الكتاب: الوحدة الإسلامية أسسها ووسائل تحقيقها المؤلف: أحمد بن سعد حمدان الغامدي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السابعه عشر - العدد (65 - 66) - محرم - جماد الأخرة 1405هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الوحدة الإسلامية أسسها ووسائل تحقيقها أحمد بن سعد حمدان الغامدي الكتاب: الوحدة الإسلامية أسسها ووسائل تحقيقها المؤلف: أحمد بن سعد حمدان الغامدي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السابعه عشر - العدد (65 - 66) - محرم - جماد الأخرة 1405هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الوحدة الإسلامية أسسها ووسائل تحقيقها للدكتور أحمد بن سعد حمدان الغامدي أستاذ مساعد بكلية الدعوة وأصول الدين قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} . (آية 163 سورة البقرة) {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} . (آية 52- سورة المؤمنون) ال مقدمة : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمن.. وبعد: فإن إحساس الأمة المسلمة بحاجتها إلى اللقاء والتعاون إحساس منطقي وواقعي.. وذلك لأنها قد أضرت بها الخلافات.. وانهكتها النزاعات التي كانت سببا لضعفها وضياع حقوقها في عصر لم يعد يسمع فيه صوت الضعفاء ولا أنين الجرحى. قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 1. فارتفاع الأصوات المسلمة هنا وهناك تنادى بضرورة وحدة الأمة واجتماع كلمتها أصوات صادقة ينبغي أن تتجاوب لها الأقطار الإسلامية لتنقذ نفسها وتحمى حقها. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 2.   1سورة الأنفال: آية 46. 2 سورة آل عمران: آية 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ولكنه لابد للأمة المسلمة- وهي تلم شعثها وتوحد صفوفها- لابد لها من إدراك صحيح للأسباب التي كانت وراء هذا الواقع السيئ الذي تعيشه والأسس التي ينبغي أن تلتقي عليها والوسائل التي يمكن أن تتحقق بها تلك الأسس، وذلك لئلا تنتقل من واقع منحرف إلى واقع آخر منحرف. وإنني إذ أكتب هذا البحث لآمل أن ينفع الله به عز وجل الأمة المسلمة وهى تتجه إلى الله عز وجل وتعمل على توحيد كلمتها إنه سميع مجيب. وعنوان البحث: (الوحدة الإسلامية: أسسها ووسائل تحقيقها) ، وقد تضمن أربعة أقسام وخاتمة.. وذلك على النحو التالي: القسم الأول: واقع الأمة الإسلامية: أولا: في العقيدة. ثانيا: في العبادة. ثالثا: في الشريعة. القسم الثاني: أسباب هذا الواقع: أولا: الجهل بدين الله عز وجل. ثانيا: الغزو العسكري لبلدان المسلمين. ثالثا: الغزو الفكري. القسم الثالث: أسس وحدة الأمة الإسلامية: أولا: وحدة الغاية. ثانيا: وحدة العقيدة. ثالثا: وحدة القيادة. رابعا: وحدة التشريع. القسم الرابع: وسائل تحقيق أسس الوحدة: أولا: التعليم الموجه. ثانيا: الإعلام الملتزم. ثالثا: الاقتصاد المستقل. رابعا: العمل على الاكتفاء الذاتي. خامسا: إيجاد مراكز علمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الخاتمة: وأخيرا أسأل الله عز وجل أن يهيئ أسباب وحدة الأمة وأن يجمع كلمتها على الحق إنه سميع مجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 القسم الأولى: واقع الأمة الإسلامية في العقيدة انحرافات إلحادية ... القسم الأولى واقع الأمة الإِسلامية أولا: في العقيدة: أ- انحرافات إلحادية. ب - انحرافات في الجانب النظري- العلمي- من العقيدة. ج- انحرافات طائفية قديمة. د- انحرافات طائفية حديثة. ثانيا: في العبادة: أ- الغلو المفرط في أدائها. ب- الإهمال المطلق بها. ج- عدم الالتزام بالأداء الصحيح لها. ثالثا: في الشريعة: أ- محاربة الشريعة واستبدال القوانين الوضعية بها. ب- محاولة التوفيق بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الوضعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 القسم الأول واقع الأمة الإسلامية واقع الأمة الإسلامية واقع مكشوف لا يكاد يجهله أحد، فقد تعرض لأمراض متعددة وانحرافات متنوعة بحيث لا يكاد يسلم جانب من جوانبه- لا في العقيدة ولا في العبادة ولا في الشريعة-. وسأحاول فيما يأتي الإشارة إلى هذا الواقع بشيء من الإيجاز. أولا: في العقيدة: إن أخطر الانحرافات التي تعرضت لها الأمة المسلمة هي الانحرافات في العقيدة ولا نستطيع هنا استيعابها وتفصيلها ولكنا سنكتفي هنا بالتنبيه على بعضها. أ- انحرافات إلحادية: هدف أصحابها استبدال المبادئ الكافرة بعقيدة الإسلام، وهم طوائف متعددة وسلكوا طرقاً متنوعة يقول الأستاذ مصطفي صبري: "ومن البلية أن الحركات التي تثار في الأزمنة الأخيرة ترمى إلى محاربة الإسلام في بلاده بأيدي أهله والتي لاشك أنه الكفر وأخبث أفانين الكفر ... "1. ويقول في مكان آخر: "لكن البلاد الإسلامية عامة ومصر خاصة مباءة اليوم لفئة تملكوا أزمة النشر والتأليف ينفثون من أقلامهم سموم الإلحاد غير مجاهرين بها وربما يتظاهرون بالدين"2. ويقول الدكتور محمد محمد حسين بعد عرضه للدعوات الهدامة: "كانت هذه الدعوات تسلك إلى أهدافها مسالك متباينة وتلبس أثوابا مختلفة ولكنها جميعا ترمى في آخر الأمر إلى توهين أثر الإسلام في النفوس وتفتيت وحدته التي استعصت على القرون الطوال"3.   1 موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 4/ 281- الحاشية. 2 المصدر السابق 4/ 287. 3 الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 2/ 305. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ب - انحرافات في الجانب النظري- العلمي من العقيدة: وذلك فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله. فقد وجدت الاتجاهات المنحرفة التي تتنكر لهذا الجانب أو لبعضه فأولت الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة وردت الأحاديث الأخرى والتي تعرف الناس بربهم عز وجل. وكان أول من أظهر هذه البدعة الضالة- بدعة الحديث في أسماء الله وصفاته وتأويلها- الجعد بن درهم فأول الاستواء والكلام لله عز وجل1 وتبعه على ذلك المعتزلة الذين أصبحوا فيما بعد فرقة مستقلة في منهجها وفهمها تقابل أهل السنة. قال الشهرستاني: "الفريقان من المعتزلة والصفاتية متقابلان تقابل تضاد"2. وقد أتى القوم من ضلال عقولهم القاصرة وظنهم أن إثبات تلك الصفات الواردة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -يقتضي التشبيه بالمخلوق. وينتج عن هذا المذهب أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يستطيعا بيان مراد الله عز وجل من خلقه من أقرب الطرق. فتعددت بذلك الفرق وانقسم المسلمون إلى متابع لهذه الطائفة ومخالف لها وحدثت في تاريخ الأمة الإسلامية بسببه وحدثت ومشكلات، ولازالت آثار هذه الطائفة قائمة في المجتمع الإسلامي إلى اليوم.   1 راجع الفتاوى 5/20، ولوامع البهية1/23 2 الملل والنحل1/43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 جـ- انحرافات طائفية قديمة : لازالت قوية ونشطة رغم انحرافها وفساد معتقداتها. ومن تلك الطوائف: (طائفتا الشيعة والصوفية) . فالأولى تقوم على عقيدة تخالف عقيدة الإسلام التي جاء بها رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم. فمن ذلك إسباغ صفات الألوهية على أئمتهم وادعاؤهم أنهم يعلمون الغيب وأنهم يتلقون الوحي من السماء وفي كلا الأمرين إساءة إلى الله عز وجل وتكذيب لدينه. وأخيراً فإنهم يتهمون أصحاب رسول الله له بالخيانة والردة عن الإسلام، وهذا يؤدى إلى إبطال الإسلام. فأما ادعاؤهم علم الغيب لأئمتهم فقد ورد في أهم مصادرهم بألفاظ صريحة في أبواب مستقلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فقد ورد في كتاب: (أصول الكافي) - وهو أهم كتاب عندهم- 1 عناوين تؤكد ذلك. منها: (باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم) ومنها: (باب أن الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا) 3. ومنها: (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم) 4. وأما ادعاء نزول الوحي على الأئمة فيذكرون عن جعفر الصادق أنه قال- وهو يتحدث عن مصادر علم الأئمة-: "وأما النقر في الأسماع فأمر الملك"5أي صوت الملك. فعلم الغيب لا يظهر الله عز وجل عليه إلا أنبياءه ورسله كما جاء ذلك في كتاب الله عز وجل حيث يقول: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} 6. ولكن الشيعة تعتقد أن الأئمة يأتيهم خبر السماء كما روى ذلك الكليني مؤلف أصول الكافي فقال: "إن المفضل سأل أبا عبد الله- أي جعفر الصادق- بقوله: جعلت فداك بفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء".قال: "لا: الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء"7ويعلق الشارح على هذا القول فيقول: "ولذلك الإمامية ذهبوا إلى أن الإمامة لا تصلح إلا لمن له منزلة النبوة"8. هذه بعض عقائدهم المنحرفة والتي تجعل لهم اتجاها آخر ودينا يخالف دين المسلمين.   1 يقول أحد شراح هذا الكتاب وهو. عبد الحسين بن عبد الله المظفر في مقدمة الشرح. "إن كتاب الكافي في طليعة الكتب "لأربعة التي هي محور العمل عليها"، 3/ ثم قال مفضلا له على تلك الكتب: (وهذا الكتاب أوفاها في الحديث ولم يعمل الإمامية مثله.. وعليه اعتماد العلماء منذ أن دونه مؤلفه حتى اليوم 1/5. 2 أصول الكافي 3/ 232. 3 أصول الكافي 3/ 271. 4 أصول الكافي3/ 240. 5 أصول الكافي 3/248 6 سورة الجن آية 26-27. 7 أصول الكافي 3/241. 8 أصول الكافي 3/244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وأما الصوفية فقد ابتدعت تقديس الأفراد ورفع التكاليف عن بعض الناس كما أعادت إلى الأذهان تلك الطقوس الكنسية التي أفسدت الدين النصراني حيث اتخذت من البشر وسائط عند الله بها تقضى الحاجات وتغفر الزلات إلى عشرات أخرى من الا نحرا فات. فأما دعوى سقوط التكاليف فإنهم يزعمون أن للإنسان درجة إذا وصل إليها سقط عنه التكليف. قال ابن تيمية رحمه الله: "ومن هؤلاء- أي الصوفية- من يحتج بقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} ويقول معناها: أعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل حال فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة"1. ويقول عنهم كذلك: "والغالبة في المشايخ قد يقولون: أن الولي محفوظ والنبي معصوم وكثير منهم إن لم يقل ذلك بلسانه فحاله حال من يرى أن الشيخ أو الولي لا يخطئ ولا يذنب"2. ويقول الدكتور إبراهيم هلال وهو يتحدث عن نتائج غلو الشيعة والصوفية في ذكر فضائل الأولياء: "ولعل أبرز مظاهر هذا التفضيل ما يدعيه بعض الصوفية من حلول الله فيهم أو اتحادهم به مما يتضمن القول بألوهيتهم وتصرفهم في الأكوان وفي الناس"3. ولعل هذا هو السبب وراء التقديس وصرف العبادة إلى الأولياء المتمثل في بناء القباب على قبورهم والطواف حولها ودعاء أصحابها والذبح والنذر لهم إلى غير ذلك من صور العبادات التي لا يكاد يسلم منها بلد من بلدان المسلمين إلا من رحم الله عز وجل. وقد كان هذا الانحراف في الفكر الصوفي من الأسباب المباشرة لظهور الشرك في الأمة بتقديس الأموات وطلب الحاجات منهم واتخاذ قبورهم مزارات وأماكن عبادة فزاحم تعظيم الأموات توحيد الله عز وجل في القلوب، فكثرت الأضرحة وتعددت الفرق والأحزاب لكل حزب ضريح به يستغيثون وعنده ينيخون وإليه عند نزول الحوادث يلجئون.   1 الفتاوى11/417. 2 منهاج السنة 1/44. 3 ولاية الله والطريق إليها/187/. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 6- انحرافات طائفية حديثة : تتمثل في طوائف مستقلة ـ كالبهائية والقاديانية ـ ونحوها من الطوائف التي خرجت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 على عقيدة الإسلام بدعوى النبوة لزعمائها ونزول الوحي عليهم وهى تتستر في كثير من البلدان باسم الإسلام وهي خارجة عليه لمخالفتها العقيدة (ختم النبوة) التي هي جزء من عقيدته. فإن زعيم البهائية (حسن علي المازندراني) يزعم أنه نزل عليه الوحي وجمعه في كتاب سماه (الأقدس) 1وقد ورد في هذا الكتاب ما يلي: "لا تحسبن إنا أنزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحي تفكروا يا أولى الأفكار"2فهو يزعم بهذا أنه قد فتح باب النبوة وفض ختمها ليوحي إلى البهاء وهو ما صرح به في كتاب آخر من كتبه حيث ذكر انه: "فك ختم النبيين"3. وكذلك زعيم القاديانية (غلام أحمد بن غلام مرتضى) له كتاب اسمه (تذكرة وحي مقدس) 4يزعم أنه أوحي إليه وقد كتب بأربع لغات وهي: العربية، والفارسية، والأردية، والإنجليزية. وقد ورد فيه ما يلي: "إنا أرسلنا أحمد إلى قومه فأعرضوا وقالوا كذاب أشرا"5 و "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وتهذيب الأخلاق"6. وليست هاتان الطائفتان هما الوحيدتين في ادعاء نزول الوحي بل هناك طوائف أخرى وأشخاص آخرون ادعوا نزول الوحي كزعيم البلاليين: (اليجا محمد علي) في أمريكا وغيره.   1 هدا الكتاب مطبوع مع كتاب (خفايا الطائفة البهائية) . 2ص 141. 3 ذكره محي الدين الخطيب في كتابه: "البهائية" ص 27. 4 وهو مطبوع في الهند. 5 ص403. 6 ص 406 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 في العبادة الغلو المفرط في أدائها ... ثانيا: في العبادة لقد تعرضت العبادات إلى انحرافات أخرى متعددة نورد طرفا منها: أ- الغلو المفرط في أدائها: والذي كان يتمثل فيما سبق في طائفتي الخوارج والصوفية حيث كان لكل منهما غلو مفرط في جانب أو جوانب منها. فالخوارج شددوا على أنفسهم وحملوها فوق طاقتها من قيام بالليل وصيام بالنهار حتى ظهر ذلك على ملامح وجوههم ومظاهر أجسادهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقد وصفهم ابن عباس بعد زيارة لهم فقال: "فدخلت على قوم لم أرقط أشد منهم اجتهادا، جباههم قرحة من السجود وأياديهم كأنها ثفن1 الإبل وعليهم قمص مرحضة 2 مشمرين مسهمه 3 وجوههم من السهر.."4 وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الطائفة بقوله: "يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرؤون القرآن يحسبون انه لهم وهو عليهم ولا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية … " رواه مسلم وأبو داود5. وأما الصوفية فقد بالغوا في الذكر والزهد وعاشوا في ظلمات الخلوات للوصول إلى (درجة اليقين) التي تسقط عندها عنهم كل التكاليف الشرعية- بزعمهم-6. وقد أنكر ابن عقيل رحمه الله عليهم هذه الأهواء والبدع فقال: "ما أعجب أموركم في المتدين: إما أهواء متبعة أو رهبانية مبتدعة"7.   1 الثفن:جمع ثفنة: ركبة البعير ونحوها مما يحصل فيه غلط من أثر البروك. 2 رحضة:وصف للملابس القديمة التي بليت من كثرة استعمالها وغسلها. 3 مسهمة:أي مغيرة. 4 تلبيس إبليس ص 205 5 رواه مسلم ح (1066) وأبو داود ح (4768) وما بعده. 6 الفتاوى 11/417. 7 تلبيس إبليس 206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الإهمال المطلق بها ... ب- الإهمال المطلق للعبادات والاكتفاء بالتلفظ بالشهادتين: وهذا الانحراف كان من ثمرات الإرجاء الذي لا يعطي للعمل اهتماما إذ أن الإيمان يثبت عند المرجئة بالقول فقط- عند بعضهم- وبالاعتقاد عند البعض الآخر. وكان جهم بن صفوان هو أول من زعم أن: "الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط والكفر هو الجهل به فقط"8. وذكر البغدادي أن المرجئة: "إنما سموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان".   8 مقالات الإسلاميين1/214، الفرق بين الفرق211ـ 212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 عدم الإلتزام بالأداء الصحيح لها ... ج- عدم التزام كثيرمن المسلمين بالأداء االصحيح للعبادات: فترى أحدهم يؤدى هذه العبادات ولا يلتزم فيها بشروطها وواجباتها وأوقاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في الشريعة محاربة الشريعة وإستبدال القوانين الوضعية بها ... ثالثا: في الشريعة: لم تقتصر الانحرافات على الجانبين السابقين بل شملت- كذلك- حتى جانب الشريعة حيث تعرضت في الآونة الأخيرة التي تمزقت فيها الأمة وتحطمت فيها الخلافة الإسلامية- تعرضت إلى انحراف وفساد بل إلى حرب وعداء في كثير من البلدان الإسلامية نعرض طرفا منها: أ- محاربة الشريعة واستبدال القوانين الوضعية بها: وهذا من آثار الاستعمار العسكري والفكري الذي فرق الأمة وأفسد عقليتها بحضارته وصناعته وكفره وجحوده. فوجد في المسلمين من يتحمس لقوانينه وفكره ويدعو إلى تطبيقها ومتابعتها. وقد حظيت هذه الفئة بعناية الاستعمار ورعايته وسلم له زمام المجتمعات التي كان يسيطر عليها فخلفه فيها وقام على تطبيقها وتنفيذها بكل دقة. ولعل الشروط التي فرضتها دول الاستعمار على مصطفي كمال أتاتورك تبين المخطط الاستعماري لحرب الإسلام ومحاولة فصل الأمة عنه. يقول الأستاذ محمد محمود الصواف: "وهذه هي الشروط الأربعة المشئومة التي فرضتها دول الاستعمار على تركيا: ا- إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيا من تركيا. 2- أن تقطع تركيا كل صلة مع الإسلام. 3- أن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية الباقية في تركيا. 4- أن يستبدلوا الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت. فقبل مصطفي كمال هذه الشروط ونفذها بحذافيرها فتركته دول الاستعمار"1.   1 المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام ص 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ب- محاولة التوفيق بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الوضعية : فيؤخذ من الشريعة ما يتعلق بالأمور الشخصية وتكمل بقية الجوانب من القوانين الوضعية. وقد ذكر الأستاذ محمد الخضر الحسين1عن أسلوب دعاة هذا المبدأ فقال: "فاخترع هؤلاء طريقا حسبوه أقرب إلى نجاحهم وهو: أن يدَّعوا أن الإسلام: توحيد وعبادات ويجحدوا أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة وجمعوا على هذا ما استطاعوا من الشبه لعلهم يجدون في الناس جهالة أو غباوة فيتم لهم ما بيتوا"2. ويقول الأستاذ مصطفي صبري3 عن هذه المحاولة والتي تعني فصل الدين عن الحكم والسياسة: "لكن حقيقة الأمر أن هذا الفصل مؤامرة بالدين للقضاء عليه وقد كان في كل بدعة أحدثها العصريون المتفرنجون في البلاد الإسلامية كيد للدين ومحاولة الخروج عليه لكن كيدهم في فصله عن السياسة أدهى وأشد من كل كيد في غيره وهو ثورة حكومية على دين الشعب"4 هذا عرض موجز لواقع المسلمين الذي قد أصيب في كل جانب من جوانبه مما كان له أسوأ الأثر على وحدة الأمة واجتماع كلمتها.. فقد أصيبت الأمة في عقائدها.. وعباداتها.. وشريعتها.. وما لم يصحح هذا الواقع على ضوء التوجيهات الواردة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -فلن تقوم للأمة قائمة ولن تجتمع لها كلمة.   1 عالم جزائري هاجر إلى دمشق ثم إلى القسطنطينية واستقر أخيرا بمصر وتولى مشيخة الأزهر توفي عام 1377 هـ. أنظر معجم المؤلفين 279. 2 رسائل الإصلاح1/105-106. 3 وهو عالم تركي تولى مشيخة الإسلام في تركيا وقد عاصر بداية فصل الدين عن السياسية في عهد مصطفي كمال وقاومها؟ أشد المقاومة تم هاجر إلى مصر وتوفي بها عام 1373هـ. انظر الإعلام 8/281. 4 موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المسلمين 4/ 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 القسم الثاني: اسباب هذا الواقع الجهل بدين الله عز وجل ... القسم الثاني أسباب هذا الواقع أولا: جهل الأمة بدينها. ثانيا: الغزو العسكري. ثالثا: الغزو الفكري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 القسم الثاني أسباب هذا الواقع لقد كانت هناك أسباب متعددة وراء ذلك الواقع نذكر أهمها: أولا: جهل الأمة بدينها: فقد انتشر الجهل في الأمة قيادات وشعوبا حتى أصبح كثير منهم لا يعرف من دينه إلا اسمه فلا يعرف أحكامه وعقائده ولا أخلاقه وآدابه فسهل على أعداء الله عز وجل أن ينشروا ضلالهم وأن يبثوا سمومهم بل وسهل عليهم أن يصنعوا لهم عملاء من أبناء المسلمين يحاربون عقيدة المسلمين وينشرون الضلال في صفوفهم. قال الأستاذ محمد كرد علي: "أصبح الناس بعد المائة السادسة تفتر هممهم شيئا فشيئا في طلب العلم ورغبوا عن الافتنان بفنونه وحصروا نطاقه وعفوا بعض معالمه فأصبحت مجاهل وكثرت البدع وكثر الدعاة إليها والتعويل عليها "1. ويذكر الأستاذ الندوي وهو يتحدث عن الجهل الذي أصاب تركيا "إنه لم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي وشبه شلل فكرى قد أخذه الإعياء والفتور واستولى عليه النعاس"2.   1 الإسلام والحضارة العربية2/45. 2 ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ثانيا: الغزو العسكري لبلدان المسلمين : كانت الأمة الإسلامية أمة واحدة تستظل براية واحدة وتخضع لقيادة واحدة فكانت ذات شوكة ومنعة ثم لم تلبث أن سرت فيها أمراض فتاكة خلخلت بناءها وأفسدت أبناءها فضعفت قوتها وذلت عزتها فسهل على أعدائها القضاء عليها وتمزيقها إلى دويلات وإمارات واستولت على كثير منها فترات طويلة استطاعت فيها أن تفسد عقائدها وأخلاقها وتغير ولاءها. يقول برنارد لويس: "وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تعدلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وتغيرت الولاءات التي كانت قائمة للخلافة الإسلامية القديمة والتي كانت تحكم العرب والعجم والترك وحلت محلها أفكار ممزقة مبعثرة أوروبية هي مزيج من الوطنية والقومية ونظريات خيالية عن الوطن والقوم حجبت الحقائق القديمة الواقعية في الدولة والعقيدة"1. فأصبحت بعد ذلك الأمة الواحدة أمما مختلفة ومجتمعات متعددة لكل منها شعاره ومذهبه فتمزقت وحدة الأمة وتعددت ولاءاتها بحسب شعاراتها ومذاهبها. وكان هذا كله بسبب الغزو العسكري الذي احتل بلاد المسلمين فترات متفاوتة ركز خلالها على إفساد عقيدة الأمة وأخلاقها وقسمها بعد ذلك إلى دول ومناطق أقام لكل واحدة منها حاكما مستقلا.   1 الغرب والشرق ص110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ثالثا: الغزو الفكري : لم يكتف الاستعمار بتحطيم الخلافة الإسلامية وتفريق الأمة إلى دول وشعوب.. ونهب خيراتها وتشتيت ولاءاتها.. بل أضافوا إلى ذلك غزوا للعقول والقلوب بشعارات ومبادئ جديدة تفسد العقول وتخرب القلوب ليبقى لهم السيطرة والنفوذ مادامت هذه الشعارات والمبادئ تحكم هذه البلاد. وقد ذكر الأستاذ محمد محمود الصواف عن وسائل الاستعمار في غزو المسلمين والجبهات التي تشترك في ذلك الغزو، وأكد أن جميع تلك الجبهات تعمل: "سرا وجهرا لأهداف الاستعمار التي يرمى من ورائها إلى إيقاف الوعي الإسلامي وصد المسلمين عن دينهم إبقاء لسَيطرته ونفوذه في بلاد المسلمين وليتمتع هو وجنوده الأبالسة في خيرات بلاد المسلمين ويسعى في سرقة ثرواتهم والسيطرة عليهم فكريا وسياسيا واقتصاديا. لذا أخذ المستعمرون يبذلون كل الجهود لإشاعة الفساد في المجتمع الإسلامي العظيم وزرع الشكوك في العقول الإسلامية وقتل الطموح في نفوس المسلمين، وبث الفرقة والشقاق في الصف الإسلامي حتى تعاونت جميع أجهزة الاستعمار من دعائية وسياسية وفكرية واقتصادية لتحقيق أهداف الاستعمار"2. وقد شارك اليهود الاستعمار الصليبي في تصدير الأفكار والمذاهب المنحرفة إلى بلاد المسلمين.. بل لعل اليهود أكثر حماسا وحقدا على الإسلام، والتاريخ يؤكد هذه الحقيقة   2 المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام 99ـ 100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 حيث كان اليهود هم أول من وقف في وجه الإسلام وحاولوا القضاء عليه ولكن الله عز وجل رد كيدهم في نحورهم وحفظ دينه وأعلا كلمته. فعبد الله بن سبأ (يهودي) أظهر الإسلام لإفساد الإسلام، ودعاة الإلحاد وزعماؤه اليوم (يهود) أرادوا إفساد العالم: كارل ماركس الشيوعي (يهودي) وفرويد (يهودي) ودور كايم (يهودي) وهؤلاء هم زعماء المذاهب المنحرفة في الاقتصاد والأخلاق والاجتماع وقد أثرت مذاهبهم في المجتمعات البشرية عموما وفي المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص. يقول الأستاذ أنور الجندي: "ولا ريب أن اليهودية العالمية هي التي أثارت في العالم الإسلامي تمزيق وحدة العروبة والإسلام للحيلولة دون الوحدة وعملا على تعميق التجزئة الإقليمية. ولما كانت وحدة العرب والمسلمين لها جذورها الضخمة البعيدة المدى في الفكر الإسلامي وفي القرآن نفسه فقد طرحت عشرات المذاهب والقضايا والدعوات والأنظمة والنماذج التي طرحت في أوروبا لإفساد المفهوم الإسلامي الجامع للعرب والإسلام"4. ويعترف اليهود بذلك في (بروتوكولاتهم) حيث يقول البروتوكول التاسع: "ولقد خدعنا الجيل الناشئ من الأميين وجعلناه فاسدا متعفنا بما علمناه من مبادئ ونظريات معروف لدينا زيفها"5. وكان من جراء هذا الغزو المشترك أن ظهرت في بلاد المسلمين اتجاهات منحرفة تتبنى تلك العقائد الضالة وتحاول نشرها في المجتمعات الإسلامية, ولعل الصورة التي يعرضها اللورد كرومر المصري الجديد – كما تصورها هو – تنطبق إلى حد ما على مجموعات من أبناء المسلمين الذين أثر فيهم الغزو الفكري الغربي. يقول: "إن المجتمع المصري في مرحلة الانتقال والتطور السريع وكان من نتيجته   1 - مذاهب فكرية معاصرة ص 101 2 - مذاهب فكرية معاصرة ص107 3 - مذاهب فكرية معاصرة ص144 4 الإسلام والعالم المعاصر 427. 5 بروتوكولات حكماء صهيون ص 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الطبيعية إن وجدت جماعة من أفرادهم "مسلمون " ولكنهم متجردون عن العقيدة الإسلامية والخصائص الإسلامية وان كانوا "غربيين " فإنهم لا يحملون القوة المعنوية والثقة بأنفسهم وإن المصري الذي خضع للتأثير الغربي فإنه وان كان يحمل الاسم الإسلامي لكنه في الحقيقة ملحد وارتيابي والفجوة بينه وبين عالم أزهري لا تقل عن الفجوَة بين عالم أزهري وبين أوربي"1. هذه هي ثمار الغزو الفكري في بلاد المسلمين.   1 ذكره الأستاذ الندوي في الصراع بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية ص 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 القسم الثالث: اسس وحدة الأمة الإسلامية وحدة الغاية ... القسم الثالث أسس الوحدة الِإسلامية أولا: وحدة الغاية. ثانيا: وحدة العقيدة . ثالثا: وحدة القيادة. رابعا: وحدة التشريع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 القسم الثالث أسس الوحدة الإسلامية إن الأمة الإسلامية تملك أسسا مشتركة تستطيَع بها أن تجمع شتاتها وتوحد كلمتها.. فهي أمة واحدة.. ذات دين واحد.. وكتاب واحد.. ورسول واحد.. وهذه هي الأصول والأسس التي تشترك فيها الأمة الإسلامية. فإذا ما أدركت جيدا والتزمت بمقتضياتها فإن ذلك يجعل منها أمة واحدة تلتقي على: أولا: وحدة الغاية. ثانيا: وحدة العقيدة. ثالثا: وحدة القيادة. رابعا: وحدة التشريع. وبهذا تصبح الشعوب الإسلامية "أمة واحدة" تذوب فيها جميع الأجناس والتجمعات شعارها: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} فتحقق للأمة الإسلامية عزتها وقوتها المنشودة. وفيما يلي نبين بإيجاز تلك الأسس: أولا: وحدة الغاية: إن لهذا الإنسان الذي يعيش على ظهر هذه الأرض: "غاية" يؤديها أثناء وجوده إذا عرفها وتمثلها في حياته سعد في دنياه وآخرته وإذا جهلها أو أعرض عنها فانه يشقى في الدنيا والآخرة. هذه الغاية حددها الله عز وجل بنفسه وبينها في كتبه.. فمن أجلها خلق الإنسان.. ألا وهي: "عبادة الله عز وجل " كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 1. والمسلمون ولله الحمد يدركون هذه الغاية ويعرفونها ولكنهم فرطوا في القيام بها والعمل بمقتضاها مما كان له أسوأ الأثر في حياتهم. فلابد من العودة الصادقة إلى تحقيق هذه الغاية والالتزام بمقتضياتها ليحقق المسلمون لأنفسهم السعادة في الدنيا والآخرة.   1 سورة الذاريات: آية 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 السعادة في الدنيا باجتماع الكلمة ووحدة الأمة وطمأنينة النفس واستقامة الحياة.. وهي آمال يحلم بها جميع شعوب العالم ولكنهم لم يهتدوا إلى أسبابها ووسائلها. ولكن تعدد الغايات وتنوعها يفتت الأمة ويشتت كلمتها ويجعل كل فئة من الأمة لها غاية تخالف غاية الفئة الأخرى تسعى لتحقيقها والوصول إليها. فغاية اقتصادية.. وغاية سياسية.. وغاية شهوانية.. وهكذا غايات متعددة تنتهي بهم إلى فئات متصارعة وسبل متفرقة. قال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.   1 سورة الأنعام: آية 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ثانيا: وحدة العقيدة : إن التفرق الذي ابتليت به الأمة في عقيدتها- كما رأينا طرفا منه في أول البحث- لا يمكن أن يكون معه اجتماع للأمة ولا تعاون ولذلك فإنه لابد أولا من علاجِ لذلك التفرق برد الملحدين إلى الله عز وجل وتصحيح عقائد المنحرفين لتتوحد القلوب وتتآلف النفوس. فأما الذين ابتلوا بمرض الإلحاد فقد كان ذلك في غيبة من الوعي الإسلامي وفي وقت الانبهار بالحضارة الغربية التي تمردت على الدين بل حملت لواء الحرب ضده. والآن وقد بدأ المسلمون يدركون حقيقة الحضارة الغربية وما تحمله من سلبيات وثمرات فاسدة.. بدأ الوعي يدب في صفوفهم ويدركون قيمة هذا الدين وأنه لا سعادة للإنسان في هذه الحياة بدون أن يلتزم بعقيدته وتوجيهاته. يقول الأستاذ محمد محمود الصواف: "وفي يقيني أن الزمن الذي كان يسمى فيه الإسلام "رجعية" و"تزمتا" قد مضى وانقضى حيث تعرى خصوم الإسلام وانكشفوا وظهر زيف دعواتهم الباطلة من قومية واشتراكية وحزبية قاتلة وغيرها من فتن هذا العصر المضللة ورأى الناس خيبتها وخسرانها وتضييعها للأوطان وتدميرها وعبثها بحقوق الإنسان، ورأوا عن كثب ويلاتها على العرب الذين ابتلوا بها، بل ويلاتها على الجنس البَشرى في جميع أنحاء الأرض ومن دعاتها من رأى ذلك بأم عينه ولكنه معاند مكابر لا يعترف بإخفاقه ولا يريد الخضوع أمام غيره. ولم يعد الإسلام "رجعية" كما كانوا يسمونه وتسميه إذاعاتهم بأصواتها المنكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 المبحوحة.. بل عاد الإِسلام والناس يتلمسونه في الميدان ويسألون عنه في كل مكان ونادى به اليوم من لم يكن يعرفه بالأمس ولم يعرف عنه النداء باسمه من قبل. وامتلأت المساجد بالوافدين الجدد وآب الكثير ون إلى الله سبحانه يسألونه العز والنصر والفرج القريب لهذه الأمة المنكوبة برجالها وشبابها وقادتها في هذا الجيل المخفق الخاسر الذي هو جيل الهزيمة المنكرة.. فإذا كثر سواد الصالحين وزاد عدد المؤمنين فبشر الأمة بالنصر المبين"1. فالوعي الديني استيقظ في الأمة وهو في حاجة إلى من يوجهه وجهة صحيحة ليكون أساسا واحدا لجمع كلمة الأمة ويقضى على المذاهب المنحرفة والعقائد الضالة المتسللة إلى مجتمعات المسلمين. وأما الانحرافات الأخرى التي طرأت على عقائد المسلمين سواء في التوحيد العملي أوفي التوحيد العلمي فإن ذلك يستدعى جهودا مخلصة وأقلاما صادقة تعالج تلك الانحرافات بحكمة وموعظة حسنة إذ أن أصحابها أو كثيرا منهم لم يتعمد الانحراف ولا يرضى به لو كشف له، لذلك فإن مخاطبتهم يجب أن تكون بأسلوب لين وبجدال حسن. فإذا قدر للأمة أن تجتمع في عقيدتها فإن ذلك سيفسح المجال للاجتماع والوحدة الإسلامية.   1 معركة الإسلام ص 26ـ 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ثالثا: وحدة القيادة : للمسلمين قيادة واحدة على مدار الزمن واختلاف المكان وتعدد المذاهب.. وكل قيادة سواها إنما تستمد شرعيتها من متابعتها لهذه القيادة والالتزام بمنهجها والسير على طريقها. هذه حقيقة يقوى وضوحها في أذهان المسلمين كلما صفت العقيدة وقوى الإيمان. وهي حقيقة قررها الله عز وجل في كتابه وأكدها في مواطن كثيرة لئلا تغفل عنها الأمة الإسلامية. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 2.   2 سورة النساء: آية59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1. وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 2. وهكذا تكرر التأكيد على هذه الحقيقة في عشرات المواضع من القرآن الكريم. فإذا ما اتضحت هذه الحقيقة وتقررت في أذهان المسلمين فإنه يمكن أن يتحد كلمتهم وتجتمع صفوفهم. فالرسول أن هو: (القائد) والجميع اتباع له وأنصار به يتأسون ولحكمه يخضعون وإلى سنته يتحاكمون.. هذا أصل لا يمكن أن تتوحد الأمة بدون إدراكه والالتزام به.. وهذا ما يقتضيه الإيمان بالله عز وجل وإلا فإن الإيمان يبقى دعوى بدوت دليل. وكل قيادة أخرى تحاول أن تلغى هذه القيادة أو تقلل من شأنها فإنها قيادة خارجة عن الإسلام محاربة له.. بل كل قيادة تتمي هي في ذات نفسها عن هذه القيادة أو تنحرف عن متابعتها فهي قيادة منحرفة.   1 سورة النساء: آية 115. 2 سورة الحشر: آية 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 رابعا: وحدة التشريع : من الأسباب الرئيسية لتمزق الأمة الإسلامية تعدد التشريعات وتنوعها تلك التشريعات التي لا صلة لها بها ولا علاقة لها بدينها، بل هي مضادة لدينها محاربة لعقيدتها.. فوقعت الفجوة بسم التشريعات والواقع.. وبين القيادات والشعوب.. بل بين القيادات أنفسها.. فانعكست تلك الخلافات على الأمة الإسلامية. وما لم يوحد التشريع الذي يحكم الأمة فيكون تشريعا مستمدا من دينها القويم فإن كل محاولة لوحدة الأمة أو لجمع شتاتها فإنها محاولة فاشلة. فإنه ليس هناك مكان لتشريعات أخرى في المجتمع الإسلامي وليس لأحد من البشر حق وضع تشريع يحكم الحياة في المجتمع الإسلامي، فالحقَ لله عز وجل وحده وليس لأحد من خلقه أن يتلقى تشريعاته من غيره سبحَانه. قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 3   3 سورة الأحزاب: آية 36 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فالنفس البشرية ذات طبيعة معقدة ومعرفة ضوابط إصلاحها أو أسباب فسادها أمر لا يعلمه إلا الله عز وجل وقد اعترف علماء الغرب بذلك وأكدوا أن العلوم البشرية لم تستطع أن تبين حقيقة الإنسان. وأشهر من أعلن هذه الحقيقة هو الطبيب الفرنسي: (الكسيسر كاريل) حيث يقول: "فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإنسان مازال غير كاف وأن معرفتنا بأنفسنا مازالت بدائية في الغالب" 1. فإذا كانت معلومات الإنسان عن نفسه رغم ما يملكه من وسائل المعارف المذهلة التي لم يكن يحلم بوجودها الإنسَان في الزمن الماضي- إذا كانت رغم كل ذلك بدائية.. فهل يمكن أن يضع تشريعا يحكم حياته ويقوده إلى تحقيق إنسانيته؟! ولهذا فإن العودة إلى شريعة الله عز وجل أمر ضروري.. ضروري لأنه أمر أوجبه الله عز وجل. وضروري لأن الإنسان ليس له قدرة وضع التشريع المناسب. وضروري لأن الأمة لا تجتمع وتشريعاتها مختلفة.. إذ للتشريع أثر في حياة الإنسان.. في مفاهيمه.. في تصوراته.. في موازينه.. فلابد من وحدة التشريع لتتحد مفاهيمه وتصوراته وموازينه.. ومن ثم تتحقق له وحدته المنشودة.   1 الإنسان ذلك المجهول ص 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 القسم الرابع: وسائل تحقيق اسس الوحدة التعليم الموجه ... القسم الرابع وسائل تحقيق الوحدة أولا: التعليم الموجه. ثانيا: الإعلام الهادف الملتزم. ثالثا: الاقتصاد المستقل. رابعا: العمل على الاكتفاء الذاتي. خامسا: ايجاد مراكز إسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 القسم الرابع وسائل تحقيق الوحدة عرضنا في القسم السابق أسس الوحدة الإسلامية التي لابد من تحقيقها لتوحيد الأمة الإسلامية وهى وان كانت شرطا في تحقيق إيمان المسلم فلا يكون مسلما بدونها فإنها شرط في تحقيق الأمة واجتماع كلمتها كذلك. ولكن هذه الأسس- كما رأينا من قبل- قد تعرضت للفساد والانحراف واختفت أو تشوهت في كثير من المجتمعات الإسلامية فكان لابد من إظهار ما اختفى منها وتصحيح ما تشوه. وهذا أمر يحتاج إلى وسائل متعددة وجهود مكثفة للقيام بذلك الدور ورعايته في المجتمعات الإسلامية. ومن تلك الوسائل ما يلي: أولا: التعليم الموجه. ثانيا: الإعلام الملتزم. ثالثا: الاقتصاد المستقل. رابعا: الاكتفاء الذاتي. خامسا: إيجاد مراكز علمية. ونذكر ما يتعلق بهذه الوسائل فيما يلي: أولا: التعليم الموجه: إن المناهج التعليمية من أخطر الوسائل وأكثرها تأثيرا في المجتمع إذ أنها طريق للغالبية من المجتمع أو لجميع أفراده بحسب مستوى المجتمع وحرصه على التعليم. فالمدارس الرسمية والأهلية تحتوي على مناهج تعليمية إجبارية وكل منتسب إليها لابد له من هضمها واستيعابها وبالتالي فلابد من حصول التأثر بها خاصة وهى ترافق الفرد في كل مراحل حياته. ولقد عرف المستعمرون وأعوانهم من مبشرين أهمية "التعليم الموجه" فأنشأوا المدارس المختلفة لإفساد أبناء المسلمين عن طريقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يقول اليسوعيون: "إن المبشر الأولى هو المدرسة" 1. ويقول جب: "إن مدارس البنات في بلاد الإسلام هي بؤبؤ عيني لقد شعرت دائما أن مستقبل الأمر في سوريا إنما هو بمنهج تعليم بناتها ونسائها"2. فالتعليم له شأنه وخطره وعدم تصحيح مناهجه وتوجيه أبنائه إلى الغاية الصحيحة في جميع بلاد المسلمين يبقى عائقاً دون توحيد المفاهيم والتصورات والموازين التي لا تكاد تلتقي على أمر واحد في بلاد المسلمين اليوم ولازالت تسير وفق المخططات التي رسمها لها أعداء الإسلام- إلا ما رحم ربك-. "فإذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته ويتحرر من رق غيره وإذا كان يطمح إلى القيادة فلابد إذن من الاستقلال التعليمي بل لابد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهين إنها تحتاج إلى تفكير عميق وحركة التدوين والتأليف الواسعة وخبرة إلى درجة التحقيق والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولى القوة، إنه هي شأن الحكومات الإسلامية فتنظم لذلك جمعيات وتختارلها أساتذة بارعين في كل فن فيضعون منهاجا تعليميا يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار ويدونون العلو العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام ... "3. وبذلك يمكن أن تصحح المفاهيم وتقوم الموازين في الأمة فتتحد في أفكارها وعقائدها وتلتقي على أسس مشتركة من العلم المعرفة.   1 أنظر التبشبر والاستعمار ص 71. 2 المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام ص 213، وانظر رسالة واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ص 176، والغزو الفكري والتيارات المعادية ـ بحوث مقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عام 1396 هـ، والحلول المستوردة ص 36 3ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الإعلام الملتزم ... ثانيا: الإعلام الهادف الملتزم: ونعني به أن يكون الإعلام في بلاد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمرئية والمقروءة إعلاما هادفا له رسالة يسعى لتحقيقها من خلال ما يبثه أو يكتبه، وتلك الرسالة هي: "تحقيق العبودية لله في أرضه" وهي الغاية التي من أجلها خلق الإنسان ويعمل لها المسلمون بكل طبقاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فيكون للإعلام في بلاد المسلمين رسالة يتمثلها عند كل خطوة يخطوها وكل كلمة يبثها أو يكتبها. وقد فطن اليهود إلى قوة تأثير الصحافة عندما برزت وخططوا لاستغلالها. فقد ورد في كتاب (بروتوكلات حكماء صهيون) : "إن الأدب والصحافة هما أعظم قوتين خطيرتين"1. وفي كتاب: (التبشير والاستعمار في البلاد العربية) نقلا عن مصادر تبشيرية أجنجية: "إن الصحافة لا توجه الرأي الَعام فقط أو تهيئه لقبول ما تنشر عليه بل هي تخلق الرأي العام"2. وبعد ظهور"التلفاز" والذي لا يكاد يخلو منه بيت فإن خطره يكون أكبر وتأثيره أعظم.. فإذا كانت الصحف لا يقرؤها إلا المتعلمون فإن " التلفاز" يراه ويشاهده كل إنسان وليس خاصا بنوعية معينة. لذا فإن توجيه الإعلام والتزامه بـ: "هدف" أمر ضروري ولا يمكن أن تتحد الأمة وإعلامها إعلام ضائع لا هوية له ولا هدف.. بل في كثير من بلدان المسلمين قد وجه لإفساد الأمة وخلخلة عقائدها. فإصلاح الإعلام وتصحيح مساره ضرورة بل واجب شرعي تأثم الأمة بإهماله وتضييعه.. ثم تخسر عقيدتها وعزتها.. ولا تتحقق لها وحدة واجتماع وهذه الوسائل تسير مسارا عشوائيا أو تخريبيا. ووسائل الإعلام في كثير من البلدان الإسلامية غير ملتزمة بالمنهج الإسلامي الذي يبث الخير وينشر الفضيلة ويحذر من الشر والأخلاق الرذيلة بل إن بعض تلك الوسائل تحارب الإسلام وتسيء إلى أهله بما تنشره من البرامج السيئة والحلقات المنحرفة.. وهذا كله مضاد لدين الأمة ومفرق لجمعها وهادم لأسس الوحدة التي تقوم عليها. ولن يكون هناك لقاء أو اتحاد وإعلام المسلمين أو بعضه بهذه الصورة فلابد أذن من إعادة بناء الإعلام بناء صحيحا بحيث يكون قادرا على توجيه الأمة وتعميق العقيدة في نفوسها وتذكيرها بغايتها في هذه الحياة، وتبرز المنهج الذي اختاره الله عز وجل لها كما تبين إلى جانب ذلك وحدة القيادة للأمة الإسلامية وانه لم يعد هناك مجال لظهور قيادات أخرى   1 ص 142. 2 ص 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 تنازع هذه القيادة المحمدية أو تزاحمها وان القيادات الموجودة تستمد شرعيتها في حق الطاعة على الأمة بمتابعتها لتلك القيادة. فإذا استطاع الإعلام في البلدان الإسلامية أن يثبت هذه القضايا الأساسية في نفوس الأمة فإنه عندئذ يكون قد أدى دوره الصحيح في المجتمع وساهم في وحدة الأمة.. وإلا فلا وحدة ولا اجتماع. ويتحقق ذلك بالاختيار الأمين للعاملين في الإعلام فيختار الكفاءات المؤمنة التي تدرك أهداف الأمة وغايتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ثالثا : الاقتصاد المستقل: إن التشابك المعقد في العلاقات الدولية اليوم واختلاف الأنظمة الاقتصادية في العالم قد انعكس أثره على أكثر المجتمعات الإسلامية فتعددت فيها الأنظمة الاقتصادية تبعا للاتجاه الذي يغلب على كل بلد فكان له آثاره السلبية على وحدة الأمة الإسلامية. والاقتصاد العالمي اليوم في قبضة "اليهود" فهم يتحكمون فيه كما يشاءون، وقد جاء في كتاب: "بروتوكولات حكماء صهيون" موضوع خاص لبيان كيفية التحكم في اقتصاد العالم والوسائل التي يجب أن تتخذ لتنفيذ هذا المخطط نورد بعضا من فقراته. فقد وضعوا في حسبانهم إيجاد الأزمات الاقتصادية المفتعلة لزيادة ثرواتهم ويبين ذلك قولهم: "إن الأزمات الاقتصادية التي دبرناها بنجاح باهر في البلاد الإسلامية- قد أنجزت عن طريق سحب العملة من التداول فتراكمت ثروات ضخمة ... " 1. وعن سحب الذهب من العالم ورد فيه: "وأظنكم تعرفون أن العملة الذهبية كانت الدمار للدول التي سارت عليها لأنها لم تستطع أن تفي بمطالب السكان ولأننا فوق ذلك قد بذلنا أقصى جهدنا لتكديسها وسحبها من التداول"2. فالاقتصاد جانب مهم في حياة المجتمع ولهذا فقد عنى به القرآن الكريم والسنة الشريفة بتنظيمه وبيان جوانبه المباحة والمحرمة إضافة إلى خطورة ارتباطه بأنظمة غير مسلمة لا تفرق بين الحلال والحرام ولا نألو جهدا في إضعاف الأمة المسلمة وتمزيق وحدتها. لذا فإن العناية به أمر مطلوب شرعا ولا بد للأمة وهى تحاول العودة إلى دينها ووحدتها   1 ص 174. 2 ص 175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 من التحرر من تلك الأنظمة الدخيلة على المجتمعات الإسلامية والعودة إلى النظام الاقتصادي الإسلامي الذي هو جزء من الشريعة الإسلامية الواجب أتباعها. ولابد من إيجاد اقتصاد إسلامي ليس مرتبطاً بأي نظام آخر لئلا يبقى بين الأمة فجوات تحول دون وحدتها. ويتم ذلك بإيجاد أسواق مشتركة وعملة موحدة وهيئة اقتصادية تشرف على ذلكم الاقتصاد الإسلامي المستقل. وبهذا تستقل عن التبعية الاقتصادية الضارة وتقيم لها وحدة اقتصادية قوية على أسس إسلامية. والاقتصاد في الحقيقة هو جزء من الشريعة الإسلامية المتكاملة والتي تعتبر أساسا ثابتا لوحدة الأمة.. والذي أريده هنا هو إيجاد أسواق مشتركة وعملة موحدة تعطى للأمة شخصيتها المستقلة وتمهد السبيل لوحدة الأمة وعزتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 العمل علي الإكتفاء الذاتي ... رابعا: الاكتفاء الذاتي: للأمة مطالب متنوعة لا تستطيع الاستغناء عنها وتلك المطالب تشتمل على كل جوانب الحياة. ومطالب ثقافية وسياسية. ومطالب اقتصادية. ومطالب عسكرية. ومطالب صناعية مختلفة. هذه المطالب لا يجوز بقاء الأمة عالة على أعدائها فيها كل بلد إسلامي له وجهة يوليها ويشحذها.. بل لابد من الاستغناء والاكتفاء في هذه الجوانب بالإنتاج الإسلامي في بلاد المسلمين وبأيد مسلمة. فالعمل على اكتفاء الأمة بإنتاجها من أقوى الوسائل لاستقلالها وقوتها وبالتالي لوحدتها واجتماعها إذ انقسام الأمة إلى أجزاء تابعة للبلدان المصنعة لن يمكنها من توحيد صفوفها ولا استقلالها، فلا بد من هذا الاكتفاء ولو على المدى الطويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 خامسا: إيجاد مراكز علمية . لما كانت هذه الوسائل المتقدم ذكرها لابد لها من إعداد وتخطيط بحيث تتحقق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 بالصورة الصحيحة كان لابد من إيجاد مراكز علمية متخصصة في كل جوانب الحياة تكون مهمتها التخطيط الدقيق والدراسة المتأنية لتحديد الوسائل والضوابط لتحقيق المطلوب. وهذه المراكز متعددة الأغراض تمثل هيئات استشارية وتخطيطية تشترك فيها جميع البلدان الإسلامية تضم في داخلها كفاءات علمية من أبناء الأمة الذين يؤمنون بعقيدتها ويسعون إلى تحقيق أهدافها. وبهذا كله يمكن للأمة أن تجمع شملها وتتحد كلمتها وتتحقق لها مكانتها التي أرادها الله لها عز وجل ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وما ذلك على الله بعزيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الخاتمة بعد هذا العرض الموجز لواقع الأمة والأسس التي يجب تحقيقها لوحدة الأمة وتصحيح واقعها والوسائل التي يمكن أن تعين على تحقيق الهدف المطلوب يتبين لنا عدة أمور نجملها فيما يلي: إن واقع الأمة واقع مؤلم ولا يرضى الله عز وجل. وأن هذا الواقع لا يمكن أن تتوحد الأمة مع استمراره. وأن وحدة الأمة مرهونة بتغيير هذا الواقع على ضوء الكتاب والسنة. وأن هناك أسسا لهذه الوحدة تعتبر قاعدة ضرورية لوحدة الأمة. حتى وان التغيير المطلوب يحتاج إلى وسائل متعددة لتحقيقه. هذا واجتماع كلمة الأمة الِإسلامية حلم يراود أفرادها وجماعاتها المخلصة التي يحزنها أن ترى أن القيادة والريادة مكبلة بسلاسل الجهل والمعاصي والانحطاط وتترقب اليوم الذي تعتز فيه الأمة وتحتل مكانها الصحيح. أمة هادية. أمة رائدة. أمة قائدة. وان كانت هناك عقبات في هذا الطريق وعراقيل يضعها أعداء الله فيه لكن الأمل في الله عز وجل عظيم أن يحي نفوس هذه الأمة ويوقظ عقولها ويقوى عزمها ويومئذ تتحطم كل عقبة وتتلاشى كل السدود ويرتفع صوت الحق وينصب ميزان العدل وتستظل البشرية بظلال الخير والسعادة. وصلى الله وسلم على سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70