَام الْعَاقِل على الصِّحَّة، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون إِذا أقرّ بدين فَإِن إِقْرَاره وَإِن احْتمل الْفساد بِكَوْنِهِ صَدَاقا أَو دين كَفَالَة وَالصِّحَّة بِكَوْنِهِ من التِّجَارَة كَانَ صَحِيحا تَصْحِيحا لكَلَام الْعَاقِل. عناية وَأَبُو يُوسُف يُبطلهُ، لَان لجوازه وَجْهَيْن: الْوَصِيَّة، والارث، ولبطلانه وُجُوهًا وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر، فَحكم بِالْفَسَادِ، نَظِيره: لَو شرى عبدا بِأَلف ثمَّ قبل النَّقْد بَاعه وعبدا آخر من البَائِع بِأَلف وَخَمْسمِائة وقيمتهما سَوَاء فَإِنَّهُ يبطل، وَإِن أمكن جَوَازه بِأَن يَجْعَل الالف أَو أَكثر حِصَّة المُشْتَرِي، وَالْبَاقِي حِصَّة الآخر زَيْلَعِيّ. وَفِيه نظر، إِذْ لَا نسلم أَن تعدد جِهَة الْجَوَاز توجب الْفساد لم لَا يَكْفِي فِي صِحَة الْحمل على الْجَوَاز صَلَاحِية فَرد من الْوَجْهَيْنِ، وَإِن لم يتَعَيَّن خُصُوصِيَّة، أَلا ترى أَن جَهَالَة نفس الْمقر بِهِ لَا تمنع صِحَة الاقرار اتِّفَاقًا فَكيف تمنعها جَهَالَة سَبَب الْمقر بِهِ. حموي عَن قَاضِي زَاده، وَهَذَا تَرْجِيح مِنْهُ لقَوْل مُحَمَّد، وَيُقَوِّي بحث قَاضِي زَاده مَا ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَلقَائِل أَن يَقُول قد تقدم من الزَّيْلَعِيّ فِي الاقرار بِالْمَجْهُولِ أَنه إِذا لم يبين السَّبَب يَصح، وَيحمل على أَنه وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب تصح مَعَه الْجَهَالَة، فَمَا الْفرق بَينه وَبَين مَا ذكر هُنَا من عدم حمله على السَّبَب الْمُوجب للصِّحَّة، على قَول الْقَائِل بِهِ، وَفِي كل احْتِمَال الْفساد وَالصِّحَّة اهـ. وَفِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال إِن ظَاهر إِقْرَار يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع عَن الاقرار، وَهُوَ يملك الرُّجُوع لانا نقُول لَيْسَ بِرُجُوع وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 سَبَب يحْتَمل، لانه يحْتَمل أَن أحدا من أوليائه بَاعه مِنْهُ فَحسب أَن ذَلِك صَحِيح فَيقر بِهِ ويضيفه إِلَى الْجَنِين مجَازًا اهـ مُلَخصا. ثمَّ على قَول مُحَمَّد: إِذا صَحَّ الاقرار مَعَ إِيهَام السَّبَب ثمَّ ولد الْحمل مَيتا أَو لم يُوجد حمل لمن يرد الْمقر بِهِ يُرَاجع. وَأفَاد فِي الزَّيْلَعِيّ والعناية أَنه تحصل أَن للمسألة ثَلَاث صور: إِمَّا أَن يبهم الاقرار فَهُوَ على الْخلاف، وَإِمَّا أَن يبين سَببا صَالحا فَيجوز بالاجماع، وَإِمَّا أَن يبين سَببا غير صَالح فَلَا يجوز بالاجماع، فَإِن قيل: ظَاهر إِقْرَاره يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع وَهُوَ فِي الاقرار لَا يَصح؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوع بل ظُهُور كذبه يبْقين كَمَا لَو قَالَ: قطعت يَد فلَان عمدا أَو خطأ وَيَد فلَان صَحِيحَة اهـ. ثمَّ قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَقيل أَبُو حنيفَة مَعَ أبي يُوسُف، وَاخْتَارَ صَاحب الْهِدَايَة قَول أبي يُوسُف على مَا هُوَ دأبه فِي تَرْتِيب الْمسَائِل، وَتَبعهُ صَاحب الْوِقَايَة حَيْثُ ترك قَول مُحَمَّد رَأْسا إِشَارَة إِلَى رُجْحَان قَول أبي يُوسُف، وَعَلِيهِ أَكثر الشُّرَّاح حَيْثُ قووا دَلِيله اهـ. ثمَّ قَالَ: فَظهر أَن قَول أبي يُوسُف هُوَ الْمُخْتَار وَأقوى، وَإِن من قَالَ وَلم نظفر فِيمَا عِنْدِي من الْمُعْتَبرَات مَا يرجح قَول أَحدهمَا على قَول الآخر أظهر عدم تتبعه كَمَا لَا يخفى اهـ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ، لَكِنَّ بُطْلَانَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِبْطَالِ كَمَا فِي الانقروي، وَأما الاقرار للصَّغِير فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيقه، فَيصير الشئ الْمقر بِهِ لَهُ ملكا لَهُ بِمُجَرَّد الاقرار، وَلَا يَصح إِقْرَار الْمقر بعد ذَلِك للْغَيْر كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْخَيْر الرَّمْلِيّ موضحا فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (لَان هَذَا الْمقر الخ) قَالَ الْعَلامَة الاتقاني: بِخِلَاف مَا لَو أقرّ لرضيع أَن عَلَيْهِ ألف دِرْهَم بِالْبيعِ أَو الاجارة، لَان الرَّضِيع من أهل أَن يسْتَحق الدّين بِهَذَا السَّبَب بِتِجَارَة وليه، لانه يتجر لَهُ إِن كَانَ لَا يتجر هُوَ بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْجَنِين اهـ. أَي فَإِنَّهُ لَا يَلِي أحد عَلَيْهِ. قَالَ بعض الْفُضَلَاء، الْفرق بَين الرَّضِيع وَالْحمل حَيْثُ جَازَ الاقرار للاول، وَإِن بَين أَنه قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلم يجز للثَّانِي لانه لَا يتَصَوَّر البيع مَعَ الْجَنِين وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أحد، بِخِلَاف الصَّغِير لثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهِ فيضاف إِلَيْهِ عقد الْوَلِيّ مجَازًا، هَكَذَا فهمت من كَلَامهم اهـ. أَقُول: وَجه فِي الْمُحِيط صِحَة الاقرار للصَّغِير وَإِن بَين سَببا غير صَالح بِأَنَّهُ أقرّ بِوُجُوب الدّين بِسَبَب، وَإِن لم يثبت لانه لَا يتَصَوَّر من الصَّبِي نفي الاقرار بِالدّينِ كَمَا لَو كذبه الْمقر لَهُ فِي السَّبَب بِأَن قَالَ لَك عَليّ ألف غصبا فَقَالَ الْمقر لَهُ بل دينا يلْزمه المَال وَإِن لم يثبت السَّبَب. كَذَا هَذَا وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية. قَوْله: (فِي الْجُمْلَة أشباه) قَالَ محشيه الْحَمَوِيّ: يَعْنِي لَان البيع أَو الْقَرْض صدر من بعض أوليائه، فإضافته إِلَى الصَّغِير مجَاز انْتهى. قَوْله: (أقرّ بشئ على أَنه بِالْخِيَارِ الخ) يَعْنِي بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَة أَو مستهلكة على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام منح. قَوْله: (لزمَه بِلَا خِيَار) لوُجُود الصِّيغَة الملزمة. قَوْله: (فَلَا يقبل الْخِيَار) لَان الْمَقْصُود من الْخِيَار هُوَ الْفَسْخ، وَلما لم يحْتَمل الاقرار وَالْفَسْخ لم يجز شَرط الْخِيَار لَهُ، وَلَزِمَه المَال، لانه إِن كَانَ صَادِقا فَهُوَ وَاجِب الْعَمَل بِهِ، وَإِن لم يخْتَر وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ وَاجِب الرَّد فَلَا يتَغَيَّر بِاخْتِيَارِهِ وَعدم اخْتِيَاره، وَإِنَّمَا تَأْثِير اشْتِرَاط الْخِيَار فِي الْعُقُود ليتخير من لَهُ الْخِيَار بَين فَسخه وإمضائه. دُرَر وعناية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 فَإِن قيل: الاقرار يرْتَد بِالرَّدِّ وَهُوَ فسخ. قُلْنَا: لَيْسَ بِفَسْخ للاقرار لانه رفع للشئ بعد ثُبُوته ورد الاقرار لَيْسَ رفعا لَهُ بعد ثُبُوته فِي حَقه، بل بَيَان أَنه غير ثَابت أصلا لانه يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كذبه الْمقر لَهُ ثَبت الْكَذِب فِي حَقه لانه إِقْرَار على نَفسه، وَإِذا صَحَّ التَّكْذِيب فِي حَقه ظهر أَن الاقرار لم يثبت من الاصل، بِخِلَاف البيع لانه تصرف يحْتَمل الْفَسْخ بعد وُقُوعه، لَان مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهُ وَهُوَ الْملك مِمَّا يَنْفَسِخ بانفساخ البيع لانه ثَابت بِهِ، وَالْمَقْصُود من فسخ السَّبَب فسخ حكمه، فَإِذا كَانَ حكم السَّبَب مُحْتملا للْفَسْخ كَانَ السَّبَب كَذَلِك وَعَكسه. قَوْله: (لم يعْتَبر تَصْدِيقه) الاولى حذفه، بل يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ إِن وصلية فَلَا جَوَاب لَهَا ح: أَي بل جوابها مَفْهُوم من الْكَلَام السَّابِق، إِلَّا أَن يُقَال: هَذَا بَيَان لذَلِك الْمَفْهُوم فَلَا اعترا ض حِينَئِذٍ. قَوْله: (إِلَّا إِذا أقرّ بِعقد) أَي بدين لزمَه بِسَبَب عقد الخ بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار. قَوْله: (وَقع بِالْخِيَارِ لَهُ) فَحِينَئِذٍ يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا صدقه الْمقر لَهُ أَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة إِلَّا أَن يكذبهُ الْمقر لَهُ فَلَا يثبت الْخِيَار، وَكَانَ القَوْل قَول الْمقر لَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. فَإِن قيل: إِن لم يقبل الاقرار الْفَسْخ فالسبب الَّذِي بِهِ وَجب المَال وَهُوَ التِّجَارَة تقبل. فَيجب أَن يكون الْخِيَار مَشْرُوطًا فِي سَبَب الْوُجُود. قُلْنَا: السَّبَب غير مَذْكُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر مَذْكُورا ضَرُورَة صِحَة الاقرار، وَإِذا ثَبت مُقْتَضى صِحَّته اعْتبر مَذْكُورا فِي حَقه فَقَط دون صِحَة الْخِيَار، وَأما إِذا قَالَ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار فَيصح إِن صدقه الْمقر لَهُ أَو برهن، لَان الْمقر بِهِ عقد يقبل الْخِيَار، وَهُوَ من الْعَوَارِض فَلَا بُد من التَّصْدِيق أَو الْبَيَان، وَإِن أقرّ بدين بِسَبَب كَفَالَة على أَنه بِالْخِيَارِ مُدَّة مَعْلُومَة، وَلَو طَوِيلَة جَازَ إِن صدقه، لَان الْكفَالَة تحْتَمل من الْجَهَالَة والخطر مَا لَا يحْتَملهُ البيع، فَإِذا جَازَ شَرطه فِيهِ فَفِيهَا أولى، ثمَّ لم يقدر فِيهَا لَان إِطْلَاق الْخِيَار فِي البيع يُنَافِي حِكْمَة الْملك الْمُطلق، وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل وَحكم الْكفَالَة لُزُوم الدّين وَأَنه يَصح مُطلقًا ومقيدا. مقدسي. قَوْله: (لانه مُنكر) للخيار فِي العقد الَّذِي هُوَ من الْعَوَارِض وَالْقَوْل فِيهَا للْمُنكر. قَوْلُهُ: (أَوْ قَصِيرَةً) الْأَوْلَى حَذْفُهَا كَمَا لَا يخفى. حَلَبِيّ. وَإِنَّمَا جَازَت الْكفَالَة مُطلقَة ومقيدة لَان حكمهَا هَاهُنَا لُزُوم الدّين، وَهُوَ يَصح مُطلقًا ومقيدا فَلَا يكون اشْتِرَاط الْخِيَار كَذَلِك منافيا لَهَا، بِخِلَاف البيع فَلَا بُد من التَّوْقِيت فِيهِ بِثَلَاثَة، لَان إِطْلَاق الْخِيَار يُنَافِي حكم البيع، لَان حكمه الْملك الْمُطلق وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل، وَبَينهمَا مُنَافَاة. وَالْحَاصِل: أَنه كَمَا أَن البيع عقد يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَلَا يُزَاد فِيهِ على ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد الامام، وَالْكَفَالَة عقد أَيْضا يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَيصِح اشْتِرَاطه مُدَّة طَوِيلَة أَو قَصِيرَة، لانها عقد تبرع يتوسع فِيهَا بعد أَن تكون الْمدَّة مَعْلُومَة، لَكِن قد صدر فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف أَمر حَضْرَة السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن لسَائِر قُضَاته ونوابه فِي الممالك المحروسة بالحكم على قَول الصاحبين فِي امتداد خِيَار الشَّرْط أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام مُوَافقا لما فِي الْمَادَّة الثلاثمائة من الْجُزْء الاول من كتاب البيع من الاحكام العدلية حِين كنت فِي الآستانة الْعلية، ومتشرفا بتوظيفي بِتِلْكَ الجمعية العلمية بِأَمْر من حَضرته نَصره الله تَعَالَى بجمعها. قَوْله: (إِذا صدقه) فَإِذا كذبه يلْزمه المَال من غير شَرط وَالْقَوْل لَهُ لانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 يَدعِي عَلَيْهِ التَّأْخِير وَهُوَ يُنكر. إتقاني. قَوْله: (لَان الْكفَالَة عقد أَيْضا) عِلّة للتشبيه الْمُسْتَفَاد من الْكَاف. قَوْله: (بِخِلَاف مَا مر) أَي من قَوْله أقرّ بشئ كَمَا بَيناهُ. قَوْله: (لانها أَفعَال) لَان الشئ الْمُقَرَّ بِهِ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ عَارِية أَو قَائِمَة أَو مستهلكة، فالقرض وَمَا عطف عَلَيْهِ أَفعَال قد أخبر بوقوعها فَلَا يَصح فِيهَا شَرط الْخِيَار. قَوْله: (الامر بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ) بِخِلَافِ أَمْرِهِ بِكِتَابَةِ الْإِجَارَةِ وَأَشْهَدَ وَلم يجر عقد لَا تَنْعَقِد أشباه. قَوْله: (إِقْرَار حكما) لَان الامر إنْشَاء والاقرار اختبار فَلَا يكونَانِ متحدين حَقِيقَة، بل المُرَاد أَن الامر بِكِتَابَة الاقرار إِذا حصل حصل الاقرار. حَلَبِيّ عَن الدُّرَر. قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِالْبَنَانِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَتَبَ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ، وَبِدَلِيلِ مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبَنَانِ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ أَوْ أَمْلَى عَلَى إنْسَانٍ لِيَكْتُبَ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا لِفُلَانٍ كَانَ إقْرَارًا اهـ. فَإِنَّ ظَاهِرَ التَّرْكِيبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ وَالثَّانِيَةَ لِلْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، فَتَأَمَّلْ ح. قَوْله: خطّ إقراري أَي الْخط الدَّال على إقراراي فالاضافة من إِضَافَة الدَّال إِلَى الْمَدْلُول وَالدّلَالَة التزامية، وَفِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا كَتَبَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ. قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ: إنْ كَتَبَ مُصَدَّرًا: يَعْنِي كَتَبَ فِي صَدْرِهِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَمَّا بَعْدُ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَ عَلَيَّ بِهِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَلَوْ كَتَبَ وقرأه عِنْد الشُّهُود حلت، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ، وَلَوْ كَتَبَ عِنْدَهُمْ وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا، وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ فَاسْتَكْتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة تدل على أَنهم خطّ كَاتب وَاحِد لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْتُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال، وثمة لَا يجب كَذَا هُنَا إلَّا فِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ انْتهى. وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَفِي الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ فِي حِسَابِي أَو بخطي أَو قَالَ: كتبت بيَدي أَنه لَهُ عَلَيَّ كَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ قَالُوا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ: إنَّ مَا وُجِدَ فِيهِ بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا عَلَى النَّاسِ لَهُ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ النسْيَان، وَالْبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة وَاجِب انْتهى. فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا لَا يعلم بِالْخَطِّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ لَا يَظْهَرُ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعْزَى إِلَى جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ وَأَن يُفِيد بِكَوْنِهِ فِيمَا عَلَيْهِ - وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ رد الطرطوسي الْعَمَل بِهِ مؤيد بِالْمذهبِ، فَلَيْسَ إِلَى غَيره نَذْهَب، وَانْظُر مَا تقدم فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات. وَحَاصِل مَا تحرر فِي مَسْأَلَة الْخط: أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعَمَل بِهِ، إِلَّا مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم: أَي السجلات، وَخط السمسار والبياع والصراف وَإِن لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس، وَكَذَلِكَ مَا يكْتب النَّاس فِيمَا بَينهم على أنفسهم فِي دفاترهم المحفوظة عِنْدهم بخطهم الْمَعْلُوم بَين التُّجَّار وَأهل الْبَلَد فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو بعد مَوْتهمْ، وَكَذَلِكَ كتاب الامان والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفتر الخاقاني كَمَا قدمنَا ذَلِك فِي الشَّهَادَات موضحا بأدلته فَرَاجعه. وَمَشى فِي الْفَتَاوَى النعيمية فِي رَجُلٌ كَانَ يَسْتَدِينُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُ لَهُ ثمَّ تحاسبا على مبلغ دين تبقى لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ الرَّجُلِ وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ كُلِّ قَبْضٍ وَحِسَابٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ يُرِيدُ نَقْضَ ذَلِكَ وَإِعَادَةَ الْحِسَابِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الدُّرَرِ: لَا عذر لمن أقرّ اهـ. وَفِيهَا فِي شَرِيكَيْ تِجَارَةٍ حَسَبَ لَهُمَا جَمَاعَةٌ الدَّفَاتِرَ فَتَرَاضَيَا وَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ وَقَدْ ظَنَّا صَوَابَ الْجَمَاعَةِ فِي الْحِسَابِ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْحساب لَدَى جمَاعَة أخر، فَهَل يرجع الصَّوَاب؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فِي شَرِيكَيْ عِنَانٍ تَحَاسَبَا ثُمَّ افْتَرَقَا بِلَا إبْرَاءٍ أَوْ بَقِيَا عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ أَوْصَلَ لِشَرِيكِهِ أَشْيَاء من الشّركَة غير مَا تحسبا عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلَا بَيِّنَةَ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمين على من أنكر؟ الْجَواب نعم اهـ. قَوْله: (عدم اعْتِبَار مشابهة الخطين) هُوَ الصَّحِيح، فَإِذا ادّعى عَلَيْهِ حَقًا وَأظْهر خطّ يَده فاستكتب فَكتب فَإِذا الْخط يشبه الْخط لَا يقْضى عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: يقْضى عَلَيْهِ، وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 7061 وَفِي 9061 وَفِي 0161 وَفِي 6381 وَفِي 7371 وَفِي 8371 وَفِي 9371، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه إِذا كَانَ خَالِيا من الشُّبْهَة والتصنع والتزوير فَيعْمل بهَا، ككتاب الْقُضَاة والوقفية إِذا كَانَت مسجلة وسجلات الْقُضَاة والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفاتر الخاقانية ودفاتر التُّجَّار فِيمَا عَلَيْهِم والصكوك والقامبيالي والوصول، وَعلم الْخَبَر إِذا كَانَت بِخَط من عَلَيْهِ الدّين أَو إمضائه وختمه المعروفين، فَلَو لم تكن مَعْرُوفَة يسْتَكْتب عِنْد أهل الْخِبْرَة، فَإِذا وَافق الْخط الْخط وَكَانَا كخط وَاحِد يلْزم بِالْمَالِ، وَعَلِيهِ قَارِئ الْهِدَايَة وبموجبه صدر الامر السلطاني كَمَا علمت. قَوْله: (وجحده الْبَاقُونَ) وَإِنْ صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَن ثَلَاثَة بَنِينَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفًا وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَة أَسْدَاس الالف وَمن الاصغر ثلث الالف عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْأَصْغَرِ والاكبر كَذَلِك، وَفِي الاوسط يَأْخُذُ الْأَلْفَ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ التزمته لَيْسَ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ من أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا. كَذَا فِي الْمُحِيطِ شرنبلالية. فَرْعٌ: ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الدَّائِنَ كَتَبَ عَلَى قِرْطَاسٍ بِخَطِّهِ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فلَان ابْن فلَان أَبرَأته عَنهُ صَحَّ وَسَقَطَ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَرْسُومَةَ الْمُعَنْوَنَةَ كَالنُّطْقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِطَلَبِ الدَّائِنِ أَوْ لَا بِطَلَبِهِ. بَزَّازِيَّةٌ مِنْ آخر الرَّابِع عشر من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 الدَّعْوَى. قَوْله: (يلْزمه كل الدّين) أَي فِي قَول أَصْحَابنَا. منح. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ حِصَّتُهُ) عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وسيجئ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ وِفَاقًا. وَفِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ بالِاتِّفَاقِ، وَإِذا مَاتَ وَترك ثَلَاث بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ ابْنٍ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثلث مَاله وَصدقه أحد النين فَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا رَحِمهم الله تَعَالَى لَنَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ ثُلُثُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ وَثُلُثَاهُ فِي يَد شريكيه، فَمَا كَانَ إِقْرَارا فِيمَا يَده قبل وَمَا كَانَ إقْرَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يقبل، فَوَجَبَ أَن يسلم إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ اهـ. قَوْله: (دفعا للضَّرَر) أَي من الْمقر: أَي لانه إِنَّمَا أقرّ بِمَا تعلق بِكُل التَّرِكَة. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ الخ) وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْمُقِرِّ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، كَمَا فِي وَكِيلٍ قَبَضَ الْعين: لَوْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْعَيْنُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهَا لَا يَكْفِي إقْرَارُهُ. وَيُكَلَّفُ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ قبض ذَلِك، فَكَذَا هُنَا جَامع الْفُصُولَيْنِ وَفِيه خَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ مَاتَ مورثك؟ فَإِن قَالَ نعم، فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ: فَلَوْ أَقَرَّ وَكَذَّبَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُقْضَ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ وَأَجْنَبِيٌّ مَعَهُ يُقْبَلُ، وَيُقْضَى عَلَى الْجَمِيعِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُؤْخَذُ كُلُّ الدَّيْنِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدّين مقدم على إِرْثه. وَقَالَ ث: وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يَخُصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ، وَهَذَا القَوْل أعدل وَأبْعد من الضَّرَر، وَلَوْ بَرْهَنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ وفَاقا انْتهى. بَقِي مَا لَو برهن عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَهَل للدائن أَخذ كُلِّهِ مِنْ حِصَّةِ الْحَاضِرِ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ. فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إِلَّا مَا يَخُصُّهُ انْتهى مُلَخصا. قَوْله: (وَبِهَذَا) أَي بِقبُول شَهَادَة الْمقر مَعَ آخر أَنه على الْمَيِّت. قَوْله: (بِمُجَرَّد إِقْرَاره) إِذا لَو أقرّ وَلَزِمَه جَمِيع المَال ثمَّ شهد مَعَ آخر، وَقبلت شَهَادَته لزمَه بِقدر حِصَّته، فَيكون فِي شَهَادَته دفع مغرم عَن نَفسه، وَالشَّهَادَة كَذَلِك لَا تقبل فقبولها دَلِيل أَن إِقْرَاره الاول لَا يعْتَبر وَلَا يلْزمه بِهِ دين وَهُوَ مُشكل، فَإِن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه، وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت، وَلَو جعل هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه ط. قَالَ الباقاني: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ مَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ دفع المغرم عَنهُ. قَوْله: (فلتحفظ هَذِه الزِّيَادَة) وَهِي كَون الاقرار غير مُلْزم إِلَّا بِالْقضَاءِ لما ذكرنَا، وَحَاصِل مَا يُقَال: إِنَّه إِذا ادّعى رجل دينا على ميت وَأقر بعض الْوَرَثَة بِهِ فَفِي قَول أَصْحَابنَا يُؤْخَذ من حِصَّة الْمقر جَمِيع الدّين. قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: هُوَ الْقيَاس، لَكِن الِاخْتِيَار عِنْدِي أَن يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وَهَذَا القَوْل أبعد من الضَّرَر. وَذكره شمس الائمة الْحلْوانِي أَيْضا. وَقَالَ مَشَايِخنَا هُنَا: زِيَادَة شئ لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 تشْتَرط فِي الْكتب، وَهُوَ أَن يقْضِي القَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إِذْ بِمُجَرَّد الاقرار لَا يحل الدّين فِي نصِيبه، بل يحل بِقَضَاء القَاضِي، وَيظْهر ذَلِك بِمَسْأَلَة ذكرهَا فِي الزِّيَادَات، وَهِي أَن أحد الْوَرَثَة إِذا أقرّ بِالدّينِ ثمَّ شهد هُوَ وَرجل أَن الدّين كَانَ على الْمَيِّت فَإِنَّهَا تقبل وَتسمع شَهَادَة هَذَا الْمقر إِذا لم يقْض عَلَيْهِ القَاضِي بِإِقْرَارِهِ، فَلَو كَانَ الدّين يحل فِي نصِيبه بِمُجَرَّد إِقْرَاره لزم أَن لَا تقبل فِيهَا لما فِيهِ من الْغرم. قَالَ صَاحب الزِّيَادَات: وَيَنْبَغِي أَن تحفظ هَذِه الزِّيَادَة فَإِن فِيهَا فَائِدَة عَظِيمَة. كَذَا فِي الْعمادِيَّة. لَكِن يشكل على هَذَا أَن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت كَمَا ذكرُوا، وَأَيْضًا فَإِن المَال يلْزمه بِمُجَرَّد الاقرار، وَالْقَضَاء إِنَّمَا يحْتَاج فِي الْبَيِّنَة، إِذْ لَا يتهم الْمَرْء فِيمَا أقرّ بِهِ على نَفسه، وَلِهَذَا لَو أقرّ بِمعين لانسان ثمَّ أقرّ بِهِ لآخر كَانَ للاول وَلَا شئ للثَّانِي، على أَنه يكون حِينَئِذٍ فِي عرضية أَن يقْضِي عَلَيْهِ فَلَزِمَ رد شَهَادَته، كَمَا ترد شَهَادَة أهل قَرْيَة وجد فِيهَا قَتِيل وَقد ادّعى وليه الْقَتْل على بَعضهم، فَلَو جعلُوا هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه، تَأمل. قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ عَلَى أَلْفٍ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَالَانِ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ. الثَّانِي: عَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا كَانَ المَال وَاحِدًا، وأخراهما أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدَيْنِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا اهـ. فلزوم الْمَالَيْنِ إِن أشهد فِي مجْلِس آخَرَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْإِمَامِ الْأُولَى، وَأَبْدَلَ الثَّانِيَةَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَابَعَةً لَهُ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ ابْتِدَاعُ قَوْلٍ ثَالِثٍ غَيْرِ مُسْنَدٍ إلَى أَحَدٍ وَلَا مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ. تَأمل. قَوْلُهُ: (فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ أَوَّلًا وَاحِدًا وَثَانِيًا آخَرَ فِي مَوْطِنٍ أَوْ مَوْطِنَيْنِ فَالْمَالُ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ أَشْهَد عَلَى الْأَوَّلِ وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَالُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْده على الظَّاهِر. منح. قَوْله: (لزم المالان) اعْلَم أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِسَبَبٍ، أَوْ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ فَيَلْزَمُ مَالٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، أَوْ بِسَبَبٍ مُخْتَلِفٍ فَمَالَانِ مُطلقًا، وَإِن كَانَ مُطلقًا إِمَّا بصك أَو لَا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِصَكٍّ وَاحِدٍ فَالْمَالُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا، أَوْ بِصَكَّيْنِ فَمَالَانِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ مَالَانِ عِنْدَهُ وَوَاحِدٌ عِنْدَهُمَا. وَإِنْ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الثَّانِي شُهُودَ الاول فمثال وَاحِدٌ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ هُمَا مَالَانِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا فَمَالَانِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ إنْ اتَّحد الشُّهُود فمالان عِنْده، وَإِلَّا فواجد عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَالَانِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَالٌ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيُّ: مَالَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيّ: وَاحِد، وَإِلَيْهِ ذهب شيخ الاسلام اهـ. مُلَخصا من التاترخانية. وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنا مَا فِي الْمَتْنِ رِوَايَةٌ مَنْقُولَةٌ، وَأَنَّ اعْتِرَاضَ الغرمية عَلَى الدُّرَرِ مَرْدُودٌ حَيْثُ جَعَلَهُ قَوْلًا مُبْتَدَعًا غَيْرَ مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 الْأُولَى: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ اتَّحَدَ الشُّهُودُ، وَإِلَّا فَمَال وَاحِد. وَالثَّانيَِة: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدين اتَّحد أَوْ لَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجعهَا، وَسَنذكر توضيحها قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فقد تحقق أَن كَلَام المُصَنّف هُنَا هُوَ مَا فِي الْخَانِية، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف مَا فِيهَا كَمَا لَا يخفى على من نظر فِيهَا. قَوْله: (أَلفَانِ) بدل كل من قَوْله المالان. قَالَ فِي الاشباه: وَإِذا تعدد الاقرار بموضعين لزمَه الشيئان، إِلَّا بالاقرار بِالْقَتْلِ بِأَن قَالَ قتلت ابْن فلَان ثمَّ قَالَ قتلت ابْن فلَان، وَكَذَا فِي العَبْد فَهُوَ إِقْرَار بِوَاحِد، إِلَّا أَن يكون سمى اسْمَيْنِ مُخْتَلفين، وَكَذَا التَّزْوِيج والاقرار بالجراحة فَهُوَ ثَلَاث، وَلَا يشبه الاقرار بِالْمَالِ فِي موضِعين اهـ. قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، لَكِن بِشَرْط مُغَايرَة الشَّاهِدين الآخرين للاولين فِي رِوَايَة وَشرط عدم مغايرتهما لَهما فِي أُخْرَى، وَهَذَا بِنَاء على أَن الثَّانِي غير الاول، وَعِنْدَهُمَا: لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِدَة لدلَالَة الْعرف على أَن تكْرَار الاقرار لتأكيد الْحق بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُود اهـ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) وَلَوْ فِي مجْلِس وَاحِد. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَعَلَ الصِّفَةَ كَالسَّبَبِ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ بِيضٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ سُودٍ فَمَالَانِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَزَعَمَ الْمُقِرُّ اتِّحَادَهُ أَوْ الصَّكَّ أَوْ الْوَصْفَ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ، وَلَوْ اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْمَالُ الثَّانِي أَكْثَرُ يَجِبُ الْمَالَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَم الْأَكْثَرُ. سَائِحَانِيٌّ. قَوْله: (بِخِلَاف مَا لَو اتَّحَدَ السَّبَبُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ هَذَا الْعَبْدِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي غَيره. منح. قَوْله: (أَو الشُّهُود) هَذَا على مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مر وَيَأْتِي، لَكِن قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا لم يُوَافق أحد الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فَإِن القَوْل الاول حَاصله أَن اتِّحَاد الشُّهُود يُوجب التَّعَدُّد وَاخْتِلَافهمْ لَا يُوجِبهُ، وَالثَّانِي اعْتبر اخْتِلَاف المواطن، فَتَأمل اهـ. أَقُول: لَا يخفى عَلَيْك أَن مَا مر من التَّفْصِيل يُؤَيّد كَلَام الشَّارِح وَأَنه الِاسْتِحْسَان بِأَنَّهُ مَال وَاحِد، فَتَأمل. وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: ثمَّ عِنْد القَاضِي) إِنَّمَا كَانَ وَاحِدًا لانه أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ عِنْده تثبيته على نَفسه خوف مَوته أَو جحوده، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي فِي مجلسين ط أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن الْمجلة صُدُور الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه، وفيهَا أَيْضا فِي مَادَّة 1161، لَو كتب على نَفسه سندا وأمضاه أَو خَتمه على المرسوم الْمُتَعَارف كَمَا مر وَسلمهُ للدائن ثمَّ مَاتَ من عَلَيْهِ الدّين وَأنكر الْوَرَثَة الْخط وَالدّين: فَإِذا كَانَ خطه وختمه مشهورين ومعروفين بَين النَّاس يعْمل بِمُوجب السَّنَد، وَفِي مَادَّة 2161: لَو وجد عِنْد الْمَيِّت صرة نقود مَكْتُوب عَلَيْهَا بِخَط الْمَيِّت هَذِه أَمَانَة فلَان الْفُلَانِيّ ودراهمه من يَده تُؤْخَذ من التَّرِكَة وَلَا يحْتَاج لاثباتها إِذا كَانَ الْخط مَعْرُوفا بِأَنَّهُ خطه. قَوْله: (أَو بعكسه) لانه يخبر عَمَّا لزمَه فِي مَجْلِسه. قَوْله: (أَن الْمُعَرّف) كَمَا إِذا عين سَببا وَاحِدًا لِلْمَالِ فِي الاقرارين. قَوْله: (أَو الْمُنكر) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف مُطلق عَن السَّبَب ثمَّ أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد. قَوْله: (أَو مُنْكرا فَغَيره) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمَّ بِأَلف أَو أقرّ بِأَلف ثمن عبد ثمَّ بِأَلف ثمن عبد، وَصُورَة إِعَادَة الْمُعَرّف مُنْكرا، مَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بِأَلف، وَالْمَسْأَلَة الاولى هِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 الخلافية، هَل يعْتَبر اتِّحَاد الشُّهُود أَو اتِّحَاد الموطن على الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فكونه غيرا عِنْد التنكير على هَذَا التَّفْصِيل ط. قَوْله: (وَلَو نسي الشُّهُود) أَي فِي صُورَة تعدد الاشهاد قَوْله: (وَقيل وَاحِد) لَان المَال لَا يجب بِالشَّكِّ. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخَانِية) وَحَاصِله: أَن الصُّور أَربع: فِي اثْنَيْنِ يكون الثَّانِي عين الاول، وَفِي اثْنَيْنِ يكون غيرا، وَهَذَا كُله فِيمَا اتَّحد المالان أما إِذا اخْتلفَا قلَّة وَكَثْرَة فقد ذكره فِي الْمجمع والمنظومة. وَعبارَة الْمجمع: وتعدد المشهد: أَي مَوضِع الاشهاد والشاهدين العدلين مُلْزم للمالين وَالزِّيَادَة بالاكثر إِن تَفَاوتا. قَالَ شَارِحه: رجل أقرّ بِأَلف فِي مجْلِس وَأشْهد عَلَيْهِ شَاهِدين عَدْلَيْنِ، ثمَّ أقرّ فِي مجْلِس آخر بِأَلف أَو أقل أَو أَكثر وَأشْهد عَدْلَيْنِ آخَرين. قَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه المالان، وَقَالا: يلْزمه مَال وَاحِد إِن تَسَاويا، وَإِن تَفَاوتا لزمَه أكثرهما، لَان الاقرار إِخْبَار بِالْحَقِّ الثَّابِت والاخبار قد يُكَرر فَيكون الثَّانِي عين الاول، فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما فِي مجْلِس وَاحِد أَو أشهد عدلا وَاحِدًا فِي الاول أَو فاسقين، وَله أَنَّهُمَا إقراران مُخْتَلِفَانِ، وَالْمَال قد يجب وقتا بعد وَقت، وَالظَّاهِر أَن الثَّانِي غير الاول، على أَن النكرَة إِذا كررت لم يكن الثَّانِي عين الاول، إِلَّا إِذا أُعِيدَت معرفَة كَقَوْلِه تَعَالَى: * (كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا) * (المزمل: 51 - 61) وَفِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة: من أقرّ على نَفسه لرجل بِمِائَة دِرْهَم مثلا فِي مَوضِع وَأشْهد شَاهِدين ثمَّ أقرّ وَأشْهد فِي مَوضِع آخر شَاهِدين على مائَة دِرْهَم أَو أقل أَو أَكثر فَعَلَيهِ المالان إِذا ادّعى الطَّالِب الْمَالَيْنِ، وَقَالا: عَلَيْهِ مَال وَاحِد، فَإِن تَفَاوتا فَعَلَيهِ أكثرهما، وَهَذَا إِذا لم يبين سَببا، فَإِن بَين السَّبَب متحدا بِأَن قَالَ فِي الْمَرَّتَيْنِ عَن هَذَا العَبْد يلْزمه مَال وَاحِد، وَإِن بَين سَببا مُخْتَلفا بِأَن قَالَ أَو لَا ثمن هَذَا العَبْد وَثَانِيا ثمن هَذِه الْجَارِيَة يلْزمه المالان، قيد: أَي صَاحب الْمجمع بِتَعَدُّد الاشهاد والمشهد، لانه إِذا اتَّحد أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا يلْزمه مَال وَاحِد اتِّفَاقًا، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف بل أَلفَانِ لزمَه أَلفَانِ. وَقَالَ زفر: يلْزمه ثَلَاثَة اهـ. وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وُجُوه: لانه إِمَّا أَن يضيف إِقْرَاره إِلَى سَبَب أَو لَا. والاول إِمَّا أَن يكون السَّبَب متحدا أَو مُخْتَلفا، فَإِن أضَاف إِلَى سَبَب وَاحِد بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك فِي ذَلِك الْمجْلس أَو مجْلِس آخر أَن لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد وَالْعَبْد وَاحِد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد على كل حَال فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا بِأَن قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذِه الْجَارِيَة ثمَّ قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد يلْزمه المالان فِي قَوْلهم أقرّ بذلك فِي موطن أَو موطنين. وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكْتب بِهِ صكا على نَفسه، فَإِن كَانَ الصَّك وَاحِدًا لزمَه مَال وَاحِد، وَإِن كَانَ كتب صكين وَأقر بِهَذَا ثمَّ بِهَذَا لزمَه المالان، وَنزل اخْتِلَافهمَا بِمَنْزِلَة اخْتِلَاف السَّبَب، وَإِن لم يكْتب صكا لكنه أقرّ مُطلقًا فَإِن تعدد الاقرار والاول عِنْد غير القَاضِي وَالثَّانِي عِنْده لزمَه مَال وَاحِد، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي لَكِن فِي مجلسين فَادّعى الطَّالِب مالين وَالْمَطْلُوب يَقُول إِنَّه وَاحِد فَالْقَوْل قَول الْمَطْلُوب، وَإِن تعدد الاقرار عِنْد غير القَاضِي: فَإِن أشهد على كل إِقْرَار فَردا فَالْمَال وَاحِد عِنْد الْكل تعدد الْمجْلس أَو اخْتلف، وَإِن أشهد على الاول وَاحِدًا وَعلي الثَّانِي جمَاعَة فَالْمُعْتَمَد لُزُوم مَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 وَاحِد عِنْد الْجَمِيع، وَإِن أشهد على كل إِقْرَار شَاهِدين فَقَالَ الامام: يلْزمه مالان إِن لم يتَغَيَّر الشُّهُود، فَإِن تغيرُوا كَانَ المَال وَاحِدًا، فبعض الْمَشَايِخ قَالُوا: إِن كَانَ ذَلِك فِي موطنين وَأشْهد على إِقْرَاره شَاهِدين فَإِنَّهُ يلْزمه المالان جَمِيعًا، سَوَاء أشهد على قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: كَذَا ذكره إِقْرَاره الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا الْخصاف، وَالظَّاهِر أَن الْخلاف بَينهم فِيمَا إِذا كَانَ الاقراران فِي موطنين، أما إِذا كَانَ فِي موطن وَاحِد فَيكون المَال وَاحِدًا وَحَاصِله: أَن الصُّور الوفاقية والخلاقية ثَمَانِيَة: وَاحِدَة خلافية وَالْبَاقِي وفاقية، وَذَلِكَ لانه إِذا لم يبين السَّبَب وَاخْتلف الْمجْلس وَالشُّهُود لزم مالان عِنْده خلافًا لَهما، وَإِن اتَّحد الْمجْلس وَبِه صك فاللازم ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا، وَإِن كَانَ لَا صك فَفِي تَخْرِيج الْكَرْخِي أَلفَانِ، وَفِي تَخْرِيج الطَّحَاوِيّ ألف، وَإِن بَين السَّبَب: فَإِن كَانَ مُخْتَلفا فألفان، وَإِن متحدا فألف، وَكَذَا إِن اتَّحد الشُّهُود أَو اتَّحد الصَّك، وَإِن كَانَ صكان فَأشْهد عَلَيْهِمَا لزم مالان. وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ صُورَة، لانه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن لَا يبين السَّبَب، أَو يبين سَببا مُخْتَلفا أَو متحدا، فَهِيَ ثَلَاث، وَفِي كل: إِمَّا أَن يكون فِي مجْلِس أَو فِي مجلسين فَهِيَ سِتَّة، وَفِي كل: إِمَّا أَن تتحد الشُّهُود أَو تخْتَلف فَهِيَ اثْنَا عشر، وَفِي كل: إِمَّا أَن لَا يكون بِهِ صك أَو بِهِ صك وَاحِد أَو صكان فَهِيَ سِتَّة وَثَلَاثُونَ، وَفِي كل: إِمَّا أَن يتحدا المالان أَو يختلفا فَهِيَ اثْنَان وَسَبْعُونَ. هَذِه خُلَاصَة مَا حَقَّقَهُ المحشون فِي هَذَا الْمحل فاغتنمه فَإِنَّهُ من فيض الْمُنعم الاجل. قَوْلُهُ: (أَقَرَّ) أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَتَّى الْفَرَائِض من الْكَنْز قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله. قَوْله: (وَبِه يُفْتى) وَهُوَ الْمُخْتَار. بَزَّازِيَّة ظَاهره أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ أَوْ لَا. قَالَ شَيخنَا: وَلَيْسَ كَذَلِك لما سَيَأْتِي من مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي صَكٍّ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ ثمَّ ادّعى أَن بعض الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا إلَخْ حَيْثُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَى بِقَوْلِ أبي يُوسُف، من أَنه يحلف الْمقر لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ كَاذِبًا فِي كل صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا اضْطِرَارُ الْمُقِرِّ إلَى الْكَذِبِ فِي الاقرار، أَبُو السُّعُود. وَفِيه: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ الْعِبَارَةَ هُنَاكَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، فَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ، كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهِ جزم المُصَنّف، فَرَاجعه اهـ. أَقُول: وَقدمنَا شَيْئا مِنْهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَسَيَأْتِي فِي شَتَّى الاقرار. قَوْله: (دُرَر) نَصهَا: وَهُوَ اسْتِحْسَان، وَوَجهه أَن الْعَادة جرت بَين النَّاس أَنهم إِذا أَرَادوا الِاسْتِدَانَة يَكْتُبُونَ الصَّك قبل الاخذ ثمَّ يَأْخُذُونَ المَال، فَلَا يكون الاقرار دَلِيلا على اعْتِبَار هَذِه الْحَالة فَيحلف، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لتغير أَحْوَال النَّاس، وَكَثْرَة الخداع والخيانات، وَهُوَ يتَضَرَّر وَالْمُدَّعِي لَا يضرّهُ الْيَمين إِن كَانَ صَادِقا فيصار إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا يُؤمر بِتَسْلِيم الْمقر بِهِ إِلَى الْمقر لَهُ، وَهُوَ الْقيَاس، لَان الاقرار حجَّة ملزمة شرعا كالبينة بل أولى لَان احْتِمَال الْكَذِب فِيهِ أبعد اهـ. وَقَيده فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة بِأَنَّهُ لم يصر مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار. فَإِن صَار مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار لَا يحلف كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام الْبَزَّازِيَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 قَالَ فِي الْمنح: كَمَا فِي كثير من الْمُعْتَبرَات، وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله. قَالَ فِي الْخَانِية بعد ذكر الْخلاف فِي كتاب الاقرار: فَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة خلاف أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يُفَوض ذَلِك إِلَى رأى القَاضِي والمفتى. ذكره فِي كتاب الدَّعْوَى فِي بَاب الْيَمين. قَوْله: (فَيحلف) أَي الْمقر لَهُ أَنه لم يكن الْمُورث كَاذِبًا فِيمَا أقرّ وَبَعْضهمْ على إنَّهُ لَا يَحْلِفُ. بَزَّازِيَّةٌ. وَالْأَصَحُّ التَّحْلِيفُ. حَامِدِيَّةٌ عَن صدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (وَإِن كَانَت الدَّعْوَى) أَي من الْمقر أَو من وَارثه. قَوْله: (أَنا لَا نعلم) بدل مِمَّا قبله. قَوْله: (إِنَّه كَانَ كَاذِبًا) إِذا لم يكن إِبْرَاء عَام، فَلَوْ كَانَ لَا تُسْمَعُ، لَكِنْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نجيم رِسَالَة أفتى فِيهَا بسماعها حاصلها: لَو أقرَّت امْرَأَة فِي صِحَّتهَا لبنتها بمبلغ معِين ثمَّ وَقع بَينهمَا إِبْرَاء عَامٌّ ثُمَّ مَاتَتْ فَادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ تسمع دَعْوَاهُ، وَله تَحْلِيف الْبِنْت، وَلَا يَصح الْحُكْمِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ، لَان الْإِبْرَاءَ هُنَا لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي عدم لُزُوم شئ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمُقِرُّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِرْجَاعَ الْمَالِ والبراءة مَانِعَة من ذَلِك. أما الاولى: فَإِنَّهُ لم يدع استرجاع شئ وَإِنَّمَا يدْفع عَن نَفسه فَافْتَرقَا، وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَرَّ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا فَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ عَالِمٌ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ، إذْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَالِ الْمُقِرِّ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ صَارَ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ ص. أَقَرَّ وَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إِنَّه أقرّ تلجئة يحلف لَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَقَرَّ لَك إقْرَارًا صَحِيحًا ط. وَارِثٌ ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً: قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يُقْبَلُ. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: يَقُولُ الْحَقِيرُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرًا إذْ الْإِقْرَارُ كَاذِبًا مَوْجُودٌ فِي التَّلْجِئَةِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْعَلَنِ خِلَافَ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، فَفِي دَعْوَى التَّلْجِئَةِ يَدَّعِي الْوَارِثُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِعْلًا لَهُ، وَهُوَ تَوَاضُعُهُ مَعَ الْمُقِرِّ فِي السِّرِّ فَلِذَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِقْرَارِ كَاذِبًا كَمَا لَا يخفى على من أُوتِيَ فهما صافيا اهـ. من أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. بَاب الِاسْتِثْنَاء لما ذكر الاقرار بِلَا تَغْيِير شرع فِي بَيَان مُوجبه مَعَ التَّغْيِير بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشّرط وَنَحْوه، وَهُوَ استفعال من الثني، وَهُوَ لُغَة: الصّرْف وَالرَّدّ، فالاستثناء صرف الْقَائِل: أَي رده عَن الْمُسْتَثْنى فَيكون حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل والمنفصل، لَان إِلَّا هِيَ الَّتِي عدت الْفِعْل إِلَى الِاسْم حَتَّى نصبته فَكَانَت بِمَنْزِلَة الْهمزَة فِي التَّعْدِيَة، والهمزة تعدِي الْفِعْل إِلَى الْجِنْس وَغير الْجِنْس حَقِيقَة وفَاقا، فَكَذَا مَا هُوَ بمنزلتها. حموي. وَاصْطِلَاحا: مَا ذكره الشَّارِح وَهُوَ مُتَّصِل وَهُوَ الاخراج، والتكلم بِالْبَاقِي ومنفصل وَهُوَ مَا لَا يَصح إِخْرَاجه كَمَا فِي الْعِنَايَة. قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَي مثل التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله، وَكَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كَلَامهم. فتال. قَوْله: (كالشرط نَحوه) أَي فِي كَونه مغيرا كالشرط وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 الصّفة وَالْحَال، وَاعْترض قَاضِي زَاده على من قَالَ: وَهُوَ الشَّرْط بِأَنَّهُ يَقْتَضِي حصر مَا فِي مَعْنَاهُ فِي الشَّرْط فَلَا يدْخل أَكثر مَا فِي هَذَا الْبَاب، فالاولى مَا فِي شرح تَاج الشَّرِيعَة والكفاية من قَوْله: كالشرط وَغَيره كَمَا عبر الشَّارِح، فَلَا غُبَار على عبارَة الشَّارِح حَيْثُ قَالَ وَنَحْوه، لانها بَيَان لما فِي قَول المُصَنّف وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قد صرح بهَا بِمَا علم التزاما من كَاف التَّمْثِيل الْمشعر عَن الْكَثْرَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْجُمْهُور، وَهَذَا الْجمع بَينهمَا قد وَقع من صَاحب الْمِفْتَاح فِي مَوَاضِع وَالْمرَاد بِنَحْوِ الشَّرْط مَا ذكرنَا، وَمَا سيجئ من إِقْرَاره بدين ثمن عبد غير عين وإنكاره قَبضه وَإِقْرَاره بِثمن مَتَاع وَبَيَانه بِأَنَّهُ زيوف وَنَحْوهمَا فَظهر أَن من فسر قَوْله وَمَا بِمَعْنَاهُ بقوله وَهُوَ الشَّرْط لم يصب لانه يُوهم الْحصْر كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (هُوَ عندنَا تكلم بِالْبَاقِي) أَي معنى لَا صُورَة. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي آخِرِهِ ألف مَقْصُورَة اسْم من الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَلِكَ الثنوي بِالْفَتْح مَعَ الْوَاو وَفِي الحَدِيث من اسْتثْنى فَلهُ ثنياه. أَي مَا اسْتَثْنَاهُ وَالْمرَاد بعد الثنيا: أَي بعد الْمُسْتَثْنى، فَيكون الِاسْتِثْنَاء عندنَا لبَيَان أَن الصَّدْر لم يتَنَاوَل الْمُسْتَثْنى، وَعند الشَّافِعِي إِخْرَاج بطرِيق الْمُعَارضَة. قَالَ فِي شرح الْمنَار لِابْنِ ملك: فَصَارَ تَقْدِير قَول الرجل لفُلَان عَليّ ألف إِلَّا مائَة عندنَا لفُلَان عَليّ تِسْعمائَة، وَإنَّهُ لم يتَكَلَّم بالالف فِي حق لُزُوم الْمِائَة، وَعند الشَّافِعِي إِلَّا مائَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ فَإِن صدر الْكَلَام يُوجِبهُ وَالِاسْتِثْنَاء يَنْفِيه فتعارضا فتساقطا بِقدر الْمُسْتَثْنى اهـ. وَاسْتشْكل الزَّيْلَعِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي بِوُقُوعِهِ فِي الطَّلَاق وَالْعتاق، فَلَو كَانَ إخراجا بطرِيق الْمُعَارضَة لما صَحَّ، لَان الطَّلَاق وَالْعتاق لَا يحتملان، وَالرَّفْع بعد الْوُقُوع. قَالَ: وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين فعندنا يلْزمه تِسْعمائَة، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل بَرَاءَة الذمم فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، فَصَارَ نَظِير مَا لَو قَالَ عَليّ تِسْعمائَة أَو تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يلْزمه الاقل، وَعِنْده: لما دخل الالف كُله صَار فِي الْمخْرج شكّ، فَيخرج الاقل وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي على حَاله انْتهى. لَكِن قَول الزَّيْلَعِيّ: فعندما يلْزمه تِسْعمائَة خلاف الاصح. قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الاقل مخرجا بحوله على ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين لزمَه تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على الاصح انْتهى. كَذَا فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على مِسْكين. أَقُول: لَكِن نقل الْمَقْدِسِي عَن متفرقات وَصَايَا الْكَافِي: أَن الْقَائِل بِأَن الْمُسْتَثْنى خَمْسُونَ الْعَامَّة، وَقَالَ مُحَمَّد: إِنَّه مائَة. وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة والولوالجية أَن قَول مُحَمَّد رِوَايَة أبي حَفْص، وَتلك رِوَايَة سُلَيْمَان، وَفِي الدِّرَايَة صححها، وَصحح قاضيخان فِي شرح الزِّيَادَات رِوَايَة أبي حَفْص وَقَالَ: وَهُوَ الْمُوَافق لقواعد الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي للفرع تَتِمَّة. قَوْله: (بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب) هَذَا كالتأكيد لما قبله، فَإِن التَّكَلُّم بِالْبَاقِي بعد الثنيا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالنّظرِ لما بعد إِلَّا وَمَا قبلهَا، فالمتحصل من مَجْمُوع لَهُ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَهُ عَليّ سَبْعَة. قَالَ فِي الْبَحْر: لَا حكم فِيمَا بعد إِلَّا بل مسكوت عَنهُ عِنْد عدم الْقَصْد كَمَسْأَلَة الاقرار فِي قَول لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لفهم أَن الْغَرَض الاثبات فَقَط، فنفي الثَّلَاثَة إِشَارَة لَا عبارَة، وَإِثْبَات السَّبْعَة عَكسه، وَعند الْقَصْد يثبت لما بعْدهَا نقيض مَا قبلهَا ككلمة التَّوْحِيد نفي وَإِثْبَات قصدا فالاستثناء تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوع التَّرْكِيب، وَنفي وَإِثْبَات بِاعْتِبَار الاجزاء اهـ. فالباقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 والثنيا هما عين النَّفْي والاثبات، فَلَو صدر بِالنَّفْيِ لم يكن مقرا بشئ كَمَا لَو قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ سَبْعَة كَمَا فِي التَّنْقِيح. قَالَ: فَأصل هَذَا يُفِيد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَا يُفِيد التَّوْحِيد مَعَ أَنهم أَجمعُوا على الافادة. الْجَواب، أَن إلهنا مُتَّفق على وُجُوبه ثمَّ قُلْنَا بِنَفْي غَيره، وَقد أَفَادَهُ هَذَا التَّرْكِيب وَبِهَذَا الِاعْتِبَار أَفَادَ التَّوْحِيد. قَوْله: (باعبتار الاجزاء) أَي اللفظية فصدر الْجُمْلَة الاستثنائية نفي وعجزها إِثْبَات أَو بِالْعَكْسِ ط. قَوْله: (فالقائل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة) أَي فالمقر بسبعة. قَوْله: (لَهُ عبارتان) قَوْله: (وَهَذَا) الظَّاهِر أَنه رَاجع إِلَى قَول المُصَنّف هُوَ تكلم بِالْبَاقِي الخ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ حِينَئِذٍ: أَي إِلَى. قَوْله بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب ط. أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا ذكره الاصوليون فِي الِاسْتِثْنَاء. قَالَ فِي التَّنْقِيح وَشَرحه: وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة عمل بَيَان التَّغْيِير، فَفِي قَوْله: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَا يَخْلُو، أما إِن أطلق الْعشْرَة على السَّبْعَة فَحِينَئِذٍ قَوْله إِلَّا ثَلَاثَة يكون بَيَانا لهَذَا، فَهُوَ كَأَن قَالَ لَيْسَ عَليّ ثَلَاثَة مِنْهَا، فَيكون كالتخصيص بالمستقل، أَو أطلق الْعشْرَة على عشرَة أَفْرَاد ثمَّ أخرج لَهُ ثَلَاثَة بِحكم، وَهَذَا تنَاقض وَإِن كَانَ بعد الاقرار وَلَا أَظُنهُ مَذْهَب أحد أَو قبله، ثمَّ حكم على الْبَاقِي أَو أطلق عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة على السَّبْعَة فَكَأَنَّهُ قَالَ عَليّ سَبْعَة، فَحصل ثَلَاثَة مَذَاهِب، فعلى هذَيْن: أَي المذهبين الآخرين يكون الِاسْتِثْنَاء تكلما بِالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الثنيا: أَي الْمُسْتَثْنى، فَفِي قَوْله لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة صدر الْكَلَام عشرَة والثنيا ثَلَاثَة، وَالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الْمُسْتَثْنى سَبْعَة فَكَأَنَّهُ تكلم بالسبعة وَقَالَ لَهُ عَليّ سَبْعَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا على الآخرين تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، أما على الْمَذْهَب الآخير فلَان عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة مَوْضُوعَة للسبعة فَيكون تكلما بالسبعة، وَأما على الْمَذْهَب الثَّانِي فُلَانُهُ أخرج الثَّلَاثَة قبل الحكم من إِفْرَاد الْعشْرَة ثمَّ حكم على السَّبْعَة، فالتكلم فِي حق الحكم يكون بالسبعة: أَي يكون الحكم على السَّبْعَة فَقَط لَا على الثَّلَاثَة لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بالاثبات اهـ. فرع: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما، فطريقه أَن يخرج الاخير وَهُوَ الدِّرْهَم مِمَّا يَلِيهِ يبْقى دِرْهَمَانِ، ثمَّ تخرجهما مِمَّا بَينهمَا وَهُوَ الْخَمْسَة يبْقى ثَلَاثَة فأخرجها من السَّبْعَة يبْقى أَرْبَعَة فأخرجها من الْعشْرَة يبْقى سِتَّة. سائحاني. قَوْله: (وَشرط فِيهِ) أَي فِي اعْتِبَاره شرعا. قَوْله: (الِاتِّصَال بالمستثنى مِنْهُ) لَان تَمام الْكَلَام بِآخِرهِ، وَإِذا انْقَطع فقد تمّ. عَيْني. وَنقل عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا جَوَاز التَّأْخِير. دُرَر. قَالَ أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته عَليّ مِسْكين عِنْد قَوْله وَكَذَا إِن كَانَ مَفْصُولًا: بَطل الِاسْتِثْنَاء خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا اسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَالله لاغزون قُريْشًا، ثمَّ قَالَ بعد سنة: إِن شَاءَ الله قُلْنَا: هُوَ مغير والمغير لَا يَصح إِلَّا مُتَّصِلا كالشرط، واستثناء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لامتثال أمره تَعَالَى بِقدر الامكان فَلَا يمْنَع الِانْعِقَاد. زَيْلَعِيّ. وَقَوله لامتثال أمره تَعَالَى يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: * () * (الْكَهْف: 32 - 42) . قَوْله: (لانه للتّنْبِيه) أَي تَنْبِيه الْمُنَادِي لما يلقى إِلَيْهِ من الْكَلَام. قَوْله: (والتأكيد) بِتَعْيِين الْمقر لَهُ فَصَارَ من الاقرار، لِأَنَّ الْمُنَادَى هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَمُفَادُهُ لَوْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 الْمُنَادِي غير الْمقر لَهُ يضر. نَقله الْحَمَوِيّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا. لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةً كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صيغته فَلَا يعد فاصلا اهـ. تَأمل. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لِأَنَّ النِّدَاءَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَأْكِيدِ الْخِطَابِ وَالْإِقْرَارِ، فَصَارَ مِنْ الْإِقْرَارِ اهـ. ثمَّ اعْلَم أَن الملائم للاقرار لَا يمْنَع الاتصاف وَغير الملائم يمنعهُ، فَمن قبيل الاول التنفس والسعال وَأخذ الْفَم وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا لَا تفصل الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَا النداء سَوَاء كَانَ مُفردا نَحْو يَا فلَان أَو مُضَافا نَحْو يَا ابْن فلَان، سَوَاء كَانَ المنادى مقرا لَهُ أَو غَيره نَحْو لَك عَليّ مائَة دِرْهَم يَا فلَان أَو يَا ابْن فلَان إِلَّا عشرَة، وَنَحْو قَوْلك لزيد عَليّ مائَة دِرْهَم يَا عَمْرو إِلَّا عشرَة من قبيل الثَّانِي مَا لَو هلل أَو سبح أَو كبر أَو قَالَ فَاشْهَدُوا، فَإِن كلا مِنْهَا جعل فاصلا كَمَا فِي الْغَايَة والظهيرية، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي تنوير تَلْخِيص الْجَامِع الْكَبِير فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء يكون على الْجمع. قَوْله: (وَلَو الاكثر عِنْد الاكثر) أَي وَلَو أَكثر من النّصْف عِنْد أَكثر النُّحَاة. قَالَ الْفراء: اسْتثِْنَاء الاكثر لَا يجوز لَان الْعَرَب لم تَتَكَلَّم بِهِ، وَالدَّلِيل على جَوَازه قَوْله تَعَالَى: * () * (المزمل: 2 - 3 - 4) وَقَوله تَعَالَى: * ((15) إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين) * (الْحجر: 24) فاستثنى المخلصين تَارَة والغاوين أُخْرَى، فَأَيّهمَا كَانَ أَكثر لزمَه وَلَا تمنع صِحَّته وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَهُوَ صَحِيح لَكِن يدل على تكلم الْعَرَب بِهِ وردوه فِي الْقُرْآن كَمَا سَمِعت النَّص الْكَرِيم. وَقَالَ الشَّاعِر: أَدّوا الَّتِي نقصت تسعين من مائَة ثمَّ ابْعَثُوا حكما بِالْعَدْلِ حكام اسْتثْنى تسعين من مائَة وَإِن لم يكن بأداته لانه فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة: وَلَا فرق بَين اسْتثِْنَاء الاقل والاكثر وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَلَا يمْنَع صِحَّته إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم. وَعَن أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مَالك وَالْفراء: لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء إِلَّا إِذا كَانَ الْبَاقِي أَكثر كَمَا فِي مِسْكين. قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق بَاطِل وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع) قَالَ فِي الْمنح: لما تقرر من أَنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، وَلَا حَاصِل بعد الْكل فَيكون رُجُوعا. وَالرُّجُوع عَن الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا. كَذَا فِي الْعِنَايَة وَغَيرهَا، لَكِن مُقْتَضى هَذَا الْكَلَام صِحَة اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل فِيمَا يقبل الرُّجُوع، وَلَيْسَ كَذَلِك وَمن ثمَّ قلت: وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع كوصية. قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: وَاخْتلفُوا فِي اسْتثِْنَاء الْكل، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ رُجُوع لانه يبطل كل الْكَلَام، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ اسْتثِْنَاء فَاسد وَلَيْسَ بِرُجُوع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 وَهُوَ الصَّحِيح، لانهم قَالُوا فِي الْمُوصي: إِذا اسْتثْنى جَمِيع الْمُوصى بِهِ بَطل الِاسْتِثْنَاء وَالْوَصِيَّة صَحِيحَة، وَلَو كَانَ رُجُوعا لبطلت الْوَصِيَّة لَان الرُّجُوع فِيهَا جَائِز اهـ. قَوْله: (هُوَ الصَّحِيح) على خلاف مَا فِي الدُّرَر حَيْثُ قَالَ: لانك قد عرفت أَنه تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، وَلَا بَاقِي بعد الْكل فَيكون رُجُوعا وَالرُّجُوع بعد الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا. قَوْله: (بِعَين لفظ الصَّدْر) كنسائي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي وكعبيدي أَحْرَار إِلَّا عَبِيدِي. قَوْله: (أَو مساويه) نَحْو نسَائِي طَوَالِق إِلَّا زوجاتي أَو عَبِيدِي أَحْرَار إِلَّا مماليكي. قَالَ فِي الْمنح نقلا عَن الْعِنَايَة معزيا إِلَى الزِّيَادَات: اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل إِنَّمَا لَا يَصح إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، أما إِذا كَانَ بِغَيْر ذَلِك فَيصح كَمَا إِذا قَالَ نسَائِي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَلَو قَالَ إِلَّا عمْرَة وَزَيْنَب وسعاد حَتَّى أَتَى على الْكل صَحَّ. قيل وَتَحْقِيق ذَلِك إِن الِاسْتِثْنَاء إِذا وَقع بِغَيْر اللَّفْظ الاول أمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، لانه إِنَّمَا صَار كلا ضَرُورَة عدم ملكه فِيمَا سواهُ لَا لامر يرجع إِلَى اللَّفْظ الاول، فبالنظر إِلَى ذَات اللَّفْظ أمكن أَن يَجْعَل الْمُسْتَثْنى بعض مَا تنَاوله الصَّدْر والامتناع من خَارج، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لم يُمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، فَإِن قيل: هَذَا مرجع جَانب اللَّفْظ على الْمَعْنى وإهمال الْمَعْنى رَأْسا فَمَا وَجه ذَلِك؟ أُجِيب بِأَن الِاسْتِثْنَاء تصرف لَفْظِي: أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق سِتّ تَطْلِيقَات إِلَّا أَرْبعا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَوَقع تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاث وَمَعَ هَذَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبعا فَكَانَ اعْتِبَاره أولى انْتهى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا) بِأَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُوم، لَكِن فِي الْوُجُود يُسَاوِيه. قَوْله: (إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاءِ) أَيْ بِحَسَبِ صُورَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تصرف لَفْظِي فَلَا يضر إهمال الْمَعْنى، أَفَادَهُ المُصَنّف. قَوْله: (وَوَقع ثِنْتَانِ) وَإِن كَانَ السِّتَّة لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا، فَكَانَ اعْتِبَار اللَّفْظ أولى كَمَا فِي الْعِنَايَة وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق، لَا من جملَة الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ، فَإِن الْكَلَام السَّابِق سِتّ والاربع بعضه فَلم يكن مُسْتَغْرقا، وَلَو جَعَلْنَاهُ اسْتثِْنَاء من الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَكَانَ مُسْتَغْرقا فَيبْطل الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَو طَلقهَا سِتا فَثَلَاث لانه غَايَة الطَّلَاق والاربع تزيد عَلَيْهَا. وَالشَّارِح جعله غَايَة لكَونه شَرط الِاسْتِثْنَاء أَن يكون بِلَفْظ الصَّدْر أَو مساويه، والاربعة لَيست بِلَفْظ السِّت وَلَا مُسَاوِيَة لَهَا بل بَعْضهَا فصح اسْتِثْنَاؤُهُ، لَان الثِّنْتَيْنِ لَهَا عبارتان كَمَا ذكره الشَّارِح، والست إِلَّا أَربع هِيَ الْعبارَة المطولة، فاشتراط كَون الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق مَبْنِيّ على هَذَا. قَوْله: (كَمَا صَحَّ اسْتثِْنَاء الكيلي) فَصله عَمَّا قبله الان بَيَانٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ مُقَدَّرًا مِنْ مُقَدَّرٍ صَحَّ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِنْ مُقَدَّرٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قِيَاسًا واستحسانا، خلافًا للشَّافِعِيّ نَحْو مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا، لَكِن حَيْثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 لَمْ يَصِحَّ هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ. ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَخرج بِمَا ذكر القيمي كَمَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح من حَيْثُ إنَّهُمَا متحدا الْمَالِيَّة، وَبِه قَالَ ملك. قَوْله: (وَيكون الْمُسْتَثْنى الْقيمَة) مِثَاله أَن يَقُول: لَهُ عَليّ عشرَة قروش إِلَّا أردب قَمح يَصح ذَلِك، وَيكون بِالْقيمَةِ وَإِن استغرقت الْقيمَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يَصح كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء كَمَا تقدم، لَان الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج بعض مَا يتَنَاوَلهُ صدر الْكَلَام على معنى أَنه لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء لَكَانَ دَاخِلا تَحت الصَّدْر، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر فِي خلاف الْجِنْس، لَكِن أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف صَحَّحَاهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (لثبوتها) أَي هَذِه الْمَذْكُورَات فِي الذِّمَّة، لانها مقدرات وَهِي جنس وَاحِد معنى وَإِن كَانَت أجناسا صُورَة، لانها تثبت فِي الذِّمَّة ثمنا، أما الدِّينَار وَالدِّرْهَم إِذا استثنيا فَظَاهر، وَكَذَا غَيرهمَا من المكيلات والموزونات، لَان الكيلي والوزني مَبِيع بأعيانهما ثمن بأوصافهما، حَتَّى لَو عينا تعلق العقد بأعيانهما، وَلَو وَصفا وَلم يعينا صَار حكمهمَا كَحكم التَّمْيِيز، فَكَانَت فِي حكم الثُّبُوت فِي الذِّمَّة كجنس وَاحِد معنى، فالاستثناء فِيهَا تكلم بِالْبَاقِي معنى لَا صُورَة، كَأَنَّهُ قَالَ ثَبت لَك فِي ذِمَّتِي كَذَا إِلَّا كَذَا: إِي إِلَّا قيمَة كَذَا، وَلَو اسْتثْنى غير المقدرات من المقدرات لَا يَصح قِيَاسا واستحسانا كَمَا قدمْنَاهُ، لَان مَالِيَّته غير مَعْلُومَة لكَونه متفاوتا فِي نَفسه، فَيكون اسْتثِْنَاء للْمَجْهُول من الْمَعْلُوم فَيفْسد فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي، ولان الثَّوْب لَا يجانس الدَّرَاهِم لَا صُورَة وَلَا وجوبا فِي الذِّمَّة. وَتَمَامه فِي الاتقاني. قَوْله: (وَكَانَت كالثمنين) لانها بأوصافها أَثمَان حَتَّى لَو عينهَا تعلق العقد بِعَينهَا، وَلَو وصفت وَلم تعين صَار حكمهَا كَحكم الدِّينَار. كِفَايَة. قَوْله: (لاستغراقه بِغَيْر الْمسَاوِي) أَي وَهُوَ يُوهم الْبَقَاء وإبهام الْبَقَاء كَاف. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَمِثْلُهُ فِي الْيَنَابِيعِ، وَنَقله قَاضِي زَاده عَن الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ الشَّيْخُ عَليّ الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى: لَو اسْتثْنى دَنَانِير من دَرَاهِم أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا على وَجه يستوعب الْمُسْتَثْنى كَقَوْلِه لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ وَإِلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ، يَنْبَغِي أَنْ يبطل الاقرار. لَكِن فِي ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ. مِنْ الصَّدْرِ: مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا: يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. قلت: وَوَجهه ظَاهر بِالتَّأَمُّلِ اهـ. قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِن استغرقت. تَأمل. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود قلت: وَلَا شكّ أَن مَا فِي الْجَوْهَرَة أوجه لما سبق من أَن بطلَان الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بِلَفْظِهِ أَو بمرادفه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 وَاعْلَم أَن المُصَنّف تبع قاصيخان فِي تفريعه على هَذِه الْمَسْأَلَة: أَعنِي صِحَة اسْتثِْنَاء الكيلي والوزني وَنَحْوهمَا من المقدرات، الَّتِي تثبت فِي الذِّمَّة من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَقَالَ: لَو قَالَ لَهُ دِينَار إِلَّا درهما أَو إِلَّا قَفِيزا أَو إِلَّا مائَة جوزة صَحَّ، ويطرح من الْمُقدم قدر قيمَة الْمُسْتَثْنى، فَإِن كَانَت قِيمَته تَأتي على جَمِيع مَا أقرّ بِهِ لَا يلْزمه شئ، وَإِن لم يكن الْمُسْتَثْنى من جنس مَا أقرّ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ جنس من مثله كَقَوْلِه دِينَار إِلَّا ثوبا أَو شَاة لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَإِن كَانَ من جنسه صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْلهم إِلَّا أَن يسْتَثْنى جَمِيع مَا تكلم بِهِ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء اهـ. وَآخره يُخَالف أَوله. كَذَا بِخَط السَّيِّد الْحَمَوِيّ عَن الرَّمْز. وَأَقُول: يُمكن الْجَواب بِحمْل مَا ذكره قاضيخان آخرا على مَا إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بمرادفه كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف دِينَار إِلَّا خَمْسمِائَة وخمسائة فَلَا يُخَالف مَا ذكره أَولا، لَان الِاسْتِغْرَاق فِيهِ من حَيْثُ الْقيمَة، فَتدبر. قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَو جِنْسَانِ ح. وتوضيحه: أَنهم جعلُوا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير نوعا وَاحِدًا فِي بعض الْمسَائِل نظرا لَان الْمَقْصُود مِنْهَا الثمنية، وَفِي بعض الْمسَائِل جعلوها نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَار الصُّورَة كَمَا بَينه الشَّارِح فِي غير هَذَا الْمحل، فَصَاحب الْبَحْر جعلهَا فِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا هِيَ مُعْتَبرَة فِيهِ نوعا وَاحِدًا، فَكَانَ اسْتثِْنَاء الْمِائَة دِرْهَم من الدِّينَار اسْتثِْنَاء بالمساوي لانها تبلغ قيمَة الدِّينَار أَو تزيد عَلَيْهِ، وَصَاحب الْجَوْهَرَة نظر إِلَى أَنَّهُمَا نَوْعَانِ فِي نفس الامر كَمَا اعتبروها كَذَلِك فِي بعض الْمسَائِل، فَلذَلِك كَانَ اسْتثِْنَاء الْعشْرَة الدَّنَانِير من الْمِائَة الدِّرْهَم وَهِي تبلغها قيمَة أَو تزيد اسْتثِْنَاء صَحِيحا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظ الاول وَلَا مُسَاوِيَة لانهما نَوْعَانِ، إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَة كَمَا ذكره الشَّارِح، والايهام مَوْجُود هُنَا، وَيُؤَيِّدهُ مَسْأَلَة اسْتثِْنَاء الْمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود. وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق إِن كَانَ بِلَفْظ الصَّدْر فَبَاطِل، وَإِن لم يكن بِلَفْظ الصَّدْر وَلَا مُسَاوِيا لَهُ كاستثناء كرّ بر من الدَّرَاهِم صَحِيح لما تقدم أَن الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَته، وَإِن كَانَ بِغَيْر لفظ الصَّدْر لَكِن بمساويه كاستثناء الدَّرَاهِم من الدَّنَانِير أَو الْعَكْس فَوَقع فِيهِ اخْتِلَاف إِذا كَانَ مُسْتَغْرقا فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة يَقْتَضِي بُطْلَانه، وَمَا فِي الْجَوْهَرَة والينابيع والذخيرة يُخَالِفهُ. قَوْله: (على الاصح) لَان الالف متيقنة الثُّبُوت وَالْخَمْسُونَ متحققة الْخُرُوج وَتَمام الْمِائَة مَشْكُوك فِي خُرُوجهَا والمتيقن ثُبُوته لَا يبطل فِي الْمَشْكُوك بِخُرُوجِهِ وَهُوَ تَمام الْمِائَة، بل بالمتيقن خُرُوجه وَهُوَ خَمْسُونَ، لَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما مهده أَولا من أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي عندنَا، وَإِنَّمَا يُنَاسب مَا نلقناه عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه إِخْرَاج بعد الدُّخُول بطرِيق الْمُعَارضَة، وَقدمنَا أَن ثَمَرَة الْخلاف إِنَّمَا تَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، وَفِي رِوَايَة تِسْعمائَة، وَهِي رِوَايَة أبي حَفْص، وَهِي الْمُوَافقَة لقواعد الْمَذْهَب، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل فرَاغ الذِّمَّة فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى التَّفْرِيع على قَاعِدَة الْمَذْهَب، ثمَّ يذكر هَذَا على أَنه قَول آخر. تَأمل. قَوْله: (ثَبت الاكثر) أَي أَكثر الْمقر بِهِ. قَوْله: (إِلَّا شَيْئا) لَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 اسْتثِْنَاء الشئ اسْتثِْنَاء الاقل عرفا فأوجبنا النّصْف وزياة دِرْهَم بِنَقْد اسْتثْنى الاقل اه. شلبي قَوْله: (فَيحكم بِخُرُوجِ الْأَقَلِّ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصْفِ لِأَنَّ اسْتثِْنَاء الشئ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْقِلَّةُ النَّقْصُ عَن النّصْف بدرهم. قَوْله: (وَلَو وصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله) وَلَو من غير قصد كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْوَاقِعَات الحسامية، وَقيد بالوصل لانه لَو كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤثر، خلافًا لِابْنِ عَبَّاس كَمَا سبق، إِلَّا إِذا كَانَ عدم الْوَصْل لعذر من الاعذار الَّتِي تقدّمت. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق فَجرى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَكَانَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ، لَان الِاسْتِثْنَاء مَوْجُود حَقِيقَة، وَالْكَلَام مَعَ الِاسْتِثْنَاء لَا يكون إيقاعا، وَمثل تَعْلِيقه بِمَشِيئَة الله تَعْلِيق إِقْرَاره بِمَشِيئَة من لَا تعلم مَشِيئَته كالجن وَالْمَلَائِكَة. حموي عَن الْمُخْتَار. وَإِنَّمَا بَطل الاقرار فِي هَذِه لَان التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد فَبَطل قبل انْعِقَاده للْحكم وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف. دُرَر وَثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ الله أَنْت طَالِق، فَعِنْدَ من قَالَ إِنَّه إبِْطَال لَا يَقع الطَّلَاق، وَعند من قَالَ إِنَّه تَعْلِيق يَقع لانه إِذا قدم الشَّرْط وَلم يذكر حرف الْجَزَاءَ لَمْ يَتَعَلَّقْ، وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرط فَيَقَع. كِفَايَة. وَاخْتَارَ قَول مُحَمَّد صَاحب الْكِفَايَة وَغَايَة الْبَيَان وَصَاحب الْعِنَايَة، وَكَذَا تظهر أَيْضا ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لامْرَأَته إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَحْنَث عِنْد أبي يُوسُف لانه يَمِين عِنْده، وَعند مُحَمَّد لَا يكون يَمِينا فَلَا يَحْنَث عَيْني. تَنْبِيه: مَا سبق من أَن التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف يشكل بِمَا نَقَلْنَاهُ مِمَّا يَقْتَضِي كَون الْخلاف بَين الصاحبين على عكس مَا ذكر فِي الدُّرَر. وَجَوَابه أَن النَّقْل عَنْهُمَا قد اخْتلف: فَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر مَا نَقَلْنَاهُ من الْخلاف قَالَ: وَقيل الْخلاف على الْعَكْس، وَاخْتَارَهُ بعض شرَّاح الْهِدَايَة، وَأَيْضًا فَإِن مَا ذكرنَا من أَنه عِنْد أبي يُوسُف تَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ أحد وَجْهَيْن، وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ أَن الاقرار لَا يحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده. قَوْله: (أَو فلَان) فَيبْطل وَلَو قَالَ فلَان شِئْت لانه علق وَمَا نجز واللزوم حكم التَّنْجِيز لَا التَّعْلِيق، ولان مَشِيئَة فلَان لَا توجب الْملك شلبي. أَقُول: وَينظر مَعَ مَا قدمنَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِمَشِيئَة العَبْد فشاء فِي مَجْلِسه صَحَّ وَوَقع الطَّلَاق شرنبلالية. وَجَوَابه أَن الاقرار إِخْبَار فَلَا يَصح تَعْلِيقه. وَالطَّلَاق إنْشَاء لَا إِسْقَاط فصح تَعْلِيقه، واقتصرت مَشِيئَته على الْمجْلس نظرا لِمَعْنى التَّمْلِيك. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (أَو علقه بِشَرْط على خطر) كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِن شَاءَ فلَان، وَكَذَا كل إِقْرَار علق بِالشّرطِ نَحْو قَوْله إِن دخلت الدَّار وَإِن أمْطرت السَّمَاء أَو هبت الرّيح أَو إِن قضى الله تَعَالَى أَو أَرَادَهُ أَو رضيه أَو أحبه أَو قدره أَو دبره كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. وَمِنْه: إِن حَلَفت فلك مَا ادعيت، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ دَفَعَ بِنَاءً على أَنه يلْزمه فَلهُ أَن يسْتَردّ الْمَدْفُوع كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ صُلْحِ الْوَرَثَةِ بقوله: وَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن حَلَفت أَنَّهَا لَك دفعتها فَحلف الْمُدَّعِي وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ الدَّرَاهِم، إِن كَانَ دفع لَهُ بِحكم الشَّرْط فَهُوَ بَاطِل وللدافع أَن يسْتَردّ اهـ. وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ التَّعْلِيقَ عَلَى خَطَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى الْأَجْلِ. قَالَ: وَإِنْ تَضَمَّنَ مثل إِذا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ للْحَال ويستحلف الْمقر لَهُ فِي الاجل اهـ. تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 أَيْضًا: وَمِنْ التَّعْلِيقِ الْمُبْطِلِ لَهُ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَرَى غَيْرَهُ أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَذَا اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَليّ كَذَا فِيمَا أعلم انْتهى. أَو قَالَ عَليّ ألف فِي شَهَادَة فلَان أَو علمه، لانه فِي معنى الشَّرْط، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ذَلِك بِالْبَاء لانها للالصاق، وَلَو قَالَ وجد ت فِي كتابي: أَي دفتري أَنه عَليّ كَذَا فَهُوَ بَاطِل. وَقَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ: أَنه يلْزمه لانه لَا يكْتب فِي دفتره إِلَّا مَا عَلَيْهِ النَّاس صِيَانة عَن النسْيَان وللبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة، فعلى هَذَا لَو قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يَادَكَارِي بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يَادَكَارِي بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ ألف دِرْهَم كَانَ إِقْرَارا ملزما. وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وَلَو قَالَ فِي ذكرى أَو بكتابي لزمَه اهـ. حموي. وَقد تقدم ذَلِك مَبْسُوطا، وَأَن مَوضِع الْكَلَام فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ، وتصوير الاقرار بِمَا عَلَيْهِ فِي كِتَابه هُوَ مَا ذكرهَا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَلَا يفرق بَين قَوْله فِي كتابي أَو فِي كتاب فلَان. نَقله عَن الْوَلوالجِيَّة. قَالَ الْعَلامَة المقسي فِي الرَّمْز: وَأَنت خَبِير بِأَن كتاب فلَان غير مَأْمُون عَلَيْهِ من التَّغْيِير، بِخِلَاف كتاب الْمقر. اهـ. قَالَ ط: وَهَذَا يُفِيد أَنه لَا يعْمل بِإِقْرَارِهِ بِمَا عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ بكتابته، وَأَنه لَا يعْمل بكتابته مَاله على النَّاس لانه إِثْبَات حق على غَيره بِمُجَرَّد كتاب الْمُدَّعِي، وَلَا نَظِير لَهُ فِي الشَّرِيعَة، فالافتاء بلزومه بِمُجَرَّد ذَلِك ضلال مُبين. قَوْله: (كَإِن مت فَإِنَّهُ ينجز) الْمُعَلق بِكَائِنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً بَلْ مُرَادُهُ بِهِ أَن يُشْهِدَهُمْ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ جَحَدَ الْوَرَثَة فَهُوَ عَلَيْهِ مَاتَ أَو عَاشَ، فمرجعه إِلَى تَأْكِيد الاقرار كَمَا فِي الْحَمَوِيّ والزيلعي وَغَيرهمَا، وَالشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف وَهُوَ تبع صَاحب الْبَحْر. قَالَ ط: وَمِنْه يعلم أَن قَوْله فِي الْبَحْر: وَإِن بِشَرْط كَائِن فتنجيز كعلي ألف دِرْهَم إِن مت لزمَه قبل الْمَوْت مَنْظُور فِيهِ، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن قَوْله إِن مت فِي عبارَة الشَّرْح يحْتَمل رُجُوعه إِلَى الاقرار لَا إِلَى الشَّهَادَة. وَأجِيب بِأَن تصرف الْعَاقِل يصان عَن الالغاء مَا أمكن، وَذَلِكَ بجعله شرطا للشَّهَادَة، فَلَو قَالَ الْمقر أردْت تَعْلِيق الاقرار وَرَضي بالغاء كَلَامه. قُلْنَا: تعلق حق الْمقر لَهُ يمْنَع ذَلِك كَمَا فِي الرَّمْز. اهـ. مُخْتَصرا. قَالَ ط: بَقِي لَو كَانَ الْكَلَام من أول الامر بِصُورَة صَاحب الْبَحْر وَالظَّاهِر اللُّزُوم حَالا كَمَا قَالَ لتَعلق حق الْمقر، وَلَا يَجْعَل وَصِيَّة، وَقد اسْتُفِيدَ هَذَا من قَوْله فَلَو قَالَ الْمقر أردْت الخ. اهـ. لَكِنْ قُدِّمَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّة. وَالْحَاصِل أَن التَّعْلِيق على ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله، فَإِنَّهُ بَاطِل عِنْد مُحَمَّد، وَتَعْلِيق عِنْد أبي يُوسُف. وَإِمَّا أَن يصله بإن شَاءَ فلَان وَنَحْوه مِمَّا هُوَ تَعْلِيق على خطر فَهُوَ تَعْلِيق اتِّفَاقًا والاقرار لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَإِمَّا أَن يعلقه بكائن لَا محَالة فَهُوَ تَنْجِيز فَلَا يبطل الاقرار وَكَذَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو أفطر النا س أَو إِلَى الْفطر أَو إِلَى الضُّحَى، لَان هَذَا لَيْسَ بتعليق وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيُقْبَلُ إِقْرَاره، ودعواه الاجل لَا تقبل إِلَّا بَيِّنَة أَو إِقْرَار الطَّالِب. قَوْله: (بَقِي لَوْ ادَّعَى الْمَشِيئَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله (قَالَ المُصَنّف) وَعبارَته: وَيقبل قَوْله إِن ادَّعَاهُ، وَأنْكرهُ فِي ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة على الِاعْتِمَاد لغَلَبَة الْفساد خاينة. وَقيل إِن عرف بالصلاح فَالْقَوْل لَهُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: أَقُولُ: الْفِقْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَقْرَرْتُ لَهُ بِكَذَا مُسْتَثْنِيًا فِي إقْرَارِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدِي كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 لانه يُرِيد إِبْطَاله بعد تقرره. تَأمل اهـ. قَوْله: (وَصَحَّ اسْتثِْنَاء الْبَيْت من الدَّار) لانه جُزْء من أَجْزَائِهَا فَيصح اسْتثِْنَاء الْجُزْء من الْكل كالثلث أَو الرّبع. بَدَائِع. وَلَو قَالَ هَذِه النّخل بأصولها لفُلَان وَالثَّمَر لي كَانَ الْكل للْمقر لَهُ، وَلَا يصدق الْمقر إِلَّا بِحجَّة كَمَا فِي الْخَانِية. قَوْله: (مِنْهُمَا) أَي من الدَّار وَالْبَيْت. قَوْله: (لدُخُوله تبعا) أَي لدُخُول الْبناء معنى وتبعا لَا لفظا، وَالِاسْتِثْنَاء تصرف فِي الملفوظ، وَذَلِكَ لَان الدَّار اسْم لما أدير عَلَيْهِ الْبناء من الْبقْعَة، وَبحث منلا خسروا بِأَنَّهُ لَا يُنكر أَن الْبناء جُزْء من الدَّار لَا يرد الْمَنْصُوص، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْض لَا يسْقط شئ من الثّمن بمقابلته، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي. بِخِلَافِ الْبَيْتِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ من الثّمن أَو حَاصله. قَوْله: (واستثناء الْوَصْف لَا يجوز) كَقَوْلِه لَهُ هَذَا العَبْد إِلَّا سوَاده. قَوْله: (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَعَرْصَتُهَا لَك فَكَمَا قَالَ) وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي. قَوْلُهُ: (هِيَ الْبُقْعَةُ) فَقَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْوَصْفِ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ قَالَ وَأَرْضُهَا لَك كَانَ لَهُ الْبناء أَيْضا) . أَقُول: هَذَا مُخَالف للْعُرْف الْآن، فَإِن الْعرف أَن الارض بِمَعْنى الْعَرَصَة، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يكون الْبناء تَابعا للارض تَأمل. قَوْله: (إلَّا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو فَكَمَا قَالَ) لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ لزيد صَار ملكه، فَلَا يخرج عَن ملكه بِإِقْرَارِهِ لعَمْرو بالارض، إِذْ لَا يصدق قَوْله فِي حق غَيره، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الاولى، لَان الْبناء مَمْلُوك لَهُ، فَإِذا أقرّ بالارض لغيره يتبعهَا الْبناء، لَان إِقْرَاره مَقْبُول فِي حق نَفسه. وَحَاصِله فِي الدَّار والارض اسْم لما وضع عَلَيْهِ الْبناء لَا اسْم للارض وَالْبناء، لَكِن الْبناء يدْخل تبعا فِي بَيْعه والاقرار بِهِ، والعرصة اسْم للارض خَالِيَة عَن الْبناء، فَلَا يدْخل فِيهَا الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا. والاصل: أَن الدَّعْوَى لنَفسِهِ لَا تمنع الاقرار لغيره، والاقرار لغيره يمْنَع الاقرار لشخص آخر، إِذا علم هَذَا فَإِذا أقرّ بِالدَّار لشخص فقد أقرّ بالارض الَّتِي أدير عَلَيْهَا الْبناء، وَلَفظ الدَّار لَا يَشْمَل الْبناء، لكنه يدْخل تبعا فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْوَصْف. وَالِاسْتِثْنَاء أَمر لَفْظِي لَا يعْمل إِلَّا فِيمَا يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ، فَلَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ للْبِنَاء لانه لم يتَنَاوَلهُ لفظ الدَّار، بل إِنَّمَا دخل تبعا، وَهَذَا معنى. قَوْله واستثناء الْوَصْف لَا يجوز بِخِلَاف الْبَيْت فَإِنَّهُ اسْم لجزء من الدَّار مُشْتَمل على أَرض وَبِنَاء فصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الاصل، وَهُوَ الارض، فَكَانَ متناوله لفظ الدَّار وَالِاسْتِثْنَاء: إِخْرَاج لما تنَاوله لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَلَا يضر كَون الْبناء جُزْءا من مُسَمّى الْبَيْت مَعَ أَنه وصف من الدَّار، لانه لم يسْتَثْن الْوَصْف مُنْفَردا بل قَائِما بالاصل الَّذِي هُوَ الارض. وَتَخْرِيج جنس هَذِه الْمسَائِل على أصلين أَحدهمَا: أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ. وَالثَّانِي: أَن إِقْرَار الانسان على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز. إِذا عرفنَا هَذَا فَنَقُول: إِذا قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي وأرضها لفُلَان كَانَ الْبناء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 والارض للْمقر لَهُ، لانه لما قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي فقد ادّعى لنَفسِهِ، فَلَمَّا قَالَ وأرضها لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ للْمقر لَهُ تبعا للاقرار بالارض لَان الْبناء تبع للارض، إِلَّا أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار: وَإِن قَالَ أرْضهَا لي وبناؤها لفُلَان كَانَت الارض لَهُ وبناؤها لفُلَان، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لي فقد ادّعى الارض لنَفسِهِ، وَادّعى الْبناء أَيْضا لنَفسِهِ تبعا للارض، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك وبناؤها لفُلَان فقد أقرّ لفُلَان بِالْبِنَاءِ بَعْدَمَا ادَّعَاهُ لنَفسِهِ، والاقرار بعد الدَّعْوَى صَحِيح فَيكون لفُلَان الْبناء دون الارض، لَان الارض لَيْسَ بتابع للْبِنَاء، وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لي كَانَت الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا لفُلَان وبناؤها لي كَانَ الارض للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ، فَلَمَّا قَالَ بناؤها لي فقد ادّعى لنَفسِهِ بَعْدَمَا أقرّ لغيره، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا تنَاوله الاقرار لَا يَصح. وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لفُلَان آخر كَانَ الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ الاول لانه جعل مقرا للْمقر لَهُ الاول بِالْبِنَاءِ، فَإِذا قَالَ بناؤها لفُلَان جعل مقرا على الاول لَا على نَفسه، وَقد ذكرنَا أَن إِقْرَار الْمقر على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز. وَإِن قَالَ بناؤها لفُلَان وأرضها لفُلَان آخر كَانَ كَمَا قَالَ، لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ أَولا صَحَّ إِقْرَاره للْمقر لَهُ لانه إِقْرَار على نَفسه، فَإِذا أقرّ بعد ذَلِك بالارض لغيره فقد أقرّ بِالْبِنَاءِ لذَلِك الْغَيْر تبعا للاقرار بالارض، فَيكون مقرا على غَيره وَهُوَ الْمقر لَهُ الاول، وَإِذا أقرّ الانسان على غَيره لَا يَصح لما علمت من الاصل الثَّانِي من أَن إِقْرَار الانسان على غَيره لَا يجوز. أَقُول: لَكِن نقض بِمَا لَو أقرّ مُسْتَأْجر بدين فيسري على الْمُسْتَأْجر، وَيفْسخ بِهِ عِنْد الامام، وَلَو أقرَّت زَوجته بدين تحبس بِهِ وَيمْنَع مِنْهَا كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. قَوْله: (واستثناء فص الْخَاتم) بِأَن قَالَ هَذَا الْخَاتم لفُلَان إِلَّا فصه. وَفِي الذَّخِيرَة عَن الْمُنْتَقى: إِذا قَالَ هَذَا الْخَاتم لي إِلَّا فصه فَإِنَّهُ لَك، أَو قَالَ هَذِه المنطقة لي إِلَّا حليتها فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذَا السَّيْف لي إِلَّا حليته أَو قَالَ إِلَّا حمائله فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذِه الْجُبَّة لي إِلَّا بطانتها فَإِنَّهَا لَك، وَالْمقر لَهُ يَقُول هَذِه الْجُبَّة لي فَالْقَوْل قَول الْمقر، فَبعد ذَلِك ينظر إِن لم يكن فِي نزع الْمقر بِهِ ضَرَر للْمقر يُؤمر الْمقر بالنزع وَالدَّفْع للْمقر لَهُ، وَإِن كَانَ فِي النزع ضَرَر وَأحب الْمقر أَن يُعْطِيهِ قيمَة مَا أقرّ بِهِ فَلهُ ذَلِك، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى اهـ. وَلَو قَالَ الْحلقَة لَهُ والفص لي، يَصح ذكره، صدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (ونخلة الْبُسْتَان) وَمثله نَخْلَة الارض إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا بِأُصُولِهَا، لِأَنَّ أُصُولَهَا دَخَلَتْ فِي الْإِقْرَارِ قَصْدًا لَا تَبَعًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ قَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ. لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِرَجُلٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لَهُ لَمْ تقبل بَينته اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ مَفْصُولًا لَا مَوْصُولًا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ. وَفِي الْخَانِية: لَو قَالَ هَذَا الْبُسْتَان لفُلَان إِلَّا النَّخْلَة بِغَيْر أُصُولهَا فَإِنَّهَا لي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، بِخِلَاف إِلَّا نخلها بأصولها، وَكَذَلِكَ هَذِه الْجُبَّة لفُلَان إِلَّا بطانتها لَان البطانة تدخل فِي البيع تبعا فَكَانَت كالبناء، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُول على جُبَّة بطانتها فِي النفاسة دون الظهارة. قَالَ فِي الرَّمْز: وَمَا نقل عَن السّير الْكَبِير أَن الامام لَو قَالَ من أصَاب جُبَّة خَز فَهِيَ لَهُ فَلهُ الظهارة دون البطانة، حمل على جُبَّة بطانتها كظهارتها نفاسة، فَلَا تتبعها فَهِيَ كجبتين، وَمَا هُنَا على دون البطانة حَتَّى لَو اسْتَويَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء اهـ. أَقُول: وَمثل نَخْلَة الْبُسْتَان نَخْلَة الارض، لَان الشّجر يدْخل فِي الْبُسْتَان والارض تبعا فَلَا يَصح استثناءه، بِخِلَاف نَخْلَة عَرصَة الْبُسْتَان، لَان الْعَرَصَة لَا تتَنَاوَل الشَّجَرَة كَمَا لَا تتَنَاوَل الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا إِلَّا أَن يستثنيها بأصولها كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وطوق الْجَارِيَة) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهَا تبعا إِلَّا الْمُعْتَاد للمهنة لَا غير كَالطَّوْقِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا قيمَة لَهُ كَثِيرَة كطوق حَدِيد أَو نُحَاس، وَفِيه نظر. ط عَن الْحَمَوِيّ. أَقُول: ذَلِك فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهَا وَمَا عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ، أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا ظَهَرَ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَلَيْهَا لِمَالِكِهَا فَيَتْبَعُهَا وَلَوْ جَلِيلًا. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ من أَنه لَا يَصح. قَوْله: (قَالَ مُكَلَّفٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عبد مَا قَبضته) قيد قَوْله عَليّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، كَمَا قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُهُ هَذَا وَلَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْضَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبَضْتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا رُجُوعٌ، فَلَا يَصِحُّ. أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ. قَوْله: (حَال مِنْهَا) أَي حَال كَون قَوْله مَا قَبضته مَوْصُولا بالْكلَام الاول، فَلَو لم يصله لم يصدق أَفَادَهُ المُصَنّف. وَالَّذِي يظْهر أَنه حَال من الضَّمِير فِي قَالَ: أَي قَالَ حَال كَونه واصلا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَلَّمَهُ) لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّسْلِيمِ هُنَا الْإِحْضَارَ، أَوْ يُخَصُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ المُشْتَرِي تَسْلِيم الثّمن أَو لَا، لانه لَيْسَ بِبيع صَرِيح. مقدسي مُلَخصا قَوْله: (عملا بِالصّفةِ) قَالَ فِي الْمنح: وَإِن لم يُوجد مَا ذكر من الْقَيْد وَهُوَ التَّسْلِيم لَا يلْزمه لانه أقرّ لَهُ بالالف على صفة فَيلْزمهُ الصّفة الَّتِي أقرّ بهَا، وَإِذا لم تُوجد لَا يلْزمه اهـ. وصل أَو فصل، هَذَا مَذْهَب الامام، وَقَالا: إِن وصل صدق فَلَا يلْزمه، وَإِن فصل لَا يصدق. قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ مُطْلَقًا وصل أم فصل) كَأَنَّهُ بَيَان لوجه الاطلاق، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ بالاطلاق سَوَاء كذبه الْمقر لَهُ أَو صدقه بِدَلِيل مَا يَأْتِي حَيْثُ قيدها بقوله وَإِن كذبه الْمقر لَهُ، وَهُوَ أولى لانه حِينَئِذٍ يتَّجه فصلها لكنه يبعد أَن يلْزمه ذَلِك مَعَ اعْتِرَاف كل مِنْهُمَا أَنه حرَام أَو رَبًّا تَأمل. قَوْله: (لانه رُجُوع) أَي عَمَّا أقرّ بِهِ، وَذَلِكَ لَان الصَّدْر مُوجب وإنكار قبض مَبِيع غير معِين يُنَافِيهِ، ولانه لَو ادّعى تَأْخِير الثّمن شهرا لم يقبل، فَكيف دهرا، إِذْ مَا من عبد يَأْتِي بِهِ البَائِع إِلَّا يَأْتِي للْمُشْتَرِي منع كَونه الْمَبِيع، بِخِلَاف الْمعِين. وَمَا ذكره المُصَنّف أحد وُجُوه أَرْبَعَة فِي الْمَسْأَلَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 وَالثَّانِي: أَن يَقُول الْمقر لَهُ العَبْد عَبدك مَا بعتكه وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر وسلمته إِلَيْك، وَالْحكم فِيهِ كالاول لانهما اتفقَا على مَا أقرّ بِهِ من أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق مَا أقرّ بِهِ، غير أَنَّهُمَا اخْتلفَا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق، وَلَا يُبَالِي باختلافهما، وَلَا باخْتلَاف السَّبَب عِنْد حُصُول الْمَقْصُود واتحاد الحكم، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ لَهُ بِغَصب ألف دِرْهَم فَقَالَ الْمقر لَهُ هِيَ قرض فَإِنَّهُ يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لاتِّفَاقهمَا على الِاسْتِحْقَاق. وَالثَّالِث: أَن يَقُول العَبْد عبددي مَا بعتكه، وَحكمه أَن لَا يلْزم الْمقر شئ لما ذكر أَنه أقرّ لَهُ على صفة وَهِي سَلامَة العَبْد، فَلَا يلْزمه بِدُونِهَا. وَالرَّابِع: أَن يَقُول الْمقر لَهُ لم أبعك هَذَا العَبْد وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر، فَحكمه أَن يتحالفا لانهما اخْتلفَا فِي الْمَبِيع إِذْ كل مِنْهُمَا مُدع ومنكر، فَإِذا حلفا انْتَفَى دَعْوَى كل عَن صَاحبه، فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ وَالْعَبْد سَالم فِي يَده اهـ. وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ والدرر موضحا. قَوْله: (كَقَوْلِه من ثمن خمر الخ) تَشْبِيه للمسألة السَّابِقَة حكما وَخِلَافًا. قَوْله: (أَو مَال قمار) الانسب تَأْخِيره عَمَّا بعده ليسلط لفظ الثّمن على الْحر وَالْميتَة وَالدَّم، وَهُوَ مَعْطُوف على ثمن. قَوْله: (فَيلْزمهُ مُطلقًا) عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: إِن وصل صدق، وَإِن فصل لَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الاولى، قَوْله: (إِلَّا إِذا صدقه) أَي الْمقر لَهُ. قَوْله: (أَو أَقَامَ عَلَيْهِ) أَي الْمقر، وَاعْتمد المُصَنّف فِي تعْيين مرجع الضميرين الْمقَام والظهور. قَوْله: (لاحْتِمَال حلّه عِنْد غَيره) أَي فِي مَذْهَب غَيره كَمَا إِذا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ قبل قَبضه من بَائِعه بِثمن أقل مِمَّا اشْترى بِهِ فَالزِّيَادَة هَذِه عندنَا حرَام أَو رَبًّا، وَعند الشَّافِعِي: يجوز هَذَا البيع، وَلَيْسَ زِيَادَة أحد الثمنين حَرَامًا وَلَا رَبًّا، وَظَاهر هَذَا التَّعْلِيل أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على ذَلِك لَا يلْزم الْمقر شئ ط. قَوْله: (وَلَو قَالَ على زورا أَو بَاطِلا) أَي هُوَ على حَال كَون زورا أَو بَاطِلا، أَو من جِهَة ذَلِك فهما منصوبان على الْحَال أَو التَّمْيِيز. قَوْله: (لزمَه إِن كذبه) أَي فِي كَونه زورا أَو بَاطِلا. قَوْله: (هِيَ أَن يلجئك الخ) قَالَ الشَّارِح فِي التذنيب آخر الصّرْف: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجَأُ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَة بل كالهزل انْتهى. قَوْله: (إِن كذبه) أَي المُشْتَرِي البَائِع. قَوْله: (وَإِلَّا لَا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُقِرُّ لَك فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَالٍ وَتَوَاضَعَا عَلَى فَسَادِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، حَتَّى لَا يملكهُ الْمقر لَهُ. قَوْله: (زيوف) جمع زيف وصف بِالْمَصْدَرِ ثمَّ جمع على معنى الاسمية. يُقَال: زافت الدَّرَاهِم تزيف زيفا ردأت وَالْمرَاد بِهِ مَا يردهُ بَيت المَال ويقبله التُّجَّار والنبهرجة دون الزُّيُوف، فَإِنَّهُمَا مِمَّا يردهَا التُّجَّار والستوقة أردأ من النبهرجة، وَتقدم آخر الْبيُوع، وقدمناه فِي شَتَّى الْقَضَاء. قَوْله: (وَلم يذكر السَّبَب) كَثمن مَبِيع أَو غصب أَو وَدِيعَة. قَوْله: (على الاصح) أَي إِجْمَاعًا، وَقيل على الْخلاف الْآتِي. قَوْله: (وَهِي زيوف مثلا) أَو نبهرجة. قَوْله: (لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 يصدق مُطلقًا) أَي عِنْده، وَقَالا: يصدق إِن وصل: أَي فِي قَوْله زيوف أَو نبهرجة بل يلْزمه الْجِيَاد لَان العقد يقتضيها. فدعوى الزيف رُجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا وزن خَمْسَة وَنقد الْبَلَد وزن سَبْعَة حَيْثُ يَصح مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا، لانه اسْتثْنى الْقدر فَصَارَ مغيرا فَيصح بِشَرْط الْوَصْل وَلَو قَالَ عَليّ كرّ حِنْطَة من ثمن دَار اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهَا رَدِيئَة يقبل مَوْصُولا ومفصولا، لَان الرداءة نوع لَا عيب فمطلق العقد لَا يَقْتَضِي السَّلامَة عَنْهَا، بِخِلَاف الْجَوْدَة. زَيْلَعِيّ. وَقَوله: مُطلقًا: أَي وصل أم فصل. وَقَالَ زفر: يبطل إِقْرَاره إِذا قَالَ الْمقر لَهُ هِيَ جِيَاد. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلامَة. قَوْله: (وصل أم فصل) إِذْ لَا اخْتِصَاص للغصب والوديعة بالجياد دون الزُّيُوف إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، فَلم يكن زُيُوفًا تَفْسِيرا لاول كَلَامه بل هِيَ بَيَان للنوع فصح مَوْصُولا ومفصولا دُرَر. وَحَاصِل الْفرق بَينهمَا وَبَين مَا تقدم أَن فِيمَا تقدم أقرّ بِعقد البيع أَو الْقَرْض وَالْعقد يَقْتَضِي سَلامَة الْعِوَضَيْنِ عَن الْعَيْب كَمَا تقدم، وَهنا أقرّ بِالْغَصْبِ والوديعة وهما لَا يقتضيان السَّلامَة، وَهُوَ قَابض وَالْقَوْل للقابض أَمينا كَانَ أَو ضمنيا. قَوْله: (لانها دَرَاهِم مجَازًا) فَكَانَ هَذَا من بَاب التَّغْيِير فَلَا يَصح مَفْصُولًا. قَوْله: (وَصدق بِيَمِينِهِ فِي غصبته أَو أودعني) لَان الْغَصْب والوديعة لَا يقتضيان وصف السَّلامَة كَمَا تقدم. قَوْله: (مثلا) أَي أَو قرضا. قَوْله: (إِلَّا أَنه ينقص كَذَا) أَي الدَّرَاهِم، وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ إلَّا أَن ينق ص كَذَا: أَي مائَة دِرْهَم وَهُوَ ظَاهر. قَوْله: (أَي الدَّرَاهِم الخ) أَي أَن كل عشرَة من دَرَاهِم هَذَا الالف وزن خَمْسَة مَثَاقِيل لَا وزن سَبْعَة مِنْهَا. قَوْله: (مُتَّصِلا) أَي قَالَ ذَلِك مُتَّصِلا. قَوْله: (وَإِن فصل بِلَا ضَرُورَة لَا يصدق) . قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَلَو كَانَ الِانْقِطَاع بِسَبَب انْقِطَاع النَّفس أَو بِسَبَب دفع السعال، فَعَن أبي يُوسُف أَنه يَصح إِذا وَصله بِهِ، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لَان الانسان يحْتَاج إِلَى أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِكَلَام كثير وَيذكر الِاسْتِثْنَاء فِي آخِره، وَلَا يُمكنهُ أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِنَفس وَاحِد، فَلَو لم يَجْعَل عذرا يكون عَلَيْهِم حرج، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَوْله: (لَا الْوَصْف كالزيافة) فَلِذَا لم يَصح لَهُ عَليّ ألف من ثمن مَتَاع إِلَّا أَنَّهَا زيوف فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ: وَهِي زيوف. وَحَاصِل الْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا قَالَ هِيَ زيوف حَيْثُ لَا يصدق هُنَاكَ، لَان الزيافة وصف فَلَا يَصح استثناؤها وَهَذَا قدر. قَوْله: (ضمن الْمقر) مَا أقرّ بِأَخْذِهِ لَهُ لانه أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ، ثمَّ إِنَّه ادّعى مَا يُوجب الْبَرَاءَة وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ بل أَخَذتهَا قرضا، حَيْثُ يكون القَوْل للْمقر كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 أَخَذته عَارِية فَقَالَ بل بيعا فَالْقَوْل للآخذ لانكاره البيع، وَهَذَا إِذا لم يلْبسهُ بَزَّازِيَّة وَالْعلَّة فِي عدم الضَّمَان هُوَ اتِّفَاقهمَا أَن الاخذ كَمَا بالاذن سائحاني. وَلَعَلَّ الْعَارِية محرفة عَن الْوَدِيعَة، لَان اللّبْس فِي الْعَارِية مُبَاح دون الْوَدِيعَة، وَمَعْلُوم أَن الْعَارِية تبيح التَّصَرُّف كَالْبيع، فَلَا يصلح اللّبْس هُنَا فارقا، لَكِن فِي الْبَدَائِع قَالَ: أعرتني ثَوْبك فَهَلَك وَقَالَ الْمقر لَهُ لَا بل غصبته، فَإِن الْهَلَاك بعد اللّبْس يضمن، لَان لبس ثوب الْغَيْر سَبَب لوُجُوب الضَّمَان فِي الاصل، فدعوى الاذن فدعوى بَرَاءَة عَن الضَّمَان فَلَا يثبت إِلَّا بِحجَّة اهـ. قَوْله: (وَهُوَ سَبَب الضَّمَان) قَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى ترده أَي ثمَّ بعد إِقْرَاره بالاخذ ادّعى مَا يُوجب بَرَاءَته، وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَكَانَ القَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِن نكل عَنهُ لَا يلْزم، أما لَو قَالَ لَهُ بعد قَوْله أَخَذتهَا وَدِيعَة بل أَخَذتهَا قرضا يكون القَوْل للْمقر، لانهما تَصَادقا على أَن الاخذ حصل بالاذن، وَهُوَ لَا يُوجب الضَّمَان، ثمَّ إِن الْمَالِك يَدعِي عقد الْقَرْض وَالْمقر يُنكره فَالْقَوْل لَهُ، وَمثله لَو قَالَ أَخَذتهَا بيعا بعد قَوْله مَا تقدم. أَفَادَهُ المُصَنّف وَمثله فِي الْعَيْنِيّ. قَوْله: (أعطيتنيه) قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَمثله دفعتها لي وَدِيعَة وَنَحْوه مِمَّا يكون من فعل الْمقر لَهُ. تَأمل. قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) قَالَ المُصَنّف: لانه لم يقر بِسَبَب الضَّمَان بل أقرّ بالاعطاء وَهُوَ فعل الْمقر لَهُ، فَلَا يكون مقرا على نَفسه بِسَبَب الضَّمَان وَالْمقر لَهُ يَدعِي عَلَيْهِ سَبَب الضَّمَان، وَهُوَ يُنكر وَالْقَوْل قَول الْمُنكر. قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالْفرق أَن فِي الْفَصْل الاول أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ ثمَّ ادّعى مَا يُبرئهُ وَهُوَ الاذن وَالْآخر يُنكره، فَيكون القَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، وَفِي الثَّانِي أضَاف الْفِعْل إِلَى غَيره وَذَلِكَ يَدعِي بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الْغَصْب وَهُوَ يُنكر فَيكون القَوْل للْمُنكر مَعَ الْيَمين. وَمِمَّا يكثر وُقُوعه مَا فِي التاترخانية أَعَرْتَنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّك غَصَبْتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ رَكِبَهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضمن، وَكَذَا دفعتها لي عَارِيَّةً أَوْ أَعْطَيْتَنِيهَا عَارِيَّةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَالَ أَخَذْتُهَا مِنْك عَارِيَّةً وَجَحَدَ الْآخَرُ ضَمِنَ، وَإِذَا قَالَ أَخَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ مِنْك عَارِيَّةً فَقَالَ أَخَذْتَهُ مِنِّي بَيْعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَا لم يلْبسهُ لانه مُنكر الثّمن، فَإِنْ لَبِسَ ضَمِنَ أَعَرْتنِي هَذَا فَقَالَ لَا بَلْ آجَرْتُك لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ بِخِلَافِ قَوْله غصبته حَيْثُ يضمن إِن كَانَ اسْتَعْملهُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْإِشَارَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ الْمُقِرُّ. تَأَمَّلْ. قَوْله: (لاقراره بِالْيَدِ ثمَّ بالاخذ مِنْهُ) أَي ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق بعد فَلَا يصدق بِلَا برهَان. قَوْله: (وَصُدِّقَ مَنْ قَالَ آجَرْتُ فُلَانًا فَرْسَى هَذِهِ الخ) أَقُول صُورَة الْمَسْأَلَة: فِي يَد إِنْسَان فرس أَو ثوب فَقَالَ مُخَاطبا لزيد إِنَّك كنت أجرت أَو أعرت فرسي هَذِه أَو ثوبي هَذَا لعَمْرو فَرده عَمْرو عَليّ وَكذبه عَمْرو: أَي قَالَ لم أستأجره وَلم أستعره فَالْقَوْل للْمقر الَّذِي هُوَ ذُو الْيَد، وَلَا يكون قَوْله لزيد أجرته أَو أعرته إِقْرَارا لزيد بِالْملكِ لقَوْله فرسي أَو ثوبي. تَأمل. ذكره فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 (فَالْقَوْل للْمقر اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَول الامام وَقَالا القَوْل قَول الْمَأْخُوذ مِنْهُ، وَكَذَا الاعارة والاسكان لانه أقرّ لَهُ بِالْيَدِ، ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق وَله أَن الْيَد فِيمَا ذكر لضَرُورَة اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ، فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْيَدِ قصدا فَبَقيت فِيمَا وَرَاء الضَّرُورَة فِي حكم يَد الْمَالِك، بِخِلَاف الْوَدِيعَة وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا، ولان فِي الاجارة وَنَحْوهَا أقرّ بيد من جِهَته فَالْقَوْل لَهُ فِي كيفيتها، وَلم يقر بذا فِي الْوَدِيعَة فَيحْتَمل أَنَّهَا وَدِيعَة بإلقاء الرّيح فِي بَيته حَتَّى لَو قَالَ أودعتها فَهُوَ على الْخلاف، وَلَيْسَ مدَار الْفرق على ذكر الاخذ الْوَدِيعَة وَنَحْوهَا كَمَا توهمه الزَّيْلَعِيّ، لانه ذكر الاخذ فِي لطرف الآخر فِي إِقْرَار. كَذَا فِي التَّبْيِين. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لم يذكر فِي الْقَرْض مَا ذكر فِي الْوَدِيعَة فَكَانَ قاصرا، وَمَا ذكره فِيهَا نَادِر لَا يبتنى عَلَيْهِ حكم إِلَّا أَن يُقَال: اكْتفي بِمَا سَيذكرُهُ بعد فِي تَوْجِيه حكم قَوْله قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَشْمَل الْقَرْض كَمَا لَا يخفى. وَنقل الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة: أَن الْخلاف إِذا لم يكن الْمقر بِهِ مَعْرُوفا للْمقر، وَإِلَّا فَالْقَوْل لَهُ إِجْمَاعًا وَعَزاهُ إِلَى الاسرار، وَفِيه بِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَعْرُوفا بِهِ فَالْقَاضِي لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِشَهَادَة العارفين عِنْده لَا بِمُجَرَّد قَوْله، فَلْيتَأَمَّل. وَإِن قُلْتُمْ: القَاضِي يعلم ذَلِك. قُلْنَا: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ الْآن. وَلَو قَالَ قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ وَأنكر عَلَيْهِ أَخذهَا لانه أقرّ لَهُ بِالْملكِ وَأَنه أَخذ بِحقِّهِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ، إِذْ الدّين يقْضِي بِمثلِهِ وَادّعى مَا يُبرئهُ وَالْآخر يُنكر، بِخِلَاف الاجارة وَنَحْوهمَا لما بَينا، ولانا لَو آخذنا النَّاس بإقرارهم فِيهَا لامتنعوا عَنْهَا وَالْحَاجة ماسة إِلَيْهَا، فَلَا يُؤَاخذ بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج. وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وعَلى هَذَا الْخلاف لَو قَالَ أودعت فلَانا هَذِه الالف ثمَّ أَخَذتهَا مِنْهُ هما يَقُولَانِ أقرّ بِسَبَب يُوجب ضَمَان الرَّد وَادّعى مَا يُبرئهُ فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة، كَمَا لَو قَالَ أخذت مِنْك ألفا كَانَت وَدِيعَة لي عنْدك وَقَالَ الْمَأْخُوذ مِنْهُ بل ملكي، وَأَبُو حنيفَة يَقُول: الاقرار بالاجارة والاعارة والايداع أَولا صَحَّ، لانه أقرّ بِمَا فِي يَده وَلَيْسَ بِحقِّهِ دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فَصَارَ الثَّابِت بالاقرار كثابت عيَانًا، وَلَو عاينا أَنه أعَار أَو آجر أَو أودع ثمَّ أَخذ لَا يلْزمه الرَّد، كَذَا هَاهُنَا، فَأَما إِذا قَالَ أخذت مِنْهُ وَهُوَ كَانَ عِنْده عَارِية أَو إِجَارَة أَو وَدِيعَة، فالاقرار بِهَذِهِ الاشياء لَا يَصح، فَصَارَ كَمَا لَو سكت عَن دَعْوَى الثَّلَاثَة، وَلَو قَالَ فلَان سَاكن فِي هَذِه الدَّار فَالْقَوْل للساكن أَنَّهَا لَهُ، وَلَو قَالَ زرع هَذِه الارض أَو بنى هَذِه الدَّار أَو غرس الْكَرم وَهُوَ بيد الْمقر أَو خاط الْقَمِيص وَلم يقل قَبضته مِنْهُ فَقَالَ بل ملكي فَالْقَوْل للْمقر والاقرار بِالسُّكْنَى إِقْرَار بِالْيَدِ، وَلَو قَالَ ذَا اللَّبن أَو الْجُبْن من بقرته أَو الصُّوف من غنمه أَو التَّمْر من نخله أَو الْعَسَل من نحله وَطَلَبه أَمر بِالدفع إِلَيْهِ. وَفِي الْخَانِية: ولدت أمة فِي يَده وَقَالَ الامة لفُلَان وَالْولد لي فَكَمَا قَالَ، لَان الاقرار بالجارية لَا يكون إِقْرَار بِالْوَلَدِ، بِخِلَاف الْبناء وَنَحْوه، وَكَذَا سَائِر الْحَيَوَان وَالثِّمَار المحرزة فِي الاشجار بِمَنْزِلَة ولد الْجَارِيَة، وَلَو قَالَ لصندوق فِيهِ مَتَاع فِي يَده الصندوق لفُلَان وَالْمَتَاع لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان وَمَا فِيهَا من الْمَتَاع لي فَالْقَوْل لَهُ. مقدسي. قَوْله: (بِخِلَاف الْوَدِيعَة) وَمثلهَا الْقَرْض، لَان الْيَد فيهمَا مَقْصُورَة فَيكون الاقرار بهما إِقْرَارا بِالْيَدِ كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (وعَلى الْمقر ألف مثله للثَّانِي) لَان الاقرار صَحَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 للاول، قَوْله لَا بل وَدِيعَة فلَان إضراب عَنهُ وَرُجُوع، فَلَا يقبل قَوْله فِي حق الاول، وَيجب عَلَيْهِ ضَمَان مثلهَا للثَّانِي لانه أقرّ لَهُ بهَا وَقد أتلفهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بهَا للاول فَيضمن لَهُ. منح. وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الصُّلْحِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَى أَبِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَاف هِيَ لفُلَان الخ) فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ حَيْثُ أقرّ بِأَنَّهُ وَدِيعَة لفُلَان الآخر يَكُونُ ضَامِنًا حَيْثُ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ مِلْكَ الْأَوَّلِ وَلَا يُمكن تَسْلِيمُهَا لِلثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ البيع حَيْثُ يُمكنهُ دَفعهَا لَهُ بهَا هَذَا مَا ظهر. فَتَأمل. وَأَيْضًا لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل. منح. فَرْعٌ: أَقَرَّ بِمَالَيْنِ وَاسْتَثْنَى كُلَّهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا: فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَالَيْنِ وَاحِدًا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ قِيَاسًا وَإِلَى الْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجُلَيْنِ يُصْرَفُ إلَى الثَّانِي مُطْلَقًا، مِثْلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَا لِرَجُلٍ يُصْرَفُ إلَى جِنْسِهِ، وَإِنْ لِرَجُلَيْنِ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء أصلا. تاترخانية عَن الْمُحِيط. قَوْله: (لزمَه أَيْضا) الثَّانِي ألف لانه أقرّ لَهُ بشئ تقبله الذِّمَّة بِأَن كَانَ دينا أَو قرضا وَهِي تقبل حقوقا شَتَّى كَالدّين وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا: قَوْله: (وَعَلِيهِ للثَّانِي مثلهَا) لما تقدم فِي الْوَدِيعَة. قَوْله: (وَلَو كَانَ الْمقر لَهُ وَاحِدًا) وَقد زَاد فِي أحد الاقرارين قدرا أَو وَصفا. قَوْله: (يلْزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وَصفا) أَي سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة لانه حَيْثُ أقرّ بِالْقدرِ الزَّائِد أَو الْوَصْف الْفَاضِل لَا يَصح الرُّجُوع عَنهُ أَو أَخذه، لانه إِن لم يقر بِهِ أَولا فقد أقرّ بِهِ ثَانِيًا وَهَذَا إِذا كَانَ جِنْسا وَاحِدًا، فَلَو كَانَ جِنْسَيْنِ كألف دِرْهَم لَا بل دِينَار لزمَه الالفان. قَوْله: (أَو عَكسه) رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقِيَاس أَن يلْزمه المالان وَبِه قَالَ زفر، كَمَا إِذا اخْتلف جنس الْمَالَيْنِ بِأَن قَالَ لفُلَان ألف دِرْهَم بل ألف دِينَار، فَإِنَّهُ يلْزمه المالان بالاجماع كَمَا قدمنَا. وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن يكون المَال متحدا. وَالثَّانِي: أَن يكون مُخْتَلفا. فَإِن كَانَ متحدا فَإِنَّهُ يلْزمه أفضل الْمَالَيْنِ، سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة كَمَا قدمنَا، فَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوط: إِذا أقرّ لفُلَان بِأَلف دِرْهَم ثمَّ قَالَ بل بِخَمْسِمِائَة فَعَلَيهِ ألف، وَكَذَا لَو قَالَ خَمْسمِائَة بل ألف، وَلَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم بيض لَا بل سود أَو قَالَ سود لَا بل بيض أَو قَالَ جيد لَا بل ردئ أَو ردئ بل جيد فَعَلَيهِ أفضلهما، وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فَعَلَيهِ المالان لَان الْغَلَط لَا يَقع فِي الْجِنْس الْمُخْتَلف عَادَة فرجوعه عَن الاول بَاطِل والتزامه الثَّانِي صَحِيح، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم بل دِينَار لزمَه ودينار، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ كرّ حِنْطَة لَا بل كرّ شعير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 لزمَه الكران. اهـ. كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ) أَي للْمقر لَهُ، قَالَ فِي شرح الملتقي: وَإِن تعدّدت الدُّيُون والودائع، وَلَا يصدق الْمقر لَهُ قَالَ عنيت بَعْضهَا اهـ. قَوْله: (وَحقّ الْقَبْض للْمقر) فَيَأْخُذ مَا ذكر ويدفعه للْمقر لَهُ. قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى: وَلَو جحد الْمُودع ضمن للْمقر لَهُ إِذا تلف. قَوْله: (برِئ) أَي إِذا أقرّ الْمقر أَنه أذن لَهُ. كَذَا فِي شرح الْمُلْتَقى. قَوْله: (لكنه مُخَالف الخ) هَذَا الاستدارك وجيه ومؤيد لَا يقبل التَّغْيِير، وَرُبمَا كلمة لي فِي الْخُلَاصَة من زِيَادَة النَّاسِخ، وَلذَا لم تُوجد فِي الْوَدِيعَة بعده، لَكِن كَلَام الْحَاوِي يُؤَيّد الزِّيَادَة، وَزِيَادَة الْحَاوِي وجيهة على مَا ظهر لي حَيْثُ إِن الْعبْرَة لآخر الْكَلَام. قَوْله: (لما مر الخ) أَي أَوَائِل كتاب الاقرار عِنْد قَول المُصَنّف جَمِيع مَالِي أَو مَا أملكهُ هبة لَا إِقْرَار وَقدمنَا الْجَواب عَن ذَلِك والتوفيق بِمَا يشفي الغليل، فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (إِن أضَاف إِلَى نَفسه كَانَ هبة) أَي فيراعي شُرُوطهَا وَلَا يكون إِقْرَارا لانه إِخْبَار، وَقَضِيَّة الاضافة إِلَى نَفسه مُنَافِيَة لَهُ فَيكون هبة. قَوْله: (فَيلْزم التَّسْلِيم) لَان هبة الدّين لَا تصح مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَّا إذَا سلط على قَبضه. قَوْله: (وَلذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدسِي) عِبَارَته كَمَا فِي الْمنح قَالَ: الدّين الَّذِي لي على زيد فَهُوَ لعَمْرو وَلم يُسَلِّطهُ على الْقَبْض لَكِن قَالَ وَاسْمِي فِي كِتَابِ الدَّيْنِ عَارِيَّةٌ صَحَّ، وَلَو لم يقل هَذَا لم يَصح اهـ. فَهُوَ من غير ذكر لفظ لَو، واستفيد من هَذَا أَنه لَو سلطه على قَبضه أَو قَالَ هَذِه الْجُمْلَة صَحَّ على أَنه إِقْرَار وَإِلَّا يَصح إِقْرَارا بل هبة. قَوْله: (قَالَ المُصَنّف وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَصِحَّ هُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْمُعْتَبرَات، خلافًا للخلاصة. حَاصله: أَنه إنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ وَلَكِنْ قَالَ اسْمِي فِيهِ عَارِيَّةٌ يَصِحُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هِبَةً وَعَلَى الثَّانِي إقْرَارًا، وَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ. قَوْلَهُ: وَاسْمِي عَارِيَّةٌ لِيَكُونَ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ إضَافَةِ النِّسْبَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَتْنِ وَيَكُونُ إطْلَاقًا فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي جَعْلِهِ إقْرَارًا وَلَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ الْمَارَّ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ الصَّدَاقُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي مِلْكُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا قِيلَ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا. وَالْبَرَاءَةُ أَظْهَرُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَرْغِينَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَة الاقرار، فَيكون الابراء ملاقيا لمحله اهـ. أَي فَإِنَّ هُنَا الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَكَانَ إقْرَارُهَا لَهُ هِبَةً بِلَا تسليط على الْقَبْض. وَأعَاد الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ وَاسْتَشْكَلَهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ زَوَالَ الْإِشْكَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاغْتَنِمْهُ. قَوْله: (فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى) الْعبْرَة لما فِي عَامَّة كتب الْمَذْهَب، وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر، وَقَالُوا: إِذا أضَاف المَال إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ عَبدِي هَذَا لفُلَان يكون هبة على كل حَال، وَإِن لم يضف إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ هَذَا المَال لفُلَان يكون إِقْرَارا اهـ. وَهَذِه الْمَسْأَلَة ذكرهَا ابْن وهبان حَيْثُ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 وَمن قَالَ ديني ذَا لذا صَحَّ دَفعه إِلَى ذَا وَذَا حَيْثُ التصادق يذكر قَالَ شارحها عبد الْبر: مَسْأَلَة الْبَيْت من التَّتِمَّة وَغَيرهَا قَالَ الْمقر لَهُ بِالدّينِ إِذا أقرّ أَن الدّين لفُلَان وَصدقه فلَان صَحَّ، وَحقّ الْقَبْض للاول دون الثَّانِي، لَكِن مَعَ هَذَا لَو أدّى إِلَى الثَّانِي برِئ، وَجعل الاول كوكيل، وَالثَّانِي كموكل. اهـ. وَظَاهره أَنه يكون لفُلَان بِمُجَرَّد التصادق وَإِن لم يقل اسْمِي عَارِية، وَلم يُسَلط الْمقر لَهُ على قَبضه، فَكَانَ هَذَا التصادق مُفِيدا لملك الْمقر لَهُ، وَكَانَ الْمقر كَالْوَكِيلِ عَن الْمقر لَهُ، وَإِن حمل مَا فِي الْحَاوِي على أَن الْمقر لَهُ كَانَ ساكتا، وَمَسْأَلَة الْبَيْت فِيمَا إِذا وجد مِنْهُ تَصْدِيق حصل التوافق وَزَالَ التَّنَافِي وَالِاضْطِرَاب، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. بَاب إِقْرَار الْمَرِيض وَجه تَأْخِيره ظَاهر، لانه عَارض وإفراده فِي بَاب على حِدة لاختصاصه بِأَحْكَام على حِدة، ولان فِي بَعْضهَا اخْتِلَافا. قَالَ فِي نور الْعين: وَمن الامور المعترضة على الاهلية الْمَرَض، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة وجوب الحكم حتما لله تَعَالَى أَو للْعَبد، وَلَا لاهلية الْعبارَة حَتَّى صَحَّ نِكَاح الْمَرِيض وطلاقه وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالعبارة، وَلَكِن الْمَرَض لما كَانَ سَبَب الْمَوْت وَالْمَوْت عجز خَالص كَانَ الْمَرَض من أَسبَاب الْعَجز فشرعت الْعِبَادَات على الْمَرِيض بِقدر الْقُدْرَة، وَلما كَانَ الْمَوْت عِلّة خلَافَة الْوَارِث والغرماء فِي المَال كَانَ الْمَرَض من أَسبَاب تعلق حق الْوَارِث والغريم بِمَالِه فَيكون الْمَرَض من أَسبَاب الْحجر على الْمَرِيض بِقدر مَا يتَعَلَّق بِهِ صِيَانة للحقين، إِذا اتَّصل الْمَرَض بِالْمَوْتِ مُسْتَندا إِلَى أول الْمَرَض، حَتَّى لَا يُورث الْمَرَض فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق غَرِيم، ووارث كَنِكَاح بِمهْر الْمثل حَيْثُ يَصح مِنْهُ لانه من الْحَوَائِج الاصلية وحقهم يتَعَلَّق فِيمَا فضل عَنْهَا، فَيصح فِي الْحَال كل تصرف يحْتَمل الْفَسْخ كَهِبَة وَبيع بمحاباة، ثمَّ ينْتَقض إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ، وَمَا لَا يحْتَمل النَّقْض جعل كمعلق بِالْمَوْتِ كإعتاق إِذا وَقع على حق غَرِيم أَو ورث، بِخِلَاف إِعْتَاق الرَّاهِن حَيْثُ ينفذ، لَان حق الْمُرْتَهن فِي ملك الْيَد دون الرَّقَبَة اهـ. قَوْله: (يَعْنِي مرض الْمَوْت) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن أل للْعهد، وَلما كَانَت أل تحْتَمل الِاسْتِغْرَاق وَغَيره فَسرهَا بيعني وَكَانَ الْمقَام أَي. قَوْله: (مر فِي طَلَاق الْمَرِيض) وَهُوَ قَوْلَهُ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ أَضْنَاهُ مَرَضٌ عَجَزَ بِهِ عَنْ إِقَامَة مَصَالِحه خَارج الْبَيْت أَو بارز رجلا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ بَقِيَ عَلَى لَوْحٍ مِنْ السَّفِينَةِ أَوْ افترسه سبع وَبَقِي فِي فِيهِ، وَلَا يَصح تبرعه إِلَّا من الثُّلُث اهـ. وَمِنْه: لَو قدمه ظَالِم ليَقْتُلهُ، وَمِنْه: لَو تلاطمت الامواج وَخيف الْغَرق فَهُوَ كَالْمَرِيضِ: أَي وَمَات من ذَلِك كُله كَمَا قَيده ثمَّة وأوضحه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، فَرَاجعه. قَوْله: (وسيجئ فِي الْوَصَايَا) حَيْثُ قَالَ الْمُؤلف هُنَاكَ: قيل مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِحَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَعَلِيهِ اعْتمد فِي التَّجْرِيد. بَزَّازِيَّة. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ. قُهُسْتَانِيُّ عَنْ هبة الذَّخِيرَة. اهـ. وَاخْتَارَهُ صَاحب الْهِدَايَة فِي التَّجْنِيس. لَكِن فِي الْمِعْرَاجِ: وَسُئِلَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ عَنْ حَدِّ مَرَضِ الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ، وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِك على قَول الفضلي، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ خَارِجَ الدَّارِ وَالْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا دَاخِلَ الدَّار لصعود السَّطْح وَنَحْوه اهـ. وَهَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَصَححهُ الزَّيْلَعِيّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي طَالَتْ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهَا الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَيَّرَتْهُ ذَا فِرَاشٍ وَمَنَعَتْهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَاب الْمُتُون والشروح هُنَا تَأمل. قَالَ فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة: مَنْ بِهِ بَعْضُ مَرَضٍ يَشْتَكِي مِنْهُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَخْرُجُ إلَى السُّوقِ وَيَقْضِي مَصَالِحه لَا يكون بِهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَإِذَا بَاعَ لِوَارِثِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَا يتَوَقَّف على إجَازَة بَاقِي الْوَرَثَة اهـ. وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك مفصلا فِي المحلين الْمَذْكُورين. قَوْله: (إِقْرَاره بدين لاجنبي) المُرَاد بالاجنبي من لم يكن وَارِثا وَإِن كَانَ ابْن ابْنه. قَوْله: (نَافِذ من كل مَاله) لَكِنْ يَحْلِفُ الْغَرِيمُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيم، وَمثله فِي قَضَاء الاشباه. قَوْله: (بأثر عمر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا أقرّ الْمَرِيض بدين جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ فِي جَمِيع تركته، والاثر فِي مثله كالخبر لانه من المقدرات، فَلَا يتْرك بِالْقِيَاسِ فَيحمل على أَنه سَمعه من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ولان قَضَاء الدّين من الْحَوَائِج الاصلية لَان فِيهِ تَفْرِيغ ذمَّته وَرفع الْحَائِل بَينه وَبَين الْجنَّة فَيقدم على حق الْغُرَمَاء كَسَائِر حَوَائِجه، لَان شَرط تَعْلِيق حَقهم الْفَرَاغ من حَقه، وَلِهَذَا يقدم كَفنه عَلَيْهِم، وَالْقِيَاس أَن لَا ينفذ إِلَّا من الثُّلُث، لَان الشَّرْع قصر تصرفه على الثُّلُث وعلق حق الْوَرَثَة بالثلثين، فَكَذَا إِقْرَاره. كَذَا فِي الزَّيْلَعِيّ. وَفِيه: ولانه لَو لم يقبل إِقْرَاره لامتنع النَّاس عَن مُعَامَلَته حذرا من إتواء مَالهم فينسد عَلَيْهِم طَرِيق التِّجَارَة أَو المداينة اهـ. وَفِي بعض النّسخ بأثر ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: وَهِي الْمُوَافقَة لما فِي الاتقاني عَن الْمَبْسُوط. أَقُول: وَفِي البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا مَا نَصه: وَيذكر أَن شريحا وَعمر بن عبد الْعَزِيز وطاوسا وَعَطَاء وَابْن أذينة أَجَازُوا إِقْرَار الْمَرِيض بدين اهـ. فَلَعَلَّ مُرَاد الشَّارِح بأثر عمر هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز قَوْله: (وَلَو بِعَين فَكَذَلِك) قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْمنح: قَوْله إِقْرَاره بدين لَيْسَ احْتِرَازًا عَن الْعين لَان إِقْرَاره لَهُ بهَا صَحِيح. قَالَ فِي مجمع الفتاوي إِذا أقرّ الْمَرِيض لاجنبي بِجَمِيعِ مَاله صَحَّ، وَلَو أقرّ لغير الْوَارِث بِالدّينِ يَصح وَلَو أحَاط بِجَمِيعِ مَاله، وَبِه نَأْخُذ. وفيهَا: الْمَرِيض الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دين إِذا أقرّ بِجَمِيعِ مَاله صَحَّ إِقْرَاره وَلَا يتَوَقَّف على إجَازَة الْوَرَثَة، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُث عِنْد عدم الاجازة، وَقد ذكر الزَّيْلَعِيّ: لَو كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يَصح إِقْرَاره بدين وَلَا بِعَين فِي يَده لآخر فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة وَالْمَرَض بِأَسْبَاب مَعْلُومَة اهـ. قَوْله: (إِلَّا إِذا علم تملكه) أَيْ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَهَا فِي زَمَنِ مَرَضِهِ. قَوْله: (فيتقيد بِالثُّلثِ) أَي فَيكون إِقْرَاره لَهُ تَمْلِيكًا لَهُ وَالتَّمْلِيك فِي الْمَرَض وَصِيَّة، وَهُوَ معنى مَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ أَن إِقْرَاره بِالْعينِ للاجنبي صَحِيح إِن كَانَ إِقْرَاره حِكَايَة، وَإِن كَانَ بطرِيق الِابْتِدَاء يَصح من الثُّلُث كَمَا فِي فُصُول الْعِمَادِيّ. وَقد سُئِلَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: عَن المُرَاد بالحكاية والابتداء. فَأجَاب: بِأَن الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مَا يَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ إقْرَارٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بِأَنْ يَعْلَمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ، كَمَا يَقَعُ أَنَّ الانسان يُرِيد أَن يتَصَدَّق على فَقير وَلكنه يعرض عَنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 بَين النَّاس، وَإِذا خلا بِهِ تصدق عَلَيْهِ كي لَا يُحْسَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلَ مِنْهُمْ إيذَاءٌ فِي الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ مَا، وَأَمَّا الْحِكَايَةُ فَهِيَ على حَقِيقَة الاقرار. اهـ. وَقَول الْمَقْدِسِي: بِأَن يعلم الخ، يُفِيد إِطْلَاقه أَن التَّقْيِيد من الْمُؤلف. قَوْله: فِي مَرضه اتفاقي ط. قَالَ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يصدقهُ الْوَرَثَة اهـ. وَهَكَذَا فِي عَامَّة الْمُعْتَمدَة الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ: أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ لَا يَجُوزُ حِكَايَةً وَلَا ابْتِدَاءً، وَإِقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ حِكَايَةً مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَابْتِدَاءً مِنْ ثلث المَال. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْمَشَايِخُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مَا يَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ إقْرَارٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بِأَنْ يَعْلَمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِك إِظْهَار على الْمقر لَهُ، وكما يَقع لبَعض أَن يتَصَدَّق على فَقير الخ. وَأما الْحِكَايَة فَهُوَ على حَقِيقَة الاقرار، وَبِهَذَا الْفرق أجَاب الْعَلامَة الْمَقْدِسِي، وَنَقله عَن السَّيِّد الْحَمَوِيّ كَمَا نَقله الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة جَامع الْفُصُولَيْنِ. أَقُولُ: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ. أَقَرَّ الصَّحِيحُ بِعَبْدٍ فِي يَدِ أَبِيهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ مَرِيضٌ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُتَرَدِّدٌ بَين أَن يَمُوت الابْن أَولا فَيبْطل، أَو الْأَبُ أَوَّلًا فَيَصِحَّ، فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ الْمُبْتَدَإِ فِي الْمَرَض. قَالَ أستاذنا: فَهَذَا كالتنصيص أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُهُ إيَّاهُ فِي حَالِ مَرضه مَعْلُوما حَتَّى أمكن جعل إِقْرَاره إِظْهَارًا أَي لحق الْمقر لَهُ لَا تَمْلِيكًا، فَأَمَّا إذَا عُلِمَ تَمَلُّكُهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ ثُلُثِ المَال. قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: وَأَنه حسن من حَيْثُ الْمَعْنى اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا قَيَّدَ حَسَنَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ فِي مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَكَانَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ صَحِيحًا مُطْلَقًا، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. مُعِينُ الْمُفْتِي. وَنَقَلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَام طَوِيل فَالَّذِي تحرر مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَشَمِلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَالْمُتُونُ لَا تَمْشِي غَالِبًا إلَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِت: مَتى اخْتلف التَّرْجِيح رجح إِطْلَاق مَا فِي الْمُتُون اهـ. وَقد علمت أَن التَّفْصِيل مُخَالف لما أطْلقُوا، وَإِنْ حَسَّنَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا الرِّوَايَةُ اهـ. فقد عَلِمْتَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُصَنِّف لم يرتضه المُصَنّف. أَقُول: حَاصِل هَذَا الْكَلَام: أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِكُل مَاله، لكنه مَشْرُوط بِمَا إِذا لم يعلم أَنه ابْتِدَاء تمْلِيك فِي الْمَرَض كَمَا إِذا علم أَن مَا أقرّ بِهِ إِنَّمَا دخل فِي ملكه فِي مَرضه، كَمَا إِذا أقرّ فِي مرض مَوته بشئ لاجنبي لم يعلم تملكه لَهُ فِي مَرضه، وَلم يكن عَلَيْهِ دين الصِّحَّة، فَإِن إِقْرَاره بِأَنَّهُ ملك فلَان الاجنبي دَلِيل على أَنه ابْتِدَاء تمْلِيك، كَمَا يَقع كثيرا فِي زَمَاننَا من أَن الْمَرِيض يقر بالشئ لغيره إِضْرَارًا لوَارِثه، فَإِذا علم ذَلِك تقيد بِثلث مَاله، وَهُوَ معنى قَول الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَابْتِدَاء من ثلث مَاله، لَكِن أَنْت خَبِير بِأَن الْمُعْتَمد أَن الاقرار إِخْبَار لَا تمْلِيك، وَأَن الْمقر لَهُ بشئ إِذا لم يَدْفَعهُ لَهُ الْمقر بِرِضَاهُ لَا يحل لَهُ أَخذه ديانَة إِلَّا إِذا كَانَ قد ملك ذَلِك بِنَحْوِ بيع أَو هبة وَإِن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 كَانَ يحكم لَهُ بِأَنَّهُ ملكه بِنَاء على ظَاهر الامر، وَإِن الْمقر صَادِق فِي إِقْرَاره، فعلى هَذَا إِذا علمنَا أَن هَذَا الْمقر كَاذِب فِي إِقْرَاره وَأَنه قصد بِهِ ابْتِدَاء تمْلِيك فبالنظر إِلَى الدّيانَة لَا يملك الْمقر لَهُ شَيْئا مِنْهُ، وبالنظر إِلَى الْقَضَاء فِي ظَاهر الشَّرْع يحكم لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَا وَجه لتخصيص نفاذه من الثُّلُث، لانا حَيْثُ صدقناه فِي إِقْرَاره فِي ظَاهر الشَّرْع لزم نفاذه من كل مَاله، وَإِن أحَاط بِهِ، فَلِذَا أطلق أَصْحَاب الْمُتُون والشروح نَفاذ الاقرار للاجنبي من كل المَال، فَلَيْسَ فِيمَا ذكره فِي الْقنية شئ من الْحسن، لَا من حَيْثُ الْمَعْنى وَلَا من حَيْثُ الرِّوَايَة، وَلَا يكون فِيهِ تأييد لما ذكره من الْفرق إِلَّا أَن يحمل الاقرار الْمَزْبُور على الْهِبَة، وَهِي فِي الْمَرَض وَصِيَّة لكنه يشْتَرط فِيهَا التَّسْلِيم، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى ملكه كَانَ هبة، فعلى هَذَا فَيمكن حمل مَا ذكر على الْوَصِيَّة حَيْثُ كَانَ الْمقر فِي ذكر الْوَصِيَّة، فَلَا يشْتَرط التَّسْلِيم، وَإِلَّا حمل على الْهِبَة وَاشْترط التَّسْلِيم كَمَا علمت، وَهَذَا كُله أَيْضا حَيْثُ أضَاف مَا أقرّ بِهِ إِلَى نَفسه كَقَوْلِه دَاري أَو عَبدِي لفُلَان، بِخِلَاف قَوْله هَذِه الدَّار أَو العَبْد لفُلَان وَلم يكن مَعْلُوما للنَّاس بِأَنَّهُ ملك الْمقر، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمكن حمله على التَّمْلِيك بطرِيق الْهِبَة أَو الْوَصِيَّة، لانه يكون مُجَرّد إِقْرَار وَهُوَ إِخْبَار لَا تمْلِيك كَمَا فِي الْمُتُون والشروح. وَمَا نقل عَن الْقنية مَحْمُول على إِنَّه إنْشَاء تمْلِيك ابْتِدَاء، وَلذَا قيد نفاذه بِكَوْنِهِ من الثُّلُث، إِلَّا أَن يُقَال: إِن إِقْرَار هَذَا الابْن كَانَ إِخْبَارًا فِي حَال صِحَّته لكنه لما دخل العَبْد فِي ملكه وَهُوَ مَرِيض وَلَزِمَه تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالة اعْتبر تَبَرعا فِي الْمَرَض فتقيد بِالثُّلثِ. وَمَا نقل عَن الْعمادِيَّة فَالْمُرَاد بِهِ الاقرار بالابراء عَن الْعين: يَعْنِي أَنه إِذا أقرّ الْمَرِيض أَنه أَبْرَأ وَارثه عَن دين لَهُ عَلَيْهِ لَا يَصح حِكَايَة بِأَن يسند الابراء إِلَى حَال الصِّحَّة، وَلَا ابْتِدَاء بِأَن يقْصد إبراءه الْآن. وَأما الاجنبي إِذا حكى أَنه أَبرَأَهُ فِي الصِّحَّة يجوز من كل المَال، وَإِذا ابْتَدَأَ إبراءه الْآن لَا على سَبِيل الْحِكَايَة فَمن الثُّلُث لانه تبرع. وَمَا نقل عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَنه لم يجز فَصرحَ فِي الْجَوْهَرَة بِأَنَّهُ أَي من كل المَال، وَإِنَّمَا يجوز من الثُّلُث، وَعَلِيهِ فَلَا فرق فِي إِقْرَاره بإبراء الاجنبي بَين كَونه حِكَايَة أَو ابْتِدَاء، حَيْثُ ينفذ من الثُّلُث، بِخِلَاف الاقرار بِقَبض الدّين مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْكل كَمَا مر اهـ. مُلَخصا من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. أَقُول: لَكِن فِي قَوْله فِي صدر الْعبارَة وَإِن أقرّ لوَارث فَهُوَ بَاطِل فِيهِ نظر، لَان الْبَاطِل لَا تلْحقهُ الاجارة، فَيتَعَيَّن أَن يُقَال إِنَّه مَوْقُوف لَا بَاطِل. تَأمل. وَفِي الْمجلة من الْمَادَّة 1061: الاقرار لاجنبي صَحِيح من جَمِيع المَال فِي مرض الْمَوْت إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين الصِّحَّة، وَلم يعلم أَن الْمقر ملكه بِسَبَب هبة أَو إِرْث أَو شِرَاء من مُدَّة قريبَة، وَأما إِذا علم أَن الْمَرِيض كَانَ ملكه بِسَبَب مِمَّا ذكر وَكَانَ قريب عهد فِي تملكه، فَيكون من الثُّلُث، سَوَاء حمل على الْوَصِيَّة إِن كَانَ فِي مذاكرة الْوَصِيَّة، وَإِلَّا فعلى الْهِبَة إِذا كَانَ مَعْلُوما ذَلِك عِنْد كثير من النَّاس. قَوْلُهُ: (فِي مُعِينِهِ) وَهُوَ مُعِينُ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ. قَوْله: (وَأخر الارث عَنهُ) لَان قَضَاء الدّين من الْحَوَائِج الاصلية، لَان فِيهِ تَفْرِيغ ذمَّته وَرفع الْحَائِل بَينه وَبَين الْجنَّة كَمَا قدمنَا فَيقدم على حق الْوَرَثَة. قَوْله: (وَدين الصِّحَّة مُطلقًا) سَوَاء علم بِسَبَب مَعْرُوف أَو بِإِقْرَارِهِ، سَوَاء كَانَ لوَارث أم لَا بِعَين أَو بدين ط. قَوْله: (وَدين) مُبْتَدأ خَبره جملَة قدم، وَيصِح جَرّه، والاول قَول الشَّارِح فِي الْفَرَائِض: وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ إنْ جهل سَببه وَإِلَّا فسيان. قَوْله: (وَمَا لزمَه فِي مَرضه بِسَبَب مَعْرُوف) وَإِنَّمَا سَاوَى مَا قبله لانه لما علم سَببه انْتَفَت التُّهْمَة عَن الاقرار. منح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 قَالَ فِي الْمَبْسُوط: إِذا اسْتقْرض مَالا فِي مَرضه وعاين الشُّهُود دفع الْمقْرض المَال إِلَى الْمُسْتَقْرض أَو اشْترى شَيْئا بِأَلف دِرْهَم وعاين الشُّهُود قبض الْمَبِيع أَو تزوج امْرَأَة بِمهْر مثلهَا أَو اسْتَأْجر شَيْئا بمعاينة الشُّهُود، فَإِن هَذِه الدُّيُون تكون مُسَاوِيَة لديون الصِّحَّة، وَذَلِكَ لانها وَجَبت بِأَسْبَاب مَعْلُومَة لَا مرد لَهَا، ولانه بالقرض وَالشِّرَاء لم يفوت على غُرَمَاء الصِّحَّة شَيْئا لانه يزِيد فِي التَّرِكَة مِقْدَار الدّين الَّذِي تعلق بهَا، وَمَتى لم يتَعَرَّض لحقوقهم بالابطال نفذ مُطلقًا اهـ. جلبي وَفِي التَّعْلِيل الثَّانِي نظر لاحْتِمَال اسْتِهْلَاك مَا اقترضه أَو مَا اشْتَرَاهُ ط قَوْله: (أَو بمعاينة قَاض) هَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَرْجُوح كَمَا مر مرَارًا. قَوْله: (قدم على مَا أقرّ بِهِ فِي مر ض مَوته) حَتَّى لَو أقرّ من عَلَيْهِ دين فِي صِحَّته فِي مَرضه لاجنبي بدين، أَو عين مَضْمُونَة أَو أَمَانَة بِأَن قَالَ مُضَارَبَة أَو وَدِيعَة أَو غصب يقدم دين الصِّحَّة، وَلَا يَصح إِقْرَاره فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة، فَإِن فضل شئ من التَّرِكَة يصرف إِلَى غُرَمَاء الْمَرَض. إتقاني. وَإِنَّمَا قدم عَلَيْهِ، لَان الْمَرِيض مَحْجُور عَن الاقرار بِالدّينِ مَا لم يفرغ عَن دين الصِّحَّة، فالدين الثَّابِت بِإِقْرَار الْمَحْجُور لَا يزاحم الدّين الثَّابِت بِلَا حجر، كَعبد مَأْذُون أقرّ بدين بعد حجره، فَالثَّانِي لَا يزاحم الاول. حموي. وَفِيه: وَلنَا أَن حق غُرَمَاء الصِّحَّة تعلق بِمَال الْمَرِيض مرض الْمَوْت فِي أول مَرضه لانه عجز عَن قَضَائِهِ من مَال آخر، فالاقرار فِيهِ صَادف حق غُرَمَاء الصِّحَّة فَكَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ ومدفوعا بِهِ. قَوْله: (وَلَو الْمقر بِهِ وَدِيعَة) أَي لم يتَحَقَّق ملكه لَهَا فِي مَرضه، وَإِلَّا كَانَت وَصِيَّة. قَوْله: (وَعند الشَّافِعِي الْكل سَوَاء) لانه إِقْرَار لَا تُهْمَة فِيهِ لانه صادر عَن عقد والذمة قَابِلَة للحقوق فِي الْحَالين، وَلنَا أَن الْمَرِيض مَحْجُور عَن الاقرار بِالدّينِ مَا لم يفرغ عَن دين الصِّحَّة، فالدين الثَّابِت بِإِقْرَار الْمَحْجُور لَا يزاحم الدّين الثَّابِت بِلَا حجر، كَعبد مَأْذُون أقرّ بِالدّينِ بعد الْحجر، فَالثَّانِي لَا يزاحم الاول. دُرَر. وَالْحَاصِل: أَن الدّين الثَّابِت قبل الْحجر لَا يزاحمه الثَّابِت بعده، وَلَكِن مَا لَو علم مِنْهُ سَبَب بِلَا إِقْرَار يلْحق بالثابت قبل الْحجر فيؤخر عَنْهُمَا الثَّابِت بِمُجَرَّد الاقرار، ثمَّ الدّين الثَّابِت بِالسَّبَبِ نَوْعَانِ: نوع لَو قبض صَاحبه من الْمَرِيض ذَلِك لَا يُشَارِكهُ فِيهِ صَاحب دين الصِّحَّة كالمقرض وَالْمَبِيع فِيهِ. وَنَوع: يُشَارك فِيهِ مَعَه كمهر قَبضته الْمَرْأَة وَأُجْرَة قبضهَا الْآجر كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان، وَأُجْرَة مَسْكَنه ومأكله وملبسه، وَمِنْه أدويته وَأُجْرَة طبيبه من النَّوْع الاول لَو قبضت لَا يشاركها الْغُرَمَاء وَالْمهْر من النَّوْع الثَّانِي، وَلم يعد من التَّبَرُّعَات لَان النِّكَاح من الْحَوَائِج الاصلية كَمَا مر وَيَأْتِي. قَوْله: (كَنِكَاح مشَاهد) أَي للشُّهُود، وَإِنَّمَا جعل النِّكَاح من جملَة مَا يجب تَقْدِيمه لانه من الْحَوَائِج الاصلية كَمَا مر، وَإِن كَانَت رَابِعَة لشيخ فان، لَان النِّكَاح فِي أصل الْوَضع من مصَالح الْمَعيشَة، والاصل الْوَضع لَا الْحَال لَان الْحَال مِمَّا لَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (أما الزِّيَادَة فباطلة) أَي مَا لم تجزها الْوَرَثَة لانها وَصِيَّة لزوجته الوارثة، فَافْهَم. قَوْله: (وَبيع مشَاهد) إِنَّمَا يكون مشاهدا بِالْبَيِّنَةِ على مَا تقدم. قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ) بِخِلَافِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي حَبْسِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَرِيضِ، وَمُفَادُهُ أَن تَخْصِيص الصَّحِيح صَحِيح كَمَا فِي حَجْرِ النِّهَايَةِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى. قَوْلُهُ: (دين بعض الْغُرَمَاء) وَلَو غُرَمَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 لتَعلق حق كل الْغُرَمَاء بِمَا فِي يَده، وَالتَّقْيِيد بالمريض يُفِيد أَن الْحر غير الْمَحْجُور لَا يمْنَع من ذَلِك. قَالَ فِي الدُّرَر: وَلم يجز تَخْصِيص غَرِيم بِقَضَاء دينه، وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه لَو أَدَّاهُ شَاركهُ الْغُرَمَاء الآخر، بِخِلَاف قَوْله وَلَيْسَ لَهُ الخ، فَإِنَّهُ يحْتَمل، وَيدل على ذَلِك قَول الشَّارِح فَلَا يسلم لَهما. قَوْله: (فَلَا يسلم) بِفَتْح اللَّام المخففة من السَّلامَة. قَوْله: (لَهما) بَلْ يُشَارِكُهُمَا غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَسُكْنَى الدَّارِ لَا يَصْلُحُ لتَعلق حَقهم بِعَين التَّرِكَة، فَكَانَ تَخْصِيصُهُمَا إبْطَالًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِثْلُ مَا نَقَدَ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَعْنَى التَّرِكَة لَا بالصورة، فَإِذا حصل لَهُ مثله لَا يعد تفويتا كَمَا فِي الْكِفَايَة وَهَذَا فِي الاجرة المستوفية الْمَنْفَعَة. أما إِذا كَانَت الاجرة مَشْرُوطَة التَّعْجِيل وَامْتنع من تَسْلِيم الْعين الْمُؤجرَة حَتَّى يقبض الاجرة فَهِيَ كَمَسْأَلَة ثمن الْمَبِيع الْآتِيَة الَّذِي امْتنع من تَسْلِيمه حَتَّى يقبض ثمنه. قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الخ) وَذَلِكَ لَان الْمَرِيض إِنَّمَا منع من قَضَاء دين بعض الْغُرَمَاء لما فِيهِ من إِسْقَاط حق البَاقِينَ، فَإِذا حصل للْغُرَمَاء مثل مَا قضى وَلم يسْقط من حَقهم شئ جَازَ الْقَضَاء، ولان حق الْغُرَمَاء فِي معنى التَّرِكَة لَا فِي عينهَا كَمَا مر. فَإِذا اشْترى عبدا وأوفى ثمنه من التَّرِكَة فَمَعْنَى التَّرِكَة حَاصِل لَهُم لم يسْقط مِنْهُ شئ فَجَاز مَا فعله ط. قَوْله: (لَو بِمثل الْقيمَة) وَالزِّيَادَة تبرع فَهِيَ وَصِيَّة. قَوْلُهُ: (أَيْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقَرْض وَالشِّرَاء. قَوْله: (بِخِلَاف اعطاء الْمهْر وَنَحْوه) أَي كإيفاء أُجْرَة عَلَيْهِ، وذكرهما ليُفِيد الحكم فيهمَا وَفِيمَا ذكره المُصَنّف بعد. قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: الْمَرِيض إِذا تزوج امْرَأَة وَأَعْطَاهَا مهرهَا يسْتَردّ مِنْهَا مَا أخذت وَيكون بَين الْغُرَمَاء بِالْحِصَصِ، وَالْمَرْأَة وَاحِدَة مِنْهُم، بِخِلَاف ثمن الْمَبِيع، فَإِن الثّمن يسلم للدافع: أَي للْبَائِع الَّذِي دفع السّلْعَة، أما إِذا لم يَدْفَعهَا فَإِن لَهُ حَبسهَا حَتَّى يقبض الثّمن على كل حَال، وَلَكِن ينظر الْفرق بَين الْمهْر وبذل الاجرة وَبَين ثمن الْمَبِيع وَالْقَرْض، وَالْفرق أَن الْمهْر تبرع من وَجه وصلَة وَعرض من وَجه، فباعتبار مَا فِيهِ من الْمُعَاوضَة تشارك الْغُرَمَاء، وَبِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الصِّلَة والتبرع يسْتَردّ مَا أَخَذته فِي الْمَرَض والاجرة بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة دين فِي ذمَّة الْمُسْتَأْجر فساوت بِقِيمَة الدُّيُون، أما قَضَاء مَا اسْتقْرض فِي مَرضه لَا يسْتَردّ دفعا للْحَرج، لَان الْمقْرض إِذْ علم عدم وفائه فِي الْمَرَض يمْتَنع عَن إقراضه، وَكَذَا البَائِع فَيلْحق الْمَرِيض الْحَرج، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. قَوْله: (وَمَا إِذا لم يؤد) أَي وَبِخِلَاف مَا إِذا لم يؤد بدل مَا اسْتقْرض أَو ثمن مَا اشْترى فِي الْمَرَض. قَوْله: (فَإِن البَائِع) أَي والمقرض. قَوْله: (أُسْوَة) بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَبِهِمَا قرئَ فِي السَّبع. قَوْله: (فِي الثّمن) الاولى أَن يَقُول فِي التَّرِكَة. قَوْله: (كَانَ أولى) فتباع وَيقْضى من ثمنهَا مَاله، فَإِن زَاد رده فِي التَّرِكَة، وَإِن نقص حاصص بنقصه كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (أقرّ الْمَرِيض الخ) وَلَو للْمَرِيض على الْوَارِث دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ وَجَبَ الدّين بِصِحَّتِهِ أَوْ لَا عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ أَوْ لَا. فصولين. قَوْله: (ثمَّ أقرّ بدين) وَقد تساوى الدينان صِحَة أَو مَرضا. قَوْله: (للاستواء) فِي الثُّبُوت فِي ذمَّة الْمقر. قَوْله: (وَلَو أقرّ بدين ثمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 بوديعة تحاصا) لانه لما بَدَأَ بالاقرار بِالدّينِ تعلق حق الْغَرِيم بالالف الَّتِي فِي يَده، فَإِذا أقرّ أَنَّهَا وَدِيعَة يُرِيد أَن يسْقط حق الْغَرِيم عَنْهَا فَلَا يصدق إِلَّا أَنه قد أقرّ بوديعة تعذر تَسْلِيمهَا بِفِعْلِهِ، فَصَارَت كالمستهلكة فَتكون دينا عَلَيْهِ، ويساوي الْغَرِيم الآخر فِي الدّين وَلَو أقرّ بوديعة ثمَّ بدين، فَصَاحب الْوَدِيعَة أولى بهَا لانه لما بَدَأَ بالوديعة ملكهَا الْمقر لَهُ بِعَينهَا، فَإِذا أقرّ بدين لم يجز أَن يتَعَلَّق بِمَال الْغَيْر ط عَن الْحَمَوِيّ. قَوْله: (وبعكسه الْوَدِيعَة أولى) يَعْنِي أَن الالف الْمعِين يصرف للوديعة من غير محاصصة فِيهِ، لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِهَا عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، ثُمَّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ شَاغِلًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ. بَزَّازِيَّة. وَالْحَاصِل: أَن فِي الصُّورَة الاولى يتحاصان، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة ينْصَرف للوديعة من غير تحاصص وَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ، وَإِقْرَاره بِمَال فِي يَده إِنَّه بضَاعَة أَو مُضَارَبَة حكمه مسَاوٍ للوديعة كَمَا فِي الْبَدَائِع. قَوْله: (وإبراؤه مديونه وَهُوَ مديون) أَي بمستغرق قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ، فَإِنْ لم يكن مديونا وَأَبْرَأ الاجنبي فَهُوَ نَافِذ من الثُّلُث كَمَا فِي الْجَوْهَرَة. قَالَ أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه مَا نَصه: لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل يُقيد أَن لَا يبْقى لَهُ من المَال الفارغ عَن الدّين مَا يُمكن خُرُوج الْقدر المبرأ من ثلثه، وَلَا بُد من قيد آخر وَهُوَ أَن يكون لَهُ وَارِث وَلم يجز. قَوْله: (للتُّهمَةِ) علله أَو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه بقوله: لَان إِبْرَاء الْوَارِث فِي مرض مَوته وَصِيَّة، وَهِي للْوَارِث لَا تجوز مَا لم يجز الْوَارِث الآخر، لَكِن الشَّارِح تبع الْمنح، والاظهر مَا نَقَلْنَاهُ عَن أبي السُّعُود. قَوْله: (إِن كَانَ أَجْنَبِيًّا) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ كَفِيلًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ، إذْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَلَو أقرّ بِاسْتِيفَائِهِ دَيْنَهُ مِنْهُ صُدِّقَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْوَلوالجِيَّة. قَوْله: (وَإِن كَانَ وَارِثا فَلَا يجوز) أَي سَوَاءٌ كَانَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَصَالَةً أَوْ كَفَالَةً، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ وَاحْتِيَالِهِ بِهِ على غَيره. فصولين. قَوْله: (وحيلة صِحَّته الخ) قَالَ فِي الاشباه: وَهِي الْحِيلَة فِي إِبْرَاء الْمَرِيض وَارثه مرض مَوته، بِخِلَاف قَوْله أَبْرَأتك فَإِنَّهُ يتَوَقَّف كَمَا فِي حيل الْحَاوِي الْقُدسِي، وعَلى هَذَا لَو أقرّ الْمَرِيض بذلك لاجنبي لم تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بشئ من الْوَارِث، فَكَذَا إِذا أقرّ بشئ لبَعض ورثته كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (يَشْمَل الْوَارِث وَغَيره) صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: مَرِيضٌ لَهُ عَلَى وَارِثِهِ دَيْنٌ فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك شئ ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً اهـ. وَيَنْبَغِي لَو ادّعى الْوَارِث الآخر أَن الْمُقِرُّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى عَلَيْهِ ديونا ومالا ووديعة فَصَالَحَ الطَّالِبُ عَلَى يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدعى عَلَيْهِ شئ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِي عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذَكَرْنَا فَبَرْهَنَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّ أَبَانَا قصد حرماننا بِهَذَا الاقرار تسمع. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ، لَكِنْ فرق فِي الاشباه بِكَوْنِهِ مُتَّهمًا فِي هَذِه الْإِقْرَارِ لِتَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ عَلَى التُّهْمَةِ. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 قُلْت: وَكَثِيرًا مَا يَقْصِدُ الْمُقِرُّ حِرْمَانَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي زَمَانِنَا، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ الْقَرِينَة مِنْ الصَّرِيحِ، فَعَلَى هَذَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ عَلَى قِيَامِ الْحَقِّ على الْمقر لَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ فَيحلف، وَالنَّفْي عبر عَنهُ فِي الْبَحْر هُنَا بالاقرار، وَتارَة عبر عَنهُ بالابراء فِي أول الاقرار، وَفِي الصُّلْح، وَكَذَا البزازي، وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْمَتْن إِمَّا إِقْرَار أَو إِبْرَاء، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ والشروح، فَمَا فِي الْمَتْن هُنَا غَرِيب لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَصِيرَ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ الْإِرْثِ الجبري مَعَ ضعفه، ويوضحه مَا لَو قَالُوا قصد حرماننا بذلك تسمع دَعوَاهُم كَمَا سَمِعت وَيَأْتِي، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (صَحِيح قَضَاء لَا ديانَة) لانه فِي الدّيانَة لَا يجوز إِذا كَانَ بِخِلَاف الْوَاقِع، وَنَفس الامر بِأَن كَانَ لَهُ فِي الْوَاقِع عَلَيْهِ شئ لاستلزامه إِيثَار بعض الْوَرَثَة، وحرمان الْبَعْض، إِذْ لَو قَالَ طابق الْوَاقِع إِقْرَاره بِأَن لم يكن عَلَيْهِ شئ لصَحَّ قَضَاء وديانة كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (إِلَّا الْمهْر) أَي إِذا قَالَت فِي مرض مَوتهَا لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو لم يكن لي عَلَيْهِ مهر. قَوْله: (على الصَّحِيح) مُقَابِله مَا فِي الْمنح عَن الْبَزَّازِيَّة معزيا إِلَى حيل الْخصاف قَالَت فِيهِ: لَيْسَ على زَوجي مهر أَو قَالَ فِيهِ لم يكن لي على فلَان شئ يبرأ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ اهـ. قَوْله: (لظُهُور أَنه عَلَيْهِ غَالِبا) لَعَلَّ المُرَاد مَا تعورف تأجليه غَالِبا. تَأمل قَوْله (بِخِلَاف) رَاجع إِلَى. قَوْله: (فَلَا يَصح) . قَوْله: (فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى زَوْجِهَا فِيهِ) اعْلَم أَن صَاحب الاشباه استنبط هَذِه الْمَسْأَلَة من مَسْأَلَة الاقرار الْمصدر بِالنَّفْيِ، وَقَالَ: إِن هَذَا الاقرار مِنْهَا: أَي الْبِنْت بِمَنْزِلَة قَوْلهَا لَا حق لي فِيهِ، فَيصح وَلَيْسَ من قبيل الاقرار بِالْعينِ للْوَارِث لانه فِيمَا إِذا قَالَ هَذَا لفُلَان، فَلْيتَأَمَّل وَيُرَاجع الْمَنْقُول اهـ. وَأقرهُ على ذَلِك المُصَنّف فِي منحه حَيْثُ قَالَ: وَفِي التاترخانية من بَاب إِقْرَار الْمَرِيض معزيا إِلَى الْعُيُون: ادّعى على رجل مَالا وأثبته وأبرأه لَا تجوز بَرَاءَته إِن كَانَ عَلَيْهِ دين، وَكَذَا لَو أَبْرَأ الْوَارِث لَا يجوز سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لَا، وَلَو أَنه قَالَ لم يكن لي على هَذَا الْمَطْلُوب شئ ثمَّ مَاتَ جَازَ إِقْرَاره فِي الْقَضَاء اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة معزيا إِلَى حيل الْخصاف قَالَت فِيهِ: لَيْسَ لي على زَوجي مهر وَقَالَ فِيهِ لم يكن لي على فلَان شئ يبرأ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ. اهـ. وفيهَا قبله وإبراء الْوَارِث لَا يجوز فِيهِ. قَالَ فِيهِ: لم يكن لي عَلَيْهِ شئ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا عَلَيْهِ شَيْئا فِي الْقَضَاء، وَفِي الدّيانَة لَا يجوز هَذَا الاقرار، وَفِي الْجَامِع أقرّ الابْن فِيهِ أَنه لَيْسَ لَهُ على وَالِده شئ من تَرِكَة أمه صَحَّ، بِخِلَاف مَا لَو أَبرَأَهُ أَو وهبه، وَكَذَا لَو أقرّ بِقَبض مَاله مِنْهُ اهـ. وَبِهَذَا علم صِحَة مَا أفتى بِهِ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر: فِيمَا لَو أقرَّت الْبِنْت فِي مرض مَوتهَا بِأَن الامتعة الْفُلَانِيَّة ملك أَبِيهَا لَا حق لَهَا فِيهَا أَنه يَصح، وَلَا تسمع دَعْوَى زَوجهَا فِيهَا مُسْتَندا إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد خَالفه فِي ذَلِك شَيخنَا أَمِين الدّين بن عبد العال الْمصْرِيّ، وَأفْتى بِعَدَمِ الصِّحَّة مُسْتَندا إِلَى عَامَّة مَا فِي الْمُعْتَبرَات من أَن الاقرار للْوَارِث لَا يَصح، وَكثير من النقول الصَّحِيحَة يشْهد بِصِحَّة هَذَا: أَي إِفْتَاء صَاحب الْبَحْر، وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الاقرار لوَارث كَمَا لَا يخفى. قَالَ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة معزيا للذخيرة قَوْلهَا فِيهِ لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 لَا شئ لي عَلَيْهِ أَو لم يكن لي عَلَيْهِ مهر قيل يَصح، وَقيل لَا يَصح، وَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح. اهـ. لَان هُنَا فِي خُصُوص الْمهْر لظُهُور أَنه عَلَيْهِ غَالِبا، وكلامنا فِي غير الْمهْر، وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضا مَا ذكره فِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا بعده: ادّعى عَلَيْهِ مَالا وديونا ووديعة فَصَالح مَعَ الطَّالِب على شئ يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لم يكن لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ شئ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا على الْمُدعى عَلَيْهِ بشئ، وَإِن برهنوا على أَنه كَانَ لمورثنا عَلَيْهِ أَمْوَال لكنه قصد بِهَذَا الاقرار حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذَكَرْنَا فَبَرْهَنَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّ أَبَانَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا بِهَذَا الاقرار وَكَانَ عَلَيْهِ أَمْوَال تسمع اهـ. لكَونه مُتَّهمًا فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ، وَالْكَلَامُ عِنْد عدم قرينَة على التُّهْمَة وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. مَا ذكره فِي الْمنح. وَأقرهُ على ذَلِك الشَّارِح كَمَا ترى، قَالَ محشيه الْفَاضِل الْخَيْر الرَّمْلِيّ قَوْله: وَبِهَذَا علم صِحَة مَا أفتى بِهِ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر الخ. أَقُول: لَا شَاهد على ذَلِك مِمَّا تقدم، وَحَيْثُ كَانَت الامتعة فِي يَد الْبِنْت المقرة لَا يَصح إِقْرَارهَا بهَا لابيها، يدل عَلَيْهِ مَا صرح بِهِ الزَّيْلَعِيّ وَغَيره من أَنه لَو أقرّ بِعَين فِي يَده لآخر لَا يَصح فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة، وَإِذا لم يَصح فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة لَا يَصح فِي حق بَقِيَّة الْوَرَثَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الحكم لشمُول الْعلَّة وَهِي التُّهْمَة لَهما، وَمَا قدمه من قَوْله بِخِلَاف إِقْرَاره بِأَن هَذَا العَبْد لفُلَان، فَإِنَّهُ كَالدّين فَإِذا كَانَ كَالدّين فَكيف يَصح الاقرار بِهِ للْوَارِث، أما عدم شَهَادَة مَا تقدم لَهُ فبيانه أَن قَوْله لَيْسَ لي على فلَان أَو لم يكن لي عَلَيْهِ دين مُطَابِقٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ خُلُوِّ ذِمَّتِهِ عَن دينه فَلم يكن من بَاب الاقرار لَهُ، فَصَارَ كَاعْتِرَافِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِ زَيْدٍ بِأَنَّهَا لِزَيْدٍ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى وَالِدِهِ شئ مِنْ تَرِكَةِ أُمِّهِ، وَلَيْسَ لِي عَلَى زَوْجِي مهر على القَوْل الْمَرْجُوح، وَقد علمت أَن الاصح أَنه لَا يَصح، بِخِلَاف الامتعة الَّتِي بيد المقرة، فَإِنَّهُ إِقْرَار بهَا لِلْوَارِثِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ على الْملك الْيَد، فقد أقرَّت بِمَا هُوَ ملكهَا ظَاهرا لوارثها فَأنى يَصح وأنى تَنْتفِي التُّهْمَة؟ وَقَوله وَكثير من النقول الصَّحِيحَة نشْهد بِصِحَّة هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الاقرار لوَارث غير صَحِيح، لانا لم نجد فِي النقول الصَّحِيحَة وَلَا الضعيفة مَا يشْهد بِصِحَّتِهِ، وَوجدنَا النقول مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِ الْمقر كالاقرار بِالدّينِ، وَلم يبعد عَهْدك بنقلها وَقَول صَاحب الْبَحْر وَلَا يُنَافِيهِ الخ. أَقُول: بل يفهم مِنْهُ عدم الصِّحَّة بالاولى، وَذَلِكَ لانه إِذا لم يَصح فِيمَا مِنْهُ الاصل بَرَاءَة الذِّمَّة، فَكيف يَصح فِيمَا فِيهِ الْملك مشَاهد؟ ظَاهرا بِالْيَدِ نعم، لَو كَانَت فِي الامتعة يَد الاب هِيَ الْمُشَاهدَة لَا يَد الْبِنْت، فَلَا كَلَام فِي الصِّحَّة، فَالْحق مَا أفتى بِهِ ابْن عبد العال، وَيدل أَيْضا لصِحَّة مَا قُلْنَا مَا فِي شرح الْقَدُورِيّ الْمُسَمّى بمجمع الرِّوَايَة من قَوْله قَالَ فِي حَاشِيَة الْهِدَايَة: قَوْله وَإِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه لَا يَصح إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة، هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن إِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه إِذا كَانَ هُنَا وراث آخر غير الْمقر لَهُ إِنَّمَا لَا يَصح لَا لعدم الْمَحَلِّيَّة بل لحق بَقِيَّة الْوَرَثَة، فَإِذا لم يكن لَهُ وَارِث غير الْمقر لَهُ صَحَّ إِقْرَاره، دلّ عَلَيْهِ مَا ذكر فِي الدِّيات إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَتركت زوجا وعبدين لَا مَال لَهَا غَيرهمَا فأقرت أَن هَذَا العَبْد بِعَيْنِه وَدِيعَة لزَوجهَا عِنْدهَا، ثمَّ مَاتَت فَذَلِك جَائِز وَيكون العَبْد للزَّوْج بالاقرار بالوديعة وَالْعَبْد الآخر مِيرَاث نصفه للزَّوْج وَنصفه لبيت المَال اهـ. فَهَذَا صَرِيح فِي أَنه إِذا كَانَ هُنَاكَ وَارِث غير الزَّوْج وَغير بَيت المَال لَا يَصح إِقْرَارهَا بِالْعَبدِ للزَّوْج، وَأي فرق بَين قَول الْبِنْت هَذِه الامتعة الَّتِي بيَدي أَو فِي بَيْتِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 ملك أبي لَا حق لي فِيهَا، وَبَين قَول الزَّوْجَة هَذَا العَبْد ملك زَوجي، فَإِن كَانَ زِيَادَة لَا حق لي فِيهَا فَهَذَا نفى حَقّهَا الْمشَاهد بِالْيَدِ ظَاهرا بعد إثْبَاته للاب. وَبِه لَا يخرج عَن كَونه إِقْرَارا للْوَارِث بِعَين فِي يَده، فَتَأمل اهـ مَا ذكره الشَّيْخ خير الدّين الرَّمْلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى، فالعجب من الشَّارِح مَعَ قَول شَيْخه الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الاشباه أَيْضا: أَن كل مَا أَتَى بِهِ من الشواهد لَا يشْهد لَهُ مَعَ تصريحهم بِأَن إِقْرَار الْمَرِيض بِعَين فِي يَده لوَارِثه لَا يَصح، وَلَا شكّ أَن الامتعة الَّتِي بيد الْبِنْت، وملكها فِيهَا ظَاهر بِالْيَدِ إِذا قَالَت هِيَ ملك أبي لَا حق لي فِيهَا إِقْرَار بِالْعينِ للْوَارِث، بِخِلَاف قَوْله لم يكن لي عَلَيْهِ شئ أَو لَا حق لي عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لي عَلَيْهِ شئ وَنَحْوه من صور النَّفْي لتمسك النَّافِي فِيهِ بالاصل، فَكيف يسْتَدلّ بِهِ على مدعاه، ويجعله صَرِيحًا فِيهِ. ثمَّ قَالَ: وَقد خَالفه فِي ذَلِك عُلَمَاء عصره بِمصْر، وأفتوا بِعَدَمِ الصِّحَّة، وَمِنْهُم وَالِد شَيخنَا الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال. وَبعد هَذَا الْبَحْث والتحرير رَأَيْت شيخ شَيخنَا شيخ الاسلام الشَّيْخ عَليّ الْمَقْدِسِي رد على الْمُؤلف: أَي صَاحب الاشباه كَلَامه، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي على هَامِش نُسْخَة الاشباه والنظائر، فقد ظهر الْحق واتضح وَللَّه الْحَمد والْمنَّة اهـ كَلَام الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَيْضا. وَتَبعهُ السَّيِّد الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه، وَكَذَلِكَ رد عَلَيْهِ الْعَلامَة جوي زَاده كَمَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَنهُ فِي هَامِش نُسْخَتي الاشباه، ورد عَلَيْهِ أَيْضا الْعَلامَة البيري وَقَالَ بعد كَلَام: وَعَلِيهِ فَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال لمفت وَلَا لقاض بِمَا أفتى بِهِ من صِحَة الاقرار للْوَارِث بالعروض فِي مرض الْمَوْت الْوَاقِع فِي زَمَاننَا، لَان الْخَاص وَالْعَام يعلمُونَ أَن الْمقر مَالك لجَمِيع مَا حوته دَاره لَا حق فِيهِ للْمقر لَهُ بِوَجْه من الْوُجُوه، وَإِنَّمَا قصد حرمَان بَاقِي الْوَرَثَة: أَي تُهْمَة بعد هَذِه التُّهْمَة يَا عباد الله اهـ. وَكَذَا رد عَلَيْهِ الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الحائك مفتي دمشق الشَّام سَابِقًا حَيْثُ سُئِلَ: فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنْ لَا حق لَهُ فِي الامتعة الْمَعْلُومَة مَعَ بنته وَملكه فِيهَا ظَاهر؟ فَأجَاب بِأَن الاقرار بَاطِل عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَلَوْ مُصَدَّرًا بِالنَّفْيِ خلافًا للاشباه وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ اهـ. وَكَذَا رد عَلَيْهِ شَيخنَا السائحاني وَغَيره. وَالْحَاصِل كَمَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَن الْعَلامَة جوي زَاده: أَن الامتعة إِن كَانَت فِي يَد الْبِنْت فَهُوَ إِقْرَار بِالْعينِ للْوَارِث بِلَا شكّ، وَإِن لم تكن فِي يَدهَا فَهُوَ صَحِيح، وَبِه يشْعر كَلَام الْخَيْر الرَّمْلِيّ الْمُتَقَدّم، وَصرح بِهِ أَيْضا فِي حَاشِيَته على الْمنح، وَأطَال فِي الرَّد على الاشباه كَمَا علمت. مطلب: الاقرار للْوَارِث مَوْقُوف إِلَّا فِي ثَلَاث فَإِن قلت: قد ذكر الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي عَن الاشباه أَن إِقْرَاره للْوَارِث مَوْقُوف إِلَّا فِي ثَلَاث مِنْهَا: إِقْرَاره كلهَا الخ، وَقَول الْبِنْت هَذَا الشئ لابي إِقْرَار بالامانة بالامانات فَيصح وَإِن كَانَ فِي يَدهَا. قلت: المُرَاد يَصح إِقْرَارهَا بِقَبض الامانة الَّتِي لَهُ عِنْد وَارثه، لَان صَاحب الاشباه ذكر عَن تَلْخِيص الْجَامِع أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ مَوْقُوفٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً، أَوْ بِقَبْضِ مَا قَبضه الْوَارِث بِالْوكَالَةِ من مديونه. ثمَّ قَالَ فِي الاشباه: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا وَلَوْ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكل أَنه لَيْسَ فِيهِ إيثارا لبَعض اهـ: يَعْنِي أَن الْوَدِيعَة فِي قَوْله أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً غير قيد، بل يَنْبَغِي أَن يلْحق بهَا الامانات كلهَا فَيكون إِقْرَاره بقبضها كإقراره بِقَبض الْوَدِيعَة، وَيُؤَيّد هَذَا الْبَحْث مَا قدمْنَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 عَن نور الْعين من قَوْله: مَرِيض عَلَيْهِ دين مُحِيط بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ وَكذبه الْمُورث يقبل قَول الْوَارِث اهـ. فقد تبين لَك أَنه لَيْسَ المُرَاد إِقْرَاره بأمانة عِنْده لوَارِثه، بل المُرَاد مَا قُلْنَا فَتنبه لذَلِك، فَإِنِّي رَأَيْت من يُخطئ فِي ذَلِك مَعَ أَن النقول صَرِيحَة بِأَن إِقْرَاره لوَارِثه بِعَين غير صَحِيح كَمَا مر، ثمَّ إِن مَا ذكره فِي الاشباه من اسْتثِْنَاء الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الظَّاهِر أَنه يَسْتَغْنِي عَنهُ بِالثَّانِيَةِ، لَان الْمَرِيض إِذا كَانَ لَهُ دين على أَجْنَبِي فَوكل الْمَرِيض وَارثه بِقَبض الدّين الْمَذْكُور فَقَبضهُ صَار ذَلِك الَّذين أَمَانَة فِي يَد الْوَارِث، فَإِذا أقرّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ لَهُ بِقَبض مَا كَانَ لَهُ أَمَانَة عِنْده، لَان المَال فِي يَد الْوَكِيل أَمَانَة. تَأمل. وَقد ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ صُورَة الْمَسْأَلَة الاولى من الْمسَائِل الثَّلَاث فَقَالَ: صُورَتَهَا أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ، إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَات وَلَا يدْرِي مَا صنع كَانَت فِي مَاله، فَإِذا أقرّ بإتلافه فَأولى اهـ. قَوْله عِنْد الشُّهُود قيد بِهِ لتَكون الْوَدِيعَة معرفَة بِغَيْر إِقْرَاره، وَلِهَذَا قيد فِي الاشباه بقوله الْمَعْرُوفَة، فَيدل على أَنه لَو أقرّ بإهلاك وَدِيعَة لوَارِثه وَلَا بَيِّنَة على الايداع لَا يقبل قَوْله، وَبِه تعلم مَا فِي عبارَة المُصَنّف وَالشَّارِح من الْخلَل حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لَهُ: أَيْ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ جَائِز. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِث فاستهلكتها. جَوْهَرَة اهـ. فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: بِخِلَاف إِقْرَاره لَهُ باستهلاك وَدِيعَة معرفَة فَإِنَّهُ جَائِز فاغتنم ذَلِك. قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الاشباه الخ) أَقُول: وَقد خَالفه عُلَمَاء عصره، وأفتوا بِعَدَمِ الصِّحَّة كَمَا علمت. وَقد كتب الْعَلامَة الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه فِي الرَّد على عبارتها فَقَالَ: كل مَا أَتَى بِهِ المُصَنّف: أَي صَاحب الاشباه لَا يشْهد لَهُ مَعَ تصريحهم بِأَن إِقْرَاره بِعَين فِي يَده لوَارِثه لَا يَصح، وَلَا شكّ أَن الامتعة الَّتِي بيد الْبِنْت ملكهَا فِيهَا ظَاهر بِالْيَدِ، فَإِذا قَالَت هِيَ ملك أبي لَا حق لي فِيهَا، فَيكون إِقْرَارا بِالْعينِ للْوَارِث، بِخِلَاف قَوْله لم يكن لي عَلَيْهِ شئ أَو لَا حق لي عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لي عَلَيْهِ شئ وَنَحْوه من صُورَة النَّفْي لتمسك النَّافِي فِيهِ بالاصل، فَكيف يسْتَدلّ بِهِ على مدعاه ويجعله صَرِيحًا فِيهِ. وَذكر الشَّيْخ صَالح فِي حَاشِيَته على الاشباه متعقبا لصَاحِبهَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا نَصه: أَقُول: مَا ذكره المُصَنّف هُنَا لَا يخرج عَن كَونه إِقْرَارا للْوَارِث بِالْعينِ، وَهُوَ غير صَحِيح، وَبِه أفتى شيخ الاسلام أَمِين الدّين، وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلا تَحت صور النَّفْي الَّتِي ذكرهَا مستدلا بهَا. وَقَالَ أَخُو الْمُؤلف الشَّيْخ عمر بن نجيم: لَا يخفى مَا فِي إِقْرَارهَا من التُّهْمَة خُصُوصا إِذا كَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا خُصُومَة كتزوجه عَلَيْهَا. وَقَالَ البيري: الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ بِالْعَيْنِ بِصِيغَةِ النَّفْي، وَلَا نزاع فِي عدم صِحَة ذَلِك للْوَارِث فِي مرض الْمَوْت، وَمَا اسْتندَ لَهُ المُصَنّف مَفْرُوض فِي إِقْرَار بِصِيغَة النَّفْي فِي دين لَا فِي عين، وَالدّين وصف قَائِم بِالذِّمةِ وَإِنَّمَا يصير مَالا بِاعْتِبَار قَبضه اهـ. وَقَول المُصَنّف: وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الاقرار للْوَارِث فِيهِ نظر. قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمَا تَصَادَقَا فِي الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِلْأَجْنَبِيِّ بِحِصَّتِهِ لَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَال: إِنَّه على اخْتِلَاف، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 على قَول مُحَمَّد كَمَا هُوَ قَوْلهمَا اهـ. لَهما أَن الاقرار إِخْبَار، وَلَا يَصح أَن ينفذ على خلاف الْوَجْه الَّذِي أقرّ بِهِ، فَإِذا أقرّ مُشْتَركا لَا يُمكن أَن ينفذ غير مُشْتَرك. وَفِي أَحْكَام الناطفي: لَو أقرّ لاثْنَيْنِ بِأَلف فَرد أَحدهمَا وَقبل الآخر فَلهُ النّصْف. قَوْله: (بِعَين) قيست على الدّين الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وَمِثَال الْعين أَن يقر الْمَرِيض بِأَن هَذِه الْعين وَدِيعَة وأرثي أَو عاريته أَو غصبتها أَو رهنتها مِنْهُ. قَوْله: (بَطل) أَي على تَقْدِير عدم الاجازة، وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوف اهـ. منح لكنه لَو طلب سلم إِلَيْهِ، ثمَّ إِن مَاتَ لَا يرد لاحْتِمَال صِحَة الاقرار بالتحاق صِحَة الْمَرِيض اهـ. حموي عَن الرَّمْز. قَوْله: (وَلَنَا حَدِيثُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بدين) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، لَكِن فِي الْمَبْسُوط أَن الزِّيَادَة شَاذَّة وَلذَلِك تَركهَا فِي الدُّرَر، وَالْمَشْهُور: لَا وَصِيَّة لوَارث، ولدلالة نفي الْوَصِيَّة على نفي الاقرار لَهُ بِالطَّرِيقِ الاولى، لَان بِالْوَصِيَّةِ إِنَّمَا يذهب ثلث المَال، وبالاقرار يذهب كُله، فإبطالها إبِْطَال للاقرار بِالطَّرِيقِ الاولى كَمَا فِي المنبع. فَظهر أَن مَا يُقَال الْمُدَّعِي عدم جَوَاز الاقرار وَالدَّلِيل على عدم جَوَاز الْوَصِيَّة. فَالصَّوَاب مَا أَتَى بِهِ صَاحب الْهِدَايَة سَاقِط غَايَته أَن الدَّلِيل لم ينْحَصر على عبارَة النَّص كَمَا صرح بِهِ فِي الاصول. قَوْله: (إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِإِجَازَتِهِمْ قَبْلَهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِنْ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِضِدِّهِ، وَأَجَابَ بِهِ ابْنُهُ نِظَامُ الدِّينِ وحفيده عِمَادُ الدِّينِ. ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ شَرْحُ الْمُلْتَقَى. وَفِي النعيمية: إذَا صَدَّقَ الْوَرَثَةُ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يُحْتَاجُ لِتَصْدِيقِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَعَزَاهُ لِحَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَالَ: فَلَمْ تُجْعَلْ الْإِجَازَةُ كَالتَّصْدِيقِ، وَلَعَلَّه لانهم أقرُّوا اهـ. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة مِسْكين: وَكَذَا لَو كَانَ لَهُ دين على وَارثه فَأقر بِقَبْضِهِ لَا يَصح، إِلَّا أَن يصدقهُ الْبَقِيَّة. زَيْلَعِيّ. فَإِذا صدقوه فِي حَيَاة الْمقر فَلَا حَاجَة إِلَى التَّصْدِيق بعد الْمَوْت، بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِمَا زَاد على الثُّلُث حَيْثُ لَا تنفذ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة بعد موت الْمُوصي حموي اهـ. أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون على هَذَا المنوال رضَا الْغُرَمَاء قبل مَوته. تدبر. وَأَقُول: وَكَذَا وقف بَيْعه لوَارِثه على إجازتهم كَمَا قدمه فِي بَاب القضولي، وَأَشَارَ فِي الخزانة إِلَى أَنهم قَالُوا أجزنا إِقْرَاره فِي حَيَاته فَلهم الرُّجُوع: أَي فَلَا مُخَالفَة لَان التَّصْدِيق كصريح الاقرار، بِخِلَاف الاجازة. قَوْله: (فَلَو لم يكن وَارِث آخر) أَي ذُو فرض أَو تصعيب أَو رحم محرم. قَوْله: (أَو أوصى لِزَوْجَتِهِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَكَذَا فِي عَكسه كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي بعض النّسخ وَأوصى بِدُونِ ألف، وَهِي الاولى لانه تَصْوِير للْوَصِيَّة للْوَارِث الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَارِث غَيره، وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر بِغَيْر أحد الزَّوْجَيْنِ لما قَالَه من أَن غَيرهمَا فرضا وردا. قَوْله: (صحت الْوَصِيَّة) وَلَو كَانَ مَعهَا بَيت المَال لما أَنه غير وَارِث، بل يوضع فِيهِ المَال على أَنه مَال ضائع لَا بطرِيق الارث، فَلَا يُعَارضهُ الْوَصِيَّة والاقرار وَلَا الْمُحَابَاة، كَمَا أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ آخر الْوَصَايَا، قَالَ فِيهَا: وَحَيْثُ لَا وَارِث نفذت محاباتها مَعَ زَوجهَا بِلَا توقف، وَلَو أوصت بِكُل مَا لَهَا نفذت وصيتها لَهُ، لَكِن قد يُقَال: إِن مَا ذكره الشَّارِح أَنه لَا يُوَافق مَسْأَلَة المُصَنّف، لَان موضوعها الاقرار لَا بملاحظة أَن هَذَا الاقرار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 يكون وَصِيَّة بِدَلِيل قَوْله: إِلَّا أَن يصدقهُ الْوَرَثَة فَإِنَّهُ يَصح الاقرار، وَإِن لم يكن وَارِث آخر. وَالْحَاصِل: أَن الْمَسْأَلَة فِي حد ذَاتهَا صَحِيحَة، إِلَّا أَنَّهَا لَا توَافق مَسْأَلَة المُصَنّف لما ذكرنَا. تَأمل. قَوْله: (وَأما غَيرهمَا) أَي غير الزَّوْجَيْنِ وَلَو كَانَ ذَا رحم. شرنبلالية. قَوْله: (فرضا وردا) الْمُنَاسب زِيَادَة أَو تعصيبا ط. قَوْله: (فَلَا يحْتَاج لوَصِيَّة شرنبلالية) وَالْحَاصِل أَن إِقْرَار الْمَرِيض لوارثة لَا يَصح إِذا كَانَ هُنَاكَ وَارِث آخر غير الْمقر لَهُ لَا لعدم الْمَحَلِّيَّة بل لحق الْوَرَثَة، فَإِذا لم يكن لَهُ وَارِث آخر غير الْمقر لَهُ صَحَّ إِقْرَاره. قَوْله: (أقرّ بوقف الخ) هَذَا كَلَام مُجمل يحْتَاج إِلَى بَيَان، ذكر الشَّارِح الْعَلامَة عبد الْبر عَن الْخَانِية: رجل أقرّ فِي مَرَضِهِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ إنَّ أَقَرَّ بِوَقْفٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعِتْقِ عَبده، وَإِن مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إنْ صَدَّقَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَو ورثته جَازَ فِي الْكل، وَإِن لم يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ من الثُّلُث. وَفِي منية الْمُفْتِي مثله. وَسَوَاء أسْند الْوَقْف إِلَى حَال الصِّحَّة أَو لم يسند فَهُوَ من الثُّلُث، إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة أَو يصدقوه فِي الاسناد إِلَى الصِّحَّة، وَلَو كَانَ الْمسند إِلَيْهِ مَجْهُولا أَو مَعْرُوفا وَلم يصدق وَلم يكذب أَو مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ إِلَّا بَيت المَال فَالظَّاهِر أَن يكون من الثُّلُث، لَان التَّصْدِيق مِنْهُ أَو من الْوَارِث شَرط فِي كَونه من جَمِيع المَال، وَفرع عَلَيْهِ صَاحب الْفَوَائِد أَنه لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان فِيمَا إِذا كَانَ لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال، وَهَذَا مَنْقُول من كَلَام شَيخنَا وَإِن قَالَ الطرسوسي تفقها اهـ. بِتَصَرُّف. وَفِي شرح الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَإِن أجَاز ورثته أَو صدقوه فَهُوَ من جَمِيع المَال، لَان مظهر بِإِقْرَارِهِ لَا منشئ، فَلَو لم يكن للْغَيْر وَارِث. قَالَ المُصَنّف: لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان، كَذَا أطلقهُ. قلت: وَهَذَا فِي الْوَقْف لَا على جِهَة عَامَّة ظَاهر لتَضَمّنه إِقْرَاره على غَيره وَإِبْطَال حق الْعَامَّة، وَأما الْوَقْف على جِهَة عَامَّة فَيصح تَصْدِيق السُّلْطَان كإنشائه لما تقدم من صِحَة وقف السُّلْطَان شَيْئا من بَيت المَال على جِهَة عَامَّة، ثمَّ لَا يخفى أَن الْمقر لم يسْندهُ لغيره وَلم يكن لَهُ وَارِث تجوز إجَازَة السُّلْطَان، وَمن لَهُ بَيت المَال. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة. وَلنَا فِيهِ رِسَالَة. وَلَا يعْمل بِمَا فهمه الطرسوسي كَمَا نَقله المُصَنّف عَنهُ من أَنه يكون من الثُّلُث مَعَ عدم اعْتِبَار تَصْدِيق السُّلْطَان أَنه نَافِذ من كل المَال ط. قَوْله: (فَلَو على جِهَة عَامَّة) كبناء القناطر والثغور. قَوْله: (صَحَّ تَصْدِيق السُّلْطَان) لَان لَهُ أَن يفعل ذَلِك من بَيت المَال، وَمن حكى أمرا يملك استئنافه صدق. قَوْله: (وَكَذَا لَو وقف) أَي أنشأ وَقفا فِي مرض مَوته وَلَا وَارِث لَهُ على جِهَة عَامَّة فَإِنَّهُ ينفذ من الْجَمِيع بِتَصْدِيق السُّلْطَان. قَوْله: (خلافًا لمن زَعمه الطرسوسي) هُوَ يَقُول: لَو لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان، بل يكون من الثُّلُث كَمَا يُؤْخَذ من شرح الْوَهْبَانِيَّة لعبد الْبر السَّابِقَة، وَوجه فَسَاد مَا زَعمه الطرسوسي أَن الْوَقْف وَالْحَالة هَذِه وَصِيَّة وَهِي مُقَدّمَة على بَيت المَال، بل لَا يحْتَاج ذَلِك لتصديق السُّلْطَان. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِقْرَارُ وَلَوْ وصلية. قَوْله: (إِقْرَار بِقَبض دينه أَو غصبه) بِأَن أقرّ أَنه قبض مَا غصبه وَارثه مِنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَا من كَفِيل وَارثه، وَلَو أقرّ لوَارِثه وَقت إِقْرَار وَوَقْتَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، لَا عِنْد مُحَمَّد وَيَأْتِي تَمَامه، وَقُيِّدَ بِدِينِ الْوَارِثِ احْتِرَازًا عَنْ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إِقْرَار بِاسْتِيفَائِهِ، وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ، سَوَاءٌ وَجَبَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ الثّمن أَوْ لَا كَبَدَلِ صُلْحِ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوه، وَلَو دينا وَجب لَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ أَوْ دَيْنٌ وَجب عَلَيْهِ بمعاينة الشُّهُود بمرضه، فَلَوْ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ: أَيْ فِي حَقِّ غُرَمَاء الصِّحَّة أَو الْمَرَض بمعاينة الشُّهُود كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ جَازَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: لَوْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ شَيْئًا بِأَكْثَرَ من قِيمَته فَأقر بِقَبض ثمنه وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا من كَون الْمقر مديونا دينا مَعْرُوفا بِبَيِّنَة لَمْ يُصَدَّقْ، وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ ثَمَنَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ اُنْقُضْ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعند مُحَمَّد: يُؤَدِّي قدر قِيمَته أَو ينْقض البيع. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ بَرِئَ فَهُوَ كَدَيْنِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ ثُمَّ برِئ بطلت وَصيته اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: نَفْسُ الْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ: يَعْنِي فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ مُحَابَاةٌ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّد وتكميل الْقيمَة اهـ. أَقُول: وَبَيَان مَا تقدم أَن حق الْغُرَمَاء يتَعَلَّق بِذِمَّة الْمَدْيُون فِي الصِّحَّة، فَإِذا مرض تعلق بِمَعْنى التَّرِكَة، وَهِي أعيانها، وَالدّين مُطلقًا لَيْسَ مِنْهَا فَلم يكن أتلف عَلَيْهِم بِهَذَا الاقرار شَيْئا، وَأما إِذا مرض وَتعلق حَقهم بِعَين التَّرِكَة فَإِذا بَاعَ مِنْهَا شَيْئا أَو أقرّ بِاسْتِيفَاء ثمنه فقد أتلف عَلَيْهِم، وَقَوله وَقيل للْمُشْتَرِي أد ثمنه مرّة أُخْرَى: أَي على زعمك، وَإِلَّا بِأَن أقرُّوا: أَي الْغُرَمَاء بِدفع الثّمن لَا يكون لَهُم مُطَالبَة، وَهَذَا الْفَرْع مُشكل من حَيْثُ أَن البيع صَحِيح نَافِذ، فَكيف يتَخَيَّر وَالْحَالة هَذِه بَين نقض البيع أَو تأدية الثّمن. وَقَول مُحَمَّد أَشد إشْكَالًا من حَيْثُ إِن الْوَاجِب فِي البيع الثّمن دون الْقيمَة، وَيُمكن تَصْوِيره على قَول الامام، وَذَلِكَ بِأَن يكون المُشْتَرِي وَارِثا وَالْبيع مِنْهُ غير نَافِذ عِنْده، بل مَوْقُوف على إجَازَة الْوَرَثَة، فَإِذا لم يجيزوا وَلم يردوا كَانَ للْمُشْتَرِي الْخِيَار. وَحِينَئِذٍ يُخَيّر بَين الْفَسْخ وَعَدَمه. فَإِذا قَالَت لَهُ الْوَرَثَة إِن شِئْت فادفع الثّمن لنجيز البيع وَإِن شِئْت رد علينا بخيارك صَحَّ، لَكِن يشكل عَلَيْهِ قَول مُحَمَّد، وَأَن الْقَوْلَيْنِ مَنْسُوبا للصالحين، وهما يجيزان البيع من الْوَارِث مُطلقًا، غير أَنه يُقَال لَهُ فِي صُورَة الْمُحَابَاة: أد الْقيمَة أَو افسخ. تَأمل. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَاسِدًا مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا وهبه لَهُ مَرِيضا حموي ط. أَو أَنه استوفى ثمن مَا بَاعه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (بِقَبض دينه) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن إِقْرَاره وَدِيعَة لَهُ كَانَت عِنْده صَحِيح، وَبِه صرح فِي الاشباه ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بذلك الاقرار بالامانات كلهَا. قَوْله: (لَا يَصح لوُقُوعه لمَوْلَاهُ) ملكا فِي العَبْد وَالْمكَاتب إِذا عجز وَحقا فِيهِ إِن لم يعجز نَفسه. وَالْحَاصِل: أَنه لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَا مِنْ كَفِيلِ وَارِثِهِ أَو عبد وَارثه، لَان الاقرار لعبد الْوَارِث إِقْرَار لمَوْلَاهُ، وَمَا أقرّ بِهِ للْمكَاتب فِيهِ حق لمَوْلَاهُ، لذَلِك قَالَ فِي الْمنح: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 لانه يَقع لمَوْلَاهُ ملكا أَو حَقًا اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ للْوَارِث. قَوْله: (ثمَّ برِئ) أَي من مَرضه. قَوْله: (لعدم مرض الْمَوْت) فَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْوَرَثَة. قَوْله: (وَلَو مَاتَ الْمقر لَهُ) أَي الْوَارِث للْمقر ثمَّ الْمَرِيض الْمقر. قَوْله: (وورثة الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض) صورته: أَقَرَّ لِابْنِ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الِابْنِ عَن أَبِيه ثمَّ مَاتَ الْمقر عَن ذَلِك الابْن فَقَط أَو ابْنَيْنِ أَحدهمَا وَالِد الْمقر لَهُ أَو أقرّ لامْرَأَته بدين فَمَاتَتْ ثمَّ مَاتَ هُوَ وَترك مِنْهَا وَارِثا. قَوْله: (جَازَ إِقْرَاره) عِنْد أبي يُوسُف آخرا وَمُحَمّد لِخُرُوجِهِ عَن كَونه وَارِثا فِي الصُّورَة الاولى، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة فلَان الْعبْرَة لكَون الْمقر لَهُ وَارِثا وَلَا وَقت موت الْمقر، وَهِي إِذْ ذَاك لَيست وارثة، لَان الْمَيِّت لَيْسَ بوارث، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي قَرِيبا عَن الصيرفية. قَوْله: (كإقراره لاجنبي) يَعْنِي لَو كَانَ الْمقر لَهُ أَجْنَبِيّا وَمَات قبل الْمقر وورثته وَرَثَة الْمقر فَإِن إِقْرَاره جَائِز لانه لم يقر لوَارث حِين أقرّ، أما فِي الاجنبي فَظَاهر، وَأما فِي الْوَارِث الَّذِي مَاتَ فَإِنَّهُ بِمَوْتِهِ قبل الْمقر خرج عَن كَونه وَارِثا لَهُ. قَالَ فِي الْمنح: وَلَو أقرّ لوَارِثه ثمَّ مَاتَ الْمقر لَهُ ثمَّ الْمَرِيض ووارث الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض لم يجز إِقْرَاره عِنْد أبي يُوسُف أَولا، وَقَالَ آخرا: يجوز وَهُوَ قَول مُحَمَّد. قَوْله: (وسيجئ) أَي قَرِيبا. قَوْله: (بوديعة مستهلكة) أَي وَهِي مَعْرُوفَة لعدم التُّهْمَة، وَلَو كذبناه وَمَات وَجب الضَّمَان من مَاله لانه مَاتَ مجهلا، وَعَلِيهِ بَيِّنَة فَلَا فَائِدَة فِي تَكْذِيبه، وَلَو كَانَت الْوَدِيعَة غير مَعْرُوفَة لَا يقبل إِقْرَاره باستهلاكها إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة كَمَا فِي التَّبْيِين، والاصوب أَن يَقُول المُصَنّف باستهلاكه الْوَدِيعَة أَي الْمَعْرُوفَة بِالْبَيِّنَةِ بدل قَوْله بوديعة مستهلكة. قَوْله: (وَصورته) لم يُبَيِّنْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَعْرُوفَةٌ كَمَا صرح بِهِ فِي الاشباه، وَقد أوضح الْمَسْأَلَة فِي الولواجية فَرَاجعهَا وصورها فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا. صُورَتَهَا: أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ. إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَاتَ وَلَا يَدْرِي مَا صنع كَانَت دينا فِي مَاله، فَإِذا أقرّ باستهلاكه فَأولى، وَلَو أقرّ أَولا بتلفها فِي يَده فنكل عَن الْيَمين وَمَات لم يكن لوَارِثه فِي مَاله شئ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَدَارَ الْإِقْرَارِ هُنَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَة الْمَعْرُوفَة لَا عَلَيْهَا، وَمِنْه تعلم أَن قَوْله وَمِنْهَا إِقْرَاره بالامانات كلهَا مُقَيّد بِمَا هُنَا، ثمَّ فِيهِ أَيْضا، لَو أقرّ الْمَرِيض بِقَبض ثمن مَا بَاعه لوَارِثه بأَمْره أَو بِولَايَة لم يصدق إِذا أقرّ بدين لوَارِثه إِلَّا أَن يَدعِي الْهَلَاك لكَونه دينا فِي تركته، فَلَو قَالَ قبضت الثّمن وأتلفته يبرأ المُشْتَرِي، وَلَو أدّى لم يرجع، وَكَذَا لَا يصدق فِي قبض ثمن مَا بَاعَ لغيره من وَارثه إِلَّا أَن يَقُول ضَاعَ عِنْدِي أَو دَفعته إِلَى الْآمِر اهـ. وَاللَّام فِي لوَارِثه وَلغيره: لَام الْعلَّة أَو الْملك لَا التَّعْدِيَة، وَقَوله إِلَّا أَن يَدعِي الْهَلَاك لكَونه دينا فِي تركته صَوَابه: لكَونه لَيْسَ دينا فِي تركته، لَان الْوَكِيل أَمِين غير ضمين، وَيدل على ذَلِك أَيْضا قَوْله بعده إِلَّا أَن يَقُول ضَاعَ عِنْدِي أَو دَفعته إِلَى الْآمِر، لانه لم يصر دينا فِي التَّرِكَة لَا لوَارث وَلَا من جِهَة الْوَارِث، وَقَوله قبضت الثّمن وأتلفته هُوَ مثل إِقْرَاره لوَارِثه بوديعة استهلكها فتقيد الْمُبَايعَة بمعاينة الشُّهُود، وَحِينَئِذٍ فَإِذا أدّى ضَمَان ذَلِك للْوَارِث لم يرجع على المُشْتَرِي، وَيُمكن رُجُوع ضمير أدّى للْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يرجع لانه مُتَبَرّع، وَسَيَأْتِي فِي آخر كِتَابَته على الْوَصَايَا مَا يُخَالِفهُ، وَلَكِن مَا هُنَا أولى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ: بَاعَ عبدا من وَارثه فِي صِحَّته، ثمَّ أقرّ بِاسْتِيفَاء الثّمن فِي الْمَرَض لَا يَصح. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: لَو كَانَت الْوَدِيعَة غير مَعْرُوفَة لَا يقبل قَوْله استهلكتها إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة. قَوْله: (وَالْحَاصِل الخ) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأَشْبَاهِ، وَنَصُّهَا: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ للوراث فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَبْضٍ مِنْهُ أَوْ أَبْرَأَهُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً، أَوْ بِقَبْضِ مَا قَبَضَهُ الْوَارِثُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ مَدْيُونِهِ. كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يلْحق بِالثَّانِيَةِ إِقْرَاره بالامانات كلهَا وَلَو مَاتَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَيْسَ يه إيثَارُ الْبَعْضِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَات هَذَا الْكتاب. اه. وَقد ظن من لَا خبْرَة لَهُ أَن النَّفْي من قبيل الاقرار وَهُوَ خطأ، وَقَالَ قبل هَذَا: لَو قَالَ الْمَرِيض مرض الْمَوْت لَا حق لي على فلَان الْوَارِث لم تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ من وَارِث آخر، وعَلى هَذَا يَقع كثيرا أَن الْبِنْت فِي مرض مَوتهَا بِأَن الامتعة الْفُلَانِيَّة ملك أَبِيهَا لَا حق لَهَا فِيهَا، وَقد أجبْت فِيهَا مرَارًا بِالصِّحَّةِ لما فِي التاترخانية من بَاب إِقْرَار الْمَرِيض: ادّعى على رجل مَالا وأثبته وأبرأه لَا تجوز بَرَاءَته إِن كَانَ مديونا وَكَذَا لَو أَبْرَأ الْوَارِث لَا يجوز سَوَاء كَانَ مديونا أَو لَا، وَلَو قَالَ: لم يكن لي على هَذَا الْمَطْلُوب شئ ثمَّ مَاتَ جَازَ إِقْرَاره فِي الْقَضَاء. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَت فِيهِ لَيْسَ لي على زَوجي مهر يبرأ عندنَا، خلافًا للشَّافِعِيّ، وفيهَا قبله: قَالَ فِيهِ لم يكن لي عَلَيْهِ شئ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا عَلَيْهِ شَيْئا فِي الْقَضَاء، وَفِي الدّيانَة لَا يجوز هَذَا الاقرار. وَفِي الْجَامِع: أقرّ الابْن فِيهِ أَنه لَيْسَ لَهُ على وَالِده شئ من تَرِكَة أمه صَحَّ، بِخِلَاف مَا لَو أَبرَأَهُ أَو وهبه، وَكَذَا لَو أقرّ بِقَبض مَاله مِنْهُ فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة قَوْلهَا فِيهِ لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو لَا شئ لي عَلَيْهِ أَو لم يكن عَلَيْهِ مهر، قيل لَا يَصح، وَقيل يَصح، وَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح اهـ. لَان هَذَا فِي خُصُوص الْمهْر لظُهُور أَنه على غَالِبا وكلامنا فِي غير الْمهْر، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذكره البزازي أَيْضا: ادّعى عَلَيْهِ ديونا ومالا ووديعة فَصَالَحَ الطَّالِبُ عَلَى يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدعى عَلَيْهِ شئ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِي عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذكرنَا فبرهن بَقِيَّة الْوَرَثَة على أَنا أَبَانَا قصد حرماننا بِهَذَا الاقرار تسمع اهـ. لكَونه مُتَّهَمًا فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِتَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ قرينَة على التُّهْمَة اهـ كَلَام الاشباه. فَقَوْل الشَّارِح مِنْهَا إِقْرَاره الخ وَقَوله وَمِنْه هَذَا الشئ الخ إِنَّمَا هما بحثان لَا منقولان، فتحريره فِي غير مَحَله لَان المُرَاد بالامانة قبضهَا مِنْهُ لَا أَنَّهَا لَهُ، وقدسها أَيْضا فِي الاخير لانه من الاقرار بِالْعينِ للْوَارِث، وَقدم هُوَ عدم صِحَة ذَلِك، وَقِيَاسه على قَول الْمُورث لم يكن لي على الْوَارِث دين قبل ثُبُوته قِيَاس مَعَ الْفَارِق، لَان الْعين غير الدّين وَهُوَ لَا يَصح، وَيَأْتِي قَرِيبا تأييد الْمُوَافقَة لما فهمته عَن الْخَيْر الرَّمْلِيّ والحموي والحامدي، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد والْمنَّة، وَقدمنَا مَا يُفِيد ذَلِك مَعَ بعض النقول الْمَذْكُورَة. قَوْله: (مِنْهَا إِقْرَاره بالامانات كلهَا) أَيْ بِقَبْضِ الْأَمَانَاتِ الَّتِي عِنْدَ وَارِثِهِ، لَا بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِوَارِثِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَرِيبًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا، فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّا رَأَيْنَا مَنْ يُخْطِئُ فِيهِ وَيَقُول: إِن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 إقْرَارَهُ لِوَارِثِهِ بِهَا جَائِزٌ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ النُّقُولَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالْعَيْنِ كَالدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي بَقِيَّةِ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهُوَ مُتَابِعٌ فِيهِ لِلْأَشْبَاهِ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ، وَخَالَفَهُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْإِسْمَاعِيلِيَّة: سُئِلَ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمَعْلُومَةِ مَعَ بِنْتِهِ الْمَعْلُومَةِ وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ دُونَهُ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ، فَهَلْ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ الْمَرْقُومَةُ فِي يَدِهِ وَمِلْكُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَاتَ فِي ذَلِك الْمَرَض فالاقرار بهَا للْوَرَثَة بَاطِلٌ؟. الْجَوَابُ: نَعَمْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَلَوْ مُصَدَّرًا بِالنَّفْيِ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ اهـ. ونقه السائحاني فِي مَجْمُوعه ورد على الاشباه وَالشَّارِح فِي هَاشم نسخته. وَفِي الحامدية: سُئِلَ فِي مَرَضَ الْمَوْتِ أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ زَوْجَتِهِ هِنْدَ حَقًّا وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهَا عَنْ كُلِّ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَمَاتَ عَنْهَا وَعَنْ وَرَثَةٍ غَيرهَا وَله تَحت يَدهَا أَعْيَان وَله بذمتها دَيْنٌ وَالْوَرَثَةُ لَمْ يُجِيزُوا الْإِقْرَارَ، فَهَلْ يَكُونُ غير صَحِيحٍ. الْجَوَابُ: يَكُونُ الْإِقْرَارُ غَيْرَ صَحِيحٍ وَالْحَالَةُ هَذِه، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. أَقُول: لَكِن يجب تَقْيِيد عدم الصِّحَّة بِمَا إِذا كَانَ ملكه فِيهَا مَعْلُوما أَيْضا ليَكُون ذَلِك قرينَة على قصد الاضرار بباقي الْوَرَثَة لِئَلَّا يتنافى كَلَامهم. تَأمل. قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا النَّفْيُ) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِلْوَارِثِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قَوْلُهُ: (كَلَا حَقَّ لِي) هَذَا صَحِيحٌ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعين كَمَا مر. قَوْله: (وَهِي الْحِيلَة) أَي فِي قَوْله: لَا حق لي قبل أُمِّي وَأبي: يَعْنِي إِذا علم أَنه لَا حق لَهُ قبلهمَا وَخَافَ أَن يتعلل عَلَيْهِمَا أحد من الْوَرَثَة أَو يَدعِي عَلَيْهِمَا بشئ، أما لَو كَانَ لَهُ حق فَلَا يحل لَهُ إِضْرَار بَاقِي الْوَرَثَة، فليتق الله من كَانَ خَارِجا من الدُّنْيَا مُقبلا على الْآخِرَة. قَوْله: (وَمِنْه) الاولى وَمِنْه كَمَا قَالَ فِي سابقه إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه عَائِد إِلَى النَّفْي: أَي وَمن النَّفْي السَّابِق هَذَا الخ. قَوْله: (هَذَا) غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مَرَّ لانه مُخَالف لعامة الْمُعْتَبرَات. قَوْله: (وَهَذَا حَيْثُ لَا قرينَة) لم يذكر ذَلِك فِي الاشباه أصلا، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا إِقْرَارا بِعَين لوَارث وَأَنه لَا يَصح فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْيِيد. قَوْله: (فَلْيحْفَظ فَإِنَّهُ مُهِمّ) الْحَاصِل أَن الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى تَابع صَاحب الاشباه، وَقد علمت أَنه مُخَالف للمنقول، واستنبط من كَلَامه أَشْيَاء مُخَالفَة أَيْضا، وَقد ظهر لَك بِمَا قدمْنَاهُ حَقِيقَة الْحَال بعون الْملك المتعال. تَتِمَّة: قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ: لَيْسَ لي على فلَان شئ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يحلف، وَعند أبي يُوسُف يحلف، وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْهُمَا شَيْئًا. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الرَّأْيُ فِي التَّحْلِيفِ إلَى الْقَاضِي، وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِير بِأَنَّهُ يجْتَهد فِي خُصُوص الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يقبض حِين أقرّ يحلف لَهُ الْخصم، وَمن لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الْأَخْصَامِ اهـ. قلت: وَهَذَا مؤيد لما بحثناه، وَالْحَمْد لله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 قَالَ فِي التاترخانية عَن الْخُلَاصَة: رجل قَالَ استوفيت جَمِيع مَالِي عَلَى النَّاسِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُ جَمِيعَ غُرَمَائِي لَا يَصِحُّ، إلَّا أَنْ يَقُولَ قَبِيلَةَ فُلَانٍ وَهُمْ يُحصونَ فَحِينَئِذٍ يَصح إِقْرَاره وَيبرأ. وَفِي التاترخانية أَيْضا عَنْ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: أَشْهَدَتْ الْمَرْأَةُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهَا لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ إضْرَارَ الزَّوْجِ، أَوْ أَشْهَدَ الرَّجُلُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ يُرِيدُ بِهِ إضْرَارَ بَاقِي الْأَوْلَادِ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ، وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِذا كَانَ لِلْقَاضِي عِلْمٌ بِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ الْحُكْمُ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ والنظائر. قَوْله: (يُؤمر فِي الْحَال بِتَسْلِيمِهِ) لاحْتِمَال صِحَة هَذَا الاقرار بِصِحَّتِهِ من هَذَا الْمَرَض. قَوْله: (يردهُ) أَي إِن كَانَ لَهُ وَارِث غَيره وَلم يصدقهُ. قَوْله: (تَصَرُّفَات الْمَرِيض نَافِذَة) لما تقدم احْتِمَال صِحَّته، وَيظْهر لي أَن يتَفَرَّع على هَذَا مَا فِي الْخَانِية، وَهُوَ لَو أقرّ لوَارِثه بِعَبْد فَقَالَ لَيْسَ لي لكنه لفُلَان الاجنبي فَصدقهُ ثمَّ مَاتَ الْمَرِيض فَالْعَبْد للاجنبي وَيضمن الْوَارِث قِيمَته وَتَكون بَينه وَبَين سَائِر الْوَرَثَة. قَوْله: (وَإِنَّمَا ينتفض) أَي التَّصَرُّف الْمَأْخُوذ من التَّصَرُّفَات، وَهَذَا فِي تصرف ينْقض، أما مَا لَا ينْقض كَالنِّكَاحِ فالامر فِيهِ ظَاهر، وَفِي نُسْخَة بِالتَّاءِ. قَوْله: (بعد الْمَوْت) مَحَله مَا إِذا تصرف لوَارث، وَأما إِذا كَانَ لغير وَارِث: فَإِن كَانَ تَبَرعا أَو مُحَابَاة ينفذ من الثُّلُث، وَإِلَّا فَصَحِيح كَالنِّكَاحِ. قَوْله: (وَالْعبْرَة لكَونه وَارِثا الخ) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: اعْلَم أَن الاقرار لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمقر لَهُ وَارِثا وَقت الاقرار دون الْمَوْت، أَو كَانَ وَارِثا فيهمَا، وَإِن لم يكن وَارِثا فِيمَا بَينهمَا أَو لم يكن وَارِثا وَقت الاقرار وَصَارَ وَارِثا وَقت الْمَوْت، فَإِن كَانَ وَارِثا وَقت الاقرار دون وَقت الْمَوْت بِأَن أقرّ لاخيه مثلا ثمَّ ولد لَهُ ولد يَصح الاقرار، لعدم كَونه وَارِثا وَقت الْمَوْت، وَإِن كَانَ وَارِثا فيهمَا لَا فِيمَا بَينهمَا بِأَن لامْرَأَته ثمَّ أَبَانهَا وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا أَو والى رجلا فَأقر لَهُ ثمَّ فسخ الْمُوَالَاة ثمَّ عقدهَا ثَانِيًا لَا يجوز الاقرار عِنْد أبي يُوسُف، لَان الْمقر مُتَّهم بِالطَّلَاق، وَفسخ الْمُوَالَاة ثمَّ عقدهَا ثَانِيًا، وَعند مُحَمَّد يجوز، لَان شَرط امْتنَاع الاقرار أَن يبْقى وَارِثا إِلَى الْمَوْت بذلك السَّبَب وَلم يبْق، ولانه لما صَار أَجْنَبِيّا تعذر الاقرار كَمَا لَو أنشأه فِي ذَلِك الْوَقْت، أَلا ترى أَنه لَو لم يعْقد ثَانِيًا كَانَ جَائِزا فَكَذَا إِذا عقد، وَإِن لم يكن وَارِثا وَقت الاقرار ثمَّ صَار وَارِثا وَقت الْمَوْت ينظر: فَإِن صَار وَارِثا بِسَبَب كَانَ قَائِما وَقت الاقرار بِأَن أقرّ لاخيه وَله ابْن مَاتَ الابْن قبل الاب لَا يَصح إِقْرَاره، فَإِن صَار وَارِثا بِسَبَب جَدِيد كالتزوج وَعقد الْمُوَالَاة جَازَ. وَقَالَ زفر: لَا يجوز لَان الاقرار حصل للْوَارِث وَقت العقد فَصَارَ كَمَا إِذا صَار وَارِثا بِالنّسَبِ وَلنَا أَن الاقرار حِين حصل للاجنبي لَا للْوَارِث فَينفذ وَلزِمَ فَلَا يبطل، بِخِلَاف الْهِبَة لانها وَصِيَّة وَلِهَذَا من الثُّلُث، فَيعْتَبر وَقت الْمَوْت، بِخِلَاف مَا إِذا صَار وَارِثا بِالنّسَبِ بِأَن أقرّ مُسلم مَرِيض لاخيه الْكَافِر، ثمَّ أسلم قبل مَوته أَو كَانَ محجوبا بالابن ثمَّ مَاتَ الابْن، حَيْثُ لَا يجوز الاقرار لَهُ لَان سَبَب الارث كَانَ قَائِما وَقت الاقرار، وَلَو أقرّ لوَارِثه ثمَّ مَاتَ الْمقر لَهُ ثمَّ الْمَرِيض ووارث الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض لم يجز إِقْرَاره عِنْد أبي يُوسُف أَولا، لَان إِقْرَاره حصل للْوَارِث ابْتِدَاء وانتهاء. وَقَالَ آخرا: يجوز وَهُوَ قَول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 مُحَمَّد، لانه بِالْمَوْتِ قبل موت الْمَرِيض خرج من أَن يكون وَارِثا، وَكَذَلِكَ لَو أقرّ لاجنبي ثمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ من وَرَثَة الْمقر، لَان إِقْرَاره كَانَ للاجنبي فَيتم بِهِ ثمَّ لَا يبطل بِمَوْتِهِ اهـ. قَوْله: (لعدم إِرْثه) أَي وَقت الْمَوْت. قَوْله: (فَيجوز) يَعْنِي لَو أقرّ لاجنبي فِي مرض مَوته وَكَانَ الْمقر مَجْهُول النّسَب وَعقد الْمُوَالَاة مَعَه فَلَمَّا مَاتَ وَارِثا بِعقد الْمُوَالَاة، فَلَا يبطل إِقْرَاره لَهُ لَان الارث إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب حَادث بعد الاقرار، فَيبقى الاقرار لَكِن لَا تظهر لَهُ ثَمَرَة لَان مولى الْمُوَالَاة لَا يَرث مَعَ وَارِث قريب أَو بعيد، وَإِنَّمَا يتَوَقَّف لحق الْوَارِث وَلَا وَارِث مَعَه، إِذْ لَو كَانَ مَعَه وَارِث لم يسْتَحق الْمِيرَاث فَلَا يكون وَارِثا وَرُبمَا يظْهر ثَمَرَته مَعَ أحد الزَّوْجَيْنِ، فَإِن الاقرار ينفذ فِي حق الزَّوْج الْمقر لما تقرر، وَكَذَا إِن صَحَّ عقد الْوَلَاء مَعَ اثْنَيْنِ بعد أَن أقرّ لاحدهما فَليُرَاجع هَذَا الاخير. قَوْله: (لَان إِرْثه بِسَبَب قديم) أَي قَائِم وَقت الاقرار، وَلم أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَقْتَ إقْرَارِهِ وَوَقْتَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّد. نور الْعين عَن قاضيخان. أَقُول: وإيضاحه أَنه لَو أقرّ لمن كَانَ وَارِثا وَقت الاقرار ثمَّ خرج عَن ذَلِك بعده ثمَّ صَار وَارِثا عِنْد الْمَوْت فالاولى أَو يَقُول: فَلَو أقرّ لمن هُوَ وَارِث وَقت الخ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ قِنٌّ ثمَّ عتق فَمَاتَ الاب جَازَ، لَان الاقرار لِلْمَوْلَى لَا لِلْقِنِّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِابْنِهِ وَهُوَ قِنٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ للِابْن اهـ. وَبَيَانه فِي الْمنح. وَانْظُر مَا حَرَّره سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْوَصَايَا. قَوْله: (بِخِلَاف الْهِبَة) الظَّاهِر أَنه لَا بُد من الْقَبْض فِي الْهِبَة، وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَار لَهَا. قَوْله: (فَلَا تصح) يَعْنِي لَو وهب لَهَا شَيْئا أَو أوصى لَهَا ثمَّ تزَوجهَا فَإِنَّهُمَا يبطلان اتِّفَاقًا. قَوْله: (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ حِينَئِذٍ وارثة) تَعْلِيل لقَوْله وَالْوَصِيَّة لَهَا ثمَّ تزَوجهَا، كَذَا الْهِبَة لَهَا فِي مَرضه، لَان الْهِبَة فِي مرض الْمَوْت وَصِيَّة. قَوْله: (أقرّ فِيهِ الخ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَارِثَةً لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ وَارِثِهِ وَلَا مِنْ كَفِيلِ وَارِثِهِ وَلَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ. وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ تبرع عَن وَارثه. وكل رجلا بِبيع شئ مُعَيَّنٍ فَبَاعَهُ مِنْ وَارِثِ مُوَكِّلِهِ وَأَقَرَّ بِقَبْضِ المثن مِنْ وَارِثِهِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ وَكِيلَهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ هُوَ الْوَكِيلَ وَمُوَكِّلُهُ صَحِيحٌ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَجَحَدَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْوَكِيلُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ مَرِيضَانِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يُصَدَّقُ إذْ مَرَضُهُ يَكْفِي لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ لوَارِثه بِالْقَبْضِ فَمَرَضُهُمَا أَوْلَى. مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ اهـ. من نور الْعين قبيل كتاب الْوَصِيَّة. فَرْعٌ: بَاعَ فِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا وَبَاعَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ وَارِثِهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْوَارِثَ مَلَكَ الْعَبْدَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا مِنْ مُوَرِّثِهِ. بَزَّازِيَّةٌ. قَوْله: (وَترك مِنْهَا وَارِثا) الظَّاهِر أَن قَول الْمُؤلف مِنْهَا اتفاقي، وَيحمل كَلَام المُصَنّف على أَنه ترك وَارِثا مُنْكرا مَا أقرّ بِهِ. قَوْله: (وَلَوْ أَقَرَّ فِيهِ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ لَمْ يَصح) أَي للْوَارِث وَلَا للاجنبي. قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) فَإِنَّهُ يُجِيزهُ فِي حق الاجنبي وَيبْطل مِنْهُ مَا أصَاب الْوَارِث، وَهَذَا مُسْتَدْرك بقوله سَابِقًا أَو مَعَ أَجْنَبِي بدين أَو عين أطلقهُ هُنَا، وَقيد الْخلاف فِي الْوَصَايَا بِمَا إِذا أنكر أَحدهمَا الشّركَة مَعَ الآخر فَيصح فِي حِصَّة الاجنبي عِنْد مُحَمَّد خلافًا لَهما، أما إِذا تَصَادقا فَلَا يَصح اتِّفَاقًا، وَمثله فِي التمرتاشية وَالْمجْمَع لَهُ أَن أقراره للْوَارِث لم يَصح فَلم تثبت الشّركَة، فَتَصِح للاجنبي كَمَا لَو أوصى لوَارِثه ولاجنبي، وكما لَو أقرّ لاخيه فِي مرض مَوته لَا وَارِث لَهُ غَيره ثمَّ ولد لَهُ ابْن ينفذ إِقْرَاره لاخيه. كَذَا هُنَا. وَلَهُمَا، أَنه أقرّ بِمَال مَوْصُوف بِصفة فَإِذا بطلت الصّفة يبطل الاصل كَمَا لَو تَصَادقا كَمَا فِي شرح الْمَنْظُومَة. فرع: فِي التاترخانية عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ مُشْتَرَكٌ أَوْ شَرِكَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالنِّصْفِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَمُطْلَقُ الشَّرِكَةِ بِالنِّصْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا يُفَسِّرُهُ الْمُقِرُّ. وَلَوْ قَالَ لي الثُّلُثَانِ مَوْصُولا صدق، وَكَذَا قَوْله بيني وَبَينه أولى وَله. اهـ. نهج النجَاة. قَوْله: (عمادية) وعبارتها كَمَا فِي الْمنح حَيْثُ قَالَ: وَلَو أقرّ الْمَرِيض لوَارِثه ولاجنبي بدين فَإِقْرَاره بَاطِل تَصَادَقَا فِي الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِقْرَاره للاجنبي بِقدر نصِيبه جَائِز إِذا تكاذبا فِي الشّركَة وَأنكر الاجنبي الشّركَة، وَهِي مَعْرُوفَة فِي الجامعين. وَذكر شيخ الاسلام الْمَعْرُوف بخواهر زَاده: إِذا كذب الْوَارِث الْمقر فِي الشّركَة وَصدقه فِي الاجنبي لم يذكر مُحَمَّد هَذَا الْفَصْل، وَيجوز أَن يُقَال: إِنَّه على الِاخْتِلَاف، وَلَكِن للصحيح أَن يُقَال: إِنَّه لَا يجوز على قَول مُحَمَّد كَمَا هُوَ مَذْهَبهمَا. هَذِه الْجُمْلَة فِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير اهـ. مَا فِي الْفُصُول. وَبِه وَبِمَا ذَكرْنَاهُ عَن شرح الْمَنْظُومَة يعلم مَا فِي كَلَام الشَّارِح فَتَأَمّله، وَقدمنَا نَظِيره فَلَا تنسه. قَوْله: (وَإِن أقرّ لاجنبي مَجْهُول نسبه الخ) وَهُوَ مَنْ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ فِي بَلَدِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِأَكْمَلِ الدِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَلَدٌ هُوَ فِيهِ كَمَا فِي الْقنية لَا مسْقط رَأسه كَمَا ذكر الْبَعْض، وَاخْتَارَ الْمَقْدِسِي وَبَعض أَرْبَاب الْحَوَاشِي بِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِر، لَان المغربي إِذا انْتقل إِلَى الشرق فَوَقع عَلَيْهِ حَادِثَة يلْزمه أَن يفتش على نَسَبِهِ فِي الْمَغْرِب، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يخفى فَلْيحْفَظ هَذَا، ذكره فِي الْحَوَاشِي اليعقوبية. وَإِلَى الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي، وَقيد بِمَجْهُول النّسَب لَان معروفه يمْتَنع ثُبُوته من غَيره. قَوْله: (وَصدقَة) أَي إِذا كَانَ يُولد مثله لمثله لِئَلَّا شكون مُكَذبا فِي الظَّاهِر. ذكره الشمني قَوْله: (وَهُوَ من أهل التَّصْدِيق) بِأَن كَانَ يعبر عَن نَفسه، أما إِذا لم يكن يعبر عَن نَفسه لم يحْتَج إِلَى التَّصْدِيق كَمَا سَيذكرُهُ الشَّارِح. قَوْله: (لما مر) من أَنه إِقْرَار لوَارث عِنْد الْمَوْت بِسَبَب قديم كَانَ عِنْد الاقرار، وَلَو أقرّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 الْمَرِيض الْمُسلم بدين لِابْنِهِ النَّصْرَانِي أَو العَبْد فَأسلم أَو أعتق قبل مَوته فلاقرار بَاطِل، لَان سَبَب التُّهْمَة بَينهمَا كَانَ قَائِما حِين الاقرار، وَهُوَ الْقَرَابَة الْمَانِعَة للارث، وَلَو فِي ثَانِي الْحَال وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذي أقرّ لامْرَأَة ثمَّ تزَوجهَا، وَالْوَجْه ظَاهر كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن وَصَايَا الْجَامِع الصَّغِير. وَذكر فَخر الدّين قاضيخان فِي شَرحه خلاف زفر فِي الاقرار لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيّ أَو عبد الخ فَقَالَ: إِن الاقرار صَحِيح عِنْد زفر لانه وَقت الاقرار لم يكن وَارِثا اهـ. أَقُول: يظْهر من هَذَا أَن مذْهبه مُضْطَرب، لَان هَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي صِحَة إِقْرَاره فِي الْمَسْأَلَة الْمَارَّة بِصِحَّة إِقْرَاره لاجنبية ثمَّ تزَوجهَا مَعَ أَن مذْهبه عدم الصِّحَّة كهذه الْمَسْأَلَة. تدبر. قَوْله: (وَلَو لم يثبت) الانسب فِي التَّعْبِير أَن يَقُول، فَلَو عرف أَو كذبه لَا يثبت نسبه، وَيكون ذَلِك مَفْهُوم قَوْله مَجْهُول نسبه وَقَوله وَصدقه كَمَا علمت فَتدبر. قَوْله: (لعدم ثُبُوت النّسَب) تكْرَار لَا فَائِدَة فِيهِ. قَوْله: (وَلَو أقرّ لمن طَلقهَا) أَي فِي مَرضه. قَوْله: (يَعْنِي بَائِنا) أَي الثَّلَاث لَيْسَ بِقَيْد لَان الْبَائِن يمْنَعهَا من الارث، وَلَو وَاحِدَة حَيْثُ كَانَ بطلبها أَو فِي الصِّحَّة فَالشَّرْط الْبَيْنُونَة وَلَو صَغِيرَة، أما الرحمية فَهِيَ زَوْجَة، وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تَرث بِأَن كَانَت ذِمِّيَّة صَحَّ إِقْرَاره لَهَا من جَمِيع المَال ووصيته من الثُّلُث. حدادي. وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا وارثة إِذا هُوَ فار. قَوْله: (فلهَا الاقل من الارث وَالدّين) لقِيَام التُّهْمَة بِبَقَاء الْعدة لاحْتِمَال تواطئها مَعَه على الطَّلَاق لِيُقِر لَهَا بِالدّينِ الزَّائِد على فَرضهَا فعوملت بالاقل دفعا لقصدها السئ بإضرار الْوَرَثَة، وَبَاب الاقرار كَانَ منسدا لبَقَاء الزَّوْجِيَّة، فَرُبمَا أقدم على الطَّلَاق ليَصِح إِقْرَاره لَهَا زِيَادَة على إرثها وَلَا تُهْمَة فِي أقلهما فَيثبت. قَوْله: (فِي أَعْيَان التَّرِكَة) وَلَو كَانَ إِرْثا لشاركت فِيهَا، والمألة تقدّمت فِي آخر إِقْرَار الْمَرِيض بأوفى مِمَّا هُنَا فَرَاجعهَا إِن شِئْت. فرع: إِقْرَاره لَهَا، أَي للزَّوْجَة بمهرها إلَى قَدْرِ مِثْلِهِ صَحِيحٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ، وَإِن بعد الدُّخُول فِيهِ قَالَ الامام ظهير الدّين، وَقد جرت الْعَادة بِمَنْع نَفسهَا قبل قبضهَا مِقْدَارٍ مِنْ الْمَهْرِ فَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ إِذا لم تعترف هِيَ بِالْقَبْضِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ شَيْئًا بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا: أَقَرَّ فِيهِ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي مَاتَتْ عَن ولد مِنْهُ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَهُ وَرَثَةٌ أُخْرَى لَمْ يصدقوه فِي ذَلِك، قَالَ الامام ظهير الدّين: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُنَا بَعْدَ مَوْتِهَا اسْتِيفَاءُ ورثتها أَو وصيها الْمهْر بِخِلَاف الاول. اهـ. قَوْله: (فَإِذا مَضَت الْعدة) أَي سَوَاء كَانَ الاقرار قبل مضيها أَو بعده، وَالظَّاهِر أَن مثله مالو أقرّ لَهَا وَهِي زَوجته فِي مرض مَوته ثمَّ طَلقهَا وَانْقَضَت الْعدة ثمَّ مَاتَت. قَوْله: (وَإِن أقرّ لغلام) لَا يخفى أَن قَوْله سَابِقًا وَإِن أقرّ لاجنبي الخ مندرج فِي هَذِه شرنبلالية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَة هُنَا مُعْتَبرَة هُنَاكَ أَيْضا اهـ. قَوْله: (أَو فِي بلد هُوَ فِيهَا) حِكَايَة قَول آخر كَمَا قدمناهما قَرِيبا. قَالَ الْعَلامَة الرحمتي: إِذا كَانَ مَجْهُول النّسَب فِي أحد المكانبن: أَي بَلَده أَو بلد هُوَ فِيهَا يقْضِي بِصِحَّة الدَّعْوَى، لَكِن مَجْهُول النّسَب فِي مَوضِع الدَّعْوَى إِذا قضى بِثُبُوت نسبه من الْمُدَّعِي ثمَّ جَاءَت بَيِّنَة من مولده بِأَنَّهُ مَعْلُوم النّسَب من غير الْمُدَّعِي تبطل بهَا تِلْكَ الدَّعْوَى، أما لَو كَانَ مَجْهُول النّسَب فِي مولده فَلَا تنقض الدَّعْوَى بعد ثُبُوتهَا. قَوْله: (بحث يُولد مثله لمثله) أَي مثل هَذَا الْغُلَام لمثل هَذَا الْمَرِيض بِأَن يكون الرجل أكبر مِنْهُ باثنتي عشرَة سنة وَنصف، وَالْمَرْأَة أكبر مِنْهُ بتسع سِنِين وَنصف كَمَا فِي الْمُضْمرَات، وَالْمرَاد بالغلام الْوَلَد فَيشْمَل الْبِنْت. قَوْله: (إِنَّه ابْنه) أَي بِلَا وَاسِطَة، حَتَّى لَو أقرّ لشخص أَنه ابْن ابْنه لم يثبت نسبه وَكَانَ حكمه حكم مَا لَو أقرّ بِأَخ كَمَا فِي البرجندي، وَسَيَأْتِي. قَوْله: (وَصدقه) أَي الْمقر الْغُلَام. قَوْله: (وَإِلَّا لم يحْتَج لتصديقه) لانه فِي يَد غَيره فَينزل منزلَة الْبَهِيمَة فَلم يعْتَبر تَصْدِيقه، بِخِلَاف الْمُمَيز لانه فِي يَد نَفسه، وَعند الائمة الثَّلَاثَة بِلَا تَصْدِيقه لَو كَانَ غير مُكَلّف. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) يَنْبَغِي حذفهَا فَإِنَّهُ بذكرها بَقِي الشَّرْط بِلَا جَوَاب ح. قَوْله: (وَلَو الْمقر مَرِيضا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد كَون الْبَاب بَاب إِقْرَار الْمَرِيض. قَوْله: (شَارك الْغُلَام الْوَرَثَة) لانه من ضرورات ثُبُوت النّسَب. زَيْلَعِيّ. ثمَّ لَا يَصح الرُّجُوع، لَان النّسَب بعد ثُبُوته لَا يقبل الابطال، بِخِلَاف الرُّجُوع عَن الاقرار لنسب نَحْو الاخ، فَإِنَّهُ يَصح لعدم ثُبُوته لانه كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، لَكِن يَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح عَن المُصَنّف قَرِيبا بالتصديق يثبت فَلَا ينفع الرُّجُوع الخ وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ. قَوْله: (فَإِن انْتَفَت هَذِه الشُّرُوط) أَي أَحدهَا بِأَن علم نسبه أَو لم يُولد مثله لمثله، أَو لم يصدقهُ الْغُلَام فَيصير مُكَذبا فَلَا يثبت النّسَب، لكنه يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ كَمَا قَالَ. قَوْله: (يُؤَاخذ الْمقر من حَيْثُ اسْتِحْقَاق المَال) أَي وَلَا يثبت النّسَب لما علمت، وَكَونه يُؤَاخذ الْمقر من حَيْثُ اسْتِحْقَاق المَال لَا يظْهر هُنَا، لَان هَذَا فِي مُجَرّد الاقرار بِالنّسَبِ لَا الاقرار بِالْمَالِ أَيْضا. وَإِنَّمَا يظْهر ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة، وَهِي مَا إِذا أقرّ لاجنبي ثمَّ ادّعى بنوته، فَإِنَّهُ إِذا لم تُوجد هَذِه الشُّرُوط لزمَه المَال، وَإِن كَانَ النّسَب لَا يثبت، وَلَا يُرَاد بِالْمَالِ مَا يلْزمه من النَّفَقَة والحضانة والارث كَمَا يَأْتِي لما فِيهِ من تحميل النّسَب على الْغَيْر، فَإِنَّهُ إِذا انْتَفَى هُنَا التَّصْدِيق كَيفَ يَرِثهُ أَو تجب عَلَيْهِ نَفَقَته؟ وَكَذَا إِذا كَانَ لَا يُولد مثله لمثله أَو كَانَ مَعْلُوم النّسَب، وَمَا يَأْتِي مَحَله إِذا وجدت الشُّرُوط اللائقة وَلم يصدق الْمقر عَلَيْهِ: أَي وَقد أقرّ لَهُ مَعَ ذَلِك بِمَال فَإِن النّسَب لَا يثبت، لَان فِيهِ تحميلا على الْغَيْر، وَلكنه يَصح إِقْرَاره بِالْمَالِ كَمَا لَو أقرّ بأخوة غَيره فَمَا فِي يَده من مَال أَبِيه كَانَ للْمقر لَهُ نصفه، وَظَاهره أَنه يقدم على دين الصِّحَّة فَيكون مُخَالفا لما مر أَن مَا أقرّ بِهِ فِي الْمَرَض مُؤخر عَنهُ على أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لِلْمُقِرِّ بَلْ لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ يشاركهم فِي الْإِرْثِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِك فَلَا بل لَهُ من نقل صَرِيح حَتَّى يقبل. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، وَقَدْ رَاجَعْتُ عِدَّةَ كُتُبٍ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَعَلَّهُ لهَذَا أَمر الشَّارِح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 بالتحرير، فَتَأمل. قَوْله: (كَمَا مر عَنْ الْيَنَابِيعِ) الَّذِي قَدَّمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْيَنَابِيعِ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة نَصه: وَلَو كذبه أَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أقرّ بِهِ وَلَا يثبت النّسَب اهـ. وَعبارَة الشَّارِح ركيكة، فَلَو قَالَ: فَلَو انْتَفَى أحد هَذِه الشُّرُوط وَقد أقرّ لَهُ بِمَال يُؤَاخذ بِهِ الْمقر لَكَانَ أوضح، لَان الْمَانِع من صِحَة الاقرار ثُبُوت النّسَب فَحَيْثُ لم يثبت لزم الْمقر بِهِ، وَهَذَا هُوَ تَحْرِير الْمقَام ط. قَوْله: (فيحرر عَنهُ الْفَتْوَى) قَالَ الْحلَبِي: لم يظْهر لي الْمُخَالفَة الْمُوجبَة للتحرير، فَتَأمل. قَوْلُهُ: (وَالرَّجُلُ صَحَّ إقْرَارُهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَكَذَا بِزِيَادَة لفظ الرجل لافادة أَن الاقرار بالمذكورات لَيْسَ قَاصِر على الْمَرِيض. ف قَوْله: (بعد أَي الْمَرِيض) تَفْسِير مُضر وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد تقدم مرجعه إِلَّا أَن يَجْعَل مَرْفُوعا تَقْيِيد الرجل، وَهُوَ تَقْيِيد مُضر أَيْضا كَمَا فِي ط. لَكِن الاولى كَمَا فِي بعض النّسخ الْمَحْذُوف مِنْهَا لفظ الرجل أَن يُقَال: قيد بالمريض ليعلم: أَي الصَّحِيح كَذَلِك بالاولى، وأنما قَيده بِهِ لَان الْكَلَام فِي إِقْرَار الْمَرِيض. قَوْله: (بِالْوَلَدِ والوالدين) لانه إِقْرَار على نَفسه وَلَيْسَ فِيهِ حمل النّسَب على الْغَيْر وَأعَاد صِحَة الاقرار بِالْوَلَدِ لذكر جملَة مَا يَصح فِي جَانب الرجل، وَأفَاد بالصراحة الاقرار كَمَا يَأْتِي قَرِيبا اعْتِمَاد الشَّارِح لَهُ تبعا للْمُصَنف. قَالَ فِي الْعِنَايَة: وَهُوَ رِوَايَة تحفة الْفُقَهَاء وَشرح الْفَرَائِض للامام سراج الدّين، وَالْمَذْكُور فِي الْمَبْسُوط والايضاح وَالْجَامِع الصَّغِير للمحبوبي: أَن إِقْرَار الرجل يَصح بأَرْبعَة بالابن والاب وَالْمَرْأَة وَمولى الْعتَاقَة. اهـ. وَمن الظَّاهِر أَن الابْن لَيْسَ بِقَيْد مخرج صِحَة الاقرار بالبنت اهـ. قَوْله: (وَإِن عليا) أَي الْوَالِدَان، وَلَا يرجع الضَّمِير إِلَى الْوَالِدين وَالِابْن لانه لَا يُقَال فِيهِ وَإِن علا، وَعبارَة الْبُرْهَان يَصح إِقْرَاره بِالْوَلَدِ والوالدين: يَعْنِي الاصل وَإِن علا اهـ. وَلَا غُبَار عَلَيْهَا. قَوْله: (وَفِيهِ نَظَرٌ) وَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ كَإِقْرَارِهِ بِبِنْتِ ابْنٍ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ بِبِنْتٍ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إذْ إقْرَارُهُ بِبِنْتٍ جَائِز لَا ببنت الابْن اهـ. وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الِابْنِ، فَتَدَبَّرْ ط. قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ) سَيَأْتِي التَّصْرِيح بِهِ فِي الْمَتْن وَهُوَ مؤيد أَيْضا لكَلَام الْمَقْدِسِي. قَوْله: (بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة فِي الابْن) لم يذكرهَا اتكالا على مَا تقدم، إِلَّا أَن فِي دَعْوَاهُ هَذَا أبي يشْتَرط أَن يكون الْمقر مَجْهُول النّسَب، وَأَن يُولد مثل الْمقر لمثل الْمقر لَهُ. قَوْله: (بِشَرْط خلوها الخ) يَنْبَغِي أَن يُزَاد وَأَن لَا تكون مَجُوسِيَّة أَو وثنية، وَلم أر من صرح بِهِ حموي. وَفِي حَاشِيَة سري الدّين على الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (وَالزَّوْجَة: أَي بِشَرْط أَن تكون الزَّوْجَة صَالِحَة لذَلِك اهـ) كَافِي. وَأدْخل فِي ذَلِك مَا إِذا كَانَت حرمتهَا بِالرّضَاعِ. قَوْله: (مثلا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الاخت لَيست بِقَيْد بل مثلهَا كل امْرَأَة لَا يحل جمعهَا مَعهَا فِي عقد كخالتها وعمتها. قَوْله: (وَأَرْبع سواهَا) أَي وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مَعَه أَرْبَعَة سواهَا أَو مَعَه حرَّة وَأقر بِنِكَاح الامة. قَالَ المُصَنّف فِي منحه: وَقد أخل بِهَذِهِ الْقُيُود صَاحب الْكَنْز والوقاية، وَكَذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الاخلال بِهِ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: أَقُول: أيتوهم متوهم صِحَة الاقرار بِالزَّوْجَةِ مَعَ وجود زوج وعدته أَو أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا فَلَا أَدْرِي لهَذَا مثلا إِلَّا مَا اعْترض بِهِ بعض جهلة الاروام على قَول الْكَنْز فِي المَاء الْجَارِي، وَهُوَ مَا يذهب بتبنه حَيْثُ قَالَ: الْجمل يذهب بأتبان، فَتَأمل وأنصف. قَوْله: (وَصَحَّ بالمولى من جِهَة الْعتَاقَة) سَوَاء كَانَ أَعلَى أَو أَسْفَل بِأَن كَانَ معتقا أَو معتقا، فَإِن الاقرار لكل وَاحِد صَحِيح إِذا صدقه الْمقر لَهُ وَقَوله من جِهَة الْعتَاقَة: أَي وَكَذَا من جِهَة الْمُوَالَاة إِن كَانَ الاول قد عقل عَنهُ. قَوْله: (إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ غَيره) قَالَ المُصَنّف فِي الْمنح: وَهَذَا قيد لَا بُد مِنْهُ، وَقد أخل بِهِ فِي الْكَنْز والوقاية أَيْضا، لَان مُوجب إِقْرَاره يثبت بَينهمَا بتصادقهما من غير إِضْرَار بِأحد فَينفذ اهـ. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَقُول: إِذا كَانَ وَلَاؤُه ثَابتا من جِهَة غَيره لَا يَصح إِقْرَار الصَّحِيح بِهِ فَكيف يَصح إِقْرَار الْمَرِيض بِهِ؟ وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي مسَائِل يُخَالف الْمَرِيض الصَّحِيح فِيهَا فَمَا الْحَاجة إِلَى ذكر مَا لَا حَاجَة إِلَى ذكره لعدم خطوره ببال من لَهُ بَال، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاك كَالَّذي قبله فَفِي ذكره خلل لَا فِي تَركه، فَلْيتَأَمَّل اهـ. قَوْله: (أَي غير الْمقر) صَوَابه الْمقر لَهُ وَكَأَنَّهَا سَقَطت من قلم النَّاسِخ، وَذَلِكَ لَان مُوجب الاقرار يثبت بتصادقهما، وَلَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر. وَالْحَاصِل: أَن الْوَلَاء كالنسب وَثُبُوت النّسَب من الْغَيْر يمْنَع صِحَة الاقرار، فَكَذَا الْوَلَاء. قَوْله: (من صِحَة الاقرار بَالَام) فِي جابن الرجل وَالْمَرْأَة. قَوْله: (لَان النّسَب للآباء لَا للامهات) فِيهِ أَنه لَا يُنكر انتساب الْوَلَد إِلَى أمه، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه ينظر فِي النّسَب والدعوة للاب. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِي حَوَاشِي شيخ الاسلام الْحَفِيد على صدر الشَّرِيعَة: هَذَا أَي مَا ذكر من صِحَة إِقْرَار الرجل بِالْوَلَدِ والوالدين وَالزَّوْجَة وَالْمولى وَمَا ذكر من صِحَة إِقْرَارهَا بالوالدين وَالزَّوْج وَالْمولى مُوَافق لتقدير الْهِدَايَة وَالْكَافِي وتحفة الْفُقَهَاء، لكنه مُخَالف لعامة الرِّوَايَات على مَا فِي النِّهَايَة، ولتقرير الْخُلَاصَة وَالْمُحِيط وقاضيخان حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يجوز إِقْرَار الرجل بوارث مَعَ ذِي قرَابَة مَعْرُوفَة إِلَّا بأَرْبعَة: الابْن والاب وَالزَّوْجَة وَالْمولى، فَفِيمَا وَرَاء الاربعة كالام مثلا لَا تَرث مَعَ الْوَارِث الْمَعْرُوف، أما الاقرار فَصَحِيح فِي نَفسه حَتَّى يقدم الْمقر لَهُ على بَيت المَال إِذا لم يبْق وَارِث مَعْرُوف. تَأمل. اهـ ط. قَوْله: (وَفِيه حمل الزَّوْجِيَّة على الْغَيْر) المضر تحميل النّسَب على الْغَيْر لَا الزَّوْجِيَّة على أَن الْمقر يُعَامل بِإِقْرَارِهِ من جِهَة الارث، وَإِن كَانَ إِقْرَاره لَا يسري على الزَّوْج ط. قَوْله: (وَلَكِن الْحق الخ) الظَّاهِر من نقل الْحَفِيد أَنَّهُمَا قَولَانِ. قَوْله: (بِجَامِع الاصالة) وَهُوَ فِي الاب مَعْلُول بِأَن الانتساب إِلَيْهِ كَمَا قدمه من التَّعْلِيل على مَا فِيهِ، وَلَا يظْهر ذَلِك فِي حق الام، وَلَيْسَت الْعلَّة الاصالة وَإِلَّا لثبت النّسَب فِي الْآبَاء الاعلين، وَقد تقدم عَن الزَّيْلَعِيّ خِلَافه. قَوْلُهُ: (وَكَذَا صَحَّ) أَيْ إقْرَارُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَابِلَة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْقَابِلَة لَيست بِقَيْد، وَمن قيد بِهِ فباعتبار الْعَادة من حُضُورهَا وَقت الْولادَة. أَفَادَهُ الرحمتي. وَأفَاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 بمقابلته بقوله بعده أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ جَحَدَ الزَّوْجُ وَادَّعَتْهُ مِنْهُ، وَأَفَادَ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى إقْرَارِهَا، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَسَيَأْتِي، فقد علم أَن قَوْله إِن شهِدت الخ مَحَله عِنْد التجاحد، وَأفَاد كَلَامه أَنه إِذا لم يُوجد شَرط صِحَة الاقرار لَا يعْمل بِهِ فِي حَقه أَيْضا. وَفِي الشلبي عَن الاتقاني: وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَإِنْ صَدَّقَهَا، وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ إقْرَارَهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا يَقْضِي بِالنَّسَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَة الْقَابِلَة، فَإِن شهِدت لَهَا امْرَأَة على ذَلِك وَقد صدقهَا الْوَلَد ثَبت نسبه مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إِذا لم تشهد لَهَا امْرَأَة وَقد صدقهَا زَوجهَا ثَبت النّسَب مِنْهُمَا، لَان النّسَب يثبت بتصادقهما لانه لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا، كَذَا فِي شرح الْكَافِي اهـ. فَلْيتَأَمَّل. وَهَذَا يُفِيد أَن شَهَادَة الْقَابِلَة مثلا لثُبُوت النّسَب إِذا أنكر وِلَادَتهَا. ف قَوْله: (بِتَعْيِين الْوَلَد) إِنَّمَا يكون هَذَا إِذا تَصَادقا على الْولادَة، وَاخْتلفَا فِي التَّعْيِينَ. وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ: فَتثبت الْولادَة بشهادتها، ويلتحق النّسَب فِي الْفراش. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ. قَوْله: (بِتَعْيِين الْوَلَد) وَكَذَا بإثباته لَو جحد: أما الثَّابِت بالفراش فَبعد اعترافه بِالْولادَةِ: أَي إِذا اعْترف أَنَّهَا ولدت ثَبت أَنه مِنْهُ لقِيَام فرَاشه، فَإِن نَفَاهُ لَاعن أما لَو جحد للولادة أَو تعْيين الْوَلَد فَإِنَّهُ يثبت بِشَهَادَة امْرَأَة لانه مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال عَادَة، حَتَّى لَو شهد بِهِ رجل صَحَّ كَمَا يفهم هَذَا كُله من بَاب ثُبُوت النّسَب، وَلَا بُد فِيهِ من الْعَدَالَة كَمَا هُوَ فِي سَائِر أَنْوَاع الشَّهَادَة. قَوْله: (وَلَو مُعْتَدَّة الخ) إِلَّا مُعْتَدَّة الرَّجْعِيّ إِذا جَاءَت بِهِ لاكثر من سنتَيْن فَإِنَّهُ يثبت بِهِ الرّجْعَة، فَكَانَت زَوْجَة لَا مُعْتَدَّة، فيكتفي فِي إثْبَاته عِنْد الْجحْد بِشَهَادَة امْرَأَة على مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْر وَأقرهُ عَلَيْهِ فِي النَّهر وَالشَّارِح فِي بَاب ثُبُوت النّسَب. قَوْله: (جحدت) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول أَي جحد الزَّوْج، أَو ورثته. قَوْله: (أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ) بَيَان لمحل اشْتِرَاط شَهَادَة الْمَرْأَة وَمَا عطف عَلَيْهَا. قَوْله: (أَو كَانَت مُعْتَدَّة مِنْهُ) بِأَن طَلقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا فادعت الْوَلَد، فَلَا بُد من تَصْدِيق الزَّوْج أَو الْوَرَثَة، فَإِن كذبت يَكْفِي شَهَادَة الْقَابِلَة أَو امْرَأَة غَيرهَا، هَذَا مَا يفهم مِمَّا هُنَا، وَبِه صرح الْعَيْنِيّ تبعا للزيلعي، لَكِن تقدم فِي بَاب ثُبُوت النّسَب أَن الْمُعْتَدَّة إِذا جحدت وِلَادَتهَا لَا يثبت نسب وَلَدهَا إِلَّا بِحجَّة تَامَّة، ويكتفي بالقابلة عِنْدهمَا، فَلَعَلَّهُ جرى هُنَا على قَوْلهمَا. وَفِي الْمَوَاهِب: لَو جحد ولادَة معتدته فثبوتها بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو بِحَبل ظَاهر أَو اعترافه أَو تَصْدِيق الْوَرَثَة، واكتفينا بِامْرَأَة ثِقَة كتعينه بهَا اهـ. وَهَذَا كُله فِي عدَّة الْبَائِن. أما مُعْتَدَّة الرَّجْعِيّ فَإِنَّهُ يثبت نسبه، وَإِن جَاءَت بِهِ لاكثر من سنتَيْن، وَيكون رَجْعَة، وَحِينَئِذٍ فَتكون زَوْجَة لَا مُعْتَدَّة، ويكتفي فِي إثْبَاته عِنْد الْجحْد بِشَهَادَة امْرَأَة على مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْر كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا. وَاعْلَم أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ لِئَلَّا يَكُونَ تَحْمِيلًا عَلَى الزَّوْج، فَلَو فَقَط شَرْطٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَيْهَا فَيَرِثُهَا الْوَلَدُ وَتَرِثُهُ إنْ صَدَّقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ غَيْرُهُمَا فَصَارَ كالاقرار بالاخ، وَيفهم هَذَا مِمَّا قدمْنَاهُ. قَوْله: (وَصَحَّ) أَي إِقْرَارهَا مُطلقًا: أَي وَإِن لم يُوجد شَهَادَة وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 تَصْدِيق من زوج. قَوْله: (وَلَا مُعْتَدَّة) لَان فِيهِ إلزاما على نَفسهَا دون غَيرهَا فَينفذ عَلَيْهَا. قَوْله: (وَادعت أَنه من غَيره) أَي فَيصح إِقْرَارهَا فِي حَقّهَا فَقَط. قَوْله: (فَصَارَ كَمَا لَو ادَّعَاهُ مِنْهَا الخ) لَكِن يفرق بَينهَا وَبَين مَا قبلهَا بِأَن دَعْوَى الزَّوْج لَا تتَوَقَّف على تَصْدِيق الْمَرْأَة لانه يتَزَوَّج غَيرهَا، ويتسرى بِملك الْيَمين، وَلَكِن لَا يلْزمهَا لَو ادّعى أَنه مِنْهَا إِلَّا بتصديقها، وَالْمَرْأَة لَو صَحَّ إِقْرَارهَا بِالْوَلَدِ للَزِمَ الزَّوْج، لَان الْوَلَد للْفراش فَلَا بُد من تَصْدِيقه أَو حجَّة تقوم عَلَيْهِ، وَيَكْفِي الْوَاحِدَة لانه مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال، إِلَّا إِن قَالَت هُوَ من غَيره فقد نفته عَنهُ فيلزمها وَلَا يلْزمه. قَوْلُهُ: (قُلْت) أَقُولُ: غَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ زَوْجٍ آخَرَ كَوْنُهُ مِنْ الزِّنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَبِفَرْضِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ الزِّنَا يَلْزَمُهَا أَيْضًا، لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا وَاللِّعَانِ يَرِثُ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ، فَلَا وَجْهَ للتوقف فِي ذَلِك. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (بَقِيَ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ) أَي وَقد ادَّعَت أَنه من غير هَذَا الزَّوْج، وَالظَّاهِر ثُبُوته مِنْهَا لعدم تحميل نسب على مَعْلُوم فيرثها. قَالَ الرحمتي: هُوَ دَاخل تَحت قَوْله وَادعت أَنه من غَيره لشُمُوله مَا إِذا عرف لَهَا زوج غَيره أَو لم يعرف، إِذْ يَكْفِي فِي ذَلِك الامان الْعقلِيّ كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاقهم. قَوْله: (فيحرر) وَهُوَ أَنه يثبت نسبه من الام كَمَا علمت، لَان غَايَة مَا يكون كَونه من الزِّنَا، وَهُوَ يثبت من الام لَا الاب. قَوْله: (وَلَا بُد من تَصْدِيق هَؤُلَاءِ) يَعْنِي الْوَلَد والوالدين وَالزَّوْجَة وَالْمولى وَالزَّوْج، لَان إِقْرَار غَيرهم لَا يلْزمهُم لَان كلا مِنْهُم فِي يَد نَفسه. عَيْني. قَوْله: (وَلَو كَانَ الْمقر لَهُ عبد الْغَيْر) أَي فَادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو أَنه زَوجهَا أَو كَانَت أمة فَأقر أَنَّهَا زَوجته. قَوْله: (وَصَحَّ التَّصْدِيق من الْمقر لَهُ) بِنسَب أَو زوجية: أَيْ وَلَوْ بَعْدَ جُحُودِ الْمُقِرِّ لِقَوْلِ الْبَزَّازِيِّ: أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ جَحَدَ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي حَيَاتِهِ أَو بعد مَوته جَازَ اهـ. قَوْله: (لبَقَاء النّسَب وَالْعدة بعد الْمَوْت) بِهَذَا علم أَن المُرَاد بِمَوْت الْمقر فِي جَانب الزَّوْجِيَّة الزَّوْج، وَإِذا صَحَّ إِقْرَاره كَانَ لَهَا الْمِيرَاث وَالْمهْر. أَبُو السُّعُود: أَي لبَقَاء حكم النِّكَاح وَهُوَ الْعدة. قَوْله: (إِلَّا تَصْدِيق الزَّوْج بعد مَوتهَا) أَي إِنَّهَا أقرَّت بِنِكَاح لرجل وَمَاتَتْ، فصدقها الزَّوْج لم يَصح تَصْدِيقه عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا يَصح، فَعَلَيهِ مهرهَا وَله الْمِيرَاث مِنْهَا لابي حنيفَة أَنَّهَا لما مَاتَت زَالَ النِّكَاح بعلائقه، حَتَّى يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا وأربعا سواهَا، وَلَا يحل لَهُ أَن يغسلهَا فَبَطل إِقْرَارهَا، فَلَا يَصح التَّصْدِيق بعد بطلَان الاقرار. وَقَول الْعَيْنِيّ: وَكَذَا إِذا أقرّ الرجل بِالزَّوْجِيَّةِ فصدقته الْمَرْأَة بعد مَوته عِنْد أبي حنيفَة ظَاهر فِي التَّسْوِيَة بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلِهَذَا تعقبه الشَّيْخ شاهين بِأَن تَصْدِيق الزَّوْجَة بعد موت الزَّوْج صَحِيح بالِاتِّفَاقِ، لَان حكم النِّكَاح بَاقٍ فِي حَقّهَا وَهِي الْعدة فَإِنَّهَا من آثَار النِّكَاح، وَلِهَذَا جَازَ لَهَا غسله مَيتا كَمَا فِي حَال الْحَيَاة، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي تَصْدِيق الزَّوْج بعد مَوتهَا، فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يجوز، وَعِنْدَهُمَا يجوز. زَيْلَعِيّ قَوْله: (بموتها) كَذَا فِي نُسْخَة، وَهُوَ الصَّوَابُ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. قَوْله: (بِخِلَاف عَكسه) أَي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 فَإِن النِّكَاح لم يَنْقَطِع بعلائقه. قَوْله: (وَلَو أقرّ رجل) مثله الْمَرْأَة. قَوْله: (كَمَا فِي الدُّرَر) عِبَارَته: أقرّ بِنسَب من غير ولاد كأخ وَعم لَا يثبت: أَي النّسَب وَلَا يقبل إِقْرَاره فِي حَقه، لَان فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، فَإِن ادّعى نَفَقَة أَو حضَانَة يقبل فِي حَقّهَا، وَيُورث إِلَّا مَعَ وَارِث وَإِن بعد: يَعْنِي إِذا كَانَ للْمقر وَارِث مَعْرُوف قريب أَو بعيد فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فالارث للعمة وَالْخَالَة، لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوف اهـ. قَوْله: (لفساده بالجد وَابْن الابْن) فَإِنَّهُمَا فِي حكم غَيرهمَا مِمَّا فِيهِ تحميل على الْغَيْر، إِلَّا أَن يخص كَلَام الدُّرَر بالاب وَالِابْن، لانه أَرَادَ بِهِ الولاد الاصلي أَو الفرعي بِلَا وَاسِطَة، وَهُوَ الْكَامِل، فَيشْمَل الْغَيْر ابْن الابْن وَالْجد كَمَا صرح بهما فِي الْكَافِي: أَرَادَ بِابْن الابْن فرع الْوَلَد وبالجد أصل الابوين، وَمثل هَذَا الاجمال غير قَلِيل فِي الْمُتُون فَلَا يعد مخلا كَمَا لَا يخفى. لَا يُقَال: إِن صَاحب الدُّرَر قَالَ: وَإِن أقرّ بِنسَب من غير ولاد لَا يَصح وَهُوَ غير شَامِل لمن إِذا ادّعى أَنه جده أَو ابْن ابْنه مَعَ أَنه لَا يَصح أَيْضا لما فِيهِ من تحميل النّسَب على الْغَيْر، وَقَوله هُنَا وَإِن أقرّ بِنسَب فِيهِ تحميل الخ شَامِل لذَلِك، فَكَانَ أولى لحمل كَلَامه على مَا قُلْنَا. تَأمل. أَقُول: وَلَا تنس مَا تقدم من صِحَّته عَن الْبُرْهَان وَمن تنظير الْمَقْدِسِي لَهُ، وَقَول صَاحب الدُّرَر أَيْضا: وَيَرِث إِلَّا مَعَ وَارِث وَإِن بعد أطلقهُ، فَشَمَلَ الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَهَذَا مُسْتَقِيم على قَول بعض مَشَايِخنَا أَنه يرد عَلَيْهِمَا أَيْضا فِي زَمَاننَا كَمَا فِي الْقنية، والاصح أَن لَيْسَ لَهما الرَّد فيرث الْمقر لَهُ مَعَهُمَا كَمَا فِي البرجندي، وَأَرَادَ بالقريب صَاحب فرض وعصبة وَلَو مولى الْعتَاقَة، وبالبعيد من كَانَ من ذَوي الارحام وَمولى الْمُوَالَاة، وَلَا يكون لَهُ الثُّلُث بِالْوَصِيَّةِ، لانه مَا أوجبه وَصِيَّة وَإِنَّمَا أوجبه إِرْثا كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيره، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا لم يُخَالف مَا سبق عَن الْقنية ندبر. قَوْله: (وَابْن الابْن) أَي إِذا كَانَ فِي حَيَاة ابْنه، لَان فِيهِ حمل النّسَب على الْغَيْر كَمَا قَيده الْحَمَوِيّ. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَعلم أَن الاقرار بِابْن الابْن ذكره فِي التَّنْوِير وَشَرحه مُطلقًا، لَكِن ذكره الْحَمَوِيّ بِخَطِّهِ مُقَيّدا بِمَا إِذا أقرّ بِهِ فِي حَيَاة ابْنه مُعَللا بِأَن فِيهِ حمل النّسَب على الْغَيْر اهـ فَلْيحْفَظ قَوْله: (إِلَّا ببرهان) يعم مَا إِذا أَقَامَهُ الْمقر أَو الْمقر لَهُ على الْمقر عَلَيْهِ وَهُوَ من حمل عَلَيْهِ النّسَب قَوْله: (وَمِنْه إِقْرَار اثْنَيْنِ) أَي من وَرَثَة الْمقر عَلَيْهِ فيتعدى الحكم إِلَى غَيرهمَا، وَإِنَّمَا قيد بِاثْنَيْنِ لَان الْمقر لَو كَانَ وَاحِدًا اقْتصر حكم إِقْرَاره عَلَيْهِ، أما إِقْرَار وَرَثَة الْمقر لَهُ لَا يثبت النِّسْبَة فَإِنَّهُ كتصديقه، وَأطلق فِي الِاثْنَيْنِ فَشَمَلَ الرجل والمرأتين. قَالَ فِي الْبَدَائِع إِن الْوَارِث لَو كَانَ كثيرا فَأقر وَاحِد مِنْهُم بِأَخ آخر وَنَحْوه لَا يثبت نسبه وَلَا يَرث مَعَهم، وَلَو أقرّ مِنْهُم رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ يثبت نسبه بالِاتِّفَاقِ، وَلَو كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فَأقر بِهِ يثبت بِهِ عِنْد أبي يُوسُف، خلافًا لابي حنيفَة وَمُحَمّد، وَبقول أبي يُوسُف أَخذ الْكَرْخِي. اهـ. وَظَاهر إِطْلَاق الْمُتُون على تَرْجِيح قَوْلهمَا كَمَا لَا يخفى قَوْله: (كَمَا مر فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ) حَيْثُ قَالَ أَوْ تَصْدِيقِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، حَتَّى النَّاسِ كَافَّةً إنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِهِمْ: أَيْ بِالْمُقِرِّينَ، وَإِلَّا يَتِمَّ نِصَابُهَا لَا يُشَارِكُ المكذبين لانها لَا تكون شَهَادَة حِينَئِذٍ حَتَّى تتعدى، بل يكون مُجَرّد إِقْرَار وَهُوَ قَاصِر على الْمقر فَقَط، بل لَا بُد من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 الشَّهَادَة ونصابها حَتَّى تكون حجَّة تتعدى على غَيرهمَا. قَوْله: (وَكَذَا لَو صدقه الْمقر عَلَيْهِ) هُوَ من حمل عَلَيْهِ النّسَب. قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَرَثَةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَمِنْهُ إِقْرَار اثْنَيْنِ لَكِن كَلَامه هُنَا فِي تَصْدِيقِ الْمُقِرِّ وَهُنَاكَ فِي نَفْسِ الاقرار، وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنَى سَوَاءً لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّصْدِيقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ أَوْ صَدَقَ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعلم تَأمل. قَالَ: وَيُمكن التَّفْرِقَة بَينهمَا بِأَن صُورَة الاولى: أقرّ اثْنَان من وَرَثَة الْمقر عَلَيْهِ فبه يثبت النّسَب، وَصُورَة الثَّانِيَة: أقرّ الْمقر وَصدقه اثْنَان من وَرَثَة الْمقر عَلَيْهِ. قَوْله: (وهم من أهل التَّصْدِيق) بِأَن يَكُونُوا بالغين عاقلين، وَتمّ نِصَاب الشَّهَادَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا مَا يفِيدهُ، لَكِن هَذَا بِالنّظرِ لثُبُوت النّسَب، أما بِالنّظرِ لاسْتِحْقَاق الارث فيستحقه، وَلَو الْمُصدق امْرَأَة وَاحِدَة كَانَت هِيَ الوارثة فَقَط مَعَ الْمقر. ط. قَوْله: (حَتَّى تلْزمهُ) بِرَفْع تلْزم لَان حَتَّى للتفريع لَا للغاية. قَوْله: (من النَّفَقَة) أَي إِذا كَانَ ذَا رحم محرم من الْمقر. قَوْله: (والحضانة) فِيهِ أَنه يشْتَرط فِي لُزُوم هَذِه الاحكام تَصْدِيق الْمقر لَهُ، وَهُوَ لَا يكون محضونا فيراد بالحضانة الضَّم إِلَيْهِ فِيمَا إِذا كَانَ الْمقر لَهُ بِنْتا بَالِغَة يخْشَى عَلَيْهَا، وَلَا يُقَال: تظهر فِي فرع الْمقر لَهُ إِذا مَاتَ عَنهُ. قُلْنَا: الظَّاهِر أَن الْحَضَانَة كالارث لَا تظهر فِي غير الْمقر لَهُ، أَفَادَهُ الْعَلامَة الطَّحْطَاوِيّ قَوْله: (والارث) أَي فِي حَقّهمَا فَقَط بِحَيْثُ لَا يمنعان بإقرارهما وَارِثا آخر كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (كذوي الارحام) قد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ عَن الْكَافِي تَفْسِير الْقَرِيب والبعيد. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: نَاقِلا عَن الْعِنَايَة مُفَسرًا للقريب بذوي الْفُرُوض، والعصبات والبعيد بذوي الارحام بعد ذكر مَا مَشى عَلَيْهِ الشَّارِح، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إرْثُهُ بَعْدَ ذَوي الارحام مقدما على الْمقر لَهُ بِنسَب الْغَيْر اهـ. فَتنبه. قَوْله: (وَرثهُ) أَي الْمقر لَهُ وَيكون مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا إلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ. أَبُو السُّعُود عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ. قَوْله: (لَان نسبه لم يثبت) قَالَ فِي الْمنح: وَهَذَا لانه أقرّ بشيئين بِالنّسَبِ، وباستحقاق مَاله بعده، وَهُوَ فِي النّسَب مقرّ على غَيره فَيرد وَفِي اسْتِحْقَاق مَاله مقرّ على نَفسه، فَيقبل عِنْد عدم المزاحم، لَان ولَايَة التَّصَرُّف فِي مَاله عِنْد عدم الْوَارِث لَهُ فيضعه حَيْثُ شَاءَ، حَتَّى كَانَ لَهُ أَن يُوصي بِجَمِيعِ المَال فَلِذَا كَانَ لَهُ أَن يَجعله لهَذَا الْمقر لَهُ. وَالظَّاهِر أَن الْمقر يَرث الْمقر لَهُ، لَان صدقه وَهُوَ إِقْرَار، وَلكنه يتَأَخَّر عَن الْوَارِث الْمَعْلُوم. قَوْله: (فَلَا يزاحم الْوَارِث الْمَعْرُوفَ) قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ لِلْخَالَةِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِث الْمَعْرُوف. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ بِالْوَارِثِ الَّذِي يمْنَع الْمقر لَهُ من الارث لانه وَصِيَّة من وَجه، لَان نسبه لم يثبت فَثَبت حق الرُّجُوع وَارِث من وَجه، حَتَّى لَو أوصى لغيره بِأَكْثَرَ من الثُّلُث لَا ينفذ إِلَّا بِإِجَازَة الْمقر لَهُ مَا دَامَ الْمقر مصرا على إِقْرَاره لانه وَارِث حَقِيقَة كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمقر بِنَحْوِ الْوَلَد والوالدين لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَنهُ، وَبِذَلِك صرح فِي الِاخْتِيَار. قَوْله: (أَي وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) صَوَابُهُ: الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 عبر بِهِ فِيمَا مر، وَيدل عَلَيْهِ قطعا كَلَام الْمنح حَيْثُ قَالَ: قَوْله أَي الزَّيْلَعِيّ: للْمقر أَن يَرْجِعُ عَنْهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى إقْرَارِهِ، أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ إلَخْ، وَعَزَاهُ لِبَعْضِ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ فَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُقِرَّ لَا شَكَّ أَنَّ الضَّمِير فِيهِ للْمقر عَلَيْهِ لَا للْمقر لَهُ، فَعلم أَن قَوْله الْمقر لَهُ صَوَابه الْمقر عَلَيْهِ كَمَا عبر بِهِ صَاحب الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي إنْ بِالتَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي رُوحِ الشُّرُوحِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقَرِّ رَجُلٌ آخَرُ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَى الْمَوْتِ، وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ لثُبُوت النّسَب حِينَئِذٍ اهـ. وَفِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى لِلطَّرَابُلُسِيِّ: وَصَحَّ رُجُوعُهُ لانه وَصِيَّة معنى وَلَا شئ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالْمِنْهَاجِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ، أَمَّا إذَا صَدَّقَ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ، فَلَا يَنْفَعُ الْمُقِرَّ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، لِأَنَّ نَسَبَ الْمُقَرِّ لَهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ اهـ. فَهَذَا كَلَام شرَّاح السِّرَاجِيَّة، فَالصَّوَاب التَّعْبِير بعليه كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهَا هُنَا كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعبارَة الشَّارِح فِي الْفَرَائِض غير محررة. فَتنبه. أَقُول: لَكِن قد يُقَال: إِن هَذَا التصويب غير صَحِيح، وَإِنَّمَا الْخَطَأ فِي الِاسْتِدْرَاك بعده، لَان الاقرار هُنَا من الْمقر لَهُ وَهنا من الْمقر عَلَيْهِ فالاستدراك بِهِ غلط. تَأمل قَوْله: (لَكِن الخ) اسْتِدْرَاك عَن الزَّيْلَعِيّ والبدائع، وَلَا شكّ أَن الزَّيْلَعِيّ وَصَاحب الْبَدَائِع أولى بالاعتماد من شُرُوح السِّرَاجِيَّة، مَعَ أَن الْوَجْه ظَاهر مَعَهُمَا لانه جعله وَصِيَّة من وَجه فباعتباره يَصح الرُّجُوع، وَالْوَصِيَّة يَصح الرُّجُوع عَنْهَا، سَوَاء قبل الْمُوصى لَهُ أم لَا، وَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ والبدائع مُوَافق لما فِي الْكتب، وَعبارَة الْهِدَايَة: حَتَّى لَو أقرّ فِي مَرضه بِأَخ وَصدقه الْمقر لَهُ ثمَّ أنكر الْمقر وراثته ثمَّ أوصى بِمَالِه كُله لانسان كَانَ مَاله للْمُوصى لَهُ، وَلَو لم يوص لَاحَدَّ كَانَ لبيت المَال، لَان رُجُوعه صَحِيح لَان النّسَب لم يثبت فَبَطل الاقرار اهـ. وَأقرهُ الشُّرَّاح. وَقد صرح بِأَنَّهُ بعد تَصْدِيق الْمقر لَهُ لم يَصح رُجُوعه، وَنَقله المُصَنّف مزاد بِهِ بعد تَصْدِيق الْمقر عَلَيْهِ، وَهُوَ الاب مثلا فِيمَا إِذا أقرّ بِأَخ. وَقَالَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى: وَعِنْدِي فِي ثُبُوته بِمُجَرَّد تصادقهما تردد، وَلَعَلَّ مُرَاد بعض شراحها بالتصديق تَصْدِيق أَخ آخر كَمَا مر فَتدبر اهـ. وَذكره بعده فرعا آخر: لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ الشَّافِعِيَّة لَا لَان مَا دَعَا وُجُودُهُ إلَى نَفْيِهِ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ، فَلْيُرَاجَعْ اهـ. وتوضيحه: أَن أَخا الْمَيِّت لَو أقرّ أَن للْمَيت ابْنا، قَالَت الشَّافِعِيَّة: لَا يَصح إِقْرَاره، لانه لَو صَحَّ لبطل كَونه وَارِثا، وَإِذا بَطل كَونه وَارِثا لم يَصح إِقْرَاره، وَظَاهر كَلَام أَئِمَّتنَا أَنه أقرّ بِسُقُوط حق فِي الْمِيرَاث، وَأَن الْمُسْتَحق لَهُ من أقرّ ببنوته للْمَيت فَينفذ عَلَيْهِ. قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَيَنْبَغِي لَك أَن تعرف أَن الرُّجُوع عَن الاقرار بِالنّسَبِ إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ الرُّجُوع قبل ثُبُوت النّسَب كَمَا نَحن فِيهِ، لَان النّسَب لم يثبت لكَونه تحميلا على الْغَيْر وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك، فَإِذا ثَبت النّسَب فَلَا يَصح الرُّجُوع بعد ذَلِك، لَان النّسَب لَا يحْتَمل النَّقْض بعد ثوبته اهـ. وَإِنَّمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 يثبت النّسَب بِتَصْدِيق الْمقر عَلَيْهِ وَهُوَ الاب فِيمَا إِذا أقرّ بِأَخ لَا بِتَصْدِيق الاخ الْمقر لَهُ، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (فَليُحرر عِنْد الْفَتْوَى) تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَهُوَ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ، لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ مَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ فَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ تَحْرِيفُ الصِّلَةِ فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غير الاقرار بِنَحْوِ الْوَلَد. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. أَقُول: وَيُقَال أَيْضا فِي تحريره أَن الاقرار بِالنّسَبِ إِن لم يكن فِيهِ تحميل على الْغَيْر وَوجد التَّصْدِيق لَا يَصح الرُّجُوع فِيهِ، وَإِن كَانَ فِيهِ تحميل على الْغَيْر وَصدقه الْمقر عَلَيْهِ فَلهُ الرُّجُوع، فَالْكَلَام فِي مقامين، وَهَذَا حَيْثُ لم يكن الاقرار بِنَحْوِ الْوَلَد كَمَا علمت، فَتَأمل. قَوْله: (وَمن مَاتَ أَبوهُ الخ) هَذِه الْمَسْأَلَة بِعَينهَا فهمت مِمَّا تقدم فَتَقَع مكررة، إِلَّا أَن يُقَال: إِن الْمقر فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة مورث وَهنا وَارِث، وَإِن كَانَتَا سَوَاء فِي عدم ثُبُوت النّسَب كَمَا فِي أبي السُّعُود عَن الْعَيْنِيّ. قَالَ فِي الْبَدَائِع: إِذا أقرّ وَارِث وَاحِد بوارث كمن ترك ابْنا فَأقر بِأَخ لَا يثبت نسبه عِنْدهمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يثبت وَبِه أَخذ الْكَرْخِي، لانه لما قبل فِي الْمِيرَاث قبل فِي النّسَب وَإِن كَانَ أَكثر من وَاحِد بِأَن كَانَا رجلَيْنِ أَو رجلا وَامْرَأَتَيْنِ فَصَاعِدا يثبت النّسَب بإقرارهم بالاجماع لكَمَال النّصاب، وَيسْتَحق حَظه من نصيب الْمقر اهـ. حموي. قَوْله: (فَأقر بِأَخ) وَإِن كَانَ للْمقر لَهُ أَوْلَاد فَلَا يشْتَرط فِي الْمقر أَن يكون وَارِثا للْمقر لَهُ، بل وَلَو فِي الْجُمْلَة ط. قَوْله: (فَيسْتَحق نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ) وَلَوْ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ شرح الْمُلْتَقى وَبَيَانه فِي الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفسه فَقَط) فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْعِتْقِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ بَيَانِيَّةٌ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقِرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: يَجْعَلُ إقْرَارَهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ، فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أُعْطِيَ الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. وَعِنْدَهُمَا: يَعْنِي عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ، وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ، فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَنَحْنُ نقُول: إِنَّه فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ، فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِ الْمُنكر كالهالك، فَيكون الْبَاقِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَهُمَا خُمُسُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرِّينَ أَخْمَاسًا، وَعِنْدَهُمَا أَرْبعا وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثَمَنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِابْنٍ) أَيْ مِنْ أَخِيهِ الْمَيِّت. قَوْله: (لَان مَا أدّى الخ) أَي لَان مَا أدّى صِحَة وجوده وَهُوَ الاقرار إِلَى نَفْيه انْتَفَى، وَهنا لَو صَحَّ إِقْرَاره بِابْن الاخ تبين أَنه لَيْسَ بوارث وَإِذا لم يكن وَارِثا لَا يَصح إِقْرَاره، فَأدى وجود هَذَا الاقرار إِلَى نَفْيه، فَيَنْتَفِي من أَصله: يَعْنِي لَا يَصح. وَالْحَاصِل: أَن الاخ بِإِقْرَارِهِ بالابن يصير مقرا على نَفْيه فَيحرم من الْمِيرَاث بِسَبَب الابْن، وَإِذا خرج من الْمِيرَاث صَار أَجْنَبِيّا، فَإِقْرَاره غير صَحِيح، وَلم يكن مقرا على نَفْيه فَلَا يَرث الابْن فَيَعُود الْمِيرَاث لَهُ، وَهَكَذَا فَيلْزم الدّور الْحكمِي الَّذِي عده الشَّافِعِيَّةُ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التوريث عَدمه، فقد أدّى وجود الاقرار إِلَى عَدمه بَيَانه كَمَا فِي شرح البولاقي على شرح الشنشوري: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَخٌ حَائِزٌ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحُجِبَ الْأَخُ، فَلَا يَكُونُ الْأَخُ وَارِثًا حَائِزًا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالِابْنِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَلَا يَرِثُ، لِأَنَّ إثْبَاتَ الْإِرْثِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ، وَمَا أَدَّى إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ. وَيجب على الْمقر بَاطِنا أَن يدْفع لَهُ التَّرِكَة إِن كَانَ صَادِقا فِي إِقْرَاره، لانه يعلم اسْتِحْقَاقه المَال، وَالْقَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ: أَنه يثبت نسبه وَيَرِث، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَنقل عَن أبي حنيفَة. وَقيل لَا يثبت وَلَا يَرث، وَبِه قَالَ دَاوُد. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا يثبت نسبه إِلَّا بِإِقْرَار اثْنَيْنِ من الْوَرَثَة. وَعند مَالك: يَرث الْمقر لَهُ وَلَا يثبت نسبه إِلَّا إِذا أقرّ بِهِ عَدْلَانِ من الْوَرَثَة أَو أقرّ بِهِ عدل وَصدقه عدل آخر من الْوَرَثَة، هَذَا غَايَة مَا رَأَيْته. ثمَّ رَأَيْت بعض الافاضل أوضح الْمقَام. بقوله: بَيَان الْمُلَازمَة أَو الاقرار لَا يَصح إِلَّا من وَارِث، وَإِذا صَحَّ هَذَا الاقرار صَار هَذَا الاخ مَعَ وجود الابْن غير وَارِث، وَإِذا صَار غير وَارِث لم يَصح الاقرار بِالنُّبُوَّةِ فَلم تحصل فَائِدَة، فَصَارَ هَذَا الاقرار عَبَثا. وَلنَا أَنه أقرّ بشيئين المَال وَالنّسب على الْغَيْر. وَمن الْمَعْلُوم أَن إِقْرَار الشَّخْص يسري على نَفسه، وَالْمَال ملك نَفسه فَينفذ فِيهِ، وَيلْزمهُ دَفعه لَهُ. وَأما تحميل النّسَب على غَيره فَلَا يملكهُ، فَلَا ينفذ فِيهِ إِقْرَاره، على أَن النّسَب يثبت فِي حق الْمقر مُؤَاخذَة لَهُ بِزَعْمِهِ، حَتَّى لَو مَاتَ الْمقر لَا عَن وَارِث فإرثه لهَذَا الْمقر لَهُ لَا لبيت المَال. هَذَا مَا أَفَادَهُ الْمَتْن قَرِيبا. فَلهَذَا قَالَ الشَّارِح: وَظَاهر كَلَامهم نعم. والاولى أَن يجْزم لَان الاطلاق السَّابِق يعْمل بِهِ حَتَّى يُوجد مَا يخصصه، وَالْمُطلق السَّابِق هُوَ قَوْله وَإِن أقرّ بِنسَب على غَيره إِلَى قَوْله وَيصِح فِي حق نَفسه، وَنَظِيره لَو أقرّ بِعَبْد فاكتسب ثمَّ مَاتَ ثمَّ صدقه الْمقر لَهُ يلْزمه دفع الاكساب لَهُ، مَعَ أَن الاقرار بِالْعَبدِ نَفسه بَطل بِالْمَوْتِ، وَكَذَا لَو أقرّ المُشْتَرِي بِأَن البَائِع أعتق العَبْد ينفذ فِي حق نَفسه. قَوْله: (وَظَاهر كَلَامهم نعم فَليُرَاجع) أَي يَصح الاقرار، لَان مُقْتَضى مَا ذَكرُوهُ هُنَا أَن الْمقر إِذا ثَبت إِقْرَاره بنصاب الشَّهَادَة يثبت النّسَب وَإِن كَانَ النّصاب من الْوَرَثَة، وَإِلَّا فَيعْمل بالاقرار فِي حق نَفسه وَإِن لم يثبت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 النّسَب، وَهنا إقر بِنسَب على الْغَيْر فَلَا يقبل، وَأقر بِالْمَالِ الَّذِي يسْتَحقّهُ ظَاهرا إِنَّمَا هُوَ للْمقر لَهُ فَيكون إِقْرَاره بِهِ على نَفسه فَيقبل. وَيَكْفِي فِي إِقْرَاره كَونه وَارِثا ظَاهرا، وَإِن تبين بِإِقْرَارِهِ أَنه لَيْسَ بوارث لَكِن تقدم فِي الشَّهَادَات أَنه تقبل شَهَادَة الْعَتِيق على مُعْتقه إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي: رجل مَاتَ عَن عَم وَبنت وأمتين وعبدين فَأعتق الْعم الْعَبْدَيْنِ فشهدا أَن الثَّانِيَة أُخْت الْمَيِّت قبل الاولى: أَي قبل الشَّهَادَة بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ. لانا لَو قبلناها لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ، فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الوارثة فَيبْطل الْعتْق اهـ. وَالْحَاصِل: أَن ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ إقْرَارِ هَذَا الْأَخِ بِالِابْنِ وَثَبت نسبه فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ، فَيَرِثُ الِابْنُ دُونَهُ لَمَّا قَالُوا: إنَّ الاقرار بِنسَب عَلَى غَيْرِهِ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمِ بْنِ قطلو بغا الْحَنَفِيّ. وَنَصه: قَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: وَلَوْ كَانَتْ لِلرَّجُلِ عَمَّةٌ أَوْ مَوْلَى نِعْمَةٍ فَأَقَرَّتْ الْعَمَّةُ أَوْ مَوْلَى النِّعْمَةِ بِأَخٍ لِلْمَيِّتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ بِعَمٍّ أَوْ بِابْنِ عَمٍّ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاق مَاله وَإِقْرَاره حجَّة على نَفسه. اهـ. هَذَا كَلَامُهُ. ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا دَوْرٌ عِنْدَنَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَوَانِع وَذكر فِي بَابه اهـ. وَهَذَا مؤيد لما قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن بعض الافاضل أَيْضا فاغتنمه. قَوْله: (فَلَا شئ للْمقر) سبق قبل الِاسْتِثْنَاء أَن مُخْتَار أبي اللَّيْث أَنه لَا يلْزمه قدر حِصَّته، وَكَانَ وضع هَذَا الْفَرْع هُنَاكَ أولى، لَان الدُّيُون تقضى بأمثالها قَوْله: (لَان إِقْرَاره ينْصَرف إِلَى نصِيبه) وَذَلِكَ لَان الْمِائَة صَارَت مِيرَاثا بَينهمَا، فَلَمَّا أقرّ أَحدهمَا باقتضاء أَبِيه ذَلِك صَحَّ فِي نصِيبه خَاصَّة لَا فِي نصيب أَخِيه، فَبَقيت حِصَّة الآخر كَمَا كَانَت، فَيجْعَل كَأَن الْمقر استوفى نصِيبه، ولان الدُّيُون تقضي بأمثالها. وَقد أقرّ الْمقر أَن أَبَاهُ أَخذ خمسين فَوَجَبت، ثمَّ تلتقي قصاصا على الْمَدْيُون فقد أقرّ بدين على الْمَيِّت هُوَ لَا ينفذ فِي حق الْوَارِث الآخر، وَينفذ فِي حَقه خَاصَّة، وَالدّين مقدم على الْمِيرَاث فاستغرق نصِيبه فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا، كَمَا إِذا أقرّ عَلَيْهِ بدين آخر فَيلْزم الْمقر كَمَا مر قبيل بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْحَاذِقِ. قَوْله: (بعد حلفه) أَي حلف الْمُنكر لاجل الاخ لِأَجْلِ الْغَرِيمِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغَرِيمِ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي، وَلَوْ نَكَلَ شَارَكَهُ الْمقر فِي الْخمسين. قَوْله: (لكنه الخ) الاستدارك يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْلِفَ فِي الْأُولَى، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْأَكْمَلِ وَمَرَّ جَوَابُهُ. قَوْلُهُ: (يَحْلِفُ) أَيْ الْمُنْكِرُ بِاَللَّهِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ، فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَدِينِ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ، لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ، وَهُنَا لَمْ يُحَصِّلْ إلَّا النِّصْفَ فَيُحَلِّفُهُ زَيْلَعِيّ. وَقد وفْق أَبُو السُّعُود بَين العبارتين كَمَا ذكرنَا، وَحِينَئِذٍ انْدفع مَا أبداه الْحلَبِي من التَّنَافِي وَحِينَئِذٍ، فَقَوله حَيْثُ لَا يحلف مُخَالف لما قَالَه الاكمل فِي الْمَسْأَلَة الاولى يحلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 الاخ بِاللَّه الخ. وَلَعَلَّ الَّذِي نَفَاهُ الزَّيْلَعِيّ الْحلف لحق الْغَرِيم، وَالَّذِي قَالَه الاكمل لحق أَخِيه الْمقر، لَان كل من إِذا أقرّ بشئ لزمَه يحلف عِنْد إِنْكَاره ليقضي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ. تَأمل. وَفِي الدّرّ الْمُنْتَقى: لَو مَاتَ عَن ابْنَيْنِ وَكَانَ لابيهما الْمَيِّت دين على شخص فَأقر أَحدهمَا بِقَبض أَخِيه نصفه صَحَّ فِي حِصَّته، وَحِينَئِذٍ فالنصف الْبَاقِي للْآخر بعد حلفه. قلت: وَكَذَا الحكم لَو أقرّ بِقَبض كُله لَكِن هُنَا يحلف لحق الْغَرِيم. ذكره الزَّيْلَعِيّ وَغَيره. اهـ. وَالْحَاصِل: أَن فِي الْمَسْأَلَة الاولى لَا يحل ف لِحَقِّ الْغَرِيمِ، لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يحلف الْمُنكر بِاللَّه مَا تعلم أَنه قبض الدّين، فَإِن نكل بَرِئت ذمَّته، وَإِن حلف دفع إِلَيْهِ نصِيبه، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. فصل فِي مسَائِل شَتَّى قَالَ عزمي زَاده: أفرز صَاحب التسهيل هَاهُنَا مسَائِل مهمة وأدرجها تَحت زِيَادَة على سَائِر الْمُتُون، واقتفى صَاحب الدُّرَر أَثَره، وانتخب الْمسَائِل الْمَذْكُورَة فِيهِ من الْكَافِي. اهـ. وَالشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى جمع بَين مَا أَتَى بِهِ فِي التسهيل وَبَين مَا جرت بِهِ عَادَة الْمُتُون من ذكر مسَائِل شَتَّى، فترجم بهَا، وَفِيه ظرفية الشئ فِي نَفسه، لَان الْفَصْل هُوَ الْمسَائِل، إِلَّا أَن يُقَال: الْفَصْل مُرَاد بِهِ الالفاظ مُرَاد بهَا الْمعَانِي فَيكون من ظرفية الدَّال فِي الْمَدْلُول. قَوْله: (المكلفة) أَي الْعَاقِلَة الْبَالِغَة: أَي وَهِي حرَّة أَو مأذونة ط. قَوْله: (فكذبها زَوجهَا) إِمَّا إِذا صدقهَا فَيظْهر فِي حَقه اتِّفَاقًا. قَوْله: (أَيْضا) أَي كَمَا يَصح فِي حَقّهَا وَتَركه لظُهُوره. قَوْله: (وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره) لَان كَونه حجَّة إِنَّمَا هُوَ فِي زعم الْمُقَرّر وزعمه لَيْسَ حجَّة على غَيره، وَلذَا لَا يظْهر فِي حق الْوَلَد وَالثَّمَرَة، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا حجَّة فِي حق الْكل، لَان حجيتها بِالْقضَاءِ وَهُوَ عَام. حموي. قَوْله: (وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل السِّت) الثَّانِيَة: لَو أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِدَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا من ثمن الْعين الْمُؤجرَة فللدائن بيعهَا، وَإِن تضرر الْمُسْتَأْجر قَالَ الشَّيْخ صَالح فِي هَذَا: إِشَارَة إِلَى أَن رب الدّين إِذا أَرَادَ حبس الْمَدْيُون، وَهُوَ فِي إِجَارَة الْغَيْر يحبس، وَإِن بَطل حق الْمُسْتَأْجر قَالَه تفقها، فَوَافَقَ بحث الْمُؤلف الْآتِي. الثَّالِثَة: لَو أَقَرَّتْ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ بِأَنَّهَا بِنْتُ أَبِي زَوْجِهَا وصدقها الاب انْفَسَخ النِّكَاح بَينهمَا، وَمثل الاب الْجد، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّدَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ. الرَّابِعَة: إِذا ادّعى ولد الامة الْمَبِيعَة وللمدعي على أَخٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَتَعَدَّى إلَى حِرْمَانِ الْأَخِ من الْمِيرَاث. الْخَامِسَة: الْمُكَاتَبُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ حُرَّةٍ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ صَحَّتْ، وَمِيرَاثُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ أَخِيهِ. السَّادِسَة: بَاعَ الْمَبِيع ثمَّ أقرّ أَن البيع كَانَ تلجئة وَصدقه المُشْتَرِي، فَلهُ الرَّد على بَائِعه بِالْعَيْبِ، كَذَا فِي الْجَامِع. قَالَ الْحَمَوِيّ: قَوْله لَو أقرّ الْمُؤَجّر الخ، قَالَ بعض الْفُضَلَاء: يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاب حَادِثَة لم أجد فِيهَا نقلا، وَهُوَ أَن رب الدّين إِذا أَرَادَ حبس الْمَدْيُون وَهُوَ فِي إِجَارَة الْغَيْر هَل يحبس وَإِن بَطل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 حق الْمُسْتَأْجر؟ فَهَذَا يُشِير إِلَى أَنه يحبس وَإِن بَطل حق الْمُسْتَأْجر. قَوْله: لَو أقرَّت مَجْهُول النّسَب الخ. وَقعت حَادِثَة بِالْقَاهِرَةِ: وَهِي أَن شخصا أقرّ فِي مرض مَوته بِأَن فلَانا أخي وشقيقي، وَلِهَذَا الْمقر أُخْت شَقِيقَة وَالْمقر لَهُ غير أَب الْمقر، وكل مِنْهُمَا حر الاصل من الاب وصدقت على إِقْرَار أَخِيهَا حَتَّى لَا يشاركها بَيت المَال، وَهِي شافعية الْمَذْهَب، وَثَبت الاقرار بَين يَدي قَاض حَنَفِيّ، وَحكم بِصِحَّة قَاض شَافِعِيّ، فنازع صَاحب بَيت المَال الْمقر لَهُ، وَدَار سُؤَالهمْ بَين الْعلمَاء، فَمنهمْ من أجَاب بِصِحَّة الاقرار وهم الاكثر، وَمِنْهُم: من أجَاب بِبُطْلَانِهِ، وَمِنْهُم عَلامَة الورى الشَّمْس الرَّمْلِيّ مُعَللا بِأَنَّهُ محَال شَرْعِي، إِذْ يَسْتَحِيل أَن يكون لوَاحِد أَبَوَانِ. وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء من الْحَنَفِيَّة: مُقْتَضى مَذْهَبنَا بطلَان الاقرار: أَي فِي خُصُوص هَذِه الْمَسْأَلَة. وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِيل شرعا أَن يكون للْوَاحِد أَبَوَانِ أَو ثَلَاثَة إِلَى خَمْسَة، كَمَا فِي ولد الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة إِذا ادَّعَاهُ الشُّرَكَاء، بل قد يثبت نسب لوَاحِد الْحر الاصل من الطَّرفَيْنِ، كَمَا فِي اللَّقِيط إِذا ادَّعَاهُ رجلَانِ حران كل وَاحِد مِنْهُمَا من امْرَأَة حرَّة كَمَا فِي التاترخانية. اهـ. قَوْله: (وَلم نرها صَرِيحَة) هَذَا الْبَحْث لصَاحب الْمنح، وَمثله فِي حَاشِيَة الاشباه للحموي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (وَعِنْدَهُمَا لَا) لما لم يقف على من يرجح قَول الامام على قَوْلهمَا صرح بِذكر قَوْلهمَا فِي الْمَتْن: فَإِن عَادَته كعادة أَرْبَاب الْمُتُون المألوفة التَّصْرِيح بقولهمَا أَيْضا عِنْد رُجْحَان قَوْلهمَا على قَوْله، وَكَذَا عِنْد التَّسَاوِي بَينهمَا كَمَا فِي الْمولى عبد الْحَلِيم، وَلَكِن يَأْتِي تَصْحِيح قَول الامام. قَوْله: (فَلَا تحبس وَلَا تلازم) لَان فِيهِ منع الزَّوْج عَن غشيانها وإقرارها فِيمَا يرجع إِلَى بطلَان حق الزَّوْج لَا يَصح انْتهى دُرَر. وَالظَّاهِر أَنه على قَوْلهمَا يأمرها القَاضِي بِالدفع وَبيع عَلَيْهَا مَا يُبَاع فِي الدّين ط. قَوْله: (إِفْتَاء وَقَضَاء) منصوبين على الْحَال. قَوْله: (لَان الْغَالِب الخ) فِيهِ نظر، إذْ الْعِلَّةُ خَاصَّةٌ وَالْمُدَّعَى عَامٌّ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَقَوْلُهُ لتوصل بذلك إِلَى منعهَا بِالْحَبْسِ عِنْده لَا يظْهر أَيْضا، إِذا بِالْحَبْسِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا عِنْدَ الْأَبِ، فَإِذًا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَول الامام. اهـ. إِذْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّرْجِيحِ ط. لَكِنَّ قَوْلَهُ إذْ الْحَبْسُ عِنْدَ الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ أَن الْخِيَار فِيهِ للْمُدَّعِي. قَوْله: (فِي حَقّهَا خَاصَّة) أَي فِي بعض الاحكام، فَإِنَّهُ يظْهر فِي حق الزَّوْج فِي الْمُسْتَقْبل، حَتَّى لَو جَاءَت بِولد بعده يكون ملكا للْمقر لَهُ، وَيملك عَلَيْهَا الزَّوْج طَلْقَتَيْنِ فَقَط، وَقد كَانَ يملك عَلَيْهَا ثَلَاثًا. وَهَذَا عِنْد أبي يُوسُف فِي حق الاولاد وإجماعا فِي الطَّلَاق وَالْعدة، فَإِن طَلاقهَا اثْنَتَانِ وعدتها حيضتان، وَقد كَانَ يملك عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَتعْتَد بِثَلَاث حيض، وَالْعدة حق الزَّوْج وَحقّ الشَّرْع، فقد ظهر إِقْرَارهَا فِي حق غَيره كَمَا نَقله الشُّرُنْبُلَالِيّ عَن الْمُحِيط عَن الْمَبْسُوط. قَوْلُهُ: فَوُلِدَ التَّفْرِيعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: فَتَكُونُ رَقِيقَةً لَهُ كَمَا فِي العزمية، وَيَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 (رَقِيق) عِنْد أبي يُوسُف: لانه حكم برقيتها وَولد الرقيقة رَقِيق. دُرَر. قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) هُوَ يَقُول: تزَوجهَا بِشَرْط حريَّة أَوْلَاده مِنْهَا فَلَا تصدق فِي إبِْطَال هَذَا الْحق. اهـ. منح: أَي فَيكون أَوْلَادهَا بعد الاقرار أحرارا، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ إذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ وَصَارَ عبدا، وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْحُرِّيَّةِ بِالْقَضَاءِ، أَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَدٍّ كَامِلٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ بعد ذَلِك. اهـ. قَوْله: (يرد عَلَيْهِ) أَي على عدم صِحَة إِقْرَارهَا فِي حَقه. قَوْله: (انتقاص طَلاقهَا) وَكَذَا عدتهَا كَمَا علمت. قَوْلُهُ: (كَمَا حَقَّقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ وَيرد على كَون إِقْرَارهَا غير صَحِيح فِي حَقه انتقاص طَلاقهَا، لِأَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنَّ طَلَاقَهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً، وَهَذَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الزِّيَادَاتِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِقْرَارِهَا مَلَكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ، وَلَوْ عَلِمَ لَا يَمْلِكُ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ: لَا يَمْلِكُ علم أَو لم يعلم. قيل مَا ذكره فِي الزِّيَادَات قِيَاسٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْكَافِي: آلي وأقرت قبل شَهْرَيْن فهما مدَّته، وَإِنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَدَارُكُ مَا خَافَ فَوْتَهُ بِإِقْرَارِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ بَطَلَ حَقُّهُ، لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّهِ، فَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرٍ أَمْكَنَ الزَّوْجَ التَّدَارُكُ وَبَعْدَ شَهْرَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ حَتَّى لَو طَلقهَا ثِنْتَيْنِ ثمَّ أقرَّت يَمْلِكُ الثَّالِثَةَ، وَلَوْ أَقَرَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَبِينُ بِثِنْتَيْنِ، وَلَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ ثُمَّ أقرَّت تبين بحيضتين اهـ. قُلْتُ: وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي لَا إشْكَالَ لِقَوْلِهِ: إنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ. تَأمل. قَوْله: (وَفرع على حَقه) الاولى أَن يَقُول على قَوْله لَا فِي حَقه. قَوْله: (مَجْهُول النّسَب) قيد بِهِ احْتِرَازًا عَمَّن علم نسبه وحريته فَلَا يَصح إِقْرَاره بِالرّقِّ لتكذيب العيان لَهُ كَمَا لَا يخفى، وَكَذَا من علم أَنه عَتيق الْغَيْر، وَيصِح هَذَا الاقرار من الْمَجْهُول، وَلَو كَانَ صَبيا مُمَيّزا كَمَا فِي تنوير الاذهان، وَيسْتَثْنى مِنْهُ اللَّقِيط حَيْثُ لَا يَصح إِقْرَاره بِأَنَّهُ عبد لفُلَان، إِلَّا إِذا كَانَ بَالغا. أَبُو السُّعُود. وَفِي الاشباه: مَجْهُول النّسَب: لَو أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ وَصَارَ عَبده إِن كَانَ قبل تَأَكد حُرِّيَّته بِالْقَضَاءِ، أَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَدٍّ كَامِلٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ لَا يَصِحُّ إِقْرَاره بِالرّقِّ بعد ذَلِك، وَإِذا صَحَّ إِقْرَاره بِالرّقِّ فأحكامه بعده فِي الْجِنَايَات وَالْحُدُود وَأَحْكَام العبيد وَفِي النتف يصدق، إِلَّا فِي خَمْسَة: زَوجته، ومكاتبه، ومدبره، وَأم وَلَده، وَمولى عتقه. انْتهى. أَقُول: وَهَذَا يُفِيد مَجْهُول النّسَب أَيْضا قَوْله: (صَحَّ إِقْرَاره فِي حَقه) أَي وَصَارَ عَبده إِن كَانَ قبل تَأَكد حُرِّيَّته بِالْقضَاءِ كَمَا علمت. قَوْله: (دون إبِْطَال الْعتْق) أَي دون مَا يتَعَلَّق بعصبة الْمقر من إِرْث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 الْمُعْتق بعد موت الْمقر. قَوْله: (يَرِثهُ وَارثه الخ) لانه مقدم على الْمُعْتق. قَوْله: (وَإِلَّا) صَادِق بِأَن لم يكن لَهُ وَارِث أصلا، أَو وَارِث لَا يَرث الْكل كَأحد الزَّوْجَيْنِ. قَوْله: (فيرث الْكل) أَي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ الْبَاقِيَ) إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا يسْتَغْرق. قَوْله: (كَافِي وشرنبلالية) الاولى: شرنبلالية عَن الْكَافِي، لقَوْله كَذَا فِي الْكَافِي. وَعبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ كَانَ النّصْف لَهَا، وَالنّصف للْمقر لَهُ. اهـ. فَعلم أَن المُرَاد بالوارث ذُو الْفَرْض أَو الْعصبَة، وَإِن كَانَ الْمقر لَهُ مقدما على الرَّد وَهل يقدم على ذَوي الارحام يُرَاجع. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ سَعَى فِي جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبْدِ، وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ يَصْلُحُ للدَّفْع لَا للاستحقاق. اهـ. قَوْله: (الْمقر لَهُ) فَاعل يَرث: أَي وَإِلَّا فيرث الْكل أَو الْبَاقِي الْمقر لَهُ. قَوْله: (فإرثه لعصبة الْمقر) لانه لما مَاتَ انْتقل الْوَلَاء إِلَيْهِم، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ حَيا. دُرَر. وَذَلِكَ لَان إِقْرَاره بِالرّقِّ لَا يظْهر فِي حَقهم، فَلَو كَانَ عصبَة أَوْلَاده فَمن قبل الاقرار أَحْرَار يَرِثُونَ، وَمن بعده من أمة أرقاء لَا ترثون، فَتدبر ط. وَالْحَاصِل: أَن الاقرار حجَّة قَاصِرَة، فَمَا دَامَ حَيا يكون إِرْث الْعَتِيق للْمقر لَهُ عِنْد عدم الْوَارِث، وَبعد الْمقر ينْتَقل الْوَلَاء لعصبته، فَيكون الارث لَهُم فَلَا ينفذ إِقْرَاره عَلَيْهِم، ويستحقون الْمِيرَاث دون الْمقر لَهُ. قَوْله: (لانه لَا عَاقِلَة لَهُ) إِذْ الَّذِي أعْتقهُ صَار رَقِيقا وَالْمقر لَهُ لم يظْهر حكمه فِي حق ذَلِك الْعَتِيق. قَوْله: (وَلَو جنى عَلَيْهِ يجب أَرْشُ الْعَبْدِ) وَعَلَيْهِ فَقَدْ صَارَ الْإِقْرَارُ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي زِيَادَةُ هَذِه الْمَسْأَلَة على السِّت الْمُتَقَدّمَة آنِفا. قَوْله: (لَان حُرِّيَّته بِالظَّاهِرِ) لانا نَظرنَا فِيهَا إِلَى ظَاهر حريَّة الْمُعْتق حَال إِعْتَاقه. قَوْله: (قَالَ رجل لآخر لي عَلَيْك ألف الخ) . أَقُول: هَذِه الْمسَائِل معرفَة أَو مُنكرَة أَو مكررة أَو مَقْرُونا بهَا الْبر يَنْبَغِي أَن تذكر عِنْد قَول المُصَنّف فِي كتاب الاقرار قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ فَقَالَ بَلَى الخ لوَجْهَيْنِ. الاول: أَنَّهَا من قبيل نعم. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نظيرة اتزنها واتزن، فنظير الاول قَوْله الْحق وَنَحْوه، لَان الْمَفْعُول الْمُطلق أَو الْمَفْعُول بِهِ لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ، لَان الْهَاء لَا بُد لَهُ من مرجع سَابق، وَنَظِير الثَّانِي قَوْله الْحق حق وَنَحْوه، لانه كَلَام تَامّ غير مُحْتَاج إِلَى مَا قبله، وَكَذَلِكَ اتزن، ثمَّ هَذِه الالفاظ الرِّوَايَة فِيهَا النصب، وَعَلِيهِ كَلَام المُصَنّف حَيْثُ صرح بِهِ فِي النكرَة: إِمَّا بِكَوْنِهِ على المصدرية وَالتَّقْدِير القَوْل الْحق الخ، أَو بِكَوْنِهِ مَفْعُولا بِهِ: أَي ادعيت الْحق الخ، وَجَاز فِي الْكل الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ فحوى الْكَلَام. فالتقدير: قَوْلك الْحق أَو دعواك الْحق الخ، وَلَو قدر مجرورا فَلهُ وَجه أَيْضا فَيكون التَّقْدِير قَوْلك: أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 دعواك بِالْحَقِّ، وَلَو لم يعرب فَيحمل على وَاحِد مِنْهُمَا، فَلَا يخْتَلف الحكم فِي الْجَمِيع فِي الصَّحِيح. كَذَا فِي الْجَامِع العاملي. قَوْلُهُ: (وَنَحْوَهُ) بِأَنْ كَرَّرَ الْيَقِينَ أَيْضًا مُعَرَّفًا أَو مُنْكرا. قَوْله: (أَو قرن بهَا الْبر) قيد بِهِ لانه لَو قرن بهَا الصّلاح لم يكن إِقْرَارا، لَان الصّلاح مُحكم فِي الرَّد، إِذْ القَوْل لَا يُوصف بِهِ فَيكون أمرا بالصلاح والاجتناب عَن الْكَذِب، فَيحمل مَا قرن بِهِ عَلَيْهِ أطلقهُ وَلكنه مُقَيّد بِالنّصب، إِذْ لَو رفع يكون جملَة تَامَّة من مُبْتَدأ وَخبر فَلَا يَجْعَل جَوَابا لما سبق، بِخِلَاف تَكْرِير هَذِه الالفاظ حَيْثُ يحمل على التَّأْكِيد. وَأَشَارَ بالمقارنة إِلَى أَن الْبر لَو انْفَرد مُعَرفا أَو مُنْكرا أَو مكررا لَا يكون إِقْرَارا لعدم الْعرف. عبد الْحَلِيم. قَوْله: (الْبر حق) هَذَا مِمَّا يَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ وَلَا يَتَعَيَّنُ جَوَابًا، وَالَّذِي فِي نُسْخَة الدُّرَرِ: الْبِرُّ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبْدَالِ ط. قَوْله: (لانه كَلَام تَامّ) من مُبْتَدأ وَخبر مُسْتَقل بِنَفسِهِ، هَذَا هُوَ الْمَنْطُوق، وَجعله جَوَابا إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار دلَالَة الْحَال، وَذَا سَاقِط فِي مُقَابِله. وَقَوله: (لانه لَا يصلح للابتداء) أَي لَان يكون كلَاما مُبْتَدأ، هَذَا هُوَ الظَّاهِر، أَو لَا يصلح لَان يكون مُبْتَدأ، لانه لَو رفع يكون خَبرا لمبتدأ يقدر بِدلَالَة الْحَال، وَهُوَ قَوْلك أَو دعواك على مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. قَوْله: (يَا سارقة الخ) مَأْخَذ هَذِه الْمَسْأَلَة بتفاريعها من بَاب الاقرار بِالْعَيْبِ فِي الْجَامِع الْكَبِير وإتيان المُصَنّف بهَا فِي أَوَاخِر بَاب الْعَيْب أنسب من إِتْيَانه بهَا هُنَا كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (لانه نِدَاء) أَي فِيمَا عدا الاخير وَالنِّدَاءُ إعْلَامُ الْمُنَادَى وَإِحْضَارُهُ لَا تَحْقِيقُ الْوَصْفِ، وَلِهَذَا لَو قَالَ لامْرَأَته يَا كَافِرَة لَا يفرق بَينهمَا. اهـ. دُرَر. قَوْله: (أَو شتمة) أَي فِي الاخيرة وَهِي قَوْله هَذِه السارقة فعلت كَذَا: أَي وَلم يكن لتحقيق الْوَصْف، وَفِي نُسْخَة شتيمة وَيحْتَمل أَن أَو بِمَعْنى الْوَاو، فَإِن كل أَمْثِلَة النداء تصلح للشتم وينفرد الشتم فِي الاخيرة ط. قَوْله: بِخِلَاف هَذِه سارقة وَكَذَا هَذِه السارقة بلام التَّعْرِيف، الْحَاصِل أَن الِاعْتِبَار إِلَى مجئ الْوَصْف خَبرا فيستوي حِينَئِذٍ كَونه مُعَرفا أَو مُنْكرا، بِخِلَاف مَجِيئه نعتا فَحِينَئِذٍ يحمل على الشتم، هَذَا هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي تَلْخِيص الْجَامِع الْكَبِير، وَعَلِيهِ كَلَام الْكَافِي، فَيظْهر مِنْهُ أَن تنكير هَذِه الاوصاف فِي عبارَة المُصَنّف لَيْسَ للِاحْتِرَاز. قَوْله: (حَيْثُ ترد بأحدها) أَي لَو اشْتَرَاهَا من لم يعلم بِهَذِهِ الاخبار ثمَّ علم ط. أَقُول: فِيهِ نظر، لَان الشَّرْط فِي رد الْمَبِيعَة بِالْعَيْبِ أَن يُوجد عِنْد المُشْتَرِي وَالْبَائِع، فَلَو أقرّ البَائِع بِالْعَيْبِ عِنْده وَلم يُوجد عِنْد المُشْتَرِي لَا ترد بل يكون قد زَالَ. تَأمل. قَوْله: (بِخِلَاف أول) فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الاوصاف فِيهَا. قَوْله: (بطرِيق مَحْظُور) مُتَعَلق بالسكران. قَوْله: (محرم) لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْله: (صَحِيح) لتكليفه شرعا لقَوْله تَعَالَى: * ((4) لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى) * (النِّسَاء: 34) خاطبهم تَعَالَى ونهاهم حَال سكرهم. أشباه. قَوْله: (أقيم عَلَيْهِ الْحَد فِي سكره) لَعَلَّه سبق قلم. وَالصَّوَاب الْقصاص لانه لَا فَائِدَة فِي انْتِظَاره، وَأَشَارَ إِلَى أَن الْحَد تَارَة يقْصد بِهِ تَأْدِيب بإيصال الالم إِلَيْهِ، وَهَذَا لَا يحصل فِي حَال السكر فَلَا يُقَام عَلَيْهِ فِيهِ لانه لَا يحس بِهِ كَحَد الشّرْب وَالْقَذْف، وَتارَة يقْصد بِهِ تَأْدِيب غَيره أَو تَحْصِيل ثَمَرَته، وَإِن أقيم فِي حَال السكر لبَقَاء أَثَره بعده كالقود فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي النَّفس يحصل بِهِ إزهاق الرّوح، فَلَا فرق أَن يكون فِي حَال الصحو لحُصُول الْمَقْصُود بِهِ، وَهُوَ زجر غَيره أَن يفعل كَفِعْلِهِ، وَكَذَا فِيمَا دون النَّفس الْمَقْصُود بِهِ يحصل فِي حَال السكر أَو فِي حَال الصحو. وَيَنْبَغِي أَن يكون حد السّرقَة كَذَلِك لبَقَاء أَثَره بعد الصحو. قَوْله: (وَفِي السّرقَة يضمن الْمَسْرُوق) أَي لَو أقرّ بِالسَّرقَةِ يتَضَمَّن ذَلِك الاقرار حق الله، وَهُوَ إِقَامَة الْحَد وَحقّ العَبْد، وَهُوَ ضَمَان المَال فَلَا يلْزمه الْحَد لدرئه بِالشُّبُهَاتِ، وَيصِح فِي حق العَبْد فَيضمن المَال الْمَسْرُوق. قَوْله: (سعدي أَفَنْدِي) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، لِأَنَّهُ إذَا صَحَا وَرَجَعَ بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَأَشْبَهَ الاقرار بِالْمَالِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق انْتهى. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَصْحُوَ ثُمَّ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ، ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يخف مِنْهُ الضَّرْبِ، ثُمَّ يُحَدُّ لِلسُّكْرِ. ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَوْ زنى أَو سرق فِي حَالِهِ يُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَة انْتهى. أَقُول: لَكِن فِي قَوْله بِخِلَاف الاقرار أَن الاقرار كَذَلِك فَمَا وَجه الْمُخَالفَة. تَأمل. قَوْله: (إِلَّا فِيمَا يقبل الرُّجُوع كالردة) أَي وَلَو بسب النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا كَسَائِر أَلْفَاظ الرِّدَّة خلافًا لما قدمه الشَّارِح فِي بَابهَا. وَكتب عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابَة حَسَنَة حرر فِيهَا أَن الْقبُول هُوَ الْمَذْهَب، وَأَن عدم الْقبُول هُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى فَارْجِع إِلَيْهِ. وَالْحكمَة فِي عدم صِحَة إِقْرَاره فِيمَا يقبل الرُّجُوع أَن الرِّدَّة مَبْنِيَّة على الِاعْتِقَاد وَهُوَ يعْتَمد وجود الْعقل وَلَا عقل لَهُ مَعَ السكر وَلَو أقرّ، وَلذَا لَو ارْتَدَّ فِي سكره لَا تصح ردته، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا تلْحقهُ أَحْكَام الْمُرْتَد من بينونة زَوْجَة وَنَحْوه، فَليُرَاجع. أما من ثبتَتْ ردته بِالْبَيِّنَةِ وَأنكر فَإِن إِنْكَاره تَوْبَة فَتلْزمهُ أَحْكَام الْمُرْتَد كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. قَوْله: (وَشرب الْخمر) أَي إِذا أقرّ وَهُوَ سَكرَان بِأَنَّهُ شرب الْخمر الَّذِي هُوَ فِيهِ أَو غَيره لَا يَصح إِقْرَاره فَلَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَد، وَإِنَّمَا ترَتّب على الْبَيِّنَة مثلا الاحكام ط. قَوْله: (لَا يعْتَبر) أَي إِقْرَاره. قَوْله: (إِلَّا فِي سُقُوط الْقَضَاء) أَي قَضَاء الصَّلَاة أَزِيد من يَوْم وَلَيْلَة، فَتسقط بالاغماء لَا بالسكر، لانه بصنعه كَمَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 الاشباه قَوْله: (وَتَمَامه فِي أحكامات الاشباه) وعبارتها أَحْكَام السَّكْرَان هُوَ مُكَلّف لقَوْله تَعَالَى: * ((4) لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى) * (النِّسَاء: 34) خاطبهم تَعَالَى ونهاهم حَال سكرهم، فَإِن كَانَ السكر من محرم، فالسكرا مِنْهُ هُوَ الْمُكَلف، وَإِن كَانَ من مُبَاح فَلَا فَهُوَ كالمغمى عَلَيْهِ لَا يَقع طَلَاقه. وَاخْتلف التَّصْحِيح فِيمَا إِذا سكر مكْرها أَو مُضْطَرّا فَطلق، وَقدمنَا فِي الْفَوَائِد أَنه مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ، وزدت على الثَّلَاثَة: تَزْوِيج الصَّغِير وَالصَّغِيرَة بِأَقَلّ من مهر الْمثل أَو بِأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد. الثَّانِيَة: الْوَكِيل بِالطَّلَاق صَاحِيًا إِذا سكر فَطلق لم يَقع. الثَّالِثَة: الْوَكِيل بِالْبيعِ، وَلَو سكر فَبَاعَ لم ينفذ على مُوكله. الرَّابِعَة: غصب من صَاح ورده عَلَيْهِ وَهُوَ سَكرَان وَهِي فِي فُصُول الْعمادِيَّة فَهُوَ كالصاحي، إِلَّا فِي سبع فيؤاخذ بأقواله وأفعاله، وَاخْتلف التَّصْحِيح بِمَا إِذا سكر من الاشربة المتخذة من الْحُبُوب أَو الْعَسَل، وَالْفَتْوَى على أَنه سكر محرم، فَيَقَع طَلَاقه وعتاقه وَلَو زَالَ عقله بالبنج لم يَقع وَعَن الامام أَنه إِن كَانَ يعلم أَنه بنج حِين يشرب يَقع وَإِلَّا فَلَا، وصرحوا بِكَرَاهَة أَذَان السَّكْرَان، واستحباب إِعَادَته وَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح أَذَانه كَالْمَجْنُونِ. وَأما صَوْمه فِي رَمَضَان فَلَا إِشْكَال أَنه إِن صَحا قبل خُرُوج وَقت النِّيَّة أَنه يَصح إِذا نوى، لانا لانشرط التبييت فِيهَا، وَإِذا خرج وَقتهَا قبل صحوة أَثم وَقضى، وَلَا يبطل الِاعْتِكَاف بسكره وَيصِح وُقُوفه بِعَرَفَات كالمغمى عَلَيْهِ، لعدم اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهِ. وَاخْتلفُوا فِي حد السَّكْرَان: فَقيل من لَا يعرف الارض من السَّمَاء وَلَا الرجل من الْمَرْأَة، وَبِه قَالَ الامام الاعظم. وَقيل من فِي كَلَامه اخْتِلَاط وهذيان، وَهُوَ قَوْلهمَا وَبِه أَخذ أَكثر الْمَشَايِخ. وَالْمُعْتَبر فِي قدح السكر فِي حق الْحُرْمَة مَا قَالَاه احْتِيَاطًا فِي الحرمات، وَالْخلاف فِي الْحَد وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا فِي إنتقاض الطَّهَارَة وَفِي يَمِينه لَا يسكر كَمَا بَيناهُ فِي شرح الْكَنْز. تَنْبِيه قَوْلهم إِن السكر من مُبَاح كالاغماء، يسْتَثْنى مِنْهُ سُقُوط الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا يسْقط عَنهُ وَإِن كَانَ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لانه بصنيعه. كَذَا فِي الْمُحِيط انْتهى مَا ذكره فِي الاشباه. قَالَ فِي نور الْعين: وَيلْحق السَّكْرَان بالصاحي فِي الْعِبَادَات والحقوق فَيلْزمهُ سَجْدَة تِلَاوَة وَقَضَاء الصَّلَاة شح، وَإِذا أَفَاق يلْزمه الْوضُوء لَو كَانَ بِحَال لَا يعرف الذّكر من الانثى لَا كمغمى عَلَيْهِ، وَمن سكر من شراب محرم أَو من المثلث لزمَه كل التكاليف الشَّرْعِيَّة، وَيصِح جَمِيع عباراته وتصرفاته سَوَاء شرب مكْرها أَو طَائِعا. بزدوي. السكر لَو بمباح كشرب مكره، ومضطر، وَشرب دَوَاء، وَشرب مَا يتَّخذ من حبوب وَعسل عِنْد أبي حنيفَة كالاغماء يمْنَع من صِحَة طَلَاق، وعتاق وَسَائِر التَّصَرُّفَات، وَالسكر بمحظور كسكر من كل شراب محرم، ونبيذ المثلث، ونبيذ الزَّبِيب الْمَطْبُوخ الْمُعْتق لَا يُنَافِي الْخطاب، فَيلْزمهُ جَمِيع أَحْكَام الشَّرْع، وَتَصِح عباراته كلهَا بِطَلَاق وعتاق وَبيع وَشِرَاء، وأقارير، وَيصِح إِسْلَامه لَا ردته اسْتِحْسَانًا، وَلَو أقرّ بقصاص أَو بَاشر سَببا لزمَه حكمه، وَلَو قذف أَو أقرّ بِهِ لزمَه الْحَد، وَلَو زنى حد إِذا صَحا، وَلَو أقرّ أَنه سكر من خمر طَائِعا لم يحد حَتَّى يصحو فَيقْرَأ وَتقوم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، وَلَو أقرّ بشئ من الْحُدُود لم يحد إِلَّا فِي حد قذف، وتقام عَلَيْهِ الْحُدُود إِذا صَحا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 قَالَ فِي الْهِدَايَة: لَا يحد السَّكْرَان حَتَّى يعلم أَنه سكر من النَّبِيذ وَأَنه شربه طَوْعًا، إِذْ السُّكْرُ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلبن الرماك، وَكَذَا شرب الْمُكْره لَا يُوجب الْحَد وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ تحصيلا لمقصود الانزجار والسكران الَّذِي يحد عِنْد أبي حنيفَة، هُوَ من لَا يعقل منطقا لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا يعقل الرجل من الْمَرْأَة، وَعِنْدَهُمَا: من يهذي ويخلط كَلَامه إِذا هُوَ السَّكْرَان فِي الْعرف، وَإِلَيْهِ مَال أَكثر الْمَشَايِخ، وَالْمُعْتَبر فِي الْقدح الْمُسكر فِي حق الْحُرْمَة مَا قَالَا إِجْمَاعًا أخذا بِالِاحْتِيَاطِ انْتهى. وَقدمنَا عَن الاشباه أَن الْفَتْوَى على قَوْلهمَا فِي إنتقاض الطَّهَارَة، وَفِي يَمِينه أَن لَا يسكر، وَأَنه يسْتَثْنى سُقُوط الْقَضَاء من قَوْلهم السكر بمباح كإغماء، فَإِنَّهُ لَا يسْقط عَنهُ وَإِن كَانَ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لانه بِفِعْلِهِ. قَالَ قاضيخان: يجوز جَمِيع تَصَرُّفَات السَّكْرَان إِلَّا الرِّدَّة والاقرار بالحدود والاشهاد على شَهَادَة نَفسه. وَفِي مَحل آخر مِنْهُ من سكر من خمر أَو شراب متخذ من أصل الْخمر وَهُوَ الْعِنَب وَالزَّبِيب وَالتَّمْر كنبيذ ومثلث وَغَيرهمَا ينفذ جَمِيع تَصَرُّفَاته عندنَا، وَبِه أَخذ عَامَّة الْمَشَايِخ. وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد الطَّحْطَاوِيّ والكرخي والصفار وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَدَاوُد الاصفهاني: لَا يَصح مِنْهُ تصرف مَا وردته لَا تصح عندنَا اسْتِحْسَانًا. إِذْ الْكفْر وَاجِب النَّفْي لَا وَاجِب الاثبات. وَعَن أبي يُوسُف أَنه كَانَ يَأْخُذ بِالْقِيَاسِ وَيَقُول: تصح ردته انْتهى. قَالَ: فَلَو قضى قَاض بقول وَاحِد من هَؤُلَاءِ نفذ قَضَاؤُهُ. وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيمَا يتَّخذ من حبوب وثمار وَعسل: من قَالَ بِوُجُوب الْحَد بالسكر بِهِ يَقُول ينفذ تَصَرُّفَاته ليَكُون زجرا لَهُ، وَمن قَالَ لَا يجب الْحَد بِهِ وَهُوَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر والامام السَّرخسِيّ يَقُول لَا ينفذ تَصَرُّفَاته، وَلَو شَرّ ب شرابًا حلوا فَلم يُوَافقهُ وَذهب عقله بالصداع لَا بِالشرابِ فَطلق، قَالَ مُحَمَّد: لَا يَقع، وَبِه يُفْتى. هَذَا كُله فِي الشَّرَاب طَائِعا، فَلَو مكْرها فَطلق فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع، وَفِي مَحل آخر مِنْهُ: وَلَو شرب الْخمر مكْرها أَو لضَرُورَة وسكر فَطلق اخْتلفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيح أَنه كَمَا لَا يلْزمه الْحَد لَا يَقع طَلَاقه وَلَا تنفذ تَصَرُّفَاته، وَلَو سكر مِمَّا يتَّخذ من حبوب وفواكه وَعسل اخْتلفُوا فِيهِ، قَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر: أَنه كَمَا لَا يلْزمه الْحَد لَا تنفذ تَصَرُّفَاته. قاضيخان. لَو كَانَت الْخمر مغلوبة بِالْمَاءِ تحرم، لَكِن لَا يحد شاربها مَا لم يسكر، وَفِيمَا سوى الْخمر مِمَّا يتَّخذ من عِنَب وزبيب لَا يحد شَاربه مَا لم يسكر، وَمن سكر بالبنج فَالصَّحِيح أَنه لَا يحد، وَلَا تصح تَصَرُّفَاته وَلَا تقع ردته. ابْن الْهمام. عدم وُقُوع طَلَاق السَّكْرَان بالبنج والافيون لعدم الْمعْصِيَة، فَإِنَّهُ يكون للتداوي غَالِبا فَلَا بِكَوْن زَوَال الْعقل بِسَبَب هُوَ مَعْصِيّة، حَتَّى لَو لم يكن للتداوي بل للهو وَإِدْخَال الآفة قصدا يَنْبَغِي أَن نقُول يَقع. وَقَالَ أَيْضا: اتّفق مَشَايِخ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة بِوُقُوع طَلَاق من زَالَ عقله بِأَكْل الْحَشِيش، وَهُوَ الْمُسَمّى ورق القنب لفتواهم بحرمته اتِّفَاقًا من متأخريهم، إِذْ لم يظْهر أَمر الْحَشِيش فِي زمن الْمُتَقَدِّمين سني طَلَاق السَّكْرَان غير وَاقع، وَبِه أَخذ كثير من مَشَايِخ بَلخ، وَهُوَ قَول عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَذَا نَبِيذ عسل وتين وحنطة وشعير وذرة حَلَال، وَإِن لم يطْبخ عِنْد أبي حنيفَة، وَأبي يُوسُف: إِذا شرب بِلَا لَهو وَلَا طرب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخمر من هَاتين الشجرتين، وَأَشَارَ إِلَى كرم ونخل خص التَّحْرِيم بهما، إِذا المُرَاد بَيَان الحكم. ثمَّ قيل: يشْتَرط الطَّبْخ لاباحته، وَقيل لَا، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 الْكتاب. وَهل يحد إِذا سكر مِنْهُ؟ قيل لَا يحد، وَقَالُوا: الاصح أَنه يحد، إِذْ رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِيمَن سكر من الاشربة أَنه يحد بِلَا تَفْصِيل، إِذْ الْفُسَّاق يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَاننَا كَمَا على سَائِر الاشربة بل فَوق ذَلِك. يَقُول الحقير: قَوْله الاصح مُوَافق لما اخْتَارَهُ صَاحب الْمَبْسُوط كَمَا مر، لكنه مُخَالف لما نَقله قاضيخان عَن الْفَقِيه أبي جَعْفَر، وَلما نَقله الْبَزْدَوِيّ أَيْضا عَن أبي حنيفَة، كَمَا مر كِلَاهُمَا فِي أول المبحث، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. هِدَايَة المثلث. العنبي حَلَال عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف إِذا قصد بِهِ التقوية لَا التلهي. وَعند مُحَمَّد: حرَام، وَعنهُ أَنه حَلَال، وَعند أَنه مَكْرُوه، وَعنهُ أَنه توقف فِيهِ مختارات النَّوَازِل نَبِيذ تمر ونبيذ زبيب إِذا طبخ أدنى طبيخ، وَإِن اشْتَدَّ إِذا شرب مَا يغلب على ظَنّه أَنه لَا يسكر من غير لَهو وَلَا طرب جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَهُوَ الصَّحِيح، لانه أبعد من تفسيق الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ونبيذ حِنْطَة وشعير وَعسل حَلَال وَإِن لم يطْبخ إِذا شرب مِنْهُ بِلَا لَهو، عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف فَهُوَ المثلث وَلَا يحد شَاربه عِنْدهمَا، وَلَا يَقع طَلَاقه وَإِن سكر مِنْهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ إذَا سكر مِنْهُ، وَيَقَع طَلَاقه. والاصح فِيهِ قَول مُحَمَّد، وَكَذَا الْمُتَّخذ من الالبان إِذا اشْتَدَّ، فَهُوَ على هَذَا الْخلاف أشباه. صَرَّحُوا بِكَرَاهَة أَذَان السَّكْرَان، والاستحباب الاعادة، وَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح أَذَانه كَالْمَجْنُونِ فضك. سَكرَان جمح فرسه فاصطدم إنْسَانا فَمَاتَ، لَو كَانَ يقدر على مَنعه فَلَيْسَ بمسير لَهُ فَلَا يُضَاف إِلَيْهِ سيره، وَكَذَا غير السَّكْرَان لَو عَاجِزا عَن مَنعه. زوج بنته الصَّغِيرَة بِأَقَلّ من مهرهَا: لَو صَاحِيًا جَازَ عِنْد أبي حنيفَة، أما عِنْدهمَا فَقيل: يجوز النِّكَاح لَا النُّقْصَان، وَنَصّ فِي جمع أَنه لَا يجوز النِّكَاح عِنْدهمَا، وَلَو فِي سكر اخْتلف على قَول أبي حنيفَة، قيل يجوز، وَقيل لَا، وَهُوَ الصَّحِيح فَقَط. تزوج امْرَأَة بِحَضْرَة سكارى وَعرفُوا أَمر النِّكَاح إِلَّا أَنهم لَا يذكرُونَ بعد صحوهم جَازَ ط. وَكله بِطَلَاق فَطلقهَا وَهُوَ سَكرَان، فَلَو وَكله وَهُوَ سَكرَان يَقع إِذْ رَضِي بعبارته، وَلَو وَكله وَهُوَ صَاح لَا يَقع إِذْ رَضِي بِعِبَارَة الصاحي لَا السَّكْرَان خَ. وَكيل بيع وَشِرَاء إِذا سكر نَبِيذ تمر: فَلَو يعرف البيع وَالشِّرَاء وَالْقَبْض قَالَ سنجر: جَازَ عقده على مُوكله كَمَا بَاشر لنَفسِهِ لَا لَو ببنج كمعتوه. وَقَالَ غَيره: لَا يجوز فِي النَّبِيذ أَيْضا، إِذْ بيع السَّكْرَان إِنَّمَا جَازَ زجرا عَلَيْهِ فَلَا يجوز على مُوكله، فَسقط رد الْغَصْب على سَكرَان وَرفع ثَوْبه للْحِفْظ مر فِي أَوَائِل فصل الضَّمَان انْتهى. قَالَ بعض الْفُضَلَاء: وَهل يدْخل فِي ذَلِك تَصَرُّفَات الصَّبِي السَّكْرَان من إِسْلَامه وَغَيره؟ وَكَانَت وَاقعَة الْفَتْوَى تَأمل. أَقُول: الظَّاهِر أَنه لَا يدْخل فِي ذَلِك، لَان الْبَالِغ السَّكْرَان من محرم جعل مُخَاطبا زجرا لَهُ وتغليظا عَلَيْهِ، وَالصَّبِيّ لَيْسَ أَهلا للزجر والتغليظ. كَذَا ذكره فِي الْحَوَاشِي الْحَمَوِيّ. قَوْله: (بَطل إِقْرَاره) قَالَ فِي الذَّخِيرَة: من أقرّ لانسان بشئ وَكذبه الْمقر لَهُ فَقَالَ الْمقر أَنا أقيم الْبَيِّنَة على ذَلِك لَا تقبل بَينته اهـ. بيري. وَلَو عَاد الْمقر فِي الاقرار ثَانِيًا وَصدقه الْمقر لَهُ كَانَ للْمقر لَهُ أَن يؤاخذه بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي. تاترخانية. وَالْمعْنَى: أَنه إِذا كذبه ثمَّ صدقه لَا يعْمل تَصْدِيقه إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ يعْمل تَصْدِيقه بعد التَّكْذِيب ط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 أَقُول: وَمَا نَقله فِي التاترخانية اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس أَن لَا يكون لَهُ ذَلِك، وَفِي الذَّخِيرَة: وَصدقه الْمقر لَهُ بِأَن قَالَ لَك عَليّ ألف دِرْهَم فَقَالَ الْمقر لَهُ أجل لي عَلَيْك، وَلَو أقرّ بِالْبيعِ وَجحد المُشْتَرِي وَوَافَقَهُ الْمقر فِي الْجُحُود أَيْضا ثمَّ إِن الْمقر لَهُ ادّعى الشِّرَاء لَا يثبت الشِّرَاء، وَإِن أَقَامَ المُشْتَرِي بَيِّنَة على ذَلِك وَلَو صدقه البَائِع على الشِّرَاء يثبت الشِّرَاء. اهـ. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ أَقُول: وَجه الْقيَاس أَن الاقرار الثَّانِي عين الْمقر بِهِ أَولا فالتكذيب فِي الاول تَكْذِيب فِي الثَّانِي. وَوجه الِاسْتِحْسَان أَن يحْتَمل أَنه كذبه بِغَيْر حق لغَرَض من الاغراض الْفَاسِدَة فَانْقَطع عَنهُ ذَلِك الْغَرَض، فَرجع إِلَى تَصْدِيقه فجَاء الْحق وزهق الْبَاطِل. اهـ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) أَيْ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (الاقرار بِالْحُرِّيَّةِ) فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَده حر تثبت حُرِّيَّته، وَإِن كذبه العَبْد ط. قَوْله: (وَالنّسب) قد تقدم فِي بَاب دَعْوَى النّسَب فِيمَا تصح فِيهِ دَعْوَى الرجل وَالْمَرْأَة أَنه لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ، إلَّا فِي الْوَلَدِ إِذا كَانَ لَا يعبر عَن نَفسه، وَمن جملَة مَا يشْتَرط تَصْدِيقه مولى الْعتَاقَة، إِلَّا أَن يحمل أَنه إِذا عَاد إِلَى التَّصْدِيق بعد الرَّد يقبل كَمَا قُلْنَا. وَيدل على ذَلِك عبارَة الْبَحْر فِي المتفرقات فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ وَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالنّسب وَالْوَلَاء فَإِنَّهَا لَا ترتد بِالرَّدِّ، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاق وَالْعتاق لَا يبطلان بِالرَّدِّ لانهم إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَأما الاقرار بِالنِّكَاحِ فَلم أره الْآن. اهـ. فتصور الْمسَائِل الْمَذْكُورَة هُنَا مثل تَصْوِير الرّقّ إِلَّا الطَّلَاق وَالْعتاق لما علل بِهِ ط. قَوْله: (وَالْوَقْف) قَالَ فِي الاشباه: أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا رَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ صَحَّ كَمَا فِي الاسعاف. قَوْله: (فِي الاسعاف لَو وقف على رجل الخ) يُشِير بِهِ للرَّدّ على الْمَتْن، وَلَكِن رَأَيْت معزيا للخزانة مَا يُوَافق الْمَتْن، وَهُوَ لَو قَالَ لَا أقبل يبطل، وَقيل لَا يبطل، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد بعض الْمُتَأَخِّرين اهـ. لَكِن فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْوَقْفِ لَا فِي الْوَقْفِ، وَأَيْضًا الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَرْتَدُّ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْإِسْعَافِ عَلَى مَا فِي الاشباه والمنح هَكَذَا: وَيُزَاد الْوَقْف، فَإِن الْمقر لَهُ إِذا زَاده ثمَّ صدقه صَحَّ، وَهِي مُوَافقَة لما نَحن بِذكرِهِ من أَن الاقرار لَا يرْتَد بِالرَّدِّ وَلَو قبل الْقبُول، وَمَا نَقله الشَّارِح من أَن الْوَقْف يرْتَد بِالرَّدِّ قبل الْقبُول لَا بعده هُوَ غير مَا نَحن فِيهِ. وَنقل الْحَمَوِيّ عَن الاسعاف مَا يُنَاسب هَذَا فَقَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وقف عَلَيْهِمَا أَو على أَوْلَادِهِمَا وَنَسْلِهِمَا أَبَدًا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِين فَصدقهُ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَلَا أَوْلَادَ لَهُمَا يَكُونُ نِصْفُهَا وَقْفًا عَلَى الْمُصَدِّقِ مِنْهُمَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمَسَاكِينِ لَو رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ رَجَعَتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ فكذبه الْمقر لَهُ فَإِنَّهَا تصير لَهُ مَا لم يقر لَهُ ثَانِيًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُقَرَّ بِوَقْفِيَّتِهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِأَحَدٍ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا رَجَعَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْأَرْضُ الْمُقَرُّ بِكَوْنِهَا مِلْكًا ترجع إِلَى ملك الْمقر بالتكذيب. اهـ. وَهَذَا غير مَا نَقله الشَّارِح عَنهُ كَمَا علمت، وَهُوَ الْمُنَاسب للمقام والملائم لَان الْمقر لَهُ قد كذب الْمقر ثمَّ صدقه يَصح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 تَصْدِيقه، فَتَأمل. قَوْله: (وَالرّق) أَي لَو قَالَ لَهُ أَنا رفيقك فَأنْكر ثمَّ ادَّعَاهُ وَصدقه العَبْد صَحَّ، وَمِنْه مَا قدمه الشَّارِح فِي كتاب الْعتْق عَن الْخُلَاصَة: قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت غير مَمْلُوك الخ. قَوْله: (وَيُزَاد الْمِيرَاث) أَي فَلَا يعْمل رد الْوَارِث إِرْثه من الْمُورث. قَوْله: (كَمَا فِي متفرقات قَضَاءِ الْبَحْرِ) وَعِبَارَتُهُ: قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، فَإِنَّهَا لَا ترتد بِالرَّدِّ. أما الثَّلَاثَة الاولى، فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُمَا إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أره الْآن انْتهى قَوْله: (وَاسْتثنى ثمَّة مَسْأَلَتَيْنِ من الابراء) أَي من قَوْلهم الابراء يرْتَد بِالرَّدِّ، وَلَا حَاجَة إِلَى ذكرهمَا هُنَا فَإِنَّهُمَا ليسَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ح: أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الاقرار وَمَا ذكره فِي الابراء. وَعبارَته قَالَ: ثمَّ اعْلَم أَن الابراء يرْتَد إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، فَالْمُسْتَثْنَى مَسْأَلَتَانِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ على الْقبُول وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على الْقبُول ليبطلاه كَمَا قدمنَا فِي بَاب السّلم. وَالْحَاصِل: أَن الْكَلَام فِي أَن الاقرار يرْتَد بِالرَّدِّ إِلَّا فِي مسَائِل، وَهَاتَانِ المسألتان ليستا مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجه لزِيَادَة ذَلِك. قَالَ فِي كتاب المداينات: الاقرار يرْتَد بِالرَّدِّ إِلَّا فِي مسَائِل: الاولى: إِذا أَبْرَأ الْمُحْتَال عَلَيْهِ فَرده لم يرْتَد. الثَّانِيَة: إِذا قَالَ الْمَدْيُون أبرئني فَأَبْرَأهُ فَرده وَلَا يرْتَد. الثَّالِثَة: إِذا أَبْرَأ الطَّالِب الْكَفِيل فَرده لم يرْتَد، وَقِيلَ يَرْتَدُّ. الرَّابِعَةُ: إذَا قَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لم يرْتَد اهـ. إِلَّا أَن يُرَاد بقوله وَاسْتثنى مَسْأَلَتَيْنِ من قَوْلهم الابراء يرْتَد بِالرَّدِّ: أَي كَمَا أَنه يسْتَثْنى من قَوْلَهُمْ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، إِلَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ على الْقبُول ليبطلاه، فَإِذا كَانَ الابراء فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يرْتَد بِالرَّدِّ وَإِن لم يقبله بعد فَمن بَاب أولى إِذا رده ثمَّ قبله فَإِنَّهُ لَا يبطل، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار عدهما مَسْأَلَتَيْنِ مِمَّا نَحن فِيهِ، فَتَأَمّله. قَوْله: (فالمستثنى عشرَة) أَي على هَذَا الْمقَال. قَوْله: (وَمَتى صدقه فِيهَا) أَي فِي الاقرار بِعَين أَو دين والابراء وَالْوكَالَة وَالْوَقْف، هَذَا مَا تفيده عبارَة الْعَلامَة عبد الْبر ط. أَقُول: ذكر فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة خمس مسَائِل: مَسْأَلَة الْوكَالَة، فَقَالَ لَو قَالَ لآخر وَكلتك بِبيع هَذَا وَسكت يصير وَكيلا، وَلَو قَالَ لَا أقبل بَطل، وَسَيَأْتِي فِي المقولة الْآتِيَة إِمْكَان تصويرها، وَهَذِه الْمَسْأَلَة الاولى من النّظم. وَقَالَ أَيْضا: الاقرار والابراء لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول ويرتدان بِالرَّدِّ وَهنا أَن الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة من النّظم. وَقَالَ أَيْضا: إِذا سكت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي الْوَقْف على فلَان جَازَ، وَلَو قَالَ لَا أقبل بَطل، وَفِي وقف الاصل لَا تبطل. وَهَذِه الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من النّظم، ثمَّ قَالَ: وَلَو صدقه فِي هَذَا كُله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 ثمَّ رده لَا يرْتَد انْتهى، فَغير هَذَا الشَّارِح عِبَارَته إِلَى مَا ترى، فضمير فِيهَا يرجع إِلَى أَربع مسَائِل مَذْكُورَة فِي شرح الوهبانة، لَا إِلَى الْوكَالَة، وَالْمَسْأَلَة الرَّابِعَة من شرح الْوَهْبَانِيَّة هِيَ هبة الدّين مِمَّن عَلَيْهِ الدّين لَا تصح من غير قبُول، خلافًا لزفَر. كَذَا اخْتَار السَّرخسِيّ: وَقيل الْخلاف على الْعَكْس، وَفِي قاضيخان مثله، وَذكر أَبُو اللَّيْث أَنَّهَا تصح من غير قبُول إِلَّا أَنَّهَا تبطل بِالرَّدِّ، وَفِي الذَّخِيرَة والواقعات أَن عَامَّة الْمَشَايِخ على أَن هبة الدّين وإبراءه يتم من غير قبُول. وَفِي الْعمادِيَّة: الْمَذْكُور فِي أَكثر الْكتب والشروح: أَن الْقبُول لَيْسَ بِشَرْط عندنَا وَهُوَ الصَّحِيح، ثمَّ ذكر عَن الصُّغْرَى أَنه يرْتَد بِالرَّدِّ انْتهى، فَهَذِهِ خمس مسَائِل، لَكِن لم يذكر قَوْله وَلَو صدقه فِي هَذَا كُله، إِلَّا بعد الاربعة الاول، وَهِي الْوكَالَة والاقرار والابراء وَالْوَقْف، وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَقْصُود لَا يفهم من هَذَا الشَّرْح. قَوْله: (لَا يرْتَد بِالرَّدِّ) قد علمت أَن من جملَة مرجع الضَّمِير الْوكَالَة وَهِي عقد غير لَازم، فَكيف لَا ترتد بِالرَّدِّ، وَيُمكن تصويرها فِيمَا إِذا وَكله بشرَاء معِين وَقبل الْوكَالَة فَاشْتَرَاهُ بِمثل مَا عين لَهُ من قدر الثّمن ثمَّ ادّعى أَنه رد الْوكَالَة فَلَا يقبل ط. قَوْله: (وَهل يشْتَرط لصِحَّة الرَّد مجْلِس الابراء) ذكره الْعَلامَة عبد الْبر فِي إِبْرَاء الدَّائِن مديونه من الدّين، وَعبارَته بعد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهل يشْتَرط لصِحَّة الرَّد مجْلِس الابراء؟ اخْتلف الْمَشَايِخ. وَلَو قَالَ أبرئني مِمَّا لَك عَليّ فَقَالَ أَبْرَأتك فَقَالَ لَا أقبل فَهُوَ برِئ. وَفِي بعض النّسخ. هبة الدّين مِمَّن عَلَيْهِ لَا تتمّ إِلَّا بِالْقبُولِ، والابراء يتم لَكِن للمديون حق الرَّد قبل مَوته إِن شَاءَ انْتهى. قَوْله: (وَالضَّابِط) قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر عَن تَقْوِيم الدبوسي: الصَّدَقَة بِالْوَاجِبِ: أَي الثَّابِت فِي الذِّمَّة إِسْقَاط كصدقة الدّين على الْغَرِيم، وَهبة الدّين لَهُ فتتم لَهُ بِغَيْر قبُول، وَكَذَا سَائِر الاسقاطات تتمّ من غير قبُول، إِلَّا أَنَّ مَا فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ مِنْ وَجْهٍ قبل الارتداء بِالرَّدِّ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ تمْلِيك مَال لم يقبل كإبطال حق الشُّفْعَة وَالطَّلَاق، وَهَذَا ضَابِط جيد فَتنبه لَهُ. اهـ. قَالَ بعض الْفُضَلَاء: هَذَا الضَّابِط ظَاهر فِيمَا يقبل الرَّد من الانشاءات، لَكِن هُوَ خَارج عَمَّا الْبَحْث فِيهِ من كَون الاقرار يرْتَد أَو لَا يرْتَد، إِذْ الاقرار لَا تمْلِيك فِيهِ. تَأمل. قَوْله: (صَالح الخ) وليت هَذَا الْفَرْع مَا جعل متْنا وَلَا شرحا، إِذْ أصل الْعبارَة: قَالَ تَاج الاسلام: وبخط شيخ الْإِسْلَامِ وَجَدْتُهُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ وَأَبْرَأَ إبْرَاءً عَاما ثمَّ ظهر شئ فِي التَّرِكَة لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَاز الدَّعْوَى، وَلقَائِل أَيْن يَقُول: يجوز دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول: لَا اهـ. ثمَّ اختصرها فِي الاشباه وَتَبعهُ هُنَا. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: نقلهَا فِي الاشباه بِمَا فِيهِ اشْتِبَاه لَا يَلِيق، لانه معزو إِلَى الْخط، وَفِيه نظر، وَبرهن عَلَيْهِ فِي رِسَالَة اهـ. وَيُؤَيِّدهُ مَا سَيَأْتِي: لَو صَالح الْوَرَثَة أحدهم ثمَّ ظهر عين لم يعلموها هَل تدخل فِي الصُّلْح؟ قَولَانِ: أشهرهما: لَا، فَهَذَا بِلَا إِبْرَاء فِيهِ رِوَايَة مَشْهُورَة بِعَدَمِ السماع، فَكيف مَعَ الابراء الَّذِي بمفرده يمْنَع السماع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادّعى التَّرِكَة وأنكروا لَا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ: أَي لَان الابراء عَن الْعين إِذا منع دَعْوَاهَا فمصادقتهم لَهُ يعْمل بهَا، وَأَيْضًا فرع الْمَتْن يحْتَمل أَن يكون مَا ظهر تَحت يَد الْوَرَثَة وَأَنَّهُمْ أقرُّوا بِأَنَّهُ من التَّرِكَة بعد ذَلِك فَيكون بِسَبَب الصُّلْح فِيهِ رِوَايَتَانِ: قيل لَا تسمع دَعْوَاهُ لَان الْمصَالح خرج عَن كل التَّرِكَة، والاشهر تسمع لانه مَا خرج إِلَّا من قدر مَا علم، فَإِذا انْضَمَّ الابراء إِلَيْهِ رُبمَا ازْدَادَ غير الاشهر قُوَّة عَلَيْهِ وَإِذا كَانَت تَحت يَد أَجْنَبِي، فَكَذَا يُقَال: إِلَّا أَن الابراء لَا يُقَوي غير الاشهر، لعدم يَد المبرأ، وخلط الشَّارِح يَد الْوَصِيّ بِهَذَا الْفَرْع فِيهِ نظر آخر، وَإِن ظَهرت تَحت يَد الْوَرَثَة وأنكروا أَنه من التَّرِكَة فالابراء بِانْفِرَادِهِ مَانع من الدَّعْوَى، فَكيف مَعَ الصُّلْح؟ فَكيف كَانَ قَوْله لَا رِوَايَة فِيهِ، فِيهِ مَا فِيهِ، بل قيل يعْمل بالابراء الْوَاقِع فِي ضمن الصُّلْح ظهر فَسَاده بفتوى الائمة، فَكيف بِهِ فِي الصَّحِيح؟ فليت التَّاج أَخذ تَخْرِيجه على هَذَا. وَيُمكن تَوْجِيهه بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنه ظهر تَحت يَد أَجْنَبِي، وَتقدم عَن ابْن الْغَرْس أَنه لَو أَبْرَأ مُطلقًا ثمَّ ظهر أَنه كَانَ قبل الابراء مَشْغُول الذِّمَّة بشئ من تَرِكَة أبي المبرئ وَلم يعلم بذلك وَلَا بِمَوْت أَبِيه إِلَّا بعد الابراء عمل الابراء عمله، وَلَا يعْذر المبرئ. وَفِي الْخُلَاصَة أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ مَالا بالارث عَن أَبِيه: إِن مَاتَ أَبوهُ قبل إبرائه صَحَّ الابراء وَلَا تسمع دَعْوَاهُ، وَإِن لم يعلم بِمَوْت الاب عِنْد الابراء. اهـ. وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ) عُطِفَ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهَا مَسْأَلَة أُخْرَى. قَوْله: (أَو قبضت الْجَمِيع) أَي لَو أقرّ الْوَارِث أَنه قبض مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادّعى على رجل دينا تسمع دَعْوَاهُ. منح عَن الْخَانِيَّةِ. وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا دَفَعَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ وَأَشْهَدَ الْوَلَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ التَّرِكَةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا قَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْئًا وَقَالَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدي وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة قبلت بَينته. قلت: وَوجه قبُولهَا أَنَّ إقْرَارَ الْوَلَدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْرَاءَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِقَبْضِهِ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا لِلْبَرَاءَةِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي الْأَعْيَانِ. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهَا مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَصِيرَ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الصُّلْح. قَوْله: (ثمَّ ظهر فِي يَد وَصِيّه) هَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي مَسْأَلَة الْوَصِيّ لَا فِي غَيرهَا، فَلَو سَاق المُصَنّف بِتَمَامِهِ إِلَى. قَوْله: (وَقت الصُّلْح) ثمَّ يَقُول أَو ادّعى فِي يَد الْوَصِيّ شَيْئا وَقَالَ هَذَا من تَرِكَة وَالِدي أَو ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِيمَا ذكر لَكَانَ أنسب، فَتَأمل. قَوْله: (لم يكن وَقت الصُّلْح) أَي لم يذكر. قَوْله: (وتحققه) المُرَاد أَنه أثْبته، وَإِلَّا فتحققه من غير إِثْبَات لَا يعْتَبر. قَوْله: (تسمع دَعْوَى حِصَّته مِنْهُ على الاصح) قَالَ فِي الدُّرَر: وَفِي المنتفى إِذا دفع الْوَصِيّ إِلَى الْيَتِيم مَاله بعد الْبلُوغ فَأشْهد الْيَتِيم على نَفسه أَنه قبض جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلم يبْق لَهُ من تَرِكَة وَالِده قَلِيل أَو كثير إِلَّا وَقد اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى شَيْئا فِي يَد الْوَصِيّ وَقَالَ هُوَ من تَرِكَة أبي وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 وَكَذَا لَو أقرّ الْوَارِث أَنه قد استوفى جَمِيع مَا ترك وَالِده من الدّين على النَّاس ثمَّ ادّعى دينا على رجل تسمع دَعْوَاهُ انْتهى. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَصِحَّة دَعْوَاهُ بِهِ لعدم مَا يمْنَع مِنْهَا، لانه إشهادة أَنه قبض جَمِيع تَرِكَة وَالِده الخ لَيْسَ فِيهِ إِبْرَاء الْمَعْلُوم عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ، فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرّد لَا يسْتَلْزم إِبْرَاء فَلَيْسَ مَانِعا من دَعْوَاهُ، ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الحكم فِي إِقْرَار الْوَارِث أَنه استوفى دين وَالِده، فَلَا يمْنَع هَذَا الاقرار دَعْوَى الْوَارِث بدين لمورثه على خصم لَهُ، لانه إِقْرَار غير صَحِيح لعدم إبرائه شخصا معينا أَو قَبيلَة مُعينَة، وهم يُحصونَ، وَهَذَا بِخِلَاف الاباحة لكل من يَأْكُل شَيْئا من ثَمَرَة بستانه فَإِنَّهُ يجوز، وَبِه يُفْتى، وَبِخِلَاف الابراء عَن مَجْهُول لمعلوم فَإِنَّهُ صَحِيح كَقَوْل زيد لعَمْرو حاللني من كل حق لَك عَليّ فَفعل برِئ مِمَّا علم وَمِمَّا لم يعلم، وَبِه يُفْتى. اهـ. قَالَ فِي الخزانة: رجل قَالَ لآخر حاللني من كل حق لَك عَليّ: إِن كَانَ صَاحب الْحق عَالما بِمَا عَلَيْهِ برِئ الْمَدْيُون حكما وديانة، وَإِن لم يكن عَالما بِمَا عَلَيْهِ برِئ حكما لَا ديانَة فِي قَول مُحَمَّد. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يبرأ حكما وديانة، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ. قبل وَإِن لم تسمع الدَّعْوَى لَا يحلف لَان الْيَمين فرع الدَّعْوَى، إِلَّا أَن يَدعِي عدم صِحَة إِقْرَاره بِأَن قَالَ كنت مكْرها فِي إقراري أَو كذبت فِيهِ فَإِنَّهُ يحلف الْمقر لَهُ فَقَوْلهم لعدم صِحَة الدَّعْوَى وَعدم التَّحْلِيف بعد الابراء الْعَام إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا لم يَقع النزاع فِي نفس الاقرار الَّذِي تبتني عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْيَمِين. تَأمل. وَلَا تغفل عِنْد الْفَتْوَى فَإِنَّهُ بحث بَعضهم معي فِي ذَلِك انْتهى. حموي. قَوْله: (صلح الْبَزَّازِيَّة) عبارتها: قَالَ تَاج الاسلام وبخط شيخ الْإِسْلَامِ وَجَدْتُهُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ وَأَبْرَأَ إبْرَاءً عَاما ثمَّ ظهر فِي التَّرِكَة شئ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَجُوزُ دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا انْتَهَت. قَوْله: (وَلَا تنَاقض) هَذَا وَارِد على مَا إِذا قَالَ الْوَارِث للْوَصِيّ قبضت تَرِكَة وَالِدي وَلم يبْق لي حق من تَرِكَة وَالِدي لَا قَلِيل، وَلَا كثير، وَحَاصِل الابراء كَمَا فِي الْمنح وَأَصله لِابْنِ وهبان أَن قَوْلهم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم انْتقض، لَان قَوْله وَلم يبْق لي حق نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فعلى مُقْتَضى الْقَاعِدَة لَا يَصح دَعْوَاهُ بعد ذَلِك لتناقضه، والمتناقض لَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَا بَينته، ثمَّ أجَاب بِمَا ذكره الْمُؤلف ط. قَوْله: (على أَن الابراء عَن الاعيان بَاطِل) أَي الصَّادِر من الْوَارِث للْوَصِيّ، وَالْمعْنَى: لَو أبقينا عُمُوم النكرَة لَا يَصح لما ذكره، وَظَاهر هَذَا، وَلَو ذكرت وَقت الصُّلْح حَيْثُ كَانَ الصُّلْح عَنْهَا نَفسهَا لَا عَن بدلهَا مستهلكة، لَان الابراء يَشْمَل الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي فِي يَد الْمُوصي أَو بَاقِي الْوَرَثَة، إِذْ هِيَ أَعْيَان وَالدّين مَا يكون ثَابتا فِي الذِّمَّة. أَقُول: وكما أَن الابراء عَن الاعيان بَاطِل، فَكَذَا إجَازَة تلف الْمُتْلفَات. قَالَ فِي الْوَجِيز من الدَّعْوَى: أتلف مَال إِنْسَان ثمَّ قَالَ الْمَالِك رضيت بِمَا صنعت وأجزت مَا صنعت لَا يبرأ اهـ. وَأما الابراء عَن دَعْوَى الاعيان فَصَحِيح، ولوارثا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الْعدة. وَقَول المُصَنّف: فِي الصُّلْح أَو الابراء عَن دَعْوَى الْبَاقِي صَرِيح فِي ذَلِك، وَقَول الشَّارِح ثمَّة، وَظَاهر الرِّوَايَة الصِّحَّة مُطلقًا يُفِيد صِحَة الْبَرَاءَة عَن الاعيان، ثمَّ حَقَّقَهُ بِحمْل بطلَان الابراء عَن الاعيان على بُطْلَانه فِي الدّيانَة، وَقيد فِي الْبَحْر بطلَان الابراء عَن الاعيان بالانشاء، أما لَو على وَجه الاخبار، كَهُوَ برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 متناول للدّين وَالْعين، وَكَذَا لَا ملك لي فِي هَذَا الْعين. وَفِي الْمَبْسُوط: وَيدخل فِي لَا حق لي قبل فلَان كل عين أَو دين، وكل كَفَالَة أَو إِجَارَة أَو جِنَايَة أَو حد. ثمَّ قَالَ شَيخنَا: وَقَوله لَا حق لي وَنَحْوه لَيْسَ من الابراء بل إِقْرَار. ثمَّ نقل عَن الْفَوَاكِه البدرية مَا نَصه: أَبْرَأ مُطلقًا أَو أقرّ أَنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا ثمَّ ظهر أَن الْمقر لَهُ كَانَ مَشْغُول الذِّمَّة بتركة أبي الْمقر وَلم يعلم الْمقر بذلك وَلَا بِمَوْت أَبِيه إِلَّا بعد الاقرار أَو الابراء عمل الابراء والاقرار عمله وَلَا يعْذر الْمقر كَمَا قدمْنَاهُ. أَقُول إِنَّمَا لم يفرق بَين الانشاء والاخبار لانه الصَّحِيح وَظَاهر الرِّوَايَة وَفِيه قطع النزاع، وَقد تعورف من الْقُضَاة الْعَمَل عَلَيْهِ، وَقَوله لَيْسَ من الابراء يردهُ قَوْله الْبَزَّازِيَّة: اتّفقت الرِّوَايَات على أَن الْمُدَّعِي لَو قَالَ لَا دَعْوَى لي أَو لَا خُصُومَة لي قبل فلَان يَصح وَلَا تسمع دَعْوَاهُ إِلَّا فِي حق حَادث بعد الابراء. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (كَمَا أَفَادَهُ ابْن الشّحْنَة) لَعَلَّه فِي غير هَذَا الْمحل، فَإِنَّهُ لم يذكرهُ هُنَا عِنْد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة ط. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) أَي فِي حَاشِيَة الدُّرَر وَشرح الْوَهْبَانِيَّة: وَعبارَته فِي الشَّرْح بعد نقل مَا قدمنَا عَن الْمُنْتَقى عازيا لقاضيخان. فَإِن قلت: أَنَّ إقْرَارَ الْوَلَدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْرَاءَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِقَبْضِهِ جَمِيعَ مَا على النَّاس لَيْسَ فِيهِ إِبْرَاء فَتقبل دَعْوَاهُ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا لِلْبَرَاءَةِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي الاعيان، فَإِن الابراء عَن الاعيان لَا يَصح، بِخِلَاف الْبَرَاءَة عَن دَعْوَاهُ. وَيعلم بِهَذَا أَن لَا نقض على قَول أَئِمَّتنَا النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم. وإيراد صَاحب عقد الْفَرَائِض أَن هَذِه الْمَسْأَلَة انْقِضَاء عَلَيْهَا لظَنّه أَنه من قبيل الابراء وَلَيْسَ كَذَلِك، فَلَا احْتِيَاج لما تكلفه الشَّارِح أَيْضا من الْجَواب. وَقد قَالَ: إِنَّه ظهر لَهُ أَن الْوَجْه عدم صِحَة الْبَرَاءَة وَهُوَ كَذَلِك، وَهَذَا ملخصه. اهـ. وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا (تَنْقِيحُ الْأَحْكَامِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ) أَجَابَ فِيهَا بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّة بَين الْوَارِثين مَانِعَة من دَعْوَى شئ سَابق عَلَيْهَا عينا كَانَ أَوْ دَيْنًا بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إمَّا عَامَّةٌ كَلَا حَقَّ أَوْ لَا دَعْوَى أَوْ لَا خُصُومَةَ لِي قِبَلَ فلَان أَو هُوَ برِئ مِنْ حَقِّي أَوْ لَا دَعْوَى لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ أَبْرَأْته مِنْ حَقِّي أَوْ مِمَّا لِي قِبَلَهُ، وَإِمَّا خَاصَّةً بِدَيْنٍ خَاصٍّ كَأَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِ كَذَا أَوْ عَامٍّ كَأَبْرَأْتُهُ مِمَّا لِي عَلَيْهِ فَيَبْرَأُ عَنْ كُلِّ دَيْنٍ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِمَّا خَاصَّةً بِعَيْنٍ فَتَصِحُّ لِنَفْيِ الضَّمَانِ لَا الدَّعْوَى فَيَدَّعِي بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ دَعْوَاهَا فَهُوَ صَحِيح كَمَا علمت. ثمَّ إِن الابراء لشخض مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ لِمَعْلُومٍ صَحَّ وَلَوْ بِمَجْهُولٍ، فَقَوْلُهُ قَبَضْتُ تَرِكَةَ مُوَرِّثِي كُلَّهَا أَوْ كل من لي عَلَيْهِ شئ أَو دين فَهُوَ برِئ لَيْسَ إبْرَاءً عَامًّا وَلَا خَاصًّا، بَلْ هُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ الدَّعْوَى، لِمَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ: لَا دَيْنَ لِي عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صَحَّ لاحْتِمَال وُجُوبه بعد الاقرار اهـ. أَقُول: لَكِن فِيهِ أَن هَذَا الِاحْتِمَال يصدق فِي الدَّعَاوَى كلهَا أَو أَكْثَرهَا بعد الابراء الْعَام مَعَ أَنَّهَا لَا تسمع. وَالصَّوَاب التَّعْلِيل بِعَدَمِ صِحَة الابراء للْمَجْهُول. تَأمل. وَفِيه أَيْضا: وَقَوله هُوَ برِئ مِمَّا لِي عِنْدَهُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْبَرَاءَةِ لَا إنْشَاءٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَكَفَالَةٍ وَإِجَارَة وَجِنَايَة وحد اهـ. وَفِي الْأَصْلِ: فَلَا يَدَّعِي إرْثًا وَلَا كَفَالَةَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَلَا دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ مِيرَاثًا أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 دَارا أَو عبدا أَو شَيْئا من الاشياء حَادِثا بعد الْبَرَاءَة اهـ. فَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَةَ وَأَنْكَرَ وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ. ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَرَاءَةُ عَامَّةٌ لِمَا عَلِمْته، وَلِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَامَّا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ بِالْمَالِ الْمُبْرَأِ بِهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ، قَالَ ذُو الْيَد لَيْسَ هَذَا لي أَو لَيْسَ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدٌ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِي فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ، وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يَمْنَعُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أحد اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. فَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَبْرَأْتُك أَوْ لَا حَقَّ لِي قِبَلَك وَبَيْنَ قَبَضْتُ تَرِكَةَ مُوَرِّثِي أَوْ كُلُّ من عَلَيْهِ دين فَهُوَ برِئ وَلَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا، وَعَلِمْتُ بُطْلَانَ فَتْوَى بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَارِثِ وَارِثًا آخَرَ إِبْرَاء عَاما لَا يمْنَع من دَعْوَى شئ مِنْ التَّرِكَةِ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَأَصْلُهَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُحِيطِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِبْرَاءَ بِكَوْنِهِ لِمُعَيِّنٍ أَوْ لَا، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعَ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ مَعَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ لِمُعَيَّنٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ. كَيفَ وَقد قَالَ قاضيخان: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ إلَّا فِي حَادِثٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبَضْت تَرِكَةَ مُوَرِّثِي وَلَمْ يَبْقَ لِي فِيهَا حَقٌّ إلَّا اسْتَوْفَيْته فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ أَيْضا لما قدمنَا مِنْ النُّصُوصِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ. وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى ذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ بِأَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِي هَذَا الْعَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ. وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ الْإِبْرَاءُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مَعَ مَا فِيهِ. وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُعَيَّنُ وَقَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَهُ فَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَشْهُورِ الْفَتَاوَى الْمُعْتَمَدَةِ كَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ فَيُقَدِّمُ مَا فِيهَا وَلَا يعدل عَنْهَا إِلَيْهِ. وَأما فِي الْأَشْبَاهِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلِلزَّوْجِ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا، وَلَهُ الدَّعْوَى لَان الابراء إِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الدُّيُون لَا الاعيان. اهـ. فَمَحْمُولٌ عَلَى حُصُولِهِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتهَا عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى مِمَّا لِي عَلَيْهَا، فَيَخْتَصُّ بالديون فَقَط لكَونه مُقَيّدا بِمَالي عَلَيْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ، وَلَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَكَافِي الْحَاكِم الْمُصَرّح بِعُمُوم الْبَرَاءَة لكل من أبراء إِبْرَاء عَاما إِلَى مَا فِي الْقنية. اهـ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَة، وَمن رام الزِّيَادَة فَليرْجع إِلَيْهَا. قَالَ الشَّارِح فِي شَرحه على الْمُلْتَقى: وَأما لَو قَالَ أبرأت ك عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ، كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ بَرِئْتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأتك لَا لانه أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ. قُلْت: فَفَرَّقُوا بَيْنَ أَبْرَأْتُكَ وَبَرِئْت وَأَنا برِئ لِإِضَافَةِ الْبَرَاءَةِ لِنَفْسِهِ فَتَعُمُّ، بِخِلَافِ أَبْرَأْتُكَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْوَاحِدِ فَلَهُ مُخَاصَمَةُ غَيْرِهِ كَمَا فِي حاشيتها معزيا للولوالجية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 وَمن المهم مَا فِي الْعمادِيَّة من الْفَصْل السَّابِع عَن دَعْوَى الْخَانِية: اتّفقت الرِّوَايَات أَن قَوْله لَا دَعْوَى لي قبل فلَان أَو لَا خُصُومَة لي قبله يمْنَع الدَّعْوَى، إِلَّا فِي حق حَادث بعد الْبَرَاءَة كَقَوْلِه بَرِئت من هَذَا العَبْد أَو خرجت من أَو لَا ملك لي فِيهِ فَإِنَّهُ يمْنَع دَعْوَاهُ اهـ. قَوْله لَا حق لي قبله فَإِنَّهُ يعم كل عين وَدين وكفالة وَغَيرهَا مُطلقًا، لَان لَا حق نكرَة فِي النَّفْي والنكرة فِي النَّفْي تعم. كَذَا أطلقهُ محشي الاشباه وَغَيره. قلت: وَهَذَا قَضَاء إِلَّا الْمهْر على مَا قدمْنَاهُ قبيل الصُّلْح، فَتَأمل. وكما لَو أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى فَإِنَّهُ يعم كلهَا، إِلَّا إِذا ادّعى مَالا إِرْثا عَن أَبِيه وَلم يعلم بِمَوْتِهِ وَقت الابراء تسمع دَعْوَاهُ، لَا إِن علم كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة من الرَّابِع عشر فِي دَعْوَى الابراء، وَوَقع فِيهَا بكراس وَفِي غَيرهَا بترك جَوَاب الشَّرْط فليتنبه لذَلِك. كَذَا أَفَادَهُ الحانوتي فِي فَتَاوِيهِ، وَذكر أَن معنى الابراء الْعَام أَن يكون للْعُمُوم مُطلقًا لَا بِقَيْد تركته أَو تركتهَا فَلَا يحْتَاج لما اسْتَثْنَاهُ فِي الاشباه لانه مُخَصص بتركة وَالِده، وَقد قدمنَا عدم سماعهَا وَلَو بالارث حَيْثُ علم بِمَوْت مُوَرِثه، إِلَّا أَن تخص الْمَسْأَلَة المستثناة مَسْأَلَة الْوَصِيّ دون الْوَارِث. فَتَأمل. قَالَ: وَذَلِكَ كُله حَيْثُ لم تكن الْبَرَاءَة والاقرار بعد دَعْوَى بشئ خَاص وَلم يعمم بِأَن يَقُول أَيَّة دَعْوَة كَانَت أَو مَا يُفِيد ذَلِك، لما فِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا بعد قَوْله السَّابِق. قَوْله: وَفِي الْمنية: ادّعى عَلَيْهِ دعاوى مُعينَة ثمَّ صَالحه وَأقر أَنه لَا دَعْوَى لَهُ عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى حَقًا تسمع، وَحمل إِقْرَاره على الدَّعْوَى الاولى، إِلَّا إِذا عمم وَقَالَ أَيَّة دَعْوَة كَانَت، وَنَحْوه كلا خُصُومَة بِوَجْه من الْوُجُوه كَمَا ذكره فِي الصُّلْح: أَي وَنَحْوه مِمَّا يُفِيد الْعُمُوم زَائِدا على قَوْله لَا دَعْوَى لَهُ، وَبِهَذَا الْحل اضمحل توهم تنَاقض كَلَامهم، لَان من صرح بِعَدَمِ سماعهَا بعد الابراء الْعَام الْمُطلق صرح بسماعها بعد إِبْرَاء الْوَارِث وَغَيره، لَكِن فِي محَال مُخْتَلفَة، وَبِهَذَا صَارَت مؤتلفة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. انْتهى مَا فِي شرح الْمُلْتَقى. وَقدمنَا قبيل الاقرار عِنْد قَوْله والتناقض فِي مَوضِع الخفاء عَفْو خُلَاصَة مَا حَرَّره سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي رسَالَته (إِعْلَام الاعلام بِأَحْكَام الابراء الْعَام) الَّتِي وفْق فِيهَا بَين عِبَارَات متعارضة، وَدفع مَا فِيهَا من المناقضة، فَارْجِع إِلَيْهَا فَإِنَّهَا مفيدة فِي بَابهَا، كَافِيَة لطلابها. وَالَّذِي تحرر فِيهَا فِي خُصُوص مَسْأَلَتنَا: أَن الابْن إِذا أشهد على نَفسه أَنه قبض من وَصِيّه جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلم يبْق لَهُ مِنْهَا قَلِيل وَلَا كثير إِلَّا اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى دَارا فِي يَد الْوَصِيّ وَقَالَ هَذِه من تَرِكَة وَالِدي تَركهَا مِيرَاثا لي وَلم أقبضها فَهُوَ على حجَّته، وَتقبل بَينته كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي آخر أَحْكَام الصغار للاستروشني معزيا للمنتقى، وَكَذَا فِي الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَا فِي أدب الاوصياء فِي كتاب الدَّعْوَى معزيا إِلَى الْمُنْتَقى وَالْخَانِيَّة والعتابية مصرحين بِإِقْرَار الصَّبِي بِقَبْضِهِ من الْوَصِيّ فَلَيْسَ إِلَّا إِقْرَار الْمَجْهُول كَمَا ادَّعَاهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ. وَمِمَّنْ نَص على ذَلِك التَّصْرِيح أَيْضا الْعَلامَة ابْن الشّحْنَة فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة وَذكر الْجَواب عَن مُخَالفَة هَذَا الْفَرْع لما أطبقوا عَلَيْهِ من عدم سَماع الدَّعْوَى بعد الابراء الْعَام بِأَن الظَّاهِر أَنه اسْتِحْسَان. وَوَجهه أَن الابْن لَا يعرف مَا تَركه أَبوهُ على وَجه التَّفْصِيل غَالِبا، فاستحسنوا سَماع دَعْوَاهُ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 وَلِهَذَا جعل صَاحب الاشباه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من ذَلِك الْعُمُوم الَّذِي أطبقوا عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَاف إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِقَبض مِيرَاثه من بَقِيَّة الْوَرَثَة وإبرائه لَهُم فَإِنَّهُ لَا تسمع دَعْوَاهُ، خلافًا لما أفتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ مُسْتَندا إِلَى مَا لَا يدل لَهُ كَمَا أوضحه سَيِّدي الْوَالِد رَحْمَة الله تَعَالَى فِي رسَالَته الْمَذْكُورَة، فَلَا يعدل عَمَّا قَالُوهُ لعدم النَّص فِي ذَلِك. فَالْحَاصِل: الْفرق بَين إِقْرَار الابْن للْوَصِيّ وَبَين إِقْرَار بعض الْوَرَثَة للْبَعْض، لما فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الْمُحِيطِ: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادّعى التَّرِكَة وأنكروا لَا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ. وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن الْوَصِيّ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف فِي مَال الْيَتِيم بِلَا اطِّلَاعه، فيعذر إِذا بلغ وَأقر بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لجهله، بِخِلَاف بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُم لَا تَنْصَرِف لَهُم فِي مَاله وَلَا فِي شئ من التَّرِكَة إِلَّا باطلاع وَصِيّه الْقَائِم مقَامه فَلم يعْذر بالتناقض، وَمن أَرَادَ زِيَادَة بَيَان وَرفع الْجَهَالَة فَعَلَيهِ بِتِلْكَ الرسَالَة فَفِيهَا الْكِفَايَة لِذَوي الدِّرَايَة، وَبِه علم أَن مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة متْنا، وَأما مَا سيجئ آخر الصُّلْح فَلَيْسَ فِيهِ إِبْرَاء عَام، وَأما الامر بِالرَّدِّ فقد بَينا وَجهه قَرِيبا فَلَا تنسه، فَتدبر. قَوْله: (وسنحققه فِي الصُّلْح) كَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: وسنحقق خِلَافه، لَان جعل الابراء عَن الاعيان مُبْطلًا لدعواها قَضَاء، وَقد علمت أَنه لَيْسَ فِيهِ إِبْرَاء عَام. قَوْله: (رَبًّا عَلَيْهِ) أَي على الْقَرْض. قَوْله: (شرح وهبانية) أَي لِابْنِ الشّحْنَة، وَمثله فِي الْقنية معزيا لعبد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات عَن عَلَاء الدّين، وَبِه أفتى فِي الحامدية وَالْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّة من الدَّعْوَى. قَوْله: (قلت وحرر الخ) أَقُول: يتَعَيَّن الافتاء بالمنقول، لانه مُضْطَر، فَلَا يرد لَا عذر لمن أقرّ لَا سِيمَا وَقد علمت أَنه أفتى بِالْمَتْنِ هَؤُلَاءِ الاجلاء الْمُتَأَخّرُونَ. قَوْله: (لانه لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ) فِيهِ أَنَّ اضْطِرَارَهُ إِلَى هَذَا الاقرار عذر. قَوْله: (غَايَته أَنْ يُقَالَ إلَخْ) وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِلُزُومِ الْمَالِ وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ. وَعِنْدَهُمَا: إنْ وَصَلَ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَفْظَةُ ثُمَّ تُفِيدُ الْفَصْل فَلَا يقبل اتِّفَاقًا. شرنبلالي. وَقد ضمن يُقَال معنى يُفْتى فعداه بِالْبَاء ط. وَحَاصِل مَا يُقَال من تَحْرِير الشُّرُنْبُلَالِيّ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِدَعْوَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُقَرِّ بِهِ رِبًا إلَّا تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ بِنَاءً على قَول الثَّانِيَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَفْرَادِهَا فَلِذَا قَالَ فِي هَذِهِ وَنَحْوِهَا: وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الضَّرُورَةِ فَقَطْ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ اسْتثِْنَاء، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء فَتحصل أَن الْمُفْتى بِهِ هُوَ الْمَقُول الَّذِي مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف. قَوْله: (بِأَنَّهُ يحلف الْمقر لَهُ) على أَنه لم يكن بعضه رَبًّا بل كُله دين ثَابت فِي ذمَّته شرعا. قَوْله: (وَبِه) أَي بقول أبي يُوسُف فِيمَن أقرّ: أَي قبيل الِاسْتِثْنَاء، وَفِي بعض النّسخ فِيمَا مر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَيُمكن التَّوْفِيق بَين الْكَلَامَيْنِ بِأَن يُقَال: إِن قَامَت الْبَيِّنَة على إِقْرَاره يَنْبَغِي أَن لَا تسمع دَعْوَاهُ أَن بعضه رَبًّا، وَإِن قَامَت على أَن بعضه رَبًّا تقبل، فَتَأمل. قَوْلُهُ: (مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ) أَيْ الْمِنَحِ. قَوْلُهُ: (لزمَه مهر بِالدُّخُولِ) فِيهِ أَن إِقْرَاره بعد الدُّخُول أَنه طَلقهَا قبل الدُّخُول إِقْرَار بِالزِّنَا، وَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَة دارئة للحد، لَا شُبْهَة فعل وَلَا شُبْهَة مَحل وَلَا شُبْهَة عقد، إِذا لم تذكر الْمَوْطُوءَة بعد الطَّلَاق قبل الدُّخُول فِي وَاحِدَة مِنْهَا وَلَا عدَّة عَلَيْهَا فَكيف يلْزمه الْمهْر، وَقد تتبعت الْمجمع وَغَيره فَلم أر فِيهِ سوى مَسْأَلَة وَاحِدَة فِي فصل الْمهْر وَهِي: وَلَو أَزَال عذرتها بِدفع وَطَلقهَا قبل الدُّخُول فَعَلَيهِ نصفه، وَأفْتى بكله. وَفِي متن الْمَوَاهِب أُخْرَى وَتَقَدَّمت هُنَا فِي بَاب الْعدة وَهِي: لَو أقرّ بِطَلَاقِهَا مُنْذُ سِنِين فكذبته أَو قَالَت لَا أَدْرِي تَعْتَد من وَقت الاقرار وتستحق النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، وَإِن صدقته اعْتدت من حِين الطَّلَاق. وَقيل الْفَتْوَى على وُجُوبهَا من وَقت الاقرار بِلَا نَفَقَة اهـ. قَالَ الشَّارِح: غير أَنه إِن وَطئهَا لَزِمَهَا مهْرَان، وَلَا نَفَقَةَ وَلَا كِسْوَةَ وَلَا سُكْنَى لَهَا لِقَبُولِ قَوْلهَا على نَفسهَا. خَانِية. قَالَ: ثمَّ لَو وَطئهَا حد: أَي بعد الثُّبُوت والظهور. وَأفَاد فِي الْبَحْر أَنه بعد الْعدة لعدم الْحَد بوطئ الْمُعْتَدَّة اهـ. فَتَأمل وراجع. وَقد يُقَال: إِنَّمَا سقط الْحَد هُنَا لعدم الاقرار بِالزِّنَا أَرْبعا صَرِيحًا، فَتَأمل. قَوْله: (وَسقط حَقه) قيل عَلَيْهِ الاقرار على الرَّاجِح إِخْبَار، وبنوا عَلَيْهِ أَنه إِذا أقرّ بشئ وَلم يكن مطابقا لنَفس الامر لَا يحل للْمقر لَهُ أَخذه، فغاية مَا حصل بالاقرار الْمُؤَاخَذَة بِهِ ظَاهرا، وَالسُّؤَال إِنَّمَا هُوَ عَن سُقُوط الْحق حَقِيقَة فَأَيْنَ هَذَا من ذَاك؟ لَكِن الاقرار بِاسْتِحْقَاق فلَان الرّيع لَا يسْتَلْزم الاقرار بِكَوْنِهِ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ كَمَا قد يتَوَهَّم، كَمَا يَأْتِي تتمته قَرِيبا مَعَ بَيَان مَا فِيهِ عِنْد قَوْله: وَلَو كتاب الْوَقْف بِخِلَافِهِ. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْلُهُ: وَسَقَطَ حَقُّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سُقُوطُهُ ظَاهِرًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ: ثُمَّ إنَّ هَذَا السُّقُوطَ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ عَادَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ: وَفِي الْخَصَّافِ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْغَلَّةِ عَشْرَ سَنَوَاتٍ مِنْ الْيَوْمِ لِزَيْدٍ، فَإِنْ مَضَتْ رَجَعَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ أَو الْمقر قَبْلَ مُضِيِّهَا تَرْجِعُ الْغَلَّةُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ الْمُصَادَقَةِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ مَوْتِ الْمُقِرِّ. وَفِي الْخَصَّافِ أَيْضًا: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَوَلَدِهِ ثُمَّ لِلْمَسَاكِينٍ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهِ وَبِأَنَّهُ عَلَى بَكْرٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ بَطَلَ إقْرَارُهُ لِبَكْرٍ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ: إذَا تَصَادَقَ جَمَاعَةُ الْوَقْفِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَهَل تبطل مصادقة الْمَيِّت فِي حَقه؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ. وَيَظْهَرُ لِي مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ مَنَعَ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إذَا مَاتَ فَوَلَدُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 يَأْخُذُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ، لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الْمُصَادَقَةِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لم يَتَمَلَّكهُ من أَبِيه وَإِنَّمَا تملكه من الْوَاقِف اهـ. أَقُول: اغْترَّ كثيرا بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَأَفْتَوْا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ. وَالْحَقُّ الصَّوَابُ أَنَّ السُّقُوطَ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا الْفَقِيهُ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَبِيرُ الْخَصَّافُ: أَقَرَّ فَقَالَ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانٍ دُونِي وَدُونَ النَّاسِ جَمِيعًا بِأَمْرٍ حَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ عَرَفْتُهُ وَلِزَمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ، قَالَ أُصَدِّقُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَا دَامَ حَيا، فَإِذا مَاتَ ردَّتْ الْغَلَّةَ إلَى مَنْ جَعَلَهَا الْوَاقِفُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ جَعَلْتُهُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ وَأَنْ يَخْرُجَ وَأَنْ يُدْخِلَ مَكَانَهُ مَنْ رَأَى فَيُصَدَّقُ زَيْدٌ عَلَى حَقِّهِ. اهـ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَخْذِ شئ مِنْ الْمَالِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَسْتَبِدَّ بِالْوَقْفِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ غير مَعْمُول بِهِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ خَالٍ عَمَّا يُوجِبُ تَصْحِيحَهُ مِمَّا قَالَه الامام الْخصاف وَهُوَ الاقرار فِي زَمَاننَا فَتَأَمّله، وَلَا حول وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِيرِيٌّ، أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ كَمَا تقدم فِي الْوَقْف. أَقُول: وَإِنَّمَا قَالَ أصدقه على نَفسه الخ لانه إِذا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ، بَلْ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى زَيْدٍ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، فَمَا أَصَابَ زَيْدًا مِنْهَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ زَيْدٌ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لِهَذَا الرَّجُلِ شَارَكَهُ الرَّجُلُ فِي الْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ زيد كَانَت للْفُقَرَاء وَلم يصدق زيد عَلَيْهِم، وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ وَزَيْدٌ حَيٌّ فَنِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالنِّصْفُ لِزَيْدٍ، فَإِذَا مَاتَ زيد صَارَت الْغلَّة كلهَا للْفُقَرَاء. اهـ. خصاف مُلَخصا. وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى مَعَ فَوَائِد نفيسة، وَقد مر فِي الْوَقْف فَرَاجعه. قَوْله: وَلَو كتاب الْوَقْف بِخِلَافِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي بَاب مُسْتَقْبل. أَشْبَاهٌ. أَقُولُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ آنِفًا، وَلَيْسَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ، وَلِذَا قَالَ الْحَمَوِيُّ: إنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا لَزِمَ لَزِمَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُحْمَلَ كَلَامه على وقف لم يسجل اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْ الْخصاف وَالله تَعَالَى أعلم. والاقرار بِاسْتِحْقَاق فلَان الرّيع لَا يسْتَلْزم الاقرار بِكَوْنِهِ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَقِيقَة كَمَا قد يتَوَهَّم، وَيصِح الاقرار مَعَ كَون الْمقر هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ، أَلا ترى أَن الْوَقْف لَو كَانَ بستانا وَقد أثمر فَأقر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِأَن زيدا هُوَ الْمُسْتَحق لهَذِهِ الثَّمَرَة صَحَّ الاقرار بطرِيق أَنه بَاعه تِلْكَ الثَّمَرَة، أما جعلهَا لَهُ بطرِيق التَّمْلِيك فَلَا يملكهُ لكَونه تمْلِيك الثَّمر بِدُونِ الشّجر، إِذا الِاتِّصَال بِملك الْوَاهِب مخل بِالْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرط تَمام التَّمْلِيك اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل. وَجهه أَن بَين ثَمَرَة البستاني وريع الْوَقْف فرقا، وَهُوَ أَن الثَّمَرَة عين مَوْجُودَة يُمكن قسمتهَا وتناولها، فالاقرار بِهِ للْغَيْر يحمل على التَّمْلِيك بطرِيق البيع وَهُوَ صَحِيح مُطلقًا، وَجعلهَا للْغَيْر تمْلِيك لَا بطرِيق البيع بل بطرِيق الْهِبَة، وَهبة الْمشَاع قبل قسمته بَاطِلَة. وَأما ريع الْوَقْف فَهُوَ مَا يخرج مِنْهُ من أُجْرَة وَغَيرهَا، فالاقرار بهَا للْغَيْر لَا يكون بطرِيق البيع. قَوْله: (وَلَو جعله لغيره) بِأَن انشأ الْجعل من غير إِسْقَاط لتحسن الْمُقَابلَة بَينه وَبَين. قَوْله أَو أسْقطه الخ لانه إِسْقَاط لمجهول فَلَا يسْقط حَقه. قَوْله: (لم يَصح) أَي لَا يَصح أَن يَصِيرُ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا هُوَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ الْحَالِ تَصْدِيقًا لَهُ فِي إخْبَارِهِ مَعَ إِمْكَان تَصْحِيحه حملا أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ. أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْغَلَّةُ أَوْ النَّظَرُ جَعَلْتُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إنْشَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ. نَعَمْ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ فِي مرض مَوته يَصح إِذا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَقَرَّرَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْغَيْرَ يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْفَرَاغُ عَزْلٌ، وَلَا يَصِيرُ الْمَفْرُوغُ لَهُ نَاظِرًا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ بَلْ لَا بُدَّ من تَقْرِير القَاضِي كَمَا تحرر سَابِقًا، فَإِذا قرر القَاضِي المفروغ لَهُ صَار نَاظرا بالتقدير لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَهَذَا غَيْرُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا، فَافْهَمْ. وَأَمَّا جَعْلُ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ط: إِن كَانَ الْجعل بِمَعْنى التَّبَرُّع لغيره بِأَن يُوكله ليقبضه ثُمَّ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَشْرُوطَ كَإِرْثٍ لَا يسْقط بالاسقاط اهـ. قُلْت: مَا عَزَاهُ لِلْخَانِيَّةِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فَرَاجِعْهَا. نَعَمْ الْمَنْقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ مِنْ الْحُقُوقِ بَيْنَ إسْقَاطِهِ لِمُعَيَّنٍ ولغير مُعَيَّنٍ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا فَقَالَ: إِذا أسقط الْمَشْرُوط لَهُ الرَّيْعُ حَقَّهُ لَا لِأَحَدٍ لَا يَسْقُطُ كَمَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقه لغيره انْتهى: أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحُقُوقِ وَمَا لَا يَسْقُطُ أَخْذًا مِمَّا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ: مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ، فَلَوْ قَالَ أَبْطَلْت حَقي كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ انْتهى. قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إسْقَاطٌ لَا لِأَحَدٍ. نَعَمْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ إذْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الرَّيْعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا قَالَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ لِفُلَانٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ حَيْثُ أَدْخَلَ فِي وَقْفِهِ مَا لَمْ يَرْضَهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ اسْتِحْقَاقٍ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ فَكَيْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ الْإِسْقَاطَ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ يَجِبُ أَنْ يحذر انْتهى. فَإِن قلت: إِذا أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ أَوْ بَعْضُهُ أَنَّهُ لَا حق لَهُ فِيهِ وَأَنه يسْتَحقّهُ فلَان هَل يسْقط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 حَقه؟ قلت: نعم، وَلَو كَانَ مَكْتُوب الْوَقْف بِخِلَافِهِ كَمَا ذكره الْخصاف فِي بَاب مُسْتَقل. فرع: فِي إقْرَارِ الْإِسْمَاعِيلِيَّة فِيمَنْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ رِيعَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ وَقْفٍ كَذَا فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِمُقْتَضَى أَنَّهَا قَبَضَتْ مِنْهُ مَبْلَغًا مَعْلُوما فالاقرار بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِالْمَبْلَغِ الْمُعَيَّنِ، وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِمْ لَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ يَصِحُّ وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ يُقْضَى بِبُطْلَانِهِ فَإِن الاقرار بعوض مُعَاوضَة. قَوْله: (وَكَذَا الْمَشْرُوط لَهُ النّظر على هَذَا) يَعْنِي لَو أقرّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ صَحَّ، وَلَوْ جَعَلَهُ لغيره لم يَصح. كَذَا فِي شرح تنوير الاذهان. فَلَوْ أَقَرَّ النَّاظِرُ أَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مَعَهُ نِصْفَ النَّظَرِ مَثَلًا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيُشَارِكُهُ فُلَانٌ فِي وَظِيفَتِهِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ. بَقِيَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُقِرَّ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ وَانْتِقَالُ النَّظَرِ لِمَنْ شَرطه لَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَهُ. وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فَهِيَ مَسْأَلَة تقع كثيرا، وَقد سُئِلَ عَنْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى مرَارًا. وَأجَاب عَنْهَا فِي تَنْقِيح الحامدية بِأَن الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا، لَكِنْ لَا تَعُودُ الْحِصَّةُ الْمُقَرُّ بِهَا إلَى الْمُقِرِّ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يُوَجِّهُهَا الْقَاضِي لِلْمُقِرِّ أَوْ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، لِأَنَّا صَحَّحْنَا إقْرَارَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ، فَيصير كَأَنَّهُ جعل النّظر لاثْنَيْنِ لَيْسَ لاحدهما الِانْفِرَاد. وَإِذ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِلْحَيِّ الِانْفِرَاد إِلَّا إِذا أَقَامَهُ القَاضِي كَمَا فِي الاسعاف انْتهى. وَلَا يُمْكِنُ هُنَا الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مَا أَقَرَّ بِهِ إِلَى الْمَسَاكِين كَمَا فِي الاقرار بالغلة، إِذا لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغلَّة فَقَط، هَذَا مَا حَرَّره وَقَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، فَاغْتَنِمْهُ. قَوْلُهُ: (وَذكره فِي الاشباه ثمَّة وَهنا) أَي عِنْد قَوْله يملك الاقرار من لَا يملك الانشاء حَيْثُ قَالَ: وعَلى هَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ صَحَّ، وَلَوْ جَعَلَهُ لَهُ لم يَصح اهـ. قَوْله: (وَفِي السَّاقِط لَا يعود فَرَاجعه) عِبَارَته هُنَاكَ. قَالَ قاضيخان فِي فَتَاوِيهِ من الشَّهَادَات فِي الشَّهَادَة بوقف الْمدرسَة: إِن من كَانَ فَقِيرا من أهل الْمدرسَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (الْقَصَص المرفوعة) فِي عرض حَال وَنَحْوه من الْمَكْتُوب. قَوْله: (لَا يُؤَاخذ) أَي القَاضِي صَاحبهَا بِمَا فِيهَا من إِقْرَار وَنَحْوه، لانه لَا عِبْرَة بِمُجَرَّد الْخط فَافْهَم. قَوْله: (فِي الاول) هُوَ قَوْله فِي علمي، وَظَاهره أَنه لَا خلاف فِي قَوْله فِيمَا أعلم مَعَ أَنه بِمَعْنَاهُ، إِذْ قَوْله فِي علمي: أَي معلومي. قَوْله: (لزمَه اتِّفَاقًا) لَان قد فِي مثله للتحقيق ط. قَالَ فِي الْكَافِي: من قَالَ فلَان عَليّ ألف دِرْهَم فِيمَا أعلم أَو قَالَ فِي علمي لزمَه المَال، وَقَالا: لَا يلْزمه لَهُ أَنه أثبت الْعلم بِمَا أقرّ بِهِ فَيُوجب تأكيده كَمَا لَو قَالَ قد علمت. وَلَهُمَا أَن التشكيك، يبطل الاقرار، فَقَوله فِيمَا أعلم يذكر للشَّكّ عرفا فَصَارَ كَقَوْلِه فِيمَا أَحسب وأظن، بِخِلَاف قَوْله قد علمت لانه للتحقيق. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 وَالْحَاصِل: أَن الشَّك عندنَا هُوَ التَّرَدُّد بَين الطَّرفَيْنِ مُطلقًا كَانَ أَحدهمَا راجحا أَو مرجوحا فَيكون شَامِلًا للظن، فالراجح هُوَ الظَّن والمرجوح هُوَ الْوَهم عِنْد أهل الْمَعْقُود، وغالب الظَّن هُوَ الطّرف الرَّاجِح الَّذِي يكون قَرِيبا من الْجَزْم وَفَوق الظَّن، وَهُوَ عِنْدهم مُلْحق بِالْيَقِينِ، قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة فِي الْبَاب الثَّانِي من الاقرار: وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أعلم أَو فِي علمي أَو فِيمَا علمت. قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى: هَذَا بَاطِل كُله. وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: هُوَ إِقْرَار صَحِيح. وَأَجْمعُوا على أَنه لَو قَالَ علمت أَن لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم أَو قَالَ فلَان عَليّ ألف دِرْهَم وَقد علمت ذَلِك أَن ذَلِك إِقْرَار صَحِيح، كَذَا فِي الذَّخِيرَة: وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم فِيمَا أَظن أَو فِيمَا ظَنَنْت أَو فِيمَا أَحسب أَو فِيمَا حسبت أَو فِيمَا أرى أَو فِيمَا رَأَيْت فَهُوَ بَاطِل. كَذَا فِي الْمَبْسُوط اهـ. وَفِي الْبَزَّاز ية وَفِيمَا علمت يلْزم. وَفِي الْخَانِية قَالَ: علمي أَن لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم كَانَ إِقْرَارا فِي قَوْلهم، وَله عَليّ ألف فِي شَهَادَة فلَان أَو فِي علمه لَا يلْزم شئ، وبشهادة فلَان أَو بِعِلْمِهِ كَانَ إِقْرَارا، لَان حرف الْبَاء للالصاق فَيَقْتَضِي وجود الملصوق بِهِ. وَفِي قَضَاء فلَان القَاضِي أَو الْمُحكم برضانا يلْزمه المَال. قَوْله: (مثلا) فَالْمُرَاد أَنه أشرك مَعَه غَيره وَلَو وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ) أَيْ بَعْضِهَا وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ: الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وألزمه زفر بعشرها) لانه أضَاف الاقرار إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره فَيلْزمهُ بِحِصَّتِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وعَلى هَذَا الْخلاف لَو قَالَ أقرضنا أَو أودعنا أَو لَهُ علينا أَو أعارنا. وعَلى هَذَا لَو قَالَ: كُنَّا ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة يلْزمه الثَّالِث أَو الرّبع. اهـ. قَوْله: (يسْتَعْمل فِي الْوَاحِد) قَالَ تَعَالَى: * ((71) إِنَّا أرسلنَا) * (نوح: 1) وَإِنَّمَا قُلْنَا بذلك وَإِن كَانَ مجَازًا لما ذكره من قَوْله وَالظَّاهِر. قَوْله: (وَقَالَ زفر لكل ثلثه) لَان إِقْرَاره للاول صَحِيح، وَلم يَصح رُجُوعه بقوله بل، وَصَحَّ إِقْرَاره للثَّانِي وَالثَّالِث فاستحقا وقاسه على مَسْأَلَة الدّين إِذا أقرّ بِهِ هَكَذَا. قَوْله: (لنفاذه من الْكل) وَقد تقدم قبيل إِقْرَاره الْمَرِيض. قَوْله: (أقرّ بشئ ثمَّ ادّعى الْخَطَأ لم يقبل) عزاهُ فِي الْمنح إِلَى الْخَانِية. قَالَ محشيه الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَقُول: وَذكر فِي الْبَزَّازِيَّة من كتاب الْقِسْمَة فِي الثَّانِي من دَعْوَى الْغَلَط فِيهَا: وَإِن ادّعى أَنه أَخذ من حِصَّته شَيْئا بعد الْقِسْمَة يبرهن عَلَيْهِ وَإِلَّا حلف عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا لم يقر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 بِالِاسْتِيفَاءِ، فَإِن أقرّ وَبرهن على ذَلِك لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ دَعْوَى الْهَزْلِ فِي الْإِقْرَارِ تصح وَيحلف الْمقر لَهُ أَنه مَا كَانَ كَاذِبًا فِي إِقْرَاره اهـ. وَهَذَا يدل على أَنه يقبل وَيحلف، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل كَلَام الْخَانِية على أَنه لَا يقبل فِي حق الْبَيِّنَة، أَو أَنه على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا على قَول أبي يُوسُف الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ للْفَتْوَى وَهُوَ الظَّاهِر، فَتَأَمّله هَذَا. وَقد ذكر فِي الْخَانِية فِي بَاب الْيَمين الْخلاف الْمَذْكُور. ثمَّ قَالَ: يُفَوض ذَلِك إِلَى رَأْي القَاضِي والمفتي فَرَاجعه إِن شِئْت. ثمَّ إِنَّا لم نر فِي إِقْرَار الْخَانِية هَذِه الْعبارَة، وَالشَّارِح هُنَا تبع فِي النَّقْل مَا فِي الاشباه والنظائر فَإِن هَذِه الْفُرُوع منقولة مِنْهُ فَكُن على بَصِيرَة. وَفِي الْبَحْر عَن خزانَة الْمُفْتِينَ: لَو أقرّ بِالدّينِ ثمَّ ادّعى الايفاء لَا تقبل إِلَّا إِذا تفَرقا عَن الْمجْلس. اهـ. قَوْله: (لم يَقع يَعْنِي ديانَة) أما إِذا كَانَ ذَلِك بَين يَدي القَاضِي فَلَا يصدقهُ فِي الْبناء الْمَذْكُور كَمَا يُؤْخَذ من مَفْهُومه، وَبِه صرح فِي حَوَاشِي الاشباه، كَمَا لَو أقرّ أَن هَذِه الْمَرْأَة أمه مثلا ثمَّ أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا وَقَالَ وهمت وَنَحْوه وصدقته الْمَرْأَة فَلهُ أَن يَتَزَوَّجهَا لَان هَذَا مِمَّا يجْرِي فِيهِ الْغَلَط، وَكَذَا لَو طلق امْرَأَة ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا وَقَالَ لم أكن تَزَوَّجتهَا حِين الطَّلَاق صدق وَجَاز النِّكَاح. بيري. فَإِن قيل: كَيفَ يتَبَيَّن خِلَافه أُجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْمُفْتِي غير ماهر فِي الْمَذْهَب فَأفْتى من أعلم مِنْهُ بِعَدَمِ الْوُقُوع، وَيحْتَمل أَن الْمُفْتِي أفتى أَولا بالوقوع من غير تثبت ثمَّ أفتى بعد التثبت بِعَدَمِهِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: ظن وُقُوع الثَّلَاث بإفتاء من لَيْسَ بِأَهْلٍ فَأَمَرَ الْكَاتِبُ بِصَكِّ الطَّلَاقِ فَكُتِبَ ثُمَّ أَفْتَاهُ عَالِمٌ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِي الدِّيَانَةِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يصدقهُ لقِيَام الصَّك اهـ. وَمن فروع هَذِه الْمَسْأَلَة مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: تَكَلَّمت فَقَالَ هَذَا كفر وَحرمت عَليّ بِهِ فَتبين أَن ذَلِك اللَّفْظ لَيْسَ بِكفْر، فَعَن النَّسَفِيّ أَنَّهَا لَا تحرم. وَفِي مجمع الفتاوي: ادّعى على إِنْسَان مَالا أَو حَقًا فِي شئ فَصَالحه على مَال ثمَّ تبين أَنه لم يكن ذَلِك المَال عَلَيْهِ وَذَلِكَ الْحق لم يكن ثَابتا كَانَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق اسْتِرْدَاد ذَلِك المَال. كَذَا ذكره الْحَمَوِيّ. قَوْله: (فَأفْتى بَعضهم بِصِحَّتِهِ) وَلَا يُفْتى بعقوبة السَّارِق لانه جور. تجنيس وقهستاني وَقد سلف ط. نقل فِي كتاب السّرقَة عَن إكْرَاهِ الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ إِقْرَاره بهَا مكْرها. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِلَّا فالشهادة على السرقات من أندر الامور. وَنقل عَن الزَّيْلَعِيّ جَوَاز ذَلِك سياسة، وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ، وَحكي عَنْ عِصَامٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقٍ يُنْكِرُ فَقَالَ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَقَالَ الْأَمِيرُ سَارِقٌ وَيَمِينٌ، هَاتُوا بِالسَّوْطِ فَمَا ضَرَبُوهُ عَشَرَةً حَتَّى أَقَرَّ، فَأَتَى بِالسَّرِقَةِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا رَأَيْت جورا أشبه بِالْعَدْلِ من هَذَا. قَوْله: (الاقرار بشئ محَال) كَقَوْلِه إِن فلَانا أَقْرضنِي كَذَا فِي شهر كَذَا وَقد مَاتَ قبله أَو أَقَرَّ لَهُ بِأَرْشِ يَدِهِ الَّتِي قَطَعَهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَار ويداه صحيحتان لم يلْزمه شئ كَمَا فِي حيل التاترخانية. وَعَلَى هَذَا أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ إقْرَارِ إنْسَانٍ بِقَدْرٍ مِنْ السِّهَامِ لِوَارِثٍ وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّة لكَونه محالا شرعا، مثلا لَو مَاتَ عَن ابْن وَبنت فَأقر الابْن أَن التَّرِكَة بَينهمَا نِصْفَانِ بِالسَّوِيَّةِ فالاقرار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 بَاطِل لما ذكرنَا، وَلَكِن لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُحَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَّا فقد ذكر فِي التاترخانية من كتاب الْحِيَل لَو أَقَرَّ أَنَّ لِهَذَا الصَّغِيرِ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ قرضا أقرضنيه أَو من ثمن مَبِيع باعينه صَحَّ الاقرار مَعَ أَن الصَّبِي لَيْسَ من أهل البيع وَالْقَرْض وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون مِنْهُ، لَكِن إِنَّمَا يَصح بِاعْتِبَار أَن هَذَا الْمقر مَحل لثُبُوت الدّين للصَّغِير عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة. اهـ. أَقُول: قَالَ الْمحشِي الْحَمَوِيّ: هَل مِنْهُ مَا إِذا أقرَّت عقب العقد أَن مهرهَا لزيد مثلا. قَالَ فِي شرح الْمَنْظُومَة والقنية: إِذا أقرَّت وَقَالَت الْمهْر الَّذِي لي على زَوجي لفُلَان أَو لوَلَدي فَإِنَّهُ لَا يَصح اهـ. وَيُؤْخَذ من هَذَا وَاقعَة الْفَتْوَى أَن الرجل لَو أقرّ لزوجته بِنَفَقَة مُدَّة مَاضِيَة هِيَ فِيهَا نَاشِرَة وَمن غير سبق قَضَاء أَو رضَا وَهِي معترفة بذلك فَإِقْرَاره بَاطِل لكَونه محالا شرعا. قَالَ بعض الْفُضَلَاء: وَقد أَفْتيت أخذا من ذَلِك بِأَن إِقْرَار أم الْوَلَد لمولاها بدين لَزِمَهَا بطرِيق شَرْعِي بَاطِل شرعا، وَإِن كتب بِهِ وَثِيقَة لعدم تصور دين للْمولى على أم وَلَده إِذْ الْملك لَهُ فِيهَا كَامِل والمملوك لَا يكون عَلَيْهِ دين لمَالِكه. اهـ. وَفِي الْحَمَوِيّ أَن عدم صِحَة إِقْرَار الْمَرْأَة بِالْمهْرِ الَّذِي لَهَا على زَوجهَا لوالدها لكَونه هبة دين لغيره من عَلَيْهِ الدّين، وَمِنْه مَا إِذا أقرّ أَنه بَاعَ عَبده من فلَان وَلم يذكر الثّمن ثمَّ جحد صَحَّ جحوده لَان الاقرار بِالْبيعِ بِغَيْر ثمن بَاطِل كَمَا فِي قاضيخان، وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْوَلوالجِيَّة. وَمِنْه إِذا زوج بنته ثمَّ طلبُوا مِنْهُ أَن يقر بِقَبض شئ من الصَدَاق فالاقرار بَاطِل لَان أهل الْمجْلس يعْرفُونَ أَنه كذب. الْوَلوالجِيَّة. قَالَ فِي البيري: يُؤْخَذ مِنْهُ حكم كثير من مسَائِل الاقرار الْوَاقِعَة فِي زَمَاننَا. قَوْله: (وبالدين بعد الابراء مِنْهُ الخ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْعَيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَام صَحِيح مَعَ أَنه أَمن الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَفِي الابراء الْعَام. قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: صُورَة الْمَسْأَلَة: وهبت لزَوجهَا مهرهَا ثمَّ أقرّ بِهِ بعد الْهِبَة لَا يَصح إِقْرَاره. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبر نقلا عَن الْخُلَاصَة وَالصُّغْرَى قَالَ: رجل أقرّ لامْرَأَته بِمهْر ألف دِرْهَم فِي مرض مَوته وَمَات ثمَّ أَقَامَت الْوَرَثَة الْبَيِّنَة أَنَّ الْمَرْأَةَ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي حَيَاة الزَّوْج لَا تقبل لاحْتِمَال الابانة والاعادة على الْمهْر الْمَذْكُور، لَكِن فِي فُصُول الْعِمَادِيّ مَا يَقْتَضِي أَن الاقرار إِنَّمَا يَصح بِمِقْدَار مهر الْمثل. اهـ. مُلَخصا. ثمَّ نقلا عَن المُصَنّف أَن الْهِبَة فِي الْمهْر تخَالف الابراء، فَلَو أَبرَأته مِنْهُ ثمَّ أقرّ بِهِ لَا يَصح إِقْرَاره. انْتَهَت عبارَة الطَّحْطَاوِيّ. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: بَرْهَنَ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى الْمُدَّعِي ثَانِيًا أَنَّهُ أَقَرَّ لِي بِالْمَالِ بَعْدَ إبْرَائِي، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي وَقَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ وَقَالَ صَدَّقْته فِيهِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ: يَعْنِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ يَصِحُّ الدَّفْعُ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ، وَالْإِبْرَاءُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ قَبُولِهِ إذْ لَا يرْتَد بِالرَّدِّ بعده اهـ. لَكِنَّ كَلَامَنَا فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّعْوَى. وَفِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ من التاترخانية: وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ مِمَّا لِي عَلَيْكَ فَقَالَ عَليّ ألف قَالَ صدقت فَهُوَ برِئ اسْتِحْسَانًا. لَا حَقَّ لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ فَقَالَ كَانَ لَك سدس فاشتريته مِنْك فَقَالَ لَمْ أَبِعْهُ فَلَهُ السُّدُسُ، وَلَوْ قَالَ خرجت من كُلِّ حَقٍّ لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ بَرِئْتُ مِنْهُ إلَيْكَ أَوْ أَقْرَرْتُ لَكَ فَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْتَهَا مِنْكَ فَقَالَ لَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلهُ الثّمن. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 وَفِيهَا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لَا حَقَّ لي قبله برِئ من كل عين وَدين، وعَلى هَذَا لَو قَالَ فلَان برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ دَخَلَ الْمَضْمُونُ وَالْأَمَانَةُ، وَلَوْ قَالَ هُوَ برِئ مِمَّا لي عَلَيْهِ دخل الْمَضْمُون دون الامانة، وَلَو قَالَ هُوَ برِئ مِمَّا لي عِنْده فَهُوَ برِئ من كل شئ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ، وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَضْمُونِ، وَلَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ حَقًّا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً: فَإِنْ كَانَ أَرَّخَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخْ فَالْقِيَاسُ أَنْ تسمع وَيحمل عَلَى حَقٍّ وَجَبَ بَعْدَهَا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا تقبل بَينته انْتهى. قَالَ بعض الْفُضَلَاء بعد أَن ذكر عبارَة جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمَذْكُورَة: فَهَذَا أولى بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا ذكره وسيذكره المُصَنّف فِي بَيَان السَّاقِط لَا يعود، وَبحث فِيهِ بعض الْفُضَلَاء بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّة وَلَا مُسَاوَاة عِنْد التَّأَمُّل، لَان هُنَا إِنَّمَا صحت دَعْوَاهُ لاحْتِمَال الرَّد كَمَا اعْترف بِهِ، وَأما مَا اسْتَثْنَاهُ المُصَنّف فالمقصود بِالْهبةِ الْهِبَة الْمُعْتَبرَة شرعا الْمُشْتَملَة على الايجاب وَالْقَبُول وَشرط الصِّحَّة واللزوم لانها عِنْد الاطلاق تَنْصَرِف إِلَى الْكَامِلَة. هَذَا، وَعِنْدِي فِي كَون هَذَا الْفَرْع دَاخِلا تَحت الاصل الْمَذْكُور فِي التاترخانية نظر يعرف بِالتَّأَمُّلِ فِي كَلَامهم، لانه إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لانه يَجْعَل زِيَادَة فِي الْمهْر، وَالزِّيَادَة فِي الْمهْر جَائِزَة عندنَا. وَأما مَا وَقع الابراء مِنْهُ وَسقط فَلَا يعود لَان السَّاقِط لَا يعود. وَعبارَة الْبَزَّازِيَّة تفِيد مَا قلته بِعَيْنِه. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَهَبَتْ الْمَهْرَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا أَن لَهَا عَليّ مهر كَذَا فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ، وَعَلِيهِ الْمهْر الْمَذْكُورُ إذَا قَبِلَتْ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولِهَا. وَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَلَا تجْعَل زِيَادَة بِغَيْر قصد الزِّيَادَة، فاستثناؤه فِي غير مَحَله كَمَا لَا يخفى. كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية، وَيَأْتِي أَوَاخِر الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (ذكره المُصَنّف فِي فتاوته) وَنَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ صَدَرَ بَيْنَهُمَا إبْرَاءٌ عَامٌّ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مَبْلَغًا مُعَيَّنًا لِلْآخَرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ نَقْلًا عَنْ التاترخانية. نَعَمْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ انْتهى. وَانْظُرْ مَا فِي إقْرَارِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لِغَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ. قَوْلُهُ: (قُلْتُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَقْيِيدِ اللُّزُوم بِدَعْوَاهُ بِسَبَب حَادث. قَوْله: (أَنه) أَي الْغَرِيم. قَوْله: (بِبَقَاء الدّين) أَي الَّذِي أَبرَأَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ دينا حَادِثا: أَي بِأَن مَا أَبْرَأَنِي مِنْهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَبِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ لفُلَان عَليّ كَذَا وَفِي الثَّانِيَة قَالَ دين فلَان بَاقٍ عَليّ، وَالْحكم فيهمَا وَاحِد وَهُوَ الْبطلَان. تَأمل. قَوْله: (فَحكمه كَالْأَوَّلِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ: أَي فَإِنَّهُ بَاطِل. قَوْله: (الْفِعْل فِي الْمَرَض) كالاقرار فِيهِ بدين وكالتزوج وَالْعِتْق وَالْهِبَة والمحاباة. قَوْله: (أحط من فعل الصِّحَّة) فَإِن الاقرار فِيهِ بدين مُؤخر عَن دين الصِّحَّة والتزوج ينفذ فِيهِ بِمهْر الْمثل وَتبطل الزِّيَادَة، بِخِلَاف الصِّحَّة وَالْعِتْق وَمَا بعده فِي الْمَرَض تنفذ من الثُّلُث، وَفِي الصِّحَّة من الْكل. قَوْله: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إسْنَادِ النَّاظِرِ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ) المُرَاد بالاسناد التَّفْوِيض، فَإِنَّهُ إِذا فوضه فِي صِحَّته لَا يَصح إِلَّا إِذا شَرط لَهُ التَّفْوِيض، وَإِذا فوضه فِي مَرضه صَحَّ. قَوْله: (بِلَا شَرط) أَي شَرط الْوَاقِف التَّفْوِيض لَهُ، أما إِذا كَانَ هُنَاكَ شَرط فيستويان. قَوْله: (تَتِمَّة) أَي انْتهى من التَّتِمَّة، وَهِي اسْم كتاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 وَالْحَاصِل: أَن النَّاظر إِذا فوض النّظر لغيره فَتَارَة يكون بِالشّرطِ وَتارَة لَا، وعَلى كل إِمَّا فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض، وَقد تقدم فِي الْوَقْف فَارْجِع إِلَيْهِ. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الاشباه) قَالَ فِيهَا بعد عبارَة التَّتِمَّة: وَفِي كَافِي الْحَاكِم من بَاب الاقرار فِي الْمُضَاربَة: لَو أقرّ الْمضَارب بِرِبْح ألف دِرْهَم فِي المَال ثمَّ قَالَ غَلطت أَنَّهَا خَمْسمِائَة لم يصدق وَهُوَ ضَامِن لما أقرّ بِهِ انْتهى. اخْتلفَا فِي كَون الاقرار للْوَارِث فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض فَالْقَوْل لمن ادّعى أَنه فِي الْمَرَض، وَفِي كَونه فِي الصغر أَو الْبلُوغ فَالْقَوْل لمن ادّعى الصغر. كَذَا فِي إِقْرَار الْبَزَّازِيَّة: وَلَو طلق أَو أعتق ثمَّ قَالَ كنت صَغِيرا فَالْقَوْل لَهُ وَإِن أسْند إِلَى حَال الْجُنُون، فَإِن كَانَ معهودا قبل، وَإِلَّا فَلَا. مَاتَ الْمقر فبرهن وَارثه على الاقرار وَلم يشْهدُوا لَهُ أَن الْمقر لَهُ صدق الْمقر أَو كذبه تقبل كَمَا فِي الْقنية. أقرّ فِي مَرضه بشئ وَقَالَ كنت فعلته فِي الصِّحَّة كَانَ بِمَنْزِلَة الاقرار بِالْمرضِ من غير إِسْنَاد إِلَى زمن الصِّحَّة. قَالَ فِي الْخُلَاصَة: لَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ فِي صِحَّتِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثّمن إِلَّا بِقدر الثُّلُث. وَفِي الْعمادِيَّة: لَا يصدق على اسْتِيفَاء الثّمن إِلَّا أَن يكون العَبْد قد مَاتَ قبل مَرضه انْتهى. وَتَمَامه فِي شرح ابْن وهبان انْتهى. قَوْله: (أقرّ بِمهْر الْمثل) هُوَ إصْلَاح بَيت الْوَهْبَانِيَّة لشارحها ابْن الشّحْنَة، وَبَيت الاصل: أقرّ بِأَلف مهرهَا صَحَّ مشرفا وَلَو وهبت من قبل لَيْسَ يُغير وَصورتهَا: مَرِيض مرض الْمَوْت أقرّ لزوجته بِأَلف مهرهَا ثمَّ مَاتَ فأقامت ورثته بَيِّنَة أَن الْمَرْأَة وهبت مهرهَا لزَوجهَا قبل مَرضه لَا تقبل وَالْمهْر لَازم بِإِقْرَارِهِ. وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ مَا يَقْتَضِي أَن ذَلِك إِذا كَانَ بِمِقْدَار مهر الْمثل، وَقد تقدم ذَلِك قَرِيبا فَلَا تنسه، وَسَيَأْتِي قَرِيبا. قَالَ ابْن الشّحْنَة: وَمَسْأَلَة الْبَيْت من الْخُلَاصَة وَالصُّغْرَى. أَقُول: وَقيد بِمهْر الْمثل، إذْ لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ لَمْ يَصح، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْهِبَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْمَهْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الصُّورَة. وَفِيه أَن الِاحْتِمَال مَوْجُود ثمَّة. تَأمل. قَوْله: (فَبَيِّنَة الْإِيهَابِ) أَيْ لَوْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ وَمِثْلُهُ الْإِبْرَاءُ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ قبل تهدر) أَي الْبَيِّنَة فِي حَال الصِّحَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي حَيَاته لَا تقبل، وَهَذَا ظَاهر على قَول الْفَقِيه الَّذِي اخْتَارَهُ. وَأما على الْمَذْهَب فَيظْهر لي أَن الاقرار بعد الْهِبَة هُوَ المهدر، لانهم على مَا يظْهر فرضوا هَذَا الْخلاف فِي الصِّحَّة فَيكون فِي الْمَرَض بالاولى، قَالَ فِي الْمنح: أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا إِذا أقرّ لزوجته بِمهْر بعد هبتها الْمهْر مِنْهُ على مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيه وَيجْعَل زِيَادَة على الْمهْر إِن قبلت، والاشبه خِلَافه لعدم قصد الزِّيَادَة اهـ. وَمر نَحوه قَرِيبا فَلَا تنسه. قَوْله: (وَإسْنَاد بيع) بِالنّصب مفعول لاقبلن أَو مُبْتَدأ خَبره جملَة اقبلن. قَوْله: (فِيهِ) أَي فِي مرض مَوته. قَوْله: (اقبلن) أَي إِذا صدقه المُشْتَرِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 وَصُورَة الْمَسْأَلَة كَمَا فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ فِي صِحَّتِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ. هَذِهِ مَسْأَلَة النّظم إِلَّا أَنه أغفل فِيهِ تَصْدِيق المُشْتَرِي ابْن الشّحْنَة. وَفِي الْعمادِيَّة: لَا يصدق على اسْتِيفَاء الثّمن إِلَّا أَن يكون العَبْد قد مَاتَ قبل مَوته اهـ. أَقُول: عدم التَّصْدِيق فِي الْقَبْض يُفِيد عدم نَفاذ الْمُحَابَاة فِي هَذَا البيع، وَيشْهد لَهُ مَا فِي شرح تحفة الاقران: أقرّ فِي مَرضه بشئ وَقَالَ كنت فعلته فِي الصِّحَّةُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ من غير إِسْنَاد إِلَى زمن الصِّحَّة. اهـ. وارجع إِلَى مَا قدمْنَاهُ أَوَائِل إِقْرَار الْمَرِيض عِنْد قَوْله وإبرائه مديونه وَلَا تغفل. قَوْله: (التراث) أَي الْمِيرَاث. قَوْله: (وَلَيْسَ بِلَا تشهد الخ) هَذَا تصويب الْعَلامَة عبد الْبر لَا بَيت الاصل وَهُوَ: وَلَيْسَ بِإِقْرَار مقَالَة لَا تكن شَهِيدا وَلَا تخبر يُقَال فَينْظر ملخصه أَنه لَو قَالَ لَا تشهد أَن لفُلَان عَليّ كَذَا لَا يكون إِقْرَارا بالِاتِّفَاقِ، وَإِن قَالَ لَا تخبره أَن لَهُ عَليّ كَذَا من حَقه أَو لحقه اخْتلف فِيهِ. قَالَ الْكَرْخِي وَعَامة مَشَايِخ بَلخ: أَن الصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار وَقَالَ مَشَايِخ بُخَارى: الصَّوَاب أَنه إِقْرَار. قَالَ فِي الْقنية والمنية هُوَ الصَّحِيح. وَالْفرق على كَونه إِقْرَارا أَن النَّهْي عَن الشَّهَادَة نهي عَن زور يشْهد بِهِ، وَالنَّهْي عَن خبر استكتام علمه عَلَيْهِ، وَقَوله تشهد بِسُكُون الدَّال الْمُهْملَة. قَوْله: (نعده) بالنُّون وَتَشْديد الدَّال: أَي لَا نعد ذَلِك فِي حكم الاقرار. قَوْله: (فخلف) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا إقْرَارٌ. وَزعم السَّرخسِيّ أَن فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ط: ينظر فِيمَا إِذا قَالَه ابْتِدَاء، وَذكر رِوَايَة الْكَرْخِي ومشايخ بَلخ وَرِوَايَة مَشَايِخ بُخَارى المذكورتين. ثمَّ قَالَ: وَجه كَونه إِقْرَارا أَن النَّهْي عَن الاخبار يَصح مَعَ وجود الْمخبر عَنهُ لقَوْله تَعَالَى: * ((4) وَإِذا جَاءَهُم أَمر من الامن أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ) * (النِّسَاء: 38) ذمهم على الاخبار مَعَ وجود الْمخبر عَنهُ، وَمن شَرط صِحَة الاخبار عَنهُ فِي الاثبات فَكَذَلِك فِي النَّفْي، فَكَأَنَّهُ أثبت الْمخبر عَنهُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم فَلَا تخبره بِأَن لَهُ عَليّ ذَلِك، وَلَو قَالَ ذَلِك كَانَ إِقْرَارا اهـ. وَوجه كَونه غير إِقْرَار مَا تقدم فِي لَا تشهد، ومسألتا الْبَيْت المذكورتان من قاضيخان من الْمُنْتَقى. قَوْله: (وَمن قَالَ ملكي الخ) ملخصه: وَلَو أضَاف الشئ إِلَى نَفسه فَقَالَ ملكي هَذَا الْمعِين لفُلَان كَانَ هبة يَقْتَضِي التَّسْلِيم فَلَا يتم إِلَّا بِهِ، وَإِن لم يضفه إِلَى نَفسه كَانَ إِظْهَارًا وإقرارا لَا يَقْتَضِي التَّسْلِيم، وَهبة الاب لصغيره تتمّ بالايجاب فَلَا يحْتَاج لقبض ابْنه الصَّغِير. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا قَالَ ملكي ذَا لهَذَا الشَّخْص كَانَ منشئا لتمليكه فَيعْتَبر فِيهِ شَرَائِط الْهِبَة، وَمَنْ قَالَ هَذَا مِلْكُ ذَا فَهْوَ مُظْهِرُ: أَي مقرّ ومخبر فَلَا يشْتَرط فِيهِ شُرُوط الْهِبَة. قَوْله: (لذا) أَي لهَذَا الشَّخْص. قَوْله: (كَانَ منشئا) أَي لتمليكه هِبته. قَوْله: (فَهُوَ مظهر) أَي مقرّ ومخبر وَمَسْأَلَة الْبَيْت من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 قاضيخان من الْمُلْتَقى. قَوْله: (وَمن قَالَ لَا دَعْوَى لي الْيَوْم) صورتهَا: قَالَ لآخر لَا دَعْوَى لي عَلَيْك الْيَوْم فَلَا تسمع دَعْوَاهُ بعد ذَلِك الْيَوْم بِمَا تقدم لانه إِبْرَاء عَام حَتَّى يَتَجَدَّد لَهُ غَيره عَلَيْهِ بعده، وَكَذَا لَو قَالَ تركته أصلا فَهُوَ إِبْرَاء وَكَذَا لَو قَالَ تَرَكْت دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إِلَى الْآخِرَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بِمَا لم يَتَجَدَّد بعد الابراء، وَالله تَعَالَى أعلم كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: أَي وَلَو إِرْثا حَيْثُ علم بِمَوْت مُوَرِثه وقته. بَزَّازِيَّة. وَفِي الْخُلَاصَة: أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى والخصومات ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ مَالا بالارث عَن أَبِيه: إِن مَاتَ أَبوهُ قبل إبرائه صَحَّ الابراء وَلَا تسمع دَعْوَاهُ، وَإِن لم يعلم بِمَوْت الاب عِنْد الابراء اهـ. وَتقدم ذَلِك. قَوْله: (لي الْيَوْم) بتحريك الْيَاء من لي. قَوْله: (مِنْهَا) أَي من دعاوى الْيَوْم أَو مَا تقدمه، أما إِذا كَانَ بِسَبَب حَادث فَتسمع كَمَا سَمِعت. قَوْله: (فمنكر) بتَخْفِيف الْكَاف مَعَ إشباع الرَّاء: أَي يُنكره الشَّرْع، وَلَا يقبله. أَقُول: وَمَسْأَلَة الْبَيْت من الْقنية على مَا نَقله صَاحب الْفَوَائِد عَنْهَا، وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 كتاب الصُّلْح قَوْله: (مناسبته الخ) يَعْنِي أَن الصُّلْح يتسبب عَن الْخُصُومَة المترتبة على إِنْكَار الْمقر إِقْرَاره: أَي فتناسب الصُّلْح والاقرار بواسطتين وَلكنهَا مُنَاسبَة خُفْيَة. والاظهر أَن يُقَال: إِن الصُّلْح يكون عَن الاقرار فِي بعض وجوهه كَمَا سيبينه، فَلِذَا ذكره بعده ثمَّ ذكر مَعَه قسميه تتميما للفائدة. قَوْله: (الْمقر) الصَّوَاب: الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَر قَوْله: (اسْم من الْمُصَالحَة) وَهِي الْمَسْأَلَة، والاولى اسْم للمصالحة والتصالح خلاف الْمُخَاصمَة والتخاصم، وَأَصله من الصّلاح وَهُوَ استقامة الْحَال على مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعقل، وَمَعْنَاهُ دَال على حسنه الذاتي، وَكم من فَسَاد انْقَلب بِهِ إِلَى الصّلاح، وَلِهَذَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ عِنْد حُصُول الْفساد والفتن بقوله: * ((49) وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) * (الحجرات: 9) ، * ((4) وَالصُّلْح خير) * (النِّسَاء: 821) والصالح: الْمُسْتَقيم الْحَال فِي نَفسه. ذكره الْقُهسْتَانِيّ. وَفِي صَلَاة الْجَوْهَرَة: الصَّالح الْقَائِم بِحُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْعباد، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بقوله هُوَ لكَونه مِمَّا يذكر وَيُؤَنث كَمَا فِي الصِّحَاح. قَوْله: (وَيقطع الْخُصُومَة) عطف تفصير كَمَا يفِيدهُ الْحَمَوِيّ، فَإِنَّهُ فسر رفع النزاع بِقطع الْخُصُومَة. قَوْله: (مُطلقًا) أَي فِيمَا يتَعَيَّن وَفِيمَا لَا يتَعَيَّن. قَوْله: (فِيمَا يتَعَيَّن) إِنَّمَا اشْترط الْقبُول لانه لَيْسَ من الاسقاط حَتَّى يتم بالمسقط وَحده لعدم جَرَيَانه فِي الاعيان ط. قَوْله: (فَيتم بِلَا قبُول) أَي من الْمَطْلُوب إِذا بَدَأَ هُوَ بِطَلَبِهِ، بِأَن ادّعى شخص على شخص دَرَاهِم وَنَحْوهَا فَطلب الْمُدعى عَلَيْهِ الصُّلْح على نصفهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي صالحتك على ذَلِك، فَلَا يشْتَرط قبُول الْمُدعى عَلَيْهِ لَان ذَلِك إِسْقَاط من الْمُدَّعِي وَهُوَ يتم بالمسقط وَحده، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي صُورَة الاقرار ط. وَالْحَاصِل: أَن الْمُوجب هُوَ الْمُدَّعِي فَيشْتَرط قبُول الْمُدعى عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. وَأَمَّا إِذا كَانَ الْمُوجب هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا بُد من الْقبُول من الْمُدَّعِي مُطلقًا سَوَاء فِيهِ مَا يتَعَيَّن وَمَا لَا يتَعَيَّن. قَوْله: (وسيجئ) أَي قَرِيبا. قَوْله: (الْعقل) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه شَرط فِي جَمِيع الْعُقُود والتصرفات الشَّرْعِيَّة، فَلَا يَصح صلح مَجْنُون وَصبي لَا يعقل. دُرَر. وَكَذَا لَا يَصح صلح الْمَعْتُوه والنائم والمبرسم والمدهوش والمغمى عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ لَهُم قصد شَرْعِي، وَخص بذكرهما لِكَوْنِهِمَا مَنْصُوصا عَلَيْهِمَا بِعَدَمِ جَرَيَان الاحكام الفرعية عَلَيْهِمَا فَيدْخل حكم هَؤُلَاءِ فِي حكمهمَا بِالدّلَالَةِ أَو بِالْقِيَاسِ، لَان حَالهم كحالهما بل أَشد تَارَة. صرح بِهِ فِي الْفُصُول. وَأما السَّكْرَان فَلَا يدْخل فيهم لانه مُخَاطب زجرا لَهُ وتشديدا عَلَيْهِ لزوَال عقله بِمحرم، وَلذَلِك قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: صلح السَّكْرَان جَائِز. أَقُول: قد سبق فِي كتاب الطَّلَاق وَفِي شَتَّى الاقرار إِنَّمَا هُوَ عِنْد أَكثر أَئِمَّتنَا. وَأما الْكَرْخِي والطَّحَاوِي وَمُحَمّد بن سَلام قَالُوا بِعَدَمِ وُقُوعه فَيجْرِي على الْخلاف الْمَذْكُور، لَكِن علمت أَن الاصح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 الْوُقُوع، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي صِحَة صلحه على الاصح. قَوْله: (فصح من صبي مَأْذُون) وَيصِح عَنْهُ بِأَنْ صَالَحَ أَبُوهُ عَنْ دَارِهِ وَقَدْ ادَّعَاهَا مُدع وَأقَام الْبُرْهَان ط. قَوْله: (إِن عري) بِكَسْر الرَّاء: أَي خلا، وَأما بِفَتْحِهَا فَمَعْنَاه حل وَنزل. قَوْله: (عَن ضَرَر بَين) بِأَن كَانَ نفعا مَحْضا أَو لَا نفع فِيهِ وَلَا ضَرَر أَو فِيهِ ضَرَر غير بَين، فَإِذا ادّعى الصَّبِي الْمَأْذُون على إِنْسَان دينا وَصَالَحَهُ على بعض حَقه، فَإِن لم يكن لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة جَازَ الصُّلْح إِذْ عِنْد انعدامها لَا حق لَهُ إِلَّا الْخُصُومَة وَالْحلف وَالْمَال أَنْفَع مِنْهُمَا، وَإِن كَانَت الْبَيِّنَة لم يجز لَان الْحَط تبرع وَهُوَ لَا يملكهُ، وَمِثَال مَا لَا ضَرَر فِيهِ وَلَا نفع: صلحه عَن عين بِقدر قيمتهَا، وَمِثَال مَا لَا ضَرَر فِيهِ بَين: مَا إِذا أخر الدّين فَإِنَّهُ يجوز لانه من أَعمال التِّجَارَة ط. أَقُول: وَهَذَا ظَاهر فِي الصَّبِي وَالْمكَاتب والمأذون الْمَدْيُون. وَأما الْمَأْذُون الْغَيْر الْمَدْيُون فَيَنْبَغِي صِحَة صلحه كَيْفَمَا كَانَ حَيْثُ كَانَ بِإِذن سَيّده لانه وَمَا فِي يَده لمَوْلَاهُ فَيكون صلحه كصلح مَوْلَاهُ، وَلَا حق فِي مَاله لغريم كالمديون وَلَا تصرفه مَنُوط بِالْمَصْلَحَةِ كَالصَّبِيِّ وَالْمكَاتب، تَأمل. قَوْله: (وَصَحَّ من عبد مَأْذُون) لَو لم يكن فِيهِ ضَرَر بَين، لكنه لَا يملك الصُّلْح على حط بعض الْحق إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَيملك التَّأْجِيل مُطلقًا وَحط بعض الثّمن للعيب لما ذكر، وَلَو صَالحه البَائِع على حط بعض الثّمن جَازَ لما ذكر فِي الصَّبِي الْمَأْذُون كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (ومكاتب) فَإِنَّهُ نَظِير العَبْد الْمَأْذُون فِي جَمِيع مَا ذكر لانه عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم، فَإِن عجز الْمكَاتب فَادّعى عَلَيْهِ رجل دينا فاصطلحا أَن يَأْخُذ بعضه وَيُؤَخر بعضه، فَإِن لم يكن لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة لم يجز لانه لما عجز صَار مَحْجُورا فَلَا يَصح صلحه. دُرَر. أَقُول: قَوْله فَادّعى عَلَيْهِ رجل دينا: أَي كَانَ فِي زمن كِتَابَته إِلَّا أَن الصُّلْح وَاقع بعد الْعَجز، هَذَا هُوَ المُرَاد، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الشَّرْط الثَّانِي مُسْتَغْنى عَنهُ، وَقيد بِهِ لانه لَو كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة صلح الْمَحْجُور لَا من حَيْثُ إِنَّه مَحْجُور بل من حَيْثُ أَن دينه دين فِي زمن كِتَابَته. تدبر. وَأَقُول: وَمثل الْمكَاتب الْمَعْتُوه الْمَأْذُون فَإِنَّهُ نَظِير العَبْد الْمَأْذُون على مَا سبق. قَوْله: (وَلَو فِيهِ نَفْعٌ) لَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ أَو كَانَ فِيهِ ضَرَر غير بَين كَمَا تقدم أَمْثِلَة ذَلِك قَرِيبا. قَوْله: (مَعْلُوما) سَوَاء كَانَ مَالا أَو مَنْفَعَة، بِأَن صَالح على خدمَة عبد بِعَيْنِه سنة أَو ركُوب دَابَّة بِعَينهَا أَو زراعة أَرض أَو سُكْنى دَار وقتا مَعْلُوما فَإِنَّهُ يجوز وَيكون فِي معنى الاجارة، وَخرج مَا لم يكن كَذَلِك، فَلَا يَصح الصُّلْح عَن الْخمر وَالْميتَة وَالدَّم وصيد الاحرام وَالْحرم وَنَحْو ذَلِك، لَان فِي الصُّلْح معنى الْمُعَاوضَة، فَمَا لَا يصلح للعوض وَالْبيع لَا يصلح عوضا فِي الصُّلْح ط. قَالَ فِي الْمنح: أَن يكون مَعْلُوما بِذكر الْمِقْدَار فِي مثل الدَّرَاهِم فَيحمل على النَّقْد الْغَالِب فِي الْبَلَد، وبذكر الْمِقْدَار وَالصّفة فِي نَحْو بر، وبمكان التَّسْلِيم أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة، وبالاجل أَيْضا فِي نَحْو ثوب، وبإشارة وَتَعْيِين فِي نَحْو حَيَوَان كَمَا فِي الْعمادِيَّة، لَان جَهَالَة الْبَدَل تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة فَيفْسد الصُّلْح انْتهى. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَازِيًا لِلْمَبْسُوطِ: الصُّلْحُ على خَمْسَة أوجه: الاول: صلح على دَارهم أَو دَنَانِير أَو فَلَو س، فَيحْتَاج إِلَى ذكر الْقدر. الثَّانِي: على تبر أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤنَة، فَيحْتَاج إِلَى قَدْرٍ وَصِفَةٍ، إذْ يَكُونُ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 الثَّالِثُ: عَلَى كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرٍ وَصِفَةٍ وَمَكَانِ تَسْلِيمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي السَّلَمِ. الرَّابِعُ: صُلْحٌ عَلَى ثَوْبٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ذَرْعٍ وَصِفَةٍ وَأَجَلٍ إذْ الثَّوْبُ لَا يَكُونُ دَيْنًا إلَّا فِي السَّلَمِ وَهُوَ عُرِفَ مُؤَجَّلًا. الْخَامِسُ: صُلْحٌ عَلَى حَيَوَانٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِعَيْنِهِ، إذْ الصُّلْحُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْحَيَوَانُ لَا يصلح دينا فِيمَا انْتهى؟ قَوْله: (إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى قَبضه) فَإِن كَانَ لَا يحْتَاج إِلَى قَبضه لَا يشْتَرط معلوميته مثل أَن يذعي حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى ترك الدَّعْوَى جَازَ وَإِن لم يبين كل مِنْهُمَا مِقْدَار حَقه، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الدُّرَر. قَالَ فِي الْعِنَايَة: ويفسده جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ لانها تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة دون جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ لانه يسْقط، وَهَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه بل فِيهِ تَفْصِيل، وَهُوَ أَن الصُّلْح بِاعْتِبَار بدليه على أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا أَن يكون عَن مَعْلُوم على مَعْلُوم وَهُوَ جَائِز لَا محَالة، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَجْهُول على مَجْهُول، فَإِن لم يحْتَج فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم والتسلم، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدعى فاصطلحا على ترك الدَّعْوَى جَازَ وَإِن احْتِيجَ إِلَيْهِ، وَقد اصطلحا على أَن يدْفع أَحدهمَا مَالا وَلم يُبينهُ على أَن يتْرك الآخر دَعْوَاهُ أَو على أَن يسلم إِلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ لم يجز، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَجْهُول على مَعْلُوم وَقد احْتِيجَ إِلَيْهِ إِلَى التَّسْلِيم، كَمَا لَو ادّعى حَقًا فِي دَار يَد رجل وَلم يسمه فاصطلحا على أَن يُعْطِيهِ الْمُدعى مَالا مَعْلُوما ليسلم الْمُدعى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ لَا يجوز، وَإِن لم يحْتَج فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم كَمَا إِذا اصطلحا فِي هَذِه الصُّورَة على أَن يتْرك الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ جَازَ، وَإِمَّا أَن يكون عَن مَعْلُوم على مَجْهُول وَقد احْتِيجَ فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم لَا يجوز، وَإِن لم يحْتَج إِلَيْهِ جَازَ. والاصل فِي ذَلِك أَن الْجَهَالَة المفضية للمنازعة الْمَانِعَة عَن التَّسْلِيم والتسلم هِيَ الْمفْسدَة، فَمَا لَا يجب التسلم وَالتَّسْلِيم جَازَ، وَمَا وجبا فِيهِ لم يجز مَعَ الْجَهَالَة، لَان الْقُدْرَة على تَسْلِيم الْبَدَل شَرط لكَونه فِي معنى البيع انْتهى.. قَوْله: (وَكَون الْمصَالح عَنهُ حَقًا) أَي للْمصَالح ثَابتا فِي الْمحل لَا حَقًا لله تَعَالَى فَخرج بقولنَا: أَي للْمصَالح مَا إِذا ادَّعَت مُطلقَة على زَوجهَا أَن صَبيا فِي يَد أَحدهمَا ابْنهَا مِنْهُ فصالحها على شئ لتترك الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يبطل، لَان النّسَب حق الصَّبِي لَا حَقّهمَا فَلَا تملك الِاعْتِيَاض عَن حق غَيرهَا. وَخرج بقولنَا ثَابتا فِي الْمحل مصالحة الْكَفِيل بِالنَّفسِ على مَال على أَن يُبرئهُ من الْكفَالَة، لَان الثَّابِت للطَّالِب حق الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم نفس الاصيل، وَهُوَ عبارَة عَن ولَايَة الْمُطَالبَة وَأَنَّهَا صفة الْوَالِي فَلَا يجوز الصُّلْح عَنهُ كَمَا يَأْتِي. وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي بطلَان الْكفَالَة كَمَا فِي الْكَافِي، والاصح بُطْلَانهَا كَمَا فِي منية الْمُفْتِي، وَبِه يُفْتى كَمَا فِي الْعِنَايَة والبيانية: وَبَقِي من الشُّرُوط قَبْضُ بَدَلِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَإِلَّا لَا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (كَالْقصاصِ) فِي النَّفس، إِنَّمَا جَازَ الصُّلْح عَنهُ لَان الْمحل فِيهِ يصير مَمْلُوكا فِي حق الِاسْتِيفَاء فَكَانَ الْحق ثَابتا فِي الْمحل فَيملك الِاعْتِيَاض عَنهُ بِالصُّلْحِ ط. قَوْله: (وَالتَّعْزِير) الَّذِي هُوَ حق العَبْد كَأَن صَالحه عَن سبه بِمَا دون قذف، أما التَّعْزِير الَّذِي هُوَ حق الله تَعَالَى كقبلة من أَجْنَبِيَّة فَالظَّاهِر عدم صِحَة الصُّلْح عَنهُ، لَان الصُّلْح لَا يكون إِلَّا من صَاحب الْحق كَمَا أَفَادَهُ الرحمتي. قَوْله: (أَو مَجْهُولا) كَأَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 ادّعى عَلَيْهِ قدرا من المَال فصولح أَو ادّعى عَلَيْهِ الْقصاص وَلم يبين أَنه فِي نفس أَو طرف أَو شَتمه وَلم يبين بِمَاذَا شَتمه، وَتقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق صِحَة الصُّلْح عَن مَجْهُول عَن مَعْلُومٍ، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازعَة، ولان الْمُصَالَحَ عَنْهُ سَاقِطٌ فَهُوَ مِثْلُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَانْظُر مَا تقدم عَن الْفَتْح أَوَاخِر الْعَيْب، وَكَونه مَجْهُولا: أَي بِشَرْط أَن يكوم مَالا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلًا، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَ عَن التَّسْلِيم الْمُدعى بِهِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الصَّكِّ وَأَبْرَأَ الْمُدَّعِيَ عَنْ جَمِيعِ دَعْوَاهُ وَخُصُومَاتِهِ إبْرَاءً صَحِيحًا عَامًّا، فَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْح لانه لم يذكر قدر المَال الْمُدعى بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ مُعَاوَضَةً أَوْ إسْقَاطًا أَوْ وَقَعَ صَرْفًا شَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْضَ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَجْلِسِ الصُّلْحِ، فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ. وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بعده للابراء الْعَام لَا للصلح. قَالَ فِي الْبَحْر: والجهالة فِيهِ إِن كَانَت تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة كوقوعها فِيمَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم منعت صِحَّته، وَإِلَّا لَا، فَبَطل إِن كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ، أَو عَنهُ مَجْهُولا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم كصلحه بعد دَعْوَاهُ مَجْهُولا على أَن يدْفع لَهُ مَالا وَلم يسمه اهـ. أَقُول: لَكِن فِي قَوْله جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَا بُد من بَيَانه نظر، لَان المَال بالصورة مَعْلُوم بِدَلِيل قَوْله أول عِبَارَته: ادّعى عَلَيْهِ مَالا مَعْلُوما، وَالظَّاهِر أَن لفظ مَعْلُوما زَائِد حَتَّى يتم المُرَاد تَأمل. قَوْله: (كحق شُفْعَة) يَعْنِي إِذا صَالح المُشْتَرِي الشَّفِيع عَن الشُّفْعَة الَّتِي وَجَبت لَهُ على شئ على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي فَالصُّلْح بَاطِل، إِذْ لَا حق للشَّفِيع فِي الْمحل سوى حق التَّمْلِيك، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْر ثَابت فِي الْمحل، بل هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الطَّلَبِ، وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابلَته كَمَا فِي الدُّرَر وَأطْلقهُ. وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: أَن يُصَالح على دَرَاهِم مَعْلُومَة على أَن يسلم الدَّار للْمُشْتَرِي، وَأَن يُصَالح على بَيت معِين مِنْهَا بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَأَن يُصَالح على نصف الدَّار بِنصْف الثّمن، فَفِي الاولين يبطل الصُّلْح وَكَذَا الشُّفْعَة فِي الاول، وَيصِح الصُّلْح فِي الثَّالِث وَالشُّفْعَة لَا تبطل فِيهِ وَفِي الثَّانِي كَمَا فِي الْمَبْسُوط وَغَيره فَظهر أَن المرد بقول الدُّرَر على شئ: دَرَاهِم مَعْلُومَة وَنَحْوهَا. قَوْله: (وحد قذف) بِأَن قذف رجلا فَصَالحه على مَال على أَن يعْفُو عَنهُ، لانه وَإِن كَانَ للْعَبد فِيهِ حق فالغالب فِيهِ حق الله تَعَالَى والمغلوب مُلْحق بالمعدوم، وَكَذَلِكَ لَا يجوز الصُّلْح عَن حق الله تَعَالَى وَلَو ماليا كَالزَّكَاةِ، وَلَا حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر، بِأَن أَخذ زاينا أَو سَارِقا من غَيره أَو شَارِب خمر فَصَالحه على مَال على أَن لَا يرفعهُ إِلَى ولي الامر لانه حق الله تَعَالَى، وَلَا يجوز عَنهُ الصُّلْح لَان الْمصَالح بِالصُّلْحِ يتَصَرَّف إِمَّا بِاسْتِيفَاء كل حَقه أَو اسْتِيفَاء بعضه وَإِسْقَاط الْبَاقِي أَو بالمعاوضة، وكل ذَلِك لَا يجوز فِي غير حَقه كَمَا فِي الدُّرَر. وَإِنَّمَا لَا يجوز الصُّلْح عَن حُقُوقه تَعَالَى لَان الاصل فِيهِ أَن الِاعْتِيَاض عَن حق الْغَيْر لَا يجوز، وَالْحُدُود الْمَشْرُوعَة لما كَانَت حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا أَو غَالِبا، فَلَا يجوز لَاحَدَّ أَن يُصَالح على شئ فِي حق الله تَعَالَى، وَالْمرَاد من حق الله تَعَالَى مَا يتَعَلَّق بِهِ النَّفْع الْعَام لاهل الْعَالم فَلَا يخْتَص بِهِ أحد كَحُرْمَةِ الزِّنَا، فَإِن نَفعه عَائِد إِلَى جَمِيع أهل الْعَالم وَهُوَ سَلامَة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 السَّيْف بَين العشائر بِسَبَب التَّنَازُع بَين الزناة، وَلذَلِك لَا يُبَاح الزِّنَا بِإِبَاحَة الْمَرْأَة أَو أَهلهَا، وَإِنَّمَا نسب إِلَى الله تَعَالَى مَعَ أَن النَّفْع عَائِد إِلَى الْعباد تَعْظِيمًا لانه متعال عَن أَن ينْتَفع بشئ، وَلَا يجوز أَن يكون حَقًا لَهُ بِجِهَة التخليق لَان الْكل سَوَاء فِي ذَلِك، كَذَا فِي شرح الْمنَار لجلال الدّين. قَوْله: (وكفالة بِنَفس) الْوَجْه فِيهِ كالوجه فِي سابقه، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهَا قَرِيبا، وَقيد الْكفَالَة بكفالة النَّفس، لانه لَو صَالحه عَن كَفَالَة المَال يكون إِسْقَاطًا لبَعض الدّين عَنهُ وَهُوَ صَحِيح. قَوْله: (وَيبْطل بِهِ الاول) أَي حق الشُّفْعَة لرضا الشَّفِيع بِسُقُوط حَقه. قَوْله: (وَكَذَا الثَّانِي) أَي حد الْقَذْف. قَوْله: (لَو قبل الرّفْع للْحَاكِم) ظَاهره أَنه يبطل الصُّلْح أصلا وَهُوَ الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قاضيخان، فَإِنَّهُ قَالَ: بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بعده لَا يبطل وَقَالَ فِي الْحَدُّ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ لِعَدَمِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ الاشباه: لَا يَصح الصُّلْح عَن الْحَد وَلَا يسْقط بِهِ حد الْقَذْف إِن كَانَ قبل المرافعة كَمَا فِي الْخَانِية. قَالَ البيري: أَي فَإِن الْحَد يسْقط وَإِن كَانَ الصُّلْح لم يجز. أما إِذا كَانَ بعد المرافعة فَلَا يسْقط. أَقُول: هَذَا الَّذِي فِي الْخَانِية يُنَافِي مَا ذكره فِي الايضاح بِأَن لَهُ أَن يُطَالب بعد الْعَفو وَالصُّلْح عَن ذَلِك، فَرَاجعه فِي الاقرار. وَعبارَة الاشباه فِي الاقرار: وَلَا يملك الْمَقْذُوف الْعَفو عَن الْقَاذِف، وَلَو قَالَ الْمَقْذُوف كنت مُبْطلًا فِي دعواي سقط الْحَد. كَذَا فِي حيل التاترخانية من حيل المداينات. قَالَ البيري: قَالَ فِي الايضاح: وَإِذا ثَبت الْحَد لم يجز الاسقاط وَلَا الْعَفو، وَلذَا إِذا عَفا قبل المرافعة أَو أَبْرَأ أَو صَالح على مَال فَذَلِك بَاطِل وَيرد مَال الصُّلْح، وَله أَن يُطَالِبهُ بِالْحَدِّ بعد ذَلِك اهـ. وَقدم الشَّارِح فِي بَاب حد الْقَذْف: وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ إقْرَارٍ وَلَا اعْتِيَاضَ: أَيْ أَخذ عِوَضٍ وَلَا صُلْحَ وَلَا عَفْوَ فِيهِ وَعَنْهُ. نَعَمْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ لَا لصِحَّة الفعو بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حد. شمني. وَلذَا لَا يتم إِلَّا بِحَضْرَتِهِ، فَأفَاد أَنه لَا صلح فَلَا يسْقط، وَظَاهره وَلَو قبل المرافعة، وَلَا يُقَام إِلَّا بِطَلَب الْمَقْذُوف فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْبطلَان لعدم الطّلب، وَكَذَا يُقَال فِي حد السّرقَة فَإِنَّهُ لَا يَصح عَنهُ الصَّالح كَمَا فِي مجمع الْفَتَاوَى، فَكَانَ على المُصَنّف وَالشَّارِح أَن يستثنيه أَيْضا. قَوْله: (لَا حد زنا) أَي لَا يَصح الصُّلْح عَنهُ. صورته: زنى رجل بِامْرَأَة رجل فَعلم الزَّوْج وَأَرَادَ أَحدهمَا الصُّلْح فتصالحا مَعًا أَو أَحدهمَا على مَعْلُوم على أَن يعْفُو كَانَ بَاطِلا وعفوه بَاطِل، سَوَاء كَانَ قبل الرّفْع أَو بعده. وَالرجل إِذا قذف امْرَأَته المحصنة حَتَّى وَجب اللّعان كَانَ بَاطِلا، وعفوها بعد الرّفْع بَاطِل وَقبل الرّفْع جَائِز. خَانِية. قَوْله: (وَشرب مُطلقًا) أَي إِذا صَالح شَارِب الْخمر القَاضِي على أَن يَأْخُذ مِنْهُ مَالا وَيَعْفُو عَنهُ لَا يَصح الصُّلْح وَيرد المَال على شَارِب الْخمر سَوَاء كَانَ ذَلِك قبل الرّفْع أَو بعده كَمَا فِي الْخَانِية. فَلْيحْفَظ، والآن مبتلون بذلك، وَلَا حول وَلَا قولة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي نَظْمِ الْفِقْهِ: أَخذ سَارِقا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ رَفْعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ فَدَفَعَ لَهُ السَّارِقُ مَالًا عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ يَبْطُلُ وَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَى السَّارِقِ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 الصُّلْحُ مَعَ صَاحِبِ السَّرِقَةِ بَرِئَ مِنْ الْخُصُومَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ غير خُصُومَة وَيصِح الصُّلْح اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا: اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ وَحَبْسٍ فَصَالَحَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، إِن حَبْسِ الْوَالِي تَصِحَّ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ حبس ظلما، وَإِن كَانَ فِي حَبْسِ الْقَاضِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنه يحبس بِحَق اهـ. أَقُول: وَهَذَا على مَا كَانَ فِي زمنهم من تصرف الْوَالِي بِرَأْيهِ وَأما فِي زَمَاننَا فَلَا فرق يظْهر بَينهمَا فَإِنَّهُمَا على السوَاء حَتَّى صَار حبسهما وَاحِدًا، إِذْ لَا يحبس الْوَاحِد إِلَّا بعد ثُبُوت حَبسه بِوَجْهِهِ. قَوْله: (من الْمُدعى عَلَيْهِ) مُتَعَلق بِالْقبُولِ وَحذف نَظِيره من الاول، فَإِن الْمَعْنى: وَطلب الصُّلْح من الْمُدعى عَلَيْهِ. قَوْله: (كالدراهم وَالدَّنَانِير) الْكَاف للاستقصاء إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ مَالا يتَعَيَّن غَيرهمَا. قَوْله: (وَطلب الصُّلْح) لَا حَاجَة إِلَى هَذِه الْجُمْلَة بعد قَول الْمَتْن وَطلب الصُّلْح كَاف. قَوْله: (على ذَلِك) كَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا عَن بدل على. قَوْله: (لانه إِسْقَاط) سَيَأْتِي فِي الصُّلْح فِي الدّين أَنه أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي، لَكِن لَيْسَ ذَلِك مَخْصُوصًا بِمَا لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ بل كل مَا يثبت فِي الذِّمَّة. قَوْله: (وَهُوَ يتم بالمسقط) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ كَمَا لَا يشْتَرط الْقبُول، وَإِن هَذَا فِي الاقرار كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح نقلا عَن الْعِنَايَة، فَتَأمل. قَوْله: (لانه كَالْبيع) أَيْ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَيُنْظَرُ، إنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعِي فَهُوَ بَيْعٌ قبض كَمَا يذكرهُ بعد، وَإِن وَقع على جنسه، فَإِن وَقع بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فضل وَربا. قَوْله: (وَحكمه) أَي أَثَره الثَّابِت لَهُ. منح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْمَالِ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْقصاصِ وَوُقُوع الْبَرَاءَة كَمَا إِذا كَانَ مُنْكرا مُطلقًا اهـ. وَظَاهره أَنه لَا يملك الْمصَالح عَنهُ مَعَ الانكار مَعَ أَنه مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي، وَلذَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ عقارا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه يملك. قَوْله: (وُقُوع الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى) لما مر أَنه عقد يرفع النزاع: أَي مَا لم يعرض مُبْطل كاستحقاق الْبَدَل، أطلقهُ فَشَمَلَ أَن حكمه ذَلِك فِي أَنْوَاعه الثَّلَاثَة، حَتَّى لَو أنكر فَصَالح ثمَّ أقرّ لَا يلْزمه مَا أقرّ بِهِ، وَكَذَا لَو برهن بعد صلحه لَا يقبل، وَلَو برهن عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ من قبل الصُّلْح أَو قبل قبض الْبَدَل لَا يَصح الصُّلْح كصلح بعد الْحلف فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد الشَّيْخَيْنِ، خلافًا لمُحَمد، وَصلح مُودع يَدعِي الِاسْتِهْلَاك مَعَ الْمُودع يَدعِي الضّيَاع فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد الطَّرفَيْنِ، خلافًا لابي يُوسُف كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. قَوْله: (وَوُقُوع الْملك) أَي للْمُدَّعِي أَو للْمُدَّعى عَلَيْهِ. قَوْله: (فِي مصَالح عَلَيْهِ) أَي مُطلقًا وَلَو مُنْكرا قَوْله: (وَعنهُ لَو مقرا) قَالَ فِي الْمنح: وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِن كَانَ مِمَّا يحْتَمل التَّمَلُّك كَالْمَالِ وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 بِهِ إِلَى آخر مَا تقدم عَن الْبَحْر. قَوْله لَو مقرا قيد فِي قَوْله وَعنهُ. وَأما إِذا كَانَ مُنْكرا فَالْحكم الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى سَوَاء كَانَت فِيمَا يحْتَمل التماليك أَو لَا. أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ. قَوْله: (وَهُوَ صَحِيح) لقَوْله تَعَالَى: * ((4) وَالصُّلْح خير) * (النِّسَاء: 821) وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كل صلح جَائِز فِيمَا بَين الْمُسلمين، إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَمعنى جَوَاز الصُّلْح اعْتِبَاره حق يملك الْمُدَّعِي بدل الصُّلْح وَلَا يسْتَردّهُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَيبْطل حق الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى، وَالْمرَاد بقوله: صلحا أحل حَرَامًا أَي لعَينه كَالْخمرِ، وَقَوله أَو حرم حَلَالا أَي لعَينه كالمصالحة على ترك وطئ الضرة. وَأما دفع الرِّشْوَة لدفع الظُّلم فَجَائِز، وَلَيْسَ بصلح أحل حَرَامًا وَلَا بسحت إِلَّا على من أكله. قَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير: بلغنَا عَن الشعْثَاء جَابر بن زيد أَنه قَالَ: مَا وجدنَا فِي زمن الْحجَّاج أَو زِيَاد بن زِيَاد شَيْئا خيرا لنا من الرشا اه. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَمعنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أحل حَرَامًا الخ كَمَا إِذا صَالح على أَن لَا يتَصَرَّف فِي بدل الصُّلْح أَو أَن يَجْعَل عوض الصُّلْح خمرًا أَو خنزيرا، وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعن الله الراشي والمرتشي وَالْمرَاد بِهِ إِذا كَانَ هُوَ الظَّالِم فيدفعها لبَعض الظلمَة يَسْتَعِين بهَا على الظُّلم. وَأما لدفع الضَّرَر عَن نَفسه فَلَا شُبْهَة فِيهَا، حَتَّى رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه أجَاز ذَلِك للْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم لدفع الضَّرَر عَن الْيَتِيم الخ. رملي. قَوْله: (مَعَ إِقْرَار الخ) قَالَ الاكمل: الْحصْر فِي هَذِه الانواع ضَرُورِيّ، لَان الْخصم وَقت الدَّعْوَى إِمَّا أَن يسكت أَو يتَكَلَّم مجيبا وَهُوَ لَا يَخْلُو عَن النَّفْي والاثبات. لَا يُقَال: قد يتَكَلَّم بِمَا لَا يتَّصل بِمحل النزاع لانه سقط بقولنَا مجيببا اهـ منح. وَقَوله مَعَ إِقْرَار أطلقهُ فَشَمَلَ مَا يكون حَقِيقَة وصريحا وَحكما كَطَلَب الصُّلْح والابراء عَن المَال أَو الْحق فَيرجع إِلَيْهِ بِالْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُحِيط وَفِيه تَفْصِيل لطيف فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (فالاول حكمه كَبَيْعٍ) أَيْ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَيُنْظَرُ، إو وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعِي فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذُكِرَ هُنَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ حط وإبراء، وَإِن كَانَ بِمثلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فضل وَربا، ذكره الزَّيْلَعِيّ، وقدمناه قَرِيبا. قَالَ فِي الْبَحْر: فَإِن وَقع عَن مَال بِمَال بِإِقْرَار اُعْتُبِرَ بَيْعًا إنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الاولى: إِذا صَالح من الدّين على عبد وَصَاحبه مقرّ بِالدّينِ وَقبض العَبْد لَيْسَ لَهُ الْمُرَابَحَة من غير بَيَان. الثَّانِيَة: إِذا تَصَادقا على أَن لَا دين بَطل الصُّلْح، كَمَا لَو استوفى عين حَقه ثمَّ تَصَادقا أَن لَا دين، فَلَو تَصَادقا على أَن لَا دين لَا يبطل الشِّرَاء اهـ. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) زِيَادَة حِينَئِذٍ اقْتَضَت زِيَادَة الْفَاء فِي فتجري أَي التفريعية فِي المُصَنّف، وَقَوله فِيهِ أَي فِي هَذَا الصُّلْح. منح. فَيشْمَل الْمصَالح عَنهُ والمصالح عَلَيْهِ وَهُوَ بدل الصُّلْح، حَتَّى لَو صَالح عَن دَار بدار وَجب فيهمَا الشُّفْعَة. قَوْله: (الشُّفْعَة) أَي وَيلْزم الشَّفِيع مثل بدل الآخر لَو مثلِيا وَقِيمَته لَو قيميا غير عقار، حَتَّى لَو كَانَ البدلان عقارا لَا شُفْعَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا. قُهُسْتَانِيّ. ثمَّ قَالَ فِي فصل السُّكُوت والانكار: تجب الشُّفْعَة فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا عَن دَار أَو غَيرهَا فَإِنَّهُ مُعَاوضَة فِي زعم الْمُدَّعِي اهـ. تأل. هَذَا مَعَ مَا قبله ممعنا. وَالَّذِي يظْهر لي أَنه إِذا كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار على دَار بدار تجب الشُّفْعَة فيهمَا لَان كلا مِنْهُمَا عوض عَن الثَّانِيَة، وَإِن كَانَ عَن سكُوت أَو إِنْكَار فَتجب فِي الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا دون الدَّار الْمصَالح عَنْهَا، لَان الْمُعَاوضَة هُنَا فِي الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا فَقَط. أما عبارَة الْقُهسْتَانِيّ الاولى فَلم أر مَا يدل عَلَيْهَا بل صَرِيح النقول يُخَالِفهَا. قَالَ فِي الْمجلة من كتاب الصُّلْح فِي الْمَادَّة الْخمسين وَخَمْسمِائة بعد الالف مَا نَصه: عَن إِنْكَار ياخود عَن سكُوت صلح أَو لمق مدعي حقنده مُعَاوضَة ومدعى عَلَيْهِ حقنده يميندن خلاص إيله قطع منازعه در بِنَاء على ذَلِك مصَالح عَلَيْهِ، أَو لَان عقار ده شُفْعَة جَرَيَان أيدر إِمَّا مصَالح عَنهُ، أَو لَان عقار ده شُفْعَة جَرَيَان ايتمز. قَوْله: (وَالرَّدّ بِعَيْب) نَحْو إِذا كَانَ بدل الصُّلْح عبدا مثلا فَوجدَ الْمُدَّعِي فِيهِ عَيْبا لَهُ أَن يردهُ، وَظَاهر إِطْلَاقه أَنه يردهُ بِيَسِير الْعَيْب وفاحشه، وَقد ذكره الطَّحَاوِيّ. أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ وَأطلق الرَّد بِالْعَيْبِ وَهُوَ المُرَاد فِي الاقرار، قَالَ الطَّحَاوِيّ بالاقرار يرد بِيَسِير وفاحش، وَفِي الانكار بالفاحش كخلع وَمهر وَبدل صلح عَن دم عمد. قَوْله: (وَخيَار رُؤْيَة) فَيرد الْعِوَض إِذا رَآهُ وَكَانَ لم يره وَقت العقد، وَكَذَلِكَ يرد الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ لم يره. قَوْله: (وَشرط) بِأَن تصالحا على شئ فَشرط أَحدهمَا الْخِيَار لنَفسِهِ مثلا. قَالَ فِي المنبع: وَيبْطل الصُّلْح بِالرَّدِّ بِأحد هَذِه الخيارات الثَّلَاث. قَوْله: (ويفسده جَهَالَة الْبَدَل الْمصَالح عَلَيْهِ) أَي إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى تَسْلِيمه وَإِلَّا فَلَا يفْسد، كَمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ ثلث دَاره فَصَالحه على أَن يتْرك دَعْوَاهُ فِي حق مَجْهُول فِي أَرض الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْعِنَايَة لانه بيع فَصَارَ كجهالة الثّمن. عَيْني. وَكَذَا يفْسد بِجَهَالَة الاجل إِذا جعل الْبَدَل مُؤَجّلا زَيْلَعِيّ. قَالَ الرَّمْلِيّ: إِن جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ تفْسد الصُّلْح، وَكَذَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم. وَأَقُول: لَيْسَ جَهَالَة الْمصَالح عَلَيْهِ مفْسدَة للصلح مُطلقًا، بل مَحَله إِذا لم يكن مستغنيا عَن الْقَبْض وَالتَّسْلِيم فَإِن جهالته لَا تفْسد كَمَا فِي السراج الْوَهَّاج. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَيَكْفِي أَن يكون بَيَان قدر الْمصَالح عَلَيْهِ فَحسب إِذا كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو فُلُوسًا لَان معاملات النَّاس تغني عَن بَيَان الصّفة فَيَقَع على الند الْغَالِب اهـ. قَالَ السائحاني: ولطالما طلبت نَفسِي هَذَا النَّقْل لَان الْمَشْهُور أَنه لَا بُد فِي الْعُقُود من بَيَان الْوَصْف على أَن الْعرف بِخِلَافِهِ. قَوْله: (لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ) أَي إِذا لم يحْتَج إِلَى تَسْلِيمه كَمَا مر أَيْضا أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله لانه يسْقط فَإِنَّهُ تَعْلِيل لقَوْله: لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ أَي والساقط لَا تُفْضِي جهالته إِلَى الْمُنَازعَة، لَكِن قَالَ بعض الافاضل: لَا جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ إِلَّا إِذا احْتِيجَ إِلَى تَسْلِيمه كَأَن يصالحه على أَن يدْفع لَهُ الْحق الْمَجْهُول الَّذِي يَدعِيهِ أَو يدْفع الْمُدَّعِي الْبَدَل من عِنْده اهـ. تَأمل. قَوْله: (وتشترط الْقُدْرَة على تَسْلِيم الْبَدَل) اسْتِئْنَاف وَاقع موقع التَّعْلِيل لقَوْله ويفسده جَهَالَة الْبَدَل وَلَا يَصح عطفه على يسْقط وَحَيْثُ كَانَ كلَاما مستأنفا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنه لَا يَصح الصُّلْح على عَبده الْآبِق وطيره فِي الْهَوَاء وسمكه فِي المَاء وجذعه فِي السّقف وذراع من ثوب تضره الْقِسْمَة وَحمل الْجَارِيَة والبهيمة لانه لَا يقدر على تَسْلِيمه، وَمِنْه جَهَالَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 الْبَدَل فَإِنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيم الْمَجْهُول، فبذلك يصير الْكَلَام تعليلا. لقَوْله ويفسده جَهَالَة الْبَدَل فَبين التَّعْلِيل والمعلل لف وَنشر مشوش، الاول للثَّانِي وَالثَّانِي للاول. قَوْله: (وَمَا اسْتحق من الْمُدَّعِي الخ) هَذَا لَو الصُّلْح على ترك الْمُدَّعِي فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ. أما لَو أَخذه وَيدْفَع لمن فِي يَده شَيْئا صلحا فَلَا يرجع لَو اسْتحق لانه أَخذه على أَنه ملكه زعما فيؤاخذ بِهِ فَلَا يرجع بالشئ الَّذِي دَفعه لرفع النزاع كَمَا فِي الْعِمَادِيّ. قَوْله: (إِن كلا فكلا أَو بَعْضًا فبعضا) المُصَنّف صَرِيح فِي الْبَعْض. لقَوْله: حِصَّته فَلَو قَالَ الْمُؤلف بعد الْمَتْن وَإِن اسْتحق الْكل رد الْكل لَكَانَ أوضح، وَأَشَارَ بِأَن إِلَى أَنَّهَا بَيَانِيَّة أَو تبعيضية وكل مُرَاد، فَتَأمل. قَوْله: (بِحِصَّتِهِ من الْمُدَّعِي) أَي الْمصَالح عَنهُ، هَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْفُلُوسِ. كَذَا فِي حَاشِيَة الْحَمَوِيّ نقلا عَن الْبَحْر. وَفِي الْمنح: هَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتَعَيَّن كالدراهم وَالدَّنَانِير لَا يبطل بهلاكه لانهما لَا يتعينان فِي الْعُقُود والفسوخ فَلَا يتَعَلَّق العقد بهما عِنْد الاشارة إِلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بمثلهما فِي الذِّمَّة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ الْهَلَاك اهـ. فَقَوْل الْمَتْن وَمَا اسْتحق من الْبَدَل مَحْمُول على مَا إِذا أمكن اسْتِحْقَاقه وَهُوَ مَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَأما مَا لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُمكن اسْتِحْقَاقه لانه ينْعَقد الصُّلْح على جنسه وَقدره لَا على عينه، فَتَأمل. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وللمدعي أَن يرد الْبَاقِي وَيرجع بِكُل الْمُدَّعِي، كَمَا لَو اسْتحق كل الْعِوَض، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُسْتَحق لم يجز الصُّلْح، فَإِن أجَازه وَسلم الْعِوَض للْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُسْتَحق على الْمُدعى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه كَمَا فِي شرح الطَّحَاوِيّ. قَول: (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ إنْ كُلًّا فَكُلًّا أَوْ بَعْضًا فبعضا ح. وَهَذَا إِذا كَانَ الْبَدَل يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ فِي المقولة السَّابِقَة. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ) مُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ فَإِنْ مِثْلِيًّا رَجَعَ بِمِثْلِهِ أَوْ قيميا فبقيمته وَلَا يفْسد العقد فَالصُّلْح يجْرِي على هَذَا. سَيِّدي الْوَالِد. أَقُول: لَكِن هَذَا فِيمَا يتمحض للثمنية كالدراهم، وَأما مثل الْمَذْكُور فَهِيَ من المقايضة، وَحكمهَا أَن كلا من الْبَدَلَيْنِ يكون ثمنا وبيعا باعتبارين فَلِذَا فسد العقد: أَي بِاعْتِبَار أَنه مَبِيع، وَعَلِيهِ فَكَانَ على الشَّارِح أَن يَقُول: لانه مقايضة. تَأمل. قَوْله: (وَحكمه كإجارة الخ) صورته: ادّعى رجل على رجل شَيْئا فاعترف بِهِ ثمَّ صَالحه على سُكْنى دَاره سنة أَو على ركُوب دَابَّة مَعْلُومَة أَو على لبس ثَوْبه أَو على خدمَة عَبده أَو على زراعة أرضه مُدَّة مَعْلُومَة فَهَذَا الصُّلْح جَائِز فَيكون فِي معنى الاجارة، فَيجْرِي فِيهِ أَحْكَام الاجارة. كَذَا صوره الْعَيْنِيّ. قَوْله: (إِن وَقع الصُّلْح عَن مَال بِمَنْفَعَة الخ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 الحموية: وَكَذَا إِذا وَقع عَن مَنْفَعَة بِمَال اعْتبر بالاجارة لَان الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمعاني، فَيشْتَرط فِيهِ الْعلم بالمدة كخدمة العَبْد وسكنى الدَّار والمسافة كركوب الدَّابَّة، بِخِلَاف صبغ الثَّوْب وَحمل الطَّعَام فَالشَّرْط بَيَان تِلْكَ الْمَنْفَعَة، وَيبْطل الصُّلْح بِمَوْت أَحدهمَا فِي الْمدَّة إِن عقده لنَفسِهِ، وَكَذَا بِفَوَات الْمحل قبل الِاسْتِيفَاء، وَلَو كَانَ بعد اسْتِيفَاء الْبَعْض بَطل فِيمَا بَقِي وَيرجع الْمُدَّعِي بِقدر مَا لم يسْتَوْف من الْمَنْفَعَة، وَلَو كَانَ الصُّلْح على خدمَة عبد فَقتل وَإِن كَانَ الْقَاتِل الْمولى بَطل، وَإِلَّا ضمن قِيمَته وَاشْترى بهَا عبدا يَخْدمه إِن شَاءَ كالموصى بخدمته، بِخِلَاف الْمَرْهُون حَيْثُ يضمن الْمولى بالاتلاف وَالْعِتْق، وَالِاعْتِبَار بالاجارة قَول مُحَمَّد. قَالَ فِي شرح الْمُخْتَلف: وَهُوَ الاظهر، وَاعْتَمدهُ المحبوبي والنسفي، وَكَذَا بطلَان الصُّلْح بِمَوْت أَحدهمَا فِي الْمدَّة قَول مُحَمَّد. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يبطل الصُّلْح، وللمدعي أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْمَنْفَعَة من الْعين بعد مَوته كَمَا لَو كَانَ حَيا، وَإِن مَاتَ الْمُدَّعِي لَا يبطل الصُّلْح أَيْضا فِي خدمَة العَبْد وسكنى الدَّار وزراعة الارض، وَتقوم وَرَثَة الْمُدَّعِي مقَامه فِي اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة، وَيبْطل الصُّلْح فِي ركُوب الدَّابَّة وَلبس الثَّوْب لانه يتَعَيَّن فِيهِ الْعَاقِد، ثمَّ إِنَّمَا يعْتَبر إِجَارَة عِنْد مُحَمَّد إِذا وَقع على خلاف جنس الْمُدعى بِهِ، فَإِن ادّعى دَارا فَصَالحه على سكناهَا شهرا فَهُوَ اسْتِيفَاء بعض حَقه لَا إِجَارَة فَتَصِح إِجَارَته للْمُدَّعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْر. وَصُورَة الصُّلْح عَن مَنْفَعَة بِمَال: ادّعى السُّكْنَى لدار سنة وَصِيَّة من مَالِكهَا فَأقر بِهِ وَارثه فَصَالحه على مَال. ذكره الْحَمَوِيّ. قَالَ بعض الْفُضَلَاء: إِنَّمَا قيد بِكَوْن الْمصَالح عَنهُ مَالا لانه لَو صَالح عَن مَنْفَعَة بِمَال كَانَ الانكار كالاقرار، فَلَو ادّعى ممرا فِي دَار ومسيلا عَلَى سَطْحٍ أَوْ شُرْبًا فِي نَهْرٍ فَأَقَرَّ أَو أنكر ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ. وَالظَّاهِر أَن هَذَا حكمه غير حكم الاجارة لانها لَا تجْرِي فِي هَذِه الاشياء فَكَانَ حكم الصُّلْح فِي هَذِه الصِّحَّة، وَلَعَلَّ كَلَام الشَّارِح الْآتِي فِي مَنْفَعَة غير هَذِه. قَوْله: (فَشرط التَّوْقِيت فِيهِ) أَي فِي الصُّلْح الْوَاقِع عَن مَال بِمَنْفَعَة. قَوْله: (إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ) كسكنى دَار: أَي إِن كَانَت الْمَنْفَعَة تعلم بِالْوَقْتِ كَالَّذي مثل بِهِ. قَالَ الْعَلامَة مِسْكين: وَإِنَّمَا يشْتَرط التَّوْقِيت فِي الاجير الْخَاص، حَتَّى لَو تصالحا على خدمَة عَبده أَو سُكْنى دَاره يحْتَاج إِلَى التَّوْقِيت، وَفِي الْمُشْتَرك لَا يحْتَاج إِلَيْهِ كَمَا إِذا صَالحه على صبغ ثوب أَو ركُوب دَابَّة إِلَى مَوضِع كَذَا أَو حمل طَعَام إِلَيْهِ اهـ. قَوْله: (وَإِلَّا لَا كصبغ ثوب) أَي مِمَّا تعلم الْمَنْفَعَة فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَكَذَا مَا تعلم الْمَنْفَعَة فِيهِ بالاشارة كنقل هَذَا الطَّعَام إِلَى كَذَا فالمدار على الْعلم بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانه فِي كتاب الاجارة. قَوْله: (وَيبْطل بِمَوْت أَحدهمَا) أَي إِن عقده لنَفسِهِ. بَحر وَهَذَا عِنْد مُحَمَّد أَيْضا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يبطل الصُّلْح، وللمدعي أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْمَنْفَعَة من الْعين بعد مَوته كَمَا قدمْنَاهُ. فرع: إِذا أقرّ الْمُدَّعِي فِي ضمن الصُّلْح أَنه لَا حق لَهُ فِي هَذَا الشئ ثمَّ بَطل الصُّلْح يبطل إِقْرَاره الَّذِي فِي ضمنه، وَله أَن يَدعِيهِ بعد ذَلِك، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِذا أقرّ عِنْد الصُّلْح بِأَن هَذَا الشئ للْمُدَّعِي ثمَّ بَطل الصُّلْح فَإِنَّهُ يرد ذَلِك الشئ إِلَى الْمُدَّعِي انْتهى. وَقد أوضحه الْحَمَوِيّ فِي شَرحه. قَوْله: (وبهلاك الْمحل) أَي قبل الِاسْتِيفَاء، فَلَو قبض بعضه بَطل فِيمَا بَقِي فَيرجع بِقَدرِهِ، وَمَا ذكر من الْبطلَان بِالْمَوْتِ والهلاك قَول مُحَمَّد، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن مَاتَ الْمَطْلُوب لَا يبطل الصُّلْح وَالْمُدَّعِي يَسْتَوْفِيه إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (فِي الْمدَّة) تنَازع فِيهِ موت وهلاك على أَن يكون صفة لكل مِنْهُمَا: أَي لَو هلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 أحد المتصالحين عَن مَال بِمَنْفَعَة فِي الْمدَّة أَو هلك الْمحل الَّذِي قَامَت بِهِ تِلْكَ الْمَنْفَعَة فِيهَا بَطل الصُّلْح لانه إِجَارَة، وَهِي تبطل بذلك إِن كَانَت فِي كل الْمدَّة، وَإِن كَانَت فِي بَعْضهَا فبقدره من حِين الْمَوْت والهلاك. قَوْله: (وَكَذَا) يَصح لَو وَقع: أَي الصُّلْح عَن دَعْوَى مَنْفَعَة بِمَال وَأقر بهَا. وَفِيه أَن الْمَنْفَعَة مَنْفَعَة ملك الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يَصح اسْتِئْجَار مَنْفَعَة ملكه. قَوْله: (أَو بِمَنْفَعَة عَن جنس آخر) كخدمة عبد فِي سُكْنى دَار، بِخِلَاف مَا إِذا اتَّحد الْجِنْس، كَمَا إِذا صَالح عَن سُكْنى دَار على سُكْنى دَار أَو الْخدمَة بِالْخدمَةِ وَالرُّكُوب بالركوب فَإِنَّهُ لَا يجوز بيع الْمَنْفَعَة بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس، كَمَا لَا يجوز اسْتِئْجَار الْمَنْفَعَة بجنسها من الْمَنَافِع فَكَذَا الصُّلْح لَكِن صور الْمَسْأَلَة الْقُهسْتَانِيّ بِمَا لَو أوصى بسكنى دَاره لرجل ثمَّ مَاتَ ثمَّ ادّعى الْمُوصى لَهُ السُّكْنَى فَصَالحه عَن هَذِه السُّكْنَى على سُكْنى دَار أُخْرَى أَو دَرَاهِم مُسَمَّاة، فَتبين مِنْهُ أَن المُرَاد من اخْتِلَاف جنس الْمَنْفَعَة اخْتِلَاف عينهَا. تَأمل وراجع. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذِه الْمَسْأَلَة قبل. قَوْله شَرط التَّوْقِيت فِيهِ. قَوْله: (ابْن كَمَال) قَالَ فِي الايضاح: لَكِن إِنَّمَا يجوز بِمَنْفَعَة عَن مَنْفَعَة إِذا كَانَتَا مختلفتي الْجِنْس انْتهى، كَذَا إِذا صَالحه عَن سُكْنى دَار على خدمَة عبد، بِخِلَاف مَا إِذا اتَّحد الْجِنْس، كَمَا إِذا صَالح عَن سُكْنى دَار على سُكْنى دَار فَإِنَّهُ لَا يجوز كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (لانه) أَي انْفِسَاخ العقد بذلك هُوَ حكم الاجارة: يَعْنِي إِذا كَانَ الصُّلْح عَن المَال بِالْمَنْفَعَةِ. قَوْله: (أَي الصُّلْح) يُشِير إِلَى تَقْدِير مُضَاف فِي المُصَنّف. وَقَوله: (بسكوت وإنكار) الْبَاء بِمَعْنى فِي: أَي الصُّلْح الْوَاقِع فِي سكُوت وإنكار، والظرفية مجازية، وَلَا يصلح جعلهَا سَبَبِيَّة لَان سَبَب الصُّلْح الدَّعْوَى. قَوْله: (وإنكار) الْوَاو بِمَعْنى أَو. قَوْله: (مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي) لانه يَأْخُذهُ عوضا عَن حَقه فِي زَعمه. دُرَر فَبَطَلَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بَعْدَ دَعْوَى دَرَاهِمَ إِذا تفَرقا قبل الْقَبْض. بَحر. قَوْله: (وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ) إِذا لولاه لبقي النزاع وَلزِمَ الْيَمين. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا فِي الانكار ظَاهر، لانه تبين بالانكار أَن مَا يُعْطِيهِ لقطع الْخُصُومَة وَفِدَاء الْيَمين، وَكَذَا فِي السُّكُوت لانه يحْتَمل الاقرار والانكار، وجهة الانكار راجحة إِذْ الاصل فرَاغ الذمم فَلَا يجب بِالشَّكِّ، وَلَا يثبت بِهِ كَون مَا فِي يَده عوضا عَمَّا وَقع بِالشَّكِّ: أَي مَعَ أَن حمله على الانكار أولى، لَان فِيهِ دَعْوَى تَفْرِيغ الذِّمَّة وَهُوَ الاصل كَمَا علمت. قَوْله: (فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحدهمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَصَالح عَنْهَا بِدفع شئ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي الدَّار الْمَمْلُوكَة لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَيَدْفَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ، لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يلْزمه. منح قَوْله: (فيدلي بحجته) أَي فيتوصل الشَّفِيع بِحجَّة الْمُدَّعِي إِلَى إِثْبَات الدَّعْوَى عَلَيْهِ: أَي على الْمُدَّعِي الْمُنكر أَو السَّاكِت. قَوْله: (لَان بِإِقَامَة الْبَيِّنَة) حذف اسْم إِن، قَوْله: (فخلف) بتَشْديد اللَّام: أَي الشَّفِيع الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الدَّار لم تكن للْمُدَّعِي. قَالَ فِي الْخَانِية: ادَّعَيَا أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِمَا فَجَحَدَ ذُو الْيَدِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مِائَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فِدَاءُ يَمِينٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أُبَيّ حنيفَة يُشَارِكهُ انْتهى مُلَخصا. أَقُول: لم لم يُؤَاخذ بزعم، كَمَا يَأْتِي نَظِيره؟ وَلَعَلَّ الْعلَّة فِي ذَلِك أَنه بَاعَ نصِيبه فَقَط وَلَا شركَة لاخيه فِيهِ، بِخِلَاف مَا لَو صَالح الْمَدْيُون على مِقْدَار مَعْلُوم حَيْثُ يُشَارِكهُ أَخُوهُ كَمَا هُوَ ظَاهر، تَأمل. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي دَارٍ وَقع الصُّلْح عَلَيْهَا بِأَن تكون بَدَلا. قَوْله: (بِأَحَدِهِمَا) أَي الانكار أَو السُّكُوت. قَوْله: (أَو بِإِقْرَار) لَا حَاجَة إِلَيْهِ للاستغناء عَنهُ بقوله فِي الصُّلْح عَن إِقْرَار فتجري فِيهِ الشُّفْعَة. قَوْله: (عَن المَال) أل عوض عَن الضَّمِير. قَوْله: (فيؤاخذ بِزَعْمِهِ) حَتَّى لَو ادّعى دَارا فَأنْكر فَصَالحه عَنْهَا عَن دَار أُخْرَى وَجَبت الشُّفْعَة فِي الَّتِي صَالح عَلَيْهَا دون الاخرى لما ذكرنَا. عَيْني. وإنكار الآخر الْمُعَاوضَة لَا تمنع وجوب الشُّفْعَة فِيهَا، أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ أَنا اشْتريت هَذِه الدَّار من فلَان وَفُلَان يُنكر يَأْخُذهَا الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، وَكَذَا لَو ادّعى أَنه بَاعَ دَاره من فلَان وَهُوَ يُنكر يَأْخُذهَا الشَّفِيع مِنْهُ بِالشُّفْعَة لَان زَعمه حجَّة فِي نَفسه. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَمَا اسْتحق من الْمُدَّعِي) من فِيهِ للتَّبْعِيض، فَهُوَ قَاصِر على مَا إِذا اسْتحق بعضه. قَوْله: (فِيهِ) أَي فِي الْبَعْض الْمُسْتَحق. قَوْله: (لخلو الْعِوَض عَن الْغَرَض) عِلّة. ل قَوْله: (رد الْمُدَّعِي حِصَّته) وَذَلِكَ لَان الْمُدعى عَلَيْهِ لم يدْفع الْعِوَض إِلَّا ليدفع خصومته عَن نَفسه وَيبقى الْمُدَّعِي فِي يَده بِلَا خُصُومَة أحد، فَإِذا اسْتحق لم يحصل لَهُ مَقْصُوده، وَظهر أَيْضا أَن الْمُدَّعِي لم يكن لَهُ خُصُومَة فَيرجع عَلَيْهِ انْتهى. منح. قَوْله: (رَجَعَ) أَي الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّهِ) إنْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ. قَوْله: (أَو بعضه) إِن اسْتحق بعضه، لَان الْمُبدل فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار هُوَ الدَّعْوَى، فَإِذا اسْتحق لبدل وَهُوَ الْمصَالح عَلَيْهِ رَجَعَ بالمبدل وَهُوَ الدَّعْوَى: أَي إِلَّا إِذا كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ كَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ كَمَا فِي الاشباه عَن الْجَامِع الْكَبِير. قَالَ الْحَمَوِيّ: قَوْله كَالْقصاصِ فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ ذكر فِي الْجَامِع الْكَبِير أَنَّهَا لَو كَانَت الدَّعْوَى قصاصا فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ من غير إِقْرَار على جَارِيَة فاستولدها الْمُدَّعِي ثمَّ اسْتحقَّت فَأَخذهَا الْمُسْتَحق وَضَمنَهُ الْعقر وَقِيمَة الْوَلَد فَإِن الْمُدَّعِي يرجع إِلَى دَعْوَاهُ، فَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة أَو نكل الْمُدعى عَلَيْهِ رَجَعَ بِقِيمَة الْوَلَد وَقِيمَة الْجَارِيَة أَيْضا وَلَا يرجع بِمَا ادَّعَاهُ، بِخِلَاف مَا تقدم: يَعْنِي لَو ادّعى على رجل ألفا فجحدها أَو سكت فَصَالحه على جَارِيَة فقبضها واستولدها ثمَّ اسْتحقَّهَا مُسْتَحقّ فَأَخذهَا فَإِنَّهُ لَا يرجع بِقِيمَة الْجَارِيَة وَيرجع بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الالف. وَالْفرق أَن الصُّلْح ثمَّة وَقع عَن دَعْوَى المَال وَأَنه يحْتَمل الْفَسْخ بالاقالة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ وَالْخيَار، فَكَذَا تَنْفَسِخ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَإِذا انْفَسَخ عَادَتْ الدَّعْوَى كَمَا كَانَت فَيرجع بِمَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الالف. أما الصُّلْح عَن الْقصاص فَلَا يحْتَمل الْفَسْخ لانه بعد سُقُوطه لَا يحْتَمل الْعود، لَان الصُّلْح عَفْو فَلَا يحْتَمل النَّقْض كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاح وَالْخلْع، فَإِذا لم يفْسخ بِاسْتِحْقَاق الْجَارِيَة بَقِي الصُّلْح على حَاله وَهُوَ السَّبَب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 الْمُوجب تَسْلِيم الْجَارِيَة وَقد عجز عَن تَسْلِيمهَا فَيجب قيمتهَا. كَذَا فِي شرح تَلْخِيص الْجَامِع للفخر المارديني. ثمَّ قَالَ: وَفِيه إِشْكَال، وَهُوَ أَن يُقَال: إِذا أقررتم أَن الصُّلْح عَن الدَّم لَا ينْتَقض بِاسْتِحْقَاق الْجَارِيَة وَجب أَن لَا يرجع إِلَى دَعْوَاهُ: يَعْنِي سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو بَيِّنَة أَو نُكُول لَان الرُّجُوع إِلَى الدَّعْوَى نتيجة انْتِقَاض الصُّلْح كَمَا تقدم آنِفا وَلم ينْتَقض انْتهى. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو اسْتحق الْمصَالح عَلَيْهِ أَو بعضه رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ من جنس الْمُدعى بِهِ فيحنئذ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ، هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْح كالفلوس اهـ. قَوْله: (فَإِن وَقع بِهِ) أَي بِلَفْظ البيع، بِأَن عبر بِلَفْظ البيع عَن الصُّلْح فِي الانكار وَالسُّكُوت بِأَن قَالَ أَحدهمَا بِعْتُك هَذَا الشئ بِهَذَا وَقَالَ الآخر اشْتَرَيْته حَيْثُ يرجع الْمُدَّعِي عِنْد الِاسْتِحْقَاق على الْمُدعى عَلَيْهِ بالمدعي نَفسه لَا بِالدَّعْوَى، لَان إقدام الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُبَايعَة إِقْرَار مِنْهُ بِأَن الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى فَلَا يعْتَبر إِنْكَاره، بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ، إذْ الصُّلْح قد يَقع لدفع الْخُصُومَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إقْدَامَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (إِقْرَار بِالْمِلْكِيَّةِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي، بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ، إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَة قَوْله: (قبل التَّسْلِيم لَهُ) وَأما هَلَاكه بعد تَسْلِيمه لَهُ فَيهْلك على الْمُدَّعِي لدُخُوله فِي ضَمَانه. قَوْله: (كاستحقاقه) أَي كاستحقاق بدل الصُّلْح كَذَلِك: أَي كلا أَو بَعْضًا. قَوْله: (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَي مَعَ إِقْرَار أَو مَعَ سكُوت وإنكار فَيرجع بالمدعي أَو بِالدَّعْوَى، فَإِن كَانَ عَن إِقْرَار رَجَعَ بعد الْهَلَاك إِلَى الْمُدَّعِي، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى. وَإِذا هلك بعضه يكون كاستحقاق بعضه حَتَّى يبطل الصُّلْح فِي قدره وَيبقى فِي الْبَاقِي. منح. قَوْله: (وَهَذَا) أَي رُجُوعه إِلَى الدَّعْوَى عِنْد اسْتِحْقَاق الْبَدَل أَو هَلَاكه قبل التَّسْلِيم. قَوْله: (لَو الْبَدَل) أَي لَو كَانَ الْبَدَل مِمَّا يتَعَيَّن. قَوْله: (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ لَا يتَعَيَّن وَهُوَ من جنس الْمُدعى بِهِ. قَوْله (لم يبطل) أَي الصُّلْح. قَوْله: (بل يرجع بِمثلِهِ) كَأَن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير، فَإِن الصُّلْح لَا يبطل بهلاكه لانهما لَا يتعينان فِي الْعُقُود والفسوخ فَلَا يتَعَلَّق بهما العقد عِنْد الاشارة إِلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بمثلهما فِي الذِّمَّة فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ الْهَلَاك. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ عِنْد اسْتِحْقَاقهَا سَوَاء كَانَ الصُّلْح قبل الِافْتِرَاق أَو بعده، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من غير الحنس كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْح يبطل، وَإِن كَانَ قبله فَإِنَّهُ يرجع لمثلهَا وَلَا يبطل الصُّلْح كالفلوس كَمَا قدمنَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 قَوْله: (كَذَا فِي نسخ الْمَتْن وَالشَّرْح) لَعَلَّه هُوَ الَّذِي وَقع لَهُ. وَالَّذِي فِي نُسْخَة الشَّرْح الَّتِي بيَدي عَليّ. قَوْله: (أَي عين يدعيها) تَفْسِير لما وَتَخْصِيص لعمومها فَإِنَّهَا تَشْمَل الدّين حَلَبِيّ. وَهَذَا لَو قَائِما، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا عِنْدَ قَول الْمَتْن وَالصُّلْح عَن الْمَغْصُوب الْهَالِك. قَوْله: (لجوازه فِي الدّين) لجَوَاز إِسْقَاطه، وَهُوَ عِلّة للتخصيص الْمَذْكُور: إِنَّمَا كَانَ هَذَا خَاصّا بِالْعينِ لجوازه فِي الدّين، لَان الصُّلْح عَن دين بِبَعْضِه أَخذ الْبَعْض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي كَمَا يَأْتِي وَإِسْقَاط الدّين جَائِز، وَإِنَّمَا لم يجز فِي الْعين لَان الابراء عَن الاعيان لَا يَصح، وَلذَا لَو زَاد على الْبَعْض ثوبا أَو درهما صَحَّ لانه يَجْعَل الثَّوْب أَو الدِّرْهَم بَدَلا عَن الْبَاقِي، وَكَذَا لَو أَبرَأَهُ عَن الدَّعْوَى فِي بَاقِيهَا يَصح، فَلَو صَالحه على بَيت مِنْهَا على أَن يتْرك الدَّعْوَى فِي بَاقِيهَا كَأَن أَخذ الْبَعْض حَقه وإبراء عَن الدَّعْوَى فِي الْبَاقِي والابراء عَن الدَّعْوَى صَحِيح، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي بعد ذَلِك وَلَكِن لَا يملكهَا ديانَة لعدم وجود التَّمْلِيك لَهَا لفقد سَببه. قَوْله: (فَلَو ادّعى عَلَيْهِ دَارا) تَفْرِيع على الْمَتْن وتمثيل لَهُ ح. قَوْله: (على بَيت مَعْلُوم مِنْهَا) الظَّاهِر أَنه كَانَ على بعض شَائِع مِنْهَا كَذَلِك لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة. قَوْله: (فَلَو من غَيرهَا صَحَّ) الاولى تَأْخِيره عَن قَوْله لم يَصح وعلته ليَكُون مفهوما للتَّقْيِيد بقوله مِنْهَا وليسلم من الْفَصْل بَين لَو وجوابها وَهُوَ قَوْله لم يَصح بأجنبي وَهُوَ. قَوْله: فَلَو من غَيرهَا صَحَّ. قَوْله: (لَان مَا قَبضه من عين حَقه) أَي بعض عين حَقه وَهُوَ على دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي، لَان الصُّلْح إِذا كَانَ على بعض عين الْمُدَّعِي كَانَ اسْتِيفَاء لبَعض الْحق وإسقاطا للْبَعْض، والاسقاط لَا يرد على الْعين بل هُوَ مَخْصُوص بِالدّينِ، حَتَّى إِذا مَاتَ وَاحِد وَترك مِيرَاثا فأبرأ بعض الْوَرَثَة عَن نصِيبه لم يجز لكَون بَرَاءَته عَن الاعيان. دُرَر. وَيَأْتِي قَرِيبا بأوضح مِمَّا هُنَا. قَوْله: (كَثوب وَدِرْهَم) أَشَارَ بذلك إِلَى أَنه لَا فرق بَين القيمي والمثلي. قَوْله: (فَيصير ذَلِك) أَي الْمَزِيد من الثَّوْب وَالدِّرْهَم. قَوْله: (عوضا عَن حَقه فِيمَا بَقِي) أَي فَيكون مُسْتَوْفيا بعض حَقه وآخذ الْعِوَض عَن الْبَعْض. قَوْله: (أَو يلْحق) مَنْصُوب بِأَن مضمرة مثل - أَو يُرْسل - فَيكون مؤولا بمصدر مجرور مَعْطُوف على مجرور الْبَاء وَهُوَ بِضَم الْيَاء من الافعال. قَوْله: (عَن دَعْوَى الْبَاقِي) لَان الابراء عَن عينه غير صَحِيح: أَي فِي حق الدَّعْوَى وَسُقُوط الْعين ديانَة كَمَا فِي الْمَبْسُوط، وَلذَا قيد بِهِ. وَأما الابراء عَن دَعْوَى الْعين فَجَائِز كَمَا فِي الدُّرَر، وَهُوَ أَن يَقُولَ بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَو عَن دعواي هَذِهِ الدَّارِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ: أَي غير الْمُخَاطب، كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ بَرِئْتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ لَا لانه إِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن ضَمَان كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ. قُلْت: ففرقوا بَين أَبْرَأتك وبرئت أَو أَنا برِئ لِإِضَافَةِ الْبَرَاءَةِ لِنَفْسِهِ فَتَعُمُّ، بِخِلَافِ أَبْرَأْتُكَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْوَاحِدِ فَلَهُ مُخَاصَمَةُ غَيْرِهِ كَمَا فِي حَاشِيَتِهَا مَعْزِيًّا للولوالجية شَرْحُ الْمُلْتَقَى. وَفِي الْبَحْرِ: الابراء إِن كَانَ على وَجه الانشاء كأبرأتك، فَإِنْ كَانَ عَنْ الْعَيْنِ بَطَلَ مِنْ حَيْثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 الدَّعْوَى فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ وَيصِح من حَيْثُ نفي الضَّمَان، وَإِن كَانَ عَنْ دَعْوَاهَا: فَإِنْ أَضَافَ الْإِبْرَاءَ إلَى الْمُخَاطب كأبرأتك عَن هَذِه الدَّار أَلا عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَى فِيهَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُخَاطَبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ أَنا برِئ فَلَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا، هَذَا لَوْ عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ: أَيْ عَيْنٌ مَخْصُوصَةٌ، فَلَوْ عَلَى الْعُمُومِ فَلهُ الدَّعْوَى على الْمُخَاطب وَغَيره، كَمَا لَوْ تَبَارَأَ الزَّوْجَانِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلَهُ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَهُ الدَّعْوَى بِهَا لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ على وَجه الاخبار كَقَوْلِه هِيَ برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَا مِلْكَ لي فِي هَذَا الْعين. ذكره فِي الْمَبْسُوط وَالْمُحِيط. فلعم أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا دَعْوَى يَمْنَعُ الدَّعْوَى بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ يَشْمَلُ كُلَّ عَيْنٍ وَدَيْنٍ، فَلَوْ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يُسْمَعْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ اهما فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لِي إبْرَاءٌ عَامٌّ لَا إِقْرَار. قَوْله: (الصِّحَّة مُطلقًا) وَلَو من غير هَذِه الْحِيلَة فَلَا تصح الدَّعْوَى بعده وَإِن برهن. أَقُول: الابراء عَن الاعيان لَا يَصح اتِّفَاقًا، أما فِي خُصُوص الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا إِذا ادّعى دَارا وَصَالَحَهُ على بَيت مِنْهَا يَصح فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَيجْعَل كَأَنَّهُ قبل مِنْهُ بعض حَقه وأبرأه عَن الدَّعْوَى فِي بَاقِيه كَمَا قدمنَا، لَان الابراء عَن الْعين إِبْرَاء عَن الدَّعْوَى فِيهِ، والابراء عَن الدَّعْوَى فِي الاعيان صَحِيح. وعَلى مَا فِي الْمَتْن وَهُوَ رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة لم يَجعله إِبْرَاء عَن الدَّعْوَى وَقَالَ بِعَدَمِ صِحَّته. قَالَ فِي الِاخْتِيَار: وَلَو ادّعى دَارا فَصَالحه على قدر مَعْلُوم مِنْهَا جَازَ وَيصير كَأَنَّهُ أَخذ بعض حَقه وأبرأه عَن دَعْوَى الْبَاقِي، والبراءة عَن الْعين وَإِن لم تصح لَكِن الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى تصح، فصححناه على هَذَا الْوَجْه قطعا للمنازعة اهـ. وَفِي الذَّخِيرَة البرهانية: ادّعى دَارا فِي يَد رجل واصطلحا على بَيت مَعْلُوم من الدَّار فَهُوَ على وَجْهَيْن: إِن وَقع الصُّلْح على بَيت مَعْلُوم من دَار أُخْرَى للْمُدَّعى عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز، وَإِن وَقع الصُّلْح على بَيت مَعْلُوم من الدَّار الَّتِي وَقع فِيهَا الدَّعْوَى فَذَلِك الصُّلْح جَائِز لانه فِي زعم الْمُدَّعِي أَنه أَخذ بعض حَقه وَترك الْبَعْض، وَفِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فدَاء عَن يَمِينه. وَإِذا جَازَ هَذَا الصُّلْح هَل يسمع دَعْوَى الْمُدعى بعد ذَلِك وَهل تقبل إِن كَانَ الْبَيْت من دَار أُخْرَى؟ لَا تسمع دَعْوَاهُ باتفقا الرِّوَايَات، لَان هَذَا مُعَاوضَة بِاعْتِبَار جَانب الْمُدَّعِي فَكَأَنَّهُ بَاعَ مَا ادّعى بِمَا أَخذ. وَفِيمَا إِذا وَقع الصُّلْح على بَيت من هَذِه الدَّار ذكر شيخ الاسلام نجم الدّين النَّسَفِيّ فِي شرح الْكَافِي أَنه تسمع، وَهَكَذَا يُفْتِي الشَّيْخ الامام الاجل ظهير الدّين المرغيناني، وَذكر شيخ الاسلام فِي شَرحه أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ. وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه تسمع. قَالُوا: وَهَكَذَا ذكر فِي بعض رِوَايَات الصُّلْح، واتفقت الرِّوَايَات أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو أقرّ بِالدَّار للْمُدَّعِي أَنه يُؤمر بِتَسْلِيم الدَّار إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة أَن الْمُدَّعِي بِهَذَا الصُّلْح استوفى بعض حَقه أَو أَبْرَأ عَن الْبَاقِي، إِلَّا أَن الابراء لَاقَى عينا والابراء عَن الاعيان بَاطِل، فَصَارَ وجوده وَعَدَمه بِمَنْزِلَة شئ وَاحِد. وَجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الابراء لَاقَى عينا وَدَعوى فَإِن الْمُدَّعِي كَانَ يَدعِي جَمِيع الدَّار لنَفسِهِ والابراء عَن الدَّار صَحِيح، وَإِن كَانَ الابراء عَن الْعين لَا يَصح، فَإِن من قَالَ لغيره أَبْرَأتك عَن دَعْوَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 هَذَا الْعين صَحَّ الابراء حَتَّى لَو ادّعى بعد ذَلِك فَلَا تسمع. أَو نقُول: الابراء لَاقَى الدَّعْوَى، فَإِن قَوْله أَبْرَأتك عَن هَذِه الْعين مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين، أَلا ترى أَن قَول الْمَغْصُوب مِنْهُ للْغَاصِب أَبْرَأتك عَن العَبْد الْمَغْصُوب مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن ضَمَان العَبْد الْمَغْصُوب، وبهذه الْمَسْأَلَة تبين أَن مَعْنَى قَوْلِنَا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بالابراء لَا أَن يبْقى الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ. وَفِي آخر كتاب الدَّعْوَى فِي منتقى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد: فِي رجل خَاصم رجلا فِي دَار يدعيها ثمَّ قَالَ أَبْرَأتك عَن هَذِه الدَّار أَو قَالَ أَبْرَأتك عَن خصومتي هَذَا كُله بَاطِل وَله أَن يُخَاصم، وَلَو قَالَ بَرِئت من هَذِه الدَّار أَو قَالَ بَرِئت من دَعْوَى هَذِه الدَّار كَانَ جَائِزا وَلَا حق فِيهَا، وَلَو جَاءَ بِبَيِّنَة لم أقبلها. وَفِي منتقى إِبْرَاهِيم بن رستم عَن مُحَمَّد: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على نصفهَا وَقَالَ بَرِئت من دعواي فِي النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ بَرِئت من النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ لَا حق لي فِي النّصْف الْبَاقِي ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على جَمِيع الدَّار لَا تقبل بَينته، وَلَو قَالَ صالحتك على نصفهَا على أَنِّي أَبْرَأتك من دعواي فِي النّصْف الآخر ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ الدَّار كلهَا، وَفرق بَين قَوْله بَرِئت وَبَين قَوْله أَبْرَأتك. قَالَ: أَلا ترى أَن عبدا فِي يَد رجل لَو قَالَ لرجل بَرِئت مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ، وَلَو قَالَ أَبْرَأتك مِنْهُ كَانَ لَهُ أَن يَدعِيهِ وَرُبمَا أَبرَأَهُ من ضَمَانه. قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنْت مني برِئ وَأَنا مِنْك برِئ كَانَ لَهُ أَن يَدعِي فِي العَبْد اهـ. قَوْله: (فِي العزمية) وَوَجهه كَمَا فِي الْحَمَوِيّ أَن الابراء لَاقَى عينا وَدَعوى والابراء عَن الدَّعْوَى صَحِيح، فَإِن من قَالَ لغيره أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين صَحَّ، وَلَو ادَّعَاهُ بعد لم تسمع. قَوْله: (للبزازية) عبارتها: وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي أَكثر الْفَتَاوَى على اخْتِلَاف ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يَصح، وَلَا تصح الدَّعْوَى وَإِن برهن. قَوْله: (وَقَوْلهمْ) جَوَاب سُؤال وَارِد على ظَاهر الرِّوَايَة، تَقْدِيره: كَيفَ صَحَّ الصُّلْح على بعض الْعين المدعاة مُطلقًا مَعَ أَنه يلْزم مِنْهُ الْبَرَاءَة عَن بَاقِيهَا؟ وَقد قَالُوا: الابراء عَن الاعيان بَاطِل، وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يَصح. أَفَادَهُ الطَّحْطَاوِيّ. لَكِن مَا ذكره وَارِد على كَلَام الماتن عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إذْ لَا تَعَرُّضَ لِلْإِبْرَاءِ فِيهَا، وَمَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ إسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا إِبْرَاء، فَافْهَم وَتَأمل. قَوْله: (عَن دَعْوَى الاعيان) الانسب هُنَا حذف. قَوْله: دَعْوَى كَمَا يظْهر مِمَّا تقدم من عبارَة الذَّخِيرَة، وَهُوَ الْمُنَاسب لسياق كَلَامه وَلما يَأْتِي من الِاسْتِدْرَاك الْآتِي فِي. قَوْله: لَكِن تسمع دَعْوَاهُ فِي الحكم إِذْ لَو بَطل الابراء عَن الدَّعْوَى لسمعت دَعْوَاهُ، ولان الْفِقْه صِحَة الْبَرَاءَة عَن دَعْوَى الاعيان كَمَا مر بِلَا خلاف فِيهَا، وَلَو قَالَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لَكَانَ أحكم، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (وَلم يصر ملكا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) هُوَ الْمَقْصُود من الْمقَام: أَي أَن معنى بطلَان الْبَرَاءَة عَن الاعيان أَنَّهَا لَا تصير ملكا للمبرئ مِنْهَا فَحل للْمُدَّعِي أَخذهَا إِن وجدهَا، وَلَيْسَ معنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 الْبطلَان الْمَذْكُور أَنه يسوغ لَهُ الدَّعْوَى بهَا بعد الابراء مِنْهَا. أَبُو السُّعُود قَوْله: (وَأما الصُّلْح على بعض الدّين) مَفْهُوم. قَوْله: سَابِقًا أَي عين يدعيها. قَالَ الْمَقْدِسِي معزيا للمحيط: لَهُ أَلْفٌ فَأَنْكَرَهُ الْمَطْلُوبُ فَصَالَحَهُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ وَيَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ قَضَاهُ الْأَلْفَ فَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَصَالحه بِمِائَة صَحَّ وَلَا يحلى لَهُ أَخْذُهَا دِيَانَةً، فَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا وَمِنْ أَنَّ الرِّبَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ مَا بقيت عينه عدم صِحَة بَرَاءَة قُضَاة زَمَاننَا مِمَّا يأخذونه وَيطْلبُونَ الابراء فيبرئونهم، بل مَا أَخذه عَن الرِّبَا أعرق بِجَامِع عدم الْمحل فِي كُلٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ بَرَاءَتِهِ فِي الصُّلْحِ اسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا لَوْ زَاد أَبْرَأتك عَن الْبَقِيَّة. سائحاني: أَي حَيْثُ يبرأ حِينَئِذٍ قَضَاء وديانة. قلت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ من الاسقاط لَيْسَ إِبْرَاء من وَجه، وَإِلَّا لم يحْتَج. لقَوْله: وأبرأتك عَن الْبَقِيَّة. قَوْله: (أَي قَضَاء لَا ديانَة) هَذَا إِذا لم يُبرئ الْغَرِيم من الْبَاقِي وَإِلَّا برِئ ديانَة كَمَا علمت. أَقُول: تَأمل فِيهِ مَعَ أَنهم قَالُوا: إِن الصُّلْح عَن الدّين على بعضه أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي وَإِسْقَاط الدّين يَصح. فَالَّذِي يظْهر أَنه يسْقط قَضَاء وديانة، وَلَو تمّ مَا ذكره هُنَا لم يبْق فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. تَأمل. قَوْله: (وَتَمَامه فِي أَحْكَام الدّين من الاشباه) وعبارتها: وَمِنْهَا صِحَة الابراء عَن الدّين، وَلَا يَصح الابراء عَن الاعيان والابراء عَن دَعْوَاهَا صَحِيح، فَلَو قَالَ أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذَا الْعين صَحَّ الابراء فَلَا تسمع دَعْوَاهُ بهَا بعده، وَلَو قَالَ بَرِئت من هَذِه الدَّار وَمن دَعْوَى هَذِه لم تسمع دَعْوَاهُ وبينته، وَلَو قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَهُوَ بَاطِل وَله أَن يُخَاصم، وَإِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن ضَمَانه. كَذَا فِي النِّهَايَة من الصُّلْح. وَفِي كَافِي الْحَاكِم: لَا حق لي قبله يبرأ من الدّين وَالْعين وَالْكَفَالَة والاجارة وَالْحُدُود وَالْقصاص اهـ. وَبِه علم أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ، لَكِن فِي مداينات الْقنية: افترق الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأ كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه عَن جَمِيع الدَّعَاوَى وَكَانَ للزَّوْج بذر فِي أرْضهَا وأعيان قَائِمَة الْحَصاد والاعيان الْقَائِمَة لَا تدخل فِي الابراء عَن جَمِيع الدَّعَاوَى. اهـ. وَيدخل فِي الابراء الْعَام الشُّفْعَة فَهُوَ مسْقط لَهَا قَضَاء لَا ديانَة إِن لم يقصدها. كَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءً عَنْ ضَمَانهَا وَتصير أَمَانَة فِي يَد الْغَاصِب. وَقَالَ زفر: لَا يَصح الابراء وَتبقى مَضْمُونَة، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ من قيمتهَا اهـ. فَقَوْلهم حِينَئِذٍ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ ضَمَانِهَا صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ اهـ: أَيْ أَنَّ الْبُطْلَانَ عَنْ الْأَعْيَانِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ أَمَانَةً، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَانَةً لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَتُهَا فَلَا وَجْهَ لِلْإِبْرَاءِ عَنْهَا. تَأمل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَعْيَانِ: إمَّا أَنْ يكون عَن دَعْوَاهَا وَهُوَ صَحِيح مُطلقًا، وَإِن تعلق بِنَفسِهَا: فَإِن كَانَ مَغْصُوبَةً هَالِكَةً صَحَّ أَيْضًا كَالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَة فَهِيَ بِمَعْنى الْبَرَاءَة عَنْهَا عَنْ ضَمَانِهَا لَوْ هَلَكَتْ وَتَصِيرُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْنِهَا كَالْأَمَانَةِ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فَالْبَرَاءَةُ لَا تَصِحُّ دِيَانَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ظَفِرَ بِهَا مَالِكُهَا أَخَذَهَا وَتَصِحُّ قَضَاءً فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا اُسْتُفِيدَ من هَذَا الْمقَام ط، وَقدمنَا قَرِيبا زبدته وَزِيَادَة وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُرْشِدُك إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِح مَعْنَاهُ الخ مَحْمُول على الامانة إِلَى أَن قَوْله فَتَصِح قَضَاء فِيهِ أَنه بَاطِل وَالْحَالة هَذِه فَلَا تصح لَا قَضَاء وَلَا ديانَة، بل حملُوا إِطْلَاق قَوْلهم الْبَرَاءَة عَن الاعيان بَاطِلَة على هَذِه الصُّورَة تَأمل. بَقِي لَو ادّعى عينا عَلَيْهِ فِي يَده فَأنكرهُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي عَنْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ صَارَ غَاصِبًا، وَهَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ لَوْ قَائِمَةً؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ. قَوْلُهُ: (وَقد حققته فِي شرح الْمُلْتَقى) نَصه قلت: وَقَوْلهمْ عَن الاعيان لَا يَصح مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى دَعْوَاهُ بَلْ تسْقط فِي الحكم إِذا كَانَ الابراء مُضَافا للمتكلم كَالصُّلْحِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ بَاقِيهِ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الدِّيَانَةِ: أَي عَن غير مَا فِي غير الذِّمَّة إِذْ لَا يسْقط بالاسقاط. أما الْقَائِم بهَا فَيسْقط بِهِ، وَالصُّلْح إِمَّا إِسْقَاط للْبَاقِي أَو إِبْرَاء عَنهُ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح فِي دين الذِّمَّة، وَلذَا لَو ظفر بِهِ أَخذه. قُهُسْتَانِيّ وبرجندي وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ فَصَحِيحٌ بِلَا خلاف اهـ ح. لَكِن قَوْله لانه يبْقى على دَعْوَاهُ الخ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى آنِفًا عِنْد قَوْله عَن دَعْوَى الْبَاقِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَايَ فِيهَا فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَهُ تسمع، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة تقبل اهـ. لَكِن فِي قَوْله لَو ادّعى بعده تسمع: أَي على غير الْمُخَاطب كَمَا مر عَن الْبَحْر تَأمل. وَالْحَاصِل: أَن الَّذِي تعطيه عبارَة الْكتب الْمَشْهُورَة إِن كَانَ الابراء عَنْهَا على وَجه الانشاء، فإمَّا أَن يكون عَن نفس الْعين أَو عَن الدَّعْوَى بهَا، فَإِن كَانَ عَن نفس الْعين فَهُوَ بَاطِل من جِهَة أَن لَهُ الدَّعْوَى بهَا على الْمُخَاطب وَغَيره صَحِيح من جِهَة الابراء عَن وصف الضَّمَان، فالابراء الصَّادِر فِي الْمَنْقُول وَالْعَقار إِبْرَاء عَن الاعيان لَا يمْنَع الدَّعْوَى بأدواتها على الْمُخَاطب وَلَا غَيره، فَافْهَم تغنم. قَوْله: (وَصَحَّ الصُّلْح عَن دَعْوَى المَال) لانه فِي معنى البيع، فَمَا جَازَ بَيْعه جَازَ صلحه. دُرَر. وَلما كَانَ جَوَاز الصُّلْح وَعدم جَوَازه دائرا على أصل وَهُوَ وجوب حمل الصُّلْح على أقرب عقد من الْعُقُود الْمَعْهُودَة وأشباهها مهما أمكن وَصَحَّ هَذَا الصُّلْح لانه مَحْمُول على عقد البيع لاشْتِرَاكهمَا فِي مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ وَهِي حَقِيقَة البيع، وَصَحَّ عَن دَعْوَى الْمَنْفَعَة حملا على الاجارة وَعَن دَعْوَى الرّقّ حملا على الْعتْق بِمَال لاشْتِرَاكهمَا فِي تمْلِيك الْمَنْفَعَة بعوض فِي الاول وَفِي أصل الْمَعْنى فِي الثَّانِي، فيراعى فِي الملحق مَا يُرَاعى فِي الملحق بِهِ مهما أمكن. وَذكر فَسَاد صلح الزَّوْج عَن دَعْوَى الْمَرْأَة النِّكَاح وَفَسَاد صلح عَن دَعْوَى حد الخ بِنَاء على هَذَا الاصل أَيْضا، لانه لما لم يكن الْحمل على وَاحِد من الْعُقُود الْمَعْهُودَة وَلم يكن مصحح آخر فِي كل مِنْهَا حكم بفساده. تدبر. قَوْله: (وَلَو بِإِقْرَار) بَيَان لوجه الاطلاق: أَي سَوَاء كَانَ بِإِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار، وَسَوَاء كَمَا بِمَال أَو بِمَنْفَعَة. قَوْله: (وبمنفعة) أَي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 وَلَو بِمَنْفَعَة، وَيكون بِمَعْنى الاجارة إِذا كَانَ عَن إِقْرَار. قَوْله: (وَعَن دَعْوَى الْمَنْفَعَة) صورته: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِك يُنكر ثمَّ صَالح لم يجز اهـ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إِلَّا دَعْوَى إِجَارَة كَمَا فِي الْمُسْتَصْفى اهـ. رملي. وَهَذَا مُخَالف لما فِي الْبَحْر. تَأمل قَوْله: (وَلَو بِمَنْفَعَة عَن جنس آخر) الاولى التَّعْبِير بِمن كَالصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى سُكْنَى فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ. قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ: لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، حَيْثُ قَالَ: وَإِذا ادّعى سُكْنى دَار فَصَالحه على سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ، وَإِجَارَةُ السُّكْنَى بالسكن لَا تَجُوزُ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا ينعقدان تَمْلِيكًا بِتَمْلِيك اهـ. أَبُو السُّعُود. وَذكره ابْن ملك فِي شرح الْوِقَايَة مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمَعِ. قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَالْمُوَافِقُ لِلْكُتُبِ مَا فِي شرح الْمجمع. وَالْحَاصِل: أَن الْجِنْس إِحْدَى علتي الرِّبَا وبإحدى العلتين يحرم، فتمليك الْمَنَافِع لَا يكون إِلَّا نَسِيئَة لحدوثه آنا بعد آن، فَيمْتَنع مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس لَا مَعَ اختلافه. قَوْله: (وَعَن دَعْوَى الرّقّ وَكَانَ عتقا على مَال) صورته: إِذا ادّعى على مَجْهُول الْحَال أَنه عَبده فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على مَال جَازَ وَكَانَ عتقا بِمَال مُطلقًا: أَي فِي حق الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ إِن كَانَ عَن إِقْرَار، وَفِي حق الْمُدَّعِي إِن كَانَ عَن سكُوت أَو إِنْكَار، وَيكون حِينَئِذٍ فدَاء يَمِين وقطعا للخصومة فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ. قَوْله: (وَيثبت الْوَلَاء) لَو وَقع الصُّلْح بِإِقْرَار: أَي من الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ العَبْد. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بِإِقْرَار بِأَن كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو سكُوت. قَوْله: (لَا) أَي لَا يثبت الْوَلَاء لانه لم يصدقهُ على أَنه مُعْتقه بل يُنكر الْعتْق وَيَدعِي أَنه حر الاصل، وَمن ادّعى وَلَاء شخص لَا يثبت لَهُ إِلَّا بِتَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا تقدم فِي الاقرار. قَوْله: (إِلَّا بِبَيِّنَة) أَي إِلَّا أَن يُقيم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة بعد ذَلِك فَتقبل بَينته فِي حق ثُبُوت الْوَلَاء عَلَيْهِ لَا غير حَتَّى لَا يكون رَقِيقا، لانه جعل معتقا بِالصُّلْحِ فَلَا يعود رَقِيقا. منح قَوْله: (وَلَا يعود بِالْبَيِّنَةِ الخ) يُغني عَنهُ قَوْله وَكَانَ عتقا على مَال، لَان بِالْبَيِّنَةِ أثبت أَنه كَانَ رَقِيقا قبل الصُّلْح وَقد وَقع الصُّلْح عتقا على مَال على مَا قدمه فَلَا وَجه لعوده رَقِيقا. قَوْله: (الْمُدَّعِي) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول، وَسَيَأْتِي آخر الْبَاب اسْتثِْنَاء مَسْأَلَة، وَهِي قَوْله إِلَّا فِي الْوَصِيّ على مَال الخ. قَوْله: (بِأخذ الْبَدَل) مُتَعَلق بِنزل. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا لَا يحل لَهُ الْبَدَل ديانَة. قَوْله: (نزل بَائِعا) أَي بِأخذ الْبَدَل: أَي فِيمَا يصلح أَن يكون بَائِعا فِيهِ أَو مُسْتَأْجرًا أَو مؤجرا أَو معتقا على مَال أَو مُخْتَلفا فِيمَا يصلح لَهُ. قَوْله (عَن دَعْوَى الزَّوْج) لَو أسقط لفظ الزَّوْج مَا ضرّ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: لَو أسقط لفظ الزَّوْج لَكَانَ أولى. ثمَّ قَالَ: وَهَذَا إِذا لم تكن ذَات زوج، لانه لَو كَانَ لَهَا زوج لم يثبت نِكَاح الْمُدَّعِي فَلَا يَصح الْخلْع انْتهى. قَوْله: (على غير مُزَوّجَة) أما لَو كَانَ لَهَا زوج: أَي ثَابت لم يثبت نِكَاح الْمُدَّعِي فَلَا يَصح الْخلْع. شرنبلالية. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَجْدِيدُ النِّكَاحِ من زَوجهَا كَمَا فِي الْعمادِيَّة، وَشَمل كَلَامه مَا إِذا ادّعى أَنَّهَا زَوجته قبل أَن يَتَزَوَّجهَا هَذَا الزَّوْج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 الْمَوْجُود فِي حَال الدَّعْوَى، لانه حِين ادّعى النِّكَاح ادَّعَاهُ على غير مُزَوّجَة. أما لَو ادّعى أَنه تزَوجهَا فِي حَال قيام الزَّوْجِيَّة لم تصح دَعْوَاهُ فَلَا يَصح صلحه لعدم تَأتي كَونه خلعا، وَكَذَا لَو لم يحل لَهُ نِكَاح الْمُدعى عَلَيْهِ كتزوج أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا فدعواه لَا تصح حِينَئِذٍ، وَلَا وَجه لصِحَّة صلحه لعدم إِمْكَان كَونه خلعا، لَان الْخلْع لَا يكون إِلَّا بعد النِّكَاح الصَّحِيح. قَوْله: (وَكَانَ خلعا) ظَاهر أَنه ينقص عدد الصلاق فَيَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِزَعْمِهِ، فَتدبر ط. قَوْله: (وَلَا يطيب لَوْ مُبْطِلًا) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْح. كِفَايَة. وَالْحَاصِل: أَن مَا يَأْخُذهُ بَدَلا عَن الصُّلْح إِن كَانَ محقا فِي دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يطيب لَهُ، فَإِن كَانَ فِي دَعْوَى المَال فَإِنَّهُ بدل مَاله، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ أُجْرَة مَاله، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى الرّقّ فَإِنَّهُ بدل الْعتْق، وَإِن كَانَ فِي دَعْوَى النِّكَاح فَإِنَّهُ بدل الْخلْع، وَلَو كَانَ مُبْطلًا فِي دَعْوَاهُ لَا يطيب لَهُ مَا يَأْخُذهُ لانه أكل مَال أَخِيه بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا عَام فِي كل مسَائِل الصُّلْح. قَوْله: (لعدم الدُّخُول) أَي إِذا كَانَ كَذَلِك فِي نفس الامر. أما لَو علم صِحَة دَعْوَاهُ وَأَنه دخل بهَا أَو اختلى لَا يحل لَهَا إِلَّا بعد انْقِضَاء الْعدة. قَوْله: (لم يَصح) لانه إِن جعل ترك الدَّعْوَى مِنْهَا فرقة فَلَا عوض على الزَّوْج فِي الْفرْقَة مِنْهَا، كَمَا إِذا مكنت ابْن زَوجهَا، وَإِن لم تجْعَل فرقة فالحال على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الدَّعْوَى، لَان الْفرْقَة لما لم تُوجد كَانَت الدَّعْوَى على حَالهَا لبَقَاء النِّكَاح فِي زعمها فَلم يكن شئ ثمَّة يُقَابله الْعِوَض فَكَانَ رشوة اهـ. دُرَر وَالظَّاهِر أَنه لَا يجوز لَهَا التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ مُعَاملَة لَهَا بزعمها ط. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَإِن كَانَت هِيَ المدعية وَالزَّوْج يُنكر ذكر فِي بعض نسخ الْمُخْتَصر أَنه لَا يجوز، لانه لَو جعل ترك الدَّعْوَى مِنْهَا طَلَاقا فالزوج لَا يُعْطي الْعِوَض فِي الْفرْقَة إِذْ لم يسلم لَهُ شئ فِي هَذِه الْفرْقَة وَهِي يسلم لَهَا المَال وَالنَّفس، وَإِن لم يَجْعَل فرقة فالحال بعد الصُّلْح على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبله فَتكون على دَعْوَاهَا فَلَا يكون هَذَا الصُّلْح مُفِيدا قطع الْخُصُومَة فَلَا يُصَار إِلَيْهِ. وَذكر فِي بَعْضهَا أَنه يجوز لانه يَجْعَل كَأَنَّهُ زَادهَا على مهرهَا ثمَّ خَالعهَا على أصل الْمهْر دون الزِّيَادَة فَيسْقط الْمهْر غير الزِّيَادَة انْتهى. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَأطَال صَاحب غَايَة الْبَيَان فِي تَرْجِيح عدم الْجَوَاز. قَوْله: (وَصحح الصِّحَّة فِي دُرَر الْبحار) لانه يَجْعَل كَأَنَّهُ زَاد فِي مهرهَا إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، وَأقرهُ فِي غُرَرُ الْأَفْكَارِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَكَانَ فِيهِ اخْتِلَاف التَّصْحِيح. وَعبارَة الْمجمع: وَادعت هِيَ نِكَاحه فصالحها جَازَ، وَقيل لم يجز. فَائِدَة: فِي فروق المحبوبي: لَو ادَّعَت امْرَأَة أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا وَأنكر الزَّوْج فصالحها على مائَة دِرْهَم على أَن تبرئه من الدَّعْوَى لم يَصح، وَيرجع الزَّوْج عَلَيْهَا وَالْمَرْأَة على دَعْوَاهَا. وَلَو ادّعى على امْرَأَة نِكَاحهَا فَجحدت فصالحها على مائَة دِرْهَم لتقر فأقرت صَحَّ وَيلْزمهُ المَال وَيكون هَذَا ابْتِدَاء عقد، وَبِه يظْهر الْفرق بَين الاولى وَالثَّانيَِة، لَان فِي الْفَصْل الاول لَا يُمكن جعله ابْتِدَاء عقد، وَفِي الثَّانِيَة مُمكن. قَوْله: (الْمَأْذُون لَهُ) أَي بِالتِّجَارَة. قَوْلُهُ: (عَمْدًا) قُيِّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 يسْلك بِهِ مسالك الاموال ط. قَوْله: (فَلم يلْزم الْمولى) لانه لم يَأْذَن بِهِ وَإِنَّمَا أذن لَهُ فِيمَا هُوَ من أَعمال التِّجَارَة وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا. قَالَ الْمَقْدِسِي: فَإِن أجَازه صَحَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَا. قَوْله: (لَكِن يسْقط بِهِ الْقود) لانه صَحِيح بَينه وَبَين أَوْلِيَاء الْمَقْتُول لانه مُكَلّف فَيصح تصرفه فِي حق نَفسه لَا فِي مَال الْغَيْر وَهُوَ الْمولى بِغَيْر إِذْنه، لَان الْوَلِيّ أسْقطه بِالْبَدَلِ وَلَا مَانع من جَانِبه. وَحَاصِله كَمَا فِي الْعِنَايَة: أَن نفس العَبْد لَيست من كَسبه فَلَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِيهَا، وَلم يجب الْبَدَل فِي حق الْمولى بل تَأَخّر إِلَى مَا بعد الْعتْق لَان صلحه عَن نَفسه صَحِيح لكَونه مُكَلّفا، وَلم يَصح فِي حق الْمولى فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالحه على بدل مُؤَجل يُؤَاخذ بِهِ بعد الْعتْق. قَوْله: (ويؤاخذ) أَي الْمَأْذُون الْمصَالح، لانه قد الْتزم المَال وَهُوَ مُعسر فِي حَال رقّه فَينْظر إِلَى الميسرة وَهِي تكون بعد عتقه. قَوْله: (وَإِن قتل عبد لَهُ) عبد فَاعل قتل. قَوْله: (وَصَالَحَهُ الْمَأْذُون) على تَقْدِير مُضَاف: أَي صَالح أولياءه: يَعْنِي إِذا كَانَ لهَذَا الْمَأْذُون عبد قتل رجلا عمدا فَصَالح عَنهُ مَوْلَاهُ الْمَأْذُون جَازَ، وَهَكَذَا التَّصْوِير فِي غَايَة الْبَيَان، فَالْمُرَاد بالمولى العَبْد الْمَأْذُون وَهُوَ مولى عبد قَاتل عمدا، وَأطلق صِحَة هَذَا الصُّلْح فَشَمَلَ أَنه صَحِيح سَوَاء كَانَ على هَذَا الْمولى الْمَأْذُون دين أَو لم يكن، وَسَوَاء كَانَ على عَبده دين أَو لم يكن كَمَا فِي تَكْمِلَة الديري. وَفِي التَّعْبِير بالمولى عَن الْمَأْذُون تعسف، كَمَا نبه عَلَيْهِ عزمي زَاده. وَوَجهه أَن الْمولى إِنَّمَا يُطلق على الاسفل بعد عتقه ورق الْمَأْذُون قَائِم فَلَا يَصح إِطْلَاق الْمولى عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَ الْمولى أَبُو السُّعُود. قَوْله: (لانه من تِجَارَته) لَان استخلاصه كشرائه. منح. لانه بِاسْتِحْقَاق الْقَتْل كالزائل عَن ملكه وَهُوَ لَو خرج عَن ملكه كَانَ لَهُ أَن يَشْتَرِيهِ فَكَذَا لَهُ أَن يستخلصه، بِخِلَاف الْمكَاتب حَيْثُ يجوز لَهُ أَن يُصَالح عَن نَفسه كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (وَالْمكَاتب كَالْحرِّ) أَي لِخُرُوجِهِ عَن يَد الْمولى إِذْ هُوَ حر يدا واكتسابه لَهُ مَا لم يعجز، بِخِلَاف الْمَأْذُون فَإِنَّهُ عبد من كل وَجه وَكَسبه لمَوْلَاهُ وَلِهَذَا نفذ تصرفه على نَفسه حَيْثُ جَازَ صلحه عَنْهَا. قَالَ فِي الدُّرَر: وَلِهَذَا إِن ادّعى أحد رقيته فَإِنَّهُ يكون خصما فِيهِ، وَإِذا جنى عَلَيْهِ كَانَ الارش لَهُ، وَإِذا قتل لَا تكون قِيمَته للْمولى، بل لوَرثَته تُؤَدّى مِنْهَا كِتَابَته، وَيحكم بحريَّته فِي آخر حَيَاته، وَيكون الْفضل لَهُم، فَصَارَ كَالْحرِّ فَيجوز صلحه عَن نَفسه وَلَا كَذَلِك الْمَأْذُون. ذكره الزَّيْلَعِيّ انْتهى. قَوْله: (وَالصُّلْح عَن الْمَغْصُوبُ) أَيْ الْقِيَمِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَهَلَك فالمصالح إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ اتِّفَاقًا. ابْن ملك: أَي جَازَ مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس. قَوْله: (الْهَالِك) قيد بِهِ لانه لَا خلاف فِي الصُّلْح بالاكثر عِنْد قِيَامه، إِذْ لَا نظر للقيمة حِينَئِذٍ أصلا. ابْن ملك. قَوْله: (على أَكثر من قِيمَته) أَي وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يكن رَبًّا: أَي عِنْدهمَا، وَقُيِّدَ. بِقَوْلِهِ: عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ مَحل الْخلاف. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: غَصَبَ كُرَّ بُرٍّ أَوْ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ هَالكا جَازَ الصُّلْح، وَلَو قَائِما لَكِن عينه أَوْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ جَازَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ حَاضِرًا يَرَاهُ لَكِنْ غَاصِبُهُ مُنْكِرٌ جَازَ كَذَلِكَ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فِي كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ حَالَ قِيَامِهِ بَاطِلٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ وَهُوَ ظَاهر فِي يَده وَيَقْدِرُ مَالِكُهُ عَلَى قَبْضِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 فَصَالحه على نصفه على أَن يُبرئهُ مِمَّا بَقِيَ جَازَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ صَالَحَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَوْبٍ وَدَفَعَهُ جَازَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذْ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قِنًّا أَوْ عَرَضًا فَصَالَحَ غَاصِبُهُ مَالِكَهُ عَلَى نِصْفِهِ وَهُوَ مُغَيِّبُهُ عَن ملكه وَغَاصِبُهُ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ لَمْ يَجُزْ، إذْ صُلْحُهُ عَلَى نِصْفِهِ إقْرَارٌ بِقِيَامِهِ، بِخِلَافِ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ إذْ يُتَصَوَّرُ هَلَاكُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ عَادَةً، بِخِلَافِ ثَوْبٍ وَقِنٍّ اه. قَوْلُهُ: (قبل الْقَضَاء بِالْقيمَةِ) أما بعد الْقَضَاء لَا يجوز، لَان الْحق انْتقل بِالْقضَاءِ إِلَى الْقيمَة. منح. فَيرد الزِّيَادَة على الْقيمَة. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (جَائِزٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْهَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى الْقِيمَةِ فَكَانَ صُلْحًا عَنْ الْمَغْصُوبِ لَا عَن قِيمَته، فَلَا يكون اعتياضه بِأَكْثَرَ من قِيمَته رَبًّا، وَالزَّائِد على الْمَالِيَّة يكون فِي مُقَابلَة الصُّورَة الْبَاقِيَة حكما لَا الْقيمَة. وَعِنْدَهُمَا: لَا يجوز إِذا كَانَ بِغَبن فَاحش، لَان حَقه فِي الْقيمَة فالزائد عَلَيْهَا رَبًّا، وَمحل ذَلِك إِذا لم يكن مثلِيا صولح عَنهُ على مثله فَإِنَّهُ لَا تجوز الزِّيَادَة حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ اتِّفَاقًا. وَالْحَاصِل: أَن الامام يَقُول: إِن الضَّمَان بدل عَن الْعين المستهلكة فَيجوز بَالغا مَا بلغ، كَمَا إِذا كَانَت قَائِمَة حَقِيقَة. والصاحبان يَقُولَانِ: إِن الْقيمَة هِيَ الْوَاجِبَة فِي ضَمَان الْعدوان لانها هِيَ الَّتِي يُمكن وُجُوبهَا فِي الذِّمَّة دون الْعين فَيكون الْمَأْخُوذ بَدَلا عَن الْقيمَة عِنْد الصاحبين، فَمَا زَاد عَن الْقيمَة يكون رَبًّا. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (كصلحه بِعَرَضٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ الْهَالِكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الشَّارِحُ هُنَا مَعَ أَنَّهَا سَتَأْتِي مَتْنًا إشَارَةً إلَى أَن محلهَا هُنَا، وَظَاهره أَن الصُّلْح عَن قيمي بِعرْض، وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر جَازَ على هَذَا الْخلاف، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الصُّلْح على عرض، وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر من قيمَة الْمَغْصُوب جَائِز اتِّفَاقًا. صرح بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره. غَايَة مَا يُقَال: إِن مقارنته بِمَا قبله لمُجَرّد تساويهما فِي الصِّحَّة عِنْد زِيَادَة الْبَدَل عَن قيمَة الْمُبدل وَإِن كَانَ أَحدهمَا اختلافيا وَالْآخر اتفاقيا. نعم لَو أفرده بِالذكر كَمَا فِي الْهِدَايَة وكما فعل المُصَنّف لَكَانَ أولى. قَوْله: (فَلَا تقبل إِلَخ) لَان بِالصُّلْحِ قد أَخذ بعض حَقه وَأسْقط بَاقِيه، والساقط لَا يعود. قَوْله: (وَلَا رُجُوع للْغَاصِب على الْمَغْصُوب مِنْهُ بشئ) أَي سَوَاء كَانَ قبل الْقَضَاء بِقِيمَة الْمَغْصُوب أَو بعده لعدم ظُهُور الرِّبَا بَين الْعرض وَقِيمَة الْمَغْصُوب لفقد العلتين فِيهِ، بِخِلَاف مَا لَو دَفعهَا من جنس الْقيمَة بعد الْقَضَاء بهَا، لَان تَقْدِير القَاضِي كتقدير الشَّارِع، فَإِذا دفع أَزِيد مِنْهُ تحقق الرِّبَا إِن كَانَ من جنس مَا قدره القَاضِي. أما لَو قضى بِالدَّرَاهِمِ فَدفع الدَّنَانِير أَو بِالْعَكْسِ فَيجوز أَيْضا لفقد الْعلَّة وَهُوَ اتِّحَاد الْجِنْس، لَكِن يشْتَرط الْقَبْض فِي مجْلِس الصُّلْح لِئَلَّا يفترقا عَن دين بدين. أَفَادَهُ الرحمتي. تَنْبِيهَات: الصُّلْح على أَكثر من مهر الْمثل جَائِز، وَلَو طَلقهَا بعد الدُّخُول أَو مَاتَت لَا يجوز إِلَّا على قدر مهر الْمثل، لانه يصير بِمَنْزِلَة الدّين وَلم يبْق لَهُ حكم الْمهْر وَلذَا لَا يجوز الزِّيَادَة فِيهِ. اسْتهْلك إِنَاء فضَّة وَقضى بِالْقيمَةِ وافترقا قبل الْقَبْض لم يبطل، وَكَذَا لَو اصطلحا بِلَا قَضَاء غصب طوق ذهب مِائَتَا مِثْقَال فَضَاعَ فَصَالحه على مائَة ثمَّ أقرّ الْمُدَّعِي أَن أَحدهمَا كَانَ ملك الْمُدعى عَلَيْهِ فَالصُّلْح جَائِز عَن الثَّانِي وَلَا يرجع عَلَيْهِ، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على الالف وَالدَّار بعد الصُّلْح كَانَ على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 حَقه الدَّار لَان الْمِائَتَيْنِ الَّتِي أخذهما إِنَّمَا هما من الالف وَقد حط عَن الْبَاقِي مِنْهَا، وَلَو ادّعى دَارا أَو ألفا فَصَالحه على ألف ثمَّ برهن على نصف الدَّار وَنصف الالف لم يكن لَهُ من ذَلِك شئ، وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على ألف دِرْهَم وَنصف الدَّار كَانَت الالف قَضَاء بالالف وَأخذ نصف الدَّار، وَلَو اسْتحقَّت الدَّار من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ لم يرجع من الالف بشئ لانه يَقُول الالف الَّتِي قبضت عَن الَّتِي ادعيت، وَقِيَاس الالف وَالدَّار الدِّرْهَم وَالدِّينَار. وَوجه عدم كَون الْبَدَل عَن الْجَمِيع أَو الشِّرَاء الْوَاحِد لَا يَنْتَظِم الاسقاط والمعاوضة، وَلَو أعطَاهُ ثوبا عَن جَمِيع حَقه فَهُوَ صلح الْجَمِيع. قَوْله: (وَلَو أعتق مُوسر عبدا إِلَخ) قيد بالموسر، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نصفه كَمَا فِي مِسْكين. قَوْله: (لَا يجوز لانه مُقَدّر شرعا) قَالَ فِي الدُّرَر: لَان الْقيمَة فِي الْعتْق مَنْصُوص عَلَيْهَا، وَتَقْدِير الشَّارِع لَيْسَ أدنى من تَقْدِير القَاضِي فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ اه. بِخِلَاف مَا تقدم لانها غير مَنْصُوص عَلَيْهَا، وَإِن صَالحه على عرض جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لانه لَا يظْهر الْفضل عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس. عَيْني. قَوْله: (لعدم الرِّبَا) لانه قوبل صُورَة بِصُورَة على قَوْله أَو قيمَة بِصُورَة على قَوْلهمَا، وعَلى كل فَلَا رَبًّا. قَوْله: (وَصَحَّ فِي الْجِنَايَة الْعمد إِلَخ) شَمِلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ أَوْ انْفَرَدَ حَتَّى لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَصَالَحَ أَحَدَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ جَازَ، وَلَهُ قَتْلُ الْبَقِيَّةِ وَالصُّلْحُ مَعَهُمْ، لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ. تَأمل. رملي. قَوْله: (وَلَو فِي نفس مَعَ أقرار) تَفْسِير للاطلاق: أَي سَوَاء كَانَ الْعمد فِي النَّفس أَو مَا دونهَا، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار أَو سكُوت. قَوْله: (بِأَكْثَرَ من الدِّيَة) أَي فِي النَّفس. قَوْله: (والارش) أَي فِي الاطراف. قَوْله: (أَو بِأَقَلّ) أَي على أقل وَإِن كَانَ أقل من عشرَة دَرَاهِم لانه لَا مُوجب لَهُ، وَإِنَّمَا يجب بِالْعقدِ فَيقدر بتقديرهما، بِخِلَاف النِّكَاح حَيْثُ لَا يجوز تَسْمِيَة مَا دون الْعشْرَة فِيهِ لانه مُقَدّر شرعا. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الرِّبَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَال فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ الرِّبَا، فَلَا يبطل الْفضل لعدم المجانسة بَين مُوجب الْعمد وَهُوَ الْقصاص والمدفوع من المَال. قَوْله: (كَذَلِك) أَي بِأَكْثَرَ من الدِّيَة: أَي مُطلقًا فِي النَّفس أَو الاطراف مَعَ الاقرار أَو السُّكُوت أَو الانكار. قَوْله: (لَا تصح الزِّيَادَة) أَفَادَ بالتقييد بِالزِّيَادَةِ صِحَة النَّقْص وَيجْعَل إِسْقَاط ط. وَإِذا لم تصح الزِّيَادَة فَالصُّلْح صَحِيح وَالزِّيَادَة غير لَازِمَة كَمَا فِي الدُّرَر والشرنبلالية. قَوْله: (لَان الدِّيَة فِي الْخَطَأ مقدرَة) أَي شرعا وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا تكون رَبًّا فَيبْطل الْفضل، ومقاديرها مائَة بعير أَو مِائَتَا بقرة أَوْ مِائَتَا شَاةٍ أَوْ مِائَتَا حُلَّةٍ أَوْ ألف دِينَار أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم. عزمي عَن الْكَافِي. فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ، كَمَا لَا يجوز الصُّلْح فِي دَعْوَى الدّين على أَكثر من جنسه ط. قَالَ الرحمتي: وَهَذَا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير ظَاهر. وَأما فِي الابل فَيَنْبَغِي الْجَوَاز لفقد الْقدر. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 أَقُول: سَيَأْتِي قَرِيبا مَا يُؤَيّدهُ، فَافْهَم. قَوْله: (بِغَيْر مقاديرها) أَي بِغَيْر الذَّهَب وَالْفِضَّة والابل، كَأَن صَالح بعروض أَو حَيَوَان غير مَا ذكر صَحَّ سَوَاء كَانَت قِيمَته قدر دِيَة أَو لَا. وَأفَاد أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مقادير الدِّيَة الْمُتَقَدّمَة. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ) أَيْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمجْلس إِذا كَانَ مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح دينا فِي الذِّمَّة، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ. ح بِزِيَادَة من ط. قَوْله: (لِئَلَّا يكون دين بدين) أَي افْتَرقَا عَن دين وَهُوَ الدِّيَة بدين وَهُوَ مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح. قَوْله: (أَحدهمَا) كَالْإِبِلِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (يُصَيِّرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ. قَوْلُهُ: (كَجِنْسٍ آخَر) فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَنْهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بقرة وَهِي عِنْده وَدفعهَا جَازَ، لَان الْحق تعين فِيهِ بِالْقضَاءِ فَكَانَ غَيره من الْمَقَادِير كجنس آخر فَأمكن الْحمل على الْمُعَاوضَة. منح وَفِي الْجَوْهَرَة: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لَان قَضَاء القَاضِي عين الْوُجُوب فِي الابل، فَإِذا منح صَالح على الْبَقر فالبقر الْآن لَيست بمستحقة وَبيع الابل لَهُ بالبقر جَائِز. وَإِذا صَالح عَن الابل بشئ من الْمكيل وَالْمَوْزُون مُؤَجل فقد عَارض دينا بدين فَلَا يجوز، وَإِن صَالح عَن الابل على مثل قيمَة الابل أَو أَكثر مِمَّا يتَغَابَن فِيهِ جَازَ لَان الزِّيَادَة غير متعينة، وَإِن كَانَ لَا يتَغَابَن فِيهَا لَا لانه صَالح على أَكثر من الْمُسْتَحق اهـ. وَقَوله على أَكثر الظَّاهِر أَنه بالاقل كَذَلِك بالاولى. قَالَه أَبُو الطّيب. قَوْله: (فسد) لَان هَذَا صلح عَن مَال فَيكون نَظِير الصُّلْح عَن سَائِر الدُّيُون. قَوْله: (وَيسْقط الْقود) أَي فِي الْعمد: أَي مجَّانا: إِن سمي نَحْو خمر: يَعْنِي يَصِيرُ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَفْوًا عَنْهُ، وَكَذَا عَلَى خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَ بِالْجَهَالَةِ. قَالَ فِي الْمنح فِي الْكَلَام على الْعمد: ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا إِذا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقه مجَّانا فيصار إِلَى مُوجبه الاصلي، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سمى الْخمر وَنَحْوه حَيْثُ لَا يجب شئ لِمَا ذَكَرْنَا: أَيْ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يتقوم بالتقويم وَلم يُوجد وَفِي قَوْله فيصار إِلَى مُوجبه الاصلي نظر لانه الْقصاص لَا الدِّيَة، وَبعد خطور ذَلِك بالذهن رَأَيْت سري الدّين نبه عَلَيْهِ ط قَوْله: (بِالصُّلْحِ عَن دم عمد) مَحَله إِذا صدر التَّوْكِيل من الْجَانِي قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى) نُسَخِ الْمَتْنِ أَوْ عَنْ بدل على قَوْله: (يَدعِيهِ على آخر) تبع الشَّارِح فِي هَذَا المُصَنّف فِي شَرحه، وَفِي الْعبارَة قلب، وَالصَّوَاب: يَدعِيهِ عَلَيْهِ آخر، لما علمت أَن التَّوْكِيل من طرف الْمُدعى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِذا كَانَ مُدعيًا على آخر دينا فَوكل من يصالحه على بعضه كَيفَ يُقَال الْبَدَل يلْزم الْمُوكل مَعَ أَنه هُنَا آخذ الْبَدَل لَا دافعه، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله الْآتِي لزم بدله الْمُوكل وَعبارَة الدُّرَر هَكَذَا وَلَيْسَ فِيهَا كلمة على وَعبارَة الْكَنْز: وَمن كل رجلا بِالصُّلْحِ عَنهُ فَصَالح الْوَكِيل لم يلْزم الْوَكِيل مَا صَالح عَلَيْهِ وَهِي أحسن، وَلَو حذف كلمة على آخر كَمَا صنع الدُّرَر لسلم من هَذَا إِلَّا أَن تحمل عِبَارَته هُنَا على مَا ذكرنَا. بِأَن يُقَال: أَو على بعض دين يَدعِيهِ آخر عَلَيْهِ، فَتَأمل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 قَالَ الشمني: لَان هَذَا الصُّلْح إِسْقَاط مَحْض، فَكَانَ الْوَكِيل فِيهِ سفيرا ومعبرا فَلَا يكون الْبَدَل عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ، إِلَّا أَن يضمنهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَاخذ بِهِ لضمانه لَا لعقد الصُّلْح. اهـ. قَوْله: (من مَكِيل وموزون) هَكَذَا قيد بِهَذَا الْقَيْد فِي الدُّرَر وَتَبعهُ الشَّارِح، إِلَّا أَن عبارَة الدُّرَر بِلَفْظ أَو وَالْوَاو بِمَعْنى أَو: أَي سَوَاء كَانَ دينا مِنْهَا بِحَسب الاصل أَو بِحَسب التَّقْدِير. قَالَ أَبُو الطّيب: إِن كَانَ المُرَاد من مَكِيل وموزون أَن من بَيَانِيَّة للدّين فَلَا حَاجَة إِلَى اشْتِرَاط أَن يكون الدّين بدل الْمكيل وَالْمَوْزُون، لَان الدّين لَا يكون إِلَّا أَحدهمَا، لَان الاعيان لَا تكون ديونا اهـ. وَبِه ظهر قَول بعض الافاضل: هَل مثله الْمَعْدُود المتقارب والمذروع إِذا بَين طوله وَعرضه وَصفته؟ فَإِنَّهُم قَالُوا: يجوز فِيهِ حِينَئِذٍ السّلم وَيصِح ثُبُوته فِي الذِّمَّة يُرَاجع اهـ. فَتَأمل. قَوْله: (لزم بدله الْمُوكل) هَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا كَانَ الْوَكِيل من طرف الْجَانِي، وَلَا يظْهر إِذا كَانَ من طرف الْوَلِيّ لانه آخذ فَكيف يُقَال يلْزمه، وَكَذَا لَا يظْهر فِي جَانب الدّين إِذا كَانَ الْمُوكل هُوَ الْمُدَّعِي لَان الْمُوكل مُدع فَكيف يلْزمه، وَأطلق فِي لُزُومه الْمُوكل فَشَمَلَ الصُّلْح بأقسامه الثَّلَاثَة، وَبِه صرح الْعَيْنِيّ. قَوْله: (لانه إِسْقَاط) أَي للقود عَن الْقَائِل وَبَعض الدّين عَن الْمُدعى عَلَيْهِ. قَوْله: (فيؤاخذ بضمانه) أَيْ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ، وَكَذَا الصُّلْحُ فِي الْخلْع، وَكَذَا يَرْجِعُ فِي الصُّورَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِي: وَفِي النِّكَاح لَا يرجع لَان الامر بِالصُّلْحِ عَنهُ أَمر بالاداء عَنهُ ليُفِيد الامر فَائِدَته، إِذْ الصُّلْح عَنهُ جَائِز بِلَا أمره، بِخِلَاف النِّكَاح لانه لَا ينفذ عَلَيْهِ من الاجنبي، والامر بِالْخلْعِ كالامر بِالصُّلْحِ حَتَّى يرجع على الْآمِر إِن ضمن وَأدّى عَنهُ. زَيْلَعِيّ. قَالَ عبد الْحَلِيم: قَوْله إِلَّا أَن يضمنهُ أَي يكفل الْوَكِيل الْبَدَل وَأَن يضيف العقد إِلَى نَفسه وَإِلَى مَال نَفسه اهـ. وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا كَانَ الصُّلْح عَن دم الْعمد كَمَا ذكره المُصَنّف عَن إِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار أَو فِيمَا لَا يحمل على الْمُعَاوضَة كالصلح على بعض الدّين كَمَا ذكره المُصَنّف أَيْضا لانه إِسْقَاط، فَكَانَ الْوَكِيل سفيرا فَلَا يلْزمه شئ إِلَّا بالالتزام. وَأما فِيمَا يحمل على الْمُعَاوضَة فسيذكره بقوله الْآتِي هُنَا كَمَا إِذا وَقع عَن مَال بِمَال الخ. قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ) أَيْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ على الْمُوكل كَمَا مر قَرِيبا لَان الْوَكِيل أصل فِي الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة فترجع الْحُقُوق إِلَيْهِ دون الْمُوكل فَيُطَالب هُوَ بِالْعِوَضِ دون الْمُوكل. عَيْني. قَوْله: (لانه حِينَئِذٍ كَبيع) أَي والحقوق فِي عقد البيع ترجع إِلَى الْمُبَاشر فَكَذَا فِيمَا إِذا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فَيلْزم الْوَكِيل مَا صَالح عَلَيْهِ ثمَّ يرجع بِهِ على الْمُوكل، وَمُقْتَضى الاطلاق أَنه يرجع وَإِن لم تكن الْكفَالَة بِأَمْر الْمُوكل كَمَا صرحت بِهِ عِنْد قَوْله الْآتِي بأَمْره قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ أَو لَا، وَسَوَاء كَانَ فِي دم عمد وَدين أَو غَيرهمَا، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ إِذْ هُوَ فِي جَانِبه فدَاء يَمِين وَقطع نزاع، وَهَذَا إِنَّمَا يعود إِلَى الْمُوكل لَا إِلَى الْوَكِيل. قَوْله: (صَالح عَنهُ) أَي عَن الْمُدعى عَلَيْهِ فُضُولِيٌّ إلَخْ. هَذَا فِيمَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِمَا فِي آخِرِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيّ من جَامع الْفُصُولَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 ف: الْفُضُولِيّ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِ نفس وَلَا إلَى ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْغَيْر اهـ. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا مَفْرُوض فِيمَا لم يحمل على الْمُعَاوضَة كدعوى الْقصاص وأخواته، أما إِذا كَانَ عَن مُعَاوضَة فيمضي على الْفُضُولِيّ إِذا كَانَ شِرَاء عَن إِقْرَار. قَوْله: (بِلَا أَمر) قيد بِهِ لانه لَو كَانَ بِأَمْر نفذ الصُّلْح عَن الْمُدعى عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْبَدَل إِلَّا فِي صُورَة الضَّمَان فالبدل على الْمصَالح عِنْد الامام الْحلْوانِي، وَذكر شيخ الاسلام أَنه عَلَيْهِ وعَلى الْمُدعى عَلَيْهِ أَيْضا فَيُطَالب الْمُدعى بِهِ أَيهمَا شَاءَ. قُهُسْتَانِيّ عَن الْمُحِيط. قَوْله: (صَحَّ إِن ضمن المَال) لَان الْحَاصِل للْمُدَّعى عَلَيْهِ الْبَرَاءَة، وَفِي مثله يَسْتَوِي الْمُدعى عَلَيْهِ والاجنبي لانه لَا يسلم للْمُدَّعى عَلَيْهِ شئ كَمَا يسلم للاجنبي، وَالْمَقْصُود من هَذَا الصُّلْح رضَا صَاحب الْحق لَا رضَا الْمُدعى عَلَيْهِ إِذْ لَا حَظّ لَهُ فِيهِ، وَالْمُدَّعِي ينْفَرد بِالصُّلْحِ فِيمَا لَا مُعَاوضَة فِيهِ غير أَنه لم يرض بِسُقُوط حَقه مجَّانا، فَإِذا سلم لَهُ الْعِوَض من جِهَة الْمُتَبَرّع صَحَّ. اهـ. قَوْله: (أَو أضَاف الصُّلْح) أَي الْبَدَل الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح. قَوْله: (إِلَى مَاله) بِأَن يَقُول صالحتك على ألف من مَالِي أَو على عَبدِي فلَان، لَان الاضافة إِلَى نسه الْتِزَام مِنْهُ للتسليم إِلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَادر على ذَلِك فَيلْزمهُ تَسْلِيمه. قَوْله: (أَو قَالَ على هَذَا) أَي وَأَشَارَ إِلَى نقد أَو عين، وَإِنَّمَا صَحَّ فِيهِ لَان الْمَعْرُوف الْمشَار إِلَيْهِ كالمضاف إِلَى نَفسه، لانه تعين التَّسْلِيم إِلَيْهِ بِشَرْط أَن يكون ملكه فَيتم بِهِ الصُّلْح. قَوْله: (أَو كَذَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى الصُّورَة الرَّابِعَة وَهِي صُورَة الاطلاق بِأَن قَالَ عَليّ ألف. قَوْله: (وَسلم المَال) أَي فِي الاخير وَهِي الصُّورَة الرَّابِعَة. قَوْله: (صَحَّ) مُكَرر بِمَا فِي الْمَتْن، وَإِنَّمَا صَحَّ لانه بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَة تمّ رِضَاهُ فَوق الضَّمَان والاضافة إِلَى نَفسه. قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كالفضولي لِلْخلعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ فَقَدْ اشْتَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَا الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةُ إِلَى نَفسه على رِضَاهُ اهـ بِاخْتِصَار. قَوْله: (وَصَارَ مُتَبَرعا فِي الْكل) أَي فِي أَربع صور الْفُضُولِيّ الْمَارَّة آنِفا: وَهِي مَا إِذا ضمن المَال، وَمَا إِذا أضَاف الصُّلْح لما لَهُ، وَمَا إِذا قَالَ صالحتك عَنهُ بِأَلف وَلم يزدْ وَسلمهَا، وَمَا إِذا قَالَ على ألفي هَذِه أَو عَبدِي هَذَا وَسلم، فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَو وجده زُيُوفًا أَو ستوقا لم يرجع الْمصَالح لانه مُتَبَرّع الْتزم تَسْلِيم شئ معِين وَلم يلْتَزم الايفاء من غَيره فَلَا يزمه شئ آخَرُ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يرجع على الْمصَالح لانه صَار قرينا فِي ذمَّته، وَلِهَذَا لَو امْتنع عَن التَّسْلِيم يجْبر عَلَيْهِ. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (إِلَّا إِذا ضمن بأَمْره) ثمَّ يرجع على الْمصَالح عَنهُ إِن كَانَ الصُّلْح بِغَيْر أمره. بَزَّازِيَّةٌ فَتَقْيِيدُ الضَّمَانِ اتِّفَاقِيٌّ. وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صِحَّتِهِمَا عَلَى الْأَمْرِ فَيُصْرَفُ الْأَمْرُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ، بِخِلَاف الامر بِقَضَاء الدّين. اهـ. أَقُول لم يظْهر لي الْفرق. تَأمل. قَوْله: (عزمي زَاده) لم أجد فِيهِ، فَليُرَاجع. قَوْله: (وَإِلَّا يسلم فِي الصُّورَة الرَّابِعَة) الاولى ترك هَذَا الْقَيْد وإبقاء لَا على الْعُمُوم بِأَن يَقُول: وَإِلَّا يكن كَذَلِك: أَي إِن لم يضمن وَلم يضف وَلم يشر وَلم يسلم، أَو يَقُول: وَإِلَّا يُوجد شئ مِمَّا ذكر من الصُّور الاربعة، فَهُوَ مَوْقُوف لانه لم يسلم للْمُدَّعِي عوض فَلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 يسْقط حَقه مجَّانا لعدم رِضَاهُ، فَإِن أجَازه الْمُدعى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَه الْمَشْرُوط لالتزامه بِاخْتِيَارِهِ، وَإِن رده بَطل لَان الْمصَالح لَا ولَايَة لَهُ على الْمَطْلُوب فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تصرفه، وَمن جعل الصُّور أَرْبعا جعل الرَّابِعَة بشقيها وَهِي التَّسْلِيم وَعَدَمه صُورَة وَاحِدَة كالزيلعي، وَبَعْضهمْ جعلهَا خَمْسَة بِاعْتِبَار التَّسْلِيم صُورَة وَعَدَمه أُخْرَى، وَهَذِه الصُّورَة الْخَامِسَة مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْبُطْلَانِ. وَوَجْهُ الْحَصْرِ كَمَا فِي الدُّرَر أَن الفصولي إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُشِرْ، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا، فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَّا الاخيرة، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إذْ لَمْ يسلم للْمُدَّعِي عوض انْتهى. وَجعل الزَّيْلَعِيّ الصُّور أَرْبعا وَألْحق الْمشَار بالمضاف. أَقُول: لَكِن غير الصُّورَة الْمَذْكُورَة لَا يتَوَقَّف على الاجازة، وَحِينَئِذٍ فَلَا يتَوَجَّه على الشَّارِح اعْتِرَاض تَأمل. قَوْله: (وَلَزِمَه الْبَدَل) الْمَشْرُوط لالتزامه بِاخْتِيَارِهِ. قَوْله: (وَإِلَّا بَطل) لَان الْمصَالح لَا ولَايَة لَهُ على الْمَطْلُوب فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تصرفه. قَوْله: (وَالْخلْع) أَي إِذا صدر من فُضُولِيّ عَن الْمَرْأَة بِبَدَل، فَإِن ضمنه أَو أَضَافَهُ إِلَى مَال نَفسه أَو أَشَارَ صَحَّ وَلَزِمَه وَكَانَ مُتَبَرعا، وَإِن أطلق إِن سلم صَحَّ وَإِلَّا توقف على إجازتها. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَجعل فِي بعض شُرُوح الْجَامِع فِي بَاب الْخلْع الالف الْمشَار إِلَيْهِ أَو العَبْد الْمشَار إِلَيْهِ مثل الالف الْمُنكر حَتَّى جعل القَوْل إِلَى الْمَرْأَة انْتهى. قَوْله: (من الاحكام الْخَمْسَة) الَّتِي خَامِسهَا قَوْله وَإِلَّا بَطل، أَو الَّتِي خَامِسهَا قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى هَذَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ سَابِقًا فِي الصُّورَة الرَّابِعَة. والاولى فِي التَّعْبِير أَن يَقُول: وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الصُّور الْخَمْسَة كالصلح، لانه لَيْسَ لنا إِلَّا حكمان، وهما الْجَوَاز فِي الصُّور الاربع، وَعَدَمه فِي الْخَامِسَة، فَتَأمل. قَوْله: (ادّعى وقفيه أَرض) أطلق فِيهِ فَعم الوقفية من نَفسه وَغَيره. قَوْله: (وَلَا بَيِّنَة لَهُ) مَفْهُومه أَنه: إِذا أوجد الْبَيِّنَة لَا يجوز الصُّلْح لانه لَا مصلحَة فِيهِ، وَلَا نظر لكَون الْبَيِّنَة قد ترد وَالْقَاضِي قد لَا يعدل. قَوْله: (وطاب لَهُ) أَي للْمُدَّعِي وَلم يذكر هَل يطيب للْمُدَّعى عَلَيْهِ الارض إِذا كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقا، وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطيب. قَوْله: (لَو صَادِقا فِي دَعْوَاهُ) فِيهِ أَنه لَو كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ كَيْفَ يَطِيبُ لَهُ؟ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ وَبَدَلُ الْوَقْفِ حَرَامٌ تَمَلُّكُهُ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ فَأَخْذُهُ مُجَرَّدُ رِشْوَةٍ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ فَكَانَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ لَا لِيُبْطِلَ وَقْفِيَّتَهُ، وَعَسَى أَنْ يُوجَدَ مُدع آخر ط. لَكِن أطلق فِي وَقْفِ الْحَامِدِيَّةِ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُصَالِحَ يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ فَيَصِيرُ كَالْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يملك الْوَقْف فَلَا يجوز لَهُ بَيْعه، فها هُنَا إنْ كَانَ الْوَقْفُ ثَابِتًا فَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَهَذَا يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى حَال. كَذَا فِي جَوَاهِر الْفَتَاوَى. اهـ. ثمَّ نقد الحامدي مَا هُنَا، ثمَّ قَالَ فَتَأمل. أَقُول: تأملته فَوجدت أَن الْمُعَاوضَة فِي الْوَقْف وَالْحَالة هَذِه جَائِزَة لما صَرَّحُوا بِهِ من جَوَاز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 استبداله إِذا وَقع فِي يَد غَاصِب. نعم يلْزم أَن يَجعله حِينَئِذٍ بدل الْمَوْقُوف، أما إِذا كَانَ من أهل الِاسْتِحْقَاق لغلة الْوَقْف وَأَخذه مَا أَخذه بالمصالحة عوضا عَن حَقه فِي الْغلَّة طَابَ لَهُ ذَلِك مَا لم يتَجَاوَز عَن قدر اسْتِحْقَاقه مِنْهُ. تَأمل. وَانْظُر مَا تقدم فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ. قَوْله: (وَبيع الْوَقْف لَا يَصح) الظَّاهِر أَنه من قَالَ يطيب لَهُ: أَي يطيب لَهُ الاخذ ويجعله مَكَانا مَوْقُوفا لعَجزه عَن تَحْصِيل الْوَقْف بفقد الْبَيِّنَة، وَمن قَالَ لَا يطيب لَهُ أَرَادَ لَا يطيب لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ لانه بدل الْوَقْف فِي زَعمه فَيكون لَهُ حكم الْوَقْف. تَأمل. قَوْله: (فَالثَّانِي بَاطِل) فَلَو ادّعى دَارا فَأنْكر ذُو الْيَد فَصَالحه على ألف على أَن يسلم الدَّار لذِي الْيَد ثمَّ برهن ذُو الْيَد على صلح قبله فَالصُّلْح الاول مَاض وَالثَّانِي بَاطِل. حموي. وَهَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَيُفْسَخُ الاول كَالْبيع. نور الْعين عَن الْخُلَاصَة. وَكَذَا نَقله البيري عَن الْخُلَاصَة عَن الْمُنْتَقى. قلت: لَكِن استظهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ بِمَعْنَى، الْإِبْرَاءِ، وَبُطْلَانُ الثَّانِي ظَاهِرٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدُ الْإِرَادَةِ هُنَا، فَالْمُنَاسِبُ حَمْلُ الصُّلْحِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حكمه كَالْبيع فِي التَّفْصِيل الْمَار فِيهِ كَمَا ذكره فِي أول الدَّعْوَى. قَوْله: (وَكَذَا النِّكَاح بعد النِّكَاح) فَلَا يلْزمه إِلَّا الْمهْر الاول، وَلَا يَنْفَسِخ العقد الاول إِذْ النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ، وَالْمَسْأَلَة ذَات خِلَافٌ، فَقِيلَ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ، وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهَا. قَالَ فِي جَامع الْفَتَاوَى: تزوج امْرَأَة بِأَلف ثمَّ تزَوجهَا بِأَلفَيْنِ فالمهر أَلفَانِ، وَقيل ألف. وَفِي الْمنية: تزوج على مهر مَعْلُوم ثمَّ تزوج على آخر تثبت التسميتان فِي الاصح، حموي. قَوْله: (وَالْحوالَة بعد الْحِوَالَة) أَي إِذا صدرت حِوَالَة عَن شخص فقبلها، ثمَّ إِذا صدرت على شخص آخر فالثانية بَاطِلَة، لَان الدّين ثَبت فِي ذمَّة الاول بالحوالة عَلَيْهِ فَلَا ينْتَقل بالحوالة الثَّانِيَة على غَيره كَمَا ذكره ط. واستفيد مِنْهُ أَن الْمحَال عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَة غَيره فِي الاولى، وَبِه صرح فِي الاشباه بقوله: الْكفَالَة بعد الْكفَالَة صَحِيحَة لزِيَادَة التَّوَثُّق، بِخِلَاف الْحِوَالَة فَإِنَّهَا نقل فَلَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي التَّنْقِيح. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَهَذَا يخرج الْمَسْأَلَة عَن كَونهَا من جزئيات الْقَاعِدَة، إِذْ الْمُتَبَادر من تَجْدِيد عقد البيع تجديده بِالنِّسْبَةِ إِلَى البيع الاول بِعَيْنِه وَالْمُشْتَرِي الاول بِعَيْنِه، وَكَذَا الْكَلَام فِي الصُّلْح بعد الصُّلْح وَالْكَفَالَة بعد الْكفَالَة، ووزانه فِي الْحِوَالَة اتِّحَاد الْمحَال عَلَيْهِ والمحال بِهِ فِي الحوالتين مَعًا، وَحِينَئِذٍ لَا ينتهض قَوْله لانها نقل فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَيَنْبَغِي أَن تصح الْحِوَالَة الثَّانِيَة وَتَكون تَأْكِيدًا للاولى على طبق الْكفَالَة، فَتدبر ذَلِك اهـ. وَعَلِيهِ فَالْمُنَاسِب فِي تَصْوِير الْمَسْأَلَة بِأَن يُقَال: بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شَخْصًا ثُمَّ أَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شخصا آخر، أَو كَمَا تقدم بِأَن أحَال زيد عمرا بِدِينِهِ على بكر حِوَالَة صَحِيحَة ثمَّ أَحَالهُ بهَا على بشر لَا تصلح الْحِوَالَة الثَّانِيَة، لَان الْحِوَالَة نقل الدّين من ذمَّة إِلَى ذمَّة، وَحَيْثُ فرغت ذمَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 الْمُحِيل فَكيف يَصح أَن يحِيل مرّة ثَانِيَة؟ نعم لَو تفاسخا الاحالة الاولى صحت الثَّانِيَة. قَوْله: (وَالصُّلْح بعد الشِّرَاء) بعد مَا اشْترى الْمصَالح عَنهُ. أَقُول: فِيهِ أَنه تكون الدَّعْوَى حِينَئِذٍ فَاسِدَة، وَالصُّلْح بعد الدَّعْوَى الْفَاسِدَة صَحِيح. تَأمل. وَصورتهَا: إِذا اشْترى شخص دَارا مثلا من آخر ثمَّ ادّعى المُشْتَرِي على البَائِع أَن الدَّار ملكه فَصَالحه البَائِع فَهَذَا الصُّلْح بَاطِل لتناقضه، فَإِن إقدامه على الشِّرَاء مِنْهُ دَلِيل أَنَّهَا ملك البَائِع ثمَّ الدَّعْوَى وَالصُّلْح بعْدهَا يناقضه. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو كَانَ الشِّرَاء بعد الصُّلْح فالشراء صَحِيح وَالصُّلْح بَاطِل. اهـ. قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث مَذْكُورَة فِي بيوعت الاشباه الْكفَالَة) أَي لزِيَادَة التَّوَثُّق، فَلَو أَخذ مِنْهُ كَفِيلا ثمَّ أَخذ مِنْهُ كَفِيلا آخر صَحَّ وَلَا يبرأ الاول بكفالة الثَّانِي كَمَا فِي الْخَانِية. قَوْله: (وَالشِّرَاء) أَي يَصح بعد الشِّرَاء وَيبْطل الاول. أَطْلَقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِجِنْسٍ آخَر، وَإِلَّا فَلَا يَصح أشباه. وَفِي الْبَحْر: وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ انْعَقَدَ الثَّانِي وَانْفَسَخَ الاول إِن كَانَ الثَّانِي بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ، وَإِنْ كَانَ مثله لم يَنْفَسِخ الاول انْتهى. قَالَ فِي التاترخانية: قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ الْمُشْتَرَى قَبِلْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ بِعْتُهُ مِنْكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ بَاعَ بِعشْرَة ينْعَقد الثَّانِي وَيبقى الاول بِحَالهِ. اهـ. فَهَذَا مِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْإِيجَابِ فَقَطْ وَمِثَالٌ لِتَكْرَارِ العقد قَوْله: (والاجارة) أَي بعد الاجارة من الْمُسْتَأْجر الاول فالثانية فسخ للاولى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة. قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن الْمدَّة إِذا اتّحدت فيهمَا واتحد الاجران لَا تصح الثَّانِيَة كَالْبيع. وَزَاد فِي الْفُصُولَيْنِ الشِّرَاء بعد الصُّلْح فَإِنَّهُ يجوز وَيبْطل الصُّلْح. قَوْله: (عَن إِنْكَار) إِنَّمَا خصّه لَان مَا ذكره لَا يَتَأَتَّى عِنْد الاقرار. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى عَلَيْهِ ثوبا فَأنْكر ثمَّ برهن أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الصُّلْح أَنه لَيْسَ لي لَا يقبل وَنفذ الصُّلْح وَالْقَضَاء لافتداء الْيَمين، وَلَو برهن أَنه أقرّ بعد الصُّلْح أَن الثَّوْب لم يكن لَهُ بَطل الصُّلْح لَان الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ هَذَا زعم أَنه أَخذ بدل الصُّلْح بِغَيْر حق، بِخِلَاف إِقْرَاره قبل الصُّلْح. لجَوَاز أَن يملكهُ بعد إِقْرَاره قبل الصُّلْح ذكره الْحَمَوِيّ. قَوْله: (فَالصُّلْح مَاض على الصِّحَّة) وَلَا تقبل الْبَيِّنَة لاحْتِمَال أَنه ثَبت لَهُ حق بعد هَذَا الاقرار، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ إِقْرَار من الْمُدَّعِي أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ. وَذكر الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي رِسَالَة الابراء عَن هَاشم عَن مُحَمَّد فِي تَوْجِيه الْمَسْأَلَة أَنه إِنَّمَا صَالحه على اعْتِبَار أَنه فدى يَمِينه بِالصُّلْحِ وافتداء الْيَمين بِالْمَالِ جَائِز، فَكَانَ إقدامه على الصُّلْح اعترافا بِصِحَّة الصُّلْح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 فبدعواه بعد ذَلِك أَنه لم يَصح الصُّلْح صَار متناقضا والمناقضة تمنع صِحَة الدَّعْوَى. وَأفَاد تَعْلِيل الثَّانِيَة بِنَحْوِ مَا ذَكرْنَاهُ. صُورَة ذَلِك: ادّعى ثوبا فَأنْكر فَصَالح على شئ ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن الْمُدَّعِي قَالَ قبل الصُّلْح إِنَّه لَا حق لي فِي هَذَا الثَّوْب لَا تقبل بَينته وَيكون الصُّلْح وَالْقَضَاء ماضيين لانه افتدى للْيَمِين حَيْثُ وَقع عَن إِنْكَار فَلَا ينْقض. أَفَادَهُ بعض الْفُضَلَاء. قَوْله: (بَطل الصُّلْح) لانه بِإِقْرَارِهِ هَذَا زعم أَنه أَخذه بعد الصُّلْح بِغَيْر حق، بِخِلَاف إِقْرَاره قبل الصُّلْح لجَوَاز أَن يملكهُ بعد إِقْرَاره قبل الصُّلْح. وَالْحَاصِل: أَن عدم قبُول بَينته فِي الاولى لما فِيهِ من التَّنَاقُض، لَان التَّنَاقُض يمْنَع قبُول الْبَيِّنَة لاقراره، بِخِلَاف الثَّانِيَة لانه لم يظْهر وَجه التَّنَاقُض لَان الصُّلْح لَيْسَ اعترافا بِالْملكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنَّهُ يكون عَن إِقْرَار وسكوت وإنكار قَوْله: (قَالَ المُصَنّف وَهُوَ مُقَيّد لاطلاق الْعمادِيَّة) نَصُّهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: ادَّعَى فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ ثُمَّ ظهر بعده أَن لَا شئ عَلَيْهِ بَطل الصُّلْح. اهـ. أَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الصُّلْحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَة الْمُخْتَصر، وَبِه صرح مَوْلَانَا فِي بحره ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ مُضِيِّ الصُّلْحِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَدَمُ قبُول الشهارة لما فِيهِ من التَّنَاقُض، فَلم يظْهر حِينَئِذٍ أَن لَا شئ عَلَيْهِ فَلم تشملها عبارَة الْعمادِيَّة فَافْهَم. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. أَقُول: لَكِن لَيْسَ هَذَا من التَّنَاقُض الْمَرْدُود لانه يَدعِي أمرا كَانَ خفِيا عَلَيْهِ وَهُوَ إِقْرَار الْمُدَّعِي بِعَدَمِ حَقه فِي الْمُدَّعِي قبل الصُّلْح، وَلَو كَانَت الْعلَّة مَا ذكره لما صحت فِي الثَّانِيَة أَيْضا لانه متناقض فيهمَا بعد إقدامه على الصُّلْح. وَالْعلَّة الصَّحِيحَة فِي ذَلِك أَنه إِن ثَبت أَنه قَالَ ذَلِك قبل الصُّلْح لَا يكون مَانِعا من صِحَة الصُّلْح لاحْتِمَال حُصُول حق لَهُ بعد ذَلِك قبل الصُّلْح، وَفِي الثَّانِيَة لَا يحْتَمل. قَالَ فِي الْخُلَاصَة من آخر الدَّعْوَى: لَو اسْتعَار من آخر دَابَّة فَهَلَكت فَأنْكر رب الدَّابَّة الاعارة فَصَالحه الْمُسْتَعِير على مَال جَازَ، فَلَو أَقَامَ الْمُسْتَعِير بَيِّنَة بعد ذَلِك على الْعَارِية قبلت بَينته وَبَطل الصُّلْح اهـ: أَي لظُهُور أَن لَا شئ، وَالله أعلم. وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا مَا يُفِيد أَن المُرَاد بالظهور لَا من طَرِيق إِقَامَة الْمصَالح الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَا تقبل لما فِيهِ من التَّنَاقُض. وَنَصّ عِبَارَته فِي كتاب الدَّعْوَى من نوع فِي الصُّلْح. وَفِي الْمُنْتَقى: ادّعى ثوبا أَو صَالح ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إنْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ، وَإِنْ بَعْدَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ حَقِّهِ وَلَوْ قَبْلَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَعِلْمُهُ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ كَإِقْرَارِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ، هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي بِجِهَةِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِيرَاثٌ لِي عَنْ أَبِي، فَأَمَّا غَيْرُهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَ حَقِّي بِالشِّرَاءِ أَو الْهِبَة لَا يبطل اهـ. قَوْله: (ثمَّ نقل) أَي المُصَنّف. قَوْله: (عَن دَعْوَى الْبَزَّازِيَّة) عبارتها عَن الْمُنْتَقَى: ادَّعَى ثَوْبًا وَصَالَحَ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ: إنْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَالصُّلْح صَحِيح، وَإِن بعد الصُّلْح يبطل، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ حَقِّهِ وَلَوْ قَبْلَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَعِلْمُهُ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 كَإِقْرَارِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ. هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْإِقْرَارُ بِالْملكِ بِأَن قَالَ إِنَّه مِيرَاث لي عَن أبي ثمَّ قَالَ لَا حق لي من هَذِه الْجِهَة، فَأَما إذَا ادَّعَى مِلْكًا لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَ حَقي بِالشِّرَاءِ أَو بِالْهبةِ لَا يبطل اهـ. فَظهر أَن مُرَاده أَنه لَو قَالَ بعد الصُّلْح لَا حق لي قبل الْمُدَّعِي إِنَّمَا يبطل الصُّلْح إِذا أطلق. أما إِذا عين، بِأَن قَالَ لَا حق لي من جِهَة الارث مثلا فَقيل لَهُ قد بَطل الصُّلْح فَقَالَ إِنَّه حَقي بِجِهَة الشِّرَاء مثلا بَقِي الصُّلْح صَحِيحا على حَاله وَإِن علم الْحَاكِم غير مُعْتَبر الْآن على الْمُفْتى بِهِ. قَوْله: (فيحرر) مَا نَقله عَن الْبَزَّازِيَّة. أَقُول: لَا يحْتَاج إِلَى تَحْرِير، لَان مَا ذكره البزازي من قَوْله هَذَا إِذا اتَّحد الاقرار تَقْيِيد لعدم صِحَة الصُّلْح إِذا أقرّ الْمُدَّعِي، وَلَا إِشْكَال فِيهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَحْرِيرَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْيِيدِ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا علمت، وَالله تَعَالَى أعلم. فرع: ذكر المُصَنّف عَن آخر الدَّعْوَى من الْخُلَاصَة: لَو ادّعى أَنه اسْتعَار دَابَّة فلَان وَهَلَكت عِنْده فَأنْكر الْمَالِك الاعارة وَأَرَادَ التَّضْمِين فَصَالحه مدعي الْعَارِية على مَال ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة على الْعَارِية قبلت بَينته وَبَطل الصُّلْح. قَوْله: (عَن الدَّعْوَى الْفَاسِدَة) كدعوى وَقع فِيهَا تنَاقض. قَوْله: (وَعَن الْبَاطِلَة) كدعوى خمر وخنزير من مُسلم. قَوْله: (والفاسدة مَا يُمكن تصحيحها) بالتوفيق فِي التَّنَاقُض مثلا: أَي والباطلة مَا لَا يُمكن تصحيحها، كَمَا لَو ادّعى أَنَّهَا أمته فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ فَصَالَحَهَا عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ بَطَلَ الصُّلْحُ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ظُهُورِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ. وَمِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا: لَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةَ فُلَانٍ أَعْتَقَهَا عَامَ أَوَّلٍ وَهُوَ يملكهَا بعد مَا ادّعى شخص أَنَّهَا أمته: أَي وصالحها لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَقْتَ الصُّلْحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا الَّذِي أَعْتَقَك كَانَ غَصَبَكِ مِنِّي، حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَة على هَذِه الدَّعْوَى تسمع. مَدَنِيٌّ. وَقَوْلُهُ هُنَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ط. أَقُول: وَشَهَادَة الشُّهُود أَنه أعْتقهَا وَهُوَ يملكهَا لَا تنَافِي ذَلِك، لَان لَهُم أَن يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ بِظَاهِر الْيَد. تَأمل. وَمن الْبَاطِلَة عَن دَعْوَى حد وَعَن دَعْوَى أُجْرَة نائحة أَو مغنية أَو تَصْوِير محرم. اهـ وَعلم أَن قَوْله قَالَت أَنا حرَّة الاصل أَي وبرهنت عَلَيْهِ بِدَلِيل مَا قَالَ بعد ظُهُور حريَّة الاصل، فَإِن الظُّهُور بِالْبَيِّنَةِ وبدليل مَا قَالَ فِي مقابلتها لَو أَقَامَت بَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت الخ، وَقَول صَاحب الاشباه وَهُوَ توفيق وَاجِب. قَالَ محشيه فِي شرح الْوِقَايَة لصدر الشَّرِيعَة: وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ صِحَّةُ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ: يشْتَرط، وَلَكِن هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شئ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ الْمَجْهُول دَعْوَى غير صَحِيحَة، وَفِي الذَّخِيرَة ألحق مسَائِل تؤيد مَا قُلْنَاهُ. قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد فِي معِين الْمُفْتِي: إِذا علمت هَذَا علمت أَن الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى لصِحَّة الصُّلْح وَعَلِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 أَقُول: إِنَّمَا صَحَّ الصُّلْح فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي اسْتندَ إِلَيْهَا صدر الشَّرِيعَة، لَان الدَّعْوَى فِيهَا يُمكن تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول وَقت الصُّلْح. على أَن دَعْوَى أَن الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى مُطلقًا سَوَاء أمكن تَصْحِيح الدَّعْوَى أم لَا مَمْنُوع لما فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تصحيحها لَا يَصح. وَالَّذِي يُمكن تصحيحها كَمَا إِذا ترك ذكر الْحَد أَو غلط فِي أحد الْحُدُود يَصح. وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: سُئِلَ شيخ الاسلام أَبُو الْحسن عَن الصُّلْح عَن الانكار بعد دَعْوَى فَاسِدَة هَل هُوَ صَحِيح أم لَا؟ قَالَ لَا، وَلَا بُد أَن تكون صَحِيحَة اهـ. وَقد ذكر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق من عدم التَّوْفِيق. ذكره الْحَمَوِيّ. وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من التَّوْفِيق، فَليُحرر. قَوْله: (وحرر فِي الاشباه) هَذَا التَّحْرِيرُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّة خوارزم أَن الصُّلْح عَن دَعْوَى الخ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمعول. قَوْله: (فَلْيحْفَظ) أَقُول: عبارَة الاشباه: الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ كَمَا فِي الْقنية، وَلَكِن فِي الْهِدَايَة فِي مسَائِل شَتَّى من الْقَضَاء أَن الصُّلْح عَن إِنْكَار جَائِز بعد دَعْوَى مَجْهُول فَلْيحْفَظ، وَيحمل على فَسَادهَا بِسَبَب مناقضة الْمُدَّعِي لَا لترك شَرط الْمُدَّعِي كَمَا ذكره وَهُوَ توفيق وَاجِب فَيُقَال إِلَّا فِي كَذَا، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَعَلِيهِ لَا يظْهر لهَذَا الْحمل فَائِدَة، لَان صَاحب الْهِدَايَة صرح بِجَوَاز الصُّلْح فِيهَا سَوَاء كَانَ فَسَادهَا بِسَبَب المناقضة أَو لترك شَرط الدَّعْوَى، فَإِذا صَحَّ الصُّلْح مَعَ فَسَادهَا بِأَيّ سَبَب كَأَن خَالف مَا فِي الْقنية، فَتَأمل. قَالَ الرَّمْلِيّ وَغَيره: مَا حَرَّره فِي الاشباه غير مُحَرر كَمَا عَلمته آنِفا قَوْله: (وَقيل اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى) تَطْوِيل من غير فَائِدَة، فَلَو قَالَ وَقيل يَصح مُطلقًا لَكَانَ أوضح، وَقد علمت الْمُفْتى. قَوْله: (كَمَا اعْتَمدهُ صدر الشَّرِيعَة آخر الْبَاب) قد علمت مَا فِيهِ من النّظر وَقد علمت عِبَارَته وَأَن الْمُتَبَادر أَنَّهُ أَرَادَ الْفَاسِدَةَ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول الخ. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْمنح بعد نقل عِبَارَتَهُ أَقُولُ: هَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ كَالْفَاسِدَةِ إذْ لَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهَا، كَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ أَوْ رِبًا حلوان الكاهن وَأُجْرَة النائحة والمغنية، وَدَعوى الضَّمَان على الرَّاعِي الْخَاص أَو الْمُشْتَرك إِذا قَالَ أكلهَا السَّبع أَو سرقت فَصَالحه رب الْغنم على دَرَاهِم مَعْلُومَة لَا يجوز على قَول أبي حنيفَة كَمَا فِي الْخَانِية، فَقَوْل المُصَنّف الْمُتَقَدّم فِي كِتَابه معِين الْمُفْتِي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا: الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى لصِحَّة الصُّلْح فِيهِ نظر، لانه إِن أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّة مَا يَشْمَل الْبَاطِل فَهُوَ بَاطِل، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْفَاسِد فقد قدمه، فَتَأمل. اهـ. وَكَذَا ذكره فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ بعد ذكر عِبَارَةَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ مَا نَصُّهُ: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْح ضَعِيف اهـ. قَوْله: (كَمَا مر فَرَاجعه) أَي فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله وَلَا رُجُوع فِي دَعْوَى حق مَجْهُول مِمَّن دَار صولح على شئ معِين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 وَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا لِجَوَازِ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا رَدَّ كُلَّ الْعِوَضِ لِدُخُولِ الْمُدَّعِي فِي الْمُسْتَحَقِّ. وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ: أَيْ مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ، لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة. وَالثَّانِي: عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ مَا لم يدع إِقْرَاره بِهِ. اهـ. وَالْحَاصِل: أَن مَا اسْتدلَّ بِهِ صدر الشَّرِيعَة من أَنه إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شئ يَصح الصُّلْح لَا يُفِيد الاطلاق، بل إِنَّمَا صَحَّ الصُّلْح فِيهِ، لَان الدَّعْوَى يُمكن تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول وَقت الصُّلْح، وَمَعَ هَذَا فقد علمت الْمُفْتى بِهِ مِمَّا اسْتَقر عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّة خوارزم من أَن الصُّلْح إِذا كَانَ من دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَا يَصِحُّ، وَإِن أمكن تصحيحها يَصح، هَذَا غَايَة مَا حَقَّقَهُ المحشون فاغتنمه. قَوْله: (وَصَحَّ الصُّلْح عَن دَعْوَى حق الشّرْب) وَالشرب وَهُوَ نصيب المَاء، وَكَذَا مُرُور المَاء فِي أَرض على مَا يظْهر ط: أَي فَتسقط الدَّعْوَى، وَلَا يلْزم من صِحَة الصُّلْح لُزُوم الْبَدَل، لما تقدم من أَن الصُّلْح عَن الشُّفْعَة يُسْقِطهَا وَلَا يُوجب الْبَدَل وَكَذَلِكَ عَن دَعْوَى حق الشّرْب وَوضع جُذُوع فَإِنَّهُ دَعْوَى حق لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، إِذْ لَا يجوز بيع الشّرْب وَلَا بيع حق وضع الْجُذُوع. قَوْله: (وَحقّ الشُّفْعَة) مَعْطُوف على حق الشّرْب: أَي يجوز الصُّلْح عَن دَعْوَى حق الشُّفْعَة لدفع الْيَمين. أما الصُّلْح عَن حق الشُّفْعَة الثَّابِت فَلَا يجوز، لما مر أَنه غير مَال فَلَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ. قَوْله: (وَحقّ وضع الْجُذُوع على الاصح) لما علمت من أَنه يجوز الصُّلْح عَمَّا ذكر فِي حق سُقُوط الدَّعْوَى، وَلَا يلْزم من صِحَة الصُّلْح لُزُوم الْبَدَل، لما مر أَن الصُّلْح عَن الشُّفْعَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَلَو كَانَ لرجل ظلة أَو كنيف على طَرِيق الْعَامَّة فخاصمه رجل على نقضه فَصَالحه على شئ كَانَ الصُّلْح بَاطِلا، لَان الْحق فِي طَرِيق النَّافِذ لجَماعَة الْمُسلمين فَلَا يجوز أَن يُصَالح وَاحِد على الِانْفِرَاد، وَبِخِلَاف مَا إِذا صَالح الامام عَنهُ على مَال حَيْثُ يجوز لَان لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مصالحهم، فَإِذا رأى فِي ذَلِك مصلحَة ينفذ لَان الِاعْتِيَاض من الْمُشْتَرَكِ الْعَامِ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ، وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ذَلِك فِي طَرِيق غير نَافِذ فَصَالحه رجل من أهل الطَّرِيق حَيْثُ يجوز فِي حَقه، لَان الطَّرِيق مَمْلُوكَة لاهلها فَيظْهر فِي حق الافراد، وَالصُّلْح مَعَه مُفِيد لانه يسْقط بِهِ حَقه ثمَّ يتَوَصَّل إِلَى تَحْصِيل رضَا البَاقِينَ فَيجوز. اهـ. قَوْله: (فِي أَي حق كَانَ) وَلَو كَانَ مِمَّا لَا يقبل الِاعْتِيَاض عَنهُ. قَوْله: (حَتَّى فِي دَعْوَى التَّعْزِير) بِأَن ادّعى أَنه كفره أَو ضلله أَو رَمَاه بِسوء وَنَحْوه حَتَّى تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين فافتداها بِدَرَاهِم فَإِنَّهُ يجوز على الاصح. منح. وَهَذَا يدل على أَنه يسْتَحْلف فِي دَعْوَى التَّعْزِير. قَوْله: (مجتبى) قَالَ فِي بعد أَن رمز سنج صَالح عَن دَعْوَى حق الشّرْب وَحقّ الشُّفْعَة أَو حق وضع الْجُذُوع وَنَحْوه، فَقيل لَا يجوز افتداء الْيَمين لانه لَا يجوز شِرَاؤُهُ قصدا، والاصح أَنه يجوز لَان الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ نَحْوَ الشَّخْصِ بِأَيّ حق كَانَ فَافْتدى الْيَمين بِدَرَاهِم يجوز على الاصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 قلت: وَهَذَا يدل على أَنه يسْتَحْلف فِي دَعْوَى التَّعْزِير. قَالَ: وَكَذَلِكَ إِن صَالحه من يَمِينه على عشرَة أَو من دَعْوَاهُ فَهُوَ كُله جَائِز اهـ. وَهَذَا منَاف لما قدمه أَو الْبَاب من أَن شَرط صِحَة الصُّلْح كَون الْمصَالح عَلَيْهِ حَقًا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، وَمَا فِي الْمُجْتَبى أَعم مِنْهُ كَمَا ترى. وَلَعَلَّ التَّوْفِيق أَن يُقَال: إِنَّه جَائِز فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ لدفع الْخُصُومَة عَنهُ لَا فِي حق الْمُدَّعِي إِذا كَانَ حَقًا لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ، لَان مَا يَأْخُذهُ عوض عَن حَقه فِي زَعمه فَلَا بُد من إِمْكَان الِاعْتِيَاض عَن حَقه، وَلَعَلَّه فِي الْمُجْتَبى يفرق بَين الصُّلْح عَن الشُّفْعَة وَعَن دَعْوَى الشُّفْعَة فَلَا يَصح فِي الاول كَمَا أطبقوا عَلَيْهِ من عدم لُزُوم الْبَدَل وَوُجُوب رده بعد أَخذه، وَيصِح فِي الثَّانِي، فَليُحرر. قَوْله: (بِخِلَاف دَعْوَى حد) أَي لَا يَصح الصُّلْح عَنْهَا، لما عرفت أَن الصُّلْح لَا يجوز فِي حق الله تَعَالَى وَلَو حد قذف، وَلَا عَن الابراء مِنْهُ. منح. قَالَ فِي الْفَوَائِد الزينية: لَا يَصح الصُّلْح عَن الْحُدُود، وَلَا يسْقط بِهِ إِلَّا حد الْقَذْف إِلَّا إِذا كَانَ قبل المرافعة كَمَا فِي الْخَانِية. قَوْله: (وَنسب) كَمَا إِذا ادَّعَت أَن هَذَا وَلَده مِنْهَا فصالحها لترك دَعْوَاهَا فَالصُّلْح بَاطِل، لَان الصُّلْح إِمَّا إِسْقَاط أَو مُعَاوضَة وَالنّسب لَا يحتملهما. دُرَر. وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَا لَو كَانَت الدَّعْوَى من الْمُطلقَة أَنه ابْن الْمُطلق مِنْهَا أَو الدَّعْوَى من الابْن أَنه ابْنه مِنْهَا وَجحد الرجل فَصَالح عَن النّسَب على شئ فَالصُّلْح بَاطِل فِي كلتا الصُّورَتَيْنِ، لما سبق أَن النّسَب لَا يقبل الِاعْتِيَاض مُطلقًا، وَعَلِيهِ إِطْلَاق المُصَنّف فِي الدَّعْوَى وَفِي عدم احْتِمَال النّسَب الْمُعَاوضَة هَذَا، فَظهر أَن من أَرَادَ التَّخْصِيص بالصورة الاولى لم يصب كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (بِأَن كَانَ دينا بِعَين) أَي بدل الصُّلْح دينا والمصالح عَلَيْهِ عينا أَو عَكسه فالباء للمقابلة والعوض، وَكَذَا بدين من غير جنسه كالدراهم عَن الدَّنَانِير وَعَكسه كَانَ ذَلِك مُعَاوضَة إِن كَانَ بِإِقْرَار، وَكَذَا بإنكار وسكوت فِي حق الْمُدَّعِي، والمعاوضة تصح الاقالة فِيهَا فَلِذَا ينْتَقض بنقضهما: أَي لَو فسخ ذَلِك الصُّلْح المتصالحان انْفَسَخ لجَوَاز الاقالة فِيهِ كَمَا تقدم أول الْكتاب، وَفِي نُسْخَة بدين عوضا عَن قَوْله: بِعَين وَمثله فِيمَا يظْهر الْعين بِالْعينِ. قَوْله: (ينْتَقض بنقضهما) أَي بِفَسْخ المتصالحين: أَي لَو فسخ ذَلِك الصُّلْح المتصالحان انْفَسَخ لجَوَاز الاقالة. فِيهِ قَوْله: (بل بِمَعْنى الخ) وَذَلِكَ الصُّلْح عَن الدّين بِبَعْضِه فَإِنَّهُ أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي فَلَا ينْتَقض بنقضهما لانه قد سقط والساقط لَا يعود. قَوْله: (قنية وصيرفية) الاولى الِاخْتِصَار عَلَى الْعَزْوِ إلَى الْقُنْيَةِ، لِأَنَّهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا مُطْلَقًا. وَأَمَّا فِي الْقُنْيَةِ فَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ وَفَّقَ بَينهمَا بِمَا هُنَا بحثا مِنْهُ، فَقَالَ: أَن الصُّلْح إِن كَانَ الخ. وَحَاصِله: أَن الصُّلْح إِن كَانَ بِمَعْنى الْمُعَاوضَة ينْتَقض بنقضهما، وَإِن كَانَ بِمَعْنى اسْتِيفَاء الْبَعْض وَإِسْقَاط الْبَعْض لَا ينْتَقض بنقضهما. أَقُول: وَالَّذِي يظْهر لي أَن الصُّلْح: إِن تَحْصِيل من فَسخه ثَمَرَة وجدت الْبَيِّنَة أَو توسم الاقرار أَو النّكُول يَصح، وَقَوله السَّاقِط لَا يعود لَا يرد علينا، لَان السَّاقِط فِي هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ قَضَاء لَا ديانَة، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بَاقٍ غير سَاقِط وَإِن لم تظهر ثَمَرَة من الْفَسْخ يُفْتى بِرِوَايَة عدم الصِّحَّة. قَوْله: (وَلَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 صَالح) الْعلَّة فِيهِ مَا تقدم فِيمَا لَو صَالحه على بَيت مِنْهَا، وَقد تقدم أَن فِيهَا يَصح الصُّلْح وَيجْعَل إِبْرَاء عَن دَعْوَى الْبَاقِي فِي ظَاهر الرِّوَايَة فَيَنْبَغِي أَن يكون هُنَا كَذَلِك. قَالَه الرحمتي لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قُيِّدَ بِالسُّكْنَى لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا كَأَن وجد عَدَمِ الصِّحَّةِ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ سَابِقًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا وَمِثْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَى بعض المحشين اهـ. قَوْله: (إِلَى الْحَصاد) لانه أحل مَجْهُول فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازعَة، ولانه بيع معنى فيفسده جَهَالَة الاجل. قَوْله: (أَوْ صَالَحَ مَعَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاكِ) أَي الدَّعْوَى من الْمُودع لم يَصح الصُّلْح فِي الصُّور الثَّلَاثَة. أما الاولى: فُلَانُهُ صلح عَن بعض مَا يَدعِيهِ، وَقد تقدم أَنه بَاطِل. وَأما الثَّانِيَة: فلَان الصُّلْح بيع معنى كَمَا ذكرنَا. وَهَاتَانِ المسألتان من مسَائِل السِّرَاجِيَّة الَّتِي نقلهَا عَنْهَا صَاحب الْمنية. وَأما الثَّالِثَة: فعلى أَرْبَعَة أوجه. الاولى: ادّعى صَاحب المَال الايداع وَجحد الْمُودع ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ الصُّلْح فِي قَوْلهم، لَان الصُّلْح يبْنى جَوَازه على زعم الْمُدَّعِي، وَفِي زَعمه أَنه صَار غَاصبا بالجحود فَيجوز الصُّلْح مَعَه. الثَّانِي: إِذا ادّعى صَاحب المَال الْوَدِيعَة وطالبه بِالرَّدِّ فَأقر الْمُسْتَوْدع بالوديعة وَسكت وَلم يقل شَيْئا وَصَاحب المَال يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك ثمَّ صَالحه على شئ مَعْلُوم جَازَ الصُّلْح فِي قَوْلهم أَيْضا. الثَّالِث: ادّعى الِاسْتِهْلَاك وَالْآخر الرَّد أَو الْهَلَاك ثمَّ صَالحه جَازَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَأَجْمعُوا على أَنه لَو صَالح بعد حلف الْمُسْتَوْدع أَنه رد أَو هلك لَا يجوز. الرَّابِع: إِذا ادّعى الْمُودع الرَّد أَو الْهَلَاك وَصَاحب المَال لَا يصدقهُ فِي ذَلِك وَلَا يكذبهُ بل سكت ذكر الْكَرْخِي أَنه لَا يجوز هَذَا الصُّلْح فِي قَول أبي يُوسُف الاول، وَيجوز فِي قَول مُحَمَّد. وَلَو ادّعى صَاحب المَال الِاسْتِهْلَاك وَالْمُودع لم يصدقهُ فِي ذَلِك وَلم يكذبهُ فَصَالحه على شئ ذكرنَا أَنه يجوز هَذَا الصُّلْح فِي قَوْلهم اهـ. كَمَا فِي الْمنح. فقد ظهر من هَذَا أَن الصُّلْح بِغَيْر دَعْوَى الْهَلَاك يَصح كَمَا سمعته وَلم يذكر فِيمَا إِذا أقرّ بالوديعة وَصَالَحَهُ عَلَيْهَا، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْه جَوَازه لانه صلح عَن مَال بِمَال بِإِقْرَار. تَأمل. قَوْله: (قيد بِعَدَمِ دَعْوَى الْهَلَاك) صَادِق بسكوته وبدعواه الرَّد، وَقد تقدم أَنه يَصح الصُّلْح فيهمَا. قَوْله: (لانه لَو ادَّعَاهُ) أَي الْهَلَاك وَالْمَالِك يَدعِي أَنه اسْتَهْلكهُ. قَوْله: (وَصَالَحَهُ قبل الْيَمين) أما لَو صَالحه بعد حلف الْمُسْتَوْدع أَنه هلك أَو رد لَا يجوز الصُّلْح إِجْمَاعًا. وَفِيه أَن ذَلِك دَاخل فِي مَسْأَلَة المُصَنّف الْمَذْكُورَة بعد، وفيهَا خلاف كَمَا ذكره المُصَنّف. قَوْله: (خَانِية) هَذَا مَا نَقله فِي الْمنح عَنْهَا لَكِن سقط من عِبَارَته شئ اخْتَلَّ بِهِ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: جَازَ الصُّلْحُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. وَبَقِيَ خَامِسَةٌ ذَكَرَهَا الْمَقْدِسِيَّ وَهِيَ: ادَّعَى رَبُّهَا الِاسْتِهْلَاكَ فَسَكَتَ فَصُلْحُهُ جَائِزٌ، لَكِنْ هَذَا هُوَ الثَّانِي فِي الْخَانِيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَن كَلَام الماتن وَالشَّارِحِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاك) شَامِل للجحود وَالسُّكُوت، وَدَعوى الرَّد هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَحَدُ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي أَحَدِ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ الْهَلَاكِ بِإِسْقَاطِ غَيْرِ وَالتَّعْبِيرِ بِبَعْدَ وَزِيَادَةِ الرَّدِّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. الْوَجْه الرَّابِعُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِتَقْدِيمِ صَاحِبِ الْخَانِيَّةِ إيَّاهُ كَمَا هُوَ عَادَته. وَ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْهَلَاكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ الِاسْتِهْلَاكَ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَوْ سَكَتَ وَهُوَ أَحَدُ شقي الرَّابِع، وَعلمت تَرْجِيح الْجَوَازِ فِيهِمَا، فَ قَوْلُهُ: (صَحَّ بِهِ يُفْتَى) فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَقَوْلُهُ: (وَصَالَحَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَيْضًا، وَرَأَيْتُ عِبَارَةَ الاشباه نَحْو مَا ذكرنَا. وَنَصُّهَا: الصُّلْحُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَلَا يَصِحُّ مَعَ الْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ إذْ لَا نِزَاعَ. ثُمَّ رَأَيْتُ عِبَارَةَ مَتْنِ الْمَجْمَعِ مِثْلَ مَا قلته، وَنَصهَا: وَجَاز صُلْحَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ أَو الرَّد، وَللَّه الْحَمد. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (وَيصِح الصُّلْح الخ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مَالًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ فَصُولِحَ صَحَّ، وَلَا ارتباط لهَذِهِ بِمَسْأَلَة الْوَدِيعَة. قَوْله: (دفعا للنزاع) عِلّة لقَوْله يَصح وَقَوله بِإِقَامَة الْبَيِّنَة مُتَعَلق بالنزاع: يَعْنِي أَن الصُّلْح عَن الانكار يكون افتداء للْيَمِين وقطعا للنزاع، وَبعد الْحلف يَصح للاحتياج إِلَى قطع النزاع، فَإِن الْمُدَّعِي يُمكنهُ بعد الْيَمين أَن يَأْتِي بِالْبَيِّنَةِ فَلم يكن الْيَمين قَاطعا للنزاع بل الْقَاطِع لَهُ الصُّلْح، وَلذَا قَالَ: وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي بَعْدَهُ عَلَى أَصْلِ الدَّعْوَى لم تقبل، لَان بِالصُّلْحِ قد أَبرَأَهُ عَن الدَّعْوَى فَسقط توجهها عَلَيْهِ والساقط لَا يعود. قَوْله: (بعده) أَي بعد الصُّلْح: أَي وَإِن لم يكن هُنَاكَ حلف. قَوْله: (إِلَّا فِي الْوَصِيّ) وَمثله الاب. قَوْله: (عَن مَال الْيَتِيم) أَي إِذا صَالح عَن مَال الْيَتِيم، وَقَوله إِذا صَالح على بعضه بدل من هَذَا الْمُقدر ط. وَيُمكن أَن تكون عَن بِمَعْنى فِي أَي فِي مَاله إِذا صَالح عَن إِنْكَار على بعضه، فَعَن بِمَعْنى فِي، وَقَوله: (على إِنْكَار) على بِمَعْنى عَن مُتَعَلق بِصَالح: أَي وَلم يكن هُنَاكَ بَيِّنَة. أما إِذا كَانَ الْخصم مقرا بدين الْيَتِيم أَو كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَالَّذِي يُؤْخَذ من الْمَفْهُوم أَنه لَا يجوز الصُّلْح على الْبَعْض لعدم الْمصلحَة للْيَتِيم، وَصرح بذلك فِي أدب الاوصياء. قَوْله: (فَإِنَّهَا تقبل) لانه إِنَّمَا يتَصَرَّف لَهُ بِحَسب الْمصلحَة فَيجوز صلحه عِنْد عدم الْبَيِّنَة، فَإِذا وجدت الْبَيِّنَة تبين أَن لَا مصلحَة فِي هَذَا الصُّلْح وَأَنه بَاطِل فَتقبل الْبَيِّنَة. وَصرح فِي الْبَزَّازِيَّة بِأَن الْبَيِّنَة لَوْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الصُّلْحِ وَفِيهِ غَبْنٌ لَا يَصح الصُّلْح. اهـ. وَهُوَ مُسْتَفَاد أَيْضا من كَلَام الشَّارِح. قَوْله: (وَلَو بلغ الصَّبِي فأقامها تقبل) يَعْنِي إِذا ادّعى وَصِيّ أَو أَب على رجل ألفا للْيَتِيم وَلَا بَيِّنَة لَهُ وَصَالح بِخَمْسِمِائَة عَن ألف عَن إِنْكَار ثمَّ وجد بَيِّنَة عادلة فَلهُ أَن يقيمها على الالف، سَوَاء فِي ذَلِك الاب أَو الْوَصِيّ أَو الْيَتِيم بعد بُلُوغه. قَالَ فِي الْقنية: وَفَائِدَة قَوْله فِي الْكتاب: إِذا لم يكن للاب أَو الْوَصِيّ بَيِّنَة على مَا يَدعِي الصَّبِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 فَصَالح بِأَقَلّ مِنْهُ يجوز أَن تمْتَنع دعواهما فِي الْحَال، وَدَعوى الصَّبِي بعد الْبلُوغ فِي حق الِاسْتِحْلَاف فَلَيْسَ لَهُم أَن يحلفوه وَإِنَّمَا لَهُم إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا فِي حَاشِيَة الاشباه. قَوْله: (وَلَو طلب) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول: أَي لَو طلب الْوَصِيّ بعد الصُّلْح يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ أَو طلبه الْيَتِيم بعد بُلُوغه كَمَا فِي حَوَاشِي الاشباه. قَول: (وَقيل لَا) أَي لَا يَصح الصُّلْح بعد حلف الْمُدعى عَلَيْهِ، لَان الْيَمين بدل عَن الْمُدَّعِي، فَإِذا حلف فقد استوفى الْبَدَل فَلَا يَصح، وقدمناه عَن الْقنية قَرِيبا. قَوْله: (جزم بالاول فِي الاشباه) هُوَ رِوَايَة مُحَمَّد عَن الامام. قَوْله: (وَبِالثَّانِي فِي السِّرَاجِيَّة) وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَشْبَاهِ، رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْر قَوْلهمَا وَهُوَ الصَّحِيح انْتهى. وَجعله نَظِير الصُّلْح مَعَ الْمُودع بعد دَعْوَى الِاسْتِهْلَاك: أَي فَإِنَّهُ لَا يَصح. قَالَ المُصَنّف فِي منحه: وبالاول جزم ابْن نجيم فِي الْفَوَائِد الزينية وَلم يعزه إِلَى كتاب مَعْرُوف. وَقيل لَا يَصح ذكره صَاحب السِّرَاجِيَّة وَلم يحك بِهِ خلافًا انْتهى. إِنَّمَا ذكر الْخلاف فِي الْقنية كَمَا يَأْتِي بعده قَرِيبا. قَوْله: (وحكاهما فِي الْقنية) فَقَالَ: ادّعى عَلَيْهِ مَالا فَأنْكر وَحلف ثمَّ ادَّعَاهُ عِنْد آخر فَأنْكر فصولح لَا يَصح، وَقيل يَصح وروى عَن الامام. وَوجه القَوْل بِعَدَمِ الصِّحَّة أَن الْيَمِينَ بَدَلُ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَّفَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَل فَلَا يَصح انْتهى. قَوْله: (مقدما لِلْأَوَّلِ) صَوَابُهُ لِلثَّانِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ وعَلى مَا سَمِعت من عِبَارَته. قَوْله: (طلب الصُّلْح والابراء) الْوَاو هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِمَعْنى أَو، وَمثلهمَا طلب تَأْخِير الدَّعْوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَة. قَوْله: (لَا يكون إِقْرَارا بِالدَّعْوَى) أَي بالمدعى بِهِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة فِي بحث الِاسْتِثْنَاء من كتاب الاقرار. وَفِي الْخُلَاصَة: لَو قَالَ أَخّرهَا عني أَو صالحني فإقرار، وَلَو قَالَ أبرئني عَن هَذِه الدَّعْوَى أَو صالحني عَن هَذِه الدَّعْوَى لَا يكون إِقْرَارا، وَكَذَا فِي دَعْوَى الدَّار انْتهى. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا صَالحه من حَقه فقد أقرّ بِالْحَقِّ، وَالْقَوْل فِي بَيَان الْحق لَهُ لانه الْمُجْمل، وَإِن صَالحه من دَعْوَى الْحق لم يكن إِقْرَارا انْتهى. وَوَجهه أَن الصُّلْح عَن الدَّعْوَى أَو الابراء عَنْهَا الْمَقْصُود مِنْهُ قطع النزاع فَلَا يُفِيد ثُبُوت الْحق، بِخِلَاف طلب الصُّلْح أَو الابراء عَن الْحق فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوته، وَحِينَئِذٍ يلْزمه الْمُدعى بِهِ. قَوْله: (والاول أصح بَزَّازِيَّة) قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: عزو الشَّارِح إِلَى الْبَزَّازِيَّة فِيهِ مَا فِيهِ، لَان هَذِه الْمَسْأَلَة بِتَمَامِهَا لَيست فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى الْبَرَاءَة الخ. وَأما مَا فِي الصيرفية فَهُوَ الْمُوَافق لما فِي الْمَتْن، وَلَيْسَ من عَادَة الْبَزَّازِيَّة أَن تنقل عَن الصيرفية فَلْيتَأَمَّل. اهـ. قَوْله: (عَن عيب) أَي عيب كَانَ بَيَاضًا فِي الْعين أَو حبلا أَو تزوجا. قَوْله: (وَظهر عَدمه) أَي الْعَيْب أَن الدّين، بِأَن ظهر أَن لَا دين عَلَيْهِ أصلا، أَو أَنه على غَيره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 وَعبارَة الْغرَر كَهَذا الْمَتْن: صَالح عَن عيب فَظهر عَدمه أَو زَالَ بَطل الصُّلْح، فَلَو قَالَ الشَّارِح بعد قَوْله فَظهر عَدمه أَو عَن دين فَظهر كَذَلِك كَانَ أوضح، لَان عِبَارَته هَذِه ظَاهِرَة فِي أَن ضمير عَدمه للدّين وَضمير زَالَ للعيب أَنَّهُمَا للعيب. وَصُورَة الْعَيْب على مَا فِي الدُّرَر عَن الْعمادِيَّة: ادّعى عَيْبا فِي جَارِيَة اشْتَرَاهَا فَأنْكر البَائِع فاصطلحا على مَال على أَن يُبرئ المُشْتَرِي البَائِع من ذَلِك الْعَيْب ثمَّ ظهر أَنه لم يكن بهَا عيب أَو كَانَ وَلكنه قد زَالَ فَللْبَائِع أَن يسْتَردّ بدل الصُّلْح. اهـ. وَقَالَ فِي الْمنح عَن السِّرَاجِيَّة: اشْترى حَيَوَانا فَوجدَ بِعَيْنِه بَيَاضًا فَصَالحه مِنْهُ على دَرَاهِم ثمَّ ذهب الْبيَاض بَطل الصُّلْح. اهـ. وَفِي الْبَدَائِع: وَلَو صَالحه مِنْ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ بِأَنْ كَانَ بَيَاضًا فِي عين العَبْد فانجلى بَطل الصُّلْح. اهـ. قَالَ أَبُو الطّيب. أَقُول: وَفِي الْمنح فروع نفيسة فَرَاجعهَا إِن شِئْت. قَوْله: (أَو زَالَ الْعَيْب الخ) عزاهُ فِي الدُّرَر إِلَى الْعمادِيَّة، لَكِن فِي منية الْمُفْتِي مَا يناقضه. وعبارتها: اشْترى حَيَوَانا فَوجدَ فِي عينه بَيَاضًا فَصَالحه على دَرَاهِم ثمَّ ذهب الْبيَاض يَصح الصُّلْح اهـ. لَكِن مَا نَقله الشَّارِح ذكره من نقلنا عَنْهُم كَمَا سَمِعت. وَذكره مؤيد زَاده عَن الخزانة وَنَصهَا: ادّعى المُشْتَرِي الْعَيْب وَأنكر البَائِع فاصطلحا على أَن يرد البَائِع شَيْئا من الثّمن ثمَّ يبين أَنه لم يكن بِالْمَبِيعِ عيب كَانَ على البَائِع أَن يسْتَردّ مَا أدّى، كَمَا لَو كَانَ الْعَيْب متحققا ثمَّ زَالَ بعد الصُّلْح. وعَلى هَذَا لَو ادّعى على إِنْسَان حَقًا أَو مَالا ثمَّ صَالحه على مَال فَتبين أَنه لم يكن عَلَيْهِ ذَلِك المَال أَو ذَلِك الْحق: أَي إِن لم يكن ثَابتا كَانَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق اسْتِرْدَاد كل المَال. اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. فصل فِي دَعْوَى الدّين وَهُوَ الَّذِي يثبت فِي الذِّمَّة عَيْني. والاول أَن يَقُول: فصل فِي الصُّلْح عَن دَعْوَى الدّين، وَيُقَال مثله فِي الْعبارَة الْآتِيَة للْمُصَنف. قَالَ الْحَمَوِيّ: لما ذكر الصُّلْح مُطلقًا فِي عُمُوم الدعاوي ذكر الصُّلْح فِي الدّين لانه صلح مُقَيّد والمقيد بعد الْمُطلق. اهـ. لَان مَا ذكره فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْخَاصِّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْخُصُوصَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ، والاصل أَنه مَتى كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ أدون من حَقه قدرا ووصفا أَو فِي أَحدهمَا فَهُوَ إِسْقَاط للْبَعْض وَأخذ للْبَاقِي، وَإِن كَانَ أَزِيد مِنْهُ بِأَن دخل فِيهِ مَا لم يسْتَحق من وصف أَو مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كتعجيل مُؤَجل فمعاوضة. قَوْله: (الصُّلْح الْوَاقِع الخ) أطلق الصُّلْح وَلَكِن المُرَاد كَونه على أقل مِمَّا عَلَيْهِ من الدّين كَمَا هُوَ ظَاهر الْعَادة، فَتخرج مِنْهُ صُورَة التَّسَاوِي إِذْ هِيَ اسْتِيفَاء وَقبض عين حَقه، وَصُورَة كَون الْمصَالح عَلَيْهِ زِيَادَة من الدّين فَيكون رَبًّا وحراما ليسَا بصلح، وَأَشَارَ بِالصُّلْحِ إِلَى أَنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 لَو بَاعَ مَا فِي ذمَّته من الالف بِخَمْسِمِائَة مثلا لم يجز، صرح بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّة وَسَيَأْتِي تَمَامه. قَوْله: (من دين) يَشْمَل بدل الْقَرْض وَثمن الْمَبِيع وَضَمان الْمُتْلف وَبدل الْمَغْصُوب وكل مَا لزم فِي الذِّمَّة، وَقيد فِي الْبَعْض ليُفِيد أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ جَهَالَة الْمصَالح عَنهُ لَا تمنع مَعَ صِحَّةِ الصُّلْحِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْح أَكثر مِنْهُ، وَلَكِنِّي أستحسن أَو أُجِيزَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، وَإِن مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُمَا بدل الصُّلْح شئ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُمَا عَرَفَاهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يعرفان قدر مَا عَلَيْهِ فِي نَفسه. اهـ. أَقُول: لَكِن فِي قَوْله أستحسن أَن أجيزه الخ شُبْهَة الرِّبَا كَمَا علمت وَهِي مُحرمَة أَيْضا، فَالظَّاهِر اعْتِمَاد مَا فِي الشَّرْح. تَأمل. قَوْله: (أَو غصب) أَي غصب قيمي أَو مثلي أَو غصب مِنْهُ أحد النَّقْدَيْنِ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَده معترفا بِبَقَائِهِ فَصَالحه على بعض مِقْدَار من جنسه. قَوْله: (أَخذ) خبر مُبْتَدأ. قَوْله: (وَحط لباقيه) لَان تصرف الْعَاقِل الْبَالِغ يَصح مَا أمكن، وَلَا يُمكن تَصْحِيحه مُعَاوضَة لما فِيهِ من الرِّبَا، وَقد أمكن الاسقاط فَيحمل عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ صَالَحْتُكَ على مائَة من ألف عَلَيْك كَانَ أخذا لمِائَة وإبراء عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَهَذَا قَضَاءٌ لَا دِيَانَةٌ إلَّا إِذا زَاد أَبْرَأتك. قُهُسْتَانِيّ. وَقدمنَا مثله معزيا للخانية. قَوْله: (للربا) أَي لَا يَجْعَل مُعَاوضَة لما يلْزم عَلَيْهِ من الرِّبَا وَلَا يَصح، وَتصرف الْعَاقِل يحمل على الصِّحَّة مَا أمكن كَمَا ذكرنَا فَيجْعَل حطا. قَوْله: (وحينئد) أَي حِين إِذا كَانَ مَا ذكر أَخذ الْبَعْض الْحق وإسقاطا لباقيه لَا مُعَاوضَة. قَوْله: (فصح الصُّلْح) أَي عَن ألف على مائَة، أطلق الصُّلْح فَشَمَلَ كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا أَو مُنْكرا أَو ساكتا، وَالْمرَاد بالالف ثمن مَبِيع كَمَا هُوَ مُقْتَضى عقد المداينة، وَقيد بالالف وَالْمِائَة بكونهما حالتين احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَت الالف مُؤَجّلَة وَالْمِائَة حَالَة كَمَا سَيذكرُهُ بعد، وَسَنذكر أَن هَذَا فِيمَا إِذا شَرط ذَلِك. قَوْله: (بِلَا اشْتِرَاط قبض بدله) أَي الصُّورِي وَهُوَ مَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُنَاكَ بدل بل هُوَ أَخذ لبَعض الْحق، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي غير الْمَغْصُوب، أما هُوَ مَعَ الِاعْتِرَاف بِبَقَائِهِ فَلَيْسَ مَا دَفعه عين حَقه إِلَّا أَن يَجْعَل عينه حكما، وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعُقُود والفسوخ لَا فِي الْغَصْب فَليُحرر. وَلَعَلَّه أَرَادَ بِالْغَصْبِ بدله بعد هَلَاكه. قَوْله: (على مائَة حَالَة) وَيكون الصُّلْح إِسْقَاطًا لبَعض الْحق فَقَط. قَوْله: (أَو على ألف مُؤَجل) وَيحمل على إِسْقَاط وصف الْحُلُول. قَوْله: (عَن ألف جِيَاد على مائَة زيوف) هَذَا شَامِل لما إِذا كَانَ بدل الصُّلْح مُؤَجّلا أَو حَالا لانه يَصح كَمَا ذكره، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ ألف زيوف وَصَالَحَهُ على خَمْسمِائَة جِيَاد حَيْثُ لَا يجوز لعدم اسْتِحْقَاق الْجِيَاد فَيكون مُعَاوضَة ضَرُورَة كَمَا فِي التَّبْيِين، وَحِينَئِذٍ فَيكون قد أسقط حَقه فِي الْكمّ والكيف فأسقط من الْكمّ تِسْعمائَة وَمن الكيف صفة الْجَوْدَة، وَكَذَا لَو كَانَت الْمِائَة مُؤَجّلَة يَصح أَيْضا لانه قد أسقط فِيهَا أَيْضا وصف الْحُلُول، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لَان من اسْتحق الْجِيَاد اسْتحق الزُّيُوف، وَهَذَا لَو تجوز بِهِ فِي الصّرْف وَالسّلم جَازَ، وَلَو لم يسْتَحقّهُ بِالْعقدِ لما جَازَ لَان الْمُبَادلَة بِرَأْس مَال السّلم وَبدل الصّرْف لَا تجوز، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهُ ألف زيوف وَصَالَحَهُ على خَمْسمِائَة جِيَاد حَيْثُ لَا يجوز لعدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 اسْتِحْقَاق الْجِيَاد فَيكون مُعَاوضَة ضَرُورَة: أَي لانه لَا يُمكن حمله على أَنه استوفى بعض حَقه وَأسْقط الْبَاقِي، لانه لَا يسْتَحق الْجِيَاد فَلَا يجوز التَّفَاضُل فِيهَا لَان جيدها ورديئها سَوَاء كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (لعدم الْجِنْس) فَكَانَ مُعَاوضَة، وَلَو كَانَ من الْجِنْس لَكَانَ أَخذ الْبَعْض الْحق فَيجوز مُؤَجّلا. قَوْله: (فَكَانَ صرفا) أَي بَدَلا عَنهُ، والاستبدال بالاثمان بَعْضهَا عَن بعض صرف فَيشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض. قَوْله: (فَلم يجز نَسِيئَة) أَي وَلَا حَالا بِدُونِ الْقَبْض لاشتراطه فِي الصّرْف كَمَا علم فِي بَابه. قَوْله: (أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) لَان الْمُعَجل غير مُسْتَحقّ بِعقد المداينة، إِذْ الْمُسْتَحق بِهِ هُوَ الْمُؤَجل والمعجل خير مِنْهُ، فقد وَقع الصُّلْح على مَا لم يكن مُسْتَحقّا بِعقد المداينة فَصَارَ مُعَاوضَة والاجل كَانَ حق الْمَدْيُون وَقد تَركه بِإِزَاءِ مَا حطه عَنهُ من الدّين فَكَانَ اعتياضا عَن الاجل وَهُوَ حرَام، أَلا يرى أَن رَبًّا النَّسِيئَة حرم لشُبْهَة مُبَادلَة المَال بالاجل فلَان يحرم حَقِيقَة أولى. اهـ. دُرَر. قَوْله: (إِلَّا فِي صلح الْمولى مكَاتبه) يَعْنِي إِذا صَالح الْمولى مكَاتبه على ألف مُؤَجّلَة على خَمْسمِائَة حَالَة فَإِنَّهُ يجوز، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بعض الْبَدَل وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الشَّرْع، وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الاجل لتوصل بِهِ إِلَى شرف الْحُرِّيَّة، وَهُوَ أَيْضا، مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الشَّرْع. ذكره الزَّيْلَعِيّ. وَذكر فِي شرح الْكَافِي للاسبيجابي جَوَاز هَذَا الصُّلْح مُطلقًا على قِيَاس قَول أبي يُوسُف لانه إِحْسَان من الْمَدْيُون فِي الْقَضَاء بالتعجيل وإحسان من صَاحب الدّين فِي الِاقْتِضَاء بحط بعض حَقه، وَحسن هَذَا إِذا لم يكن مَشْرُوطًا فِي الآخر، وَأما إِذا شَرط أَحدهمَا فِي مُقَابلَة الآخر فَدخل فِي الصُّلْح مُعَاوضَة فَاسِدَة فَيكون فَاسِدا، وَهَكَذَا فِي غَايَة الْبَيَان. قَوْله: (أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) لَان الْبيض غير مُسْتَحقَّة بِعقد المداينة، لَان من لَهُ السود لَا يسْتَحق الْبيض فقد صَالح على مَا لَا يسْتَحق بِعقد الْمُعَاوضَة فَكَانَ مُعَاوضَة الالف بِخَمْسِمِائَة وَزِيَادَة وصف الْجَوْدَة فَكَانَ رَبًّا. منح. بِخِلَاف مَا لَو صَالح على قدر الدّين وَهُوَ أَجود لانه مُعَاوضَة الْمثل بِالْمثلِ، وَلَا مُعْتَبر بالجودة لانها سَاقِطَة الِاعْتِبَار فِي الاموال الربوية إِلَّا أَنه يشْتَرط الْقَبْض فِي الْمجْلس لانه صرف الاصل أَنه مَتى كَانَ الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح عَلَيْهِ دون الْحق قدرا أَو وَصفا أَو وقتا فَهُوَ إِسْقَاط للْبَعْض وَاسْتِيفَاء للْبَاقِي لانه استوفى دون حَقه، وَإِن كَانَ أَزِيد مِنْهُ بِأَن دخل فِيهِ مَا لَا يسْتَحق من وصف أَو تَعْجِيل مُؤَجل أَو كَانَ خلاف جنسه فَهُوَ مُعَاوضَة لتعذر اسْتِيفَاء فِي غير الْمُسْتَحق فَيشْتَرط فِيهِ شُرُوط الْمُعَاوضَة كَمَا فِي الشمني. أَقُول: وَشَرطهَا عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس الْمُسَاوَاة، فَمن لَهُ دَرَاهِم سود لَا يسْتَحق الْبيض فَيكون أَخذهَا بطرِيق الْمُعَاوضَة وَلَو تُوجد، حَتَّى لَو صَالحه على ألف حَالَة عَن الالف المؤجلة أَو صَالحه على ألف بيض عَن الالف السود جَازَ بِشَرْط قَبضه فِي الْمجْلس لوُجُود الْمُسَاوَاة فِي الْقدر وَهُوَ الْمُعْتَبر فِي الصّرْف دون الْمُسَاوَاة فِي الصّفة، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ ألف فَصَالحه على طَعَام مَوْصُوف فِي الذِّمَّة مُؤَجل لم يجز لانه يكون افتراقا عَن دين بدين، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم وَمِائَة دِينَار فَصَالحه على مائَة دِرْهَم جَازَ، سَوَاء كَانَت حَالَة أَو مُؤَجّلَة لانه يَجْعَل إِسْقَاطًا للدنانير كلهَا وللدراهم إِلَّا مائَة وتأجيلا للمائة الَّتِي بقيت، وَلَا يحمل على الْمُعَاوضَة لَان فِيهِ فَسَادًا كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. أَقُول: وَيظْهر مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن شرح الاسبيجابي أَن الْمَدْيُون لَو أعْطى الدَّائِن خَمْسمِائَة بيضًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 فأسقط الدَّائِن الالف السود من ذمَّته وَأسْقط هُوَ الْبيض من ذمَّة الآخر لَا بِشَرْط الْمُقَابلَة يَنْبَغِي أَن يَصح، وَلكنه لَا يُسمى ذَلِك صلحا كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (أَن الاحسان إِن وجد من الدَّائِن) بِأَن صَالح على شئ هُوَ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا أَو وقتا. قَوْله: (وَإِنْ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ، بِأَنْ دَخَلَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ مِنْ وَصْفٍ كَالْبِيضِ بَدَلَ السُّودِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ أَوْ عَن جنس، بِخِلَاف جنسه. قَوْلُهُ: (فَمُعَاوَضَةٌ) أَيْ وَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ فَسَدَتْ وَإِلَّا صَحَّتْ. قَوْله: (عَاد دينه) عِنْدهمَا. وَعند أبي يُوسُف يبرأ. قَوْله: (لفَوَات التَّقْيِيد بِالشّرطِ) أَي من حَيْثُ الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قيد الْبَرَاءَة من النّصْف بأَدَاء خَمْسمِائَة فِي الْغَد، فَإِذا لم يؤد لَا يبرأ لعدم تحقق الشَّرْط. وَالْحَاصِل: أَن كلمة على وَإِن كَانَت للعوض لَكِنَّهَا قد تكون بِمَعْنى الشَّرْط، وَقد تعذر الْعَمَل بِمَعْنى الْمُعَاوضَة فَتحمل على الشَّرْط تَصْحِيحا لتصرفه كَمَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (وَالثَّانِي إِن لم يُوَقت بالغد) أَي لم يذكر لفظ غَد بل قَالَ ادْفَعْ إِلَيّ خَمْسمِائَة على أَنه برِئ من الْبَاقِي لم يعد دينه لعدم الاداء، وَيبرأ مُطلقًا أدّى الْخَمْسمِائَةِ فِي الْغَد أَو لم يؤد، لَان الْبَرَاءَة قد حصلت بالاطلاق وَإِلَّا فَلَا تَتَغَيَّر بِمَا يُوجب الشَّك فِي آخِره. منح. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ) أَيْ الدَّيْنُ مُطْلَقًا أَدَّى أَو لم يؤد. قَوْله: (لانه إِبْرَاء مُطلق) لانه لما لم يُوَقت للاداء وقتا لم يكن الاداء غَرضا صَحِيحا لانه وَاجِب على الْغَرِيم فِي كل زمَان فَلم يتَقَيَّد بِمَا حمل على الْمُعَاوضَة وَهُوَ لَا يصلح عوضا، وَالظَّاهِر أَن الابراء مُقَيّد بِأَدَائِهِ وَلَو فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته، حَتَّى إِذا مَاتَ وَلم يؤد يُؤْخَذ كل الدّين من تركته، لَان التَّعْلِيق بالاداء مَوْجُود معنى، بِخِلَاف الْوَجْه الرَّابِع فَإِنَّهُ يبرأ مُطلقًا لبداءته بالابراء. قَوْله: (كالوجه الاول) خبر أول. وَقَوله: (كَمَا قَالَ) خبر ثَان. قَوْله: (لبداءته بالابراء لَا بالاداء) قَالَ فِي الدُّرَر لانه أطلق الابراء وَأَدَاء خَمْسمِائَة لَا يصلح عوضا وَيصْلح شرطا مَعَ الشَّك فِي تَقْيِيده بِالشّرطِ فَلَا يتَقَيَّد بِالشَّكِّ، بِخِلَاف مَا إِذا بَدَأَ بأَدَاء خَمْسمِائَة لَان الابراء حصل مَقْرُونا بِهِ، فَمن حَيْثُ إِنَّه لَا يصلح عوضا يَقع مُطلقًا، وَمن حَيْثُ إِنَّه يصلح شرطا لَا يَقع مُطلقًا فَلَا يثبت الاطلاق بِالشَّكِّ فَافْتَرقَا. اهـ. قَوْلُهُ: (بِصَرِيحِ الشَّرْطِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ صَحَّ. فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ حَطَطْتُ عَنْكَ النِّصْفَ إنْ نَقَدْتَ إِلَيّ نصفا فَإِنَّهُ حط عِنْدهم وَإِن لم ينقده. قَوْله: (كَإِن أدّيت إِلَيّ كَذَا) الْخِطَابُ لِلْغَرِيمِ، وَمِثْلُهُ الْكَفِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الاسبيجابي فِي شرح الْكَافِي وقاضيخان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. إلَّا أَنَّهُ كَإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ لَا غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ، وَلِذَا قُلْنَا: إذَا كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَى بِنَفْسِهِ غَدا فَهُوَ برِئ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَوَافَى بِنَفْسِهِ بَرِئَ عَنْ المَال لانه تَعْلِيق بِشَرْط مُتَعَارَف فصح اهـ. قَوْله: (لما تقرر الخ) قَالَ فِي الْمنح: إِنَّمَا لَا يَصح لَان الابراء الْمُعَلق تَعْلِيقا صَرِيحًا لَا يَصح، لَان الابراء فِيهِ معنى التَّمْلِيك وَمعنى الاسقاط، فالاسقاط لَا يُنَافِي تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَالتَّمْلِيك يُنَافِيهِ فراعينا الْمَعْنيين. وَقُلْنَا: إِن كَانَ التَّعْلِيق صَرِيحًا لَا يَصح وَإِن لم يكن صَرِيحًا يَصح. اهـ. قَوْله: (لانه تمْلِيك من وَجه) بِدَلِيل أَنه لَا يرْتَد بِالرَّدِّ والتمليكات لَا تحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ، وَهُوَ إِسْقَاط أَيْضا بِدَلِيل أَنه لَا يتَوَقَّف على الْقبُول والاسقاط يحْتَمل ذَلِك، فلمعنى التَّمْلِيك فِيهَا قُلْنَا: إِذا صرح بِالتَّعْلِيقِ بِالشّرطِ لم يَصح، ولمعنى الاسقاط إِذا لم يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ بِالشّرطِ بتقييد. كَذَا فِي الْكَافِي. قَوْله: (وَإِن قَالَ الْمَدْيُون لآخر سرا الخ) هَذَا الْقَيْد أهمله فِي الْكَنْز وَلم يُنَبه عَلَيْهِ شَارِحه الزَّيْلَعِيّ، وَنبهَ عَلَيْهِ ملا مِسْكين وَصَاحب الدُّرَر وملتقى الابحر وَالْهِدَايَة وَعبارَته بعد ذكر الْمَسْأَلَة مُطلقَة. وَمعنى الْمَسْأَلَة. إِذا قَالَ ذَلِك سرا، أما إِذا قَالَ عَلَانيَة يُؤْخَذ بِهِ، لَان قَوْله لَا أقرّ بِمَالك الخ يتَضَمَّن الاقرار بِهِ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ بقوله مَالك، أَو لانه تَعْلِيق الاقرار بِالشّرطِ فَيلْزم فِي الْحَال، وَلذَا قيد بِهِ ملا مِسْكين فِي عبارَة الْكَنْز حَيْثُ لم تتقيد بقوله، سرا كَمَا علمت، وَقد عزاهُ هُنَا وَفِي الْبَحْر إِلَى الْمُجْتَبى، وَلَكِن النّظر إِلَى الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا الزَّيْلَعِيّ وَغَيره وَهِي كَونه لَيْسَ بمكره لتمكنه من إِقَامَة الْبَيِّنَة أَو التَّحْلِيف فينكل، وَهُوَ نَظِير الصُّلْح مَعَ الانكار لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الطوع، وَالِاخْتِيَار فِي تصرفه أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَنه مُضْطَر، لَكِن الِاضْطِرَار لَا يمْنَع من نُفُوذ تصرفه كَبيع مَاله بِالطَّعَامِ عِنْد المخمصة يُوجب التَّسْوِيَة بَين الْحَالَتَيْنِ فَتَأمل. ذكره الرَّمْلِيّ. أَقُول: معنى الاخذ: أَي بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ. قَوْله: (بِمَالك) وَالْمَال مَجْهُول فَيُؤْمَر ببيانه وَلَا يلْزمه مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لعدم إِقْرَاره بِهِ. تَأمل. قَوْله: (قَوْله بِمَالك) بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا. حموي. قَوْله: (صَحَّ) أَي فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالبَة فِي الْحَال بعد التَّأْخِير وَلَا فِي المحطوط كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (لانه لَيْسَ بمكره) لانه لَو شَاءَ لم يفعل ذَلِك إِلَى أَن يجد الْبَيِّنَة، أَو يحلف فينكل عَن الْيَمين. إتقاني. وَقَوله: وَلَيْسَ بمكره على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول، إِذْ يُمكنهُ أَن يبرهن أَو يحلفهُ فينكل عَن الْيَمين فَفعله بِلَا شُرُوع إِلَى أَحدهمَا كَانَ رضَا بذلك فنفذ فَيكون كصلح عَن إِنْكَار، وَمن ذَلِك ذكرت هَذِه الْمَسْأَلَة هُنَا، هَذَا هُوَ الْمُوَافق لما فِي غَايَة الْبَيَان وَشرح الْمَقْدِسِي، وَمَا فِي الْكِفَايَة يَقْتَضِي كَون الضَّمِير الْمَنْصُوب عَائِد إِلَى الْمَدْيُون، وَأَن يكون مكره على صِيغَة اسْم الْفَاعِل كَمَا فسر بِهِ الْبَعْض هُنَا، والاول هُوَ الْمُتَبَادر كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (عَلَيْهِ) جعل لفظ عَلَيْهِ صلَة لمكره وَهُوَ خلاف مَا فِي الْعَيْنِيّ والدرر. قَالَ الْعَيْنِيّ عِنْد قَول الْكَنْز صَحَّ: أَي هَذَا الْفِعْل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن: يَعْنِي إِن أَخّرهُ يتَأَخَّر، وَإِن حط عَنهُ بعضه ينحط لَان الْمَدْيُون لَيْسَ بمكره اهـ. وَمثله فِي الدُّرَر إِلَّا أَنه قَالَ صَحَّ: أَي التَّأْخِير والحط لانه لَيْسَ بمكره عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن فوصل عَلَيْهِ بمكره فَتوهم الشَّارِح أَنه مُتَعَلق بِهِ، وَلَيْسَ الامر كَذَلِك لَان لفظ عَلَيْهِ من الْمَتْن فِي الْكَنْز والدرر، وَيحْتَمل أَنَّهَا هُنَا كَذَلِك إِلَّا أَن النَّاسِخ سودها وَحِينَئِذٍ فالعبارة صَحَّ عَلَيْهِ: أَي نفذ عَلَيْهِ التَّأْخِير أَو الْحَط لانه لَيْسَ بمكره، وَضمير عَلَيْهِ: أَي على الدَّائِن حَتَّى أَنه بعد التَّأْخِير لَا يتَمَكَّن من مُطَالبَته فِي الْحَال، وَفِي الْحَط لَا يتَمَكَّن من مُطَالبَته مَا حطه أبدا. قَوْله: (وَلَو أعلن مَا قَالَه سرا) يَعْنِي أَنه تكلم بِهِ أَولا بَين النَّاس، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه بعد أَن اتفقَا على الْحَط أَو التَّأْخِير أعلن فَإِنَّهُ لَا ينْقض الصُّلْح، وَالْمرَاد أَن الدَّائِن سكت: إِذا لَو حط فِي الاعلان أَو أقرّ صَحَّ بل هُوَ أولى من حَالَة السِّرّ. ط. أَقُول: وَظَاهر كَلَام المُصَنّف يُوهم أَنه بَعْدَمَا أخر أَو حط عَنهُ كَمَا فهمته مِمَّا قدمْنَاهُ مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك، فَلَو قَالَ وَلَو أعلن. بقوله: لَا أقرّ لَك حَتَّى تؤخره عني أَو تحط يكون إِقْرَارا فَيُؤْخَذ للْحَال كُله إِن لم يُؤَخر أَو يحط. قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: وَقَوله: (وَلَو أعلن) أَي الْمَدْيُون وَقَوله: (مَا قَالَه سرا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مَفْعُوله مَحْذُوف وَهُوَ قَوْله لَا أقرّ لَك بِمَالك الخ. قَوْله: (أَخذ الْكل مِنْهُ للْحَال) أَي تمكن من أَخذ الْكل بِلَا تَأْخِير إِن أخر وَلَا حط إِن حط. قَالَ ط: لَعَلَّ هَذَا إِذا لم يُؤَخِّرهُ الطَّالِب وَلم يحط، أما لَو فعل ذَلِك صَحَّ لعدم إكراهه. اهـ. قَوْله: (فَقَالَ أقرر) بِهَمْزَة قطع مَفْتُوحَة من أقرّ. قَوْله: (جَازَ) أَي الْحَط لانه لَيْسَ من تَعْلِيق الابراء صَرِيحًا بل معنى، وَقد سبق جَوَازه. قَوْله (بِخِلَاف على أَن أُعْطِيك مائَة) فَإِذا أقرّ صَحَّ الاقرار، وَلَا يلْزم الدَّائِن شئ. قَوْله: (لَا الْحَط) لَان الْحَط إِبْرَاء وَهُوَ مُعَلّق بِصَرِيح الشَّرْط فَلَا يَصح كَمَا تقدم جلبي. والاولى أَن يَقُول: لانه وعد مُعَلّق بِالشّرطِ لَا يجب الْوَفَاء بِهِ شرعا. قَوْله: (الدّين الْمُشْتَرك بِسَبَب مُتحد) شَامِل لما إِذا اشْتَركَا فِي الْمَبِيع بِأَن كَانَ عينا وَاحِدَة أَو لم يشتركا بِأَن كَانَا عينين لكل عين بيعتا صَفْقَة وَاحِدَة بِلَا تَفْصِيل ثمن اهـ. شرنبلالية. قَوْله: (كَثمن مَبِيع بيع صَفْقَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. زَيْلَعِيٌّ. وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ. عَزْمِيَّةٌ. وَإِنَّمَا تتحد الصَّفْقَة إِذا اتَّحد اللَّفْظ وَقدر الثّمن وَوَصفه، كَأَن قَالَا بعناك هَذَا العَبْد بِأَلف لكل خَمْسمِائَة فَقبل كَانَ صَفْقَة وَاحِدَة، أما لَو بَاعَ أَحدهمَا بِخَمْسِمِائَة ثمَّ الآخر بِخَمْسِمِائَة أَو باعاه بِأَلف على أَن لاحدهما خَمْسمِائَة بيضًا وَللْآخر سُودًا أَو لاحدهما سِتّمائَة وَللْآخر أَرْبَعمِائَة فَذَلِك كُله صفقتان، فَلَا يُشَارك أَحدهمَا الآخر فِيمَا قبض كَمَا يفهم ذَلِك من الْمنح. وَقيد بِالدّينِ الْمُشْتَرك لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ، بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكهُ فِيهِ لكَونه مُعَاوضَة من وَجْهٍ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. زَيْلَعِيٌّ. فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلَانِ ادَّعَيَا أَرْضًا أَوْ دَارًا فِي يَد رجل وَقَالَا هِيَ لَنَا وَرِثْنَاهَا مِنْ أَبِينَا فَجَحَدَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَرَادَ الِابْنُ الْآخَرُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ، لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فِدَاءُ يَمِينٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهُوَ مُعَاوضَة من وَجه اسْتِيفَاء من وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكهُ فِي الْمِائَة. اهـ. سُئِلَ الْعَلامَة الشلبي عَن دَار مُشْتَركَة بَين ثَلَاثَة أوقاف كل وقف لَهُ حِصَّة مَعْلُومَة ومستحقون مختصون بِهِ فَإِذا قبض بعض النظار شَيْئا من الاجرة هَل لباقي النظار أَن يُشَارِكهُ فِي الْمَقْبُوض أم لَا؟ فَأجَاب بِأَن لباقي النظار الشّركَة فِيمَا قَبضه أحدهم حَيْثُ صدرت الاجارة مِنْهُم صَفْقَة وَاحِدَة قِيَاسا على ثمن الْمَبِيع صَفْقَة وَاحِدَة اهـ. وَتعقبه الْعَلامَة الْحَمَوِيّ بِأَن جَوَابه إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ مَا أجره كل من النظار معينا غير مشَاع. وَأَقُول: هَذَا إِنَّمَا يرد أَن لَو صدرت الاجارة فِي بعض الدَّار لما يلْزم عَلَيْهِ حِينَئِذٍ من إِجَارَة الْمشَاع لغير الشَّرِيك، وَلَا شيوع هُنَا لصدور الاجارة فِي كل الدَّار، فَتنبه. قَوْله: (أَو دين مَوْرُوثٌ) أَوْ كَانَ مُوصًى بِهِ لَهُمَا أَوْ كَانَ بدل قرضهما أَبُو السُّعُود. قَوْله: (إِذا قبض) أطلقهُ فَشَمَلَ قبضا على طَرِيق الِاقْتِضَاء أَو الصُّلْح. قَوْله: (شَاركهُ الآخر فِيهِ) هَذَا أصل كلي يتَفَرَّع عَلَيْهِ فروع: يَعْنِي إِذا كَانَ لِرجلَيْنِ دين على آخر فَقبض أَحدهمَا شَيْئا مِنْهُ ملكه مشَاعا كَأَصْلِهِ فلصاحبه أَن يُشَارِكهُ فِي الْمَقْبُوض، لانه وَإِن ازْدَادَ بِالْقَبْضِ إِذْ مَالِيَّة الدّين بِاعْتِبَار عَاقِبَة الْقَبْض، لَكِن هَذِه الزِّيَادَة رَاجِعَة إِلَى أصل الْحق فَيصير كزيادة الثَّمَرَة وَالْولد فَلهُ حق الْمُشَاركَة وَلكنه قبل الْمُشَاركَة بَاقٍ على ملك الْقَابِض لَان الْعين غير الدّين حَقِيقَة وَقد قَبضه بَدَلا عَن حَقه فَيملكهُ حَتَّى ينفذ تصرفه فِيهِ فَيضمن لشَرِيكه حِصَّته. دُرَر وَلَيْسَ بَين قَوْله ملكه مشَاعا كَأَصْلِهِ. وَقَوله: وَلكنه قبل الْمُشَاركَة بَاقٍ على ملك الْقَابِض مُخَالفَة، لَان الْمَقْبُوض عين الدّين من وَجه وَغَيره من وَجه كَمَا صرح بِهِ فِي عَامَّة الْكتب، وَالِاعْتِبَار الاول يَقْتَضِي كَون الْمَقْبُوض مُشْتَركا وَالِاعْتِبَار الثَّانِي يُوجب الِاخْتِصَاص بالقابض، فعملنا بِالْوَجْهَيْنِ وَقُلْنَا على الْوَجْه الاول: إِنَّه يكون للْآخر ولَايَة الْمُشَاركَة، وعَلى الْوَجْه الثَّانِي: إِنَّه يدْخل فِي ملك الْقَابِض وَينفذ تصرفه، وَمن هَذَا يظْهر الْحسن. قَوْله: فَلهُ حق الْمُشَاركَة: أَي فِي الْمَقْبُوض، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة الْمُشَاركَة وَإِلَّا لما نفذ تصرف الْقَابِض فِيهِ قبل الْمُشَاركَة، والمشبه لَا يلْزم أَن يكون فِي حكم الْمُشبه بِهِ من كل وَجه، فَلَا يلْزم من تحقق حَقِيقَة الْمُشَاركَة فِي الثَّمَرَة وَالْولد تحقق حَقِيقَتهَا فِي الْمَقْبُوض من الدّين كَمَا لَا يخفى. قَوْله: (أَو اتبع الْغَرِيم) فَلَو اخْتَار ثُمَّ تَوَى نَصِيبَهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَلَوْ من غَيره. بَحر: أَي من غير مَا قبض أَن حَقه فِيهِ سقط بِالتَّسْلِيمِ فَيرجع بِمثلِهِ وَيكون مَا قَبضه أخيرا صرفا عَمَّا فِي الذِّمَّة. وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحِوَالَة، لَكِن لَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِي عين تِلْكَ الدَّرَاهِم المقبوضة لَان حَقه فِيهَا قد سقط بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يعود حَقه فِيهَا بالتوي وَيعود إِلَى ذمَّته فِي مثلهَا اهـ. وَعَلِيهِ فَكَانَ يَنْبَغِي إِسْقَاط لفظ وَلَو وَيَقُول هَكَذَا: وَرجع على الْقَابِض بِنصْف مَا قبض من غَيره، وَذَلِكَ لَان حَقه فِيهَا قد سقط بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يعود حَقه فِيهَا بالتوي وَيعود إِلَى ذمَّته فِي مثلهَا. تَأمل. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ فَلَو صَالح) فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 التَّفْرِيع نظر، لَان الاصل أَن يقبض من الدّين شَيْئا، وَهَذَا صلح من نصِيبه لَا قبض. تَأمل. قَوْله: (أَي على خلاف جنس الدّين) احْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَ على جنسه كَمَا تقدم فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ، وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدّين. قَوْله: (أَخذ الشَّرِيك الآخر نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الدَّيْنِ مِنْ غَرِيمِهِ أَوْ أَخذ نصف الثَّوْب، لَان الصُّلْح وَقع عَن نصف الدّين وَهُوَ مشَاع، وَقِسْمَة الدّين حَال كَونه فِي الذِّمَّة لَا تصح، وَحقّ الشَّرِيك مُتَعَلق بِكُل جُزْء من الدّين فَيتَوَقَّف على إِجَازَته وَأَخذه النّصْف دَال على إجَازَة العقد فَيصح ذَلِك. قَوْله: (إِلَّا إِن ضمن) أَي الشَّرِيك الْمصَالح. قَوْله: (ربع الدّين) يَعْنِي إِلَّا أَن يغرم لَهُ حِصَّته من أصل الدّين الْوَاصِل بِوَاسِطَة الصُّلْح. وَأفَاد أَنَّ الْمُصَالِحَ مُخَيَّرٌ إذَا اخْتَارَ شَرِيكُهُ إتْبَاعَهُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ أَو غَيره وَبعد ضَمَان الْمصَالح الرّبع لَا يكون للْآخر سَبِيل على الثَّوْب. وَحَاصِله: أَن الشَّرِيك الآخر مُخَيّر بَين الِاتِّبَاع للمديون وَالشَّرِيك الْمصَالح، وَأَن الْمصَالح مُخَيّر فِي دفع نصف الثَّوْب الْمَقْبُوض وَربع الدّين، وَلم يلْزم عَلَيْهِ دفع الرّبع لاحْتِمَال تضرر الْمصَالح، لَان الصُّلْح على الْحَط غَالِبا فَيكون مَا اسْتَوْفَاهُ أنقص، بل يحْتَمل أَن لَا يبْقى لَهُ شئ من مقبوضه، وَأَشَارَ بِكَوْن الْبَدَل ثوبا إِلَى أَن هَذَا فِيمَا كَانَ بدل الصُّلْح خلاف جنس الدّين. أما إِذا وَقع على جنسه لَيْسَ للْمصَالح خِيَار فِيهِ بل لشَرِيكه الْمُشَاركَة فِي الْمَقْبُوض أَو يرجع على الْمَدْيُون لانه بِمَنْزِلَة قبض بعض الدّين كَمَا فِي الْمَبْسُوط. وَأطلق الصُّلْح فَشَمَلَ مَا يكون عَن إِقْرَار أَو سكُوت أَو إِنْكَار. ثمَّ الْحِيلَة فِي أَن لَا يرجع عَلَيْهِ شَرِيكه أَن يهب لَهُ الْغَرِيم مِقْدَار حَظه من الدّين ويقبضه ثمَّ يُبرئهُ عَن حَظه أَو يَبِيعهُ شَيْئا يَسِيرا وَلَو كفا من زبيب بِقدر حِصَّته من الدّين ثمَّ يُبرئهُ عَن الدّين وَيَأْخُذ ثمن الْمَبِيع كَمَا فِي الذَّخِيرَة والتتمة. قَوْله: (فَلَا حق لَهُ فِي الثَّوْب) لَان حَقه فِي الدّين وَقد ضمنه لَهُ، وَقد علم أَن الْخِيَار للْمصَالح. وَالْحَاصِل: أَن فِي تَخْيِير الشَّرِيك قيدين: أَن يكون الْمصَالح عَنهُ دينا والمصالح عَلَيْهِ ثوبا. فَإِن كَانَ الْمصَالح عَنهُ عينا مُشْتَركَة لَيْسَ لشَرِيكه أَن يُشَارِكهُ فِيهِ، وَلَو كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ من جنس الدّين شَاركهُ الشَّرِيك أَو يرجع على الْمَدِين. وَالْفرق بَين الصُّلْح على الْجِنْس وَغَيره أَنه إِذا صَالحه على الْجِنْس يُشَارِكهُ الشَّرِيك فِيهِ أَو يرجع على الْغَرِيم، وَفِي الصُّلْح على خلاف الْجِنْس كَذَلِك، إِلَّا أَن يضمن لَهُ ربع الدّين لَان حَقه فِي الدّين لَا فِي الثَّوْب. قَوْله: (ضمنه شَرِيكه الرّبع) يَعْنِي إِن شَاءَ لانه صَار قَابِضا حَقه بالمقاصة وَلَا ضَرُورَة عَلَيْهِ، لَان مبْنى البيع على المماكسة، بِخِلَاف الصُّلْح لَان مبناه على الاغماض والحطيطة، فَلَو ألزمناه دفع ربع الدّين لتضرر. لَا يُقَال: قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض لَا تتَصَوَّر فَكيف تتَصَوَّر الْمُقَاصَّة فِيهِ. لانا نقُول: قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض تجوز ضمنا، وَإِنَّمَا لَا تجوز قصدا وَهنا وَقعت الْقِسْمَة فِي ضمن صِحَة الشِّرَاء وَصِحَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 الْمُصَالحَة وللشريك أَن لَا يتبع الْقَابِض فِي الْجَمِيع وَيرجع على الْمَدِين، لَان الْقَابِض قبض حَقه إِلَّا أَن لَهُ حق الْمُشَاركَة، وَلَو كَانَ للمطلوب عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَار دينه قصاصا بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه أحد الدينَيْنِ قَضَاء لاولهما لَا اقْتِضَاء، وَالضَّمان إِنَّمَا يجب بالاقتضاء، وَكَذَا الْمُشَاركَة لَا تجب بِالْقضَاءِ وَإِنَّمَا تجب بالاقتضاء، وَلَو أَبرَأَهُ أَحدهمَا عَن نصِيبه لَا يضمن، وَلَو غصب أَحدهمَا من الْمَدِين عينا أَو اشْترى مِنْهُ شِرَاء فَاسِدا فَهَلَك عِنْده فَهُوَ قبض والاستئجار بِنَصِيبِهِ قبض لَا التَّزَوُّج بِهِ لعدم إِمْكَان الْمُشَاركَة فِيهِ كالجناية على نفس الْمَدِين وكالابراء، بِخِلَاف التَّزَوُّج على دَرَاهِم مُطلقَة فَإِنَّهُ قبض بالاجماع لوُقُوع التَّقَاصّ زَيْلَعِيّ. قَوْله: (أَوْ أَتْبَعَ غَرِيمَهُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَي فِي مَسْأَلَة الصُّلْح وَالْبيع أَو الْقَبْض. قَوْله: (لبَقَاء حَقه فِي ذمَّته) ولان الْقَابِض استوفى نصِيبه حَقِيقَة لَكِن لَهُ حق الْمُشَاركَة فَلهُ أَن يُشَارك. قَوْله: (لَا يرجع) أَي الشَّرِيك بِنصْف المبرئ على الَّذِي أَبْرَأ. قَوْله: (لانه إِتْلَاف لَا قبض) وَالرُّجُوع يكون فِي الْمَقْبُوض لَا فِي الْمُتْلف ف، وَلم يَزْدَدْ نصيب المُشْتَرِي بِالْبَرَاءَةِ فَلم يرجع عَلَيْهِ. قَوْله: (قبل وجوب دينهما عَلَيْهِ) أَمَّا لَوْ كَانَ حَادِثًا حَتَّى الْتَقَيَا قِصَاصًا فَهُوَ كَالْقَبْضِ ويشاركه فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي الْمَدْيُون. قَوْله: (لانه قَاض لَا قَابض) أَي والمشاركة إِنَّمَا تثبت فِي الْمَقْبُوض لَا فِي الْقَضَاء. قَوْله: (وَلَو أَبْرَأ الشَّرِيك الْمَدْيُون) بِالنّصب مفعول أَبْرَأ، والاولى أَن يَقُول أحد الشَّرِيكَيْنِ. قَوْله: (قسم الْبَاقِي على سهامه) أَي على سِهَام الْبَاقِي، لانه لَعَلَّ المُرَاد بِالسِّهَامِ السِّهَام الْبَاقِيَة لَا أَصْلهَا، يظْهر ذَلِك فِيمَا لَو كَانَ لَهُ الثُّلُثَانِ فَأَبْرَأهُ عَن الثُّلُث يقسم مَا يُؤْخَذ نِصْفَيْنِ لَان الْحق عَاد إِلَى هَذَا الْقدر، وَلَو اعْتبرنَا الاصل قسم أَثلَاثًا، وَقد صرح ابْن الْكَمَال بالاول. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْمُقَاصَّةُ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى الشَّرِيكِ خَمْسَةٌ مَثَلًا قَبْلَ هَذَا الدَّيْنِ فَإِنَّ الْقِسْمَة على مَا بَقِي بعد المقاصصة. قَوْله: (صَحَّ عِنْد الثَّانِي) اعْتِبَارا بالابراء الْمُطلق خلافًا للطرفين لانه يُؤَدِّي إِلَى قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَفِي النِّهَايَة: مَا ذكره من صفة الِاخْتِلَاف مُخَالف لما ذكر فِي عَامَّة الْكتب حَيْثُ ذكر قَول مُحَمَّد مَعَ قَول أبي يُوسُف، وَذَلِكَ سهل لجَوَاز أَن يكون المُصَنّف قد اطلع على رِوَايَة لمُحَمد مَعَ الامام. قَالَ فِي الْبُرْهَان: تَأْجِيل نصِيبه مَوْقُوف على رضَا شَرِيكه عِنْد أبي حنيفَة، وَبِه نَأْخُذ، وَعِنْدَهُمَا لَا، وَفِي عَامَّة الْكتب مُحَمَّد مَعَ أبي يُوسُف، وَذكره فِي الْهِدَايَة مَعَ أبي حنيفَة فَكَانَ عَنهُ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَفِي الْبَحْر: وَإِن أَجله أَحدهمَا فَإِن لم يكن وَاجِبا بِعقد كل مِنْهُمَا بِأَن ورثا دينا مُؤَجّلا فالتأجيل بَاطِل، وَإِن كَانَ وَاجِبا بإدانة أَحدهمَا: فَإِن كَانَا شَرِيكَيْنِ شركَة عنان، فَإِن أخر الَّذِي ولى الادانة صَحَّ تَأْجِيله فِي جَمِيع الدّين، وَإِن أخر الَّذِي لم يُبَاشِرهَا لم يَصح فِي حِصَّته أَيْضا، وَإِن كَانَا متفاوضين وَأجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 أَحدهمَا أَيهمَا أجل صَحَّ تَأْجِيله اهـ. وَلم يظْهر وَجه لذكر قَول الثَّانِي، وَترك قَول الامام مَعَ عدم تَصْحِيحه. قَوْله: (وَالْغَصْب) أَي إِذا غصب أَحدهمَا مِنْهُ عينا وَهَلَكت عِنْده فَإِنَّهُ ينزل قَابِضا نصِيبه فيشاركه فِيهِ الآخر سَوَاء كَانَ من جنس الدّين أَو من غير جنسه وَهلك فِي يَد الْغَاصِب وَقضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه من جنس الدّين، فَلَو كَانَ من غير جنس الدّين وَكَانَ حوجودا رد عينه كَمَا فِي الرحمتي: أَي لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَان. قَوْله: (والاستئجار) أَي بِأُجْرَة من جنس الدّين لانها بيع الْمَنَافِع، فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا إِذا اشْترى بِنَصِيبِهِ شَيْئا فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِربع الدّين فَكَذَا هَذَا وَكَذَا خدمَة العَبْد وزراعة الارض. وَصورتهَا بِأَن اسْتَأْجر أَحدهمَا من الْمَدْيُون دَارا بِحِصَّتِهِ سنة وسكنها، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ مُطْلَقٍ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ لَمْ يُشَارِكهُ الآخر وَجعله كَالنِّكَاحِ، هَذَا إِذا أضَاف العقد إِلَى الدّين لانه اتلاف كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ. قَوْلُهُ: (لَا التَّزَوُّجُ) أَيْ تَزَوُّجُ الْمَدْيُونَةِ عَلَى نصِيبه فَإِنَّهُ لَا يكون قبضا، لانه لَيْسَ بدل مَال فَكَانَ فِيهِ معنى الاتلاف من وَجه فَأشبه الابراء، بِخِلَاف مَا إِذا تزَوجهَا على دَرَاهِم مُطلقَة أَي حَتَّى الْتَقت قصاصا بِنَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يكون كَالْقَبْضِ كَمَا فِي الاتقاني. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: والتزوج بِنَصِيبِهِ إِتْلَاف فِي ظَاهر الرِّوَايَة حَتَّى لَا يرجع عَلَيْهِ صَاحبه بشئ. وَعَن أبي يُوسُف أَنه يرجع بِنَصِيبِهِ مِنْهُ لوُقُوع الْقَبْض بطرِيق الْمُقَاصَّة، وَالصَّحِيح الاول انْتهى. قَوْله: (وَالصُّلْح عَن جِنَايَةِ عَمْدٍ) أَيْ لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ جِنَايَةَ عَمْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَرْشِهَا مِثْلُ دَيْنِ الْجَانِي فَصَالَحَهُ عَلَى نَصِيبِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهَا قصاص لانه لم يملك بمقابلته شَيْئا قَابلا للشَّرِكَة كَمَا فِي الْبُرْهَان وَغَيره، قيد بالعمد لَان الْخَطَأ يسْلك فِيهِ مَسْلَك الاموال فَكَأَنَّهُ قَابض أَفَادَهُ فِي النِّهَايَة وَغَيرهَا. وَفِي الايضاح: لَا يلْزمه لشَرِيكه شئ لانه كَالنِّكَاحِ. وَفِي الْعِنَايَة بعد نَقله مَا تقدم: وَرَأى أَنه قيد بذلك لَان الارش قد يلْزم الْعَاقِلَة فَلم يكن مقتضيا، وَتَمَامه فِي تَكْمِلَة قَاضِي زَاده. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَوله لَا التَّزَوُّج وَالصُّلْح عَن جِنَايَة عمد: أَي بِأَن كَانَ لَهما دين على امْرَأَة فزوجته عَلَيْهِ نَفسهَا أَو على مولى الامة فَزَوجهَا الْمولى مِنْهُ عَلَيْهِ أَو على الْمكَاتب أَو على الامة الْمَأْذُون لَهَا فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ بِإِذن الْمولى لَيْسَ بِقَبض فِي ظَاهر الرِّوَايَة حَتَّى لَا يرجع عَلَيْهِ شَرِيكه، لانه لم يسلم لَهُ شئ يُمكنهُ الْمُشَاركَة فِيهِ فَصَارَ كالجناية على نفس الْمَدِين. وَعَن أبي يُوسُف: أَنه يرجع عَلَيْهِ لوُجُود الْقَبْض بطرِيق الْمُقَاصَّة على مَا بَينا. وَالصَّحِيح الاول لانه إِتْلَاف، ولان النِّكَاح يتَعَلَّق بِعَين الدّين عِنْد الاضافة إِلَيْهِ فَيملكهُ بِعَيْنِه ثمَّ يسْقط عَن ذمَّتهَا كَالْهِبَةِ، بِخِلَاف مَا إِذا لم يضف العقد إِلَيْهِ بِأَن سمى دَرَاهِم مُطلقَة فَوَقع التَّقَابُض بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يرجع إِلَيْهِ شَرِيكه بالاجماع لانها لم تملكه وَإِنَّمَا ملكت غَيره فَالْتَقَيَا قصاصا، وَالصُّلْح عَلَيْهِ عَن جِنَايَة الْعمد لَيْسَ بِقَبض لانه لم يملك شَيْئا قَابلا للشَّرِكَة بمقابلته اهـ. قَوْله: (أَن يَهبهُ الْغَرِيم) أَي الْمَدْيُون فَيكون الْمَقْبُوض هبة لَا دينه. قَوْله: (ثمَّ يُبرئهُ) الضَّمِير فِي يُبرئهُ لَاحَدَّ الدائنين فَفِيهِ تشتيت: أَي يُبرئ الشَّرِيك الْغَرِيم، فَإِن بإبرائه الْمَدْيُون لَا يرجع عَلَيْهِ بشئ كَمَا مر. قَوْله: (أَو يَبِيعهُ) أَي الطَّالِب وَهُوَ مَعْطُوف على يَهبهُ: أَي يَبِيع الشَّرِيك للمديون كفا الخ بِقدر دينه فَلم يكن مقتضيا الدّين بل آخِذا ثمن البيع وقابضا للهبة فِي الصُّورَة الاولى ثمَّ يُبرئهُ من دينه وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 رُجُوع للشَّرِيك عَلَيْهِ بالابراء. قَوْله: (بِهِ) أَي بِقدر نصِيبه من الدّين بِأَن يَجْعَل ثمن التَّمْر بِقدر نصِيبه فَيكون الْمَقْبُوض ثمن الْمَبِيع لَا نصِيبه من الدّين. قَوْله: (ثمَّ يُبرئهُ) أَي أحد الدائنين وَهُوَ من بَاعَ التَّمْر. قَوْله: (صَالح أحد رَبِّي السّلم) إِطْلَاق الصُّلْح هُنَا مجَاز عَن الْفَسْخ كَمَا حَرَّره صَاحب غَايَة الْبَيَان، لانه فسخ فِي الْحَقِيقَة. قَالُوا: أطلق عَلَيْهِ الصُّلْح بِمَا فِيهِ من الحطيطة الَّتِي هِيَ من خَواص الصُّلْح كَمَا فِي تَكْمِلَة الْمولى زَكَرِيَّا. أَقُول: الحطيطة هِيَ الَّتِي لَزِمت على الْمُسلم إِلَيْهِ من الْمُسلم فِيهِ حَيْثُ سَقَطت بِهَذِهِ الْمُصَالحَة تدبر كَمَا لَا يخفى. قَوْلُهُ: (عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. قَوْله: (على مَا دفع من رَأس المَال) على صِحَّته مِنْهُ، قيد بِهِ لانه لَو كَانَ على غَيره لَا يجوز بالاجماع لما فِيهِ من الِاسْتِبْدَال بِالْمُسلمِ فِيهِ قبل قَبضه. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (نفذ عَلَيْهِمَا) فَيكون الْمَقْبُوض بَيْنَهُمَا، وَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ دُرَر الْبحار: أَي فَيكون نصف رَأس المَال فيهمَا وَبَاقِي الطَّعَام بَينهمَا سَوَاء كَانَ رَأس المَال مخلوطا أَو لَا. بَحر قَوْله: (وَإِن رده رد) وَبَقِي الْمُسلم فِيهِ على حَاله. بَحر. قَوْله: (لَان فِيهِ قسْمَة الدّين) وَهُوَ الْمُسلم فِيهِ وَهَذَا مَذْهَبهمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يجوز اعْتِبَارا بِسَائِر الدُّيُون. وَلَهُمَا أَنه لَو جَازَ: فإمَّا أَن يجوز فِي نصِيبه خَاصَّة أَو فِي النّصْف من النَّصِيبَيْنِ، فعلى الاول لزم قسْمَة الدّين قبل الْقَبْض لَان خُصُوصِيَّة نصِيبه لَا تظهر إِلَّا بالتمييز وَلَا تَمْيِيز إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهِي بَاطِلَة، وَإِن كَانَ الثَّانِي فَلَا بُد من إجَازَة الآخر لانه فسخ على شَرِيكه عقده فيفتقر إِلَى رِضَاهُ. دُرَر. قَوْله: (مُفَاوَضَة) نصب على التَّمْيِيز. قَوْله: (جَازَ مُطلقًا) الَّذِي فِي الْبَحْر جَازَ وَلَو فِي الْجَمِيع: أَي جَمِيع الْمُسلم فِيهِ: يَعْنِي أَن الْجَوَاز لَا يخص نصِيبه بل إِذا فسخ فِي الْجَمِيع جَازَ. قَالَ: وَأما إِذا كَانَت عندنَا توقف أَيْضا إِن لم يكن من تجارتهما. فِي الْكَافِي: لَو أسلم فِي كرّ بر ثمَّ اصطلحا على أَن يزِيد الْمُسلم إِلَيْهِ نصف كرّ لم يَصح إِجْمَاعًا، لانها لَو صحت لخرج بعض رَأس المَال من ذَلِك السّلم فَيجْعَل بِإِزَاءِ الزِّيَادَة فَيصير دينا على الْمُسلم إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أسلم دينا، وَإِذا لم يجز فَعَلَيهِ يرد ثلث رَأس المَال إِلَى رب السّلم وَعَلِيهِ كرّ تَامّ عِنْد الامام. وَقَالا: لَا يرد، لَان الاخراج للزِّيَادَة وَبَطلَت فَيبْطل، قُلْنَا: قصدا شَيْئَيْنِ الاخراج والادخال فصح الاول لَا الثَّانِي. اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. فصل فِي التخارج قَالَ فِي الْمنح: هُوَ من الْخُرُوج، وَهُوَ أَي شرعا: أَن يصطلح الْوَرَثَة على إِخْرَاج بَعضهم من الْمِيرَاث بِمَال مَعْلُوم، وَوجه تَأْخِيره قلَّة وُقُوعه فَإِنَّهُ قَلما يُرْضِي أحد بِأَن يخرج من الْوَرَثَة بِغَيْر اسْتِيفَاء حَقه. وَسَببه طلب الْخَارِج من الْوَرَثَة ذَلِك عِنْد رضَا غَيره بِهِ، وَله شُرُوط تذكر فِي أثْنَاء كَلَام. اهـ. قَوْله: (أخرجت الْوَرَثَة أحدهم) أَي أَو الْمُوصى لَهُ بمبلغ من التَّرِكَة. سائحاني. وَفِي آخر الاشباه عَن الْكتاب: لَو صولح الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ على السُّدس صَحَّ. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 أَقُول: لكنه مُشكل، لانه من قبيل الاسقاط فِي الاعيان وَهُوَ لَا يجوز، وَقد صَرَّحُوا بِأَن الْوَارِث لَا يسْقط حَقه من التَّرِكَة بالاسقاط وَهَذَا مثله. وَأما المخارجة فَبيع، وَيَأْتِي تَمَامه. قَوْله: (صَحَّ فِي الْكل) أَي وَيقسم الْبَاقِي بَينهم على سِهَامهمْ الْخَارِجَة قبل التخارج إِلَّا أَن يَجْعَل هَذَا التخارج كَأَن لم يكن. بَيَانه: امْرَأَة وَبنت وَأَخ شَقِيق أَصْلهَا ثَمَانِيَة وَاحِد للْمَرْأَة وَأَرْبَعَة للْبِنْت وَالْبَاقِي للاخ، فَإِذا أخرجت الْمَرْأَة قسم الْبَاقِي على سَبْعَة، وَلَو جعلت كَأَن لم تكن قسم نِصْفَيْنِ. حموي عَن الشَّيْخ عماد الدّين. وَاعْلَم أَنه إِذا أخرجُوا وَاحِدًا فحصته تقسم بَين الْبَقِيَّة عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِنْ مَالهم غير الْمِيرَاث، وَإِن كَانَ مِمَّا ورثوه فعلى قدر ميراثهم. وَقَيده الْخصاف بِأَن يكون عَن إِنْكَار. أما إِذا كَانَ عَن إِقْرَار فَهُوَ بَينهم على السوَاء مُطلقًا. أَبُو السُّعُود. وَيَأْتِي ذَلِك أَوَاخِر الْفَصْل. قَوْله: (صرفا للْجِنْس بِخِلَاف جنسه) عِلّة. ل قَوْله: (أَو نقدين بهما) ، والاولى تَأْخِيره عَن قَوْله: (قل مَا أَعْطوهُ أَو كثر) ، وَيُوجد فِي بعض النّسخ التَّعْبِير بِاللَّامِ عوضا عَن الْبَاء فِي بِخِلَاف الْجِنْس، وَهِي أولى من الْبَاء: أَي لَو صَالح عَن الذَّهَب وَالْفِضَّة بِذَهَب وَفِضة صَحَّ وَيصرف الذَّهَب لِلْفِضَّةِ وَهِي لَهُ، وَالْمرَاد بِالصرْفِ فِي كَلَامه الصّرْف المصطلح عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَهُوَ بيع الثّمن بِالثّمن، وَالْبَاء فِيهِ للمقابلة، وَلَو كَانَ المُرَاد بِالصرْفِ اللّغَوِيّ لاختص بِمَسْأَلَة وَاحِدَة، وَهِي مَا إِذا اشْتَمَلت التَّرِكَة على ذهب وَفِضة وَدفع الْبَدَل كَذَلِك ولعداه بإلى أَو اللَّام. وَلقَوْله: بعد ذَلِك (لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا هُوَ صرف) فَإِنَّهُ مُتَعَيّن للصرف الاصطلاحي. قَوْله: (قل مَا أَعْطوهُ أَو كثر) لانه مُعَاوضَة لَا إِبْرَاء إِذْ الابراء عَن الاعيان بَاطِل كَذَا قيل. وَأَقُول: مَا قيل إِن الابراء عَن الاعيان بَاطِل، قَيده فِي الْبَحْر بِمَا إِذا كَانَ على وَجه الانشاء، فَإِن كَانَ على وَجه الاخبار. ك قَوْله: (هُوَ برِئ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعين فَلَا تسمع الدَّعْوَى) ، وَكَذَا إِذا قَالَ لَا ملك لي فِي هَذَا الْعَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى يمْنَع الدَّعْوَى بِحَق من الْحُقُوق قبل الاقرار عينا كَانَ أَو دينا، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أَوَائِل الاقرار، وَسَيَأْتِي آخر الْفَصْل مُسْتَوْفِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً، لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مقرا غير مَانع يشْتَرط تَجْدِيد الْقَبْض. اهـ. أَقُول: بَيَانه أَن التَّرِكَة فِي يَد أحد الْوَرَثَة أَمَانَة، فَإِذا أنكرها أَو منع صَار غَاصبا وَالْغَاصِب ضَامِن وَقبض الامانة لَا يَنُوب عَن قبض الضَّمَان فَيلْزم تَجْدِيد الْقَبْض فِيمَا لَو كَانَ مقرا غير مَانع، وَإِلَّا لَا، وَهَذَا فِي غير النَّقْدَيْنِ. أما هما فِي صُورَة مَا إِذا صَالحا على جنسهما فَلَا بُد من حُضُور ذَلِك للمجلس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 وتجديد الْقَبْض فِيهِ لانه صرف مَحْض كَمَا يَأْتِي. قَوْله: (وَغَيرهمَا) وَكَذَا عَن النَّقْدَيْنِ فَقَط. قَوْله: (بِأحد النَّقْدَيْنِ) قيد بِأحد النَّقْدَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ بدل الصُّلْح مَجْمُوع النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَصح كَيفَ كَانَ، لانا نصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس تَصْحِيحا للْعقد كَمَا فِي الْمَبِيع بل أولى، لَان الْمَقْصُود من الصُّلْح قطع الْمُنَازعَة، وَلَكِن يشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض قبل الِافْتِرَاق لانه صرف ط. قَوْله: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُ أَكْثَرَ من حِصَّته من ذَلِك الْجِنْس) فَلَو كَانَ مَا أَعْطوهُ أقل أَو مُسَاوِيا لنصيبه أَو لَا يعلم قدر نصِيبه من الدَّرَاهِم فسد الصُّلْح ط. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو صالحوه عَن النَّقْدَيْنِ وَغَيرهمَا بِأحد النَّقْدَيْنِ لَا يَصح الصُّلْح مَا لم يعلم أَن مَا أَعْطوهُ أَكثر من نصِيبه من ذَلِك الْجِنْس إِن كَانُوا متصادقين، وَإِن أنكر وراثته جَازَ مُطلقًا بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا يُقَابل النَّقْد مِنْهُ، وَإِن لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّكَّ إنْ كَانَ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ لَكِنْ لَا يَدْرِي أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ مِنْ حِصَّتِهَا أَقَلُّ أَوْ أَكثر أَو مثله فسد. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. اهـ. وَفِي الْمَقْدِسِي قَالَ الْحَاكِم: إِنَّمَا يبطل حَال التصادق، وَفِي التناكر يجوز لَا يكون حِينَئِذٍ بَدَلا فِي حق الْآخِذ وَلَا حق الدَّافِع. فِي الْغَايَة: قَالَ شيخ الاسلام الصَّحِيح أَنه بَاطِل فِي الْوَجْهَيْنِ، لانه يكون مُعَاوضَة فِي حق الْمُدَّعِي فَيدْخل فِيهِ معنى الرِّبَا من الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا، وَإِن زَاد صَحَّ فَيكون قدر حَظه بِهِ وَالْبَاقِي بِحقِّهِ فِي بَاقِي التَّرِكَة. قَوْله: (تَحَرُّزًا عَن الرِّبَا) قَالَ فِي الدُّرَر ليَكُون حِصَّته بِمثلِهِ وَالزِّيَادَة بِمُقَابلَة حَقه من بَقِيَّة التَّرِكَة صونا عَن الرِّبَا، فَلَا بُد من التَّقَابُض فِيمَا يُقَابل حِصَّته من الذَّهَب أَو الْفضة لانه صرف فِي هَذَا الْقدر. اهـ. قَوْله: (وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ النَّقْدَيْنِ عِنْدَ الصُّلْحِ) لم يذكر هَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَلَا وَجه لاشتراطه، وَإِن أَرَادَ بِهِ حُضُور الْبَدَل إِذا كَانَ مِنْهُمَا فقد أَفَادَهُ بقوله سَابِقًا: لَكِن بِشَرْط التَّقَابُض فِيمَا هُوَ صرف ط. إِلَّا أَن يُقَال: أَرَادَ بالحضور الْحكمِي بِأَن يحضرهما قبل الِافْتِرَاق لَان الشَّرْط التَّقَابُض فِي الْمجْلس، أَو يكون مَا يُرَاد أَن يعْطى للمدفوع لَهُ تَحت يَده لَا بطرِيق الامانة. قَوْله: (قَوْله وَعلمه بِقدر نصِيبه) أَي ليعلم أَن مَا أَخذه أَزِيد من نصِيبه من ذَلِك الْجِنْس تَحَرُّزًا عَن الرِّبَا. قَالَ أَبُو السُّعُود: وَإِنَّمَا اشْترط الْعلم بِقدر نصِيبه لاحْتِمَال الرِّبَا، لَان الْفساد على تَقْدِير كَونه مُسَاوِيا لَهُ أَو أقل فَكَانَ أرجح وَأولى بِالِاعْتِبَارِ، بِخِلَاف الصِّحَّة فَإِنَّهَا من جَانب وَاحِد، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْمَأْخُوذ أَكثر من وَاعْلَم أَن صِحَة الصُّلْح نصِيبه فَكَانَت الْعبْرَة لجَانب الْفساد لكَونه من وَجْهَيْن انْتهى على الْوَجْه الْمَذْكُور ثبتَتْ بالاثر، وَهُوَ أَن تماضر امْرَأَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف صالحها ورثته عَن ربع ثمنهَا على ثَمَانِينَ ألف دِينَار، وَقيل على ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا بِمحضر من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 الصَّحَابَة. وروى أَن ذَلِك كَانَ نصف حَقّهَا: زَيْلَعِيّ. وتماضر بنت أصبغ بن عَمْرو الْكَلْبِيّ الَّتِي طَلقهَا عبد الرَّحْمَن فِي مرض مَوته ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَكَانَت مَعَ ثَلَاث نسْوَة أخر فصالحوها عَن ربع ثمنهَا على ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا، فِي رِوَايَة هِيَ دَرَاهِم، وَفِي رِوَايَة هِيَ دَنَانِير. ابْن كَمَال باشا. وتماضر بِضَم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، قدم بهَا الْمَدِينَة فَولدت أَبَا سَلمَة فِي سريته إِلَى دومة الجندل فِي شعْبَان سنة سِتّ كَمَا فِي الْوَاهِب - قَالَ: وَالضَّمِير فِي سريته لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف. ودومة بِضَم الدَّال وَفتحهَا: مَدِينَة بَينهَا وَبَين دمشق نَحْو عشر مراحل، وَبعدهَا من الْمَدِينَة نَحْو ثَلَاث عشرَة مرحلة، سميت بدوما بن إِسْمَاعِيل، لانه كَانَ نزلها عَلَيْهِ السَّلَام. أصبح هَذَا من المخضرمين وَأدْركَ الْجَاهِلِيَّة والاسلام وَلم يجْتَمع بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام، أسلم على يَد سيدنَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَقَوله روى أَن ذَلِك كَانَ نصف حَقّهَا فعلى كَون بدل الصُّلْح كَانَ ثَمَانِينَ ألفا وَأَنَّهَا نصف حَقّهَا يكون جَمِيع مَاله الْمَتْرُوك رَضِي الله عَنهُ خَمْسَة الآلف ألف ألف وَمِائَة وَعشْرين ألفا وَيكون ثمنه سِتّمائَة ألف وَأَرْبَعين ألفا وَربع الثّمن مائَة ألف وَسِتُّونَ ألفا وَنصف ربع الثّمن ثَمَانُون ألفا. قَوْله: (وَلَو بِعرْض) يَعْنِي لَو كَانَ بدل الصُّلْح عرضا فِي الصُّور كلما جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمجْلس، وَظَاهره يعم مَا لَو كَانَ الْعرض من التَّرِكَة إِذْ حَقه لَيْسَ فِي جَمِيعه فَيكون مبادلا عَن نصِيبه فِي بَقِيَّة التَّرِكَة بِمَا زَاد عَن حَقه فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَنْكَرُوا إرْثَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا حَالَةَ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ. وَجْهُ ذَلِك إِن فِي حَال التكاذب مَا يَأْخُذهُ ليَكُون بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِع. هَكَذَا ذكره الْمَرْغِينَانِيُّ. وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ. اهـ. أَقُول: لَكِن فِي قَوْله لَا يكون بَدَلا لَا فِي حق الْآخِذ فِيهِ أَنه بدل فِي زَعمه، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يحل لَهُ الاخذ مَا لم يعلم مِقْدَار حَقه من ذَلِك الْجِنْس، لانه إِن لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَا يَصح، لَان فِيهِ شُبْهَة الرِّبَا وَهِي مُحرمَة، وَإِن شكّ فِي وجود ذَلِك الْجِنْس فِي التَّرِكَة صَحَّ، لانه حِينَئِذٍ يكون شُبْهَة الشُّبْهَة وَهِي لَا تحرم. قَوْله: (بل لقطع الْمُنَازعَة) هَذَا فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ، أما فِي حق الْمُدَّعِي فَأخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي لانهم بجحودهم حَقه صَارُوا غاصبين وَصَارَ المَال مَضْمُونا عَلَيْهِم فِي ذمتهم من قبيل الدّين، وَقد علم حكم الصُّلْح عَن الدّين بِجِنْسِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا أقرُّوا بذلك فَإِن المَال حِينَئِذٍ عين وَإِن كَانَ من النَّقْدَيْنِ، وَلَا يَصح عَن الاسقاط فِي الاعيان فَلذَلِك تعين أَن يكون صرفا، لَكِن قد يُقَال فِيهِ: إِن المَال الْقَائِم إِذا صَار مَضْمُونا لَا ينْتَقل للذمة، وَعَلِيهِ فَلَا فرق بَين الصُّورَة الْمَذْكُورَة وَمَا بعْدهَا، فِي أَن بِكُل مِنْهَا إِسْقَاط الْعين وَهُوَ لَا يجوز، وَإِنَّمَا جوزوا الصُّورَة الاولى بِاعْتِبَار أَن مَا يَأْخُذهُ بَدَلا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ. تَأمل. قَوْله: (وَبَطل الصُّلْح الخ) أَي فِي الْكل عِنْد الْكل على الاصح، وَقيل عِنْدهمَا يبْقى العقد صَحِيحا فِيمَا وَرَاء الدّين ط. قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: هَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه لما سبق عَن الزَّيْلَعِيّ من أَنه يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بيّنت حِصَّته، وَأَنه يشكل إِن كَانَ هُوَ قَول الْكل لَا خلاف لَهما، لَان قِيَاس مَذْهَبهمَا فِي الْجمع بَين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 الْحر وَالْعَبْد وَالشَّاة الذكية وَالْميتَة حَيْثُ جوز العقد فِي العَبْد والذكية إِذا بَين ثمن كل مِنْهُمَا أَن يجوز الصُّلْح عِنْدهمَا فِي غير الدّين إِذا بيّنت حِصَّته اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا لم يبين مَا يُقَابل كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو يفرق عِنْدهمَا بَين البيع وَالصُّلْح، وَالظَّاهِر أَنه لم يرد نَص فِي الصُّلْح عَنْهُمَا، وَلِهَذَا ذكره الزَّيْلَعِيّ بِلَفْظ يَنْبَغِي قِيَاسا على البيع، وَكَذَا قَول الشَّارِح. قيل هَذَا قَول أبي حنيفَة، وَقيل هُوَ قَول الْكل ظَاهر فِي عدم وُرُود نَص عَنْهُمَا، فَلهَذَا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ انْتهى. قَوْله: (وَفِي التَّرِكَة دُيُون) أَي على النَّاس لقَرِينَة مَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ أَن التخارج لَا يَصح إِن كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ: أَيْ يَطْلُبُهُ رَبُّ الدَّيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ على جَمِيع الْوَرَثَة اهـ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخْرَجَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدّين الخ) وَهُوَ هُنَا حِصَّة الْمصَالح. قَالَ فِي الدُّرَر: لانه يصير مملكا حِصَّته من الدّين لسَائِر الْوَرَثَة بِمَا يَأْخُذ مِنْهُم من الْعين وتمليك الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ وَإِن كَانَ بعوض، وَإِذا بَطل فِي حِصَّة الدّين بَطل فِي الْكل. اهـ. فَقَوْل الدُّرَر لانه أَي الْمصَالح عَن الدّين وَالْعين يعم الْعرض وَالْعَقار والمكيل وَالْمَوْزُون الْحَاضِر وَغير من عَلَيْهِ الدّين هُنَا بَقِيَّة الْوَرَثَة، وَقَوله: بَطل فِي الْكل لَان العقد الْوَاحِد إِذا فسد فِي بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فسد فِي الْكل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالدَّلِيل لَهُ فِي مَسْأَلَة الدَّعْوَى، وَعِنْدَهُمَا: يبْقى العقد صَحِيحا فِيمَا وَرَاء الدّين، وَقيل هُوَ قَول الْكل كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيره كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ قَرِيبا. أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن لَيْسَ اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ بَين الْمَشَايِخ على إِطْلَاقه، بل اللَّائِق كَون الْبطلَان قَول الْكل إِذا لم يبين حِصَّة الدّين فِي الْبَدَل، وَأما إِذا بَين فَيصح الصُّلْح عِنْدهمَا فِيمَا وَرَاء الدّين بِحِصَّتِهِ، إِذْ لَا مُوجب للبطلان حِينَئِذٍ فِيهِ عِنْدهمَا. تدبر. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك ابْن ملك. قَوْله: (من غير من عَلَيْهِ الدّين) وَهُوَ الْوَرَثَة هُنَا. قَوْله: (بَاطِل) لما ذكر من أَنه يصير مملكا حِصَّته من الدّين إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الدُّرَر: أَي ثُمَّ يَتَعَدَّى الْبُطْلَانُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يبين. وَأَقُول: هَذَا إِذا لم يسلطهم وَلم يوكلهم فِي مِقْدَار نصِيبه من الدّين، وَأما إِذا سلطهم فَيَنْبَغِي أَن يَصح الصُّلْح كَذَا قيل. قَوْله: (وَصَحَّ لَو شرطُوا إِبْرَاء الْغُرَمَاء) أَي إِبْرَاء الْمصَالح للْغُرَمَاء، وَالظّهْر أَن هَذِه الْحِيَل لِخُرُوجِهِ عَن كل التَّرِكَة، وَلذَا قَالَ فِي السراج والمنح: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَر بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يَصح قَول الشَّارِح وأحالهم بِحِصَّتِهِ، لانها سَقَطت عَن الْغُرَمَاء كَمَا صرح بِهِ البزازي أَيْضا، وسنبينه قَرِيبا فِي المقولة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلم يذكر حِيلَة مَعَ أَنَّهَا أحسن مَعَ أَنَّهَا أحسن مِمَّا ذكر وَكنت أقتصر عَلَيْهَا. ورأيتها فِي الْمَقْدِسِي: وَهِي أَن يَأْمُرهُم ليقبضوه لَهُ ثمَّ لَهُم، لَكِن لَهُ أَن يرجع، فَالْوَجْه الْآتِي أولى. فرع: ادَّعَت امْرَأَة مِيرَاثهَا فصولحت على أقل من حظها أَو مهرهَا صَحَّ وَلَا يطيب لَهُم إِن علمُوا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 فَإِن برهنت بعد ذَلِك بَطل الصُّلْح اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْن أَنه الاشهر أَو أَنه مَحْمُول على قَول الْمَتْن السَّابِق صولح على بعض مَا يَدعِيهِ الخ، وَإِلَّا فَهُوَ بعيد عَن الْقَوَاعِد إِلَّا أَن يحصل على الدّيانَة، لكنه بعيد أَيْضا لَا سِيمَا وَقد صُولِحَتْ إِحْدَى زَوْجَات سيدنَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف على أقل من حظها بِكَثِير بِحُضُور جمع من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا فَلَا تنسه. قَوْله: (مِنْهُ) أَي من الدّين وَلَا يرجع عَلَيْهِم بِنَصِيب الْمصَالح فَحِينَئِذٍ يَصح الصُّلْح لانه حِينَئِذٍ تمْلِيك الدّين الخ، أَو لانه إِسْقَاط. قَوْله: (وأحالهم بِحِصَّتِهِ) لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي شرح الْوِقَايَة لِابْنِ ملك، وَهِي سبق قلم إِذْ لم يبْق لَهُ حِصَّة بَعْدَمَا قضوه، وَلذَا قَالَ فِي الْمنح: وَلَا يخفى مَا فِيهِ من ضَرَر بَقِيَّة الْوَرَثَة: أَي لانه لم يستفيدوا من نصِيبه فِي الدّين شَيْئا اهـ. وَضاع عَلَيْهِم مَا قضوه من الدّين عَن الْغُرَمَاء. وَفِي بعض النّسخ أَو أحالهم. قَالَ ط: ذكره ردا على صَاحب الدُّرَر وَتَبعهُ المُصَنّف حَيْثُ قَالَا: وَلَا يخفى مَا فِيهِ: أَي هَذَا الْوَجْه من الضَّرَر بِبَقِيَّة الْوَرَثَة، وَلكنه لَا يدْفع لانه يرجع عَلَيْهِم بِمَا أحالهم بِهِ فَيكون الضَّرَر عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ اهـ. أَقُول: فِي قَوْله فَيكون الضَّرَر الخ يَأْتِي بَيَانه قَرِيبا عَن الاتقاني. قَوْله: (مِنْهُ) أَي من الدّين. قَوْلُهُ: (عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَمَّا سِوَى الدَّيْنِ. قَوْله: (بالقرض) أَي بِبَدَلِهِ الَّذِي أَخذه مِنْهُم. قَوْله: (وقبلوا) أَي الْغُرَمَاء والمصالحون، لَان الشَّرْط قبُول الْمحَال عَلَيْهِ والمحتال. قَوْله: (وَهَذِه أَحْسَنُ الْحِيَلِ) لِأَنَّ فِي الْأُولَى ضَرَرًا لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ لَا يُمكنهُم الرُّجُوع إِلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ. إتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (والاوجه الخ) لِأَنَّ فِي الْأَخِيرَةِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرِ وَهُوَ تَأْخِير وصولهم قدر حِصَّته مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُم نفع فِي هَذَا الْقدر وَهُوَ خلاف وضع الصُّلْح غَالِبا. قَوْله: (ثمَّ يحيلهم على الْغُرَمَاء) أَو يحيلهم ابْتِدَاء من غير بيع ليقبضوه لَهُ ثمَّ يأخذوه لانفسهم. قَوْله: (وَلَا دين فِيهَا) أما إِذا كَانَ فِيهَا دين فَلَا يَصح الصُّلْح لما تقدم. قَوْله: (اخْتِلَاف) فَقَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ ظهير الدّين المرغيناني: لَا يَصح. قَوْله: (لعدم اعْتِبَار شُبْهَة الشُّبْهَة) لَان عدم الصِّحَّة بِاحْتِمَال أَن يكون فِي التَّرِكَة مَكِيل أَو مَوْزُون ونصيبه من ذَلِك مثل بدل الصُّلْح فَيكون رَبًّا، وَقيل يَصح لاحْتِمَال أَن لَا يكون فِي التَّرِكَة مَكِيل أَو مَوْزُون، وَإِن كَانَ فَيحْتَمل أَن يكون نصِيبه أقل من بدل الصُّلْح فَكَانَ القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز مُؤديا إِلَى اعْتِبَار شُبْهَة الشُّبْهَة وَلَا عِبْرَة بهَا. اهـ. وَإِنَّمَا الْعبْرَة للشُّبْهَة. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو جَعْفَر من أَنه يجوز هَذَا الصُّلْح، لَان الثَّابِت هُنَا شُبْهَة الشُّبْهَة وَذَلِكَ لَا يعْتَبر اهـ. لانه يحْتَمل أَن يكون فِي التَّرِكَة من جنس بدل الصُّلْح على تَقْدِير أَن يكون زَائِدا على بدل الصُّلْح، فاحتمال الِاحْتِمَال يكون شُبْهَة الشُّبْهَة. قَوْله: (جنس بدل الصُّلْح) تركيب إضافي بِإِضَافَة جنس إِلَى بدل الصُّلْح. قَوْله: (لم يجز) أَي حَتَّى يكون مَا يَأْخُذهُ أَزِيد من حِصَّته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 من ذَلِك الْجِنْس ليَكُون الزَّائِد فِي مُقَابلَة مَا يَخُصُّهُ من غير الْجِنْس، وَيشْتَرط الْقَبْض لانه بِمَنْزِلَة البيع وَبيع مَا جَمعهمَا قدر وجنس أَو أَحدهمَا لَا يجوز نَسِيئَة، كَذَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد. وَالْمرَاد أَنه لَا يجوز اتِّفَاقًا كَمَا أَن الثَّانِي يجوز اتِّفَاقًا. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي إِن لَا يكن فِي التَّرِكَة جنس بدل الصُّلْح، وَهَذَا التَّفْصِيل لغير مَا نَحْو فِيهِ. قَوْله: (وَإِن لم يدر فعلى الْخلاف) هِيَ مَسْأَلَة الْمَتْن ويدري بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول. قَوْله: (وَهِي غير مَكِيل أَو مَوْزُون) كَذَا وَقع فِي الْغرَر، وَلَا وَجه للتَّقْيِيد بِهِ إِلَّا إِذا كَانَ الْمصَالح عَلَيْهِ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا. أما إِذْ كَانَ غَيرهمَا فَلَا يظْهر لهَذَا التَّقْيِيد وَجه، وَقد نقل المُصَنّف هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الزَّيْلَعِيّ، وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ خَالِيَة عَن هَذَا التَّقْيِيد، وَنَصهَا: وَهَذَا يدل على أَن الصُّلْح مَعَ جَهَالَة التَّرِكَة يجوز، وَقيل لَا يجوز لانه بيع وَبيع الْمَجْهُول لَا يجوز، والاول أصح لَان الْجَهَالَة هُنَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لانها فِي يَد بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّسْلِيم، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَعْضهَا لَا يجوز حَتَّى يصير جَمِيع مَا فِي يَده مَعْلُوما للْحَاجة إِلَى التَّسْلِيم ط. أَقُول: وَكَذَا يشْتَرط أَن لَا يكون فِيهَا دين وَوَقع الصُّلْح على مَكِيل وموزون كَمَا فِي الاتقاني. قَوْله: (صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ، لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِمَا أَخَذَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. إتقاني. قَوْله: (لانها) أَي جَهَالَة التَّرِكَة الْمصَالح عَنْهَا. قَوْله: (لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِهَا فِي يَدِهِمْ) يَعْنِي أَن الْعلَّة فِي عدم جَوَاز الْمَبِيع إِذا كَانَ الْمَبِيع مَجْهُولا لافضائه إِلَى الْمُنَازعَة، وَهنا لَا يُفْضِي إِلَيْهَا لَان الْمصَالح عَنهُ فِي يَد بَقِيَّة الْوَرَثَة فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّسْلِيم وَلَا يطْلبُونَ شَيْئا آخر من الْمصَالح بِمُقَابلَة بدل الصُّلْح. كَذَا فِي العزمية. كمن أقرّ بِغَصب شئ فَبَاعَهُ الْمقر لَهُ مِنْهُ جَازَ وَإِن جهلا قدره، وَقيل لَا يَصح لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُول بِمَا أَخذه من الْمكيل وَالْمَوْزُون وَمن جَهَالَة الْمَبِيع لَا يَصح كَمَا فِي شرح الْمجمع. قلت: واستفيد مِنْهُ أَن مَا يحْتَاج لتسليمه تلْزم مَعْرفَته، وَمَا لَا فَلَا. در منتقى. أَقُول: واستفيد أَن نفس الْجَهَالَة غير مَانِعَة لجَوَاز البيع، بل الْجَهَالَة المفضية إِلَى الْمُنَازعَة مَانِعَة، أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ قَفِيزا من صبره يجوز البيع مَعَ الْجَهَالَة، وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الْمَغْصُوب كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (مَا لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ) أَي لَا يجوز حَتَّى يصير جَمِيع مَا فِي يَده مَعْلُوما للْحَاجة إِلَى التَّسْلِيم كَمَا ذكرنَا عَن الاتقاني، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت فِي أَيدي بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُ يجوز مَعَ الْجَهَالَة لانه يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّسْلِيم كَمَا مر وَيَأْتِي. قَوْله: (ابْن ملك) لم يذكر هَذَا الْقَيْد أصلا. خَاتِمَةٌ التَّهَايُؤُ: أَيْ تَنَاوُبُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَابَّتَيْنِ غلَّة أَو ركوبا يخْتَص جوزاه بِالصُّلْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْجَبْرِ. وَجَائِزٌ فِي دَابَّةٍ غَلَّةً أَوْ رُكُوبًا بِالصُّلْحِ فَاسِدٌ فِي غلتي عَبْدَيْنِ عِنْده وَلَو جُبِرَا. دُرَرُ الْبِحَارِ. وَفِي شَرْحِهِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّهَايُؤَ جَبْرًا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِلتَّفَاوُتِ، وَفِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ جَازَ اتِّفَاقًا لعدم التَّفَاوُت ظَاهرا أَو لقلته، وَفِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ أَوْ سُكْنَى دَار أَو دارين اتِّفَاقًا لامكان المعادلة، لَان التَّغْيِير لَا يَمِيلُ إلَى الْعَقَارِ ظَاهِرًا وَأَنَّ التَّهَايُؤَ صُلْحًا جَائِزٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 جَمِيعِ الصُّوَرِ كَمَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قسْمَة الرَّقِيق صلحا اهـ. قَوْله: (وَبَطل الصُّلْح) أَي مَعَ أحد الْوَرَثَة ليخرجوه عَنْهَا، فَلَو قسموا التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة ثمَّ ظهر دين مُحِيط قيل للْوَرَثَة اقضوه، فَإِن قضوه صحت الْقِسْمَة، وَإِلَّا فسخت لَان الدّين مقدم على الارث فَيمْنَع وُقُوع الْملك لَهُم، إِلَّا إِذا قضوا الدّين أَو أَبْرَأ الْغُرَمَاء ذممهم فَحِينَئِذٍ تصح الْقِسْمَة لزوَال المَال، فَكَذَا إِذا لم يكن محيطا لتَعلق حق الْغُرَمَاء بهَا إِلَّا إِذا بَقِي فِي التَّرِكَة مَا يَفِي بِالدّينِ فَحِينَئِذٍ لَا تفسخ لعدم الِاحْتِيَاج. كَذَا فِي قسْمَة الدُّرَر. قَوْله: (وَالْقِسْمَة) أَي قسْمَة التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة لانهم لَا يمكلون التَّرِكَة حِينَئِذٍ لتقدم حَاجته فللغريم إِبْطَالهَا، وَلَو أجَاز قبل أَن يصل إِلَيْهِ حَقه. وَفِي الظَّهِيرِيَّة: وَلَو لم يضمن الْوَارِث وَلَكِن عزلوا عينا لدين الْمَيِّت فِيهِ وَفَاء بِالدّينِ ثمَّ صَالحُوا فِي الْبَاقِي على نَحْو مَا قُلْنَا جَازَ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَعْزُولُ لَا بُد من نقض الْقِسْمَة. قَوْله: (بِلَا رُجُوع) أما لَو كَانَ بِرُجُوع كَانَت التَّرِكَة مَشْغُولَة. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَلَو ضمن رجل بِشَرْط أَن لَا يرجع فِي التَّرِكَة جَازَ الصُّلْح، لَان هَذَا كَفَالَة بِشَرْط بَرَاءَة الاصيل وَهُوَ الْمَيِّت فَتَصِير حِوَالَة، فيخلو مَال الْيَتِيم عَن الدّين فَيجوز تصرفهم فِيهِ. اهـ. قَوْله: (بِشَرْط بَرَاءَة الْمَيِّت) تبع فِيهِ المُصَنّف، وَقد علم من عبارَة الزَّيْلَعِيّ أَن الْمدَار على اشْتِرَاط عدم الرُّجُوع فِي التَّرِكَة وَقد بَين وَجهه ط. قَوْله: (يُوفى) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول بِضَم فَفتح فتشديد. قَوْله: (من مَال آخر) الاولى تَقْدِيمه على أَو يضمن أَجْنَبِي، فَإِن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْوَارِث إِذا لم يبن للْمَجْهُول لفظ يُوفي، وَسَوَاء وَفِي الْوَارِث من مَاله الْخَاص بِهِ أَو من عين أُخْرَى ظَهرت للْمَيت. قَوْله: (وَلَا يَنْبَغِي أَن يُصَالح) أَي بل يكره، وَهل هِيَ تنزيهية أَو تحريمية حَرَّره ط. أَقُول: معنى لَا يَنْبَغِي خلاف الاولى، وَخلاف الاولى مَكْرُوه تَنْزِيها. قَالَ فِي الْبَحْر: لَا يَنْبَغِي الاولى أَن لَا يَفْعَلُوا ذَلِك حَتَّى يقضوا الدّين اهـ. قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، لِأَنَّ كل جُزْء من أَجزَاء التَّرِكَة مَشْغُول بِالدّينِ لدعم الاولوية بِالصرْفِ إِلَى جُزْء دون جُزْء فَصَارَ كالمستغرق فَيمْنَع من دُخُوله فِي ملك الْوَرَثَة. وَوجه الِاسْتِحْسَان مَا ذكره من التَّعْلِيل بقوله لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ الخ. والاولى تَقْدِيم قَوْله اسْتِحْسَانًا عِنْد قَوْله صَحَّ لَان التَّرِكَة الخ لانه يُوهم خلاف المُرَاد، وَمَا هُنَا مُوَافق لما فِي الزَّيْلَعِيّ مُخَالف لما فِي مِسْكين والعيني، فَإِن عبارَة مِسْكين: وَلَو على الْمَيِّت دين مُحِيط: أَي مُسْتَغْرق جَمِيع التَّرِكَة بِأَن لَا يبْقى شئ بعد أَدَائِهِ بَطل الصُّلْح وَالْقِسْمَة، وَإِن لم يكن مُسْتَغْرقا لَا يَنْبَغِي أَن يصالحوا مَا لم يُعْطوا دينه. وَلَو فعلوا قَالُوا يجوز الصُّلْح. وَذكر الْكَرْخِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْقِسْمَة أَنَّهَا لَا تجوز اسْتِحْسَانًا وَتجوز قِيَاسا. اهـ. وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: وَإِن لم يكن مُسْتَغْرقا جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز الخ. قَوْله: (لِئَلَّا يحتاجوا) عِلّة لقَوْله فَيُوقف قَالَ صدر الشَّرِيعَة: وَلَو صَالح فالمشايخ قَالُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 صَحَّ، لَان التَّرِكَة لَا تخلوا عَن قَلِيل دين والدائن قد يكون غَالِبا، فَلَو جعلت التَّرِكَة مَوْقُوفَة لتضرر الْوَرَثَة والدائن لَا يتَضَرَّر، لَان على الْوَرَثَة قَضَاء دينه ووقف قدر الدّين وَقسم الْبَاقِي اسْتِحْسَانًا ووقف الْكل قِيَاس الخ. قَوْلُهُ: (عَلَى السَّوَاءِ) أَفَادَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا صَالَحَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَاقِي يَصِحُّ وَتَكُونُ حِصَّته لَهُ فَقَط. وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ. مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَثَلَاثَةِ أَبْنَاءِ عَمٍّ عَصَبَةً وَخَلَفَ تَرِكَةً اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِأَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِهَا مِلْكُ مُوَرِّثِهِمْ الْمُتَوَفَّى فَأَنْكَرَتْ دَعْوَاهُمْ فَدَفَعَتْ لَهُمْ قَدْرًا مِنْ الدَّرَاهِمِ صُلْحًا عَنْ إنْكَارٍ، فَهَلْ يُوَزَّعُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَوْ عَلَى قَدْرِ رؤوسهم؟ الْجَوَابُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: سُئِلَ عَن الصُّلْح عَن الْإِنْكَارِ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ: لَا لَان تَصْحِيح الصُّلْح على الْإِنْكَارِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَنْ يَجْعَلَ مَا أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ لِيُمْكِنَ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ مِنْ الذَّخِيرَةِ، فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قدر مواريثهم. سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى عَن مَجْمُوعَة منلا عَليّ التركماني أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق الشَّام. قَوْله: (إِن كَانَ مَا أَعْطوهُ مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ التَّفَاوُتِ ط. قَوْلُهُ: (فَعَلَى قَدْرِ ميراثهم) قَالَ فِي السِّرَاجِيَّة وَشَرحهَا: من صَالح عَن شئ من التَّرِكَة فاطرح سهامه من التَّصْحِيح ثمَّ أقسم بَاقِي التَّرِكَة على سِهَام البَاقِينَ كَزَوج وَأم وَعم فَصَالح الزَّوْج عَن نصِيبه عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَخَرَجَ من الْبَين فَيقسم بَاقِي التَّرِكَة بَين الام وَالْعم أَثلَاثًا بِقدر سهامهما سَهْمَان للام وَسَهْم للعم. فَإِن قلت: هلا جعلت الزَّوْج بعد الْمُصَالحَة وَخُرُوجه من الْبَين بِمَنْزِلَة الْمَعْدُوم، وَأي فَائِدَة فِي جعله دَاخِلا فِي تَصْحِيح الْمَسْأَلَة مَعَ أَنه لَا يَأْخُذ شَيْئا وَرَاء مَا أَخذه. قلت: فَائِدَته أَنا لَو جَعَلْنَاهُ كَأَن لم يكن وَجَعَلنَا التَّرِكَة مَا وَرَاء الْمهْر لانقلب فَرْضُ الْأُمِّ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ إلَى ثلث الْبَاقِي، إِذْ حِينَئِذٍ يقسم الْبَاقِي بَينهمَا أَثلَاثًا فَيكون لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، إِذْ حَقّهَا ثلث الاصل، وَإِذا أدخلنا الزَّوْج فِي الْمَسْأَلَة كَانَ للام سَهْمَان من السِّتَّة وللعم سهم وَاحِد وَيقسم الْبَاقِي بَينهمَا على هَذِه الطَّرِيقَة، فَتكون مستوفية حَقّهَا من الْمِيرَاث. اهـ. مُلَخصا ط. وَسَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ بَيَانُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ مفصلا. قَوْله: (وَقَيده الْخصاف) أَي قيد جَرَيَان هَذَا التَّفْصِيل بِمَا إِذا كَانَ الْوَرَثَة منكرين. قَوْله: (فعلى السوَاء) أَي مُطلقًا منح سَوَاء كَانَ الدّفع من التَّرِكَة أَو من غَيرهَا لانه بِمَنْزِلَة البيع فكأنهم اشتروه جَمِيعًا، وَلَا يظْهر التَّسَاوِي إِلَّا إِذا كَانَ الْمَدْفُوع مُتَسَاوِيا بَينهم، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يرجع الاكثر حِصَّة فِي التَّرِكَة على الاقل حِصَّة بِقدر مَا دفع من مَاله عَنهُ فَلْيتَأَمَّل. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة: وَالْوَجْه أَنَّهُمَا فِي الاقرار يكونَانِ مشتريين فيتنصف، وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 الانكار مدعيين الْعين للتركة فَيكون على قدر الانصباء، وَاخْتَارَهُ الْبَعْض. قَوْله: (عَن بعض الاعيان) أَشْيَاء بِهِ إِلَى أَنه كَمَا يَصح الصُّلْح مَعَه عَن كل أعيانها يَصح عَن بَعْضهَا اعْتِبَارا للجزء بِالْكُلِّ. وَفِي الْمُجْتَبى: ادّعى مَالا: أَي مَعْلُوما أَو غَيره فجَاء رجل وَاشْترى ذَلِك من الْمُدَّعِي يجوز الشِّرَاء فِي حق الْمُدَّعِي وَيقوم مقَامه فِي الدَّعْوَى، فَإِن اسْتحق شَيْئا كَانَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبَ وَلَا بَيِّنَة فَلهُ أَن يرجع اهـ. حموي. وَمثله فِي الْبَحْر. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. وَتَأَمَّلْ فِي وَجْهِهِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ: وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ من الْمَدْيُون أَو وهبه جَازَ اهـ. أَقُول: لم يظْهر لي وَجهه مَعَ تصريحهم بِعَدَمِ صِحَة بيع الدّين لغير من عَلَيْهِ الدّين فَهُوَ غير صَحِيح فِيمَا يظْهر وَفَوق كل ذِي علم عليم. قَوْله: (أَفِي التَّرِكَة دين) هَكَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا أَن بدل أَفِي وَعَلَيْهَا فَيلْزم نصب دين وَعَلَيْهَا كتب ط. وَالْمرَاد أَن الصَّك صَحِيح: يَعْنِي إِذا أقرّ بِمَا فِيهِ عمل بِهِ وَلَيْسَ لَهُ نقضه إِلَّا بمسوغ. قَوْله: (وَكَذَا لَو لم يذكرهُ فِي الْفَتْوَى) أَي فِي السُّؤَال الَّذِي رفع ليكتب عَلَيْهِ أَو يُجَاب عَنهُ: أَي فَلَا يجب على الْمُفْتِي الْبَحْث ط. قَوْله: (وَالْمُوصى لَهُ بمبلغ من التَّرِكَة كوارث) صورتهَا: رجل أوصى لرجل بِعَبْد أَو دَار فَترك ابْنا وَابْنَة فَصَالح الابْن والابنة الْمُوصى لَهُ بِالْعَبدِ على مائَة دِرْهَم. قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن كَانَت الْمِائَة من مَالهمَا غير الْمِيرَاث كَانَ العَبْد بَينهمَا، نِصْفَيْنِ، وَإِن صالحاه من المَال الَّذِي ورثاه عَن أَبِيهِمَا كَانَ المَال بَينهمَا أَثلَاثًا لَان الْمِائَة كَانَت بَينهمَا أَثلَاثًا. وَذكر الْخصاف فِي الْحِيَل أَن الصُّلْح إِن كَانَ عَن إِقْرَار كَانَ العَبْد الْمُوصى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار فعلي قدر الْمِيرَاث، وعَلى هَذَا بعض الْمَشَايِخ، وَكَذَلِكَ فِي الصُّلْح عَن الْمِيرَاث، كَذَا فِي قاضيخان. قَوْله: (من مَسْأَلَة التخارج) أَي بتفاصيلها. قَوْلُهُ: (صَالَحُوا إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الصُّلْحِ: وَلَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ بَعْدَ التَّخَارُجِ لَا رِوَايَةَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ أَمْ لَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَدْخُلُ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول لَا اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ: قَالَ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَبِخَطِّ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَجَدْتُهُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَة وَأَبْرَأ إِبْرَاء عَاما ثمَّ ظهر فِي التَّرِكَة شئ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِي ثمَّ ادّعى التَّرِكَة وأنكروا لَا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ. اهـ. كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ: صَالَحَتْ: أَيْ الزَّوْجَةُ عَنْ الثُّمُنِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْوَرَثَةِ، قِيلَ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا كَانَ صُلْحُهُمْ عَن الْمَعْلُوم الظَّاهِر عِنْدهم لَا عَنْ الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الصُّلْحِ فَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ. وَقِيلَ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ التَّرِكَةِ وَالتَّرِكَةُ اسْمٌ للْكُلّ، فَإِذا ظَهَرَ دَيْنٌ فَسَدَ الصُّلْحُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَانَ ظَاهرا عِنْد الصُّلْح. اهـ. وَالْحَاصِل من مَجْمُوع كَلَام الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ هَلْ تَدْخُلُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 الصُّلْح فَلَا تسمع الدَّعْوَى بهَا أم لَا تَدْخُلُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى؟ قَوْلَانِ وَكَذَا لَوْ صَدَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَامٌّ ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُصَالِحِ عَيْنٌ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا. وَالْأَصَحُّ السَّمَاعُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الصُّلْحِ فَيَكُونُ هَذَا تَصْحِيحًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ كَمَا أَفَادَهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الصُّلْحِ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَ الْكُلِّ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِنْ الصُّلْحِ بِأَنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ. وَهَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مَا ظَهَرَ بَعْدَ التَّخَارُجِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ من إنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ، لَا خَفَاء، وَمَنْ قَالَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ فَكَذَلِكَ، إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ، وَإِنْ دَيْنًا إنْ مخرجا من الصُّلْح لَا يفْسد وَإِلَّا يفْسد اهـ. قَوْله: (أشهرهما لَا) وعَلى مُقَابِله: فَإِن كَانَ الَّذِي ظهر دينا فسد الصُّلْح كَأَنَّهُ وجد فِي الِابْتِدَاء فَيكون هُوَ وَغَيره بَين الْكل، وَإِن كَانَ عينا لَا. اهـ. منح. قَوْلُهُ: (بَلْ بَيْنَ الْكُلِّ) أَيْ بَلْ يَكُونُ الَّذِي ظهر بَين الْكل. قَوْله: (قلت وَفِي الْبَزَّازِيَّة الخ) وَفِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه الاشبه. قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ) أَيْ لَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ، أَمَّا لَوْ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ مخرجا من الصُّلْح لَا يفْسد، وَإِلَّا يفْسد كَمَا سمعته: أَيْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الدّين يَفْسُدُ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَسَدَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ. قَوْله: (وَفِي مَال طِفْل) أَي وَالصُّلْح فِي مَال الطِّفْل الثَّابِت بالشهود لم يجز إِذْ لَا مصلحَة لَهُ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ للطفل. وَالضَّمِير فِي لم يجز إِلَى الصُّلْح. قَوْله: (وَمَا يَدعِي) عطف على مَأْخُوذ من الْمقَام: أَي فَلم يجز الصُّلْح فِي مَال الطِّفْل الثَّابِت بالشهود وَلَا فِيمَا يَدعِي خصم وَلَا يتنور: أَي لم ينور دَعْوَاهُ لبينة. وَحَاصِل الْمَعْنى: إذَا كَانَ لِطِفْلٍ مَالٌ بِشُهُودٍ لَمْ يَجُزْ الصُّلْح فِيهِ، وَلم يجز مصالحة من يَدعِي شَيْئا على الصَّغِير بِدُونِ بَيِّنَة بِمَال الصَّغِير، لَان الْمُدَّعِي لم يسْتَحق سوى الِاسْتِحْلَاف، وَلَا يسْتَحْلف الاب وَلَا الْوَصِيّ وَلَا الصَّبِي حَال صغره، والاب لَا يَصح أَن يفْدي الْيَمين بِمَال الصَّغِير، وَإِن تبرع الاب بِمَالِه صَحَّ كالاجنبي. وَإِذا كَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة يَصح الصُّلْح بِمَال الصَّغِير بِمثل الْقيمَة وَزِيَادَة يتَغَابَن فِيهَا كالشراء، وَهَذِه الْمسَائِل تجْرِي فِي الاب وَالْجد ووصيهما وَالْقَاضِي ووصيه، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح فِي عقار أَو عبد أَو غَيرهمَا فِي الْكل أَو الْبَعْض. وَعَلِيهِ فالصورة أَربع فِيمَا إِذا لم يكن للطفل بَيِّنَة وَحَيْثُ كَانَ للخصم بَيِّنَة، فَهَذِهِ أَربع صور. وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى أَن الاربعة تجْرِي مَعَ الاب وَالْجد وَالْوَصِيّ من جِهَة الاب أَو الْجد، وَمن جِهَة الْوَصِيّ أَو من جِهَة أَحدهمَا أَو القَاضِي أَو وَصِيّ القَاضِي فَبلغ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَة، وَسَوَاء كَانَ الصُّلْح فِي عقار أَو عبد أَو غَيرهمَا فَيبلغ سِتَّة وَتِسْعين، وَسَوَاء كَانَ فِي الْجَمِيع أَو الْبَعْض فَيبلغ مائَة واثنين وَتِسْعين حكما كل ذَلِك مِمَّا ذكره صَاحب الْمَبْسُوط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 قلت: بَقِي عَلَيْهِ وَصِيّ الام فِي تركتهَا ووصيه والاخ. قَالَ فِي الْمَبْسُوط: وَصلح وَصِيّ الام والاخ مثل صلح وَصِيّ الاب فِي غير الْعقار، فَيبلغ أَضْعَاف ذَلِك كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لِابْنِ الشّحْنَة، وَتَمَامه فِيهِ. قَوْله: (وَصَحَّ على الابراء عَن كل عائب) الضَّمِير فِي صَحَّ يعود إِلَى الصُّلْح: يَعْنِي جَازَ الصُّلْح عَن الْبَرَاءَة من كل عيب، لَان الابراء عَن الْعَيْب بِلَا بدل صَحِيح فَكَذَلِك مَعَه، كَمَا لَو سمي عَيْبا مَعْلُوما لانه إِسْقَاط الْحق. وَلَو قَالَ اشْتريت مِنْك الْعُيُوب بِكَذَا لم يَصح ط. وَهَذَا الْبَيْت للعلامة عبد الْبر ذكره بعد أَبْيَات بعد الْبَيْت الاول. قَوْله: (وَلَو زَالَ عيب) أَي لَو صَالحه على عيب فِي الْمَبِيع وَدفع لَهُ بَدَلا عَن الصُّلْح ثمَّ زَالَ الْعَيْب بَطل الصُّلْح وَيسْتَرد الْبَدَل وَيسْقط عَنهُ إِن لم يكن دَفعه لعود السَّلامَة، وَكَذَا كل عيب زَالَ كَطَلَاق الْمُشْتَرَاة، أَو لم يُوجد يرد بدله كَعَدم الْحَبل، وكما لَو ظهر الدّين على غير الْمصَالح يرد بدله كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (وَمن قَالَ) أَي لَو ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأنْكر فَقَالَ لَهُ إِن تحلف على عدم ثُبُوت هَذَا الْحق عَلَيْك فَأَنت برِئ مِنْهُ لم تجز هَذِه الْبَرَاءَة لعدم جَوَاز تَعْلِيقهَا بِالشّرطِ، فَإِن كَانَ حلف عِنْد غير القَاضِي لَهُ أَن يحلفهُ عِنْد القَاضِي، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة قبلت، وَإِن عجز أعَاد الْيَمين عَلَيْهِ. قَوْله: (وَلَو مُدع) لَو للوصل: أَي لَو قَالَ للْمُدَّعِي إِن حَلَفت على مَا تدعيه فَهُوَ لَك فَحلف لَا يسْتَحق الْمُدَّعِي. قَوْله: (كالاجنبي) خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي وَمَا ذكر من الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي كالاجنبي حَال كَونه يصور: أَي لَو قَالَ لَهُ إِن حلف فلَان الاجنبي فلك مَا تدعيه أَو أَنْت برِئ مِمَّا ادّعى عَلَيْك فَحلف الاجنبي لَا يبرأ. وَالْحَاصِل: أَنه اشْتَمَل هَذَا الْبَيْت على ثَلَاث مسَائِل من قاضيخان. الاولى: اصطلحا على أَنه إِن حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَهُوَ برِئ فَحلف أَن مَاله قبله شئ فَالصُّلْح بَاطِل. الثَّانِيَة: اصطلحا على أَنه إِن حلف الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ فالمدعى عَلَيْهِ يكون ضَامِنا لما يَدعِي فَالصُّلْح بَاطِل، فَلَا يجب المَال على الْمُدعى عَلَيْهِ. الثَّالِثَة: اصطلحا على أَنه إِن حلف فلَان وَهُوَ غير الطَّالِب فَالْمَال على الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلا فَلَا يلْزمه المَال، وَهِي المفادة بقوله كالاجنبي، وَهَذِه الْمسَائِل تقدّمت فِي كتاب الدَّعْوَى. خَاتِمَة: نسْأَل الله حسنها. وَفِي الْبَحْر عَن مَجْمُوع النَّوَازِل: وَقع بَين امْرَأَة وَزوجهَا مشاجرة فتوسط المتوسطون بَينهمَا للصلح فَقَالَت لَا أصالحه حَتَّى يعطيني خمسين درهما يحل لَهَا ذَلِك، لَان لَهَا عَلَيْهِ حَقًا من الْمهْر وَغَيره اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ نقلا عَن الْمَقْدِسِي: قلت: هَذِه دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا فقد يكون لَا شئ لَهَا وتطلب ذَلِك اهـ. وَأَقُول: مَا ذكره فِي مَجْمُوع النَّوَازِل من أَنه يحل لَهَا الاخذ مَفْرُوض فِيمَا إِذا وافقها الزَّوْج بِأَن أَعْطَاهَا مَا طلبت بطرِيق الصُّلْح، وَحِينَئِذٍ لَا يتَوَقَّف الاخذ على أَن يكون لَهَا شئ عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ بِأَدْنَى مِمَّا سبق التَّصْرِيح بِهِ من أَن الصُّلْح يجوز وَلَو عَن إِنْكَار، وَقدمنَا عَن الزَّيْلَعِيّ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ يحل للْمُدَّعِي أَخذه لانه فِي زَعمه عين حَقه أَو بدله وَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يزْعم أَنه لَا شئ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا حل لَهُ الدّفع أَيْضا للشر عَن نَفسه، وَحِينَئِذٍ فَقَوله لَان لَهَا عَلَيْهِ حَقًا من الْمهْر إِنَّمَا ذكره تحسينا للظن بهَا، لَا لانه شَرط لجَوَاز الصُّلْح. أَبُو السُّعُود. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 وَفِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة: وَلَو اسْتقْرض من رجل دَرَاهِم بخارية ببخارى أَو اشْترى سلْعَة بِدَرَاهِم بخارية ببخارى فَالْتَقَيَا ببلدة لَا يُوجد بهَا البُخَارِيّ، قَالُوا: يُؤَجل قدر الْمسَافَة ذَاهِبًا وجائيا ويستوثق مِنْهُ بكفيل. وَفِيه عَنْهَا: إِذا أقرّ الْوَصِيّ أَن عِنْده ألف دِرْهَم للْمَيت وللميت ابْنَانِ فَصَالح أَحدهمَا من حَقه على أَرْبَعمِائَة لم يجز، وَإِن كَانَ استهلكها ثمَّ صالحهما جَازَ اهـ. وَلَو صَالح امْرَأَته من نَفَقَتهَا سنة على حَيَوَان أَو ثوب سمي جنسه جَازَ مُؤَجّلا وَحَالا، بِخِلَاف مَا لَو صالحها بعد الْفَرْض أَو بعد تراضيهما عَن النَّفَقَة لَا يجوز. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. وَلَو صالحته عَن أجر رضَاع الصَّبِي بعد الْبَيْنُونَة كَانَ جَائِزا، ثمَّ لَيْسَ لَهَا أَن تصالح بِمَا ثَبت لَهَا من دَرَاهِم الاجر على طَعَام بِغَيْر عينه كَذَا فِي الْمَبْسُوط. رجل صَالح امْرَأَته الْمُطلقَة من نَفَقَتهَا على دَرَاهِم مَعْلُومَة على أَن لَا يزيدها عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وعدتها بالاشهر جَازَ ذَلِك، وَإِن كَانَ عدتهَا بِالْحيضِ لَا يجوز لَان الْحيض غير مَعْلُوم، قد تحيض ثَلَاث حيض فِي شَهْرَيْن وَقد لَا تحيض عشرَة أشهر. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. لَو صالحت مَعَ زَوجهَا من نَفَقَتهَا مَا دَامَت زَوْجَة لَهُ على مَال لَا يجوز. لَو كَانَت امْرَأَته مُكَاتبَة أَو أمة قد بوأها الْمولى بَيْتا فصالحها على دَرَاهِم مُسَمَّاة من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة لكل سنة جَازَ ذَلِك، وَكَذَلِكَ لَو صَالح مولى الامة، فَلَو لم يكن بوأها الْمولى بَيْتا لم يجز هَذَا الصُّلْح، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْمَرْأَة صَغِيرَة لَا يَسْتَطِيع الزَّوْج أَن يقر بهَا فَصَالح أَبَاهَا عَن نَفَقَتهَا لم يجز، وَإِن كَانَت كَبِيرَة وَالزَّوْج صَغِير فَصَالح أَبوهُ عَن النَّفَقَة وَضمن جَازَ. وَإِذا صَالح الْفَقِير امْرَأَته على نَفَقَة كَثِيرَة فِي الشَّهْر لم يلْزمه إِلَّا نَفَقَة مثلهَا. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. لَو صَالح على نَفَقَة الْمَحَارِم ثمَّ ادّعى الاعسار صدق وَبَطل الصُّلْح. كَذَا فِي التاترخانية. إِذا صَالح الرجل بعض مَحَارمه عَن النَّفَقَة وَهُوَ فَقير لم يجْبر على إِعْطَائِهِ إِن أقرُّوا أَنه مُحْتَاج، فَإِن لم يعرف حَاله وَادّعى أَنه فَقير فَالْقَوْل قَوْله، وَيبْطل عَنهُ مَا صَالح عَلَيْهِ، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَنه مُوسر فَيَقْضِي بِالصُّلْحِ عَلَيْهِ، وَنَفَقَة الْوَلَد الصَّغِير كَنَفَقَة الزَّوْجَة من حَيْثُ إِن الْيَسَار لَيْسَ بِشَرْط لوُجُوبهَا، فَالصُّلْح فِيهِ يكون مَاضِيا، وَإِن كَانَ الْوَالِد مُحْتَاجا، فَإِن كَانَ صَالح على أَكثر من نَفَقَتهم بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ أبطلت الْفضل عَنهُ، وَكَذَلِكَ الصُّلْح فِي الْكسْوَة للْحَاجة، وَالْمُعْتَبر فِيهِ الْكِفَايَة كَالنَّفَقَةِ. لَو صَالح امْرَأَته من كسوتها على درع يَهُودِيّ وَلم يسم طوله وَعرضه ورفعته جَازَ ذَلِك، وَكَذَلِكَ كسْوَة الْقَرَابَة. وَلَو صَالح رجل أَخَاهُ وَهُوَ صَحِيح بَالغ على دَرَاهِم مُسَمَّاة لنفقته وَكسوته كل شهر لم يجْبر ذَلِك وَلم يجْبر عَلَيْهِ. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. إِن صالحت المبانة زَوجهَا عَن سكناهَا على دَرَاهِم لَا يجوز. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. إِذا صَالح امْرَأَته من نَفَقَتهَا وكسوتها لعشر سِنِين على وصيف وسط إِلَى شهر أَو لم يَجْعَل لَهُ أَََجَلًا فَهُوَ جَائِز. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 سُئِلَ الْحسن بن عَليّ عَمَّن ادّعى على آخر فَسَادًا فِي البيع بعد قبض الْمَبِيع وَلم يتهيأ لَهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة فصولح بَينهمَا عَن دَعْوَى الْفساد على دَنَانِير هَل يَصح الصُّلْح؟ فَقَالَ لَا. قيل: وَلَو وجد بَيِّنَة بعد الصُّلْح هَل تسمع الْبَيِّنَة؟ فَقَالَ نعم، كَذَا فِي التاترخانية نَاقِلا عَن الْيَتِيمَة. وَفِي حكم الرَّد بِالْعَيْبِ الْمصَالح عَلَيْهِ كَالْبيع يرد بِالْعَيْبِ الْيَسِير والفاحش وَيرجع فِي الدَّعْوَى إِن كَانَ رده بِحكم أَو غير حكم. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. لَو وجد بِمَا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح عَيْبا فَلم يقدر على رده لاجل الْهَلَاك أَو لاجل الزِّيَادَة أَو لاجل النُّقْصَان فِي يَد الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يرجع على الْمُدعى عَلَيْهِ بِحِصَّة الْعَيْب، فَإِن كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْمُدَّعِي، وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة أَو حلفه فنكل اسْتحق حِصَّة الْعَيْب مِنْهُ، فَإِن حلفه فَحلف فَلَا شئ عَلَيْهِ. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. لَو اشْترى جَارِيَة فَولدت عِنْد المُشْتَرِي ثمَّ وجدهَا عوراء وَأقر البَائِع أَنه دلسها لَهُ فَصَالحه على أَن يردهَا وَوَلدهَا وَزِيَادَة ثوب على أَن يرد عَلَيْهِ الآخر الثّمن فَهُوَ جَائِز، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي نقض بِنَاء الدَّار وَزِيَادَة بنائها. هَكَذَا فِي الْمَبْسُوط. ادّعى عَيْبا فِي جَارِيَة اشْتَرَاهَا وَأنكر البَائِع فاصطلحا على مَال على أَن يُبرئ المُشْتَرِي البَائِع من ذَلِك الْعَيْب ثمَّ ظهر أَنه لم يكن بهَا عيب أَو كَانَ وَلكنه قد زَالَ فَللْبَائِع أَن يسْتَردّ بدل الصُّلْح. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. اشْترى رجلَانِ شَيْئا فوجدا بِهِ عَيْبا فَصَالح أَحدهمَا فِي حِصَّته جَازَ، وَلَيْسَ للْآخر أَن يُخَاصم عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا لآخر على خصومته، لَان عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَو أَبْرَأ أَحدهمَا عَن حِصَّته بَطل حق الآخر خلافًا لَهما. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. إِذا اشْترى ثَوْبَيْنِ كل وَاحِد بِعشْرَة دَرَاهِم وقبضهما ثمَّ وجد بِأَحَدِهِمَا عَيْبا فَصَالح على أَن يردهُ بِالْعَيْبِ على أَن يزِيد فِي ثمن الآخر درهما فالرد جَائِز، وَزِيَادَة الدَّرَاهِم بَاطِلَة فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى. كَذَا فِي الْحَاوِي. لَو قَالَ لجارية أَنْت أمتِي وَقَالَت لَا بل أَنا حرَّة وصالحها من ذَلِك على مائَة دِرْهَم فَهُوَ جَائِز، فَإِن أَقَامَت الْبَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت أمته أعْتقهَا عَام أول أَو أَنَّهَا حرَّة الاصل من الموَالِي أَو من الْعَرَب حرَّة الابوين رجعت بِالْمِائَةِ عَلَيْهِ، وَلَو أَقَامَت الْبَيِّنَة أَنَّهَا كَانَت أمة لفُلَان فَأعْتقهَا عَام أول لم أقبل ذَلِك مِنْهَا وَلم ترجع بِالْمِائَةِ. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. إِذا ادّعى دَارا فِي يَد رجل وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ فَصَالحه الْمُدَّعِي على دَرَاهِم ثمَّ أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن ينْقض صلحه وَقَالَ إِنَّمَا صالحتك لاجل إنكارك لَيْسَ لَهُ أَن ينْقض الصُّلْح. كَذَا فِي الْمُحِيط. لَو ادّعى فِي بَيت رجل حَقًا فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ من ذَلِك على أَن يبيت على سطحه سنة ذكر فِي الْكتاب أَنه يجوز. وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ: هَذَا إِذا كَانَ السَّطْح محجرا، فَإِن لم يكن محجرا لَا يجوز الصُّلْح، كَمَا لَا يجوز إِجَارَة السَّطْح. وَقَالَ بَعضهم: يجوز الصُّلْح على كل حَال. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 اخْتصم رجلَانِ فِي حَائِط فاصطلحا على أَن يكون أَصله لاحدهما وَللْآخر مَوضِع جذوعه وَأَن يَبْنِي عَلَيْهِ حَائِطا مَعْلُوما وَيحمل جذوعا مَعْلُومَة لَا يجوز. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. إِذا اخْتصم رجلَانِ فِي حَائِط فاصطلحا على أَن يهدماه وَكَانَ مخوفا وَأَن يبنياه على أَن لاحدهما ثلثه وَللْآخر ثُلثَيْهِ وَالنَّفقَة عَلَيْهِمَا على قدر ذَلِك، وعَلى أَن يحملا عَلَيْهِ من الْجُذُوع بِقدر ذَلِك فَهُوَ جَائِز. كَذَا فِي الْحَاوِي. إِذا وَقع الصُّلْح من دَعْوَى الدَّار على دَرَاهِم وافترقا قبل قبض بدل الصُّلْح لَا ينْتَقض الصُّلْح. كَذَا فِي الْمُحِيط. إِذا كَانَ لانسان نَخْلَة فِي ملكه فَخرج سعفها إِلَى دَار جَاره فَأَرَادَ الْجَار قطع السعف فَصَالحه رب النَّخْلَة على دَرَاهِم مُسَمَّاة على أَن يتْرك النَّخْلَة فَإِن ذَلِك لَا يجوز، وَإِن وَقع الصُّلْح على الْقطع، فَإِن أعْطى صَاحب النَّخْلَة جَاره دَرَاهِم ليقطع كَانَ جَائِزا وَأَنه أعْطى الْجَار دَرَاهِم لصَاحب النَّخْلَة ليقطع كَانَ بَاطِلا. رجل اشْترى دَارا لَهَا شَفِيع فَصَالح الشَّفِيع على أَن يُعْطي للشَّفِيع دَرَاهِم مُسَمَّاة ليسلم الشَّفِيع الشُّفْعَة بطلت الشُّفْعَة وَلَا يجب المَال، وَإِن كَانَ أَخذ المَال رده على المُشْتَرِي. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَلَو صَالح المُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيع على أَن أعطَاهُ الدَّار وزاده الشَّفِيع على الثّمن شَيْئا مَعْلُوما فَهُوَ جَائِز كَذَا فِي الْمَبْسُوط. وَإِن صَالح على أَن يَأْخُذ نصف المُشْتَرِي أَو ثلثه أَو ربعه على أَن يسلم الشُّفْعَة فِي الْبَاقِي كَانَ جَائِزا فَإِن وجد هَذَا الِاصْطِلَاح مِنْهُمَا بعد تَأَكد حق الشَّفِيع بِطَلَب المواثبة وَطلب الاشهاد فَإِنَّهُ يصير آخِذا لِلنِّصْفِ بِالشُّفْعَة حَتَّى لَا يَتَجَدَّد فِيمَا أَخذ بِالشُّفْعَة مرّة أُخْرَى وَيصير مُسلم الشُّفْعَة فِي النّصْف، حَتَّى لَو كَانَ هَذَا الشَّفِيع شَرِيكا فِي الْمَبِيع أَو فِي الطَّرِيق كَانَ للْجَار أَن يَأْخُذ النّصْف الَّذِي لم يَأْخُذهُ هَذَا الشَّفِيع بِالشُّفْعَة، وَإِن كَانَ هَذَا الِاصْطِلَاح قبل وجود الطّلب من الشَّفِيع فَإِنَّهُ يصير آخِذا لِلنِّصْفِ بشرَاء مُبْتَدأ ويتجدد فِيمَا أَخذ الشُّفْعَة. هَكَذَا فِي الْمُحِيط. لَو صَالح المُشْتَرِي الشَّفِيع على أَن يسلم الشُّفْعَة على بَيت من الدَّار بِحِصَّتِهِ من الثّمن فَالصُّلْح بَاطِل وَحقّ الشُّفْعَة بَاطِل، وَهَذَا إِذا كَانَ الصُّلْح بعد تَأَكد حَقه بِالطَّلَبِ، فَأَما قبل الطّلب بطلت الشُّفْعَة. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. إِذا ادّعى رجل شُفْعَة فِي دَار فَصَالحه المُشْتَرِي على أَن يسلم لَهُ دَارا أُخْرَى بِدَرَاهِم مُسَمَّاة على أَن يسلم لَهُ الشُّفْعَة فَهَذَا فَاسد لَا يجوز. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. رجل قتل رجلا عمدا وَقتل آخر خطأ ثمَّ صَالح أولياءهما على أَكثر من ديتين فَالصُّلْح جَائِز وَلِصَاحِب الْخَطَأ الدِّيَة وَمَا بَقِي فَلصَاحِب الْعمد، وَلَو صَالح أولياءهما على ديتين أَو أقل مِنْهُمَا كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. وَبدل الصُّلْح فِي دم الْعمد جَار مجْرى الْمهْر، فَكل جَهَالَة تحملت فِي الْمهْر تتحمل هُنَا، وَمَا يمْنَع صِحَة التَّسْمِيَة يمْنَع وُجُوبه فِي الصُّلْح، وَعند فَسَاد التَّسْمِيَة يسْقط الْقود وَيجب بدل النَّفس وَهُوَ الدِّيَة، نَحْو أَن يُصَالح على ثوب كَمَا يجب مهر الْمثل فِي النِّكَاح إِلَّا أَنَّهُمَا يفترقان من وَجه، وَهُوَ أَنه إِذا تزَوجهَا على خمر يجب مهر الْمثل. وَلَو صَالح عَن دم الْعمد على خمر لَا يجب شئ كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْخَطَأ تجب الدِّيَة. كَذَا فِي الِاخْتِيَار شرح الْمُخْتَار. وَلَو صَالحه بِعَفْو عَن دم على عَفْو عَن دم آخر جَازَ كالخلع. كَذَا فِي الِاخْتِيَار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 جرح رجلا عمدا فَصَالحه لَا يَخْلُو: إِمَّا إِن برِئ أَو مَاتَ مِنْهَا، فَإِن صَالحه من الْجراحَة أَو من الضَّرْبَة أَو من الشَّجَّة أَو من الْقطع أَو من الْيَد أَو من الْجِنَايَة لَا غير جَازَ الصُّلْح إِن برِئ بِحَيْثُ بَقِي لَهُ أثر وَإِن برِئ بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ أثر بَطل الصُّلْح، فَأَما إِذا مَاتَ من ذَلِك بَطل الصُّلْح عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَوَجَبَت الدِّيَة خلافًا لَهما، وَإِن صَالحه عَن الاشياء الْخَمْسَة وَمَات يحدث مِنْهَا فَالصُّلْح جَائِز إِن مَاتَ مِنْهَا، وَأما إِذا برِئ مِنْهَا ذكر هَاهُنَا أَن الصُّلْح جَائِز. وَذكر فِي الْوكَالَة لَو أَن رجلا شج رجلا مُوضحَة فَوكل إنْسَانا ليصالح عَن الشَّجَّة وَمَا يحدث مِنْهَا إِلَى النَّفس: فَإِن مَاتَ كَانَ الصُّلْح من النَّفس. وَإِن برِئ يجب تِسْعَة أعشار المَال وَنصف عشره وَيسلم للمشجوج نصف عشر المَال. وَقَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا اخْتلفَا لاخْتِلَاف الْوَضع، فَإِن الْوَضع ثمَّة أَنه صَالح عَن الْجراحَة وَعَما يحدث مِنْهَا إِلَى النَّفس وَهُوَ مَعْلُوم فَأمكن قسْمَة الْبَدَل على الْقَائِم والحادث جَمِيعًا، وَهَا هُنَا صَالحه عَن الْجراحَة، وكل مَا يحدث مِنْهَا وَهُوَ مَجْهُول قد يحدث وَقد لَا يحدث، وَإِذا حدث لَا يدْرِي أَي قدر يحدث فَتعذر قسْمَة الْبَدَل على الْقَائِم والحادث فَصَارَ الْبَدَل كُله بِإِزَاءِ الْقَائِم، وَأما إِذا صَالحه عَن الْجِنَايَة يجوز الصُّلْح فِي الْفُصُول كلهَا إِلَّا إِذا برِئ بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ أثر. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. رجل قتل عمدا وَله ابْنَانِ فَصَالح أَحدهمَا عَن حِصَّته على مائَة دِرْهَم فَهُوَ جَائِز وَلَا شركَة لاخيه فِيهَا، وَلَو كَانَ الْقَتْل خطأ فَصَالحه أَحدهمَا على مَال كَانَ لشَرِيكه أَن يُشَارِكهُ فِي ذَلِك إِلَّا أَن يَشَاء الْمصَالح أَن يُعْطِيهِ ربع الارش. هَكَذَا فِي الْمَبْسُوط. فِي الْمُنْتَقى عَن ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله قَالَ فِي رجل قطع يَمِين رجل فَصَالحه الْمَقْطُوع يَده على أَن يقطع يسَار الْقَاطِع فَقَطعه فَهَذَا عَفْو عَن الاول، وَلَا شئ على قَاطع الْيَسَار وَلَا شئ لَهُ على قَاطع الْيَمين، وَإِن اخْتَصمَا قبل أَن يقطع يسَاره وَقد صَالحه على ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع يسَاره وَلَكِن رَجَعَ بدية يَمِينه، وَإِن صَالحه على أَن يقطع يَد الْقَاطِع وَرجله أَو على أَن يقتل عبد الْقَاتِل، إِن قطع يَده وَرجله رَجَعَ عَلَيْهِ بدية رجله، وَإِن قتل عَبده فَلهُ عَلَيْهِ قيمَة عَبده مقاصة مِنْهَا بدية يَده ويترادان الْفضل. وَلَو صَالح على أَن يقطع يَد هَذَا الْحر أَو على أَن يقتل عبد فلَان فَفعل يغرم دِيَة الْحر الآخر وَقِيمَة عَبده وَيرجع الْمَقْطُوع يَده على الْقَاطِع بدية يَده. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. إِذا كَانَ فِي الدِّيوَان عَطاء مَكْتُوب باسم رجل فنازعه فِيهِ آخر وَادّعى أَنه لَهُ فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على دَرَاهِم أَو دَنَانِير حَالَة أَو إِلَى أجل فَالصُّلْح بَاطِل، وَكَذَلِكَ لَو صَالحه على شئ بِعَيْنِه فَهُوَ بَاطِل، كَذَا فِي الْمَبْسُوط. لَهُ عَطاء فِي الدِّيوَان مَاتَ عَن ابْنَيْنِ فاصطلحا على أَن يكْتب فِي الدِّيوَان باسم أَحدهمَا وَيَأْخُذ الْعَطاء وَالْآخر لَا شئ لَهُ من الْعَطاء ويبذله من كَانَ لَهُ الْعَطاء مَالا مَعْلُوما فَالصُّلْح بَاطِل، وَيرد بدل الصُّلْح وَالعطَاء للَّذي جعل الامام الْعَطاء لَهُ. كَذَا فِي الْوَجِيز للكردي. مطلب: لَا يَصح صلح وَكيل الْخُصُومَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِذا صَالح لَا يَصح، بِخِلَاف مَا إِذا أَمر. كَذَا فِي متفرقات الذَّخِيرَة. لَا يجوز التَّصَرُّف فِي بدل الصُّلْح قبل الصُّلْح إِذا كَانَ مَنْقُولًا، فَلَا يجوز للْمُدَّعِي بَيْعه وهبته وَنَحْو ذَلِك، فَإِن كَانَ عقارا يجوز عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يُبَاشر الصُّلْح بِنَفسِهِ، بل يُفَوض ذَلِك إِلَى غَيره من المتوسطين، وسبيل القَاضِي أَن لَا يُبَادر فِي الْقَضَاء بل يرد الْخُصُوم إِلَى الصُّلْح مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِذا كَانَ يَرْجُو الاصلاح بَينهم بِأَن كَانُوا يميلون إِلَى الصُّلْح وَلَا يطْلبُونَ الْقَضَاء لَا محَالة، فَأَما إِذا طلبُوا الْقَضَاء لَا محَالة وأبوا الصُّلْح: إِن كَانَ وَجه الْقَضَاء ملتبسا غير مستبين للْقَاضِي أَن يردهم إِلَى الصُّلْح، أما إِذا كَانَ وَجه الْقَضَاء مستبينا: فَإِن وَقعت الْخُصُومَة بَين أجنبيين يقْضى بَينهم وَلَا يردهم إِلَى الصُّلْح حِين أَبَوا، وَإِن وَقعت الْخُصُومَة بَين أهل قبيلتين أَو بَين الْمَحَارِم يردهم إِلَى الصُّلْح مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَإِن أَبَوا الصُّلْح. هَكَذَا فِي الذَّخِيرَة. الْكَفِيل بِالنَّفسِ إِذا صَالح على مَال على أَن يُبرئهُ من الْكفَالَة فَالصُّلْح بَاطِل، وَهل تبطل الْكفَالَة؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فِي رِوَايَة تسْقط. هَكَذَا فِي الْبَدَائِع، وَبِه يُفْتى، كَذَا فِي الذَّخِيرَة اهـ. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 كتاب الْمُضَاربَة قَالَا منلا مِسْكين: هِيَ كالمصالحة من حَيْثُ إِنَّهَا تَقْتَضِي وجود الْبَدَل من جَانب وَاحِد اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل، لَان الصُّلْح إِذا كَانَ عَن مَال بِإِقْرَار يكون بيعا وَالْبيع يَقْتَضِي وجود الْمُبَادلَة من الْجَانِبَيْنِ اهـ. وَأجَاب عَنهُ أَبُو السُّعُود عَن شَيْخه بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة اشْتِرَاك الْمُضَاربَة وَالصُّلْح فِي الْوُجُود الصُّورِي، وباعتباره يكون قاصرا على الْمصَالح عَلَيْهِ، وَلَا شكّ أَن وجوده من جَانب وَاحِد كرأس مَال الْمُضَاربَة. وَأما اعْتِبَار الصُّلْح عَن مَال بِإِقْرَار بيعا فبالنظر إِلَى الْمَعْنى كَمَا لَا يخفى اهـ. أَي أَنه لَا يلْزم فِي الْمُنَاسبَة أَن تكون من كل الْوُجُوه وَقد اعْتبرت هُنَا فِي قسمَيْنِ من الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو سكُوت. قَوْله: (هِيَ مفاعلة) لكَونهَا على غير بَابهَا. قَوْله: (وَهُوَ السّير فِيهَا) قَالَ الله تَعَالَى: * ((73) وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله) * (المزمل: 02) يَعْنِي يسافرون للتِّجَارَة، وَسمي هَذَا العقد بهَا لَان الْمضَارب يسير فِي الارض غَالِبا لطلب الرِّبْح، وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى - يضْربُونَ فِي الارض يَبْتَغُونَ من فضل الله - وَهُوَ الرِّبْح وَأهل الْحجاز يسمون هَذَا العقد مقارضة، وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرْض لَان صَاحب المَال يقطع قدرا من مَاله ويسلمه لِلْعَامِلِ. وأصحابنا اخْتَارُوا لَفْظَة الْمُضَاربَة لكَونهَا مُوَافقَة لما تلونا من نظم الْآيَة، وَهِي مَشْرُوعَة لشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا من الْجَانِبَيْنِ، فَإِن من النَّاس من هُوَ صَاحب مَال وَلَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّف، وَمِنْهُم من هُوَ بِالْعَكْسِ فشرعت لتنتظم مصالحهم، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث وَالنَّاس يتعاملون بهَا فأقرهم عَلَيْهَا وتعاملتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَلا ترى إِلَى مَا يرْوى أَن عَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَ إِذا دفع مَالا مُضَارَبَة شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يسْلك بِهِ بحرا وَلَا ينزل وَاديا وَلَا يَشْتَرِي ذَات كبد رطب، فَإِن فعل ذَلِك ضمن، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله (ص) فَاسْتَحْسَنَهُ فَصَارَت مَشْرُوعَة بِالسنةِ والاجماع. كَذَا ذكره الزَّيْلَعِيّ. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْكِتَابَيْنِ من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على الاسترباح. أما الْمُضَاربَة فَإِن مبناها على هَذَا. وَأما الصُّلْح فَإِن الْمصَالح من الْمُدعى عَلَيْهِ مستربح سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو عَن إِنْكَار أَو عَن سكُوت. عَيْني. قَوْله: (وَشرعا عقد شركَة) قَالَ فِي النِّهَايَة: وَمن يحذو حذوه أَنَّهَا دفع المَال إِلَى غَيره ليتصرف فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا. وَرجح البرجندي هَذَا التَّعْرِيف، وَضَعفه صَاحب التكملة بِأَن الْمُضَاربَة لَيست الدّفع الْمَذْكُور، بل هِيَ عقد يحصل قبل ذَلِك أَو مَعَه. ثمَّ عقد الشَّوْكَة فِي الرِّبْح لَا يسْتَلْزم وجود الرِّبْح، فَلَا يرد عَلَيْهِ أَنه قد لَا يُوجد الرِّبْح أصلا، وَخُرُوج الْفَاسِدَة عَن التَّعْرِيف لَا يقْدَح فِيهِ لانها تنْقَلب حِينَئِذٍ إِلَى الاجارة كَذَا أَفَادَهُ المنلا عبد الْحَلِيم. قَوْله: (فِي الرِّبْح) وَإِن لم يشتركا فِي الرِّبْح خرج العقد إِلَى البضاعة أَو الْقَرْض. قَالَ فِي الْبَحْر: فَلَو شَرط الرِّبْح لاحدهما لَا تكون مُضَارَبَة اهـ. وَيجوز التَّفَاوُت فِي الرِّبْح، وَإِذا كَانَ المَال من اثْنَيْنِ فَلَا بُد من تساويهما فِيمَا فضل من الرِّبْح، حَتَّى لَو شَرط لاحدهما الثُّلُثَانِ وَللْآخر الثُّلُث فِيمَا فضل فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي رَأس المَال اهـ. كَمَا يَأْتِي قَوْله: (بِمَال من جَانب الخ) أَي هَذَا مُسَمّى الْمُضَاربَة، وَأما كَونه إيداعا ابْتِدَاء فَلَيْسَ هُوَ مفهوما لَهَا بل هُوَ حكمهَا كَمَا ذكره، لانه ترك مَاله فِي يَد غَيره لَا على طَرِيق الِاسْتِبْدَال وَلَا الْوَثِيقَة فَيكون أَمَانَة، فَهُوَ دَاخل فِي معنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 الْوَدِيعَة وَلَيْسَ هُوَ مُسَمّى عقد الْمُضَاربَة، فَإِذا عمل فِيهِ كَانَ عَاملا فِيهِ بِإِذن مَالِكه، وَهُوَ معنى الْوَكِيل لَهُ فَلذَلِك كَانَ من حكمهَا أَنَّهَا تَوْكِيل مَعَ الْعَمَل، فَإِن ربح كَانَ شَرِيكا لانها قد عقدت بِمَالٍ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلٍ مِنْ جَانب الآخر على أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا، فَلَمَّا حصل الرِّبْح كَانَ لَهُ نصيب مِنْهُ فَكَانَت شركَة حِينَئِذٍ وغصب إِن خَالف، لانه تصرف فِي مَاله بِغَيْر إِذْنه حَيْثُ خَالف مَا شَرطه عَلَيْهِ وَخرجت حِينَئِذٍ عَن كَونهَا مُضَارَبَة، فَلِذَا لَا تعود وَإِن أجَاز رب المَال، لَان عقد الْمُضَاربَة قد انْفَسَخ بالمخالفة والمفسوخ لَا تلْحقهُ الاجازة، وَإِجَارَة فَاسِدَة إِن فَسدتْ لَان الرِّبْح إِنَّمَا يسْتَحق بِعقد الْمُضَاربَة، فَإِذا فَسدتْ لَا يسْتَحق شيثئا مِنْهُ، وَلذَا قَالَ: فَلَا ربح للْمُضَارب، لكنه عمل فِي مَاله بِإِذْنِهِ غير مُتَبَرّع فَيكون إِجَارَة فَلِذَا وَجب أجر مثله ربح أَو لَا كَمَا هُوَ حكم الاجارة، وَإِنَّمَا كَانَت فَاسِدَة لعدم وجود العقد الصَّحِيح الْمُفِيد للاجارة، وَبِهَذَا التَّقْرِير انْدفع مَا أوردهُ صدر الشَّرِيعَة. تَأمل. قَوْله: (وَعمل من جَانب الْمضَارب) لَان قبض المَال بِإِذن مَالِكه لَا على وَجه الْمُبَادلَة والوثيقة، بِخِلَاف الْمَقْبُوض على سوم الشِّرَاء لانه قَبضه بَدَلا، وَبِخِلَاف الرَّهْن لانه قَبضه وَثِيقَة. دُرَر وَهُوَ أَي عمل بِالرَّفْع. كَذَا ضَبطه الشَّرْح اهـ. شلبي. فَيكون عطفا على قَوْله عقد فَيَقْتَضِي أَن حَقِيقَتهَا العقد وَالْعَمَل وَهُوَ يُنَافِي مَا بعد من قَوْله وركنها الخ فَلَو كَانَ مجرورا عطفا على مَال وَالْجَار وَالْمَجْرُور فِي قَوْله بِمَال مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره وَتَكون لَكَانَ وجيها. فالاولى أَن يَقُول: وَهِي عبارَة عَن عقد على الشّركَة فِي الرِّبْح بِمَال من أحد الْجَانِبَيْنِ وَعمل من الآخر كَمَا فعل فِي الْهِنْدِيَّة، وَهُوَ مؤيد مَا قُلْنَا كَمَا فِي ط. وَإِنَّمَا قيد الشَّارِح بالمضارب لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ، كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ، وَكَذَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُضَارِبِ بِلَا أَمَرَهُ وَبَاعَ وَاشْترى بِهِ، إِلَّا إِذا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا فَلَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ. قَوْله: (وركنها الايجاب وَالْقَبُول) قَالَ الْحَمَوِيّ فِي شَرحه: وركنها اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهَا كَقَوْلِه دفعت إِلَيْك هَذَا المَال مُضَارَبَة أَو مقارضة أَو مُعَاملَة أَو خُذ هَذَا المَال واعمل بِهِ على أَن لَك من الرِّبْح نصفه أَو ثلثه أَو قَالَ ابتع بِهِ مَتَاعا فَمَا كَانَ من فضل فلك مِنْهُ كَذَا أَو خُذ هَذَا بِالنِّصْفِ، بِخِلَاف خُذ هَذَا الالف واشتر هرويا بِالنِّصْفِ وَلم يزدْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُضَارَبَة بل إِجَارَة فَاسِدَة لَهُ أجر مثله إِن اشْترى وَلَيْسَ لَهُ البيع إِلَّا بِأَمْر اهـ. وَيَقُول الْمضَارب قبلت أَو مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنى اهـ. قَاضِي زَاده. قَوْله: (وحكمهما أَنْوَاع) لَكِنَّهَا بأنظار مُخْتَلفَة. قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم. قَوْله: (وَحكمهَا أَنْوَاع) : الاول أَقُول: اللَّائِق أَن يدرج فِي غَيره أَيْضا قَوْلنَا الثَّانِي وَالثَّالِث وَغَيرهمَا كَمَا أدرج فِي قَوْله وَشَرطهَا وعد الانواع الْمَذْكُورَة أَحْكَامهَا بِنَاء على أَن حكم الشئ مَا يثبت بِهِ ويبتني عَلَيْهِ، وَلَا خَفَاء فِي أَنه يُرَاعِي ذَلِك فِي كل حكم مِنْهَا فِي وقته، فَلَا يرد عَلَيْهِ أَن معنى الاجارة وَالْغَصْب نَاقض لعقد الْمُضَاربَة منَاف لصحتها فَكيف يَجْعَل حكما من أَحْكَامهَا، وَمن هَذَا يظْهر حسن سبك المُصَنّف فِي تَحْرِير الْمَتْن حَيْثُ قَالَ وَأما دفع المَال الخ لَان الابضاع والاقراض لم يبتنيا على هَذَا العقد بل يفترقان عَنهُ أول الامر كَمَا لَا يخفى اهـ. قَوْله: (لانها إِيدَاع ابْتِدَاء) لانه قبض المَال بِإِذن مَالِكه لَا على وَجه الْمُبَادلَة والوثيقة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، وَلَو حذف. قَوْله: (لانها) وَيكون. قَوْله: (إِيدَاع) بَدَلا مِمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 قبله مَا ضره، وَقَوله ابْتِدَاء ظَاهره أَنَّهَا لَا تكون فِي الْبَقَاء كَذَلِك مَعَ أَنَّهَا تكون أَمَانَة فِيهِ فَحكم الِابْتِدَاء والبقاء سَوَاء. فَإِن قيل: أَرَادَ الايداع حَقِيقَة وَهِي فِي الْبَقَاء أَمَانَة قُلْنَا: هَذَا غير ظَاهر، فَتدبر ط. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فِي الْمُطْلَقَةِ مَعَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُودِعَ لَا يُودَعُ، فَالْمُرَادُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ وَفِي أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ لَا فِي كل حكم فَتَأمل. قَوْله: (وَمن حيل الضَّمَان الخ) لَيست هَذِه حِيلَة فِي الْمُضَاربَة بل قد خرج العقد إِلَى الشّركَة فِي رَأس المَال. وَذكر الزَّيْلَعِيّ حِيلَة أُخْرَى أَيْضا فَقَالَ: وَإِذا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبَ بِالْهَلَاكِ يُقْرِضُ الْمَالَ مِنْهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً ثمَّ يبضع الْمضَارب كَمَا فِي الْوَاقِعَات. وَذكر هَذِه الْحِيلَة الْقُهسْتَانِيّ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ شُرِطَ فِيهَا الْعَمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ مَالًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ عَنْ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. تَأَمَّلْ. وَكَذَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِآخَرَ أَلْفَانِ وَاشْتَرَكَا وَاشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ وَالرِّبْحَ أَنْصَافًا جَازَ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَالرِّبْحَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، لِأَنَّ ذَا الْأَلْفِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ ربح الْآخَرِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يسْتَحق بِالْعَمَلِ أَو المَال أَوْ بِالضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا. لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا على صَاحب الاكثر فَقَط وَهُوَ صَحِيح سَالم من الْفساد كَمَا سيصرح بِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّبْحِ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر، إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَمَلٌ فَيَصِحُّ أَنْ يكون أَكثر رِبْحًا بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا يَصح التَّفَاوُت أَيْضا تَأمل. قَوْله: (ثمَّ يعْقد شركَة عنان) وَهِي لَا يلْزمهَا أَن يكون الرِّبْح فِيهَا على قدر المَال فَلَهُمَا أَن يتَّفقَا على منصافة الرِّبْح. ح قَوْله: (على أَن يعملا) ذكره لانه لَو شَرط الْعَمَل على أَحدهمَا فَسدتْ كَمَا مر فِيهَا والمفسد اشْتِرَاط عمل أَحدهمَا لَا الاطلاق. قَوْله: (ثمَّ يعْمل الْمُسْتَقْرض فَقَط) أَي بِطيب نفس مِنْهُ لَا بِشَرْط عَلَيْهِ، لَان شَرط الشّركَة أَن يكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ على أَن يعملا، لَكِن الشَّرْط إِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِمَا لَا وجوده مِنْهُمَا، فَإِن الْعَمَل لَا يَتَأَتَّى من اثْنَيْنِ عَادَة فَيصح أَن ينْفَرد أَحدهمَا بِهِ بعد أَن شَرط عَلَيْهِمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضى عقد الشّركَة وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على حسب الشَّرْط، لَان كلا مِنْهُمَا وَكيل بِمَا يعمله عَن صَاحبه فَيَقَع شِرَاء كل لَهما بالاصالة عَن نفس الْمُبَاشر، وبالوكالة عَن شَرِيكه لَان الشّركَة تتضمنها وَيكون الرِّبْح على حسب الشَّرْط كَمَا تقدم فِي بَابهَا. قَوْله: (وتوكيل مَعَ الْعَمَل) حَتَّى يرجع بِمَا لحقه من الْعهْدَة عَلَيْهِ. منح. كَمَا لَو رد على الْمضَارب بِالْعَيْبِ وَلم يُوجد مَا يُؤَدِّي ثمنه من مَال الْمُضَاربَة أَو اسْتحق فِي يَد المُشْتَرِي وَرجع على الْمضَارب بِثمنِهِ وَلم يُوجد مَا يُؤَدِّيه فَأدى من مَال نَفسه يرجع إِلَى رب المَال. هَذَا مَا ظهر لي وكما سيجئ من قَوْله شرى عبدا بألفها وَهلك الالف قبل نَقده دفع المَال ثمنه ثمَّ وَثمّ: يَعْنِي يرجع الْمضَارب بِالثّمن على الْمَالِك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 وَأَقُول: هَذِه الْوكَالَة ضمنية كَمَا فِي وكَالَة الشّركَة كَمَا ذكرنَا، فشملت وكَالَة بِمَجْهُول الْجِنْس وَجَازَت، بِخِلَاف الْوكَالَة القصدية فَإِنَّهَا لم تجز وكَالَة بِمَجْهُول الْجِنْس نَحْو التَّوْكِيل بشرَاء ثوب وَنَحْوه على مَا مر. قَوْله: (وَشركَة إِن ربح) لَان الرِّبْح حصل بِالْمَالِ وَالْعَمَل فيشتركان فِيهِ. منح. أَقُول: بل تكون شركَة بِمُجَرَّد الشِّرَاء، أَلا ترى لَيْسَ لرب المَال فَسخهَا بعده، وَلَو كَانَت وكَالَة لَكَانَ لَهُ فَسخهَا حِينَئِذٍ وَأخذ البضاعة. نعم اسْتِحْقَاقه لشئ من المَال مَوْقُوف على ظُهُور الرِّبْح، وَلذَا لَو عتق عبد الْمُضَاربَة لَا يعْتق مَا لم يتَحَقَّق الرِّبْح. تَأمل. قَوْله: (وغصب إِن خَالف) لتعديه على مَال غَيره فَيكون ضَامِنا، وَاسْتشْكل قَاضِي زَاده عد الْغَصْب والاجارة من أَحْكَامهَا، لَان معنى الاجارة إِنَّمَا يظْهر إِذا فَسدتْ الْمُضَاربَة، وَمعنى الْغَصْب إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا خَالف الْمضَارب، وكلا الامرين نَاقض لعقد الْمُضَاربَة منَاف لصحتها فَكيف يَصح أَن يجعلا من أَحْكَامهَا وَحكم الشئ مَا يثبت بِهِ، وَالَّذِي يثبت بمنافيه لَا يثبت بِهِ قطعا. فَإِن قلت: قد صلحا أَن يَكُونَا حكما للفاسدة. قُلْنَا: الاركان والشروط الْمَذْكُورَة هُنَا للصحيحة، فَكَذَا الاحكام، على أَن الْغَصْب لَا يَصح حكما للفاسدة، لَان حكمهَا أَن يكون لِلْعَامِلِ أجر عمله وَلَا أجر للْغَاصِب اهـ. مُخْتَصرا ط. وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله بِمَال من جَانب الخ. قَوْله: (وَإِن أجَاز رب المَال بعده) حَتَّى لَو اشْترى الْمضَارب مَا نهى عَنهُ ثمَّ بَاعه وَتصرف فِيهِ ثمَّ أجَاز رب المَال لم يجز. منح. فَيضمن بِالْغَصْبِ وَيكون الرِّبْح بَعْدَمَا صَار مَضْمُونا عَلَيْهِ لَهُ وَلَكِن لَا يطيب لَهُ عِنْدهمَا. وَعند الثَّانِي يطيب لَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودع إِذا تَصرفا وربحا فَإِنَّهُمَا على الْخلاف الْمَذْكُور. اهـ. شلبي عَن الْغَايَة. وَفِي سري الدّين عَن الْكَافِي أَنه بعد الاجازة يكون كالمستبضع: يَعْنِي أَن البضاعة وَدِيعَة فِي يَده، وَإِذا خَالف يَنْقَلِب إِلَى الْغَصْب وَلَو أجَاز بعده اهـ. وَفِيه مُخَالفَة لما هُنَا كل الْمُخَالفَة، وَيَنْبَغِي اعْتِمَاد مَا هُنَا ط بِزِيَادَة. قَوْله: (لصيرورته غَاصبا بالمخالفة) فِيهِ تَعْلِيل الشئ بِنَفسِهِ. قَوْله: (بل لَهُ أجر مثل عمله مُطلقًا) وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة. قُهُسْتَانِيّ. لانه لَا يسْتَحق الْمُسَمّى لعدم الصِّحَّة وَلم يرض بِالْعَمَلِ مجَّانا فَيجب أجر الْمثل. وَعَن أبي يُوسُف: إِن لم يربح فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِئَلَّا تَرْبُوَ الْفَاسِدَةُ على الصَّحِيحَة. شَيخنَا عَن ابْن الْغَرْس على الْهِدَايَة. اهـ. أَبُو السُّعُود. وَفِي الْهِدَايَة: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا يجب الآخر اعْتِبَارا بالمضاربة الصَّحِيحَة اهـ. اتّفق الشُّرَّاح على صِحَة هَذَا التَّعْلِيل، لَان الْفَاسِد يُؤْخَذ حكمه من الصَّحِيح من جنسه أبدا كَمَا فِي البيع الْفَاسِد، وَلَكِن تصدوا فِي الْجَواب عَنهُ بِأَنَّهُ نعم كَذَلِك إِذا كَانَ انْعِقَاد الْفَاسِد كانعقاد الصَّحِيح كَمَا فِي المنبع، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك لَان الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة تَنْعَقِد شركَة والفاسدة تَنْعَقِد إِجَارَة فَتعْتَبر بالاجارة الصَّحِيحَة عِنْد إِيفَاء الْعَمَل. ورده صَاحب البيانة بِاعْتِبَار فَاسد الْمُضَاربَة بصحيحها أولى من جعلهَا إِجَارَة، لانهما رَضِيا أَن يكون لِلْعَامِلِ جُزْء من الرِّبْح لَو حصل، وبالحرمان إِن لم يحصل وَلم يرض رب المَال أَن يكون فِي ذمَّته شئ فِي مُقَابلَة عمله، فإيجابه يكون إِيجَابا بِغَيْر دَلِيل، فهدم الاصل الضَّعِيف أولى من إِلْغَاء التَّعْلِيل الصَّحِيح هَذَا. قَوْله: (بِلَا زِيَادَة على الْمَشْرُوط أَي الْمُسَمّى كَمَا هُوَ حكم الاجارة الْفَاسِدَة وَقد مر، وَهَذَا فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَإِلَّا فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ وَلَا يكون لَهُ أجر مَا لم يربح أَو يكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 الْفَاسِد بِسَبَب تَسْمِيَة دَرَاهِم مُعينَة لِلْعَامِلِ لانه لم يرض حِينَئِذٍ بالحرمان عِنْد عدم الرِّبْح. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْبَحْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرٌ بِنِصْفِ الرِّبْحِ الْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا رَبِحَ، وَمَا قَالَه مُحَمَّد بِأَن لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِيمَا هُوَ أَعم. ذكره الشمني. وَأفَاد فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نقلا عَن التَّبْيِين وَشرح الْمجمع وَالْخُلَاصَة أَن وجوب أجر الْمثل مُطلقًا قَول مُحَمَّد، وَمعنى الاطلاق ربح أَو لم يربح زَاد على الْمُسَمّى أَولا. وَعند أبي يُوسُف: يجب إِن ربح، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يُجَاوز الْمَشْرُوط اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيكون مَشى فِي وجوب الاجر مُطلقًا على قَول مُحَمَّد، وَمَشى فِي عدم مُجَاوزَة الْمَشْرُوط على قَول أبي يُوسُف. فحاصل مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا ربح، وَمَا قَالَه مُحَمَّد بِأَن لَهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ فَهُوَ أَعم كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (إلَّا فِي وَصِيٍّ أَخَذَ مَالِ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَال الْيَتِيم بِجُزْء من الرِّبْح، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي الْفُرُوع، وَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فِيهِ أَظْهَرُ، وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا أَنَّ لِلْوَصِيِّ دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُضَارَبَةً بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْيَتِيمِ كَأَبِيهِ. أَبُو السُّعُود. قَالَ فِي أَحْكَام الصغار: الْوَصِيّ يملك أَخذ مَال الْيَتِيم مُضَارَبَة، فَإِن أَخذ على أَن لَهُ عشرَة دَرَاهِم من الرِّبْح فَهَذِهِ مُرَابحَة فَاسِدَة وَلَا أجر لَهُ، وَهَذَا مُشكل لَان الْمُضَاربَة مَتى فَسدتْ تَنْعَقِد إِجَارَة فَاسِدَة وَيجب أجر الْمثل، وَمَعَ هَذَا قَالَ لَا يجب، لَان حَاصِل هَذَا رَاجع إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ وَأَنَّهُ لَا يجوز. اهـ. وَمِنْه يعلم أَن الِاسْتِثْنَاء الَّذِي ذكره لَيْسَ فِي عبارَة الْكتاب الْمَذْكُور وَأَنه أسقط من عِبَارَته مَا بِهِ يَتَّضِح الحكم الْمَذْكُور. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: بعد أَن ذكر الاشكال الَّذِي ذكره فِي جَامع أَحْكَام الصغار قَالَ: وَالْجَوَاب أَنه قد برهن على أَن الْمَنَافِع غير مقومة وَأَنه الاصل فِيهَا، فَلَو لزم الاجر لزم التقوم فِي غير الْمُتَقَوم نظرا إِلَى الاصل، وَأَنه لَا يجوز فِي مَال الْيَتِيم وَالصَّغِير والتقوم بِالْعقدِ الصَّحِيح بالنصوص الدَّالَّة عَلَيْهِ وَالنَّص لم يرد فِي الْفَاسِد، والوارد فِي الصَّحِيح لَا يكون واردا فِي الْفَاسِد فِي حق الصَّغِير اهـ. ذكره الْحَمَوِيّ. قَوْله: (كشرطه لنَفسِهِ عشرَة دَرَاهِم) الْكَاف لتمثيل الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة. حَلَبِيّ. قَوْله: (فَلَا شئ لَهُ) لانه من بَاب إِيجَار الْوَصِيّ لنَفسِهِ للْيَتِيم وَهُوَ لَا يجوز كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (فَهُوَ اسْتثِْنَاء من أجر عمله) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان المُصَنّف دفع الايهام الَّذِي وَقع فِيهِ بقوله فَلَا شئ لَهُ وَذَلِكَ لانه يحْتَمل أَن يكون اسْتثِْنَاء من قَوْله بل لَهُ أجر مثله أَو من قَوْله بِلَا زِيَادَة والمؤلف قصد التَّوْضِيح. قَوْله: (والفاسدة لَا ضَمَان فِيهَا) لَان الْفَاسِد من الْعُقُود يَأْخُذ الحكم من الصَّحِيح مِنْهَا، ولانه عين فِي يَد أجيره، وَلَو تلف بعد الْعَمَل فَلهُ أجر مثله، وَقيل هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: يضمن إِذا تلف فِي يَده بِمَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ. اهـ. وَفِي النِّهَايَة: وَالْمُضَاربَة الْفَاسِدَة غير مَضْمُونَة بِالْهَلَاكِ، وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه ضَامِن لِلْمَالِ، فَقيل الْمَذْكُور فِي الْكتاب قَول أبي حنيفَة وَهُوَ بِنَاء على اخْتلَافهمْ فِي الاجير الْمُشْتَرك إِذا تلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 المَال فِي يَده من غير صنعه، وَعِنْدَهُمَا: هُوَ ضَامِن إِذا هلك فِي يَده بِمَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ، وَكَذَلِكَ فِي كل مُضَارَبَة فَاسِدَة. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. قَوْله: (كُله للْمَالِك بضَاعَة) هُوَ أَن يعْمل لَهُ مُتَبَرعا. قَوْله: (فَيكون وَكيلا مُتَبَرعا) أَي بِعَمَلِهِ حَيْثُ لم يشْتَرط لَهُ جُزْءا من الرِّبْح. قَوْله: (لقلَّة ضَرَره) أَي الْقَرْض بِالنِّسْبَةِ للهبة فَجعل قرضا وَلم يَجْعَل هبة، لَكِن فِيهِ اخْتِصَار مخل، وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول قرض لَا هبة لقلَّة ضَرَره. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَإِنَّمَا صَار الْمضَارب مستقرضا بِاشْتِرَاط كل الرِّبْح لَهُ، لانه لَا يسْتَحق الرِّبْح كُله إِلَّا إِذا صَار رَأس المَال ملكا لَهُ لَان الرِّبْح فرع المَال كالثمر للشجر وكالولد للحيوان، فَإِذا شَرط أَن يكون جَمِيع الرِّبْح لَهُ فقد ملكه جَمِيع رَأس المَال مُقْتَضى. وَقَضيته أَن لَا يرد رَأس المَال، لَان التَّمْلِيك لَا يَقْتَضِي الرَّد كَالْهِبَةِ، لَكِن لفظ الْمُضَاربَة يَقْتَضِي رد رَأس المَال فجعلناه قرضا لاشْتِمَاله على الْمَعْنيين عملا بهما، ولان الْقَرْض أدنى التبرعين لانه يقطع الْحق عَن الْعين دون الْبَدَل وَالْهِبَة تقطعه عَنْهُمَا فَكَانَ أولى لكَونه أقل ضَرَرا. اهـ. قَوْله: (سَبْعَة) بِضَم قَوْله وَمن شُرُوطهَا. مطلب: لَا تصح الْمُضَاربَة بالفلوس الكاسدة] قَوْله: (كَون رَأس المَال من الاثمان) أَي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير عِنْدهمَا، وبالفلوس النافقة، وَلَو دفع لَهُ عرضا وَقَالَ لَهُ بِعْهُ واعمل مُضَارَبَة فِي ثمنه فَبَاعَ بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير فتصرف صَحَّ. ذكره مِسْكين. لَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْكُبْرَى وَنَصه: فِي الْمُضَاربَة بالتبر رِوَايَتَانِ. وَعَن الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تصح بالفلوس، وَعند مُحَمَّد لَا تصح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ. وَإِنَّمَا جَازَ فِي مَسْأَلَة ثمن الثَّوْب لَان الْمُضَاربَة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَوْكِيل وإجازة، وكل ذَلِك قَابل للاضافة على الِانْفِرَاد، فَكَذَا عِنْد الِاجْتِمَاع كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ. وَإِنَّمَا اشْترط كَون رَأس المَال من الاثمان لانها شركَة عِنْد حُصُول الرِّبْح فَلَا بُد من مَال تصح بِهِ الشّركَة وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والتبر والفلوس النافقة اهـ. منح وجوازها بالتبر إِن كَانَ رائجا، وَإِلَّا فَهُوَ كالعروض فَلَا تجوز الْمُرَابَحَة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا بِيعَتْ الْعرُوض فَصَارَت نقودا فَإِنَّهَا تنْقَلب مُضَارَبَة، وَكَذَلِكَ الكيلي والوزني لَا يصلح أَن يكون رَأس المَال عندنَا، خلافًا لِابْنِ أبي ليلى كَمَا فِي النِّهَايَة. وَذكر فِي تكلمة الديري وَمَا نَقله الْبَعْض أَنه عِنْد مَالك تصح بالعروض لَا يكَاد يَصح، وَإِنَّمَا الْمَنْقُول عَن ابْن أبي ليلى أَنه يجوز بِكُل مَال وَعَلِيهِ كَلَام الكاكي اهـ. وَقيد فِي الدُّرَر بالفلوس النافقة أَيْضا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَالْفَتْوَى على أَنه تجوز بالفلوس الرائجة. كَذَا فِي التاترخانية نَاقِلا عَن الْكُبْرَى. وَلَا يجوز بِالذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا لم تكن مَضْرُوبَة فِي رِوَايَة الاصل. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَفِي الْكُبْرَى: فِي الْمُضَاربَة بالتبر رِوَايَتَانِ، فَفِي كل مَوضِع يروج التبر رواج الاثمان تجوز الْمُضَاربَة، هَكَذَا فِي التاترخانية والمبسوط والبدائع. وَتجوز بِالدَّرَاهِمِ النبهرجة والزيوف وَلَا يجوز بالستوقة، فَإِن كَانَت الستوقة، تروج فَهِيَ كالفلوس. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَفِي الحامدية: سُئِلَ فِيمَا إذَا دَفَعَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو بِضَاعَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَقَالَ لِعَمْرٍو بِعْهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 وَمَهْمَا رَبِحْتَ يَكُونُ بَيْنَنَا مُثَالَثَةً فَبَاعَهَا وَخَسِرَ فِيهَا فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلِعَمْرٍو أَجْرُ مِثْلِهِ بِلَا زِيَادَة على الْمَشْرُوط. اهـ. رجل دفع لآخر أَمْتعَة وَقَالَ بعها واشتر بهَا وَمَا رَبِحْتَ فَبَيْنَنَا نِصْفَيْنِ فَخَسِرَ فَلَا خُسْرَانَ على الْعَامِل، وَإِذا طلب صَاحِبُ الْأَمْتِعَةِ بِذَلِكَ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِل إِيَّاه لَا يلْزمه، وَلَو كفل إنْسَانٌ بِبَدَلِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ عَمِلَ هَذَا الْعَامِلُ فِي هَذَا الْمَالِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ الْأَمْتِعَةِ، ثُمَّ إذَا صَارَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ فَهُوَ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَضْمَنْ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ بِحَقِّ الْوَكَالَةِ ثُمَّ صَارَ مُضَارِبًا فَاسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ. جَوَاهِر الْفَتَاوَى. قَوْله: (كَمَا مر فِي الشّركَة) من أَنَّهَا لَا تصح مُفَاوَضَة وعنانا بِغَيْر النَّقْدَيْنِ والفلوس النافقة والتبر والنقرة إِن جرى التَّعَامُل بهما. قَوْله: (وَهُوَ مَعْلُوم للعاقدين) لِئَلَّا يقعا فِي الْمُنَازعَة وَلَو مشَاعا لما فِي التاترخانية. مطلب: قرض الْمشَاع جَائِز وَإِذَا دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ نصفهَا عَلَيْك قرض وَنِصْفهَا مَعَكَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ صَحَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ قَرْضَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، وَلَا يُوجَدُ لِهَذَا رِوَايَةٌ إلَّا هَا هُنَا. وَإِذَا جَازَ هَذَا العقد كَانَ لكل نِصْفَ حُكْمِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ وَعَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي جَازَ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَيْكَ وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهِيَةَ هُنَا، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: سُكُوتُ مُحَمَّدٍ عَنْهَا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ الرِّبْحَ لِي جَازَ وَلَا يُكْرَهُ، فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ النِّصْفَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَالْآخَرُ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِي التَّجْرِيدِ يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ وَنِصْفُهَا هِبَةٌ لَكَ وَقَبَضَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْعَمَل أَو بعده ضمن النّصْف حِصَّة الْهِبَة فَقَطْ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ سَتَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِيدَاعِ قَرِيبا من أَن الصَّحِيح أَنه لَا ضَمَان فِي حِصَّة الْهِبَة أَيْضا، لَان الصَّحِيح أَن الْهِبَة الْفَاسِدَة تملك بِالْقَبْضِ اهـ. لَكِن فِيهِ أَن الْوَاهِب سلط الْمَوْهُوب لَهُ على قبض مَاله فِي الْهِبَة الْمَذْكُورَة فَكيف يضمن، وَقد أوضح الْجَواب عَنهُ فِي (نور الْعين) بِأَن الْهِبَة الْفَاسِدَة تنْقَلب عقد مُعَاوضَة فَتكون كالمقبوض على حكم البيع الْفَاسِد وَهُوَ مَضْمُون. اهـ. وَقَوله: فَإِن ربح كَانَ بَينهمَا على السوَاء: أَي ربح جَمِيع الالف بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمَذْكُور. وَلَا يشكل هَذَا على قَوْلهم: إِن الشَّرْط الْمُوجب انْقِطَاع الشّركَة يُفْسِدهَا: أَي الْمُضَاربَة بِهِ. لانا نقُول: مَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة بِحَق نصف الالف هُوَ بضَاعَة لَا مُضَارَبَة تَأمل. قَوْله: (وكفت بِهِ) أَي فِي الاعلام. منح قَوْله: (الاشارة) كَمَا إِذا دفع لرجل دَرَاهِم مُضَارَبَة وَهُوَ لَا يعرف قدرهَا فَإِنَّهُ يجوز، فَيكون القَوْل فِي قدرهَا وصفتها للْمُضَارب مَعَ يَمِينه وَالْبَيِّنَة للْمَالِك: أَي إِذا إشار إِلَيْهَا لِئَلَّا يقعا فِي الْمُنَازعَة لَهُ فِي الدُّرَر. قَوْله: (وَالْبَيِّنَة للْمَالِك) أَي لَو ادّعى رب المَال أَنه دفع إِلَيْهِ أَلفَيْنِ وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 الْمضَارب ألفا فَسقط أَو ادّعى رب المَال أَنَّهَا بيض وَقَالَ الْمضَارب سود فَالْقَوْل للْمُضَارب بِيَمِينِهِ لانه مُنكر وَالْبَيِّنَة لرب المَال لانه مُدع. قَوْله: (لم يجز) لَان الْمضَارب أَمِين ابْتِدَاء وَلَا يتَصَوَّر كَونه أَمينا فِيمَا عَلَيْهِ من الدّين: أَي لانه لَا يبرأ إِلَّا بِتَسْلِيمِهِ لرَبه وَيكون الرِّبْح للْمُشْتَرِي فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الرِّبْح لرب الدّين وَيبرأ الْمضَارب عَن الدّين. كَذَا فِي الْخَانِية عَن العزمية. قَالَ فِي الْبَحْر، وَأما الْمُضَاربَة بدين: فَإِن كَانَ على الْمضَارب فَلَا يَصح وَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَالدّين فِي ذمَّته اهـ. والاوجه تَأْخِير هَذَا عِنْد قَوْله وَكَون رَأس المَال عينا لَا دينا بطرِيق التَّفْرِيع عَلَيْهِ كَمَا فعل صَاحب الدُّرَر. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلَى ثَالِثٍ) بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً، وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْوَاوِ، لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ، بِخِلَافِ الْفَاءِ وَالْوَاو، وَلَوْ قَالَ اقْبِضْ دَيْنِي لِتَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً لَا يصير مَأْذُونا مَا لَو يقبض الْكل. بَحر: أَي فَلَو عمل قبل أَن يقبضهُ كُله ضمن. وَبحث فِيهِ بِأَن القَوْل بِأَن الْفَاء كالواو فِي هَذَا الحكم نظر، لَان ثمَّ تفِيد التَّرْتِيب والتراخي وَالْفَاء تفِيد التعقيب وَالتَّرْتِيب، فَيَنْبَغِي أَن لَا يثبت الاذن فيهمَا قبل الْقَبْض بل يثبت عقبه، بِخِلَاف الْوَاو فَإِنَّهَا لمُطلق الْجمع من غير تعرض لمقارنة وَلَا تَرْتِيب، وَعَلِيهِ عَامَّة أهل اللُّغَة وأئمة الْفَتْوَى. تَأمل. قَوْله: (جَازَ) لَان هَذَا تَوْكِيل بِالْقَبْضِ وَإِضَافَة للمضاربة إِلَى مَا بعد قبض الدّين وَذَلِكَ جَائِز، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي لي عَلَيْك حَيْثُ لَا يجوز للمضاربة، لَان الْمُضَاربَة تَوْكِيل بِالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ بدين فِي ذمَّة الْوَكِيل لَا يَصح حَتَّى يعين البَائِع أَو الْمَبِيع عِنْد أبي حنيفَة فَبَطل التَّوْكِيل بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى لَو اشْترى كَانَ للْمَأْمُور، وَكَذَا لَا يَصح التَّوْكِيل بِقَبض مَا فِي ذمَّة نَفسه فَلَا يتَصَوَّر الْمُضَاربَة فِيهِ. وَعِنْدَهُمَا: يَصح التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ بِمَا فِي ذمَّة الْوَكِيل من غير تعْيين مَا ذكرنَا حَتَّى يكون مُشْتَريا للْآمِر، لَكِن المُشْتَرِي عرُوض فَلَا تصح الْمُضَاربَة بهَا على مابينا اه. زَيْلَعِيّ. مطلب: حِيلَة جَوَاز الْمُضَاربَة فِي الْعرُوض قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ) لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً قَبْلَ العقد. منح. وَيظْهر هَذَا فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي بعد. قَوْله: وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي عبدا نَسِيئَة الخ) هَذَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ عَرَضًا وَقَالَ لَهُ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً أَنَّهُ يَجُوزُ بالاولى كَمَا ذكرنَا، وَقد أوضحه الشَّرْح، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِجَوَازِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعُرُوضِ. وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ أَنْ يَبِيعَ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَشْتَرِي هَذَا الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ط. قَوْله: (مجتبى) وَمثله فِي الْبَحْر. قَوْله: (وَكَون رَأس المَال عَيْنًا) أَيْ مُعَيَّنًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْعَرَضَ. قَوْله: (كَمَا بسط فِي الدُّرَر) حَيْثُ قَالَ فِيهِ: لَان الْمضَارب أَمِين ابْتِدَاء، وَلَا يتَصَوَّر كَونه أَمينا فِيمَا عَلَيْهِ من الدّين، فَلَو قَالَ اعْمَلْ بِالدّينِ الَّذِي بذمتك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دين على الثَّالِث فَقَالَ اقبض مَالِي من فلَان واعمل بِهِ مُضَارَبَة حَيْثُ يجوز، لانه أضَاف الْمُضَاربَة إِلَى زمَان الْقَبْض وَالدّين فِيهِ يصير عينا وَهُوَ يصلح أَن يكون رَأس المَال. اهـ. وَهُوَ كَالَّذي قدمه فِي الدّين قَرِيبا، وَذكر فِيهِ تَفْصِيل كَمَا هُنَا بِأَن هَذَا إِذا كَانَ دينا على الْمضَارب. أما لَو كَانَ على غَيره جَازَ وَكره، لَان مَا كَانَ على الْغَيْر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 بِقَبْضِهِ يصير عينا فَتَقَع الْمُضَاربَة عَلَيْهِ لَا على الدّين كَمَا سَمِعت. فَمن قَالَ إِنَّه مُكَرر مَعَ مَا تقدم توهم أَنه مُتَقَدم متْنا، وَمن قَالَ إِنَّه موهم للاطلاق: أَي يُوهم أَنه لَا فرق أَن يكون الدّين على الْمضَارب أَو على الاجنبي، وَقد علمت الْجَواب أَن مَا على الاجنبي يصير عينا بِقَبْضِهِ فَلم يَقع العقد على الدّين بل على الْعين المقبوضة. قَوْله: (وَكَونه مُسلما إِلَى الْمضَارب) لَان المَال فِي الْمُضَاربَة من أحدا لجانبين وَالْعَمَل من جَانب الآخر فلَان يخلص المَال لِلْعَامِلِ ليتَمَكَّن فِي التَّصَرُّف مِنْهُ ولان المَال يكون أَمَانَة عِنْده فَلَا يتم إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، فَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمضَارب لَا تجوز الْمُضَاربَة، لانه شَرط يمْنَع من التَّسْلِيم، والتخلية بَين المَال وَالْمُضَارب سَوَاء كَانَ الْمَالِك عَاقِلا أَوْ لَا كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِير مُضَارَبَة وَشرط عمل شَرِيكه: أَي الصَّغِير مَعَ الْمُضَارِبِ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ. وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَشَرْطُ عَمَلِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوضين أَو شَرِيكي الْعَنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحبه فسد العقد. تاترخانية. وَلَو شَرط أَن يكون المَال كل لَيْلَة عِنْد الْمَالِك فَسدتْ الْمُضَاربَة. قُهُسْتَانِيّ. قَالَ الاسبيجابي: إِذا رد الْمضَارب رَأس المَال على الْمَالِك وَأمره أَن يَبِيع يَشْتَرِي على الْمُضَاربَة فَفعل وَربح فَهُوَ جَائِز على الْمُضَاربَة وَالرِّبْح على مَا شرطا لانه لم يُوجد صَرِيح النَّقْد وَلَا دلَالَته لانه صَار مستعينا بِهِ على الْعَمَل. وَإِذا وَقع الْعَمَل من رب المَال إِعَانَة لَا يَجْعَل استردادا، بِخِلَاف مَا إِذا شَرط عمل رب المَال حَال العقد أفسد. وَحكى الامام القَاضِي العامري عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الضَّرِير أَن شَرط عمل رب المَال مَعَ الْمضَارب إِنَّمَا يكون مُفْسِدا إِذا شَرط الْعَمَل جملَة، أما إِذا شَرط رب المَال لنَفسِهِ أَن يتَصَرَّف فِي المَال بِانْفِرَادِهِ مَتى بدا لَهُ وَأَن يتَصَرَّف الْمضَارب فِي جَمِيع المَال بِانْفِرَادِهِ مَتى بدا لَهُ جَازَت الْمُضَاربَة كَمَا فِي الذَّخِيرَة، وَقيد بِرَبّ المَال لَان الْعَاقِد لَو لم يكن رب المَال: فَإِن كَانَ أَهلا لَان يكون مضاربا فِي ذَلِك المَال كالاب وَالْوَصِيّ يجوز شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن أَهلا كالمأذون لَا يجوز كَمَا فِي الشُّرُوح اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مَتْنًا بَعْضُ هَذَا. قَوْله: (ليمكنه التَّصَرُّف) أَي ولانها فِي معنى الاجارة وَالْمَال مَحل فَيجب تَسْلِيمه. قَوْله: (لَان الْعَمَل فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ) فَلَو شَرط خلوص الْيَد لاحدهما لم تَنْعَقِد الشّركَة لانْتِفَاء شَرطهَا وَهُوَ الْعَمَل مِنْهُمَا. كَذَا فِي الدُّرَر. قَوْله: (شَائِعا) أنصافا أَو أَثلَاثًا مثلا لتحَقّق الْمُشَاركَة بَينهمَا فِي الرِّبْح قل أَو كثر. قَالَه فِي الْبُرْهَان. وَفِي الْبَحْر: الرَّابِع أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا شَائِعا كالنصف وَالثلث لَا سَهْما معينا يقطع الشّركَة كمائة دِرْهَم أَو مَعَ النّصْف عشرَة اهـ ط. أَي لاحْتِمَال أَن لَا يحصل من الرِّبْح إِلَّا مِقْدَار مَا شَرط لَهُ. وَإِذا انْتَفَى الشّركَة فِي الرِّبْح لَا تتَحَقَّق الْمُضَاربَة لانها جوزت، بِخِلَاف الْقيَاس بِالنَّصِّ بطرِيق الشّركَة فِي الرِّبْح فَيقْتَصر على مورد النَّص. وَفِي الْمَتْن إِيمَاء إِلَى أَن الْمَشْرُوط للْمُضَارب إِنَّمَا يكون من الرِّبْح، حَتَّى لَو شَرط مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ فَسدتْ كَمَا فِي الخزانة، وَعَلِيهِ تَعْرِيف الْمُضَاربَة. قَوْله: (فَلَو عين قدرا فَسدتْ) لقطعه الشّركَة فِي الرِّبْح. وَإِذا فَسدتْ فَلهُ أجر مثله لَا يُجَاوز الْمَشْرُوط عِنْد أبي يُوسُف لرضاه بِهِ إِذا كَانَ الْمُسَمّى مَعْلُوما. أما لَو كَانَ مَجْهُولا كَمَا هُنَا أَو لم يُوجد ربح لَا يُقَال رَضِي بِالْقدرِ الْمَشْرُوط زِيَادَة عَن حِصَّته من الرِّبْح لانه لم يرض بهَا إِلَّا مَعَ نصف الرِّبْح وَهُوَ مَعْدُوم، فالمسمى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 غير مَعْلُوم فَيجب أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ، وَقد يُجَاب بِأَن هَذَا العقد لما كَانَ فَاسِدا كَانَ مَا سمى فِيهِ مَحْظُورًا فَقطع النّظر عَمَّا هُوَ مُوجب الْمُضَاربَة وعول على مَا عين مَعَه على أَنه أجر مثل فِي إِجَارَة لَا مُوجب مُضَارَبَة، وَلِهَذَا قَالُوا: هَذِه إِجَارَة فِي صُورَة مُضَارَبَة. حموي عَن الْمَقْدِسِي. قلت: مَا بَحثه الْمَقْدِسِي صرح بِهِ الْقُهسْتَانِيّ معزيا للفصولين، وَنَصه بعد أَن حكى الْخلاف عَن الصاحبين فِي أَن أجر الْمثل هَل يجب بَالغا مَا بلغ أَو لَا يُجَاوز بِهِ الْمَشْرُوط؟ قَالَ: وَالْخلاف فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْبَحْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَقْدِيره الخ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة إِلَى تكلّف الْجَواب، وَلَا يُنَافِي كَلَام الْقُهسْتَانِيّ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِح من قَوْله: وَعَن أبي يُوسُف إِن لم يربح فَلَا أجر لَهُ، لانه ذكره بِلَفْظ عَن فَلَا يُنَافِي كَون الْمَذْهَب عِنْده اسْتِحْقَاق الاجر لَهُ بَالغا مَا بلغ. بَقِي أَن يُقَال: ظَاهر كَلَام الْمَقْدِسِي أَن الْمُسَمّى للْمُضَارب من الرِّبْح إِذا كَانَ جُزْءا شَائِعا كالنصف يُقَال إِنَّه مَعْلُوم، وَهُوَ مُخَالف لما فِي الشمني حَيْثُ قَالَ: فَإِن كَانَ الْمُسَمّى مَعْلُوما لَا يُزَاد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مَجْهُولا كدابة أَو ثوب يجب بَالغا مَا بلغ، وَإِن كَانَ مَعْلُوما من وَجه دون وَجه كالجزء الشَّائِع مثل النّصْف وَالرّبع: فَعِنْدَ مُحَمَّد يجب بَالغا مَا بلغ لانه مَجْهُول إِذْ يكثر بِكَثْرَة مَا يحصل وَينْقص بقلته. وَعِنْدَهُمَا: لَا يُزَاد على الْمُسَمّى لانه مَعْلُوم من جملَة مَا يحصل بِعَمَلِهِ اهـ. أَبُو السُّعُود. وَإِنَّمَا تكون إِجَارَة فَاسِدَة إِذا فَسدتْ إِن لم يبين مُدَّة مَعْلُومَة. أما لَو بَينهَا يَنْبَغِي أَن يكون أَجِيرا خَاصّا فَيسْتَحق بِتَسْلِيم نَفسه فِي الْمدَّة كَمَا هُوَ حكم الاجير الْخَاص، وليراجع. قَوْله: (وَكَوْنُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ) لَان الرِّبْح هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ وجهالته توجب فَسَاد العقد اهـ. دُرَر. قَوْله: (فَسدتْ) لانهما شَرْطَانِ لَا يقتضيهما العقد. قَالَ فِي التاترخانية: وَمَا لَا يُوجب شَيْئا من ذَلِك لَا يُوجب فَسَاد الْمُضَاربَة نَحْو أَن يشترطا أَن تكون الوضيعة عَلَيْهِمَا. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَو قَالَ إِن الرِّبْح والوضيعة بَيْننَا لم يجز، وَكَذَا لَو شرطا الوضيعة أَو بَعْضهَا على الْمضَارب فَسدتْ. وَذكر الْكَرْخِي: أَن الشَّرْط بَاطِل، وَتَصِح الْمُضَاربَة إِذا شَرط فِيهِ نصف الرِّبْح. وَفِي الذَّخِيرَة: ذكر شيخ الاسلام فِي أول الْمُضَاربَة أَن الْمُضَاربَة لَا تفْسد بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة. وَإِذا شَرط للْمُضَارب ربح عشرَة فَسدتْ لانه شَرط فَاسد لانه شَرط تَنْتفِي بِهِ الشّركَة فِي الرِّبْح اهـ. قَوْله: (يُوجب جَهَالَة فِي الرِّبْحِ) كَمَا إذَا شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه بِأَو الترديدية حَلَبِيّ: يَعْنِي ذكر مَجْمُوع الثَّلَاثَة بطرِيق الترديد لاقْتِضَاء الترديد جَهَالَة الرِّبْح. قَوْله: (أَو يقطع الشّركَة) كَمَا لَو شَرط لاحدهما دَرَاهِم مُسَمَّاة. حَلَبِيّ. وَأورد الاكمل شَرط الْعَمَل على رب المَال فَإِنَّهُ يُفْسِدهَا وَلَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِالْفَسَادِ مَا بعد الْوُجُود وَهِي عِنْد اشْتِرَاط ذَلِك لَو تُوجد الْمُضَاربَة أصلا، إِذْ حَقِيقَتهَا أَن يكون الْعَمَل فِيهَا من طرف الْمضَارب. وَفِي الْمَقْدِسِي: قَالَ الزَّيْلَعِيّ وَغَيرهَا: فالاصل أَن كل شَرط يُوجب جهل الرِّبْح أَو قطع الشّركَة مُفسد، وَمَا لَا فَلَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 قَالَ الْأَكْمَلُ: شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُفْسِدهَا وَلَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلم يطرد. وَالْجَوَاب أَنه قَالَ: وَغير ذَلِك من الشُّرُوط الْفَاسِدَة لَا يُفْسِدهَا. وَإِذا شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِك مُضَارَبَة وسلب الشئ عَن الْمَعْدُوم صَحِيح يجوز أَن تَقول زيد الْمَعْدُوم لَيْسَ ببصير، وَقَوله بعد: وَشرط الْعَمَل على الْمَالِك مُفسد مَعْنَاهُ مَانع عَن تحَققه. قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: مضمونه وَإِن لم يكن فَاسِدا فِي نَفسه إِلَّا أَنه مُفسد لِمَعْنى الْمقَام، لَان معنى الْقسم الثَّانِي من الاصل على مَا صَرَّحُوا بِهِ هُوَ أَن غير ذَلِك من الشُّرُوط لَا يفْسد الْمُضَاربَة بل تبقى صَحِيحَة وَيبْطل الشَّرْط، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف بقوله كاشتراط الوضيعة على الْمضَارب، وَقد كَانَ اعْترف بِهِ أَولا حَيْثُ قَالَ: وَلما كَانَ من الشُّرُوط مَا يفْسد العقد وَمِنْهَا مَا يبطل فِي نَفسه وَتبقى الْمُضَاربَة صَحِيحَة أَرَادَ أَن يُشِير إِلَى ذَلِك بِأَمْر جلي فَقَالَ شَرط الخ، وَلَا شكّ أَن الْمُضَاربَة لَا تندرج فِي هَذَا الْمَعْنى. اهـ. مَا فِي الْمَقْدِسِي. وَعبارَة الدُّرَر كَذَا: أَن يفْسد الْمُضَاربَة كل شَرط يُوجب جَهَالَة الرِّبْح، كَمَا لَو قَالَ لَك نصف الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه، لما مر أَن الرِّبْح هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ فجهالته تفْسد العقد وَغَيره لَا: أَي غير ذَلِك من الشُّرُوط الْفَاسِدَة، بل يبطل الشَّرْط كاشتراط الخسران على الْمضَارب فَإِنَّهُ لَا يقطعهَا وَهُوَ على رب المَال. قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قَوْله كَمَا لَو قَالَ لَك نصف الرِّبْح أَو ثلثه أَو ربعه وَلم يعين وَاحِدًا من هَذِه الكسور والاعداد. وَفِي بعض النّسخ: أَو شَرط أَن يدْفع الْمضَارب دَاره إِلَى رب المَال ليسكنها أَو أرضه سنة ليزرعها. وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي شُرُوح الْهِدَايَة. قَوْله: وَغَيره أَي غير كل شَرط يُوجب جَهَالَة الرِّبْح أَو غير كل شَرط يُوجب قطع الشّركَة فِي الرِّبْح أَو جَهَالَة لَا يفْسد ذَلِك الْغَيْر من الشُّرُوط الْفَاسِدَة عقد الْمُضَاربَة بل يبطل الشَّرْط وَتبقى الْمُضَاربَة صَحِيحَة، هَذَا هُوَ الْمَعْنى من سوق الْكَلَام وَمُقْتَضى الْكَلَام. وَلَكِن اعْترض عَلَيْهِ بِأَن شَرط الْعَمَل على رب المَال شَرط لَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلم يطرد هَذَا الضَّابِط الْكُلِّي. أَقُول: دَفعه على مَا نسقه المُصَنّف ظَاهر، لانه ذكر هَذَا الشَّرْط أَولا وأتى بالضابط الْكُلِّي بعده فَيحمل على غير هَذَا لشرط بِقَرِينَة الْمُقَابلَة. وَأما على مَا هُوَ تَرْتِيب صَاحب الْهِدَايَة حَيْثُ أخر ذكر هَذَا الشَّرْط عَن ذَلِك فَيكون مُخَصّصا لعمومه، بل يكون بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء بِهِ عَنهُ، ونظائره أَكثر من أَن تحصى كَمَا لَا يخفى على من تدرب هَذَا، ولبعض الشُّرَّاح هُنَا جَوَاب عَنهُ ولبعضهم اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَلذَلِك تَرَكْنَاهُ، وَمَا ذَكرْنَاهُ أولى. وَمَا يُقَال فِي دفع الِاعْتِرَاض من أَن الشَّرْط الَّذِي يُوجب جَهَالَة الرِّبْح لَيْسَ فَسَاد الْمُضَاربَة بِهِ لمقارنة شَرط فَاسد بل لِانْعِدَامِ صِحَّتهَا وَهُوَ معلومية الرِّبْح، وَكَذَا فَسَادهَا بِشَرْط الْعَمَل على رب المَال لَيْسَ لكَونه شرطا مُفْسِدا بل لتَضَمّنه انْتِفَاء شَرط صِحَة الْمُضَاربَة وَهُوَ تَسْلِيم المَال إِلَى الْمضَارب. أَقُول: كَون كل من هذَيْن الشَّرْطَيْنِ متفرعا على شَرط من الشُّرُوط السِّتَّة لَا يمْنَع وُرُود ذَلِك الشَّرْط على هَذَا الضَّابِط الْكُلِّي، لانه فِي بَيَان الشَّرْط وَغير الْمُفْسد وَالْفرق بَينهمَا. وَأَقُول: الامر أقرب من ذَلِك كُله، فَيُقَال: هَذِه الْكُلية غير صَحِيحَة وَيُزَاد فِيمَا يفْسد الْمُضَاربَة اشْتِرَاط الْعَمَل الخ. تَأمل. قَوْله: (يُفْسِدهَا) فللعامل أجر مثل عمله لانه لم يرض بِالْعَمَلِ مجَّانا وَلَا سَبِيل إِلَى الْمُسَمّى الْمَشْرُوط للْفَسَاد فيصار إِلَى أجر الْمثل ضَرُورَة وَالرِّبْح لرب المَال لانه نَمَاء ملكه. دُرَر. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِلَّا يكن وَاحِد مِنْهُمَا: أَي لم يُوجب الشَّرْط جَهَالَة فِي الرِّبْح وَلَا قطعا فِي الشّركَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 بَطل الشَّرْط كاشتراط الخسران على الْمضَارب، وَكَذَا على رب المَال أَو عَلَيْهِمَا كَمَا فِي التُّحْفَة. قَوْله: (وَصَحَّ العقد اعْتِبَارا بِالْوكَالَةِ) لَان الخسران جُزْء هَالك من المَال فَلَا يجوز أَن يلْزم غير رب المَال، لكنه شَرط زَائِد لَا يُوجب قطع الشّركَة فِي الرِّبْح، والجهالة فِيهِ لَا تفْسد الْمُضَاربَة بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة كَالْوكَالَةِ، ولان صِحَّتهَا تتَوَقَّف على الْقَبْض فَلَا تبطل بِالشّرطِ كَالْهِبَةِ. دُرَر. قَوْله: (وَلَو ادّعى الْمضَارب فَسَادهَا) الاخصر الاوضح أَن يَقُول: وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مِنْهُمَا. قَوْله: (الْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ) قَيده فِي الذَّخِيرَة بِمَا إِذا اتَّحد العقد. أما لَو اخْتلف العقد فَالْقَوْل لرب المَال، إِلَّا إِذا اتفقَا على مَا يَكْفِي لصِحَّة الْمُضَاربَة وَادّعى رب المَال شَرط الزِّيَادَة ليوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل. وَبَيَانه: أَنه لَو ادّعى الْمضَارب اشْتِرَاط ثلث الرِّبْح وَادّعى رب المَال اسْتثِْنَاء عشرَة مِنْهُ فَالْقَوْل لرب المَال، لَان الْمضَارب يَدعِي صِحَة الْمُضَاربَة وَرب المَال يَدعِي الاجارة الْفَاسِدَة وهما مُخْتَلِفَانِ، فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بالاجارة الْفَاسِدَة وَادّعى الآخر الشِّرَاء الصَّحِيح مِنْهُ كَانَ القَوْل لرب المَال لاخْتِلَاف الْعقْدَيْنِ. أما لَو ادّعى الْمضَارب أَن الْمَشْرُوط ثلث الرِّبْح وَادّعى رب المَال الثُّلُث وَعشرَة دَرَاهِم كَانَ القَوْل للْمُضَارب لانه يَدعِي شرطا زَائِدا يُوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل قَوْله، كَمَا فِي البيع إِذا اتفقَا عَلَيْهِ وَادّعى أَحدهمَا أَََجَلًا مَجْهُولا يُوجب فَسَاد العقد وَأنكر الآخر، بِخِلَاف. قَوْله: (اشْترطت لَك ثلث الرِّبْح إِلَّا عشرَة) لَان هُنَاكَ اتفقَا على مَا يَكْفِي لصِحَّة العقد، لَان الْكَلَام المقرون بِالِاسْتِثْنَاءِ تكلم بِمَا وَرَاء الْمُسْتَثْنى وَذَلِكَ مَجْهُول يمْنَع صِحَة العقد. قَوْله: (وَلَو فِيهِ فَسَادهَا) لانه يُمكن أَن لَا يظْهر ربح إِلَّا الْعشْرَة فاستثناؤها مؤد إِلَى قطع الشّركَة فِي الرِّبْح. قَوْله: (إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ ثلث الرِّبْح) قيل عَلَيْهِ لَا يظْهر اسْتثِْنَاء هَذَا الْفَرْع من الْقَاعِدَة لَان رب المَال يَدعِي الْفساد وَالْمُضَارب الصِّحَّة وَالْقَوْل لمدعيها، فَهُوَ دَاخل تَحت الْقَاعِدَة كَمَا لَا يخفى. أَقُول: لَيست الْقَاعِدَة على إِطْلَاقهَا، بل هِيَ مُقَيّدَة بِمَا إِذا لم يدْفع مدعي الْفساد بِدَعْوَى الْفساد اسْتِحْقَاق مَال على نَفسه كَمَا هُنَا، فَحِينَئِذٍ يكون القَوْل. قَوْله: كَمَا قدمْنَاهُ عَن الذَّخِيرَة، وَحِينَئِذٍ لَا صِحَة لقَوْل المُصَنّف فَالْقَوْل للْمُضَارب، وَالصَّوَاب فَالْقَوْل لرب المَال، لانه الْمُدَّعِي للْفَسَاد ليدفع بِدَعْوَاهُ الْفساد اسْتِحْقَاق مَال عَن نَفسه، وَحِينَئِذٍ يتم الِاسْتِثْنَاء، وَلَا وَجه لما قيل إِن القَوْل فِي هَذِه الصُّورَة قَول مدعي الصِّحَّة حَيْثُ كَانَت الْقَاعِدَة مُقَيّدَة بِمَا ذَكرْنَاهُ. اهـ. كَلَام الْحَمَوِيّ، فَلَمَّا كَانَ فِي كَلَام الاشباه مَا يَقْتَضِي عدم صِحَة الِاسْتِثْنَاء على مَا ذكره المُصَنّف مُوَافقا لما فِي الْخَانِية والذخيرة البرهانية فِي الْفَصْل الرَّابِع عشر مِنْهَا من الْمُضَاربَة ومخالفا للصَّوَاب حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْل للْمُضَارب، وَالصَّوَاب فَالْقَوْل لرب المَال على مَا ذكره الْحَمَوِيّ مُسْتَندا لعبارة الذَّخِيرَة الَّتِي نَقله عَنْهَا. قَالَ الشَّارِح: وَمَا فِي الاشباه فِيهِ اشْتِبَاه، فَليُحرر مَا يكْشف ذَلِك الِاشْتِبَاه. وَالَّذِي نَقله الْحَمَوِيّ عَن الذَّخِيرَة هُوَ مَا ذكره فِي الْبيُوع فِي الْفَصْل الْعَاشِر، وَهُوَ أَن مَا ذكر فِي عِبَارَته كَمَا نَقله عَنهُ مَا إِذا قَالَ الْمضَارب لرب المَال شرطت لي نصف الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَرب المَال يَدعِي جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لَك نصف الرِّبْح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 وَقد صرح صَاحب الذَّخِيرَة فِي كتاب الْمُضَاربَة بِأَنَّهُ لَو قَالَ الْمضَارب شرطت لي نصف الرِّبْح وَزِيَادَة عشرَة أَن القَوْل فِيهِ للْمُضَارب، وَعلله بِأَن رب المَال يَدعِي شرطا زَائِدا يُوجب فَسَاد العقد فَلَا يقبل كَمَا تقدم فِي عِبَارَته فَلَا يتم مَا قَالَه الْمحشِي الْحَمَوِيّ لمُجَرّد تَعْلِيل صَاحب الذَّخِيرَة مَعَ نَصه أَن الحكم خلاف ذَلِك وَلَا سِيمَا أَن مَا ذكره الْفَقِيه فِي غير بَابه، فَالْحق مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمنح. تَأمل. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ) مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ الثُّلُثَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ الثُّلُثُ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ. قَوْله: (فِيهِ اشْتِبَاه) فَإِنَّهُ ظن أَن الْفَرْع خَارج عَن الْقَاعِدَة مَعَ أَنه دَاخل فِيهَا لانا جعلنَا القَوْل فِيهِ لمُدعِي الصِّحَّة وَهُوَ الْمضَارب الْمُدَّعِي وُقُوعهَا بِالثُّلثِ فَلَا يَصح قَوْله إِلَّا إِذا قَالَ رب المَال الخ. كَذَا فِي الْمنح. وَذكر نَحوه أَنه الشَّيْخ صَالح فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجه لما ذكره الْحَمَوِيّ فِي حل هَذِه الْعبارَة وَنَصه: قَوْله: أَي صَاحب الاشباه القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه، بل هُوَ مُقَيّد بِمَا إِذا لم يدْفع مدعي الْفساد بِدَعْوَى الْفساد اسْتِحْقَاق مَال عَن نَفسه، كَمَا إِذا ادّعى الْمضَارب فَسَاد العقد بِأَن قَالَ رب المَال شرطت فِي الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَرب المَال بدعي جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لَك نصف الرِّبْح فَالْقَوْل قَول رب المَال، لَان الْمضَارب بِدَعْوَى الْفساد لَا يدْفع استحقاقا عَن نَفسه، لَان الْمُسْتَحق على الْمضَارب مَنَافِعه والمستحق لَهُ على رب المَال جُزْء من الرِّبْح وَإنَّهُ عين المَال وَالْمَال خير من الْمَنْفَعَة والاستحقاق بعوض هُوَ خير كالاستحقاق فَلم يكن الْمضَارب بِدَعْوَى الْفساد دافعا عَن نَفسه استحقاقا فَلَا يقبل قَوْله. وَرب المَال إِذا ادّعى فَسَاد الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ للْمُضَارب شرطت نصف الرِّبْح إِلَّا عشرَة وَالْمُضَارب ادّعى جَوَاز الْمُضَاربَة بِأَن قَالَ شرطت لي نصف الرِّبْح فَالْقَوْل لرب المَال، لانه بِدَعْوَى الْفساد يدْفع عَن نَفسه اسْتِحْقَاق مَال، لَان مَا يسْتَحق لرب المَال مَنْفَعَة الْمضَارب، وَمَا يسْتَحق على رب المَال عين مَال وَهُوَ خير من الرِّبْح وَالْعين خير من الْمَنْفَعَة، وَإِن كَانَ كَذَلِك كَانَ رب المَال بِدَعْوَى الْفساد دافعا عَن نَفسه اسْتِحْقَاق زِيَادَة المَال فَكَانَ القَوْل قَوْله. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. قَوْله: (فِي الْمُطلقَة) بِسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة كَأَن يَقُول دفعت إِلَيْك هَذَا المَال مُضَارَبَة وَلم يزدْ عَلَيْهِ. قَوْله: (الَّتِي لم تقيد بمَكَان) أما لَو قَيده فِي الْبَلَد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر عَنْهَا، كَمَا لَو قَيده ببلدة أُخْرَى فَيتَعَيَّن السّفر، وَلَا يَبِيع فِي بَلَده للُزُوم الْقَيْد، وَكَلَام الْمُؤلف على حذف أَي التفسيرية فَهُوَ بَيَان للمطلقة. قَوْله: (أَو زمَان) فَلَو قيد بالشتاء فَلَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع بالصيف كَعَكْسِهِ. قَوْله: (أَو نوع) فَلَو قيد بِالْبرِّ لَيْسَ لَهُ أَن يتجر فِي الرَّقِيق مثلا، وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد أَو شخص من المعاملين بِعَيْنِه كَمَا سَيذكرُهُ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ من الْمقيدَة كَمَا حَقَّقَهُ قَاضِي زَاده، ثمَّ لَا يجوز للْمُضَارب أَن يعْمل فِي غير ذَلِك الْمُقَيد. شلبي. قَوْله: (البيع) قَالَ الشهَاب الشلبي فِي شَرحه: اشْترى الْمضَارب أَو بَاعَ بِمَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ يكون مُخَالفا قَالَ لَهُ رب المَال اعْمَلْ بِرَأْيِك أَو لَا، لَان الْغبن الْفَاحِش تبرع وَهُوَ مَأْمُور بِالتِّجَارَة لَا بالترع. وَلَو بَاعَ مَال الْمُضَاربَة بِمَا لَا يتَغَابَن فِيهِ أَو بِأَجل غير مُتَعَارَف جَازَ عِنْد الامام خلافًا لَهما كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ اه. وَإِنَّمَا يَبِيع وَيَشْتَرِي من غير أُصُوله وفروعه. كَذَا فِي سري الدّين عَن الْوَلوالجِيَّة ط. قَوْله: (وَلَو فَاسِدا) لَان الْمَبِيع فِيهِ يملك بِالْقَبْضِ فَيحصل الرِّبْح بِعقد الْمُعَاوضَة وَهُوَ صَنِيع التُّجَّار، بِخِلَاف الْبَاطِل كَمَا فِي الاشباه وَلَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 المُرَاد مِنْهُ أَنه يجوز لَهُ مُبَاشَرَته لِحُرْمَتِهِ، بل المُرَاد أَنه لَا يكون بِهِ مُخَالفا فَلَا يكون غَاصبا فَلَا يخرج المَال عَن كَونه فِي يَده أَمَانَة. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (ونسيئة) النَّسِيئَة بِالْهَمْز وَالنِّسَاء بِالْمدِّ: التَّأَخُّر، وَلَو اخْتلفَا فِي النَّقْد والنسيئة فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَلِلْمُوَكِّلِ فِي الْوَكَالَةِ كَمَا مر متْنا فِي الْوكَالَة. قَوْله: (متعارفة) احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا بَاعَ إِلَى أجل طَوِيل. زَيْلَعِيّ: أَي كسنتين فِي عرفنَا أَو أجل لم يعْهَد عِنْد التُّجَّار كعشرين سنة كَمَا مر فِي الدُّرَر، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ النَّسِيئَة لانه عَسى لَا يحصل لَهُ الرِّبْح إِلَّا بِالنَّسِيئَةِ، حَتَّى لَو شَرط عَلَيْهِ البيع بِالنَّقْدِ لَا يجوز لَهُ أَن يَبِيع بنسيئة. وَفِي شَرط النَّسِيئَة يجوز لَهُ أَن يَبِيع بِالنَّقْدِ. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمَبْسُوط قَالُوا: وَهَذَا إِذا بَاعه بِالنَّقْدِ بِمثل قِيمَته أَو أَكثر أَو بِمثل مَا سمي لَهُ من الثّمن، فَإِن كَانَ بِدُونِ ذَلِك فَهُوَ مُخَالف، وَلَو قَالَ لَا تبعه بِأَكْثَرَ من ألف فَبَاعَ بِأَكْثَرَ جَازَ لانه خير لصَاحبه. كَذَا فِي الْحَاوِي. لَو كَانَت الْمُضَاربَة مُطلقَة فخصها رب المَال بعد عقد الْمُضَاربَة نَحْو إِن قَالَ لَهُ لَا تبع بِالنَّسِيئَةِ أَو لَا تشتر دَقِيقًا وَلَا طَعَاما أَو لَا تشتر من فلَان أَو لَا تُسَافِر: فَإِن كَانَ التَّخْصِيص قبل أَن يعْمل الْمضَارب أَو بَعْدَمَا عمل فَاشْترى وَبَاعَ وَقبض الثّمن وَصَارَ المَال ناضجا جَازَ تَخْصِيصه، وَإِن كَانَ التَّخْصِيص بعد مَا عمل وَصَارَ المَال عرضا لَا يَصح. وَكَذَا لَو نَهَاهُ عَن السّفر فعلى الرِّوَايَة الَّتِي يملك السّفر فِي الْمُضَاربَة الْمُطلقَة إِن كَانَ المَال عرضا لَا يَصح نَهْيه. كَذَا فِي فتاوي قاضيخان. فَإِذا اشْترى بِبَعْض المَال شَيْئا ثمَّ قَالَ لَا تعْمل بِهِ إِلَّا فِي الْحِنْطَة لم يكن لَهُ أَن يَشْتَرِي بِالْبَاقِي إِلَّا الْحِنْطَة، فَإِذا بَاعَ ذَلِك الشئ وَصَارَ نَقْدا لم يشتر بِهِ إِلَّا الْحِنْطَة. كَذَا فِي الْحَاوِي انْتهى. قَوْله: (وَالشِّرَاء) أَي نَقْدا أَو نَسِيئَة بِغَبن يسير، فَلَو اشْترى بِغَبن فَاحش فمخالف، وَإِن قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَمَا فِي الذَّخِيرَة، والاطلاق مُشْعِرٌ بِجَوَازِ تِجَارَتِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ مَعَ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ وَوَالِدَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يَشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَقِيلَ مِنْ مكَاتبه بالِاتِّفَاقِ. قُهُسْتَانِيّ. قَوْله: (وَالتَّوْكِيل) لانه دون الْمُضَاربَة وجزء مِنْهُ الْمُضَاربَة تَتَضَمَّن الاذن بِهِ. قَوْله: (بهما) أَي بِالْبيعِ وَالشِّرَاء. قَوْله: (وَالسّفر برا وبحرا) إِلَّا أَن ينهاه عَنهُ نصا مُطلقًا على الاصح كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة. وَفِي الْخَانِية: لَهُ أَن يُسَافر برا وبحرا فِي ظَاهر الرِّوَايَة فِي قَول أبي حنيفَة، وَمُحَمّد هُوَ الصَّحِيح وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يُسَافر، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف كَمَا فِي الْمَقْدِسِي. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَلَا يُسَافر سفرا مخوفا يتحابى عَنهُ النَّاس فِي قوتهم. قَالَ الرحمتي: وَله السّفر برا وبحرا: أَي فِي وَقت لَا يغلب فِيهِ الْهَلَاك وَفِي مَكَان كَذَلِك. قَوْله: (وَلَو دفع لَهُ المَال فِي بَلَده على الظَّاهِر) وَعَن أبي يُوسُف عَن الامام أَنه إِن دفع إِلَيْهِ المَال فِي بَلَده لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بِهِ، وَإِن دفع إِلَيْهِ فِي غربَة كَانَ لَهُ أَن يُسَافر بِهِ إِلَى بَلَده، لَان الظَّاهِر أَن صَاحبه رَضِي بِهِ إِذْ الانسان لَا يُقيم فِي دَار الغربة دَائِما فإعطاؤه المَال فِي هَذِه الْحَالة ثمَّ علمه بِحَالهِ يدل على رِضَاهُ بِهِ. وَجه الظَّاهِر أَن الْمُضَاربَة مُشْتَقَّة من الضَّرْب فِي الارض فَيملكهُ بِمُطلق العقد، إِذْ اللَّفْظ دَال عَلَيْهِ، وَلَا نسلم أَنه تَعْرِيض على الْهَلَاك لَان الظَّاهِر فِيهِ السَّلامَة وَلَا مُعْتَبر بالموهوم كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (وَلَو لرب المَال) أَرَادَ بالابضاع لَهُ استعانة فَيكون مَا اشْتَرَاهُ وَمَا بَاعه على الْمُضَاربَة لَا مَا هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 الْمُتَعَارف من أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي البرجندي. قَوْله: (وَلَا تفْسد بِهِ الْمُضَاربَة) لَان حق التَّصَرُّف للْمُضَارب فيصلح أَن يكون رب المَال وَكيلا عَنهُ فِي التَّصَرُّف خلافًا لزفَر، لَان رب المَال عِنْده حِينَئِذٍ متصرف لنَفسِهِ وَهُوَ لَا يصلح أَن يكون وَكيلا فِيهِ فَيكون مستردا وَقَول الْعَيْنِيّ: وَيكون الرِّبْح لِلْعَامِلِ صَوَابه: وَلَا يكون أَن يحمل الْعَامِل على الْمضَارب الَّذِي وجد مِنْهُ الابضاع وَإِن لم يعْمل بِالْفِعْلِ. كَذَا ذكره الشَّيْخ شاهين. وَلَيْسَ المُرَاد بِالرِّبْحِ الَّذِي يكون للْمُضَارب فِي كَلَام الشَّيْخ شاهين دون رب المَال إِذا دفع إِلَيْهِ المَال بضَاعَة أصل الرِّبْح بل مَا يَخُصُّهُ مِنْهُ فَتنبه. أَبُو السُّعُود قَوْله: (كَمَا يجِئ) أَي فِي أول المتفرقات قَوْله: (وَالرَّهْن والارتهان) قَالَ فِي الْبَحْر: وَله أَن يرْهن ويرتهن بهَا، وَلَوْ أَخَذَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ فِي تَلْقِيحِهَا وَتَأْبِيرِهَا مِنْ الْمَالِ لَمْ يُجْزَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، فَإِنْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلَا يضمن، بِخِلَاف الْوَكِيل الْخَاص لَو حط بعض الثّمن إِن لعيب طعن المُشْتَرِي فِيهِ، وَمَا حط حِصَّته أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي الزِّيَادَةِ يَصِحُّ وَيَضْمَنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِي على المُشْتَرِي، وَيحرم عَلَيْهِ وطئ الْجَارِيَةِ وَلَوْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجِ رَبِّ الْمَالِ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْمل مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَا مَا لَا يَعْمَلُهُ التُّجَّارُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَلَوْ بَاعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ. وَإِذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ بِهَذَا الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ كَانَ لنَفسِهِ وبالدنانير للمضاربة لانهما جنس هُنَا انْتهى. قَوْله: (والاستئجار) أَي اسْتِئْجَار الْعمَّال للاعمال والمنازع لحفظ الاموال والسفن وَالدَّوَاب كَمَا فِي الْخَانِية والايجار كَذَلِك. عبد الْحَلِيم. قَوْله: (فَلَو اسْتَأْجر الخ) كَانَ هَذَا فِي عرفهم أَنه من صَنِيع التُّجَّار، وَفِي عرفنَا لَيْسَ هُوَ من صنيعهم فَيَنْبَغِي أَن لَا يملكهُ، قَوْله: (أَي قبُول الْحِوَالَة) هَذَا لَيْسَ معنى الاحتيال، لَان الاحتيال كَونه محتالا وَذَلِكَ بِرِضا الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ والمحال وَإِنَّمَا اقْتصر عَلَيْهِ لانه الْمَقْصُود هُنَا ط. قَوْله: (من صَنِيع التُّجَّار) أَي عَمَلهم، وَفِي بعض النّسخ صناع جمع صَنْعَة بِمَعْنى مصنوعة. قَوْله: (لَا يملك الْمُضَاربَة) هَذَا إِذا كَانَت المضاربتان صحيحتين. أما إِذا كَانَ إِحْدَاهمَا فَاسِدَة أَو كلتاهما فَلَا يمْنَع مِنْهُ الْمضَارب. قَالَه سري الدّين. وَهَذَا أَيْضا إِذا كَانَت مَعَ غير رب المَال. أما إِذا كَانَت مَعَه فَهِيَ صَحِيحَة كَمَا تقدم عَن الاسبيجابي. قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ هُوَ من بَاب الْمُضَاربَة وتوابعها فيملكها بِمُطلق الايجاب، وَهُوَ الايداع والابضاع والاجارة والاستئجار وَالرَّهْن والارتهان وَمَا أشبه ذَلِك. وَقسم آخر لَيْسَ من الْمُضَاربَة الْمُطلقَة لكنه يحْتَمل أَن يلْحق بهَا عِنْد وجود الدّلَالَة، وَهُوَ إِثْبَات الشّركَة فِي الْمُضَاربَة بِأَن يدْفع إِلَى غَيره مُضَارَبَة أَو يخلط مَال الْمُضَاربَة بِمَالِه أَو بِمَال غَيره فَإِنَّهُ لَا يملك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 هَذَا بِمُطلق الْمُضَاربَة، لَان رب المَال لم يرض بشركة غَيره، وَهُوَ أَمر زَائِد على مَا تقوم بِهِ التِّجَارَة فَلَا يتَنَاوَلهُ مُطلق عقد الْمُضَاربَة، لَكِن يحْتَمل أَن يلْحقهَا بالتعميم. وَقسم لَا يُمكن أَن يلْحق بهَا، وَهُوَ الاقراض والاستدانة على المَال لَان الاقرار لَيْسَ بِتِجَارَة، وَكَذَا الِاسْتِدَانَة على المَال بل تصرف بِغَيْر رَأس المَال وَالتَّوْكِيل مُقَيّد بِرَأْس المَال انْتهى. قَوْله: (وَالشَّرِكَة) لانها فَوْقهَا. قَوْله: (والخلط بِمَالِ نَفْسِهِ) وَكَذَا بِمَالِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْر: أَي لانه شركَة إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَامَلَةُ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ الْبَلَد أَنَّ الْمُضَارِبَيْنِ يَخْلِطُونَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ، فَإِنْ غَلَبَ التعارف فِي مِثْلِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كَمَا فِي التاترخانية. وفيهَا من الثَّانِي عَشَرَ: دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا بِالنِّصْفِ ثُمَّ أَلْفًا أُخْرَى كَذَلِكَ فَخَلَطَ الْمُضَارِبُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه، أما إِن قَالَ الْمضَارب فِي كل من المضاربتين اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا أَوْ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِي الْمَالَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَفِي الثَّانِي: إنْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا، وَإِنْ بعده فيهمَا ضَمِنَ الْمَالَيْنِ وَحِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْخَلْطِ، وَإِنْ بَعْدَ الرِّبْحِ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ ضَمِنَ الَّذِي لَا رِبْحَ فِيهِ. وَفِي الثَّالِثِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فِي الْأُولَى أَوْ يَكُونَ فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلٌّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَخْلِطَهُمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ، أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ، أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ فِي الْأُولَى لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ فِيمَا لَوْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْح فيهمَا اهـ. قَالَ فِي مُشْتَمل الاحكام: وَفِي فَتَاوَى أبي اللَّيْث إِذا دفع إِلَى رجل دَرَاهِم مُضَارَبَة وَلم يقل اعْمَلْ فِي ذَلِك بِرَأْيِك وَالْحَال أَن مُعَاملَة التُّجَّار فِي تِلْكَ الْبَلدة يخلطون الاموال وأرباب الاموال لَا ينهونهم عَن ذَلِك وَقد غلب التعارف فِي مثل هَذَا رَجَوْت أَن لَا يضمن وَيكون الامر مَحْمُولا على مَا تعارفوا. قَوْله: (إِلَّا بِإِذن أَو اعْمَلْ بِرَأْيِك) وَفِي الْمَقْدِسِي: وَمِمَّا تفارق الْمُضَاربَة فِيهِ الْوكَالَة لَو قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك فللمضارب أَن يضارب وَيَقُول للثَّانِي اعْمَلْ بِرَأْيِك وَيكون للثَّانِي أَن يضارب، بِخِلَاف الْوَكِيل الثَّانِي. وَمِنْهَا لَو رام رد عبد بِعَيْب فنكل عَن الْيَمين أَنه مَا رَضِي بِهِ بَقِي العَبْد على الْمُضَاربَة، بِخِلَاف الْوَكِيل. وَفِي الاشباه: إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ثمَّ قَالَ لَهُ لَا تعْمل بِرَأْيِك صَحَّ نَهْيه إِلَّا إِذا كَانَ بعد الْعَمَل. اهـ. قَوْله: (إِذْ الشئ لَا يتَضَمَّن مثله) هَذَا إِنَّمَا يظْهر عِلّة لنفي الْمُضَاربَة لَا لنفي الشّركَة مِنْهُ والخلط، فالاولى أَن يَقُول: وَلَا أَعلَى مِنْهُ، لَان الشّركَة والخلط أَعلَى من الْمُضَاربَة لانها شركَة فِي أصل المَال. وَأورد على قَوْلهم إِذْ الشئ لَا يتَضَمَّن مثله الْمَأْذُون فَإِنَّهُ يَأْذَن لعَبْدِهِ وَالْمكَاتب لَهُ أَن يُكَاتب وَالْمُسْتَأْجر لَهُ أَن يُؤجر وَالْمُسْتَعِير لَهُ أَن يعير مَا لم يخْتَلف ف بِالِاسْتِعْمَالِ. وَأجِيب بِأَن هَؤُلَاءِ يتصرفون بطرِيق الملكية لَا النِّيَابَة، وَالْكَلَام فِي الثَّانِي. أما الْمَأْذُون فلَان الاذن فك الْحجر ثمَّ بعد ذَلِك يتَصَرَّف العَبْد بِحكم الملكية الاصلية وَالْمكَاتب صَار حرا يدا وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير ملكا الْمَنْفَعَة وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيص عَلَيْهِ أَو التَّفْوِيض الْمُطلق إِلَيْهِ ط. بِزِيَادَة من الْكِفَايَة. قَوْله: (وَلَا الاقراض والاستدانة) قَالَ فِي شرح الاقطع: لَا يجوز للْمُضَارب أَن يستدين على الْمُضَاربَة وَإِن فعل ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 لم يجز على رب المَال، أَلا ترى أَنه إِذا اشْترى بِرَأْس المَال فَهَلَك قبل التَّسْلِيم يرجع الْمضَارب عَلَيْهِ بِمثلِهِ، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَرب المَال لم يرض أَن يضمن إِلَّا مِقْدَار رَأس المَال، فَلَو جَوَّزنَا الِاسْتِدَانَة لزمَه ضَمَان مَا لم يرض بِهِ وَذَلِكَ لَا يَصح، وَإِذا لم يَصح استدامته على رب المَال لزمَه الْعين خَاصَّة، وَقد قَالُوا: لَيْسَ للْمُضَارب أَن يَأْخُذ سفتجة لَان ذَلِك استدانة وَهُوَ لَا يملك الِاسْتِدَانَة، وَكَذَا لَا يعْطى سفتجة لَان ذَلِك قرض وَهُوَ لَا يملك الْقَرْض، وَلَو قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتهى ط. عَن الشلبي مُخْتَصرا. وَإِذا لم تصح الِاسْتِدَانَة لزم الدّين خَاصَّة وَأطلق الِاسْتِدَانَة فَشَمَلَ الِاسْتِدَانَة على مَال الْمُضَاربَة والاستدانة على إصْلَاح مَال الْمُضَاربَة كالاستئجار على حمله أَو على قصارته وَهُوَ مُتَطَوّع فِي ذَلِك. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ عَن شرح الطَّحَاوِيّ: صورتهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنِ دَيْنٍ وَلَيْسَ عِنْده من مَال الْمُضَاربَة شئ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ شِرَاءً عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يكن من الِاسْتِدَانَة فِي شئ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوفِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِدَانَةٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ: إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يضمن بِهَذَا الْخَلْط الْحكمَيْنِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: كَمَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا تَجُوزُ عَلَى إصْلَاحِهِ، فَلَوْ اشْتَرَى بِجَمِيعِ مَالِهَا ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حملهَا أَو قصرهَا أَو قَتلهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا عَاقِدًا لِنَفْسِهِ. ط عَنْ الشَّلَبِيِّ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ شَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثَوْبًا إلَخْ فَأَشَارَ بِالتَّفْرِيعِ إلَى الْحكمَيْنِ. قَوْله: (أَي اعْمَلْ بِرَأْيِك) أَشَارَ إِلَى أَن اسْم الاشارة رَاجع لَهُ خَاصَّة لَا لَهُ وللاذن، فَإِن بالاذن الصَّرِيح يملك ذَلِك كَمَا سَيَقُولُ مَا لم ينص عَلَيْهِمَا. قَوْله: (مَا لم ينص الْمَالِك عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَكَذَا الاخذ بِالشُّفْعَة لَا يملكهُ إِلَّا بِالنَّصِّ وَيملك البيع الْفَاسِد لَا الْبَاطِل. نَقله فِي الاشباه. قَوْله: (وَإِذا اسْتَدَانَ كَانَت شركَة الخ) أَي اسْتَدَانَ بِالْإِذْنِ، وَمَا اشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَا الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَتَغَيَّرُ مُوجِبُ الْمُضَارَبَةِ فَرِبْحُ مَالِهِمَا على مَا شَرط قُهُسْتَانِيّ. أَقُول: وَشركَة الْوُجُوهِ هِيَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرَاءِ نَسِيئَةً وبكون المُشْتَرِي عَلَيْهِمَا أَثلَاثًا أَو أنصافا وَالرِّبْحُ يَتْبَعُ هَذَا الشَّرْطَ، وَلَوْ جَعَلَاهُ مُخَالِفًا وَلَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ فَيَظْهَرُ لِي أَنْ يكون المُشْتَرِي بِالدّينِ للْآمِر لَو المُشْتَرِي معينا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةَ نَوْعٍ وَسَمَّى ثَمَنَهُ أَوْ جَهَالَةَ جِنْسٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اشْتَرْ مَا تَخْتَارُهُ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَرِبْحُهُ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يغْتَفر فِي الصَّرِيح، وَقَوله كَانَت شركَة أَي بِمَنْزِلَة شركَة الْوُجُوه كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَصُورَة الِاسْتِدَانَة أَن يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ شَيْئا أَو الدَّنَانِير بَعْدَمَا اشْترى بِرَأْس المَال سلْعَة أَو يَشْتَرِي بمكيل أَو مَوْزُون وَرَأس المَال فِي يَده دَرَاهِم أَو دَنَانِير، لانه اشْترى بِغَيْر رأ س المَال فَكَانَ استدانة، بِخِلَاف مَا لَو اشْترى بِدَنَانِير وَرَأس المَال فِي يَده دَرَاهِم أَو بِدَرَاهِم وَرَأس المَال فِي يَده دَنَانِير، لَان الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جنس فِي الثمنية فَلَا يكون هَذَا اشْتِرَاء بدين. كَذَا فِي شرح الوافي. واستفيد مِمَّا ذكره الشَّارِح أَن شركَة الْوُجُوه لَا يلْزم فِيهَا الْخُلُو عَن المَال أصلا بل أَن يشتريا بِالنَّسِيئَةِ سَوَاء كَانَ مَعَ ذَلِك شِرَاء بِمَال كَمَا هُنَا أَو بِالنَّسِيئَةِ فَقَط. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين لَا يملك الْقَرْض والاستدانة، وَكَانَ الاولى تَقْدِيمه. على. قَوْله: (مَا لم ينص عَلَيْهِمَا) . قَوْله: (فَلَو اشْترى) تَفْرِيع على عدم جَوَاز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 الِاسْتِدَانَة كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (أَو حمل مَتَاع الْمُضَاربَة) أَي أعْطى أُجْرَة الْحمال من عِنْد نَفسه لَا بمالها. كَذَا فِي أخي جلبي. قَوْلُهُ: (بِمَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَصَرَ وَحَمَلَ. قَوْله: (وَقد قيل لَهُ ذَلِك) أَي اعْمَلْ بِرَأْيِك. منح. قَوْله: (فَهُوَ مُتَطَوّع) أَي بِمَا زَاد فَلَيْسَ لَهُ حِصَّته من الثّمن. قَوْله: (لانه لَا يملك الِاسْتِدَانَة بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ) وَهِيَ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ. قُلْتُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِدَانَةِ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَهَذَا يَمْلِكُهُ إذَا نَصَّ، أَمَّا لَوْ اسْتَدَانَ نُقُودًا فَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ: وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْكَ كَذَا فَحِينَئِذٍ يكون على الْمُوكل لَا الْوَكِيل انْتهى أَي لانه رِسَالَة لَا وكَالَة كَمَا قدمْنَاهُ فِي با ب الْوكَالَة، وَالظَّاهِر أَن الْمُضَاربَة كَذَلِك كَمَا قُلْنَا فَليُرَاجع. قَوْله: (فشريك بِمَا زَاد الصَّبْغ) أَي والنشاء. والاولى أَن يَقُول فشريك بِقدر قيمَة الصَّبْغ، حَتَّى لَو بيع يَنْقَسِم الثّمن على قيمَة الصَّبْغ وَالثَّوْب الابيض كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (كالخلط) أَي يصير شَرِيكا بِهِ أَيْضا، فَلَا يضمن بِهِ لما سلف أَنه يملك الْخَلْط بالتعميم، وَفِي بعض النّسخ. قَوْله: (بالخلط) أَي بِسَبَب خلط مَاله وَهُوَ الصَّبْغ أَو النشاء بِمَال الْمُضَاربَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح. قَوْله: (وَكَانَ لَهُ حِصَّة قيمَة صبغه الخ) أَي إِذا بيع الثِّيَاب كَانَ حِصَّة قيمَة الصَّبْغ فِي الثَّوْب للْمُضَارب وَحِصَّة الثَّوْب الابيض فِي مَال الْمضَارب، قَالَه أَبُو الطّيب: أَي فَلَو كَانَ الثَّوْب على تَقْدِير أَنه أَبيض يُسَاوِي خَمْسَة، وعَلى تَقْدِير كَونه أَحْمَر يُسَاوِي سِتَّة كَانَ لَهُ سدس الثّمن وَخَمْسَة الاسداس للمضاربة رَأس المَال لصَاحبه وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا. قَوْله: (فِي مَالهَا) أَي مَال الْمُضَاربَة فيجريان فِيهِ على مَا اشْترطَا فِي الرِّبْح. قَوْله: (بل غَاصبا) فَيخرج مَال الْمُضَاربَة عَن أَن يكون أَمَانَة فَيضمن وَيكون الرِّبْح لَهُ على مَا مر، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْغَصْب أَنه إِذا غصب ثوبا فصبغه فالمالك بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ ضمنه الثَّوْب أَبيض أَو أَخذ الثَّوْب وَأَعْطَاهُ قيمَة الصَّبْغ. قَوْله: (نقص عِنْد الامام) وَعِنْدَهُمَا كالاحمر وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ، وَقد مر أَنه اخْتِلَاف زمَان لَا برهَان، وَفِي زَمَاننَا لَا يعد نقصا بل هُوَ من أحسن الالوان فَيدْخل فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك سَائِر الالوان كالحمرة. قَوْله: (وَلَا يملك أَيْضا تجَاوز بلد) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَو عين سوقا من بلد لم يَصح التَّعْيِين، لَان الْبَلَد مَعَ تبَاين أَطْرَافه كبقعة وَاحِدَة، إِلَّا إِذا صرح بنهي سوق مِنْهُ أَو قَالَ لَا تعْمل بِغَيْر هَذَا السُّوق مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَصح كَمَا فِي الْهِدَايَة وَيَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ مَجْمُوع صور قيدت الْمُضَاربَة فِيهَا بِالْمَكَانِ ثَمَانِيَة: سِتَّة مِنْهَا يُفِيد التَّقْيِيد فِيهَا، وَاثْنَتَانِ لَا، فَالَّذِي يُفِيد سِتَّة وَهِي دفعت المَال إِلَيْك مُضَارَبَة بِكَذَا فِي الْكُوفَة أَو على أَن تعْمل بِهِ فِيهَا أَو لتعمل بِهِ فِيهَا أَو تعْمل بِهِ رفعا أَو خُذْهُ تعْمل بِهِ فِيهَا جزما أَو فاعمل بِهِ فِيهَا، واللذان لَا يفيدان وهما دفعت إِلَيْك مُضَارَبَة اعْمَلْ بِهِ فِيهَا أَو واعمل بِهِ. والاصل أَنه مَتى عقب بِمَا لَا يبتدأ بِهِ وَيُمكن بِنَاؤُه على مَا قبله يَجْعَل مَبْنِيا عَلَيْهِ كَمَا فِي الالفاظ السِّتَّة، وَإِن صَحَّ الِابْتِدَاء بِهِ لَا يبْنى على مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 قبله وَيجْعَل مُبْتَدأ ومستقلا كَمَا فِي اللَّفْظَيْنِ الاخيرين، وَحِينَئِذٍ تكون الزِّيَادَة شُورَى وَكَانَ لَهُ أَن يعْمل بِالْكُوفَةِ وَغَيرهَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي. وَاعْترض عَلَيْهِ أَن صُورَة تعْمل بِهِ الرّفْع بِالرَّفْع يَنْبَغِي أَن تكون مِمَّا لَا يُفِيد التَّخْصِيص. لَان تعْمل كَمَا يحْتَمل أَن يكون حَالا يحْتَمل أَن يكون استئنافا. وَأجِيب عَنهُ فِي الشُّرُوح بأجوبة أحْسنهَا أَن قَوْله اعْمَلْ بِدُونِ الْوَاو اسْتِئْنَاف قطعا، وبالواو اسْتِئْنَاف أَو عطف لَا يحْتَمل الْحَال، لَان الانشاء لَا يَقع حَالا صرح بِهِ فِي مَحَله والسوق يَقْتَضِي كَون تعْمل بِهِ حَالا وَهُوَ الْمُتَبَادر فَيحمل عَلَيْهِ. قَوْله: (أَو سلْعَة) بِأَن قَالَ لَهُ خُذ هَذَا المَال مُضَارَبَة على أَن تشتري بِهِ الطَّعَام مثلا أَو الرَّقِيق كَمَا فِي الْمُحِيط. قَوْله: (أَو وَقت) بِأَن وَقت للمضاربة وقتا بِعَيْنِه بِأَن قَالَ لَهُ اعْمَلْ بالصيف أَو الخريف أَو اللَّيْل كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ. وَيُمكن أَن المُرَاد بِالْوَقْتِ أَيْضا توقيتها بِمدَّة سنة مثلا حَتَّى يبطل العقد بمضيه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي. قَوْله: (أَو شخص عينه الْمَالِك) بِأَن قَالَ على أَن يَشْتَرِي بِهِ من فلَان وَيبِيع مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيد، وَلَيْسَ أَن يَشْتَرِي وَيبِيع من غَيره كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي، لانه لم يملك التَّصَرُّف إِلَّا بتفويضه فيتقيد بِمَا فوض إِلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْيِيد مُفِيد لَان التِّجَارَات تخْتَلف باخْتلَاف الامكنة والامتعة والاوقات والاشخاص، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يَدْفَعهُ مُضَارَبَة إِلَى من يُخرجهُ من تِلْكَ الْبَلدة لانه لَا يُمكن أَن يتَصَرَّف بِنَفسِهِ فِي غير هَذَا الْبَلَد فَلَا يُمكن أَن يَسْتَعِين بِغَيْر أَيْضا. دُرَر. قَالَ مِسْكين: لَا يتَجَاوَز عَمَّا عينه من هَذِه الاشياء كَمَا لَا يتَعَدَّى أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الشّركَة الْمقيدَة مَعَ شئ فِيهَا، وَالْمرَاد بالشخص شخص معِين، لانه لَو قَالَ على أَن تشتري من أهل الْكُوفَة أَو قَالَ على أَن تعْمل فِي الصّرْف وتشتري فِي الصيارفة وتبيع مِنْهُم فَبَاعَ فِي الْكُوفَة من رجل لَيْسَ من أهل الْكُوفَة أَو من غير الصيارفة جَازَ. اهـ. فَقَوْل على أَن تشتري من أهل الْكُوفَة الخ كَذَا لَو قَالَ خُذ هَذَا المَال تعْمل بِهِ فِي الْكُوفَة لانه تَفْسِير لَهُ أَو قَالَ فاعمل بِهِ فِي الْكُوفَة لَان الْفَاء للوصل، أَو قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لَان الْبَاء للالصاق، أَو قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فِي الْكُوفَة لَان فِي للظرف وَإِنَّمَا يكون ظرفا فَإِذا حصل الْفِعْل فِيهِ أَو قَالَ على أَن تعْمل بِالْكُوفَةِ لَان على للشّرط فيتقيد بِهِ، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ خُذ هَذَا المَال واعمل بِهِ فِي الْكُوفَة حَيْثُ كَانَ لَهُ أَن يعْمل فِيهَا وَفِي غَيرهَا لَان الْوَاو للْعَطْف فَيصير بِمَنْزِلَة المشورة. زَيْلَعِيّ. أَقُول: وَهَذَا معنى التخصص، وَقَوله جَازَ لَان الْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ أَو بالنوع، حَتَّى لَا يجوز لَهُ أَن يخرج من الْكُوفَة فِي الاول وَيبِيع فِيهَا من أَهلهَا أَو من غير أَهلهَا، وَلَا يجوز لَهُ أَن يعْمل فِي غير الصّرْف فِي الثَّانِي وَيَشْتَرِي وَيبِيع من الصيارفة وَغَيرهم، لَان التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ وَالنَّوْع مُفِيد، وَلَا يُفِيد التَّقْيِيد بِأَهْل الْكُوفَة والصيارفة، لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا جمع كثير لَا يُمكن إحصاؤه. زَيْلَعِيّ قَوْله: (لَان الْمُضَاربَة تقبل التَّقْيِيد الْمُفِيد) أَي كَمَا فِي الشّركَة. بَحر. فَأفَاد أَن الشّركَة تكون بالاولى فِي قبُول التَّقْيِيد الْمُفِيد. وَفِي الذَّخِيرَة: لَو نَهَاهُ عَن التَّصَرُّف وَالْمَال عرض فَبَاعَهُ بِعرْض آخر لَا يعْمل نَهْيه، فَلَو بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ يعْمل النَّهْي. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 قَالَ وَفِي الْهِنْدِيَّة: الاصل أَن رب المَال مَتى شَرط على الْمضَارب شرطا فِي الْمُضَاربَة، إِن كَانَ شرطا لرب المَال فِيهِ فَائِدَة فَإِنَّهُ يَصح وَيجب على الْمضَارب مراعاته وَالْوَفَاء بِهِ، وَإِذا لم يَفِ بِهِ صَار مُخَالفا وعاملا بِغَيْر أمره، وَإِن كَانَ شرطا لَا فَائِدَة فِيهِ لرب المَال فَإِنَّهُ لَا يَصح وَيجْعَل كالمسكوت عَنهُ، كَذَا فِي الْمُحِيط. قَوْله: (وَلَو بعد العقد) قبل التَّصَرُّف فِي رَأس المَال أَو بعد التَّصَرُّف ثمَّ صَار المَال ناضا فَإِنَّهُ يَصح تَخْصِيصه لانه يملك عَزله فَيملك تَخْصِيصه وَالنَّهْي عَن السّفر يجْرِي على هَذَا كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (مَا لم يضر المَال عرضا الخ) قيل لَعَلَّ الْعلَّة فِي ذَلِك ظُهُور كَون مَا اشْترى من البضاعة يروج كَمَال الرواج فِي بَلْدَة كَذَا، فَإِذا ظهر لَهُ ذَلِك فالمصلحة حِينَئِذٍ فِي السّفر إِلَى تِلْكَ الْبَلدة ليَكُون الرِّبْح أوفر اهـ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة: والاصح أَن نَهْيه عَن السّفر عَامل على الاطلاق اهـ. قَوْله: (لَا يملك عَزله) وَلَا نَهْيه منح. قَوْله: (فَلَا يملك تَخْصِيصه) قدمنَا قَرِيبا عَن الزَّيْلَعِيّ معنى التَّخْصِيص. قَوْله: (كنهيه عَنْ بَيْعِ الْحَالِّ) يَعْنِي ثُمَّ بَاعَهُ بِالْحَالِّ بِسِعْرِ مَا يُبَاعُ بِالْمُؤَجَّلِ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ. وَقد يكون فِي بيع الْمُؤَجل ربح وَفَائِدَة. مِنْهَا: أَنه يُبَاع بِرِبْح أَكثر من الْحَال عَادَة وَلذَا قدم فِي الْوكَالَة أَنه لَو أمره بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ جَازَ إِن عين لَهُ الثّمن، أَفَادَ أَنه عِنْد عدم تعْيين الثّمن لَا يجوز لَان النَّسِيئَة يكون الثّمن أَزِيد. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو أمره أَن يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَبِيع بِالنَّقْدِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ فَهُوَ جَائِز. قَالُوا: وَهَذَا إِذا بَاعه بِالنَّقْدِ بِمثل قِيمَته أَو أَكثر أَو بِمثل مَا سمي لَهُ من الثّمن، فَإِن كَانَ بِدُونِ ذَلِك فَهُوَ مُخَالف. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. لَو قَالَ لَا تبعه بِأَكْثَرَ من ألف فَبَاعَ بِأَكْثَرَ جَازَ لانه خير لصَاحبه كَذَا فِي الْحَاوِي اهـ. وقدمناه قَرِيبا. أَقُول: لَكِن هَذَا الْقَيْد لَا يظْهر على مَا فِي الشَّرْح من عدم اعْتِبَاره أصلا، وَمُقْتَضَاهُ الاطلاق، نعم ذكرُوا ذَلِك فِي تَقْيِيد الْوَكِيل كَمَا سَمِعت وَهُوَ مُفِيد هُنَاكَ، فَيلْزم أَن لَا يَبِيع بِدُونِ الثّمن الَّذِي عينه لَهُ وَهُوَ ثمن النَّسِيئَة، فَإِن بَاعَ نَقْدا بِثمنِهَا صَحَّ إِذْ لَا يبْقى بعده إِلَّا التَّقْيِيد بِالنَّسِيئَةِ وَهُوَ غير مُفِيد بِانْفِرَادِهِ قطعا. تَأمل. قَوْله: (فَإِن صرح بِالنَّهْيِ) مِثْلُ لَا تَبِعْ فِي سُوقِ كَذَا. قَوْله: (صَحَّ وَإِلَّا لَا) وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ على أَن تشتري فِي سوق الْكُوفَة حَيْثُ لَا يَصح التَّقْيِيد إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (فَإِن فعل) أَي تجَاوز، بِأَن خرج إِلَى غير ذَلِك الْبَلَد فَاشْترى سلْعَة غير مَا عينه أَو فِي وَقت غير مَا عينه أَو بَايع أَو اشْترى مَعَ غير من عينه. قَوْله: (ضمن بالمخالفة) وَهل يضمن بِنَفس الاخراج؟ الصَّحِيح نعم، لَكِن بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّر الضَّمَان لزوَال احْتِمَال الرَّد إِلَى الْبَلَد الَّذِي عينه كَمَا فِي الْهِدَايَة. قَوْله: وَكَانَ ذَلِك الشِّرَاء لَهُ وَله ربحه وَعَلِيهِ خسرانه لانه تصرف فِي مَال غَيره بِغَيْر أمره دُرَر: أَي لانه فُضُولِيّ فِيهِ فَينفذ عَلَيْهِ حَيْثُ أمكن تنفيذه، أما لَو بَاعَ مَال الْمُضَاربَة مُخَالفا لرب المَال كَانَ بَيْعه مَوْقُوفا على إِجَارَته كَمَا هُوَ عقد الْفُضُولِيّ. قَالَ الاتقاني. وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يطيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 لَهُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ. قَوْله: (وَلَو لم ينْصَرف فِيهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ وَاجِبٌ بِنَفْسِ الْمُخَالفَة لكنه غير قَادر إلَّا بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى عَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ بِالْوِفَاقِ. وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اشْتَرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَتَهُ فِيمَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَضْمَنُ على الاول لَا على الثَّانِي. قَوْله: (عَادَتْ الْمُضَاربَة) أَي لَو تجَاوز بَلَدا عينهَا رب المَال أَو هم بشرَاء سلْعَة غير الَّتِي عينهَا أَو فِي وَقت أَو مَعَ شخص كَذَلِك ثمَّ عَاد للوفاق، بِأَن رَجَعَ للبلد وَاشْترى السّلْعَة الَّتِي عينهَا وانتظر الْوَقْت وعامل مَعَ ذَلِك الشَّخْص صَحَّ تصرفه لعدم الْمُخَالفَة، فَفِي قَوْله (عَادَتْ الْمُضَاربَة) تسَامح، لَان الْعود لَا يكون بعد الِانْصِرَاف والانصراف عَن الْمُضَاربَة يفسخها وَلم يُوجد مَا يَقْتَضِيهِ، وَلم فسخت لم تعد لَان المفسوخ لَا يعود جَائِزا بِدُونِ عقد جَدِيد. كَذَا أَفَادَهُ الرحمتي. وَقد يُقَال: المُرَاد بِالْعودِ الابراء عَن الضَّمَان لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَرجع مَعَ مَال الْمُضَاربَة على حَاله، لَان المَال بَاقِي فِي يَده بِالْعقدِ السَّابِق كَمَا فِي الْمنح، وَهُوَ يُفِيد أَنه لَا يتَصَوَّر الْعود إِذا خَالف فِي سلْعَة عينهَا أَو فِي شخص عينه. نعم يظْهر فِي مُخَالفَته فِي الْمَكَان. تَأمل. وَحَاصِل الْمَعْنى: أَنه إِذا عين لَهُ بَلَدا فَتَجَاوز إِلَى أُخْرَى خرج المَال عَن الْمُضَاربَة خُرُوجًا مَوْقُوفا على شرف الزَّوَال، فَإِن رَجَعَ إِلَى مَا عينه رب المَال زَالَ الضَّمَان وَرجع إِلَى الْوِفَاق وَبقيت الْمُضَاربَة على حَالهَا كَالْمُودعِ إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ ترك فَإِذا حمل على هَذَا فَلَا إِشْكَال. تَأمل. قَوْله: (وَكَذَا لَو عَاد) أَي إِلَى الْوِفَاق فِي الْبَعْض: أَي بعض المَال بعد الْمُخَالفَة فِي الْبَعْض الآخر، فَإِن مَا اشْتَرَاهُ مَعَ الْمُخَالفَة وَقع لنَفسِهِ، وَمَا بَقِي لم تحصل بِهِ الْمُخَالفَة، فَإِذا عَاد إِلَى الْوِفَاق صَحَّ تصرفه فِيهِ، لَان ذَلِك إِذا كَانَ حكم كل المَال كَانَ حكم جزئه اعْتِبَارا للجزء بِالْكُلِّ، وَحكم مَا بَاعه مَعَ الْمُخَالفَة حَيْثُ إِنَّه عقد فُضُولِيّ والفضولي يملك الْفَسْخ قبل إجَازَة الْمَالِك كَمَا تقدم، فَلَو عَاد فِيهِ إِلَى الْوِفَاق صَحَّ تصرفه فِيهِ لَان الْفَسْخ بِعَدَمِ البيع. قَالَ الْأَتْقَانِيّ: فَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ثُمَّ بِمَا بَقِيَ فِي الْكُوفَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا اشْتَرَاهُ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْخِلَافِ وُجِدَ فِي بعضه دون بعضه انْتهى. قَوْله: (وَلَا يملك تَزْوِيج قن من مَالهَا) أَي لَا يملك الْمضَارب تَزْوِيج عبد أَو أمة من مَال الْمُضَاربَة كالشريك عنانا أَو مُفَاوَضَة كَمَا فِي الْبَحْر. وَعَن أبي يُوسُف أَن للْمُضَارب تَزْوِيج الامة لانه من الِاكْتِسَاب لانه يصل إِلَى الْمهْر وَإِلَى سُقُوط نَفَقَتهَا، بِخِلَاف تَزْوِيج العَبْد فَإِن فِيهِ إشغال رقبته فِي الدّين وَاسْتِحْقَاق بَيْعه بِهِ. وَلَهُمَا: أَنه لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة فَلَا يدْخل تَحت الاطلاق، لَان لفظ الْمُضَاربَة يدل على تَحْصِيل المَال بطرِيق التِّجَارَة لَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ، أَلا ترى أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُكَاتب وَلَا يعْتق على مَال وَإِن كَانَ بأضعاف قِيمَته، على أَن فِي تَزْوِيج الامة خطرا وَهُوَ الْحمل وَعدم الْخَلَاص مِنْهُ كَمَا فِي المنبع، بِخِلَاف الْمكَاتب حَيْثُ يجوز لَهُ أَن يُزَوّج الامة دون العَبْد لَان الْكِتَابَة تَقْتَضِي الِاكْتِسَاب دون التِّجَارَة، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَن يُكَاتب فَيملك تَزْوِيج الامة أَيْضا، ونظيرها الاب وَالْوَصِيّ حَيْثُ يملكَانِ تَزْوِيج الامة وَالْمُكَاتبَة دون تَزْوِيج العَبْد، لَان تصرفهما مُقَيّد بِالنّظرِ للصَّغِير، فمهما كَانَ فِيهِ نظر للصَّغِير فعلاه وَمَا لَا فَلَا. ذكره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 الزَّيْلَعِيّ. قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يحل للْمُضَارب وطئ جَارِيَة الْمُضَاربَة ربح أَو لَا وَأذن بِهِ أَو لَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات انْتهى. قَوْله: (بِقرَابَة) كابنه وَأَبِيهِ لكَونه مُخَالفا للمقصود. قَوْلُهُ: (أَوْ يَمِينٌ) بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُهُ فَهُوَ حر، لَان الْمُضَاربَة إِذن بِتَصَرُّف يحصل بِهِ الرِّبْح، وَهَذَا إِنَّمَا يكون بشرَاء مَا يُمكن بَيْعه وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك. دُرَر وَنَظِير الْمُضَاربَة الشَّرِيك شركَة عنان أَو مُفَاوَضَة حَتَّى كَانَ تَزْوِيجه الامة على الْخلاف. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (فَإِنَّهُ يملك ذَلِك) لَان التَّوْكِيل مُطلق فَيجْرِي على إِطْلَاقه. قَالَ الشمني: وَالْفرق بَينه وَبَين الْمضَارب حَيْثُ يَصح شِرَاء الْوَكِيل لمن يعْتق على الْمُوكل وَلَا يصير بِهِ مُخَالفا، إِذْ الْوكَالَة فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ مُطلقَة فتجري على إِطْلَاقهَا، وَفِي الْمُضَاربَة مُقَيّدَة بِمَا يظْهر فِيهِ الرِّبْح بِالْبَيْعِ، فَإِذَا اشْتَرَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعه خَالف انْتهى. وَكَذَا لَو وجد فِي الْوكَالَة أَيْضا مَا يدل على التَّقْيِيد بِأَن قَالَ اشْتَرِ لي عبدا أبيعه أَو جَارِيَة أطؤها كَانَ الحكم كَذَلِك كَمَا ذكره المُصَنّف ب قَوْله: (عِنْد عدم الْقَرِينَة) فَلَو اشْترى من يعْتق على رب المَال صَار مُشْتَريا لنَفسِهِ وَيضمن لانه نقد الثّمن من مَال الْمُضَاربَة. وَعند مَالك لَو كَانَ عَالما مُوسِرًا ضمن، وَإِلَّا فَلَا. كَذَا ذكره الْعَيْنِيّ، وَمُقْتَضَاهُ الضَّمَان عندنَا مُطلقًا مُوسِرًا أَو لَا. قَوْله: (وَلَا من يعْتق عَلَيْهِ) لانه يعْتق نصِيبه وَيفْسد بِسَبَبِهِ نصيب رب المَال أَو يعْتق على الْخلاف بَين الامام وصاحبيه. قَوْله: (إِذا كَانَ فِي المَال ربح هُوَ هُنَا الخ) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَالْمرَاد من ظُهُور الرِّبْح الْمَذْكُور أَن تكون قيمَة العَبْد المُشْتَرِي أَكثر من رَأس المَال، سَوَاء كَانَ فِي جملَة مَال الْمُضَاربَة ربح أَو لم يكن، لانه إِذا كَانَ قيمَة العَبْد مثل رَأس المَال أَو أقل لَا يظْهر ملك الْمضَارب فِيهِ بل يَجْعَل مَشْغُولًا بِرَأْس المَال، حَتَّى إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشَرَةَ آلَاف ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَوْ أَكْثَرُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يعْتق شئ مِنْهُم، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يملك الْمضَارب مِنْهُم شَيْئا حَتَّى يزِيد قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدة من غير ضمنه إِلَى آخر. اهـ. لانه يحْتَمل أَن يهْلك مِنْهُم اثْنَان فَيتَعَيَّن الْبَاقِي لرأس المَال وَلعدم الاولوية. وَقَالَ فِي الْمنح: وَالْمرَاد من الرِّبْح هُنَا أَن تكون قيمَة العَبْد المُشْتَرِي أَكثر من رَأس المَال، سَوَاء كَانَ فِي جملَة مَال الْمُضَاربَة ربح أَو لم يكن، حَتَّى لَو كَانَ المَال ألفا فَاشْترى بهَا الْمضَارب عَبْدَيْنِ قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ألف فأعتقهما الْمضَارب لَا يَصح عتقه، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى اسْتِحْقَاق الْمضَارب فَإِنَّهُ يظْهر فِي الْجُمْلَة ربح، حَتَّى لَو أعتقهما رب المَال فِي هَذِه الصُّورَة صَحَّ وَضمن نصيب الْمضَارب مِنْهُمَا وَهُوَ خَمْسمِائَة مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة. اهـ. وَإِن لم يظْهر ربح بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور جَازَ شِرَاؤُهُ لعدم ملكه. بَحر. قَوْله: (كَمَا بَسطه الْعَيْنِيّ) عِبَارَته هِيَ عين الَّتِي نقلناها عَن الزَّيْلَعِيّ فِي المقولة السَّابِقَة. قَوْله: (وَقع الشِّرَاء لنَفسِهِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي ينفذ عَلَيْهِ. اهـ. منح وَضمن فِي الصُّورَتَيْنِ. فَفِي الْوَجْه الاول: يضمن جَمِيع الثّمن إِذا دفع من مَال الْمُضَاربَة إِذْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ من نصيب لعدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 ظُهُور الرِّبْح فِيهِ، بِخِلَاف الْوَجْه الثَّانِي حَيْثُ يسْقط عَنهُ من ثمنه بِحَسب مَا يَخُصُّهُ فِيمَا يظْهر فِيهِ من الرِّبْح، هَذَا مَا ظهر لي وَكَأَنَّهُم تركُوا التَّنْبِيه عَلَيْهِ لظُهُوره اهـ. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وَإِن لم يكن ربح) أَي فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَهِي مَا إِذا اشْترى الْمضَارب من يعْتق عَلَيْهِ. قَوْله: (كَمَا ذكرنَا) أَي من كَون قِيمَته أَكثر من رَأس المَال. قَوْله: (صَحَّ للمضاربة) لعدم الْمُفْسد لانه لَا يعْتق عَلَيْهِ شئ، إِذْ لَا ملك لَهُ فِيهِ لكَونه مَشْغُولًا بِرَأْس المَال فيمكنه أَن يَبِيعهُ للمضاربة فَيجوز. قَوْله: (فَإِن ظهر الرِّبْح) أَي فِي صُورَة مَا إِذا اشْترى الْمضَارب من يعْتق عَلَيْهِ وَلم يكن فِيهِ ربح ظَاهر، لَان قِيمَته لَا تزيد على رَأس المَال ثمَّ غلا سعره أَو زَادَت أَوْصَافه حَتَّى غلت قِيمَته. قَوْله: (لعتقه لَا بصنعه) لانه إِنَّمَا أعتق عِنْد الْملك لَا بصنع مِنْهُ بل بِسَبَب زِيَادَة قِيمَته بِلَا اخْتِيَار فَصَارَ كَمَا لَو وَرثهُ مَعَ غَيره بِأَن اشترت امْرَأَة ابْن زَوجهَا ثمَّ مَاتَت وَتركت هَذَا الزَّوْج وأخا عتق نصيب الزَّوْج، وَلَا يضمن شَيْئا لاخيها لعدم الصنع مِنْهُ: دُرَر. تَتِمَّة: شرى نصفه بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا فضل فِيهِ وَنصفه بِمَالِه صَحَّ، لَان هَذَا النّصْف لَا ربح فِيهِ فَلم يثبت الْعتْق فِيهِ، وَإِنَّمَا دخل الْعتْق فِيهِ حكما لما اشْتَرَاهُ لنَفسِهِ فَلم يصر مُخَالفا. زَيْلَعِيّ عَن الْكَافِي. قَوْله: (وسعى العَبْد الْمُعْتق الخ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: وَوَلَاؤُهُ بَينهمَا على قدر الْملك عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا عتق كُله وسعى فِي رَأس المَال وَحِصَّة رب المَال من الرِّبْح. اهـ. وَإِنَّمَا سعى العَبْد لانه احتسبت مَالِيَّة العَبْد عِنْد العَبْد فيسعى فِيهِ. عناية. قَوْله: (من يعْتق على الصَّغِير) وَمثله الْمَعْتُوه. حموي. قَوْله: (إِذْ لَا نظر فِيهِ للصَّغِير) أَي فِي شِرَاء الاب وَالْوَصِيّ وَهِي عِلّة قَاصِرَة، وَالْعلَّة فِي الشَّرِيك هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُضَارِبِ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِرْبَاحِ ط. وَأما الشَّرِيك فلَان الشّركَة تَتَضَمَّن الْوكَالَة وَالْوَكِيل لَا يَشْتَرِي من يعْتق على الْمُوكل عِنْد الْقَرِينَة كَمَا مر آنِفا وَالشَّرِكَة قرينَة قصد الرِّبْح كالمضاربة. قَوْله: (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ مُسْتَغْرقا. قَوْله: (لَا) أَي لَا يعْتق مَا اشْتَرَاهُ من قريب الْمولى عِنْد الامام. قَوْله: (خلافًا لَهما) وَهَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على أَن الْمولى هَل يملك أكساب عَبده الْمَأْذُون الْمُسْتَغْرق بِالدّينِ أَو لَا؟ فَعنده لَا يملك، وَعِنْدَهُمَا يملك: أَي فَيعتق وَإِن كَانَ الْمَدْيُون مُسْتَغْرقا بِالدّينِ لمَاله ورقبته، لَان السَّيِّد يملك مَا فِي يَده وَإِن أحَاط الدّين بذلك، وَحِينَئِذٍ يملك السَّيِّد قيمَة العَبْد الْمُعْتق لغرماء الْمَدْيُون عِنْدهمَا، وَعند الْكل إِذا لم يكن مُسْتَغْرقا. قَوْله: (زَيْلَعِيّ) قَالَ: وَإِن كَانَ فِيهِ دين مُحِيط بِرَقَبَتِهِ وَكَسبه لَا يعْتق عِنْده، وَعِنْدَهُمَا يعْتق بِنَاء على أَنه هَل يدْخل فِي ملك الْوَلِيّ أم لَا اهـ. قَوْله: (بِالنِّصْفِ) مُتَعَلق بمضارب. قَوْله: (اشْترى أمة) أَي قيمتهَا ألف. قَوْله: (فَولدت) أَي وَوَطئهَا الْمضَارب فَولدت. قَوْله: (ولدا مُسَاوِيا لَهُ) أَي الْوَلَد وَحده مُسَاوِيا للالف، فَلَو كَانَت قيمَة الْوَلَد أَكثر من الالف نفذت دَعوته فِي الْحَال لظُهُور الرِّبْح فِيهِ. قَوْله: (فَادَّعَاهُ مُوسِرًا) لانه ضَمَان عتق. قَالَ منلا مِسْكين: وَاعْلَم أَنه قَوْله مُوسِرًا لَيْسَ بِقَيْد لَازم، بل ذكره لانه لما لم يضمن فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 الْوَلَد مَعَ أَنه مُوسر فلَان لَا يضمن إِذا كَانَ مُعسرا أولى اهـ. أَي إِنَّمَا قيد بِهِ لنفي الشُّبْهَة، وَهِي أَن الضَّمَان بِسَبَب دَعْوَة الْمضَارب وَهُوَ الاعتاق فيختلف باليسار والاعسار، فَكَانَ الْوَاجِب أَن يضمن الْمضَارب إِذا كَانَ مُوسِرًا وَمَعَ ذَلِك لَا يضمن، لَان نُفُوذ الْعتْق معنى حكمي لَا صنع للْمُضَارب فِيهِ فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان لعدم التَّعَدِّي، إِذْ لَا يجب ضَمَان الْعتْق إِلَّا بِالتَّعَدِّي. كَمَا فِي أخي جلبي. وَالْحَاصِل: أَنه لَا يضمن لَا مُوسِرًا وَلَا مُعسرا، وَإِنَّمَا قيد بِهِ ليعلم أَن الْمُوسر لَا يضمن بِالطَّرِيقِ الاولى. قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ (مُسَاوِيًا لَهُ) فَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ خَبَرُ صَارَ وَأَلْفًا بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ أَلْفًا هُوَ الْخَبَرُ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُور قبله حَال مِنْهُ. قَوْله: (نفذت دَعوته) بِخِلَاف مَا لَو أعْتقهُ فزادت قِيمَته لانه إنْشَاء والدعوة إِخْبَار فتتوقف على ظُهُور الرِّبْح. فَإِن قلت: قد ظهر الرِّبْح بِظُهُور الْوَلَد. قُلْنَا: هَذَا قَول زفر. وَأما الْمَذْهَب فَلَا يظْهر الرِّبْح إِذا كَانَ رَأس المَال أجناسا مُخْتَلفَة كلهَا مِنْهَا قدر رَأس المَال. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: وَإِنَّمَا لم تنفذ دَعوته إِلَّا بعد صيرورة قِيمَته ألفا وَنصفه، إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا رَأس المَال فَلَا يظْهر الرِّبْح، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ على رَأس المَال لَا يظْهر الرِّبْح عندنَا، خلافًا لزفَر، لَان بَعْضهَا لَيْسَ بِأولى من الْبَعْض، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّف فَلَا تنفذ دَعوته، فَإِذا زَادَت قيمَة الْغُلَام وَصَارَت ألفا وَخَمْسمِائة ظهر فِيهِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَملك الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ فِيهِ لوُجُود شَرطهَا وَهُوَ الْملك. اهـ. قَوْله: (فَعتق) قَالَ فِي التَّبْيِين: فَإِذا نفذت دَعوته صَار الْغُلَام ابْنا لَهُ وَعتق بِقدر نصِيبه مِنْهُ وَهُوَ ربعه وَمن يضمن الْمضَارب حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ، فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَات وَجْهَيْنِ وَالْملك آخرهما وجودا فيضاف الحكم وَهُوَ الْعتْق إِلَيْهِ، لَان الحكم يُضَاف إِلَى الْوَصْف الاخير، أَصله وضع القفة على السَّفِينَة والقدح الاخير وَلَا صنع للْمُضَارب فِي الْملك فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان لدعم التَّعَدِّي إِذْ لَا يجب ضَمَان الْعتْق إِلَّا بِالتَّعَدِّي. اهـ. مُخْتَصرا. قَالَ صَاحب الْكَافِي: سفينة لَا تحمل إِلَّا مائَة من فأوقع فِيهَا رجل منا زَائِدا على الْمِائَة فغرقت كَانَ الضَّمَان كُله عَلَيْهِ اهـ. والقدح الاخير الْمُسكر هُوَ الْمحرم: أَي على قَول الامام دون مَا قبله، وَإِن كَانَ الْمُفْتى بِهِ قَول مُحَمَّد أَن مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام ط. قَوْله: (سعى) حَيْثُ زَاد الشَّارِح نفذت يحْتَاج إِلَى وَاو الْعَطف هُنَا بِأَن يَقُول وسعى عطفا على جَوَاب الْمَسْأَلَة الَّتِي زَادهَا الشَّارِح. قَوْله: (فِي الالف وربعه) أَي سعى الْوَلَد لرب المَال فِي الالف وربعه وَهُوَ مِائَتَان وَخَمْسُونَ لَان الالف مُسْتَحقّ لَهُ بِرَأْس المَال ومائتان وَخَمْسُونَ نصِيبه من الرِّبْح، فَإِذا قبض مِنْهُ أل ف دِرْهَم صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كلهَا ربح لفراغها عَن رَأس المَال فَكَانَت بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَنفذ فِيهَا دَعْوَة الْمُضَاربَة وَصَارَت كلهَا أم ولد لَهُ، وَيجب نصف قيمتهَا لرب المَال مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا لانه ضَمَان التَّمَلُّك، وَهُوَ لَا يخْتَلف باليسار والاعسار وَلَا يتَوَقَّف على التَّعَدِّي، بِخِلَاف ضَمَان الاعتاق فَإِنَّهُ ضَمَان الافساد فَلَا يجب عَلَيْهِ بِغَيْر تعد وَلَا على مُعسر. عَيْني. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْوَلَد من الرِّبْح وَهُوَ مُمكن بِأَن يَجْعَل الْوَلَد كُله ربحا وَالْجَارِيَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 مَشْغُولَة بِرَأْس المَال على حَالهَا؟ قُلْنَا: الْمَقْبُوض من جنس رَأس المَال فَكَانَ أولى بجعله رَأس المَال ولان رَأس المَال مقدم على الرِّبْح، إِذْ لَا يسلم لَهُ شئ من الرِّبْح إِلَّا بعد سَلامَة رَأس المَال لرب المَال، فَكَانَ جعله بِهِ أولى بعد وُصُوله إِلَى يَده. اهـ. تَبْيِين. قَوْله: (أَو أعْتقهُ إِن شَاءَ) أَي رب المَال لكَونه قَابلا لِلْعِتْقِ، فَإِن المستسعى كَالْمكَاتبِ، عناية. فَيكون لرب المَال الْخِيَار إِن شَاءَ استسعى الْغُلَام فِي ألف وَمِائَتَيْنِ وَخمسين وَإِن شَاءَ أعْتقهُ. قَوْله: (بعد قَبضه أَلفه من الْوَلَد) أَي وَلَو حكما كَمَا لَو أعْتقهُ، فَإِن بإعتاقه يصير قَابِضا حكما، إِنَّمَا شَرط قبض رب المَال الالف من الْغُلَام حَتَّى تصير الْجَارِيَة أم ولد للْمُضَارب لانها مَشْغُولَة بِرَأْس المَال، فَإِذا قَبضه من الْغُلَام فرغت عَن رَأس المَال وَصَارَت كلهَا ربحا فَظهر فِيهَا ملك الْمضَارب فَصَارَت أم ولد لَهُ. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (تضمين الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمضَارب. قَوْله: (لانه ضَمَان تملك) وَهُوَ لَا يخْتَلف باليسار والاعسار وَلَا يتَوَقَّف على التَّعَدِّي زَيْلَعِيّ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عِتْقٍ وَهُوَ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَلَمْ يُوجَدْ. قَوْلُهُ: (لِظُهُورٍ) أَيْ وُقُوع نُفُوذ دَعوته صَحِيحَة ظَاهرا فِيهَا بِظُهُور ملكه فِيهَا. قَوْله: (وَيحمل على أَنه تزَوجهَا الخ) بِأَن يحمل أَن البَائِع زَوجهَا مِنْهُ ثمَّ بَاعهَا مِنْهُ وَهِي حُبْلَى حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأس المَال لَا يظْهر الرِّبْح عندنَا، لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ لوُجُود شَرطهَا وَهُوَ الْملك فَسَار ابْنه وَعتق بِقدر نصِيبه مِنْهُ وَهُوَ سدسه، وَلَمْ يَضْمَنْ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَات وَجْهَيْنِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ فَلَا ضَمَان لعدم التَّعَدِّي، فَإِذا اخْتَار الاستسعار استسعاه فِي ألف رَأس مَاله وَفِي سدسه نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ لَا يَتَجَزَّأُ إِجْمَاعًا وَيجب نصف قيمتهَا لرب المَال. هَذَا حَاصِل مَا تقدم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. قَوْله: (مِنْهُ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ تَزَوَّجَهَا وَاشْتَرَاهَا. قَوْله: (وَضمن للْمَالِك ألفا الخ) لِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ قِيمَتُهَا ظَهَرَ فِيهَا الرِّبْحُ وَملك الْمضَارب بعد الرِّبْح فنفذت دَعوته فِيهَا، وَيجب عَلَيْهِ لرب المَال رَأس مَاله وَهُوَ ألف، وَيجب عَلَيْهِ أَيْضا نصِيبه من الرِّبْح وَهُوَ مِائَتَان وَخَمْسُونَ، فَإِذا وصل إِلَيْهِ ألف دِرْهَم استوفى رَأس المَال وَصَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نصفه فَيعتق عَلَيْهِ، وَمَا لم يصل الالف إِلَيْهِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذكرنَا فِي الام، وَبِهَذَا علم أَنَّهَا مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة موضوعها أَنه لم يقبض الالف من الْغُلَام، فَتدبر. وَقَوله: (وَلَو مُوسِرًا) كَذَا وَقع فِي الْبَحْر. وَالَّذِي يُسْتَفَاد من كَلَامهم أَن الضَّمَان عَلَيْهِ مُطلقًا، لانه ضَمَان تملك فَصَارَ ذَلِك الضَّمَان بِبَدَل، وَالضَّمان إِذا كَانَ بِبَدَل يَسْتَوِي فِيهِ الْيَسَار والاعسار، وَيدل عَلَيْهِ قَول الْمُؤلف فَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا لانه لَا يضيع على الْمَالِك حَقه، وَمَا لم يصل إِلَى رب المَال رَأس مَاله فَالْوَلَد رَقِيق، وَلذَلِك أطلقهُ الْعَيْنِيّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 وَحِينَئِذٍ. ف قَوْله: (لَو مُوسِرًا) لَا مَفْهُوم لَهُ، لانه لَو كَانَ مُعسرا فَكَذَلِك وَتقدم أَيْضا مَا يفِيدهُ. قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) قَالَ فِيهِ: وَلَو لم تزد قيمَة الْوَلَد على ألف وزادت قيمَة الام حَتَّى صَارَت ألفا وَخَمْسمِائة صَارَت الْجَارِيَة أم ولد للْمُضَارب وَيضمن لرب المَال ألفا وَمِائَتَيْنِ وَخمسين إِن كَانَ مُوسِرًا، وَإِن كَانَ مُعْسِرًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تسْعَى، وَمَا لم يصل إِلَى رب المَال رَأس مَاله فَالْوَلَد رَقِيق ثمَّ يَأْخُذ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخمسين على أَنه نصِيبه من الرِّبْح، وَلَو زَادَت قيمتهَا عتق الْوَلَد وَصَارَت الْجَارِيَة أم ولد لَهُ لَان الرِّبْح ظهر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيَأْخُذ رَأس المَال من الْمضَارب لَا مَا وَجب عَلَيْهِ أيسر الْمَالَيْنِ لانه معجل وَهُوَ مُوسر والسعاية مُؤَجّلَة وَالْعَبْد مُعسر، وَيَأْخُذ مِنْهُ أَيْضا مَا بَقِي من نصِيبه من الرِّبْح وَيضمن أَيْضا نصف عقرهَا، لانه لما استوفى رأ س المَال ظهر أَنه ربح لَان عقر مَال الْمُضَاربَة يكون للمضاربة، وَيسْعَى الْغُلَام فِي نصيب ب رب المَال وَيسْقط عَنهُ نصيب الْمضَارب اهـ. مَعَ إصْلَاح من عبارَة الزَّيْلَعِيّ. أما قَوْله وَيضمن الخ تقدم أَنه يحمل على الِاسْتِيلَاد بِالنِّكَاحِ فَكيف يجب الْعقر. كَذَا بحظ الْحلَبِي نقلا عَن قَارِئ الْهِدَايَة. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. بَاب الْمضَارب يضارب يَصح فِي بَاب التَّنْوِين وَعَدَمه على أَنه مُضَاف للْمُضَارب، وَجُمْلَة يضارب حَال من الْمضَارب أَو صفة، لَان الْمضَارب بِمَنْزِلَة النكرَة إِذْ الالف وَاللَّام فِيهِ للْجِنْس، وَهَذَا على جَعلهمَا متضايفين، أما على التَّنْوِين فَالظَّاهِر أَن جملَة يضارب خبر الْمضَارب. وَالْمعْنَى أَن الْمضَارب تقع مِنْهُ الْمُضَاربَة. وَيرد على الحالية أَن الْحَال لَا يجِئ من الْمُضَاف إِلَّا فِي صور ثَلَاث وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا. وَيرد على الْقطع أَن الْمضَارب مَمْنُوع مِنْهَا إِلَّا بِإِذن وَالْبَاب مَعْقُود للمضاب خَاصَّة. فَتَأمل ط. بَزَّازِيَّة. قَوْله: (لما قدم المفردة شرع فِي المركبة) لَان الْمركب يَتْلُو الْمُفْرد طبعا فَكَذَا وضعا حموي. ورده قَاضِي زَاده بِأَنَّهُ مُضَارَبَة الْمضَارب وَإِن كَانَت بعد مُضَارَبَة رب المَال إِلَّا أَنَّهَا مُفْردَة أَيْضا غير مركبة من المضاربتين، أَلا يرى أَن الثَّانِي يَتْلُو الاول وَلكنه لَيْسَ بمركب من الاول وَمن نَفسه قطعا، وَإِنَّمَا الْمركب مِنْهُمَا الِاثْنَان. واستوجه فِي الْمُنَاسبَة مَا فِي النِّهَايَة ومعراج الدِّرَايَة حيق قَالَا: لما ذكر حكم الْمُضَاربَة الاولى ذكر فِي هَذَا الْبَاب حكم الْمُضَاربَة الثَّانِيَة، إِذْ الثَّانِيَة تلو الاولى أبدا فَكَذَا بَيَان حكمهَا. اهـ ط. قَوْله: (بِلَا إِذن) أَي أَو تَفْوِيض بِأَن لم يقل لَهُ رب المَال اعْمَلْ بِرَأْيِك، لانه إِذا قَالَ لَهُ ذَلِك يملك أَن يضارب حِينَئِذٍ اهـ. شلبي: أَي لَان الْمضَارب لَا يملك أَن يضارب إِلَّا بِإِذن رب المَال. قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الامام وَهُوَ قَوْلهمَا. وَفِي رِوَايَة الْحسن عَنهُ: لم يضمن مَا لم يربح لانه يملك الابضاع فَلَا يضمن بِالْعَمَلِ مَا لم يربح، فَإِذا ربح فقد ثَبت لَهُ شركَة فِي المَال فَيصير كخلط مَالهَا بِغَيْرِهِ فَيجب الضَّمَان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 وَجه ظَاهر الرِّوَايَة: أَن الرِّبْح إِنَّمَا يحصل بِالْعَمَلِ فيقام سَبَب حُصُول الرِّبْح مقَام حَقِيقَة حُصُوله فِي صيرورة المَال مَضْمُونا بِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَت الْمُضَاربَة الثَّانِيَة صَحِيحَة، فَإِذا كَانَت فَاسِدَة لَا يضمن الاول وَإِن عمل الثَّانِي لانه أجِير فِيهِ والاجير لَا يسْتَحق شَيْئا من الرِّبْح فَلَا تثبت الشّركَة لَهُ، بل لَهُ أجر مثله على الْمضَارب الاول وللاول مَا شَرط لَهُ من الرِّبْح اهـ. منح. قَوْله: (فَإِذا عمل تبين أَنه مُضَارَبَة فَيضمن) لانه حصل الْعَمَل فِي المَال على وَجه لم يرض بِهِ الْمَالِك فتحقق الْخلاف فَوَجَبَ الضَّمَان، فَجعل الامر مرَاعِي: أَي مَوْقُوفا قبل الْعَمَل حَتَّى إِذا عمل الثَّانِي وَجب الضَّمَان، وَإِلَّا فَلَا ط. فَإِن قلت: إِنَّه بِالْعَمَلِ مستبضع وَلَا تظهر الْمُخَالفَة إِلَّا بِظُهُور الرِّبْح، يُجَاب بِأَنَّهُ لم يعْمل مجَّانا حَتَّى يكون مستبضعا بل عمل على طمع الاجر وَهُوَ مَا شَرط لَهُ من الرِّبْح فَتحصل الْمُخَالفَة بِمُجَرَّد الْعَمَل فيوجد سَبَب الضَّمَان. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الثَّانِيَة فَاسِدَة) قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِن كَانَت إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرب المَال على الشَّرْط بعد أَخَذَ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَة فللاول أجر مثله اهـ: أَي لانه حِينَئِذٍ يكون الثَّانِي أَجِيرا وَالْمُضَارب لَهُ أَن يسْتَأْجر. قَالَ فِي التَّبْيِين: هَذَا إِذا كَانَت المضاربتان صحيحتين. وَأما إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا فَاسِدَة أَو كلتاهما فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا، لانه إِن كَانَ الثَّانِيَة هِيَ الْفَاسِدَة صَار الثَّانِي أَجِيرا، وللاول أَن يسْتَأْجر من يعْمل فِي المَال، وَإِن كَانَت هِيَ الاولى فَكَذَلِك، لَان فَسَادهَا يُوجب فَسَاد الثَّانِيَة، لَان الاولى لما فَسدتْ صَارَت إِجَارَة وَصَارَ الرِّبْح كُله لرب المَال، وَلَو صحت الثَّانِيَة فِي هَذِه الْحَالة لصار الثَّانِي شَرِيكا، وَلَيْسَ للاجير أَن يُشَارك غَيره فَكَانَت فَاسِدَة بِالضَّرُورَةِ وَكَانَا أجيرين، وَكَذَا إِذا كَانَتَا فاسدتين، وَإِذا كَانَا أجيرين لَا يضمن وَاحِد مِنْهُمَا. اهـ. بِتَصَرُّف مَا. وَالْحَاصِل: أَن صِحَة الثَّانِيَة فرع عَن صِحَة الاولى، فَلَا تصح الثَّانِيَة إِلَّا إِذا كَانَت الاولى صَحِيحَة، فاشتراط صِحَة الثَّانِيَة اشْتِرَاط لصِحَّة الاولى. قَوْله: (على الْمضَارب الاول) وَيرجع بِهِ الاولى على رب المَال. قَوْله: (وللاول الرِّبْح الْمَشْرُوط) يَعْنِي وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ بعد أَخَذَ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَة، وَإِلَّا فللاول أجر مثله أَيْضا وَربح كُله لرب المَال كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَلَو اسْتَهْلكهُ الثَّانِي) قَالَ الاتقاني: وَالْحَاصِل أَنه لَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا قبل عمل الثَّانِي فِي ظَاهر الرِّوَايَة عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، وَإِذا عمل الثَّانِي فِي المَال إِن عمل عملا لم يدْخل تَحت الْمُضَاربَة بِأَن وهب الْمضَارب الثَّانِي المَال من رجل أَو اسْتَهْلكهُ فَالضَّمَان على الثَّانِي دون الاول، وَإِن عمل عملا دخل تَحت الْمُضَاربَة بِأَن اشْترى بِالْمَالِ شَيْئا: فَإِن ربح فعلَيْهِمَا الضَّمَان، وَإِن لم يربح فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة اهـ. وَفِيه تَأمل ط. قَوْله: (فَالضَّمَان عَلَيْهِ خَاصَّة) والاشهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 الْخِيَارُ فَيَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. قَوْله: (فَإِن عمل حَتَّى ضمنه) حَتَّى للتفريع، فَإِن الضَّمَان مُرَتّب بِالْعَمَلِ فَقَط وَضمن بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فَإِن الضَّمَان مُرْتَبِط بِالْعَمَلِ فَقَط. قَوْله: (خير رب المَال) قَالَ فِي التَّبْيِين: ثمَّ رب المَال بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ ضمن الاول رَأس مَاله لانه صَار غَاصبا بِالدفع إِلَى غَيره بِغَيْر إِذْنه، وَإِن شَاءَ ضمن الثَّانِي لانه قبض مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَإِن ضمن الاول صحت الْمُضَاربَة بَين الاول وَالثَّانِي وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا لانه بأَدَاء الضَّمَان ملكه من وَقت خَالف، فَصَارَ كَمَا لَو دفع مَال نَفسه مُضَارَبَة إِلَى الثَّانِي، وَإِن ضمن الثَّانِي يرجع بِمَا ضمن على الاول لانه الْتزم لَهُ سَلامَة الْمَقْبُوض لَهُ عَن الضَّمَان، فَإِذا لم يسلم رَجَعَ عَلَيْهِ بالمخالفة إِذْ هُوَ مغرور من جِهَته كمودع الْغَاصِب وَصحت الْمُضَاربَة بَينهمَا، لانه لما كَانَ قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِ ملك الْمَدْفُوع مُسْتَندا إِلَى وَقت التَّعَدِّي، فَتبين أَنه دفع مُضَارَبَة ملك نَفسه وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا لصِحَّة الْمُضَاربَة ويطيب للثَّانِي مَا ربح لانه يسْتَحقّهُ بِالْعَمَلِ وَلَا خبث فِي عمله، وَلَا يطيب للاول لانه يسْتَحقّهُ بِرَأْس المَال وَملكه فِيهِ ثَبت مُسْتَندا فَلَا يَخْلُو عَن شُبْهَة فَيكون سَبيله التَّصَدُّق اهـ. لَان الثَّابِت بالاستناد ثَابت من وَجه دون وَجه فَلَا يثبت الْملك من كل وَجه فيتمكن الْخبث فِي الرِّبْح فَلَا يطيب اهـ. إتقاني. وَفِي الْبَحْر: وَلَوْ دَفَعَ الثَّانِي مُضَارَبَةً إلَى ثَالِثٍ وَرَبِحَ الثَّالِثُ أَوْ وَضَعَ فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ: أَيَّ الثَّلَاثَةَ شَاءَ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَضَمِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ. كَذَا فِي الْمُحِيط، قَوْله وَإِلَّا لَا ضَمَان على الاول: أَي إِن لم يقل الاول للثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك. قَوْله: (وَإِن شَاءَ ضَمِنَ الثَّانِي) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُ دُونَ الاول لانه ملكه مُسْتَندا. قُهُسْتَانِيّ. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ ذَلِك) لِأَنَّ الْمَالَ بِالْعَمَلِ صَارَ غَصْبًا وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إلَّا تَضْمِينُ الْبَدَلِ عِنْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبْحَ مِنْ الْغَاصِبِ. كَذَا ظَهَرَ لِي ط. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَذِنَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا إذْنٍ. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِشَرْطِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ. قَوْلُهُ: (الْبَاقِي) أَي الْفَاصِل عَمَّا اشْتَرَطَهُ لِلثَّانِي، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَحَيْثُ أَوْجَبَ لِلثَّانِي الثُّلُثَ مِنْ نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ يَبْقَى لَهُ السُّدُسُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَطلب الرِّبْحُ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي عَمَلٌ عَنْ الْمُضَارِبِ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ إذَا اسْتَأْجَرَ آخَرَ بِأَقَلَّ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ. قَوْله: (وَللثَّانِي الثُّلُث الْمَشْرُوط) لَان الدّفع الثَّانِي صَحِيح لانه بِأَمْر الْمَالِك وَقد شَرط لنَفسِهِ نصف جَمِيع مَا رزق الله وَجعل الاول للثَّانِي ثلثه فَيَنْصَرِف ذَلِك إِلَى نصِيبه إِلَى آخر مَا تقدم، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول من كل المَال عوضا عَن قَوْله الْبَاقِي. قَوْله: (وَالْبَاقِي بَين الاول وَالْمَالِك نِصْفَانِ) لَان رب المَال هُنَا شَرط أَن يكون مَا رزق الله الْمضَارب الاول بَينهمَا نِصْفَيْنِ والمرزوق للاول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 هُوَ الثُّلُثَانِ، لَان الثُّلُث اسْتَحَقَّه الثَّانِي بِشَرْط الاول وَهُوَ مَأْذُون لَهُ، فَلم يكن من رزق الاول إِلَّا الثُّلُثَانِ فَيكون ذَلِك بَينهمَا نِصْفَيْنِ ويطيب لَهُم بِلَا شُبْهَة أَيْضا. عَيْني. قَوْله: (بِاعْتِبَار الْكَاف) أَي فِي قَوْله مَا رزقك فقد جعل المناصفة فِيمَا رزق الْمضَارب الاول وَهُوَ لم يرْزق إِلَّا الثُّلثَيْنِ فينصفان. قَوْله: (وَنَحْو ذَلِك) كَمَا كَانَ لَك من فضل الله أَو النَّمَاء أَو الزِّيَادَة. قَوْله: (وَلَو قَالَ لَهُ) أَي رب المَال للْمُضَارب. قَوْله: (واستويا فِيمَا بَقِي) لَان الاول شَرط للثَّانِي النّصْف وَشَرطه صَحِيح لانه بِإِذن الْمَالِك واستويا فِيمَا بَقِي وَهُوَ النّصْف، لَان رب المَال لم يشْتَرط لنَفسِهِ هُنَا إِلَّا نصف مَا ربحه الاول وَلم يربح الثَّانِي الاول إِلَّا النّصْف وَالنّصف الآخر صَار للثَّانِي بِشَرْطِهِ فَلم يكن من ربح الاول. عَيْني. أَقُول: لَا فرق بَين هَذِه وَالَّتِي تقدّمت إِلَّا من حَيْثُ اشْتِرَاط الْمضَارب الثَّانِي، فَإِن فِي الاول شَرط لَهُ الثُّلُث فَكَانَ مَا بَقِي بَينهمَا، وَفِي الثَّانِي شَرط لَهُ النّصْف فَكَانَ النّصْف الْبَاقِي بَينهمَا. كَذَا فِي بعض الْحَوَاشِي. قَوْله: (وَلَا شئ للاول) لَان قَول رب المَال مَا رزق الله أَو مَا كَانَ من فضل ينْصَرف إِلَى جَمِيع الرِّبْح فَيكون لَهُ النّصْف من الْجَمِيع وَقد شَرط الْمضَارب الاول للثَّانِي جَمِيع الرِّبْح فَلم يبْق للاول شئ. عَيْني. قَوْله: (ضمن الاول للثَّانِي سدسا) لَان رب المَال شَرط لنَفسِهِ النّصْف من مُطلق الرِّبْح فَلهُ ذَلِك وَاسْتحق الْمضَارب الثَّانِي ثُلثي الرِّبْح بِشَرْط الاول، لَان شَرطه صَحِيح لكَونه مَعْلُوما، لَكِن لَا ينفذ فِي حق رب المَال، إِذْ لَا يقدر أَن يُغير شَرطه فَيغرم لَهُ قدر السُّدس لانه ضمن لَهُ سَلامَة الثُّلثَيْنِ بِالْعقدِ لانه غره فِي ضمن عقد الْمُضَاربَة. عَيْني. قَوْله: (لانه الْتزم سَلامَة الثُّلثَيْنِ) قَالَ فِي الدُّرَر لانه شَرط للثَّانِي شَيْئا هُوَ مُسْتَحقّ للْمَالِك وَهُوَ السُّدس فَلم ينفذ فِي حق الْمَالِك وَوَجَب عَلَيْهِ الضَّمَان بِالتَّسْمِيَةِ لانه الْتزم السَّلَام، فَإِذا لم يسلم رَجَعَ عَلَيْهِ كمن اسْتَأْجر رجلا ليخيط لَهُ ثوبا بدرهم فاستأجر الاجير رجلا آخل ليخيط بدرهم وَنصف فَإِنَّهُ يضمن لَهُ زِيَادَة الاجر اهـ. قَوْله: (وَشرط لعبد الْمَالِك) التَّقْيِيد بِعَبْد الْمَالِك لَيْسَ للِاحْتِرَاز لَان عبد الْمضَارب كَذَلِك. وَقيل التَّقْيِيد بِهِ لدفع توهم أَن يَده للْمولى فَلم يحصل التَّخْلِيَة وَعَلِيهِ كَلَام الدُّرَر. وَقيل لما فِيهِ خلاف بَين أَصْحَاب الشَّافِعِي والحنبلي وَغَيرهمَا لَا لَاحَدَّ، وَعبد الْمَالِك وَعبد الْمضَارب سَوَاء فِي جَوَاز الشَّرْط وَالْمُضَاربَة لَو شَرط الْعَمَل، وَإِن لم يشْتَرط فَفِي عبد الْمَالِك كَذَلِك، وَفِي عبد الْمضَارب كَذَلِك عِنْدهمَا، وعَلى قَول أبي حنيفَة لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا لم يَصح الشَّرْط لاجنبي أَو لمن لَا يقبل شَهَادَة الْمضَارب أَو شَهَادَة رب المَال لَهُ فَيكون الْمَشْرُوط لرب المَال. هَذِه زبدة مَا فِي الذَّخِيرَة والبيانية. قَالَ فِي الْبَحْر: قُيِّدَ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُضَارِبِ لَو شَرط لَهُ شئ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِلَّا لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُهُ أَوْ لَا وَيَكُونُ للْمُضَارب. وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْعَاقِدِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ الْمَأْذُون لَهُ عقدهَا مَعَ أَجْنَبِي وَشرط عمل مَوْلَاهُ لَا يَصح إِن لم يكن عَلَيْهِ دين، وَإِلَّا صَحَّ كَمَا يَأْتِي، وَشَمل قَوْله العَبْد مَا لَوْ شُرِطَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبَ الْمُضَارِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُ فِيهِمَا وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِلْمُكَاتَبِ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَتَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَبْطُلُ الشَّرْط اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. وَالْمَرْأَةُ وَالْوَلَدُ كَالْأَجَانِبِ هُنَا. كَذَا فِي النِّهَايَة. وَقيد بِاشْتِرَاط عمل العَبْد لَان اشْتِرَاط عمل رب المَال مَعَ الْمضَارب مُفسد لَهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (عادي) أَي اشْتِرَاط عمل العَبْد عادي، فَإِن الْعَادة فِي نَحْو ذَلِك أَن يكون العَبْد معينا فِي الْعَمَل فَهُوَ اتفاقي لَا احترازي. قَوْله: (وَلَيْسَ بِقَيْد) أَي للصِّحَّة، إِذْ لَو اشْترط لَهُ الثُّلُث وَلم يشْتَرط عمله صَحَّ وَيكون لمَوْلَاهُ، لَكِن فَائِدَة اشْتِرَاط عمله تظهر فِي أَخذ غُرَمَائه مَا شَرط لَهُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُم بل للْمولى. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا ظَاهر لانه بِاشْتِرَاط عمله صَارَ مُضَارِبًا فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَيَأْخذهُ غرماؤه، وَإِلَّا فَهُوَ للْمولى الخ. واستفيد مِنْهُ أَنه إِذا اشْترط عمله فَلم يعْمل لم يكن للْغُرَمَاء بل للْمولى لانه حَيْثُ لم يعْمل لم يكن من كَسبه. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (صَحَّ) أَي تَقْسِيم الرِّبْح وَشرط عمل العَبْد، وَعلة الاول مَا ذكره الْمُؤلف، وَعلة الثَّانِي أَن العَبْد أهل أَن يضارب فِي مَال مَوْلَاهُ، وَلِلْعَبْدِ يَد حَقِيقَة وَلَو كَانَ مَحْجُورا حَتَّى يمْنَع السَّيِّد عَن أَخذ مَا أودعهُ عَبده الْمَحْجُور، وَالْعَبْد هُنَا صَار مَأْذُونا بِاشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَا يَد لمَوْلَاهُ بعد تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ فَصحت الْمُضَاربَة. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَفِي نسخ الْمَتْن وَالشَّرْح هُنَا خلط) أَي فِي تَعْبِيره للْمَالِك بثلثين أَو فِي تَعْبِيره فِي بعض النّسخ بِالثَّانِي، أما نسخ الْمَتْنُ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ: وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ وَلِعَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ اهـ. وَهُوَ فَاسد كَمَا ترى لعدم اجْتِمَاع أَثلَاث أَرْبَعَة وَلعدم وجود مضَارب ثَان فِي الْمَسْأَلَة. وَأَمَّا الشَّرْحُ فَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ عَادِيٌّ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيكون لسَيِّده، وَإِن لم يشرط عمله لَا يجوز اهـ. فَإِن الصَّوَاب حذف قَوْله لَا يجوز لما علمت من الْعبارَة السَّابِقَة. اهـ. حَلَبِيّ بإيضاح ط. أَقُول: وَسبق الشَّارِح إِلَى التَّنْبِيه على ذَلِك محشي الْمنح الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (إِن لم يكن عَلَيْهِ دين) أَي مُسْتَغْرق لمَاله ورقبته لانه بِهِ يخرج المَال عَن ملك سَيّده، وَهَذَا عِنْد الامام كَمَا تقدم وَيَأْتِي، لَان الْمولى لَا يملك كسب عَبده الْمَدْيُون فَصَارَ من أهل أَن يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة. وَعِنْدَهُمَا: يملك سَيّده مَا فِي يَده، وَإِن أحَاط دينه بِمَالِه ورقبته فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح اشْتِرَاط الْعَمَل على الْمولى عِنْدهمَا مُطلقًا، فَليُرَاجع. قَوْله: (لَا يملك كَسبه) فَصَارَ السَّيِّد من أهل أَن يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة وَهَذَا على الْخلاف كَمَا سَمِعت. قَوْله: (وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مُفْسِدٌ الخ) لَان الْمُضَاربَة لَا بُد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 فِيهَا من عمل الْمضَارب، وَلَا يُمكنهُ الْعَمَل مَعَ عدم التَّخْلِيَة وَهِي الْعلَّة فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، وَهَذِه الْمَسْأَلَةِ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا وتفريع الاولى عَلَيْهَا. قَوْله: (بِخِلَاف مكَاتب شَرط عمل مَوْلَاهُ) أَي إِذا دفع الْمكَاتب مَال مُضَارَبَة لآخر وَشرط عمل مَوْلَاهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يفْسد مُطلقًا، سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لَا، لانه لَا يملك إكتابه لانه يُعَامل مُعَاملَة الاحرار فِيمَا فِي يَده، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَسدتْ كَمَا فِي الْبَحْر وَكَانَ الانسب ذكره بعد مَسْأَلَة الْمَأْذُون. قَوْله: (كَمَا لَو ضَارب مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يَصح لما قُلْنَا. قَوْله: (أَو فِي الرّقاب) أَي فكها من أسر الرّقّ وَفَسَاد الشَّرْط فِي الثَّلَاثَة لعدم اشْتِرَاط الْعَمَل كَمَا سَيظْهر. قَوْله: (أَو لامْرَأَة الْمضَارب أَو مكَاتبه الخ) لَكِنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الشَّرْطِ فِي هَذَيْنِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُمَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمَتَى شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ إلَخْ، وَمَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْوَلَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ هُنَا. وَفِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوط لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ وَشَرَطَ عَمَلَهُ عَلَيْهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ من الْجَوَاز فِيمَا إِذا شَرط ثلث الرِّبْح لامْرَأَة الْمضَارب أَو مكَاتبه أَو للْمَسَاكِين أَو فِي الرّقاب أَو الْحَج مَحْمُول على جَوَاز عقد لَا الشَّرْط، وَيكون ذَلِك لرب المَال، فَلَا يُخَالف مَا هُنَا وَلَا يحْتَاج إِلَى مَا وَجهه الْعَلامَة أَبُو السُّعُود من أَن الْمَسْأَلَة خلافية، لانه لم يقف على هَذَا التَّوْفِيق هُوَ وَلَا شَيْخه فَجعل الْمَسْأَلَة ذَات خلاف، وَمحل عدم الشَّرْط فِي امْرَأَة الْمضَارب ومكاتبه إِذا لم يشْتَرط عملهما. قَوْله: (وَيكون الْمَشْرُوط لرب المَال) لانه لما بَطل الشَّرْط كَانَ الرِّبْح تبعا لاصله وَهُوَ رَأس المَال وَهُوَ لرب المَال، فَكَذَا ربحه. قَوْله: (لَا يَصح) حَيْثُ لم يشرط عمله فَوَافَقَ مَا بعده. قَوْله: (إِن شَرط عَلَيْهِ عمله صَحَّ) أَي الِاشْتِرَاط كالعقد. قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي إِن شَرط الْبَعْض للاجنبي وَلم يشْتَرط عمله لَا يَصح الِاشْتِرَاط وَيكون لرب المَال، أما العقد فَصَحِيح. واستفيد من هَذَا الشَّرْط أَنه لَا يشْتَرط الْمُسَاوَاة بَين المضاربين فِي المَال الْوَاحِد، لانه أطلق الْبَعْض فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَ مثل مَا شَرط للْمُضَارب أَو أقل أَو أَكثر، لَان أَحدهمَا قد يكون أهْدى للْعَمَل أَو فِيهِ مُرَجّح آخر كَمَا فِي الشّركَة. وَالْحَاصِل: أَن مَا شَرط لثالث إِن كَانَ يرجع إِلَى الْمضَارب جَازَ وَيكون للْمُضَارب كاشتراطه لعَبْدِهِ غير الْمَدْيُون وَإِلَّا فَهُوَ لرب المَال. وَالْفرق أَن شَرط الرِّبْح لعَبْدِهِ كالشرط لَهُ فَيصح لَهُ. بِخِلَاف الشَّرْط لزوجته وَنَحْوهَا لانه لَا يثبت الْملك لَهُ لَان الزَّوْجَة وَالْولد كالاجنبي هُنَا كَمَا قدمْنَاهُ، وَفهم هَذَا من قَول الْقُهسْتَانِيّ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه إِن شَرط شئ لعبد الْمضَارب أَو لاجنبي ليعْمَل مَعَ الْمضَارب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 صَحَّ والمشروط للْمُضَارب: يَعْنِي فِي الاولى وللاجنبي: يَعْنِي فِي الثَّانِيَة، وَإِلَى أَنه لَو لم يشْتَرط عمل أحد مِنْهُم صَحَّ العقد والمشروط للْمَالِك سَوَاء كَانَ على العَبْد دين أَو لَا. وَتَمَامه فِي الذَّخِيرَة. فليت الشَّارِح سلك هَذَا النظام وَلم يُغير التَّحْرِير وَالْبَيَان. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ مَعَ هَذَا التَّقْرِير، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (يَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ شَرَطَ عَمَلَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَلَو كَانَ المُرَاد أَن الْمَشْرُوط صَحِيحٌ مُطْلَقًا نَافَى قَوْلَهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لم يشْتَرط عمله فللمالك. قَوْله: (وَإِلَّا فللمالك) أَي وَإِن لم يشْتَرط عمله فللمالك. قَالَ فِي النِّهَايَة معزيا للذخيرة: إِذا شَرط فِي الْمُضَاربَة بعض الرِّبْح لغير الْمضَارب فَإِن كَانَ لاجنبي وَشرط عمله فالمضاربة جَائِزَة وَالشّرط جَائِز وَيصير رب المَال دافعا المَال مُضَارَبَة لِرجلَيْنِ، وَإِن لم يشْتَرط عمل الاجنبي فالمضاربة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل، وَيجْعَل الْمَشْرُوط للاجنبي كالمسكوت عَنهُ فَيكون لرب المَال. اهـ. قَوْله: (خلافًا للبرجندي) كَلَامه فِي العَبْد لَا فِي الاجنبي كَمَا يعلم بمراجعة شرح الْمُلْتَقى. قَوْله: (جَازَ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِذا كَانَ الِاشْتِرَاط للْعَبد اشتراطا لمَوْلَاهُ فاشتراط بعض الرِّبْح لقَضَاء دين الْمضَارب أَو لقَضَاء دين رب المَال جَائِز بالاولى إِلَى آخر مَا هُنَا. قَوْله: (وَيكون) أَي الْبَعْض. قَوْله: (قَضَاء دينه) اسْم يكون ضمير يعود على الْبَعْض وَالْجَار وَالْمَجْرُور هُوَ الْخَبَر وَقَضَاء دينه نَائِب فَاعل الْمَشْرُوط. وَالْمعْنَى: وَيكون ذَلِك الْبَعْض ض للَّذي شَرط لَهُ قَضَاء دينه من الْمضَارب أَو الْمَالِك. واستفيد مِمَّا مر أَنه لَا بُد أَن يكون الْبَعْض شَائِعا فِي جَمِيع المَال كالثلث وَالرّبع وَالسُّدُس، أما لَو كَانَت دَرَاهِم مُعينَة فَإِنَّهُ تفْسد بِهِ الْمُضَاربَة لانه يُؤَدِّي لقطع الشّركَة فِي الرِّبْح، وَإِنَّمَا أطلقهُ هُنَا اعْتِمَادًا على مَا قدمه بِأَن لَا يشْتَرط لاحدهما دَرَاهِم مُسَمَّاة من الرِّبْح. قَوْله: (وَلَا يلْزم) أَي كل من الْمَالِك وَالْمُضَارب. وَعبارَة الْبَحْر: وَلَا يجْبر على دَفعه لغرمائه. قَوْله: (بِمَوْت أَحدهمَا) سَوَاء علم الْمضَارب بِمَوْت رب المَال أم لم يعلم، حَتَّى لَا يملك الشِّرَاء بعد ذَلِك بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا يملك السّفر وَيملك بيع مَا كَانَ عرضا لنض المَال لانه عزل حكمي. قاضيخان. قَوْله: وَحجر يطْرَأ على أَحدهمَا بجنون أَو سفه أَو حجر مَأْذُون. قَوْله: (وبجنون أَحدهمَا مطبقا) هُوَ دَاخل تَحت قَوْله وَحجر إِلَّا أَنه ذكره لتقييده بالاطباق. قَوْله: (بَاعهَا وَصِيّه) أَي وَصِيّ الْمضَارب، لَان الْعَزْل لَا يُمكن حِينَئِذٍ فِي الْمضَارب فَلَا يجْرِي على وَصِيّه. وَقيل إِن ولَايَة البيع تكون لرب المَال ووصي الْمضَارب كليهمَا، وَهُوَ الاصح لَان الْحق كَانَ للْمُضَارب وَلَكِن الْملك لرب المَال، فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَال مُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ فَيكون الامر إِلَيْهِمَا. اه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 قلت: فَلَو لم يكن لَهُ وَصِيّ هَل يسْتَبْدل الْمَالِك بِالْبيعِ أَو ينصب القَاضِي وَصِيّا يَبِيع مَعَه؟ الظَّاهِر نعم. حموي. وَالَّذِي فِي الْهِنْدِيَّة: فَإِن لم يكن لَهُ وَصِيّ جعل القَاضِي لَهُ وَصِيّا يَبِيعهَا فيوفى رب المَال رَأس مَاله وحصته من الرِّبْح وَيُعْطى حِصَّة الْمضَارب من الرِّبْح غرماءه: أَي إِن كَانَ لَهُ غُرَمَاء فغرماء الْمضَارب لَا يَأْخُذُونَ عروضها لانها مَال الْغَيْر ط. قَوْله: (تبطل فِي حق التَّصَرُّف) أَي وَلَا تبطل فِي حق كَونه وَدِيعَة. قَوْله: (تبطل فِي حق الْمُسَافَرَةِ) أَيْ إلَى غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَو أَتَى مصرا وَاشْترى شَيْئا فَمَاتَ رب المَال وَهُوَ لَا يعلم فَأتى بالمتاع مصرا آخر فنفقة الْمضَارب فِي مَال نَفسه وَهُوَ ضَامِن لما هلك فِي الطَّرِيق، فَإِن سلم الْمَتَاع جَازَ بَيْعه لبقائها فِي حق البيع وَلَو خرج من ذَلِك الْمصر قبل موت رب المَال ثمَّ مَاتَ لم يضمن نَفَقَته فِي سَفَره. اهـ. بَزَّازِيَّة. وَقَوله: فَأتى بالمتاع مصرا: يَعْنِي غير مصر رب المَال، فَإِنَّهُ لَو أخرجه يَعْنِي بعد موت رب المَال إِلَى مصر رب المَال لَا يضمن لانه يجب عَلَيْهِ تَسْلِيمه فِيهِ. ذكره فِيهَا أَيْضا وَذكره قاضيخان، لَكِن تقدم أَن التَّخْصِيص يَصح قبل صيرورتها عرُوضا لَا بعده، وكل مَوضِع صَحَّ الْعَزْل فِيهِ صَحَّ التَّخْصِيص فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا. وَنقل فِي النِّهَايَة: أَنه لَا يَصح نَهْيه عَن المسافرة فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة، وَإِن نَهَاهُ لم يتَعَلَّق بنهيه حكم حَتَّى ينض ثمنه نَحْو أَن يَقُول لَا تبع نَسِيئَة لَان حق التَّصَرُّف ثَابت لَهُ لانه يحْتَاج إِلَى أَن يَبِيعهُ ليظْهر الرِّبْح، فَإِذا نَهَاهُ عَن ذَلِك فقد أبطل حَقه فِي التَّصَرُّف فَلم يَصح. وَإِذا لم يملك عَزله حَتَّى ينض لم يملك تَخْصِيص الاذن أَيْضا عزل من وَجه. وَأما إِذا نَهَاهُ عَن المسافرة لم يَصح على الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة لانه يملك المسافرة بِإِطْلَاق العقد. ثمَّ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَة: وكل جَوَاب عَرفته فِي الْفُصُول كلهَا إِذا منع رب الْمضَارب عَن التَّصَرُّف فَهُوَ الْجَواب فِيمَا إِذا مَاتَ رب المَال اهـ. فَعلم مِنْهُ أَن مَا نَقله الشَّارِح هُنَا من بُطْلَانهَا فِي حق المسافرة على غير الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة، فَتدبر. قَوْله: (فَلهُ بَيْعه) أَي مَال الْمُضَاربَة بِعرْض وَتقدم ثمَّ يكون الْعرض الثَّانِي كالاول فَلهُ بَيْعه بِعرْض أَيْضا إِلَى أَن يصير مَال الْمُضَاربَة مثل رَأس المَال وَإِن كَانَ مَال الْمُضَاربَة من جنس رَأس المَال من حَيْثُ الثمنية إِلَّا أَنه من خلاف جنسه من حَيْثُ الْحَقِيقَة بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَمَال الْمُضَاربَة دَنَانِير أَو على الْعَكْس بِعَمَل نهى رب المَال إِيَّاه عَمَّا هُوَ شَرّ من كل وَجه، حَتَّى لَا يملك شِرَاء الْعرُوض بِهِ وَيملك صرفه بِمَا هُوَ من جنس رَأس المَال: أَي مَال الْمُضَاربَة، وعَلى هَذَا موت رب المَال فِي بيع الْعرُوض: يَعْنِي إِذا مَاتَ رب المَال وَالْمَال عرُوض فللمضارب أَن يَبِيع الْعرُوض حَتَّى ينض رَأس المَال وَنَحْوهَا بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَالْمَال دَنَانِير كَانَ لَهُ أَن يَبِيع الدَّنَانِير كَمَا فِي الْعَزْل. نِهَايَة. قَوْله: (وبالحكم بلحوق الْمَالِك مُرْتَدا) أَي إِذا حكم بلحوقه من يَوْم ارْتَدَّ وانتقل ملكه إِلَى ورثته: فَإِن كَانَ المَال يَوْمئِذٍ قَائِما فِي يَده لم يتَصَرَّف فِيهِ ثمَّ اشْترى بعد ذَلِك فَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ ربحه وَعَلِيهِ وضيعته لانه قد انْعَزل عَن الْمُضَاربَة وَزَالَ ملك الامر عَن المَال فَصَارَ متصرفا فِي ملك الْوَرَثَة بِغَيْر أمره، وَإِن كَانَ المَال مشَاعا أَو عرُوضا أَو غير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير من سَائِر الاموال فَبيع الْمضَارب وشراؤه فِيهِ جَائِز حَتَّى يحصل رَأس المَال كَمَا فِي السراج الْوَهَّاج، وَإِنَّمَا بطلت لَان اللحوق بِمَنْزِلَة الْمَوْت وَلِهَذَا يُورث مَاله وَيعتق أَوْلَاده ومدبروه زَيْلَعِيّ وَالْمرَاد بالمالك خُصُوص الرجل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 وَلِهَذَا قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَلَو كَانَ رب المَال امْرَأَة فارتدت فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْمسلمَة لانها لَا تقتل فَلم تَنْعَقِد الرِّدَّة سَبَب التّلف فِي حَقّهَا اهـ. وسيشير الشَّارِح إِلَيْهِ قَرِيبا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إِذا لم يحكم بلحوقه، أما إِذا حكم بلحوقه فَلَا تَعُودُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأَتْقَانِيّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَعُودُ سَوَاءٌ حُكِمَ بلحاقه أم لَا، فَتَأمل. وَنَصّ عِبَارَته: وَإِذا ارْتَدَّ رب المَال عَن الاسلام وَلحق بدار الْحَرْب بطلت الْمُضَاربَة: يَعْنِي إِذا لم يعد مُسلما. أما إِذا عَاد مُسلما قبل الْقَضَاء أَو بعده كَانَت الْمُضَاربَة كَمَا كَانَت اهـ. أَقُول: لَكِن يشكل على مَا ذكر بِأَن الْبَاطِل لَا يعود صَحِيحا فَكيف تصح الْمُضَاربَة بعد الحكم بلحوقه بعوده؟ وَالْحَال أَنَّهَا بطلت بالحكم بلحوقه، إِلَّا أَن يُجَاب بِأَن الْبطلَان مَوْقُوف إِلَى حَال التَّبْيِين، فَإِذا تبين رُجُوعه بقيت على أَصْلهَا وَيدل لذَلِك عبارَة غَايَة الْبَيَان: كَانَت الْمُضَاربَة كَمَا كَانَت فَيكون. قَوْله: بطلت أَي بطلانا مَوْقُوفا إِن تبين وَإِلَّا فباتا. تَأمل. قَوْله: (حكم بلحاقه أم لَا) أما قبل الحكم فُلَانُهُ بِمَنْزِلَة الْغَيْبَة وَهِي لَا توجب بطلَان الْمُضَاربَة، وَأما بعده فلحق الْمضَارب كَمَا لَو مَاتَ حَقِيقَة. ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَوْله: (بِخِلَاف الْوَكِيل) أَي إِذا ارْتَدَّ الْمُوكل وَحكم بلحاقه فَإِن الْوكَالَة تبطل وَلَا تعود بعوده إِلَى الاسلام، لَان مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يتَعَلَّق بِهِ حق الْوَكِيل. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ) فَإِنَّ لَهُ حَقًّا فَإِذَا عَاد الْمَالِك فَهِيَ على حَالهَا، والاولى حذفه لانه مُسْتَفَاد مِمَّا تقدم فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْله: (وَلَو ارْتَدَّ الْمضَارب فَهِيَ على حَالهَا) عِنْدهمَا، حَتَّى لَو تصرف وَربح ثمَّ قتل كَانَ ربحه بَينهمَا على مَا شرطا اهـ. برهَان. فَإِن لحق وَبَاعَ وَاشْترى هُنَاكَ ثمَّ رَجَعَ مُسلما فَلهُ جَمِيع مَا اشْترى وَبَاعَ فِي دَار الْحَرْب وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شئ من ذَلِك. هندية. وَذَلِكَ لَان تَصَرُّفَات الْمُرْتَد إِنَّمَا توقفت بِالنّظرِ إِلَى ملكه وَلَا ملك للْمُضَارب فِي مَال الْمُضَاربَة وَله عبارَة صَحِيحَة، فَلَا توقف فِي ملك الْمَالِك فَبَقيت الْمُضَاربَة على حَالهَا. قَالَ فِي الْعِنَايَة: وَتوقف تصرف الْمُرْتَد لتَعلق حق الْوَرَثَة، وَلَا توقف فِي ملك رب المَال لعدم تعلقه بِهِ، أَي فَلَا يعْطى لَهُ حكم الْمَوْت بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَظَاهره سَوَاء لحق وَلم يحكم بِهِ أَولا كَمَا فِي الدُّرَر وَصدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (وَمَا تصرف نَافِذ الخ) أَي حَيْثُ كَانَت الْمُضَاربَة بَاقِيَة على حَالهَا فِي قَوْلهم جَمِيعًا، فَجَمِيع مَا فعل ذَلِك جَائِز وَالرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا، خلا أَن مَا يلْحقهُ من الْعهْدَة فِيمَا بَاعَ وَاشْترى حَيْثُ يكون على رب المَال فِي قَول أبي حنيفَة، لَان حكم الْعهْدَة يتَوَقَّف بردته، لانه لَو لَزِمته لقضى من مَاله وَلَا تصرف لَهُ فِيهِ فَكَانَ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُور إِذا توكل عَن غَيره بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَفِي قَوْلهمَا حَاله فِي التَّصَرُّف بعد الرِّدَّة كهي فِيهِ قبلهَا فالعهدة عَلَيْهِ وَيرجع على رب المَال كَمَا فِي الْعِنَايَة، وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْعبارَة على. قَوْله: (فَإِن مَاتَ) . وَالْحَاصِل: فرق بَين الارتدادين قبل اللحوق وَبعده لَا فرق بَينهمَا. قَوْله: (وَلَو ارْتَدَّ الْمَالِك فَقَط) مُحْتَرز قَوْله: وبلحوق الْمَالِك وعَلى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ، فَلَوْ قَالَ وَبِلُحُوقِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ إلَخْ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ، تَأَمَّلْ. لَكِنْ الْفَرْقَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ الْمضَارب فتصرفه نَافِذ. قَوْله: (أَي وَلم يلْحق) وَمثله إِذا لحق وَلم يحكم بلحاقه. قَوْله: (فتصرفه) أَي الْمضَارب مَوْقُوف عِنْد الامام: أَي لتَعلق حق وَرَثَة الْمَالِك بِالْمَالِ لزوَال ملكه بِالرّدَّةِ، فَإِن عَاد إِلَى الاسلام عَاد ملكه وَنفذ تصرف الْمضَارب، وَإِن مَاتَ أَن قتل أَو حكم بلحاقه عَاد المَال إِلَى الْوَرَثَة وَيبْطل تصرف الْمضَارب، وَعَلِيهِ لَا فرق بَين الْمَالِك وَالْمُضَارب لَا بِالتَّصَرُّفِ فَإِن تصرف الْمضَارب نَافِذ دون الْمَالِك، وَعَلِيهِ فالاخضر أَن يَقُول: وبلحوق أَحدهمَا، ثمَّ يَقُول وَلَو ارْتَدَّ أَحدهمَا فَقَط الخ. قَوْله: (وردة الْمَرْأَة غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارَبَةَ، إلَّا أَنْ تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا، لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤثر فِي أملاكها فَكَذَا لَا تُؤثر فِي تصرفاتها. منح. قَوْله: (إِن علم بِهِ) أَيْ وَلَوْ الْعَزْلُ حُكْمًا فَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، كَذَا قَالُوا. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، قُلْت: قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، بِخِلَاف الْمضَارب. منح. وَالَّذِي فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخَانِية: تبطل الْمُضَاربَة بِمَوْت رب المَال علم بذلك أَو لم يعلم، حَتَّى لَا يملك الشِّرَاء بعد ذَلِك بِمَال الْمُضَاربَة وَلَا يملك السّفر. اهـ. وَتقدم ذكره قَوْله: (مُطلقًا) أَي وَإِن لم يَكُونَا عَدْلَيْنِ، بِأَن كَانَا فاسقين أَو مستورين قَوْله: (أَو فُضُولِيّ عدل) كَانَ الانسب أَن يَقُول: أَو وَاحِد عدل، بِقَرِينَة السِّيَاق، وَكَأَنَّهُ راعي مَا تقدم فِي بَاب عزل الْوَكِيل من أَن الْعَزْل يثبت بمشافهة وَكِتَابَة ورسالة وإخبار فُضُولِيّ، وَيعْتَبر فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة من الْعدَد أَو الْعَدَالَة. قَوْله: (مُمَيّز) أَي وَلَو رَقِيقا أُنْثَى غير بَالغ وَلَا عدل، لَان الرَّسُول وَالْوَكِيل كالاصيل، وَهَذَا عِنْد الامام. وَعِنْدَهُمَا: لَا فرق بَين الرَّسُول وَغَيره كَمَا فِي أخواتها. قَوْله: (وَلَو حكما) كموت الْمَالِك: أَي وَلَو كَانَ الْعَزْل حكما فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ الْعلم على مَا سلف لانه عزل حكمي. قَوْله: (وَلَو حكما) كارتداده مَعَ الحكم باللحوق وجنونه مطبقا. قَوْله: (فالدراهم وَالدَّنَانِير هُنَا جِنْسَانِ) التَّفْرِيع غير ظَاهر، لانهما قد يكونَانِ جِنْسا وَاحِدًا فِي كثير من الْمسَائِل، وَحِينَئِذٍ فالاولى الْوَاو كَمَا فِي الْبَحْر والمنح، فَإِن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وعزله مَعَه دَنَانِير فَلهُ بيعهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا، وَبِالْعَكْسِ بعد الْعلم بِالْعَزْلِ حَتَّى يكون من جنس رَأس المَال ليتميز الرِّبْح فيتبين حَظه مِنْهُ، لَكِن تقدم فِي البيع الْفَاسِد أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ مِنْهَا فِي الْمُضَاربَة ابْتِدَاء وانتهاء وَبَقَاء اهـ. وَكتب سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّة قَوْلُهُ وَمُضَارَبَةٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبَقَاءً لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ التَّقْسِيمَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ صُورَتَيْنِ فِي الْمُضَارَبَةِ. إحْدَاهُمَا: مَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عُزِلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيرُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا وَلَكِنْ يَصْرِفُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 عُرُوضًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ بَاعَ الْمَتَاعَ بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا إلَّا الدَّرَاهِمَ. ثَانِيَتُهُمَا: لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَاشْتَرَى مَتَاعًا بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ لَزِمَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَاربَة اسْتِحْسَانًا عِنْدهمَا اهـ. مُلَخصا فالصورة الاولى تصلح مِثَالًا لِلِانْتِهَاءِ، وَالثَّانِيَةُ لِلْبَقَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لي كَون الْأَوْلَى مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِيهَا جِنْسًا وَاحِدًا مَا كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِح فِي بَاب الْمُضَاربَة جعلهَا جِنْسَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا فهمته، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُضَارَبَةِ ابْتِدَاءً فَقَدْ زَادَهَا الشَّارِحُ وَقَالَ ط: صُورَتُهُ عَقَدَ مَعَهُ الْمُضَارَبَةَ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ وَبَيَّنَ الرِّبْحَ فَدَفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا أَوَّلًا. كَذَا ظَهَرَ لي. اهـ. كَلَام سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بَاعَهَا) أَيْ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْل من ذَلِك. إتقاني. قَوْله: (وَإِن نَهَاهُ عَنْهَا) أَي عَن النَّسِيئَة وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَمَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ. بَحر عَن النِّهَايَة وَسَيَأْتِي. وَإِنَّمَا لَا يملك ذَلِك لَان لَهُ حَقًا فِي الرِّبْح. قَوْله: (ثمَّ لَا يتَصَرَّف فِي ثمنهَا) أَي إِذا كَانَ من جنس رَأس مَالهَا، لَان البيع بعد الْعَزْل كَانَ للضَّرُورَة حَتَّى يظْهر الرِّبْح إِن كَانَ فِيهِ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد النَّص، فَصَارَ كَمَا إِذا عَزله بعد مَا نَص وَصَارَ من جنس رَأس المَال: زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَلَا فِي نقد) أَي لَا يتَصَرَّف إِذا كَانَ رَأس المَال فضَّة بِفِضَّة وَلَو أَجود كَمَا يفِيدهُ عُمُومه ط. قَوْله: (ويبدل خِلَافُهُ بِهِ) أَيْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ خِلَافَ رَأس المَال من النَّقْد بِرَأْس المَال. قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس لَا يُبدل لَان النَّقْدَيْنِ من جنس وَاحِد من حَيْثُ الثمنية. قَوْله: (لوُجُوب رد جنسه) أَي إِلَى رب المَال إِن امْتنع الْمَالِك من أَخذ خلاف الْجِنْس كَمَا يفِيدهُ مَا قدمْنَاهُ عَن الاتقاني. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْكَافِي: لَهُ أَن يَبِيعهَا بِجِنْس المَال اسْتِحْسَانًا وَهُوَ يُفِيد الْجَوَاز، فَإِن حمل على عدم التَّنَازُع زَالَ الاشكال. ط بِزِيَادَة. قَوْله: (وليظهر الرِّبْح) جعله فِي الْعَيْنِيّ والدرر عِلّة لبيع الضَّرُورَة حَيْثُ قَالَ لَان لَهُ حَقًا فِي الرِّبْح، وَلَا يظْهر ذَلِك إِلَّا بِالنَّصِّ فَيثبت لَهُ حق البيع ليظْهر ذَلِك، وَمَوته وارتداده مَعَ اللحوق وجنونه مطبقا وَالْمَال عرُوض كعزله وَالْمَال عرُوض. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَلَا يملك الخ) هَذَا مَعْطُوف على بَاعهَا عطف عِلّة على مَعْلُول، وليته قدمه على ثمَّ لَا يتَصَرَّف، وَلَا تنسى مَا مر فِي موت الْمضَارب وَالْمَال عرُوض. وَيفهم مِنْهُ أَنه فَسخهَا وَالْمَال عرُوض يَبِيعهَا بِالنَّقْدِ. فرع: قَالَ فِي الْقنية من بَاب الْمُضَارَبَةِ: أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ مُضَارَبَةً ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَنَانِيرَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ الدَّفْعِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ: وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ مَالِهِ وَقْتَ الْخِلَافِ بِيرِيٌّ فِي بَحْثِ الْقَوْلِ بِثمن الْمِثْلِ. وَهَذِهِ فَائِدَةٌ طَالَمَا تَوَقَّفْت فِيهَا، فَإِنْ رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ دَنَانِيرَ مَثَلًا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ثمَّ تغلو قيمتهَا وَيُرِيد أَخذهَا لَا بِمثل الْقيمَة تَأمل. وَالَّذِي يظْهر من هَذَا أَنه لَوْ عَلِمَ عَدَدَ الْمَدْفُوعِ وَنَوْعَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ الْقيمَة مِنْ نَوْعٍ آخَرَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ الْوَاقِعَةِ يَوْمَ الْخِلَافِ: أَيْ يَوْمَ النِّزَاعِ وَالْخِصَامِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ نَوْعَ الْمَدْفُوعِ كَمَا يَقَعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَدْفَعُ أَنْوَاعًا ثُمَّ يجهل فَيُضْطَرُّ إلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا لِجَهَالَتِهَا فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ يَوْم الْخِصَام تَأمل. وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (وَلَا تَخْصِيص الاذن) أَفَادَهُ بقوله آنِفا وَإِن نَهَاهُ عَنْهَا. قَوْله: (صَحَّ) أَي الْفَسْخ وَالرِّبْح بعد ذَلِك لِلْعَامِلِ كَمَا سلف فِي الشّركَة. قَوْله: (افْتَرقَا) أَي فسخا الْمُضَاربَة أَو انْتَهَت. قَوْله: (وَفِي المَال دُيُون) أَي وَقد بَاعَ الْمضَارب عرُوضا بِثمن لم يقبضهُ من المشترين. قَوْله: (على اقْتِضَاء الدُّيُون) أَي أَخذهَا واستخلاصها. قَوْله: (إِذْ حِينَئِذٍ يعْمل بالاجرة) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَطَلَبُ الدَّيْنِ مِنْ تَمَامِ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَظَاهره وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ قَلِيلًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَمُفَادُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الطَّلَبِ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَهَذَا لَوْ الدَّيْنُ فِي الْمِصْرِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِنْ طَالَ سَفَرُ الْمُضَارِبِ وَمُقَامُهُ حَتَّى أَتَتْ النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ عَلَى الدَّيْنِ حَسِبَ لَهُ النَّفَقَةَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارِبِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي المَال ربح. قَوْله: (لَا جبر لانه حِينَئِذٍ مُتَبَرّع) أَي لانه وَكيل مَحْض وَلَا جبر على الْمُتَبَرّع على إنهاء مَا تبرع بِهِ، وَلِهَذَا لَا يجْبر الْوَاهِب على التَّسْلِيم. زَيْلَعِيّ. وَلَا يُقَال: الرَّد وَاجِب عَلَيْهِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِالتَّسْلِيمِ كَمَا أَخذه. لانا نقُول: الْوَاجِب عَلَيْهِ رفع الْمَوَانِع وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَة. ط عَن أبي السُّعُود. قَوْله: (لانه) أَي الْمَالِك غير الْعَاقِد فالحقوق لَا ترجع إِلَيْهِ بل إِلَى الْعَاقِد الَّذِي هُوَ الْمضَارب فَقبض الثّمن لَهُ لَا للْمَالِك، وَلَا يلْزم التقاضي لانه مُتَبَرّع فَيُؤْمَر بتوكيل الْمَالِك ليقدر على تَحْصِيل الدُّيُون كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. قَوْله: (وَحِينَئِذٍ) أَي حِين إِذْ كَانَ الْمُتَبَرّع لَا يجْبر على الِاقْتِضَاء، والاولى أَن يَقُول: وَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيل الخ. قَوْله: (والسمسار) بِكَسْر السِّين الاولى الْمُهْملَة وَهُوَ الْمُتَوَسّط بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي ليبيع بِأَجْر من غير أَن يسْتَأْجر، والدلال الْوَاسِطَة بَين الْمُتَبَايعين اهـ. وَفِي منلا مِسْكين: السمسار الدَّلال قَوْله: (يجْبر على التقاضي) أَي طلب الثّمن إِن عقد البيع لانه يَبِيع وَيَشْتَرِي للنَّاس عَادَة بِأُجْرَة فَجعل ذَلِك بِمَنْزِلَة الاجارة الصَّحِيحَة بِحكم الْعَادة فَيجب التقاضي والاستيفاء لانه وصل إِلَيْهِ بدل عمله فَصَارَ كالمضارب إِذا كَانَ فِي المَال ربح. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَكَذَا الدَّلال) مُقْتَضى كَلَام الشَّارِح أَن الدَّلال غير السمسار كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ بِأَن الدَّلال يحمل السّلْعَة إِلَى المُشْتَرِي ويخبر بِالثّمن وَيبِيع، بِخِلَاف السمسار فَإِنَّهُ لم يكن فِي يَده شئ، وَمُقْتَضى مَا مر عَن مِسْكين عدم الْفرق بَينهمَا. وَفِي الدُّرَر كالدلال فَإِنَّهُ يعْمل بالاجرة. والسمسار: هُوَ الَّذِي يجلب إِلَيْهِ الْعرُوض والحيوانات لبيعها بِأَجْر من غير أَن يسْتَأْجر إِلَى آخر مَا فِيهِ. قَوْله: (لعدم قدرته عَلَيْهِ) لَان الشِّرَاء أَو البيع لَا يتم إِلَّا بمساعدة غَيره وَهُوَ البَائِع أَو المُشْتَرِي فَلَا يقدر على تَسْلِيمه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 زَيْلَعِيّ. قَوْلُهُ: زَيْلَعِيٌّ وَتَمَامُ كَلَامِهِ: وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ اهـ. قَوْله: (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْح) . أَقُول: وَكَذَلِكَ مَا هلك من مَال الشّركَة فَيصْرف إِلَى الرِّبْح، وَالْبَاقِي من الرِّبْح يصرف على مَا شرطا وَرَأس المَال على حكمه، فَإِذا زَاد الْهَالِك على الرِّبْح فَهُوَ عَلَيْهِمَا بِقدر ماليهما، وَبِه علم حكم حَادِثَة الْفَتْوَى. مطلب: فِي حكم حادية الْفَتْوَى شريكان مَالهمَا متفاوت وَالْعَمَل مَشْرُوط عَلَيْهِمَا وَالرِّبْح سوية بَينهمَا هلك بعد الرِّبْح شئ من المَال وَبَقِي شئ من الرِّبْح فَمَا الحكم؟ الْجَواب: مَا فضل من الرِّبْح على مَا شرطا وَرَأس المَال على حكمه والهالك عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهره. ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (لانه تبع) أَي وَرَأس المَال أصل وَصرف الْهَالِك إِلَى مَا هُوَ تَابع أولى كَمَا يصرف إِلَى الْعَفو فِي الزَّكَاة ولان الرِّبْح فرع عَن رَأس المَال فَلَا يثبت لَهُ حكم قبل ثُبُوت أَصله كَمَا فِي الْعَيْنِيّ. مطلب: القَوْل للشَّرِيك وَالْمُضَارب فِي مِقْدَار الرِّبْح والخسران وَفِي الضّيَاع وَالرَّدّ للشَّرِيك وَالْقَوْل للشَّرِيك وَالْمُضَارِبِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَ مُفَصَّلًا، وَالْقَوْلُ قَوْله فِي الضّيَاع وَالرَّدّ للشَّرِيك نهر فِي الشّركَة. تَتِمَّة: هلك مَال الْمُضَاربَة قبل أَن يَشْتَرِي بِهِ شَيْئا بطلت، وَإِن اسْتَهْلكهُ الْمضَارب ضمنه وَلم يكن لَهُ الشِّرَاء بعد ذَلِك لصيرورته ضمينا، وَإِن اسْتَهْلكهُ غَيره فَأَخذه مِنْهُ كَانَ لَهُ الشِّرَاء على الْمُضَاربَة. حموي عَن الاقطع. قَوْله: (لم يضمن) لكَونه أَمينا سَوَاء كَانَ من عمله أَو لَا. بَحر. قَوْله: (وَلَو فَاسِدَة) لانها أَمَانَة عِنْد الامام. وَعِنْدَهُمَا: إِن كَانَت فَاسِدَة فَالْمَال مَضْمُون. قَوْله: (من عمله) وَلَو الْهَلَاك من عمله الْمُسَلَّطَ عَلَيْهِ عِنْدَ التُّجَّارِ. وَأَمَّا التَّعَدِّي فَيَظْهَرُ أَنه ضمن بِهِ. سائحاني: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً. وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا، وَيقبل. قَوْله: فِي هَلَاكه وَإِن لم يعلم ذَلِك كَمَا يقبل فِي الْوَدِيعَة. منح بِزِيَادَة: وَلم أر زِيَادَة من علمه فِي الْعَيْنِيّ وَلَا فِي الدُّرَر وحواشيه. فَلْيتَأَمَّل معنى قَوْله: (من عمله) وَلَو اقْتصر على قَوْله: (وَلَو فَاسِدَة) لَكَانَ الْمَعْنى أظهر. ثمَّ رَأَيْت فِي فروق المحبوبي مَا نَصه: وَإِذا عمل فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة وَربح كَانَ كل الرِّبْح لرب المَال وللمضارب أجر مثل عمله، وَلَا ضَمَان إِذا هلك المَال فِي يَده اهـ. قَوْله: (لانه أَمِين) عِلّة لعدم الضَّمَان وَيقبل. قَوْله: فِي الْهَلَاك وَإِن لم يعلم ذَلِك كَمَا يقبل فِي الْوَدِيعَة. منح. أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن يضمن مَا تلف بِعَمَلِهِ لانه أجِير مُشْتَرك. وعَلى قَوْلهمَا يضمن مَا تلف فِي يَده وَإِن لم يكن من عمله كَمَا علم فِي بَاب ضَمَان الاجير، وَلَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا سَافر بِمَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ يكون بِمَنْزِلَة الاجير الْخَاص، وليحرر. قَوْله: (ترادا الرِّبْح) فَيضمن الْمضَارب مَا أَخذه على أَنه ربح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 لانه أَخذه لنَفسِهِ، بِخِلَاف مَا بَقِي فِي يَده لَا يضمنهُ إِذا لم يَأْخُذهُ لنَفسِهِ. حموي. قَوْله: (ليَأْخُذ الْمَالِك رَأس مَاله) فَيبْدَأ بِرَأْس المَال ثمَّ بِالْمَنْفَعَةِ ثمَّ بِالرِّبْحِ الاهم فالاهم اخْتِيَار، فَإِن فضل شئ اقتسماه. اهـ. در منتقى: أَي لَان الرِّبْح تَابع كَمَا ذكرنَا فَلَا يسلم بِدُونِ سَلامَة الاصل. عَيْني. قَوْله: (وَمَا فضل فَهُوَ بَينهمَا) لَان رب المَال لم يبْق لَهُ حق بعد اسْتِيفَاء مَاله إِلَّا فِي الرِّبْح. عَيْني. قَوْله: (لم يضمن) أَي إِن نقص الرِّبْح عَن الْهَالِك لم يضمن الْمضَارب. قَوْله: (لما مر) من أَنه أَمِين فَلَا يكون ضمينا. قَوْله: (وَالْمَال فِي يَدِ الْمُضَارِبِ) مِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ، وَإِلَّا فَبِالْأَوْلَى إذَا دَفَعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ الْفَسْخِ ثمَّ استرده وعقدا أُخْرَى. قَوْله: (لانه عقد جَدِيد) أَي لَان الْمُضَاربَة الاولى قد انْتَهَت بِالْفَسْخِ وَثُبُوت الثَّانِيَة بِعقد جَدِيد فهلاك المَال فِي الثَّانِيَة لَا يُوجب انْتِقَاض الاولى فَصَارَ كَمَا إِذا دفع إِلَيْهِ مَالا آخر. قَوْله: (وَهَذِه هِيَ الْحِيلَة النَّافِعَةُ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ لَوْ خَافَ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ الرِّبْحَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْحِيلَةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيُّ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا نبه عَلَيْهِ أَبُو السُّعُود. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. فصل فِي المتفرقات قَوْله: (لَا تفْسد الخ) حَتَّى لَو اشْترى رب المَال بِهِ شَيْئا وَبَاعَ فَهُوَ على الْمُضَاربَة، لَان الشَّرْط هُوَ التَّخْلِيَة وَقد تحققت، والابضاع تَوْكِيل بِالتَّصَرُّفِ وَالتَّصَرُّف حق الْمضَارب فَيصح التَّوْكِيل بِهِ. وَقَالَ زفر: لَا تفْسد وَلَا يسْتَحق الْمضَارب من ربحه شَيْئا لَان رب المَال تصرف فِي مَال نَفسه بِغَيْر تَوْكِيل وَلم يُصَرح بِهِ فَيكون مستردا لِلْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَصح اشْتِرَاط الْعَمَل عَلَيْهِ ابْتِدَاء. وَلنَا أَن الْوَاجِب لَهُ التَّخْلِيَة وَقد تمت وَصَارَ التَّصَرُّف حَقًا للْمُضَارب، وَله أَن يُوكل رب المَال صَالحا لذَلِك والابضاع تَوْكِيل لانه استعانة، وَلما صَحَّ اسْتَعَانَ الْمضَارب بالاجنبي فَرب المَال أولى لكَونه أشْفق على المَال فَلَا يكون استردادا، بِخِلَاف شَرط الْعَمَل عَلَيْهِ ابْتِدَاء لانه يمْنَع التَّخْلِيَة. فَإِن قلت: رب المَال لَا يَصح وَكيلا لَان الْوَكِيل من يعْمل فِي مَال غَيره وَرب المَال لَا يعْمل فِي مَال غَيره بل فِي مَال نَفسه. قلت: أُجِيب بِأَن الْمَالِك بعد التَّخْلِيَة صَار كالاجنبي فَجَاز تَوْكِيله. فَإِن قلت: الامر كَذَلِك لصِحَّة الْمُضَاربَة مَعَ رب المَال. قلت: أُجِيب بِأَن الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هُنَا، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ أدّى إِلَى قلب الْمَوْضُوع اهـ. قَوْله: (بِدفع كل المَال) أَفَادَ بِالدفع أَن الْمضَارب لَا بُد أَن يتسلم المَال أَولا، حَتَّى لَو جعل المَال بضَاعَة قبل أَن يتسلمه لَا يَصح، لَان التَّسْلِيم شَرط فِيهَا اهـ. مكي. قَوْله: (تَقْيِيد الْهِدَايَة) الاولى الاتيان بِالْفَاءِ. قَوْله: (بضَاعَة) الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ هُنَا لَا يَتَأَتَّى لَان الرِّبْح جَمِيعه فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 لرب المَال وَلَيْسَ الامر هُنَا كَذَلِك. قَوْله: (لَا مُضَارَبَة) عطف على بضَاعَة الْمُسَلط عَلَيْهِ الْمَنْفِيّ من عَامله، فَالْمَعْنى لَا يَنْتَفِي الْفساد بدفعها مُضَارَبَة بل تفْسد، لَان نفي النَّفْي إِثْبَات وَقد تبع الْمُؤلف، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةً تَفْسُدُ الْأُولَى مَعَ أَن الَّذِي يفْسد هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْبِضَاعَةِ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً لَا تبطل الاولى بل الثَّانِيَة، لَان الْمُضَاربَة بِهِ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمضَارب وَلَا مَال هُنَا، فَلَو حوزناه يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تبطل الاولى كَمَا تقدم عَن الْهِدَايَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا بِضَاعَةٌ وَإِنْ سُمِّيَتْ مُضَارَبَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ، لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَأَتَّى هُنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ، وَفُهِمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ جَوَازُ الابضاع كالاجنبي بالاولى، وَمَا وَقع فِي الدُّرَر من أَنه لَا تبطل بِالدفع إِلَى الْمَالِك بضَاعَة أَو مُضَارَبَة فَإِنَّهُ مَحْمُول على مَا ذكرنَا من عدم صِحَة الْمُضَاربَة الثَّانِيَة وإبقاء الاولى. قَوْله: (لما مر) أَي من أَن الشئ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَذَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْله يدْفع. قَوْله: (أَي الْمَالِك الخ) قَالَ فِي الْمَبْسُوط: وَالْحَاصِل أَن كل تصرف صَار مُسْتَحقّا للْمُضَارب على وَجه لَا يملك رب المَال مَنعه فَرب المَال فِي ذَلِك يكون معينا لَهُ سَوَاء بَاشرهُ بأَمْره أَو بِغَيْر أمره وكل تصرف يتَمَكَّن رب المَال أَن يمْنَع الْمضَارب مِنْهُ فَرب المَال فِي ذَلِك التَّصَرُّف عَامل لنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون بِأَمْر الْمضَارب فَحِينَئِذٍ يكون معينا لَهُ. اهـ. منح. قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا: قَوْله وَإِن صَار عرضا الخ، أَقُول: اسْتُفِيدَ من ذَلِك جَوَاز بيع المَال عرُوض الْمُضَاربَة وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى. اهـ. قلت: وينطق بِهِ الْحَاصِل الَّذِي ذكره صَاحب الْمنح لَان هَذَا التَّصَرُّف صَار مُسْتَحقّا للْمُضَارب على وَجه لَا يملك رب المَال مَنعه، فَرب المَال معينا لَهُ بَاشرهُ بأَمْره أَو بِغَيْر أمره، فَإِن بَاشرهُ حَتَّى صَار نَقْدا كَانَ تصرفه بعد ذَلِك لنَفسِهِ، ولتكن على ذكر مِمَّا تقدم أَن النَّقْد إِذا لم يكن من جنس رَأس مَال الْمُضَاربَة يملك الْمضَارب تبديله من جنس رأ س مَال الْمُضَاربَة، فَلَو بدله الْمَالِك كَانَ معينا للْمُضَارب وَلَو بِغَيْر أمره. أما لَو اشْترى الْمَالِك بِنَقْد لَيْسَ من جنس رَأس مَال الْمُضَاربَة هَل يكون ذَلِك للمضاربة أم لنَفسِهِ. يحرر. قَوْله: (ثمَّ إِن بَاعَ بِعرْض) أَي مَا صَار عرضا. قَوْله: (وَإِن بِنَقْد بطلت) قَالَ فِي الْمنح: فَلَو بَاعَ الْعُرُوضَ بِنَقْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى عُرُوضًا كَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِ الْعُرُوضِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْعُرُوضَ وَصَارَ الْمَالُ نَقْدًا فِي يَدِهِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْمُضَارَبَةِ فَشِرَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَاعَ الْعرُوض بعروض مِثْلِهَا أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَرَبِحَ كَانَ بَينهمَا على مَا شرطا، لَان رب المَال لَا يتَمَكَّن من نقض الْمُضَاربَة مَا دَامَ المَال عرُوضا اهـ. وَنَقله ط عَن حَاشِيَة الْمَكِّيّ. قَوْله: (لما مر) من أَنه عَامل لنَفسِهِ. قَوْله: (وَإِذا سَافر) أطلق السّفر، فَشَمَلَ السّفر للتِّجَارَة ولطلب الدُّيُون فَيرجع بِمَا أنْفق بِطَلَبِهِ، إِلَّا إِذا زَاد على الدّين فَلَا يرجع بِالزِّيَادَةِ، كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحِيط، وَأطلق عمله فِي الْمصر فَشَمَلَ عمله للتِّجَارَة ولاقتضاء الدُّيُون، وَلَا رُجُوع لَهُ فِي مَاله فِيمَا أنفقهُ فِي الْخُصُومَة كَمَا فِي الْمُحِيط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 كَذَا فِي الْبَحْر. قَوْلُهُ: وَلَوْ يَوْمًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَة حبس نَفسه لاجلها، فَعلم أَن المُرَاد من السّفر هُنَا أَن لَا يُمكنهُ أَن يبيت فِي منزله، وَإِن خرج من الْمصر وَأمكنهُ أَن يعود إِلَيْهِ فِي لَيْلَة فَهُوَ فِي الْمصر لَا نَفَقَة لَهُ. منح. ثمَّ نقل عَن السِّرَاجِيَّة: وَإِذا خرج بنية السّفر قل أَو كثر فنفقته فِي مَال الْمُضَاربَة، إِلَّا إِذا كَانَ يَغْدُو إِلَى بعض نواحي الْمصر اهـ. قَوْله: (فطعامه) وَلَو فَاكِهَة. حموي. أَي مُعْتَادَة وَاللَّحم كَمَا كَانَ يَأْكُل، كَذَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف: وَإِنَّمَا لَا تلْزم نَفَقَة غلْمَان الْمَالِك لَان نَفَقَتهم كَنَفَقَة نَفسه، وَهُوَ لَو سَافر مَعَه ليعينه على الْعَمَل فِي مَال الْمُضَاربَة لم يسْتَوْجب نَفَقَة فِي مَال الْمُضَاربَة بِهَذَا السَّبَب، فَكَذَا نَفَقَة غلمانه ودوابه، بِخِلَاف غلْمَان الْمضَارب ودوابه اهـ. مَبْسُوط ط. قَوْله: (وركوبه) أَي فِي الطَّرِيق. شمني. وَكَذَا فرش نَومه. ملتقى وبحر عَن الْمُحِيط. قَوْله: (بِفَتْح الرَّاء) وَيجوز أَن يكون بِالضَّمِّ على أَنه مصدر أُرِيد بِهِ اسْم الْمَفْعُول وَهُوَ الْجَارِي على الالسنة مكي عَن الشلبي، وَكَذَا أُجْرَة خادمه وعلف دَابَّته. وَأما نَفَقَة عبيد الْمَالِك ودوابه لَو سَافر بهم الْمضَارب فعلى الْمَالِك لَا فِي مَال الْمُضَاربَة، وَلَو أنْفق عَلَيْهِم الْمَالِك نَفسه من الْمُضَاربَة كَانَ استردادا لرأس المَال لَا من الرِّبْح اهـ. ط عَن الْحَمَوِيّ. قَوْله: (وَلَو بكرَاء) هَذَا يُفِيد أَن لَهُ أَن يَشْتَرِي دَابَّة للرُّكُوب، فَإِن لم يشتر واكترى لزمَه الْكِرَاء فَلَو قَالَ أَو كراؤه كَانَ أوضح ط. قَوْله: (وَكَانَ مَا يَحْتَاجهُ عَادَة) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَمن مُؤْنَته الْوَاجِبَة فِيهِ غسل ثِيَابه وَأُجْرَة من يَخْدمه والدهن فِي مَوضِع يحْتَاج إِلَيْهِ كالحجاز وَأُجْرَة الْحمام والحلاق وقص الشَّارِب كل ذَلِك من مَال الْمُضَاربَة، لَان الْعَادة جرت بهَا، ولان نظافة الْبدن وَالثيَاب يُوجب كَثْرَة من يعامله، لَان صَاحب الْوَسخ يعدونه النَّاس من المفاليس فيجتنبون مُعَامَلَته فيطلق لَهُ كل ذَلِك بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى إِذا زَاد يضمن، وَلَو رَجَعَ إِلَى بَلَده وَفِي يَده شئ من النَّفَقَة رده إِلَى مَال الْمُضَاربَة كالحاج عَن الْغَيْر إِذا بَقِي شئ فِي يَده رده على المحجوج عَنهُ أَو على الْوَرَثَة وكالغازي إِذا خرج من دَار الْحَرْب يرد إِلَى الْغَنِيمَة مَا مَعَه من النَّفَقَة، وكالامة إِذا بوأها الْمولى منزلا مَعَ الزَّوْج ثمَّ أخرجهَا إِلَى الْخدمَة وَقد بَقِي شئ من النَّفَقَة فِي يَدهَا استردها الْمولى. وَعَن الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الدَّوَاء أَيْضا يكون فِي مَال الْمُضَاربَة لانه لَا إصْلَاح دونه وتمكنه من الْعَمَل وَصَارَ كَالنَّفَقَةِ. وَجه الظَّاهِر أَن النَّفَقَة مَعْلُوم وُقُوعهَا وَالْحَاجة إِلَى الدَّوَاء من الْعَوَارِض فَكَانَ موهوما فَلَا يجب كَمَا فِي حق الْمَرْأَة. وَفِي النِّهَايَة: الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة فنفقته فِي ذَلِك المَال، رُوِيَ ذَلِك عَن مُحَمَّد. قَالَ فِي التاترخانية نقلا عَن الْخَانِية: قَالَ مُحَمَّد: هَذَا اسْتِحْسَان اهـ: أَيْ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَحَيْثُ علمت أَنه اسْتِحْسَان فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ. وَذكر فِي الْكَافِي بَعْدَمَا ذكر وجوب النَّفَقَة للْمُضَارب فَقَالَ: بِخِلَاف الشَّرِيك لانه لم يجر التعارف أَن الشَّرِيك الْعَالم ينْفق عَن نَفسه من مَال الشَّرِيك الآخر اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نقلا عَن الْبَزَّازِيَّة: وَكَذَا لَهُ الخضاب وَأكل الْفَاكِهَة كعادة التُّجَّار اهـ. قَوْله: (بِالْمَعْرُوفِ) فَإِن جَاوز الْمَعْرُوف ضمن الْفضل كَمَا سَيَأْتِي. قَوْله: (فِي مَالهَا) سَوَاء كَانَ المَال قَلِيلا أَو كثيرا. حموي. لَان النَّفَقَة تجب جَزَاء الاحتباس كَنَفَقَة القَاضِي وَالْمَرْأَة وَالْمُضَارب فِي الْمصر سَاكن بالسكن الاصلي، وَإِذا سَافر صَار مَحْبُوسًا بالمضاربة فَيسْتَحق النَّفَقَة قيد بالمضارب لَان الاجير وَالْوَكِيل والمستبضع لَا نَفَقَة لَهُم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 مُطلقًا، لَان الاجير يسْتَحق الْبَدَل لَا محَالة وَالْوَكِيل والمستبضع متبرعان، وَكَذَا الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة لَا نَفَقَة لَهُ ظَاهر الرِّوَايَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان: لَهُ النَّفَقَة كَمَا علمت، وَسَيَأْتِي. قَوْله: (لَا فَاسِدَة) كَنَفَقَة الْمضَارب فِيهَا من مَال نَفسه. منح. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَجِيرٌ) أَيْ فِي الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ: (كمستبضع ووكيل) فهما متبرعان. وَفِي الاتقاني: لَا نَفَقَة للمستبضع فِي مَال البضاعة لانه مُتَطَوّع فِيهَا إِلَّا أَن يكون أذن لَهُ فِيهَا اهـ. قَوْله: (وَفِي الاخير خلاف) قَالَ فِي الْمنح: وَكَذَا الشَّرِيك إِذا سَافر بِمَال الشّركَة لَا نَفَقَة لَهُ لانه لم يجز التعارف بِهِ. ذكره النَّسَفِيّ فِي كافيه. وَصرح فِي النِّهَايَة بِوُجُوبِهَا فِي مَال الشّركَة اهـ. وَكَأَنَّهُ حبس نَفسه للمالين فَتكون النَّفَقَة على قدرهما، وَقدمنَا قَرِيبا أَن الْوُجُوب اسْتِحْسَان وَأَن الْعَمَل عَلَيْهِ هُنَا. لَكِن فِي ابْن ملك مَا يُفِيد أَن الْمُعْتَمد عدم الْوُجُوب فَإِنَّهُ نقل الْوُجُوب رِوَايَة عَن مُحَمَّد فَقَط. فَالْحَاصِل: أَن الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الْوُجُوب لَا سِيمَا وَقد أفتى بِهِ فِي الحامدية وَأقرهُ سَيِّدي المرحوم الْوَالِد فِي تنقيحه على أَن الْعرف الْآن عَلَيْهِ فاغتنمه. قَوْله: (وَإِن عمل فِي الْمصر الخ) لانه لم يحبس نَفسه لاجل الْمُضَاربَة بل هُوَ سَاكن بالسكن الاصلي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (كدوائه على الظَّاهِر) أَي ظَاهر الرِّوَايَة: يَعْنِي إِذا مرض كَانَ دواؤه من مَاله مُطلقًا: أَي فِي السّفر والحضر، لانه قد يمرض وَقد لَا يمرض فَلَا يكون من جملَة النَّفَقَة برهَان وَغَيره. وَعَن أبي حنيفَة أَن الدَّوَاء فِي مَال الْمُضَاربَة لانه لاصلاح بدن، وَكَذَلِكَ النورة والدهن فِي قَوْلهمَا خلافًا لمُحَمد فِي الدّهن. وَفِي سري الدّين عَن الْمَبْسُوط: الْحجامَة والكحل كالدواء اهـ. قَوْله: (فَلهُ النَّفَقَة) فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْكُوفَةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَة لانه خُرُوج لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الْبَصْرَةَ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ لَهُ فَكَانَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ، لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطن إِقَامَة وَأَنه يُبطلهُ بِالسَّفرِ الخ. قَوْله: (مَا لم يَأْخُذ مَالا) هَذِه الْعبارَة تفِيد أَنه إِذا أَخذ مَالا غير مَال الْمُضَاربَة بِأَن تَركه فِي بَلَده وسافر بِمَال آخر وَأقَام بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَة لَهُ بِدَلِيل الْمُقَابلَة وَالتَّعْلِيل، وَلَيْسَ الامر كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ فهم ذَلِك من قَوْله الْمنح: فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ. اهـ. وَالْمَقْصُود من هَذِه الْعبارَة هُوَ مَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمِصْرٍ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَارًا فَلَهُ النَّفَقَةُ، إلَّا إذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَيدل لَهُ مَا فِي الْمَبْسُوط: وَلَو دفع المَال إِلَيْهِ مُضَارَبَة وهما بِالْكُوفَةِ وَلَيْسَت الْكُوفَة بوطن للْمُضَارب لم ينْفق على نَفسه من المَال مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ، لَان إِقَامَته فِيهَا لَيست للمضاربة فَلَا يسْتَوْجب النَّفَقَة مَا لم يخرج مِنْهَا، فَإِن خرج مِنْهَا إِلَى وَطنه ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فِي تِجَارَة أنْفق فِي الْكُوفَة من مَال الْمُضَاربَة، لَان وَطنه بهَا كَانَ مستعارا وَقد انْتقض بِالسَّفرِ فرجوعه بعد ذَلِك إِلَى الْكُوفَة وذهابه إِلَى مصر آخر سَوَاء. مكي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 فِي المَال مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الْبَصْرَة وَطن أُصَلِّي لَهُ فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ، لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ بهَا وَطن فَكَأَن إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ. كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنه لَو كَانَ لَهُ وَطن فِي الْكُوفَة أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ إلَّا فِي الطَّرِيقِ، وَرَأَيْت التَّصْرِيح بِهِ فِي التاترخانية من الْخَامِس. وَالْحَاصِل: أَنه إِذا أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قدم الْكُوفَة مُسَافِرًا قبل ذَلِك فَلَا نَفَقَة لَهُ مَا دَامَ بهَا حَتَّى يرتحل عَنْهَا، وَعَلِيهِ فَلَا يخفى مِمَّا فِي كَلَام الشَّارِح من الايجاز الملحق بالالغاز. أَقُول: وَحقّ الْعبارَة هَكَذَا: مَا لم يَأْخُذ مَالهَا فِيهِ لانه لم يحبس بِهِ، ويفيد بمفهومه أَنه إِذا احْتبسَ بِأَن سَافر من الْبَلدة الَّتِي أَخذ المَال فِيهَا ثمَّ عَاد بِالْمَالِ إِلَيْهَا كَانَ لَهُ النَّفَقَة لانه احْتبسَ بِهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ خَلَطَ إلَخْ) أَوْ بِعُرْفٍ شَائِعٍ كَمَا قدمنَا أَنه لَا يضمن بِهِ. قَوْله: (بِإِذن) أَي تصير شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَا تُنَافِي الْمُضَارَبَةَ وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ صَحَّ وَلِكُلِّ نِصْفٍ حُكْمُ نَفْسِهِ اهـ. مَعَ أَن المَال مشترط شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارَبَةَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ نَفَقَةٌ، فَافْهَمْ. قَوْله: (أَو بمالين لِرجلَيْنِ) هَذَا مَخْصُوص بِأَن لَا يكون المَال الآخر بضَاعَة. قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: وَلَو كَانَ أَحدهمَا بضَاعَة فنفقته فِي الْمُضَارَبَةِ، إلَّا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْعَمَلِ فِي الْبِضَاعَةِ فَفِي مَاله إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ المستبضع بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا لانه مُتَبَرّع. تاترخانية فِي الْخَامِس عشر فِيهَا من الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَجَعَ الْمُضَارِبُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ، وَكَذَا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يَنْهَاهُ وَقَدْ صَارَ الْمَالُ نَقْدًا لَمْ يُنْفِقْ فِي رُجُوعِهِ اهـ. قَوْله: (رد مَا بَقِي) أَي لَو ميز مَالا للنَّفَقَة فأنفق بعضه وَبَقِي مِنْهُ شئ حِين قدم مصره رد مَا بَقِي إِلَى الْمُضَاربَة لَان الِاسْتِحْقَاق أَمر يَنْتَهِي بانتهاء السّفر. رَحْمَتي عَن ابْن ملك. وَالظَّاهِر أَنه يرد مَا زَاد عَنهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ للنَّفَقَة من كسْوَة وَطَعَام عِنْد انْتِهَاء السّفر. قَوْله: (وَلَو أنْفق من مَاله) أَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة. بَحر. وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم لَا يملك الِاسْتِدَانَة مُقَيّد بِغَيْر النَّفَقَة. قَوْله: (لَهُ ذَلِك) وَكَذَا لَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة، لَان التَّدْبِير فِي الانفاق إِلَيْهِ كالوصي إِذا أنْفق من مَال نَفسه على الصَّغِير اهـ. قَوْله: (وَلَو هلك) أَي مَال الْمُضَاربَة قبل أَن يرجع. قَوْله: (لم يرجع على الْمَالِك) لفَوَات مَحل النَّفَقَة. بَحر. قَوْله: (وَيَأْخُذ الخ) أَي أَن الْمَالِك يَأْخُذ المَال الَّذِي أنفقهُ الْمضَارب من رَأس المَال من المَال الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمضَارب، فَإِذا استوفى رب المَال رَأس مَاله الَّذِي دَفعه إِلَى الْمضَارب بِمَا اشْترى بِهِ البضاعة وَمَا أنفقهُ وَفضل شئ اقتسماه، وَإِن لم يظْهر ربح فَلَا شئ على الْمضَارب عوضا عَمَّا أنفقهُ على نَفسه. قَوْله: (من رَأس المَال) مُتَعَلق بأنفق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمضَارب لَهُ أَن ينْفق على نَفسه من مَال الْمُضَاربَة قبل الرِّبْح اهـ. قيد بِالنَّفَقَةِ لانه لَو كَانَ فِي المَال دين غَيرهَا قدم إيفاؤه على رَأس المَال كَمَا فِي الْمنح. وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَأطلق الْمضَارب ليُفِيد أَنه لَا فرق بَين الْمضَارب ومضاربه إِذا كَانَ أذن لَهُ فِي الْمُضَاربَة وَإِلَّا فَلَا نَفَقَة للثَّانِي. قَوْله: (إِن كَانَ ثمَّة ربح) الاوضح أَن يَقُول: من الرِّبْح إِن كَانَ ثمَّة ربح. قَوْله: (وَإِن لم يظْهر ربح فَلَا شئ عَلَيْهِ) أَي على الْمضَارب عوضا عَمَّا أنفقهُ على نَفسه. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا مَثَلًا فَأَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِائَةً وَرَبِحَ مِائَةً يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْمِائَةَ الرِّبْحَ بَدَلَ الْمِائَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْمُضَارِبُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِكُ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَتَيْنِ يَأْخُذُ مِائَةً بَدَلَ النَّفَقَةِ وَيَقْتَسِمَانِ الْمِائَة الثَّانِيَة بَينهمَا على مَا شرطاه فَتكون النَّفَقَة مصروفة إِلَى الرِّبْح وَلَا تكون مصروفة رَأس المَال، لَان رَأس المَال أصل وَالرِّبْح تبع فَلَا يسلم لَهما التبع حَتَّى يسلم لرب المَال الاصل. عَيْني. قَوْله: (حسب مَا أنْفق الخ) وَفِي الْكَافِي: شرى بِالْمَالِ ثيابًا وَهُوَ ألف واستقرض مائَة للْحَمْل رابح بِأَلف وَمِائَة عِنْد الامام وَعِنْدَهُمَا على مائَة فَقَط، وَلَو بَاعهَا بِأَلفَيْنِ قسم على أحد عشر جُزْءا سهم لَهُ وَالْعشرَة للمضاربة. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحُمْلَانِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ الْحِمْلُ مَصْدَرُ حَمَلَهُ، وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ اهـ. وَهُوَ الْمُرَادُ ط. قَوْله: (وَأُجْرَة السمسار) هُوَ تكْرَار مَعَ مَا تقدم فِي الْمَتْن. قَوْله: (وَكَذَا يَضُمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ مَا يُوجِبُ زِيَادَة) لانها بِالزِّيَادَةِ عَن الثّمن صَارَت كَالثّمنِ. زَيْلَعِيّ وَهُوَ مستغني عَنهُ بِمَا قبله ط. قَوْله: (حَقِيقَة) كالصبغ والخياطة وَكِسْوَة الْمَبِيع وَغَيره. قَوْله: (أَو حكما) كالقصارة وَحمل الطَّعَام وسوق الْغنم وَسقي الزَّرْع وَغَيره. قَوْله: (وَهَذَا هُوَ الاصل نِهَايَة) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا مر فِي بَاب الْمُرَابَحَة بقوله: وَضَابِطُهُ كُلُّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَته يضم، وَاعْتمد الْعَيْنِيّ عَادَة التُّجَّار بِالضَّمِّ، فَإِذا جرت الْعَادة بِضَم ذَلِك يضم. قَوْله: (على نَفسه) أَي فِي السّفر فِي الاقامة أولى. قَوْله: (لعدم الزِّيَادَة وَالْعَادَة) لما كَانَ فِي عبارَة الْمنح مَا يشْعر بِأَن بعض النَّفَقَة تكون سبا لزِيَادَة الثّمن لَكِن لم تجر الْعَادة بضَمهَا، وَهَذَا الْبَحْث يتَعَلَّق بِبَاب الْمُرَابَحَة وَقد تقدم تَحْقِيقه، وعَلى كل فَهُوَ تكْرَار مَعَ مَا فِي الْمَتْن، والاولى التَّمْثِيل بِمَا يَأْخُذهُ العشار. قَوْله: (بزا) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ: الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ثِيَابُ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ أَو الْخَزّ. منح عَن الْمغرب. وَقيل هُوَ مَتَاع الْبَيْت. ذكره مِسْكين. قَوْله: (أَي ثيابًا) أطلقهُ إِشَارَة إِلَى أَن الحكم غير مُقَيّد بِحَقِيقَة الْبَز الَّتِي هِيَ الْكَتَّان أَو الْقطن أَو مَتَاع الْبَيْت. قَوْله: (فضاعا) أَي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 الالفان هلكا فِي يَده من غير تَقْصِير مِنْهُ برهَان. قَوْله: (غرم الْمضَارب ربعهما) لَان المَال لما صَار أَلفَيْنِ ظهر الرِّبْح فِي المَال وَهُوَ ألف وَكَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَيُصِيب الْمضَارب مِنْهُ خَمْسمِائَة، فَإِذا اشْترى بالالفين عبدا صَار مُشْتَركا بَينهمَا فربعه للْمُضَارب وَثَلَاثَة أَرْبَاعه لرب المَال، ثمَّ إِذا ضَاعَ الالفان قبل النَّقْد كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَان العَبْد على قدر ملكهمَا فِي العَبْد، فربعه على الْمضَارب وَهُوَ خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة أَرْبَاعه على رب المَال وَهُوَ ألف وَخَمْسمِائة. منح. وَهُوَ مُشكل لَان مَال الْمُضَاربَة فِي يَده أَمَانَة وَمَا شراه إِنَّمَا شراه للمضاربة أَلا يرى أَنه بعد اقتسام الرِّبْح قبل فسخ الْمُضَاربَة لَو وَقع خسران يسْتَردّ مِنْهُ الرِّبْح، فَعلمنَا أَن الرِّبْح لم يملكهُ بِمُجَرَّد حُصُوله وَلم يَقع الشِّرَاء لَهُ، فَلْيتَأَمَّل وَجهه. قَوْله: (وَغرم الْمَالِك الْبَاقِي) وَلَكِنْ الْأَلْفَانِ يَجِبَانِ جَمِيعًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ مَضْمُونا) عِلّة. لقَوْله: خَارِجا عَن الْمُضَاربَة أَيْ بَيْنَ الضَّمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَضْمُونٍ وَبَيْنَ الامانة. قَوْله: (وَبَاقِيه لَهَا) لِأَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ لَا يُنَافِي الْمُضَاربَة. قَوْله: (وَلَو بيع العَبْد) أَي وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا. قَوْله: (فحصتها ثَلَاثَة آلَاف) ثمن ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد. قوبه: (لِأَنَّ رُبْعَهُ) أَيْ رُبْعَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ كَمَا تقدم قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمَا) أَيْ وَالْأَلْفُ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُضَارِبُ كَمَا مر. قَوْله: (وَلَوْ شَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا) أَيْ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالثَّمَنُ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لانه لَو كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بعد مَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبِحَ فِيهَا ألفا فَإِنَّهُ يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف وَخَمْسمِائة حِصَّة الْمضَارب: أما لَو كَانَ مَال الْمُضَاربَة أَلفَيْنِ فَهِيَ كالمسألة الاولى وَكَذَا إِذا كَانَ فِي قيمَة الْمَبِيع فضل دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمضَارب بِأَلف يَبِيعهُ الْمضَارب مُرَابحَة عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ شَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ. فَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ: قِسْمَانِ لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْترى رَبُّ الْمَالِ، وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فيهمَا أَو لَا فضل فِي قيمَة الْمَبِيع فَقَط. وقسمان يرابح عَلَيْهِ وعَلى حِصَّة الْمضَارب، وهما إِذا كَانَ فيهمَا فضل أَو فِي قيمَة الْمَبِيع فَقَط، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ، فَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. قَوْله: (شراه رب المَال بِنصفِهِ) صفة عبد. قَوْله: (رابح بِنصفِهِ) جَوَاب شراه، أَي فَلَا يجوز أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف لَان بَيْعه من الْمضَارب كَبَيْعِهِ من نَفسه لانه وَكيله فَيكون بيع مَاله بِمَالِه فَيكون كَالْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يجوز. وَفِي حَاشِيَة الشلبي: لَان عقد الْمُرَابَحَة عقد أَمَانَة فَيجب تنزيهه عَن الْخِيَانَة وَعَن شُبْهَة الْخِيَانَة، وَالْعقد الاول وَقع لرب المَال وَالثَّانِي كَذَلِك، لَان شِرَاء الْمضَارب لَا يخرج عَن ملك رب المَال إِلَّا أَنه صَحَّ العقد لزِيَادَة فَائِدَة وَهِي ثُبُوت الْيَد وَالتَّصَرُّف للْمُضَارب فَبَقيَ شُبْهَة عدم وُقُوع العقد الثَّانِي فبيعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 مُرَابحَة على الثّمن الاول وَذَلِكَ خَمْسمِائَة. قَوْلُهُ: (وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ شَرَى رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِنِصْفِهِ وَرَأْسُ المَال ألف فَإِنَّهُ يرابح بِنصفِهِ: أَي يَبِيعهُ مُرَابحَة على خَمْسمِائَة، لَان البيع الْجَارِي بَينهمَا كَالْمَعْدُومِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ كَالثَّمَنِ لَا فَضْلَ فِيهِمَا، وَمِثْلُهُ لَوْ الْفَضْلُ فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ. أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّة الْمضَارب، وَبِه علم أَنه الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ أَيْضًا. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ عُلِمَ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَالِكِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَعَكسه) أما شِرَاء الْمَالِك من الْمضَارب مَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ مَال الْمَالِك لكنه لَا يملك التَّصَرُّف فِيهِ بعد صَيْرُورَته عرضا، وَصِحَّة العقد تحْتَمل حُصُول الثَّمَرَة وَقد حصلت بِملكه التَّصَرُّف. وَأما شِرَاء الْمضَارب من رب المَال فَهُوَ صَحِيح، لَان مَا شراه لَا يملك فِيهِ الْعين وَلَا التَّصَرُّف، وَهُوَ وَإِن شراه للْمَالِك لانه وَكيل عَنهُ، لَكِن فِي شِرَائِهِ فَائِدَة وَهُوَ حُصُول الرِّبْح لَهُ. وَفِيه فَائِدَة للْمَالِك أَيْضا لانه رُبمَا يعجز عَن بَيْعه بِنَفسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَى) أَيْ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْكَنْزِ. قَوْلُهُ: (لِخُرُوجِهِ عَن الْمُضَاربَة بِالْفِدَاءِ) لَان الْفِدَاء مُؤنَة الْملك فيتقدر بِقَدرِهِ، فَإِذا فدياه خرج العَبْد كُله عَن الْمُضَاربَة. أما نصيب الْمضَارب فَإِنَّهُ صَار مَضْمُونا عَلَيْهِ. وَأما نصيب رب المَال فبقضاء القَاضِي بانقسام الْفِدَاء عَلَيْهِمَا، لَان قَضَاءَهُ بِالْفِدَاءِ يتَضَمَّن قسْمَة العَبْد بَينهمَا لَان الْخطاب بِالْفِدَاءِ يُوجب سَلامَة المفدي وَلَا سَلامَة إِلَّا بِالْقِسْمَةِ. زَيْلَعِيّ. قَالَ فِي الْبَحْر: لَان الْفِدَاء مُؤنَة الْملك وَقد كَانَ الْملك بَينهمَا أَربَاعًا لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ صَارَ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا خَرَجَ عَنْهَا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ غَرِمَا عَلَى قدر ملكهمَا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ حَيْثُ لَا يخرج هُنَاكَ مَا خَصَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَهُنَا يخرج لَان الْوَاجِب هُنَا ضَمَانُ التِّجَارَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ، وَهُنَا ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شئ فَلَا يَبْقَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ. كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ ضَمَانَ الْمُضَارِبِ يُنَافِي الْمُضَاربَة. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَتَدْبِيرُ الْجِنَايَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا، فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ وَالْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي بِالْفِدَاءِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرِّبْحَ يُتَوَهَّمُ. كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَلَا يَخْفَى أَن الرِّبْح فِي مَسْأَلَة المُصَنّف مُحَقَّقٌ، بِخِلَافِ هَذِهِ فَقَدْ عَلَّلَ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا، يدل عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا إِن شَاءَ فديا وَإِن شَاءَ دفعا، فَتَأمل. اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 أَقُول: لَكِن صدر عبارَة الْبَحْر يُنَافِي آخرهَا، وَلَعَلَّهُمَا قَولَانِ: الاول: أَن الْخِيَار لرب المَال لَان العَبْد ملكه وَحده. وَالثَّانِي: أَن الْخِيَار للمضاربة لتوهم الرِّبْح ولاستبقاء الْمُضَاربَة. ثمَّ لَا تنَافِي بَين قَوْله هُنَا لاستبقاء الْمُضَاربَة وَقَول الشَّارِح فِيمَا مر أَنه يخرج عَن الْمُضَاربَة بِالْفِدَاءِ لَان مَا مر فِيهِ للْمُضَارب ربح فضمن قدر ربحه من الْفِدَاء وَالضَّمان يُنَافِي الْمُضَاربَة، بِخِلَاف مَا هُنَا. تَأمل. وَفِي الْبَحْر قَالَ: ثمَّ اعْلَم أَن العَبْد مُشْتَرك فِي الْمُضَاربَة إِذْ جنى خطأ لَا يدْفع بهَا حَتَّى يحضر الْمضَارب وَرب المَال، سَوَاء كَانَ الارش مثل قيمَة العَبْد أَو أقل أَو أَكثر، وَكَذَا لَو كَانَت قِيمَته ألفا لَا غير لَا يدْفع إِلَّا بحضرتهما، لَان الْمضَارب لَهُ فِيهِ حق ملك حَتَّى لَيْسَ لرب المَال أَن يَأْخُذهُ ويمنعه من بَيْعه كالمرهون إِذا جنى خطأ لَا يدْفع إِلَّا بِحَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن. وَالْحَاصِل: أَنه يشْتَرط حَضْرَة رب المَال وَالْمُضَارب للدَّفْع دون الْفِدَاء، إِلَّا إِذا أَبى الْمضَارب الدّفع وَالْفِدَاء وَقِيمَته مثل رَأس المَال فلرب المَال دَفعه لتعنته، فَإِن كَانَ أَحدهمَا غَائِبا وَقِيمَة العَبْد ألف دِرْهَم فَفَدَاهُ الْحَاضِر كَانَ مُتَطَوعا لانه أدّى دين غَيره بِغَيْر أمره وَهُوَ غير مُضْطَر فِيهِ، فَإِنَّهُ لَو أَقَامَ بَيِّنَة على الشّركَة لَا يُطَالب بِحِصَّة صَاحبه لَا بِالدفع وَلَا بِالْفِدَاءِ. كَذَا فِي النِّهَايَة. وَذكر قاضيخان أَن الْمضَارب لَيْسَ لَهُ الدّفع وَالْفِدَاء وَحده لانه لَيْسَ من أَحْكَام الْمُضَاربَة، فَلِذَا كَانَ إِلَيْهِمَا. اهـ. قَالَ الْمَقْدِسِي: وَلَو اخْتَار الْمضَارب وَحده الدفاع دفع حِصَّته وَالْمَالِك مُخَيّر فِي الْبَاقِي بَين الدّفع وَالْفِدَاء اهـ. قَوْله: (اشْترى) أَي الْمضَارب. قَوْله: (ثمَّ وَثمّ) فِيهِ حذف الْمَعْطُوف وَدخُول العاطف على مثله. حموي. قَوْله: (وَرَأس المَال جَمِيع مَا دفع) يَعْنِي لَا يكون للْمُضَارب شئ من الرِّبْح حَتَّى يصل رب المَال إِلَى جَمِيع مَا أوصله الْمضَارب على أَنه ثمن. أما إِذا أَرَادَ الْمضَارب أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة لَا يرابح إِلَّا على ألف كَمَا تقدم اهـ شلبي. قَوْله: (بِخِلَاف الْوَكِيل) إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثمَّ هلك بعد الشِّرَاء فَإِنَّهُ لَا يرجع إِلَّا مرّة لانه أمكن جعله مُسْتَوْفيا لَان الْوكَالَة تجامع الضَّمَان كَالْغَاصِبِ إِذا وكل بِبيع الْمَغْصُوب ثمَّ فِي الْوكَالَة فِي هَذِه الصُّورَة يرجع مرّة. وَفِيمَا إِذا اشْترى ثمَّ دفع الْمُوكل إِلَيْهِ المَال فَهَلَك بعده لَا يرجع لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجعل مُسْتَوْفيا بِالْقَبْضِ بعده. أما الْمَدْفُوع إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء أَمَانَة فِي يَده وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفيا فَإِذا هلك يرجع عَلَيْهِ مرّة ثمَّ لَا يرجع لوُقُوع الِاسْتِيفَاء. بَحر. وَالْحَاصِل: أَن الْوَكِيل إِذا قبض الثّمن بعد الشِّرَاء ثمَّ هلك فَإِنَّهُ لَا يرجع لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجعل مُسْتَوْفيا بِالْقَبْضِ بعده. وَأما لَو دفع إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء فَهَلَك بعد الشِّرَاء يرجع مرّة، لَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ قبل أَمَانَة فِي يَده وَهُوَ قَائِم على الامانة بعده، فَإِذا هلك يرجع عَلَيْهِ مرّة ثمَّ لَا يرجع لوُقُوع الِاسْتِيفَاء. أَفَادَهُ المُصَنّف. قَوْله: (لِأَنَّ يَدَهُ ثَانِيًا يَدُ اسْتِيفَاءٍ لَا أَمَانَةٍ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَكُلُّ مَا قَبَضَ يكون أَمَانَة وَقبض الْوَكِيل ثَانِيًا اسْتِيفَاء لَان وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ للْبَائِع، فَإِذا قَبضه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 صَار مُسْتَوْفيا لَهُ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَهْلَكُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ، إذْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا، فَإِذَا هَلَكَ يَرْجِعُ مَرَّةً فَقَطْ لِمَا قُلْنَا. قَوْله: (مَعَه) أَي الْمضَارب. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُضَارب) وَقَالَ زفر: القَوْل لرب المَال، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة أَولا، لَان الْمضَارب يَدعِي الرِّبْح وَالشَّرِكَة فِيهِ وَرب المَال يُنكره. فَالْقَوْل قَول الْمُنكر. ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ: القَوْل قَول الْمضَارب، وَهُوَ قَوْلهمَا بِأَن حَاصِل اخْتِلَافهمَا فِي الْمَقْبُوض فَالْقَوْل قَول الْقَابِض فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض وَلَو ضمنيا اعْتِبَارا بِمَا لَو أنكرهُ أصلا فَإِن القَوْل لَهُ. قَوْله: (لَان القَوْل فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض للقابض) لانه أَحَق بِمَعْرِِفَة مِقْدَار الْمَقْبُوض. قَوْله: (أَمينا) أَي كَالْمُودعِ. قَوْله: (أَو ضمنيا) كَالْغَاصِبِ. قَوْله: (كَمَا لَو أنكرهُ) أَي الْقَبْض أصلا فَالْقَوْل قَوْله. قَوْله: (وَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف مَعَ ذَلِك) أَي مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْمَقْبُوض الِاخْتِلَاف فِي مِقْدَار الرِّبْح، بِأَن قَالَ المَال رب رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَشَرَطْتُ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَقَالَ الْمُضَارِبُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَشَرَطْتَ لِي نصف الرِّبْح كَانَ القَوْل للْمُضَارب فِي قدر رَأس المَال لانه الْقَابِض، وَالْقَوْل لرب المَال فِي مِقْدَار الرِّبْح لانه الْمُنكر للزِّيَادَة، وَهُوَ لَو أنكر اسْتِحْقَاق الرِّبْح عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَن ادّعى البضاعة قبل مِنْهُ، فَكَذَا فِي إِنْكَاره الزِّيَادَة. ذكره الزَّيْلَعِيّ. قَوْلُهُ: (فَقَطْ) لَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، بَلْ القَوْل فِيهِ للْمُضَارب لانه الْقَابِض كَمَا علمت. قَوْله: (لانه يُسْتَفَاد من جِهَته) أَي من جِهَة رب المَال من حَيْثُ إِن الرِّبْح نَمَاء ملكه. قَوْله: (وَإِن أقاماها الخ) أَي لِأَنَّ بَيِّنَةَ رَبِّ الْمَالِ فِي زِيَادَةِ رَأْسِ المَال أَكثر إِثْبَاتًا، ولان بَيِّنَة الْمُضَارِبِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ ادَّعَى الْمُضَارَبَةَ وَادَّعَى مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ أَنَّهَا عِنَانٌ وَلَهُ فِي الْمَالِ كَذَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَثَبَتَتْ حِصَّةً من المَال وأثبتت الصّفة. أَقُول: لَكِن قد يُقَال: إِن كلتا الْبَيِّنَتَيْنِ أَثْبَتَت حِصَّة وَصفَة وتزيد بَيِّنَة رب المَال بِأَنَّهُ خَارج إِلَّا أَن يُقَال: إِن الصّفة الَّتِي أثبتتها بَيِّنَة الْقَابِض أقوى، لَان شركَة الْعَنَان أقوى من الْمُضَاربَة، فَلْيتَأَمَّل. قَوْله: (فِي الْمِقْدَار) أَي مِقْدَار الْمَقْبُوض. قَوْله: (لانه لَو كَانَ فِي الصّفة) أَي صفة الدّفع هَل هُوَ مُضَارَبَة أَو بضَاعَة؟ وَقَالَ الْمَالِك بضَاعَة وَلم أجعَل لَك من الرِّبْح شَيْئا، وَقَالَ من فِي يَده المَال مُضَارَبَة وَجعلت لي نصف الرِّبْح فَالْقَوْل لرب المَال، لَان الْعَامِل يَدعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق أجر على عمله وَهُوَ يُنكر وَالْقَوْل للْمُنكر، وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْمَسْأَلَة على الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فَيَقُول: قيد بِكَوْنِهِ فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض، لانه لَو كَانَ فِي مِقْدَار الرِّبْح أَيْضا أَو فِي الصّفة فَالْقَوْل لرب المَال. قَالَ الْعَلامَة الرحمتي: وَقَوله لانه لَو كَانَ فِي الصّفة لَيْسَ على إِطْلَاقه، لانه لَو ادّعى الْمَالِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 الْقَرْض والقابض الْمُضَاربَة أَو البضاعة أَو الْوَدِيعَة كَانَ القَوْل للقابض كَمَا سَيَأْتِي متْنا. قَوْله: (فَقَالَ) أَي الْمضَارب. قَوْله: (وَقَالَ الْمَالِك) الاولى ذُو الْيَد. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمَالِك) لانه مُنكر، ولان الْمضَارب يَدعِي عَلَيْهِ تَقْوِيم عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشّركَة فِي الرِّبْح وَهُوَ يُنكر. ذكره ابْن الْكَمَال. قَوْله: (وَلَو قَالَ الْمضَارب) الاولى وَاضع الْيَد لَان الْمَسْأَلَتَيْنِ الاوليين اتفقَا فيهمَا على عدم الْمُضَاربَة. قَوْله: (هِيَ قرض) أَي وَجَمِيع الرِّبْح لي. قَوْله: (أَو وَدِيعَة) إِنَّمَا كَانَ القَوْل لَهُ وَإِن كَانَ الرِّبْح لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شئ لما ذكره الْمُؤلف من أَنه يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك وَهُوَ يُنكر. قَوْله: (وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب) سَوَاء أَقَامَهَا وَحده أَو مَعَ رب المَال، لانها تثبت أمرا زَائِدا وَهُوَ التَّمْلِيك بالقرض. قَوْله: (لانه يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك) أَي تمْلِيك بعض الرِّبْح فِيمَا إِذا ادّعى الْمُضَاربَة وتمليك عين المَال فِيمَا إِذا ادّعى الْقَرْض، لَان الْمُسْتَقْرض يملكهُ وَلذَا كَانَ ربحه لَهُ. قَوْله: (لانه يُنكر الضَّمَان) أَي وَرب المَال يَدعِيهِ وَالْقَوْل للْمُنكر، فقد خرجت هَذِه عَن قَاعِدَة الِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف لهَذِهِ الْعلَّة لانها أَكثر إِثْبَاتًا لانها تثبت عَلَيْهِ ضَمَان الْبَدَل ط. قَوْله: (فَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا) لانه يَدعِي عَلَيْهِ الضَّمَان بالقرض، وَهَذَا معنى قَوْله لانها أَكثر إِثْبَاتًا وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا ادّعى الْمَالِك الْقَرْض لانها تثبت الضَّمَان على الْمُسْتَقْرض. أما لَو ادّعى الْقَابِض الْقَرْض فَيَنْبَغِي أَن تكون الْبَيِّنَة لَهُ، لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا وَهُوَ تملك المَال الْمَقْبُوض، وَكَذَا لَو ادّعى الْمُضَاربَة لانها تثبت استحقاقا فِي الرِّبْح. تَأمل. وَالْحَاصِل: أَن القَوْل لمُدعِي الْمُضَاربَة فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْقَرْض فيهمَا على مَا ذكر. وَفِي الْبَدَائِع قَالَ: دفعت لي ألفا مُضَارَبَة فَهَلَكت فَقَالَ الْمقر لَهُ لَا بل غصبتها مني: فَإِن الْهَلَاك قبل التَّصَرُّف فَلَا ضَمَان، وَإِن بعده يضمن: يَعْنِي لَان التَّصَرُّف فِي مَال الْغَيْر سَبَب لوُجُوب الضَّمَان فِي الاصل فَكَانَ دَعْوَى الاذن دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فَلَا يثبت إِلَّا بِحجَّة. وَالظَّاهِر أَن هَذَا لَا يجْرِي فِيمَا نَحن فِيهِ لانه أقرّ بِالْقَبْضِ الْمُبِيح للتَّصَرُّف. قَوْله: (وَأما الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع) هَذَا مُقَابل قَوْله الْمَار: (لانه لَو كَانَ فِي الصّفة) وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يُؤَخر هَذَا إِلَى قَوْله: (وَلَو ادّعى كل نوعا) لَان الِاخْتِلَاف فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص لَيْسَ من الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بل من الصّفة فَلَا يتم التَّفْرِيع الْآتِي عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله: (فَإِن ادّعى الْمضَارب الخ) . قَالَ فِي الْبَدَائِع: فَإِن اخْتلفَا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْعُمُوم بِأَن ادّعى أَحدهمَا الْمُضَاربَة فِي جَمِيع التِّجَارَات أَو فِي عُمُوم الامكنة أَو مَعَ عُمُوم الاشخاص، لَان قَول من يَدعِي الْعُمُوم يُوَافق الْمَقْصُود بِالْعقدِ، إِذْ الْمَقْصُود هُوَ الرِّبْح وَهنا الْمَقْصُود بِالْعُمُومِ أوفر، وَكَذَا لَو اخْتلفَا فِي الاطلاق وَالتَّقْيِيد فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الاطلاق، حَتَّى لَو قَالَ رب المَال أَذِنت لَك أَن تتجر فِي الْحِنْطَة دون مَا سواهَا، وَقَالَ الْمضَارب مَا سميت لي تِجَارَة بِعَينهَا فَالْقَوْل قَول الْمضَارب مَعَ يَمِينه، لَان الاطلاق أقرب إِلَى الْمَقْصُود بِالْعقدِ على مَا بَينا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد: القَوْل قَول رب المَال فِي الْفَصْلَيْنِ: فَإِن قَامَت لَهما بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة من يَدعِي الْخُصُوص فِي دَعْوَى الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَفِي دَعْوَى الاطلاق وَالتَّقْيِيد بَيِّنَة من يَدعِي التَّقْيِيد لانها تثبت زِيَادَة قيد وَبَيِّنَة الاطلاق ساكتة. وَلَو اتفقَا على الْخُصُوص لكنهما اخْتلفَا فِي ذَلِك الْخَاص بِأَن قَالَ رب المَال دفعت المَال إِلَيْك مُضَارَبَة فِي الْبر وَقَالَ الْمضَارب فِي الطَّعَام فَالْقَوْل قَول رب المَال اتِّفَاقًا، لانه لَا يُمكن التَّرْجِيح هُنَا بِالْمَقْصُودِ من العقد لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِك فترجع بالاذن، وَأَنه يُسْتَفَاد من رب المَال، فَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب، لَان بَينته مثبتة وَبَيِّنَة رب المَال نَافِيَة، لانه لَا يحْتَاج إِلَى الاثبات وَالْمُضَارب يحْتَاج لَهُ لدفع الضَّمَان عَن نَفسه، فَالْبَيِّنَة المثبتة للزِّيَادَة أولى. كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية. قَوْله: فَإِن ادّعى الْمضَارب الْعُمُوم أَي فِي أَنْوَاع التِّجَارَات. قَوْله: (أَو الاطلاق) بِأَن قَالَ أطلقت لي فِي السّفر برا وبحرا. قَوْله: (وَادّعى الْمَالِك الْخُصُوص) أَي بِنَوْع من التِّجَارَة. وَالْمُنَاسِب أَو التَّقْيِيد لتحسن الْمُقَابلَة بِأَن قَالَ قيدت لَك السّفر بِالْبرِّ. قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُضَارب) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ وَالْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ يُنَاسِبَانِهِ. وَهَذَا إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ الْعُمُوم وَالْمُضَارب الْخُصُوص فَالْقَوْل للْمَالِك. در منتقى. وَمثله فِي الْخَانِية وَغَايَة الْبَيَان والزيلعي وَالْبَحْر وَغَيرهمَا، وَحَكَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ قَوْلَيْنِ. وَفِي مَجْمُوعَةِ الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ: لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ قَرْضٌ وَالْقَابِضُ مُضَارَبَةٌ، فَإِنْ بَعْدَمَا تَصَرَّفَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: أَيْ الْقَابِضِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَرْضُ لِإِنْكَارِ الْقَابِضِ اهـ. وَنَقَلَ فِيهَا عَن الذَّخِيرَة من الرَّابِع مِثْلَهُ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ عَنْ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْوَجِيزِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الْمَمَالِكِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَيُمْكِنُ أَن يُقَال: إِن مَا فِي الْخَانِية وَالْمُصَنّف وَمَا قدمْنَاهُ عَن الدَّار الْمُنْتَقى فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحَادِثَةِ وَالْحُكْمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ، كَذَا فِي مَجْمُوعَة منلا عَليّ مُلَخصا. قَوْله: (وَلَو ادّعى كل نوعا) بِأَن قَالَ أَحدهمَا فِي بز وَقَالَ الْآخَرُ فِي بُرٍّ. قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ من يُسْتَفَاد من جِهَته الاذن وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمضَارب لِحَاجَتِهِ إِلَى نفي الضَّمَان وَعدم حَاجته إِلَى الْبَيِّنَة. ذكره الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (وَالْبَيِّنَة للْمُضَارب فيقيمها على صِحَة تصرفه) يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لَا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ حَتَّى تَكُونَ على النَّفْي فَلَا تقبل. قَوْله: (وَلَو وقتت الْبَيِّنَتَانِ) بِأَن قَالَ ر ب المَال أدّيت إلَيْكَ مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْتَ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ. قَوْلُهُ: (قُضِيَ بالمتأخرة) لَان آخر الشَّرْطَيْنِ ينْقض الاول. عناية. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وقتت إِحْدَاهمَا دون الاخرى. قَوْله: (فَبَيِّنَة الْمَالِك) لانه يتَعَذَّر الْقَضَاء بهما مَعًا للاستحالة، وعَلى التَّعَاقُب لعدم الشَّهَادَة على ذَلِك، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 وَإِذا تعذر بهما الْقَضَاء فَبَيِّنَة رب المَال أولى لانها تثبت مَا لَيْسَ بِثَابِت. أَفَادَهُ الاكمل. وَهَذَا يُنَافِي مَا قدمه من أَن الْبَيِّنَة للْمُضَارب إِذْ هُوَ عِنْد تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلَّا فَهِيَ لمن أَقَامَهَا، إِلَّا أَن يحمل على أَن الْبَيِّنَة أَقَامَهَا الْمضَارب فَقَط وَهُوَ بعيد، لانه إِذا انْفَرد كل بِإِقَامَة الْبَيِّنَة قبلت مِنْهُ فَلَا وَجه للتخصيص. وَحَاصِله: أَنه لم يظْهر وَجه مَا ذكره لَان الْمَفْهُوم من تَصْوِير صَاحب الدُّرَر والعزمية أَنَّهُمَا اتفقَا على الْمُضَاربَة وَاخْتلفَا فِي الْوَقْت وَأَقَامَا بَيِّنَة وأرخت الْبَيِّنَتَانِ يقْضِي بالمتأخرة فَلَا يُقَال: وَإِلَّا لانهما إِذا لم يوقتا لَا حَاجَة إِلَيْهِمَا بعد الِاتِّفَاق على الْمُضَاربَة، إِلَّا أَن يُقَال: إِلَّا أَن الِاخْتِلَاف فِي التَّوْقِيت مَبْنِيّ على الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع، لَكِن الْمَفْهُوم خِلَافه. قَالَ خير الدّين الرَّمْلِيّ: وَجهه أَن الْمضَارب بقوله مَا سميت لي تِجَارَة بِعَينهَا يَدعِي التَّعْمِيم وَهُوَ أصل فِي الْمُضَاربَة فَالْقَوْل قَول من يَدعِيهِ وَرب المَال بِدَعْوَاهُ النَّوْع ادّعى التَّخْصِيص وَهُوَ خلاف الاصل فِيهَا، وَالْبَيِّنَة للاثبات والاثبات على من خَالف الاصل. وَأَقُول: على هَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي ذَلِك على الْعَكْس. تَأمل. قَالَ فِي الْبَحْر فِي الْوكَالَة: أَمرتك بالاتجار فِي الْبر وَادّعى الاطلاق فَالْقَوْل للْمُضَارب لادعائه عُمُومه. وَعَن الْحسن عَن الامام أَنه لرب المَال، لَان الاذن يُسْتَفَاد مِنْهُ، وَإِن برهنا فَإِن نَص شُهُود الْعَامِل أَنه أعطَاهُ مُضَارَبَة فِي كل تِجَارَة فَهُوَ أولى لاثباته الزِّيَادَة لفظا وَمعنى، وَإِن لم ينصوا على هَذَا الْحَرْف فلرب المَال. اهـ. قَوْله: (جَازَ) فَيكون عاقدا من الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاح وَهبة الاب من طِفْله. قَوْلُهُ: (وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ بَحْثًا مِنْهُ. وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِهِمْ بِرَأْيِهِ مَعَ قيام الدَّلِيل على الاطلاق. واستطهر ابْنُ الشِّحْنَةِ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ: أَي وَيكون هَذَا التَّقْيِيد مُرَاد من أطلق ليحصل بِهِ نفي التُّهْمَة، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَة فَهَذَا يُفِيد الْمَنْع مُطلقًا. قَوْله: (بِأَنْ لَا يَجْعَلَ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَكثر مِمَّا يَجْعَل لامثاله) بِأَن كَانَ الْغَيْر يَجْعَل للْيَتِيم النّصْف مِنْهُ فَجعل الْوَصِيّ الثُّلُث لَهُ. قَوْله: (وَتَمَامه فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة) أَي لِابْنِ الشّحْنَة، لانه إِذا أطلق شرح الْوَهْبَانِيَّة ينْصَرف إِلَيْهِ، كَمَا إِذا أطلق شرح الْكَنْز ينْصَرف للشَّارِح الزَّيْلَعِيّ، وَكَذَا شرح الْوِقَايَة للشَّارِح الشمني، وَشرح الْهِدَايَة لصَاحب فتح الْقَدِير، وَشرح الْقَدُورِيّ للجوهرة كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَامهم. وَعبارَة ابْن الشّحْنَة: حَيْثُ قَالَ بعد الَّذِي ذكره الشَّارِح: حَتَّى لَو كَانَ النَّاس يَعْتَقِدُونَ الْمُضَاربَة بِالنِّصْفِ حَتَّى عقدهَا هُوَ لنَفسِهِ فِي مَال الصَّغِير بِالثُّلثِ لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَقَالَ: إِنَّه مَا زَاد ذَلِك إِلَّا دفعا لما توهمه عبارَة الذَّخِيرَة من الْجَوَاز للتَّعْلِيل بالاستنماء وَعدم الِاسْتِحْقَاق فِي مَال الصَّغِير، وَإِنَّمَا هُوَ من الرِّبْح الْحَاصِل بِعَمَل الْمضَارب، وَقَالَ إِنَّه لم يقف على هَذَا التَّقْيِيد فِي كَلَام الاصحاب، وَلكنه يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك نظرا للصَّبِيّ. وتعجب المُصَنّف من تَقْيِيده بِمَا أطلقهُ الْمَشَايِخ بِرَأْيهِ مَعَ قيام الدَّلِيل على الاطلاق لانه نفع صرف، ووثوق الْوَصِيّ بِنَفسِهِ لَيْسَ كوثوقه بِغَيْرِهِ، نعم لَو جعله من بَاب الدّيانَة والمروءة لَكَانَ حسنا، لَكِن لَو عقد بِأَقَلّ صَحَّ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 قلت: الاظهر عِنْدِي مَا قَالَه الطرسوسي، لَان تصرف الْوَصِيّ إِنَّمَا هُوَ بِالْولَايَةِ النظرية وَلَا نظر للصَّبِيّ فِي الْمُضَاربَة فِي مَال بِأَقَلّ مِمَّا يَفْعَله أَمْثَال الْوَصِيّ من الثِّقَات، بل النّظر فِيهِ لجَانب الْوَصِيّ فَإِنَّهُ يحصل لنَفسِهِ ربحا بِهِ يتَعَذَّر حُصُوله بِدُونِ مَال الْيَتِيم مَعَ الحيف على الْيَتِيم وَإِن كَانَ مصلحَة من حَيْثُ إِنَّه يحصل الرِّبْح فِي الْجُمْلَة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: يَكْفِي حُصُول الْمصلحَة فِي الْجُمْلَة وَإِن أمكن مَا هُوَ أولى مِنْهَا اهـ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ بعد نقل مَا عَن الطرسوسي: ونازعه المُصَنّف وارتضى الشَّارِح ذَلِك الْقَيْد نظرا للصَّغِير بحثا مِنْهُ انْتهى. أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن الْمُلْتَقط. قَوْله: (وفيهَا) أَي الْوَهْبَانِيَّة. قَوْله: (مَاتَ الْمضَارب الخ) وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وكل من كَانَ المَال فِي يَده أَمَانَة إِذا مَاتَ قبل الْبَيَان وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون عَلَيْهِ دينا فِي تركته، لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا للوديعة: أَي مثلا وَلَا يصدق ورثته على الْهَلَاك وَالتَّسْلِيم إِلَى رب المَال، وَلَو عين الْمَيِّت فِي حَال الْحَيَاة أَو علم ذَلِك يكون ذَلِك أَمَانَة فِي يَد وَصِيّه أَو وَارثه كَمَا كَانَ فِي يَده، ويصدقون على الْهَلَاك وَالدَّفْع إِلَى صَاحبه كَمَا يصدق الْمَيِّت حَال حَيَاته انْتهى. وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي الْوَدِيعَة. قَوْله: (عَاد دينا فِي تركته) أَي لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا كَمَا علمت، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا: وَبِهِ أَفْتَى قَارِئ الْهِدَايَة. قَوْله: (لَكِن صرح فِي مجمع الْفَتَاوَى) نقل فِي الْمنح عَنهُ مَا نَصه: قَالَ الشَّيْخ الامام الاجل: وَكَانَ شَيخنَا يَقُول: الْجَواب فِي زَمَاننَا بِخِلَاف هَذَا، وَلَا ضَمَان على الْمضَارب فِيمَا يعْطى من مَال الْمُضَاربَة لسلطان طمع فِيهِ وَقصد أَخذه بطرِيق الْغَصْب، وَكَذَا الْوَصِيّ إِذا صانع فِي مَال الْيَتِيم لانهما يقصدان الاصلاح بِهَذِهِ المصانعة، فَلَو لم يفعل أَخذ المصانع جَمِيع المَال فَدفع الْبَعْض لاحراز مَا بَقِي من جملَة الْحِفْظ فِي زَمَاننَا، والامين فِيمَا يرجع إِلَى الْحِفْظ لَا يكون ضَامِنا، أما فِي زمانهم فَكَانَت الْقُوَّة لسلاطين الْعدْل. انْتهى مُخْتَصرا. وَيُؤْخَذ من هَذَا أَنه إِذا دفع من مَال نَفسه يكون مُتَبَرعا فيضيع عَلَيْهِ مَا دفع إِلَّا إِذا أشهد عِنْد الدّفع أَنه يرجع وَيُحَرر. قَالَ الرحمتي: لَا يضمن فِي زَمَاننَا لغَلَبَة أهل الظُّلم والرشوة إِذا كَانَت لدفع الضَّرَر عَن نَفسه وَعَن رب المَال كَانَت جَائِزَة للدافع مَأْذُونا فِيهَا عَادَة من الْمَالِك وَإِن حرمت على الْآخِذ انْتهى. قَوْله: (لانهما يقصدان الاصلاح) أَي فِي هَذِه الرِّشْوَة فَدفع الْبَعْض لاحراز مَا بَقِي من جملَة الْحِفْظ والامين فِيمَا يرجع للْحِفْظ لَا يكون ضَامِنا، منح. قَوْله: (وسيجئ آخر الْوَدِيعَة) وَنَصه: إِذا هدد وَخَافَ تلف نَفسه أَو عضوه أَو خشِي أَخذ مَاله كُله فَلَا ضَمَان، وَفِيمَا سوى ذَلِك يضمن، فَتَأمل. وَسَيَأْتِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْله: (وَفِيه لَو شرى الخ) نَقله فِي الْمنح بأبسط من هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَفِيه أَيْضا: إِذا اشْترى الْمضَارب بِالْمَالِ مَتَاعا فَقَالَ الْمضَارب أَنَا أَمْسِكُهُ حَتَّى أَجِدَ رِبْحًا كَثِيرًا وَأَرَادَ رب المَال بَيْعه فَهَذَا على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون فِي مَال الْمُضَاربَة فضل بِأَن كَانَ رَأس المَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 ألفا فَاشْترى بِهِ مَتَاعا يُسَاوِي أَلفَيْنِ، أَو لم يكن فِي المَال فضل بِأَن كَانَ رَأس المَال ألفا وَاشْترى بِهِ مَتَاعا يُسَاوِي ألفا، فَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا يكون للْمُضَارب حق إمْسَاك الْمَتَاع من غير رضَا رب المَال إِلَّا أَن يُعْطي رب المَال رَأس المَال، إِن لم يكن فِيهِ فضل وَرَأس المَال وحصته من الرِّبْح إِن كَانَ فِيهِ فضل فَحِينَئِذٍ لَهُ حق إِمْسَاكه، وَإِن لم يُعْط ذَلِك وَلم يكن لَهُ حق إِمْسَاكه هَل يجْبر على البيع، إِن كَانَ فِي المَال فضل يجْبر الْمضَارب على بَيْعه لانه سلم لَهُ بدل عمله فَيجْبر على الْعَمَل، إِلَّا أَن يَقُول لرب المَال أُعْطِيك رَأس المَال وحصتك من الرِّبْح إِن كَانَ فِي الْمَتَاع فضل أَو يَقُول أُعْطِيك رَأس المَال إِن لم يكن فضل فَإِن اخْتَار ذَلِك فَحِينَئِذٍ لَا يجْبر على البيع وَيجْبر رب المَال على قبُول ذَلِك نظرا من الْجَانِبَيْنِ، وَإِن لم يكن فِي المَال فضل لَا يجْبر على البيع وَيُقَال لرب المَال الْمَتَاع كُله خَالص ملكك، فإمَّا أَن تَأْخُذهُ بِرَأْس مَالك أَو تبيعه حَتَّى تصل إِلَى رَأس مَالك. انْتهى من مُضَارَبَة الذَّخِيرَة وَالْمُحِيط. وَالْحَاصِل: أَن الْكَلَامُ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ: الْأَوَّلُ حَقُّ إمْسَاكِ الْمُضَارِبِ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَالِ. وَالثَّانِي إجْبَارُ الْمُضَارِبِ عَلَى الْبَيْعِ حَيْثُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَحِينَئِذٍ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ إجْبَارُهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ للْمَالِك رَأس مَاله مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمَالِكِ رَأْسَ مَالِهِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ الْمَتَاعَ بِرَأْسِ مَالِهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا فَهِمْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنَحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ معقدة كَمَا سَمِعت، وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ فَوَجَدْتهَا كَمَا فِي الْمنح ونقلها فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُحِيط، وَمثله فِي الْفَتَاوَى العطائية. وَبَقِيَ مَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَتَاع والضارب يُرِيدَ بَيْعَهُ وَهُوَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَيُعْلَمُ جَوَابُهَا مِمَّا مَرَّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ وَعَلِمَ بِهِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا وَإِنْ نَهَاهُ الْمَالِكُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا وَلَا تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا مر) الَّذِي مر تَعْلِيل لغير هَذَا، وَهُوَ أَنه يجْبر على قَضَاء الدّين إِن كَانَ فِي المَال ربح. قَوْله: يضمن حِصَّةَ الْهِبَةِ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَة غير صَحِيحَة فَتكون فِي ضَمَانه. قَوْله: (وَهِي تملك بِالْقَبْضِ على الْمُفْتى بِهِ) قَالَ السائحاني أَقُولُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ وَالضَّمَانِ اهـ. وَنَصّ عَلَيْهِ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ رامز الْفَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى، ثُمَّ إذَا هَلَكَتْ أَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إذْ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاك كَانَت مُسْتَحقَّة الرَّد قبل الْهَلَاك. اهـ. فَتنبه. قَوْله: (وأودعه عشرا) بعده بَيت مُتَوَقف عَلَيْهِ وَهُوَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 لَهُ سَبْعَة قَالُوا وَنصفا إِذا نَوَت لَهُ الْخَمْسَة الاخرى وَفِي الشَّرْع ينشر قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: صورتهَا رجل دفع لغيره عشرَة دَرَاهِم وَقَالَ خَمْسَة مِنْهَا هبة لَك وَخَمْسَة وَدِيعَة عنْدك فاستهلك الْقَابِض مِنْهَا خَمْسَة وَهَلَكت الْخَمْسَة الْبَاقِيَة ضمن سَبْعَة وَنصفا، لَان الْخَمْسَة الْمَوْهُوبَة مَضْمُونَة على الْقَابِض لانها هبة مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة وَهِي فَاسِدَة، والخمسة الَّتِي استهلكها نصفهَا من الْهِبَة وَنِصْفهَا من الامانة فَيضمن هَذِه الْخَمْسَة والخمسة الَّتِي ضَاعَت نصفهَا من الْهِبَة فَيضمن نصفهَا فَصَارَ الْمَضْمُون سَبْعَة وَنصفا. قلت: وَهَذَا على غير الصَّحِيح، لَان الْهِبَة الْفَاسِدَة تملك بِالْقَبْضِ وَقد سلطه الْمَالِك عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَا ضَمَان فِي الْوَدِيعَة، لما فِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا هِبَةٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَة فَهَلَكت يضمن حِصَّة الْهِبَة لَا حِصَّة الْمُضَاربَة لانها أَمَانَة. وَقَوله يضمن حِصَّة الْهِبَة لَا حِصَّة الْمُضَاربَة إِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة عدم الْملك وَهُوَ خلاف الْمُفْتى بِهِ، أما على الْمُفْتى بِهِ، فَلَا ضَمَان مُطلقًا لَا فِي الْوَدِيعَة وَلَا فِي الْهِبَة الْفَاسِدَة لانه ملكهَا بِالْقَبْضِ فَلِذَا قَالَ الشَّارِح وَبِه يضعف قَول الْوَهْبَانِيَّة اهـ ح بِتَصَرُّف وَإِصْلَاح من شرح الْعَلامَة عبد الْبر. وَيضمن دِرْهَمَيْنِ وَنصفا من الامانة الَّتِي استهلكها ط. أَقُول: قَوْله وَكَذَلِكَ لَا ضَمَان فِي الْوَدِيعَة الخ فِيهِ أَن فرض مَسْأَلَة الْوَهْبَانِيَّة فِي الِاسْتِهْلَاك وَمَا اسْتشْهد بِهِ فِي الْهَلَاك فَيَنْبَغِي أَن يضمن دِرْهَمَيْنِ وَنصفا بِنَاء على الْمُفْتى بِهِ، لَان الْخَمْسَة الَّتِي استهلكها نصفهَا من الْهِبَة فَلَا يضمن وَنِصْفهَا من الامانة فَيضمن، وَأما الْخَمْسَة الَّتِي ضَاعَت فَلَا يضمن شَيْئا مِنْهَا. تَأمل. فُرُوعٌ: سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعْرُوفًا فَهَلْ يَكُونُ رَبُّ الْمَالِ أَحَقَّ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ؟ الْجَوَابُ نَعَمْ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ حَامِدِيَّةٌ. وَفِيهَا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَة من بَاب الْقَضَاء فِي فَتَاوِيهِ: إذَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ خِيَانَةً فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَأَنْكَرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَا الْحُكْمُ، لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارَ مَا خَانَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِهِ مَعَ يَمِينه لَان نُكُوله كالاقرار بشئ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى أَكثر اهـ. كل مَا جَازَ للْمُضَارب فِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة من شِرَاء أَو بيع أَو إِجَارَة أَو بضَاعَة أَو غير ذَلِك فَهُوَ جَائِز لَهُ فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة، وَلَا ضَمَان على الْمضَارب، وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك جَازَ لَهُ مَا يجوز لَهُ فِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. رجلَانِ دفعا إِلَى رجل ألف دِرْهَم مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ ونهياه عَن الشّركَة فانشق الْكيس الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِم وَاخْتَلَطَ بِدَرَاهِم الْمضَارب من غير فعله فَلهُ أَن يَشْتَرِي بذلك وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالشَّرِكَة بَينهمَا ثَابِتَة، وَلَيْسَ لَهُ أَن يخص نَفسه بِبيع شئ من ذَلِك الْمَتَاع وَلَا يَشْتَرِي بِثمنِهِ شَيْئا لنَفسِهِ دون صَاحبه، وَلَكِن لَو كَانَ قبل أَن يَشْتَرِي بِالْمَالِ شَيْئا اشْترى للمضاربة مَتَاعا بِأَلف دِرْهَم وَأشْهد ثمَّ نقدها من المَال ثمَّ اشْترى لنَفسِهِ مَتَاعا بِأَلف دِرْهَم ونقدها من المَال فَهَذَا جَائِز. كَذَا فِي الْمُحِيط. هندية. لَو كَانَ رب المَال ملك العَبْد بِغَيْر شئ فَبَاعَهُ من الْمضَارب بِأَلف الْمُضَاربَة لم يَبِعْهُ مُرَابحَة حَتَّى يبين أَنه اشْتَرَاهُ من رب المَال. هندية عَن الْمَبْسُوط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 إِذا دفع رجل إِلَى رجل ألف دِرْهَم مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ ثمَّ دفع إِلَى آخر ألف دِرْهَم بِالنِّصْفِ فَاشْترى أجد المضاربين عبدا بِخَمْسِمِائَة من الْمُضَاربَة فَبَاعَهُ من الْمضَارب الآخر بِأَلف فَأَرَادَ الثَّانِي أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة يَبِيعهُ على أقل الثمنين، وَلَو بَاعه الاول من الثَّانِي بِأَلفَيْنِ ألف من الْمُضَاربَة وَألف من مَال نَفسه فَإِن الثَّانِي يَبِيعهُ مُرَابحَة على ألف وَمِائَتَيْنِ وَخمسين، لَان الثَّانِي اشْترى نصفه لنَفسِهِ وَقد كَانَ الاول اشْترى ذَلِك النّصْف الثَّانِي بمائتين وَخمسين. كَذَا فِي الْبَدَائِع، وَلَو قَالَ رب المَال اسْتقْرض عَليّ ألفا وَاتبع بهَا على الْمُضَاربَة فَفعل كَانَ ذَلِك على نَفسه، حَتَّى لَو هلك فِي يَده قبل أَن يَدْفَعهُ لرب المَال لزمَه ضَمَانه لَان الامر بالاستقراض بَاطِل. هندية عَن الْحَاوِي. وفيهَا: كل مُضَارَبَة فَاسِدَة لَا نَفَقَة للْمُضَارب فِيهَا على مَال الْمُضَاربَة، فَإِن أنْفق على نَفسه من المَال حسب من أجر مثل عمله وَأخذ بِمَا زَاد إِن كَانَ مَا أنْفق مِنْهُ أَكثر من أجر الْمثل. كَذَا فِي الْمَبْسُوط. لَو قَالَ الْمضَارب لرب المَال دفعت إِلَيْك رَأس المَال وَالَّذِي فِي يَدي ربح ثمَّ قَالَ لم أدفَع وَلكنه هلك فَهُوَ ضَامِن كَذَا فِي الْحَاوِي. الاصل أَن قسْمَة الرِّبْح قبل قبض رب المَال رَأس مَاله مَوْقُوفَة، إِن قبض رَأس المَال صحت الْقِسْمَة، وَإِن لم يقبض بطلت. كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ. وَلَو دفع حَرْبِيّ إِلَى مُسلم مَال الْمُضَاربَة ثمَّ دخل الْمُسلم دَار الْحَرْب بِإِذن رب المَال فَهُوَ على الْمُضَاربَة. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. إِذا دفع الْمُسلم إِلَى النَّصْرَانِي مَالا مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَنه مَكْرُوه، فَإِن اتّجر فِي الْخمر وَالْخِنْزِير، فربح جَازَ على الْمُضَاربَة فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي للْمُسلمِ أَن يتَصَدَّق بِحِصَّتِهِ من الرِّبْح. وَعِنْدَهُمَا: تصرفه فِي الْخمر وَالْخِنْزِير لَا يجوز على الْمُضَاربَة، فَإِن اشْترى ميتَة فنقد فِيهِ مَال الْمُضَاربَة فَهُوَ مُخَالف ضَامِن عِنْدهم جَمِيعًا، وَإِن أربى فَاشْترى دِرْهَمَيْنِ بدرهم كَانَ البيع فَاسِدا وَلَكِن لَا يصير ضَامِنا لمَال الْمُضَاربَة وَالرِّبْح بَينهمَا على الشَّرْط. وَلَا بَأْس بِأَن يَأْخُذ الْمُسلم مَال النَّصْرَانِي مُضَارَبَة وَلَا يكره لَهُ ذَلِك، فَإِن اشْترى بِهِ خمرًا أَو خنزيرا أَو ميتَة وَنقد مَال الْمُضَاربَة فَهُوَ مُخَالف ضَامِن، فَإِن ربح فِي ذَلِك رد الرِّبْح على من أَخذ مِنْهُ إِن كَانَ يعرفهُ، وَإِن كَانَ لَا يعرفهُ تصدق بِهِ، وَلَا يُعْطي رب المَال النَّصْرَانِي مِنْهُ شَيْئا. وَلَو دفع الْمُسلم مَاله مُضَارَبَة إِلَى مُسلم وَنَصْرَانِي جَازَ من غير كَرَاهَة، كَذَا فِي الْمَبْسُوط من بَاب شِرَاء الْمضَارب وهبته. وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 كتاب الايداع كَانَ الْقيَاس أَن يَقُول كتاب الْوَدِيع بِدُونِ التَّاء، لانه فعيل بِمَعْنى مفعول وَفِيه يَسْتَوِي الْمُذكر والمؤنث، تَقول رجل جريح وَامْرَأَة جريح، وَإِنَّمَا عدل عَن الْقيَاس لانه جعل من عدد الاسماء تدخل عَلَيْهِ التَّاء كالذبيحة والنطيحة فَتكون للنَّقْل لَا للتأنيث. نوح أَفَنْدِي. وَأَصله أوداع وَقعت الْوَاو إِثْر كسرة قلبت يَاء فَصَارَ إِيدَاع اهـ. سري الدّين. وَاعْلَم أَن الْفُقَهَاء يبحثون عَن أَفعَال الْمُكَلف، لَكِن الْفُقَهَاء يعنون بعض الْكتب بهَا كَقَوْلِهِم كتاب النِّكَاح كتاب البيع وَالْهِبَة، وَفِي بَعْضهَا بِمَا يتَعَلَّق بِتِلْكَ الافعال ك كتاب الْعَارِية والمأذون وَالْوَجْه فِيهِ غير ظَاهر در. منتقى وَحفظ الامانة يُوجب سَعَادَة الدَّاريْنِ والخيانة توجب الشَّقَاء فيهمَا، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الامانة تجر الْغنى، والخيانة تجر الْفقر. وَرُوِيَ أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا من الْحزن على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَامَت لَهُ تُنَادِي: أَيُّهَا الْمَلِكُ اسْمَعْ كَلَامِي، فَوَقَفَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتْ: الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوك، والخيانة أَقَامَت الْمُلُوك مقَام الْمُلُوك، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل إِنَّهَا زليخا، فَتَزَوجهَا مرحمة عَلَيْهَا انْتهى. زَيْلَعِيّ والايداع والاستيداع بِمَعْنى. وَفِي الْمغرب يُقَال: أودعت زيدا مَالا واستودعته إِيَّاه: إِذا دَفعته إِلَيْهِ ليَكُون عِنْده فَأَنا مُودع ومستودع بِالْكَسْرِ وَزيد مُودع ومستودع بِالْفَتْح وَالْمَال مُودع ومستودع: أَي وَدِيعَة اهـ. ط بِزِيَادَة. قَوْله: (وَهُوَ الامانة) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَحكم الْوَدِيعَة الْحِفْظ على الْمُسْتَوْدع وَوُجُوب الاداء عِنْد الطّلب وصيرورة المَال أَمَانَة فِي يَده. وَفِي الْعِنَايَة: وَجه مُنَاسبَة هَذَا الْكتاب لما تقدم قد مر فِي أول الاقرار، وَهُوَ أَن المَال الثَّابِت لَهُ إِن حفظه بِنَفسِهِ فَظَاهر، وَإِن بِغَيْرِهِ فوديعة ثمَّ ذكر بعده الْعَارِية وَالْهِبَة والاجارة للتناسب بالترقي من الادنى إِلَى الاعلى، لَان الْوَدِيعَة أَمَانَة بِلَا تمْلِيك شئ، وَالْعَارِية أَمَانَة مَعَ تمْلِيك الْمَنْفَعَة بِلَا عوض، وَالْهِبَة تمْلِيك عين بِلَا عوض والاجارة تمْلِيك الْمَنْفَعَة بعوض، وَهِي أَعلَى من الْهِبَة لانه عقد لَازم وَاللَّازِم أقوى وَأَعْلَى مِمَّا لَيْسَ بِلَازِم اهـ. أَي فَكَانَ فِي الْكل الترقي من الادنى إِلَى الاعلى: فَأول الْغَيْث قطر ثمَّ ينسكب قَوْله: (من الودع) فالمزيد مُشْتَقّ من الْمُجَرّد. قَالَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى. من ودع ودعا: أَي ترك وَكِلَاهُمَا مُسْتَعْمل فِي الْقُرْآن والْحَدِيث. ذكره ابْن الاثير. فَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بشذوذهما انْتهى. وَفِي الزَّيْلَعِيّ: من الودع، وَهُوَ مُطلق التّرْك، وَمَا ذكره النُّحَاة من أَن الْعَرَب أماتوا مصدر يدع رده قَاضِي زَاده بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفْصح الْعَرَب وَقد قَالَ لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجَمَاعَات أَو ليختمن على قُلُوبهم أَو ليكتبن من الغافلين أَي عَن تَركهم إِيَّاهَا، وَالْمرَاد من الْخَتْم فِي الحَدِيث أَن يحدث فِي نُفُوسهم هَيْئَة تمرنهم على عدم نُفُوذ الْحق فِيهَا، كَذَا بِخَط شَيخنَا. وَقَوله: ليختمن بِضَم الْيَاء التَّحْتِيَّة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبفتح الْمِيم أَيْضا. وَقَوله: ليكتبن بِضَم الْيَاء التَّحْتِيَّة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. وبضم الْبَاء الْمُوَحدَة من تَحت. كَذَا السماع من شَيخنَا أبي السُّعُود. وَقَالَ تَعَالَى: * ((93) مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى) * (الضُّحَى: 3) قرئَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد. قَوْله: (وَشرعا الخ) الانسب بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 يَقُول: هُوَ ترك مَاله عِنْد غَيره لحفظه. قَوْله: (كَأَن انفتق) عبر بِهِ لانه لَو فتقه مَالِكه وَتَركه فَلَا ضَمَان على أحد، وَلَو فتقه غَيره فَالضَّمَان على الفاتق. كَذَا ظهر لي وَيُحَرر ط. قَوْله: (فَأَخذه رجل) أما إِذا لم يَأْخُذهُ وَلم يدن مِنْهُ لَا يضمن، منح عَن الْمُحِيط. وَهَذَا يُفِيد أَنه إِذا دنا مِنْهُ لزمَه وَإِن لم يَأْخُذهُ وَالْعلَّة تنافيه. قَوْله: (بغيبة مَالِكه) أما إِذا كَانَ الْمَالِك حَاضرا لم يضمن فِي الْوَجْهَيْنِ. منح أَي فِي الاخذ وَعَدَمه. قَوْله: (ثمَّ تَركه ضمن) مَا ذكره من التَّعْرِيف لَيْسَ خَاصّا بالوديعة بل بشمل اللّقطَة، لانه إِذا رَفعهَا لزمَه حفظهَا، وَمَعَ هَذَا لَا تسمى وَدِيعَة، ثمَّ فِي تَعْرِيفه على مَا ذكره المُصَنّف نظر، لَان الْمَذْكُور فِي المُصَنّف التسليط وَهُوَ فعل الْمَالِك وَهَذَا الْتِزَام وَهُوَ فعل الامين، وَلم يكن بتسليط من الْمَالِك لَا صَرِيحًا وَلَا دلَالَة، وَإِنَّمَا التسليط دلَالَة فِيمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مَا لَو وضع ثوبا بَين يَدي رجل وَلم يقل شَيْئا، فَتَأمل. وَيقرب من هَذَا مَا ذكره فِي الاشباه فِي فن الحكايات عَن أبي حنيفَة قَالَ: كنت مجتازا فَأَشَارَتْ إِلَيّ امْرَأَة إِلَى شئ مطروح فِي الطَّرِيق فتوهمت أَنَّهَا خرساء وَأَن الشئ لَهَا فَلَمَّا رفعته إِلَيْهَا قَالَت احفظه حَتَّى تسلمه لصَاحبه فَإِنَّهُ لقطَة انْتهى. إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد تسليط الشَّرْع فَإِنَّهُ بالاخذ الْتزم حفظه شرعا. تَأمل. قَوْله: (لانه بِهَذَا الاخذ الْتزم حفظه دلَالَة) عِلّة. ل قَوْله: (ضمن) وَوجه كَونه من التسليط على الْحِفْظ دلَالَة أَن الْمَالِك يجب حفظ مَاله وَيجب المعاونة على حفظه فَكَأَنَّهُ أمره بِالْحِفْظِ، والمؤلف جعل الدّلَالَة من قبل الْمُودع بِالْفَتْح وَهُوَ خلاف الْمَوْضُوع، فَلَو قَالَ لانه بِهَذَا سلطه على حفظه دلَالَة لَكَانَ أليق ط. قَوْله: (والوديعة مَا تتْرك عَن الامين) أَي للْحِفْظ، زَاد البرجندي فَقَط. ليخرج الْعَارِية لانها تتْرك للْحِفْظ وَالِانْتِفَاع، وَإِنَّمَا لم يُقيد بِهِ تبعا لصَاحب الْكَنْز لاعتباره فِي تَعْرِيف الايداع السَّابِق. قَوْله: (وَهِي أخص من الامانة) لَان الامانة اسْم لما هُوَ غير مَضْمُون فَيشْمَل جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا. والوديعة مَا ودع للْحِفْظ بالايجاب وَالْقَبُول فَكَانَا متغايرين: أَي بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص. وَالْحكم فِي الْوَدِيعَة أَنه يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَلَا يبرأ عَن الضَّمَان إِذا عَاد الْوِفَاق فِي الامانة، وَالْفرق بَين الْوَدِيعَة والامانة الْعُمُوم وَالْخُصُوص، فَإِن كل وَدِيعَة أَمَانَة، وَالْعَكْس لَيْسَ كَذَلِك، وَحمل الاعم على الاخص يجوز كَمَا فعله صَاحب الدُّرَر دون عَكسه كَمَا فعله الْقَدُورِيّ، لَان الامانة تَشْمَل مَا إِذا كَانَ من غير قصد، كَمَا إِذا هبت الرّيح فِي ثوب إِنْسَان فألقته فِي حجر غَيره. وَمَا يُقَال من أَن الْوَدِيعَة قد تكون من غير صنع الْمُودع على مَا صرح بِهِ صَاحب الْهِدَايَة فِي آخر بَاب الِاسْتِثْنَاء من كتاب الاقرار فَدفعهُ بِحمْل الْوَدِيعَة ثمَّة على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي، وَمثل هَذَا كثير لَا يخفى على من تدرب. قَوْله: (كَمَا حَقَّقَهُ المُصَنّف وَغَيره) قَالَ المُصَنّف فِي منحه: وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن الْوَدِيعَة خَاصَّة بِمَا ذكرنَا والامانة عَامَّة تَشْمَل مَا لَو وَقع فِي يَده شئ من غير قصد، بِأَن هبت الرّيح بِثَوْب إِنْسَان وألقته فِي حجر غَيره وَحكمهَا مُخْتَلف فِي بعض الصُّور، لَان فِي الْوَدِيعَة يبرأ من الضَّمَان بعد الْخلاف إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يبرأ عَن الضَّمَان بعد الْخلاف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 الثَّانِي: إنَّ الْأَمَانَةَ عِلْمٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فتشمل جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا، والوديعة مِمَّا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ، وَاخْتَارَهُ صَاحب الْهِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَنقل الاول عَن الامام بدر الدّين الْكرْدِي اهـ. وَقد أوسع الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام العلامتان صدر الشَّرِيعَة وقاضي زَاده. قَوْله: (وركنها الايجاب صَرِيحًا) أَي قولا أَو فعلا. قَوْلُهُ: (أَوْ كِنَايَةً) الْمُرَادُ بِهَا مَا قَابَلَ الصَّرِيح مثل كنايات الطَّلَاق لَا البيانية كَمَا نذكرهُ قَرِيبا قَوْله: (كَقَوْلِه لرجل أَعْطِنِي الخ) لَو قَالَ كَقَوْلِه لرجل أَعطيتك بعد قَوْله أَعْطِنِي كَانَ أوضح، لَان الايجاب هُوَ قَوْله أَعطيتك على أَن قَوْله أَعْطِنِي لَيْسَ بِلَازِم فِي التَّصْوِير ط. قَوْله: (لَان الاعطاء يحْتَمل الْهِبَة) أَي وَيحْتَمل الْوَدِيعَة. وَفِيه أَن احْتِمَال الْوَدِيعَة فِي مثل هَذِه الْعبارَة بعيد جدا لُغَة وَعرفا فلماذا عدلوا عَن الْمُتَبَادر إِلَى غَيره. قَوْله: (لَكِن الْوَدِيعَة أدنى) هَذَا التَّعْلِيل ذكره فِي الْبَحْر أَيْضا، وَيُشِير إِلَى أَن المُرَاد بِالْكِنَايَةِ الْكِنَايَة البيانية، وَهِي إِطْلَاق الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم كَقَوْلِه: فلَان طَوِيل النجاد كثير الرماد على مَا عرف فِي فن الْبَيَان، وَلَيْسَ كَذَلِك لعدم انْتِقَاله من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم وَلَا عَكسه، فَعلمنَا أَن المُرَاد بِالْكِنَايَةِ مَا احتملها وَغَيرهَا كَمَا ذكرنَا، فَلَو قَالَ صَرِيحًا أَو احْتِمَالا لَكَانَ أظهر. تَأمل. قَوْله: (وَلم يقل شَيْئا) فَلَو ذهب وَتَركه ضمن إِذا ضَاعَ فَهَذَا من الايجاب دلَالَة كَمَا أَنه من الْقبُول كَذَلِك، أما لَو قَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ إذْ الْقَبُولُ عُرْفًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الرَّدِّ صَرِيحًا. قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ دَلَّ هَذَا أَنَّ الْبَقَّارَ لَا يَصِيرُ مُودَعًا فِي بَقَرَةِ مَنْ بَعَثَهَا إلَيْهِ فَقَالَ الْبَقَّارُ لِلرَّسُولِ اذْهَبْ بِهَا إلَى رَبِّهَا فَإِنِّي لَا أَقْبَلُهَا فَذَهَبَ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْبَقَّارُ، وَقَدْ مر خِلَافه. يَقُول الحقير: قَوْلُهُ يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي، إذْ الرَّسُولُ لَمَّا أَتَى بِهَا إلَيْهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الرِّسَالَةِ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا، فَلَمَّا قَالَ الْبَقَّارُ رُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا صَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَلِذَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ. نُورُ الْعَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ لَمْ أَقْبَلْ حَتَّى لم يصر مودعا وَترك الثَّوْب ربه فَذهب فَرَفَعَهُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ يَنْبَغِي أَن يضمن لانه لما ثَبت الْإِيدَاعُ صَارَ غَاصِبًا بِرَفْعِهِ. يَقُولُ الْحَقِيرُ: فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ وَلَمْ تُوجَدْ وَرَفْعُهُ الثَّوْبَ لِقَصْدِ النَّفْعِ لَا للضَّرَر بَلْ تَرْكُ الْمَالِكِ ثَوْبَهُ إيدَاعٌ ثَانٍ وَرَفْعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ قَبُولٌ ضِمْنًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يضمن، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ. وَفِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة: لَو وضع عِنْدَ قَوْمٍ فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ ضَمِنُوا إذَا ضَاعَ، وَإِنْ قَامُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ضَمِنَ الْأَخِيرُ لانه تعين للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان اهـ. فَكُلٌّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهِ غَيْرُ صَرِيحٍ كَمَسْأَلَة الخاني الْآتِيَة قَرِيبا بل بطرِيق الدّلَالَة. أَقُول: لَكِن فِي النَّفس شئ من بحث نور الْعين فِي مَسْأَلَة البقار، وَهُوَ أَن البقار لما لم يقبل الْبَقَرَة لم يصر مودعا قطعا وَالرَّسُول لما أدّى الرسَالَة انْتَهَت يَده الْمَأْذُون بهَا من الْمَالِك وَصَارَ كل مِنْهُمَا أَجْنَبِيّا فِي حق حفظ الْبَقَرَة وَالْبَقَرَة فِي حكم اللّقطَة حِينَئِذٍ، فَإِذا أَمر أَجْنَبِيّا بِرَفْع اللّقطَة وحفظها لِرَبِّهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 لَا يضمن. الْآمِر قطعا، فَكَذَا لَا يضمن هُنَا. وَأما تضمين الرَّسُول فَلَا وَجه لَهُ أَيْضا لانه من قبيل من رد الضَّالة لِرَبِّهَا وَهُوَ مَأْذُون بِهِ عَادَة، هَذَا مَا ظهر لي فَليُرَاجع. فَرْعٌ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ دَار غَيره وأخرجها رب الدَّال لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالدَّارِ، وَلَوْ وَجَدَ دَابَّة فِي مربطه فأخرجها ضمن. قَوْله: (فَهُوَ إِيدَاع) أَي الْوَضع المرقوم إِيدَاع. وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْغَصْب: والوديعة إِذا وضع بَين يَدي الْمَالِك بارئ لَا فِي الدّين حَتَّى يَضَعهُ فِي يَده أَو حجره اهـ. فَصَارَ ابْتِدَاء الايداع وانتهاؤه سَوَاء. قَوْله: (أَو دلَالَة كَمَا لَوْ سَكَتَ) أَيْ فَإِنَّهُ قَبُولٌ. وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ قَالَ: وَضَعَ شَيْئًا فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى ضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ. وضع عِنْد آخر شَيْئا وَقَالَ احفظه فَضَاعَ لَا يضمن لعدم الْتِزَام الْحِفْظ اهـ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا وَعَدَمِهِ. سائحاني. قَوْله: (دلَالَة) أَي حَالية، وَلَو قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَكُونُ مُودَعًا لِأَنَّ الدّلَالَة لم تُوجد ذكره المُصَنّف، والاولى مَا فِي شرح الْمُنْتَقى حَيْثُ قَالَ: لَان الدّلَالَة لَا تعَارض الصَّرِيح اهـ. وَمثله فِي كثير من الْكتب. فَظهر من هَذَا سُقُوط مَا فِي الْقنية من أول كتاب الْوَدِيعَة: وضع عِنْده شَيْئا وَقَالَ لَهُ احفظه حَتَّى أرجع فصاح لَا أحفظه وَتَركه صَاحبه صَار مودعا، وَيضمن إِن ترك حفظه فَهُوَ مُشكل لَان فِيهِ تَقْدِيم الدّلَالَة على الصَّرِيح، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ ضَعْهُ فِي الْجَانِب من بَيْتِي إِلَّا أَنِّي لَا ألتزم حفظه حَتَّى يصير مودعا لتعارض الصريحين فتساقط فَبَقيَ وَدِيعَة عِنْده. قَوْله: (بمرأى من الثيابي) وَلَا يكون الحمامي مودعا مَا دَامَ الثيابي حَاضرا، فَإِذا كَانَ غَائِبا فالحمامي مُودع اهـ. بَحر. وَفِيه عَن الْخُلَاصَةِ: لَبِسَ ثَوْبًا فَظَنَّ الثِّيَابِيُّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَإِذا هُوَ ثوب الْغَيْر ضمن وَهُوَ الاصح اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ بِتَرْكِ السُّؤَالِ وَالتَّفَحُّصِ يَكُونُ مُفَرِّطًا فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ. أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ. والثيابي: بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة هُوَ حَافظ الثِّيَاب فِي الْحمام، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي بِلَادنَا بالناطور. قَالَ فِي الْقَامُوس: مَحْمُود بن عمر الْمُحدث: الثيابي كَانَ يحفظ الثِّيَاب فِي الْحمام اهـ. وَفِي الذَّخِيرَة: رجل دخل الْحمام وَقَالَ لصَاحب الْحمام احفظ الثِّيَاب فَلَمَّا خرج لم يجد ثِيَابه، فَإِن أقرّ صَاحب الْحمام أَن غَيره رَفعهَا وَهُوَ يرَاهُ ويظن أَنه رفع ثِيَاب نَفسه فَهُوَ ضَامِن، لانه ترك الْحِفْظ حَيْثُ لم يمْنَع القاصد وَهُوَ يرَاهُ، وَإِن أقرّ إِنِّي رَأَيْت وَاحِدًا قد رفع ثِيَابك إِلَّا أَنِّي ظَنَنْت أَن الرافع أَنْت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، لانه لم يصر تَارِكًا للْحِفْظ لما ظن أَن الرافع هُوَ، وَإِن سرق وَهُوَ لَا يعلم بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن لم يذهب عَن ذَلِك الْموضع وَلم يضيع وَهُوَ قَول الْكل، لَان صَاحب الْحمام مُودع فِي حق الثِّيَاب إِذا لم يشْتَرط لَهُ بِإِزَاءِ حفظه الثِّيَاب أجرا، أما إِذا شَرط لَهُ بِإِزَاءِ حفظ الثِّيَاب أجرا وَقَالَ الاجرة بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بالحمام وَالْحِفْظ فَحِينَئِذٍ يكون على الِاخْتِلَاف، وَإِن دفع الثِّيَاب إِلَى الثيابي وَهُوَ الَّذِي يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ جامه دَار فعلى الِاخْتِلَاف لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا سرق عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لانه أجِير مُشْتَرك. رجل دخل الْحمام وَنزع الثِّيَاب بَين يَدي صَاحب الْحمام وَلم يقل بِلِسَانِهِ شَيْئا فَدخل الْحمام ثمَّ خرج وَلم يجد ثِيَابه: إِن لم يكن للحمام ثِيَابِي يضمن صَاحب الْحمام مَا يضمن الْمُودع، وَإِن كَانَ للحمام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 ثِيَابِي إِلَّا أَنه لم يكن حَاضرا فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ حَاضرا لَا يضمن صَاحب الْحمام، لَان هَذَا استحفاظ إِلَّا إِذا نَص على استحفاظ صَاحب الْحمام، بِأَن قَالَ لَهُ أَيْن أَضَع الثِّيَاب فَيصير صَاحب الْحمام مودعا فَيضمن مَا يضمن الْمُودع. وَفِي التَّجْنِيس: رجل دخل الْحمام وَنزع الثِّيَاب بِمحضر من صَاحب الْحمام ثمَّ خرج فَوجدَ صَاحب الْحمام نَائِما وسرقت ثِيَابه، إِن نَام قَاعِدا أَو مُضْطَجعا بِأَن وضع جنبه على الارض، فَفِي الْوَجْه الاول لَا يضمن، وَفِي الْوَجْه الثَّانِي قَالَ بَعضهم: يضمن. اهـ. وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: رجل دخل حَماما وَقَالَ للحمامي أَيْن أَضَع ثِيَابِي فَأَشَارَ الحمامي إِلَى مَوضِع فَوَضعه ثمَّة وَدخل الْحمام ثمَّ خرج رجل وَرفع الثِّيَاب فَلم يمنعهُ الحمامي لما أَنه ظَنّه صَاحب الثَّوْب ضمن الحمامي لانه استحفظه وَقد قصر فِي الْحِفْظ، وَهَذَا قَول ابْن سَلمَة وَأبي نصير الدبوسي. وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يَقُول: لَا ضَمَان على الحمامي، والاول أصح اهـ. أَقُول: وَهُوَ الْمُوَافق لما مر قَرِيبا عَن الذَّخِيرَة. وَفِي فَتَاوَى الفضلي: امْرَأَة دخلت الْحمام وَدفعت ثِيَابهَا إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي تمسك الثِّيَاب فَلَمَّا خرجت لم تَجِد عِنْدهَا ثوبا من ثِيَابهَا: قَالَ مُحَمَّد بن الْفضل: إِن كَانَت الْمَرْأَة دخلت أَولا فِي هَذَا الْحمام وَدفعت ثِيَابهَا إِلَى الَّتِي تمسك الثِّيَاب فَلَا ضَمَان على الثيابية فِي قَوْلهم إِذا لم تعلم أَنَّهَا تحفظ الثِّيَاب بِأَجْر، لانها إِذا دخلت أول مرّة وَلم تعلم بذلك وَلم تشْتَرط لَهَا الاجر على الْحِفْظ كَانَ ذَلِك إيداعا، وَالْمُودع لَا يضمن عِنْد الْكل إِلَّا بالتضييع وَإِن كَانَت هَذِه الْمَرْأَة قبل هَذِه الْمَرْأَة قد دخلت الْحمام وَكَانَت تدفع ثِيَابهَا إِلَى هَذِه الممسكة وتعطيها الاجر على حفظ الثِّيَاب فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لَهما لانها أجيرة مُشْتَركَة. وَالْمُخْتَار فِي الاجير الْمُشْتَرك قَول أبي حنيفَة، وَقيل هُوَ قَول مُحَمَّد، وَالْفَتْوَى على قَول أبي حنيفَة أَن الثيابي لَا يضمن إِلَّا بِمَا ضمن الْمُودع. وَذكر قاضيخان أَنه يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدهمَا على التَّفْصِيل إِن كَانَ الثيابي أجِير الحمامي يَأْخُذ مِنْهُ كل يَوْم أجرا مَعْلُوما بِهَذَا الْعَمَل لَا يكون ضَامِنا عِنْد الْكل بِمَنْزِلَة تلميذ الْقصار وَالْمُودع. اهـ. وَفِي منهوات الانقروي: دخل الْحمام فَوضع الحارس لَهُ الفوطة ليضع ثِيَابه عَلَيْهَا فَنزع أثوابه ووضعها على الفوطة وَدخل واغتسل وَخرج وَلم يجد عمَامَته هَل يضمنهَا الحارس؟ أجَاب: نعم يضمنهَا لانه استحفظ وَقد قصر فِي الْحِفْظ. كَذَا فِي فَتَاوَى ابْن نجيم. وَفِي زَمَاننَا الثيابي أجِير مُشْتَرك بِلَا شُبْهَة، وَالْمُخْتَار فِي الاجير الْمُشْتَرك الضَّمَان بِالنِّصْفِ، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُفْتى فِي الثيابي بِضَمَان النّصْف. تَأمل. اهـ. قَوْله: (كَانَ إيداعا) هَذَا من الايجاب وَالْقَبُول دلَالَة. قَوْله: (وَهَذَا) أَي اشْتِرَاط الْقبُول أَيْضا. قَالَ فِي الْمنح: وَمَا ذكرنَا من الايجاب وَالْقَبُول شَرط فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الامانة فتتم بالايجاب اهـ. وَالْمرَاد بِحَق الامانة أَنه لَا يكون مَضْمُونا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْقبُول صَرِيح وَدلَالَة فنفيه هُنَا بِمَعْنَى الرَّدِّ، أَمَّا لَوْ سَكَتَ فَهُوَ قبُول دلَالَة. وَالْحَاصِل: أَن المُرَاد نفي الْقبُول بقسميه فَتَأمل. قَوْله: (وَشَرطهَا كَون المَال قَابلا الخ) فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 تسَامح إِذْ المُرَاد إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ وَبِه عبر الزَّيْلَعِيّ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الدُّرَر. بقوله: وَحفظ شئ بِدُونِ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ محَال اهـ. وَجرى عَلَيْهِ بَعضهم كالحموي والشرنبلالي. وَأجَاب عَنهُ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود بِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد من جعل القابلية شرطا عدم اشْتِرَاط إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ، بل المُرَاد الِاحْتِرَاز عَمَّا لَا يقبل ذَلِك بِدَلِيل التَّعْلِيل والتفريع اللَّذين ذكرهمَا الشَّارِح، فَتدبر اه. أَقُول: لَكِن الَّذِي قدمه فِي الدُّرَر يُفِيد كِفَايَة قبُول وضع الْيَد، فَإِن من وضع ثِيَابه بَين يَدي رجل سَاكِت كَانَ إيداعا، وَكَذَلِكَ وضع الثِّيَاب فِي الْحمام وربط الدَّابَّة فِي الخان من أَنه لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الْيَد بِالْفِعْلِ. وَقَوله: وَحفظ الشئ بِدُونِ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ مَعْنَاهُ بِدُونِ إِمْكَان إِثْبَاتهَا، فَتَأمل. وَعَلِيهِ فَيكون المُرَاد بقبولها إِثْبَات الْيَد وَقت الايداع والطائر وَنَحْوه سَاعَة الايداع غير قَابل لذَلِك. قَوْله: (لم يضمن) الاولى أَن يَقُول: لَا يَصح لانه إِذا وجده بعد وَوضع يَده عَلَيْهِ وَهلك من غير تعد لم يضمن فَتدبر ط. قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: أودع صَبيا وَدِيعَة فَهَلَكت مِنْهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ بالاجماع، فَإِن استهلكها: إِن كَانَ مَأْذُونا فِي التِّجَارَة ضمنهَا إِجْمَاعًا، وَإِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ، إِن قبضهَا بِإِذن وليه ضمن أَيْضا إِجْمَاعًا، وَإِن قبضهَا بِغَيْر إِذن وليه لَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْدهمَا لَا فِي الْحَال وَلَا بعد الادراك. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يضمن فِي الْحَال، وَإِن أودعهُ عبدا فَقتله ضمن إِجْمَاعًا. وَالْفرق أَن الصَّبِي من عَادَته تَضْييع الاموال فَإِذا سلمه مَعَ علمه بِهَذِهِ الْعَادة فَكَأَنَّهُ رَضِي بالاتلاف فَلم يكن لَهُ تَضْمِينه، وَلَيْسَ كَذَلِك الْقَتْل لانه لَيْسَ من عَادَة الصّبيان فَيضمنهُ وَيكون قِيمَته على عَاقِلَته، وَإِن جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَال الصَّبِي اهـ. قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول: يسْتَثْنى مِنْ إيدَاعِ الصَّبِيِّ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِع والاخذ. كَذَا فِي الْفَوَائِد الزينية. وَأَجْمعُوا على أَنه لَو اسْتهْلك مَال الْغَيْر من غير أَن يكون عِنْده وَدِيعَة ضمن فِي الْحَال. كَذَا فِي الْعِنَايَة لانه مَحْجُور عَلَيْهِ فِي الاقوال دون الافعال كَمَا ذكر فِي الْحجر، وَسَيَأْتِي مزِيد تَفْصِيل فِي الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْجِنَايَات قبل الْقسَامَة فأسطر فَرَاجعه إِن شِئْت اهـ. قَوْله: (وَلَو عبدا مَحْجُورا ضمن بعد عتقه) أَي لَو بَالغا، فَلَو قاصرا لَا ضَمَان عَلَيْهِ أصلا. أَبُو السُّعُود. وَإِنَّمَا لم يضمن فِي الْحَال لحق مَالِكه فَإِن الْمُودع لما سلطه على الْحِفْظ وَقَبله العَبْد حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو كَانَ ذَلِك بالتعاطي فَكَانَ من قبيل الاقوال، وَالْعَبْد مَحْجُور عَنْهَا فِي حق سَيّده، فَإِذا عتق ظهر الضَّمَان فِي حَقه لتَمام رَأْيه، وَهَذَا إِذا لم تكن الْوَدِيعَة عبدا، فَلَو أودع صَبيا عبدا فَقتله الصَّبِي ضمن عَاقِلَته سَوَاء قَتله عمدا أَو خطأ، لَان عمده خطأ، وَلَيْسَ مسلطا على الْقَتْل من جَانب الْمولى لَان الْمولى لَا يملك الْقَتْل فَلَا يملك التسليط عَلَيْهِ، فَإِن أودع العَبْد عِنْد عبد مَحْجُور فَقتله خطأ كَانَ من قبيل الافعال وَهُوَ غير مَحْجُور عَنْهَا، وَلم تكن من الاقوال لَان مولى العَبْد لَا يملك تَفْوِيض قَتله للْمُودع، فَكَانَ على مولى العَبْد الْمُودع الْقَاتِل أَن يَدْفَعهُ أَو يفْدِيه كَمَا هُوَ حكم الْخَطَأ، وَإِن قَتله عمدا قتل بِهِ إِلَّا أَن يعْفُو وليه. رَحْمَتي. قَوْله: (وَهِي أَمَانَة) هَذَا من قبيل حمل الْعَام على الْخَاص وَهُوَ جَائِز كالانسان حَيَوَان، وَلَا يجوز عَكسه لَان الْوَدِيعَة عبارَة عَن كَون الشئ أَمَانَة باستحفاظ صَاحبه عِنْد غَيره قصدا، والامانة قد تكون من غير قصد، والوديعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 خَاصَّة والامانة عَامَّة، والوديعة بِالْعقدِ والامانة أَعم، فتنفرد فِيمَا إِذا هبت الرّيح بِثَوْب إِنْسَان وألقته فِي حجر غَيره، وَتقدم أَنه يبرأ عَن الضَّمَان فِي الْوَدِيعَة إِذا عَاد إِلَى الْوِفَاق، والامانة غَيرهَا لَا يبرأ عَن الضَّمَان بالوفاق ط. وَمثله فِي النِّهَايَة والكفاية. قَالَ يَعْقُوب باشا: وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَنه إِذا اعْتبر فِي إِحْدَاهمَا الْقَصْد وَفِي الاخرى عَدمه كَانَ بَينهمَا تبَاين لَا عُمُوم وخصوص. والاولى أَن يُقَال: والامانة قد تكون بِغَيْر قصد كَمَا لَا يخفى انْتهى. لَكِن يُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد. ب قَوْله: (والامانة مَا يَقع فِي يَده من غير قصد كَونهَا بِلَا اعْتِبَار قصد) ، لَان عدم الْقَصْد مُعْتَبر فِيهَا حَتَّى يلْزم التباين، بل هِيَ أَعم من الْوَدِيعَة لانها تكون بِالْقَصْدِ فَقَط والامانة قد تكون بِالْقَصْدِ بِغَيْر تدبر. وَمَا فِي الْعِنَايَة من أَنه قد ذكرنَا أَن الْوَدِيعَة فِي الِاصْطِلَاح هِيَ التسليط على الْحِفْظ وَذَلِكَ يكون بِالْعقدِ والامانة أَعم من ذَلِك فَإِنَّهَا قد تكون بِغَيْر عقد فِيهِ كَلَام، وَهُوَ أَن الامانة مباينة للوديعة بِهَذَا الْمَعْنى لَا أَنَّهَا أَعم مِنْهَا، لَان التسليط على الْحِفْظ فعل الْمُودع وَهُوَ الْمَعْنى والامانة عين من الاعيان فيكونان متباينين. والاول أَن يَقُول: والوديعة مَا تتْرك عِنْد الامين كَمَا فِي هَذَا الْمُخْتَصر. داماد. قَوْله: (والاداء عِنْد الطّلب) أَي إِلَّا فِي مسَائِل ستأتي: مِنْهَا مَا إِذا كَانَت سَيْفا وَأَرَادَ قتل آخر ظلما كَمَا فِي الدّرّ الْمُنْتَقى. قَوْله: (واستحباب قبُولهَا) قَالَ الشمني: وشرعية الايداع. بقوله تَعَالَى: * (إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الامانات إِلَى أَهلهَا) * (النِّسَاء: 85) وَأَدَاء الامانة لَا يكون إِلَّا بعْدهَا، ولان قبُول الْوَدِيعَة من بَاب الاعانة لَان يحفظها لصَاحِبهَا، وَهِي مَنْدُوبَة لقَوْله تَعَالَى: * (وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى) * (الْمَائِدَة: 2) وَقَوله صلى الله تَعَالَى عَنهُ وَسلم: وَالله تَعَالَى فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه اهـ. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وحفظها يُوجب سَعَادَة الدَّاريْنِ، والخيانة توجب الشَّقَاء فيهمَا الخ. وَمن محاسنها اشتمالها على بذل مَنَافِع بدنه وَمَاله فِي إِعَانَة عباد الله واستيجابه الاجر وَالثنَاء. حموي. وَالْحَاصِل: أَنه يبتنى على الايداع أَرْبَعَة أَشْيَاء: كَون الْوَدِيعَة أَمَانَة، وَوُجُوب الْحِفْظ على الْمُودع، وَوُجُوب الاداء عِنْد الطّلب، واستحباب قبُولهَا. قَوْله: (فَلَا تضمن بِالْهَلَاكِ) تَفْرِيع على كَونهَا أَمَانَة. قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة بِأَجْرٍ) سَيَأْتِي أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ وَإِن شَرط عَلَيْهِ الضَّمَان، وَبِه يُفْتى. وَأَيْضًا قَول المُصَنّف قَرِيبا وَاشْتِرَاط الضَّمَان على الامين بَاطِل بِهِ يُفْتى، فَكيف يُقَال مَعَ عدم الشَّرْط أَنه يضمن. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَاسْتَأْجَرَهُ وَشرط عَلَيْهِ الضَّمَان إِذا تلف فَذكر أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِن قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: صرح الزَّيْلَعِيّ فِي كتاب الاجارة فِي بَاب ضَمَان الاجير الْوَدِيعَة إِذا كَانَت بِأَجْر تكون مَضْمُونَة، وَسَيَأْتِي مثله فِي الشَّرْح، وَمثله فِي النِّهَايَة والكفاية شرح الْهِدَايَة وَكثير من الْكتب اهـ. وعللوه بِأَن الْحِفْظ حِينَئِذٍ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ كَمَا قدمنَا. فَأفَاد أَن الاجرة تخرج الْوَدِيعَة عَن كَونهَا أَمَانَة إِلَى الضَّمَان. وَفِي صدر الشَّرِيعَة: إِذا سرق من الاجير الْمُشْتَرك وَالْحَال أَنه لم يقصر فِي الْمُحَافظَة يضمن عِنْدهمَا، كَمَا فِي الْوَدِيعَة الَّتِي تكون بِأَجْر فَإِن الْحِفْظ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ. وَأَبُو حنيفَة يَقُول: الاجرة فِي مُقَابلَة الْعَمَل دون الْحِفْظ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ بِلَا أجر اهـ. فَأفَاد أَن الْوَدِيعَة بِأَجْر مَضْمُونَة اتِّفَاقًا وَبلا أجر غير مَضْمُونَة اتِّفَاقًا، وَأما الاجير الْمُشْتَرك فَيضمن عِنْدهمَا، لَان الاجرة فِي مُقَابلَة الْعَمَل وَالْحِفْظ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 يضمن عِنْده لانها فِي مُقَابلَة الْعَمَل فَقَط، فَحصل الْفرق بَين الْمُودع بِأَجْر والاجير الْمُشْتَرك. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَقد يفرق بِأَنَّهُ هُنَا متسأجر عَلَى الْحِفْظِ قَصْدًا، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ مُسْتَأْجر على الْعَمَل اهـ. يُؤَيّدهُ مَا سَمِعت وَمَا قدمنَا. وَالْحَاصِل: أَن الاجير الْمُشْتَرك من يعْمل لغيره عملا غير مُؤَقّت وَلَا مَخْصُوص كالحمامي والحارس فَهُوَ مُسْتَأْجر لحفظ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الْمَتَاع فَلم يكن مودعا، بِخِلَاف الْمُودع بِأَجْر فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ احفظ هَذِه الْوَدِيعَة وَلَك من الاجر كَذَا، فينطبق عَلَيْهِ اسْم الْمُودع وَهُوَ تسليط الْغَيْر على حفظ مَاله، فَتَأمل. قَوْله: (معزيا للزيلعي) ذكره فِي ضَمَان الاجير، وَعلل الضَّمَان بِأَن الْحِفْظ وَاجِب عَلَيْهِ مَقْصُودا بِبَدَل اهـ. قَوْله: (سَوَاء أمكن التَّحَرُّز عَنهُ أم لَا) وَلَيْسَ مِنْهُ النسْيَان، كَمَا لَو قَالَ وضعت عِنْدِي فنسيت وَقمت بل يكون مفرطا، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ ضَاعَت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت الْوَدِيعَة من منزلي وَلم يذهب من منزلي شئ فَإِن القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، وَلَا يضمن لانه أَمِين اهـ. حموي بِتَصَرُّف ط. قَالَ مؤيد زَاده: إِذا قَالَ ذهبت يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه واقعات. قَوْله: (لحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ) قَالَ فِي الْمنح: وَإِنَّمَا كَانَت الْوَدِيعَة أَمَانَة لقَوْله (ص) : لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان، وَلَا على الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان والغلول والاغلال: الْخِيَانَة، إِلَّا أَن الْغلُول فِي الْمغنم خَاصَّة والاغلال عَام، وَهَذَا الحَدِيث مُسْند عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي (ص) اهـ مُلَخصا. ولان شرعيتها لحَاجَة النَّاس إِلَيْهَا، وَلَو ضمنا الْمُودع امْتنع النَّاس عَن قبُولهَا وَفِي ذَلِك تَعْطِيل الْمصَالح. قَوْله: (وَاشْتِرَاط الضَّمَان إِلَخ) وَلَو ضمن تَسْلِيمهَا صَحَّ أَبُو السُّعُود. قَوْله: (كالحمامي) أَي معلم الْحمام الَّذِي يَأْخُذ الاجرة فِي مُقَابلَة انْتِفَاع الدَّاخِل بالحمام، أما مَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ فِي مُقَابَلَةِ حفظه شَيْئا وَهُوَ الْمُسَمّى بالناطور فِي زَمَاننَا وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الشَّارِح الثيابي فَإِنَّهُ يضمن لانه وَدِيعَة بِأُجْرَة كَمَا تقدم، لَكِن الْفَتْوَى على عَدمه وَيَأْتِي تَمَامه. قَوْله: (والخاني) أَي فَإِنَّهُ لَا نفع لَهُ غير الْحِفْظ فَيَنْبَغِي أَن يكون من قبيل الْحَافِظ بالاجر، إِلَّا أَن يُقَال: قد يقْصد الخان لدفع الْحر وَالْبرد وَمنع الدَّابَّة عَن الهروب فَلم يكن مُسْتَأْجر للْحِفْظ. تَأمل. قَوْله: (بَاطِل بِهِ يُفْتى) قَالَ مؤيد زَاده فِي أَنْوَاع الضمانات: اسْتَأْجر رجلا لحفظ خَان أَو حوانيت فَضَاعَ مِنْهَا شئ قيل يضمن عِنْدهمَا لَوْ ضَاعَ مِنْ خَارِجِ الْحُجْرَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ، وَبِهِ يُفْتَى. وَلَوْ ضَاعَ مِنْ دَاخِلِهَا بِأَنْ نَقَّبَ اللِّصُّ فَلَا يضمن الحارس فِي الاصح وحارس السُّوق على هَذَا الْخلاف، وَاخْتَارَ أَبُو جَعْفَر أَنه يضمن مَا كَانَ خَارج السُّوق لَا دَاخله. جَامع الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: نقب حَانُوت رجل وَأخذ مَتَاعه لَا يضمن حارس الحوانيت على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَان الامتعة محروسة بأبوابها وحيطانها والحارس يحرس الابواب. وعَلى قَول أبي حنيفَة: لَا يضمن مُطلقًا وَإِن كَانَ المَال فِي يَده لانه أجِير اهـ. وَفِي الْمنية: دفع الثَّوْب إِلَى الحمامي ليحفظه فَضَاعَ لَا يضمن إِجْمَاعًا لانه مُودع لَان مَحل الاجر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بالحمام، إِلَّا أَن يشْتَرط بِإِزَاءِ الِانْتِفَاع بِهِ الْحِفْظ فَحِينَئِذٍ على الْخلاف. وَإِذا دفع إِلَى من يحفظ بِأَجْر كالثيابي فعلى الِاخْتِلَاف. خُلَاصَة وَصدر الشَّرِيعَة. قَوْله: (حفظهَا بِنَفسِهِ) قَالَ فِي الْمنح: وَذَلِكَ بالحرز وباليد. أما الْحِرْز فداره ومنزله وحانوته سَوَاء كَانَ ملكا أَو إِجَارَة أَو عَارِية. قَالَ الرَّمْلِيّ: أَقُول: لَا يخفى أَن لفظ الْحِرْز مشْعر بِاشْتِرَاط كَونه حصينا، حَتَّى لَو لم يكن كَذَلِك بِحَيْثُ يعد الْوَضع فِيهِ تضييعا يضمن ذَلِك كَالدَّارِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حيطان وَلَا لبيوتها أَبْوَاب. وَقد سُئِلت عَن خياطَة فِي دَار بِهَذِهِ الصّفة خرجت مِنْهَا هِيَ وَزوجهَا لَيْلًا لعرس جارتها فسرقت أَثوَاب النَّاس مِنْهَا فأفتيت بِالضَّمَانِ وَالْحَالة هَذِه، لَان مثل ذَلِك يعد تضييعا. تَأمل اهـ. وَفِي الانقروي من الْوَدِيعَة: سوقي قَامَ من حانوته إِلَى الصَّلَاة وَفِي حانوته ودائع فَضَاعَ شئ مِنْهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ، لانه غير مضيع لما فِي حانوته لَان جِيرَانه يَحْفَظُونَهُ، إِلَّا أَن يكون هَذَا إيداعا من الْجِيرَان فَيُقَال لَيْسَ للْمُودع أَن يودع، لَكِن هَذَا مُودع لم يضيع. واقعات: فِي الْوَدِيعَة: قَوْله لَيْسَ للْمُودع أَن يودع إِلَخ ذكر الصَّدْر الشَّهِيد مَا يدل على الضَّمَان، فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى. فصولين من الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: قَامَ من حانوته إِلَى الصَّلَاة وَفِيه ودائع النَّاس وضاعت لَا ضَمَان، وَإِن أَجْلِس على بَابه ابْنا لَهُ صَغِيرا فَضَاعَ: إِن كَانَ الصَّبِي يعقل الْحِفْظ لَا يضمن، وَإِلَّا يضمن اهـ. وَقَالَ قبيله: وَالْحَاصِل أَن الْعبْرَة للْعُرْف، حَتَّى لَو ترك الْحَانُوت مَفْتُوحًا أَو علق الشبكة على بَابه ونام فَفِي النَّهَار لَيْسَ بتضييع، وَفِي اللَّيْل إِضَاعَة. وَفِي خوارزم: لَا يعد إِضَاعَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة. أَقُول: الَّذِي يظْهر فِي مَسْأَلَة الحانوتي عدم الضَّمَان سَوَاء أَجْلِس صَبيا أَو لَا حَيْثُ جرى عرف أهل السُّوق لانه غير مُودع قصدا بل تَركهَا فِي حرزها مَعَ مَاله فقد حفظهَا بِمَا يحفظ بِهِ مَاله. وَلِهَذَا نقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد مَا تقدم رامزا إِلَى فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين أَنه يبرأ على كل حَال لانه تَركهَا فِي الْحِرْز فَلم يضيع اهـ. وَالْحَاصِل: أَنه يجب حرز كل شئ فِي حرز مثله، بِخِلَاف الْحِرْز فِي السّرقَة فَإِن كل مَا كَانَ حرز النَّوْع فَهُوَ حرز لسَائِر الانواع فَيقطع بِسَرِقَة لؤلؤة من اصطبل، أما هُنَا فَإِن حرز كل شئ بِحَسبِهِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَو قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَار وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي عَرصَة الدَّار كصرة النَّقْدَيْنِ ضمن، وَلَو كَانَت مِمَّا يعد عرصتها حصنا لَهُ لَا يضمن اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَعِيَاله) بِالْكَسْرِ جمع عيل بِفَتْح فتشديد وَهُوَ من يقوته، لَكِن المُرَاد هُنَا فِي تَفْسِير من فِي عِيَاله أَن يسكن مَعَه سَوَاء كَانَ فِي نَفَقَته أَو لم يكن، وَالْعبْرَة فِي هَذَا للمساكنة إِلَّا فِي حق الزَّوْجَة وَالْولد الصَّغِير وَالْعَبْد، لَكِن يشْتَرط فِي الْوَلَد الصَّغِير أَن يقدر على الْحِفْظ، فعلى هَذَا التَّفْسِير يَنْبَغِي أَن لَا يضمن بِالدفع إِلَى أَجْنَبِي يسكن مَعَه. ذكره حفيد السعد فِي حَوَاشِي صدر الشَّرِيعَة. وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْوَلوالجِيَّة: رجل أجر بَيْتا من دَاره إنْسَانا وَدفع الْوَدِيعَة إِلَى هَذَا الْمُسْتَأْجر: إِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا غلق على حِدة يضمن لانه لَيْسَ فِي عِيَاله وَلَا بِمَنْزِلَة من فِي عِيَاله، وَإِن لم يكن لكل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 مِنْهُمَا غلق على حِدة وكل وَاحِد مِنْهُمَا يدْخل على صَاحبه بِغَيْر حشمة لَا يضمن لانه بِمَنْزِلَة من فِي عِيَاله. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَة: مُودع غَابَ عَن بَيته وَدفع مفتاحه إِلَى غَيره فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيته لم يجد الْوَدِيعَة لَا يضمن وَيدْفَع الْمِفْتَاح إِلَى غَيره، وبدفع الْمِفْتَاح إِلَى غَيره لم يَجْعَل الْبَيْت فِي يَد غَيره اهـ. ط قَوْله: (أَو حكما) تَفْسِير لمن يسكن مَعَه فِي عِيَاله. قَوْلُهُ: (فَلَوْ دَفَعَهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى. قَوْلِهِ: (أَوْ حكما) وَتَفْسِير لَهُ كَمَا تشعر بِهِ عبارَة الْمنح. قَوْله: (الْمُمَيِّزِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ. بَحر قَوْله: (وَلَا يسكن مَعهَا) لانها فِي الحكم كَأَنَّهَا فِي مسكن زَوجهَا. قَوْله: (خُلَاصَة) قَالَ فِيهَا: وَفِي النِّهَايَة: لَو دَفعهَا إِلَى وَلَده الصَّغِير أَو زَوجته وهما فِي محلّة وَالزَّوْج يسكن فِي محلّة أُخْرَى لَا يضمن، وَلَو كَانَ لَا يجِئ إِلَيْهِمَا وَلَا ينْفق عَلَيْهِمَا، لَكِن يشْتَرط فِي الصَّغِير أَن يكون قَادِرًا على الْحِفْظ، فَإِن الزَّوْجَة: أَي وَالْولد الصَّغِير وَإِن كَانَا فِي مسكن آخر إِلَّا أَنَّهُمَا فِي الحكم كَأَنَّهُمَا فِي مسكن الزَّوْج والاب اهـ. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَقد زَاد صَاحب الْمُجْتَبى العَبْد الَّذِي لم يكن فِي منزله، وكل ذَلِك يرجع إِلَى قَوْلهم يحفظها بِمَا يحفظ بِهِ مَاله، فَتنبه لذَلِك اهـ. قَوْله: (وَقيل يعتبران مَعًا) أَقُول: وَعَلِيهِ فَيدْخل عَبده وَأمته وأجيره الْخَاص كالمشاهرة، بِشَرْط أَن يكون طَعَامه وَكسوته عَلَيْهِ دون الاجير بالمياومة وَولده الْكَبِير إِن كَانَ فِي عِيَاله كَمَا ذكره بَعضهم، فَتَأمل. قَوْله: (عَيْني) نَصه: وَتعْتَبر المساكنة وَحدهَا دون النَّفَقَة، حَتَّى أَن الْمَرْأَة لَو دفعتها إِلَى زَوجهَا لَا تضمن وَإِن لم يكن الزَّوْج فِي عيالها، لَان الْعبْرَة فِي هَذَا الْبَاب للمساكنة دون النَّفَقَة. وَقيل تعْتَبر المساكنة مَعَ النَّفَقَة اهـ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ بِدَفْعِهَا لَهُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ وَذهب فَضَاعَت ضمن. بَحر عَن الْخُلَاصَة. قَالَ ط: فَلَا يضمن فِي صُورَتَيْنِ: أما إِذا علم أَمَانَته وَمَا إِذا لم يعلم حَاله أصلا. قَوْله: (الدّفع لمن فِي عِيَالِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِيَالِهِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعِيَالِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيصِح أَن يرجع للْمُودع وَبِهِ صَرَّحَ الْمَقْدِسِيَّ. وَفِيهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ، وَبِهِ يُفْتَى. وَلَوْ أَوْدَعَ غَيْرَ عِيَالِهِ وَأَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِئْجَار يضمن لَان الْوَضع فِي الْحِرْز وضع فِي يَد من فِي يَده الْحِرْز فَيكون كالتسليم إِلَيْهِ. زَيْلَعِيّ: أَي فَيكون وَدِيعَة وَلَيْسَ للْمُودع أَن يودع. رملي. وَفِي سكوتهم عَن الدّفع لعيال الْمُودع بِكَسْر الدَّال إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يملكهُ. وَنقل الْعَلامَة أَبُو السُّعُود اخْتِلَافا فَقَالَ: وَالرَّدّ إِلَى عِيَال الْمَالِك كالرد إِلَى الْمَالِك فَلَا يكون إيداعا، بِخِلَاف الْغَاصِب إِذا رد إِلَى من فِي عِيَال الْمَالِك فَإِنَّهُ لَا يبرأ. وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا رد الْوَدِيعَة إِلَى منزل الْمُودع أَو إِلَى من فِي عِيَاله فَضَاعَت لَا يضمن. وَفِي رِوَايَة الْقَدُورِيّ يضمن، بِخِلَاف الْعَارِية. قَالَ فِي الْبَحْر: وَالْفَتْوَى على الاول، وَهَذَا إِذا دفع إِلَى الْمَرْأَة للْحِفْظ. أما إِذا أخذت لتنفق على نَفسهَا وَهُوَ دفع يضمن اهـ. فعلى مَا ذكر إِذا كَانَ ابْنهَا فِي عيالها وَلم يكن مُتَّهمًا يلْزمهَا الْيَمين أَنَّهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 دفعتها لابنها الْمَذْكُور وَيسْأل الْمَدْفُوع إِلَيْهِ مَاذَا صنع وَيجْعَل كَأَنَّهُ نفس الْمُودع، وَيجْرِي الحكم الشَّرْعِيّ فِيهِ. لما فِي فَتَاوَى مؤيد زَاده وصور الْمسَائِل عَن الْفُصُولَيْنِ: أتلفهَا من فِي عِيَال الْمُودع ضمن الْمُتْلف صَغِيرا أَو كَبِيرا لَا الْمُودع اهـ. الْمُودع إِذا قَالَ دفعت الْوَدِيعَة إِلَى ابْني وَأنكر الابْن ثمَّ مَا ت الابْن فورث الاب مَال ابْنه كَانَ ضَمَان الْوَدِيعَة فِي تَرِكَة الابْن خاينة. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: عشرَة أَشْيَاء إِذا ملكهَا إِنْسَان لَيْسَ لَهُ أَن يملك غَيره لَا قبل الْقَبْض وَلَا بعده: الْمُرْتَهن لَا يملك أَن يرْهن، وَالْمُودع لَا يملك الايداع، وَالْوَكِيل بِالْبيعِ لَا يملك أَن يُوكل غَيره، ومستأجر الدَّابَّة أَو الثَّوْب لَا يُؤجر غَيره، وَالْمُسْتَعِير لَا يعير مَا يخْتَلف بِالْمُسْتَعْملِ، والمزارع لَا يدْفع الارض مُزَارعَة إِلَى غَيره وَالْمُضَارب لَا يضارب، والمستبضع لَا يملك الابضاع، وَالْمُودع لَا يملك الايداع اهـ. وَلم يذكر الْعَاشِر فِي الْبَحْر. وَذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ فَقَالَ: الْعَاشِر المساقي لَا يساقي غَيره بِغَيْر إِذن كَمَا فِي السِّرَاجِيَّة وَشرح الْوَهْبَانِيَّة اهـ. وَفِي الْخُلَاصَة: والوديعة لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارَ وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا ترهن، وَإِن فعل شَيْئا مِنْهَا ضمن، وَالْمُسْتَأْجر يُؤجر ويعار وَلم يذكر حكم الرَّهْن، وَيَنْبَغِي أَن لَا يرْهن كَمَا هُوَ الصَّحِيح من عبارَة الْخُلَاصَة، وَيَأْتِي بَيَانهَا فِي الْعَارِية موضحا. وَفِي التَّجْرِيد: وَلَيْسَ للْمُرْتَهن أَن يتَصَرَّف بشئ فِي الرَّهْن غير الامساك، لَا يَبِيع وَلَا يُؤجر وَلَا يعير وَلَا يلبس وَلَا يستخدم، فَإِن فعل كَانَ مُتَعَدِّيا وَلَا يبطل الرَّهْن انْتهى. قَوْله: (بِأَن كَانَ لَهُ عِيَال غَيره) أَي غير الْبَعْض الَّذِي نَهَاهُ عَنهُ ضمن بِدَفْعِهِ إِلَى الْمنْهِي عَنهُ، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا ذَلِك الْبَعْض لَا يضمن بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ. قَوْله: (وَإِلَّا لَا) يَعْنِي مَعَ كَون الْمَدْفُوع إِلَيْهِ أَمينا لانه شَرط جَوَاز الدّفع كَمَا مر. قَوْله: (وَإِن حفظهَا بغيرهم ضمن) أَي لَان صَاحبهَا لم يرض بيد غَيره والايدي تخْتَلف بالامانة، ولان الشئ لَا يتَضَمَّن مثله كالمضارب لَا يضارب. أَبُو السُّعُود. قَالَ الرَّمْلِيّ: إِنَّمَا يضمن إِذا كَانَ بِغَيْر إِذن صَاحبهَا. اهـ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ ادْفَعْهَا لِمَنْ شِئْت يُوَصِّلُهَا إلَيَّ فَدَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ فَضَاعَتْ: قِيلَ يَضْمَنُ، وَقيل لَا يضمن: تاترخانية. فرع: آخر حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ فَدَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارَتِهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْجَارَةِ. قَالَ الْبَلْخِيّ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهَا عِنْدَ الْوَفَاةِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَكُونُ فِي عيالها لَا تضمن، كَمَا لَو وَقع الْحَرِيق فِي مَال الْمُودع لَهُ دَفعهَا لاجنبي خَانِية. قَوْله (وَعَن مُحَمَّد) رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْمُودع إِذا دفع الْوَدِيعَة إِلَى وَكيله وَلَيْسَ فِي عِيَاله أَو دفع إِلَى أَمِين من أمنائه من يَثِق فِي مَاله وَلَيْسَ فِي عِيَاله لَا يضمن، لانه حفظه مثل مَا يحفظ مَاله وَجعله مثله فَلَا يجب عَلَيْهِ أَكثر من ذَلِك. ذكره فِي النِّهَايَة. ثمَّ قَالَ: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَعَزاهُ إِلَى التُّمُرْتَاشِيّ، وَهُوَ إِلَى الْحلْوانِي. ثمَّ قَالَ: وعَلى هَذَا لم يشْتَرط فِي التُّحْفَة فِي حفظ الْوَدِيعَة الْعِيَال، فَقَالَ: وَيلْزم الْمُودع حفظه إِذا قبل الْوَدِيعَة على الْوَجْه الَّذِي يحفظ مَاله، وَذكر فِيهِ أَشْيَاء، حَتَّى ذكر أَن لَهُ أَن يحفظ بِشريك الْعَنَان والمفاوضة وَعَبده الْمَأْذُون لَهُ الَّذِي فِي يَده مَاله، وَبِهَذَا يعلم أَن الْعِيَال لَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 بِشَرْط فِي حفظ الْوَدِيعَة اهـ. وَسَيَأْتِي ذكره ط. قَوْله: (كوكيله) أَتَى بِالْكَاف لَان أَمِينه كَذَلِك وَإِن لم يكن فِي عِيَاله، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا علمت، وَبِه صرح فِي الذَّخِيرَة. وَفِي التاترخانية: وَلَو قَالَ ادْفَعْهَا لِمَنْ شِئْت يُوَصِّلُهَا إلَيَّ فَدَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ فَضَاعَتْ، قِيلَ يَضْمَنُ، وَقِيلَ لَا يضمن. قَوْله: (وَاعْتَمدهُ ابْن الْكَمَال) حَيْثُ قَالَ: وَله حفظهَا بِنَفسِهِ وأمينه، لم يقل وَعِيَاله لَان الدّفع إِلَى الْعِيَال إِنَّمَا يجوز بِشَرْط الامانة، وَعند تحَققه لَا حَاجَة إِلَى كَونه عيالا. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: لَو دَفعهَا إِلَى أَمِين من أمنائه لَيْسَ فِي عِيَاله يجوز، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اهـ. قَوْله: (وَأقرهُ المُصَنّف) وَنَقله فِي الْبَحْر وَقَالَ قَبْلَهُ: وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ كَوْنَ الْغَيْرِ فِي عِيَاله شَرط، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَة وَقَالَ: والابوان كالاجنبي حَتَّى يشْتَرط كَونهمَا فِي عِيَاله، لَكِن قد علمت مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْمَقْدِسِي من أَن الْمُفْتى بِهِ عدم اشْتِرَاط كَونهمَا فِي عِيَاله فَلَا تنسه. قَوْله: (إِلَّا إِذا خَافَ الحرق أَو الْغَرق) الحرق بِالسُّكُونِ من النَّار، وبالتحريك من دق الْقصار، وَقد روى فِيهِ السّكُون. مغرب. وَفِي الْمِصْبَاح: الحرق بِفتْحَتَيْنِ اسْم من إحراق النَّار. اهـ وللغرق: بِفتْحَتَيْنِ مصدر غرق فِي المَاء فَهُوَ غريق. مكي وَمثل خوف الْغَرق والحرق خوف اللُّصُوص. وَفِي الْخُلَاصَة: فَإِن دفع لضَرُورَة بِأَن احْتَرَقَ بَيت الْمُودع فَدَفعهَا إِلَى جَاره، وَكَذَا فِيمَا يشبه هَذَا اهـ. إتقاني: أَي فَإِنَّهُ لَا يضمن ط. قَوْله: (وَكَانَ غَالِبا محيطا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان فرض الْمَسْأَلَة أَنه خَافَ الحرق أَو الْغَرق وَهُوَ إِنَّمَا يكون عِنْد كَونه غَالِبا. مُحِيط. إِلَّا أَن يُرَاد الْغَالِب الْكثير، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة، وَالْمرَاد أَن ذَلِك فِي بَيت الْمُودع. قَالَ الْحَمَوِيّ: لَا بُد أَن يكون غَالِبا مُحِيط بِمَنْزِلَة الْمُودع. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: إِلَّا إِذا خَافَ الحرق: أَي حرقا يُحِيط بِجَمِيعِ محلهَا انْتهى. قَوْله: (فَلَو غير مُحِيط ضمن) إِذْ الْخَوْف مُنْتَفٍ عِنْد عدم الْغَلَبَة والاحاطة فَتَأمل. قَالَه الرَّمْلِيّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَة أما إِذا لم يكن محيطا يضمن بِالدفع إِلَى الاجنبي اهـ. قَوْله: (فسلمها إِلَى جَاره) الظَّاهِر أَن أساليب الْكَلَام أَنه لَا يجب أَن يُسَلِّمهَا إِلَى جَاره، حَتَّى لَو تَركهَا فِي دَاره فحرقت لَا يضمن، وليحرر. أَفَادَهُ سري الدّين عَن الْمُجْتَبى، لَكِن فِي الْهِنْدِيَّة عَن التُّمُرْتَاشِيّ أَنه يضمن ط. وَفِي التاترخانية عَنْ التَّتِمَّةِ: وَسُئِلَ حُمَيْدٍ الْوَبَرِيُّ عَنْ مُودَعٍ احْتَرَقَ بَيته وَلم ينْقل الْوَدِيعَةَ إلَى مَكَان آخَرَ إنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَتَركهَا حَتَّى احترقت ضمن اهـ. وَمثله فِي الْحَاوِي وجامع الْفَتَاوَى. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى أَكَلَهَا الْعُثُّ خلافًا لما يَأْتِي فِي النّظم. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَيعرف من هَذَا كثير من الْوَاقِعَات. وَفِي نور الْعين: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي حَرِيقٍ وَقَعَ فِي دَارِ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَوْ خرج من ذَلِك وَلم يستردها ضمن، كَمَا لَو دَفعهَا إِلَى امْرَأَته ثمَّ طَلقهَا وَمَضَت عدتهَا، فَلَو لم يستردها ضمن إِذْ يجب عَلَيْهِ الِاسْتِرْدَاد، ولان الايداع عقد غير لَازم فَكَانَ لبَقَائه حكم الِابْتِدَاء. وَقَالَ قاضيخان: لَا يضمن، إِذْ الْمُودع إِنَّمَا ضمن بِالدفع وَحين دفع كَانَ غير مَضْمُون عَلَيْهِ فَلَا يضمن عَلَيْهِ. يَقُول الحقير: هَذَا الدَّلِيل عليل، إِذْ للبقاء حكم الِابْتِدَاء، فَلَو دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي ابْتِدَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 ضمن، فَكَذَا إِذا لم يستردها فِي كلتا الْمَسْأَلَتَيْنِ خُصُوصا فِي مَسْأَلَة الْحَرِيق، فَإِن الثَّابِت بِالضَّرُورَةِ يتَقَدَّر بِقَدرِهَا، فَبعد زَوَال الْحَرِيق ارْتَفَعت الضَّرُورَة فَلم يستردها من الاجنبي فَكَأَنَّهُ أودعها إِيَّاه ابْتِدَاء، فَالصَّوَاب أَن يضمن فِي كلتا الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذكره صَاحب الْمُحِيط. وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي عدَّة الْفَتَاوَى: لَا يضمن بدفعها إِلَى جَاره لضَرُورَة كحريق. قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي فَتَاوِيهِ: هَذَا لَو لم يجد بدا من الدّفع إِلَى أَجْنَبِي، أما لَو أمكنه الدّفع إِلَى من فِي عِيَاله ضمن بدفعها إِلَى أَجْنَبِي. قَالَ الامام خُوَاهَر زَاده: هَذَا لَو أحَاط الْحَرِيق بالمنزل وَإِلَّا ضمن بدفعها إِلَى أَجْنَبِي اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَا يشْتَرط هَذَا الشَّرْط فِي الْفَتْوَى. تاترخانية فِي الْفَصْل الثَّانِي من الْوَدِيعَة. قَوْله: (إِلَّا إِذا أمكنه الخ) أَي وَقت الحرق وَالْغَرق. قَوْله: (أَو أَلْقَاهَا) أَي أَو ألْقى الْوَدِيعَة فِي السَّفِينَة فَوَقَعت فِي الْبَحْر يضمن، لانها قد تلفت بِفِعْلِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك بالتدحرج لانه مَنْسُوب إِلَيْهِ فَهُوَ كَفِعْلِهِ. وَالظَّاهِر أَن قيد فِي السَّفِينَة سَاقِط من النساخ لوُجُوده فِي الاصل. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: هَذَا إِذا لم يُمكنهُ أَن يَدْفَعهَا إِلَى من هُوَ فِي عِيَاله، وَإِن أمكنه أَن يحفظها فِي ذَلِك الْوَقْت بعياله فَدَفعهَا إِلَى الاجنبي يضمن لانه لَا ضَرُورَة فِيهِ، وَكَذَا لَو أَلْقَاهَا فِي سفينة أُخْرَى وَهَلَكت قبل أَن تَسْتَقِر فِيهَا بِأَن وَقعت فِي الْبَحْر ابْتِدَاء بالتدحرج يضمن لَان الاتلاف حصل بِفِعْلِهِ اهـ. قَوْله: (صدق) أَي بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (أَي بدار الْمُودع) كَأَن هَذَا من قبيل الاحتباك وَأَصلهَا: أَي الحرق أَو الْغَرق. وَقَوله: (بدار الْمُودع) رَاجع إِلَى الحرق وَحذف من الثَّانِي، أَو سفينته الرَّاجِع إِلَى الْغَرق لدلَالَة كل مَذْكُور على مَا حذف بإزائه، وَهَذَا على مَا نحاه الشَّارِح فِي شَرحه، وَأما على مَا بَينا من أصل عبارَة الزَّيْلَعِيّ فالامر ظَاهر، وَأما جَوْهَر الْمَتْن على أَنه يصدق إِن علم دَفعه لَهَا عِنْد خوف الحرق أَو الْغَرق بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ الَّذِي ذكره الشَّارِح بعد. قَوْله: (وَإِلَّا يعلم الخ) . وَحَاصِله: أَن صَاحب الْمَتْن ذكر أَنه لَا يصدق مدعي الدّفع للحرق أَو الْغَرق إِلَّا بِبَيِّنَة، وَالشَّارِح صرف كَلَامه وَقَالَ: إِن علم ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ على وُقُوعه فِي دَاره وفلكه أغْنى عَن الْبَيِّنَة عَن الدّفع للخوف على نفس الْوَدِيعَة، وَإِن لم تقم الْبَيِّنَة على وُقُوع الحرق وَالْغَرق فِي دَاره وفلكه فَلَا بُد من الْبَيِّنَة على الدّفع لخوف ذَلِك على نفس الْوَدِيعَة، ثمَّ إِن الْغَرق كَمَا يخْشَى مِنْهُ على نفس السَّفِينَة قد يخْشَى مِنْهُ على نفس الدَّار إِذا كَانَت الْبيُوت مُتَّصِلَة بِطرف الْبَحْر أَو النَّهر أَو مجْرى السَّيْل، وَمثل خوف الحرق وَالْغَرق لَو خَافَ فَسَادهَا بخرير أسقفه من كَثْرَة الامطار وَعند وُقُوع النهب فِي دَاره وَدفعهَا إِلَى جَاره عِنْد توهم سلامتها عِنْده. قَوْله: (فَحَصَلَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ التَّوْفِيقُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق) وَقد ذكر أَيْضا صَاحب الذَّخِيرَة عَن الْمُنْتَقى. قَالَ المُصَنّف: فَإِن ادَّعَاهُ: أَي ادّعى الْمُودع التَّسْلِيم إِلَى جَاره أَو إِلَى فلك آخر صدق إِن علم وُقُوعه بِبَيِّنَة: أَي بَيِّنَة الْمُودع وَإِلَّا لَا: أَي وَإِن لم يعلم لَا يصدق. وَفِي الْهِدَايَة وَشرح الْكَنْز للزيلعي أَنه لَا يصدق على ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة، لَان تَسْلِيم الْوَدِيعَة إِلَى غَيره يُوجب الضَّمَان، وَدَعوى الضَّرُورَة دَعْوَى مسْقط فَلَا تقبل إِلَّا بِبَيِّنَة، كَمَا إِذا أتلفهَا فِي الصّرْف فِي حَاجته بِإِذن صَاحبهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 وَفِي الْخُلَاصَة: أَنه إِذا علم أَن وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لم يعلم وُقُوع الْحَرِيق فِي بَيته وَبِه يحصل التَّوْفِيق، وَالَّذِي أحوجه إِلَى ذَلِك حمل كَلَام صَاحب الْهِدَايَة والزيلعي قَوْلهمَا لَا يصدق على ذَلِك: أَي على تَسْلِيم الْوَدِيعَة، وَلَو حمل لَا يصدق على ذَلِك: أَي على وُقُوع الحرق أَو الْغَرق بِدَلِيل قَوْلهمَا وَدَعوى الضَّرُورَة الخ فَإِن الضَّرُورَة إِنَّمَا هِيَ فِي الحرق وَالْغَرق لَا فِي التَّسْلِيم لَا تحدث مَعَ عبارَة الْخُلَاصَة. تَأمل. قَوْله: (فَلَو لحملها إِلَيْهِ لم يضمن) لَان مُؤنَة الرَّد على الْمَالِك. حموي. وَإِنَّمَا الضَّمَان بِمَنْع التَّخْلِيَة بَينه وَبَين الْوَدِيعَة بعد الطّلب، أما لَو كلفه حملهَا وردهَا إِلَيْهِ فَامْتنعَ عَن ذَلِك لم يضمن لانه لَا يلْزمه سوى التَّخْلِيَة، فَلَو كَانَ طلب الْمُودع بِكَسْر الدَّال بحملها إِلَيْهِ فَامْتنعَ الْمُودع من ذَلِك لم يضمن، هَكَذَا صَرِيح عبارَة ابْن ملك الْمَنْقُول عَنهُ. وَأما مَا وَقع فِي نُسْخَة الشَّيْخ أبي الطّيب فَإِنَّهُ تَحْرِيف. وَالنُّسْخَة الَّتِي كتب عَلَيْهَا فَلَو حملهَا إِلَيْهِ: أَي لَو حمل الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى رَبهَا: يَعْنِي لَو طلب استردادها من الْمُودع فحملها إِلَيْهِ لم يضمن لَان حملهَا إِلَيْهِ يُخرجهُ عَن الْمَنْع. وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: لَو استردها فَقَالَ لم أقدر أحضر هَذِه السَّاعَة فَتَركهَا فَهَلَكت لم يضمن لانه بِالتّرْكِ صَار مودعا ابْتِدَاء اهـ. وَعَزاهُ إِلَى الْمُحِيط. وَفِي الْبَحْر: إِن تَركهَا عَن رضَا وَذهب لَا يضمن، وَإِن كَانَ من غير رضَا يضمن. كَذَا فِي الْخُلَاصَة: وَلَو قَالَ لَهُ بعد طلبه اطلبها ثمَّ ادّعى ضياعها: فَإِن قَالَ ضَاعَت بعد الاقرار فَلَا ضَمَان، وَإِلَّا ضمن. قَوْله: (وَلَو حكما كوكيله بِخِلَاف رَسُوله) سوى فِي التَّجْنِيس بَين الْوَكِيل وَالرَّسُول وَقَالَ: إِذا منعهَا عَنْهَا لَا يضمن. وَفِي الْعمادِيَّة ذكر الضَّمَان فِي الْمَنْع من الرَّسُول فَالْمَسْأَلَة ذَات خلاف فيهمَا، واقتصار المُصَنّف على مَا ذكره يدل على اعْتِمَاده، وَقد نَقله الْقُهسْتَانِيّ عَن الْمُضْمرَات. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمَالِكُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُودَعُ لَا يمكنني أَن أحضر السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ: إنْ تَرَكَهَا عَنْ رِضًا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ فَقَدْ أَنْشَأَ الْوَدِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ رِضًا يضمن، وَلَو كَانَ الَّذِي يطْلب الْوَدِيعَة وَكيل الْمَالِك يضمن لانه لَيْسَ إنْشَاء للوديعة، بِخِلَاف الْمَالِك انْتهى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ إِلَى وَكيل الْمَالِك كَمَا لَا يخفى، وَهُوَ خلاف مَا تقدم فِي كتاب الْوكَالَة فِي بَاب الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ. وَنَصه: قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لم يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ على الْمَشْهُور الخ. وَكتب سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَن مُقَابل الْمَشْهُور مَا عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه يُؤمر بِالدفع، فَلَعَلَّ مَا هُنَا على هَذِه الرِّوَايَة. وَفِي مَجْمُوعَة مؤيد زَاده: وَلَو قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لم يُؤمر بِتَسْلِيم الْوَدِيعَة إِلَيْهِ لانه مَأْمُور بِالْحِفْظِ فَقَط، ثمَّ قَالَ قد جَاءَ رَسُولك فدفعتها إِلَيْهِ وَكذبه الْمَالِك ضمنهَا، وَلَا يرجع بِمَا ضمن على الرَّسُول إِن صدقه فِي كَونه رَسُوله وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ الرُّجُوع، وَإِن كذبه وَدفع إِلَيْهِ أَو لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ يرجع على الرَّسُول، وَكَذَلِكَ إِن صدقه وَشرط عَلَيْهِ الرُّجُوع كَمَا فِي الْوَجِيز. ثمَّ قَالَ: وَلَو دَفعهَا إِلَى رَسُول الْمُودع فَأنْكر الْمُودع الرسَالَة ضمن اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَرَسُولُ الْمُودِعِ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بهَا وَلم يدْفع إِلَى الرَّسُول حَتَّى هلك ضَمِنَ. وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ هَذِه الْمَسْأَلَة وَأجَاب عَنْهَا نَجْمُ الدِّينِ إنَّهُ يَضْمَنُ. وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودِعَ إذَا صَدَّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَكَالَةِ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُرْسِلِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الرِّسَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الرَّسُولِ صَحَّ كَذَا فِي فَتَاوَاهُ اه. منح. قَالَ محشيها الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُ مَا فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ مَنْقُول عَن التَّجْنِيس، فَهُوَ مُخَالف للخلاصة كَمَا هُوَ ظَاهر، ويتراءى لي التَّوْفِيق بَين الْقَوْلَيْنِ بِأَن يحمل مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْوَكِيلُ إنْشَاءَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْمُودَعِ بَعْدَ مَنْعِهِ ليدفع لَهُ وَقت آخر. وَمَا فِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين وَالتَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ لِيُؤَدِّيَ إلَى الْمُودع بِنَفسِهِ، وَلذَلِك قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بهَا. وَفِي الْخُلَاصَة: مَا هُوَ صَرِيح فِي أَن الْوَكِيل لَو تَركهَا وَذهب عَن رضَا بعد قَول الْمُودع لَا يمكنني أَن أحضرها السَّاعَة: أَي وأدفعها لَك فِي غير هَذِه السَّاعَة، فَإِذا فَارقه فقد أنشأ الايداع لَيْسَ لَهُ ذَلِك، بِخِلَاف قَوْله لَا أدفعها إِلَّا للَّذي جَاءَ بهَا فَإِنَّهُ اسْتِبْقَاء للايداع الاول لَا إنْشَاء إِيدَاع. فَتَأمل. وَلم أر من تعرض لهَذَا التَّوْفِيق، وَالله تَعَالَى هُوَ الْمُوفق انْتهى. فَالْحَاصِل: أَنه إِذا منعهَا عَن الرَّسُول لَا يضمن على ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا نَقله عَن الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة. وَأما إِذا منعهَا عَن الْوَكِيل فَفِيهِ اخْتِلَاف. فَفِي الْخُلَاصَة والقاعدية وَالْوَجِيز والتاترخانية وَالْحَاوِي الزَّاهدِيّ والمضمرات أَنه يضمن، وَاخْتَارَهُ المُصَنّف فِي منحه، وَتَبعهُ الشَّارِح هُنَا. وَفِي شَرحه على الْمُلْتَقى: فَتعين الْمصير إِلَى مَا عَلَيْهِ الاكثر خُصُوصا والمضمرات شرح الْقَدُورِيّ والشروح مُقَدّمَة. فَفِي مَسْأَلَتنَا منع الْمُودع الْوَدِيعَة من الْوَكِيل ظلما وَلم يقل لَهُ لم أدفعها إِلَّا إِلَى الَّذِي جَاءَ بهَا حَتَّى يكون اسْتِبْقَاء للايداع الاول، لَان قَول الشَّارِح كوكيله يَقْتَضِي الْمَنْع ظلما، وَبِه يظْهر أَن مَا ذكره فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من الْفرق الْمُتَقَدّم بَين الْوَكِيل وَالرَّسُول مَبْنِيّ على خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي نور الْعين. ثمَّ اعْلَم أَن كَلَام التاترخانية يُفِيد تَفْصِيلًا فِي مَسْأَلَة الْوَكِيل، وَذَلِكَ أَن الْمُودع إِنَّمَا يضمن بِالْمَنْعِ عَن الْوَكِيل إِذا كَانَ تَوْكِيله ثَابتا بالمعاينة أَو بِالْبَيِّنَةِ، أما إِذا كَانَ بِتَصْدِيق الْمُودع فَإِنَّهُ لَا يضمن، وَكَذَا لَو كذبه بالاولى. وَانْظُر هَل يجْرِي على هَذَا التَّفْصِيل فِي مَسْأَلَة الرَّسُول أَيْضا، وَمُقْتَضى مَا نذكرهُ فِي المقولة الْآتِيَة عَن الْخَانِية من قَوْله فجَاء رجل وَبَين تِلْكَ الْعَلامَة فَلم يصدقهُ الْمُودع حَتَّى هَلَكت الْوَدِيعَة لَا ضَمَان أَنه لَو صدقه يضمن فيخالف مَسْأَلَة الْوَكِيل. إِلَّا أَن يُقَال: إِن قَوْله فَلم يصدقهُ لَيْسَ قيدا احترازيا فَلَا مَفْهُوم لَهُ، وَهَذَا إِن حمل على أَنه رَسُول، وَكَذَا إِن حمل على أَنه وَكيل يُخَالف مَا ذكرنَا من التَّفْصِيل. ثمَّ قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل هَذَا التَّفْصِيل: أَي فِي أصل الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا ترك عَن رضَا وَذهب لَا يضمن، وَفِيمَا إِذا كَانَ عَن غير رضَا يضمن مَا إِذا كَانَ الْمُودع يُمكنهُ وَكَانَ كَاذِبًا فِي قَوْله، أما إِذا كَانَ صَادِقا فَلَا يضمن مُطلقًا لما قُلْنَا انْتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: فِيهِ نظر، لما فِي التَّجْنِيس أَنه لَو طلبَهَا بوكيله أَو رَسُوله فحبسها لَا يضمن فَتَأمل. وَانْظُر إِلَى مَا ذكره بعيده من قَوْله: وَلَو بعلامة مِنْهُ يحْتَج بِأَنَّهُ إِنَّمَا مَنعه ليوصلها إِلَى الاصيل بِنَفسِهِ لتكذيبه إِيَّاه، وَفرع الْخُلَاصَة فِيهِ الْمَنْع للعجز عَن التَّسْلِيم وَالتّرْك والذهاب عَن رضَا إِلَى وَقت آخر، وَفِيه إنْشَاء إِيدَاع بِخِلَاف الاول، حَتَّى لَو كذبه فِي الْفَرْع الَّذِي تفقه فِيهِ مَعَ ذَلِك، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَا يضمن، فَتَأمل. قَوْله: (وَلَو بعلامة مِنْهُ) لامكان إتْيَان غير الرَّسُول بِهَذِهِ الْعَلامَة إِلَّا أَن يبرهن أَنَّهَا لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَغَيرهَا. قَالَ فِي الْخَانِية: رجل أودع عِنْد إِنْسَان وَدِيعَة وَقَالَ فِي السِّرّ من أخْبرك بعلامة كَذَا وَكَذَا فادفع إِلَيْهِ الْوَدِيعَة، فجَاء رجل وَبَين تِلْكَ الْعَلامَة فَلم يصدقهُ الْمُودع حَتَّى هَلَكت الْوَدِيعَة، قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لَا ضَمَان على الْمُودع. اهـ. وَفِي حَاشِيَة جَامع الْفُصُولَيْنِ للخير الرَّمْلِيّ: وَهل يَصح هَذَا التَّوْكِيل وَلَا يضمن الْمُودع بِالدفع أم لَا يَصح لكَون الْوَكِيل مَجْهُولا وَيضمن بِالدفع؟ قَالَ الزَّاهدِيّ فِي حاويه رامزا: فِيهِ تَفْصِيل، لَو كَانَا عِنْد ذَلِك الِاتِّفَاق بمَكَان لَا يُمكن لَاحَدَّ من النَّاس اسْتِمَاع كَلَامهمَا فالدفع لمن جَاءَ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْعَلامَة، وَأما استماعه ذَلِك من أَجْنَبِي فنادر، وَإِن كَانَ عِنْد ذَلِك بمَكَان فِيهِ أحد من النَّاس مِمَّن يفهم اتِّفَاقهمَا على ذَلِك أَو بمَكَان يُمكن فِيهِ لَاحَدَّ اسْتِمَاع اتِّفَاقهمَا إِلَى ذَلِك خُفْيَة وهما لَا يريانه فالوكالة بَاطِلَة وَالدَّفْع مضمن. اهـ. هَذَا مَا نَقله الرَّمْلِيّ. قلت: كثيرا مَا يَقع أَن الْمَالِك بعد اتفاقه مَعَ الْمُودع على ذَلِك يبْعَث رجلا بِتِلْكَ الْعَلامَة فيسمعه آخر فَيَسْبق الاول ويخبر الْمُودع بِتِلْكَ الْعَلامَة. وَقد يُقَال: إِن هَذَا لَا يُنَافِي صِحَة التَّوْكِيل بعد وجود شَرطه الْمُتَقَدّم عِنْد اتِّفَاق الْمَالِك مَعَ الْمُودع: وَالظَّاهِر أَن الْمَالِك إِذا قَالَ لم أذكر الْعَلامَة لهَذَا الرجل الَّذِي جَاءَ وَإِنَّمَا ذكرتها لغيره أَن يكون القَوْل لَهُ لانه مُنكر فَيضمن الْمُودع، فَتَأمل وَالله تَعَالَى أعلم. أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله: (على الظَّاهِر) أَي ظَاهر الْمَذْهَب، وَهُوَ رَاجع إِلَى الْوَكِيل وَالرَّسُول، وَقَالَ الثَّانِي يضمن كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَقد اخْتلفت الْفَتَاوَى فِي هَذَا، وَقد علمت الْمُعْتَمد. قَوْله: (ضمن) إِن ضَاعَت لوُجُود التَّعَدِّي بِمَنْعه لانه صَار غَاصبا، وَهَذَا لانه لما طَالبه لم يكن رَاضِيا بإمساكه بعده فيضمنهما بحبسه عَنهُ. داماد. قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو قَالَ لَهُ بعد طلبه اطلبها غَدا ثمَّ ادّعى ضياعها، فَإِن قَالَ ضَاعَت بعد الاقرار لَا ضَمَان، وَإِلَّا ضمن انْتهى. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله بعد الاقرار: أَي الاقرار ضمنا فِي قَوْله اطلبها غَدا، وَقَوله بعد الاقرار ظرف لضاعت لَا لقَالَ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: طَلَبَهَا رَبُّهَا فَقَالَ اُطْلُبْهَا غَدا فَقَالَ فِي الْغَد تلفت، فَلَو قَالَ تلفت قبل قولي اطلبها غَدا ضمن، لَا لَو قَالَ بعده للتناقض فِي الاول لَا الثَّانِي. قَالَ رَبهَا: ادفعها إِلَى قني هَذَا فطلبها فَأبى أَو قَالَ غَدا يضمن اهـ. أَي لانه كَأَنَّهُ وكل قنه بِحَضْرَة الْمُودع وَالْوَكِيل لَا يملك ابْتِدَاء الايداع فِي قَوْله غَدا انْتهى. وَالْمَسْأَلَة فِي الْخَانِية أَيْضا. قَوْله: (بِأَن كَانَ عَاجِزا) أَي عَجزا حسيا كَأَن لَا يَسْتَطِيع الْوُصُول إِلَى مَحل الْوَدِيعَة أَو معنويا، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله أَو خَافَ على نَفسه: أَي من ظَالِم أَن يقْتله أَو دائن أَن يحْبسهُ وَهُوَ غير قَادر على الْوَفَاء أَو كَانَت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 امْرَأَة وخافت من فَاسق أَو خَافَ على مَاله بِأَن كَانَ مَدْفُونا مَعَهُمَا، فَإِذا ظهر اغتصبه مِنْهُ غَاصِب فَامْتنعَ عَن التَّسْلِيم لذَلِك لَا يضمن، لانه لم يكن ظَالِما. قَوْله: (أَو خَافَ على نَفسه أَو مَاله) فِي الْمُحِيط: لَو طلبَهَا أَيَّام الْفِتْنَة فَقَالَ لم أقدر عَلَيْهَا هَذِه السَّاعَة لبعدها أَو لضيق الْوَقْت فَأَغَارُوا على تِلْكَ النَّاحِيَة فَقَالَ أغير عَلَيْهَا لم يضمن، وَالْقَوْل لَهُ: اهـ. قَوْله: (كَطَلَب الظَّالِم) أَي وديعته ليظلم بهَا فَإِنَّهُ بمنعها لَا يكون ظَالِما، حَتَّى لَو ضَاعَت لَا يكون ضَامِنا كمنعه مِنْهُ وَدِيعَة عَبده فَإِنَّهُ بِهِ لَا يكون ظَالِما، لَان الْمولى لَيْسَ لَهُ قبض وَدِيعَة عَبده مَأْذُونا كَانَ أَو مَحْجُورا مَا لم يحضر وَيظْهر أَنه من كَسبه لاحْتِمَال أَنه مَال الْغَيْر، فَإِذا ظهر أَنه للْعَبد بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذهُ. خُلَاصَة ط. وَإِنَّمَا كَانَ الْمُرَادَ بِالظَّالِمِ هُنَا الْمَالِكُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي طَلَبِهِ هُوَ فَمَا بَعْدَهُ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ: أَعْنِي قَوْله فَلَو كَانَت الْوَدِيعَة سَيْفا إلَخْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ لما فِيهِ من الاعانة على الظُّلم. قَوْله: (فَلَو كَانَت) تَفْرِيع على عدم الضَّمَان بِالْمَنْعِ عِنْد طلب الظَّالِم. وَحَاصِله: أَنه لَا يضمن بِطَلَب صَاحب الْوَدِيعَة حَيْثُ كَانَ ظَالِما بِأَن كَانَت الْوَدِيعَة سَيْفا فَطَلَبه ليقْتل بِهِ رجلا مَظْلُوما بِغَيْر حق وَلَو معاهدا أَو امْرَأَة أَو صَبيا، فَلَو مَنعه لَا يضمن لكَون الطَّالِب ظَالِما وَمثل السَّيْف كل مؤذ فِيمَا يظْهر. قَوْله: (ليضْرب بِهِ رجلا) أَي مَظْلُوما وَلَو معاهدا أَو امْرَأَة أَو صَبيا ط. قَوْله: (إِلَى أَن يعلم الخ) فَلَو شكّ فِيمَا ذكر لَا يعد بِمَنْعه ظَالِما فَلَا يضمن بهلاكه. كَذَا يفاد من مَفْهُومه ط. قَوْله: (كَمَا لَو أودعت) أَتَى بِالْكَاف ليُفِيد أَنه مِثَال غير مُخَصص، فَمثله كل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فِيمَا يظْهر. قَالَ فِي الاشباه: لَا يجوز للْمُودع الْمَنْع بعد الطّلب إِلَّا فِي مسَائِل: لَو كَانَ سَيْفا ليضْرب بِهِ ظلما، وَلَو كَانَ كتابا فِيهِ إِقْرَار بِمَال الْغَيْر أَو قبض اهـ. قَوْله: (أَي موت الْمُودع) بِفَتْح الدَّال مُجْهِلًا، أَمَّا بِتَجْهِيلِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ، وَالْقَوْلُ لِلْمُودَعِ بِيَمِينِهِ بِلَا شُبْهَةٍ قَالَ الْحَانُوتِيُّ: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدُ فِي الرَّهْنِ عَلَى قَدْرِ الدّين اهـ. أَقُول: الظَّاهِر أَنه مِنْهُ لقَولهم: مَا تضمن بِهِ الْوَدِيعَةُ يُضْمَنُ بِهِ الرَّهْنُ، فَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ مَا زَادَ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ. رملي مُلَخصا. قَالَ ط: من الْوَدِيعَة الزَّائِد من الرَّهْن على مِقْدَار الدّين فَيضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل وَتَكون الْوَدِيعَة وَنَحْوهَا كَدين الصِّحَّة فيحاصص رَبهَا الْغُرَمَاء، لَان الْيَد المجهولة عِنْد الْمَوْت تنْقَلب يَد ملك، ولانه لما مَاتَ وَلم يبين صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا لَهَا. اهـ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْمُودِعُ أَوْ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَبْضِعُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَمَانَةً إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون دين عَلَيْهِ فِي تركته، لانه صَار مُسْتَهْلكا الْوَدِيعَة بِالتَّجْهِيلِ، وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجْهِلًا أَنْ لَا يُبَيِّنَ حَالَ الْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَدْ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ عَمَّا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ عِنْدِي وَرَقَةٌ فِي الْحَانُوتِ لِفُلَانٍ ضَمَّنَهَا دَرَاهِمَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَهَا فَمَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ التَّجْهِيلِ. لِقَوْلِهِ: فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ أَن يَمُوت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 قبل الْبَيَان وَلم يعرف الامانة بِعَينهَا اهـ. قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: ولينظر مَا وَجه التَّأَمُّل. وَفِي نور الْعين: لَو مَاتَ الْمُودع مجهلا ضمن: يَعْنِي لَو مَاتَ وَلم يبين حَال الْوَدِيعَة، أما إِذا عرفهَا الْوَارِث وَالْمُودع يعلم أَنه يعرف الْمُودع فَمَاتَ لم يضمن، فَلَو قَالَ الْوَارِث أَنا علمتها وَأنكر الطَّالِب، لَو فَسرهَا بِأَن كَانَت كَذَا وَكَذَا وَقد هَلَكت صدق لكَونهَا عِنْده. وَفِي الذَّخِيرَة: قَالَ رَبهَا مَاتَ الْمُودع مجهلا وَقَالَت ورثته كَانَت قَائِمَة يَوْم موت الْمُودع وَمَعْرُوفَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ صُدِّقَ رَبُّهَا هُوَ الصَّحِيحُ، إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ. وَلَوْ قَالَ وَرَثَتُهُ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا يُصَدَّقُونَ بِلَا بَيِّنَةٍ لِمَوْتِهِ مجهلا فَيقر الضَّمَانُ فِي التَّرِكَةِ، وَلَوْ بَرْهَنُوا أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاته رَددتهَا يقبل إِذْ الثَّابِت بِبَيِّنَة كَالثَّابِتِ بعيان. اهـ. قَوْله: (إِلَّا إِذا علم) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وضميره للْمُودع بِالْفَتْح الَّذِي مَاتَ مجهلا، وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ رَددتهَا يقبل. قَالَ الْحَمَوِيّ فِي شَرحه: وَقيد فِي الْخُلَاصَة ضَمَان الْمُودع بِمَوْتِهِ مجهلا بِأَن لَا يعرفهَا الْوَارِث، أما إِذا عرفهَا وَالْمُودع يعلم أَنه يعرف فَمَاتَ وَلم يبين لَا يضمن اهـ. وَذَلِكَ بِأَن سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ عِنْد فلَان علمهَا. قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه فِي جَوَاب سُؤال: وَالَّذِي تحرر من كَلَامهم أَن الْمُودع إِن أوصى بالوديعة فِي مرض مَوته ثمَّ مَاتَ وَلم تُوجد فَلَا ضَمَان فِي تركته، وَإِن لم يوص فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعرفهَا الْوَرَثَة أَو لَا: فَإِن عرفوها وَصدقهمْ صَاحبهَا على الْمعرفَة وَلم تُوجد لَا ضَمَان فِي التَّرِكَة، وَإِن لم يعرفوها وَقت مَوته فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَن تكون مَوْجُودَة أَو لَا، فَإِن كَانَت مَوْجُودَة وَثَبت أَنَّهَا وَدِيعَة إِمَّا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الْوَرَثَة أَخذهَا صَاحبهَا وَلَا يتَوَهَّم أَنه فِي هَذِه الْحَالة مَاتَ مجهلا فَصَارَت دينا فيشارك أَصْحَاب الدُّيُون صَاحبهَا، لَان هَذَا عِنْد عدم وجودهَا، أما عِنْد قِيَامهَا فَلَا شكّ أَن صَاحبهَا أَحَق بهَا، فَإِن لم تُوجد فَحِينَئِذٍ هِيَ دين فِي التَّرِكَة وصاحبها كَسَائِر غُرَمَاء الصِّحَّة، وَإِن وجد بَعْضهَا وفقد بَعْضهَا، فَإِن كَانَ مَاتَ مجهلا أَخذ صَاحبهَا الْمَوْجُود وَرجع بالمفقود فِي التَّرِكَة وَإِلَّا أَخذ الْمَوْجُود فَقَط، وَإِن مَاتَ وَصَارَت دينا، فَإِن كَانَت من ذَوَات الامثال وَجب مثلهَا وَإِلَّا فقيمتها، فَعَلَيْك بِحِفْظ هَذَا التَّحْرِير. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم نقل من فَتَاوَى التُّمُرْتَاشِيّ. وَأجَاب قَارِئ الْهِدَايَة عَن سُؤال بقوله: إِذا أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على الايداع وَقد مَاتَ الْمُودع مجهلا للوديعة وَلم يذكرهَا فِي وَصيته وَلَا ذكر حَالهَا لوَرثَته فضمانها فِي تركته، فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على قيمتهَا أخذت من تركته، وَإِن لم تكن لَهُ بَيِّنَة على قيمتهَا فَالْقَوْل فِيهَا قَول الْوَرَثَة مَعَ يمينهم، وَلَا يقبل قَول الْوَرَثَة إِن مُورثهم ردهَا لانه لَزِمَهُم ضَمَانهَا فَلَا يبرؤن بِمُجَرَّد قَوْلهم من غير بَيِّنَة شَرْعِيَّة على أَن مُورثهم ردهَا. اهـ. وَقَالَ فِي جَوَاب آخر: ادعوا أَن مُورثهم ادّعى قبل مَوته أَنه رده إِلَى مَالِكه أَو أَنه تلف مِنْهُ وَأَقَامُوا بَيِّنَة على أَنه قَالَ ذَلِك فِي حَيَاته تقبل بينتهم، وَكَذَلِكَ إِذا أَقَامُوا بَيِّنَة أَنه حِين مَوته كَانَ المَال الْمَذْكُور قَائِما وَأَن مُورثهم قَالَ هَذَا المَال لفُلَان عِنْدِي وَدِيعَة أَو قرض أَو قَبضته لفُلَان بطرِيق الْوكَالَة أَو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 الرسَالَة لادفعه إِلَيْهِ فادفعوه إِلَيْهِ وَلكنه ضَاعَ بعد ذَلِك من عندنَا لَا ضَمَان عَلَيْهِم وَلَا فِي تركته اهـ. أَقُول: وَفِي قَوْله أَو قرض نظر، إِن حمل على أَن الْمَيِّت استقرضه مِنْهُ لانه دخل فِي ملكه وَصَارَ مطالبا بِبَدَلِهِ، وَإِذا هلك يهْلك عَلَيْهِ بعد قَبضه، إِلَّا أَن يحمل على أَن الْمَالِك كَانَ استقرضه وَوَضعه عِنْد الْمَيِّت أَمَانَة فَلْيتَأَمَّل هَذَا. وَفِي حَاشِيَة الاشباه للبيري عَن منية الْمُفْتِي مَا نَصه: وَارِث الْمُودع بعد مَوته إِذا قَالَ ضَاعَت فِي يَد مورثي: فَإِن كَانَ هَذَا فِي عِيَاله حِين كَانَ مودعا يصدق، وَإِن لم يكن فِي عِيَاله لَا. اهـ. قَوْله: (صدق) يَعْنِي لَو ادّعى الطَّالِب التجهيل بِأَن قَالَ مَاتَ الْمُودع مجهلا وَادّعى الْوَارِث أَنَّهَا كَانَت قَائِمَة يَوْم مَاتَ وَكَانَت مَعْرُوفَة ثمَّ هَلَكت بعد مَوته فَالْقَوْل للطَّالِب فِي الصَّحِيحُ، إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ فِي الظَّاهِر فَلَا يصدق الْوَارِث كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّة كَمَا علمت. قَوْله: (وَمَا لَو كَانَت عِنْده) أَي عِنْد الْمُورث: يَعْنِي أَن الْوَارِث كَالْمُودعِ فَيُقْبَلُ. قَوْلُهُ: (فِي الْهَلَاكِ إذَا فَسَّرَهَا فَهُوَ مثله) ، إِلَّا أَنه خَالفه فِي مَسْأَلَة وَهِي قَوْله الْآتِي إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي الخ. قَوْله: (إِلَّا أَنه إِذا مَنعه) أَي الْمُودع السَّارِق: يَعْنِي أَن الْمُودع بعد مَا دلّ السَّارِق على الْوَدِيعَة فجَاء السَّارِق ليأخذها فَمَنعه فَأَخذهَا السَّارِق قهرا لَا يضمن. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمُودَعُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْأَخْذِ حَال الاخذ، فَإِن مَنعه لم يضمن اهـ. إِلَّا إِذا مَنَعَهُ أَيْ الْمُودَعُ السَّارِقَ فَأَخَذَ كَرْهًا. فُصُولَيْنِ. وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: (وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ ضَمِنَ) . قَوْله: (كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ) وَمِنْهَا: الرَّهْنُ إذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُجْهِلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فِي تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الانقروي، وَالْمرَاد بِالضَّمَانِ: أَي الزَّائِدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إِذا مَاتَ مجهلا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا، وَبِهِ أَفْتَى الْحَامِدِيُّ بَعْدَ الْخَيْرِيِّ. وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُسْتَأْجِرُ يَضْمَنُ إِذا مَاتَ مجهلا مَا قَبضه اهـ. سائحاني وَمِنْهَا: الْمَأْمُور بِالدفع إِذا مَاتَ مجهلا كَمَا فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى. وَفِيه الاب إِذا مَاتَ مجهلا يضمن، لَكِن صحّح عدم ضَمَانه إِذْ الاب لَيْسَ أدنى حَالا من الْوَصِيّ بل هُوَ أوفى حَالا من الْوَصِيّ حَيْثُ لَا يضمن إِلَّا إِذا كَانَ الاب مِمَّن يَأْكُل مُهُور الْبَنَات كالفلاحين والاعراب، فَالْقَوْل بتضمينه إِذا مَاتَ مجهلا ظَاهر لانه غَاصِب من أول الامر، لانه إِنَّمَا قبض الْمهْر لنَفسِهِ لَا لبنته، فَلْيَكُن التعويل على هَذَا التَّفْصِيل وَمثله الْجد كَمَا مر اهـ. مُلَخصا. قَوْله: (فَإِنَّهَا تنْقَلب مَضْمُونَة بِالْمَوْتِ عَن تجهيل) وَيكون أُسْوَة الْغُرَمَاء. بيري على الاشباه. قَوْله: (ومفاوض) عطف خَاص وكمرتهن. أنقروي وَتقدم عَنهُ. قَوْله: (إلَّا فِي عَشْرٍ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) وعَلى مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيّ على الْوَهْبَانِيَّة تِسْعَة عشر كَمَا تقف عَلَيْهِ. وَفِيه شبه اعْتِرَاض على المُصَنّف حَيْثُ اقْتصر فِي الِاسْتِثْنَاء على ثَلَاثَة والسبعة الْبَاقِيَة ذكرهَا فِي الاشباه صَارَت عشرَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 وَعبارَة الاشباه: الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَالْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ، وَالْوَارِثُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا أُودِعَ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ، وَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ أَوْ لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَإِذَا مَاتَ الصَّبِي مجهلا لما أودع عِنْده مَحْجُورا. اهـ مُلَخصا. وَقدمنَا قَرِيبا ذكر الاب وَالْجد فَلَا تنسه، وَمن السَّبْعَة الْبَاقِيَة أحد الْمُتَفَاوضين، وَيَأْتِي للشَّارِح اعْتِمَاد الضَّمَان. وَنَذْكُر تَمَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (نَاظر أودع غلات الْوَقْف) عبارَة الدُّرَر قبض وَهِي أولى. تَأمل. وَالَّذِي فِي الاشباه: النَّاظر إِذا مَاتَ مجهلا غلات الْوَقْف، ثمَّ كَلَام المُصَنّف عَام فِي غلات الْمَسْجِد وغلات الْمُسْتَحقّين. أَقُول: هَكَذَا أطلقت الْمَسْأَلَة فِي كثير من الْكتب، وَوَقع فِيهَا كَلَام وَجْهَيْن: الاول: أَن قاضيخان قيد ذَلِك بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ من غير بَيَان، أما إِن كَانَتْ الْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةً لِقَوْمٍ بِالشَّرْطِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَقفا على أَخَوَيْنِ غَابَ أَحدهمَا وَقبض الْحَاضِر غَلَّتَهَا تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ وَتَرَكَ وَصِيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَطَالَبَ الْوَصِيَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا كَانَ الْحَاضِرُ الَّذِي قَبَضَ الْغَلَّةَ هُوَ الْقَيِّمَ على هَذَا الْوَقْف كَانَ للْغَائِب أَن يرجع فِي تَرِكَة الْمَيِّت بِحِصَّتِهِ من الْغلَّة، وَإِن لم يكن هُوَ الْقَيِّمَ إلَّا أَنَّ الْأَخَوَيْنِ آجَرَا جَمِيعًا فَكَذَلِك، وَإِن أجرا لحاضر كَانَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يطيب لَهُ انْتهى كَلَامه. وَهَذَا مُسْتَفَاد من قَوْلهم غلَّة الْوَقْف وَمَا قبض فِي يَد النَّاظر لَيْسَ غلَّة النَّاظر بَلْ هُوَ مَالُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالشَّرْطِ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ: وَغَلَّةُ الْوَقْفِ يملكهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن لم يقبل انْتهى. وَيَنْبَغِي أَن يلْحقهُ بغلة الْمَسْجِد مَا إِذا شَرط ترك شئ فِي يَد النَّاظر للعمارة، وَالله أعلم. كَذَا حَرَّره شيخ مَشَايِخنَا منلا عَليّ رَحمَه الله تَعَالَى. الثَّانِي: أَن الامام الطرسوسي فِي أَنْفَع الْوَسَائِل ذكر بحثا أَنه يضمن إِذا طَالبه الْمُسْتَحق وَلم يدْفع لَهُ ثمَّ مَاتَ بِلَا بَيَان، أما إِذا لم يُطَالب: فَإِنْ مَحْمُودًا مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضمن، وَأقرهُ فِي الْبَحْر على تَقْيِيد ضَمَانه بِالطَّلَبِ: أَي فَلَا يضمن بِدُونِهِ. أما بِهِ فَيضمن وَهُوَ ظَاهر. وَبِه أفتى الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الحائك، لَكِن ذكر الشَّيْخ صَالح فِي زواهر الْجَوَاهِر أَنه يضمن وَإِن لم يُطَالِبهُ الْمُسْتَحق، لَان لما مَاتَ مجهلا فقد ظلم، وَقَيده بحثا بِمَا إِذا لم يمت فَجْأَة، أما إِذا مَاتَ على غَفلَة لَا يضمن لعدم تمكنه من الْبَيَان، بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ بِمَرَض وَنَحْوه وَأقرهُ الشَّارِح، وَعدم تمكنه من الْبَيَان لَو مَاتَ فَجْأَة إِنَّمَا يظْهر لَو مَاتَ عقب قَبضه الْغلَّة كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِل: أَن الْمُتَوَلِي إِذا قبض غلَّة الْوَقْف ثمَّ مَاتَ مجهلا بِأَن لم تُوجد فِي تركته وَلم يعلم مَا صنع بهَا لَا يضمنهَا فِي تركته مُطلقًا كَمَا هُوَ الْمُسْتَفَاد من أغلب عباراتهم، وَلَا كَلَام فِي ضَمَانه بعد طلب الْمُسْتَحق وَلَا فِي عدم ضَمَانه لَو كَانَت الْغلَّة لمَسْجِد، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيمَا لَو كَانَت غلَّة وقف لَهَا مستحقون مالكون لَهَا هَل يضمنهَا مُطلقًا على مَا يفهم من تَقْيِيد قاضيخان، أَو إِذا كَانَ غير مَحْمُود وَلَا مَعْرُوف بالامانة كَمَا بَحثه الطرسوسي، أَو إِذا كَانَ مَوته بعد مرض لَا فَجْأَة كَمَا بَحثه فِي الزواهر؟ فَلْيتَأَمَّل، وَهَذَا كُله فِي غلَّة الْوَقْف. أما لَو مَاتَ مجهلا لمَال الْبَدَل: أَي لثمن الارض المستبدلة أَو لعين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 الْوَقْف فَإِن يضمن بِمَوْتِهِ مجهلا بالاولى كَمَا قَالَ الشَّارِح عَن المُصَنّف، وَبِه يعلم أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، فَتنبه. قَوْله: (لِأَنَّ النَّاظِرَ لَوْ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الْبَدَلِ ضمنه) أما لَو علم ضيَاعه لَا يضمن. قَالَ فِي الْبَحْر عَن الْمُحِيط: لَو ضَاعَ الثّمن من المستبدل لَا ضَمَان عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا صَرِيح فِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير، فَلَا يشْتَرط كَون الْبَدَل عقارا، وَهُوَ يُنَافِي مَا قدمه فِي الْوَقْف من اشْتِرَاط كَون الْبَدَل عقارا، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط. أَقُول: لَكِن قدم الشَّارِح فِي الْوَقْف عَن الاشباه أَنه لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ. قلت: لَكِن فِي معروضات الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود أَنه فِي سنة 159 ورد الامر الشريف بِمَنْع استبداله وَأمر بِأَن يصير بِأَمْر السُّلْطَان تبعا لترجيح صدر الشَّرِيعَة اهـ فَلْيحْفَظ اهـ. وَنَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه. أَقُول: وَعَلِيهِ الْمعول. قَوْله: (أشباه) قَالَ محشيه الْحَمَوِيّ: الْبَدَل بِالدَّال الْمُهْملَة ثمن أَرض الْوَقْف إِذا بَاعهَا بمسوغ الِاسْتِبْدَال كَمَا صرح بِهِ فِي الْخَانِية، قيد بالتجهيل إِذْ لَو علم ضيَاعه لَا يضمن. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِن المَال فِي يَد المستبدل أَمَانَة لَا يضمن بضياعه اهـ. وَإِنَّمَا ضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل لانه الاصل فِي الامانات إِذا حصل الْمَوْت فِيهَا عَن تجهيل، فَافْهَم. وَيُسْتَفَاد من قَوْلهم إِذا مَاتَ مجهلا لمَال الْبَدَل يضمن جَوَاب وَاقعَة الْفَتْوَى، وَهِي أَن الْمولى إِذا مَاتَ مجهلا لعين الْوَقْف كَمَا إِذا كَانَ الْوَقْف دَرَاهِم أَو دَنَانِير على القَوْل بِجَوَازِهِ وَعَلِيهِ عمل الرّوم أَن يكون ضَامِنا، لانه إِذا كَانَ يضمن بتجهيل مَال الْبَدَل فبتجهيل عين الْوَقْف أولى. ذكره المُصَنّف فِي منحه مَعَ زِيَادَة إِيضَاح. قَوْله: (على القَوْل بِجَوَازِهِ) حَيْثُ جرت بِهِ الْعَادة وَعَلِيهِ عمل أهل الرّوم كَمَا علمت. قَوْله: (قَالَه المُصَنّف) أَي فِي منحه. قَوْله: (وَأقرهُ ابْنه) الشَّيْخ صَالح. قَوْله: (وَقيد) أَي صَاحب الزواهر. قَوْله: (مَوته بحثا بِالْفَجْأَةِ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيَانِ فَلَمْ يَكُنْ حَابِسًا ظُلْمًا. قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ مَاتَ فَجْأَة عقب الْقَبْض. تَأمل. وَهَذَا رَاجع إِلَى الْمَتْن فِي الْبَحْث فِي غلَّة الْمُسْتَحقّين كَمَا يفِيدهُ كَلَامه الَّذِي رد بِهِ على الطرسوسي لَا إِلَى مَال الْبَدَل وَعين الْوَقْف، حَيْثُ قَالَ: لَكِن يَقُول العَبْد الضَّعِيف: يَنْبَغِي أَن يُقَال: إِذا مَاتَ فَجْأَة على غَفلَة لَا يضمن لعدم تمكنه من بَيَانهَا فَلم يكن حابسا ظلما، وَإِن مَاتَ بِمَرَض وَنَحْوه فَإِنَّهُ يضمن لانه تمكن من بَيَانهَا وَلم يبين وَكَانَ مَانِعا لَهَا ظلما فَيضمن اهـ. وَكَانَ الاولى تَقْدِيم هَذِه الْمَسْأَلَة هُنَاكَ. قَوْله: (ورد مَا بَحثه فِي أَنْفَع الْوَسَائِل) كَمَا سمعته قَرِيبا وَمَا ذكره ابْن المُصَنّف من الرَّد. وَحَاصِل مَا ذكره بحثا تَفْصِيلًا: إِن حصل طلب الْمُسْتَحقّين مِنْهُ المَال وَأخر حَتَّى مَاتَ مجهلا يضمن، وَإِن لم يحصل طلب مِنْهُ وَمَات مجهلا يَنْبَغِي أَن يُقَال أَيْضا: إِن كَانَ مَحْمُودًا بَين النَّاس مَعْرُوفا بالديانة والامانة لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن كَذَلِك وَمضى زمَان وَالْمَال فِي يَده وَلم يفرقه وَلم يمنعهُ من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 ذَلِك مَانع شَرْعِي يضمن، وَمَا ذكره الشَّيْخ صَالح ابْن المُصَنّف هُوَ قَوْله. أَقُول: هُوَ لما مَاتَ مجهلا فقد ظلم وَقصر حَيْثُ لم يبين قبل مَوته فَكَانَ حابسا لَهَا ظلما فَيضمن سَوَاء طلب مِنْهُ أَو لَا، وَلَا دخل لكَونه مَحْمُودًا أَو غير مَحْمُود، وَلَو كَانَ مَحْمُودًا لبينها قبل مَوته فِي مَرضه وخلص نَفسه، فالحسن مَا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ الاعلام، ثمَّ ذكر بَحثه السَّابِق. قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: الْعَمَل بإطلاقهم مُتَعَيّن، وَلَا نظر لما قَالَه الطرسوسي، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال ذَلِك فِيمَا قَالَ ابْن المُصَنّف فِي زواهر. اهـ. ثمَّ إِن هَذَا من الْمُؤلف خلط مقَام بمقام فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي عدم ضَمَانه بِمَوْتِهِ مجهلا غلات الْمَسْجِد، وَأما إِذا مَاتَ مجهلا اسْتِحْقَاق الْمُسْتَحقّين فَفِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ، وَمَا عَلَيْهِ مَشَايِخ الْمَذْهَب أَنه يضمن مُطلقًا خلافًا لتفصيل الطرسوسي. وَالْحَاصِل: أَن بحث الطرسوي وَصَاحب الزواهر فِي غلَّة الْمُسْتَحقّين، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا من حَاصِل الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالسَّلَام. قَوْله: (وَمِنْهَا قَاض مَاتَ مجهلا لاموال الْيَتَامَى) قَالَ المُصَنّف فِي شرح تحفة الاقران إِذا خلط الامين بعض أَمْوَال النَّاس بِبَعْض أَو الامانة بِمَالِه فَإِنَّهُ ضَامِن، إِلَّا فِي مسَائِل: لَا يضمن الامين بالخلط القَاضِي إِذا خلط مَاله بِمَال غَيره أَو مَال رجل آخر، وَالْمُتوَلِّيّ إِذا خلط مَال الْوَقْف بِمَال نَفسه وَقيل يضمن. اهـ. وَاعْلَم مَا ذكره المُصَنّف تبع فِيهِ الاشباه من أَن القَاضِي إِذا مَاتَ مجهلا أَمْوَال الْيَتَامَى لَا يضمن، لكنه مُخَالف لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من السَّابِع وَالْعِشْرين: لَو وضع قَاض مَال الْيَتِيم فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُودَعٌ، وَلَو دَفعه القَاضِي إِلَى قوم ثِقَة وَلَا يدْرِي إِلَى من دفع لم يضمن إِذْ الْمُودع غَيره. اهـ. تَأمل. وَفِيه أَيْضا: وَلَا يضمن الْوَصِيّ بِمَوْتِهِ مجهلا، وَلَو خلطاه بِمَالِه ضمن وَضمن الاب بِمَوْتِهِ مجهلا، وَلَو وضع القَاضِي مَال الْيَتِيم فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُودَعٌ الخ. أَقُول: لَعَلَّ وَجْهَ الضَّمَانِ كَوْنُهَا لَا تَتَخَطَّى الْوَرَثَةَ فالغرم بالغنم، وَيظْهر من هَذَا الْوَصِيَّ إذَا وَضَعَ مَالِ الْيَتِيمِ فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ تَكُونُ مُسْتَمَدَّةً مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْأَبِ فَضَمَانُهُ بِالْأَوْلَى. وَفِي الْخَيْرِيَّة: وَفِي الْوَصِيّ قَول بِالضَّمَانِ. وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأَقُول: وَكَذَا الْغَاصِب كَمَا ذكره الْكَمَال فِي فصل الشَّهَادَة على الارث، وَكَذَا الْمُسْتَأْجر كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة فِي مسَائِل موت أحد الْمُتَعَاقدين أَيْضا. قَوْله: (ولابد مِنْهُ) وَيُؤَيِّدهُ قَول جَامع الْفُصُولَيْنِ: مَاتَ الْمُودع وَلَا تَدْرِي الْوَدِيعَة بِعَينهَا صَارَت دينا فِي مَاله، وَكَذَا كل شئ أَصله أَمَانه وتفصيل الاشباه وَعبارَة الظَّهِيرِيَّة والفصولين. قَوْله: (لانه وَضعهَا فِي بَيته وَمَات مجهلا ضمن) وَقدمنَا وَجهه، وَكَذَا إِذا جن جنونا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، كَذَا فِي شرح البيري معزيا لخزانة الاكمل. أَبُو السُّعُود. لَكِن ذكر قاضيخان عَن إِبْرَاهِيم بن رستم: لَو مَاتَ القَاضِي وَلم يبين مَا عِنْده من مَال الْيَتِيم لَا يضمن. شرنبلالية وَفِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا قبض مَاله وَوَضعه فِي منزله وَلَا يدْرِي أَيْن وَضعه وَمَات يضمن إِلَّا إِذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 قَالَ للْقَاضِي حَال حَيَاته ضَاعَ أَو أنفقته عَلَيْهِ لَا يضمن. اهـ. فَتَأمل. قَوْله: (وَمِنْهَا سُلْطَان أودع الخ) وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون قبل الْقِسْمَة. أَقُول: وَكَذَا إِذا مَاتَ مجهلا أَمْوَال الْيَتِيم عِنْده كَمَا فِي الْعمادِيَّة. قَالَ ط وَمِنْهَا: الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَمِنْهَا: الاب إِذا مَاتَ مجهلا مَال ابْنه. وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ الْوَارِث مجهلا مَا أودع عِنْد مُوَرِثه، وَهَذِه لم يعزها صَاحب الاشباه لَاحَدَّ. وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ مجهلا مَا ألقته الرّيح فِي بَيته. وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ مجهلا لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَذَا فِي الاشباه. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: وَالصَّوَاب بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، إذْ يَسْتَحِيل تجهيل مَا لَا يُعلمهُ. وَمِنْهَا: إِذا مَاتَ الصَّبِي مجهلا لما أودع عِنْده مَحْجُورا لانه لم يلْتَزم الْحِفْظ وَهِي السِّتَّة تَمام الْعشْرَة، وَكَذَلِكَ إِذا بلغ ثمَّ مَاتَ إِلَّا أَن يشْهدُوا أَنَّهَا فِي يَده بعد الْبلُوغ لزوَال الْمَانِع وَهُوَ الصِّبَا، وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِك. وَذكر البيري أَنه إِذا مَاتَ الصَّبِي بعد الْبلُوغ وَلم يدر مَتى هَلَكت الْوَدِيعَة وَلم يعلم كَيفَ حَالهَا لم يُوجب القَاضِي ضمانا فِي مَاله بِالْعقدِ الْمَوْقُوف حَتَّى يُقيم الْمُدعى بَيِّنَة يشْهدُونَ أَنهم رأوها فِي يَده بعد الْبلُوغ اهـ. قَوْله: (وَلَيْسَ مِنْهَا مَسْأَلَة أحد الْمُتَفَاوضين) ذكر مُحَمَّد فِي كتاب شركَة الاصل مَسْأَلَة رَابِعَة، وَهِي أَن أحد الْمُتَفَاوضين إِذا مَاتَ وَلم يبين المَال الَّذِي كَانَ فِي يَده لم يضمن نصيب شَرِيكه كَمَا فِي المنبع نقلا عَن تَهْذِيب الْوَاقِعَات للحسام الشَّهِيد. وَهَكَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة. وَلَكِن فِي فَتَاوَى قاضيخان: وَأما أحد الْمُتَفَاوضين إِذا كَانَ المَال عِنْده وَلم يبين حَال المَال الَّذِي كَانَ عِنْده فَمَاتَ، ذكر بعض الْفُقَهَاء أَنه لَا يضمن وأحاله إِلَى شركَة الاصل وَذَلِكَ غلط، بل الصَّحِيح أَنه يضمن نصيب صَاحبه انْتهى. والعلامة الْكَمَال بن الْهمام قَالَ فِي كتاب الشّركَة: الامين إِذا مَاتَ مجهلا يضمن إِلَّا فِي ثَلَاث، وَجعل عدم ضَمَان المفاوض مِنْهَا، ثمَّ صرح فِي كتاب الْوَقْف بِأَن الْمُسْتَثْنى ثَلَاث وَسكت عَن ضَمَان المفاوض وَأورد بدله غَيره فليوفق. أَقُول: من الله التَّوْفِيق، وغايته الْحمل على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَكِن بِدَفْعِهِ تغليط قاضيخان عدم الضَّمَان ويصحح ضَمَان نصيب صَاحبه، وَيدل عَلَيْهِ مَا نَصه فِي الْقنية: مَاتَ أحد الْمُتَفَاوضين وَمَالُ الشَّرِكَةِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ مَاتَ مُجَهِّلًا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ مَاتَ مجهلا للعين انْتهى. فَظهر أَن هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَأَن مَا ذكره الْمُحَقق الْكَمَال ضَعِيف. قَالَ المُصَنّف تبعا للبحر: وَأما أحد الْمُتَفَاوضين إِذا كَانَ المَال عِنْده وَلم يبين حَال المَال الَّذِي كَانَ عِنْده فَمَاتَ ذكر بعض الْفُقَهَاء أَنه لَا يضمن وأحاله إِلَى شركَة الاصل وَذَلِكَ غلط، بل الصَّحِيح أَنه يضمن نصيب صَاحبه، كَذَا فِي الْخَانِية من الْوَقْف. وَبِه يَتَّضِح أَن مَا فِي الْفَتْح وَبَعض الْفَتَاوَى ضَعِيف وَأَن الشَّرِيك يكون ضَامِنا بِالْمَوْتِ عَن تجهيل عنانا أَو مُفَاوَضَة وَمَال الْمُضَاربَة مثل الشّركَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا لمَال الْمُضَاربَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة من النَّوْع الْخَامِس عشر فِي أَنْوَاع الدَّعَاوَى مَا نَصه: وَفِي دَعْوَى مَال الشّركَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 بِسَبَب الْمَوْت مجهلا لَا بُد أَن يبين أَنه مَاتَ مجهلا لمَال الشّركَة، وَأما المُشْتَرِي بمالها وَمَال الشّركَة مَضْمُون بِالْمثلِ وَالْمُشْتَرِي بمالها مَضْمُون بِالْقيمَةِ وَمثله مَال الْمُضَاربَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا بِمَال الْمُضَاربَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها وَهَذَا صَرِيح فِي الضَّمَان فَإِذا أقرّ فِي مَرضه أَنه ربح ألفا ثمَّ مَاتَ من غير بَيَان لَا ضَمَان، إِلَّا إِذا أقرّ بوصولها إِلَيْهِ كَمَا فِي قاضيخان من كتاب الْمُضَاربَة. قَوْله: (لما نَقله المُصَنّف هُنَا وَفِي الشّركَة) وَنَقله صَاحب الْبَحْر فِي الشّركَة قَوْله: (أَنه يضمن نصيب شَرِيكه) عنانا أَو مُفَاوَضَة، وَمَال الْمُضَاربَة مثل مَال الشّركَة إِذا مَاتَ الْمضَارب مجهلا كَمَا علمت. قَوْله: (وَأقرهُ محشوها) أَي أقرّ الصَّوَاب. محشو الاشباه. قَوْله: (فَبَقيَ الْمُسْتَثْنى تِسْعَة) أَي بِخُرُوج الشَّرِيك من الْعشْرَة وَهِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي المُصَنّف والستة الْمَذْكُورَة فِي الاشباه. قَوْله: (وَزَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ عَلَى الْعَشَرَةِ) أَي بِزِيَادَة مَسْأَلَة أحد الْمُتَفَاوضين على مَا تقدم. قَوْله: (الْجد) قلت: يفهم من ذكر الاب، فَإِن أَحْكَامه أَحْكَامه إِلَّا فِيمَا اسْتثْنى وَهَذِه لَيست مِنْهَا، وَقدمنَا ذكرهمَا. قَوْله: (ووصيه ووصي القَاضِي) هما داخلان فِي الْوَصِيّ فِي كَلَام الاشباه فَلَا وَجه لزِيَادَة مَا ذكر، إلَّا أَنْ يُقَالَ: حَمَلَهُ عَلَى وَصِيِّ الْأَبِ لبَيَان التَّفْصِيل للايضاح، فَتَأمل. قَوْله: (وَسِتَّة من المحجورين) أَي وَالسَّابِع وَهُوَ الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ مَذْكُور هُنَا. قلت: هِيَ تعلم من ذكر الصَّبِي ط: أَي لَو أودع عِنْدهم وماتوا مجهلين فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم والستة من المحجورين وهم مَا عدا الصُّغْرَى، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ، وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ، فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (لَان الْحجر يَشْمَل سَبْعَة) أَي وَقد قدمنَا مَا لَو كَانَ الْمُودع صَبيا وَهِي من الصُّور الَّتِي ذكرهَا فِي الاشباه وَلم يذكرهَا شَارحنَا هُنَا. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي الْحجر لصِغَر مَسْأَلَة الصغر مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يَقُول: عَدَّهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ بَلَغَ ثُمَّ مَاتَ لَا يضمن) . تَأمل. أَو يُقَال: إِن مُرَاده مُجَرّد المحجورين سَبْعَة وَأَن مُرَاده سِتَّة مِنْهُم مَا عدا الصغر لانه مَذْكُور فِي الاشباه، وَلذَلِك قَالَ: وَسِتَّة من المحجورين. قَوْله: (ورق) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة لَو أَن عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ أودعهُ رجل مَالا ثمَّ أعْتقهُ الْوَلِيّ ثمَّ مَاتَ وَلم يبين الْوَدِيعَة فالوديعة دين فِي مَاله سَوَاء شهد الشُّهُود بِقِيَام الْوَدِيعَة بعد الْعتْق أم لَا، وَإِن مَاتَ وَهُوَ عبد فَلَا شئ على مَوْلَاهُ، إِلَّا أَن تعرف الْوَدِيعَة فَترد على صَاحبهَا. اهـ. قَوْلُهُ: (وَدَيْنٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْتُوه كصبي) قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: أَوْدَعَ صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَاتَ قَبْلَ بُلُوغه مجهلا لَا يجب الضَّمَان انْتهى. وَلَعَلَّه قصد بكاف التَّشْبِيهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْوَجِيزِ تَأمل. وَعلل فِي الْوَجِيز شرح الْجَامِع الْكَبِير عدم ضَمَانه بِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْحِفْظ، ثمَّ قَالَ: وَإِن بلغ ثمَّ مَاتَ فَكَذَلِك إِلَّا أَن يشْهدُوا أَنَّهَا فِي يَده بعد الْبلُوغ لزوَال الْمَانِع وَهُوَ الصِّبَا. وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِك، فَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهما فِي ذَلِك ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا اهـ. وَبِه تتضح عبارَة الشَّارِح. قَوْله: (وَإِن بلغ) أَي الصَّبِي وَمثله إِذا أَفَاق الْمَعْتُوه كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 سلف. قَوْله: (مَأْذُونا لَهما) أَي فِي التِّجَارَة كَمَا فِي البيري عَن خزانَة الاكمل، أَو فِي قبُول الْوَدِيعَة كَمَا فِي الْوَجِيز، فَإِن عِبَارَته كَمَا فِي الْحَمَوِيّ: فَإِن كَانَا مَأْذُونا لَهما فِي ذَلِك ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا اهـ. وَنَصّ فِي الْهِنْدِيَّة على ضَمَانه فِي الصُّورَتَيْنِ إِجْمَاعًا ط. قَوْله: (ثمَّ مَاتَا قبل الْبلُوغ والافاقة ضمنا) هَذَا نشر على سَبِيل اللف، وَهَذِه ثَمَرَة تَشْبِيه الشَّارِح الْمَعْتُوه بِالصَّبِيِّ دون غَيره، لَا أَن ثَمَرَته جعل السَّبْعَة سِتَّة بتداخل العته فِي الصغر لَان الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ من عشرَة. الاشباه قَوْله: (شرح الْجَامِع) أَي الْكَبِير، وَقَوله: (الْوَجِيز) بدل من شرح فَإِن اسْمه الْوَجِيز. قَوْله: (قَالَ) أَي الشُّرُنْبُلَالِيّ فَبلغ: أَي الْمُسْتَثْنى. قَوْله: (تِسْعَة عشر) أَي بِنَاء على عد المفاوض مِنْهَا وَهُوَ غلط كَمَا تقدم نَقله عَن قاضيخان. قَوْله: (ونظم الخ) أَي نظم التِّسْعَة وَبَقِيَّة عشرَة. الاشباه. قَوْله: (وَهِي) أَي الابيات الاربعة الاولان لِابْنِ وهبان. قَوْله: (وَالْعين) مفعول مقدم ليحصر وَالْجُمْلَة حَال: أَي كل أَمِين مَاتَ وَالْحَال أَنه يحوز الْعين، وَمَا وجدت تِلْكَ الْعين بِعَينهَا فَتَصِير دينا فضمير وجدت وَتصير راجعان إِلَى الْعين، وَكلمَة مَا نَافِيَة وَضمير يحصر للامين، وَمَعْنَاهُ يحفظ. قَوْله: (وَمَا وجدت) أَي الْعين الامانة عينا: أَي مُعينَة مشخصة. قَوْله: (تصير) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول. قَوْله: (ثمَّ مفاوض) هَذَا على خلاف الْمُعْتَمد كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (ومودع) بِكَسْر الدَّال اسْم فَاعل، من أودع: أَي سوى مُودع مَال الْيَتِيم: يَعْنِي إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو وغنموا فأودع بعض الْغَنِيمَة عِنْد الْغَانِمين وَمَات وَلم يبين عِنْد من أودع لَا ضَمَان عَلَيْهِ. قَالَه أَبُو الطّيب. قَوْله: (وَهُوَ المؤمر) أَي الَّذِي جعل أَمِيرا على الْجَيْش فَإِن ذَلِك لَهُ قبل الْقِسْمَة، فالمؤمر بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول. قَوْله: (أَلْقَت الرّيح) أَي فِي تِلْكَ الدَّار شَيْئا. قَوْله: (لَو القاه) بدرج الْهمزَة. قَوْله: (ملاك) جمع مَالك. قَوْله: (بهَا) أَي بِالدَّار. قَوْله: (لَيْسَ يَشْعُرُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ حَيْثُ قَالَ لغير عِلْمِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إذْ يَسْتَحِيلُ تَجْهِيلُ مَا لَا يُعلمهُ اهـ. وقدمناه قَرِيبا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي النَّظْمِ لَيْسَ يَأْمر. قَوْله: (جَمِيعًا) يَعْنِي أَن وَصِيّ الاب وَالْجد وَالْقَاضِي لَا يضمن، وَلَيْسَ المُرَاد أَن الْجَمِيع أوصوا إِلَيْهِ، وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك، وَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (ومحجور) بأنواعه السَّبْعَة، فَإِن كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْجُورِ سِتَّةً كَمَا قَدَّمَهُ يكون الْمَوْجُودُ فِي النَّظْمِ سَبْعَةَ عَشَرَ. تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فوارث) بِغَيْر تَنْوِين: أَي إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَخْبَرَهُ الْمُوَرِّثُ بِهِ من الْوَدِيعَة. قَوْله: (يسطر) خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي وَهَذَا يسطر لحفظه ويسطر مخفف. قَالَ ابْن الشّحْنَة: وَفِي التَّبْيِين قَاعِدَة اسْتثْنى مِنْهَا مسَائِل، فالقاعدة قَالَ فِي الْبَدَائِع: لَو مَاتَ الْمضَارب وَلم يُوجد مَال الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ يعود دينا فِيمَا خلف الْمضَارب، وَكَذَا الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وكل من كَانَ المَال فِي يَده أَمَانَة إِذا مَاتَ قبل الْبَيَان، وَلَا تعرف الامانة بِعَينهَا فَإِنَّهُ يكون عَلَيْهِ دينا فِي تركته لانه صَار بالتجهيل مُسْتَهْلكا للوديعة وَلَا تصدق ورثته على الْهَلَاك وَالتَّسْلِيم إِلَى رب المَال، وَلَو عين الْمَيِّت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 المَال فِي حَال الْحَيَاة أَو علم ذَلِك تكون تِلْكَ الامانة فِي يَد وَصِيّه أَو يَد وَارثه كَمَا كَانَت فِي يَده، ويصدقون على الْهَلَاك وَالدَّفْع إِلَى صَاحبه كَمَا يصدق الْمَيِّت فِي حَال حَيَاته. والمسائل الثَّلَاثَة المستثناة ذكرهَا بعد الْقَاعِدَة فِي التَّتِمَّة نَاقِلا عَن واقعات الناطفي، الامانات تنْقَلب مَضْمُونَة بِالْمَوْتِ إِذا لم يبين إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل: إِحْدَاهَا: مُتَوَلِّي الاوقاف إِذا مَاتَ وَلم يعرف حَال غَلَّتهَا الَّذِي أَخذ وَلم يبين لَا ضَمَان عَلَيْهِ. الثَّانِيَة: إِذا خرج السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو وغنموا فأودع بعض الْغَنِيمَة عِنْد بعض الْغَانِمين وَمَات وَلم يبين عِنْد من أودع لَا ضَمَان عَلَيْهِ. الثَّالِثَة: أَن أحد الْمُتَفَاوضين إِذا مَاتَ وَفِي يَده مَال الشّركَة اهـ. وَقد علم ذَلِك مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا. قَوْله: (وَكَذَا لَو خلطها الْمُودع) خلط مجاورة كقمح بقمح أَو ممازجة كمائع بمائع. اعْلَم أَن الْخَلْط على أَرْبَعَة أوجه: خلط بطرِيق الْمُجَاورَة مَعَ تيَسّر التَّمْيِيز كخلط الدَّرَاهِم الْبيض بالسود وَالدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ والجوز باللوز وَأَنه لَا يقطع حق الْمَالِك بالاجماع، وَلَو هلك قبل التَّمْيِيز هلك أَمَانَة كَمَا لَو هلك قبل الْخَلْط. وخلط بطرِيق الْمُجَاورَة مَعَ تعسر التَّمْيِيز كخلط الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ، وَذَلِكَ يقطع حق الْمَالِك وَيُوجب الضَّمَان فِي الصَّحِيح، وَقيل لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك عَن الْمَخْلُوط بالاجماع هُنَا وَيكون لَهُ الْخِيَار. وَقيل الْقيَاس أَن يكون الْمَخْلُوط ملكا للخالط عِنْد أبي حنيفَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يصير. وخلط الْجِنْس بِخِلَافِهِ ممازجة كخلط الْخلّ بالشيرج وَهُوَ دهن السمسم والخل بالزيت وكل مَائِع بِغَيْر جنسه وَإنَّهُ يُوجب انْقِطَاع حق الْمَالِك إِلَى الضَّمَان بالاجماع. وخلط الْجِنْس بِالْجِنْسِ ممازجة كخلط دهن اللوز بدهن اللوز أَو دهن الْجَوْز بدهن الْجَوْز أَو اللَّبن بِاللَّبنِ أَو خلط الْجِنْس بِالْجِنْسِ مجاورة كخلط الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ أَو الشّعير بِالشَّعِيرِ أَو الدَّرَاهِم الْبيض بِالدَّرَاهِمِ الْبيض أَو السود بالسود، فَعِنْدَ أبي حنيفَة هُوَ اسْتِهْلَاك مُطلقًا لَا سَبِيل لصَاحبه، إِلَّا تضمين الْمُودع مثله أَو قِيمَته وَصَارَ الْمَخْلُوط ملكا للخالط، وَلَا يُبَاح لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ سَقَطَ حَقه من الْعين وَالدّين وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِع ملك الْمَالِك عَن الْمَخْلُوط بل لَهُ الْخِيَار، إِن شَاءَ ضمن الخالط مثله، وَإِن شَاءَ شَاركهُ فِي الْمَخْلُوط بِقدر دَرَاهِمه، لانه يُمكنهُ الْوُصُول إِلَى عين حَقه صُورَة وَأمكنهُ معنى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ استهلاكا من وَجه فيميل إِلَى أَيهمَا شَاءَ لَان الْقِسْمَة فِيمَا لَا تَتَفَاوَت آحاده إِفْرَاز وَتَعْيِين حَتَّى ملك كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ أَن يَأْخُذ حِصَّته عينا من غير قَضَاء وَلَا رضَا، فَكَانَ إِمْكَان الْوُصُول إِلَى عين حَقه قَائِما معنى فَيُخَير. وَله أَنه اسْتِهْلَاك من كل وَجه لانه فعل يتَعَذَّر مَعَه الْوُصُول إِلَى عين حَقه وَلَا يكون الِاسْتِهْلَاك من الْعباد أَكثر من ذَلِك، لَان إعدام الْمحل لَا يدْخل تَحت قدرتهم فَيصير ضَامِنا زَيْلَعِيّ ومسكين. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه جعل الاقل تَابعا للاكثر. وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى: يُشَارِكهُ بِكُل حَال، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي كل مَائِع خلطه بِجِنْسِهِ يعْتَبر الاكثر وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول بِانْقِطَاع حق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 الْمَالِك فِي الْكل، وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى بالتشريك فِي الْكل. هندية. وَلَوْ خَلَطَ الْمُتَوَلِّي مَالَهُ بِمَالِ الْوَقْفِ لَمْ يَضْمَنْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ ضَمِنَ. وَطَرِيقُ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَان الصّرْف فِي حَاجَة الْمَسْجِد أَو الرّفْع إلَى الْحَاكِمِ. مُنْتَقَى. الْقَاضِي لَوْ خَلَطَ مَالَ صَبِيٍّ بِمَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا سِمْسَارٌ خَلَطَ مَال رجل بِمَال آخر، وَلَو بِمَالِه ضَمِنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي كَذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا، وَلَوْ خَلَطَ بِمَالِهِ ضَمِنَ. يَقُولُ الْحَقِيرُ: وَقَدْ مَرَّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَضْمَنْ. وَفِي الْوَجِيزِ أَيْضًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ نُورُ الْعَيْنِ من أَوَاخِر السَّادِس وَالْعِشْرين. وبخط السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ: وَفِي الْوَصِيِّ قَوْلٌ بِالضَّمَانِ اهـ. قُلْت: فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَجَّحَ عَدَمُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ لَا يَضْمَنُ بِالْخَلْطِ بِمَالِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَالسِّمْسَارُ بِمَالِ رَجُلٍ آخَرَ وَالْوَصِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْأَبَ كَذَلِكَ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَا يَصِيرُ الْأَبُ غَاصِبًا بِأَخْذِ مَالِ وَلَدِهِ، وَله أَخذه بِلَا شئ لَوْ مُحْتَاجًا وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَهُ لِحِفْظِهِ فَلَا يضمن إِلَّا إِذا أتْلفه بِلَا حَاجَة اهـ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيِّ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَدِهِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو خلطت الْفضة بعد الاذابة صَار من الْمَائِعَات لانه مَائِع حَقِيقَة عِنْد الْخَلْط فَيكون على الْخلاف الْمَذْكُور كَذَا فِي التَّبْيِين. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَو كَانَ عِنْده حِنْطَة وشعير لوَاحِد فخلطهما ضمنهما كَذَا فِي التاترخانية، وَإِن كَانَ الَّذِي خلط الْوَدِيعَة أحدا من هُوَ فِي عِيَاله كزوجته وَابْنه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالضَّمان على الخالط. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا سَبِيل للْمُودع وَالْمُودع على الْعين إِذا خلطها الْغَيْر ويضمنان الخالط. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى: إِن شاءا ضمنا الخالط وَإِن شاءا أخذا الْعين وَكَانَا شَرِيكَيْنِ سَوَاء كَانَ الخالط كَبِيرا أَو صَغِيرا. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج، حرا كَانَ أَو عبدا. كَذَا فِي الذَّخِيرَة. وَقد قَالُوا: إِنَّه لَا يسع الخالط أكل هَذِه الدَّنَانِير حَتَّى يُؤَدِّي مثلهَا إِلَى أَرْبَابهَا، وَإِن غَابَ الَّذِي خلطها بِحَيْثُ لَا يقدر عَلَيْهِ، فَإِن تَرَاضيا على أَن يَأْخُذهَا أَحدهمَا وَقد دفع قيمَة مَالا الآخر جَازَ، وَإِن أَبَيَا ذَلِك أَو أَبى أَحدهمَا وَقَالا نبيع ذَلِك فباعاها ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الثّمن بِحِصَّتِهِ، فَإِن كَانَ الْمَخْلُوط حِنْطَة وشعيرا ضرب صَاحب الْحِنْطَة بِقِيمَتِهَا حِنْطَة مخلوطة وَضرب صَاحب الشّعير بِقِيمَة شعيره غير مخلوط. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج اهـ. قَوْله: (بِحَيْثُ لَا تتَمَيَّز) أَي أصلا كخلط الشيرج مَعَ الزَّيْت أَو مَعَ التعسر كَمَا مثل بِهِ الشَّارِح. ب قَوْله: (بكلفة كحنطة) وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ عَدَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ لَا عَدَمُ إمْكَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْله: (ضمنهَا لاستهلاكه بالخلط) وَإِذَا ضَمِنَهَا مَلَكَهَا، وَلَا تُبَاحُ لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أبي حنيفَة كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (وَصَحَّ الابراء) فَلَو أَبرَأَهُ سقط حَقه من الْعين وَالدّين كَمَا قدمنَا. قَوْله: (وَلَو خلطه) أَي الْجيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 قَوْله: (ضمنه) أَي الْجيد: أَي ضمن مثل الْجيد قَوْله: (وبعكسه) أَي لَو خلط ردئ الْوَدِيعَة بجيدها. قَوْلُهُ: (شَرِيكٌ) نَقَلَ نَحْوَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَنَصّ عِبَارَته: لَو خلط الْوَدِيعَة بِمَالِه حَتَّى لَا تتَمَيَّز يضمنهَا بِهِ وَلَا سَبِيل للْمُودع عَلَيْهَا. عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا يشركهُ إِلَى أَن ذكر، وَلَو صب الردئ على الْجيد يضمن مثل الْجيد لانه تعيب، وَفِي عَكسه كَانَ شَرِيكا لَان الردئ لَا يتعيب بالجيد اهـ. فقد عرفه على قَوْلهمَا الْقَائِلين بِأَن الْخَلْط سَبَب الشّركَة ثمَّ اسْتثْنى مِنْهَا مَا إِذا خلط الردئ بالجيد وَهُوَ صَحِيح كَمَا علمت مِمَّا قدمْنَاهُ. وَأما مَا ذكره هُنَا مَعَ اقْتِصَاره على قَول الامام فَإِنَّهُ لَا معنى لَهُ، لانه إِذا خلطه ملكه وَوَجَب ضَمَانه وَلَو أَبرَأَهُ عَنهُ طَابَ سَوَاء خلطه بالجيد أَو بالردئ أَو بالمماثل، إِلَّا أَن هَذَا فِي غَيْرِ الْوَدِيعَةِ أَوْ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ فِي الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الضَّمَان مُطلقًا إِذا كَانَ لَا يتَمَيَّز. تَأمل وتدبر. قَوْله: (لعدمه) أَي عدم التَّعَدِّي وَهُوَ عِلّة الْمَحْذُوف: أَي وَلَا يضمن. قَالَ فِي الْمنح: فَإِن هلك بَعْضهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمَالِ الْمُشْتَرك اهـ. قَوْله: (كَأَن انْشَقَّ الْكيس) فِي صندوقه فاختلط بدراهمه اشْتَركَا: أَي الْمُودع وَالْمُودع فِي الْمَخْلُوط، حَتَّى لَو هلك بَعْضهَا هلك من ماليهما دَرَاهِم، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لكل مِنْهُمَا. أَبُو السُّعُود. قَوْله: (وَلَو خلطها غير الْمُودع) أَي سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَمَا علمت. قَوْله: (ضمن الخالط) عِنْد الامام. وَقَالا: إِن شَاءَ ضمنهَا الخالط وَإِن شَاءَ أَخذ الْعين وَكَانَا شَرِيكَيْنِ كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (وَلَو صَغِيرا) لانه من التَّعَدِّي على أَمْوَال النَّاس، كَمَا لَو كسر زجاجات الْغَيْر فَإِن الضَّمَان عَلَيْهِ. قَوْله: (فَرد مثله) قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَرَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَوْ قَضَاهَا غَرِيمُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَردهَا على الْمُودع فَهَلَكت ضمن. تاترخانية قَوْله: (خلطا لَا يتَمَيَّز) أَي الْبَاقِي مَعَ الْخَلْط. قَوْله: (لخلط مَاله بهَا) قَالَ فِي الْبَحْر: ضمن الْكل الْبَعْض بالانفاق وَالْبَعْض بالخلط لانه مُتَعَدٍّ بالانفاق مِنْهَا، وَمَا رده بَاقٍ على ملكه. اهـ. قَوْله: (فَلَو تَأتي التَّمْيِيز) كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يقطع حق الْمَالِك بِإِجْمَاع كَمَا قدمْنَاهُ. قَوْله: (أَو أنْفق وَلم يرد) فَهَلَك الْبَاقِي لَا يضمن لانه حَافظ للْبَاقِي. قَوْله: (وَهَذَا إِذا لم يضرّهُ التَّبْعِيض) مُرْتَبِطٌ. بِقَوْلِهِ: أَوْ أَنْفَقَ وَلَمْ يَرُدَّ كَمَا فِي الْبَحْر. وَفِيه وَقيد بقوله: فَرد مثلهَا لانه لَو لم يرد كَانَ ضَامِنا لما أنْفق خَاصَّة لانه حَافظ للْبَاقِي، وَلم يتعيب لانه مِمَّا لَا يضرّهُ التَّبْعِيض، لَان الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير، أَو أَشْيَاء من الْمكيل وَالْمَوْزُون اهـ. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا يضْربهُ التَّبْعِيضُ هَلْ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ أَوْ مَا أَخَذَ ونقصان مَا بَقِي فيحرر اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 أَقُول: وتحريره مَا قَالَه الْعَلامَة أَبُو الطّيب: فردتا ظفار إِذا بَاعَ أَحدهمَا فعيب تعيب الثَّانِي أَو بَاعَ بعض الفردة فَيضمن الْكل اهـ. قَوْله: (وَإِذا تعدى) أَي الْمُودع عَلَيْهَا، أما إِذا هَلَكت من غير تعد فَلَا ضَمَان وَشَرْطُ الضَّمَانِ بَاطِلٌ كَشَرْطِ عَدَمِهِ فِي الرَّهْنِ. أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه. قَوْله: (أَو ركب دابتها) أَو استخدم عَبدهَا أَو أودعها غَيره. قَوْله: (حَتَّى زَالَ التَّعَدِّي) بِأَن رد الثَّوْب إِلَى مَكَانَهُ وَالدَّابَّة مربطها وَأخذ الْبَعْض برده إِلَى يَده وَترك اسْتِخْدَام العَبْد واسترد الْوَدِيعَة من الْغَيْر. قَوْله: (زَالَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الضَّمَان) وَهُوَ التَّعَدِّي، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذِه الزِّيَادَة لانها أدَّت إِلَى ركاكة عبارَة المُصَنّف، لانه يصير الْمَعْنى: ثمَّ زَالَ التَّعَدِّي زَالَ التَّعَدِّي، لَان مَا يُؤَدِّي إِلَى الضَّمَان هُوَ التَّعَدِّي، فَلَو أسْقطه لَكَانَ أحسن كَمَا وَقع فِي الْعَيْنِيّ والدرر حَيْثُ قَالَا: وَإِن زَالَ التَّعَدِّي زَالَ الضَّمَان، بِمَعْنى أَن الْوَدِيعَة إِذا ضَاعَت بعد الْعود إِلَى يَده لم يضمن خلافًا للشَّافِعِيّ. قَالَ الْعَيْنِيّ: لَان الضَّمَان وَجب دفعا للضَّرَر الْوَاقِع وَقد ارْتَفع بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق فَلَا يضمن، وَهَذَا مُقَيّد بِمَا لم ينقصها الِاسْتِعْمَال فَإِن نَقصهَا ضمن أَي النُّقْصَان لصيرورته حابسا لجزء مِنْهَا على وَجه التَّعَدِّي. وَكَذَا فِي شرح تنوير الاذهان، وَإِنَّمَا زَالَ الضَّمَان لانه مَأْمُور بِالْحِفْظِ فِي كل الاوقات، فَإِذا خَالف فِي الْبَعْض ثمَّ رَجَعَ أَتَى بالمأمور بِهِ، كَمَا إِذا اسْتَأْجرهُ للْحِفْظ شهرا فَترك الْحِفْظ فِي بعضه ثمَّ حفظ فِي الْبَاقِي اسْتحق الاجرة بِقَدرِهِ اهـ. منح. قَوْله: (إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ) فَلَو لبس ثوب الْوَدِيعَة ونزعه لَيْلًا وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا ثُمَّ سرق لَيْلًا لَا يبرأ عَن الضَّمَان. بَحر من الْجِنَايَات معزيا للظهيرية. وَلم يذكر المُصَنّف حكم دَعْوَاهُ الْعود هَل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ الْعود وَإِن لم يصدقهُ صَاحب الْوَدِيعَة، وَهُوَ مَذْكُور فِي الْعمادِيَّة، وعبارتها: وَلَو أقرّ الْمُودع أَنه استعملها ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا فَهَلَكت لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة. فَالْحَاصِل: أَن الْمُودع إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق إِنَّمَا يبرأ عَن الضَّمَان إِذا صدقه الْمَالِك فِي الْعود فَإِن كذبه لَا يبرأ إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق. وَرَأَيْت فِي مَوضِع آخر: الْمُودع إِذا خَالف ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق فكذبه الْمُودع فَالْقَوْل قَول الْمُودع كَمَا فِي الرَّهْن، بِخِلَاف مَا إِذا جحد الْوَدِيعَة أَو منعهَا ثمَّ اعْترف فَإِنَّهُ لَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية. قَوْله: (أشباه) عبارتها: قَالُوا فِي الْمُودع إِذا لبس ثوب الْوَدِيعَة ثمَّ نَزعه وَمن نِيَّته أَن يعود إِلَى لبسه لم يبرأ من الضَّمَان. اه. قَالَ البيري: هَذَا عَجِيب من الْمُؤلف حَيْثُ قَالَ: قَالُوا الْمشعر بِأَن ذَلِك قَول عُلَمَائِنَا كَافَّة مَعَ علمه بِأَن ذَلِك قَول لصَاحب الظَّهِيرِيَّة وتخريجه، وَقد نَقله عَنهُ فِيمَا يَأْتِي، وَنَصه: عِنْدِي الْمُودع إِذا لبس قَمِيص الْوَدِيعَة بِغَيْر إِذن الْمُودع فَنَزَعَهُ بِاللَّيْلِ للنوم فَسرق الْقَمِيص فِي اللَّيْل، فَإِن كَانَ من قَصده أَن يلبس الْقَمِيص من الْغَد لَا يعد هَذَا ترك الْخلاف حَتَّى لَا يضمن اهـ. وَبِه انْتهى كَلَام البيري. أَقُول: وَيُمكن أَنه أَتَى بِلَفْظ قَالُوا للتبري، وَيُؤَيّد ذَلِك قَول صَاحب الْبَحْر عقب ذكره عبارَة الْخُلَاصَة قَوْله فَرَاجعه. لَكِن قَالَ فِي الذَّخِيرَة: لَو وضع طبق وَدِيعَة على رَأس الْجب فَوَقع فِيهِ، إِن وضع على وَجه الِاسْتِعْمَال ضمن وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وضع طبق الْوَدِيعَة على رَأس الخابية ضمن لَو فِيهَا شئ يحْتَاج إِلَى التغطية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 كَمَاء ودقيق وَنَحْوه لانه اسْتِعْمَال صِيَانة لما فِيهَا لَا لَو لم يكن فِيهَا شئ، وَلَو وضع ثوبا على عجين ضمن للاستعمال. وضع الطشت على رَأس التَّنور ضمن لَو قصد التغطية، وَإِلَّا لَا، لانه مُسْتَعْمل فِي الاول لَا فِي الثَّانِي. اهـ. وَأَنت خَبِير بِأَن مَا فِي الذَّخِيرَة أَعم، فَتَأمل. مطلب: رجل تنَاول مَال إِنْسَان بِلَا أمره فِي حَيَاته ثمَّ رده لوَرثَته بعد مَوته فرع: رجل تنَاول مَال إِنْسَان فِي حَال حَيَاته ثمَّ رده إِلَى ورثته بعد مَوته يبرأ عَن الدّين وَيبقى حق الْمَيِّت فِي مظلمته إِيَّاه وَلَا يُرْجَى لَهُ الْخُرُوج عَنْهَا إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار للْمَيت وَالدُّعَاء لَهُ. اهـ. نور الْعين عَن الْخَانِية. قَوْله: (بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر) يَعْنِي إِذا تعدى فِي الْمُسْتَعَار وَالْمُسْتَأْجر بِأَن اسْتعَار ثوبا ليلبسه فلبسه يَوْمَيْنِ ونزعه للتسليم أَو اسْتَأْجر الدَّابَّة ليرْكبَهَا أَيَّامًا مَعْدُودَة أَو ليحمل عَلَيْهَا أمنانا مَعْلُومَة فركبها أَو حملهَا أَكثر مِنْهَا ثمَّ ردهَا كَمَا كَانَت لم يبرأ خلافًا لزفَر رَحمَه الله تَعَالَى فيهمَا، لَان الْبَرَاءَة مِنْهُ إِنَّمَا تكون بِإِعَادَة يَد الْمَالِك حَقِيقَة أَو حكما وَلم يُوجد ذَلِك لَان قبضهما لانفسهما، بِخِلَاف الْمُودع فَإِن يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل لَهُ فِي الْحِفْظ: زَيْلَعِيّ. وَقيل إِذا اسْتَأْجر الدَّابَّة ذَاهِبًا وجائيا يبرأ، وَإِن ذَاهِبًا فَقَط لَا يبرأ لَان العقد انْتهى بالوصول إِلَى ذَلِك الْمَكَان وبالعود إِلَيْهِ لَا يعود العقد بَينهمَا. شلبي. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: مُسْتَأْجر الدَّابَّة وَالْمُسْتَعِير لَوْ نَوَى أَنْ لَا يَرُدَّهَا ثُمَّ نَدِمَ لَوْ كَانَ سَائِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ ضَمِنَ لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ النِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ وَاقِفًا إِذا ترك نِيَّة الْخلاف عَاد أَمينا اهـ. وَاعْلَم أَن مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف تبعا للكنز هُوَ الْمُفْتِي بِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة احْتِرَازًا عَمَّا ذكره فِي الدُّرَر من أَن مِنْهُم من قَالَ الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر إِذا خالفوا ثمَّ عَادوا إِلَى الْوِفَاق برؤوا عَن الضَّمَان إِذا كَانَت مُدَّة الايداع والاعارة بَاقِيَة الخ. قَوْله: (فَلَو أزالاه) أَي التَّعَدِّي. قَوْله: (لعملهما لانفسهما) وَعلله البيري بِأَنَّهُمَا مأموران بِالْحِفْظِ تبعا للاستعمال: أَي الْمَأْذُون فِيهِ مَقْصُودا، فَإِذا انْقَطع الِاسْتِعْمَال الْمَذْكُور لم يبْق الْحِفْظ ثَابتا فَلَا يبرآن بِالْعودِ. اهـ. ط. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو مَأْمُورا بِحِفْظ شهر فَمَضَى شَهْرٌ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهَا ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَعَادَ إلَى الْحِفْظِ ضَمِنَ إذَا عَادَ وَالْأَمْرُ بِالْحِفْظِ قد زَالَ. اهـ. قَوْله: (بِخِلَاف مُودع) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه أصل الْمَسْأَلَة الْمَقْصُودَة بِالذكر، وَلَكِن إِنَّمَا ذكره ليظْهر عدهَا، ويتضح الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله إِلَّا فِي هَذِه الْعشْرَة ط. قَوْله: (ووكيل بيع) بِأَنْ اسْتَعْمَلَ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ تَرَكَ وَضاع لَا يضمن. قَوْله: (أَو حفظ) تقدم صورته قَرِيبا. قَوْله: (أَو إِجَارَة) بِأَن وَكله ليؤجر لَهُ دَابَّته فركبها ثمَّ ترك. قَوْله: (أَو اسْتِئْجَار) بِأَن دفع لَهُ دَرَاهِم ليستأجر لَهُ بَيْتا فَدَفعهَا فِي اسْتِئْجَار دكان ثمَّ استردها بِعَينهَا فَهَلَكت فَإِنَّهُ لَا يضمن. قَوْله: (ومضارب ومستبضع) إِذا خَالف وَدفع المَال لنفقته ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق صَار مضاربا ومستبضعا. أَبُو السُّعُود عَن الشَّيْخ صَالح. قَوْله: (وَشريك عنانا أَو مُفَاوَضَة) فَإِنَّهُمَا يعودان أمينين بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق. أَبُو السُّعُود. أَمَّا شَرِيكُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ أَعَارَ دَابَّةَ الشَّرِكَةِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 وَلَوْ كَانَتْ فِي نَوْبَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَهُ يَزُولُ الضَّمَانُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا فَأَجَبْت بِمَا ذَكَرْت، وَإِنْ لَمْ أَرَهَا فِي كَلَامِهِمْ لِلْعِلْمِ بِهَا مِمَّا ذُكِرَ إذْ هُوَ مُودَعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ بِالضَّمَانِ وَيَصِيرُ غَاصِبًا. رَمْلِيٌّ على الْمنح. قَوْله: (ومستعير رهن) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ أَوْ دَابَّةً فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهَا ثمَّ رَهنهَا بِمَال بِمثل الْقيمَة ثمَّ قضى بِالْمَالِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَان حِين رَهنهَا، فَإِذا كَانَ أَمينا خَالف فقد عَاد إِلَى الْوِفَاق، وَإِنَّمَا كَانَ مستعير الرَّهْن كَالْمُودعِ لَان تَسْلِيمهَا إِلَى الْمُرْتَهن يرجع إِلَى تَحْقِيق مَقْصُود الْمُعير، حَتَّى لَو هلك بعد ذَلِك يصير دينه مقضيا فيستوجب الْمُعير الرُّجُوع على الرَّاهِن بِمثلِهِ فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الرَّد عَلَيْهِ حكما فَلهَذَا برِئ عَن الضَّمَان، كَذَا فِي الْبَحْر معزيا إِلَى الْمَبْسُوط اهـ. نَقله فِي الْمنح وَإِنَّمَا قَالَ ثمَّ قضى المَال وَلم يقبضهَا لما ذكره أَنه لَو هَلَكت قبل أَن يقْضِي المَال كَانَ قَاضِيا بهَا دينه فَيضمن قيمتهَا لمَالِكهَا، وَقَوله ثمَّ رَهنهَا بِمَال بِمثل قيمتهَا، الاولى أَن يَقُول بِمَا شَرطه الْمُرْتَهن لانه لَا يتجاوزه كَمَا يَأْتِي فِي بَابه. تَأمل. وَقد علمت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُقَيّدَة بِمَا إِذا تعدى ثمَّ رهن، فَلَو اسْتعَار ليرهن فتعدى وَلم يرْهن وضاعت فَالضَّمَان عَلَيْهِ وَيكون دَاخِلا فِي حكم الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور فِي المُصَنّف، وَأَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من قَول المُصَنّف، بِخِلَاف الْمُسْتَعِير كَمَا أَفَادَهُ فِي شرح ط. وَقد سُئِلَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ عَن الْمُرْتَهن إِذا مَاتَ مجهلا للرَّهْن هَل يضمنهُ كملا أم لَا؟ فَأجَاب نعم، لَان الزَّائِد عَن الدّين أَمَانَة فتضمن كَمَا هُوَ ظَاهر. اهـ. قَوْله: (ثمَّ أزاله) أَي التَّعَدِّي. قَوْله: (إِلَّا فِي هَذِه الْعشْرَة) بعد الشَّرِيك صُورَتَيْنِ. قَوْله: (لَان يَده كيد الْمَالِك) أَي حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ، وَهَذِه عِلّة لمسألة الْوَدِيعَة الْمَذْكُورَة فِي المُصَنّف. وَالْحَاصِل: أَن كل أَمِينٍ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ أَمينا لَان يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ، إِلَّا الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر فَإِنَّهُمَا ضامنان مُطلقًا لَان قبضهما الْعين كَانَ لانفسهما لِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع، فَإِذا ترك الْخلاف لم يُوجد الرَّد إِلَى صَاحبهَا لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، بِخِلَاف الْمُودع وَمَا عطف عَلَيْهِ فَإِن يَده يَد الْمَالِك حكما لانه عَامل فِي الْحِفْظ كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) أَي للْمَالِك إِلَّا أَن يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق، والاولى التَّصْرِيح بذلك لدفع اللّبْس الْوَاقِع فِي الْعبارَة، فَتَأمل ط. قَوْله: (وَقيل لِلْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ لِأَنَّهُ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ أَي لَا يشْتَرط إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْعود إِلَى الْوِفَاق، وَظَاهر كَلَامهم اعْتِمَاد الاول. قَوْله: (وَبِخِلَاف إِقْرَاره بعد جحوده) بِأَن قَالَ لم تودعني، أما لَو قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَليّ شئ ثمَّ ادّعى ردا أَو تلفا صدق. أَبُو السُّعُود عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة. وَمثله جحوده بِلَا إِقْرَار بِأَن أَقَامَ بَيِّنَة بعد الْجُحُود كَمَا فِي الدُّرَر. وَقَوله: (وَبِخِلَاف إِقْرَاره) مَعْطُوف على قَوْله بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر. قَوْله: (حَتَّى لَو ادّعى هبة أَو بيعا) يَعْنِي قيد. ب قَوْله: (بعد جحوده) ، لانه لَو ادّعى أَن الْمَالِك وَهبهَا لَو أَو بَاعهَا مِنْهُ وَأنكر صَاحبهَا ثمَّ هَلَكت لَا ضَمَان على الْمُودع لانهما اتفقَا على الْيَد وَاخْتلفَا فِي الْجِهَة فَيحمل على الْمُحَقق وَهُوَ يَد الامانة وَالْملك للْمَالِك. قَوْله: (وَقيد بقوله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 بعد طلب رَبهَا) وَمثله طَلَبَ امْرَأَةِ الْغَائِبِ وَجِيرَانِ الْيَتِيمِ مِنْ الْوَصِيِّ لينفق عَلَيْهِ من مَاله كَمَا فِي الْخَانِية، وَمثله فِي التاترخانية. وَقَوله بعد مُتَعَلق. ب قَوْله: (بجحوده) . قَوْله: (فَلَو سَأَلَهُ عَن حَالهَا) بِأَن قَالَ مَا حَال وديعتي عنْدك ليشكره على حفظهَا. بَحر. والاولى أَن يَقُول لانه الخ بدل الْفَاء، وَكَذَا يُقَال فِيمَا يَأْتِي. قَوْله: (فجحدها) قَالَ الرَّمْلِيّ: هَذَا لَيْسَ بجحود حَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ حفظ فاستغنى فِي الْكَنْز عَن ذكره، قَوْله: (لم يضمن) لَان كتمان الْوَدِيعَة أمكن فِي حفظهَا لَان بذكرها قد يتَنَبَّه لَهَا الظَّالِم وَالسَّارِق فَكَانَ جحوده من بَاب الْحِفْظ، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ جحوده عِنْد طلب الْمَالِك لَهَا فَإِن بِالطَّلَبِ يَنْتَهِي الايداع فَإِنَّهُ مَا أودعها إِلَّا ليسلمها لَهُ عِنْد حَاجته إِلَيْهَا فبالمنع يكون غَاصبا فَيضمن وَلم تبْق يَده يَد الْمَالِك، فبإقراره بعد ذَلِك لم يحصل الرَّد إِلَى مَالِكهَا لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، فَلِذَا لَا يبرأ عَن الضَّمَان إِلَّا بتسليمها إِلَى الْمَالِك حَقِيقَة. قَوْله: (ونقلها من مَكَانهَا وقف الانكار) المُرَاد بِهِ زمن الانكار، وَلَيْسَ المُرَاد نقلهَا وقته حَقِيقَة لانه لَا يَتَأَتَّى فِي نَادِر من الصُّور. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَفِي غَصْبِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَهَلَكَتْ لَا يضمن. اهـ. وَهُوَ ظَاهر، وَعَلِيهِ فَهُوَ مُتَعَلق. ب قَوْله: (مَكَانهَا) ، وَانْظُر مَا لَو كَانَ نقلهَا قبله وَفِي نِيَّته الْجُحُود، وَقد نقل هَذَا التَّقْيِيد الشُّرُنْبُلَالِيّ عَن الناطفي، وَنقل عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه يضمن بجحوده الْوَدِيعَة كالعارية وَلَو لم يحولها. وَقَوله: (وَكَانَت مَنْقُولًا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ بعد. قَوْله: (ونقلها من مَكَانهَا) وَلَو قدمه عَلَيْهِ لَكَانَ أولى. قَوْله: (لانه لَو لم ينقلها وقته) صَادِق بِعَدَمِ النَّقْل أصلا وبنقلها بعده وَقَبله، وَإِنَّمَا اعْتبر النَّقْل ليتَحَقَّق الْغَصْب فِي الْمَنْقُول، إِذا الْغَصْب إِزَالَة الْيَد المحققة وَإِثْبَات الْيَد المبطلة، وَهُوَ إِنَّمَا يتَحَقَّق بنقلها من مَكَانهَا وَقت الْجُحُود لَان يَده عَلَيْهَا يَد أَمَانَة لَا ضَمَان، فَإِذا جَحدهَا فنقلها فقد أَزَال يَد الامانة وَأثبت يَد الْغَصْب، بِخِلَاف مَا إِذا لم ينقلها فَإِن يَد الامانة بَاقِيَة، وَقد نقل هَذَا الْقَيْد الشُّرُنْبُلَالِيّ كَمَا قدمْنَاهُ. وَنَصه: إذَا جَحَدَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَهَا الْمُودَعُ من الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا عَن ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ. اهـ. وَنَقله فِي التاترخانية عَن الْخَانِية معزيا للناطفي، لَكِن ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَنه يضمن بجحود الْوَدِيعَة كالعارية وَلَو لم يحولها. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يضمن بالانكار وَإِن لم يحولها. وَفِي الْبَدَائِع أَن العقد يَنْفَسِخ بِطَلَب الْمَالِك لانه لما طلبَهَا فقد عَزله عَن الْحِفْظ أَو لما جَحده الْمُودع بِحَضْرَة الْمَالِكِ فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونا، فَإِذا هلك تقرر الضَّمَان. اهـ. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: لم يظْهر لاصحاب الْمُتُون صِحَة هَذَا القَوْل فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، فَرَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ يَظْهَرْ لَك ذَلِك اهـ. فَتَأمل. قَوْله: (وَكَانَت الْوَدِيعَة مَنْقُولًا) أَقُول: الْعقار مُقَرر عدم الضَّمَان فِيهِ لعدم تصور غصبه فَلم يُصَرح فِي الْكَنْز بنفيه اكْتِفَاء بذلك كَمَا سَيذكرُهُ فِي بَابه، أَو لَان الاصح مَذْهَب مُحَمَّد فِيهِ فَأَرَادَ دُخُوله. تَأمل. ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (لَا يضمن بالجحود عِنْدهمَا) لعدم تصور غصبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) فَإِن الْغَصْب يجْرِي فِيهِ عِنْده، فَلَو جَحده يكون ضَامِنا. قَوْله: (فِي الاصح) أَي قَوْله هُوَ الاصح. قَوْله: (غصب الزَّيْلَعِيّ) أَي ذكره الزَّيْلَعِيّ فِي كتاب الْغَصْب. قَوْله: (وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا) أَي لانه لَو جَحدهَا فِي وَجه عَدو يخَاف عَلَيْهَا التّلف، إِن أقرّ ثمَّ هَلَكت لَا يضمنهَا لانه إِنَّمَا أَرَادَ حفظهَا. كَذَا فِي الْمنح. قَوْله: (فَلَو كَانَ لم يضمن) أَي أقرّ ثمَّ هَلَكت. قَوْله: (وَقيد بقوله وَلم يحضرها الخ) أَقُول: لم يُصَرح بِهِ فِي الْكَنْز. وَالْجَوَاب عَنهُ أَنه حَيْثُ قُلْتُمْ إِنَّه إِيدَاع جَدِيد فَمَا مدخله فِي مَسْأَلَتنَا فَتَأَمّله. ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (فَإِن أمكنه) أَي رَبهَا أَخذهَا عِنْد إحضارها ليجعل قَابِضا لَهَا. قَوْله: (لم يضمن لانه إِيدَاع جَدِيد) أَي بقوله: دعها فَيكون إبقاؤها إيداعا جَدِيدا قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن الْمَالِك أَخذهَا عِنْد إحضارها. قَوْله: (ضمنهَا) لانه لم يَجْعَل قَابِضا لَهَا فَبَقيت مَضْمُونَة على جاحدها. قَوْله: (لانه لم يتم الرَّد) أَي ردهَا إِلَى الْمَالِك بإحضارها عِنْد عدم تمكنه من أَخذهَا فَلَا يَصح الايداع الْجَدِيد، لَان الايداع إِنَّمَا يكون لعين مَاله، وَهُوَ إِنَّمَا يسْتَحق على الْمُودع ضَمَانهَا فَهُوَ كَالدّين فِي ذمَّته والمضمون لَا يصير أَمَانَة إِلَّا بعد الْخُرُوج عَن عُهْدَة ضَمَانه وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ التَّام الَّذِي يُمكن الْمَالِك مَعَه الْقَبْض وَالتَّسْلِيم. قَوْله: (وَقيد بقوله لمَالِكهَا) أَو وَكيله كَمَا فِي التاترخانية فَاللَّام بِمَعْنى عِنْد، وَيُؤَيِّدهُ قَول الدُّرَر: أَو جحودها عِنْد مَالِكهَا. قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: لَا حَاجَة إِلَيْهِ أَي مَالِكهَا لانه هُوَ المُرَاد لَا غَيره إِذْ الْكَلَام فِيهِ فَلِذَا لم يذكرهُ فِي الْكَنْز. قَوْله: (فَإِذا تمت الشُّرُوط) وَهِي طلب ردهَا ونقلها وَكَونه مَنْقُولًا وَعدم الْخَوْف عَلَيْهَا وَعدم إحضارها بعده جحودها وَكَون الْجُحُود لمَالِكهَا لم يبرأ الخ. قَوْله: (إِلَّا بعد جَدِيد وَلم يُوجد) وَالْحَاصِل على مَا ذكره المُصَنّف أَنه لَا يضمن إِلَّا بِشُرُوط: أَن يجْحَد عِنْد سُؤال ردهَا، وَأَن ينقلها، وَأَن يكون نقلهَا زمن إِنْكَاره، وَأَن تكون مِمَّا ينْقل، وَأَن لَا يكون عِنْد الانكار من يخَاف عَلَيْهَا مِنْهُ، وَأَن لَا يحضرها بعد الْجُحُود، وَأَن يكون الْجُحُود لمَالِكهَا. فَإِن وجدت هَذِه الشُّرُوط ضمن. وَإِلَّا بِأَن جحد عِنْد غير صَاحبهَا أَو عِنْده حِين يسْأَله عَن حَالهَا من غير أَن يطْلب مِنْهُ الرَّد أَو طلب مِنْهُ الرَّد عِنْد من يخَاف مِنْهُ فجحدها لَا يضمن. قَوْله: (قبل) لعدم تناقضه فَإِنَّهُ يَقُول إِنِّي بعد أَن جحدتك الْوَدِيعَة نِسْيَانا أَو ظلما ثمَّ تذكرت أَو رجعت عَن الظُّلم كَانَ مُدعيًا فَإِذا نور دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ قبلت فَيبرأ عَن الضَّمَان. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ سَقْطٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَيِّنَةِ لَا فِي مُجَرَّدِ الدَّعْوَى، حَتَّى يُقَالَ لَا يصدق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 وَعبارَة الْخُلَاصَة بعد قَوْله لم يستودعني هَكَذَا: وَفِي الاقضية لَو قَالَ لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاك لَا يصدق، فَفِي عِبَارَته سقط. قَالَ فِي الْخَانِية: وَذكر فِي الْمُنْتَقى إِذا جحد الْمُودع الْوَدِيعَة ثمَّ ادّعى أَنه ردهَا بعد ذَلِك وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، وَكَذَا لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه ردهَا قبل الْجُحُود وَقَالَ إِنَّمَا غَلطت الخ، فَظهر أَن فِيمَا نَقله صَاحب الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة سقط. وَفِي الْخَانِية أَيْضا: وَلَو جحد الْمُودع الْوَدِيعَة ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على هلاكها قبل الْجُحُود، إِن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة قبلت بَينته وَيبرأ عَن الضَّمَان. وَلَو قَالَ نسيت فِي الْجُحُود أَو قَالَ غَلطت ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه دَفعهَا إِلَى صَاحبهَا قبل الْجُحُود برِئ اهـ. قَوْله: (وَقَالَ غَلطت) حَال من الضَّمِير فِي برهن الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ على الرَّد قبل الْجُحُود لانه متناقض فِي دَعْوَاهُ ذَلِك لانه حَيْثُ جَحدهَا زعم أَنه لَا وَدِيعَة عِنْده فَلَا يَتَأَتَّى الرَّد لنفي أصل الْوَدِيعَة فَيحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق، فَإِذا قَالَ غَلطت: أَي أردْت أَن أَقُول رَددتهَا فَقلت لَا وَدِيعَة عِنْدِي أَو لم تودعني شَيْئا لَان الْوَدِيعَة الَّتِي قد أودعتها عِنْدِي قد انْتَهَت بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْك فصرت كَأَن لم تودع شَيْئا فَيقبل حِينَئِذٍ برهانه لارْتِفَاع التَّنَاقُض، وَكَذَا لَو قَالَ نسيت: أَي حِين سَأَلتنِي عَن الْوَدِيعَة بعد ردهَا إِلَيْك نسيت الايداع وَالرَّدّ فَلذَلِك قلت لَك لم تودعني شَيْئا ثمَّ تذكرت وَهَذِه بينتي على الرَّد تقبل. قَوْله: (أَو ظَنَنْت أَنِّي دفعتها) أَي وَبعد الدّفع لم أكن مودعا فَأَنا صَادِق فِي قولي لَك لم تودعني لاني قد بَرِئت من وديعتك بتسليمها إِلَيْك. قَوْله: (وَلَو ادّعى هلاكها قبل جحودها حلف الْمَالِك الخ) أَي عِنْد القَاضِي بِطَلَب الْمُودع عِنْد عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة على الضّيَاع من الْمُودع، لَان كل من إِذا أقرّ بشئ لزمَه يحلف عِنْد إِنْكَاره، وَالْمَالِك لَو أقرّ بهلاكها قبل جحود الْمُودع انْتَفَى الضَّمَان، فَإِذا أنكرهُ يحلف، فَإِذا حلف ضمنهَا الْمُودع لعدم ثُبُوت مدعاه فَيضمن بجحوده، وَإِن نكل برِئ الْمُودع لَان النّكُول إِقْرَار أَو بذل على مَا عرف. قَوْله: (مَا يعلم ذَلِك) لانه تَحْلِيف على غير فعله فَيكون على الْعلم وَذَلِكَ عِنْد عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة على الضّيَاع من الْمُودع. أما إِذا أَقَامَ بَيِّنَة، فَإِن كَانَ قبل الْجُحُود تقبل لعدم التَّعَدِّي والتناقض، وَإِن بعده لَا تقبل لانه بالجحود غَاصِب وَلم يرد إِلَى الْمَالِك كَمَا تقدم. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا أَقَامَ رب الْوَدِيعَة الْبَيِّنَة على الايداع بعد مَا جحد الْمُودع وَأقَام الْمُودع الْبَيِّنَة على الضّيَاع: فَإِن جحد الْمُودع الايداع بِأَن يَقُول للْمُودع لم تودعني، فَفِي هَذَا الْوَجْه الْمُودع ضَامِن وبينته على الضّيَاع مَرْدُودَة سَوَاء شهد الشُّهُود على الضّيَاع قبل الْجُحُود أَو بعد الْجُحُود. وَإِن جحد الْوَدِيعَة بِأَن قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على الضّيَاع: إِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على الضّيَاع بعد الْجُحُود فَهُوَ ضَامِن، وَإِن أَقَامَ بَينته على الضّيَاع قبل الْجُحُود فَلَا ضَمَان، وَإِن أَقَامَ بَينته على الضّيَاع مُطلقًا وَلم يتَعَرَّضُوا لكَونه قبل الْجُحُود أَو بعده فَهُوَ ضَامِن. اهـ. قَوْله: (فَإِن حلف ضمنه) أَي ضمن الْمَالِك الْمُودع لعدم ثُبُوت مدعاه فَيضمن بجحوده، وَإِن نكل برِئ: أَي الْمُودع لَان النّكُول إِقْرَار أَو بذل كَمَا سَمِعت. قَوْله: (وَكَذَا الْعَارِية) أَي إِذا ادّعى الْمُسْتَعِير هلاكها قبل جحوده فَإِن القَاضِي يحلفهُ على الْعلم. قَوْله: (وَيضمن قيمتهَا يَوْم الْجُحُود إِن علم) الاصوب علمت: أَي الْقيمَة لَان الْفَاعِل ضمير مؤنث مُتَّصِل فتلزم التَّاء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 وَنَقَلَ فِي الْمِنَحِ قَبْلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ بِدُونِ تَفْصِيلٍ، لَكِنَّهُ مُتَابِعٌ فِي النَّقْلِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَفِيمَا نَقله سقط كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، فَإِنَّ مَا رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعمادِيَّة فَتنبه. وأصل الْعبارَة: قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه يَوْم الْجُحُود، فَإِن قَالَ الشُّهُود لَا نعلم قِيمَته يَوْم الْجُحُود لَكِن قِيمَته يَوْم الايداع كَذَا قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه يَوْم الايداع. وَعبارَة الْعمادِيَّة: أَنه لَو جحد الْوَدِيعَة وَهَلَكت ثمَّ أَقَامَ الْمُودع بَيِّنَة على قيمتهَا يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الْجُحُود، وَإِن لم يعلم قيمتهَا يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الايداع، يَعْنِي إِذا أثبت الْوَدِيعَة. كَذَا ذكره فِي الْعدة اهـ. وَلذَلِك تعقب الْعَلامَة الْمَقْدِسِي صَاحب الْبَحْر بِأَن الَّذِي فِي الْخُلَاصَة يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه الخ. قَوْله: (وَإِلَّا فَيوم الايداع) قَالَ مؤيد زَاده: إِن لم تعلم قيمَة الْوَدِيعَة يَوْم الْجُحُود يقْضِي بِقِيمَتِهَا يَوْم الايداع. قَوْله: (بِخِلَاف مضَارب جَحَدَ) أَيْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ لي شَيْئا. قَوْله: (ثمَّ اشْترى) أَي بعد مَا أَقَرَّ وَرَجَعَ عَنْ الْجُحُودِ، بِأَنْ قَالَ بَلَى قَدْ دَفَعْت إلَيَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بعد الشِّرَاء فَيضمن الْمَتَاع لَهُ. منح عَن الْخَانِية. قَوْله: (لم يضمن خَانِية) عبارتها كَمَا فِي الْمنح: الْمضَارب إِذا قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا ثمَّ قَالَ بلَى قد دفعت إِلَيّ ثمَّ اشْترى بِالْمَالِ ذكر الناطفي أَن المُشْتَرِي يكون على الْمُضَاربَة، وَإِن ضَاعَ المَال فِي يَده بعدا لجحود وَقبل الشِّرَاء فَهُوَ ضَامِن وَالْقِيَاس أَن يضمن على كل حَال. وَفِي الِاسْتِحْسَان: إِن جحد ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى برِئ عَن الضَّمَان، وَإِن جَحدهَا ثمَّ اشْترى ثمَّ أقرّ فَهُوَ ضَامِن وَالْمَتَاع لَهُ، وَكَذَا الْوَكِيل بشرَاء شئ بِغَيْر عينه بِأَلف وَدفع الْمُوكل المَال إِلَى الْوَكِيل، فَإِن كَانَ العَبْد معينا فَاشْتَرَاهُ فِي حَالَة الْجُحُود أَو بَعْدَمَا أقرّ فَهُوَ للْآمِر. وَلَو دفع رجل عبدا إِلَى رجل ليَبِيعهُ فَجحد الْمَأْمُور ثمَّ أقرّ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة جَازَ وَيبرأ عَن الضَّمَان، وَقَالَ غَيره من الْمَشَايِخ فِي قِيَاس قَوْله وَلَو بَاعه بعد الْجُحُود ثمَّ أقرّ جَازَ أَيْضا. اهـ. وَبِهَذَا يعلم مَا فِي عِبَارَته من حذف مَا لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ قَوْله ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى الخ. فَتَأمل. وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ بِخِلَاف مضَارب جحد ثمَّ أقرّ ثمَّ اشْترى لم يضمن لاصاب. قَوْله: (وَالْمُودع لَهُ السّفر بهَا) أَي برا، وَأَجْمعُوا أَنه لَو سَافر بهَا بحرا يضمن هندية عَن غَايَة الْبَيَان. قَالَ فِي الْبَحْر: وَمن الْمخوف السّفر بهَا فِي الْبَحْر لَان الْغَالِب فِيهِ العطب. اهـ. وَعَزاهُ للاختيار. وَتعقبه الْمَقْدِسِي بحثا مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن من الْمُقَرّر أَن النَّادِر لَا حكم لَهُ، فَلَو العطب قَلِيلا والسلامة أغلب فَلَا ضَمَان سَوَاء سَافر برا أَو بحرا، وَبِالْعَكْسِ يضمن، يعْمل ذَلِك من هُنَا وَمن قَوْلهم للْمُضَارب السّفر برا أَو بحرا، وَمن قَوْلهم يجب الْحَج إِذا كَانَ الاغلب السَّلامَة وَلَو بحرا، وَهَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان كَمَا هُوَ مشَاهد فَتدبر انْتهى. وَأجِيب أَيْضا بِأَن التَّقْيِيد مُسْتَفَاد من تَعْلِيله. اهـ. أَقُول: وَحَيْثُ كَانَت الْعلَّة الْخَوْف وَهُوَ أَيْضا مُنْتَفٍ بسفينة التُّجَّار فِي زَمَاننَا الْمَعْرُوفَة بالبابور فَإِن الْغَالِب فِيهَا السَّلامَة، لَان التُّجَّار الْآن لَا تطمئِن قُلُوبهم فِي إرْسَال أَمْوَالهم إِلَّا بهَا بحرا، وَإِذا انْتَفَت الْعلَّة انْتَفَى الْمَعْلُول. على أَنا قدمنَا وَيَأْتِي أَن الْعبْرَة فِي حفظ الْوَدِيعَة الْعرف، وَحَيْثُ كَانَ الْعرف كَذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 فَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَا فرق بَين السّفر بهَا برا أَو بحرا فِي البابور، فَتَأمل وراجع. وَقيد بالمودع لَان الاب أَو الْوَصِيّ إِذا سَافر بِمَال الْيَتِيم لَا يضمن إِجْمَاعًا. وَالْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا سَافر بِمَا وكل بِبيعِهِ إِن قيد الْوكَالَة بمَكَان بِأَن قَالَ لَهُ بِعْهُ بِالْكُوفَةِ فأخرجها من الْكُوفَة يصير ضَامِنا عندنَا، وَإِن أطلق للوكالة فسافر بِهِ، إِن كَانَ شئ لَهُ حمل وَمؤنَة يكون ضَامِنا وَإِن لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يصير ضَامِنا عندنَا إِذا لم يكن لَهُ بُد من السّفر، وَإِن كَانَ لَهُ بُد من السّفر لَا يكون ضَامِنا عِنْد أبي حنيفَة طَال الْخُرُوج أم قصر. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِن طَال الْخُرُوج يكون ضَامِنا، وَإِن قصر لَا يكون ضَامِنا. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان، وَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا. قَوْله: (وَلَو لَهَا حمل) فسره فِي الْجَوْهَرَة بِمَا يحْتَاج فِي حمله إِلَى ظهر أَو أُجْرَة حمال اهـ مكي. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُضْمرَات: لَو كَانَت طَعَاما كثيرا فسافر بهَا فَهَلَك الطَّعَام فَإِنَّهُ يضمن اسْتِحْسَانًا اهـ. وَذكر فِي الْمنح: وَلَا يضمن وَلَو كَانَ الْخُرُوج طَويلا، وَمؤنَة الرَّد على الْمَالِك. قَالَ فِي التَّبْيِين: وَمَا يلْزم الْآمِر من مُؤنَة الرَّد ضَرُورَة صِحَة أمره فَلَا يعد ذَلِك إِضْرَارًا بِهِ. اهـ. قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَقَالَ مُحَمَّد لَا يخرج بِمَا لَهُ حمل وَمؤنَة اهـ. وَجعله فِي الْعِنَايَة قَول الثَّانِي أَيْضا. ثمَّ قَالَ: لَكِن قيل عِنْد الثَّانِي إِذا كَانَ بَعيدا وَعند مُحَمَّد: مُطلقًا قَرِيبا كَانَ أَو بَعيدا اهـ. وَاسْتثنى فِي شرح الْقَدُورِيّ الطَّعَام الْكثير فَإِنَّهُ يضمن إِذا سَافر بِهِ اسْتِحْسَانًا، وَنَقله فِي الْبَحْر. وَفِيه عَن قاضيخان: للْمُودع أَن يُسَافر بِمَال الْوَدِيعَة إِذا لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة. وَتعقبه الْحَمَوِيّ بِأَن مَا فِي الْخَانِية من اشْتِرَاط عدم الْحمل والمؤنة مَبْنِيّ على قَوْلهمَا، أما على قَول أبي حنيفَة فيسافر بهَا مُطلقًا عِنْد عدم النَّهْي. قَوْله: (عِنْد عدم نهي الْمَالِك وَعدم الْخَوْف عَلَيْهَا) قَالَ: إِذا لم يعين مَكَان الْحِفْظ أَو لم ينْه عَن الاخراج نصا بل أمره بِالْحِفْظِ مُطلقًا فسافر بهَا: فَإِن كَانَ الطَّرِيق مخوفا فَهَلَكت ضمن بالاجماع، وَإِن كَانَ آمنا وَلَا حمل لَهَا وَلَا مُؤنَة لَا يضمن بالاجماع وَإِن كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة: فَإِن كَانَ الْمُودع مُضْطَرّا فِي المسافرة بهَا لَا يضمن بالاجماع، وَإِن كَانَ لَهُ بُد من المسافرة بهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ قربت الْمسَافَة أَو بَعدت. وعَلى قَول أبي يُوسُف: إِن بَعدت يضمن وَإِن قربت لَا. هَذَا هُوَ الملخص وَالْمُخْتَار. وَهَذَا كُله إِذا لم ينْه عَنْهَا وَلم يعين مَكَان الْحِفْظ نصا، وَإِن نَهَاهُ نصا وَعين مَكَانَهُ فسافر بهَا وَله مِنْهُ بُد ضمن. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ. إِن أمكنه حفظ الْوَدِيعَة فِي الْمصر الَّذِي أمره بِالْحِفْظِ فِيهَا مَعَ السّفر بِأَن يتْرك عبدا لَهُ فِي الْمصر الْمَأْمُور بِهِ أَو بعض من فِي عِيَاله، فَإِذا سَافر بهَا وَالْحَالة هَذِه ضمن، وَإِن لم يُمكنهُ ذَلِك بِأَن لم يكن لَهُ عِيَال أَو كَانَ إِلَّا أَنه احْتَاجَ إِلَى نقل الْعِيَال فسافر فَلَا ضَمَان. كَذَا فِي التاترخانية. هندية من الْبَاب الثَّالِث من كتاب الْوَدِيعَة. قَوْله: (فَإِن لَهُ بُد من السّفر) هَذَا التَّفْصِيل فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ وَقد عَلمته من عبارَة الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (فَإِن سَافر بِنَفسِهِ ضمن) أَي لَو كَانَ لَهُ أهل لم يسافروا مَعَه لَان لَهُ بدا من السّفر بهَا. فرع: من اُسْتُؤْجِرَ لحفظ عين أَو وكل بِبَيْعِهَا لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بهَا، وَكَذَا إِذا قيد الايداع بمَكَان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 وَفِي الْمَقْدِسِي عَن النَّسَفِيّ: للْوَكِيل بِالْبيعِ أَن يدْفع الْعين إِلَى السمسار. قَوْله: (فَإِن سَافر بِنَفسِهِ ضمن وبأهله لَا) لانه يُمكنهُ أَن يحفظها بعياله، وقدمناه عَن الْهِنْدِيَّة معزيا للتاترخانية. وَالْحَاصِل: أَن عِنْد أبي حنيفَة لَهُ أَن يُسَافر بهَا مُطلقًا: أَي سَوَاء كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة أَو لَا، وَسَوَاء لَهُ بُد من السّفر أَو لَا، وَلَا فرق بَين الطَّوِيل والقصير. وَعِنْدَهُمَا: لَيْسَ لَهُ السّفر بهَا إِذا كَانَ لَهَا حمل وَمؤنَة وطالت مُدَّة السّفر، وَهَذَا الْخلاف فِي خُصُوص مَاله حمل وَمؤنَة مَعَ طول مُدَّة السّفر، أما مَا لَيْسَ لَهُ حمل وَلَا مُؤنَة وَلم تطل مُدَّة سَفَره فَلهُ السّفر بهَا اتِّفَاقًا عِنْد عدم النَّهْي وَالْخَوْف، وَكَذَا مَعَ النَّهْي وَالْخَوْف أَيْضا إِن لم يكن لَهُ من السّفر بُد كَمَا سبق. وَفِي خُصُوص مَا إِذا أمكنه الْحِفْظ فِي الْمصر بِأَن كَانَ بعض عِيَاله ثمَّة وَلم يحْتَج إِلَى نقلهم. أما لَو لم يُمكنهُ بِأَن لم يكن أَو كَانَ وَلَكِن احْتَاجَ إِلَى نقلهم لَا يضمن بالاجماع، وَإِن سَافر بِنَفسِهِ من غير عِيَاله يضمن، وَبِه صرح فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية كَمَا يُسْتَفَاد ذَلِك من أبي السُّعُود، وَهَذَا كُله فِي سفر الْبر كَمَا علمت. أما فِي الْبَحْر فَلَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر فِي قَوْلهم جَمِيعًا إِلَّا على مَا بَحثه أَبُو السُّعُود وأيدناه بِمَا تقدم قَرِيبا فَلَا تنسه. قَوْله: (وَلَو أودعا شَيْئا مثلِيا أَو قيميا) لَكِن عدم جَوَاز الدّفع فِي القيمي بِإِجْمَاع، وَفِي الْمثْلِيّ خلاف الصاحبين فَإِنَّهُمَا قَالَا بِجَوَاز دفع حَظه لَهُ قِيَاسا على الدّين الْمُشْتَرك. وَفرق أَبُو حنيفَة بَينهمَا بِأَن الْمُودع لَا يملك الْقِسْمَة بَينهمَا فَكَانَ تَعَديا على ملك الْغَيْر، وَفِي الدّين يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم حَقه إِذْ الدُّيُون تقضي بأمثالها فَكَانَ تَصرفا فِي مَال نَفسه كَمَا فِي الْبَحْر. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) قَدَّرَهُ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ فَلَمْ يَبْقَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الدَّفْعِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَمْ يَدْفَعْ) إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ نصِيبه إِلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة، وَإِلَى أَنه لَو دفع إِلَيْهِ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا، حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ وَإِلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا إذَا ظفر بهَا. اهـ. قَالَ الْمَقْدِسِي: قُلْنَا بل يُطَالِبهُ بِدفع حَظّ الْغَائِب لانه طلب الْمُقَرّر وَحقه مشَاع، وَلَا يتَمَيَّز إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَا يملكهَا، وَلذَا لَا يَقع دَفعه قسْمَة، فَلَو هلك الْبَاقِي رَجَعَ صَاحبه، وَإِذا لم يَقع قسْمَة كَانَ مُتَعَدِّيا فِي النّصْف فَيضمن، وَفِي الدّين يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم حَقه لَان الدّين يقْضِي بِمثلِهِ فتصرف فِي ملكه وَلَا قسْمَة. تَتِمَّة: فِي أبي السُّعُود: الْغَرِيم الْمَدْيُون أَن يَأْخُذ وديعته إِن ظفر بهَا، وَلَيْسَ للْمُودع الدّفع إِلَيْهَا شَيخنَا، وَإِذا مَاتَ الْمُودع بِلَا وَارِث كَانَ للْمُودع صرفهَا إِلَى نَفسه إِن كَانَ من المصارف وَإِلَّا صرفهَا إِلَى الْمصرف. اهـ. وَعَزاهُ إِلَى الْحَمَوِيّ عَن الْبَزَّازِيَّة. قَوْله: (وَلَو دفع هَل يضمن) أَي نصيب الْغَائِب وَهُوَ نصف الْمَدْفُوع إِن هلك الْبَاقِي فِي الْقِسْمَة أَو لَا يضمن لَان لَاحَدَّ الشَّرِيكَيْنِ أَن ينْتَفع بِحِصَّتِهِ فِي المثلى. قَالَ بالاول الامام، وَبِالثَّانِي الصاحبان. وَاعْلَم أَنهم قَالُوا: إِذا دَفَعَ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا، حَتَّى إذَا هلك الْبَاقِي رَجَعَ الْغَائِب على الْآخِذ بِحِصَّتِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 وَفِي الْهِنْدِيَّة: إِذا دَفَعَ الْمُودَعُ إلَى الْحَاضِرِ نِصْفَهَا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِي وَحصر الْغَائِب. قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: إنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّ الَّذِي حضر اتبع الدَّافِعَ بِنِصْفِ مَا دَفَعَ وَيَرْجِعُ بِهِ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْقَابِضِ نصف مَا قبض: كَذَا فِي الذَّخِيرَة. فَإِن هلك مَا فِي يَد الْمُودع هلك أَمَانَة بالاجماع ينابيع. وَلَو هلك الْمَقْبُوض فِي يَد الْقَابِض فَلَيْسَ لَهُ أَن يُشَارك فِيمَا بَقِي غَايَة الْبَيَان، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ لِأَحَدِهِمَا بِلَا قَضَاءٍ وَضَمَّنَهُ الْآخَرُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلهُ الرُّجُوع بِمَا ضمنه على الْقَابِض، وَهَذَا على قَول أبي يُوسُف. قَوْله: (فِي الدُّرَر نعم) أَي يضمن، فِي فَتَاوَى قاضيخان مَا يفِيدهُ، وَلَفظه: ثَلَاثَة أودعوا رجلا مَالا وَقَالُوا لَا تدفع المَال إِلَى أحد منا حَتَّى نَجْتَمِع فَدفع نصيب أحدهم. قَالَ مُحَمَّد: فِي الْقيَاس يكون ضَامِنا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَفِي الِاسْتِحْسَان: لَا يضمن، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف اهـ. فَلَو لم يقل لَا تدفع حَتَّى نَجْتَمِع هَل يضمن بِالدفع: أَي بِنَاء على الِاسْتِحْسَان الَّذِي يَأْتِي ذكره قَرِيبا؟ ظَاهر تقييدهم أَنه لَا يضمن إِلَّا أَن يأتيا بالوديعة حاملين لَهَا وسلماها كَذَلِك، أما إِذا سلمهَا أَحدهمَا بِحَضْرَة الآخر فَظَاهر أَنه يدْفع لمن سلمه وَحُضُور الآخر لَا يَقْتَضِي كَونه مودعا لجَوَاز أَن يكون شَاهدا لَهُ وَنَحْوه. كَذَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ. من مَنَاقِب الامام، أَن اثْنَيْنِ أودعا الحمامي شَيْئا فَخرج أَحدهمَا وَأخذ الْوَدِيعَة وَانْصَرف فَخرج الآخر وطلبها مِنْهُ فَلم يُخبرهُ الحمامي واستمهله وَانْطَلق إِلَى الامام رَحمَه الله تَعَالَى فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ قل لَهُ أَنا لَا أعطي الْوَدِيعَة إِلَّا لَكمَا مَعًا فَانْصَرف وَلم يعد. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (وَفِي الْبَحْر الخ) أَي فِي الْمثْلِيّ كالمثال الَّذِي ذكره فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية، أما فِي القيمي فَيضمن اتِّفَاقًا لانه لَا يقسم بِدُونِ حُضُور الشَّرِيك أَو نَائِبه. قَوْله: (فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَار) تعقبه الْمَقْدِسِي فَقَالَ: كَيفَ يكون هُوَ الْمُخْتَار مَعَ أَن سَائِر الْمُتُون على قَول الامام. وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: أخْتَار قَول الامام النَّسَفِيّ والمحبوبي والموصلي وَصدر الشَّرِيعَة. وَقَالَ الْمَقْدِسِي: وَقَول بَعضهم عدم الضَّمَان هُوَ الْمُخْتَار مستدلا بِكَوْنِهِ الِاسْتِحْسَان مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْيَانُ بَلْ غَالِبُ الْمُتُون عَلَيْهِ متفقون. كَذَا فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود عَن الْحَمَوِيّ. قَوْله: (اقتسماه) أَي الرّجلَانِ المودعان بِفَتْح الدَّال وَذكر الرجل استطرادي. قَوْله: (وَحفظ كل) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه، لانه لَا يُمكن الِاجْتِمَاع على حفظهَا وَحفظ كل وَاحِد مِنْهُمَا لِلنِّصْفِ دلَالَة، وَالثَّابِت بِالدّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ. قَوْله: (وعدلي رهن) أَي العدلين اللَّذين وضع عِنْدهمَا الرَّهْن فَهُوَ بِفَتْح الْعين تَثْنِيَة عدل كَذَلِك، فَإِنَّهُمَا يقتسمان الْمثْلِيّ ويحفظ كل نصِيبه، فَإِن دفع أَحدهمَا نصِيبه إِلَى الآخر ضمن مَا دفع. قَوْله: (ووكيلي شِرَاء) بِأَن دفع لَهما ألفا يشتريان بِهِ عبدا اقْتَسمَا الالف، فَإِن دفع أَحدهمَا نصفه ضمن الدَّافِع، وَأَجْمعُوا أَن الْمَدْفُوع إِلَيْهِ لَا يضمن لانه مُودع الْمُودع. هندية قَوْله: (ضمن) أَي النّصْف فَقَط. قَوْله: (الدَّافِعُ) أَيْ لَا الْقَابِضُ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ. بَحر. وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالا: لَا يضمنَانِ بِهِ. كَذَا أَفَادَهُ مِسْكين، وَمثله فِي الْهِدَايَة، وَقَول أبي حنيفَة أَقيس، لَان رِضَاهُ بأمانة اثْنَيْنِ لَا يكون رضَا بأمانة وَاحِد، فَإِذا كَانَ الْحِفْظ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا عَادَة لَا يصير رَاضِيا بِحِفْظ أَحدهمَا للْكُلّ كَمَا فِي البيانية. قَوْله: (بِخِلَاف مَا لَا يقسم) فسر مَا لَا يقسم بالمكيلات والموزونات، وَمثلهمَا كل مَا لَا يتعيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 بالتقسيم، وَمَا لَا يقسم هُوَ مَا يتعيب بالتقسيم الْحسي اهـ مكي. قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: وَإِذا لم تمكن الْقِسْمَة فِيمَا لَا يقسم كَانَ لَهما التهايؤ فِي الْحِفْظ. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. فَلَو دَفعه زَائِدا على زمن التهايؤ ينظر اهـ. قَوْله: (لجَوَاز حفظ أَحدهمَا بِإِذن الآخر) أَقُول: الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل أَن يَقُول: لانه لما أودعهما مَعَ علمه بِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ على حفظهَا دَائِما كَانَ رَاضِيا بِحِفْظ أَحدهمَا. قَوْله: (فَدَفعهَا إِلَى مَا لَا بُد مِنْهُ) من عِيَاله وَغَيرهم كدفع الدَّابَّة إِلَى عَبده وَمَا يحفظه النِّسَاء إِلَى عرسه. دُرَر. وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي صُورَة مَا إِذا مَنعه عَن الدّفع إِلَى بعض معِين من عِيَاله لَا فِي النَّهْي عَن الدّفع إِلَى الْعِيَال مُطلقًا، ثمَّ عدم الضَّمَان فِيمَا إِذا دفع إِلَى بعض عِيَاله وَقد نهى عَن الدّفع إِلَيْهِ، مَحَله إِذا كَانَت الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ. أما لَو كَانَت لَا تحفظ عِنْده عَادَة فَنَهَاهُ عَن الدّفع إِلَيْهِ فَدفع ضمن، كَمَا لَو كَانَت الْوَدِيعَة فرسا فَمَنعه مِنْ دَفْعِهَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عِقْدَ جَوْهَرٍ فَمَنعه من دَفعه إِلَى غُلَامه وَدفع ضمن. أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ. وَمن حوادث الْفَتْوَى: شَرط على الْمُودع الْحِفْظ بِنَفسِهِ فحفظ بِزَوْجَتِهِ هَل يضمن للمخالفة أَو لَا؟ وَالَّذِي يظْهر من كَلَامهم عدم الضَّمَان. حموي. وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يُقيد عدم الضَّمَان بِالدفع إِلَى الزَّوْجَة بِمَا إِذا كَانَت الْوَدِيعَة نَحْو عقد، فَلَو كَانَت نَحْو فرس ضمن. أَبُو السُّعُود. وَفِيه: قَوْله وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد هَذِه الْمَسْأَلَة صَادِقَة بصورتين. الاولى أَن تكون الْوَدِيعَة شَيْئا خَفِيفا يُمكن الْمُودع الْحِفْظ بِنَفسِهِ كالخاتم فَإِنَّهُ يضمن بِدَفْعِهِ إِلَى عِيَاله. الثَّانِيَة: أَن يكون لَهُ عِيَال سوى من مَنعه من الدّفع إِلَيْهِ. بَحر. فَإِن قلت: هَذَا إِنَّمَا يتَّجه أَن لَو مَنعه من الدّفع إِلَى بعض معِين من عِيَاله وَهُوَ خلاف مَا يُسْتَفَاد من قَول المُصَنّف: وَلَو قَالَ لَا تدفع إِلَى عِيَالك. قلت: مبْنى هَذَا الاشكال مَا هُوَ الْمُتَبَادر من أَن قَوْله: وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد مُرْتَبِط بقوله: وَلَو قَالَ لَا تدفع إِلَى عِيَالك وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلِهَذَا شرح الْعَيْنِيّ قَول المُصَنّف: أَي الْكَنْز وَإِن كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد بقوله بِأَن نَهَاهُ أَن يَدْفَعهَا إِلَى امْرَأَته فُلَانَة وَله امْرَأَة أُخْرَى أَو نَهَاهُ أَن يُسَلِّمهَا إِلَى غُلَامه فلَان وَله غُلَام آخر فخالفه اهـ. قَوْله: (لم يضمن) لانه لَا يُمكنهُ الْحِفْظ مَعَ مُرَاعَاة شَرطه لَان التَّقْيِيد غير مُفِيد، لَان الدَّار حرز وَاحِد بِدَلِيل أَن السَّارِق إِذا أَخذ من بَيت من الدَّار فَنقل إِلَى بَيت آخر لم يقطع لعدم هتك الْحِرْز، والحرز الْوَاحِد لَا فَائِدَة فِي تَخْصِيص بعضه دون بعض، وَمَا لَا فَائِدَة فِي تَخْصِيصه فِي الامر يسْقط فِي الايداع، كَمَا لَو قَالَ احفظها بيمينك دون شمالك أَو ضعها فِي يَمِين الْبَيْت دون يسَاره، وكما لَو قَالَ فِي كيسك هَذَا فوضعها فِي غَيره أَو فِي الصندوق، أَو احفظ فِي الصندوق وَلَا تحفظ فِي الْبَيْت فحفظ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يضمن. لَكِن قد يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ هتك الْحِرْز وَذَلِكَ لَا يتَفَاوَت بِاعْتِبَار المحروزات، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 502 التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضعهَا فِي دَاره الحصينة فَخرج وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَحَدٌ سَرَقَهَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِلتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي الدَّارِ وَخَرَجَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَغَابَ يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ، فَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْحِرْزَ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّرِقَةِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا، فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَظَهَرَ يَقِينًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا من الْفرق، وَالله تَعَالَى أعلم. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ. وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يحفظ فِي عَرصَة الدَّار كصرة النَّقْدَيْنِ يضمن، وَلَو كَانَ مِمَّا بعد عرصتها حصنا لَهُ لَا يضمن اهـ. وَمثله فِي الْخُلَاصَة والفصولين والذخيرة وَالْخَانِيَّة وَغَيرهَا. وَظَاهره أَنه يجب كل شئ فِي حرز مثله، وَفِي السّرقَة يعْتَبر فِي ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حرز لكل الانواع. وَعَلِيهِ فقد ظهر الْفرق بَين الحرزين. فَفِي السّرقَة يقطع بِسَرِقَة لؤلؤة من إصطبل، وَلَو كَانَت وَدِيعَة وَضعهَا فِي الاصطبل وَهَلَكت يضمن الْمُودع، لَان الاصطبل لَيْسَ حرز مثلهَا، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مُودَعًا وَضَعَ بُقْجَةَ شَالٍ غَالِيَةَ الثَّمَنِ فِي إصْطَبْلِ فَسُرِقَتْ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (وَإِلَّا ضمن) أَي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِي: دَفعهَا إِلَى من لَا بُد مِنْهُ، بِأَن دَفعهَا إِلَى من لَهُ مِنْهُ بُد: أَي انفكاك وَفرْقَة. وَالثَّانيَِة حفظهَا فِي بَيت آخر والبيوت مستوية بِأَن حفظهَا فِي بَيت والبيوت مُخْتَلفَة. قَالَ فِي الْبَدَائِع: والاصل الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الْبَاب مَا ذكرنَا أَن كل شَرط يُمكن مراعاته ويفيد وَالْعَمَل بِهِ مُمكن فَهُوَ مُعْتَبر، وكل شَرط لَا يُمكن مراعاته وَلَا يُفِيد فَهُوَ هدر، وَهنا إِنَّمَا ضمن لَان التَّقْيِيد مُفِيد كَمَا قَالَ الشَّارِح، كَمَا إِذا ظهر الْبَيْت الْمنْهِي عَنهُ إِلَى السِّكَّة كَمَا فِي الْبَحْر: أَي فَإِنَّهُ يضمن لانه مُتَعَدٍّ، لَان من الْعِيَال من لَا يؤتمن على المَال: أَي فِيمَا إِذا نَهَاهُ عَن الدّفع إِلَى زَوجته أَو غُلَامه وللمودع زَوجته أَو غُلَام آخر ولتفاوت الْبيُوت فِي الْحِفْظ. بَقِي لَو أمره بِالْحِفْظِ فِي دَار فحفظ فِي دَار أُخْرَى، فَالَّذِي ذكره شيخ الاسلام الضَّمَان وَإِن كَانَت الثَّانِيَة أحرز. وَالَّذِي فِي شرح الطَّحَاوِيّ: إِذا كَانَت الدَّار الَّتِي خبأها فِيهَا وَالدَّار الاخرى فِي الْحِرْز على السوَاء، أَو كَانَت الَّتِي خبأها فِيهَا أحرز فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء نَهَاهُ عَن الخبء فِيهَا أَو لم يَنْهَهُ. كَذَا فِي الْمُحِيط. وَلَو قَالَ: احفظها فِي هَذِه الْبَلدة وَلَا تحفظها فِي بَلْدَة أُخْرَى فحفظها فِي الْبَلدة المنهية ضمن بالِاتِّفَاقِ اهـ. هندية. قَوْله: (لَان التَّقْيِيد مُفِيد) أَي وَالنَّهْي عَن الْوَضع فِي الدَّار الاخرى مُفِيد، لَان الدَّاريْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الامن وَالْحِفْظ فصح الشَّرْط وَأمكن الْعَمَل بِهِ. وَأما البيتان فِي دَار وَاحِدَة فقلما يَخْتَلِفَانِ فِي الْحِرْز، فالمتمكن من الاخذ من أَحدهمَا يتَمَكَّن من الاخذ من الآخر فَصَارَ الشَّرْط غير مُفِيد وَتعذر الْعَمَل بِهِ أَيْضا فَلَا يعْتَبر وَكَذَا الصندوقان، فَإِن تعْيين الصندوق فِي هَذِه الصُّورَة لَا يُفِيد، فَإِن الصندوقين فِي بَيت وَاحِد لَا يتفاوتان ظَاهر إِلَّا أَن يكون لَهما: أَي للبيت والصندوق خلل ظَاهر فَحِينَئِذٍ يُفِيد الشَّرْط وَيضمن بِالْخِلَافِ، وَكَذَا لَو كَانَت الْبَيْت أَو الصندوق الْمَأْمُور بِالْحِفْظِ فِيهِ أحرز من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 الْمنْهِي عَن الْوَضع فِيهِ فَحِينَئِذٍ يضمن أَيْضا كَمَا بَينا. وَذكر شيخ الاسلام خُوَاهَر زَاده أَنه يضمن بِالْحِفْظِ الْمنْهِي عَنهُ مُطلقًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة، وَعَلِيهِ كَلَام الذَّخِيرَة كَمَا عَلمته من كَلَام الْهِدَايَة الْمَار قَرِيبا. قَوْله: (وَلَا يضمن مُودع الْمُودع) أَي بِالْهَلَاكِ عِنْده، أما لَو اسْتَهْلكهُ ضمن، ومودع الْغَاصِب لَو رده على الْغَاصِب برِئ، كَمَا أَن غَاصِب الْغَاصِب لَو رد على الْغَاصِب برِئ كَمَا سَيذكرُهُ فِي الْغَصْب ذكره الْخَيْر الرَّمْلِيّ. قَوْله: (فَيضمن الاول) إِذا دفع إِلَى غير من فِي عِيَاله بِغَيْر إِذن وَلَا ضَرُورَة كحرق. در منتقى. وَإِنَّمَا ضمن الاول لانه ترك الْحِفْظ دون الثَّانِي لانه أَخذ المَال من أَمِين وَلم يتْرك الْحِفْظ وَهَذَا قَول الامام. وَعِنْدَهُمَا يضمن الْمَالِك أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الاول لم يرجع على الثَّانِي لانه ملكه بِالضَّمَانِ فَظهر أَنه أودع ملك نَفسه، وَإِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول لانه عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعَهْد. لَهما أَن الاول جنى بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الثَّانِي بِغَيْر إِذن الْمَالِك، وَالثَّانِي تعدى بِالْقَبْضِ بِلَا إِذْنه فيميل الْمَالِك إِلَى أَيهمَا شَاءَ. وللامام أَن الاول لَا يضمن بِالدفع إِلَى الثَّانِي مَا لم يُفَارِقهُ لَان حفظه لَا يفوت مَا دَامَ فِي مَجْلِسه، وَالْمَالِك إِنَّمَا رَضِي بحفظه ورأيه لَا بِصُورَة يَده بِدَلِيل أَنَّهَا لَو هَلَكت قبل أَن يُفَارِقهُ لَا يضمن وَاحِد مِنْهُمَا بالاجماع، فَإِذا فَارق الاول الثَّانِي ضمن لانه صَار مضيعا وَالثَّانِي أَمِين اسْتمرّ على الْحَالة الاولى وَلم يُوجد مِنْهُ تعد وَلم يكن مُتَعَدِّيا من الِابْتِدَاء بِالْقَبْضِ فَلَا يَنْقَلِب مُتَعَدِّيا من غير إِحْدَاث فعل زَيْلَعِيّ. وَهنا ضمن فِي إِيدَاع قصدي، لانه لَو كَانَ ضمنيا قيل لَا يضمن، كَمَا لَو دَخَلَ الْحَمَّامَ وَوَضَعَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ مَعَ ثِيَابِهِ بَين يَدي الثيابي قيل يضمن، لانه إِيدَاع الْمُودع كَمَا قدمْنَاهُ عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ معزيا للذخيرة. وَفِيه معزيا للمحيط: لَا يضمن لانه إِيدَاع ضمني وَإِنَّمَا يضمن بإيداع قصدي. اهـ. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فِي الدُّرَر: أودع حر عبدا مَحْجُورا فأودع الْمَحْجُور مَحْجُورا مثله وَضاع الْمُودع ضمن الاول فَقَط بعد الْعتْق لانه سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ التسليط وَبَطل الشَّرْط فِي حق الْمولى، وَلَا يضمن الثَّانِي لانه مُودع الْمُودع. وَصُورَة الْمَسْأَلَة: أودع عِنْد رجل وَدِيعَة فأودعها الْمُودع عِنْد شخص آخر من غير عِيَاله فَهَلَكت: مِسْكين. قَوْله: (لَا ضَمَان) لَان حفظه لَا يفوت مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الخ وَلَو اسْتهْلك الثَّانِي الْوَدِيعَة ضمن بالِاتِّفَاقِ وَلِصَاحِب الْوَدِيعَة أَن يضمن الاول وَيرجع على الثَّانِي وَأَن يضمن الثَّانِي وَلَا يرجع ط. قَوْله: (لم يصدق) لانه يَدعِي زَوَال سَبَب الضَّمَان بعد ثُبُوته وَالْمَالِك يُنكره فَالْقَوْل للْمَالِك بِيَمِينِهِ وَالْبَيِّنَة للْمُودع. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة اهـ. وَوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِ هُنَا كَونه أودع عِنْد الْغَيْر والايداع إِلَى الْغَيْر مُوجب للضَّمَان فَلَا يصدق فِي رفع الْمُوجب. قَوْله: (وَفِي الْغَصْب مِنْهُ يصدق) يَعْنِي لَو غصب الْوَدِيعَة من الْمُودع غَاصِب وَهَلَكت فَأَرَادَ الْمَالِك أَن يضمن الْغَاصِب فَقَالَ الْمُودع رده عَليّ وَهلك عِنْدِي وَقَالَ لَا بل هلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 عِنْده فَالْقَوْل قَول الْمُودع إِذا لم يفعل الْمُودع مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ أَمِين عَنهُ الرَّدِّ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ دَفْعِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُوجب للضَّمَان، شائحاني. قَوْله: (لانه أَمِين) وَلم يُوجد مِنْهُ تعد يُوجب الضَّمَان. قَوْله: (فكلاهما ضَامِن) أَي كل من الْقصار وقاطع الثَّوْب، وللمالك الْخِيَار فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الْقصار رَجَعَ بِمَا ضمنه على قَاطع الثَّوْب، وَإِن ضمن الْقَاطِع لَا رُجُوع لَهُ على الْقصار. وَنَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة ذكره مؤيد زَاده عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو دفع الْقصار إِلَى الْمَالِك ثوب غَيره فَأَخذه على ظن أَنه لَهُ ضمن وَالْجهل فِيهِ لَيْسَ بِعُذْر. طلب ثَوْبه من قصار فَقَالَ دفعت ثَوْبك إِلَى رجل ظَنَنْت أَنه ثَوْبه ضمن الْقصار كثيابي حمام سلم إِلَيْهِ رجل ثِيَابه ليحفظها فَقَالَ الثيابي خرج رجل وَلبس ثِيَابك فَظَنَنْت أَنَّهَا لَهُ اهـ. قَوْله: (فلربها تضمين من شَاءَ) الْمُودع لتعديه لما لم يُؤمر بِهِ والمعالج لمباشرته سَبَب الْهَلَاك ط. قَوْله: (رَجَعَ على الاول) فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا للذخيرة: مَرضت دَابَّة الْوَدِيعَةُ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا فَعَالَجَهَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ أَيهمَا شَاءَ، فَلَو ضَمَّنَ الْمُودَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعَالِجِ وَلَوْ ضَمِنَ الْمُعَالِجُ رَجَعَ عَلَى الْمُودَعِ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لَا، إلَّا إنْ قَالَ الْمُودَعُ لَيست لي وَلم أومر بذلك فَحِينَئِذٍ لَا يرجع اهـ. تَأمل. وَمثله فِي نور الْعين رامزا للاستروشنية ومجموع النَّوَازِل. لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: فَإِن ضمن الْمُودع لَا يرجع على أحد، وَإِن ضمن المعالج: إِن علم أَنَّهَا لَيست لَهُ لَا يرجع عَلَيْهِ، وَإِن لم يعلم أَنَّهَا لغيره أَو ظَنّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب لما هُنَا. وَأما مَا ذكره فِي الْفُصُولَيْنِ واستظهره صَاحب الدُّرَر من أَنه يرجع وَإِن علم أَن الْمُودع غَاصِب فِي معالجة الْوَدِيعَة بِلَا إِذن صَاحبهَا، وَمَا ذكره من قَوْله خلافًا لما نَقله الْقُهسْتَانِيّ الخ يُوَافق مَا ذكره الشَّارِح فِيمَا لَو عالج الْوَدِيعَة بِإِذن الْمُودع كَمَا نبه عَلَيْهِ، فَلْيتَأَمَّل. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل قَوْله إِلَّا إِن علم: أَي بِإِخْبَار الْمُودع صَرَاحَة، بِأَن قَالَ للمعالج لَيست لي وَلم أومر بذلك. وَأما إِذا لم يقل ذَلِك فَلَا يعد عَالما، وَبِه يحصل التَّوْفِيق بَين كَلَام الشَّارِح والهندية وَبَين الْجَامِع وَنور الْعين وَإِن لم أره مسطورا فِي كَلَامهم، وَالله تَعَالَى أعلم. وَأَقُول: خُلَاصَة مَا ذَكرْنَاهُ أَن صاب الدَّابَّة إِذا ضمن من عالجها بِأَمْر الْمُودع فعطبت يرجع على الْمُودع، إِلَّا إِذا قَالَ الْمُودع حِين دَفعهَا للمعالج لَيست لي وَلم أومر بذلك على مَا فِي الْفُصُولَيْنِ. وَمثله فِي نور الْعين عَن الاستروشنية. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْجَوْهَرَة وَالشَّارِح عَن الْمُجْتَبى أَن صَاحب الدَّابَّة إِذا ضمن من عالجها فعطبت يرجع على الْمُودع إِن لم يعلم: أَي المعالج أَنَّهَا لغير الْمُودع وَإِلَّا لم يرجع، وَهَذَا الَّذِي يعول عَلَيْهِ حَيْثُ صرح فِي صدر عِبَارَته بالرواية عَن الامام عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فَلَا يعدل عَنهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاء، وَفِي الاول لَيْسَ بغاصب لانه لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 يضمن الْمُودع بِمُجَرَّد الدّفع مَا لم يُفَارِقهُ، فَإِن فَارقه صَار مضيعا لَهَا وَقت التَّفْرِيق لترك الْحِفْظ الْمُلْتَزم بِالْعقدِ والقابض مِنْهُ لم يكن مُتَعَدِّيا بِالْقَبْضِ بِدَلِيل عدم وجوب الضَّمَان بِالْهَلَاكِ قبل أَن يُفَارِقهُ الاول، وَبعد الِافْتِرَاق لم يحدث فعلا آخر بل هُوَ مُسْتَمر على ذَلِك الْفِعْل بل هُوَ أَمِين فِيهِ فَلَا يضمن مَا لم يُوجد مِنْهُ تعد. اهـ. قَوْله: (فَيضمن أيا شَاءَ) قَالَ فِي شرح الزِّيَادَات: رجل غصب جَارِيَة فأودعها رجلا فأبقت مِنْهُ ثمَّ اسْتحقَّت كَانَ لَهُ الْخِيَار يضمن أَيهمَا شَاءَ، فَإِن ضمن الْغَاصِب برِئ الْمُودع وَكَانَت الْجَارِيَة ملكا للْغَاصِب، وَإِن ضمن الْمُودع كَانَ للْمُودع أَن يرجع على الْغَاصِب بِمَا ضمن لانه عَامل لَهُ وَتصير الْجَارِيَة بِنَفس تَضْمِينه ملكا للْغَاصِب، حَتَّى لَو أعْتقهَا الْغَاصِب جَازَ وَلَو أعْتقهَا الْمُودع لَا يجوز، وَلَو كَانَت محرما من الْغَاصِب عتقت عَلَيْهِ لَا على الْمُودع إِذا ضمنهَا، لَان قَرَار الضَّمَان على الْغَاصِب لَان الْمُودع وَإِن جَازَ تَضْمِينه فَلهُ الرُّجُوع بِمَا ضمن على الْغَاصِب وَالْمُودع لكَونه عَاملا لَهُ فَهُوَ كوكيل الشِّرَاء. وَلَو اخْتَار الْمُودع بعد تَضْمِينه أَخذهَا بعد عودهَا وَلَا يرجع على الْغَاصِب لم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِن هَلَكت فِي يَده بعد الْعود من الاباق كَانَت أَمَانَة وَله الرُّجُوع على الْغَاصِب بِمَا ضمن، وَكَذَا إِذا ذهبت عينهَا، وللمودع حَبسهَا عَن الْغَاصِب حَتَّى يُعْطِيهِ مَا ضمنه للْمَالِك، فَإِذا هَلَكت بعد الْحَبْس هَلَكت بِالْقيمَةِ، وَإِن ذهبت عينهَا بعد الْحَبْس لم يضمنهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَان الْغَايَة وصف وَهُوَ لَا يُقَابله شئ، وَلَكِن يتَخَيَّر الْغَاصِب إِن شَاءَ أَخذهَا وَأدّى جَمِيع الْقيمَة، وَإِن شَاءَ ترك كَمَا فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ، وَلَو كَانَ الْغَاصِب أجرهَا أَو رَهنهَا فَهُوَ والوديعة سَوَاء، وَإِن أعارها أَو وَهبهَا: فَإِن ضمن الْغَاصِب كَانَ الْملك لَهُ، وَإِن ضمن الْمُسْتَعِير أَو الْمَوْهُوب لَهُ كَانَ الْملك لَهما، لانهما لَا يستوجبان الرُّجُوع على الْغَاصِب فَكَانَ قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِمَا فَكَانَ الْملك لَهما، وَلَو كَانَ مكانهما مُشْتَر فضمن سلمت الْجَارِيَة لَهُ، وَكَذَا غَاصِب الْغَاصِب إِذا ضمن ملكهَا لانه لَا يرجع على الاول فتعتق عَلَيْهِ لَو كَانَت محرما مِنْهُ، وَإِن ضمن الاول ملكهَا فتعتق عَلَيْهِ لَو كَانَت محرمه، وَلَو كَانَت أَجْنَبِيَّة فللاول الرُّجُوع بِمَا ضمن على الثَّانِي لانه ملكهَا فَيصير الثَّانِي غَاصبا ملك الاول، وَكَذَا لَو أَبرَأَهُ الْمَالِك بعد التَّضْمِين أَو وَهبهَا لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوع على الثَّانِي، وَإِذا ضمن الْمَالِك الاول وَلم يضمن الاول الثَّانِي حَتَّى ظهر الْجَارِيَة كَانَت ملكا للاول، فَإِن قَالَ أَنا أسلمها للثَّانِي وأرجع عَلَيْهِ لم يكن لَهُ ذَلِك لَان الثَّانِي قدر على رد الْعين فَلَا يجوز تَضْمِينه، وَإِن رَجَعَ الاول على الثَّانِي ثمَّ ظَهرت كَانَت للثَّانِي اهـ. وَتَمام التفريعات فِيهِ فليراجعه من رامه. مطلب: مُودع الْغَاصِب لَو استهلكها لَا يرجع على الْغَاصِب إِذا ضمنهَا وَإِذا ضمنهَا الْغَاصِب يرجع على الْمُودع قَالَ الْمَقْدِسِي: قلت فَلَو استهلكها مُودع الْغَاصِب فغرم الْغَاصِب يَنْبَغِي أَن يرجع، وَلَو غرم هُوَ لَا يرجع. قَوْله: (دُرَر) وَجزم بِهِ فِي الْبَحْر وَأَصله فِي التَّبْيِين. وَعبارَته: ثمَّ مُودع الْغَاصِب إِن لم يعلم أَنه غَاصِب رَجَعَ على الْغَاصِب قولا وَاحِدًا، وَإِن علم فَكَذَلِك فِي الظَّاهِر. وَحكى أَبُو الْيُسْر لَا يرجع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ شمس الائمة. ذكره فِي النِّهَايَة. قَوْله: (خلافًا لما نَقله الْقُهسْتَانِيّ الخ) أَي من أَنه لَا يرجع، وَهُوَ الْمُوَافق لما جزم بِهِ الشَّارِح فِيمَا لَو عالج الْوَدِيعَة بِإِذن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506 الْمُودع كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ. وَعبارَة الْقُهسْتَانِيّ: وَإِنَّمَا يرجع على الْغَاصِب إِذا لم يعلم أَنه غصب كَمَا فِي الْعمادِيَّة اهـ قَوْله: (فَتنبه) أَشَارَ بالتنبيه إِلَى مَا حررناه قَرِيبا. أَقُول: وَالْحَاصِل أَن الْمُودع لَو دفع الْوَدِيعَة إِلَى أَجْنَبِي بِلَا عذر فللمالك أَن يضمنهُ فَقَط لَا رُجُوع على الثَّانِي إِلَّا إِذا استهلكها. وَعِنْدَهُمَا: لَهُ أَن يضمن أيا شَاءَ، فَإِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول. وَأَجْمعُوا على ذَلِك فِي الْغَاصِب مَعَ مودعه فللمالك تضمين أَي شَاءَ، لَكِن إِن ضمن الثَّانِي رَجَعَ على الاول بِمَا ضمن إِن لم يعلم أَنَّهَا غصب كَمَا فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْعمادِيَّة. قَوْله: (فنكل لَهما) أَي أنكر، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمَا بَيِّنَة. وصور هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ: أَقَرَّ لَهُمَا نَكَلَ لَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ أَوْ حلف نكل لاحدهما وَحلف للْآخر. وَاعْلَم أَنه إِذا حلف لاحدهما لم يقْض لَهُ حَتَّى يحلفهُ الثَّانِي لينكشف وَجه الْقَضَاء، بِخِلَاف مَا لَو أقرّ لاحدهما ليحكم لَهُ إِذا الاقرار حجَّة بِنَفسِهِ والنكول حجَّة بِالْقضَاءِ، وَلذَا لَو نكل فَحلف برِئ. مقدسي. وَفِيه: وَلَو قَالَ أودعنيها أَحَدكُمَا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاع إِن اصطلحا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَان وَلَا استحلاف، فَإِن لم يصطلحا فَلِكُل أَن يسْتَحْلف كَمَا تقدم، وَتَمام تفصيلها فِي الزَّيْلَعِيّ. قَوْله: (فَهُوَ لَهما) لعدم الاولوية وَعَلِيهِ ألف آخر لاقراره بِهِ أَو لبذله إِيَّاه على اخْتِلَاف الاصلين ولايهما بَدَأَ القَاضِي بالتحليف جَازَ لتعذر الْجمع بَينهمَا أَو عدم الاولوية. والاولى عِنْد التشاحن أَن يقرع بَينهمَا تطييبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الْميل، فَإِن نكل للاول لَا يقْضى بِهِ لينكشف وَجه الْقَضَاء هَل هُوَ لَهما أَو لاحدهما، وَلَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي التَّأْخِير لانه لَا يقْضِي للمتقدم حَتَّى يحلف للمتأخر. قَوْله: (وَلَو حلف لاحدهما) فِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعين لَهُ وَلَا قيمتهَا لانه لَو أقرّ بهَا للاول ثَبت الْحق فِيهَا فَلَا يُفِيد إِقْرَاره بهَا لِلثَّانِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ صَادِقًا. بَحر. قَوْله: (فالالف لمن نكل لَهُ) دون الآخر لوُجُود الْحجَّة فِي حَقه دونه، وَلَو حلف لَهما فَلَا شئ لَهما لعدم الْحجَّة. زَيْلَعِيّ. قَوْله: (دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ ادْفَعْهَا الْيَوْمَ الخ) أَقُول: ذكر فِي الْخَانِية قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة: إِذا كَانَ بعد الطّلب قَالَ مُودع قَالَ لَهُ رب الْوَدِيعَة إِذا جَاءَ أخي فَرد عَلَيْهِ الْوَدِيعَة فَلَمَّا طلب أَخُوهُ مِنْهُ قَالَ لَهُ الْمُودع بعد سَاعَة أدفعها إِلَيْك فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ قَالَ لَهُ هَلَكت لَا يصدق لانه متناقض وَيكون ضَامِنا. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: إِذا طلب الْمُودع وَقَالَ اطلبها غَدا فأعيد الطّلب فِي الْغَد فَقَالَ قد ضَاعَت، رُوِيَ عَن أَصْحَابنَا أَنه يسْأَل الْمُودع مَتى ضَاعَت، إِن قَالَ ضَاعَت بعد إقراري لَا يضمن، وَإِن قَالَ كَانَت ضائعة وَقت إقراري لَا يقبل قَوْله لانه متناقض وَيكون ضَامِنا، لَان قَوْله اطلبها غَدا إِنَّمَا يكون للشئ الْقَابِل اهـ. وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ بأوضح من ذَلِك. قَوْله: (فَلم يَدْفَعهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 الخ) أَي إِذا لم يطْلبهَا الْمَأْمُور بدفعها إِلَيْهِ، أما لَو طلبَهَا فَمنعهَا مِنْهُ فَهُوَ كَمَا لَو منعهَا من مَالِكهَا، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ. فرع: فِي الْبَزَّازِيَّة: لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ الدَّائِنُ إلَى مَدْيُونِهِ رَجُلًا لِيَقْبِضَهُ فَقَالَ الْمَدْيُونُ دَفَعْتُهُ إلَى الرَّسُول وَقَالَ: أَي الرَّسُول دَفعته إِلَى الدَّائِن وَأنْكرهُ الدَّائِن فَالْقَوْل قَول الرَّسُول مَعَ يَمِينه اهـ. لَكِن الَّذِي فِي نور الْعين: القَوْل للمرسل بِيَمِينِهِ، فَتَأمل. وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا قَالَ الدَّائِنُ ابْعَثْ الدَّيْنَ مَعَ فُلَانٍ فَضَاعَ من يَد الرَّسُول ضَاعَ من الْمَدْيُون. قَوْله: (احْمِلْ إِلَى) أَي الْيَوْم كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. وَيُؤْخَذ من السِّيَاق واللحاق. قَوْلُهُ: (وَضَاعَتْ) يَعْنِي غَابَتْ وَلَمْ تَظْهَرْ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ. قَوْله: (صدق الْمُودع مَعَ يَمِينه) أَي فِي بَرَاءَة ذمَّته من الْوَدِيعَة لَا فِي إِلْزَام الْمَدْفُوع إِلَيْهِ. قَوْله: (لَا يضمن عَلَى الْأَصَحِّ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يضمن، لَكِن أفتى الْخَيْر الرَّمْلِيّ بِالضَّمَانِ فِي حَاشِيَة الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي متفرقات الاجارة من نوع فِي المتفرقات: دَفَعَ إلَى الْمُشْتَرَكِ ثَوْرًا لِلرَّعْيِ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَ الثَّوْرُ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّضْيِيعِ فِي زَمَاننَا. اهـ. وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَانْظُر إِلَى قَوْله فِي زَمَاننَا اهـ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ لم تضع) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُورِ الْعين وَغَيرهمَا، من أَنه لَا يضمن على الاصح، وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةِ الْمِنَحِ، لَكِنَّ لَفْظَةَ لَا مُلْحَقَةٌ بَيْنَ الْأَسْطُرِ وَكَأَنَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ النّسخ فنقلها الشَّارِح هَكَذَا، فَتنبه. ثمَّ نقل فِي الْعمادِيَّة بعْدهَا: وَلَو قَالَ لَا أَدْرِي أضيعتها أم لم أضيع يضمن لانه نسب الاضاعة إِلَى نَفسه فَكَانَ ذَلِك تَعَديا مِنْهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. قَوْله: (لَا يضمن) أَي إِن كَانَ للكرم أَو للدَّار بَاب، وَإِن لم يكن لَهما بَاب يضمن. هندية عَن الْمُحِيط. وَفِي نور الْعين عَن قاضيخان قَالَ: وَضَعْتهَا فِي دَارِي فَنَسِيت الْمَكَانَ لَا يضمنهُ. وَلَوْ قَالَ وَضَعْتهَا فِي مَكَان حَصِينٍ فَنَسِيت الْمَوْضِعَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ جَهِلَ الْأَمَانَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ مجهلا. صع: وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَقَوْلِهِ ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ، وَلَوْ قَالَ دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يبين مَكَان الدّفن وَلَكِن قَالَ سُرِقَتْ مِنْ مَكَان دُفِنَتْ فِيهِ لَمْ يضمن. عدَّة: لَو دَفَنَهَا فِي الْأَرْضِ يَبْرَأُ لَوْ جَعَلَ هُنَالِكَ عَلَامَةً، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْمَفَازَةِ ضَمِنَ مُطْلَقًا. وَلَوْ دَفَنَهَا فِي الْكَرْمِ يَبْرَأُ لَوْ حَصِينًا. بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ. وَلَوْ وَضَعَهَا بِلَا دَفْنٍ بَرِئَ لَوْ مَوْضِعًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ أحد بِلَا إِذن. اهـ. أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ من أَنه إِذا كَانَ الْموضع حرْزا لتِلْك الْوَدِيعَة وَإِلَّا يضمن مُطلقًا وَمن أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508 الْعبْرَة للْعُرْف كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن الْبَزَّازِيَّة، فَتَأمل. وَفِيه: تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ نَحْوَهُ فِي مَفَازَةٍ فَدَفَنَهَا حَذَرًا فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَظْفَرْ بِمَحَلِّ دَفْنِهِ، لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ عَلَامَةً وَلَمْ يَفْعَلْ ضمن، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ قَرِيبًا بَعْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَعُدْ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْهَا لَا لَو دَفنهَا بِإِذن رَبهَا. فظ: وَضعهَا فِي زمَان الْفِتْنَة فِي بَيت خراب يضمن لَوْ وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ لَا لَوْ دَفَنَهَا اهـ. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن النَّوَازِل: إِذا قَالَ الْمُودع سَقَطت الْوَدِيعَة أَو وَقعت مني لَا يضمن. وَلَو قَالَ أسقطت أَو تركتهَا يضمن. قَالَ الشَّيْخ الامام ظهير الدّين المرغيناني رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يضمن فِي الْوَجْهَيْنِ، لَان الْمُودع لَا يضمن بالاسقاط إِذا لم يتْرك الْوَدِيعَة وَلم يذهب، وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ: كَذَا فِي الْخُلَاصَة: وَلَو قَالَ: لَا أَدْرِي أضاعت أَو لم تضع لَا يضمن. وَلَو قَالَ لَا أَدْرِي أضيعتها أم لم أضيغ يضمن. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة اهـ. وَقدمنَا وَجهه لانه نسب الاضاعة إِلَى نَفسه، فَهَذَا وَجه مَا نَقَلْنَاهُ، وَهِي مَسْأَلَة أُخْرَى، بِخِلَاف قَوْله ذهبت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت وَقَوله أضاعت أم لم تضع الخ، فَلَا فرق بَينهمَا لَان مؤدى العبارتين وَاحِد كَمَا لَا يخفى على من تَأمل، فَتدبر. قَالَ فِي نور الْعين: وَلَو قَالَ أسقطت أَو تركتهَا ضمن كَذَا فِي ث. وطعنوا أَن مُجَرّد الاسقاط لَيْسَ بِسَبَب ضَمَان، إِذْ لَو أسقطها فَرَفعهَا وَلم يبرح حَتَّى هَلَكت يبرأ، فَهُنَا لَا يضمن بِمُجَرَّد قَوْله أسقطت، بل بِشَرْط أَن يَقُول أسقطت وَتركت أَو أسقطت وَذَهَبت أَو أسقطت فِي المَاء وَنَحْوه، وَقَالُوا فِي قَوْله سَقَطت أَو وَقعت يَنْبَغِي الضَّمَان للسقوط بتقصير فِي الشد أَو فِي جعلهَا فِي مَحل لَا يحتملها فَيكون كحمال. وَذكر أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يضمن بِمُجَرَّد قَوْله أسقطت أَو تركت، إِذْ لَا يفرق الْعَامَّة بَين سَقَطت وأسقطت. وَلَو قَالَ ضَاعَت فَالْقَوْل لَهُ. وَلَو قَالَ لم يذهب من مَالِي شئ لَا يضمن. وَلَو قَالَ ذهبت وَلَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ. وَلَو قَالَ ابْتِدَاء لَا أَدْرِي كَيفَ ذهبت اخْتلف فِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ، والاصح أَنه لَا يضمن. اهـ. أَقُول: لَكِن قدمنَا عَن الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَنه أفتى بِالضَّمَانِ مُعَللا بِأَنَّهُ تَضْييع فِي زَمَاننَا فَلَا تنسه. وَفِيه: الْمُودع لَو سقط شئ من يَده على الْوَدِيعَة يضمن اهـ. وَفِيه: نَام ووضعها تَحت رَأسه أَو بجنبه يبرأ وَكَذَا بِوَضْعِهِ بَين يَدَيْهِ فِي الصَّحِيح قَالُوا يبرأ فِي الْفَصْل الثَّانِي لَو نَام قَاعِدا، وَلَو مُضْطَجعا ضمن فِي الْحَضَر لَا فِي السّفر. عدَّة: يبرأ لَو قَاعِدا لَا لَو وَاضِعا جنبه على الارض، وَفِي السّفر لَا يضمن، وَلَو مُضْطَجعا جعل ثِيَاب الْوَدِيعَة تَحت جنبه، لَو قصد بِهِ السّرقَة ضمن لَا لَو للْحِفْظ. وَلَو جعل الْكيس تَحت جنبه يبرأ مُطلقًا. جعل دَرَاهِم الْوَدِيعَة فِي خفه ضمن فِي الايمن لَا فِي الايسر لانها فِي الْيَمين على شرف سُقُوط عِنْد ركُوبه، وَقيل يبرأ مُطلقًا، وَكَذَا لَو ربطها فِي طرف كمه أَو عمَامَته، وَكَذَا لَو شدها فِي منديل وَوَضعه فِي كمه يبرأ، وَلَو أَلْقَاهَا فِي جَيْبِهِ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ وَهُوَ يظنّ أَنَّهَا وَقعت فِيهِ لَا يضمن خُلَاصَة: ضمن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 وَلَو دخل الْحمام وَهِي فِي جيبه وَتَركه فِي الساكودة فَسرق قيل يضمن. قاضيخان. جعلهَا فِي جيبه وَحضر مجْلِس فسق فَضَاعَت بعد مَا سكر بِسَرِقَة أَو سُقُوط أَو نَحْوهمَا قيل لَا يضمن لانه حفظهَا فِي مَحل يحفظ مَال نَفسه، وَقيل هَذَا إِذا لم يزل عقله. أما إِذا زَالَ فَلَو بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ حفظ مَاله يضمن لانه عجز عَن الْحِفْظ بِنَفسِهِ فَيصير مضيعا أَو مودعا غَيره اهـ. قَوْله: (إِن خَافَ الخ) ظَاهر صَنِيعه أَن المنظور إِلَيْهِ مَا وَقع عِنْد الْمُودع من خوف تلف نَفسه أَو عضوه أَو حَبسه أَو أَخذ مَاله وَإِن كَانَ التهديد مُطلقًا أما إِذا كَانَ صَرِيحًا بأحدها فَالْحكم ظَاهر ط. قَوْله: (وَإِن خَافَ الْحَبْس أَو الْقَيْد) أَو التجريس كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة. قَوْله: (وَإِنْ خَشِيَ أَخْذَ مَالِهِ كُلِّهِ فَهُوَ عُذْرٌ) لانه يُؤَدِّي إِلَى تلف نَفسه، بِخِلَاف مَا لَو أبقى لَهُ قوت الْكِفَايَة. وَفِي الْهِنْدِيَّة: سُلْطَان هدد الْمُودع بِإِتْلَاف مَاله إِن لم يدْفع إِلَيْهِ الْوَدِيعَة ضمن إِن بَقِي لَهُ قدر الْكِفَايَة، وَإِن أَخذ كل مَاله فَهُوَ مَعْذُور وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. قَالَ ط: وَلم يبين مَا المُرَاد بِقدر الْكِفَايَة هَل كِفَايَة يَوْم أَو شهر أَو الْعُمر الْغَالِب؟ فيحرر. اهـ. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا هُنَا كِفَايَة شهر أَو يَوْم. قَوْله: (كَمَا لَو كَانَ الجائر هُوَ الْآخِذ بِنَفسِهِ فَلَا ضَمَان) أَي من غير تَفْصِيل كَمَا يُؤْخَذ من الْمنح. قَوْله: (رفع الامر للْحَاكِم) أَي على سَبِيل الاولولة. قَوْله: (ليَبِيعهُ) وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد قَاض بَاعهَا وَحفظ ثمنهَا هندية، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَبَرّع، وَلَو لم ينْفق عَلَيْهَا الْمُودع حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ لَكِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُودِعِ. منلا عَليّ عَن حاوي الزَّاهدِيّ. وَفِي التاترخانية: غَابَ رب الْوَدِيعَة وَلَا يدْرِي أَحَي هُوَ أَو مَيِّتٌ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَا، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهَا وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَعَلَى كَوْنِ الْمَالِكِ غَائِبًا، فَإِنْ بَرْهَنَ، فَلَوْ مِمَّا يُؤَجِّرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا من غَلَّتهَا أمره بِهِ وَإِلَّا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لَا أَكْثَرَ بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ إذَا حَضَرَ، لَكِنْ فِي الدَّابَّةِ يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا بِالزِّيَادَةِ، وَفِي الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بلغت، وَلَو اجْتمع من أَلْبَانهَا شئ كَثِيرٌ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَأَثْمَرَتْ وَخَافَ فَسَادَهُ فَبَاعَهُ بِلَا أَمر الْقَاضِي، فَلَوْ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَصَّلُ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ ذَلِكَ ضمن. قَوْله: (فَهَلَك حَال الْقِرَاءَة) نَص على المتوهم فَلَا ضَمَان بعْدهَا بالاولى. قَوْله: (لَان لَهُ ولَايَة هَذَا التَّصَرُّف) أَي وَهُوَ الْقِرَاءَة، وَسَيَأْتِي آخر الْعَارِية مَا نَصه: أما كتب الْعلم فَيَنْبَغِي أَن يجوز النّظر فِيهَا إِذا كَانَت لَا تتضرر بِالنّظرِ والتقليب، وَيكون كالاستظلال بِالْحَائِطِ والاستضاءة بالنَّار لَا سِيمَا إِذا كَانَ مودعا وَعَادَة النَّاس فِي ذَلِك المساهلة والمسامحة، وَالِاحْتِيَاط عدم النّظر إِلَّا بِأَمْر. قَوْله: (وَكَذَا لَو وضع السراج) أَي سراج الْوَدِيعَة على المنارة: أَي على مَحل النُّور فَإِنَّهُ لَا يضمن إِذا تلف. قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 (أودع صكا) أَي لَهُ، أما إِذا كَانَ لغيره وَقد أودعهُ هُوَ وَجَاء الَّذِي لَهُ الصَّك يَطْلُبهُ فَلَا يَدْفَعهُ إِلَيْهِ وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. هندية. قَوْله: (وَأنكر الْوَارِث) أَي وَارِث الطَّالِب. قَوْله: (حبس الْمُودع الصَّك) لما فِيهِ من الاضرار، وَقد تقدم نَحْو هَذَا فِي المُصَنّف، وَلَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ يقر بِهِ إِذا عرض عَلَيْهِ، وَإِلَّا فمجرد الْخط لَا يثبت الْحق، ثمَّ ظَاهر كَلَامه يعم مَا لَو أنكر الْوَارِث لكَونه لَا يعلم الدّفع. قَوْله: (أبدا) أَن مَا لم يقر الْوَارِث بالاداء أَي بِمَا قبض مُورثهم. قَوْله: (لَا يَبْرَأُ مَدْيُونُ الْمَيِّتِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَارِث) الظَّاهِر أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءً كَانَ الْوَارِث مؤتمنا أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ وَالْوَارِث غير مؤتمن، كَمَا قيد بِهِمَا فِي الْمُودَعِ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِلْوَارِثِ. حموي. لَكِن قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: إِذا كَانَ للْمَيت وَدِيعَة عِنْد إِنْسَان وَفِي التَّرِكَة دين فَدفع الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى الْوَارِث بِغَيْر أَمر القَاضِي يضمن. فِي يَده ألف وَدِيعَة لرجل مَاتَ وَعَلِيهِ ألف دِرْهَم دين مَعْرُوف أَنه عَلَيْهِ وَترك ابْنا مَعْرُوفا فَقضى الْمُسْتَوْدع الالف للْغَرِيم لم يضمن، لانه قضى إِلَى من لَهُ الْحق وَهُوَ غَرِيم الْمَيِّت، وَلَيْسَ للِابْن مِيرَاث حَتَّى يقْضِي الدّين. اهـ. أَقُول: وَلَعَلَّ عدم الْبَرَاءَة بِدفع الدّين إِلَى الْوَارِث ديانَة. قَالَ فِي الْفَوَائِد الزينية: وَلَو قضى الْمُودع بهَا دين الْمُودع ضمن على الصَّحِيح، فَتَأمل وراجع. فرع: قَالَ بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يَضْمَنُ مَا لم يقل دفعتها للْمُشْتَرِي. شرح تحفة الاقران. وَفِي منية الْمُفْتِي: لرجل على آخر دين فقضاه فَمَنعه ظلما فَمَاتَ صَاحب الدّين فالخصوصة فِي الظُّلْمِ بِالْمَنْعِ لِلْمَيِّتِ وَفِي الدَّيْنِ لِلْوَارِثِ هُوَ الْمُخْتَار. وفيهَا: وَمن أَخذ من السُّلْطَان مَالا حَرَامًا فَحق الْخُصُومَة فِي الْآخِرَة لغاصب الْحق مَعَ السُّلْطَان وَمَعَ الْقَابِض إِن لم يخلطه السُّلْطَان وَبعد الْخَلْط يكون مَعَ السُّلْطَان عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. قَوْله: (لَيْسَ للسَّيِّد أَخذ وَدِيعَة العَبْد) أَي وَلَو غير مَأْذُون لاحْتِمَال أَنه مَال الْغَيْر إِلَّا إِذا أَقَامَ السَّيِّد بَيِّنَة على أَنه مَاله وَقد سلف. وَفِي الْبَزَّازِيَّة: الرَّقِيق إِذا اكْتسب وَاشْترى شَيْئا من كَسبه وأودعه وَهلك عِنْدَ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمَوْلَى مَعَ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، حَتَّى لَوْ أودع شَيْئا وَغَابَ فَلَيْسَ للْمولى أَخذه انْتهى. هَذَا إِذا لم يعلم أَن الْوَدِيعَة كسب العَبْد أَو مَاله، أما إِذا علم ذَلِك فَلهُ حق الاخذ بِلَا حُضُور العَبْد كَمَا نَقله فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الذَّخِيرَة، وَقد تقدم ذَلِك. قَوْله: (الْعَامِلُ لِغَيْرِهِ أَمَانَةً لَا أَجْرَ لَهُ إلَّا الْوَصِيّ) أَي وَصِيّ القَاضِي وَقد نَصبه بِأَجْر، وَأما وَصِيّ الْمَيِّت فَلَا يسْتَحق الاجر كَمَا فِي الاشباه من فن الْجمع، وَالْفرق فِي الْكَلَام على أجر الْمثل نقلا عَن الْقنية. وَقد علل الْوَلْوَالجيّ عدم صِحَة الاجر لَهُ، وَلَو جعله الْمُتَوفَّى لَهُ لينفذ لَهُ وَصَايَاهُ بِأَنَّهُ بِقبُول الْوَصِيَّة صَار الْعَمَل وَاجِبا عَلَيْهِ والاستئجار على هَذَا لَا يجوز انْتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَن الْقيام بِالْوَصِيَّةِ إِلَّا بِأَجْر فِي مُقَابلَة عمله لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا جبر على الْمُتَبَرّع. وَإِذا رأى القَاضِي أَن يعْمل لَهُ أُجْرَة على عمله وَكَانَت أُجْرَة الْمثل فَمَا الْمَانِع قِيَاسا واستحسانا، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْوَلوالجِيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر لَان الْمَوْضُوع مُخْتَلف كَمَا يظْهر بِأَدْنَى تَأمل. اهـ. أَقُول: إِنَّمَا كَانَ الْمَوْضُوع مُخْتَلفا لَان مَوْضُوع مَسْأَلَة الْوَلْوَالجيّ فِي وجوب الْعَمَل بِقبُول الْوَصِيَّة وموضوع مَا ذكره فِي عدم الْجَبْر على الْعَمَل وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوب، لَكِن قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَفِيه تَأمل، إِذْ بعد الْقبُول لَا يُقَال إِنَّه مُتَبَرّع. وَالْحَاصِل: أَن وَصِيّ الْمَيِّت لَا أجر لَهُ إِلَّا إِذا كَانَ مُحْتَاجا فَلهُ الاكل من مَال الْيَتِيم بِقدر عمله، وللقاضي أَن يفْرض لَهُ ذَلِك، لَكِن للمستقبل لَا لما مضى لشروعه فِيهِ مُتَبَرعا. وَأما وَصِيّ القَاضِي، فَإِن كَانَ مُحْتَاجا فَكَذَلِك، وَإِلَّا فَإِن نَصبه القَاضِي وَجعل لَهُ أُجْرَة الْمثل جَازَ، وَكَذَا إِذا امْتنع بعد النصب عَن الْعَمَل حَتَّى يَجْعَل لَهُ أُجْرَة لَان وصايته غير لَازِمَة، لَان لَهُ أَن يعْزل نَفسه فَلهُ أَن يمْتَنع عَن الْمُضِيّ فِي الْعَمَل إِلَّا بِأَجْر، وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي بَاب الْوَصِيّ آخر الْكتاب فَرَاجعه إِن شِئْت. قَوْله: (إِذا عملا) فيستحقان أُجْرَة الْمثل. أشباه. قَالَ فِي الْقنية: إِذا عين القَاضِي لَهُ أجرا فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَذكر أَن لَهُ أُجْرَة مثله وَلَو لم يُعينهُ القَاضِي، وَتقدم ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف، وَذكره فِي الْوَصَايَا. قَوْله: (قلت) القَوْل لصَاحب الاشباه. قَوْله: (فَعلم مِنْهُ أَن لَا أجر للنَّاظِر الخ) أَي من قَوْله: (إِذا عملا) أَي إِلَّا إِذا كَانَ مَشْرُوطًا من جِهَة الْوَاقِف. أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود. وَوجه الْعَمَل أَنه لَا عمل حِينَئِذٍ ط. وَالْحَاصِل: أَن الْوَاقِف إِن عين للنَّاظِر شَيْئا فَهُوَ لَهُ كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا على حسب مَا شَرطه عمل أَو لم يعْمل حَيْثُ لم يَشْتَرِطه فِي مُقَابلَة الْعَمَل، وَإِن لم يعين لَهُ الْوَاقِف وَعين لَهُ القَاضِي أُجْرَة مثله جَازَ، وَإِن عين أَكثر يمْنَع عِنْد الزَّائِد عَن أُجْرَة الْمثل، هَذَا إِن عمل، وَإِن لم يعْمل لَا يسْتَحق أُجْرَة، وبمثله صرح فِي الاشباه فِي كتاب الدَّعْوَى. وَإِن نَصبه القَاضِي وَلم يعين لَهُ شَيْئا ينظر، إِن كَانَ الْمَعْهُود أَن لَا يعْمل إِلَّا بِأُجْرَة الْمثل فَلهُ أُجْرَة الْمثل، لَان الْمَعْهُود كالمشروط وَإِلَّا فَلَا شئ لَهُ، وَبَيَان تَفْصِيل ذَلِك مَعَ أدلته فِي كتاب الْوَقْف فَارْجِع إِلَيْهِ. قَوْله: (ودافع ألف مقرضا ومقارضا) قَالَ ابْن الشّحْنَة: مَسْأَلَة الْبَيْت من الْبَدَائِع. قَالَ: وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نصفهَا عَلَيْك قرض على أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ ربح لي فَهَذَا مَكْرُوه لانه شَرط لنَفسِهِ مَنْفَعَة فِي مُقَابلَة الْقَرْض، وَقد نهى رَسُول الله (ص) عَن قرض جر نفعا فَإِن عمل هَذَا وَربح فَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ، لَان الْمضَارب ملك نصف المَال بالقرض فَكَانَ نصف الرِّبْح لَهُ وَالنّصف الآخر بضَاعَة فِي يَده فربحه لرب المَال. قَوْله: (وَربح الْقَرَاض) أَي لرب المَال خَاصَّة. قَوْله: (الشَّرْط جَازَ) وَيجْعَل النّصْف بضَاعَة ونماء النّصْف الْقَرْض للمستقرض، لَان الْمُضَاربَة لما فَسدتْ بِاشْتِرَاط كل الرِّبْح لرب المَال صَارَت بضَاعَة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 قَوْله: (ويحذر) للنَّهْي عَن قرض جر نفعا. وَإِذا علم صِحَة الشَّرْط فَالرِّبْح الْحَاصِل من الالف لَهما والخسران عَلَيْهِمَا لانهما شريكان فِي الالف. قَوْله: (وَإِن يَدعِي ذُو المَال قرضا وخصمه إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ) قَالَ الشَّارِح: قد اشْتَمَل البيتان على ثَلَاث مسَائِل: الاولى من الظَّهِيرِيَّة: لَو قَالَ الْمضَارب دَفعته إِلَى مُضَارَبَة وَقَالَ رب المَال دَفعته إِلَيْك قرضا فَالْقَوْل قَول رب المَال، وَمَعَ ذَلِك لَو هلك المَال قبل التَّصَرُّف لَا ضَمَان على ذِي الْيَد لاتِّفَاقهمَا على قَول الْمَالِك دفعت فَإِنَّهَا لَا تفِيد ضمانا قبل التَّصَرُّف وَضمن بعده: وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة لرب المَال فَيكون كل من القَوْل وَالْبَيِّنَة لرب المَال. وَفِي النِّهَايَة وَشرح التَّحْرِير أَن القَوْل قَول الْمضَارب وَالْبَيِّنَة على رب المَال. قَوْله: (فَرب المَال قد قيل أَجْدَر) أَي بِقبُول قَوْله وَإِن هلك المَال، فَإِن كَانَ قبل الْعَمَل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لاتِّفَاقهمَا على لفظ الدّفع كَمَا تقدم. قَوْله: (وَفِي الْعَكْس) وَهَذِه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الظَّهِيرِيَّة أَيْضا، وَهِي عكس الاولى. إِذا قَالَ الْمضَارب بَعْدَمَا تصرف وَربح أقرضتني هَذَا المَال وَالرِّبْح كُله لي وَقَالَ رب المَال دَفعته إِلَيْك مُضَارَبَة بِالثُّلثِ أَو قَالَ دَفعته إِلَيْك بضَاعَة أَو قَالَ مُضَارَبَة وَلم أسم ربحا أَو بِرِبْح مائَة دِرْهَم فَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول رب المَال وعَلى الْمضَارب الْبَيِّنَة. وَفِي دَعْوَى البضاعة الرِّبْح لرب المَال، وَفِيمَا إِذا لم يسم فَالرِّبْح لرب المَال وللمضارب أجر الْمثل، وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة لِلْعَامِلِ، وَإِن اخْتلفَا قبل الرِّبْح يرد المَال إِلَى مَالِكه لعدم لُزُوم العقد. قَوْله: (كَذَلِك فِي الابضاع) بِأَن قَالَ رب المَال دَفعته بضَاعَة وَالْمُضَارب يَدعِي الْقَرْض فَالْقَوْل لرب المَال. وَلَو ادّعى الْمُضَاربَة وَرب المَال الْغَصْب وَضاع المَال قبل الْعَمَل فَلَا ضَمَان، وَإِن بعد الْعَمَل فَهُوَ ضَامِن، وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة للْمُضَارب فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة. قَوْله: (مَا يتَغَيَّر) أَي الحكم فِي هَذِه الصُّورَة، وَقد قدمنَا الْكَلَام على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ آخر كتاب الْمُضَاربَة. قَوْله: (وَإِنْ قَالَ قَدْ ضَاعَتْ مِنْ الْبَيْتِ وَحْدَهَا) مَسْأَلَة الْبَيْت من الْوَاقِعَات، وَقد ذَكرنَاهَا فِي هَذَا الْبَاب، وَهِي الْمُودع إِذا قَالَ ذهبت الْوَدِيعَة من منزلي وَلم يذهب من مَالِي شئ قبل قَوْله مَعَ يَمِينه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة وَالْكَافِي وجامع الْفُصُولَيْنِ وَنور الْعين وَغَيرهَا. قَوْله: (فقد يتَصَوَّر) بِأَن يعجل السَّارِق أَن تكون هِيَ الْمَقْصُودَة، وَمعنى يَصح يصدق. قَوْله: (وتارك) بِغَيْر تَنْوِين. قَوْله: (لامر) مُتَعَلق بتارك أَو بِصَحِيفَة والصحيفة مِثَال، وَهِي قِطْعَة من جلد أَو قرطاس كتب فِيهِ، وَقدمنَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة. وَذكر شارحها الْعَلامَة ابْن الشّحْنَة أَن مَسْأَلَة الْبَيْت من قاضيخان قَالَ: قوم جُلُوس فِي مَكَان فَقَامَ وَاحِد مِنْهُم وَترك كِتَابه ثمَّ قَامَ الْبَاقُونَ مَعًا فَهَلَك الْكتاب ضمنُوا جَمِيعًا، لَان الاول لما ترك الْكتاب عِنْدهم فقد استحفظهم، فَإِذا قَامُوا وَتركُوا الْكتاب فقد تركُوا الْحِفْظ الْمُلْتَزم فضمنوا جَمِيعًا، وَإِن قَامَ الْقَوْم وَاحِدًا بعد وَاحِد كَانَ الضَّمَان على آخِرهم لَان الآخر تعين للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان. قَالَ المُصَنّف: وَهَذَا لَيْسَ خَاصّا بالصحيفة بل يطرد فِي غَيرهَا أَيْضا. قَالَ ط: وَيَنْبَغِي تَقْيِيد هَذَا الْفَرْع بِمَا لَا يقسم فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مِمَّا يقسم يكون الْقَائِم أَولا مفرطا بِعَدَمِ قسْمَة الْمُودع للْحِفْظ. اهـ. قَوْله: (يضمن الْمُتَأَخر) لتعينه للْحِفْظ فَتعين للضَّمَان اهـ. عبد الْبر. وَمَفْهُومه أَنهم إِذا قَامُوا جملَة ضمنُوا جَمِيعًا وَبِه صرح قاضيخان. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُقْسَمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 كَذَلِك. سائحاني قَوْله: (وتارك نشر الصُّوف صيفا الخ) قد اشْتَمَل البيتان على مَسْأَلَتَيْنِ من الظَّهِيرِيَّة. قَالَ فِي كتاب الْوَدِيعَة: إِذا أفسدها الفأر وَقد اطلع الْمُودع على ثقب مَعْرُوف، إِن كَانَ أخبر صَاحب الْوَدِيعَة أَن هَاهُنَا ثقب الفأر فَلَا ضَمَان، وَإِن لم يُخبرهُ بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ وَلم يسده ضمن، وَهِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة. والاولى مَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة عَن السَّيِّد الامام أبي الْقَاسِم أَن الانسان إِذا استودع عِنْده مَا يَقع فِيهِ السوس فِي زمَان الصَّيف فَلم يبردها فِي الْهَوَاء حَتَّى وَقع السوس وَفَسَد لَا يضمن، وَهَذَا علم من صُورَة النّظم إِلَّا أَنه يعلم من ذَلِك الحكم فِي نَظِيره. انْتهى مَا ذكره ابْن الشّحْنَة. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: الْوَدِيعَة إِذا أفسدتها الْفَأْرَة وَقد اطلع الْمُودع على ثقب ب الْفَأْرَة، إِن أخبر صَاحبهَا أَن هَاهُنَا ثقب الْفَأْرَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يخبر بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ وَلم يسده يضمن. كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة. وَذكر بعْدهَا عبارَة الظَّهِيرِيَّة. ثُمَّ قَالَ: وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: إذَا كَانَت الْوَدِيعَة شَيْئا يخَاف عَلَيْهِ الْفساد وَصَاحب الْوَدِيعَة غَائِب: فَإِن رفع الامر إِلَى القَاضِي حَتَّى يَبِيعهُ جَازَ وَهُوَ الاولى، وَإِن لم يرفع حَتَّى فَسدتْ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه حفظ الْوَدِيعَة على مَا أَمر بِهِ. كَذَا فِي الْمُحِيط. وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد قَاض بَاعهَا وَحفظ ثمنهَا لصَاحِبهَا. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج انْتهى. قَوْله: (فعث) العث بِالْمُثَلثَةِ: السوس أَو الارضة وَهِي دويبة تَأْكُل الصُّوف. قَوْله: (لم يضمن) لانه حفظ الْوَدِيعَة كَمَا أَمر بِهِ. مُحِيط. وَيضمن بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (وقرض الفأر) الْحَاصِل أَنه إِذا أودعهُ الْوَدِيعَة فوضعها فِي مَحل لَا ثقب فِيهِ فقرضها الفأر أَو أحرقتها النَّار أَو أَصَابَهَا بخس بِالْبَاء الْمُوَحدَة بالتحتية ثمَّ الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي نقص، أَو أَصَابَهَا نخس بالنُّون ثمَّ الْخَاء: أَي ثقب متسع فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَأما إِذا كَانَ فِي الْمَكَان الْمَوْضُوع فِيهِ الْوَدِيعَة ثقب قد اطلع عَلَيْهِ الْمُودع: إِن أخبر صَاحبهَا بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن لم يُخبرهُ وَلم يسده يضمن. أَفَادَهُ صَاحب الْهِنْدِيَّة قَوْله: (بِالْعَكْسِ يُؤثر) أَي بِالْخِلَافِ. قَوْله: (وَلم يعلم) الْوَاو بِمَعْنى أَو، فَيَنْتَفِي عَنهُ الضَّمَان بسده أَو بإعلام الْمَالِك بِهِ وَإِن لم يسده، لَان الْمَالِك حِينَئِذٍ رَضِي بِوَضْعِهِ فِيهِ على هَذَا الْحَال وَيعلم بِضَم الْيَاء. قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَفْصِيله) الْبَحْثُ لِلطَّرَسُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا التَّفْصِيلُ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الْإِعْلَامِ للْمُودع أَو السد بِدُونِهِ وَهُوَ مَوْجُود أَو ارْتَضَاهُ. عبد الْبر وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ. تَتِمَّة فِي ضَمَان الْمُودع بِالْكَسْرِ فِي قاضيخان: مُودَعٌ جَعَلَ فِي ثِيَابِ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ فَدَفَعَهَا إلَى رَبِّهَا وَنَسِيَ ثَوْبَهُ فِيهَا فَضَاعَ عِنْده ضمن لِأَنَّهُ أَخَذَ ثَوْبَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا: قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَضَاعَ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ أَصْلًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَيْسَ على إِطْلَاقه، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. مُلَخصا. قَالَ فِي السِّرَاجِيَّة: مُؤنَة الرَّد على الْمَالِك لَا على الْمُودع، وَإِن نقلهَا فِي بَلَده من محلّة فمؤنة الرَّد على صَاحبهَا بالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إِذا سَافر فِيمَا يجوز لَهُ السّفر بهَا تكون الاجرة على الْمَالِك سراج: أَي أُجْرَة الرَّد كَمَا يُؤْخَذ من سابقه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 قَالَ ط: وَانْظُر مُؤنَة حمله للاخراج هَل هِيَ على الْمُودع أَو الْمَالِك؟ فروع: ندت بقرة من الباقورة وَترك الرَّاعِي اتبَاعا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا ندت بالاجماع إِن كَانَ الرَّاعِي خَاصّا، وَإِن كَانَ مُشْتَركا فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة. وَعِنْدَهُمَا يضمن. وَإِنَّمَا لَا يضمن عِنْده وَإِن ترك الْحِفْظ فِيمَا ندت لَان الامين إِنَّمَا يضمن بترك الْحِفْظ إِذا ترك بِغَيْر عذر، أما إِذا ترك بِعُذْر فَإِنَّهُ لَا يضمن، كَمَا لَو دفع الْوَدِيعَة لاجنبي حَالَة الْحَرِيق فَإِنَّهُ لَا يضمن وَإِن ترك الْحِفْظ لانه ترك بِعُذْر، كَذَا هُنَا، وَإِنَّمَا ترك الْحِفْظ بِعُذْر كي لَا يضيع الْبَاقِي. وَعِنْدَهُمَا يضمن لانه ترك بِعُذْر يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ. قَالَ صَاحب الذَّخِيرَةِ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا نَدَّتْ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبْعَثهُ ليردها أَو يَبْعَثهُ ليخبر صَاحبهَا بذلك، وَكَذَلِكَ لَوْ تَفَرَّقَتْ فِرَقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اتِّبَاعِ الْكل فَاتبع الْبَعْض وَترك الْبَعْض لَا يضمن. لانه ترك حفظ الْبَعْض بِعُذْر. وَعِنْدَهُمَا: يضمن لانه يُمكن الاحتزاز عَنهُ عمادية من ضَمَان الرَّاعِي. وَفِي فَتَاوَى أبي اللَّيْث: مكار حمل كرابيس إِنْسَان فَاسْتَقْبلهُ اللُّصُوص فَطرح الكرابيس وَذهب بالحمار قَالَ: إِن كَانَ لَا يُمكنهُ التَّخَلُّص مِنْهُم بالحمار والكرابيس وَكَانَ يعلم أَنه لَو حمله أَخذ اللُّصُوص الْحمار والكرابيس فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه الم يتْرك الْحِفْظ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ. طرح الامانة فِي السَّفِينَة وَسبح فِي الْبَحْر خوفًا من الاسر وَالْقَتْل لَا يضمن. فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي ضَمَان الاجير الْمُشْتَرك رامزا للذخيرة: قَرْيَة عَادَتهم أَن البقار إِذا أَدخل السَّرْح فِي السكَك يُرْسل كل بقرة فِي سكَّة رَبهَا وَلَا يُسَلِّمهَا إِلَيْهِ فَفعل الرَّاعِي كَذَلِك فَضَاعَت بقرة، قيل يبرأ إِذْ الْمَعْرُوف كالمشروط، وَقيل لَو لم يعد ذَلِك خلافًا يبرأ اهـ. وَالظَّاهِر أَن الْقَوْلَيْنِ متقاربان إِن لم يَكُونَا بِمَعْنى وَاحِد، لَان ذَلِك إِذا كَانَ مَعْرُوفا لَا يعد خلافًا لانه يكون مَأْذُونا بِهِ عَادَة، وَقدمنَا نَحْو هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا لَو أرسل الْوَكِيل بِالْبيعِ الثّمن إِلَى الْمُوكل مَعَ المكاري وَنَحْوه مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة فَإِنَّهُ لَا يضمن، وَبِه أفتى الْخَيْر الرَّمْلِيّ لَان الْمَعْرُوف عرفا كالمشروط شرطا، وَلَا فرق بَين أَن تتْلف أَو تضيع أَو يأكلها الذِّئْب إِلَّا إِذا نَهَاهُ رَبهَا عَنهُ. قَالَ الرَّمْلِيّ: وَمثله الشَّرِيك والمزارع أَيْضا مثله وَهُوَ كَالْمُودعِ وَهَذَا إِذا كَانَت الْعَادة مطردَة، أما إِذا لم تكن كَذَلِك فَلَا شُبْهَة فِي الضَّمَان فِي صُورَة الضّيَاع أَو أكل الذِّئْب تنبه، وَهَذَا أَيْضا إِذا لم يخْش عَلَيْهَا، أما إِذا خشِي بِأَن كَانَ على أهل الْقرْيَة أَعدَاء يقصدون نهب أَمْوَالهم أَو إتلافها أَو كَانَت كَثِيرَة اللُّصُوص فَلَا شُبْهَة فِي الضَّمَان فَاعْلَم ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم. اهـ. رجل اسْتعَار دَابَّة فَنَامَ فِي الْمَفَازَة ومقودها فِي يَده فجَاء السَّارِق وَقطع المقود بالدابة لَا يضمن الْمُسْتَعِير لانه لم يتْرك الْحِفْظ، وَلَو أَن السَّارِق مد المقود من يَده وَذهب بالدابة وَلم يعلم بِهِ الْمُسْتَعِير كَانَ ضَامِنا، لانه إِذا نَام على وَجه يُمكن مد المقود من يَده وَهُوَ لَا يعلم بِهِ يكون مضيعا، فَإِذا نَام جَالِسا لَا يضمن على كل لانه لَو نَام جَالِسا وَلم يكن المقود فِي يَده وَلَكِن الدَّابَّة تكون بَين يَدَيْهِ لَا يضمن فها هُنَا لَا يضمن أولى اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّة من الْوَدِيعَة: جعل الدَّابَّة الْوَدِيعَة فِي كرم غير رفيع الْحَائِط أَو لم يكن لَهُ حَائِط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 ينظر، إِن نَام الْمُودع وَوضع جنبه على الارض ضمن إِن ضَاعَت الْوَدِيعَة، وَإِن قَاعِدا لَا يضمن، وَإِن فِي السّفر لَا يضمن وَإِن نَام مُضْطَجعا اهـ. وَمثله فِي الذَّخِيرَة وعدة الْفَتَاوَى والعمادية. وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا فِي الْعَارِية ذكر مَا ذكر فِي الْخَانِية قَائِلا: وَهَذَا لَا يُنَاقض مَا مر، إِذْ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْحِفْظِ لَان ذَا فِي نفس النّوم وَهَذَا فِي أَمر زَاد على النّوم. اهـ. كل أَمِين ادّعى إِيصَال الْأَمَانَة إِلَى مستحقها قبل قَوْله كَالْمُودعِ إِذا ادّعى الرَّد. أشباه. وَمثله مَا تقدم متْنا. الْمُودع أَو الْمُسْتَعِير أَو الْمضَارب أَو المستبضع أَو المساوم أَو الْمُسْتَأْجر أَو الاب فِي مَال ابْنه الصَّغِير أَو الْوَكِيل أَو الرَّسُول أَو القَاضِي أَو أَمِين القَاضِي أَو الْمحْضر أَو أَمِير الْعَسْكَر أَو الْمُتَوَلِي أَو الْقيم أَو الدَّلال أَو السمسار أَو البياع أَو الْمُرْتَهن أَو الْعدْل أَو الْمُلْتَقط أَو آخذ الْآبِق أَو الشَّرِيك أَو الْحَاج عَن الْغَيْر أَو الاجير الْخَاص أَو الْمُشْتَرك أَو الْمُرْتَهن أَو نَحْوهَا إِذا ادّعى الْهَلَاك بِغَيْر تعد أَو ادّعى الرَّد إِلَى صَاحبهَا يصدق مَعَ يَمِينه لَان كل وَاحِد مِنْهُم أَمِين وَالْقَوْل قَول الامين مَعَ الْيَمين، إِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة على الرَّد أَو الْهَلَاك، وَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَإِنَّمَا طلبت الْبَيِّنَة لدفع الْيَمين عَنهُ. فَالْحَاصِل: أَن من تكون الْعين فِي يَده أَمَانَة إِذا ادّعى ردهَا إِلَى صَاحبهَا أَو ادّعى الْمَوْت أَو الْهَلَاك يصدق مَعَ يَمِينه بالِاتِّفَاقِ وَهَذَا فِي الرَّهْن قبل قَبضه، وَمَا بعد قَبضه فَالْقَوْل للرَّاهِن كَمَا سَيَأْتِي. (سائحاني) . حول الاجنبي الْوَدِيعَة عَن محلهَا ثمَّ ردهَا ثمَّ هَلَكت ضمن. قاضيخان. دفع إِلَى آخر قِنَا مُقَيّدا بسلسلة وَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إِلَى بَيْتك مَعَ هَذِه السلسلة فَذهب بِهِ بِلَا سلسلة فأبق الْقِنّ لم يضمن إِذا أَمر بشيئين وَقد أَتَى بِأَحَدِهِمَا. فصولين. أَقُول: أَي أَمر بالذهاب بالقن وَأمر بالذهاب بالسلسلة فَلَا يضمن الْقِنّ. وَأَقُول: الْمُتَبَادر من كَلَامه أَن يكون الْقِنّ مصحوبا بهَا أَي مسلسلا فَكَأَنَّهُ قَالَ اذْهَبْ بِهِ مسلسلا فَهُوَ مَأْمُور بالذهاب بِهِ مسلسلا فالمأمور بِهِ وَاحِد مَوْصُوف فَيَنْبَغِي الضَّمَان. تَأمل رملي. بَعثه إِلَى مَاشِيَة فَركب الْمَبْعُوث دَابَّة الْبَاعِث برِئ لَو بَينهمَا انبساط فِي مثل ذَلِك وَإِلَّا ضمن. فصولين. وَفِيه دفع بعيره إِلَى رجل ليكريه وَيَشْتَرِي لَهُ شَيْئا بكرائه فَعميَ الْبَعِير فَبَاعَهُ وَأخذ ثمنه فَهَلَك، وَلَو كَانَ فِي مَوضِع يقدر على الرّفْع للْقَاضِي أَو يَسْتَطِيع إِمْسَاكه أَو رده مَعَ الْعَمى ضمن قِيمَته، وَإِلَّا برِئ. أَعَارَهُ حِمَاره وَقَالَ خُذ عذاره وسقه كَذَلِك وَلَا تخل عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يسْتَمْسك إِلَّا هَكَذَا فَقَالَ نعم فَلَمَّا مَضَت سَاعَة خلى عذاره فأسرع فِي الْمَشْي فَسقط ضمن إِذْ خَالف شرطا مُفِيدا فغصبه. أعطَاهُ درهما لينقده فغمزه فانكسر برِئ لَو أمره بغمزه وَإِلَّا ضمن، وَكَذَا لَو أرَاهُ قوسا فمده فانكسر فَهُوَ على هَذَا اهـ. وَفِيه معزيا إِلَى فَوَائِد صَاحب الْمُحِيط. قَالَ لَهُ بِعْت دمي مِنْك بفلس أَو بِأَلف فَقتله الآخر يُقَاد، لَا لَو قَالَ اقتلني فَقتله لانه إِطْلَاق فأورث شُبْهَة، وَهُوَ هدر فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، وَتجب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 الدِّيَة فِي مَاله فِي رِوَايَة. وَلَو قَالَ اقْطَعْ يَدي أَو رجْلي أَو اقْتُل قني فَفعل لم يجب شئ بالاجماع إِذْ الاطراف كأموال فَيصح الامر. وَقعت ببخارى وَاقِعَةٌ وَهِيَ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ السَّهْمَ إِلَيّ حَتَّى آخذه فَرمى السهْم إِلَيْهِ بأَمْره فَأصَاب عينه فَذَهَبت، قَالَ قاضيخان: لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اجْنِ عَليّ فجنى عَلَيْهِ لم يضمن. وَهَكَذَا أفتى بعض الْمَشَايِخ بِهِ، وقاسوا على مَا لَو قَالَ اقْطَعْ يَدي الخ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، أما لَا شكّ أَنه تجب الدِّيَة فِي مَاله إِذْ ذكر فِي الْكتاب: لَو تضاربا بالوكز: أَي النخس، يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شت زون فَذَهَبت عين أَحدهمَا يجب الْقصاص إِذا أمكن لانه عمد. ص: وَإِن قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا للْآخر ده ده، وَكَذَا لَو بارزا فِي خانقاه على وَجه التَّعْلِيم أَو الملاعبة فأصابت الْخَشَبَة عينه فَذَهَبت يُقَاد لَو أمكن. اهـ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ دَهٍ دَهٍ وَوَكَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكسر سنه فَلَا شئ عَلَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فقطعها قاضيخان. اهـ. وَالَّذِي ظهر لي فِي وَجه مَا ذكر فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ دَهٍ دَهٍ إبَاحَةُ عَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ السَّلَامَةِ مَعَ الْمُضَاربَة بالوكزة كاحتماله مَعَ رَمْيِ السَّهْمِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ وَقَوْلُهُ دَهٍ دَهٍ صَرِيحًا فِي إتْلَافِ عُضْوِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ اجْنِ عَلَيَّ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِ. وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِيهَا، وَكَأن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ. تَأمل. فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا إِلَى كتاب الدَّعَاوَى والبينات لصَاحب الْمُحِيط: دفع ثَوْبه إِلَى دلال ليَبِيعهُ فساومه رب حَانُوت بِثمن مَعْلُوم وَقَالَ أحضر رب الثَّوْب لاعطيه الثّمن فَذهب وَعَاد فَلم يُوجد الثَّوْب فِي الْحَانُوت وَرب الْحَانُوت يَقُول أَنْت أَخَذته وَهُوَ يَقُول مَا أَخَذته بل تركته عنْدك صدق الدَّلال مَعَ يَمِينه لانه أَمِين. وَأما رب الْحَانُوت فَلَو اتفقَا على أَنه أَخذه رب الْحَانُوت ليشتريه بِمَا سمى من الثّمن فقد دخل فِي ضَمَانه فَلَا يبرأ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ فَيضمن قِيمَته، وَلَو لم يتَّفقَا على ثمن لم يضمن إِذْ الْمَقْبُوض على سوم الشِّرَاء إِنَّمَا يضمن لَو اتفقَا على ثمنه قنية. لَا يجب ضَمَان السّوم إِلَّا بِذكر الثّمن، قيل هُوَ قَول أبي يُوسُف. وَيَكْفِي عِنْد مُحَمَّد أَن يمِيل قلبهما. تجنيس. دَفعه إِلَى دلال ليَبِيعهُ فَدفعهُ الدَّلال إِلَى رجل على سوم الشِّرَاء ثمَّ نَسيَه لم يضمن، وَهَذَا إِذا أذن لَهُ الْمَالِك بِالدفع للسوم إِذْ لَا تعدى فِي الدّفع حِينَئِذٍ إِيضَاح، أما إِذا لم يَأْذَن لَهُ فِيهِ ضمن. ذكر فِي بعض الْفَتَاوَى عَن فَتَاوَى النَّسَفِيّ: لَو عرضه الدَّلال على رب دكان وَتَركه عِنْده فهرب رب الدّكان وَذهب بِهِ لم يضمن الدَّلال فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي البيع. وَذكر بعض الْمَشَايِخ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُودِعٌ، وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُودِعَ قاضيخان. دَفعه الدَّلال إِلَى من استام لينْظر إِلَيْهِ وَيَشْتَرِي فَذهب بِهِ وَلم يظفر بِهِ الدَّلال قَالُوا لم يضمن لاذنه فِي هَذَا الدّفع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 قَالَ: وَعِنْدِي أَنه إِنَّمَا لَا يضمن لَو لم يُفَارِقهُ، وَأما لَو فَارقه ضمن كَمَا لَو أودعهُ أَجْنَبِي أَو ترك عِنْد من لَا يُرِيد الشِّرَاء. طلب الْمَبِيع رجل من الدَّلال بِدَرَاهِم مَعْلُومَة فَوَضعه عِنْد طَالبه ضمن قِيمَته لاخذه على سوم الشِّرَاء بعد بَيَان الثّمن. قَالُوا: وَلَا شئ على الدَّلال، وَهَذَا لَو مَأْذُونا بِالدفع إِلَى من يُرِيد الشِّرَاء قبل البيع، فَلَو لم يكن مَأْذُونا ضمن فروق الْجَامِع. دلال مَعْرُوف بِيَدِهِ ثوب تبين أَنه مَسْرُوق فَقَالَ رَددته على من أَخَذته مِنْهُ يبرأ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ عَلَى الْغَاصِبِ يَبْرَأُ فِي الذَّخِيرَة، إِنَّمَا يبرأ لَو أثبت رده بِحجَّة فِي عدَّة الْفَتَاوَى، هَذَا كغاصب الْغَاصِب إِذا قَالَ رددت على الْغَاصِب صدق بِيَمِينِهِ لَا بِدُونِهَا. منتقى. قَالَ تلفت مُنْذُ عشرَة أَيَّام وَبرهن رَبهَا أَنَّهَا كَانَت عِنْده مُنْذُ يَوْمَيْنِ فَقَالَ الْمُودع وَجدتهَا فَتلفت تقبل وَلم يضمن. وَلَو قَالَ أَولا لَيست عِنْدِي وَدِيعَة ثمَّ قَالَ وَجدتهَا فَتلفت ضمن اهـ. قنية. دلال دفع ثوبا إِلَى ظَالِم لَا يُمكن اسْتِرْدَاده مِنْهُ وَلَا أَخذ الثّمن يضمن إِذا كَانَ الظَّالِم مَعْرُوفا بذلك. ن: خرج الْمُودع وَتَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا ضَمِنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّار أحد وَلم يكن الْمُودع فِي مَكَان يسمع حس الدَّاخِل عدَّة. الْمُودع: لَو حفظهَا لَيْسَ فِيهِ مَال ضمن وَالْمرَاد حرز غَيره، أما لَو اسْتَأْجر بَيْتا لنَفسِهِ وحفظها فِيهِ لم يضمن وَلم يكن فِيهِ مَاله. مي: مُودع اسْتَأْجر بَيْتا فِي مصر أودع فِيهِ وأحرزها فِيهِ وسافر وَتركهَا فِيهِ لم يضمن. صع: تختم بِخَاتم الْوَدِيعَة قيل ضمن فِي الْخِنْصر والبنصر لَا فِي غَيرهمَا، وَبِه يُفْتى. وَقيل ضمن فِي الْخِنْصر لَا فِي غَيره يماثله الْمُرْتَهن. وتضمن الْمَرْأَة مُطلقًا لانه اسْتِعْمَال مِنْهَا. خُلَاصَة فِي الاقضية. ادّعى وكَالَة بِقَبض دين أَو وَدِيعَة فَأقر الْمَطْلُوب فَفِي الدّين يُؤمر بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ، وَفِي الْعين لَا يُؤمر فِي ظَاهر الرِّوَايَة. وَذكر فِي مَحل آخر من الْخُلَاصَة فِي الْفرق بَينهمَا أَن إِقْرَاره فِي الدّين لَا فِي ملك نَفسه. وَفِي الْوَدِيعَة لَا فِي ملك غَيره اهـ. فَلَو أقرّ بِالْوكَالَةِ وَأنكر المَال لَا يصير خصما، وَلَا تقبل الْبَيِّنَة على المَال إِلَّا أَن تقع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة أَو لم يثبت كَونه خصما بِإِقْرَار الْمَطْلُوب لانه لَيْسَ بِحجَّة فِي حق الطَّالِب، وَإِن أقرّ بِالْمَالِ وَأنكر الْوكَالَة لَا يحلف الْوَكِيل الْمَطْلُوب على الْعلم بوكالته، إِذا الْحلف يَتَرَتَّب على دَعْوَى صَحِيحه وَلم تصح، إِذْ لم تثبت وكَالَته فَلم يصر خصما إِلَّا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على الْوكَالَة، وَالْمَال يقبل عِنْد أبي حنيفَة بِنَاء على أَن وَكيل قبض الدّين يملك الْخُصُومَة عِنْده. هد: لَا يُؤمر بِدفع الْوَدِيعَة إِلَى الْوَكِيل بقبضها لَو صدقه إِذا أقرّ بِمَال الْغَيْر، بِخِلَاف الدّين. قن: عَن مُحَمَّد لَو صدقه يجْبر بِدفع عين كَدين غر: وَكَذَا عِنْد أبي يُوسُف. حشجي: لَو صدقه أَو كذبه أَو سكت لَا يجْبر بِدفع الْوَدِيعَة، وَلَو دَفعهَا لَا يسْتَردّ، فَلَو حضر رَبهَا وَكذبه فِي الْوكَالَة لَا يرجع الْمُودع على الْوَكِيل لَو صدقه وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ الضَّمَان، وَإِلَّا رَجَعَ بِعَيْنِه لَو قَائِما وبقيمته لَو هَالكا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقُول لَو صدقه وَدفعه بِلَا شَرط يَنْبَغِي أَن يرجع على الْوَكِيل لَو قَائِما إِذْ غَرَضه لم يحصل فَلهُ نقض قَبضه على قِيَاس مَا مر عَن الْهِدَايَة من أَن الْمَدْيُون يرجع بِمَا دَفعه إِلَى وَكيل صدقه لَو بَاقِيا، كَذَا هَذَا. شجع: لَو لم يُؤمر بِدفع الْوَدِيعَة وَلم يُسَلِّمهَا فَتلفت، قيل لَا يضمن وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يضمن، إِذْ الْمَنْع من الْوَكِيل بِزَعْمِهِ كمنعه من الْمُودع، وَلَو سلمه إِلَى الْوَكِيل لَا يسْتَردّ لانه سعى فِي نقض مَا فعله ذخيرة. وكل زيدا الْغَائِب بِقَبض وَدِيعَة فقبضها زيد قبل أَن يبلغهُ ذَلِك فَتلف يُخَيّر الْمَالِك ضمن زيدا أَو الدَّافِع، وَلَو علم الدَّافِع بِالتَّوْكِيلِ لَا زيد برئا إِذْ للْمُودع أَن يَدْفَعهُ. يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه يبرأ الدَّافِع لَا زيد لكَونه قَبضه حِين قبض فضولا، وَالله تَعَالَى أعلم. عَن: وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة فِي الْيَوْم فَلهُ قَبضه غَدا، وَلَو وَكله بِقَبْضِهِ غَدا لَا يملك قَبضه الْيَوْم إِذْ ذكر الْيَوْم للتعجيل فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت وَكيلِي بِهِ السَّاعَة فَإِذا ثَبت وكَالَته السَّاعَة دَامَت ضَرُورَة، وَلَا يلْزم من وكَالَة الْغَد وكَالَة الْيَوْم لَا صَرِيحًا وَلَا دلَالَة، وَكَذَا لَو قَالَ اقبضه السَّاعَة بدونهم فَلهُ قَبضه بعْدهَا، وَلَو قَالَ اقبضه بِمحضر من فلَان فَقَبضهُ بغيبته جَازَ. قَالَ اقبضه بِشُهُود فَلهُ قَبضه، بِخِلَاف قَوْله لَا تقبضه إِلَّا بِمحضر مِنْهُ حَيْثُ لَا يملك قَبضه إِذْ نهى عَن الْقَبْض وَاسْتثنى قبضا بِمحضر مِنْهُ اهـ. مَا فِي نور الْعين. وَفِي الْهِنْدِيَّة: من ترك بَاب حانوته مَفْتُوحًا فَقَامَ وَاحِد ثمَّ وَاحِد فضمان مَا ضَاعَ على آخِرهم. كَذَا فِي الْمُلْتَقط. رجل فِي يَده ثوب قَالَ لَهُ رجل أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْب فَأعْطَاهُ إِيَّاه كَانَ هَذَا على الْوَدِيعَة. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة. سُئِلَ ابْن الْفضل عَمَّن دفع جَوَاهِر إِلَى رجل ليبيعها فَقَالَ الْقَابِض أَنا أريها تَاجِرًا لاعرف قيمتهَا فَضَاعَت الْجَوَاهِر قبل أَن يريها، قَالَ: إِن ضَاعَت أَو سَقَطت بحركته ضمن، وَإِن سرقت مِنْهُ أَو سَقَطت لمزاحمة أَصَابَته من غَيره لم يضمن. كَذَا فِي الْحَاوِي للفتاوى. دفع إِلَى مراهق قمقمة ليسقي المَاء فتغافل عَنْهَا فَضَاعَت لَا يضمن. كَذَا فِي الْقنية. قَالَ خلف: سَأَلت أسدا عَمَّن لَهُ على آخر دِرْهَم فَدفع الْمَطْلُوب إِلَى الطَّالِب دِرْهَمَيْنِ أَو درهما ثمَّ درهما وَقَالَ خُذ درهمك فَضَاعَ الدرهمان قبل أَن يعين درهما قَالَ: هلك على الْمَطْلُوب وللطالب درهمه. وَلَو قَالَ لَهُ حِين دفع إِلَيْهِ الدِّرْهَم الاول: هَذَا حَقك فَهُوَ مستوف وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ للدرهم الآخر، كَذَا فِي التاترخانية. صبي يعقل البيع وَالشِّرَاء مَحْجُور عَلَيْهِ أودعهُ رجل ألف دِرْهَم فَأدْرك وَمَات وَلم يدر مَا حَال الْوَدِيعَة فَلَا ضَمَان فِي مَاله إِلَّا أَن يشْهد الشُّهُود أَنه أدْرك وَهِي فِي يَده فَحِينَئِذٍ يضمن بِالْمَوْتِ عَن تجهيل. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة. وَالْحكم فِي الْمَعْتُوه نَظِير الحكم فِي الصَّبِي إِذا أَفَاق ثمَّ مَاتَ وَلم يدر مَا حَال الْوَدِيعَة لَا ضَمَان فِي مَاله إِلَّا أَن يشْهد الشُّهُود أَنه أَفَاق وَهِي فِي يَده وَإِن كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 التِّجَارَة وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا، فَهُوَ ضَامِن للوديعة وَإِن لم تشهد الشُّهُود أَنه أدْرك وَهِي فِي يَده، وَكَذَا الحكم فِي الْمَعْتُوه إِذا كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة كَذَا فِي الذَّخِيرَة. إِذا قَالَ الْمُسْتَوْدع للْمُودع وهبت لي الْوَدِيعَة أَو بعتها مني وَأنكر رب الْوَدِيعَة ثمَّ هَلَكت لَا يضمن الْمُودع. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. سُئِلَ عَمَّن أودع عِنْد آخر أواني صفر ثمَّ استردها بعد زمَان فَرد عَلَيْهِ سِتَّة فَقَالَ الْمَالِك كَانَت سَبْعَة فَأَيْنَ السَّابِع فَقَالَ لَا أَدْرِي أودعتني سِتَّة أَو سَبْعَة وَلَا أَدْرِي ضَاعَت أَو لم تكن عِنْدِي، وَتارَة يَقُول لَا أَدْرِي هَل جَاءَنِي من عنْدك رَسُول فاستردها وَحملهَا إِلَيْك أم لَا هَل يضمن؟ قَالَ لَا، لانه لم يقر بإضاعته فَلَا يتناقض كَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ. رجل اسْتقْرض من رجل خمسين درهما فَأعْطَاهُ غَلطا سِتِّينَ فَأخذ الْعشْرَة ليردها فَهَلَكت فِي الطَّرِيق يضمن خَمْسَة أَسْدَاس الْعشْرَة لَان ذَلِك الْقدر قرض وَالْبَاقِي وَدِيعَة. وَكَذَا فِي السراج الْوَهَّاج وَهُوَ الاصح. هَكَذَا فِي التاترخانية. وَكَذَا لَو هلك الْبَاقِي يضمن خَمْسَة أسداسه. كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. لَهُ على آخر خَمْسُونَ فاستوفى غَلطا سِتِّينَ فَلَمَّا علم أَخذ عشرَة للرَّدّ فَهَلَكت يضمن خَمْسَة أَسْدَاس الْعشْرَة لَان ذَلِك قبض وَالْبَاقِي أَمَانَة. كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ. رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم دين فَأعْطَاهُ أَلفَيْنِ وَقَالَ ألف مِنْهُمَا قَضَاء من حَقك وَألف يكون وَدِيعَة فقبضها وضاعت قَالَ هُوَ قَابض حَقه وَلَا يضمن شَيْئا كَذَا فِي الْمُحِيط. أودعهُ بقرة وَقَالَ إِن أرْسلت ثيرانك إِلَى المرعى للعلف فَاذْهَبْ ببقرتي أَيْضا فَذهب بهَا دون ثيرانه فَضَاعَت لَا يضمن. كَذَا فِي الْقنية. أودع شَاة فَدَفعهَا مَعَ غنمه إِلَى الرَّاعِي للْحِفْظ فسرقت الْغنم يضمن إِذا لم يكن الرَّاعِي خَاصّا للْمُودع. كَذَا فِي الْقنية. الْوَدِيعَة إِذا كَانَت قراما فَأَخذهَا الْمُودع وَصعد بهَا السَّطْح وتستر بهَا فَهبت بهَا الرّيح وأعادتها إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَت فِيهِ من الْبَيْت لَا يبرأ عَن الضَّمَان لانه لم يُوجد مِنْهُ الْقَصْد إِلَى ترك التَّعَدِّي. كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ. فِي فَتَاوَى النَّسَفِيّ: طحان خرج من الطاحونة لينْظر المَاء فسرقت الْحِنْطَة ضمن إِن ترك الْبَاب مَفْتُوحًا وَبعد من الطاحونة. كَذَا فِي الْخُلَاصَة، بِخِلَاف مَسْأَلَة الخان، وَهِي: خَان فِيهَا منَازِل وَلكُل منزل مقفل فَخرج وَترك الْبَاب مَفْتُوحًا فجَاء سَارِق وَأخذ شَيْئا لَا يضمن، كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ. قَالَ الْمُودع للْمَالِك أَنا ذَاهِب إِلَى المزرعة وَأُرِيد أَن أَضَع وديعتك فِي بَيت جاري فَقَالَ لَهُ الْمَالِك ضعها فوضعها وَذهب إِلَى المزرعة وَرجع فَأَخذهَا من الْجَار وَجَاء إِلَى بَيته ووضعها ثمَّة فَضَاعَت من دَاره هَل يضمن الْمُودع الاول أم لَا؟ يَنْبَغِي الضَّمَان. كَذَا فِي الذَّخِيرَة معربا عَن عبارَة فارسية. وَلَو كَانَ عِنْده كتاب وَدِيعَة فَوجدَ فِيهِ خطأ يكره أَن يصلحه إِذا كره ذَلِك صَاحبه فِي الْمُلْتَقط انْتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 أَقُول: وَهَذَا بِخِلَاف إصْلَاح غلط الْمُصحف إِذا كَانَ بِخَط يُنَاسب فَإِنَّهُ يجب حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي فِي آخر الْعَارِية. وَفِي الْهِنْدِيَّة: أودع عِنْد رجل صك ضَيْعَة والصك لَيْسَ باسمه ثمَّ جَاءَ الَّذِي الصَّك باسمه وَادّعى تِلْكَ الضَّيْعَة وَالشُّهُود الَّذين بذلوا خطوطهم أَبَوا أَن يشْهدُوا حَتَّى يرَوا خطوطهم فَالْقَاضِي يَأْمر الْمُودع حَتَّى يُرِيهم الصَّك ليروا خطوطهم وَلَا يدْفع الصَّك إِلَى الْمُدَّعِي، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ. دفع إِلَى رجل مَالا لينثره على الْعرس، فَإِن كَانَ الْمَدْفُوع دَرَاهِم لَيْسَ لَهُ أَن يحبس لنَفسِهِ شَيْئا وَلَو نثره بِنَفسِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يلتقط مِنْهُ كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يدْفع إِلَى غَيره لينثره. كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. وَمثل المَال السكر. كَذَا فِي الغياثية. وَسُئِلَ عَن أمة اشترت سِوَارَيْنِ بِمَال اكتسبته فِي بَيت مَوْلَاهَا فأودعتهما امْرَأَة فقبضت تِلْكَ الْمَرْأَة وَلم يكن ذَلِك بِإِذن مولى الْجَارِيَة فهكلت الْوَدِيعَة هَل تضمن فَقَالَ نعم، لَان ذَلِك ملك الْمولى وَلَا إِيدَاع بِغَيْر إِذن فَصَارَت غاصبة كَذَا فِي الْفَتَاوَى النسفية، انْتهى مَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 كتاب الْعَارِية مشروعيتها بِالْكتاب، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَيمْنَعُونَ الماعون) * (الماعون: 7) والماعون: مَا يتعاورونه فِي الْعَادة، وَقيل الزَّكَاة، فقد ذمّ الله تَعَالَى على منع الماعون وَهُوَ عدم إعارته فَتكون إعارته محمودة. وبالسنة: وَهِي مَا روى البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتعَار من أبي طَلْحَة فرسا يُسمى الْمَنْدُوب فَرَكبهُ حِين كَانَ فزع فِي الْمَدِينَة، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأينَا من شئ وَإِن وَجَدْنَاهُ لبحرا وبالاجماع فَإِن الامة أَجمعت على جَوَازهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي كَونهَا مُسْتَحبَّة، وَهُوَ قَول الاكثرين أَو وَاجِبَة وَهُوَ قَول الْبَعْض انْتهى شمني. قَوْله: (لَان فِيهَا تَمْلِيكًا) أَي وإيداعا فَتكون من الْوَدِيعَة بِمَنْزِلَة الْمُفْرد من الْمركب والمركب مُؤخر عَن الْمُفْرد، وَيحْتَمل أَن يكون إِشَارَة إِلَى مَا قدمنَا فِي الْوَدِيعَة من أَنه من بَاب الترقي، والانسب فِي التَّرْكِيب أَن يَقُول ذكرهَا بعد الْوَدِيعَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الامانة وأخرها لَان فِيهَا تَمْلِيكًا. قَوْله: (النِّيَابَةُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ) أَي إِن الْمُسْتَعِير مُضْطَر وَقَالَ تَعَالَى: * () * (النَّمْل: 26) وَقد أغاثه الْمُعير فَكَأَنَّهُ نَائِب عَن الله تَعَالَى فِي إغاثته، وَإِن كَانَ فعل الْمُعير من الله تَعَالَى فَلَا نِيَابَة فِي الْحَقِيقَة ففاعلها قد تخلق بِهَذَا الْخلق، وَورد تخلفوا بأخلاق الله. قَوْله: (لانها لَا تكون إِلَّا لمحتاج) أَي غَالِبا. قَوْله: (وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر) حقق بَعضهم أَن ثَوَاب الصَّدَقَة أَكثر، وَأَن إفرادها أَكثر كيفا وَإِن كَانَت فِي الْقَرْض أَكثر كَمَا قَالَ الْمَنَاوِيّ نقلا عَن الطَّيِّبِيّ: الْقَرْض اسْم مصدر والمصدر بِالْحَقِيقَةِ الاقراض، وَيجوز كَونه بِمَعْنى المقروض. قَالَ البُلْقِينِيّ: فِيهِ أَي فِي الحَدِيث أَن دِرْهَم الْقَرْض بدرهمي صَدَقَة، لَكِن الصَّدَقَة لم يعد مِنْهَا شئ وَالْقَرْض عَاد مِنْهُ دِرْهَم فَسقط مُقَابِله وَبَقِي ثَمَانِيَة عشر، وَمن ثمَّ لَو أَبْرَأ مِنْهُ كَانَ عشرُون ثَوابًا بالاصل، وَهَذَا الحَدِيث يُعَارضهُ حَدِيث ابْن حبَان من أقْرض درهما مرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجر صَدَقَة مرّة وَجمع بَعضهم بِأَن الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة ابْتِدَاء، فامتيازه عَنْهَا يصون وَجه من لم يعْتد السُّؤَال، وَهِي أفضل انْتِهَاء لما فِيهَا من عدم رد الْمُقَابل. وَعند تقَابل الخصوصيتين ترجح الثَّانِيَة بِاعْتِبَار الاثر الْمُتَرَتب. وَالْحق أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الاشخاص والاحوال والازمان، وَعَلِيهِ ينزل الاحاديث المتعارضة اهـ ط. قَوْلُهُ: (مُشَدَّدَةً) كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِّ، لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌّ وَعَيْبٌ صِحَاحٌ. وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ (ص) بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ، فَلَوْ كَانَ الْعَارَّ فِي طَلَبِهَا لما بَاشَرَهَا، وعول عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهَا اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِّ الْعَيْبِ خَطَأٌ اهـ. وَمثله فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة. وَذكر فِي البدرية أَنه يحْتَمل أَن تكون الْعَارِية اسْما مَوْضُوعا لَا نسبيا كالكرسي والدردي نَظِيره كعيت وكميت صِيغَة تَصْغِير وَلَيْسَ بتصغير. وَفِي الْمَبْسُوط: قيل الْعَارِية مُشْتَقَّة من التعاور وَهُوَ التناوب كَأَنَّهُ يَجْعَل للْغَيْر نوبَة فِي الِانْتِفَاع بِملكه على أَن تعود النّوبَة إِلَيْهِ بالاسترداد مَتى شَاءَ، وَلِهَذَا كَانَت الاعارة فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون قرضا لانه لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا بالاستهلاك فَلَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي عنيه ليَكُون إِعَارَة حَقِيقَة وَإِنَّمَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 522 مثله، وَمَا يملك الانسان الِانْتِفَاع بِهِ على أَن يكون مثله مَضْمُونا عَلَيْهِ يكون قرضا انْتهى. وَمثله فِي الْكَافِي. قَوْله: (وتخفف) قَالَ الْجَوْهَرِي وَقد تخفف مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ. وَرَدَّهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْعَارَ يائي وَالْعَارِية واوي وبالمشتقات يُقَال استعاره مِنْهُ واستعار الشئ على حذف من قَوْله: (إِعَارَة الشئ قَامُوس) قَالَ فِي الْمنح عَنهُ: أعارة الشئ وأعاره مِنْهُ وعاوره إِيَّاه وتعور واستعار: طلبَهَا، واعتوروا الشئ وتعوروه: تداولوه اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ تَمْلِيكُ الثِّمَارِ بِلَا عوض، ورده المطرذي لانه يُقَال استعاره مِنْهُ فأعاره واستعاره الشئ على حذف من، وَالصَّوَاب أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الْعَارَةُ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ، وَيجوز أَن يكون من التعاور التناوب. قُهُسْتَانِيّ. قَوْله: (تمْلِيك الْمَنَافِع) أَشَارَ بِهِ إِلَى رد مَا قَالَه الْكَرْخِي من أَنَّهَا إِبَاحَة نفع، وَمَا فِي الْمَتْن مُخْتَار أبي بكر الرَّازِيّ وَهُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن السراج وَعَلِيهِ الْمُتُون وَأكْثر الشُّرُوح، وَيشْهد لما فِي الْمَتْن كثير من الاحكام من انْعِقَادهَا بِلَفْظ التَّمْلِيك وَجَوَاز أَن يعير مَالا يخْتَلف بِالْمُسْتَعْملِ، وَلَو كَانَ إِبَاحَة لما جَازَ لَان الْمُبَاح لَهُ لَيْسَ لَهُ أَن يُبِيح لغيره كالمباح لَهُ الطَّعَام لَيْسَ لَهُ أَن يُبِيحُ لِغَيْرِهِ، وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ للتَّمْلِيك كَمَا فِي الْبَحْر وَإِنَّمَا لَا يفْسد هَذَا التَّمْلِيك الْجَهَالَة لكَونهَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لعدم لُزُومهَا. كَذَا قَالَ الشارحون، وَالْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا جَهَالَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ بِهِ يضمن إِذا هلك، وَلَو قَالَ لَهُ خُذ أَحدهمَا أَيهمَا شِئْت لَا يضمن كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: (مجَّانا) أَي بِلَا عوض. قَالَ فِي الْقَامُوس: المجان مَا كَانَ بِلَا بدل. قَوْله: (لُزُوم الايجاب وَالْقَبُول وَلَو فعلا) أَي كالتعاطي كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى الْقَبُولِ. وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ الْمَوْلَى خُذْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا نَقَلَ عَن الْهِنْدِيَّة ركنها الْإِيجَابُ مِنْ الْمُعِيرِ. وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ بِشَرْط عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة اهـ. أَيْ الْقَبُولُ صَرِيحًا غَيْرُ شَرْطٍ، بِخِلَافِ الْإِيجَابِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التاترخانية: إِن الاعارة لَا تثبت بِالسُّكُوتِ اهـ. وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَخْذُهَا قَبُولًا. قَوْله: (وَحكمهَا كَونه أَمَانَة) فَإِن هَلَكت من غير تعد لم يضمن، وَإِن تعدى ضمن بالاجماع وَلَو شَرط الضَّمَان فِي الْعَارِية هَل يَصح. فالمشايخ مُخْتَلفُونَ فِيهِ. وَفِي خُلَاصَة الْفَتَاوَى: رجل قَالَ لآخر أعرني فَإِن ضَاعَ فَأَنا لَهُ ضَامِن قَالَ لَا يضمن. هندية عَن غَايَة الْبَيَان، وَمثله فِي الانقروي عَن الْمُضْمرَات، قَوْله: (قابلية الْمُسْتَعَار) أَي يُمكن الِانْتِفَاع بالمعار مَعَ بَقَاء عينه، فَلَو أَعَارَهُ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا باستهلاكه كَانَ كِنَايَة عَن الْقَرْض. وَلَا يَصح إِعَارَة الامة للوطئ وَلَا من تَحت وصايته للْخدمَة لعدم قابلية المعار لذَلِك الِانْتِفَاع، لَان الاباحة لَا تجْرِي فِي الْفروج، وَلَا يجوز التَّبَرُّع بمنافع الصَّغِير، وَلم تجْعَل عَارِية الامة نِكَاحا كَمَا جعل فِي عَارِية الْمكيل وَالْمَوْزُون قرضا للمشاكلة بَين الْقَرْض وَالْعَارِية، لَان كلا مِنْهُمَا تبرع غير لَازم لصَاحبه أَن يرجع بِهِ مَتى شَاءَ وَالنِّكَاح لَازم فَلَا ينْعَقد بِلَفْظ مَا يدل على اللُّزُوم، وَمن لَازم النِّكَاح الْبَدَل وَهُوَ الْمهْر. وَشرط الْعَارِية عدم ذكر الْبَدَل. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَمن شرائطها الْعقل، فَلَا تصح الاعارة من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل. وَأما الْبلُوغ فَلَيْسَ بِشَرْط حَتَّى تصح الاعارة من الصَّبِي الْمَأْذُون. وَمِنْهَا الْقَبْض من الْمُسْتَعِير، وَمِنْهَا أَن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 يكون الْمُسْتَعَار مِمَّا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ بِدُونِ استهلاكه، فَإِن لم يكن فَلَا تصح إِعَارَة. كَذَا فِي الْبَدَائِع. قَالَ الْحَاكِم الشَّهِيد فِي الْكَافِي: وعارية الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس قرض، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عدا مثل الْجَوْز وَالْبيض وَكَذَلِكَ الاقطان وَالصُّوف والابريسم والكافور وَسَائِر مَتَاع الْعطر، والصنادلة الَّتِي لَا تقع الاجارة على مَنَافِعهَا قرض وَهَذَا إِذا أطلق الْعَارِية، أما إِذا بَين الْجِهَة كَمَا إِذا اسْتعَار الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير ليعاير بهَا ميزانا أَو يزين بهَا دكانا أَو يتجمل بهَا أَو غير ذَلِك مِمَّا لَا يَنْقَلِب بِهِ عينه لَا يكون قرضا بل يكون عَارِية تملك بهَا الْمَنْفَعَة الْمُسَمَّاة دون غَيرهَا، وَلَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا على وَجه آخر غير مَا سَمَّاهُ. كَذَا فِي غَايَة الْبَيَان. إِذا اسْتعَار آنِية يتجمل بهَا أَو سَيْفا محلى أَو سكينا محلى أَو منْطقَة مفضضة، أَو خَاتمًا لم يكن شئ من هَذَا قرضا هَكَذَا فِي الْكَافِي. وَلَو قَالَ لآخر أعرتك هَذِه الْقَصعَة من الثَّرِيد فَأَخذهَا وأكلها عَلَيْهِ مثلهَا أَو قيمتهَا وَهُوَ قرض، إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا مباسطة حَتَّى يكون ذَلِك دلَالَة الاباحة. كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح فِي أثْنَاء الْكتاب عَن الصيرفية فِي الْعُيُون: اسْتعَار من آخر رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبَةً يُدْخِلُهَا فِي بنائِهِ أَو آجرة فَهُوَ ضَامِن لَان هَذَا لَيْسَ بعارية بل هُوَ قرض، وَهَذَا إِذا لم يقل لاردها عَلَيْك، أما إِذا قَالَ لاردها عَلَيْك فَهُوَ عَارِية. كَذَا فِي الْمُحِيط انْتهى. قَوْله: (لانها تصير إِجَارَة) الاولى لانها تصير بِهِ إِجَارَة، وَقد نصوا أَن الاجارة تَنْعَقِد بِلَفْظ الاعارة. قَوْله: (وَصرح فِي الْعمادِيَّة الخ) أَشَارَ إِلَى إِيرَاد وَجَوَاب، وَهُوَ أَن الْعَارِية إِذا كَانَت تمْلِيك الْمَنْفَعَة فَكيف يَصح إِعَارَة الْمشَاع فَإِنَّهُ مَجْهُول الْعين، فَأَشَارَ إِلَى الْجَواب بِأَن الْجَهَالَة الْمَانِعَة من التَّمْلِيك الْجَهَالَة المفضية إِلَى الْمُنَازعَة وجهالة الْعين لَا تُفْضِي إِلَيْهِ، وَلذَا جَازَ بيع الْمشَاع وإيداعه. وَقد نقل فِي الْبَحْر أَن الَّذِي لَا يضر فِي الْعَارِية جَهَالَة الْمَنَافِع. أما جَهَالَة الْعين فمضرة إِذا كَانَت تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة، لما فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ بِهِ يضمن إِذا هلك اهـ. وَقدمنَا تَمَامه قَرِيبا. وَفِي الْعِنَايَة من الْهِبَة: وَعقد التَّمْلِيك يَصح فِي الْمشَاع وَغَيره كَالْبيع بأنواعه: يَعْنِي الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَالصرْف وَالسّلم، فَإِن الشُّيُوع لَا يمْنَع تَمام الْقَبْض فِي هَذِه الْعُقُود بالاجماع. قَوْلُهُ: (وَبَيْعِهِ) وَكَذَا إقْرَاضُهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إيجَارُهُ مِنْ الشَّرِيكِ لَا الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا وَقَفَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَة، وَإِلَّا فَجَائِز اتِّفَاقًا وَأفْتى الْكثير بقول مُحَمَّد، وَاخْتَارَ مَشَايِخ بَلخ قَول أبي يُوسُف. وَأما وديعته فجائزة وَتَكون مَعَ الشَّرِيك. وَأما قرضه فَجَائِز كَمَا إِذا دفع إِلَيْهِ ألفا وَقَالَ خَمْسمِائَة قرض وَخَمْسمِائة شركَة. كَذَا فِي النِّهَايَة هُنَا. وَأما غصبه فمتصور. قَالَ البزازي: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَذكر لَهُ فِي الْفُصُول صورا: وَأما صدقته فكهبته فَإِنَّهَا لَا تجوز فِي مشَاع يقسم إِلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ على الاصح. وَتَمَامه فِي أَوَائِل هبة الْبَحْر، وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لَا تُفْضِي للْجَهَالَة) كَذَا فِي بعض النّسخ وَفِي بَعْضهَا للمنازعة وَهِي أولى. وَفِي الْمَقْدِسِي مَا يُفِيد رد هَذَا التَّعْلِيل حَيْثُ قَالَ: وَشَرطهَا تعْيين الْمُسْتَعَار، حَتَّى لَو قَالَ لي حماران فِي الاصطبل إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الْخُلَاصَة قَوْله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 524 (لعدم لُزُومهَا) لَا حَاجَة إِلَيْهِ إِذْ جَهَالَة عين الْمشَاع لَا تمنع فِي اللُّزُوم أَيْضا وَلذَا جَازَ بَيْعه مَعَ أَن البيع لَازم. وَالْحَاصِل: أَن إِعَارَة الْمشَاع تصح كَيْفَمَا كَانَ أَي فِي الَّذِي يحْتَمل الْقِسْمَة أَو لَا يحتملها من شريك أَو أَجْنَبِي، وَكَذَا إِعَارَة الشئ مِنْ اثْنَيْنِ أَجْمَلَ أَوْ فَصَّلَ بِالتَّنْصِيفِ أَوْ بالاثلاث كَمَا فِي الْقنية. قَوْله: (وَقَالُوا علف الدَّابَّة على الْمُسْتَعِير) لَان نَفعه لَهُ فنفقته عَلَيْهِ. قَوْله: (وَكَذَا نَفَقَة العَبْد) أَي مُطلقَة كَانَت أَو مُؤَقَّتَة كَمَا فِي الْمنح. قَوْله: أما كسوته فعلى الْمُعير لَان الْعَارِية غير لَازِمَة، وللمعير الرُّجُوع عَنْهَا فِي كل حِين فَكَانَ زَمَنهَا غير مستطيل عَادَة، وَالْكِسْوَة تكون فِي الزَّمَان المستطيل، أَلا يرى أَنه شَرط فِي ثوب الْكسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن يُمكن بَقَاؤُهُ ثَلَاثَة أشهر فَصَاعِدا، وَالْمَنَافِع تحدث فِي كل آن وتتجدد فِي آن غير آن، وبقاؤه غير لَازم وَإِن ذكر لَهَا مُدَّة، فَلَو لَزِمت الْعَارِية بِقَدرِهَا لَخَرَجت عَن موضوعها، وَلَو صَحَّ رُجُوعه لتضرر الْمُسْتَعِير بذهاب كسوته من غير حُصُول انتفاعه. قَوْله: (وَهَذَا) يَعْنِي إِنَّمَا يكون تمْلِيك مَنَافِع العَبْد عَارِية، وَنَفَقَته على الْمُسْتَعِير لَو قَالَ لَهُ أَعْطِنِي عَبدك ليخدمني أَو أعرني عَبدك، أما لَو قَالَ الْمَالِك خُذْهُ واستخدمه كَانَ إيداعا مَأْذُونا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْعَبْد وَدِيعَة فنفقته على الْمُودع كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا. قَوْله: (لانه وَدِيعَة) الاقرب أَنه إِبَاحَة للِانْتِفَاع، إِذْ لَو كَانَ وَدِيعَة لما جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا. أَو يُقَال إِنَّهَا وَدِيعَة أَبَاحَ لَهُ الْمَالِك الِانْتِفَاع بهَا. وَفِي الْهِنْدِيَّة عَن الْقنية: دفعت لَك هَذَا الْحمار لتستعمله وتعلفه من عنْدك عَارِية اهـ. قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) أَيْ حَقِيقَةً. قَالَ قَاضِي زَادَهْ: الصَّرِيحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَا انْكَشَفَ المُرَاد مِنْهُ فِي نَفسه فَيتَنَاوَل الْحَقِيقَة الْغَيْر المهجورة وَالْمجَاز الْمُتَعَارف اهـ. فالاول أعرتك وَالثَّانِي أطعمتك أرضي. قَوْله: (أَي غَلَّتهَا) قَالَ فِي الْبَحْر: لَان الاطعام إِذا أضيف إِلَى مَا لَا يُؤْكَل عينه يُرَاد بِهِ مَا يستغل مِنْهُ مجَازًا لانه مَحَله اهـ. وَلَو قَالَ أطعمتك هَذَا الْجَزُور فَهُوَ عَارِية إِلَّا أَن يُرِيد الْهِبَة. هندية. وَهَذَا يُفِيد تَقْيِيد الارض بِمَا إِذا كَانَ فِيهَا غلَّة وَإِلَّا فَلَا صِحَة لهَذَا التَّرْكِيب. وَفِيه أَن المُرَاد أَنه أعارها لَهُ ليزرعها، فَإِنَّهُ إِذا عبر بالاطعام اخْتصّت عاريتها بِالِانْتِفَاعِ بزراعتها فَلَا يَبْنِي وَلَا يغْرس كَمَا سَيَأْتِي آخر الْكتاب، فَقَوله أَي غَلَّتهَا أَي إِنَّك تزرعها وتستغلها. قَوْله: (لانه صَرِيح مجَازًا الخ) عبارَة الْعَيْنِيّ والدرر: لَان الاطعام إِذا أضيف إِلَى مَا لَا يطعم كالارض يُرَاد بِهِ غَلَّتهَا إطلاقا لاسم الْمحل على الْحَال. وَحَاصِله: أَن الصَّرِيح مَا لَا يحْتَمل غَيره، وَهُوَ يكون حَقِيقَة ومجازا لَان الْمُعْتَبر فِيهِ قرينَة مَانِعَة من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَلذَلِك كَانَ صَرِيحًا لَا يحْتَمل غَيره، بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهَا لَا يعْتَبر مَعهَا قرينَة قَوْله: (ومنحتك) أَصله أَن يُعْطي الرجل نَاقَة أَو شَاة ليشْرب لَبنهَا ثمَّ يردهَا إِذا ذهب درها ثمَّ كثر ذَلِك، حَتَّى قيل فِي كل من أعْطى شَيْئا منحتك، وَإِذا أَرَادَ بِهِ الْهِبَة أَفَادَ ملك الْعين وَإِلَّا بَقِي على أصل وَضعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 اهـ. زَيْلَعِيّ قَوْله: (ثوبي أَو جاريتي هَذِه) أَتَى باسم الاشارة وَلم يكتف بِإِضَافَة الثَّوْب وَالْجَارِيَة إِلَى نَفسه، لانه لَا يلْزم من الاضافة إِلَيْهِ أَن يكون الثَّوْب أَو الْجَارِيَة معينا لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ أَكثر من ثوب وَجَارِيَة لانه يشْتَرط عدم جَهَالَة الْعين المستعارة كَمَا سبق، وَحِينَئِذٍ سقط قَول السَّيِّد الْحَمَوِيّ: ينظر مَا الدَّاعِي إِلَى إقحام اسْم الاشارة فِي هَذَا وَمَا بعده، وهلا أغنت الاضافة إِلَى نَفسه عَن ذَلِك قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَنَحْتُك، أما حَملتك فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ: إِنَّه مُسْتَعْمل فِيهِمَا. يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً وَالْعَارِيَّةُ أُخْرَى، فَإِذَا نوى إِحْدَاهمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَمَلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمَهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ. اهـ. وَهَذَا يدل على أَنه مُشْتَرك بَينهمَا، لَكِن إِنَّمَا أُرِيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526