الكتاب: بغية المتطوع في صلاة التطوع المؤلف: محمد بن عمر بن سالم بازمول الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- بغية المتطوع في صلاة التطوع محمد بن عمر بازمول الكتاب: بغية المتطوع في صلاة التطوع المؤلف: محمد بن عمر بن سالم بازمول الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بغية المتطوع في صلاة التطوع بقلم محمد بن عمر بن سالم بازمول مقدمة الكتاب إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإنه لما كانت صلوات التطوع من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب: 21] ، ولما كان تطلب أحكامها وصفاتها من كتب الحديث وشروحه يحتاج إلى جهد ووقت؛ رأيت أن أجمع في ذلك جملة مما صح، مرتباً له، مع تعليق وجيز حول فقه الحديث فيما أورده من أجله؛ رغبة في تقريب هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في صلوات التطوع لي ولعموم المسلمين، وتسهيل وتيسير الوقوف عليه في محل واحد. وقد راعيت الاختصار غير المخل، وابتعدت عن الإكثار؛ مكتفياً غالباً بالإشارة عن طول العبارة، وسميته: " بغية المتطوع في صلاة التطوع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وأسأل الله بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام: أن يتقبل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقني القبول في الدنيا والآخرة؛ إنه سميع مجيب. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. مكة 22 رمضان 1413 هـ محمد بن عمر بازمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 صلوات التطوع تعريفها، وأنواعها، وفضلها ويشتمل هذا الباب على الفصول التالية: (1-1) تعريف صلوات التطوع . (2-1) أنواع التطوع. (3-1) فضل التطوع. وإليك البيان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 صلوات التطوع تعريفها، وأنواعها، وفضلها (1-1) تعريف صلوات التطوع (صلوات التطوع) : مركب إضافي، والأسماء المركبة يبدأ في تعريف مفرداتها، ثم تعريفها بعد الإضافة. فـ (الصلوات) : جمع، مفردها صلاة. وهي في اللغة: الدعاء (1) وفي الشرع: أقوال وأفعال، مفتاحها الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. و (التطوع) في اللغة: تكلف الطاعة، أو التبرع بما لا يلزم من الخير، أو الزيادة التي ليست لازمة. ولا يقال: (تطوع) ، إلا في باب الخير والبر (2) . وفي الشرع: الزيادة على ما وجب بحق الإسلام، سواء كانت هذه الزيادة واجبة أم لا   (1) "معجم مقاييس اللغة" (3/300) ، "مفردات الراغب" (ص285) . (2) "معجم مقاييس اللغة" (3/431) ، "مفردات الراغب" (ص310) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وبما أن الصلوات الواجبة بحق الإسلام هي: الصلوات الخمس في اليوم والليلة: صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء. وبما أن التطوع هو ما زاد على الفرض؛ سواء كان واجباً أم لم يكن. فإن صلوات التطوع، هي: الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة؛ سواء كانت هذه الصلوات واجبة أم لا. فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم (صلوات التطوع) . ولا يخفى عليك إن شاء الله أنه لا تعارض هذا كون بعض الصلوات غير الفروض الخمسة لها حكم الوجوب، مع كونها داخلة في (صلوات التطوع) ، على التقرير السابق؛ لأن وجوبها ليس بذاتها؛ إنما لأمر حف بها، ولا يترتب لها من الأحكام ما يترتب للفروض الخمسة؛ من استقرار وجوبها العيني على كل مسلم ومسلمة، حضراً وسفراً، لأن وجوب هذه الصلوات الخمس إنما هو بحق الإسلام، أما غيرها من الصلوات – إذا وجبت – فإن وجوبها بأسباب مختلفة؛ كدخول المسجد وإرادة الجلوس فيه، فإنه سبب لوجوب تحية المسجد، ووجوب الوفاء بالنذر سبب لوجوب الصلاة المنذورة، وهكذا (1)   (1) وبهذا التقرير تعلم أن من يستدل بحديث طلحة بن عبيد الله؛ قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمس صلوات في اليوم والليلة " فقال: هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع" ... الحديث. أخرجه البخاري في (كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، حديث رقم 46) ، وأطرافه من البخاري تحت الأرقام التالية: (1891، 2678، 6956) . أقول: بالتقرير المذكور تعلم أن من يستدل بهذا الحديث على عدم وجوب شيء ص11 من الصلوات غير الصلوات الخمس لم يصب، وذلك لأن حديث الأعرابي إنما هو في تقرير الواجب بحق الإسلام، فلا ينفي الواجب بغيره، لأن وجوب غير الصلوات الخمس إنما هو بأسباب خاصة. ويرشح هذا المعنى أمور؛ منها: -قوله في الحديث: " خمس صلوات في اليوم والليلة"؛ إذ معناه: " المفروض على المسلم في كل يوم وليلة خمس صلوات، لا زائد عليها، وهذا لا ينافي وجوب صلوات أخرى، كصلاة تحية المسجد مثلاً؛ لأنها ليست من صلوات اليوم والليلة، بل هي ذات سبب خاص، وليست عينية أيضاً، وكذلك الصلوات المنذورة؛ فليست مما كتبه الله، بل هي داخلة في التطوع الذي قد يكتبه المرء على نفسه، فيلزمه الله ما التزم" "المختار من كنوز السنة " (ص326) . -ويؤكد هذا قوله في تمام الحديث: " صيام رمضان" قال: هل علي غيره؟ قال: " لا؛ إلا أن تطوع" وذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا؛ إلا أن تطوع". ومعلوم اتفاق أهل العلم على وجوب الصوم في الكفارات إذا تعين على المسلم، ومن يدل نسك الحج: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} ، وصوم النذر، وصوم أولياء الميت: "من مات وعليه صوم؛ صام عنه وليه ... " متفق عليه (انظر جامع الأصول 6/417) . وكذا اتفاقهم على الواجب في مال المسلم لا ينحصر في الزكاة؛ فالنفقة على من تجب نفقته واجبة، وما يجب على العبد بسبب الكفارات، وبسبب الجنايات، وبسبب النذر ... إلخ، وقول من قال من الفقهاء: "ليس في المال حق سوى الزكاة"؛ إنما يعني به: ليس في المال حق واجب بسبب المال سوى الزكاة، وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال؛ كما تقدم، وكوجوب أداء الديون، وحمل العاقلة، ووجوب الإعطاء في النائبة، وغير ذلك. " الإيمان لابن تيمية (ص 298 - 299) . -ويزيد هذا المعنى وضوحاً قول الأعرابي في آخر الحديث عند البخاري (1891) : والذي أكرمك بالحق؛ لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أفلح إن صدق (أو: دخل الجنة إن صدق) "، وفي رواية: والله؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفلح إن صدق ". =إذ ظاهره أنه يريد: لا أزيد على ما فرض علي بحق الإسلام، ولا أنقص شيئاً مما فرض علي بحق الإسلام؛ فلا أزيد صلاة في اليوم والليلة على الصلوات الخمس، ولا أصوم شهراً زيادة على رمضان ... وهكذا. ويدل على أن المراد ذلك؛ أنه علق فلاحه على صدقه في عدم الزيادة وعدم النقص؛ فكيف يصح أن يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالفلاح على عدم الزيادة على الخمس إذا كان المراد بالزيادة التي ليست بواجبة؟ ولا يقال: إنه أثبت له فلاحه إذا أتى بما عليه، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحاً. أقول: لا يقال هذا؛ لأنه خلاف ظاهر النص، خاصة مع قوله صلى الله عليه وسلم: " إن صدق"، ومع وجود المعنى الذي ذكرته؛ فلا تكون حاجة إلى هذا التكلف. ثم كيف يقره الرسول صلى الله عليه وسلم على الحلف أن لا يستكثر من الخير. فيقول: " والله لا أزيد ... "؟! ولينظر: " نيل الأوطار" (3/83-84) ، و "كتاب الإيمان" لابن تيمية (ص 297-300) . فإن قيل: إن عبادة بن الصامت لما قيل له: إن فلاناً يقول: الوتر واجب؛ أجاب: بأن الله فرض خمس صلوات. وهو جواب يلتقي فيه مع من يستدل بحديث الأعرابي على عدم وجوب شيء من الصلوات غير الخمس. فالجواب: إن استدلال عبادة لا يخالف التقرير الذي ذكرته؛ لأن عبادة إنما أورده في حق صلاة الوتر، فكأنه قال: الواجب على المسلم في اليوم والليلة بحق الإسلام خمس صلوات، ولو قيل بوجوب الوتر؛ لكان الواجب ست صلوات، وهذا خلاف ما أوجبه الله على العباد من الصلاة في اليوم والليلة. وبالله التوفيق. فائدة: يستفاد من هذا الحديث أن كلمة (تطوع) استعملت فيه بمعنى الزيادة، سواء كانت واجبة أم مستحبة، ألا تراه قال: " والذي أكرمك بالحق؛ لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقابل بين التطوع والنقص، ويفسره مؤكداً لهذا المعنى الرواية الأخرى: " والله؛ لا أزيد على هذا ولا أنقص". وقد استعملت في هذه الرسالة كلمة تطوع بهذا المعنى؛ أعني: الزيادة مطلقاً، سواء كانت واجبة أم لم تكن واجبة. ومما تقدم في تعلم السر في أن المصنفين في أحاديث الأحكام وغيرهم يبوبون (باب صلاة التطوع) ، ثم يقررون وجوب بعض هذه الصلوات، وذلك يدل على أنهم رحمهم الله فهموا التطوع بمعنى الزيادة، سواء كانت واجبة أم غير واجبة، ولم يفهمون بمعنى الزيادة التي ليست بلازمة؛ كما هو أصل المعنى اللغوي. وعليه؛ فإن كلمة (التطوع) في الشرع جاءت بأوسع من معناها في اللغة؛ خلافاً لغيرها؛ ككلمة (الحج) و (الصلاة) ، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 (2-1) أنواع صلوات التطوع التطوع نوعان: الأول: التطوع المطلق، وهو الذي لم يأت فيه الشارع بحد. فمثلاً: صدقة التطوع لك أن تتبرع في سبيل الله بما شئت، ولو نصف تمرة، ولك أن تتطوع بالصلاة في الليل والنهار مثنى مثنى. ولكن في هذا التطوع المطلق ينبغي أن لا يداوم عليه مداومة السنن الراتبة، وأن لا يؤدي إلى بدعة أو مشابهة أهلها. الثاني: التطوع المقيد، وهو ما جاء له حد في الشرع. فمثلاً: من أراد أن يأتي بسنة الفجر الراتبة؛ لا يتحقق منه الإتيان بها إلا بركعتين قبل صلاة الفجر بعد دخول وقتها بنية راتبة الفجر، وكذا مثلاً: من أراد أن يصلي صلاة الكسوف؛ لا تتحقق صلاته إلا بالصفة المشروعة، وكذا صلاة العيدين ... وغيرها من السنن التي جاء الشرع لها بوصف معين. وموضوع هذه الرسالة هو: النوع الثاني من التطوع؛ أعني: التطوع المقيد. (3-1) فضل صلوات التطوع وردت في فضل صلوات التطوع أحاديث كثيرة؛ منها: أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم (1) الصلاة". قال: " يقول ربنا جل وعز لملائكته - وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي؛ أتمها أم نقصها (2) ؟ فإن كانت   (1) أي: المتعلقة بحق الله تعالى. " دليل الفالحين" (3/580) . (2) قال ابن العربي في " عارضة الأحوذي" (2/207) : "يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة واعدادها بفضل التطوع، ويحتمل ما نقصه من الخشوع. والأول عندي أظهر؛ لقوله: " ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال"، وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل؛ فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها، كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم وأتم" اهـ قال العراقي فيما نقله عنه في "تحفة الأحوذي" (1/318) : " يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع. ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضاً من فروضها وشروطها. ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً، فلم يصله، فيعوض عنه من التطوع، والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلوات المفروضة ". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تامة؛ كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا؛ هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع؛ قال: أتمموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم" أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة. (1) والحديث فيه بيان حكمة من حكم مشروعية صلوات التطوع. ب) عن ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي؛ قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سل". فقلت: أسألك مرافقتك في   (1) حديث صحيح لغيره. أخرجه أحمد في "المسند" (2/290) ، وابن المبارك في "الزهد" (915) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه"، حديث رقم 864/1 / 322-عون) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، (1/232) ، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، حديث رقم 413، 1/318 – تحفة) وقال الترمذي: " حسن غريب من هذا الوجه"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/262) ، وقال: "صحيح الإسناد". والحديث حسنه البغوي في " شرح السنة" (4/159) ، وصححه محقق "شرح السنة" وكذا صححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1/240) ، وفي " صحيح سنن الترمذي" (1/130) ، وفي "صحيح سنن النسائي" (1/101) ، وفي "صحيح سنن أبي داود" (1/163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الجنة. قال: " أو غير ذلك؟ ". قلت: هو ذاك! قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود". أخرجه مسلم وأصحاب السنن (1) . ج) عن معدان بن أبي طلحة اليعمري؛ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة (أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله) ؟ فسكت، ثم سألته؟ فسكت، ثم سألته الثالثة؟ فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " عليك بكثرة السجود لله (2) ؛ فإنك لا   (1) حديث صحيح. أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (106و 1236) ، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم 489) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الإمامة، باب فضل السجود، 2/227) ، والترمذي في (أبواب الدعوات، باب منه، ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل، حديث رقم 3416، 4/234- تحفة) مقتصراً على طرف منه دون محل الشاهد، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، حديث رقم 1320، 1/507-عون) ، وابن ماجه في (كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا انتبه من الليل، 3879) أخرج طرفاً منه دون محل الشاهد. وليس لربيعة بن كعب في الكتب الستة سوى هذا الحديث. انظر: "تحفة الأشراف" (3/168) . (2) المراد بالسجود هنا: صلوات التطوع؛ لأن السجود بغير صلاة أو لغير سبب، غير مرغب فيه على انفراده. والسجود وإن كان يصدق على الفرض، لكن الإتيان بالفرائض لابد منه لكل مسلم، وإنما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيء يختص به ينال به ما طلبه. ولذلك أورد ابن حجر العسقلاني حديث ربيعة بن مالك في باب صلاة التطوع من "بلوغ المرام" (2/3-سبل) . فإن قلت: ما السر في التعبير عن الركعة بالسجود؟ فالجواب: لأن السجود أكثر أعمال الصلاة تحققاً في العبودية لله عز وجل؛ فهو كاسر للنفس، ومذل لها، وفيه يتحقق معنى من معاني العبودية؛ وهو: الخضوع، حيث حقيقة العبادة تمام المحبة لله مع تمام الخضوع له، وأي نفس انكسرت وذلت لله عز وجل؛ استحقت الرحمة، ولما ورد في السجود عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ ص 16 فأكثروا الدعاء" أخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث رقم 482) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 تسجد لله سجدة؛ إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة". قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته؟ فقال لي مثل ما قال لي ثوبان. (1) . والحديثان يدلان على فضيلة الإكثار من صلوات التطوع.   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم 488) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الإمامة، باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة، 2/228) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كثرة السجود، حديث رقم 1423) ، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود، حديث رقم 388، 1/300 – تحفة) . تنبيه: هذا الحديث عزاه المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/300) لأبي داود ولم أجده، ولم يعزه إليه في "تحفة الأشراف" (2/140) ، وكذا لم يشر في "ذخائر المواريث" إلى أبي داود فيمن أخرجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 السنن الرواتب فضلها، ووصفها، وأحكامها المقصود بالسنن الرواتب: الصلوات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة؛ قبلها أو بعدها. ويشتمل هذا الباب على الفصول التالية: (1-2) فضل السنن الرواتب . (2-2) وصفها وأحكامها. وبيان ذلك فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 السنن الرواتب فضلها، ووصفها، وأحكامها (1-2) فضل السنن الرواتب وردت في فضل السنن الرواتب أحاديث: منها في فضل السنن الرواتب على الإجمال، ومنها في فضل بعض أفرادها؛ من ذلك: أ) ما جاء عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً (1) غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (أو: إلا بنى له بيت في الجنة) ". أخرجه مسلم. وفي رواية للترمذي والنسائي فسر هذه الركعات: " أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر" (2) .   (1) فسرت هذه الركعات بـ: "أربع ركعات قبل الظهر ... "؛ كما سيأتي في الرواية التي عند النسائي والترمذي. وقد ذهب بعضهم إلى أن هذا التفسير مدرج في الحديث، وهذه الدعوى لا دليل صحيح عليها، والأصل أن ما روي في الحديث من الحديث، ومجرد الاختلاف لا يدل على دعوى الإدراج، على أن هذا الاختلاف هنا لا يضر، إذ القرائن تساعد على قبول هذه الزيادة فتنبه! (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، حديث رقم 728) واللفظ له، وأخرجه الدارمي في "سننه" (1/335) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، حديث رقم 1250، 1/486-عون) ؛ جميعهم بدون هذه الرواية المفسرة. وأخرج الحديث بها: النسائي في (قيام الليل، باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة، 3/262) ، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة، حديث رقم 415، 1/319-تحفة) ، والحاكم (1/311) وصححه على شرط مسلم وفي السند من لم يخرج له مسلم! وصححه ابن حبان (614-موارد) . تنبيه: جاء في رواية: " وركعتين قبل العصر"؛ مكان قوله: " وركعتين بعد العشاء"، والمحفوظ ما أثبته، والرواية الأخرى - أعني: " وركعتين قبل العصر" - شاذة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قلت: والحديث يدل على استحباب المثابرة على صلاة ثنتي عشرة ركعة تطوعاً كل يوم. ومن حافظ على السنن الرواتب؛ دخل في هذا الفضل المذكور في هذا الحديث؛ إذ أنه يصلي قطعاً في كل يوم ثنتي عشرة ركعة وأكثر. ففي الحديث فضيلة المحافظة على السنن الرواتب عموماً والمذكورة في الحديث خصوصاً، والله أعلم. وقد ثبت فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للسنن الرواتب، فاجتمع لها القول والفعل منه عليه الصلاة والسلام. ب) عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: " حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، حدثتني حفصة: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر؛ صلى ركعتين" وفي رواية للبخاري ولمسلم نحوها زيادة: " وسجدتين بعد الجمعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وفي مسلم: " فأما المغرب والعشاء والجمعة؛ فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ". وفي رواية الترمذي: " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات يصليها بالليل والنهار" (1) (2-2) وصف السنن الراتبة وأحكامها يشتمل هذا الفصل على بيان السنن الراتبة لكل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، من خلال خمسة مباحث، لكل صلاة مفروضة مبحث يتعلق براتبتها، أدرج تحته المسائل المتعلقة به. وإليك البيان: (1-2-2) راتبة صلاة الفجر : ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية:   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع في " كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر، حديث رقم 1180) واللفظ له، وفيه في (باب التطوع بعد المكتوبة، حديث رقم 1172) والزيادة منه، وفيه في (باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، حديث رقم 1165) وفي (كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، حديث رقم 937) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، حديث رقم 729) ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة باب ما جاء أنه يصليهما في البيت، حديث رقم 434، 1/330-تحفة) ، وأخرجه مالك "موطأ محمد" (296) ، وزاد: " كان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيسجد سجدتين"، "موطأ الليثي" (1/180-تنوير) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/336) ، والدارمي (1/1252، 1/486-عون) ؛ بنحو ما في "موطأ محمد" وأخرجه النسائي في (كتاب الإقامة، باب الصلاة بعد الظهر، 2/119) ، وانظر: " جامع الأصول" (6/4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أولاً: حكمها. ثانياً: وصفها وفضلها. ثالثاً: تخفيفها. رابعاً: ما يقرأ فيها. خامساً: الاضطجاع بعدها. سادساً: من فاتته. وتفصيل القول في هذه المسائل كما يلي: أولاً: حكمها: راتبة الفجر من آكد السنن الراتبة، وكان صلى الله عليه وسلم يتعاهدها ولا يدعها في حضر ولا سفر. ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوبها. (1) والدليل على صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لركعتي الفجر في السفر: ما ثبت عن أبي مريم؛ قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح؛ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة" (2) .   (1) أما حديث أبي هريرة مرفوعاً: " لا تدعوها وإن طردتكم الخيل" (يعني: سنة الفجر) ؛ فإنه حديث ضعيف. أخرجه أبو داود (1/487-عون) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/299) ، وفي سنده عندهما عبد الرحمن بن إسحاق المدني؛ ضعيف، وابن سيلان؛ مجهول الحال. وبالله التوفيق. (2) حديث صحيح لغيره. أخرجه النسائي في (كتاب المواقيت، باب كيف يقضي الفائت من الصلاة، صحيح سنن النسائي باختصار السند حديث رقم 605، 1/133) . والحديث ورد بمعناه عند مسلم في "صحيحه" (حديث رقم 680) عن أبي هريرة، وله شواهد كثيرة عند أبي داود في (كتاب الصلاة، باب في من نام عن الصلاة أو نسيها، صحيح سنن أبي داود باختصار السند، 1/88-90) . وقد قال ابن قيم الجوزية: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها؛ إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر؛ فإنه لم يكن ليدعهما حضراً ولا سفراً " أهـ. " زاد المعاد" (1/473) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة راتبة الفجر مع صلاة الفجر في السفر. كما يدل على مشروعية صلاتها عند فوات صلاة الفجر عن وقتها، فإنه يشرع في صلاة راتبة الفجر ثم صلاة الفجر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: وصفها وفضلها: راتبة الفجر ركعتان، تصليان قبل صلاة الفجر، وقد ورد في فضلها أحاديث منها: أ) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً] ". أخرجه مسلم. (1) والحديث يدل على استحباب ركعتي الفجر والترغيب فيهما.   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 725) والزيادة له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل، حديث رقم 416، 1/320- تحفة) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 3/252) ، والحاكم (1/307) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ب) عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر". أخرجه الشيخان (1) . والحديث يدل على تأكيد المحافظة على ركعتي الفجر. وقد اجتمع في هذه الراتبة: القول منه صلى الله عليه وسلم في الترغيب فيها، والفعل منه صلى الله عليه وسلم في المحافظة عليها. ج) وعنها رضي الله عنها؛ قالت: " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل [الصبح] الغداة". أخرجه البخاري والنسائي (2) وهذه الأحاديث تدل على فضل ركعتي الفجر، وأنها من أوكد الرواتب. ثالثاً: تخفيفهما: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يخفف ركعتي الفجر، فلا يطيل القراءة فيهما، ومن الأحاديث الدالة على ذلك: أ) ما جاء عن أم المؤمنين حفصة؛ قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح؛ ركع ركعتين خفيفتين قبل   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماها تطوعاً، حديث رقم 1169) ، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 724) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر، حديث رقم 1182) واللفظ له، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب المحافظة على الركعتين قبل الفجر، 3/252) والزيادة له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، حديث رقم 1253) ، والدارمي (1/335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أن تقام الصلاة". أخرجه الشيخان (1) ب) عن عائشة؛ قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إنّي لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ ". أخرجه الشيخان (2) . والحديثان يدلان على مشروعية تخفيف ركعتي الفجر. واستدل بعض أهل العلم بحديث عائشة على مشروعية الاقتصار في سنة الفجر على قراءة فاتحة الكتاب، ولا دلالة في الحديث على ذلك، وغاية ما فيه الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام كان يخفف فيهما القراءة، ويؤكد هذا ما يأتي في المسألة التالية. رابعاً: ما يقرأ فيهما: أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: {قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} " (3) .   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الأذان، باب الأذان بعد الفجر، حديث رقم 618) ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 723) واللفظ له. (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، حديث رقم 1171) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 724) واللفظ للبخاري. (3) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، حديث رقم 726) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ب) عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ... } الآية التي في البقرة [136] ، وفي الآخرة منهما: {آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون} [آل عمران:52] ". وفي رواية: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] ، والتي في آل عمران: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] " (1) والحديثان يدلان على استحباب قراءة سورة الإخلاص في الركعة الأولى وسورة {قل يا أيها الكافرون} في الركعة الثانية من ركعتي الفجر، كما يدل على استحباب قراءة الآية من سورة البقرة وسورة آل عمران، فيقرأ المسلم أحياناً بهذا وأحياناً بهذا؛ تطبيقاً للسنة. (2) خامساً: الاضطجاع بعدهما: يستحب المسلم إذا صلى راتبة الفجر في البيت أن يضطجع على شقه الأيمن، وذلك لما ورد: أ) عن أبي هريرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن". أخرجه الترمذي. (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الموضع السابق (حديث رقم 727) . =فائدة: في حديث ابن عباس: جواز الاكتفاء بالآية في الركعة، وجواز القراءة من وسط السورة، وجواز أن تسمى السورة دون ذكر لفظ (سورة) ، فيقال: الآية التي في البقرة، أو التي في النساء ... وهكذا. (2) لابن القيم في "زاد المعاد" (1/316- 318) تقرير بديع في حكمة قراءة سورتي الإخلاص في راتبة الفجر؛ فانظره. (3) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، حديث رقم 420) ، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الاضطجاع بعدها، حديث رقم 1261) ، وصححه ابن خزيمة (1120) ، وابن حبان (612-موارد، 6/220، حديث رقم 2468- الإحسان) ، وصححه النووي في "شرح مسلم" (6/19) وفي "رياض الصالحين"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، والأرنؤوط في تحقيقه لـ "الإحسان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفيه دلالة على الوجوب؛ إذ هذا مقتضى الأمر (1) ، لكن صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب الحديث التالي: ب) عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى سنة الفجر، فإن كنت مستيقظة؛ حدثني، وإلا؛ اضطجع حتى يؤذن بالصلاة". أخرجه البخاري (2) . فهذا الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يترك أحياناً الاضطجاع على شقه الأيمن بعد صلاة راتبة الفجر، ولو كان واجباً؛ ما تركه. ودعوى الخصوصية وغيرها لا تثبت إلا بدليل، والأصل العموم، والعمل بجميع ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أولى من العمل ببعض دون بعض. والحديث يدل على مشروعية الاضطجاع على الجانب الأيمن. وهل يكون هذا في البيت أو في المسجد؟ حديث أبي هريرة مطلق: فإن صلى راتبة الفجر في المسجد؛ اضطجع في المسجد، وإن صلاها في البيت؛ اضطجع في البيت، لكن لم ينقل عن   (1) وقال به: ابن حزم في "المحلى" (3/196) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/29) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع، حديث رقم 1161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك (1) . سادساً: من فاتته ركعتا الفجر: يشرع لمن فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد طلوع الشمس، والأفضل أن يصليهما بعد طلوع الشمس. عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يصل ركعتي الفجر؛ فليصلهما بعد ما تطلع الشمس". أخرجه الترمذي. (2) قلت: ظاهر هذا الحديث وجوب صلاة راتبة الفجر إذا فاتتا بعد طلوع الشمس، لكن هذا الأمر مصروف إلى الاستحباب بدليل الحديث التالي: عن قيس بن قهد (بالقاف المفتوحة وسكون فدال مهملة) (3) رضي الله عنه؛ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سلم معه، ثم قام فركع ركعتي الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم   (1) قال العلامة الألباني: " لكن لا نعلم أن أحداً من الصحابة فعله – يعني: الاضطجاع بعد راتبة الفجر- في المسجد، بل قد أنكره بعضهم، فيقتصر على فعله في البيت كما هو سنته صلى الله عليه وسلم ". أهـ. "صلاة التراويح" (ص 90) . قلت: الأمر كما قال حفظه الله، وكذا إذا فاتته راتبة الفجر، فصلاها بعد صلاة الفجر، لا يشرع له الاضطجاع على شقه الأيمن، لعدم نقله، والمفهوم من حديث أبي هريرة مشروعية الاضطجاع على الشق الأيمن بعد راتبة الفجر قبل صلاة الفجر، لا على إطلاقه. والله أعلم. (2) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس، حديث رقم 424) ، وصححه الحاكم (1/274) ، وابن خزيمة (1117) ، وابن حبان (4/224، حديث رقم 2472- الإحسان) ، وصححه محققه، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي" (1/133) . (3) انظر: " المغني في ضبط أسماء الرجال" (ص206) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ينظر إليه، فلم ينكر ذلك عليه ". أخرجه الترمذي وابن حبان. (1) والحديث يدل على جواز قضاء راتبة الفجر بعد الفرض لمن لم يصلها قبل الفرض. (2-2-2) راتبة صلاة الظهر : ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية: أولاً: حكمها. ثانياً: وصفها وفضلها. ثالثاً: من فاتته الأربع قبل الظهر. رابعاً: من فاتته الركعتان بعد الظهر. وإليك بيان ذلك بالتفصيل: أولاً: حكمها: راتبة صلاة الظهر من السنن المستحبة التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً. ولم يأت ما يدل على وجوبها.   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح، حديث رقم 422، 1/324-تحفة) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب من فاتته حتى يقضيها، حديث رقم 1267) ، وصححه الحاكم (1/274) ، وابن خزيمة (1116) ، وابن حبان (624-موارد) ، (4/222، حديث رقم 2471- الإحسان) ، والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه لـ "سنن الترمذي" (2/286) ، والألباني في "صحيح سنن الترمذي " (1/133) . = فائدة: في الحديث جواز قضاء الصلوات في وقت النهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثانياً: وصفها وفضلها: راتبة الظهر: إما أن تصلى أربعاً قبل صلاة الظهر وأربعاً بعدها، وإما أن تصلى أربعاً قبل الظهر واثنتين بعدها، وإما أن تصلى اثنتين قبل صلاة الظهر واثنتين بعدها، أي ذلك فعل المسلم بنية راتبة صلاة الظهر، أجزأه، وكان مؤدياً هذه السنة. والدليل على مشروعية هذه الصفة الأحاديث التالية: أ) عن أم حبيبة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، حرمه الله على النار ". أخرجه الترمذي وابن ماجه (1) والحديث يدل على استحباب صلاة أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعات بعد الظهر، والمحافظة عليها. ب) عن عبد الله بن شقيق؛ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه؟ فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي   (1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب منه آخر حديث رقم 428) ، وقال: "حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً، حديث رقم 1160) ؛ بلفظ: " من صلى قبل الظهر ... "، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الأربع قبل الظهر وبعدها، حديث رقم 1269) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة وذكر اختلاف الناقلين فيه لخبر أم حبيبة في ذلك والاختلاف على عطاء، 3/265) . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1/191) ، وصححه محقق "جامع الأصول " (6/24) . = وانظر حديثاً آخر في فضل هذه الركعات في " السلسلة الصحيحة " (حديث رقم 1431) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم؛ ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً؛ ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر؛ صلى ركعتين". أخرجه مسلم. (1) قلت: والحديث يدل على مشروعية صلاة أربع قبل الظهر واثنتين بعدها. والظاهر أنه كان يصليها عليه الصلاة والسلام متصلة بتشهدين دون فصل بالتسليم، فتؤدى كالصلاة الرباعية، وتخصص من عموم حديث: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (2) . قال أبو عيسى الترمذي: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة، وقال بعض أهل العلم: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى؛ يرون الفصل بين كل   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً وفعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعداً، حديث رقم 730) . (2) حديث صحيح، عن ابن عمر أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة الليل، 3/227) ، وقال النسائي: "هذا الحديث عندي خطأ". أهـ. – يعني: بزيادة لفظة: "النهار"-، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، حديث رقم 1322) . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1/221) ، و "صحيح سنن النسائي" (1/366) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ركعتين، وبه يقول الشافعي وأحمد". "سنن الترمذي" (2/289-290) . ج) وتقدم في فضل السنن الرواتب حديث أم حبيبة؛ قالت: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد مسلم، يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة، تطوعاً غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (أو: إلا بنى له بيت في الجنة) ، [أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر ... ] " الحديث. د) وتقدم حديث عائشة رضي الله عنها: " كان لا يدع أربعاً قبل الظهر ... ". هـ) وتقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما: " حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها ... ". ثالثاً: من فاتته الأربع قبل الظهر: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر؛ صلاهن بعد صلاة الظهر. عن عائشة: " إن النبي كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر؛ صلاهن بعدها". أخرجه الترمذي وابن ماجه. (1) والحديث يدل على أن من فاتته الأربع الركعات قبل الظهر؛ صلاهن بعد   (1) حديث حسن. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة باب منه آخر، حديث رقم 426، 1/327-تحفة) ، وقال: " حسن غريب"، واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من فاتته الأربع قبل الظهر، حديث رقم 1158) بلفظ: " إذا فاتته الأربع قبل الظهر؛ صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر"، وهذا اللفظ منكر، والمعروف باللفظ الذي أثبته، كما حققه الألباني في "تمام المنة" (صلى الله عليه وسلم241) . والحديث باللفظ الذي أوردته صححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/134) ، وضعفه في ضعيف ابن ماجه بالرواية المنكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فرض الظهر مطلقاً. (1) رابعاً: من فاتته الركعتان بعد الظهر: عن كريب مولى ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً، وسلها عن الركعتين بعد [صلاة] العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما (قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها) ؟ قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة. فخرجت إليهم، فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما؛ فإنه صلى العصر، ثم دخل وعندي نسوة من بنى حرام من الأنصار، فصلاهما فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه، فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما " فإن أشار بيده؛ فاستأخري عنه. قال: ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف؛ قال: "يا بنت أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر؟ إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان ". أخرجه الشيخان. (2)   (1) إذا صحت الرواية التي بلفظ: " ... صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر"؛ فهذا هو المشروع، لكن الظاهر أنها منكرة، وعليه يشرع صلاتها بعد فرض الظهر مطلقاً، كما قال العلامة الألباني في "تمام المنة" (ص241) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب السهو، باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع، حديث رقم 1233) والزيادة له، وأخرجه في (كتاب المغازي، باب وفد عن القيس، حديث رقم 4370) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر، حديث رقم 834) واللفظ له. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/306) بزيادة عن أم سلمة؛ أنها قالت للرسول: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: "لا" وهذه الزيادة معلولة؛ لأن الحفاظ رووا هذا الحديث بدونها، وثبت عن السيدة عائشة أنها كانت تصليهما كما في الحديث نفسه، فلو كانت هذه الزيادة ثابتة؛ لعلمتها، وهي التي أرسلت كريباً إلى أم سلمة، ومن أجل هذه الزيادة أورد الألباني هذه الرواية في (سلسلة الأحاديث الضعيفة، حديث رقم 946) ، حاكماً بنكارتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قلت: الحديث يدل على مشروعية قضاء سنة الظهر البعدية إذا فاتتا. فإن قيل: ذكر في الحديث أن أم سلمة قالت: " يا رسول الله! سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما"، وهذا يقتضي النهي عن تلك الركعتين. فالجواب: الظاهر من الحديث أن النهي عن هاتين الركعتين بعد العصر إنما هو لمن داوم عليهما ظناً أنها سنة (1) ، ألا ترى أنه ذكر في الحديث نفسه أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصليهما: " اقرأ عليها السلام منا جميعاً وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما ... فقالت السيدة عائشة: سل أم سلمة "، فلو كان المراد من النهي عن الركعتين بعد العصر على الإطلاق؛ ما صلتهما عائشة. والله أعلم. وهناك تعليل آخر، وهو أن النهي عن الركعتين بعد العصر لمن صلاها والشمس غير بيضاء نقية؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة، ولذلك لما أجابها عليه الصلاة والسلام؛ بين لها سبب هاتين الركعتين، وأنهما الركعتان بعد الظهر، فدل الحديث على جواز قضاء راتبة الظهر البعدية في وقت النهي.   (1) أما مدوامته صلى الله عليه وسلم على صلاتها؛ فهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام قالت السيدة عائشة " ... وكان إذا صلى صلاة أثبتها ". أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر، حديث رقم 835) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وقد ثبت ما يدل على هذا؛ فإن ابن عباس قال في هذا الحديث: " كنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها "؛ يعني: أنه كان ينهى الناس عن الصلاة بعد العصر مطلقاً، والظاهر أن عائشة بلغها هذا، فقالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. وفي رواية عنها: قالت: لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر. قال: فقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك". رواه مسلم. (1) فدل هذا على النهي عن الصلاة عند غروب الشمس، ومفهومه أن الصلاة بعد العصر والشمس بيضاء نقية غير داخل في النهي، وهذا المفهوم جاء منطوقاً في حديث عن على بن أبي طالب مرفوعاً: " نهى عن الصلاة بعد العصر؛ إلا والشمس مرتفعة". أخرجه أبو داود والنسائي، وفي رواية لأحمد: " لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة" (2) . (3-2-2) راتبة صلاة العصر : ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية:   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، حديث رقم 833) . (2) حديث صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/130) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، حديث رقم 1274) واللفظ له، وأخرجه النسائي في (كتاب المواقيت، باب الرخصة في الصلاة بعد العصر، 2/280) . والحديث توسع في تخريجه والكلام على فقهه العلامة الالباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم 200) ، وأورد ما يشبه له عن أنس تحت رقم 314، ولينظر للاستزادة "المحلى" (2/264-275) . تنبيه: وقع خطأ في "السلسلة " عند الإحالة إلى رقم الشاهد: (308) وصوابه: (314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 أولاً: حكمها. ثانياً: فضلها. ثالثاً: صفتها. وبيانها فيما يلي: أولاً: حكمها: راتبة العصر من السنن الرواتب (1) ، التي ثبت الترغيب فيها من الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ثبت فعله لها؛ فالمحافظة عليها من الأمور المستحبة. ثانياً: فضلها: ورد في فضل راتبة العصر الحديث التالي: عن ابن عمر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً". أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود. (2)   (1) عدها من السنن الرواتب هو الراجح، وهذا اختيار أبي الخطاب الكلوذاني، كما في "المغني" لابن قدامة (2/125) ، وهي من المسائل التى انفرد بها أبو الخطاب؛ كما في "ذيل طبقات الحنابلة" (1/120) . ونقل فيها مجد الدين أبو البركات ابن تيمية في "المحرر" (1/88) وجهين للحنابلة. وصرح الشيرازي من الشافعية في "المهذب" بأن أربع ركعات قبل العصر من السنن الراتبة مع الفريضة، وأن ذلك هو الأكمل، ووافقه النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/8) . (2) حديث حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (4/203) ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الأربع قبل العصر، حديث رقم 430، 1/329-تحفة) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب الصلاة قبل العصر، حديث رقم 1271، 1/490-عون) ، وصححه ابن خزيمة (1193) ، وابن حبان (616- موارد) (6/206، رقم 2453- الإحسان) ، والحديث قال عنه الترمذي: " حسن غريب". اهـ. ص37 والحديث حسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/237) ، ومحقق "جامع الأصول " (6/26) ، ومحقق "الإحسان" (6/206) . قلت: ولم يصب من أعل الحديث بأن رواية ابن عمر لم يذكر هذه الركعات في حديث السابق: " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ... "؛ لأن ابن عمر إنما أخبر بما حفظه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخبر غير ذلك، فلا تنافي بين الخبرين، كما قرره ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/312) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 والحديث يدل على استحباب فعل هذه الركعات، بل والمحافظة عليها؛ رجاء الدخول في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: صفتها: راتبة العصر، أربع ركعات، موصولات بتشهدين كالصلوات الرباعية، يسلم في آخرهن، تصلى قبل صلاة العصر. عن عاصم بن ضمرة السلولي، قال: سألنا علياً عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار؟ فقال: إنكم لا تطيقونه. فقلنا: أخبرنا به؛ نأخذ منه ما استطعنا. قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر؛ يمهل، حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) بمقدارها من صلاة العصر من هاهنا (يعني: من قبل المغرب) ؛ قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا؛ قام فصلى أربعاً، وأربعاً قبل الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعاً قبل العصر، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين ". قال علي: " فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار، وقل من يداوم عليها " أخرجه الترمذي وابن ماجه. وفي رواية للنسائي: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حين تزيغ الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، يجعل التسليم في آخره" (1)   (1) حديث حسن. ص38 أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الأربع قبل الظهر، حديث رقم 424) مقتصراً على ما يتعلق براتبة الظهر، وأخرجه في (باب ما جاء في الأربع قبل العصر، حديث رقم 429) مقتصراً على راتبة العصر، وأخرجه في (باب كيف كان تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، حديث رقم 598) وأورده تاماً، وأخرجه النسائي في (كتاب الإمامة، باب الصلاة قبل العصر وذكر اختلاف الناقلين عن أبي إسحاق في ذلك (2/119-120) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيما يستحب من التطوع بالنهار، حديث رقم 1161) واللفظ له، وأخرجه الترمذي في "الشمائل" (مختصر الألباني، حديث رقم 243) . والحديث؛ حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (حديث رقم 237) ، وحسنه محقق "جامع الأصول" (6/8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 قال أبو عيسى الترمذي: " حديث علي حديث حسن، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر، واحتج بهذا الحديث، وقال إسحاق: ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم؛ يعني: التشهد. ورأى الشافعي وأحمد صلاة الليل والنهار مثنى مثنى؛ يختاران الفصل في الأربع قبل العصر " (1) . اهـ. قلت: الظاهر هو ما قاله إسحاق بن إبراهيم، ويؤيده الرواية التي عند النسائي: "يجعل التسليم في آخره" (2) ، ويرشحه أنه لو كان المراد بالتسليم للخروج من الصلاة في قوله: "يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ... "، لو كان المراد التسليم للخروج من الصلاة؛ للزم المصلي أن ينوي ذلك، وهذا لم يرد شرعاً، فدل هذا على أن المراد بالتسليم على الملائكة المقربين ... إلخ: التشهد، خاصة وقد ورد مرفوعاً أن التشهد فيه التسليم على كل عبد صالح في السماء والأرض.   (1) "سنن الترمذي" (2/294-295- شاكر) . (2) " حاشية السندي على النسائي" (2/120) ، و "السلسلة الصحيحة" (حديث رقم 237) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وعليه؛ فتخصص هذه الراتبة من عموم حديث: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (1) . والحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي هذه الأربع الركعات قبل العصر؛ فعدها من السنن الرواتب هو الصواب إن شاء الله؛ لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وبالله التوفيق. (4-2-2) راتبة صلاة المغرب : ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية: أولاً: حكمها. ثانياً: صفتها وفضلها. ثالثاً: تأكيد صلاتها في البيوت. وبيان ذلك كما يلي: أولاً: حكمها: راتبة المغرب سنة من السنن الرواتب، التي يستحب للمسلم المحافظة عليها، وقد ثبتت هذه السنة عنه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل. ثانياً: صفتها وفضلها: راتبة المغرب ركعتان، تصليان بعد صلاة المغرب، وتقدم في النص عليها: حديث أم حبيبة؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتاً في   (1) سبق تخريج هذا الحديث في المسألة الثانية من مسائل راتبة الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الجنة (أو: إلا بني له بيت في الجنة) : [أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب ... ] ". وحديث ابن عمر رضي الله عنه؛ قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته ... ". وحديث عبد الله بن شقيق؛ سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه؟ فقالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين ... ". ثالثاً: تأكيد صلاتها في البيوت: كان من هديه صلوات الله وسلامه عليه صلاة التطوع في البيت إلا ما كان لعارض، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم التأكيد على صلاة راتبة المغرب في البيوت. عن محمود بن لبيد؛ قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل، فصلى بهم المغرب، فلما سلم؛ قال: " اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم ". أخرجه أحمد، وصححه ابن خزيمة (1) . عن كعب بن عجرة؛ قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل، فلما صلى؛ قام ناس يتنفلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بهذه الصلاة في البيوت ". أخرجه أبو داود والنسائي (2) .   (1) حديث حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (5/428) وابن خزيمة (1200) . والحديث حسنه الألباني في تعليقه على ابن خزيمة (1/209) ، وقواه محققا "زاد المعاد" (1/313) . (2) حديث حسن لغيره. ص41 أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك، 3/198) واللفظ له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب ركعتي المغرب أين تصليان، حديث رقم 1300) . والحديث حسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/241) ، وحسنه لغيره محققاً "زاد المعاد" (1/314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 قلت: الحديثان يدلان على تأكيد استحباب صلاة راتبة المغرب في البيوت. (1)   (1) اعلم أن ظاهر الأمر في الحديثين يقتضي وجوب صلاتهما في البيوت، لكن صرفه عن الوجوب أمور: منها: أن أصل راتبة المغرب الاستحباب لا الوجوب؛ فكيف يكون الفرع واجباً والأصل مستحباً؟!. ومنها: ما يستفاد مما يلي: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل بعد إيراده في "المسند" لحديث محمود بن لبيد المتقدم (5/428) : "قلت لأبي (أحمد بن حنبل) : إن رجلاً قال: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد؛ لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه صلاة البيوت. قال: من قال هذا؟ قلت: محمد بن عبد الرحمن. قال: ما أحسن ما قال (أو: ما أحسن ما انتزع) ! ". اهـ. قلت: قال أبو حفص (لعله البرمكي أو العكبري لا أدري أيهما) في توجيه هذه العبارة عن أحمد نقله عنه ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/313) ؛ قال: " ووجهه: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة في البيوت، وقال المروزي: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصياً؟ قال [أحمد بن حنبل] : ما أعرف هذا! قلت له: يحكى عن أبي ثور أنه قال: هو عاص. قال: لعله ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعلوها في بيوتكم". قال أبو حفص: ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد؛ أجزأه؛ فكذلك السنة". انتهى كلامه. قال ابن القيم متعقباً: " وليس هذا وجهه عند أحمد رحمه الله، وإنما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين، ولا جماعة، فيجوز فعلها في البيت والمسجد" اهـ. قلت: ومن القرائن ما أشار إليه ابن خزيمة حيث بوب على حديث محمود بن لبيد: "باب الأمر بأن يركع الركعتين بعد المغرب في البيوت بلفظ "أمر" قد يحسب بعض من لم يتبحر العلم أن مصليها في المسجد عاص؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم أمر "أن يصليها في البيوت"، ثم بوب بعده: " باب ذكر ص42 =الخبر المفسر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تصلى الركعتان بعد المغرب في البيوت، والدليل على أن الأمر بذلك أمر استحباب لا أمر إيجاب، إذ صلاة النوافل في البيوت أفضل من النوافل في المساجد". وساق حديثاً بهذا المعنى. "صحيح ابن خزيمة" (1/209-210) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 (5-2-2) راتبة العشاء : وتتعلق بها مسألتان: أولاً: حكمها. ثانياً: صفتها وفضلها. أولاً: حكمها: راتبة العشاء من السنن الراتبة؛ فهي صلاة يستحب للمسلم أن يحافظ عليها؛ لثبوت فعلها عنه صلى الله عليه وسلم؛ كما ثبت الترغيب فيها بقوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: صفتها وفضلها: تقدم حديث ابن عمر: " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ... وركعتين بعد العشاء في بيته ". وتقدم حديث عبد الله بن شقيق؛ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه؟ فقالت: " ... ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ". وتقدم حديث أم حبيبة؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة ... [ ... وركعتين بعد العشاء ... ] ". قلت: وهذه الأحاديث فيها أن راتبة العشاء ركعتين بعد صلاة العشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 صلاة الليل والوتر يشتمل هذا الباب على الفصول التالية: (1-3) فضلهما . (2-3) حكم صلاة الليل والوتر. (3-3) أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره. (4-3) عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها. (5-3) ما يقرأ في الوتر. (6-3) القنوت في الوتر حكمه وموضعه وصفته. (7-3) من نام عن وتره أو نسيه. (8-3) مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان. (9-3) لا وتران في ليلة. وبيان ذلك كما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 صلاة الليل والوتر (1-3) فضلهما ورد من فضل صلاة الليل والوتر أحاديث، أذكر منها الأحاديث التالية: أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ". أخرجه مسلم. (1) ب) عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: " عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم". رواه الترمذي والحاكم. (2) ج) عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في "صحيحه" في (كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، حديث رقم 1163) . (2) حديث حسن. أخرجه الترمذي في (كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 3549) معلقاً طرف سنده، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/308) واللفظ له، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" (2/502) ، والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل " (2/199-202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الله زادكم صلاة؛ فحافظا عليها، وهي الوتر". أخرجه أحمد وابن أبي شيبة. (1) قلت: والأحاديث السابقة تدل على فضيلة صلاة الليل واستحباب المحافظة على صلاة الوتر. (2-3) حكم صلاة الليل والوتر صلاة الليل سنة مستحبة، والوتر في آخرها سنة مؤكدة، هذا ما دلت عليه النصوص؛ فمن ذلك الأحاديث التالية: أ) عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" متفق عليه. (2) ب) عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه أحمد في "المسند" (2/206-208) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/297) ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/159) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب ليجعل آخر صلاته وتراً، حديث رقم 998) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 751) . فائدة: قال ابن دقيق العيد تعليقاً على هذا الحديث: " قد يستدل بصيغة الأمر من يرى وجوب الوتر، فإن كان يرى بوجوب الوتر كونه آخر صلاة الليل؛ فالأمر قريب، ولا أعلم أحداً قال ذلك". اهـ. "أحكام الأحكام" (2/84) . قلت: كذا قال رحمه الله، وقال ابن تيمية: "يجب الوتر على من يتهجد بالليل، وهو مذهب بعض من يوجبه مطلقاً". اهـ. "الاختيارات الفقهية" (ص 64) . أقول: الراجح أن الوتر ليس بواجب، كما ستأتي الأدلة على تقريره -أعلاه- وقد قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (23/88) : "الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين، ومن أصر على تركه؛ ترد شهادته". اهـ. وهذا الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يقول: " الوتر حق". أخرجه أحمد وأبو داود. (1) ج) عن أبي أيوب الأنصاري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس؛ فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث؛ فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة؛ فليفعل ". وفي رواية: " الوتر حق، فمن شاء؛ أوتر بسبع؛ ومن شاء؛ أوتر بخمس، ومن شاء؛ أوتر بثلاث، ومن شاء؛ أوتر بواحدة، ومن شاء؛ أومأ إيماء". (2)   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه أحمد في "المسند" (4/274- الفتح الرباني) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب فيمن لم يوتر، حديث رقم 1419) ، والحاكم في "المستدرك" (1/305) ، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح، وأبو المنيب العتكي مروزي ثقة يجمع حديثه، ولم يخرجاه ". اهـ. =قلت: والذي يظهر في حال أبي المنيب - أحد رواة الحديث - أنه يقبل في المتابعات والشواهد، وقد جاء لهذا المقطع ما يشهد له، أما بقية الحديث - وهو: " فمن لم يوتر؛ فليس منا" -؛ فلا ترتقي إلى الحسن؛ لعدم وجود ما يشهد لها، ولذلك ضعف الألباني هذا الحديث لهذه الزيادة في تحقيقه "للمشكاة" (1/399) ، ثم يسر الله لي الوقوف في "مصنف ابن أبي شيبة " (2/297) على شاهد له: قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن خليل بن مرة، عن معاوية بن مرة، عن أبي هريرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يوتر فليس منا ". قلت: وخليل ضعيف يصلح للاعتبار إن شاء الله؛ فهو شاهد لحديث أبي المنيب يرقيه إلى مرتبة الحسن لغيره في المقطع الثاني؛ فالحمد لله على توفيقه. ومما يشهد للمقطع الذي أوردته في الأصل الحديث التالي. (2) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب حكم الوتر؟ حديث رقم 1421، 1/534- عون) واللفظ له، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر الاختلاف على الزهري في حديث أبي أيوب في الوتر، 3/238-239) والرواية له، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع، حديث رقم 1190) ، والطحاوي في "شرح ص48 معانى الآثار" (1/291) ، وصححه ابن حبان (6/167، 170-171، حديث رقم 2407 و 2410 و 2411- الإحسان) ، والحاكم في "مستدركه" (1/302) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قلت: هذه الأحاديث تدل على تأكيد استحباب صلاة الليل والوتر، بل فيها ما قد يشعر بوجوب الوتر: إما مطلقاً، وإما في حق من يتهجد بالليل. لكن ورد ما يدل على أن صلاة الليل والوتر ليستا بحتم، من ذلك: عن علي رضي الله عنه؛ قال: " الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه النسائي. (1) قلت: وهذا صريح في عدم وجوب الوتر، ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة؛ فقوله هذا له حكم الإجماع السكوتي. (2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله! لا تكن مثل فلان، كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل ". أخرجه البخاري ومسلم. (3)   (1) أثر حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/296) ، وعبد الرازق في "المصنف" (3/3-رقم 4569) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الأمر بالوتر، 3/229) واللفظ له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم) ، وقال الترمذي: " حديث حسن". وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي " 1/368) . (2) ثم رأيت ابن رجب في "شرح البخاري" له (مخطوط) (كتاب الوتر) في شرحه للحديث الأول منه يقول: "وروي عن أبي أيوب أنه واجب، وعن معاذ من وجه منقطع " اهـ. قلت: ولم أقف على هذه الرواية عن أبي أيوب، وانظر: " معجم فقه السلف" (2/186) . (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، حديث رقم 1152) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر، حديث رقم 1159) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب، إذ لو كان واجباً؛ لم يكتف لتاركه بهذا القدر، بل كان يذمه أبلغ الذم. (1) عن علي بن أبي طالب؛ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة، فقال: " ألا تصليان؟ " فقلت: يا رسول الله! أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا؛ بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إلي شيئاً، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: " وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً". متفق عليه. (2) قلت: ولو كان قيام الليل واجباً، لما عذره بقوله ذاك، والله أعلم. (3) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح؛ قال: " قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم؛ إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان ". متفق عليه. (4)   (1) انظر: " فتح الباري " (3/38) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب، حديث رقم 1127) واللفظ له، وله عنده مواضع أخرى تحت الأرقام التالية: (4724، 7347، 7465) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما ورد فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، حديث رقم 775) . (3) انظر: "فتح الباري " (3/11) قلت: وقد بوب عليه البخاري: "باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب". (4) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل والنوافل، ص50 حديث رقم 1129) ، وطرفه تحت (رقم 2012) ، واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث رقم 761) والرواية المشار إليها له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وفي رواية: " ... ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم "؛ فعليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته؛ إلا الصلاة المكتوبة ". أخرجها مسلم عن زيد بن ثابت. (1) قلت: هذا الحديث فيه دلالة ظاهرة على عدم وجوب صلاة الليل، إذ نص الرسول أنها من صلاة البيوت التي ليست بواجبة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خشي أن تفرض عليهم صلاة الليل جماعة في المساجد في رمضان، فدل ذلك أنها ليست بواجبة جماعة في المساجد في رمضان وفي غير رمضان كذلك؛ لعدم الفرق، وأفراداً كذلك. (2) عن ابن عمر؛ قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته". أخرجه البخاري. (3) قلت: ثبت بالاستقراء أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فريضة على راحلته، فدلت صلاته صلاة الليل والوتر على الراحلة أنها من التطوع الذي ليس بحتم كهيئة المكتوبة. (4)   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، تحت رقم 781) . (2) وانظر: " فتح الباري" (1/14) . (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب الوتر في السفر، حديث رقم 1000) . (4) وانظر: "فتح الباري" (2/489) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ومن الأدلة على عدم وجوب صلاة الليل والوتر ما سبق عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". أخرجه مسلم. (1) وفيه دلالة على عدم وجوب صلاة الليل، إذ فاضل بين صلاة الليل وسائر الصلوات غير الفريضة، وقرن في التفضيل بين صيام شهر الله المحرم وصلاة الليل؛ فكما أن صيام شهر الله المحرم ليس بواجب؛ فكذا صلاة الليل، والله أعلم. والمقصود: أن مجموع هذه النصوص يدل على عدم وجوب صلاة الليل والوتر؛ فهي قرينة صارفة لما قد تشعر به بعض الأحاديث بوجوب الوتر، صارفة من الوجوب إلى الاستحباب. والله أعلم. ويؤكد عدم الوجوب ما ذكرته السيدة عائشة رضي الله عنها؛ من أن قيام الليل كان فرضاً في أول الأمر، ثم أنزل الله التخفيف في آخر سورة المزمل، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. (2)   (1) سبق تخريجه في الفصل الأول من هذا الباب (1-3) (2) حديث صحيح. سيأتي نصه وتخريجه انظر: (6/4-3) . فإن قيل: قيام الليل غير الوتر. فالجواب: الذي دلت عليه النصوص أن قيام الليل والوتر صلاة واحدة، ويعبر عنها بالشفع والوتر. وفي "سنن الترمذي" (2/320-321) : " قال إسحاق بن راهويه: معنى ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة؛ قال: إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وروى في ذلك حديثاً عن عائشة، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " أوتروا يا أهل القرآن! ". قال: إنما عنى به قيام الليل؛ يقول: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 (3-3) أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره أول وقت صلاة الليل والوتر بعد صلاة العشاء، وآخره طلوع الفجر، ويدل على ذلك ما يلي: أ) عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس: العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن؛ قام، فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة ". أخرجه مسلم. (1) ب) وعن أبي بصرة الغفاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر؛ فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر". أخرجه أحمد. (2) قلت: والحديثان ظاهران في أن صلاة الليل والوتر وقتهما يبدأ من بعد صلاة العشاء (التي يدعو الناس: العتمة) إلى الفجر. ويؤكد أن آخرها الفجر ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" (3) قال ابن نصر: " الذي اتفق عليه أهل العلم: أن ما بين صلاة العشاء إلى   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 736) ، وأصل الحديث في "البخاري". انظر: "جامع الأصول " (6/91-96) . (2) حديث صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (6/7، 397) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة" (حديث رقم 108) . (3) سيأتي تخريج هذا الحديث بعد قليل، انظر: (4-3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 طلوع الفجر وقت للوتر، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوتر قبل طلوع الفجر". اهـ. (1) قلت: والأفضل في حق من خشي أن لا يقوم آخر الليل الصلاة في أوله، ومن وثق من نفسه؛ فالأفضل له تأخيره إلى آخر الليل؛ لما ثبت عن جابر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل؛ فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره؛ فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل". أخرجه مسلم. (2) (4-3) عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها صلاة الليل والوتر إحدى عشرة ركعة، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقد وردت عنه عليه الصلاة والسلام بأوصاف متنوعة، إذا صلى المسلم بأي صفة منها؛ أجزأته وهذه الأوصاف هي التالية: - (1-4-3) صلاة الليل مثنى مثنى والوتر بواحدة: عن عبد الله بن عمر؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشى أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". وفي رواية: " قام رجل فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ ". أخرجه الشيخان. (3)   (1) "مختصر قيام الليل " (ص119) (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، حديث رقم 755) . (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، حديث رقم 990) واللفظ له، والرواية المشار إليها أخرجها في (كتاب الصلاة، باب الحلق في المسجد، حديث رقم 473) ص54 بنحوه، ولفظها لمسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 749) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 قلت: والحديث يدل على أن صلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين. وأن الوتر يشرع كونه آخر صلاة الليل. وأن الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها مشروع. وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل؛ لأن هذا ظاهر السياق؛ لحصر المبتدأ في الخبر. وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل للمصلي؛ لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه؛ كما سيأتي إن شاء الله. وليس في الحديث ما يعين أن جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله: "صلاة الليل مثنى مثنى"؛ أن هذا هو الأفضل، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف؛ إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها؛ لما فيه من الراحة غالباً، وقضاء ما يعرض من أمر مهم، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط؛ لما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى اختصاصه به؛ فعليه البيان، وقد صح عنه الفصل كما صح عنه الوصل. (1) وقد استدل بعضهم بالحديث على أن صلاة الليل لا حد لأكثرها، وفيه نظر من وجوه؛ منها: الوجه الأول: أن الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل والوتر أنه لم يزد فيها عن إحدى عشرة ركعة. الوجه الثاني: وردت رواية لهذا الحديث تفسره، وهي الرواية المشار إليها سابقاً، وقد أخرجها البخاري بلفظ: " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب،   (1) "فتح الباري" (2/479) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتر بواحدة؛ توتر لك ما قد صليت" (1) ، وهذه الرواية فيها بيان أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "مثنى مثنى" بيان كيفية الصلاة لا كمية الصلاة، فلا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ذاك بيان العدد، وإنما الفصل والوصل؛ فصلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث. (2) الوجه الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " مثنى مثنى": يفيد إرادة الصفة، لا إرادة العدد، إذ العدد المعدول (مثنى مثنى) إنما يعني: صلي صلاة الليل ركعتين ركعتين؛ دون أن يراد بيان العدد؛ فافهم. وهذا كما في قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3] . (3) - (2-4-3) الوتر بركعة واحدة: يشرع الوتر بركعة واحدة، ومما يدل عليه ما يلي: أ) ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتر بركعة ". ب) ما سبق من حديث أبي أيوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الوتر حق على كل مسلم، فمن شاء؛ أوتر بسبع، ومن شاء؛ أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء؛ أوتر بواحدة، فمن غلب؛ فليومئ إيماء". ج) عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الوتر ركعة من آخر الليل ". أخرجه مسلم. (4)   (1) أخرجها: البخاري في (كتاب الصلاة، باب الحلق في المسجد، حديث رقم 473) . (2) "فتح الباري" (2/478-479) . (3) انظر: "تفسير الزجاج" (2/10) ، "تفسير القرطبي" (5/18) ، و "شرح قطر الندى" (ص316) ، في موانع الصرف – العلة الخامسة. (4) حديث صحيح. ص56 أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 752) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 - (3-4-3) الوتر بثلاث ركعات: ويشرع الوتر بثلاث ركعات فقط، ولك أن تصليها على صفتين، ما تيسر لك منها يجزئ عنك، وهي التالية: الأولى: أن تصلي هذه الركعات الثلاث: ركعتين ثم تسلم، ثم تصلي ركعة واحدة. الثانية: أن تصليها ثلاث ركعات متصلة، لا تقعد إلا في آخرهن: لما ثبت عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة". أخرجه الحاكم. (1) وقد ثبت أداء الثلاث موصولات دون قعود إلا في آخرهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن أبي بن كعب؛ قال: " كان رسول الله يقرأ من الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ولا يسلم إلا في آخرهن". أخرجه النسائي. (2) وعن عائشة؛ قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يسلم إلا في   (1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/314) وصححه على شرطهما، والطحاوي في "شرح معانى الآثار" (1/292) ، وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص85) . (2) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/235-236) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 آخرهن ". أخرجه الحاكم. (1) وعن بعض الصحابة رضوان الله عليهم. (2) ومن الأدلة على مشروعية الوتر بثلاث ركعات ما تقدم في حديث أبي أيوب: "ومن أحب أن يوتر بثلاث؛ فليفعل". - (4-4-3) الوتر بخمس ركعات: يشرع الوتر بخمس ركعات، ولك أن تصليها على صفتين: الأولى: أن تصلي ركعتين، ثم تصلي ركعتين، ثم تصلي ركعة. الثانية: أن تصليها خمس ركعات موصولات، لا تجلس إلا في آخرهن. والدليل على ذلك جميعه ما يلي: أ) ما سبق في حديث أبي أيوب المتقدم: "من أحب أن يوتر بخمس؛ فليفعل".   (1) "مستدرك الحاكم" (1/304) ، وانظر: "فتح الباري" (2/481) . (2) انظر: " المستدرك " للحاكم (1/304) ، " مختصر قيام الليل لابن نصر" للمقريزي (ص126) . فائدة: قال العلامة الألباني: " إن الإيتار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح، بل هو لا يخلو من كراهة، ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر، وإذا قعد؛ سلم، وهذا هو الأفضل؛ لما تقدم، والله الموفق، لا رب سواه". اهـ. "صلاة التراويح" (ص98) . قلت: وذهب الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/44) إلى أن الأحوط ترك الإيتار بثلاث متصلة مطلقاً. وعندي: لا معنى لهذا الاحتياط مع ثبوت إيتار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بثلاث بتشهد واحد في آخرها، والأمر عندي كما قال الألباني. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ب) ما سبق في حديث ابن عمر: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر؛ أوتر بركعة". ج) عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة؛ يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرها". وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر ". أخرجه مسلم. (1) د) وعنها؛ قالت: " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في الآخرة منهن". أخرجه أبو عوانة. (2) - (5-4-3) الوتر بسبع ركعات: يشرع الوتر بسبع ركعات، ويؤدى على صفتين: الأولى: أن يصلي ست ركعات مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدة. الثانية: أن يصلي سبع ركعات موصولات، لا يقعد إلا في السادسة، فيتشهد، ثم يقوم ولا يسلم، ويأتي بالسابعة ثم يسلم. ومما يدل على ذلك ما يلي: حديث أبي أيوب، وفيه: " الوتر حق، فمن شاء؛ أوتر بسبع". عن أم سلمة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كبر   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 737) ، والرواية الأخرى له أيضاً. (2) حديث صحيح. أخرجه أبو عوانة (2/325) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وضعف أوتر بسبع". أخرجه الترمذي والنسائي. (1) ج) حديث ابن عمر المتقدم: " صلاة الليل مثنى مثنى ... ". د) عن عائشة؛ قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات؛ لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله، ويذكره، ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، فيجلس، فيذكر الله عز وجل، ويدعو، ثم يسلم تسليمة يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فلما كبر وضعف؛ أوتر بسبع ركعات، لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم، فيصلي السابعة، ثم يسلم تسليمة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس". أخرجه مسلم والنسائي. (2) - (6-4-3) الوتر بتسع ركعات: ويشرع للمسلم أن يوتر بتسع ركعات، وله فيها صفتان، وهي التالية: الأولى: أن يصلي مثنى مثنى ثمان ركعات ثم يوتر بواحدة. الثانية: أن يصلي تسع ركعات موصولات، لا يقعد إلا في الثامنة للتشهد، ثم يصلي التاسعة، ويقعد فيها للتشهد الثاني، ثم يسلم.   (1) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر الاختلاف على حبيب بين أبي ثابت في حديث ابن عباس في الوتر، 3/237) ، ووقع عنده: "بتسع"؛ مكان: "بسبع" ونبه النسائي إلى شذوذها، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الوتر بسبع، حديث رقم 457) واللفظ له، وقال: "حديث أم سلمة حديث حسن"، وأخرجه الحاكم (1/306) وصححه على شرط الشيخين، وصححه الشيخ أحمد شاكر في "تحقيقه للترمذي" (2/320) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم 746) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف الوتر بسبع، 3/240) واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ومما يدل على ذلك ما يلي: أ) ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى؛ فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ". ب) عن سعد بن هشام؛ قال: " قلت: يا أم المؤمنين (يعني: عائشة رضي الله عنها) ! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله؟ فقالت: ألست تقرأ: {يا أيها المزمل} ؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله من آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء الله أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات؛ لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد؛ فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم؛ أوتر بسبع؛ وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول؛ فتلك تسع يا بني ... " أخرجه مسلم. (1) - (7-4-3) الوتر بإحدى عشرة ركعة: يشرع للمسلم أن يوتر بإحدى عشرة ركعة، ويصليها على صفتين:   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم 746) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الأولى: أن يصلي مثنى مثنى عشر ركعات ثم يوتر بواحدة. الثاني: أن يصلي أربعاً أربعاً ثم يصلي ثلاثاً. (1) ويدل على ذلك ما يلي: أ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً،؛ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: " يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ". وفي رواية: " كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس؛ فإذا أراد أن يركع؛ قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من الصبح ". أخرجه الشيخان. (2) ب) وعنها؛ قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة؛ يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها؛ اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين ". وفي رواية: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة؛ يسلم بين كل   (1) ولك أن تصلي هذه الثلاث على ما سبق في الوتر بثلاث. (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، حديث رقم 1147) واللفظ له، وطرفاه تحت (رقم 2013، 3569) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 738) والرواية له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن؛ قام، فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة". أخرجه مسلم. (1) قلت: وانتهت صلاة الليل والوتر إلى الإحدى عشرة ركعة. (2)   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 736) . (2) فإن قيل: ورد في بعض الأحاديث السابقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة"؛ فكيف يصح أن صلاة الليل والوتر إحدى عشرة ركعة فقط؟! فالجواب: لا تعارض بين الروايات في ذلك، والذي يظهر أن عائشة رضي الله عنها عدت مرة مع الإحدى عشرة ركعة ركعتي الفجر، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين بعد الوتر؛ وبيان ذلك كما يلي: أما ما يدل على أنها عدت مرة في الثلاث عشرة ركعة ركعتي الفجر؛ فهو قوله: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر ". أخرجه البخاري (1140) ، ومسلم (736-738) . أما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتح بهما صلاة الليل؛ فهو قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين". أخرجه البخاري (1170) ، مع قولها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي؛ افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ". أخرجه مسلم (767) . ورجح هذا الجمع العلامة الألباني، وأيده برواية لهذا الحديث تفصل مجمله؛ فانظرها في: "صلاة التراويح" (ص90) ، وانظر: " تمام المنة" (ص 249- 252) . وأما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر؛ فهو ما سبق في (6-4-3) من حديث سعد بن هشام عن عائشة؛ فانظره. وكذا ما ورد عن ابن عباس من قوله: " كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة"؛ يعني: بالليل. أخرجه البخاري (1138) . فهذه رواية مجملة تبينها رواية أخرى للحديث نفسه؛ انظره في: "البخاري" تحت (رقم992) ؛ فقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام " صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر"؛ فالظاهر أنه عد الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلى الله عليه وسلم صلاة الليل، وقيل: منها ص63 سنة الفجر، وانظر: " فتح الباري" (2/483-484) ؛ فقد أشار إلى اختلاف الروايات، وما قدمته هو الراجح عندي. والله أعلم. وكذا ما سبق في (5-4-3) عن أم سلمة رضي الله عنها من أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة؛ فالظاهر أنها عدت الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل والوتر. فإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ": ألا يدل على أن صلاة الليل لا حد لها من جهة العدد؛ لأنه جعل الليل بطوله وقتاً لها، فقال: " فإذا خشي أحدكم الصبح ... ". فالجواب: سبق في (1-4-3) ذكر الأدلة على أن الحديث لا دلالة فيه على أن صلاة الليل لا عدد لها، وأزيد هنا: قوله: " فإذا خشي أحدكم الصبح ... ": غايته أن يدل على أن الوتر هو آخر صلاة الليل، وأن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر، وأن على من يصلي في الليل أن لا يترك الوتر. ويؤكد هذا أن الحديث أخرجه النسائي (3/233) ، وابن ماجه (6/353-354) ، رقم 2624- الإحسان) ، وفي "المعجم الكبير" (12/274، رقم 13096) ؛ بلفظ: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف؛ فاركع واحدة توتر لك ما صليت"، وأولى ما فسر به الحديث بالحديث، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 مسألة: ما حكم الركعتين اللتين كان يصليهما الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً؟ وللجواب عن هذه المسألة أقول: قال صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " متفق عليه. (1) وسبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد الوتر أحياناً وهو جالس.   (1) حديث صحيح. واخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب ليجعل آخر صلاته وتراً، حديث رقم 998) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 751) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وعليه؛ فإن فعله صلى الله عليه وسلم دل على أن قوله: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"؛ إنما هو إرشاد إلى الأفضل، فيباح للمسلم أن يصلي بعد الوتر، ولا حرج عليه في ذلك. ويؤكد هذا ما جاء عن ثوبان؛ قال: كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم؛ فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا؛ كانتا له". أخرجه الدارمي وابن خزيمة وابن حبان. (1) فدل ذلك على أن المقصود من الأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً أن لا يهمل الإيتار بركعة؛ فلا ينافيه صلاة ركعتين بعده؛ كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام وأمره (2) . والله أعلم. وقد بوب ابن خزيمة رحمه الله على حديث ثوبان هذا بقوله: " باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة لا أمر إيجاب وفريضة" (3) اهـ. (5-3) ما يقرأ في الوتر يشرع للمسلم أن يقرأ في الأولى من الوتر: {سبح اسم ربك الأعلى} ،   (1) إسناده جيد. أخرجه الدارمي (1/374) ، وابن خزيمة في " صحيحه" (حديث رقم 1106) ، وابن حبان كما في (6/315، حديث رقم 2577- الإحسان) . والحديث أورده الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (تحت رقم 1993) ، وقال محقق "الإحسان": "إسناده قوي". (2) انظر: " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (4/646، حديث رقم 1993) . (3) " صحيح ابن خزيمة" (2/159) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} . وأحياناً يقرأ في الثالثة مع {قل هو الله أحد} : المعوذتين. والدليل على ذلك ما يلي: عن أبي بن كعب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ؛ قال عند فراغه: " سبحان الملك القدوس"؛ ثلاث مرات، يطيل في آخرهن". أخرجه النسائي. (1) عن ابن عباس؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث؛ يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ". أخرجه النسائي. (2) عن عبد العزيز بن جريج؛ قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: " كان يقرأ في الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي   (1) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/235) ، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6/202، حديث رقم 2450- الإحسان) دون قوله: "ويقنت قبل الركوع"، وقال: " فإذا سلم؟؛ قال: سبحان الملك القدوس ... ". والحديث صحيح أسنده الألباني في " صحيح سنن النسائي" (1/371-372) ، ومحقق "الإحسان" (6/203) . (2) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر الاختلاف على أبي إسحاق في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الوتر، 3/236) . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين ". أخرجه الترمذي. (1) واعلم أن هذه الأحاديث تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر، وهذا جاء صريحاً: عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه". أخرجه ابن حبان. (2) وليس معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يوتر بثلاث موصولات؛ فقد جاء في رواية لحديث أبي بن كعب السابق بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ولا يسلم إلا في آخرهن، ويقول (يعني: بعد التسليم) : " سبحان الملك القدوس:؛ ثلاثاً ". أخرجه النسائي. (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (أبواب الوتر، باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر، حديث رقم 462) ، وصححه ابن حبان (6/188 و 201، حديث رقم 2432، 2448 – الإحسان) ، والحديث حسنه الترمذي، ووافقه الشيخ أحمد شاكر، وصححه محقق " الإحسان" والألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/144) . (2) إسناده حسن. أخرجه أحمد في " المسند" (2/76، 7/230، حديث رقم 5461- شاكر) ، وصححه ابن حبان " الإحسان" (6/191، حديث رقم 2435) . والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر كما أشار الشيخ أحمد شاكر، وكذا قواه محقق " الإحسان " (3) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/335-336) . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/372) . ص67 فائدة: أخرج: النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب القراءة في الوتر) عن أبي موسى؛ أنه كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمئة آية من النساء، ثم قال: ما آلوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قلت: فالحديث غير صريح عندي في الدلالة على مشروعية قراءة مئة آية من سورة النساء في الوتر على الإطلاق، نعم؛ وهو يدل على مشروعية ذلك عند الإيتار بركعة واحدة، وهل هذا في الحضر كذلك؟ الأول أظهر عندي. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فائدة: دل حديث أبي بن كعب على مشروعية أن يقول المسلم إذا فرغ من الوتر: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات يطيل في آخرهن. (6-3) القنوت في الوتر ويشتمل هذا الفصل على المسائل التالية: المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر. المسألة الثانية: موضعه. المسألة الثالثة: صفته. وإليك بيان ذلك: - (1-6-3) حكم القنوت في الوتر: القنوت في الوتر مستحب، وليس بواجب. والدليل على استحبابه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوتر ولا يقنت أحياناً، فدل ذلك على عدم وجوب القنوت في الوتر، إذ لو كان واجباً؛ ما تركه صلى الله عليه وسلم أحياناً. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 والدليل على ذلك؛ أنه ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر، وثبت عن بعضهم ترك القنوت في الوتر طوال السنة؛ إلا في النصف من رمضان، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة (1) . وهذا الاختلاف منهم مشعر بأنه لم يثبت لديهم جميعهم قنوت الرسول صلى الله عليه وسلم في كل صلاة وتر، وفي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك الوتر أحياناً. والله أعلم. وممن حكى هذا الاختلاف الترمذي، فقال: " اختلف أهل العلم في القنوت في الوتر، فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع. وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة. وقد روي عن علي بن أبي طالب: أنه كان لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وبه يقول الشافعي وأحمد " (2) . اهـ. - (2-6-3) موضع القنوت في الوتر: القنوت يكون في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع، هذا الثابت من فعله صلوات الله وسلامه عليه غالباً، وكان أحياناً يقنت للوتر بعد الركوع، والله أعلم. والدليل على ذلك ما يلي: أ) عن أبي بن كعب؛ قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع". أخرجه ابن ماجه. (3)   (1) انظر: " المصنف" لابن أبي شيبة (2/305، 306) ، و "مختصر قيام الليل" للمروزي (ص135- 136) ، و "مجموع الفتاوى" (22/271) . (2) " سنن الترمذي" (2/329) . (3) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده، حديث رقم 1182) ، وأبو داود في (تفريع أبواب الوتر، باب القنوت في الوتر) معلقاً طرف سنده وأورد المتن بنحوه، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر 43/ 235) بسياق فيه زيادة على ما هنا، ذكر ما يقرأ في الوتر وما يقوله عند فراغه من الوتر. والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/167، حديث رقم 426) ، وصححه محقق " جامع الأصول" (6/54) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ب) عن علقمة؛ " أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع". أخرجه ابن أبي شيبة. (1) قلت: ففي حديث أبي بن كعب وأثر علقمة دليل على أن قنوت الوتر يكون بعد القراءة قبل الركوع. أما الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً بعد الركوع في الوتر؛ فهو التالي: عن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه قال: " خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه (2) ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون   (1) أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (2/302) ؛ قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة ابن أبي مسعود ... " وساقه. والأثر قال عنه الألباني في " إرواء الغليل" (2/166) : " هذا سند جيد، وهو على شرط مسلم". اهـ. (2) يعني: البدعة اللغوية؛ لأن اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة الليل في رمضان ص70 في المسجد لم يكن في زمن أبي بكر، ولا في أول زمن عمر، فسماه عمر بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت أنه صلى بالناس جماعة صلاة التراويح، وقال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة: " إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم" [البخاري: 2012] ؛ فاجتماع الناس لصلاة التراويح عمل صالح، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض. انظر: " اقتضاء الصراط المستقيم" (ص275- 277) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 (يريد: آخر الليل) . وكان الناس يقومون أوله (وزاد في رواية: وكان يلعنون الكفرة في النصف (1) : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً) " (2) . قلت: ومحل الدلالة في قوله: " ثم يكبر ويهوي ساجداً "؛ إذ فيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع، إذ لو كان الدعاء بعد القراءة؛ لكبر للركوع لا للسجود. وبالله التوفيق.   (1) يعني في النصف من رمضان. (2) أثر صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، حديث رقم 2010) إلى قوله: "وكان الناس يقومون أوله"، والزيادة في الرواية الأخرى أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه" (2/155-156) ، وصحح إسنادها الألباني في رسالته القيمة المفيدة " صلاة التراويح" (ص41-42) ، وتكلم حفظه الله على شيء من فقه هذا الأثر؛ فانظره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 - (3-6-3) صفة القنوت في الوتر: الذي يظهر من تأمل النصوص الواردة؛ أنه ليس في قنوت الوتر شيء موقت، إنما هو دعاء واستغفار. (1) ومن خير الدعاء في قنوت الوتر ما يلي: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن [إذا فرغت من قراءتي] في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، (ولا منجأ منك إلا إليك] " (2) كما يشرع في دعاء القنوت في الوتر في النصف من رمضان بما ثبت في الرواية السابقة في أثر عبد الرحمن بن عبد القاري: " وكان يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ   (1) وهذا مروي عن إبراهيم النخعي. انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/301) . (2) حديث صحيح. =أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، حديث رقم 1425) والسياق له، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر، 3/248) بنحوه، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، حديث رقم 464) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت في الوتر، حديث رقم 1178) ، وأخرجه ابن مندة في " كتاب التوحيد" (2/191، حديث رقم 343) والزيادتان له والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في " تحقيقه للترمذي" (2/329) ، والعلامة الألباني في "إرواء الغليل" (2/172) ، ومحقق "جامع الأصول" (5/392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 من لعنه الكفرة، وصلاته على النبي، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " (1) . تنبيه: ثبت عن على بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" (2) . قلت: أورد هذا الحديث بهذا السياق الترمذي في (باب في دعاء الوتر) ، والنسائي في (باب الدعاء في الوتر) ، وأبو داود في (باب القنوت في الوتر) ، وابن ماجه في (باب ما جاء في القنوت في الوتر) . ووجه ذلك ما أشار إليه السندي في "حاشيته على النسائي" حيث قال: "قوله: " كان يقول في آخر وتره": يحتمل أنه كان يقول في آخر القيام، فصار هو من القنوت؛ كما هو مقتضى كلام المصنف، ويحتمل أنه كان يقول في قعود التشهد، وهو ظاهر اللفظ" (3) اهـ. لكن أخرج هذا الحديث النسائي من كتاب " عمل اليوم والليلة" وكذا ابن   (1) سبق تخريجه وسياقه تاماً؛ انظر: (2/6-3) . (2) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الدعوات، حديث رقم 3566) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 3/248-249) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، حديث رقم 1427) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، حديث رقم 1179) . والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل " (2/175، حديث رقم 430) ومحقق "جامع الأصول" (6/64، 5/392) . (3) " حاشية السندي على النسائي" (3/249) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 السني باللفظ التالي: عن على بن أبي طالب؛ قال: " بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول: اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، اللهم لا أستطيع ثناء عليك ولو حرصت، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك" (1) . وهذه الرواية فيها تعيين موضع هذا الدعاء، وهو ما بوب عليه النسائي في كتابه "عمل اليوم والليلة"، حيث قال: " باب ما يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه". (7-3) من نام عن وتره أو نسيه جاء في حق من نام عن صلاة الليل وهو ينوي أن يصلي قول أبي الدرداء رضي الله عنه: " من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى أصبح؛ كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل ". أخرجه النسائي وابن ماجه (2)   (1) إسناده صحيح. أخرجه النسائي في "كتاب عمل اليوم والليلة" (ص505، حديث رقم 891) ، وابن السني في "كتاب عمل اليوم والليلة" (ص358، حديث رقم 766) ، وهذا إسناد منقطع، كما نبه المزي في "تهذيب الكمال" (1/57) ، لكن أورده النسائي بإسناد آخر تحت (رقم 892) ، وهو إسناد صحيح، والله أعلم، وصححه محقق "عمل اليوم والليلة " للنسائي، وكذا محقق " عمل اليوم والليلة " لابن السني، والله أعلم. (2) أثر صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام، 3/258) ، وابن خزيمة (2/195- 197، حديث رقم 1172 - 1175) ، وابن حبان (6/323، حديث رقم 2588- الإحسان) . والحديث صححه الألباني في " إرواء الغليل" (2/204، حديث رقم 454) ، وقال: "يبدو أن ص74 الأصح الوقف، ولكنه في معنى الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي؛ كما هو ظاهر". اهـ. قلت: والأمر كما قال حفظه الله، وصحح الحديث مرفوعاً محقق " جامع الأصول" (6/73) ، وجود إسناده محقق " الإحسان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وهذا الأثر، وإن كان موقوفاً؛ إلا أنه في حكم المرفوع. ويشرع للمسلم إذا نام عن وتره أو غلبه عليه وجع ونحوه أن يصليه من النهار، وهو مخير في عدد الركعات التي يصليها بين أمرين: الأول: أن يصلي وتره كما كان يصليه. وهذا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن وتره أو نسيه؛ فليصله إذا ذكره". أخرجه أبو داود والترمذي. (1) الثاني: أن يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة. وهذا ما نقلته عائشة رضي الله عنها من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قالت: " كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل؛ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة". أخرجه مسلم. (2)   (1) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب في الدعاء بعد الوتر، حديث رقم 1431) واللفظ له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه، حديث رقم 466) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من نام من وتر أو نسيه، حديث رقم 1188) . والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي، وصححه محقق " جامع الأصول" (6/60) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم 746) في سياق طويل هذا جزء صغير منه. وانظر: " جامع الأصول " (6/91-96) و "فتح الباري" (2/480) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (8-3) مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان ثبتت مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله. أما القول؛ فهو ما جاء عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليتنا هذه؟ فقال: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة"، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، وصلى بنا الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح. قال جبير بن نفير الراوي عن أبي ذر قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور. أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. (1) قال الترمذي في تعليقه على الحديث: " اختار ابن المبارك وأحمد وإسحاق الصلاة مع الإمام في شهر رمضان، واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئاً " (2) اهـ. قلت: حديث أبي ذر هذا نص قولي عن الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد مشروعية الجماعة في صلاة الليل، بل ويبين فضلها.   (1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، حديث رقم 806) واللفظ له، والنسائي في (كتاب السهو، باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف، 3/83) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان، حديث رقم 1375) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، حديث رقم 1327) . والحديث صححه الترمذي، وصحح سنده محقق " جامع الأصول " (6/121) . (2) "سنن الترمذي" (3/170) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 أما الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم لصلاة الليل جماعة؛ فهو ما جاء عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة؛ عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضي الفجر؛ أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: " أما بعد؛ فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها". أخرجه الشيخان. (1) قال الحافظ ابن حجر عند ذكره لفوائد هذا الحديث: " [فيه] ندب قيام الليل - ولا سيما في رمضان - جماعة؛ لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب" (2) . اهـ. (9-3) لا وتران في ليلة عن قيس بن طلق بن علي؛ قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا الليلة وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر، قدم رجلاً، فقال: " أوتر بأصحابك؛ فإني   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، حديث رقم 924) واللفظ له، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان، حديث رقم 761) . انظر: " جامع الأصول" (6/116-118) . (2) " فتح الباري" (3/14) . وقد قرر مشروعية الجماعة في صلاة الليل في رمضان الألباني في " صلاة التراويح" (ص9-15) ، وأورد الأدلة على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله وإقراره عليه الصلاة والسلام. =وانظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص275-277) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا وتران في ليلة ". أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان. (1) قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله معلقاً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة": "اختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره: فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها ركعة، ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته؛ لأنه: "لا وتران في ليلة". وهو الذي ذهب إليه إسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له، ولا ينقض وتره، ويدع وتره على ما كان. وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأهل الكوفة وأحمد. وهذا أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر ". (2) اهـ. قلت: هذا الذي قال عنه الإمام الترمذي رحمه الله: " وهذا أصح": هو   (1) حديث حسن. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب في نقض الوتر، حديث رقم 1439) واللفظ له، وأخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة، 3/329-330) بنحوه، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء لا وتران في ليلة، حديث رقم 470) مقتصراً على الكلام النبوي، وأخرجه ابن حبان (6/201-202، حديث رقم 2449- الإحسان) بنحوه. والحديث صححه ابن حبان، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (2/481) ، وصححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي، وقوى إسناده محقق " الإحسان"، وصححه محقق " جامع الأصول " (6/62) . (2) " سنن الترمذي" (2/334) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ما قدمته لك (1) ، حيث قررت أن قوله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً "؛ ليس على الوجوب، وأن المقصود منه أن لا يترك المسلم الوتر في صلاة الليل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف؛ فاركع واحدة؛ توتر لك ما قد صليت" (2) . فقوله: " فاركع واحدة؛ توتر لك ما قد صليت ": يدل على أن المراد أمر المسلم بأن لا يدع صلاته بالليل شفعاً دون وتر. والله أعلم. (3)   (1) انظر: ما تقدم تحت (رقم 7/4-3) . (2) سبق تخريجه في الموضع نفسه المشار إليه في الذي قبله. (3) لكن تبقى مسألة وهي: إذا كان المأموم قد أوتر في أول الليل، ثم صلى جماعة مع الإمام؛ فهل يترك الإيتار معه فيفوته الفضل المذكور في حديث أبي ذر مرفوعاً: " أنه من قام مع الإمام حتى ينصرف هو؛ كتب له قيام ليلة" (وقد سبق قريباً تخريجه) ؟ والجواب: الذي يظهر – والله أعلم – أن المأموم يصلي مع الإمام ركعة الوتر بنية الشفع، فإذا سلم الإمام من الركعة؛ قام وجاء بركعة ثانية، فيتحصل منه أنه لم ينصرف حتى انصرف الإمام، وأنه لم يأت بوترين في ليلة. والله أعلم. ولا يضر اختلاف نية المأموم والإمام. وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 صلوات متفرقة يشتمل هذا الباب على الفصول التالية: (1-4) صلاة الإشراق . (2-4) صلاة الضحى. (3-4) صلاة الزوال. (4-4) صلاة الدخول والخرج من المنزل. (5-4) صلاة ركعتين بعد الوضوء. (6-4) صلاة تحية المسجد. (7-4) الصلاة بين الأذان والإقامة. (8-4) صلاة التوبة. (9-4) صلاة سنة الجمعة. (10-4) صلاة التسبيح. (11-4) صلاة القادم من السفر. (12-4) صلاة الاستخارة. (13-4) صلاة الكسوف والخسوف. (14-4) صلاة العيدين. (15-4) صلاة الاستسقاء. (16-4) صلاة الجنازة. (17-4) صلاة ركعتي الطواف. (18-4) الصلاة في مسجد قباء. وإليك بيان ذلك فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 صلوات متفرقة (1-4) صلاة الإشراق هي أول صلاة الضحى ، إذ إن وقت صلاة الضحى يبدأ من طلوع الشمس. وقد ثبت تسمية هذه الصلاة في هذا الوقت من صلاة الضحى بـ (صلاة الإشراق) عن ابن عباس. عن عبد الله بن الحارث بن نوفل: " أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى. قال: فأدخلته على أم هانئ، فقلت: أخبري هذا بما أخبرتني به فقالت أم هانئ: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي، فأمر بماء، فصب في قصعة، ثم أمر بثوب، فأخذ بيني وبينه، فاغتسل، ثم رش ناحية البيت، فصلى ثمان ركعات، وذلك من الضحى، قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء، قريب بعضهن من بعض. فخرج ابن عباس وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين، ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن: {يسبحن بالعشي والإشراق} ، وكنت أقول: أين صلاة الإشراق؟ ثم قال بعد: هن صلاة الإشراق ". أخرجه الطبري في تفسيره والحاكم. (1)   (1) أثر حسن لغيره. أخرجه ابن جرير من "تفسيره" (23-137- الفكر) من طريقين: ص82 الأول: عن مسعر بن عبد الكريم، عن موسى بن أبي كثير، عن ابن عباس ... بنحوه. وفي السند انقطاع: موسى بن أبي كثير لم يسمع عن ابن عباس. انظر: "التقريب" (ص553) ، حيث جعله في الطبقة السادسة، وهم الذين لم يثبت لقاؤهم لأحد من الصحابة؛ كما نص في المقدمة. الثاني: عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المتوكل، عن أيوب بن صفوان، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ أن ابن عباس ... وساقه. وفي السند سعيد: مدلس وقد اختلط. وأبو المتوكل: هو المتوكل، ترجمته في " الجرح والتعديل" (8/372) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وترجمته في " تعجيل المنفعة" (صلى الله عليه وسلم391) ، وحكم بجلالته، ونقل عن أبي حاتم الحكم بجلالته، وليس كذا في كتابه، ولعله انحراف بصر إلى الترجمة التالية في كتابه " الجرح والتعديل". والله أعلم. وأيوب له ترجمة في "الجرح والتعديل" (2-250) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (ط/53) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أيوب بن صفوان عن عبد الله بن الحارث؛ أن ابن عباس ... وساقه. قلت: في السند سعيد وأيوب، ولم يذكر متوكلاً، وهذا من تخليط سعيد؛ فإنه اختلط. والأثر بهذين الإسنادين يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره، ويتأكد هذا الحكم بالشواهد الآتية: 1) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (3/79) عن معمر عن عطاء الخراساني؛ قال: قال ابن عباس: "لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت {سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} . قلت: هذا سند حسن إلى عطاء، لكن رواية عطاء عن الصحابة مرسلة منقطعة. "تهذيب التهذيب" (7/212) . 2) أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (24/406) ، وفي "الأوسط" (6/63-64-مجمع البحرين) من طريق أبي بكر الهذلي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس؛ قال: كنت أمر بهذه الآية فما أدري ما هي؛ {العشي والإشراق} ، حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوضوء في جفنة، كأني انظر إلى أثر العجين فيها، فتوضأ، فقام فصلى الضحى، فقال: "يا أم هانئ! هي صلاة الإشراق". قلت: أبو بكر الهذلي إخباري متروك الحديث كما في "التقريب" (ص625) ، ورفعه منكر، والصواب وقفه. 3) وهناك جملة من الشواهد أوردها السيوطي في "الدر المنثور" (1507- 151) ، وانظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (2/407- 408) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وفي فضل صلاة الضحى في أول وقتها - وهى صلاة الإشراق - جاء الحديث التالي: عن أبي أمامة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة، يثبت فيه حتى يصلي سبحة الضحى؛ كان كأجر حاج أو معتمر تاماً حجته وعمرته ". أخرجه الطبراني. ومن رواية: " من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ... " أخرجه الطبراني. (1) (2-4) صلاة الضحى يشتمل هذا الفصل على مسائل: المسألة الأولى: فضلها. المسألة الثانية: حكمها. المسألة الثالث: وقتها. المسألة الرابعة: عدد ركعاتها وصفتها. وبيان هذه المسائل هو التالي: - (1-2-4) فضل صلاة الضحى: وردت أحاديث في فضل صلاة الضحى، أذكر منها الأحاديث التالية:   (1) حديث حسن. سيأتي تخريجه في (3-2-4) في صلاة الضحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " يصبح على كل سلامى (1) من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". أخرجه مسلم. (2) عن أبي الدرداء وأبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل؛ أنه قال: " ابن آدم! اركع لي من أول النهار أربع ركعات؛ أكفك آخره". أخرجه الترمذي. (3) عن أبي هريرة؛ قال: قال: " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب". قال: "وهي صلاة الأوابين". أخرجه ابن خزيمة والحاكم. (4)   (1) سلامى: مفرد، جمعه: السلاميات، وهى مفاصل الأصابع، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله. "شرح مسلم للنووي" (5/233) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها، حديث رقم 720) 0 وانظر: "جامع الأصول" (9/436) . (3) حديث حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (6/440، 451) ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الضحى، حديث رقم 475) . والحديث قال عنه الترمذي: " حسن غريب"، وصححه الشيخ أحمد شاكر في " تحقيقه" للترمذي، والألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/147) ، وحسنه محقق " جامع الأصول" (9/437) . (4) حديث حسن. أخرجه ابن خزيمة (2/228) ، والحاكم في "المستدرك" (1/314) واللفظ لهما، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/279 - مجمع البحرين) ؛ دون قوله: " وهي صلاة الأوابين". والحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (حديث رقم 1994) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 - (2-2-4) حكم صلاة الضحى: الأحاديث السابقة وأمثالها تبين أن الصلاة وقت الضحى حسنة محبوبة. (1) وفيها ما يدل على مشروعية المداومة عليها. (2) ولم يثبت ما يدل على وجوبها. - (3-2-4) وقت صلاة الضحى: يبدأ وقت صلاة الضحى من طلوع الشمس إلى الزوال. وأفضله وقت اشتداد الشمس. الدليل على ذلك ما يلي: أما أول وقتها؛ فيدل عليه حديث أبي الدرداء وأبي ذر السابق، ومحل الشاهد فيه: "اركع لي من أول النهار أربع ركعات ".   (1) "مجموع الفتاوى" (22/284) . (2) هذا هو ظاهر ما تدل عليه الأحاديث السابقة. "نيل الأوطار" (3/77) . أما الشيخ ابن تيمية؛ فإنه رحمه الله بعد أن قرر اتفاق أهل العلم بسنته على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على صلاة الضحى، ثم قرر استحبابها؛ قال: "بقي أن يقال: فهل الأفضل المداومة عليها؟ أو الأفضل ترك المداومة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا مما تنازعوا فيه. والأشبه أن يقال: من كان مداوماً على قيام الليل؛ أغناه عن المداومة على صلاة الضحى؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان ينام عن قيام الليل؛ فصلاة الضحى بدل عن قيام الليل ". اهـ. "مجموع الفتاوى" (22/284) . قلت: لكن ظاهر النصوص استحباب المداومة على الإطلاق، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم؛ فهذا علة عدم مداومته عليه الصلاة والسلام، فتبقى النصوص على إطلاقها وقد أشارت إلى شيء من هذا السيدة عائشة رضي الله عنها. انظر: "جامع الأصول" (6/108-109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وكذا ما جاء عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين (1) ؛ كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة ". أخرجه الترمذي. (2) وعن أبي أمامة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة، يثبت فيه حتى يصلي سبحة الضحى، كان كأجر حاج أو معتمر؛ تاماً حجته وعمرته". أخرجه الطبراني. وفي رواية: " من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ... " أخرجها الطبراني. (3) أما خروج وقتها بالزوال؛ فلأنها صلاة الضحى. أما وقت الفضيلة فيها؛ فيدل عليه ما جاء عن زيد بن أرقم؛ أنه رأى قوماً   (1) قال الطيبي: " وهذه الصلاة تسمى صلاة الإشراق، وهي أول صلاة الضحى". نقله في "تحفة الأحوذي" (1/405) . قلت: وقد قدمت لك ذلك بأبسط من هذه الإشارة؛ فانظر (1-4 صلاة الإشراق) . (2) حديث حسن لغيره. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) . والحديث قال عنه الترمذي: " حسن غريب" اهـ، وحسنه بشواهد المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/406) ، ووافقه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي (2/481) ، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/182) ، وحسنه بشواهده محقق " جامع الأصول" (9/401) . قلت: ومن شواهده الحديث التالي. (3) حديث حسن. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/174، 181، 209) . والحديث جود إسناده المنذري والهيثمي، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/189) . وانظر: "مجمع الزوائد" (10/104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الأوابين حين ترمض (1) الفصال". أخرجه مسلم. (2) - (4-2-4) عدد ركعات صلاة الضحى وصفتها: يشرع للمسلم أن يصلي صلاة الضحى ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان أو اثني عشرة ركعة. يصليها ركعتين ركعتين إن شاء. أما أنها تصلى ركعتين؛ فيدل عليه حديث أبي ذر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ... (الحديث وفيه: ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". أخرجه مسلم. (3) أما أنها تصلى أربع ركعات؛ فيدل عليه حديث أبي الدرداء وأبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل؛ أنه قال: "ابن آدم! اركع لي من أول النهار أربع ركعات؛ أكفك آخره". أخرجه الترمذي (4) . أما أنها تصلى ست ركعات؛ فيدل عليه حديث أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات ". أخرجه الترمذي في "الشمائل" (5) .   (1) قال النووي في "شرح مسلم" (6/30) : "الرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس؛ أي: حين يجد الفصيل حر الشمس، والفصيل: الصغار من أولاد الإبل ". اهـ. وانظر: "نيل الأوطار" (2/81) (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، حديث رقم 748) . (3) سبق قبل قليل تخريجه (4) سبق قبل قليل تخريجه (5) حديث صحيح لغيره. أخرجه الترمذي في (كتاب الشمائل، باب صلاة الضحى، حديث رقم 273) والحديث صححه لغيره في "مختصر الشمائل المحمدية" (ص156) ، وذكر شواهده وطرقه في "إرواء الغليل" (2/216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 أما أنها تصلى ثمان ركعات؛ فيدل عليه حديث أم هانئ؛ قالت: "لما كان عام الفتح، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه، فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى" (1) . أخرجه الشيخان. (2) أما أنها تصلى اثني عشرة ركعة؛ فيدل عليه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى الضحى ركعتين؛ لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعاً؛ كتب من العابدين، ومن صلى ستاً؛ كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً؛ كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة ركعة؛ بنى الله له بيتاً في الجنة، وما من يوم ولا ليلة إلا لله من يمن به على عباده صدقة، وما من الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره". أخرجه الطبراني. (3)   (1) فيه رد على من زعم أن هذه الصلاة هي صلاة الفتح وليست صلاة الضحى: انظر: "زاد المعاد" (3/410) ، و "عون المعبود" (1/497) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب التهجد، باب صلاة الضحى في السفر، حديث رقم 1176) ، ومسلم في (كتاب الحيض، باب تستر المغتسل بثوب ونحوه، حديث رقم 336) واللفظ له. وانظر: "جامع الأصول" (6/110) . (3) أورد هذا الحديث الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/237) ، وقال: " رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه موسى بن يعقوب الزمعي؛ وثقه ابن معين وابن حبان وضعفه ابن المديني وغيره، وبقية رجاله الثقات". اهـ. قلت: موسى بن يعقوب صدوق سييء الحفظ؛ كما في "التقريب" (ص 554) ، وقد أخرج البزار "كشف الأستار" (2/334) ما يشهد له عن أبي ذر، أورده المنذري في "الترغيب" وحسن الألباني حديث أبي الدرداء وأبي ذر في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/279) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وقلت: وعلى هذه الأحاديث يحمل إطلاق السيدة عائشة رضي الله عنها لما سألتها معاذة: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: "أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله". أخرجه مسلم. (1) أما أنها تصلى ركعتين ركعتين؛ فيدل عليه عموم قوله عليه الصلاة والسلام: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (2) . وللمسلم أن يصلي الأربع متصلات؛ كالصلاة الرباعية، ويدل عليه   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها، حديث رقم 719) . (2) حديث صحيح. تقدم تخريجه، انظر: المسألة الثانية في (2-2-2) . =تنبيه: جاءت رواية لحديث أم هانئ المتقدم بلفظ: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى ثمان ركعات؛ يسلم من كل ركعتين "، وحديث أم هانئ أصله في "الصحيحين"، ولكن بغير هذا اللفظ. وأخرجه به أبو داود في (كتاب الصلاة، باب صلاة الضحى، حديث رقم 1234، 2/234) . وفي السند عندهما: عياض بن عبد الله، والراوي عنه: عبد الله بن وهب؛ قال أبو حاتم عن عياض: "ليس بالقوي " وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الشاجي: "روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر". وقال يحيى ابن معين: "ضعيف الحديث". وقال أبو صالح: "ثبت، له بالمدينة شأن كبير، في حديثه شيء". وقال البخاري: " منكر الحديث". "تهذيب التهذيب" (8/201) . قلت: حديثه هنا يرويه عنه ابن وهب، والظاهر من حال الرجل أنه لا يحتمل تفرده، وهذا اللفظ تفرد به. والله أعلم. والحديث بهذا اللفظ ضعفه الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة" (2/234) ، وفصل في بيان علته في "تمام المنة" (ص258- 259) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 إطلاق لفظ الأحاديث الواردة في ذلك؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: " اركع لي من أول النهار أربع ركعات"، وكقوله: " من صلى أربعاً؛ كتب من العابدين". والله أعلم. (3-4) صلاة الزوال هذه الصلاة داخلة في الراتبة القبلية لصلاة الظهر، وقد تقدمت الإشارة إليها. وأذكر هنا بعض الأحاديث الواردة في فضلها على الخصوص: عن أبي أيوب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أربع قبل الظهر ... تفتح لهن أبواب السماء ". أخرجه أبو داود وابن ماجه. (1) عن عبد الله بن السائب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: " إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح". أخرجه الترمذي. (2)   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الأربع قبل الظهر وبعدها، حديث رقم 1270) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في الأربع الركعات قبل الظهر، حديث رقم 1157) ، والترمذي في "الشمائل" (حديث رقم 277، ص241) ، وابن خزيمة (2/221- 223، رقم 1214- 1215) . والحديث تكلم على سنده أبو داود وابن خزيمة، لكن طرقه ترقيه إلى مرتبة الحسن لغيره، دون قوله: "لا يفصل بينهن بالتسليم"، وصححه كذلك الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1/191) ، وفي تعليقه على "صحيح ابن خزيمة" (2/221) ، و "مختصر الشمائل" (ص157) . (2) حديث صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (3/411) ، والترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة عند الزوال، حديث رقم 478) . والحديث صححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه على الترمذي، والألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/147) ، وصحح إسناده محقق " جامع الأصول" (6/24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (4-4) صلاة الدخول والخروج من المنزل يشرع للمسلم أن يصلي ركعتين إذا دخل بيته وإذا خرج من بيته. عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " إذا دخلت منزلك؛ فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء، فإذا خرجت من منزلك؛ فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء". أخرجه البزار. (1) (5-4) صلاة ركعتين بعد الوضوء يشرع للمسلم إذا توضأ أن يصلي ركعتين، وقد ثبت في هذه الصلاة فضل جزيل وخير كثير؛ بشرط الإقبال عليهما بقلبه ووجهه. عن عقبة بن عمار؛ قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس، فأدركت من قوله: " ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه؛ إلا وجبت له الجنة". قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود. فنظرت؛ فإذا عمر؛ قال: إني قد رأيتك جئت آنفاً. قال: " ما منكم أحد يتوضأ فيبلغ (أو: يسبغ) الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول عبد الله ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية؛ يدخل من أيها شاء". أخرجه مسلم. (2)   (1) حديث حسن. أخرجه البزار " كشف الأستار" (2/357) . والحديث حسنه ابن حجر كما ذكر المناوي في "فيض القدير" (1/334) ، وجود إسناده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (حديث رقم 1323) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، حديث رقم 234) . وانظر: "جامع الأصول" (9/372- 374) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 عن حمران مولى عثمان؛ أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه؛ غفر له ما تقدم من ذنبه". أخرجه الشيخان. (1) والحديثان يدلان على استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء، مع ملاحظة أن الفضل المذكور مقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: " يقبل عليهما بقلبه ووجهه"، وبقوله: "لا يحدث فيهما نفسه" (2) . كما أنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث بنحو هذا أنه قال في آخره: " ... لا تغتروا" (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، حديث رقم 159) ، وانظر أرقام الأحاديث التالية فيه: (160، 164، 1934، 6433) وأخرجه مسلم في (كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، حديث رقم 226) . فائدة: نبه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/251) إلى أن لحمران عن عثمان في هذا حديثين: أحدهما مقيد بترك حديث النفس، وذلك في صلاة ركعتين مطلقاً غير مقيد بالمكتوبة، والآخر في الصلاة المكتوبة في الجماعة أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس". اهـ. (2) قوله: " لا يحدث فيهما نفسه": المراد به ما تسترسل النفس معه، ويمكن المرء قطعه؛ لأن قوله: "يحدث"؛ يقتضي تكسباً منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه؛ فذلك معفو عنه. "فتح الباري" (1/2601) . (3) قوله: " لا تغتروا"؛ أي: تستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها؛ فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأنى للعبد بالاطلاع على ذلك "فتح الباري" (1/211) . وهذه الزيادة عند البخاري في روايته للحديث بالرواية الأخرى التي نبه عليها الحافظ ابن حجر التي فيها ذكر الوضوء وصلاة المكتوبة في الجماعة أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس، وهي في البخاري في (كتاب الرقاق، باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} ، حديث رقم 6433) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 (6-4) صلاة تحية المسجد يشتمل هذا الفصل على المسائل التالية: الأولى: حكمها. الثانية: ما تحية المسجد الحرام؟ الثالثة: إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة. الرابعة: إذا دخل المسجد والإمام يخطب الجمعة. وإليك بيان ذلك: - (1-6-4) حكمها: يجب على المسلم إذا دخل المسجد وأراد الجلوس فيه أن يصلي ركعتين، وقد دل على الوجوب أحاديث منها: عن أبي قتادة السلمي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد؛ فليركع ركعتين قبل أن يجلس ". أخرجه الشيخان. (1) وفي رواية: " إذا دخل أحدكم المسجد؛ فلا يجلس حتى يصلي   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، حديث رقم 444) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة في جميع الأوقات، حديث رقم 714) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ركعتين " (1) - (2-6-4) ما تحية المسجد الحرام؟ لم يأت ما يخرج المسجد الحرام عن عموم الحديث السابق، فليست للمسجد الحرام تحية خاصة تختلف عن سائر المساجد. نعم؛ الآفاقي إذا دخل محرماً أول ما يبدأ به الطواف كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته. والحديث المشتهر على الألسنة: " تحية البيت الطواف"؛ لا أصل له (2) (3-6-4) إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة: إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة؛ فعليه أن يدخل في الصلاة التي أقيمت، وتسقط عنه ركعتي تحيد المسجد. والدليل على ذلك ما يلي: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " إذا أقيمت الصلاة؛ فلا صلاة إلا المكتوبة". أخرجه مسلم. (3)   (1) هذه الرواية عند البخاري في (كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، حديث رقم 1163) (2) كما قال العلامة الألباني، وقد اورده في " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم 1012) ، وعلق عليه بقوله: "ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضاً، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه؛ فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم؛ فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} . وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا؛ فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف، ثم بالركعتين بعده". اهـ. (3) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، حديث رقم 710) . وانظر: " جامع الأصول" (5/659) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 والشاهد: قوله: " فلا صلاة ". ووجه الدلالة: أنه نفى مشروعية أي صلاة إذا أقيمت الصلاة. (4-6-4) إذا دخل المسجد والإمام يخطب للجمعة: إذا دخل المسلم المسجد والإمام يخطب للجمعة؛ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، ويخففهما. والدليل على ذلك ما يلي: عن جابر بن عبد الله؛ قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: " يا سليك! قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما"، ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب؛ فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما". أخرجه الشيخان. (1) (7-4) الصلاة بين الأذان والإقامة يستحب للمسلم أن يصلي بين الأذان والإقامة، ويدل على ذلك ما يلي: عن عبد الله بن مغفل؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة (ثم قال في الثالثة: " لمن شاء". أخرجه الشيخان. (2)   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري مختصراً في مواضع منها في (كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين، حديث رقم 930) ، وأخرجه مسلم في (كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، حديث رقم 875) واللفظ له. (2) حديث صحيح. فقد أخرجه البخاري في (كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء، حديث رقم 627) واللفظ له، وأخرجه في (كتاب الأذان، باب كم بين الأذان والإقامة، حديث رقم 624) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بين كل أذانين صلاة، حديث رقم 838) . قوله: " بين كل أذانين"، قال ابن الأثير في " جامع الأصول" (6/9) : " أراد بالأذانين: الأذان والاقامة، فغلب أحد الاسمين على الآخر، على أن الأذان في الإقامة حقيقة أيضاً؛ لأنها إعلام بالصلاة والدخول فيها، والأذان إعلام بوقتها ". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ويتأكد هذا الاستحباب بين الأذان والإقامة لصلاة المغرب، وذلك لما ورد: عن عبد الله بن مغفل، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " صلوا قبل صلاة المغرب (قال في الثالثة: لمن شاء"؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة. أخرجه البخاري. (1) وفي رواية عند أبي داود: " صلوا قبل المغرب ركعتين "، ثم قال: " صلوا قبل المغرب ركعتين، لمن شاء"؛ خشية أن يتخذها الناس سنة. (2) (8-4) صلاة التوبة ينبغي للمسلم أن يحرص على تقوى الله تعالى، ومراقبته، وعدم الوقوع في المعصية، فإن أذنب؛ بادر إلى التوبة والإنابة. وقد شرع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة عند التوبة. عن أسماء بن الحكم الفزاري؛ قال: سمعت علياً يقول: إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً؛ نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في موضعين منها (كتاب التهجد، باب الصلاة قبل المغرب، حديث رقم 1183) ، وانظر طرفه تحت (رقم 7368) . (2) هذه الرواية من طريق البخاري نفسه أخرجها أبو داود في (كتاب الصلاة، باب الصلاة قبل المغرب، حديث رقم 1281) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 رجل من أصحابه؛ استحلفته، فإذا حلف لي؛ صدقته، وإنه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، (ثم قرأ هذه الآية: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135] " (1) (9-4) صلاة سنة الجمعة يشتمل هذا الفصل على مسألتين: الأولى: هل للجمعة سنة قبلية؟ الثانية: السنة البعدية للجمعة. وإليك بيانها: - (1-9-4) هل للجمعة سنة قبلية؟ لم تثبت لصلاة الجمعة سنة قبلية محددة، أما مطلق التطوع؛ فقد ورد ما يدل عليه.   (1) حديث حسن. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة عند التوبة، حديث رقم 406) واللفظ له، وفي (كتاب التفسير، باب ومن سورة آل عمران، حديث رقم 3009) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، حديث رقم 1521) وأخرجه مختصراً دون ذكر الآية ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة، حديث رقم 1395) ، وبنحوه ابن حبان في "صحيحه" (2/389- 390- الإحسان) . والحديث جود إسناده ابن حجر في ترجمة أسماء بن الحكم من "التهذيب"، وصححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للترمذي، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/128) ، وحسنه محقق "جامع الأصول" (4/390) ، ومحقق الإحسان (2/390) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه؛ غفر له ما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ". أخرجه مسلم. (1) ومن رواية عن أبي داود: " من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة، فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينهما وبين جمعته التي قبلها". قال: ويقول أبو هريرة: " وزيادة ثلاثة أيام"، ويقول: " إن الحسنة بعشرة أمثالها" (2) . - (2-9-4) السنة البعدية للجمعة: سبق حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفيه: " ركعتين بعد الجمعة في بيته" (3) . وعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم الجمعة؛ فليصل بعدها أربعاً ". أخرجه مسلم. وفي رواية له: " من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً" (4) .   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، حديث رقم 857) . (2) هذه الرواية أخرجها أبو داود في (كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، حديث رقم 343) . وقد صححها الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/70) . (3) انظر: ما تقدم (1-2) (4) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، حديث رقم 881) . وانظر: " جامع الأصول" (6/38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 قلت: والحديثان يدلان على مشروعية صلاة ركعتين أو أربع ركعات بعد الجمعة، أي ذلك فعل المسلم؛ جاز، والأفضل صلاة أربع ركعات بعد الجمعة؛ لما في حديث أبي هريرة من التنصيص القولي عليها. وهذه السنة - سواء صلاها ركعتين أم أربعاً - الأفضل صلاتها في البيت مطلقاً (1) دون تفصيل فيها. (2) (10-4) صلاة التسبيح من الصلوات المشروعة صلاة التسبيح، وهي التالية في حديث ابن عباس: عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك؟ عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك؛ غفر الله لك ذنبك؛ أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره سره وعلانيته؛ عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات؛ تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة. فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم؛ قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ خمس عشرة مرة. ثم تركع، فتقولها وأنت راكع عشراً. ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشراً. ثم تهوي ساجداً، فتقولها وأنت ساجد عشراً. ثم ترفع   (1) لحديث: " أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، وسيأتي إن شاء الله تخريجه، وهو حديث صحيح. قال العلامة الألباني في "تمام المنة" (ص341- 432) : " فإذا صلى بعد الجمعة ركعتين أو أربعاً في المسجد جاز، أو في البيت؛ فهو أفضل؛ لهذا الحديث الصحيح (يعني حديث: "أفضل الصلاة ... ") . اهـ. (2) وهذا التفصيل: " إن صلى في المسجد؛ صلى أربعاً، وإن صلى في بيته؛ صلى ركعتين"؛ لا دليل صحيح يدل عليه. وانظر مناقشته ورده في "تمام المنة" (ص341- 342) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 رأسك من السجود، فتقولها عشراً. ثم تسجد، فتقولها عشراً. ثم ترفع رأسك، فتقولها عشراً. فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، إذا استطعت أن تصليها كل يوم مرة؛ فافعل، فإن لم تفعل؛ ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل؛ ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل؛ ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة". أخرجه أبو داود وابن ماجه. (1) قلت: وهذه فوائد تتعلق بحديث صلاة التسبيح: الأولى: الخطاب في هذا الحديث موجه للعباس، وحكمه عام لكل المسلمين؛ إذ الأصل في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم العموم لا الخصوص. الثانية: قوله في الحديث: " غفر الله لك ذنبك؛ أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته؛ عشر خصال ". إن قيل: قوله: " خطأه وعمده "، والخطأ لا إثم فيه؛ قال تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ؛ فكيف يجعل من جملة الذنب؟ والجواب: إن الخطأ فيه نقص وقصور، وإن لم يكن فيه إثم؛ فهذه الصلاة لها هذا الأثر المذكور. الثالثة: قال في "التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح": "واعلم رحمك الله   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح حديث، رقم 1297) واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة التسبيح، حديث رقم 1386) . وقد قوى هذا الحديث جمع من أهل العلم؛ منهم: أبو بكر الأجري، وأبو الحسن المقدسي، والبيهقي، ومن قبلهم ابن المبارك، وكذا ابن السكن، والنووي، والتاج السبكي، والبلقيني، وابن ناصر الدين الدمشقي، وابن حجر، والسيوطي، واللكنوي، والسندي، والزبيدي، والمباركفوري صاحب "التحفة"، والمباركفوري صاحب "المرعاة"، والعلامة أحمد شاكر، والألباني في آخرين. وانظر: "رسالة التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح" لجاسم الدوسري (ص64-70) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أن مثل هذه الأحاديث التي تحث على أعمال متضمنة لغفران الذنوب ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها فيطلق لنفسه العنان في مقارفة الذنوب والآثام، ويظن هذا المسكين أنه قد عمل عملاً ضمن به غفران ذنوبه كلها، وهذه غاية الحمق والجهل، فما يدريك – أيها المخدوع! – أن الله قد تقبل عملك هذا، وبالتالي غفر ذنوبك، والله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27] ؟! فتنبه لهذا واحذر، واعلم أن مداخل الشيطان على الإنسان كثيرة؛ فإياك إياك أن يدخل عليك من هذا الباب!! وقد وصف الله عباده المؤمنين بأنهم يعملون الصالحات، ويجتهدون في الطاعات، ومع ذلك؛ فقلوبهم وجلة خائفة أن ترد عليهم أعمالهم، وتضرب في وجوههم، قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 60-61] . وهذا الذي حكيناه في تفسير هذه الآية ما عليه جمهور المفسرين وذكر القرطبي في "الجامع" (12/132) عن الحسن؛ أنه قال: " لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها". اهـ. واعلم أن الذنوب المتعلقة بحقوق الآدميين لا يشملها الحديث، بل يجب إرجاع الحقوق إلى أهلها، والتوبة النصوح من ذلك " (1) . اهـ. الرابعة: لم يرد ما يقبل في تعيين ما يقرأ به في الركعات، ولا في تعيين وقتها.   (1) "التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح" (ص101- 102) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الخامسة: ظاهر الحديث أن صلاة التسبيح تصلى بتسليم واحد، ليلاً أو نهاراً، كما قال القاري في "المرقاة" (2/192) والمباركفوري في "التحفة" (1/349) . السادسة: الظاهر أن هذه الأذكار التي تقال عشراً عشراً إنما تقال بعد الذكر المعين في كل محل؛ ففي الركوع بعد أذكار الركوع يقولها عشراً، وبعد قول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد والرفع من الركوع يقولها عشراً ... وهكذا في كل محل. السابعة: إذا سها في الصلاة، ثم سجد سجدتي السهو؛ فإنه لا يسبح فيها عشراً كسائر سجدات الصلاة. أخرج الترمذي (2/350) عن عبد العزيز بن أبي رزمة، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: إن سها فيها؛ يسبح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: " لا؛ إنما هي ثلاثة مئة تسبيحة" (1) . اهـ. (11-4) صلاة القادم من السفر عن كعب بن مالك؛ قال: " ... كان (يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا قدم من سفر؛ بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس". أخرجه الشيخان. (2)   (1) جميع هذه الفوائد ما عدا الأولى مستفاد من رسالة "التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح" (ص100-107) . (2) حديث صحيح. وهو جزء من حديث كعب بن مالك في الثلاثة الذين خلفوا، وقد أخرجه البخاري في مواضع، وهذا الجزء في (كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، حديث رقم 4418) ، وأخرجه مسلم في (كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث رقم 2769) . وانظر: "جامع الأصول" (2/171-185) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ففي هذا الحديث أن المستحب للقادم من سفر أن يكون على وضوء، وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته، فيصلي، ثم يجلس لمن يسلم عليه. (1) (12-4) صلاة الاستخارة شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أن يستعلموا الله ما عنده في الأمور التي تمر بهم في حياتهم، وأن يطلبوه تعالى الخيرة فيها، وذلك بأن علمهم صلاة الاستخارة مكان ما كان يفعل في الجاهلية من الطيرة والاستفهام بالأزلام والقداح. وهذه الصلاة هي ما ورد فيما يلي: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن؛ يقول: " إذا هم أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: عاجل أمري وأجله) ؛ فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: في عاجل أمري وآجله) ؛ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به". قال: "ويسمي حاجته". أخرجه البخاري. (2) قلت: وفي الحديث فوائد:   (1) " فتح الباري" (8/124) (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، حديث رقم 1162) . وانظر: "جامع الأصول" (6/250- 251) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الأولى: فيه مشروعية صلاة الاستخارة، وفيه ما يشعر بوجوبها. (1) الثانية: فيه أن الاستخارة تشرع في أي أمر؛ سواء كان عظيماً مهماً أم حقيراً. قال النووي: " الاستخارة مستحبة في جميع الأمور؛ كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح" (2) . اهـ. قلت: وظاهر أن فعل الواجبات وترك المحرمات وفعل المستحبات وترك المكروهات لا استخارة فيها من جهتها. نعم؛ تدخل الاستخارة في الواجب والمستحب المخير، وفيما كان زمنه موسعاً. (3) قال ابن حجر: " ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم" (4) . اهـ. الثالثة: وفيه أن صلاة الاستخارة ركعتين من غير الفريضة. قال النووي: " والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد، وغيرها من النوافل" (5) . اهـ. قلت: مراده – والله أعلم – إذا تقدم الهم بالأمر على الشروع في فعل الصلاة (6) ، وظاهر كلام النووي أنه سواء نوى صلاة الاستخارة وتلك الصلاة   (1) "نيل الأوطار" (3/88) ، "تحفة الذاكرين" (ص134) . (2) " الأذكار" (3/355- مع شرح ابن علان) . (3) "فتح الباري" (11/184) (4) ما سبق. (5) "الأذكار" (3/354- مع شرح ابن علان) (6) ما سبق، وذلك كما قال في "فتح الباري" (11/185) : "لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر ". اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بعينها أم لم ينو، وهو ظاهر الحديث. قال العراقي: " إذا كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتبة ونحوها، ثم صلى من غير نية الاستخارة، وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة؛ فالظاهر حصول ذاك" (1) . اهـ. الرابعة: وفيه: أن الاستخارة لا تكون في حال التردد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا هم أحدكم بالأمر "، ولأن الدعاء جميعه يدل على هذا. فإذا كان المسلم متردداً في أمر، وأراد الاستخارة، عليه أن يختار منهما أمراً، ويستخير عليه، ثم بعد الاستخارة يمضي فيه، فإن كان خيراً؛ يسره الله وبارك له فيه، وإن كان غير ذلك؛ صرفه عنه، ويسر له ما فيه الخير بإذنه سبحانه وتعالى. الخامسة: وفيه: أنه لا يتعين في الركعتين قراءة سورة أو آيات معينة بعد الفاتحة. (2)   (1) نقله في "نيل الأوطار" (3/88) ، ونازع في ذلك الحافظ في "فتح الباري" (11/185) ، فقال: " ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معاً؛ أجزأ؛ بخلاف ما إذا لم ينو ويفارق تحية المسجد، لأن المراد بها شغل البقعة بالدعاء، والمراد بصلاة الاستخارة أن تقع الصلاة والدعاء عقبها أو فيها، ويبعد الإجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة؛ لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر". اهـ. قلت: ظاهر الخبر ليس فيه اشتراط تعيين ركعتين، سوى أنهما من غير الفريضة، فلو أن مسلماً أراد أمراً، فركع ركعتين راتبة الظهر مثلاً، ودعا بعدها بدعاء الاستخارة؛ فقد حصل المطلوب وهو الظاهر؛ كما استظهره النووي والعراقي فيما سبق. والله أعلم. (2) وأفاد النووي في "الأذكار" (3/354- مع شرح ابن علان) أنه يقرأ في الركعتين الكافرون والإخلاص. وقال العراقي: لم أجد في شيء من طرق الحديث تعيين ما يقرأ في ركعتي الاستخارة، لكن ما ذكره النووي مناسب ... " "شرح الأذكار لابن علان" (3/354) . قلت: لكن هذه المناسبة لا تسوغ القول بالمشروعية والتعيين. وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 السادسة: وفيه: أن الخيرة تظهر بتيسير الأمر والبركة فيه، وإلا؛ صرف المستخير عنه، ويسر له الخير حيث كان. السابعة: وفيه: أن المسلم إذا صلى صلاة الاستخارة؛ مضى لما عزم عليه، سواء انشرح صدره أم لا. (1) قال ابن الزملكاني: " إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر؛ فليفعل بعدها ما بدا له، سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير، وإن لم تنشرح له نفسه". قال: "وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس " (2) . اهـ. الثامنة: محل الدعاء (دعاء الاستخارة) يكون بعد السلام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا هم أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل ... "؛ إذ ظاهره أنه بعد الركعتين؛ يعني: بعد السلام. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن دعاء الاستخارة يكون قبل السلام. (3) (13-4) صلاة الكسوف والخسوف (4) يشتمل هذا الفصل على المباحث التالية:   (1) خلافاً للنووي حينما قال: "وإذا استخار؛ مضى بعدها لما ينشرح له صدره". اهـ. "الأذكار" (3/355-356- مع شرح ابن علان) ، وهو قد اعتمد على حديث ضعيف جداً في ذلك. "فتح الباري" (11/187) . وقد أفتى بخلاف كلام النووي وأن المستخير يمضي إلى ما أراد سواء انشرحت نفسه أم لا: العز بن عبد السلام، ورجحه العراقي ورد كلام النووي، ووافقه ابن حجر. "شرح الأذكار لابن علان" (3/357) . (2) "طبقات الشافعية" للتاج ابن السبكي (9/206) (3) "الاختيارات الفقهية " (ص58) (4) كسفت الشمس - بالفتح - وكسف القمر، والأولى أن يقال: خسف القمر، وقد جاء في الحديث: "كسفت الشمس وخسفت" و "كسف القمر وخسف". "جامع الأصول" (6/164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الأول: حكم صلاة الكسوف والخسوف. الثاني: صفتها وعدد ركعاتها. الثالث: صلاة كسوف القمر كصلاة خسوف الشمس، وإليك البيان فيما يلي: - (1-13-4) حكم صلاة الكسوف والخسوف: صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة، يستحب للمسلم فعلها استحباباً مؤكداً. ويدل على هذا ما جاء: عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع فأطال الركوع – وهو دون الركوع الأول -، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا". ثم قال: "يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً". أخرجه الشيخان. (1) قلت: ووجه دلالة الحديث أن الأمر بالصلاة جاء مقروناً بالأمر بالتكبير   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، حديث رقم 1044) والسياق له، ومسلم في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، حديث رقم 901) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 والدعاء والصدقة، ولا قائل بوجوب الصدقة والتكبير والدعاء عند الكسوف؛ فالأمر فيها للاستحباب إجماعاً، فكذا الأمر بالصلاة المقترن بها (1) . والله الموفق. - (2-13-4) صفة صلاة الكسوف وعدد ركعاتها: يشتمل هذا المبحث على المسائل التالية: المسألة الأولى: لا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف. المسألة الثانية: عدد ركعات صلاة الكسوف. المسألة الثالثة: يجهر في القراءة في صلاة الكسوف. المسألة الرابعة: تصلى جماعة في المسجد. المسألة الخامسة: إذا فاته ركوع من الركوعين في الركعة. وإليك البيان: المسألة الأولى: لا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف: اتفق العلماء على أنه لا يؤذن لصلاة الكسوف ولا يقام (2) ، والمستحب (3) أن ينادى لها بـ (الصلاة جامعة) . دليل ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نودي: إن الصلاة جامعة". أخرجه الشيخان. (4)   (1) انظر حول دلالة الاقتران متى قوتها ومتى يظهر ضعفها ومتى يتساوى الأمران: "بدائع الفوائد" (4/183- 184) . (2) "فتح الباري" (2/533) ، "موسوعة الإجماع" (1/696) . (3) "شرح العمدة" لابن دقيق العيد (2/135-136) ، "فتح الباري" (2/533) . (4) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف، حديث رقم 1045) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، حديث رقم 910) . وانظر: "جامع الأصول" (6/178) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 المسألة الثانية: عدد ركعات صلاة الكسوف: تصلى صلاة الكسوف ركعتين بركوعين، والدليل على ذلك ما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها، وكذلك ما جاء عن عبد الله بن عباس؛ قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً- وهو دون الركوع الأول -، ثم سجد، ثم قام قيام طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً – وهو دون الركوع الأول -، ثم رفع فقام قياماً طويلاً – وهو دون القيام الأول -، ثم ركع ركوعاً طويلاً - وهو دون الركوع الأول-، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فاذكروا الله ". قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك كعكعت؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً، لو أصبته؛ لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء". قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: " بكفرهن". قيل: يكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط". أخرجه الشيخان. (1)   (1) حديث صحيح. =أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة، حديث رقم 1052) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، حديث رقم 907) وانظر: " جامع الأصول" (6/173) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فائدة: في حديث عائشة وابن عباس دلالة على استحباب الخطبة في الكسوف بعد الصلاة. (1) المسألة الثالثة: يجهر في القراءة في صلاة الكسوف: والقراءة في صلاة الكسوف جهرية؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. عن عائشة رضي الله عنها: " جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته؛ كبر فركع، وإذا رفع من الركعة؛ قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات". أخرجه الشيخان. (2) قال الترمذي رحمه الله: " واختلف أهل العلم في القراءة في صلاة الكسوف: فرأى بعض أهل العلم أن يسر بالقراءة فيها بالنهار، ورأى بعضهم أن يجهر بالقراءة فيها؛ كنحو صلاة العيدين والجمعة، وبه يقول مالك وأحمد وإسحاق؛ يرون الجهر فيها، وقال الشافعي: لا يجهر فيها" (3) . اهـ.   (1) ومن تراجم البخاري في (كتاب الكسوف: باب خطبة الإمام في الكسوف. وقالت عائشة وأسماء: خطب لنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة السابق. "فتح الباري" (2/533- 534) (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، حديث رقم 1065) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، حديث رقم 901) . وانظر: "جامع الأصول" (6/156) . والحديث تقدم تخريجه، دون الإشارة إلى هذه الرواية. (3) " سنن الترمذي" (2/448-تحقيق أحمد شاكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 قلت: ما وافق الحديث هو المعتمد (1) ، وبالله التوفيق. المسألة الرابعة: تصلى جماعة في المسجد: السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد، ويدل على ذلك الأمور التالية: ما سبق من مشروعية النداء لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) ما ورد من أن بعض الصحابة صلاها جماعة في المسجد (2) . ما أشعرت به الروايتان السابقتان من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها جماعة في المسجد، بل في رواية لحديث عائشة المتقدم؛ قالت: " خسفت الشمس في حياة رسول الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر وصف الناس وراءه ... " (3)   (1) انظر كلام الشافعي ودليله في "الأم" (1/243) ، ومناقشة أدلته وردها في "فتح الباري" (2/550) . (2) من تراجم البخاري في "صحيحه": "باب صلاة الكسوف جماعة، وصلى ابن عباس لهم في صفة زمزم، وجمع علي بن عبد الله بن عباس، وصلى ابن عمر ... " ثم ساق بسنده حديث ابن عباس السابق. والقول بمشروعية صلاة الكسوف جماعة هو قول الجمهور، وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم. انظر: "فتح الباري" (2/539- 540) (3) من تراجم البخاري في "صحيحه": " باب صلاة الكسوف في المسجد"، أورد فيه حديث عائشة السابق برواية فيها قولها: " ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركباً، فكسفت الشمس، فرجع ضحى، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر ... " (الحديث رقم 1056) قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/544) تعليقاً على هذا الحديث: " لم يقع فيه التصريح بكونها – يعني: صلاة الكسوف – في المسجد، لكنه يؤخذ من قولها فيه: " فمر بين ظهراني الحجر"؛ لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لاصقة بالمسجد، وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عند مسلم [قلت: حديث رقم 903] ، ولفظه: "فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه، حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ... " الحديث ". اهـ. قلت: وأوضح منه ما جاء في رواية لحديث عائشة المتقدم عند مسلم تحت (رقم 901) ؛ قالت: " خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر وصف الناس وراءه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 المسألة الخامسة: إذا فاته ركوع من الركوعين في الركعة: صلاة الكسوف ركعتان، كل ركعة بركوعين وسجدتين؛ فمجمل الصلاة أربع ركوعات وأربع سجدات في ركعتين. ومن أدرك الركوع الثاني في الركعة الأولى؛ فاته فيها قيام وقراءة وركوع، وبناء عليه لا يكون قد جاء بركعة من ركعتي صلاة الكسوف؛ فلا يعتد بهذه الركعة، وعليه بعد سلام الإمام أن يأتي بركعة بركوعين على ما ثبت في الأحاديث الصحيحة. والله أعلم. والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد". متفق عليه. (1) وليس من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة ركعة من صلاة الكسوف بركوع واحد. والله أعلم. - (3-13-4) صلاة كسوف القمر كصلاة خسوف الشمس: يصلى لكسوف القمر كما يصلى لخسوف الشمس، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به بهذا اللفظ في (كتاب البيوع، باب النجش، فتح الباري 4/355) ، وأخرجه موصولاً في (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود) ؛ بلفظ: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد"، وأخرجه مسلم في (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم 1718) . وانظر: " جامع الأصول" (1/289) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك؛ فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا". أخرجه الشيخان. (1) قلت: فالرسول صلى الله عليه وسلم صلى لخسوف الشمس، وأمرنا أن نصنع مثل ذلك في كسوف القمر، وهذا ظاهر بين، والله أعلم. قال ابن المنذر: "ويصلى لكسوف القمر كما يصلى لخسوف الشمس" (2) . اهـ. (14-4) صلاة العيدين يشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: الأول: حكم صلاة العيدين. الثاني: وقت صلاة العيدين وصفتها. الثالث: صلاة العيدين في المصلى هي السنة. الرابع: الخطبة بعد صلاة العيد. الخامس: إذا اجتمع العيد والجمعة. السادس: إذا فاته العيد يصلي ركعتين. السابع: إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال. الثامن: لا صلاة للعيد في السفر. وإليك البيان:   (1) تقدم تخريجه، وهو جزء من حديث عائشة في صلاة الكسوف المذكور في أول الفصل. (2) " الإقناع" لابن المنذر (1/124-125) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 - (1-14-4) حكم صلاة العيدين: هي صلاة واجبة على كل مسلم مستطيع ذكراً أو أنثى في محل إقامته. والدليل على ذلك: ما جاء عن أم عطية؛ قالت: "أمرنا (يعني: النبي صلى الله عليه وسلم) أن نخرج في العيدين العوائق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين ". وفي رواية عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية؛ قالت: "كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة، والبكر". قالت: " الحيض يخرجن فيكن خلف الناس، يكبرن مع الناس". أخرجه الشيخان. (1) "واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لازم هذه الصلاة في العيدين، ولم يتركها في عيد من الأعياد، وأمر الناس بالخروج إليها، حتى أمر بخروج النساء العوائق وذوات الخدور والحيض، وأمر الحيض أن يعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، حتى أمر من لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتها من جلبابها. والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب، والرجال بذلك أولى من النساء. وهذا كله يدل على أن هذه الصلاة واجبة وجوباً مؤكداً على الأعيان لا على الكفاية" (2) .   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب العيدين، باب خروج النساء والحيض إلى المصلى، حديث رقم 974) ، وفي (باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، حديث رقم 980) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال، حديث رقم 890) واللفظ له والرواية له. (2) من كلام الشوكاني. انظر: "السيل الجرار" (1/315) ، "الدراري المضية" (1/194) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 - (2-14-4) وقت صلاة العيدين وصفتها: يشتمل هذا المبحث على المسائل التالية: المسألة الأولى: وقت صلاة العيدين. المسألة الثانية: لا أذان ولا إقامة للعيدين. المسألة الثالثة: عدد ركعات صلاة العيدين وتكبيراتها. المسألة الرابعة: القراءة من صلاة العيدين. وإليك بيانها: المسألة الأولى: وقت صلاة العيدين: عن يزيد بن خمير الرحبي؛ قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، فقال: "إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه"! وذلك حين التسبيح. (1) أخرجه أبو داود وابن ماجه. (2) والحديث يدل على أن وقتها يبدأ من بعد طلوع الشمس. ويدل أيضاً على استحباب التبكير إليها. (3)   (1) قوله: " وذلك حيث التسبيح": جاء في "حاشية السندي على ابن ماجه" (1/395) : " قال السيوطي: أي حين يصلي صلاة الضحى. وقال القسطلاني: أي: وقت صلاة السبحة – وهي النافلة – إذا مضى وقت الكراهة. وفي رواية صحيحة للطبراني: وذلك حيث يسبح الضحى". اهـ. وانظر: "فتح الباري" (2/457) . (2) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب وقت الخروج إلى العيد، حديث رقم 1135) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في وقت صلاة العيد، حديث رقم 1317) ، وعلقه البخاري من "صحيحه" (4562-فتح) ، والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/210) ، وصحح إسناده محقق "جامع الأصول" (6/129) . (3) انظر: " فتح الباري" (2/457) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أما آخر وقتها؛ فالأكثر على أنه يمتد إلى الزوال (1) . والله أعلم. المسألة الثانية: لا أذان ولا إقامة للعيدين: لا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا قول: (الصلاة جامعة) . والدليل على ذلك: عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى"، ثم سألته بعد حين عن ذلك؟ فأخبرني قال: "أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري؛ أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة". أخرجه الشيخان. (2) وعن جابر بن سمرة؛ قال: " صليت مع رسو الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة". أخرجه مسلم. (3)   (1) قال في "فتح الباري" (2/457) : "اختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال أو لا، واستدل ابن بطال على المنع بحديث عبد الله بن بسر هنا، وليس دلالته على ذلك بظاهرة". اهـ. (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري مقتصراً على قوله: " يوم الأضحى" في (كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة، حديث رقم 960) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة العيدين، حديث رقم 886) واللفظ له. وانظر: " جامع الأصول" (6/130) (3) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب العيدين، حديث رقم 887) . وانظر: " جامع الأصول " (6/130) . فائدة: قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/442) : " وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى؛ أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك". اهـ. وانظر: "فتح الباري" (2/452) وتعليق ابن باز عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 المسألة الثالثة: عدد ركعات صلاة العيدين وتكبيراتها: صلاة العيدين ركعتين؛ يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال قبل القراءة. (1) والدليل على ذلك ما جاء: عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين؛ تلقي المرأة خرصها وسخابها". متفق عليه. (2) عن عمر رضي الله عنه؛ قال: " صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان؛ تمام ليس بقصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ". أخرجه النسائي. (3)   (1) قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/443) : "كان يبدأ "يعني: (الرسول صلى الله عليه وسلم) بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين؛ يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثنى عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره الخلال. وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة". اهـ. قلت: الأثر الذى أورده عن ابن مسعود أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/291-292) ، وقوى سنده صاحب كتاب "أحكام العيدين في السنة المطهرة" (ص21) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، حديث رقم 964) واللفظ له، ومسلم في (كتاب صلاة العيدين، حديث رقم 884) . وانظر: "جامع الأصول" (6/125-126) . (3) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب الجمعة، باب عدد صلاة الجمعة 3/111) ، وقال " عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر". اهـ. وكرره في (كتاب صلاة العيدين، باب عدد صلاة العيدين، 3/183) . وقرر في "نصب الراية" (2/189- 190) صحة سماع ابن أبي ليلى من عمر، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (3/105- 106) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 أما التكبير؛ فالدليل عليه ما جاء: عن عائشة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر من الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات ومن الثانية خمساً [سوى تكبيرتي الركوع] ". أخرجه أبو داود. (1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس من الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما". أخرجه أبو داود. (2) المسألة الرابعة: القراءة في صلاة العيدين: يقرأ في الركعتين بفاتحة الكتاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". أخرجه الشيخان. (3)   (1) حديث حسن أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين، حديث رقم 1149) واللفظ له، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين، حديث رقم 1280) والزيادة له، وأشار إليها أبو داود أيضاً. والحديث حسنه لغيره محقق "جامع الأصول" (6/127) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (3/106-112) . (2) حديث حسن. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين، حديث رقم 1151) والحديث حسنه محقق " جامع الأصول" (6/127-128) ، وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/213) . وانظر: " إرواء الغليل" (3/108-109) . (3) حديث صحيح عن عبادة بن الصامت. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الأذان، باب وجوب قراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت، حديث رقم 756) ، وأخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، حديث رقم 394) . وانظر: " جامع الأصول" (5/326) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ويقرأ في الركعتين بعد الفاتحة بما تيسر، ويستحب أن يقرأ فيهما بسورة {ق والقرآن المجيد} ، وسورة {اقتربت الساعة وانشق القمر} ، ويقرأ جهراً، أو يقرأ فيهما بسورة {سبح اسم ربك الأعلى} ، وسورة {هل أتاك حديث الغاشية} . والدليل على ذلك: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي واقد الليثي؛ قال: " سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟ فقلت: بـ {اقتربت الساعة} ، و {ق والقرآن المجيد} ". أخرجه مسلم. (1) عن النعمان بن بشير؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، و {هل أتاك حديث الغاشية} ". قال: " وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد؛ يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين". أخرجه مسلم. (2) - (3-14-4) صلاة العيدين في المصلى هي السنة: السنة أن يخرج الإمام أو نائبه لصلاة العيدين في المصلى، ولا يصليها في المسجد إلا من عذر. (3)   (1) حديث صحيح. =أخرجه مسلم في (كتاب صلاة العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، حديث رقم 891) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة، حديث رقم 879) . وانظر: "جامع الأصول" (6/143- 144) . (3) "شرح السنة" (4/294) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ويستثنى من ذلك أهل مكة زادها الله شرفاً وكرامة؛ فإنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف صلى بهم عيداً إلا في مسجدهم. (1) والدليل على أن صلاة العيدين في المصلى منها ما يلي: أ) ما مضى في حديث أم عطية من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المصلى. ب) ما جاء عن ابن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد؛ أمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء". وفي رواية: " إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تركز الحربة قدامه يوم الفطر والنحر ثم يصلي". وفي رواية: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى، والعنزة بين يديه، تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه، فيصلي إليها ". أخرجه الشيخان. (2) - (4-14-4) الخطبة بعد صلاة العيد: الخطبة في العيدين تكون بعد الصلاة.   (1) "الأم" للشافعي (1/234) (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع واللفظ والروايات له في المواضع التالية: في (كتاب الصلاة، باب سترة الإمام سترة من خلفه، حديث رقم 494) ، وفي (كتاب العيدين، باب الصلاة إلى الحربة يوم العيد، حديث رقم 972) ، وفي (كتاب العيدين، باب حمل العنزة أو الحربة بين يدى الإمام يوم العيد، حديث رقم 973) ، وأخرجه مسلم في (كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، حديث رقم 501) . فائدة: للعلامة محمد ناصر الدين الألباني رسالة بهذه الترجمة للمسألة، وكذا للعلامة أحمد شاكر بحث في صلاة العيد في المصلى وفي خروج النساء إليه أدرجه ضمن تحقيقه "لسنن الترمذي" (2/421-424) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 والدليل على ذلك ما جاء: عن ابن عباس؛ قال: " شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة". متفق عليه. (1) عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم يصلون العيدين قبل الخطبة ". متفق عليه. (2) - (5-14-4) إذا اجتمع العيد والجمعة: إذا اجتمع العيد والجمعة، فمن صلى العيد؛ سقط عنه وجوب الجمعة، ويصلي مكانها صلاة الظهر وحداناً. والدليل على ذلك ما جاء: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان: فمن شاء؛ أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون". أخرجه أبو داود وابن ماجه. (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، حديث رقم 962) واللفظ له، مسلم في (كتاب صلاة العيدين، حديث رقم 884) مطولاً. (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، حديث رقم 963) واللفظ له، ومسلم في (كتاب صلاة العيدين، 888) . (3) حديث حسن لغيره أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، حديث رقم 1073) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، حديث رقم 1311) عن أبي هريرة وابن عباس، والفريابي في "أحكام العيدين" (حديث رقم 150) . والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/200) ، وصححه قبله البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (1/237) ، وقال: " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه أبو داود في سننه عن محمد بن مصفى بهذا الإسناد، فقال: " عن أبي هريرة "؛ بدل: "ابن عباس"، وهو المحفوظ" اهـ. وحسن إسناده محقق "زاد المعاد" (1/448) ، وكذا محقق " جامع الأصول" (6/145) ، وتوسع في تحقيق الكلام عليه مع تحسينه لغيره صاحب "سواطع القمرين في تخرج أحاديث أحكام العيدين " للفريابي (ص211-218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 عن عطاء بن أبي رباح؛ قال: " صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد من يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم؛ ذكرنا ذلك له، فقال: " أصاب السنة". أخرجه أبو داود. (1) - (6-14-4) إذا فاته العيد يصلي ركعتين: إذا فات المسلم صلاة العيد؛ فإنه يصلي ركعتين مثل صلاة الإمام في العيد، وذلك استدلالاً بالحديث التالي: عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث. قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا". وفي رواية: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه، فقال: " دعهما يا أبا بكر! فإنها أيام عيد"، وتلك الأيام أيام منى. أخرجه البخاري ومسلم. (2)   (1) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد، حديث رقم 1071) ، والفريابي في أحكام العيدين (ص219) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها: في (كتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، حديث رقم 952) . وفي (باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، حديث رقم 987) واللفظ برواية له، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، حديث رقم 892) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ووجه الدلالة: أنه سماها أيام عيد، فأضاف نسبة العيد إلى اليوم، فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال. ويؤكد هذا قوله في الرواية الأولى: " هذا عيدنا؛ أي: لأهل الإسلام، وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفراداً وجمعاً. وتسميته لهذه الأيام أيام عيد يفيد أنها محل لأداء هذه الصلاة؛ لأنها شرعت ليوم العيد، فيستفاد من ذلك أنها تقع أداء، وأن لوقت الأداء آخراً، وهو آخر أيام منى (1) بالنسبة لعيد الأضحى. وعن عبيد الله بن أبي بكر (2) بن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان أنس إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام؛ جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد" أخرجه البيهقي. (3) وعن ابن جريج، عن عطاء؛ قال: " يصلي ركعتين ويكبر". رواه ابن أبي شيبة. (4)   (1) انظر: " فتح الباري" (2/475) . (2) وقع ي "فتح الباري" (2/475) : " وعبد الله بن أبي بكر بن أنس"، وصوابه " عبيد الله ... "؛ كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (3/305) ، وكما في "تغليق التعليق" (2/386) . (3) حسن لغيره. علق البخاري نحوه في "صحيحه" مجزوماً به في (كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، فتح الباري 2/474) ، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/305) ، وأورد في "تغليق التعليق" (2/386-387) طرقه وشواهده. وانظر: "ابن أبي شيبة" (2/183) . (4) صحيح لولا تدليس ابن جريج. أخرجه ابن أبي شيبة (2/183) ، وعلقه البخاري مجزوماً به في (كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد صلى ركعتين، فتح الباري 2/474) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وقد بوب البخاري في "صحيحه": " باب إذا فاتته العيد؛ يصلي ركعتين" (1) . وقال ابن المنذر: " ومن فاتته صلاة العيد؛ صلى ركعتين كصلاة الإمام " (2) . اهـ. - (7-14-4) إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال: إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، خرج للعيد من الغد، والدليل ما جاء: عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من أصحاب رسول الله؛ أن ركباً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم". أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. (3) قال الخطابي: " وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق في الرجل لا يعلم بيوم الفطر إلا بعد الزوال. وقال الشافعي: إن علموا بذلك قبل الزوال؛ خرجوا، وصلى الإمام بهم صلاة العيد، وإن لم يعلموا   (1) " فتح الباري" (2/474، وأورد في هذا الباب حديث عائشة هذا وأثر أنس وعطاء. (2) " الإقناع" (1/110) (3) حديث صحيح أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، حديث رقم 1157) واللفظ له، وابن ماجه في (كتاب الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، حديث رقم 1653) والنسائي في (كتاب صلاة العيدين، باب الخروج إلى العيدين من الغد، 3/180) . والحديث صححه الخطابي " معالم السنن" (2/33) ، والألباني في "إرواء الغليل" (3/102-103) ، وصحح إسناده محقق " جامع الأصول " (6/153) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 إلا بعد الزوال، لم يصلوا يومهم، ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت، إذا جاز ذلك الوقت؛ لم يعمل في غيره. وكذلك قال مالك وأبو ثور. قلت (والخطابي) : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، وحديث أبي عمير صحيح؛ فالمصير إليه واجب" (1) . اهـ. وقال ابن المنذر: " إذا لم يعلموا بعيدهم إلا بعد الزوال؛ خرجوا من الغد، وصلوا صلاة العيد" (2) . اهـ. - (8-14-4) لا صلاة عيد في السفر: لا تشرع صلاة العيد في السفر، إذ لم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام على كثرة أسفاره وبعوثه وسراياه أنه صلى أو أمر بصلاة العيد في السفر. وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الثانية عنه: تشترط الإقامة في الجمعة دون العيد. وقال الظاهرية: لا تشترط الإقامة لا في الجمعة ولا في العيد. قال ابن تيمية رحمه الله: " والصواب بلا ريب هو القول الأول" (3) . اهـ. قلت: وإذا كان المسافر في بلد غير بلده؛ فيلزمه كذلك أن يصلي معهم؛ فإن جميع المسلمين الرجال والنساء كانوا يشهدون العيد مع رسول صلى الله عليه وسلم دون فرق (4) . والله أعلم.   (1) "معالم السنن" (2/33) . (2) " الإقناع" (1/110) . (3) "مجموع الفتاوى" (24/178) ، وقد بسط رحمه الله القول في هذا المبحث في "مجموع الفتاوى" (24/177-186) . (4) انظر: " مجموع الفتاوى" (24/182-183) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 (15-4) صلاة الاستسقاء شرع الله تبارك وتعالى للمسلمين إذا منع عنهم القطر وأجدبت الأرض أن يبادروا إلى التوبة والإنابة والاستغفار وطلب السقاية من الله عز وجل. (1) ومن الصور المشروعة لطلب السقاية من الله عز وجل: صلاة الاستسقاء. ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: الأول: حكم صلاة الاستسقاء. الثاني: وقت صلاة الاستسقاء وصفتها. الثالث: صلاة الاستسقاء في المصلى. الرابع: صفة الخروج إلى المصلى، والدعاء والخطبة قبل صلاة   (1) قال ابن القيم في " زاد المعاد" (1/456-458) : " ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته، وقال: " اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا " الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى (وصلى بهم صلاة الاستسقاء) الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم الجمعة، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة. الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم استقي وهو جالس في المسجد، فرفع يديه ودعا الله عز وجل. الوجه الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء، وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد. الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء ... ". اهـ. باختصار وتصرف يسير جداً. قلت: وصلاة الاستسقاء هي الوجه الثاني مما ذكره ابن القيم، وهي موضوعنا هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الاستسقاء. الخامس: مشروعية تحويل الإمام رداءه الدعاء في الاستسقاء. وإليك هذه المباحث: - (1-15-4) حكم صلاة الاستسقاء: هي صلاة مستحبة، سنها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا دليل على الوجوب. (1) - (2-15-4) وقت صلاة الاستسقاء وصفتها: يشتمل هذا المبحث على المسائل التالية: المسألة الأولى: وقت صلاة الاستسقاء. المسألة الثانية: لا أذان ولا إقامة لصلاة الاستسقاء. المسألة الثالثة: صلاة الاستسقاء كصلاة العيد. وإليك البيان: المسألة الأولى: وقت صلاة الاستسقاء: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الاستسقاء حين بدا حاجب الشمس. عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه،   (1) انظر: " الدراري المضية" (1/216) ، "السموط الذهبية" (ص87) . وقال ابن قدامة في "المغني" (2/430) : " صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ووعدكم أن يستجيب لكم". ثم قال: " الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين". ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض أبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب (أو: حول) رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن؛ ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: " أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله ". أخرجه أبو داود. (1) ولا دليل على تعيين وقت لها (2) ، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، لكنها تخالفه بأنه لا تختص بيوم معين. (3)   (1) حديث حسن. أخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، حديث رقم 1173) واللفظ له، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/328) ، وابن حبان " الإحسان" (7/109، حديث رقم 2860) . والحديث قال عنه أبو داود عقب إخراجه: " هذا حديث غريب إسناده جيد"، والحديث حسنه العلامة الألباني في "إرواء الغليل" (3/135) ، ومحقق "الإحسان" (7/110) (2) قال في "فتح الباري" (2/499) : " والراجح أنه لا وقت لها معين". اهـ. (3) "فتح الباري" (2/499) ، وقال: " وهل تصنع بالليل؟ استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد، وإلا، فلو كانت تصل بالليل؛ لأسر فيها بالنهار، وجهر بالليل كمطلق النوافل. ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة، وأفاد ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة". قلت: قال ابن قدامة في "المغني" (2/432) : " وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف؛ لأن وقتها متسع؛ فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي، والأولى فعلها في وقت العيد؛ لما روت عائشة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس". رواه أبو داود، ولأنها تشبهها في الموضع والصفة؛ فكذلك الوقت؛ [إلا] (*) أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس؛ لأنها ليس لها يوم معين؛ فلا يكون لها وقت معين. وقال ابن عبد البر: الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء؛ إلا أبا بكر بن حزم. وهذا على سبيل الاختيار، لا أنه يتعين فعلها فيه". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 المسألة الثانية: لا أذان ولا إقامة لصلاة الاستسقاء: لا يشرع لصلاة الاستسقاء أذان ولا إقامة، إنما فقط يواعد الإمام أو نائبه الناس على موعد يخرجون فيه، ويخرج معهم للصلاة. والدليل على ذلك ما جاء في حديث عائشة السابق؛ قالت: " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ... " أخرجه أبو داود. (1) وقال ابن بطال: " اجعلوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء" (2) . اهـ. وقال ابن قدامة: " لا يسن لها (أي: صلاة الاستسقاء) أذان ولا إقامة، ولا نعلم فيه خلافا" (3) . اهـ. وهذا الثابت من فعل الصحابة: عن أبي إسحاق: " خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم، فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر، ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم". قال   (1) حديث حسن. سبق تخريجه قريباً (2) نقله في "فتح الباري" (2/514) . وانظر: " موسوعة الإجماع" (1/653) . (3) " المغني" (2/432) *كانت في المطبوعة من "المغني": " لأن وقتها " ولعل الصواب ما أثبته لتستقيم العبارة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أبو إسحاق: " ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه البخاري. (1) المسألة الثالثة: صلاة الاستسقاء كصلاة العيد: تصلى صلاة الاستسقاء على الصفة التي تصلى بها صلاة العيد، فيكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع، وتكون هذه التكبيرات قبل القراءة. وصلاة الاستسقاء ركعتان يجهر فيهما كصلاة العيد. والدليل على ذلك: ما جاء عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة؛ قال: أرسلني الوليد بن عتبة – وكان أمير المدينة – إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستسقاء؟ فقال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى، فرقى على المنبر، ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد". أخرجه أبو داود والترمذي. (2)   (1) إسناده صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء قائماً، تحت رقم 1022) . (2) حديث حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (1/230و 269و 355) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، حديث رقم 1165) واللفظ له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء، حديث رقم 558) ، وأخرجه النسائي في (كتاب الاستسقاء، باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج، 3/156) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء، حديث رقم 1266) ، وأخرجه ابن خزيمة تحت (رقم 1408) ، وابن حبان (7/112، حديث رقم 2862- الإحسان) . والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (3/133) ، وحسنه محقق " جامع الأصول) (6/192) ، ومحقق "الإحسان" (7/112) ، وقال الترمذي عقب إخراجه: " هذا حديث حسن صحيح"0 اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 - (3-15-4) صلاة الاستسقاء في المصلى: السنة في صلاة الاستسقاء أن تصلى في المصلى؛ كما دلت عليه الأحاديث السابقة؛ إلا أهل مكة؛ فإنهم يصلون في المسجد الحرام ولا يخرجون عنه، على هذا جرى عمل السلف رضوان الله عليهم. (1) ومن الأدلة على أن صلاة الاستسقاء في المصلى: ما جاء في حديث عائشة السابق: " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ... " أخرجه أبو داود. (2) ما جاء في حديث ابن عباس السابق: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى، فرقي على المنبر.." أخرجه أصحاب السنن. (3) ما جاء في حديث عبد الله بن زيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يصلي ... " أخرجه الشيخان. (4)   (1) نص على ذلك الشافعي في " الأم" (1/234) ، ولفظه " ... إلا أهل مكة؛ فإنه لم يبلغا أن أحداً من السلف صلى بهم عيداً إلا في مسجدهم ... ولم أعلمهم صلوا عيداً قط ولا استسقاء إلا فيه". اهـ. (2) حديث حسن. سبق تخريجه (3) حديث حسن. سبق تخريجه (4) حديث صحيح. سبق تخريجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 - (4-15-4) صفة الخروج إلى المصلى، والدعاء والخطبة قبل صلاة الاستسقاء: السنة في الخروج إلى الاستسقاء أن يكون بتبذل (1) وتواضع (2) وتضرع (3) وتمسكن (4) ، فيدعو الله تبارك وتعالى، ويسأله، ويستسقي، ويكبر، ويحمد الله. ويرفع الإمام يديه، ويرفع الناس أيديهم يدعون. ويشرع للإمام المبالغة في رفع اليدين في الاستسقاء حتى يبدو بياض إبطيه. كما يشرع للإمام إذا خرج إلى المصلى أن يخاطب الناس؛ يذكرهم بحاجتهم إلى السقيا، ويرشدهم إلى الدعاء، ويدعو، ويستقبل القبلة. ولا تشرع خطبة على غير الصفة السابقة: والدليل على ذلك ما يلي: ما جاء في حديث ابن عباس السابق: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى، فرقي على المنبر، ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين ... ". أخرجه أبو داود. (5)   (1) التبذل: ترك التزين، وترك التهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة. " جامع الأصول" (6/192) . (2) التواضع: التذلل والتخاشع. "لسان العرب" (8/397) (3) التضرع: المبالغة في السؤال والرغبة، "جامع الأصول" (6/192) . (4) التمسكن: الخضوع والذلة، والتشبه بالمساكين. "النهاية في غريب الحديث" (2/385) . (5) حديث حسن. سبق تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ما جاء في حديث عائشة؛ قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم". ثم قال: " الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين"، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره ... أخرجه أبو داود. (1) عن عبد الله بن زيد الأنصاري؛ قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي لهم، فقام، فدعا الله قائماً، ثم توجه قبل القبلة، وحول رداءه، فاسقوا". رواه الشيخان. (2) عن أنس؛ قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه من شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع يرى بياض إبطيه ". أخرجه البخاري ومسلم. (3) وبوب البخاري: " باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء "، وأورد تعليقاً عن أنس بن مالك؛ قال: " أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى   (1) حديث حسن، سبق تخريجه. (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء قائماً، حديث رقم 1022) ، وفي (باب استقبال القبلة في الاستسقاء، حديث 1028) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة الاستسقاء، حديث رقم 894) . وانظر: " جامع الأصول" (6/193) . (3) حديث صحيح أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء، حديث رقم 1031) ، ومسلم في (كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء، حديث رقم 895) . وانظر: " جامع الأصول" (6/207) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله! هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون ... . " (1) - (5-15-4) مشروعية تحويل الإمام رداءه أثناء الدعاء في الاستسقاء: يشرع للإمام تحويل الرداء أثناء الدعاء في الاستسقاء، ولا يشرع ذلك للناس معه. ما سبق في حديث عائشة في خروجه صلى الله عليه وسلم وصلاته بالناس الاستسقاء؛ قالت: " ... ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب (أو: حول) رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين ... ". (2) ما جاء في رواية عند أبي داود لحديث عبد الله بن زيد المازني؛ قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فحول إلى الناس؛ ظهره؛ يدعو الله عز وجل، واستقبل القبلة، وحول رداءه". وفي رواية: " وحول رداءه، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله عز وجل ". وفي رواية: " استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة سوداء، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت؛ قلبها على عاتقه ". أخرجه الشيخان، واللفظ لأبي داود. (3)   (1) (كتاب الاستسقاء، باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، حديث رقم 1029) . "فتح الباري" (2/516) . (2) حديث حسن. سبق تخريجه. (3) حديث صحيح. سبق تخريجه عند الشيخين، والروايات هنا في "سنن أبي داود" (كتاب الصلاة، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، حديث رقم 1162- 1164) . والحديث عند أبي داود صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/215) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ج) لم يصح ما يدل على أن الناس يقلبون أرديتهم مع الإمام. (1) (16-4) صلاة الجنازة (2) ويشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: الأول: حكم صلاة الجنازة وفضلها. الثاني: الجماعة في صلاة الجنازة. الثالث: موقف الإمام. الرابع: صفتها. وإليك البيان: - (1-16-4) حكم صلاة الجنازة وفضلها: الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث؛ أذكر منها: حديث زيد بن خالد الجهني؛ قال: إن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: " إن صاحبكم غل في سبيل الله". ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين. أخرجه أبو داود والنسائي (3) .   (1) انظر: " تمام المنة" (ص264) (2) مجمل ما تراه في هذا الفصل استقيت ما فيه من كتاب "أحكام الجنائز وبدعها" للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، ومن شاء الاستزادة؛ فعليه به. (3) حديث صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (4/114، 5/192) ، وأبو داود في (كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول، حديث رقم 2710) واللفظ له، والنسائي في (كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل، 4/64) ، وابن ماجه في (كتاب الجهاد، باب الغلول، حديث رقم 2848) . والحديث صحح إسناده عند ابن ماجه محقق "جامع الأصول" (2/721) ، وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص79) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ووجه الدلالة في الحديث: أن الصلاة على الميت لو كانت فرض عين؛ لصلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما اكتفى بقوله: " صلوا على صاحبكم ". أما فضل صلاة الجنازة؛ فيدل عليه: ما جاء عن عامر بن سعد بن أبي وقاص؛ أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر؛ إذ طلع خباب صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر! ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن؛ كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد. ومن صلى عليها، ثم رجع؛ كان له من الأجر مثل أحد؟ ". فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده، حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. أخرج الشيخان. (1)   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في: (كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، حديث رقم 1325) ، وأخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، حديث رقم 945) واللفظ له، وانظر: " أحكام الجنائز وبدعها" (ص67- 68) . فائدة: قال ابن حجر في "فتح الباري" (3/197) في كلامه على فقه الحديث السابق: "ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضاً لمن صلى فقط؛ لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلاً وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "أصغرهما مثل أحد": تدل على أن القراريط تتفاوت، ووقع أيضاً في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم: "من صلى على جنازة ولم يتبعها؛ فله قيراط"، وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عن أحمد: " ومن صلى ولم يتبع؛ فله قيراط"، فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 - (2-16-4) الجماعة في صلاة الجنازة: تجب (1) الجماعة في صلاة الجنازة؛ لمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على صلاتها جماعة، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " صلوا كما رأيتموني أصلي". أخرجه البخاري. (2) ويستحب أن يكون عدد المصلين أربعون؛ لما جاء عن كريب مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس؛ أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرجت؛ فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً؛ إلا شفعهم الله فيه". أخرجه مسلم. (3) فإن كانوا مئة من المسلمين؛ فإن الله يشفعهم فيه؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة، كلهم يشفعون له؛ إلا شفعوا فيه". أخرجه مسلم. (4)   (1) "أحكام الجنائز وبدعها" (ص97) . (2) حديث صحيح. عن مالك بن الحويرث. وهو جزء من حديث أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع، حديث رقم 631) . (3) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، حديث رقم 948) . (4) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مئة شفعوا فيه، حديث رقم 947) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ويستحب أن يصفوا ثلاثة صفوف؛ لحديث مالك بن هبيرة؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلم يموت، فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين؛ إلا أوجب". فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة؛ جزأهم ثلاثة صفوف؛ للحديث. أخرجه أبو داود والترمذي. (1) - (3-16-4) موقف الإمام: يقف الإمام وراء رأس الرجل ووسط المرأة. ويدل على ذلك: ما جاء عن أبي غالب؛ قال: " صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل، فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة! صل عليها. فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ؛ قال: احفظوا". أخرجه الترمذي وأبو داود. (2)   (1) حديث حسن لغيره. أخرجه أبو داود في (كتاب الجنائز، باب في الصفوف على الجنازة، حديث رقم 3166) واللفظ له، وأخرجه الترمذي في (كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت، حديث رقم 1028) ، وابن ماجه في (كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين، حديث رقم 1490) ، ومداره على ابن إسحاق، وقد عنعن. والحديث حسنه لغيره الألباني في " أحكام الجنائز وبدعها" (ص99- 100) وذكر له شاهداً. (2) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في (كتاب الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، حديث رقم 1034) واللفظ له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه، حديث رقم 3194) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب الجنائز، باب ما جاء في أين يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة، حديث رقم 1494) . والحديث حسنه الترمذي في "السنن"، وصحح الألباني في "أحكام الجنائز" (ص109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وإذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد؛ فإنه لا يقف حذاءه كما هو السنة في سائر الصلوات، بل يقف خلف الإمام. ويدل عليه: ما جاء عن عبد الله بن أبي طلحة؛ أن أبا طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه في منزلهم، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو طلحة وراءه، وأم سليم وراء أبي طلحة، ولم يكن معهم غيرهم". أخرجه الحاكم والبيهقي. (1) وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء؛ صلى عليها صلاة واحدة، وجعلت الذكور – ولو كانوا صغاراً – مما يلي الإمام، وجنائز الإناث مما يلي القبلة. ويدل على ذلك: ما جاء عن نافع: " أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً، فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفاً واحداً. ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له: زيد، وضعا جميعاً، والإمام يومئذ سعيد بن العصا، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟! قالوا هي   (1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/365) واللفظ له، والبيهقي من طريقه في "السنن الكبرى" (4/30، 31) . وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وسنة غريبة في إباحة صلاة النساء على الجنائز ولم يخرجاه". اهـ. وتعقبه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 98) بقوله: " إنما هو على شرط مسلم وحده ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 السنة". أخرجه النسائي. (1) - (4-16-4) صفة صلاة الجنازة: يشتمل هذا المبحث على المسائل التالية: الأولى: الطهارة لصلاة الجنازة. الثانية: صفتها والتكبيرات فيها. الثالثة: رفع اليدين في التكبيرة الأولى ووضع اليمنى على اليسرى. الرابعة: القراءة في صلاة الجنازة. الخامسة: ما يقال بعد التكبيرة الثانية. السادسة: ما يقال بعد التكبيرة الثالثة. السابعة: التسليم من صلاة الجنازة. وإليك البيان: المسألة الأولى: الطهارة لصلاة الجنازة: تشترط الطهارة لصلاة الجنازة: لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ". متفق عليه. (2)   (1) حديث صحيح. أخرجه النسائي في (كتاب الجنائز، باب اجتماع جنائز الرجال والنساء، 4/71) ، وابن الجارود في "المنتقى" تحت رقم 545) . والحديث صححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص103) ، وصححه صاحب "غوث المكدود" (2/140) . (2) حديث صحيح عن أبي هريرة. أخرجه البخاري في موضعين: أحدهما في (كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور، حديث رقم 135) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، حديث رقم 225) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ولقوله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". أخرجه أبو داود والترمذي. (1) وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة على الجنازة صلاة، فقال: " صلوا على صاحبكم" (2) ، وقال: " من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها" (3) ، وفيها تكبير وتسليم (4) ، وقد دل حديث: " مفتاح الصلاة ... "؛ على أن كل ما تحريمه   (1) حديث حسن عن علي بن أبي طالب. أخرجه أبو داود في (كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، حديث رقم 61) ، وأخرجه الترمذي في (كتاب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، حديث رقم 3) ، وابن ماجه في (كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة الطهور، حديث رقم 275) . والحديث صححه محقق " جامع الأصول" (5/429) ، وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/15) عنه: "حسن صحيح". اهـ. (2) حديث صحيح. سبق تخريجه. (3) حديث صحيح. سبق تخريجه. (4) هذا الاستدلال هو استدلال الإمام البخاري، فقال في (كتاب الجنائز، باب سنة الصلاة على الجنائز) : "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من صلى على الجنازة"، وقال: " صلوا على صاحبكم "، وقال: "صلوا على النجاشي"؛ سماها: صلاة، ليس فيها ركوع ولا سجود، ولا يتكلم فيها، وفيها تكبير وتسليم، وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهراً، ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها، ويرفع يديه ... ". "فتح الباري" (3/189) . =قلت: فهو أشار بقوله: " وفيها تكبير وتسليم": إلى الاستدلال بحديث: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"؛ حيث دل على أن كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهارة. وفات هذا ابن رشيد فتعقب البخاري ببحث قوي، لولا ما قدمته لك من فوات هذا الاستدلال عليه من كلام البخاري رحم الله الجميع وغفر لنا ولهم. ونقل كلام ابن رشيد في "فتح الباري" (3/192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 التكبير وتحليله التسليم؛ فمفتاحه الطهور. (1) المسألة الثانية: صفتها والتكبيرات فيها: صلاة الجنازة صلاة قيام؛ لا ركوع فيها، ولا سجود، ولا قعود. وهي تكبيرات أربع أو خمس أو ست أو سبع أو تسع، كل هذا ثابت، وهو من اختلاف التنوع؛ فأيها فعل المسلم؛ أجزأه. والأولى مراعاة فضل الميت، فيزاد في التكبيرات إلى التسع بحسبه، وإن كان لابد من الالتزام لنوع منها؛ فهو الأربع؛ لكثرة الأحاديث الواردة فيها. أما الأدلة على ذلك؛ فكما يلي: قال ابن حزم: " لا خلاف في أنها (صلاة الجنازة) صلاة قيام، لا ركوع فيها ولا سجود، ولا قعود ولا تشهد" (2) . اهـ. أما الدليل على التكبيرات؛ فكما يلي: دليل التكبيرات الأربع: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات". أخرجه الشيخان. (3) دليل التكبيرات الخمس: ما جاء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ قال: " كان زيد [ابن أرقم] يكبر على جنائزنا أربعاً، وإنه كبر على جنازة خمساً،   (1) "تهذيب تهذيب سنن أبي داود" (1/52) . (2) " المحلى" (5/123) . وانظر: " موسوعة الإجماع" (1/683) . (3) حديث صحيح. فقد أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً، حديث رقم 1333) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، حديث رقم 951) . انظر: " جامعة الأصول " (6/215) ، " أحكام الجنائز" (ص 110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فسألته؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ". أخرجه مسلم. (1) دليل التكبيرات الست: ما جاء عن عبد خير؛ قال: " كان علي رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستاً، وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، وعلى سائر الناس أربعاً ". أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني. (2) قلت: وهذا أثر موقوف، لكنه في حكم المرفوع، ولأنه فعل من رجل من كبار الصحابة أمام مشهد من الصحابة دون إنكار منهم. (3) دليل التكبيرات السبع: ما جاء عن موسى بن عبيد الله بن يزيد: " أن علياً رضي الله عنه صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعاً، وكان بدرياً" أخرجه البيهقي. (4)   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، حديث رقم 957) ، انظر: "جامع الأصول" (6/216) ، و "أحكام الجنائز" (ص112) (2) إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/303) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/497) ، والدارقطني في "السنن" (2/73) ، والبيهقي في "الكبرى" (4/37) ، من طريق الدارقطني. والأثر قال الألباني في "أحكام الجنائز" (ص113) : " سنده صحيح رجاله ثقات كلهم". اهـ. (3) انظر: " أحكام الجنائز" (ص112) (4) إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/304) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/496) ، ووقع سقط عنده في كلمة " أبي قتادة"، كتبت بدون (أبي) فصارت (قتادة) . وأخرجه البيهقي (54/36- 37) وأعله بأن أبا قتادة مات بعد علي. والحديث قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" (4/36-37) : " رجاله ثقات" \ ورد تعليل البيهقي إياه؛ مبيناً أن الصحيح أن أبا قتادة توفي بالكوفة وعلي بها، وقال الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 114) : "سند صحيح على شرط مسلم ... "، ورد تعليل البيهقي، ونقل رده عن ابن حجر أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 دليل التكبيرات التسع: ما جاء عن عبد الله بن الزبير: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحمد بحمزة، فسجي ببردة، ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى، يصفون ويصلى عليهم وعليه معهم". أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار". (1) أما الدليل على زيادة التكبير على الأربع عند الصلاة على أهل الفضل؛ فيدل عليه الآثار والأحاديث السابقة، خاصة أثر عبد خير عن علي، وحديث ابن الزبير في صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام على حمزة وقتلى أحد (2) . والله أعلم. المسألة الثالثة: رفع اليدين في التكبيرة الأولى ووضع اليمنى على اليسرى: السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من تكبيرات صلاة الجنازة.   (1) حديث حسن. أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/503) ، وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/304) من حديث عبد الله بن الحارث نحوه. والحديث قال عنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص82) : " إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات معروفون، وابن إسحاق قد صرح بالحديث ... ". اهـ. (2) ومن تراجم البيهقي " في السنن الكبرى" (4/36) : " باب من ذهب في زيادة التكبير على الأربع إلى تخصيص أهل الفضل بها ". اهـ. قلت: هذا؛ وقد ذكر الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/495) إلى أن الزيادة على الأربع إنما كان لمعنى خاص، خص به أهل بدر على سائر الناس. أقول: لا يسلم ما ذكره الطحاوي رحمه الله، فإنه يعترض عليه بما جاء عن عبد خير عن علي في دليل التكبيرات الست، وكذا بما ورد في حديث زيد بن أرقم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم رفعهما في سائر التكبيرات فيها، غاية ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه رفعهما في سائر التكبيرات. (1) وبعد التكبير؛ هل يضع المسلم يده اليمنى على اليسرى، أم يرسلها؟ لم يثبت في ذلك ما يمكن الجزم به، والذي استحبه بعض أهل العلم القبض فيها، فرأوا مشروعية وضع اليد اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة. والدليل على رفع اليدين في التكبيرة الأولى: ما جاء عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة، فرفع يديه في أول تكبيرة ... ". أخرجه الترمذي. (2)   (1) علق هذا عن ابن عمر البخاري في "صحيحه" في (كتاب الجنائز، باب سنة الصلاة على الجنازة، فتح الباري 3/189) ، حيث قال: " وكان ابن عمر ... ويرفع يديه "، وأسنده عنه في "جزء رفع اليدين" (ص184-185- جلاء العينين) ، وأسنده ابن أبي شيبة عنه في "المصنف " (3/296) ، والبيهقي في "الكبرى" (4/44) . وقال الألباني في "أحكام الجنائز" (ص117) عن هذا الأثر عن ابن عمر عند البيهقي: " بسند صحيح". ثم عقب عليه بقوله: " فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فله أن يرفع ... " اهـ. (2) حديث حسن لغيره. أخرجه الترمذي في (كتاب الجنائز، باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة، حديث رقم 1077) واللفظ له، ومكان النقاط الجملة التالية: " ووضع اليمنى على اليسرى "، ولم أوردها في الأصل؛ لأنه لا شاهد لها، وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/74-75) ، والبيهقي في "الكبرى" (4/38) . والحديث مداره على يزيد بن سنان أبو فروة؛ ضعيف، لكنه توبع؛ كما ذكر المزي في "تحفة الأشراف" (10/9) ، تابعه: " يونس بن خباب عن الزهري بنحوه"، وذكر له الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 116) شاهداً عن ابن عباس أخرجه الدارقطني في "السنن" (2/75) بسند فيه مجهول وليس فيه ما يشهد للجملة التي أشرت إليها قبل قليل، فيرقى المقطع الأول من الحديث إلى الحسن لغيره، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قال الترمذي رحمه الله في (باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة) : "اختلف أهل العلم في هذا: فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة. وذكر عن ابن المبارك؛ أنه قال في الصلاة على الجنازة: لا يقبض يمينه على شماله. ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة". قال أبو عيسى: "يقبض، أحب اليّ " (1) . اهـ. المسألة الرابعة: القراءة في الصلاة على الجنازة: السنة أن يقرأ المسلم الفاتحة وسورة بعد التكبيرة الأولى. والقراءة تكون سراً. ولا استفتاح في صلاة الجنازة. والدليل على ذلك: ما جاء عن طلحة بن عبد الله بن عوف؛ قال: " صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب؛ قال: لتعلموا أنها سنة". أخرجه البخاري. وفي رواية عند النسائي للحديث: " صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ؛ أخذت بيده فسألته؟ فقال: سنة وحق". (2)   (1) سنن الترمذي (3/388-389) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، حديث رقم 1335) ، وأخرجه النسائي في (كتاب الجنائز، باب الدعاء 4/74-75) ، وابن الجارود في "المنتقى" (حديث رقم 534- 537) . وصحح رواية النسائي الألباني في "أحكام الجنائز" (ص119) ، وصححهما صاحب "غوث المكدود" (2/132) . وانظر: " جامع الأصول " (6/218) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قال الترمذي رحمه الله بعد إيراده لهذا الحديث: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة؛ إنما هو ثناء على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت. وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة". (1) اهـ. قلت: ما جاء في السنة هو الواجب اتباعه، وبالله التوفيق. المسألة الخامسة: ما يقال بعد التكبيرة الثانية: المسألة السادسة: ما يقال بعد التكبيرة الثالثة: السنة في صلاة الجنازة إذا كبر المسلم التكبيرة الثانية أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم. والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم المستحب أن تكون بالصيغ التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم. وبعد التكبيرة الثالثة وفي سائر التكبيرات يخلص الدعاء فيها للميت. والمستحب أن يدعو بما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام من الدعاء في الجنازة. الدليل على ذلك:   (1) "سنن الترمذي" (3/346) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ما جاء عن أبي أمامة بن سهل؛ أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن السنة في الصلاة على الجنازة: أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه". أخرجه الشافعي في " الأم". وفي رواية عند الحاكم: عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف؛ أنه أخبره رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة: " أن يكبر الإمام، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث، ثم يسلم تسليماً خفياً حين ينصرف، والسنة أن يفعل من روائه مثل ما فعل إمامه" (1) . ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة: ما جاء عن عوف بن مالك؛ قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة؛ فحفظت من دعائه وهو يقول: " اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر (أو: من عذاب   (1) حديث صحيح. أخرجه الشافعي في " الأم" (1/270) ، ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (4/39) ، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/500) . ورواية الحاكم في "المستدرك" (1/360) ، ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (4/39-40) . وأخرجه على صورة الإرسال عبد الرزاق في "المصنف" تحت (رقم 6428، 3/489) ، وابن الجارود في "المنتقى" تحت (رقم 540) والحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص122) ، وصححه صاحب "غوث المكدود" (2/4/13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 النار) ". قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. أخرجه مسلم. وفي رواية له: " ... وقه فتنة القبر وعذاب القبر". (1) المسألة السابعة: التسليم من صلاة الجنازة: السنة في صلاة الجنازة أن يسلم تسليمتين مثل تسليم الصلاة، وله أن يسلم تسليمة واحدة فقط عن يمينه، أي ذلك فعل المسلم؛ جاز، والتسليم يكون سراً خفيفاً. ويدل على ذلك: ما جاء عن عبد الله بن مسعود؛ قال: " ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس: إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة". أخرجه البيهقي. (2) وما جاء عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، فكبر عليها أربعاً، وسلم تسليمة واحدة". أخرجه الدارقطني. (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، حديث رقم 963) فائدة: أورد العلامة الألباني جملة من الأحاديث التي صحت في أدعية الجنازة في كتابه "أحكام الجنائز" (ص123-126) . (2) حديث صحيح. أخرجه البيهقي في "الكبرى" (4/43) . والحديث حسنه الألباني، ونقل عن النووي أنه قال: " إسناده جيد". انظر: " أحكام الجنائز" (ص127) . (3) حديث حسن. أخرجه الدارقطني في "السنن" (2/72) واللفظ له، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/360) ، ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (4/43) . والحديث حسنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص128) . فائدة: قال الحاكم في "المستدرك" (1/360) : " التسليمة الواحدة على الجنازة قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو وعبد الله ابن عباس وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي هريرة؛ أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمة واحدة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وتقدم حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف، وفيه: " ثم يسلم سراً في نفسه". وفي رواية لحديث أبي أمامة بن سهل عند ابن الجارود: " ثم يسلم في نفسه عن يمينه" (1) (17-4) صلاة ركعتي الطواف يشتمل هذا الفصل على المباحث التالية: الأول: حكم صلاة ركعتي الطواف. الثاني: أين تصلى؟ الثالث: ما يقرأ فيهما. وإليك البيان: - (1-17-4) حكم صلاة ركعتي الطواف: صلاة ركعتي الطواف واجبة لكل سبعة أشواط. ويدل على ذلك ما يلي: قول الله تبارك وتعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من   (1) حديث صحيح. سبق تخريجه. ورواية ابن الجارود في "المتقى" تحت (رقم 540) صحح إسنادها في "غوث المكدود" (2/134) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: 125] . فقال: {واتخذوا ... } والأمر دال على الوجوب. فإن قيل: الأمر بالاتخاذ أعم من أن يكون لركعتي الطواف أو قبلة أو مدعى (1) ؟ فالجواب: دل على أن المراد اتخاذه لركعتي الطواف مصلى ما جاء في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: " ... ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ، فجعل المقام بينه وبين البيت ... كان يقرأ في الركعتين: {قل هو الله أحد} و {قل يا أيها الكافرون} . أخرجه مسلم. (2) عن عمرو بن دينار؛ قال: سألنا ابن عمر عن رجل طاف بالبيت للعمرة ولم يطف بين الصفا والمروة؛ أيأتي امرأته؟ فقال: " قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". أخرجه البخاري. (3) فصلاته عليه الصلاة والسلام للركعتين خلف المقام بعد الطواف وتلاوته للآية يدل على وجوب الركعتين؛ لأن صلاته بيان لمجمل الأمر في الآية: {واتخذوا} ، وبيان المجمل الواجب له حكمه. (4)   (1) انظر: " فتح الباري" (1/499) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 1218) . (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب الصلاة، باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، حديث رقم 395) وأخرجه في مواضع أخرى. (4) انظر: " نيل الأوطار" (5/125) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 أما أن لكل سبعة أشواط ركعتين؛ فيدل عليه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قال نافع: " كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي لكل سبوع ركعتين". أخرجه البخاري تعليقاً. (1) وقال إسماعيل بن أمية: " قلت للزهري: إن عطاء يقول تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف؟ فقال: السنة أفضل، لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم سبوعاً قط إلا صلى ركعتين". أخرجه البخاري تعليقاً. (2) - (2-17-4) أين تصلى؟ بعد أن يطوف المسلم بالكعبة، يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، فإن تعسر عليه؛ صلاهما حيث شاء من الحرم. ويدل على ذلك ما يلي: قوله تبارك وتعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] . عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره: " أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه؛ نظر، فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى، فصلى   (1) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به في (كتاب الحج، باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين، فتح الباري 3/484) ، وأسنده عبد الرزاق في "المصنف" بنحوه (5/60 تحت رقم 9000، 5/64 تحت رقم 9012) ، وأسنده أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (مسند علي بن الجعد، ص266، تحت رقم 1754) . وانظر: " تغليق التعليق" (3/76) . (2) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به في (كتاب الحج، باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين، فتح الباري 3/484) ، وأسنده عبد الرزاق في "المصنف" بنحوه (5/59، تحت رقم 8990) . وانظر: "تغليق التعليق" (3/76) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ركعتين". أخرجه مالك في "الموطأ" (1) . عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمكة وأراد الخروج – ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج -، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت صلاة الصبح؛ فطوفي على بعيرك والناس يصلون ". ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت. أخرجه الشيخان (2) . ومحل الشاهد منه قوله في آخره: "فلم تصل حتى خرجت"؛ أي: من المسجد أو من مكة، فدل على جواز صلاة الطواف خارجاً من المسجد؛ إذ لو كان ذلك شرطاً لازماً؛ لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. واستدل به الجمهور على أن من نسي ركعتي الطواف؛ قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم، وهو قول الجمهور (3) . - (3-17-4) ما يقرأ فيهما: ويسن أن يقرأ فيهما سورتي الإخلاص: {قل هو الله أحد} ، و {قل يا أيها الكافرون} . لما سبق في حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكر طوافه وصلاته   (1) إسناده صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" في (كتاب الحج، باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف، 1/368- عبد الباقي) ، وصحح إسناده محقق "جامع الأصول" (3/185) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الحج، باب من صلى ركعتي الطواف خارجاً من المسجد، حديث رقم 1626) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، حديث رقم 1276) . "جامع الأصول" (3/201) . (3) انظر: "فتح الباري" (3/487) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 للركعتين؛ قال: "كان يقرأ في الركعتين: {قل هو الله أحد} و {قل يا ايها الكافرون} ". أخرجه مسلم (1) . (18-4) الصلاة في مسجد قباء عن أسيد بن ظهير الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من خرج حتى يأتي قباء كعمرة". أخرجه الترمذي وابن ماجه (2) . وعن سهل بن حنيف؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج حتى يأتي هذا المسجد (مسجد قباء) ، فصلى فيه؛ كان له عدل عمرة". أخرجه النسائي وابن ماجه (3) . والحديثان يفيدان فضيلة الصلاة في مسجد قباء (4) .   (1) حديث صحيح. سبق تخريجه قريباً. (2) حديث حسن. أخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، حديث رقم 324) ، وأخرجه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، حديث رقم 1411) . والحديث قال عنه الترمذي: "حديث حسن غريب"، وقال الذهبي في "الميزان" (2/96) عن هذا الحديث: "حديث منكر" اهـ. وتعقبه في "تحفة الأحوذي" (1/269) : "لا أدري ما وجه كونه منكراً، ويشهد له حديث سهل بن حنيف وحديث كعب بن عجرة" اهـ. وحسنه لغيره محقق "جامع الأصول" (9/337) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1/104) . (3) حديث حسن. أخرجه النسائي في (كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه، 2/37) ، وابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، حديث رقم 1412) . والحديث حسنه لغيره محقق "جامع الأصول" (9/336) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/150) . (4) قال ابن حجر في "فتح الباري" (3/69) : "ومن فضائل مسجد قباء ما رواه عمر بن سنة في "أخبار المدينة" بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص؛ قال: " لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب الي من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء؛ ليضربوا إليه أكباد الإبل ". اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 عن ابن عمر؛ قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء، راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين". وفي رواية: "رأيت النبي يأتيه كل سبت". أخرجه الشيخان (1) .   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع؛ منها في (كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب إتيان مسجد قباء ماشياً وراكباً، حديث رقم 1194) ، وأخرجه مسلم في (كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته، حديث رقم 1399) واللفظ والرواية له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 مسائل وأحكام تتعلق بصلاة التطوع يشتمل هذا الباب على المسائل التالية: (1-5) التطوع في البيت أفضل . (2-5) المداومة على التطوع أفضل وإن قل. (3-5) صلاة التطوع عن قعود. (4-5) صلاة التطوع في السفر. (5-5) وصل صلاة التطوع بالفرض. (6-5) صلاة التطوع على الراحلة. (7-5) الجماعة في صلاة التطوع. (8-5) قضاء الراتبة مع الفائتة. (9-5) أفضل الصلاة طول القراءة. وإليك بيانها فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 مسائل وأحكام تتعلق بصلاة التطوع (1-5) التطوع في البيت أفضل عن زيد بن ثابت؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال (يعني: الراوي عن زيد) : حسبت أنه قال: من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم؛ جعل يقعد، فخرج إليهم، فقال: " قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة". أخرجه الشيخان. (1) قلت: والحديث يدل على أن صلاة التطوع في البيت أفضل؛ إلا المكتوبة. وهذه الأفضلية على الإطلاق، سواء كانت صلاة التطوع مما يشرع له الجماعة في المسجد أم لا؛ كما هو ظاهر الحديث. والله أعلم. وهو مروي عن ابن عمر وسالم ونافع، وهو قول مالك وأبي يوسف   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الأذان، باب صلاة الليل، حديث رقم 731) واللفظ له، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، حديث رقم 781) . وانظر: " جامع الأصول" (6/118) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 والشافعي. (1) (2-5) المداومة على التطوع أفضل وإن قل عن عائشة؛ قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير، وكان يحجره من الليل فيصلي فيه، فجعل الناس يصلون بصلاته، ويبسطه بالنهار، فثابوا ذات ليلة، فقال: "يا أيها الناس! عليكم من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل"، وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه. متفق عليه. (2) قلت: والحديث يدل على أن المسلم عليه أن يقتصر من العبادة على ما يطيق، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطيق من العبادة. (3)   (1) انظر: " الحوادث والبدع" للطرطوشي (ص136- 137) . (2) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه، حديث رقم 43) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم 782) واللفظ له. وانظر: " جامع الأصول" (1/303) . (3) " فتح الباري" (1/102) فائدة: نقل في "فتح الباري" (1/103) عن ابن الجوزي قوله: " إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه. ثانيهما: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتاً ما كمن لازم يوماً كاملاً ثم انقطع". اهـ. قلت: قوله: " لهذا ورد الوعيد ... الخ": متعقب بأنه لم يصح شيء من ذلك كما بينته في "تهذيب وترتيب الإتقان" للسيوطي (ص 236) في الهامش، لكن النكتة التي ذكرها مقبولة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 (3-5) صلاة التطوع عن قعود عن عمران بن حصين - وكان مبسوراً -؛ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً؟ قال: " إن صلى قائماً؛ فهو أفضل، ومن صلى قاعداً؛ فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً، فله نصف أجر القاعد". أخرجه البخاري. (1) قال الترمذي بعد روايته لهذا الحديث: " ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: في صلاة التطوع". ثم ساق بسنده عن الحسن؛ قال: " إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائماً وجالساً ومضطجعاً". " واختلف أهل العلم في صلاة المريض إذا لم يستطع أن يصلي جالساً: قال بعض أهل العلم: يصلي على جنبه الأيمن. وقال بعضهم: يصلي مستلقياً على قفاه ورجلاه إلى القبلة. وقال سفيان الثوري في هذا الحديث: " من صلى جالساً؛ فله نصف أجر القائم"؛ قال هذا صحيح، ولمن ليس له عذر (يعني: النوافل) ، فأما من كان له عذر من مرض أو غيره، فصلى جالساً؛ فله مثل أجر القائم. وقد روى في بعض هذا الحديث مثل قول سفيان الثوري". (2) اهـ. وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: لما سألها عبد الله بن شقيق العقيلي   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد، حديث رقم 1115) واللفظ له، وأخرجه في مواضع أخرى. انظر: " جامع الأصول" (5/312) . وقوله: " مبسوراً" يعني: مريض بالبواسير. (2) " سنن الترمذي" (2/209-210) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: " كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، كان إذا قرأ قائماً، ركع قائماً، وإذا قرأ قاعداً؛ ركع قاعداً " أخرجه الشيخان. (1) (4-5) صلاة التطوع في السفر كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها؛ إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن ليدعهما حضراً ولا سفراً. (2) وثبت أنه صلى صلاة الضحى في السفر. وثبت التطوع المطلق منه صلى الله عليه وسلم في السفر. ويدل على ذلك ما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: " صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أره يسبح من السفر، وقال الله جل ذكره: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} . [الأحزاب: 21] ". وفي رواية: " صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما رأيته يسبح، ولو كنت مسبحاً، لأتممت، وقد قال الله تعالى: {ولقد كان لكم في رسول الله أسوة   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب تقصير الصلاة، باب إذا صلى قاعداً ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي، حديث رقم 118) ، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً وفعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعداً، حديث رقم 730- 732) . وانظر: " جامع الأصول " (5/313) . (2) انظر: " زاد المعاد" (1/473) ، "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3/353، الحديث رقم 1209) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 حسنة} [الأحزاب: 21] ". متفق عليه. (1) قال ابن القيم: "وهذا من فقهه رضي الله عنه؛ فإن الله سبحانه وتعالى خفف عن المسافر في الرباعية شطرها، فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها؛ لكان الإتمام شطرها؛ فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها؛ لكان الإتمام أولى به" (2) . اهـ. وسبق حديث أم هانئ في صلاة الضحى في فتح مكة لما صلاها عندها. عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها؛ غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة". متفق عليه. (3) قلت: هذا الحديث عن ابن عمر يفسر الحديث السابق عنه أيضاً لما قال: " فلم أره يسبح في السفر"؛ إذ بين المراد منه: أنه لم يره يسبح في السفر السنن الرواتب. عن عامر بن ربيعة؛ قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبح؛ يومئ برأسه، قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب تقصير الصلاة، باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها، حديث رقم 1101- 1102) واللفظ له، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم 689) والرواية له. وانظر: " جامع الأصول " (5/727) . (2) " زاد المعاد" (1/316) (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب تقصير الصلاة، باب ينزل للمكتوبة، حديث رقم 1098) ، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، حديث رقم 700) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الصلاة المكتوبة" متفق عليه. (1) (5-5) وصل صلاة التطوع بالفرض عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار: " أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم؛ صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام؛ قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل؛ أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة؛ فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك: أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج". أخرجه مسلم. (2) قلت: والحديث يدل على أنه لا يجوز وصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. (3)   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في (كتاب تقصير الصلاة، باب ينزل للمكتوبة، حديث رقم 1097) ، ومسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، حديث رقم 701) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة، حديث رقم 883) فائدة: أخرج أبو داود في (كتاب الصلاة، باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة، حديث رقم 1006) ؛ بسنده عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله؟ ". والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/188) ، وقال محقق " جامع الأصول" (5/595) : "وفي إسناده مجاهيل". اهـ. قلت: لكن يشهد له حديث معاوية هذا عند مسلم. والله أعلم. (3) انظر: " شرح النووي على مسلم" (6/170-171) ، و "فتح الباري" (2/335) . فائدة: قال ابن تيمية في "الفتاوى المصرية" (ص79) : " والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها بقيام أو كلام". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (6-5) صلاة التطوع على الراحلة كان صلى الله عليه وسلم يصلي التطوع على راحلته إذا كان في السفر أينما توجهت؛ يومئ برأسه قبل أي وجه توجه. وكان أحياناً إذا سافر وأراد أن يتطوع، استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه. ويدل على ذلك ما يلي: ما جاء عن ابن عمر؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها؛ غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة". متفق عليه. (1) وعن عامر بن ربيعة؛ قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبح؛ يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة ". متفق عليه. عن أنس بن مالك؛ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعاً؛ استقبل القبلة، فكبر للصلاة، ثم خلى راحلته، فصلى حيثما توجهت به". أخرجه أحمد وأبو داود. (2) قلت: وذكر السفر في هذه الأحاديث عند بعض أهل العلم ليس على سبيل القيد، بل على سبيل حكاية الواقع؛ فلا مفهوم له، ولعل حديث أنس يؤكد   (1) سبق تخريجه قريباً: انظر: (4-5) (2) حديث حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (3/203) واللفظ له، وأخرجه أبو داود في (كتاب الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر، حديث رقم 1225) . والحديث حسن إسناده الألباني في "صفة صلاة النبي" (ص55) ومحققا "زاد المعاد" (1/476) ونقلا تصحيحه عن غير واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ذلك؛ إذ ظاهره جواز التطوع على الراحلة مطلقاً في السفر والحضر، وهذا محكي عن أنس بن مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة وأبي سعيد الإصطخري من الشافعية ومن وافقهم. (1) (7-5) الجماعة في صلاة التطوع تشرع الجماعة في صلاة التطوع؛ بشرط أن لا تتخذ عادة راتبة، وفعلها في البيت أفضل. ومما يدل على ذلك ما يلي: أ) ما تقدم من مشروعية الجماعة في صلاة قيام الليل. (2) ب) وما جاء عن أنس بن مالك؛ أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: " قوموا؛ فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف. متفق عليه. (3) قال ابن حجر رحمه الله: " في هذا الحديث من الفوائد ... صلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة؛ فإنها قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها" (4) . اهـ.   (1) انظر: " شرح النووي على صحيح مسلم" (5/211) ، "فتح الباري" (2/575) . (2) انظر: ما سبق (8-3) (3) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير، تحت رقم 380) ، ومسلم في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على الحصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، تحت رقم 658) . (4) " فتح الباري" (1/490) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وما جاء عن محمود بن الربيع الأنصاري؛ أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه - وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله - يقول: " كنت أصلي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانا أتخذه مصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سأفعل". فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعدما اشتد النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: " أين تحب أن أصلي من بيتك؟ ". فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر، وصفننا وراءه، فصلى ركعتين، ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزير يصنع له ... " الحديث. أخرجه البخاري. (1) وبوب البخاري: " باب صلاة النوافل جماعة، ذكره أنس وعائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم "، ثم ساق بسنده حديث محمود بن الربيع مطولاً. قلت: أما حديث أنس الذي أشار إليه؛ فهو الذي قدمته قبل قليل، وفيه: " وصففت واليتيم وراءه ... ". أما حديث عائشة؛ فأشار به إلى صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة قيام الليل   (1) حديث صحيح. أخرجه البخاري: في مواضع منها في (كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعة، حديث رقم 1185) فائدة: قال ابن حجر في "فتح الباري" (3/62) في كلامه على فوائد هذا الحديث: " وفيه ما ترجم له هنا، وهو صلاة النوافل جماعة، وروى ابن وهب عن مالك: أنه لا بأس بأن يؤم النفر في النافلة، فأما أن يكون مشتهراً ويجمع له الناس؛ فلا، وهذا بناء على قاعدته في سد الذرائع لما يخشى من أن يظن من لا علم له أن ذلك فريضة، واستثنى ابن حبيب من أصحابه قيام رمضان لاشتهار ذلك من فعل الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 بالمسجد وتقدم. قال ابن تيمية رحمه الله: " والاجتماع على صلاة النفل أحياناً مما تستحب فيه الجماعة إذا لم يتخذ راتبة، وكذا إذا كان لمصلحة؛ مثل أن لا يحسن أن يصلي وحده، أو لا ينشط وحده؛ فالجماعة أفضل إذا لم تتخذ راتبة، وفعلها في البيت أفضل؛ إلا لمصلحة راجحة" (1) . اهـ. (8-5) قضاء الراتبة مع الفائتة عن أبي هريرة؛ قال: عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليأخذ كل رجل برأس راحلته؛ فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان". قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين (وفي رواية: ثم صلى سجدتين) ، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة". أخرجه مسلم. (2) قال ابن القيم رحمه الله في فقه هذه القصة: " وفيها: أن السنن الرواتب تقضي كما تقضي الفرائض، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفجر معها، وقضى سنة الظهر وحدها، وكان هديه صلى الله عليه وسلم قضاء السنن الرواتب مع الفرائض" (3) . اهـ. (9-5) أفضل الصلاة طول القراءة عن جابر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت". أخرجه مسلم. (4)   (1) " مختصر الفتاوى المصرية" (ص81) ، وانظر: " الاختيارات الفقهية" (ص64) (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم 680) (3) "زاد المعاد" (1/358) (4) حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أفضل الصلاة طول القنوت، حديث رقم 756) والقنوت: قيام القراءة في الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 قلت: الحديث يدل على فضيلة إطالة القيام للقراءة في الصلاة، وهذا يشمل التطوع منها والفرض. وبالله التوفيق. (1)   (1) عقد في "زاد المعاد" (1/235-237) مسألة حول القيام والسجود في الصلاة أيهما أفضل؛ فانظره إن شئت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ملحق بدع صلوات التطوع (1)   (1) أقتدي في إلحاق هذا الملحق آخر هذا الكتاب بالشيخ المحدث العلامة أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني سلمه الله ورعاه؛ فقد رأيته أورد ملحقاً في آخر كتابه "أحكام الجنائز وبدعها" حول بدع الجنائز، وأورد ملحقاً شبيهاً في آخر كتابه "حجة النبي كما رواها جابر"، وكتابه "مناسك الحج والعمرة" حول بدع الحج والعمرة والزيارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أورد في هذا الملحق جملة من البدع المتعلقة بصلوات التطوع دون تتبع واستقراء. [وقد رأيت أن ألحق بالكتاب ذيلاً أسرد فيه بدع صلوات التطوع؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفونها فيقعون فيها، أحببت أن أزيدهم نصحاً ببيانها والتحذير منها، ذلك لأن العمل لا يقبله الله تبارك وتعالى إلا إذا توفر فيه شرطان اثنان: الأول: أن يكون خالصاً لوجهه عز وجل. والآخر: أن يكون صالحاً، ولا يكون صالحاً إلا إذا كان موافقاً للسنة غير مخالف لها. ومن المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادة مزعومة؛ لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله، ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله؛ فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية وسنة تركية؛ فما تركه صلى الله عليه وسلم من تلك العبادات؛ فمن السنة تركها. ألا ترى مثلاً أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونه ذكراً وتعظيماً لله عزوجل لم يجز التقرب به إلى الله عز وجل، وما ذلك إلا لكونه سنة تركها رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الله صلى الله عليه وسلم. وقد فهم هذا المعنى أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيراً عاماً كما هو مذكور في موضعه، حتى قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تعبدوها"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق". فهنيئاً لمن وفقه الله للإخلاص في عبادته واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يخالطها ببدعة. إذاً، فليبشر بتقبل الله عز وجل لطاعته، وإدخاله إياه في جنته، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. واعلم أن مرجع هذه البدع المشار إليها إلى أمور: الأول: أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها ولا نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا يجوز العمل به عندنا، على ما بينه الألباني سلمه الله في مقدمة كتابه "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "، وهو مذهب جماعة من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. الثاني: أحاديث موضوعة، أو لا أصل لها، خفي أمرها على بعض الفقهاء، فبنوا عليها أحكاماً هي من صميم البدع ومحدثات الأمور! الثالث: اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء، خاصة المتأخرين منهم، لم يدعموها بأي دليل شرعي، بل ساقوها مساق المسلمات من الأمور، حتى صارت سنناً تتبع! ولا يخفى على المتبصر في دينه؛ أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه؛ إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى، وحسب المستحسن - إن كان مجتهداً - أن يجوز له هو العمل بما استحسنه وأن لا يؤاخذه الله به، أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وسنة؛ فلا ثم لا، فكيف وبعضها مخالف للسنة العملية كما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى؟! رابعاً: عادات وخرافات لا يدل عليها الشرع، ولا يشهد لها عقل، وإن عمل بها بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم، ولم يعدموا من يؤيدهم، ولو في بعض ذلك – ممن يدعي العلم ويتزيى بزيهم. ثم ليعلم أن هذه البدع ليست خطورتها في نسبة واحدة، بل هي على درجات؛ فبعضها شرك وكفر صريح كما سترى، وبعضها دون ذلك، ولكن يجب أن يعلم أن أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدين هي محرمة بعد تبين كونها بدعة؛ فليس في البدع – كما يتوهم بعضهم- ما هو في رتبة المكروه فقط، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"؛ أي: صاحبها. وقد حقق هذا أتم تحقيق الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم "الاعتصام". ولذلك فأمر البدعة خطير جداً، لا يزال أكثر الناس في غفلة عنه، ولا يعرف ذلك إلا طائفة من أهل العلم، وحسبك دليلاً عل خطورة البدعة قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته". رواه الطبراني والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" وغيرهما بسند صحيح. وحسنه المنذري. (1) وأختم هذه الكلمة بنصيحة أقدمها إلى القراء من إمام كبير من علماء المسلمين الأولين، وهو الشيخ حسن بن علي البربهاري من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله المتوفى سنة (329هـ) .   (1) وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1620) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قال رحمه الله تعالى: " واحذر من صغار المحدثات؛ فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت ديناً يدان به. فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة؛ فلا تعجلن، ولا تدخل في شيء منه؛ حتى تسأل وتنظر: هل تكلم فيه أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء؟ فإن أصبت أثراً عنهم؛ فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء، ولا تختر عليه شيئاً؛ فتسقط في النار. واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً ومصدقاً مسلماً، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كذبهم، وكفى بهذا فرقة وطعناً عليهم؛ فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه". قلت: ورحم الله الإمام مالك حيث قال: " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذ ديناً، لا يكون اليوم ديناً ". وصلى الله على نبينا القائل: " ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ". والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات] (1) وإليك ذكر بدع صلوات التطوع:   (1) الكلام الموضوع بين عارضتين [ ... ] من أول جملة: " وقد رأيت أن ألحق بالكتاب ... " إلى هنا: من كلام العلامة المحدث الألباني في كتابه "حجة النبي" (ص100- 105) وكتابه "مناسك الحج والعمرة" (ص43-47) بتصرف يسير جداً ليتناسب الكلام مع موضوع هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 1- الصلاة التي يصلونها في أواخر رمضان لتكفير الفوائت من صلوات العام الماضي. "السنن والمبتدعات" (ص17) . 2- صلاة دعاء حفظ القرآن. "السنن والمبتدعات" (ص124) . 3- صلاة الحاجة: " من كانت له حاجة إلى الله ... ". "السنن والمبتدعات" (ص124) 4- قراءة سورة الأنعام في ركعة واحدة في رمضان أو غيره بدعة، سواء تحروا الليلة بعينها أو لا؛ كما يفعله بعض الناس: يقرؤنها في آخر ركعة من صلاة الوتر، يطول على الناس، ويهذها هذاً مكروهاً. "مختصر الفتاوى المصرية" 5- الاجتماع على صلاة في المساجد مقدرة بمئة ركعة بقراءة ألف: {قل هو الله أحد} ؛ دائماً؛ فهي بدعة لم يستحبها أحد. "مختصر الفتاوى المصرية" (ص 81) 6- صلاة الآبق والضياع. "السنن والمبتدعات" (ص127) 7- صلاة العازم على السفر. "السنن والمبتدعات" (ص129) . 8- صلاة الأوابين بين المغرب والعشاء. " السنن والمبتدعات" (ص130) ، "صحيح الترغيب والترهيب" (1/280) . 9- صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء. " السنن والمبتدعات" (ص130) . 10- صلاة الكفاية. "السنن والمبتدعات" (ص132) . 11- صلاة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم. " السنن والمبتدعات" (ص132) . 12- صلاة عاشوراء. " السنن والمبتدعات " (ص134- 180) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 13- صلاة ليلة المعراج. 14- صلاة كل ليلة من رجب. " السنن والمبتدعات" (ص 140، 143) . 15- صلاة الرغائب من رجب، "السنن والمبتدعات" (ص156) ، "علم أصول البدع" (ص149، 150، 151) . 16- صلاة البراءة ليلة النصف من شعبان. " السنن والمبتدعات" (ص144) ، "علم أصول البدع" (ص115، 149- 150) . 17- صلاة دفع البلاء. " السنن والمبتدعات" (ص145) . 18- صلاة كل ليلة من شعبان. " السنن والمبتدعات" (ص140، 143، 156) . 19- صلاة ليلة القدر. " السنن والمبتدعات " (ص156) . 20- صلاة ليلة عيد الفطر ويومه عيد الأضحى. " مختصر الفتاوى المصرية" (ص79) ، " السنن والمبتدعات" (ص161، 172، 180) . 21- صلاة يوم عرفة. " السنن والمبتدعات" (ص172) . 22- صلوات أيام الأسبوع. " مختصر الفتاوى المصرية" (ص78) ، " السنن والمبتدعات" (ص179) . 23- الصلوات الحولية. " مختصر الفتاوى المصرية " (ص78) . 24- الصلاة الألفية أول رجب ونصف شعبان. " مختصر الفتاوى المصرية" (ص78) ، " السنن والمبتدعات" (ص179) ، "علم أصول البدع" (86) . 25- الصلاة الاثني عشرية في أول جمعة من رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 26- الصلاة في ليلة سبع وعشرين من رجب، "مختصر الفتاوى المصرية" (ص78) ، "السنن والمبتدعات" (ص180) . 27- صلاة الأشهر الثلاثة. " مختصر الفتاوى المصرية" (ص78-79) . 28- صلاة ركعتين بعد السعي. " ملحق بدع الحج والعمر والزيارة آخر كتاب حجة النهي كما رواها جابر" (ص121) . 29- إحياء الليل كله. " علم أصول البدع" (ص86، 108) . 30- المداومة على صلاة النفل جماعة. " مختصر الفتاوى المصرية" (ص81) . 31- الاجتماع المعتاد في المساجد على صلاة مقدرة بدعة. "مختصر الفتاوى المصرية" (ص81) . تم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. مكة المكرمة – العزيزية الجنوبية صباح الاثنين 22 رمضان 1413 هـ محمد بن عمر بازمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فهرست المصادر والمراجع (1)   (1) سرت في ذكر المصادر والمراجع، على الطرق التالية: أ) لم أعتبر في الترتيب (ال) التعريف. ب) شمل هذا الفهرس الكتب التي أحيل إليها في الهامش، سواء المطبوع منها أم المخطوط. ج) الفهرس مرتب على حروف المعجم: (أ، ب، ت ... إلخ) وبدأت بالقرآن الكريم، كلام الله، وهو أجل الكتب. د) العلامة (=) ؛ بمعنى: انظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فهرست المصادر والمراجع - القرآن الكريم. (1) (أ) - " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان": لعلاء الدين بن بلبان الفارسي (ت730هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1408هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. - " أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام": لأبي الفتح تقي الدين بن دقيق العيد (ت702هـ) ، دار الكتب العلمية، بتعليق محمد منير آغا الدمشقي. - "أحكام الجنائز وبدعها": لمحمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي، الكعبة الأولى 1388هـ. - " أحكام العيدين": لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي (ت301هـ) ، ومعه كتاب "سواطع القمرين في تخريج أحاديث أحكام العيدين" لأبي عبد الرحمن مساعد بن سليمان بن راشد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1406هـ.   (1) برواية حفص عن عاصم، طبع مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية، وأرقام الآيات فيه على عد الكوفيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 - " أحكام العيدين في السنة المطهرة": لعلي حسن علي عبد الحميد، المكتبة الإسلامية الأردن، الطبعة الأولى 1405هـ. - " الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية": لعلاء الدين أبي الحسن علي البعلي (ت803هـ) ، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. - " الأذكار": لشرف الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ، مع شرحه "الفتوحات الربانية" لمحمد بن علان (ت1057هـ) ، المكتبة الإسلامية، دار إحياء التراث، بيروت. - " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل": لمحمد بن ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399هـ. - " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": لابن تيمية (ت728هـ) ، تصحيح محمد علي الصابوني مطابع المجد التجارية، 390هـ. - "الاقناع": لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر (ت318هـ) ، تحقيق د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض، الطبعة الأولى 1408هـ. - "الأم": لمحمد إدريس الشافعي، تصحيح محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت. - " الإيمان": لشيخ الإسلام ابن تيمية، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1399 هـ. (ب) -"بدائع الفوائد": لابن قيم الجوزية (ت751هـ) ، إدارة الطباعة المنيرية، الناشر دار الكتاب العربي. -"بلوغ المرام من أدلة الأحكام": لعلي بن أحمد ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، دار الفكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 (ت) - "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي": لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الطبعة الحجرية، دار الكتاب العربي بيروت. (1) - "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف": للمزي (ت742هـ) ، معه النكت الظراف على الأطراف، لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، المكتب الإسلامى، الدار القيمة الطبعة الثانية 1403 هـ. - " تحفة الذاكراين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ": لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ) ، دار الكتب العلمية. - " تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة": لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، دار الكتاب العربي. - " تفسير الزجاج": =معاني القرآن وإعرابه. - "تفسير الطبري": =جامع البيان (حرف الجيم) . - "تفسير القرطبي": =الجامع لأحكام القرآن (حرف الجيم) . - "تقريب التهذيب": لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، طبع دار البشائر الإسلامية، دار الرشيد حلب، الطبعة الأولى 1406هـ. - " تمام المنة في التعليق على فقه السنة ": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، الأردن، دار الراية، الرياض، الطبعة الثانية 1408هـ. - " التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح": لجاسم بن سليمان الدوسري، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1407هـ. - " تهذيب وترتيب الإتقان": لمحمد بن عمر بازمول، دار الهجرة، الظهران، الثقبة، الطبعة الأولى 1412هـ. - " تهذيب التهذيب": لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد، الدكن، الطبعة الأولى، نشر دار صادر.   (1) عند العزو إلى " سنن الترمذي" عن طريقه أذكر الجزء والصفحة وكلمة "تحفة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 - "تهذيب تهذيب سنن أبي داود": لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي (ابن قيم الجوزية) (ت751هـ) ، تحقيق: أحمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، نشر دار المعرفة 1400هـ. - " تهذيب السنن": = تهذيب تهذيب سنن أبي داود هو السابق له. - " تهذيب الكمال في أسماء الرجال": لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) (صورة المخطوط) دار المأمون للتراث، توزيع مكتبة الغرباء المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1403هـ. - " التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد": لأبي عبد الله محمد بن إسحاق ابن مندة (ت395هـ) ، تحقيق د. علي بن محمد الفقيهي، مطابع الجامع الإسلامية بالمدينة المنورة، سلسلة عقائد السلف. (ج) - "جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ": لمبارك بن محمد بن الأثير (ت606هـ) ، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403هـ. - " جامع البيان عن تأويل القرآن ": لمحمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، دار الفكر 1405هـ، بيروت، لبنان. - " الجامع الصحيح ": لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، طبع مع "فتح الباري"، طبع المطبعة السلفية. - " الجامع الصحيح": لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. - " الجامع لأحكام القرآن ": لمحمد بن أحمد القرطبي (ت671هـ) ، تصحيح أحمد عبد العليم البردوني وزملائه، الطبعة الثانية 1372هـ. - " الجرح والتعديل": لعبد الرحمن بن محمد الرازي (ابن أبي حاتم) (ت327هـ) ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، الهند 1271هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 - "جزء رفع اليدين": لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت250هـ) ، ومعه "جلاء العينين بتخريج روايات البخاري في جزء رفع اليدين" لأبي محمد بديع الدين السندي الراشيدي السندهي، الطبعة الأولى 1403هـ، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان. - "جلاء العينين": = جزء رفع اليدين. - " الجوهر النقي على سنن البيهقي": لابن التركماني =السنن الكبري للبيهقي. (ح) - " حاشية السندي على سنن ابن ماجه": لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) ، دار الجيل بيروت. - " حاشية السندى على سنن النسائي": لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي (ت1138هـ) ، مع سنن النسائي= سنن النسائي. - "حجة النبي كما رواها عنه جابر رضي الله عنه": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الخامسة 1399هـ. - " الحوادث والبدع": لأبي بكر الطرطوشي (ت520هـ) ، تحقيق عبد الحميد التركي، الطبعة الأولى 1410هـ، دار الغرب الإسلامي. (د) - " الدراري المضية شرح الدر البهية": لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ) ، دار المعرفة بيروت 1406هـ. - " الدر المنثور في التفسير بالمأثور": لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ. - " دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين": لمحمد بن علان (ت1057هـ) ، معه "رياض الصالحين"، المكتبة العلمية بيروت 1402هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 (ذ) - "ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث": لعبد الغني النابلسي (1143هـ) ، انتشارات إسماعيليان، تهران، ناصر خسرو، باسار مجيدي. - "ذيل طبقات الحنابلة": لأبي الفرج عبد الرحمن بن رجب (ت795هـ) ، دار المعرفة. (ر) - "رياض الصالحين ": لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ="دليل الفالحين" (ز) - "زاد المعاد في هدى خير العباد": لمحمد بن أبي بكر الزرعي ابن قيم الجوزية (ت751هـ) ، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة 1405هـ. - "الزهد": لعبد الله بن المبارك (ت181هـ) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية. (س) - "سبل السلام شرح بلوغ المرام": لمحمد بن إسماعيل الأنصاري (ت1182هـ) ، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان الطبعة الخامسة 1391هـ. - " سلسلة الأحاديث الصحيحة": لمحمد ناصر الدين الألباني، المجلد الأول والثاني المكتب الإسلامي، المجلد الثالث والرابع المكتبة الإسلامية. - "السموط الذهبية الحاوية للدرر البهية ": لأحمد بن محمد الشوكاني (ت1281هـ) ، تحقيق إبراهيم عبد المجيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 1410هـ. - " سنن الدارقطني ": لعلي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) ، وبذيله "التعليق المغني" للآبادي، عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه عبد الله هاشم يماني المدني (ت1386هـ) ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. - "سنن الدارمي": لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت225هـ) ، طبع بعناية محمد أحمد طهمان، دار إحياء السنة النبوية. - " سنن أبي داود": لسليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) ، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، دار الحديث، الطبعة الأولى 1388هـ. - " سنن الترمذي": لمحمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ) ، تحقيق أحمد شاكر (1و2) ، ومحمد فؤاد عبد الباقي (3) ، وإبراهيم عطوة (4و5) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - "سنن النسائي": لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) ، دار إحياء التراث العربي. - "سنن ابن ماجه": لمحمد بن يزيد القزويني ابن ماجه (ت375هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي 1395هـ. - " السنن الكبير (الكبرى) ": لأحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، وفي ذيله " الجوهر النقي"، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية 1344هـ. - "السنن والمبتدعات": لمحمد عبد السلام الشقيري، دار الكتب العلمية 1400هـ. - "سواطع القمرين" = " أحكام العيدين" للفريابي. - " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار": لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ) تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى الكاملة 1405هـ. (ش) - "شرح الأذكار لابن علان": = الأذكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 - "شرح ابن رجب": لصحيح البخاري (كتاب الوتر) منسوخ من مخطوطة بخط بعض الأخوان، لدي منه صورة، تحصلت عليها بواسطة الأخ: محمد بن ناصر العجمي جزاه الله خيراً. - "شرح السنة": للحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403هـ. - " شرح مسلم للنووي": = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (حرف الميم) . - " شرح معاني الآثار": لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) ، حققه وضبطه ونسقه وصححه: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1399هـ. - " الشمائل (الشمائل المحمدية) ": لأبي عيسى محمد بن سورة الترمذي (ت279هـ) تعليق محمد عفيف الزعبي، الطبعة الأولى 1403هـ. (ص) - "صحيح البخاري ": = " الجامع الصحيح " للبخاري (حرف الجيم) . "صحيح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1402هـ. - "صحيح الجامع الصغير": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1399هـ. - "صحيح ابن حبان": = " الإحسان بترتيب صحيح بن حبان" (1) (حرف الألف) . - "صحيح ابن حبان": = "موارد الظمآن" (2) (حرف الميم) - "صحيح ابن خزيمة": لمحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي 1390هـ.   (1) كنت إذا أحلت إلى صحيح ابن حبان أنبه إلى أن ذلك من خلال "الإحسان" بقولي: "الإحسان" (2) كنت إذا أحلت إلى صحيح ابن حبان انبه إلى أن ذلك من خلال "موارد الظمآن" بقولي: "موارد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 - " صحيح أبي عوانة (مسند أبي عوانة، مستخرج أبي عوانة": لأبي عوانة يقعوب بن إسحاق (ت316هـ) ، دار المعرفة للطباعة والنشر. - "صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند": تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1408هـ. - " صحيح سنن الترمذي باختصار السند": تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408هـ. - " صحيح سنن أبي داود باختصار السند": لمحمد بن ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1409هـ. - "صحيح سنن النسائي باختصار السند": تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألبني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1409هـ. - "صحيح مسلم ": " الجامع الصحيح " لمسلم (حرف الجيم) . - " صلاة التراويح": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405هـ. - " صلاة العيدين بالمصلى هي السنة ": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي. (ط) - "طبقات الشافعية الكبرى": لتاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي (ت771هـ) تحقيق محمود الطناحي وزميله، دار إحياء الكتب العربية 1383هـ. (ع) - "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي": لابن العربي المالكي (ت542هـ) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 دار الكتب العلمية. - " علم أصول البدع": لعلي حسن عبد الحميد، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ. - " عمل اليوم والليلة ": لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) ، تحقيق د. فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1406هـ. - " عمل اليوم والليلة ": لأبي بكر أحمد بن محمد ابن السني (ت364هـ) ، تحقيق بشير محمد عيون، نشر مكتبة دار البيان، توزيع مكتبة المؤيد، الطبعة الأولى 1407هـ. - " عون المعبود بشرح سنن أبي داود": لشمس الحق العظيم أبادي، دار الكتاب العربي. (1) (غ) "غوث المكدود منتقى ابن الجارود": لأبي إسحاق الحويني، ومعه المنتقى لابن الجارود، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1408هـ. (ف) - "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق عبد العزيز باز (1-3) ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبع المكتبة السلفية. - " الفتوحات الربانية على الأذكار النووية": لابن علان = الأذكار. - "فيض القدير بشرح الجامع الصغير": لمحمد عبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة، الطبعة الثانية 1391هـ.   (1) وعند العزو إلى " سنن أبي داود" عن طريقه أذكر الجزء والصفحة – وكلمة "عون" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 - " كشف اٍتار عن زوائد البزار على الكتب الستة": لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1399هـ. (ل) - "لسان العرب": لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (ت711هـ) ، دار صادر، بيروت. (م) - " مجمع البحرين في زوائد المعجمين ": لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير، مكتبة الرشيد، الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ. - " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ": لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة 1402هـ. - " المجمع شرح المهذب": ليحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ، وبهامشه "شرح الوجيز"، و"التخليص الحبير"، دار الفكر. - " مجموع الفتاوى ": لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مطبعة الرسالة، سوريا، الطبعة الأولى 1398هـ. - " المحرر في الفقه (الحنبلي) "ك لمجد الدين ابن تيمية (ت652هـ) ، ومعه "النكت والفوائد السنية " لابن مفلح، مطبعة السنة المحمدية 1369هـ. - " المحلى": لعلي بن حزم (456هـ) ، تحقيق أحمد شاكر، دار الفكر. - " المختار من كنوز السنة": لمحمد عبد الله دراز، عني بنشره عبد الله ابن إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الأنصاري، الطبعة الثالثة. - " مختصر الشمائل المحمدية للترمذي": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، الأردن، الطبعة الأولى 1405هـ. - "مختصر فتاوى ابن تيمية": لبدر الدين أبي عبد الله محمد بن علي البعلي (ت777هـ) ، أشرف على التصحيح عبد المجيد سليم، دار الكتب العلمية 1405هـ. - "مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر للمروزي": لأحمد بن علي المقريزي (ت845هـ) ، صورة عن الطبعة الحجرية، عالم الكتب، الطبعة الثالثة 1403هـ. - "مختصر المستدرك": للذهبي بهامش المستدرك، انظر: " المستدرك على الصحيحين" للحاكم. - " المستدرك على الصحيحين": لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، نشر دار الكتاب العربي، بيروت. - " المسند": لأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، الميمنية، وبهامشه "منتخب كنز العمال"، المكتب الإسلامى، بيروت، الطبعة الثانية 1398هـ. (1) - "مشكاة المصابيح": تأليف الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامى، الطبعة الثانية 1399هـ. - " المصنف في الأحاديث والآثار": لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) ، الدار السلفية، الهند، بمبي، الطبعة الثانية 1399هـ. - "المصنف": لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي كراتشي باكستان، الطبعة الأولى 1390هـ، ويطلب من المكتب الإسلامي، بيروت. - "معالم السنن": لأبي سليمان الخطابي، مع "مختصر المنذري" لسنن أبي داود، و "تهذيب تهذيب السنن" لابن القيم، تحقيق أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي،   (1) كما رجعت إلى "مسند أحمد" بتحقيق أحمد شاكر، طبع دار المعارف بمصر (1377هـ/1958م) ، وعند الإحالة إلى هذه الطبعة أنبه على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 دار المعرفة. - " معاني القرآن وإعرابه ": لأبي إسحاق الزجاج (ت311هـ) ، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1408هـ. - " معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين": لمحمد المنتصر الكتاني، جامعة أم القرى، المركز العالمي للتعليم الإسلامى، مطابع الصفا 1405هـ. - " معجم مقاييس اللغة": تأليف أبي الحسين أحمد بن فارس (ت395هـ) ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي، إيران. - " المعجم الكبير": لسليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية. - " المغني في الفقه ": لابن قدامة (ت620هـ) ، تقديم محمد رشيد رضا، نشر مكتبة الجمهورية العربية، مصر، مكتبة الكليات الأزهرية. - "المفردات في غريب القرآن ": لأبي القاس الحسين الراغب الأصفهاني (502هـ) ، تحقيق محمد سيد الكيلاني، دار المعرفة. - "مناسك الحج والعمرة": لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1397هـ. - "المنتقى": لابن الجارود = " غوث المكدود". - " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج": لمحيى الدين يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ، بتصحيح محمد عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1392هـ، دار إحياء التراث. - "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان": نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، حققه ونشره محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية. - " موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي ": لسعدي أبو جيب، دار العربية. - " موطأ مالك": لمالك ابن أنس الأصبحي (ت179هـ) ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار إيحاء التراث العربي (1406هـ) (1)   (1) وهو برواية يحيى بن يحيى الليثي، ورجعت إلى "الموطأ" برواية محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية 1399هـ. وعزوت في مواضع إلى رواية يحيى الليثي من خىل "تنوير الحوالك شرح موطأ مالك" للسيوطي. دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 - "ميزان الاعتدال في نقد الرجال": لأحمد بن محمد الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1382هـ. (ن) - " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية": جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت762هـ) ، مع حاشيته " بغية الألمعي"، نشر المكتبة الإسلامية، الطبعة الثانية 1393هـ. - " النهاية في غريب الحديث والأثر ": لمجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) ، تحقيق طاهر الزواوي ومحمد الطناحي، نشر المكتبة الإسلامية - "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار": لمحمد بن على الشوكاني (ت1250هـ) ، دار الجيل، بيروت، طبعة 1973م، عن الطبعة المنيرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 دليل محتويات الكتاب مقدمة الكتاب ... 5 صلوات التطوع، تعريفها، وأنواعها، وفضلها ... 7 تعريف صلاة التطوع ... 9 أنواع صلاة التطوع ... 13 فضل صلوات التطوع ... 13 السنن الرواتب؛ فضلها، ووصفها، وأحكامها ... 17 فضل السنن الرواتب ... 19 وصف السنن الراتبة وأحكامها ... 21 راتبة الفجر ... 21 راتبة الظهر ... 29 راتبة العصر ... 35 راتبة المغرب ... 39 راتبة العشاء ... 42 صلاة الليل والوتر ... 43 فضلهما ... 45 حكم صلاة الليل والوتر ... 49 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره ... 52 عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها ... 53 ما يقرأ في الوتر ... 64 القنوت في الوتر؛ حكمه - وموضعه، وصفته ... 67 من نام عن وتره أو نسيه ... 73 مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان ... 75 لا وتران في ليلة ... 76 صلوات متفرقة ... 79 صلاة الإشراق ... 81 صلاة الضحى ... 83 صلاة الزوال ... 90 صلاة الدخول والخروج من المنزل ... 91 صلاة ركعتين بعد الوضوء ... 91 صلاة تحية المسجد ... 93 الصلاة بين الأذان والإقامة ... 95 صلاة التوبة ... 96 صلاة سنة الجمعة ... 97 صلاة التسبيح ... 97 صلاة القادم من السفر ... 102 صلاة الاستخارة ... 103 صلاة الكسوف والخسوف ... 106 صلاة العيدين ... 113 صلاة الاستسقاء ... 126 صلاة الجنازة ... 135 صلاة ركعتي الطواف ... 150 الصلاة في مسجد قباء ... 154 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 مسائل وأحكام تتعلق بصلاة التطوع ... 157 التطوع في البيت أفضل ... 159 المداومة على التطوع أفضل وإن قل ... 160 صلاة التطوع عن قعود ... 161 صلاة التطوع في السفر ... 162 وصل صلاة التطوع بالفرض ... 164 صلاة التطوع على الراحلة ... 165 الجماعة في صلاة التطوع ... 166 قضاء الراتبة مع الفائتة ... 168 أفضل الصلاة طول القراءة ... 168 ملحق: بدع صلوات التطوع ... 171 فهرست المصادر والمراجع ... 181 دليل محتويات الكتاب ... 197 تم بحمد الله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه بقلم محمد بن عمر بن سالم بازمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199