الكتاب: إلى الذين يحادون مفاتح الغيب باسم العلم الحديث المؤلف: عبد الفتاح بن سليمان عشماوي الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: السنة الحادية عشر - العدد الثالث ربيع الأول 1399هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- إلى الذين يحادون مفاتح الغيب باسم العلم الحديث عبد الفتاح بن سليمان عشماوي الكتاب: إلى الذين يحادون مفاتح الغيب باسم العلم الحديث المؤلف: عبد الفتاح بن سليمان عشماوي الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: السنة الحادية عشر - العدد الثالث ربيع الأول 1399هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] إلى الذين يحادون مفاتح الغيب باسم العلم الحديث لفضية الشيخ عبد الفتاح عشماوي المدرس بالمعهد الثانوي بالجامعة الإسلامية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . لا نجد مفتاحا لمحاضرتنا هذه؛ نفتح به ما قد يكون أغلق علينا، وعلى قلوب ليست معنا، عليها أقفالها خيرا من آية المفاتيح،. . . نعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، وهذه الآية العظيمة، وإن كان بعضها فقط سيكون موضوع المحاضرة، إلا أننا ذكرناها كاملة لنتعرض لمعنى سريع لكلماتها، قبل أن نأخذ صدرها الذي سيكون ينبوعنا الدفاق لمحاضرتنا، إن شاء الله تعالى. . . فعن الآية جملة نبدأ فيها بإيضاح كلمة (الغيب) ؛ فهي بمعناها العام تعطينا معنى ذا قسمين: غيب يختص بالدنيا، وغيب يختص بالآخرة؛ فغيب الدنيا يمكن أن يظهر منه ما تحيط بصورته حواس الإنسان، وغيب الآخرة لا يظهر ولا يحاط منه شيء إلا بعد الموت، والآية التي قرأناها الآن من النوع الأول، من غيب الدنيا الذي يجوز أن يظهر ويدرك، ولمجرد أن نقرأها نجد كل صورها المسماة فيها جُسِّم من نوعه لنا، وأحاطت به أحاسيسنا {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} . فالمفتاح: اسم الآلة يغلق به على شيء يحتاج إليه، والحاجة تقتضي أن يفتح به بين حين وآخر، وإن كانت المفاتيح في الآية معنوية، إلا أنها أعطت معنى الفتح على غيب ليس أبديّ الإغلاق، وإنما يفتح سبحانه علينا منه وبالقدر الذي يجعله قياما لوجودنا في دنياه؛ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} ، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} ، فخزائنه غيب وما ينزل منه هو الذي يبدو لنا، هذا هو غيب الدنيا الجائز فيه الظهور، وبقية الآية دليل على ذلك، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فقد أطلعنا على بعض ما في البر كالزرع - مثلا - حُزْناه، وفي البحر ضمنا سمك اصطدناه، وما تسقط من ورقة وتبدل بأخرى كذلك ولا حبة في ظلمات الأرض بعد أن أخفيت ثم بالنبت شقت، ولا رطب ولا يابس نرى منه فعلا ما نرى، كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ذلك في كتاب محفوظ مبين. فهو سبحانه بعد أن نشر هذه الأمثلة لفها بعد ذلك في قوله: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِس} ، فمن الرطب واليابس تتكون الدنيا، ومنهما تفتح علينا مقومات بقائنا، من كل أمر عجيب أبصرناه، وما لم نبصره لا بد أكثر وأعجب؛ {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ} . أما غيب الآخرة فليس منه في دنيانا ما نبصر، وإنما كله فيما لا نبصر، والرد على القول في أن بعض الرسل رأى الجنة والنار وهو في الدنيا، فمع الخلاف في أنهم رأوا ذلك حقيقة أو مناما، أو بوصف الوحي فإن خصوصيات الرسل - على ترجيح الرؤية البصرية - لا تقوم عليها بالضرورة قاعدة لبقية الناس، {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} ، وأصحاب الآراء الأخرى لهم وجه مقبول فيما قالوا، عندما ذكروا قول النبي صلى الله عليه سلم عن الجنة بأن "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، أوضحوا أن كلمات (عين) و (أذن) و (قلب) تشمل عين النبي وأذنه وقلبه صلى الله عليه وسلم، خاصة قوله: " ولا خطر على قلب بشر"، فهو ضمن البشر، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ، فلم يستثن نفسه من كلمات الحديث بشيء؛ فيكون ذلك قيل ليبلغه وما أبصره، فهذا إيضاح لا تنكر وجاهته. وسيقال أيضا: إن الآيات القرآنية صورت لنا الكثير عن غيب الآخرة، كاللحم والفاكهة، والحور العين والمساكن الطيبة، وأنهار اللبن والخمر بلا غول والعسل المصفى، والنخل والرمان، هذا مع الأحاديث التي وصفت قصور الجنة بأنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وأن تراب الجنة مسك. . إلى غير ذلك. فأقول إنه الغيب المعلن اسمه المعروف، وليس عن رسمه المجهول، للترغيب في العمل الصالح المؤدى لنعيم ما بعد الموت، وليس الغيب الذي إذا ظهر أحاطته الحواس، على نحو ما أظهره الله في الدنيا، فهذه الأسماء محبوبة عند الإنسان تذكرة بالأطايب التي تهفو إليها نفسه، حيث ذاق لذاتها في الدنيا بحواسه، أما واقعها في الجنة من حجم وطعم، ولون ورائحة ومناظر بهيجة، فغيب غير ما عرف في الدنيا، لا يدرك إلا عند الولوج من باب الجنة، فلا ربط بين طيبات الدنيا وطيبات الآخرة إلا بالأسماء، وأما المسميات فالصورة منقطعة تماما، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} ، والدنيا كلها أرض وسموات والتبديل شامل لكليهما في الآية، حتى الإنسان سيتبدل إلى كائن يتحمل هيبة الله عندما يتجلى عليه في الجنة، وفي الدنيا خرت الجبال دكا لما تجلى عليها ببعض هيبته {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} ، وما يقال عن الصلة اسميا وانقطاعها حققيا بين طيبي الدنيا والآخرة، يقال عن سيئهما، وليس أسوأ من النار فيهما، لكن نار الدنيا يمكن أن تحرق وأن تنفع، {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً} تخويفا وتفعا، ويمكن أن يتفادى شرها إذا اشتعلت بالابتعاد عنها أو بإطفائها، ولكن نار الآخرة استحال نفعها واستحال إطفاؤها، فالصورة الحرارية بينهما لا تقدر بفروق؛ لهول ما ذكر عنها في الكتاب والسنة من مجرد كلام مرعب لم يلمس في دنيانا واقعه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} ، ونار الدنيا قد تبقي وقد تذر، وإنما الذكر الكلامي عنها لترويع العاصي من نار أظهره الله على شيء منها في الدنيا {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} . ولديَّ تأويل من تفسير العقليين والنقليين على السواء؛ فالعقليون يقولون: إنه لو تساوى طيب الدنيا الذي ظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لنا بطيب الآخرة الذي لم يظهر بعد؛ لما اشتدت الرغبة الدافعة إلى عمل ما يدخل الجنة، ولو تساوت نار الآخرة بنار الدنيا التي يمكن إطفاؤها أو تجنبها، لما اشتدت الرهبة الدافعة إلى عمل ما يبعد عن النار الأخروية؛ لأن الإنسان تواق دائما إلى معرفة أحسن مما عرف، وخواف من الوقوع في أسوأ مما وقع، والنقليون يقولون: إن الوصف القرآني والنبوي للجنة هو لفتح شهية المؤمن للطاعة فقط، وإن حقيقة جمال الموصوف غيب لا صلة له بصفته الدنيوية؛ لأنه سبحانه بعد أن ذكر هذه الأوصاف المحبوبة لدى عباده قال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُن} ، والنفس لا تشتهي ما ملكته أو تعودته من قبل، والعين لا يلذ لما ما سبق أن رأته؛ فلا جديد فيما شبع منه يشتهى أو يلذ. إذا فالآية تشوق إلى شيء لم يكن مثله في الدنيا على الإطلاق، وقوله سبحانه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ، فلا تعلم نفس أيّ نفس؛ فهي نكرة عامة أيضا، حيث لم يستثن سبحانه في الآية نفسا واحدة من كل الأنفس التى خلقها، وتأتي كلمة {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ، لتؤكد أن ما سيبهجهم وتقر به أعينهم، لابد أن يكون مفاجأة مفرحة أحكم إخفاؤها، وإلا لو استثنينا أنفسا علمت، أو إخفاء ليس كليا، لخولفت الآية لفظا ومعنى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} ، وتبعا لعلم البعض وعدم إحكام الإخفاء تكون قد انتفت المسرة ولن تقر الأعين، تم ينتقل النقليون إلى الكلام عن عقاب الآخرة، فيقرؤون علينا أربع آيات، ثم يعلقون عليها تعليق أولى العلم، والآيات هي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} . . {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} . . {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ} . . {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} . فعن الآية الأولى سألوا أي بلاء في الدنيا توضع له في دية تقدر بذهب يملأ الأرض؟ إن القتل وهو قمة البلاء في دنيانا - فقاتل النفس كأنما قتل الناس جميعا- ديته مائة جمل، أو عدة آلاف من العملات، مهما كثر عددها فقدرها بضع أواق من الذهب، فكيف بملء الأرض ذهبا؟ لابد أن الداهية في الآخرة فوق التصور، والآيات الثلاث التاليات معناها واحد كرر لنظل معه في عجب لا ينتهي، لأنها لم تتكلم عن ملء الأرض ذهبا فقط، بل ما في الأرض جميعا، كل ما خلق فيها، من إنس وجن وكنوز وحيوان ونبات وجماد، بل ومثل ذلك، والمثلية هنا ليست مثلية الضعف، وإنما المثلية المتكررة مهما بلغت، فما دام لم يقبل الأصل، فلا يقبل المثل وإن تضاعف؛ لغنى الله عن كل ذلك، {لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، وسوء العذاب تعبير مفزع أخفى كيفه ووضح فزعه، من ضخامة الفداء المقدر بمقادير الأرض وأمثالها، ومن الآن رفض. ونهاية هذه الآية هو الفصل لما فصلناه، عندما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ختمها سبحانه بقوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} عذاب لم يدخل أبدا في حسابهم إلى أن بدا لهم؛ فالحصيلة العلمية لهذه المقدمة عن توضيح كلمة الغيب أن غيب الله في دنياه يجوز أن يظهر وفيما يظهر كفاية لمن يزجر، وغيب الآخرة كله مخبأ، يفاجأ به الناجي مجبورا، ويفاجأ به الغاوي محسورا {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} . نعود إلى آية المفاتيح، لنأخذ منها صدرها ننير به صدورنا {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} هذه العبارة الكريمة هي الفرا الذي فيه صيد المحاضرة، والذي نزلت عليه هذه العبارة - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فسرها بنفسه، في حديثه الصحيح المشهور، لما فسرها بآية أخرى بقوله: "مفتاح الغيب خمسة، وقرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} . وقبل أن نتحدث عن كل مفتاح منها منفردا نتعرض لأمر سردها في الآية، هل هو مجرد حصر الخمسة المطلوبة ليعرف عددها ويعلم أمرها؟ أم أنها وضعت في أمكنتها بالترتيب الذي لابد أن توضع فيه؟ والأخيرة بالإعجاز البياني للقرآن أليق. فالساعة أولى الخمسة لأنها متصلة بالآية التي قبلها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} . وهذا اليوم الذي يجب أن تخشوه هو يوم الساعة؛ فكانت بعد الآية السابقة لتكون أول الآية اللاحقة في أفضلية الترتيب على الخمسة، وحيث هي أرفعها، فما وجدت الأربعة التالية إلا من أجل الساعة {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} ، ولهذا أكد وحدها من دون الخمسة تعظيما لأمرها؛ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} والأربعة التي بعدها ترتيب زمني وضروري أن تسبقها التي قبلها لتأتي التي بعدها؛ فلا بد من الماء أولا لتكون الحياة، فإذا ما أنتجت الأرحام أن يحيى نتاجها، حيث أعد لها الماء والغذاء {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} ، فالصبر أولا لتشق الأرض فيعد من الطعام لمن يأتي من الأرحام، ومن هنا كان ترتيب الأرحام بعد الماء، بعد ذلك يأتي الغد ليعرف به اليوم فجاء الغد في ترتيبه، فإذا لم يأت الغد لمجيء الموت توقفت اليوم وانتهت الحياة؛ فكان الموت في آخر الخمسة. فلنبدأ بأولاها وهي الساعة، وما أظن إلا اعتراضا جال بصدر أحدكم خاصة إذا كان متتبعا لحديثي هذا فسيقول على الفور: كيف تدخل الآن الساعة ضمن المفاتيح التي قلت إنه يمكن أن يفتح علينا منها في الدنيا، والساعة من غيب الآخرة، وغيب الآخرة لا يعلم إلا بعد الموت كما ذكرت؟ فأقول: إنه الخطأ الشائع الذي أرجو أن أصححه الآن، فالساعة من الدنيا وليست من الآخرة، وسأثبت أنها كذلك. فسبب الالتباس الذي شاع بين الناس هو أنهم خلطوا بين الساعة والقيامة، وجعلوها شيئا واحدا، ولكن الفرق بعيد فالساعة ستأتي بغتة حقا لكن لتنتهي بها الدنيا، أما القيامة فمن الآخرة؛ ولهذا جعل الله نفختين: الأولى للساعة والثانية القيامة، وبينهما فاصل ليس فيه خلاف، {وَنُفِخَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، فالتراخي هنا بـ (ثم) قدر عند المفسرين بسنوات، بلغ عند بعضهم أربعين سنة، ومن هنا سميت الثانية قيامة، قيامة الموتى من قبورهم ينظرون ما يؤول إليه أمرهم، أما اقتران كلمة (تقوم بالساعة) في القرآن على نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} أي: يوم تقع ويتم أمرها يدرك المبطلون أنهم خسروا لما كذبوا بها، وليس معنى (تقوم) هنا من القيامة؛ لأن الساعة ليست كائنا مات ليقوم، وإنما القيامة بعث من الموت لكائن كان حيا فيه روح عادت إليه {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، وكقوله سبحانه: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} . فالآية جعلت الساعة أولا للإفناء، والبعث من القبور ثانيا للإحياء؛ فلم يشملا في عمل واحد، وقوله: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} ، ولم يقل: يوم الساعة؛ لأن الساعة لإنهاء الدنيا والحكم لا يكون إلا بعد الإحياء والمثول، ولأن الساعة أيضا من المفاتيح الدنيوية، وليست هي القيامة الأخروية، فإنها لن تقع حتى تظهر في الدنيا كل أشراطها، الصغرى والكبرى منها على السواء، بل وظهر لنا منها الآن فعلا كثير من علاماتها الصغرى التي وردت في الأحاديث الصحيحة، مثل تبرج النساء عاريات كاسيات، وتطاول رعاء الشاء في البينان، وكثرة الزلازل، ورفع الأمانة، وظهور الفتن وغيرها، وأشراطها جزء منها؛ فالقاعدة أن ما يدل على الشيء داخل فيه، فإرهاصات الأنبياء جزء من نبوتهم، ورؤياهم المنامية نوع من الوحي، بل عند المباغتة بالساعة سيكون لها أمر دنيوي هائل يراه الناس، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وليس في الآخرة مرضعة ترضع ولا حامل تضع؛ إذا فلا يجوز الجمع بين الساعة والقيامة في معنى واحد، حيث لا يجتمعان معا في الدنيا ولا في الآخرة، وبذلك أحطنا بأمر علمي آخر. بقيت الساعة ومن يؤمنون بها، حيث لا تتناول المحاضرة موضوع المكذبين بها، فسيكفيهم الله، ولأنه لا يستقيم تعمير بيت الغير، وسقف بيتي يخر على رأسي، فالمؤمنون بالساعة يعلمون أنها الرجفة التي ترجف الأرض والجبال قبل أن تتبعها الرادفة وهى القيامة كما قلنا، فرجفة الساعة ستجعل أعز ما في الدنيا يذهل عنه {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} : تنكره فلا تعرفه؛ ولم يعد ولدها الحبيب، وقمة حب الأم لولدها وهو رضيع، لكن وقتها نزعت ثديها من فمه وهي ترضه، فلم تدعه يتم ووضعته، وهل يكون الأمر غير ذلك، وقد رأت الأرض أخرجت أثقالها لما زلزلت زلزالها؟ إننا نسمع الآن كل يوم عن زلزال لم يمكث غير ثوان خرب آلاف المباني وشرد ملايين الناس، ولا عظة لما في القلوب من غلظة، وهل يكون غير أن تذهل عن رضيعها، وقد رأت نفسها مع الأرض رجت رجا، ورأت الجبال الشوامخ هباء منبثا؟ وهل يكون غير ذلك وقد رأت البحار فجرت فاختلط حلوها بملحها؟ ثم رأت هذه البحار قد سجرت فصارت كلها نارا وعهدها بالماء يطفئ النار؛ فمن الذي حول الماء إلى نار،؟ وغير ذلك من هول يأتي بخبل لها وللسكارى، وما هم بسكارى ولكن أمر الساعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 مفزع رهيب. ونحن المصدقين بها نوعان: نوع يعيش في همّ هذا الذي سمعه عنها الآن، فشد وجدانه ببشاعة الساعة لا ينفك، فأخضع كل جارحة يُخدِّمها لهذا اليوم، فيكفى بذلك يوما هو أشد من يوم الساعة، يوم يقوم الناس لرب العالمين قائلين: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ؟ فكان أن وقوا شر ذلك اليوم، ودخلوها آمنين. النوع الثاني من المصدقين، أو القائلين بأنهم مصدقون بيوم الساعة وما انشغلوا إلا بيومهم وبالساعة التي، هم فيها وبالساعة الذهبية التي تلتف حول المعصم بالسوار الذهب، يعرفون بها أوقات الحفلات ومواعيد عرض الأفلام في (السينما) وفي (التلفزيون) وأوقات مباريات الكرة والخروج إلى النزهات، ولو في أوقات الصلاة وأيام الجمع، ويعرفون بها أوقات أخرى يتفق عليها؛ وذلك لأنهم لا يعرفون مواعيد الصلاة ولا متى الجمعة، لما ألهتهم ساعة لهوهم عن الساعة التي تذهل المرضعة، وتذهب الفكر بغير سكر، بل لقد أفاقوا كل من غفلتهم لما سمعوا جولة من التهجم المستمر على عقائدنا، فقد صدقوا المرجفين لما قالوا: إن عالمة غربية تشتغل بالبحث الكوني، استطاعت (بالعلم الحديث) أن تحدد وقوع الساعة باليوم والدقيقة، حدث ذلك منذ قريب، وبعضكم يدركه معي، لما تبرعت بإذاعة هذا الفحش إذاعة وصحافة أمتنا الإسلامية، متجاهلة بذلك قول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ، وأعمى الناشرون شهوة الإثارة عن تسفيه الخبر، أو حتى التغاضي عن النشر، ثم كان شيئا مضحكا - وشر البلاء ما يضحك، كما يقولون - عندما أفاق ساعة الدنيا على خبر الساعة الإفك، أخذوا ما يودعون بعضهم بالتقبيل والعناق والبكاء، كما ذكرت بعد ذلك الأنباء، بل حدث هذا هنا في المدينة المنورة، وإن كان على قليل لكن ما كان يجوز ذلك أبدا في بلد خير الموحدين صلى الله عليه وسلم، وعلى أي حال فالجهل موجود في كل آن ومكان وإن تفاوتت النسب، وما سكتنا يومها بما استطعنا، وانتظرت حتى كان يوم الأحد المحدد من الباحثة الكونية، وكان تحديد قيام ساعتها بعد العصر بتوقيت المدينة، وتمهلت حتى انتهت صلاة العشاء فقد يكون حدث خلل تسبب في تأخير وصول الساعة، وقلت كلمة غاضبة في الحرم تحدثت فيها عن إعلامنا العربي والإسلامي، الذي روج لهذا الخبر الكفري، وعن الذين صدقوه حتى ودّعوا بعضهم وتواعدوا باللقاء في الدار الآخرة بعد عصر يوم الأحد، والذي اختارته الباحثة الكونية، لتعطيل الدنيا معها، ولكنى أذكر آسفا أن الذين غضبوا أو تكلموا معي كانوا قليلين جدا، ولم لا نغضب لديننا. وكأن الذين أذاعوا الخبر منا أو صدقوه قد انضموا إلى الذين يحادون الله في مفاتح غيبه باسم (العلم الحديث) ، فقط ليغيظونا؛ لأنهم موقنون في أنفسهم من كذب أنفسهم {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} ، وسيد المنبئين - صلوات الله عليه - لما سئل عنها كان جوابه بما تحفظون جميعا: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، ولكن الباحثة الكونية - سجاح الجديدة - علمتها، فينا من نشر لها كفرها ومن صدقها، "ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، صدق القائل صلوات الله عليه، فليحادوا بما شاءوا، وليصدقهم من يصدقهم، وجوابنا عليهم قول ربنا: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الثاني: من مفتاح الغيث {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، لولا أني أخشى الطول وأفتح الباب للملول لأسهبنا في الحديث عن هذه اللؤلؤة القرآنية، ونكتفي بأن نقول: إنه إذا ذكر أمرٌ ما في آية من القرآن لابد أن يشير ختامها إلى ما ذكر فيها؛ فالآية في النهاية حكمت العقل البحث فيما قدمته من عجائب، يستحيل أن يجهل أو ينكر من مسلم أو كافر، فكيف يجهل أو ينكر خالقها؟ فالماء واحد والكل يراه ويشربه، ينزل على قطع من الأرض متلاصقات، لكن هنا عنب، وهنا زرع فيه حب، وهنا نخل صنوٌ بجذر واحد وجذع واحد، وغير صنو بجذر واحد وجذوع مختلفة، لكنها جميعها تفاضلت حجما ولونا وطعما ورائحة، والماء واحد، أفلا يدل ذلك بالعقل الصرف على إله واحد؟ تم تفيد الآية بأن ما ذكر فيها - وهو لا يزيد عن السطرين - لآيات وليست آية واحدة، لكن لمن هذه الآيات تقدم وتفهم؟ تجيب الآية {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، أما غير العقلاء فالآية أجل وأكرم من أن تقدم إليها عجائبها، فلما لم يعقل الناس، حاق بهم ما جعلهم يصرخون الآن في أنحاء الأرض من الغلاء وتضخم الأسعار، بسبب نقص المواد الغذائية لقلة الحاصلات الزراعية، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فبركات السماء الماء، وبركات الأرض النماء، ولا دنيا بغيرهما، وظننا اليوم أنه سبحانه أخذ العباد أيضا بما كسبوا؛ فمنع الماء عن قوم، وأغرق به آخرين، لما سلطه فيضانا ماحقا، ليتحول مصدر الحياة إلى مُعدمها بما نسمع كل يوم في بلد إسلامية وغير إسلامية. وماذا عن الخصوم الذين يحادون هذا المفتاح من الغيب باسم (العلم الحديث) ؟ لقد أذاعوا بأنهم استطاعوا أن يصنعوا المطر، ويوجدوه وينزلوه إذا شاءوا، ويجمدنه ويمنعوه إذا شاءوا، واشترك إعلامنا العزيز أيضا كنعيق الغربان يحكي أضاليل أعداء الإسلام، من أن العلم الحديث في أوربا استطاع التحكم في المطر، وصرنا نقرأ - لمدة طويلة - العناوين الضخمة في صحافتنا، ونسمع أصوات الببغاوات المرددة في إذاعتنا، عن المطر الصناعي الذي أصبح لا يخشى معه على العالم من قلة الماء، وندر من تصدى للرد على هذا التجرُّؤ الوقح على ما انفرد به الله وحده، ونحن الموقنين رحنا في ثقة نسخر من عقل المتخرصين سائلين: لماذا إذاً لجأتم إلى بحار الله الملحة، متحايلين بكل وسيلة لتأخذوا عذبها وتدعوا ملحها؟ فأين مطركم الصناعي الذي يوفر عليكم هذا العناء البالغ لفصل الملح عن العذب؟ أو تسلطوا مدافعكم على سحاب الله لتسقطوه؟ فلا للمطر صنعتم ولا للسحاب أسقطتم. كنا في العام قبل الفائت في أوربا بتكليف من الجامعة، وأثناء وجودنا في فرنسا قائدة أوربا الوسطى والغربية في (التكنولوجيا) "العلم الحديث"، وفي مقدمة الدول التي قيل عنها أنها أوجدت المطر الصناعي، فلم نجد في طول وعرض المناطق التي تنقلنا فيها إلا قصة جفاف الريف الفرنسي؛ لعدم نزول الأمطار سنتئذ، فقلت: وأين نهر السين وروافده؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فقال لي مرافقي المتطوع بسيارته من الجالية الإسلامية في باريس: الآن تراه، فلما وصلنا إليه وجدته وقد كاد يغور ماؤه، وهو آسن تفوح منه رائحة كريهة من طول ما ركد؛ فقلت: الله أكبر! وأين مطرهم الصناعي؟ لماذا لم ينزلوه ليملأوا منه نهرهم وينبتوا به زرعهم؟ فقال محدثي: وأعجب من هذا أن الحكومة الفرنسية طلبت منا نحن المسلمين هنا، أن نصلي لهم صلاة الاستسقاء، وصليناها فعلا، ولما لم ينزل المطر نشط الحزب الشيوعي الفرنسي بالدعاية الإلحادية ضدنا، ووجدوا من يصغي إليهم في شعب كافر، ولما اشتد بنا الأمر وأحسسنا بالضعف أمامهم؛ إذ بنا نفاجأ في صباح يوم بالأمطار الغزار تهطل في طول فرنسا وعرضها، وأيقنا بأنه نصر لنا من الله انتهزناه وقمنا بالدعاية للإسلام بإضعاف ما قاموا به ضدنا؛ دخل كثبر بسبب ذلك في الإسلام، بل وتحولت بعض الكنائس إلى مساجد، وأنا حضرت بعضها واشتركت في افتتاحها في قلب باريس عاصمة الفسق العالمي، وعبد في تلك المساجد الرحمن، بعد أن كانت كنائس يعبد فيها الشيطان؛ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} . تلك قصة المطر الإلهي مع المطر الصناعي، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} ، وما أظن من اللائق ونحن في بلد عزيز لدى الله ولدى رسوله والمؤمنين؛ في طيبة الطيبة ولا نتحدث عن أمر الغيث فيها ماضية وحاضرا، لقد ألف عن المدينة كتب شتى، وكلها تنبئ بأن المدينة كانت الواحة الخضراء في عرض الصحراء لكثرة مائها المنهمر والمتفجر فالآبار طافية، والجداول جارية، وجنة الصحراء تتيه بنخيلها وحدائقها النضراء وبواديها العقيق، الذي أهاج يوما جماله شعور الشاعر وأدب الأديب؛ فيا لهفى عليها اليوم، لقد تحولت ينابيعها العذبة الفراتية إلى ماء ملح، وغاب مدد السماء، فغاب اللون الأخضر عن أديمها، وندعو مالك الماء صباح مساء، وعلى منابر الجمع وفي صلاة الاستسقاء، ولكن الودق لم ينزل وماء الينابيع لم يعذب؛ ذلك لأن المدينة العزيزة انتهكت حرمتها، من المقيمين بها والوافدين إليها، قلت لصاحب البيت الذي أسكن فيه: سمعت بأن لك هنا بساتين كثيرة؛ فما أنواع الفواكه بها؟ فأجاب بأن الآبار غلبت عليها الملوحة فقتلت معظمها، ولم يصمد أمام الملح إلا بعض النخيل والبرسيم. ولنسمع شيئا من حرمة البلد الطيب عند الله وعند رسوله، ففي حديث طويل بدأه صلى الله عليه وسلم بقوله: "المدينة حرام … " إلى أن قال: " فمن أحدث فيها حدثا، سرا أو علنا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا"، وكم من أحداث تقع في المدينة وليست حدثا، سرا وعلنا، وقوله صلوات الله عليه: "من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة"، ولكن الذي يسمع الآن، هو أن المدينة حارة جدا والمدينة باردة جدا والمدينة غالية جدا إلى غير ذلك، وبقية خيراتها الدينية والدنيوية يندر أن تذكر، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل للمدينة ضعفي ما جعلت لمكة من البركة"، ودعاؤه: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"، هذه الأحاديث مروية في الصحيحين، وفي الموطأ قوله: "ما على الأرض بقعة أحب إلي من أن يكون قبري بها منها" - أي: من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 المدينة - قائلا ثلاثا، وفي الموطأ أيضا: "المدينة مهاجري، وبها قبري، ومنبها مبعثي، وأهلها جيراني، ومن لم يحفظ وصيتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال"، وهي ما يسيل من أهل النار، وغير ذلك كثير، فهل كنا ننتظر أن ينزل عليها المطر ونحن على الأقل لم نحفظ حق الجوار مع خير جار صلى الله عليه وسلم؟! إنه إن ينزل سبحانه الماء يوما، فما أظنه من أجلنا، وإنما ليسقي وينبت من أجل الحيوان الذي لم يأثم، ونحن بعد ذلك تبع، كما ورد ضمن حديث صحيح: "ولولا البهائم لم تمطروا". إن الذين كانوا هنا يوما ونبيهم أسوتهم، كانوا عندما يصلون صلاة الاستسقاء لا يغادرون مكان الصلاة حتى يبللهم المطر، بل ينزل المطر قبل النزول من فوق المنبر، ولنذكر من زاهر هذا العصر قليلا عسى أن يأخذ منه أهل عصرنا شيئا لأنفسهم. يروي البيهقي في دلائله الحادثتين الآتيتين: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد من بني فزارة، مقرين بالإسلام؛ فسألهم عن بلادهم، فشكوا جدبها لانقطاع المطر عنها، فقام صلى الله عليه وسلم وصعد المنبر، فكان مما حفظ من كلامه: "اللهم أسق بلادك وبهيمتك، أنشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء"؛ فتكلم أبو لبابة ابن عبد المنذر فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقنا"، فقال أبو لبابة: إن التمر في المرابد، ثلاثا، فقال عليه الصلاة والسلام: " اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره"؛ فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون، ثم أمطرت، فوالله ما رأوا الشمس سبتا، أي من السبت إلى السبت، حتى قام أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج منه التمر". وفي رواية: "فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: "أشهد أن الله على كل شئ قدير، واني عبد الله ورسوله". والحادثة الثانية: أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي وأنشده هذه الأبيات: أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... فسل منزل قطر الماء من فضل وليس لنا إلا الله مهرب ... وأنت مجاب السؤال، ما أنجب الرسل فقام صلى الله عليه وسلم يجر ردائه حتى صعد المنبر، فرفع يديه إلى السماء، ثم قال: "اللهم اسقنا غيثا تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها"، فما ردّ صلوات الله عليه يديه إلى نحره حتى نزل الغيث. ومن كلمات العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستسقي في عهد عمر رضي الله عنه: "اللهم لا نرغب إلا إليك وحدك لا شريك لك، اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة؛ فاسقنا الغيث؛ فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض". وقد يقول قائل: هذا نبي وعصر نبوة، وهل جعل الله النبي وعصر النبوة، إلا لكل أجيال المؤمنين أسوة؟ أم انقطعت اليوم أسوتنا بنبينا؟ وبالمهاجرين وبالذين تبوّؤوا الدار والإيمان؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 بقيت مفاتيح ثلاثة {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} . والحديث عنها كما تعلمون يطول، فالمحاضرات ليست بحوثا، وإنما شأنها الكلمات المعدودة والأوقات المحدودة؛ ولهذا سنقتصر دون أن نقصر في المعنى إن شاء الله. لقد قالوا: إن (العلم الحديث) استطاع أن يخبر عما في الأرحام، وأنه أصبح يمكن معرفة الجنين وهو في بطن أمه إن كان ذكرا أم أنثى قبل ولادته، وأنتم تقولون إن الله وحده هو الذي يعلم ما في الأرحام؟ قلنا أولا: لسنا مسئولين عن جهلكم الفاضح لمعنى هذه الجملة {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} ، وقبل أن نوضحها لكم نقول: إن علمكم الحديث هذا الذي علمتم به نوع الجنين وهو في بطن أمه، جاء متأخرا جدا بقرون عديدة ما الله بها عليم، عندما وجدت أول امرأة ولود منذ وضعن أولات الأحمال إلى اليوم، فتستطيع الكثيرات خصوصا الذكيات منهن، بعد أن سبق لها الإنجاب من النوعين أن تعين ما في بطنها بعلامات خاصة تحدث لها، وبعضهن تحدين الأطباء في هذا، هم يؤكدون مثلا أن الجنين ذكر، وهي تعكس بإصرار، وعندما يفصل عنها جنينها يكون القول ما قالت حزام، وينقلب (العلم الحديث) خاسئا حسيرا؛ فالأم علمته قبلكم قديما، وعلمتموه أنتم متأخرين، وهو الفتح من أصل الغيب الذي بيده وحده سبحانه مفتاحه، والأصل قوله {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} . وتعالوا نوضح: فالعلم بما في الأرحام، هو عندما توضع فيه قطرة النطفة، هل ستتحول إلى ذكر يتبعها ذكور دائما، أم أنثى تتبعها إناث دائما، أم يخلق ذكرا حينا وأنثى حينا، أم تموت النطفة بالعقم فلا ذكر ولا أنثى، والعقم مؤقت أم دائم؟ كل هذا هو العلم بحال الرحم، وهو المعنى المقصود بقوله تعالى - وهو أعلم -: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} ، والذي بيده وحده مفتاحه دون سواه {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} ، فأصل الهبة في الآية حين وضع النطفة، وهذا هو الغيب الذي سُطِّر ولم يعلم به ولم يستطع غيره، إلى أن يفتح منه سبحانه بما ذكرت الآية وأوضحناه، وعندئذ يعرف نوع الهبة أو الحرمان منها كلية، {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} . ولدي أمثلة، منها: زوجان أوتيا الكثير من متاع الدنيا، وعملا آخر الطاقة لينجبا وارثا لهذا المتاع الوفير، قيل لهما آخر الأمر إن في (الدنمارك) بأوربا أشهر طبيب تناسلي في العالم، فذهبا إليه، فقال لهما بعد فحصهما: وليس عندكما مانع من الإنجاب، ولا أدري لماذا لم تنجبا، وعادا كما ذهبا. وعكسهما قيل لهما: لن تنجبا البتة، وبعد قليل بدأ الإنجاب بمعدل اثنين في كل دفعة. وامرأة شبعت أولادا ولم تجد الحبوب ولا غيرها لإيقاف السيل المتدفق، والكلام عن الحبوب فيه عيوب وليس هذا مكانه، فأجرى لها الطبيب بموافقتها عملية استئصال كلي للرحم ولم يكد الرحم يلتئم حتى التأم على حمل جديد. ومن هذه الأمثلة العديد؛ فسبحان من لا تقاوم قدرته، وآخر ما تحدى به (العلم الحديث) مولود الأنابيب، ولا ننسى أن نثني على إعلامنا العظيم أيضا، فقد اشتغل هذا الإعلام العربي والإسلامي طويلا بمولود الأنابيب، وقدم الإعلام هذا (العلم الحديث) بشهوة ما يسمى عندهم بالسبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الصحفي والإذاعي، ولو خُرِّب به العلم الإسلامي، فلقد تتبعته كبقية المتتبعين، فوجدته جعجعة رحى بدون طحين، فهما زوجان لم ينجبا، فأخذ الطبيب نطفة ما، حيث لم ينف العقم عن الزوج، ولو كانت الزوجة هي العقيم لما قبل الرحم العلقة وتربى الجنين فيه، لأنه - مع الأسف - بعد أن ذكرت القصة ما يثبت عقم الزوج وجهل النطفة، صدرت فتاوى بشرعية ابن الأنابيب سليل الألاعيب. نعود فنقول: لقد وضعت النطفة في الأنبوبة مصحوبة بنطفة المرأة التي يسمونها (البويضة) ، وكما يحدث بينهما من التلاحم داخل الرحم حدث داخل الأنبوبة، وتم التطور الخلقي بما ذكر الله تعالى، نطفة فعلقة، ونقلت من الأنبوبة إلى الرحم، فما الجديد في هذا؟ وما هي معجزة العلم الحديث يا أهل العقول؟ ثم لماذا لم يتركوا العلقة في الأنبوب حتى تتم أشهر الحمل وتلد الأنبوبة ابنها؟ لقد أسرعوا بها إلى الرحم هو المكان الذي خلقه الله، ليقينهم بأنه لن يتربى أبدا في مكان سواه، فما هو الجديد في هذا؟ وما هي معجزة العلم الحديث التي أطلقت به الصحافة والإذاعة طبلها المزعج الكريه؟ وتم الحمل تسعة أشهر كما هو معتاد غالبا، وولدت المرأة طفلتها وما ولدتها الأنبوبة، وأرضعتها من ثديها حيث لا ثدي للأنبوبة، فما هو الجديد في هذا؟ وما هي معجزة العلم الحديث يا ابن آدم؟ وختمت القصة المضحكة، بأن المرأة حزنت لما ولدت أنثى، فقد أكد لها الطبيب الأريب، بأنه استعمل العلم الحديث ليجعله ذكرا، وعاشت الشهور الطوال مدة الحمل موقنة بذلك، فلما وضعتها قالت للطبيب متحسرة: إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت، فأجابها الطبيب بأنه سيحاول في المرة المقبلة، ليظل يبتز المال الحرام من المتلهفين على فتنة الدنيا {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} ، فهو الغالب على أمره، وهو القاهر فوق عباده. تلك قصة الأنبوبة التي تحولت إلى أكذوبة، ولا حقيقة فيها إلا مادة المني، لعلمهم أنه لا خلق بدونها لكل بشري، وقد قالها الخالق متحديا بها {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} . أما المفتاحين الأخيرين {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} فلا زال العلم الحديث يدور حولها راهبا متهيبا، لا يجد مدعوه تجاههما فرية جديدة يحادون بها، فقد أدركوا جيدا أن الناس مع الدنيا الحلوة الخضرة يهيمون في حاضرها، ويرسمون لمستقبلها، وإذا الرسم لا يتم، فالكل يقول: سنفعل وسيكون، والخطة الخمسية والسداسية سيقام فيها كذا وكيت، وقد خلا كل ذلك من كلمة (إن شاء الله) فإذا بالذي كان، هو ما شاء الله أن يكون، ووجدوا ما رسموه سرابا بقيعة. وعن المفتاح الأخير {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} وجد العلم الحديث نفسه أمام الموت يتحدى بآية جدعت أنوف الجبارين، وألصقت خدودهم الرغام {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، إن كنتم صادقين في أن الله لم ينفرد وحده بمفاتيح غيبه، ولقد بذلوا المكيال من المال، ليس ليدرؤوه وإنما فقط ليؤخروه، خاصة إذا حضر الموت رؤساءهم كي ينالوا الحظوة لديهم، فما وجدوا إلا هذا القول الأعز {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} ، فمن سواه يؤخره؟ وفي أي مكان من بلاده ينهي أجل عباده؟ فهؤلاء غاصوا مع السفينة في الماء، وهؤلاء انفجرت بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الطائرة في الهواء، وألوف المقاتلين حصدوا في الميدان، وهذا سافر ولم يعد، وهذا مزقته في الطريق سيارة سائق مجنون، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم ماذا بعد هذا؟ ثم هذه هي مفاتيح الغيب الخمسة، نحن الذين نتحداهم بها، وليسوا هم الذين يحادوننا، وسيرون من يكسب التحدي، من الآن وإلى أن تأتي أولى الخمسة، وهي الساعة، بعدها يقولون {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} ، أما حملة الإيمان من الآن فقد استفادوا بخمسة ربهم، بما فتح ويفتح عليهم منها في الدنيا، وفي الآخرة بما أخفى لهم من قرة أعين، كان لي ولكم من الله ذلك، والرجاء عظيم في السخي الكريم. أما عن الأبيات فلكل مفتاح من الخمسة أربعة، فالمجموع عشرون بيتا، وكل أربعة مستقلة الروي والقافية وعناوينها تصرفية. (ساعتي والساعة) يا ساعة في الجيب أو بالمعصم ... سيرى بغير تأخر وتقدم لتذكريني بالصلاة لوقتها ... أو بالسحور لألحقن بالصُوّم يا ساعة هوّنت يوم الساعة ... زودتني نورا ليوم مظلم أما الذي ألهته ساعة زهوه ... عن ساعة قربت فليس بمسلم (المطر الصناعي) قالوا صنعنا القطر إذ منع المطر ... قلنا تعودنا سفالة من كفر جفت زراعتكم ولم نر قطركم ... ماء السماء لواحد ملك القدر لم تقصدوا إلا العداء لديننا ... خابت مقاصدكم ويومكم عسر فلتشربوا كالهيم1 ماء حميمها ... بئس الشراب لكل كذاب أشر (حمل الأنابيب) أنبوبة حملت، نصدق قولهم ... وغدا تحيض، فلا نكذب فنهم فصحافة وإذاعة أكدت ... حمل الجماد فلا نظن جنونهم فإذا عقمت تزوجنْ أنبوبة ... تلد البنات كذا البنين جميعهم يا واحدا فطر الخليفة كلها ... نبحت كلاب الكفر، فامحق جمعهم   1 نوع من الإبل لا يشبع مهما شرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 (ماذا تكون غدا؟) سأكون فيما الدنيا عظيما أرتجى ... والناس تقصدني ضحى أو في الدجى وأشيدن عمائرا فكراؤها ... يجبى إلي المال بحرا مائجا وسأملكن من الحدائق فرسخا ... ومن النساء رباع، ذاك المرتجى فإذا به والموت يقطع حلقه ... فقد الرجاء فساء عقلا أعوجا (أتدري مكان موتك؟) قُتِلَ الألوف لدى احتدام قتال ... وقبورهم بجبال أو برمال ركبوا البحار فكان فيها قبرهم ... كبوا الهواء، فكان في الأدغال وحجيج بيت الله منهم لم يعد ... قُبروا هنا بعد انتها الآجال لِمَ لمْ يمت كلٌّ؟ بأرض بلاده ... عزَّ الإله وذلّ كل ضلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25