الكتاب: المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام المؤلف: شفيق جاسر أحمد محمود الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة الحادية والعشرون - العددان الواحد والثمانون والثانى والثمانون - المحرم - جمادى الآخرة 1409هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام شفيق جاسر أحمد محمود الكتاب: المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام المؤلف: شفيق جاسر أحمد محمود الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة الحادية والعشرون - العددان الواحد والثمانون والثانى والثمانون - المحرم - جمادى الآخرة 1409هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مدخل ... المماليك البحرية وقضاؤهم على الصليبين في الشام الدكتور شفيق جاسر أحمد محمود أستاذ مشارك بقسم التاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فما من زمن تفرق فيه المسلمون، وضعفت شوكتهم، وتكالب عليهم أعداؤهم، إلا ووفى الله تعالى للمؤمنين بوعده في حفظ دينه، فيسر لهم من يجمع شملهم، وبقيل عثرتهم، ويقودهم إلى مجاهدة عدوهم. والمماليك البحرية نموذج لمثل هؤلاء الذين وفقهم الله للدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين، فتمكنوا مِن رد الخطر المغولي الماحق، ومن تطهير البلاد من بقايا الصليبيين. فلله الحمد أولاً وآخراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 المماليك : يطلق اسم (المماليك) اصطلاحا، على أولئك الرقيق- الأبيض غالبا- الذين درج بعض الحكام المسلمين على استحضارهم من أقطار مختلفة وتربيتهم تربية خاصة، تجعل منهم محاربين أشداء، استطاعوا فيما بعد أن يسيطروا على الحكم في مصر وأحيانا الشام والحجاز وغيرها قرابة الثلاثة قرون من الزمان ما بين 648-922 هـ (1250-1517م) . وكلمة (مماليك) : جمع مملوك، وهو الرقيق الذي يباع ويشترى، وهي اسم مفعول من الفعل (ملك) ، واسم الفاعل (مالك) والمملوك هو عبد مالكه1، ولكنه يختلف عن العبد الذي بمعنى الخادم2. كما أن كلمة (مماليك) تختلف في معناها عن كلمة (موالي)   1 د. علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية، ص: 23، 24، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثالثة، 1967 م. ابن منظور: لسان العرب كلمة (ملك) . 2 جاء في الموسوعة الإسلامية encyclopidia of Islam: art mamluk 13, p.230"تعني كلمة مملوك ما يملك بقصد تربيته والاستعانة به كجند وحكام، على عكس لفظ (العبيد) التي تعني العبودية، فالعبد يعني الأسود بينما قد يكون المملوك أبيضا، ويشتري الحكام الرقيق الأبيضا من أسواق النخاسة لتكوين فرقة عسكرية خاصة. انظر عبد المنعم ماجد: سلاطين دولة المماليك ورسومهم في مصر: 1/ 11، مكتبة الأنجلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 التي مفردها (مولى) 1، والتي تعني- اصطلاحا- عند المؤرخين المسلمين: كل من أسلم من غير العرب. فالموالي قد يكون أصل بعضهم من أسرى الحروب الذين استرقوا ثم أعتقوا، أو من أهل البلاد المفتوحة الذين انضموا إلى العرب فصاروا موالي بالحلف والموالاة2. والرق وأسباب الاسترقاق قديم قدم الإنسان، عرفته الأمم الغابرة من سكان ما بين النهرين، ووادي النيل، واليونان، والرومان، والعرب في الجزيرة العربية، وأقرته معظم الديانات كاليهودية والنصرانية، أما الإسلام فإنه لم ينص على إلغائه وتحريمه صراحة، ولكنه حض على تحرير الأرقاء، وعلى حسن معاملتهم، كما نظم العلاقة بينهم وبين سادتهم3 بما يجعلهم إخوانا في الإسلام والإنسانية متحابين، يعلم كل منهم حقوقه وواجباته، حتى صار الكثيرون من الموالي شديدي الوفاء والإخلاص لسادتهم. والتاريخ الإسلامي ملئ بأمثلة تدل على أن المسلمين استجابوا لشرائع دينهم، فأكرموا هؤلاء الموالي والأرقاء، ووثقوا بهم، ورفعوهم إلى أعلى الدرجات، ولو أردنا أن نذكر جميع الأمثلة على ذلك لأطلنا، ولكنني أجتزئ بعض الأمثلة على ذلك، فقد تولى وردان مولى عمرو بن العاص خراج مصر4، واستعمل مسلمة بن مخلد- والي مصر وأفريقيا في عهد معاوية بن أبي سفيان- استعمل مولاه أبا المهاجر دينار على أفريقية عام 50 هـ5. كما ولى أفريقية عام 73 هـ تليد مولى عبد العزيز بن مروان6. وكان موسى بن نصير القائد   1 المولى والولي: بمعنى واحد في كلام العرب، وهو يدل على عدة مسميات، فهو الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار؟ وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق. ابن منظور: لسان العرب: 5/ 409، القاموس المحيط: 4/ 294. انظر: د. جميل المصري، الموالي، موقف الدولة الأموية منهم، صر: 23، دار أم القرى للنشر والتوزيع، عمان، 1988م، الطبعة الأولى. 2 ابن خلدون، عبد الرحمن بن أحمد (8. 8هـ _ 5 140 هـ) ، مقدمة ابن خلدون، ص: 96، بيروت، 1900 م. 3 حض الإسلام على تحرير الأرقاء، وجعل ذلك من أعظم الصدفات وكفارة للظهار والأيمان، والقتل الخطأ وغير ذلك من الذنوب الكبيرة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} سورة البلد، آية: 11، 12. كما حض الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الرقيق (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم؟ فمن كان أخو تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفهم ما يثقلهم، فإن كلفتموهم فأعينهم عليه) صحيح البخاري جـ 1 باب 22 الإيمان 4 ابن عبد الحكم، 257 هـ- 874 م، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم، فتوح مصر "والمغرب، 1924 م. 5 الطبري، 0 31 هـ- 923 م، أبو جعفر محمد به جرير، تاريخ الرسل والملوك، 13 جزءا 0 189، ص 67، وابن عبد الحكم ص:197. 6 ابن عبد الحكم، ص: 203. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 المشهور، وفاتح أفريقيا، مولى لامرأة لخمية، وقيل بل مولى لبني أمية1. كما كان طارق بن زياد ... وهو بربري من قبيلة نفرة2 مولى لموسى بن نصير3. وكان العالم الجليل الحسن البصري مولى لزيد بن ثابت رضي الله عنه من سبي ميسان4. هذا وقد حذا العباسيون حذو سابقيهم من الأمويين والراشدين في الاستعانة بالموالي ومعظمهم من مماليكهم، حيث روى عن أبي جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجد الأمويون عندهم الوفاء بعدما أصابهم فقال: الموالي، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم5. وكان الخليفة المأمون العباسي (198- 8 1 2 هـ) - (813 - 833 م) أول من استكثر من المماليك، حيث ضم بلاطه عددا من هؤلاء المماليك المعتوقين6، ثم تلاه أخوه المعتصم (218-227 هـ) - (833 هـ 843 م) الذي أراد أن يحد منِ نفوذ جنوده من الفرس والعرب فكون جيشا أغلبه من التركمان7، كان يشتريهم صغاراً ويربيهم حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفا8. أما أحمد بن طولون والي مصر، فقد اعتمد على المماليك اعتمادا يكاد يكون كليا، حيث كان والده طولون مملوكا تركيا أهدي للمأمون عام 200 هـ (815 م) ، فقد أحضر أحمد هذه المماليك من بلاد جنوب بحر قزوين وبلاد الديلم، حتى زادوا عن الأربعة عشر ألف تركي وأربعين ألف مملوك أسود، بالإضافة لسبعة آلاف من المرتزقة9.   1 الذهبي 748 هـ، شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء4 /497. 2 ابن خلدون 808 هـ، 1405 م، العبر وديوان المبتدأ والخبر، 8 أجزاء، 4/ 402، القاهرة، 1284. 3 الذهبي: 417. 4 المرجع السابق 5640. 5 ابن الأثير 630 هـ (1232 م) علي بن محمد الجزري، الكامل في التاريخ 12 جزءاً، بولاق،1390م: 5/49. انظر: د. جميل المصري، الموالي: 43. 6 علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك الحرية، ص 23، مكتبة الفضة المصرية، الطبعة الثالثة، 1967 م. Hitti, p.k., the history of the Arabs, (London 1940) p.466. 7 ابن كثير، البداية والنهاية 10/ 296. 8 السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، أمراء المؤمنين القائمين بأمر الدولة، المطبعة الأميرية، 1351، 911هـ (1505 م) 9 المقريزيَ، تقي الدين أحمد بن علي، 845 هـ (1441م) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار: 94، جزءان، بولاق 1270 هـ تحقيق مصطفى زياد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وقام الأخشيديون بالسير على نفس السياسة، حتى أن محمد بن طغج الأخشيد مؤسس دولتهم في مصر 323- 358 هـ (935-969م) 1، جعل منهم جيشا يضم أربعمائة ألف من الديلم والترك، بالإضافة لحرسه الخاص الذيَ تجاوز الثمانية آلاف2. وأعتمد الفاطميون خلال حكمهم في أفريقيا على المغاربة المصامدة3، وعندما استولوا على مصر عام 358هـ (969 م) استكثروا من الديلم والأتراك والغز والأكراد. أما الأيوبيون، فإن استكثارهم من المماليك كان سببا في قيام الدولة المملوكية، حيث إنهم قاموا منذ وقت مبكرين دولتهم 597 هـ (1200م) ، بجلب أعداد كبيرة من المماليك الصغار عن طريق النخاسين الذين كانوا يحضرونهم من شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز والقفجاق4، وما وراء النهر، وآسيا الصغرى، وفارس، وتركستان، وحتى من البلاد الأوربية5 حيث ازدهرت حركة تجارة لنخاسة في أوربا قبل عصر المماليك، ومارسها البنادقة6 والجنويون فكانوا يشترون المماليك من سواحل البحر االأسود ويبيعونهم في مصر، فبلغ من كانوا يبيعونهم في العام الواحد ألفين من المغول والشراكسة والروم والألبانيين والصقالية والعرب7. وكانت أشهر أسواق بيع هؤلاء المماليك، خان مسرور في القاهرة8، وسوق الإسكندرية. والذي شجع الأيوبيين في مصر والشام على الاستكثار من هؤلاء المماليك هو ضعف شأنهم بعد وفاة صلاح الدين رحمه الله 589 هـ (1193م) ، وانقسام الدولة بين الأيوبيين الذين لقبوا أنفسهم بالملوك في كل من مصر، ودمشق، وحلب، والكرك، وبعلبك، وحمص، وحماه، حيث قامت بينهم منافسات وحروب كثيرة، كما قامت بينهم من   1 أبو النحاس، جمال الدين يوسف بن تغري بردي 874هـ _ 1496م، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 9 أجزاء: 3/59، دار الكتب، 1939م. 2 علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية، ص: 24. 3 نسبة إلى قبيلة مصمودة المشهورة في شمال إفريقية. 4 وتشمل حوض الفلجا والأراضي الواقعة حول بحر قزوين. 5 عاشور، سعيد عبد الفتاح، الحركة الصليبية: 2/1075، الطبعة الأولى، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963م. 6 انظر: علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية ص: 25 حاشية: 3،2. Heyd, w., histoire du commerce du Levant au moyen age. 2 vols (Leipzig 1899) p. 442 heyd. Op. cit. p. 443,560. 7 8 المقريزي 845هـ (1442م) تقي الدين بن أحمد بن علي: 2/92، المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق، 1270هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 جهة وبين أبناء البيوتات الأخرى مثل آل زنكي وأهل البلاد الآخرين حروب مشابهة1، مما اضطر كل منهم للبحث عن عصبية تحميه وقت الشدة، وتساعده في صد أعدائه، فكان الإكثار من الرقيق الأبيض (المماليك) خير وسيلة لتحقيق ذلك وللوقوف في وجه الصليبيين في الشام، ولذلك بني لهم الملك الصالح- نجم الدين أيوب 637-647 هـ (1240-1250م) المعسكرات في جزيرة الروضة 638 هـ (1241م) وسماهم بالمماليك البحرية2 الصالحية، وسكن في القلعة عندهم ورتب جماعة منهم حول دهليز، واعتمد عليهم في صد غزوة لويس التاسع بمصر. ومما زاد من دالتهم عليه كونهم قد دبروا مؤامرة لخلع العادل الثاني وأحلوا الملك الصالح محله 637 هـ (1239م) ، ثم زاد خطرهم حتى أنهم دبروا مؤامرة لقتله عندما غضب عليهم لإهمالهم في الدفاع عن دمياط أمام لويس التاسع3 عام 647 هـ، ولولا مرضه الذي توفى فيه لما نجا من شرهم4.   1 عاشور: سعيد عبد الفتاح، العصر المملوكي في مصر والشام، ص: 3. 2 نسبة إلى بحر النيل الذي أحاط بثكناتهم في جزيرة الروضة، ولكن الدكتور أحمد مختار العبادي في كتابه "قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام " ص: 97 يرى أن هده النسبة غير صحيحة، وكان أول من شك في صحتها هو الأستاذ محمد مصطفى زيادة في بحثه المنشور بمجلة كلية آداب القاهرة، المجلد الرابع، 1936م، بعنوان: (بعصر ملاحظات جديدة في تاريخ دولة المماليك) ، وان مما يؤيد عدم صحة هذه النسبة إلى بحر النيل أن المؤرخين المعاصرين للصالح أيوب أمثال ابن واصل، وأبي شامة، لم يشيروا إلى بحر النيل كأصل لكلمة بحرية، وان المتأخرين كالمقريزي وأبو المحاسن مم الذين أوردوا هذه التسمية. بالإضافة لأن الفاطميين قد استعملوا هذه التسمية قبل الملك الصالح، فكانوا يطلقون على قسم من جنسهم اسم (العمل البحرية) (أبو المحاسن 874هـ (1465م) جمال الدين يوسف بن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرةَ، 13جزءاً، القاهرة، 1943: 4/ 90، كما أن جد الملك الصالح وهو السلطان العادل الأول كانت له فرقة مماليك سماها (البحرية العادلة) . د. محمد زيادة، المرجع السابق. وذكر الخررجي علي بن حسن (القرن الثامن الهجري) في العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، جزءان 1/82، أن سلطان اليمن نور الدين عمر بن رسول 647 هـ (1249م) كان له مماليك بحرية رغم بعد اليمن عن نهر النيل. والأغلب أن التسمية جاءت من أنهم جلبوا من وراء البحار، حيث ذكر جونفيل الذي حارب جند المماليك في حملة لويس التاسع وأسر- "إنهم سموا بحرية أو رجال ما وراء البحر". Joinville, jean sire de history of st. Louis. Tr. Joan Evans. P. 84 3 انظر: حول سيرة لويس التاسع، العدوان الصليبي على مصر للدكتور جوزيف نسيم يوسف، دار النهضة العربية، ص:33 وما بعدها. 4 المقريزي 845 هـ- 1442، السلوك: 1/ 146-147، تحقيق محمد زيادة، القاهرة،1930م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أساليب تربية وتدريب هؤلاء المماليك : عني سلاطين الأيوبيين ومن بعدهم سلاطين المماليك، بتربية مماليكهم تربية خاصة، وتثقيفهم وتعليمهم فنون الحرب والقتال، وخصصوا لذلك ثكنات عسكرية في قلعة الجبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عرفت بالطباق، كان عددها اثني عشرة طبقة واسعة تشبه كل منها حارة كبيرة تشتمل على مساكن عديدة، تتسع لحوالي ألف مملوك1، ولم يكن يسمح لهؤلاء المماليك، وخصوصا الصغار منهم بمغادرة تلك الطباق إلا فيما ندر2. وقد وصف المقريزي الحياة والعادات ومواد التدريس ومراحله فقال: "كان للمماليك بهذه الطباق عادات جميلة، منها أنه إذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان، وأنزله في طبقة جنسه، وسلمه لطواشي برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم، وكانت كل طائفة لها فقيه يحضر إليها كل يوم، ويأخذ في تعليمها كتاب الله تعالى، ومعرفة الخط والتحدث بآداب الشريعة، وملازمة الصلوات والأذكار، وكان الرسم إذ ذاك ألا يجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شب الواحد من المماليك، علمه الفقيه شيئا من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ، أخذ في تعليمه أساليب الحرب، من رمي السهام، ولعب الرمح، ونحو ذلك فيتسع في ذلك حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج"3. وكان السلاطين يشرفون بأنفسهم على تربية مماليكهم ويتفقدون أحوالهم، ومنهم السلطان الناصر قلاوون 679-689 هـ (1280-1290م) الذي كان يهتم بطعامهم ومعيشتهم بنفسه، ويقول معتزا بهم: "كل الملوك عملوا شيئا يذكرون به ما بين مال ورجال وعقار، وأنا عمرت أسوارا وعملت حصونا لي ولأولادي وللمسلمين وهم المماليك"4. وصدق ظنه بهم إذ قال أبو المحاسن عن مماليك قلاوون هذا: "فكان بهم- أي المماليك- منفعة للمسلمين ومضرة للمشركين، وقيامهم في الغزوات معروف، وشرهم عن الرعية معكوف"5. وكان السلاطين ومقدمو المماليك يوصون القائمين على شؤونهم وخصوصا على شؤون الطباق المذكورة أن يأخذوهم بالحسنى وأن يعطفوا عليهم، حيث جاء في وصية أحد   1 ابن شاهين الظاهري عز الدين خليل (ت 873هـ _ 1468م) زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، تحقيق بول رافيس، ص: 27، باريس، 1895م. 2 المقريزي، الخطط: 2/ 214. 3 المقريزي، الخطط: 2/ 213. 4 المقريزي، الخطط: 2/ 213 5 أبو المحاسن، النجوم الزاهرة: 7/ 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 المقدمين إلى القائمين على شؤون تربيتهم:"ليحسن إليهم، وليعلم أنه واحد منهم، ولكنه مقدم عليهم، وليأخذ بقلوبهم، مع إقامة المهابة التي تخيل إليهم أنه معهم، وخلفهم، وبين أيديهم، وليلزم مقدم كل طبقة بما يلزمه عند تقسيم صدقاتنا الجارية عليهم، وليكن لأحوالهم متعهدا ولأمورهم متفقدا ... "1. هذا ولا يعني التهاون معهم إلى الحد الذي يفسد تربيتهم فقد كانوا يؤخذون أحيانا بالقسوة والشدة إذا ما ارتكبوا خطأ. وقد وصف المقريزي ذلك فقال: "ولهم أزمة من النواب، وأكابر من رؤوس النوب، يفحصون عن حال الواحد منهم الفحص الشافي، ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإذا عثر أحد مؤدبيه الذين يعلمونه القرآن، أو الطواشي الذي هو مسلم إليه، أو رأس النوب الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنبا أو أخل برسم أو ترك أدبا من آداب الدين والدنيا، قابله على ذلك بعقوبة شديدة قدر جرمه ... فلذلك كانوا سادة يديرون الممالك، وقادة يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسة يبالغون في إظهار الجميل، ويردعون من جار واعتدى"2. ولكن هذه السياسة المتزنة في تربيتهم بين الشدة عليهم، والرحمة بهم، لم تدم طويلا، وحل محلها الدلال والتهاون، خصوصا في الأمور الدينية، مما سبب فساد أجيالهم فعم بذلك ضررهم على الخاصة والعامة، وأضعف شأنهم، وحط من قيمتهم. قال المقريزي في وصف تلك التربية المتهاونة وما نتج عنها: "واستقر رأي الناصر على أن تسليم المماليك للفقيه يتلفهم، بل يتركون وشأنهم فبدلت الأرض غير الأرض، وصارت المماليك السلطانية أرذل الناس، وأدناهم قدرا، وأخسهم، وأشحهم نفسا، وأجهلهم بأمر الدنيا، وأكثرهم إعراضا عن الدين، ما فيهم إلا من هو أزنى من قرد، وألص من فأرة، وأفسد من ذئب، ولا جرم أن خربت أرض مصر والشام من حيث يصب إلى مجرى الفرات بسوء إيالة الحكام، وشدة عيب الولاة، وسوء تصرف أولي الأمر"3.   1 العمري، التعريف بالمصطلح الشريف، ص 98- 99. 2 المقريزي، الخطط: 2/ 214. 3 المقريزي، الخطط: 2/214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 مميزات المماليك : بسبب كونهم غرباء عن أهل البلاد، ولخضوعهم لتربية خاصة أعدتهم إعداداً ثقافيا وعسكريا، ليكونوا جنودا وحكاما وسياسيين، يتولون الوظائف العليا حسب الكفاية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الشخصية في المجتمع دون اعتبار لنشأتهم الأولى، فقد عاشوا كطائفة منفصلة عمن حولهم، ولم يختلطوا إلا نادرا بالسكان المحليين من مسلمين ونصارى، ولم يتزاوجوا معهم إلا فيما ندر. كما احتكروا الجندية عليهم، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوها وقفا على المماليك الصغار الذين يجلبون حديثا، ولم يسمحوا لأبناء المماليك الكبار من الانخراط فيها، بل قصروهم على الوظائف الإدارية والكتابية. ورغم اختلاف أصول مولدهم، "انقسامهم حسب خشداشياتهم وسادتهم إلى أحزاب متطاحنة، فإنهم كانوا يجتمعون ويتماسكون لمواجهة االأخطار المشتركة التي يتعرضون لها من قبل أهل البلاد من مصريين وشاميين أو من المغول أو الصليبيين. وكانوا يتعلمون القرآن الكريم والفقه الإسلامي وينشؤون- في الغالب- تنشئة إسلامية ويعلمون أن التحلي بالأخلاق الإسلامية يكسبهم ثقة العامة، فكان بعضهم يتظاهرون بالصلاح والتقوى، ويقدمون على بناء العمائر الدينية من مساجد1 وتكايا ومدارس، بينما يمارس بعضهم في خلواتهم أشد أنواع الفسق والفجور، ولم يكونوا يتحرجون من الانتساب إلى مشتريهم الأول أو أستاذهم مثل الصالحي، والمعزي، أو يلحقون بأسمائهم ما يدل على أثمانهم التي بيعوا بها مثل الألفي2. وكان المملوك شديد الوفاء لسيده أو أستاذه أو رابطته مع زملائه الذين تربوا لدى سيد واحد (الخشداشية) 3.   hautecoeur et wiet: les moskuees de caire. Pp. 46 _ 471 2 ابن شاكر الكتبي فخر الدين محمد بن أحمد 873 هـ 1469م، فوات الوفيات، بولاق، 1299هـ: 2/134. 3 ابن الفرات المصري، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم (807هـ _ 1405م) ، ص:25، تاريخ ابن الفرات المعروف باسم الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك، 9 أجزاء، من 501_ 799، تحقيق: قسطنطين زريق والمستشرق ليفي دلافيدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قيام دولة المماليك البحرية 648_658 هـ (1250- 1260م) في قمة الهجمية الصليبية- التي تمثلت في الحملة السابعة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا ضد مصر عن طريق دمياط4- وخلال انشغال الملك الصالح نجم الدين أيوب   4 دمياط: مدينة قديمة بين تنيس ومصر، وهي من ثغور الإسلام، عندها يصب نهر النيل (القزويني، آثار البلاد واجتهاد العباد، ص24، دار صادر بيروت. ولا يعرف اليوم موقعها القديم بسبب هدم الصليبيين لها سنة 648هـ 1250م. (المقريزي، الخطط: 1/223) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 بالدفاع على المنصورة- التي وصل الصليبيون إليها إلى بعض أنحائها بعد أن فر أمام هجمتهم بنو كنانة وبعض المماليك1- وقع الملك الصالح مريضا2 ولم يلبث أن توفى بعد مرض عضال. وهنا ظهرت شخصية وعبقرية زوجته شجر الدر3، التي أدركت مدى الخطر المحدد بالمسلمين، إذا أنّ علم الجيش والعامة بخبر موت السلطان، محل شأنه أن يوقع الوهن في العزائم، ويثير الأحقاد والمطامع الكامنة في نفوسهم وأن يطمع الصليبيين فيهم، فقامت بإخفاء خبر موته، وأرسلت سرا وعلى عجل تستدعي ابنه تورانشاه من حصن كيفا بأطراف العراق ليتولى عرش والده. وخلال هذا الوقت تبدت بطولة الأمراء المماليك، فتصدىَ بيبرس البندقداريَ ومعه فرقة من المماليك البحريين الصالحين للصليبيين، فشن عَليهم هجوما من خارج المنصورة، وطردهم من بعض نواحيها ثم لاحقهم الأمير أقطاي- القائد العام للجيش- مستعملا النار الإغريقية حتى قرروا الهروب إلى دمياط. وعندما وصل تورانشاه بن السلطان الملك إلى صالح إلى مصر عام 647 هـ (.125م) 4 ولي السلطة دون معارضة، فكان من أول أعماله أن حاصر الصليبيين وحاد بينهم وبين وصول المدد إليهم عن طريق دمياط، وقطع عليهم طريق العودة. وعندما اضطر الملك لويس التاسع بسبب حراجة موقفه إلى طلب الهدنة، ولكن المصريين رفضوا طلبه،   1 فرّ فخر الدين قائد بعض قوات السلطان من وجه الصليبيين دون قتال، وأخلا لهم مدينة دمياط التي فر منها أيضا بنو كنانة مما سهل وقوعها بأيديهم في الثاني والعشرين من صفر عام 647هـ (1249م) ، مما أغضب الناصر فشنق أكثر من خمسين من بني كنانة، وكاد يقتل القائد فخر الدين. (المقريزي، الخطط: 1/220) . 2 "كان الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو بأشموم طناج قد عرض له مرض في مخاصيه، ثم فتح وحصل له تعسر بول، وبعد ذلك حصلت له قرحة تيقنت الأطباء أنه لا خلاص له منها، لكنه لم يشعر بذلك ... " (ابن واصل 697هـ _ 1297م) جمال الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم، مفرج الكروب: 2/353أ، حول مرض الصالح صورة عنه بمكتبة الإسكندرية، تحقيق جمال الشيال.. والمقريزي: الخطط: 1/219) . وأشموم طناج بلدة قرب دمياط، وهي مدينة الدهقلية (معجم البلدان جـ1ص300) . 3 "شجر الدر أو شجرة الدر بنت عبد الله، أول سلطانة" لمصر من غبر الأيوبيين، كانت أرمينية الأصل وقيل تركية، ذكية، جميلة، أهداها الخليفة العباسي المستعصم إلى نجم الدين أيوب في عهد ابن السلطان الكامل، فأنجبت منه ابنه خليل، الذي كان جميلا ومات صغيرا، وأصبحت أم ولده فأحبها ورافقته في رحلته إلى المشرق وكذلك عندما حبسه الملك ناصر داود في الكرك 637هـ". أبو المحاسن، النجوم الزاهرة: 6/91. وقد أعتقها الملك الناصر وتزوجها عندما أصبح سلطانا. واختلف المؤرخون حول اسمها الصحيح وفيما إذا كان شجر الدر أم شجرة الدر، والأغلب أن الأول هو الصحيح لإجماع معظم المصادر عليه. انظر: جوزيف نسيم "العدوان الصليبي على مصر"ص 136 حاشية (1) . 4 أبو الفداء 732هـ, المختصر، مجلدان، 9أجزاء، دار الكتب، بيروت: 6/84 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وعندئذ حاول التسلل ليلا والانسحاب تحت جنح الظلم، فلم تفلح حيلته، حيث إن المسلمين قد علموا بالأمر فاستعدوا لإفشاله وطاردوا الصليبيين حتى فارسكور1، وقتلوا منهم خلقا كثيراً بلغ أكثر من ثلاثين ألفا2، وسقط الملك نفسه أسيرا، فسجنه المسلمون في دار ابن لقمان بالمنصورة، وكلفوا الطواشي صبيح بحراسته. وظل الملك لويس التاسع في أسره حتى أخلى المسلمون سبيله مقابل انسحاب الصليبيين من دمياط ودفع مبلغ طائل من المال فدية لنفسه وتعويضا للمسلمين عما خسروه في هذه الحرب، ومقابل إطلاق أسرى المسلمين في مصر والشام وإطلاق سراح أسر ى الصليبين وغير ذلك مما سنذكره في حينه3. وبذلك تم فشل هذه الحملة المسعورة وذلك بفضل الله، ثم فرسان المماليك كاقطاي وبيبرس الذين سماهم ابن واصل (داوية الإسلام) 4 إعجابا منه بشجاعتهم.   1 قرية قرب دمياط من كور الدقهلية. (ياقوت/ معجم البلدان: 6/327) . 2 المقريزي، السلوك، جـ1 ق2 ص357. أبو الفداء، المختصر: 6/85. 3 انظر: د. جوزيف نسيم يوسف، العدوان الصليبي على مصر ص:216 حاشية، الطبعة الأولى، 1981م، دار النهضة العربية، بيروت. Davis. E.j.: invasion of Egypt in a.d. 1249 (a.h.647) . by Louis ix of France (st. Louis) (London 1897) p.58. 4 ابن واصل، مفرج الكروب: 2/370، نسبة إلى فرقة فرسان الداوية الصليبية التي اشتهرت بشجاعتها في قتالها للمسلمين ويعرفون أيضا بفرسان المعبد، تأسست جماعتهم عام 1118م، وهم من الرهبان المشهورين بالشجاعة. King: the knights of hospitallers. P. 303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 مقتل السلطان تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب: لم يكن تورانشاه بالشخص المناسب فكان سيئ التدبير غير مستقيم الأخلاق، مفتقرا للمعارف والأنصار من المماليك والمصريين على السواء، لأنه قضى معظم حياته في حصن كيفا، وقد وصفه ابن الجوزي بأنه "كان سيئ التدبير والسلوك ذا هوج وخفة"5. وقد دفعه ندماؤه الذين كانوا لا ينفكون عن تذكيره بأنه ليس ملكا إلا بالاسم، وأن السلطة الفعلية بيد زوجة أبيه شجر الدر والمماليك6، إلى الإساءة للمماليك الذين عليهم جل اعتماده، كبيبرس وأقطاي ورفاقهم، فأبغضوه وصاروا يخشون غدره ويتحينون فرصة القضاء عليه7.   5 ابن الجوزي، مرآة الزمان حوادث سنة 648هـ (1250م) . 6 أبو الفداء، تاريخ مختصر الدول، ص: 454- 455. 7 المقريزى، السلوك: 1/ 358- 359. أبو المحاسن، النجوم:6/ 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ولم يحفظ جميل شجر الدر التي أخذت له البيعة، واستدعته من مقره البعيد، وولته السلطة، فاتهمها بإخفاء أموال كانت لأبيه، حتى اضطرت لمعاداته ومغادرته إلى القدس هربا من مضايقاته1، ثم لم تلبث أن عادت وجعلت تتصل بأنصارها من المماليك البرجية المعادين لتورانشاه، فقاموا بمهاجمته وهو في معسكره في فارسكور، وذلك في 29 محرم عام 648 هـ (1250م) 2 مما اضطره لإلقاء نفسه في البحر من فوق برج خشبي كان قد التجأ إليه، فحرقوه عليه بعد أن قذفوه بالسهام، فمات جريحا غريقا حريقا، دون أن تنفعه استعطافاته وصياحه "ما أريد ملكا، دعوني أرجع، خذوا ملككم ودعوني أعود إلى حصن كيفا"3 ولكنهم لم يلاقوا بالا لأقواله وقالوا: "بعد جرح الحية لا ينبغي إلا قتلها"4. وقيل إنه حاول الاستنجاد بأبي عز الدين رسول الخليفة العباسي، الذي كان معه في المعسكر فصاح: "يا أبا عز أدركني" ولكن أبا عز الدين لا يملك أن يفعل شيئا تجاه هؤلاء القادة الغاضبين5. وقيل: بقيت جثته على شاطئ النيل ثلاثة أيام، ثم دفنت مكانها وقيل: بل كشف عنها الماء بعد ثلاثة أيام، فنقلت إلى الجانب الآخر وذلك بجرها في الماء بصنارة من قبل شخص راكب في مركب كما يجر الحوت6.   1 أبو الفداء، تاريخ مختصر الدول، ص: 454- 455. 2 ابن واصل، مفرج الكروب 2/ 371. أبو الفداء، المسطر: 3/0 19. 3 ابن واصل، مفرح الكروب: 2/ 371. أبو المحاسن، النجوم: 6/ 371. 4 أبو شامة، عبد الرحمن به إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي (665- 1268م) ، الذيل عام الروضتين ص: 180، تحقيق عزت العطار بعنوان تراجم رجال القرنين السادس والسابع، ط. القاهرة، 1947م. 5 أبو شامة، الذيل، ص: 185. 6 أبو شامة، الذيل، ص: 185، نقلا عن كلام والي القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 حكم شجر الدر : كان هم القادة المماليك التخلص من السلطان تورانشاه قبل أن يتخلص منهم، ولذلك لم يفكروا فيمن سيولونه الملك من بعده، لهذا ففي اللحظة التي قتلوه فيها، وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم، حيث إن المتطلعين لهذا المنصب، من قادة المماليك كثيرون، ولكن أهل مصر والملوك الأيوبيين في الشام لم يكن من السهل أن يتقبلوا جلوس مملوك علىَ عرش مصر، لهذا قرروا أن يولوا شجر الدر7 (أم خليل) فنصبوها سلطانة على مصر في   7 أبو شامة، الذيل على الروضتين، ص: 96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الثالث من صفر عام 648 هـ السابع من مايو آيار 1250 هـ، في ذروة احتفال مصر بهزيمة لويس التاسع ملك فرنسا وحملته الصليبية السابعة، ومغادرتهم لدمياط، ولقبوها باسم "الملكة عصمة الدين شجر الدر والستر العالي والدة الملك خليل"1 ودعواها على المنابر، وكانت علامتها "والدة خليل" كما كان نص الدعاء لها على المنابر: "احفظ اللهم الجهة العالية الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الصالح" كما نقشوا على السكة "المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة خليل، أمير المؤمنين"2. وعينوا عز الدين أيبك3 الجاشنكير الصالحي المعروف بالتركماني أحد أمراء البحرية من الصالحية أتابكا في ربيع الآخر سنة 648هـ4، ويبدو آن هذا التعيين لم يكن لأن أيبك كان أقوى الأمراء5 وإنما لتجنب حلول أقطاي في هذا المركز لما كان الأمراء يخشونه من قوته وتسلطه6. لقد اشتهرت شجر الدر بالدهاء حتى وصفها ابن اياس بأنها "صعبة الخلق، قوية البأس، ذات شهامة زائدة، وحرمة وافرة، سكرانة من خمرة التيه والعجب"7 وقد سبق وبينت مقدرتها الإدارية في إخفاء موت زوجها الملك الصالح بحجة مرضه، حتى لا ينخذل المسلمون أمام الصليبيين، وكيف قامت بنقله إلى القاهرة ودفنته سرا في قلعة الروضة، في حين أرسلت تستدعي أبنه تورانشاه من حصن كيفا، وحال حضوره سلمت إليه السلطة. كان أول ما قامت به شجر الدر بعد تسلمها السلطة أن صفت الموقف مع الصليبيين، ففاوضت لويس التاسع ملك فرنسا، وقائد الحملة الفاشلة، واتفقت معه على رحيله من مصر وتسليم دمياط، وذلك في يوم الأحد الرابع من صفر 648 هـ الثامن من مايو 1250 م، ونص هذا الاتفاق على أن ينسحب لويس من دمياط ويردها إلى المصريين،   1 المقريزي، السلوك: 1/362. 2 وذكر د. أحمد العبادي في كتابه قيام دولة المماليك الأولى ص: 119، أنه توجد بالمتحف البريطاني عملة ذهبية ضربت في القاهرة سنة 648هـ تحمل ألقاب شجر المذكورة. 3 لفظ أيبك من التركية بمعنى "الأمير القمر" وكان في الأصل مملوكا لأولاد التركماني، وهم بنو رسوم في اليمن فعرف بأيبك التركماني، ثم انتقل لخدمة الملك الصالح أيوب. (أبو المحاسن، النجوم:7/ 19) . 4 أبو الفداء، المختصر: 6/ 86. 5 المرجع السابق: 6/ 86. 6 أبو المحاسن، النجوم: 4/7. 7 ابن إياس 930هـ _ 1523م، بدائع الزهور في وقائع الدهور (كتاب تاريخ مصر) : 1/89_ 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وأن يطلق جميع أسرى المسلمين، وأن يتعهد بألا يعود لمهاجمة سواحل بلاد الإسلام مرة أخرى، كما يدفع لها ثمانمائة ألفا دينار فدية لنفسه وللأسرى الصليبيين، وعوضا عما أتلفه في دمياط، ومقابل ذلك يتعهد المسلمون برعاية الجرحى من أسرى الصليبيين، وقيل أيضاً مقابل أن يحافظوا على بعض معدات الصليبين التي سيضطرون لإبقائها بمصر إلى أن يتمكنوا من نقلها، وجعلت مدة الاتفاقية عشر سنوات1. ورغم كل ذلك فقد اضطربت الأمور في مصر عامة والقاهرة خاصة، وذلك احتجاجا وأنفة من حكم امرأة، وعمت الفوضى القاهرة، مما اضطر شجر الدر إلى الأمر بإغلاق أبوابها منعا لانتشار خبر هذه الاضطرابات2. وزاد من خطورة هذا الوضع انضمام علماء المسلمين إلى العامة في هذه المعارضة، وعلى رأسهم الشيخ عز الدين عبد السلام3، الذي كتب كتابا حوله ما قد يبتلي به المسلمون بولاية امرأة4. كما لم يوافق الخليفة العباسي على توليها السلطة، وعير أهل مصر بذلك قائلا في رده على رسالة من المماليك يطلبون فيه تأييده لحكمها "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير لكم رجلا"5.   1 السيوطي 911هـ _ 1505م جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، 3 أجزاء، بولاق، 1312هـ: 2/35. المقريزي، السلوك: جـ 1قسم 2ص: 363. 2 عبد الله بن أيبك، أبو بكر (القرن الثامن) كنز الدرر وجامع الغرر، أو الدرة الزكية في أخبار الدولة التركية، تسعة أجزاء في 27 مجلداً، مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 578، قسم 1 من جـ 8 لوحة 2. 3 ولد الشيخ عز الدين عبد السلام عام 577هـ، ودرس في دمشق على يد ابن عساكر، وتولى إمامة وخطابة المسجد الأموي، ورحل عن دمشق احتجاجا على استعانة الملك الصالح إسماعيل بالفرنج سنة 639هـ، فولاه الملك الصالح خطابة جامع عمرو بن العاص ثم عهد إليه بتدريس المذهب الشافعي في مدرسته بين القصرين بالقاهرة، وتفي سنة 660هـ. أبو الفداء إسماعيل بن علي بن عماد الدين 732هـ _ 1331م، 1286هـ، المختصر في أخبار البشر: 3/224، القسطنطينية، 1286هـ. السيوطي، حسن المحاضرة: 34. 4 السيوطي، حسن المحاضرة، ص: 34. 5 المقريزي، السلوك: 1/368_ 369. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 تولي الأتابك عز الدين أيبك السلطة : وعند ذلك رأى المماليك البحرية الصالحية المؤيدين لشجر الدر أنه لابد لهم من حل لهذا الموقف وقالوا: "لا يمكننا حفظ البلاد والملك لامرأة، ولابد من إقامة رجل للمملكة تجتمع الكلمة عليه"6.   6 ابن واصل، مفرج الكروب: 2/376. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وزاد من اقتناعهم بهذا الرأي، خوفهم من خطر الناصر يوسف الأيوبي صاحب حلب1، الذي استغل هذا الموضوع لصالحه ورأى فيه فرصة سانحة للاستيلاء على مصر، فقام بالاستيلاء على دمشق وبعض نواحي الشام، مما أخاف المماليك2 فسارعوا إلى تزويجها من الأتابك عز الدين أيبك التركماني أتابك العسكر، وتنازلت له شجر الدر عن السلطة بعد ثمانين يوما من حكمها. فأصبح معز الدين أيبك سلطانا3- ولو بالاسم- حيث إن شجر الدر "كانت هي المسئولة عنه في كل أحواله ليس له معها كلام4. وقد سبق أن ذكرت أن اختيار المماليك له لهذا المنصب كان لاعتقادهم بضعفه مقارنة بأقطاي وبيرس، وأنه سيكون من السهل عليهم عزله متى شاءوا5. وقد خاب ظنهم فيه، حيث أثبت أيبك أنه ليس بالحاكم الألعوبة، فمنذ بداية عهده بادر إلى اغتيال أكبر منافسيه وهو خوشداشة أقطايى الجمدار عام 652 هـ (1254م) وساعده في ذلك كل من قطز وبهادر وسنجر وعدد من المماليك المعزية، واضطر خشداشية أقطاي من المماليك إلى الفرار، ومنهم بيبرس البندقداري وقلاوون الألفي، حيث لم يستطيّعوا مغادرة القاهرة التي كانت موصدة الأبواب، إلا بحرق إحدى الأبواب التي ظلت تسمى بالباب المحروق، وتابعوا هربهم نحو الشام وتفرقوا ما بين دمشق وحلب والكرك ودولة السلاجقة6. وعند ذلك قام أيبك بمصادرة أموال المماليك الفارين، وتجريد من بقي منهم في مصر من سلطاتهم، ولم يفلح الملك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق والمنافس السابق لشجر الدر في مساعدتهم، فاضطروا للتوجه إلى المغيث عمر في الكرك7. ولإبطال حجة الملوك   1 هو الملك الناصر صلاح الدين يوسف، بن العزيز محمد، بن الظاهر غازي، بن صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد 627 هـ_ 1229 م، وحكم حلب 634- 658 هـ (1236 -1260 م) ودمشق 648- 658 هـ (.125- 1260م) وقتل 658 هـ 1260م. أبو شامة، الذيل 2/ 236 2 امتنع الأمراء القيمرية بدمشق عن مبايعة شجر الدر وذلك بزعامة الأمير حمال الدين بن يغمور نائب السلطة بدمشق، وكتبوا يستعينون بالملك الناصر صلا الدين بن يوسف صاحب حلب فجاء ودخل دمشق 10 ربيع الثاني 648 هـ 1250م دون قتال. 3 المقريزي، السلوك: 1/ 367- 369. 4 أبو المحاسن، النجوم: 6/ 374. 5 ابن إياس، بدائع الزهور: 1/ 40. 6 المقريزي، السلوك: 1/ 366- 368 0 ابن كثير البداية والنهاية جـ13 ص 185. 7 هو الملك المغيث، فتح الدين عمر بن العادل سيف الدين أبي بكر بن الكامل بن العادل بن أيوب، كان بالقَاهرة عند عماته وذلك لدى موت الملك الصالح أيوب، فاعتقله الأمير حسام الدين نائب السلطنة حتى لا ينصبه فخر الدين ملكا، ولما جاء تورانشاه وتولى السلطنة، نفاه إلى الشوبك وسجنه، وهو آخر ملك أيوبي على الكرك، قبض عليه بيبرس وقتله عام 661 هـ (1263م) . (القلقشندي، صبح الأعشى: 4/ 176) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الأيوبيين في الشام، ومطالبتهم بعرش مصر، قام أيبك بتولية الطفل الأشرف، موسى الأيوبي1 السلطنة وهو في السادسة من عمره، وجعله شريكا له في الحكم، فخطب باسمهما على المنابر وسكت العملة باسمهما2. ولما لم تنطِل حيلته هذه على الناس، التجأ أيبك إلى الاستعانة بالخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد، ونصب نفسه نائبا له على مصر3، ثم أخذ في الاستعداد للتصدي للملك الناصر يوسف، الذي كان قد كاتب الملك لويس التاسع في عكا، عارضا عليه التعاون ضد أيبك مقابل تسليمه القدس للصليبين- وكانت تحت حكم الأيوبيين-. ولما علم أيبك بهذه المفاوضات أرسل إلى لويس التاسع مهددا بقتل أسرىَ الصليبيين الذين لديه، وواعدا إياه إن رفض عرض الناصر أن يقوم بتعديل اتفاقية دمياط لإعفائه من نصف الفدية المتفق عليها، وطلب منه بدوره أن ينضم إلى جانبه، فرد عليه لويس بأنه قرر الوقوف على الحياد بينه وبن الناصر4. وتقدم الملك الناصر حتى العباسية بين مدينتي بلبيس والصالحية 649 هـ- 1251م فهزمه أيبك5 بسبب انحياز مماليكه العزيزية إلى المماليك، ولاحقه حتى الشام، واتفق أيبك مع لويس التاسع على أن يساعده ضد الناصر يوسف مقابل تسليمه القدس، ولكن هذا الاتفاق لم ينفذ، حيث تدخل الخليفة العباسي بين الناصر وأيبك 651 هـ (1253م) لمنع تسليم القدس للصليبيين حيث أرسل رسوله الشيخ نجم الدين البادورائي فأصلح بين صاحب مصر وصاحب الشام، وأيضا لإحساسه- أي الخليفة- ببداية الخطر المغولي الذي داهم الخلافة من الشرق6. واتفق على أن تكون مصر وجنوب فلسطين بما فيها غزة والقدس للمماليك7.   1 الملك الأشرف مصطفى الدين موسى بر الناصر يوسف بن الملك المسعود بن الملك الكامل، بن العادل بن أيوب، أقيم في السلطة سنة 648 هـ، وخلعه أيبك سنة 650هـ، وظل اسمه يذكر في الخطبة حتى سنة 652هـ. (ابن واصل، مفرج الكروب جـ2، لوحة 376) . 2 المقريزي، السلوك:1/ 369 0ابن إياس، بدائع الزهور:1/90. أفاد ابن كثير، البداية والنهاية ص179، إن عمره كان عشر سنين. 3 أبو الفداء، المختصر: 3/ 192. 4 جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على مصر ص 274. 5 ابن واصل، مفرج الكروب: 382، 383. 6 المقريزي، الخطط: 385 – 386. وابن كثير، البداية والنهاية جـ13 ص 184. 7 المقريزي، السلوك: 1/385 _386. انظر: تفصيل ذلك في ص 223 من هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ثم دب الخلاف بين أيبك وزوجته شجر الدر، بسبب تسلطها وشدة غيرتها عليه، فحاول أن يتزوج من ابنة بدر الدين لؤلؤ الأتابكي صاحب الموصل، نكاية بها خصوصا وقد شعر بتآمرها مع أنصارها من المماليك البحرية عليه وعلى مماليكه المعزية1. وعندما علمت شجر الدر بخطة هذا الزواج، ازدادت معارضتها وتآمرها مع المماليك البحرية وضوحا وتحديا، مما دفعه لسجن من بقي من هؤلاء المماليك في القاهرة، متحديا بذلك شجر الدر، مما جعلها تقرر قتله، وتتصل سرا بالملك الناصر في دمشق تعرض عليه التعاون معها في ذلك، وأن يتزوجها ويشركها معه في السلطة مقابل تسليمه مصر، ولكن الناصر لم يتحمس لهذا العرض ظانا أنه خدعة منها2. وعَلم بدر الدين لؤلؤ بأخبار هذا الاتصال بين شجر الدر والناصر يوسف، فقام بإعلام أيبك به، فاحتاط لنفسه من غدر شجر الدر، وقرر في طويته قتلها، ولم تلبث شجر الدر أن سبقته في تنفيذ عزمها بأن تحايلت عليه، فاستدعته إلى القلعة- بعد أن كان هجرها إلى مناظر اللوق- ودست إليه خمسة من غلمانها فقتلوه في الحمام، وذلك في 23 ربيع الأول 655هـ (1257م) 3.   1 المقريزي، السلوك:1/ 395، والمعزية نسبةَ إليه (معز الدين أيبك) . 2 المقريزي، السلوك:1/ 402. 3 أبو المحاسن، النجوم: 6/375- 376. أبو الفداء، المختصر: 6/95، 096 المقريزي، السلوك 1/403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 استيلاء المظفر قطز على السلطنة : عندما علم المماليك المعزية بوفاة سيدهم في القلعة، حامت شكوكهم حول زوجته شجر الدر، لما كانوا يعلمونه من خصام بينها وبينه، فصعدوا إلى القلعة ليحققوا في سبب وفاته، فعلموا بالحقيقة، لذلك حاولوا قتلها، وكادوا ينجحون في ذلك لولا تدخل بعض المماليك الصالحية، الذين نقلوها على عجل إلى البرج الأحمر في القلعة حماية لها4، أما المماليك المعزية فقاموا بتعيين الطفل نور الدين علي ابن معز الدين أيبك مكان أبيه باسم الملك المنصور، وكان عمره خمس عشرة سنة5، وعينوا قطز أتابكا له وذلك رغم معارضة المماليك الصالحية، ورغم تعيين الأمير علم الدين سنجر الحلبي نفسه نائبا للسلطنة، فقد   4 أبو المحاسن، النجوم: 6/ 377. 5 أبو المحاسن، النجوم: 6/ 376. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 رفض المعزية تأييد سنجر وقاموا باعتقاله وولوا قطز هذا المنصب1، وقيل إن شجر الدر فور قتلها للسلطان معز الدين أيبك قد عرضت السلطنة على عدد من الأمراء، ولكنهم رفضوها خوفا من المماليك المعزية2. وكان أول عمل قام به السلطان علي وأتابكه قطز، هو الأمر بقتل السلطانة السابقة شجر الدر، وذلك بتحريض من والدته، بعد أن ضعف شأن حماتها من المماليك الصالحية، فأمر بحملها إلى أمه حيث أمرت بقتلها، بأن أمرت جواريها "فضربتها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت، وألقوها عن سور القلعة إلى الخندق، وليس عليها سوى سروال وقميص. فبقيت في الخندق أياما. أخذ بعض أراذل العامة تكة سراويلها، ثم دفنت بعد أيام وقد نتنت، فحملت في قفة إلى تربتها قريب المشهد النفيسي"3. وكان أول خطر واجه قطز هو محاولة المغيث صاحب الكرك الاستيلاء على مصر في عامي 655_656 هـ (1257_1258م) بمعاونة المماليك البحرية الفارين من مصر. ولكن قطز قضى على هاتين المحاولتين ثم قام بعزل السلطان علي بن معز الدين أيبك، مستغلا في ذلك ما أصاب المصريين من ارتباك أثر سماعهم بما حل ببغداد، وبنوايا التتار تجاههم، ووصولهم إلى حلب. وتم له ذلك في عام 657 هـ (1258م) ، حيث عزله ونفاه مع أمه وإخوانه4. وبدأ قطز في إعداد مصر للتصدي للخطر المغولي، وتمكن بفضل الله كما سنبين فيما بعد من التصدي للمغول وهزيمتهم في معركة عين جالوت الحاسمة في الخامس عشر من رمضان عام 658 هـ (. 126م) . وبعد أن رتب الأوضاع في الشام عاد إلى مصر التي استعدت لاستقباله استقبال الفاتحين، ولكن أعداءه الألداء من المماليك قتلوه غيلة في قرية القصير إحدى قرى مركز فاقوس، بمديرية الشرقية، وذلك في السابع عشر من ذي الحجة   1 ذكر جوزيف نسيم في كتابه " العدوان الصليبي على بلاد الشام" ص 140، حاشية 1 ما موجزه: إن هناك خلافات بين المؤرخين حول نهاية الدولة الأيوبية وبداية الدولة المملوكية، فقد ذكر الغزي في (تاريخ حلب: 3/126) أن الصالح نجم الدين أيوب هو آخر الملوك الأيوبيين. كما ذكر آخرون أن آخرهم هو ابنه تورانشاه. (نهاية الأرب: جـ7) لوحة 95. المقريزي: السلوك: جـ1 قسم 2 ص 361) كما رأى فريق ثالث أن الطفل الملك الأشرف موسى هو آخر الملوك الأيوبيين (عقد الجمان: جـ 8 قسم 2 لوحة33، العبر: 5/363، المختصر: 3/199) . وذكر فريق رابع أن معز الدين أيبك هو أول ملوك الترك. (السيوطي: الأشرف قايتباي ورقة 13/ب) . وذكر آخرون أن شجر الدر هي آخر الأيوبيين باعتبارها زوجة الملك الصالح. انظر: جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على الشام ص140، والأصح أن تورانشاه هو آخر الأيوبيين وشجر الدر أول المماليك. 2 أبو المحاسن، النجوم: 6/375. 3 المقريزي، السلوك: 1/404. 4 ابن كثير (ت 774هـ) ، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، 14 جزءاً: 13/216، دار الفكر العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 عام 658 هـ (1260م) وكانوا بزعامة بيبرس، ثم دفن هناك بعد حكم دام سنة فقط1.   1 أبو الفداء المختصر: 3/ 208، المقريرزي. الخطط: 2/ 300- 301 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 تولي السلطان الظاهر بيبرس السلطنة ... تولي السلطان ظاهر بيبرس السلطنة: وبمقتل السلطان قطز خرج أمراء المماليك الذين تآمروا عليه إلى الدهليز السلطاني بالصالحية وسلطنوا عليهم بيبرس2 سنة 658 هـ (1260م) لأنه هو الذي قتله وأجلسوه مكانه3 على مرتبة السلطان، فأخذ الملك بالقوة4. وبعد أن حلف له القادة بمن فيهم فارس الدين أقطاي، والجند يومين الولاء، دخل القاهرة ظافرا5. ويعتبر بيبرس من أعظم سلاطين المماليك لما قام به من أعمال شملت تنظيمات وعمران وغير ذلك. وكان من أهم أعماله إحياؤه الخلافة العباسية في القاهرة سنة 659هـ (1260م) ، بعد أن قضي عليها التتار في بغداد. مما أكسبه سلطة شرعية مدعومة بموافقة الخليفة العباسي، كما استن نظام ولاية العهد في أسرته، بتعيين ابنيه السعيد بركه خان والعادل بدر الدين سلامش- الذي اغتصب قلاوون عرشه فيما بعد سنة 679 هـ6- وحفر الترع، وأصلح الحصون، وأسسِ المعاهد، وبنى المساجد، وكان حاكما مستبدا مستنيرا، كما قوى الجيش واستحضر أعداداً كبيرة من المماليك، وكرس همته في محاربة الصليبيين. ولذلك يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة المملوكية في مصر. وتوفي في السابع والعشرين من محرم عام 676 هـ (1277م) في دمشق وهو عائد من وقعة قيسارية. وتتابع سلاطين المماليك البحرية على الحكم حتى عام 783 هـ (1382م) 7 ثم خلفهم على الحكم سلاطين دولة المماليك البرجية 784- 23 9 هـ (1382- 1517م) 8.   2 كان قفجاقيا في الأصل بيع في مدينة سيواس، تم أحضر إلى حماه، وعرض على صاحبها الملك المنصور فلم يعجبه، فاشتراه الأمير علاء الدين البندقدار مملوك الصالح نجم الدين أيوب، وعندما انتقل الأمير علاء الدين لخدمة الملك الصالح أخذ معه بيبرس الذي أخذه الملك الصالح إلِيه فانتسب إليه دون أستاذه. (المقريزي الخطط: جـ 2 ص 300) . 3. المقريزي: السلوك: 1/ 436. أبو المحاسن: النجوم: 7/ 84. 4 ابن إياس: بدائع الزهور:1/ 97. 5 ابن إياس: بدائع الزهور: 1/ 98. 6 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة: 7/ 267. 7 انظر: قائمة سلاطين دولة المماليك البحرية، الملحقة بهذا البحث. 8 سموا بالبرجية لأن غالبية سلاطينهم من المماليك الذين كانوا يقيمون في برج القلعة على جبل المقطم. وأبرزهم من بلاد الشركس (القوقاز بجوار بحر قزوين) وهم من الترك أيضا. وقد سقطت دولتهم على يد العثمانيين، وظلت بقاياهم تشارك في حكم مصر معه العثمانيين حتى قضى عليهم محمد علي باشا. (عبد المنعم ماجد، دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر: 1/25، مكتبة الأنجلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 جهاد المماليك البحرية ضد الصليبيين : لم يبق من الأراضي الإسلامية تحت حكم الصليبيين سوى شريط ساحلي يمتد على محاذاة البحر الأبيض المتوسط من ناحية الشرق، يضيق أو يتسع باختلاف الظروف والأزمنة، وذلك لأن الصليبيين حتى في عنفوان قوتهم، لم يتمكنوا من التوغل في داخل بلاد الشام، فبقيت حلب وحماه وحمص ودمشق بعيدة عن متناولهم1. وبفقدهم المبكر لإمارة الرها ظلوا محاطين بالمسلمين من الشمال والشرق والجنوب، لا يربطهم بأوربا مصدر قوتهم وإمدادهم سوى البحر، واقتصرت أملاكهم في مطلع عهد الدولة المملوكية البحرية على إمارتي طرابلس2 وأنطاكيا3، ومدينة عكا4 التي أضحت مقرا لمملكة بيت المقدس بعد أن استرد المسلمون القدس. لهذا فبعد أن باءت بالفشل حملة لويس التاسع ملك فرنسا على مصر المسماة بالحملة السابعة، خرج هذا الملك مذموما مدحورا خاسرا، فاشلا في تحقيق أحلامه في استرداد بيت المقدس عن طريق مصر، وغادر دمياط متوجها نحو قبرص، بعد أن فك المماليك أسره، مقابل فدية كبيرة وشروط مذلة. ولم يلبث أن غادر قبرص متوجها نحو عكا، التي كان حاكمها يوحنا، شقيق ماري، إمبراطورة القسطنطينية، وزوجة الإمبراطور يلدوين الثاني، ومنها أخذ يعمل على تحقيق حلمه الذي لم يفارقه رغم كل النكبات، بل عاش معه حتى مات قي تونس وهو يقود الحملة الصليبية الثامنة عام 669 هـ (270 1م) . استغل هذا الملك فرصة النزاع الذي شب بين المماليك البحرية الذين استولوا على السلطة في مصر، بعد مقتل تورانشاه بن الملك الصالح أيوب وبن بقايا الأيوبيين في الشام،   1 حتي، فيليب، تاريخ العرب: ص 289. 2 مدينة ساحلية حصينة، يحدها من القبلة جبل لبنان، تطل على بحر الروم من ثلاث جهات، وتقع شمالها قلاع الدعوة الإسماعيلية، وشرقها قلعة منيعة من الحجر، استولى عليها الصليبيون سنة 503هـ (1110) . المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق مصطفى زيادة، جـ1 قسم 3 ص: 747_748. القلقشندي: صبح الأعشى: 4/144. 3 تقع أنطاكية إلى الغرب من حلب، على ساحل البحر المتوسط، لها سور عظيم من الصخر، يمر بظاهرها نهر العاصي، والنهر الأسود مجموعين. (أبو الفداء) إسماعيل بن علي عماد الدين صاحب جمال ت 732 هـ- 1331م تقويم البلدان ص: 257، القلقشندي: صبح الأعشى: 4/ 229. 4 تقع على الساحل الشرقي لبحر الروم، جنوب صور وشمال غرب طبرية، استَولى عليها الصليبيون عام 497 هـ (1104م) واستردها صلاح الدين عام 583 هـ (1157م) ، واستولى عليها الصليبيون مرة أخرى عام 587 هـ (1191م) ثم استردها الأشرف خليل القلقشندي، أبو العباس أحمد، (821 هـ-1418م) ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء: 4/152، 14 جزءا (1913- 1919م) انظر: مادة عكا بدائرة المعارف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الذين رأوا في ذلك ضياعا لجزء هام من أملاك الأسرة الأيوبية، فعارضوا ذلك بشده وعلى رأسهم السلطان يوسف صاحب حلب ودمشق، فصار الملك لويس يساوم كلا الجانبين- الأيوبيين والمماليك- ويعدهما بالمساعدة حتى اتفق أخيرا مع السلطان معز الدين أيبك على أن يطلق المماليك عددا كبيرا من الأسرى الصليبين، وعلى إعادة رؤوس الفرنجة المعلقة حول أسوار القاهرة منذ وقعة غزة، وأن يتنازل المماليك عن النصف الثاني من الفدية المفروضة على لويس التاسع، وتعهدوا بإعادة بيت المقدس إلى الصليبيين، وذلك كله مقابل أن يقف الملك لويس، إلى جانبهم في حِربهم ضد الناصر يوسف صاحب الشام وأتفق على "أن تكون هذه الاتفاقية خمسة عشر عاماَ"1. هذا ولم تشر المصادر الإسلامية إلى هذه الاتفاقية غير ما أورده العيني عندما قال: "ومال الجيش المصري بالفرنج، ووعدوهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس- إن نصروهم على الشامين- وكانت قد اشتدت الحرب بينهم"2 ورغم شعور الإنسان بالأسى والأسف لهذه المعاهدة، إلا أن من يعرف المماليك يوقن أنهم لم يكونوا معنيون بتنفيذ بعض بنودها، وخصوصا ما يتعلق منها بإعادة القدس إلى الصليبيين، أو تسليمهم ما هو غرب نهر االأردن، وأنهم كانوا يرون فيها خدعة تكتيكية لكسب الصليبين إلى جانبهم أو إبقائهم على الحياد، فباشروا أولا في تنفيذ بعض البنود كدليل على مصداقيتهم، فأخلوا سبيل باقي أسرهما الافرنج، وتنازلوا عن بقية الفدية المتبقية والبالغة حوالي ربع مليون جنيه ذهبي مصري، وأعادوا رؤوس قتلى الفرنج التي كانت معلقة على أسوار القاهرة منذ واقعة غزة3. وعليه توجه لويس التاسع من جانبه بقواته من قيسارية إلى يافا، وانتظر وصول المماليك للانضمام إليه لمحاربة الناصر يوسف، ولكن الملك الناصر يوسف أرسل جيشا رابط في غزة ليحول دون اجتماع جيوش الصليبيين والمماليك4، مما أفسد عليهم خطتهم، وأخيرا تدخل الخليفة العباسي المستعصم بالله فسارع إلى التوسط بين الأيوبيين والمماليك فجنب بذلك القدس من السقوط مرة أخرى بأيدي الصليبيين5، كما جنب المسلمين سفك دماء   1 انظر: جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على بلاد الشام، ص: 177_ 187، دار النهضة، بيروت، 1981م نقلاً عن مصادر أجنبية معترضة. 2 العيني: عقد الجمان: 18 قسم 2 لوحة 344، وكذلك عقد الجمان (مجموعة الحروب الصليبية جـ2 قسم 1ص215) ، انظر كذلك: ابن كثير، البداية والنهاية: 13/184. 3 انظر: د. جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على بلاد الشام، ص: 182 نقلاً عن جونفيل وهو مؤرخ مغرض 4 المقريزى، السلوك: جـ1 قسم 2 ص 381، ابن خلدون: العبر: 5/ 375. 5 د. أحمد العبادي، قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، ص221، دار النهضة، بيروت، 1969م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بعضهم خصوصا وأن الخطر المغولي قد أصبح على الأبواب. ومع ذلك فإن لويس التاسع لم يفقد الأمل، فاستغل فترة خلاف المسلمين هذه لإصلاح أحوال الصليبيين، وتحصين مدنهم وحصونهم1، فبدأ بتحصين مدينة عكا، باعتبارها عاصمة الصليبيين، ومقر إقامته، ومركز مملكة بيت المقدس، وأتم تحصينها عام 649 هـ (1251م) حتى أصبحت بمنتهى المنعة. وبعد ذلك توجه لويس إلى قيسارية2 التي كان يحكمها يوحنا اليمان، فأمضى عاما في بناء سورها، وأقام أبراجا عدة، كما حصن مدينة حيفا3 وبعدها سار إلى يافا4 وأقام حولها سورا له ثلاثة أبواب وأربعة وعشرين برجا وخندقين. كما حصن صيدا5 وجدد بناء ما هدمته قوات الناصر يوسف عندما أغارت عليها أثناء مهاجمة لويس التاسع لدمياط، وأحاطها بالأسوار والأبراج والخنادق6. وذلك في زمن أميرها جوليان دي باليان. ومن جهة أخرى حاول الملك لويس التاسع جمع كلمة الصليبيين الذين فرقتهم الخلافات والحروب المحلية، سواء كانت أسبابها تجارية كالتي كانت تحدث بين البنادقة والبيازنة والجنوية الذين تعرضوا بالمضايقة للويس التاسع نفسه، لاعتقادهم بأن حملته على مصر أضرت بعلاقتهم معها، أو دينية كالتي وقعت بين الجماعات الرهبانية العسكرية من داوية واسبتارية، أو عرقية بين أجناس السكان المختلفة لأن سكان الإمارات الصليبية كانوا خليطا متنافرا من الأمم والأخلاق والأهداف والميول. كما حاول توطيد علاقاته مع نصارى الشرق (السريان المسيحيين) 7 خصوصا الأرمن   1 د. جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على بلاد الشام، ص:290. 2 مدينة بساحل الشام بينها وبين الرملة 32ميلا، كانت شديدة المناعة، لها قلعة حصينة، وسور وباب حديد. (أبو الفداء، تقويم البلدان ص: 239) . 3 لم يبق منها اليوم سوى آثار قليلة، ومنها بعض المدافن بسفح جبل الكرمل، وحيفا، الموجودة حاليا شيدت في القرن 18، وتقع في شمال حيفا القديمة لكيلو مترين. (الكرمل: حيفا ص 69_ 71) . 4 تقع يافا على مسافة 6 أميال شمال غرب مدينة الرملة، وهي ميناء ترسو فيه السفن الواردة إلى فلسطين والمنطلقة منها. (أبو الفداء: تقويم البلدان ص 239) ، (القلقشندي: صبح الأعشى: 4/100) . قال عنها البشاري المقدسي: "خزانة فلسطين، وفرضة الرملة، عليها حصن منيع بأبواب محددة، وباب البحر كله حديد" (أحسن التقاسيم ص174) . 5 "مدينة بساحل البحر الرومي ذات حصن حصين " (القلقشندي، صبح الأعشى 4/ 111) . 6 جزيف نسيم، العدوان الصليبي على الشام، ص: 299. 7 كان الصليبيون يطلقون هذا الاسم على الجماعات الشامية النصرانية، من إغريق، ونساطرة، وأرمن، وموارنة، وغيرهم. (جوزيف نسيم، العدوان الصليبي على الشام ص 312) وانظر: chanteur, hist. De syrie et du liban 66-67 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 والموارنة1 حيث كان للموارنة وضع خاص لدى الصليبيين منذ بداية الحروب الصليبية لأنهم لعبوا دور الحلفاء للصليبيين، مما جعل الصليبيين يأنسون إليهم، ويدخلونهم تحت حمايتهم2 ولم ينسوا أنهم شاركوهم مرات عديدة في محاربة المسلمين، أهمها مشاركتهم في حملة لويس التام على مصر حيث حاربوا إلى جانبهم في المنصورة3. وفي نفس الوقت حاول لويس التاسع إصلاح الفساد المستشري في الإمارات الصليبية حيث كانت مرتعا للشرور التي وصفها القاصد الرسولي في حديث له إلى جونفيل يبين فيه مقدار الفساد في عكا "لا يعلم أحد مثلي الآثام والمعاصي التي ارتكبت في عكا ولذا فإن المولى سينتقم من سكانها حتى تغسل المدينة بدمائهم، وحينئذ سوف يأتي شعب آخر للإقامة فيها"4 وقد ساعد على هذا الفساد الأخلاقي كون الصليبيين خليطا متنافرا من الناس! كما سبق وذكرنا. كل هذه الأعمال التي قام بها لويس التاسع ساهمت بالإِضافة لعوامل أخرىَ في تأخير سقوط الإمارات الصليبية مدة ليست قليلة، وإن كانت لم تلبث الخلافات أن دبت بينهم خصوصا بين الجماعات اللاتينية وذلك عام 1258م ودارت عامين وتسببت في إضعاف الصليبيين وذلك بعيد مغادرة لويس للشام عائدا إلى بلاده التي دبت فيها الفوضى، وليقود بعد فترة طويلة الحملة الصليبية الثامنة إلى تونس حيث توفي في بدايتها عام 669 هـ (1270م) .   1 ينسبون إلى القديس مارون الذي ظهر في جهات افامية في أواخر القرن الرابع الميلادي، وأقيم بعد موته دير في أوائل القرن الخامس على ضفاف العاصي قرب افامية. وقد تواجد أكثر الموارنة في بلاد حمص وجبل لبنان، وكانوا متمسكين بمذهب الطبعتين المقر في مجمع خلقدونية عام 451م مما جعلهم مقربين إلى اللاتين بعكس الأقباط والأرثوذكس. (يوسف دربان: نبذة تاريخية في أصل الطائفة المارونية، القاهرة، 1916، ص: 42، 43، 45) . 2 يوسف دربان، لباب البراهين الجلية عن حقيقة أمر الطائفة المارونية، القاهرة، 1916، ص: 59- 60 3 يوسف دربان، أصل الطائفة المارونية، ص:56. JOINVILLE (EL WAILLY) P. 334_ 3364 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 دور بيبرس في التصدي للصليبيين : لم ينس بيبرس لحظة عداوة الصليبيين وخطرهم على الشام ومصر، وهو الذي شارك في صدهم عن المنصورة ودمياط، ورأى محاولات لويس التاسع في تأجيج الصراع بين دولة المماليك الحديثة النشأة والملك الناصر ملك الشام، ثم تعاونهم مع الخطر الجديد القادم من الشرق، حيث رأوا فيه حليفا طبيعيا ساقه الله لنصرتهم، ألا وهو خطر المغول، فاتصلوا بهم، وعملوا أدلاء لجيوشهم وجواسيس يطلعونهم على عورات المسلمين، بل سمح بعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لبعض الحاميات المغولية بالنزول في حصونهم، فوقعوا هم أنفسهم تحت سيطرة ورحمة تلك الجماعات1، وكذلك تآمر الصليبيين الدائم مع الحشيشيين2 الذي كانوا خطرا دائما يهدد كل مجاهد مسلم من زعماء المسلمين. لهذا قرر بيبرس كما قلده في ذلك خلفاؤه أمثال قلاوون والأشرف خليل، اجتثاث الخطر الصليبي نهائيا من بلاد الشام3. وكتمهيد لتحقيق هذا الهدف تحالف بيبرس مع الإمبراطور البيزنطي باليولوجس عدو الصليبين، حيث عقد معه معاهدة دفاعية عام 660 هـ (1262م) 4 كما حالف مغول القفجاق المسلمين (القبيلة الذهبية) وهادن أعداء المسلمين مغول فارس الوثنيين5. بعد كل هذه الترتيبات توجه بيبرس نحو الشام عام 663 هـ (1265 م) قاصدا إعداد قواته وإعادة توزيعها، تمهيدا لتنفيذ غرضه، وعند ذلك أحس الصليبيون بالخطر الكائن في استعدادات بيبرس ونيته نحوهم، فأرسلوا إليه وفودهم تعرض عليه المسالمة، وتعبر عن حسن نيتها نحوه، ولكنه كان يردها قائلا: "ردوا ما أخذتموه من البلاد، وفكوا أسرى المسلمين جميعهم، فإني لا أقبل غير ذلك" ثم يطردهم من حضرته6. وكان من حماس بيبرس في جهاد الصليبين، أنه لم يخل عام من الأعوام العشرة ما بين 659-669 هـ (1261- 1271م) إلا وكان يشن فيه حربا، ويسترد أرضا من أرض إحدى الإمارات الباقية بأيديهم وهي: أنطاكية، وطرابلس، وبعض مملكة القدس. فبادر عام 661 هـ (1263م) بمهاجمة مدينة الناصرة، ثم هاجم بنفسه مدينة عكا الحصينة، ولكنه لم يتمكن أن فتحها بسبب ما أقامه فيها لويس التاسع من تحصينات7.   1أحمد العباد، قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، دار النهضة العربية، بيروت، 1969م، ص: 222 2الحشاشون والحشيشية يقصد بهم الفداوية، لاشتهارهم بتناول المخدرات المعروفة بالحشيش، وقيل إنه ربما أطلق عليهم هذا الاسم لكثرة اغتيالهم المراء، من الحش بمعنى القطع، وبذلك تكون التسمية بعيدة عن موضوع الحشيش المخدر. Ensyclopidia of religion, art. Assassins وبروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية 3مفصل بن أبي الفضائل، النهج السديد، ص: 192. المقريزي، السلوك: 1/584_ 600. 4بيبرس الدوادار، زبدة الفكر: 9/262/9. Lane, Poole, of Egypt in the middle ages (London 1925) . P. 266 5المقريزي، السلوك: 1/ 465. 6المقريزي: السلوك: 1/485_ 486. 7ابن كثير: 13/244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وفي عام 663 هـ (1265م) حاصر مدينة قيسارية وفتحها رغم حصانتها1، ثم غادرها جنوبا إلى قلعة أرسوف البحرية2 التي كَانت تحت سيطرة شرسان الاسبتارية المشهورين ببسالتهم، فقاموا بالدفاع المستميت عنها، ولم يمكنوا بيبرس من فتحها فلجأ إلى الحيلة بأن اتفق معهم على أن يستسلموا مقابل تأملات حياتهم، ولكنه قام بنقلهم إلى القاهرة بعد أن أمرهم بهدم قلعتهم3. وبعد ذلك قام بفتح يافا وعتليت، ثم استولى في العام التالي على صفد4 وهونين وتبنبن5، والرملة6 مما جعل الإمارات الصليبية في حالة احتضار يائسة دفعتها إلى معاودة استعطاف السلطان بيبرس طالبة مصالحته، أو على الأقل عقد هدنة معه، وفي هذه المرة رأى أس من المناسب إجابة طلبهم، فصالحهم عَلى أساس المناصفة أو المشاركة وذلك بأن تصبح له حصة في غلاتهم ومنتجاتهم7. ومن أطرف هذه الاتفاقيات بين بيبرس والإمارات الصليبية تلك الاتفاقية التي عقدتها معه ازابيلا، ملكة بيروت عام 667 هـ (1268م) ومدتها عشر سنوات، فقد ذكر القلقشندي8 أن هذه الملكة قد وثقت ببيبرس إلى درجة أنها كانت عندما ترغب حب السفر إلى جهة ما، تذهب بنفسها إلى بيبرس وتستودعه بلادها9، وعندما خطفها الملك هيو الثالث ملك جزيرة قبرص قام بيبرس بتخليصها عن طريق توجيه   1 المقريزي: السلوك، حوادث سنة: 661، 662. 2 ارسوف مدينة ساحلية على بحر الروم، بها قلعة وعليها سور، كانت في زمن آبي الفداء خرابا (أبو الفداء: تقويم البلدان، ص: 239) . 3 المفريزي: السلوك: 1/529 " ولا يعتبر هذا غدرا منه لأن هؤلاء الفرسان جبلوا على الخيانة والغدر وطالما غدروا بالمسلمين ". (ابن كثير: البداية: 13/244) . 4 ابن كثير: البداية: 13/249، أمر بأن يكتب على أسوار قلعة صفد " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". قيل إنها فتحت صلحا، ثم قتل بيبرس ألفين من أهلها وخرب قلعتها، ثم بناها ونقش عليها عبارة تدل على زهوه بالنصر جاء فيها:" عماد الدين الذي حول الكنائس إلى مساجد، ورنين النواقيس إلى أصوات المؤذنين، وقراءة الإنجيل إلى ترتيل القرآن". (علي إبراهيم حسن: ص180) . 5 حصون تحيط بمدينة بانياس التي كان بها قلعة الصبيبة، ومن هذه المدن والحصون شقيف ارنون، وشقيف تيرون، والجليل وصفد والناصرة وصفورية. (أبو الفداء: تقويم البلدان: 345) . 6 الرملة مدينة بفلسطين بناها سليمان بن عبد الملك، بينها وبين القدس يوم واحد. (القلقشندي: صبح الأعشى: 4/99) . العيني، بدر الدين أبو محمد بن أحمد 855هـ (1452م) : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، الجزء الخامس بحوادث سنة 656_ 673. مخطوطة بدار الكتب المصرية رقم: 1584. المقريزي: السلوك: 1/550، وذكر ص: 544_ 547 أن الاستيلاء على يافا كان سنة 666هـ 7 القلقشندي: صبح الأعشى: 4/44_ 51. أبو المحاسن: النجوم: 7/150. 8 القلقشندي: نفسه: 4/39. 9 تاريخ ابن الفرات: 7/35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 تهديدات لهيو. لهذا اتخذت لنفسها حرسا من المماليك حتى ماتت عام 672 هـ (1274م) ، وقلدتها في هذه السياسة أختها وخليفتها حتى استولى المسلمون على بيروت1. أما عن موقف السلطان الظاهر بيبرس تجاه العدو الآخر والحليف الدائم لكل من الصليبين والمغول، وأعني به مملكة أرمينيا الصغرى2 فقد وجه إليها في عام 665 هـ (1266 ا) القائد قلاوون. بقصد تأديب ملكها على تحالفه مع التتار زمن هولاكو وأبقاخان، وتشجيعه لهما على مهاجمة الشام ومصر، والمساهمة في دعمهما بفرض حصار اقتصادي على دولة المماليك، حيث منع عنها مادتي الخشب والحديد3. وقامت قوات قلاوون بهزيمة الأرمن قرب دراساك، ودمرت مدن سيس وأضنه وطرسوس والمصيصة، وألحقت بها دمارا هائلا في هجومها الذي استغرق عشرون يوما فقط، وقتل قلاوون أحد أبناء ملك أرمينيا وأسر الابن الثاني، في حين كان الملك نفسه- هيثوم الأول- في زيارة للمغول في بلاد فارس. ولم يوافق بيبرس على إطلاق أسيره إلا مقابل تنازل والده عن عدة مواقع استراتيجية ودفع جزية سنوية4. ومنذ ذلك الحين أصبحت أرمينية الصغرى ضعيفة لم تسبب للمسلمين أي مشكلة، إلا مرة واحدة في عهد السلطان محمد قلاوون حيث أخضعها نهائيا5. وفي عام 666 هـ قام بأخذ يافا عنة وأجلي أهلها إلى عكا ثم استولى على حصن الشقيف وأجلي أهله إلى صور، ثم هاجم صور فنهب وأرعب، ثم هاجم حصن الأكراد ثم سار عنوة إلى حمص ومنها إلى حماه ثم إلى فامية6.   1يذكر رنسيمان runciman, a history of the crusades. (Cambridge 1957) p. 342_ 343 أن بيروت سقطت بيد الأشرف خليل عام 1291م (690هـ) ، بينما يذكر المقريزي أنها سقطت بيد الناصر قلاوون سنة 688هـ (1289م) (المقريزي: السلوك: 1/646_ 647) . 2 سميت أرمنية الصغرى تمييزا عن أرمنية القديمة الممتدة جنوب القوقاز والبحر الأسود، أي ما بين بلاد فارس والعراق شرقا وبلاد الروم غربا، وتقع أرمينيا الصغرى في جنوب الأناضول وقيليقية من الرها شرقا إلى أضنه غربا وعاصمتها سيس. (أرشيبالد لويس: القوى البحرية والتجارية ص: 334) وهي اليوم مقسمة إلى منطقتين، إحداهما مع روسيا باسم جمهورية أرمينيا الاشتراكية والأخرى تركية مكونة من عدة ولايات أهمها ولاية أرضروم. (سعيد عاشور: الحركة الصليبية: 2/1148) . 3 سعيد عاشور: قبرص والحروب الصليبية: 2/1147، القاهرة، مكتبة النهضة، 1957م. 4 أبو المحاسن: النجوم: 7/14. المقريزي: السلوك: 1/552. 5 المقريزي: السلوك: 3/552. 6 ابن كثير 13/251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 سقوط أنطاكية بيد السلطان بيبرس : وجه بيبرس همه إلى أنطاكية أقوى الإمارات الصليبية المتبقية والمتحالفة مع التتار، فبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 بمهاجمة البلاد المحيطة بها، حيث استولى على عدة قلاع تقع إلى الشمال منها1 ثم وجه همه نحوها بجيشه المؤلف من ثلاث فرق، استولت الفرقة الأولى منها على ميناء السويدية، لتقطع اتصال انطاكيا بالبحر، ورابطت الفرقة الثانية في ممرات قيليقيه لتمنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى، ثم هاجم المدينة بالفرقة الثالثة، واستمرت الهجمات، ودام الحصار. ثم جرت مفاوضات لتسليمها صلحا، ولكنه رفض، واستطاع أن يفتحها عنوة، في رمضان عام 666 هـ (1268م) فأحرقها2، وقتل من أهلها خلقا كثيرا3، وأسر أعدادا هائلة منهم، وغنم مالا يحصى من الأموال بلغ من كثرتها (أن قسمت الأموال بالطاسات) وبلغ الأسرى من الكثرة حتى أنه لم يبق غلام إلا وله غلام، وبيع الصغير باثني عشر درهماً) 4. فكان سقوطها معلما خطيرا على طريق نهاية الصليبين بالشام لأنها كانت بحكم موقعها الجغرافي سندا لهم منذ بداية الحروب الصليبية، وسبب سقوطها ذعرا شديدا في صفوف الصليبين، حتى أرسل ملك أرمينية الصغرى يعرض على بيبرس أن يسلمه بلاده مقابل الاستمرار في مهادنته5. ولم يكتف بيبرس بهذا النصر العظيم، فوجه همه نحو جزيرة قبرص ليؤدب ملكها هيو الثالث، الذي كان دائم التهديد للسفن الإسلاَمية في البحر الأبيض المتوسط، ودائم المساعدة للصليبين، فوجه نحوه حملة بحرية عام 668 هـ (1270م) 6، ولكنها فشلت بسبب العواصف التي حطمت معظم سفنها7 فنجي بذلك ملكها من عقاب بيبرس8. لم يثن هذا الفشل في فتح قبرص، بيبرس عن مواصلة الجهاد ضد الصليبيين، فاستولى في عام 669 هـ (1270م) على صافيتا وحصن الأكراد، وحصن عكار، والقرين، ثم واصل مهاجمة إمارة طرابلس، فاستولى على ما حولها من حصون وممرات وكاد أن يفتحها،   1 Stevenson: the crusades. P. 339 2 المقريزي: السلوك: 1/544_ 547. ابن كثير: البداية والنهاية 13/251. 3 قيل أنه قتل من أهلها مائة ألف، ومن جنود قلعتها ثمانية آلاف. Lane_ pode, Egypt in middle ages p. 297. 4 المقريزي: السلوك: 1/568. Runciman, op. cit. p. 324_ 325 5 ونتبين استهانة بيبرس بالصليبين من الرسالة التي كتبها لأمير انطاكية بوهيمند السادس الذي كان لدى سقوط مدينته يقيم في إمارته طرابلس. (أبو المحاسن: النجوم: 7/147) . lane_ Poole: the history of Egypt in the middle ages. P. 297. 6 سعيد عاشور: قبرص والحروب الصليبية ص: 47_ 48. 7 العيني: عقد الجمان، حوادث سنة 669هـ. 8 ابن كثير 13/259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ولكنه عندما علم بخروج الحملة الصليبية الثامنة من فرنسا خشي أن تكون جهتها مصر، فسارع إليها للاستعداد لمواجهة هذا الخطر1، وعندما تيقن من توجه تلك الحملة إلى تونس عاد عام 670 هـ (1271م) لمواصلة هجومه على طرابلس فطلب أميرها بوهيمند السادس الصلح، ووصلت الأخبار بوصول الأمير إدوارد2 الأول إلى عكا، فظن أنها مقدمة لحملة صليبية كبرى، فاستجاب بيبرس لطلب بوهيمند وعقد معه صلحا مدته عشر سنوات3، وتبعتها مملكة بيت المقدس فعقدت صلحا مماثلا، مما مكن بيبرس من التفرغ لقتال المغول والإسماعيلية، فوجه همه نحو الإسماعيلية، "الحشاشين" الذين كانوا يعادون المسلمين ويتآمرون مع الصليبين ضدهم، ويغتالون كبار المجاهدين من قادتهم كما تعاونوا مع المغول، ودفعوا لهم الأتاوات4، فعزل مقدمهم نجم الدين الشعراني، وهدم حصونهم وقضي عليهم، بعد أن سلموها له وأشهرها الكهف والقدموس والمنطقة، وعوضهم عنها بإقطاعات5.   1 السيد عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، ص: 269. 2 أصبح ملك إنجلترا فيما بعد، كان معه حوالي 1000 محارب، جاء البلاد بناء على اتفاق مع أبغاخان المغولي على غزو مصر والشام، ولكن انشغال ابغا بمحاربة مغول التركستان حال دون ذلك، فعاد إدوارد بعد أن طعنه أحدهم بسكين، وبعد أن عقد هدنة مع بيرس مدتها عشر سنوات (سعيد عاشور: الحروب الصليبية: ص 1159) . 3 أثناء المفاوضات اندس بيبرس بين أعضاء وفده إلى بوهيميند كخادم ليتمكن من الاطلاع على حصون طرابلس. (المقريزي: السلوك: 1/ 594) . 4 السيد عبد العزيز سان: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، ص: 269. 5 ابن كثير البداية والنهاية 13/ 264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 جهاد السلطان الناصر قلاوون ضد الصليبيين : لم يكد السلطان قلاوون يعتلي عرش مصر، حتى تمرد عليه نائب الشام، الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، فأعلن نفسه ملكا باسم الملك الكامل، واستولى على عدة حصون من حصون الشام، منها قلعة صهيون، ثم اتصل بأعداء المسلمين من مغول وصليبيين6 محاولا الاستعانة بهم ضد قلاوون، مما جعل أهل الشام ينفرون منه، وينفضون من حوله، ويتخلون عن نصرته، واستغل المغول هذه الفرصة، فاحتلوا بعض حصون الشام 769 هـ (1280م) ، واستولوا بقيادة أبغا على مدينة حلب، التي أحرقوا مساجدها ومدارسها وقتلوا معظم أهلها7، ولم يُضع الصليبيون هذه الفرصة، فقاموا بمحاولة لاسترداد حصن الأكراد، ولكنهم فشلوا8. وعندما علم قلاوون بهذا التحالف وهذه   6 أبو الفداء: المحتضر، حوادث سنة 679. 7 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة: 7/ 299. king: the knights hospitalers in the holy land. (London 1931) p282. 8 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الجرائم خرج من مصر متوجها إلى الشام للقضاء على هذا الخطر، ولكنه لم يكد يغادر أرض مصر، حتى تعرض لمؤامرة داخلية جاءت من قبل بعض المماليك الذين يدعون بالمماليك الظاهرية1. حيث تآمروا عليه بالاتفاق سرا مع الصليبيين. فواجه الموقف بسرعة وقبض عليهم فأعدم بعضهم وسجن البعض الآخر وأعاد النظام إلى صفوف جيشه2. فر المغول عندما علموا بوصول جيش الناصر قلاوون إلى غزة في طريقه لمحاربتهم، فأخلوا مدينة حلب والحصون التي كانوا قد احتلوها وأسرعوا عائدين نحو العراق3 ولم يصمد الأمير سنقر بدوره أمام جيش قلاوون وفر هاربا إِلى المغول محاولا مرة أخرى حضهم على غزو مصر4. عندئذ رأى السلطان قلاوون أن أخطر هؤلاء الأطراف الثلاثة المتآمرين هم المغول، عقد صلحا مع الصليبيين من داوية واسبتاريه ومع بوهيمنند السابع أمير طرابلس، مدته عشر سنوات، وذلك عام 680 هـ (1281م) . وعفا عن الأمير سنقر الأشقر وعينه حاكما على أقليم أنطاكية5، واتفق مع الصليبيين في عكا بأن يكونوا على الحياد. وبهذا تفرغ لمقارعة المغول الذين عادوا التوجه نحو الشام بقيادة أبغا، يؤازرهم حليفهم ليو الثالث ملك أرمينيا الصغرى، فالتقى بهم قلاوون عام 680 هـ (1281م) في حمص وهزمهم بعد أن (هلك منهم خلق كثير) 6. وهنا قرر الناصر أن ينتقم من الصليبين مستغلا، نصره على المغول وغير عابئ بصلحه معهم عام 680 هـ الذي كانت مدته عشر سنوات ولما يمض عليه سوى أربع سنوات فهاجم عام 684 هـ (1285م) حصن المرقب7، ففتح ذلك الحصن الهام الذي كان فتحه خسارة كبرى للصليبيين لأنه أن أهم حصونهم8 ثم أتبع ذلك بالاستيلاء على   1 نسبه إلى الظاهر بيبرس. 2 مفصل بن أبي الفضائل، النهج السديد: 2/322. وذكر ابن إياس 930هـ (1523م) ، أبو البركات محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ثلاثة أجزاء، بولاق، 1312هـ، أن هذه الحادثة من قبل المماليك الظاهرية كانت سببا لإقدام الناصر قلاوون على إنشاء المماليك البرجية. 3 أبو المحاسن: النجوم: 7/299. 4 المقريزي: السلوك: 1/676. 5 النويري: نهاية الأرب: جـ29 ورقة 270. 6 رشيد الدين الهمداني (1318هـ) ، جامع التواريخ: 2/83. 7 المُرَقَّب بالفتح ثم السكون وقاف وباء بلد وقلعة حصينة تشرف على ساحل بحر الشام. زكريا بن محمد بن محمود القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، ص 24، دار صادر، بيروت. 8 المقريزي: السلوك: 1/628. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 اللاذقية عام 686 هـ (1287م) التي كانت آخر أملاك إمارة أنطاكية المتبقية بين الصليبين. بعد ذلك جاء دور طرابلس، وكانت حصينة، وقد مات أميرها بوهيمند السابع دون وريث، فدب النزاع بث الطامعين في إمارتها، حتى استعان بعضهم بالسلطان قلاوون1، فاستغل هذه الفرصة وهاجمها في جيش لجب يضم أربعين ألفا من الفرسان وأكثر من مائة ألف من الرجال، وفتحها سنة 686 هـ (1289م) 2. ثم استولى على بيروت وجبله وبهذا لم يبق بيد الصليبيين سوَى صور3 وصيدا وعتليت وعكا التي كانت مركز مملكة بيت المقدس بعد سقوط القدس. ورأى قلاوون أن يؤجل إلى حين الاستيلاء على بقية البلاد من أيدي الصليبيين، فوافق على تجديد الهدنة معهم لمدة عشر سنوات4 وتوجه إلى دمشق ولكن جموعا صليبية متحمسة وصلت من إيطاليا 689 هـ (1290م) ونزلت في عكا، وأخذت في الاعتداء على المسلمين المتواجدين خارجها، مما أغضب السلطان قلاوون ودفعه لأن يقسم على الانتقام منهم، وأخذ في الاستعداد لهذا الغرض، ولكنه توفي فجأة وهو في الطريق لتحقيقه5 عام 689 هـ (1290م) . وقد وصف ابن العمري قلاوون رحمه الله بقوله: "كان رجلا مهيبا شجاعا، فتح الفتوحات الجليلة، مثل المرقب وطرابلس، التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض لها لحصانتها، وكسر جيش التتار في حمص، وكانوا في ثمانين ألفا"6. وقد خلف الأشرف خليل بن قلاوون أباه في السلطنة، لأن أخاه الملك الصالح على بن قلاوون الذي أقامه أبوه ملحَا في حياته قد مات في سنة 687 هـ (1288م) بعد أن بقي ثماني سنوات سلطانا في حياة أبيه. ولم يكن الأشرف خليل محبوبا من الأمراء: لأنه كان قاسيا وغير متمسك بحسن الخلق7، حتى اتهم بدس السم لأخيه علي، وقد استلم الحكم فور وفاة أبيه، وقضى على   1 أبو المحاسن: النجوم: 7/320_ 321. 2 المقريزي: السلوك: 1/646_ 647. 3 مدينة ساحلية حصينة على بحر الروم (البحر المتوسط) على مرتفع من الأرض. أبو الفداء، تقويم البلدان ص243. 4 سعيد عاشور: الحركة الصليبية: 2/1177. 5 المقريزي: السلوك: 1/754. Lane_ Poole: op. cit. p. 281_ 282 6 علي إبراهيم: ص: 61. 7المقريزي: السلوك: 1/792_ 793. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة الذي تآمر عليه، ثم استعد للخروج إلى الشام، ورغم محاولة الصليبيين ثنيه عن ذلك بأن أرسلوا إليه (يسألونه العفو) فإنه (لم يقبل منهم ما اعتذروا به) 1. توجه نحو عكا، واجتمعت إليه جيوش مصر والشام سنة 690 هـ (1291م) فقام بمحاصرتها مدة أربعة وأربعين يوما، ورماها بالمنجنيق، حتى فتحها في جمادى الأول من عام 690 هـ (1291م) ، رغم المقاومة العنيدة التي أبدتها حاميتها، وإمدادات قبرص لها2 - حيت أن الصليبين كانوا يعلمون أنها آخر أمل لهم في البقاء في الشام- وقد فر بعض سكانها إلى عرض البحر المتوسط وتكدسوا في السفن التي غرق بعضها لكثرة من كانوا على ظهرها3. وبعد ذلك قام الأشرف خليل بالاستيلاء بسهولة على بقية ما تبقى بأيدي الصليبين مثل صور وحيفا اللتين قاومتا مقاومة كبيرة، ثم اضطرتا للتسليم فنجتا بذلك من التخريب4، ثم استولى الأشرف خليل على عتليت وصيدا وانطرسوس5، وبهذا تم القضاء نهائيا على الوجود الصليبي في الشام، وإن كان الصليبيون في جزيرة إرواد6 المقابلة للساحل الشرقي قد ظلوا يغيرون على السواحل بين الفينة والأخرى ويقطعون الطرق، مما أزعج نائب السلطنة المملوكية على الشام، وجعله يطلب معونة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فجهز أسطولا ووجهه نحو هذه الجزيرة بعد أن ضم إليه جيش طرابلس ففتحها وملكها وقتل من أهلها خمسمائة7 وذلك عام 702 هـ (1302م) . وهكذا بالقضاء على الصليبين في عام 690 هـ (1291م) وبزوال الخطر المغولي عن الشام ومصر، أصبح لدولة المماليك شأن عظيم في السياسة الدولية خصوصاً في عهد سلطانها الناصر محمد ابن قلاوون في سلطنته الثالثة. أدرك الصليبيون في أوربا فشل محاولاتهم المتلاحقة للعدوان على بلاد الإسلام في الشام ومصر، ورأوا زوال آخر إماراتهم بعد قرنين من تأسيسها، رغم ما بذل في سبيل إقامتها   1 المقريزي: السلوك: 1/ 762. lane_ Poole: op. cit. p. 2892. 3 أبو المحاسن. النجوم: 8/ 6- 7. 4 المقريزي: السلوك: 1/ 765. 5 سعيد عاشور: الحركة الصليبية: 2/ 1183، 1184. 6 جزيرة على ساحل بلاد الشام، فتحها المسلمون سنة 54هـ (انظر: لفظ إرواد في معجم البلدان) . 7 أبو الفداء: المختصر: 3/43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 من جهود مادية ومعنوية، ومن سفك في سبيلها من دماء، كما لمسوا فتور الحماس الصليبي، بعد فشل حملتي لويس التاسع السابعة والثامنة على مصر وتونس، لذلك اضطروا إلى تقبيل اليد التي حاولوا قطعها فلجأوا إلى الدبلوماسية والمراسلات والسفراء والهدايا، علهم يحققون عن طريقها ما فشلوا في تحقيقه بالتعصب والسيف. انهال سفراء الدول الأوربية على بلاط الملك الناصر محمد بن قلاوون في القاهرة، محملين بالهدايا والرسائل التي تلح في طلب الصداقة والموادعة، وتوثيق عرى الصداقة، في حين كان غرضها الأساسي هو استدرار عطف الناصر على النصارى في دولته، سواء من كان منهم من الأقباط في مصر أو من أهل الشام، فأرسل البابا يوحنا الثاني والعشرين في عام 727 هـ (1326م) رسالة إلى الناصر طالبا منه أن يعامل نصارى الشرق معاملة عادلة، مقابل معاملة مماثلة للمسلمين، فرد عليه الناصر مجيبا طلبه1. وفي نفس السنة أرسل شارل الرابع ملك فرنسا رسالة مماثلة لنفس الغرض فرد عليه الناصر أيضا مجيبا طلبه2، كما أرسل إليه إمبراطور بيزنطة سفراء محملين بالهدايا راجيا إياه معاملة النصارى الملكانيين لديه بالرعاية والعدل3، فقبل الناصر طلبه، وعقد معه حلفا لصد الأتراك العثمانيين4. وبلغت العلاقات بين الناصر ويعقوب ملك ارغونة شأوا كبيرا بسبب المراسلات بينهما ما بين سنتي 03 7- 728هـ (1303_1327م) ، التي كان هدفها إيجاد علاقة صداقة بينهما، والحصول على ميزات تجارية لأرغونة في مصر، وتسهيل الحج للأراضي المقدسة، وإطلاق سراح النصارى المسجونين في مصر، وضمان حسن معاملة الأقباط والنصارى عامة في الشرق5. وقد رأى الناصر محمد- الذي كان ملكا مستنيرا محنكا، يميل إلى المسالمة- رأى ذلك فرصة لتوثيق العلاقات بين دولته والآخرين في الشرق والغرب6، يحقق بها مصالح مشتركة وخاصة حماية المسلمين في أسبانيا التي كانت خاضعة لحاكم أرغونة، بالإضافة إلى المصالح التجارية والعسكرية في الوقوف أمام الخطر التركي العثماني.   1 atiya: Egypt and Aragon. Pp. 54_ 55. 2 lbid 3 atiya: the crusades in the later middle ages. (London, 1938) . P. 3 372 4 lane_ Poole: Egypt in the middle ages. P. 801 5 انظر: إبراهيم حسن: 185. 6 علي إبراهيم: 184_ 185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ولا أدل عام أهمية دولة المماليك الإسلامية في هذا العصر من أن يصبح سلاطينها محط أنظار السفراء والرسل من مغول ويمنيين وأرمن ونوبيين، حتى وصفهم المقريزي بقوله1: "وفيه (25 محرم 5 72 هـ) اجتمع بمصر من رسل الملوك ما لم يجتمع منهم في الدولة التركية، وهم رسل اليمن ورسل صاحب اسطنبول! ورسل الأشكري2 ورسل متملك سيس، ورسل أبي سعيد (ملك التتار) ، ورسل ماردين ورسا ابن قرمان ورسل متملك النوبة وكلهم يبذلون الطاعة". إلا أن هذه المكانة قد ضعفت بموت السلطان الناصر محمد فسبحان مغير الأحوال3   1 المقريزي: السلوك: 2/163_ 164و 159. 2 هو نفسه صاحب اسطنبول إمبراطور الدولة البيزنطية. 3 أبو المحاسن: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، 3 أجزاء، مخطوطة بدار الكتب المصرية، رقم 1113: 3/ 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع العربية 1_ ابن الأثير، 630 هـ (1232م) عز الدين، علي بن محمد الجزري، الكَامل في التاريخ، (12 جزءا، بولاق) 1310 هـ. 2 _ أحمد مختار العباديَ، دكتور: قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، دار النهضة العربية، بيروت، 1969م. 3 _ ابن إياس 930 هـ (1523 م) محمد بن أحمد الحنفي، بدائع الزهور في وقائع الدهور (كتاب تاريخ مصر) ، 3 أجزاء، بولاق، 1370 م. 4 _ بيبرس الدوادار 725 هـ (1325م) الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري: زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، الجزء العاشر، مكتبة جامعة القاهرة، رقم 24028 تاريخ، تصوير شمسي. 5 _ جميل عبد الله المصري، دكتور: الموالي، موقف الدولة الأموية منهم، دار أم القرى للنشر والتوزيع، عمان، 1988م، الطبعة الأولى. 6 _ جوزيف نسيم جوريف: 1- العدوان الصليبي على مصر، دار النهضة، بيروت، 1981م. 2- العدوان الصليبي على الشام، دار النهضة، بيروت، 1981م. 7 _ الخزرجي، علي بن حسن (القرن الثامن الهجري) : العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، جزءان. 8 _ ابن خلدون، 808 هـ (1405م) ، عبد الرحمن بن أحمد: 1- مقدمة ابن خلدون، بيروت، 1900م. 2- العبر وديوان المبتدأ والخبر، 8 أجزاء، القاهرة، 1984 م. 9 _ الذهبي، 748هـ (1347م) شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء. 10_ رشيد الدين، فضل الله الهمداني، جامع التواريخ، تاريخ المغول، نقله إلى العربية محمد صادق نشأت وفؤاد عبد المعطي الصياد، القاهرة,.196م. 11_ السيوطي 917 هـ (1605م) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: 1- تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله، المطبعة الأميرية، 1351هـ. 2- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، جزءان، 1327هـ. 12_ ابن شاكر 873 هـ (1469م) ، فخر الدين محمد: فوات الوفيات، بولاق، 1299م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 13- أبو شامة 665 هـ (1268 م) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي، الذيل على الروضتين، تحقيق: عزت العطار بعنوان تراجم رجال القرنين السادس والسابع، القاهرة، 1947م. 14_ ابن شاهين 873 هـ (1468م) ، غرس الدين خليل الظاهري: زبدة كشف الممالك وبيان طرق المسالك، تحقيق بول رافيس، باريس، 1895 م. 15- ابن شداد، بهاء الدين: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، القاهرة، 1317هـ. 16- الطبرِي 130هـ (923م) ، أبو جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك، 13 جزءاً ليدن، 1890 م. 17- أبو الفداء732 هـ (1331م) إسماعيل بن عاكف عماد الدين صاحب حماه: المختصر في أخبار البشر، 4 أجزاء، 1286 هـ. 18- ابن الفرات المصري 807 هـ (1405 م) ، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم: تاريخ ابن الفرات المعروف باسم: الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك، تحقيق: قسطنطين زريق والمستشرق ليفي دلافيدا. 19- ابن أبي الفضائل 672 هـ (1273م) مفضل: النهج السديد والدر المفيد فيما بعد تاريخ ابن العميدة جزءان، حققت بلوشيه، باريس، 1912م. 20- القلقشندي 821 هـ (1471م) ، أبو العباس أحمد: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، 14 جزءا، القاهرة، 1913 _ 9119م. 21- ابن كثير 774 هـ (1387م) عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر: البداية والنهاية في التاريخ، 14 جزءا، القاهرة، 1351_ 1358هـ. 22- عاشور، سعيد عبد الفتاح: 1- الحركة الصليبية، جزءان، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963 م. 2- قبرص والحروب الصليبية، القاهرة، مكتبة النهضة، 1957م. 3- مصر في عهد دولة المماليك البحرية، القاهرة، 1969م. 23- ابن عبد الحكم 257 هـ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم: فتوح مصر والمغرب، طبعة 1924م. 24- عبد الله بن أيبك، القرن الثامن أبو بكر: كنز الدر وجامع الغرر أو الدرة الزكية في أخبار الدولة التركية، تسعة أجزاء في 27 مجلدا، مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم 2578. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 25- عبد المنعم ماجد: دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر، مكتبة الأنجلو. (بدون تاريخ) . 26- علي إبراهيم حسن: تاريخ المماليك البحرية، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1967م. 27- العمري 749 هـ ابن فضل الله شهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحي: 1- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، 20 جزءا، مخطوطة بدار الكتب برقم (2368) . 2- التعريف بالمصطلح الشريف، القاهرة، 1302 هـ. 28- العيني 855 هـ (1452م) بدر الديات أبو محمد بن أحمد: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، 23 جزءا في 69 مجلدا، الجزء الخاص بحوادث 656-673 هـ (مخطوطة بمكتبة دار الكتب المصرية برقم 1584) . 29- أبو المحاسن 874 هـ (1496م) ، جمال الدين بن يوسف بن تَغري بردي: 1- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 9 أجزاء، دار الكتب، 1939م. 2- المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، 3 أجزاء، مخطوطة بدار الكتب برقم 1113. 30- المقدسي 383 هـ (977م) ، شمس الدين أبو عبد الله محمد: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة دي غويه 1893م. 31- المقريزي 845 هـ (1441م) تقي الدين أحمد بن علي: المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق، 1270 هـ، والقاهرة 1930م، تحقيق: مصطفى زيادة. 2_ السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1939م. 32- المقري 1 104هـ (1631م) ، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968م. 33- ابن واصل 697 هـ (1297م) ، جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليم الشافعي: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ط صورة شمسية بمكتبة جامعة الإسكندرية تحقيق: جمال الشيال. 34- يوسف دريان: 1- لباب البراهين الجلية عن حقيقة أمر الطائفة المارونية منذ أوائل القرن الخامس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 إلى أوائل القرن الثالث عشر من القرون المسيحية. (تاريخ الطبع غير معلوم) . 2- نبذة تاريخية في أصل الطائفة المارونية واستقلالها بجبل لبنان من قديم الدهر حتى الآن، القاهرة، مطبعة الأخبار، 1916 م. المراجع الأجنبية Atiya: Egypt and Aragon The crusades in the later middle ages. (London 1938) . Davis ,E.J: invasion of Egypt in A.D 1249 (London 1897) . Encyclopedia of Islam. Encyclopedia of religion. Haut Coeur et wiet: les mosques de caire. Heyel. W: histoire du commerce du Levant and au Moyer age. 4 vols, (Leipzig 1899) . Hitti. P.k. the history of the Arabs. (London 1940) . Join Ville. Jean. sire. de history of st.louis.tr.joan Evans. King: the knights of hospitellers. Lane- poole: history of Egypt in the middle ages- (London 1925) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142