الكتاب: الكتاب والسنة أثرهما ومكانتهما والضرورة إليهما في إقامة التعليم في مدارسنا المؤلف: ربيع بن هادي بن محمد عمير المدخلي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة عشرة، العدد الثاني والستون - ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1404هـ/1984م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الكتاب والسنة أثرهما ومكانتهما والضرورة إليهما في إقامة التعليم في مدارسنا ربيع بن هادي المدخلي الكتاب: الكتاب والسنة أثرهما ومكانتهما والضرورة إليهما في إقامة التعليم في مدارسنا المؤلف: ربيع بن هادي بن محمد عمير المدخلي الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة عشرة، العدد الثاني والستون - ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1404هـ/1984م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الكتاب والسنة أثرهما ومكانتهما والضرورة إليهما في إقامة التعليم في مدارسنا للدكتور ربيع هادي مدخل ي أستاذ مشارك بقسم الدراسات العليا بالجامعة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره الكافرون. اللهم صل وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه. وبعد: فإنّ الإسلام العظيم يحثّ على العلم ويشيد به ويمجّد أهله ويرفع من شأنهم قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} . (سورة الزمر: الآية 9) , وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . (سورة فاطر: الآية 28) . وبيَّن الرسول الكريم سيد العلماء وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام أنّ طلب العلم نوع من أنواع الجهاد فقال: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ". وأنّ البحث عنه وتطلّبه يفضي بصاحبه إلى الجنة. "من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقا إلى الجنة "1 وللعلماء عند ربهم درجات رفيعة عالية قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .   1 أخرجه البخاري: 3- كتاب العلم بدون إسناد، وأخرجه مسلم 48 من كتاب الذكر والدعاء باب ا1- حديث (2701) ضمن حديث طويل, وأبو داود: 19- العلم باب ا- حديث (3641) ضمن حديث طويل, الترمذي: 19 كتاب العلم حديث (2682) , وأحمد في المسند: 2/ 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وبيّن تعالى الفرق الكبير بين العالم والجاهل فقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} . وحكومتنا الرشيدة وفقها الله وثبّت أركانها وسدّد خطاها إدراكاً منها لمكانة العلم ومخاطر الجهل جنّدت إمكانيات هائلة ورصدت الميزانيات الضخمة ليشمل العلم والتعليم كل أفراد شعبها الكريم ذكوراً وإناثاً وصغاراً وكباراً تتدرّج بهم في سُلَّم العلم من المراحل الابتدائية إلى أعلى مراحل التعليم الجامعية وما بعد الجامعية (الدراسات العليا) في مختلف العلوم والفنون. وهذه نعمة كبرى على هذا البلد العظيم مهبط الوحي ومنبع النور الذي أضاء العالم فبدّد ظلمات الجهل والشرك والكفر فيجب على هذا البلد العظيم حكومة وشعباً أن يدرك قيمة هذه النعمة الكبرى ليبذل أقصى جهده في إرضاء ربه والقيام بواجب شكره حتى تدوم هذه النعمة الكبرى وتستمر قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} . ويجب أن يدرك أنه لم يحتل هَذه المكانة الرفيعة إلا بالعلم الذي أنزله على أفضل خلقه وأكرم رسله ألا وهو علم الكتاب والسنة, والذي يحاول أعداء الإسلام بطرق خطيرة غاية الخطورة أن يحولوا بيننا وبينه فيضعون بيننا وبينه الحواجز والسُدود الظاهرة والخفية حتى نعيش في ظلمات كثيفة من الجهل ونحيا حياة البهائم لا همّ لنا إلا الأكل والشرب والمتاع الدنيوي. إننا جميعاً حكومة وشعبا نعتز بالإسلام ونحبه ونجله ونفتديه بأموالنا وأرواحنا وكل غال ونفيس, ومع كل هذا- ونحن في غمرة السباق مع أعدائنا في ميادين العلوم الدنيوية, السباق الذي لا يمكن أن ندرك شأوهم فيه؛ لأنهم قوم لا هم لهم إلا الارتواء من متع الدنيا وشهواتها وملذاتها ولا يبالون بما وراء ذلك من جنة أو نار أو حساب أو عذاب بل هم بذلك كافرون {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} . إنّ أكثرنا اليوم: يقفون على حافة هوة خطيرة من الجهل بالقرآن والسنة ويوشك أن يصدق فينا قول الرسول الكريم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جُهّالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " متفق عليه.1   1 أخرجه البخاري: 3- العلم باب كيف يقبض العلم حديث (100) , ومسلم: 47- كتاب العلم 14 حديث 2673. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 إنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم غيث مغدق لا بد أن ينهل منه أبناؤنا حتى التضلع كأسلافهم واتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثتي الله به من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً, فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا, وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً, فذلك مثَلُ من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " 1. إننا نريد أن يكون أبناؤنا من الطائفتين الأوليين ونعيذهم بالله أن يكونوا من الطائفة الثالثة ولا يتم ما تطمح إليه إلا بالتركيز على دراسة الكتاب والسنة لأننا والحمد لله قد رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً, فمن البديهي أن يكون أسمى أهداف حياتنا أن نعرف مصدر عزّنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة ألا وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وبيانه وشرحه وتفصيله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذين غيَّرا مجرى تاريخ البشرية على وجه الأرض بعد أن أحيا من رفاة الأمة العربية ولمّ من شتاتهم وأخرج منهم خير أمة أخرجت للناس. وما كانت الأمة الإسلامية والعربية إلا بهذا القرآن ولا كان لها دولة ولا صولة إلا به ولننظر إلى تأثير هذا القرآن.   1 أخرجه البخاري: 3- العلم حديث 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 1ـ تأثير القرآن الكريم في أنفس العرب : لقد أحدث هذا القرآن المعجز أكثر تحوّل في حياة البشر فقلّب طباع الكهول والشباب وأخلاقهم وتقاليدهم وعاداتهم وحوّلها إلى ضدها علماً وعملاً بما لم يعهد له نظير في تاريخ الإنسانية. فكان القران آية خارقة للمعهود من سنن الاجتماع البشري في تأثيره بالتبع لكونه آية معجزة للبشر في لغته وأسلوبه. وبعد أن قلّب حياة العرب في الجزيرة العربية من جهل إلى علم ومن شرك إلى توحيد ومن فرقة وفوضى إلى اجتماع وتنظيم اندفعوا كالسيل الآتي على الأقطار من نواحي الجزيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 كلها فأطاحوا بعروش الأكاسرة والقياصرة أعظم ملوك الأرض واقتلعوا جذور الشرك والظلم ونشروا التوحيد والحق والعدل ودخل الناس في دين الله أفواجا مختارين الاهتداء بهذا القرآن, لاجرم أن سبب هذا كله هو تأثير القرآن العظيم بهذا الأسلوب الذي نراه في المصحف فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يجاهد به الكافرين كما أمره {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} ثم كان يربي المؤمنين ويزكيهم, وبهدايته والتأسي بمبلّغه ربّوا الأمم وهذبوها وقلما يقرؤه أحد كما كانوا يقرءون إلا ويهتدي به كما كانوا يهتدون, ثم حكموا الدنيا وساسوها بهذا القرآن إذ لم يكن عندهم شيء من العلم بسياسة الأمم وإدارتها إلا هذا القرآن والأسوة الحسنة بمبلغه ومنفذه الأول وبسنته المطهرة أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم, ولن يعود للمسلمين مجدَهم وعزّهم إلا إذا عادوا إلى هدايته. لقد كان لهذا القرآن العظيم في حياة الناس مسلمهم وكافرهم تأثير بعيد الغور, أما تأثيره في الكافرين فبنفوذ بلاغته، وعظمة نظمه, وأسلوبه الجاذب لفهم دعوته والإيمان به, إذ لا يخفي حسنها على أحد فهمها, وكانوا يتفاوتون في الفهم تفاوتا عظيماً لاختلاف درجاتهم في بلاغة اللغة وفهم المعاني العالية, فهذا التأثير هو الذي أنطق الوليد بن المغيرة المخزومي بكلمته العالية فيه لأبي جهل التي اعترف فيها بأنه الحق الذي يعلو ولا يعلى والذي يحطم ما تحته. وهذا التأثير هو الذي كان يجنب رءوس أولئك الجاحدين المعاندين ليلاً لاستماع تلاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عظيم في بيته على ما كان من نهيهم عنه ونأيهم عنه وتواصيهم وتقاسمهم بألا يسمعنّ له ثم كانوا يتسللون فرادى مستخفين ويتلاقون في الطريق متلاومين. وهذا التأثير هو الذي حملهم على منع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من الصلاة والتلاوة في المسجد الحرام ليلاً لما كان لتلاوته وبكائه في الصلاة من التأثير الجاذب إلى الإسلام, وعللوا ذلك بأنه يفتن نساءهم وأولادهم، بل هذا التأثير هو الذي حملهم على صدّ النّبي صلى الله عليه وسلم بالقوة عن تلاوة القرآن في البيت الحرام وفي أسواق الموسم ومجامعه، وعلى نواصيهم بما حكاه الله عنهم في قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} . (فصلت: 26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 2 ـ تأثير القرآن في أنفس المؤمنين : أما تأثيره في المؤمنين فكان كل من يدخل في الإسلام قبل الهجرة يلقن ما نزل من القرآن ليعبد الله بتلاوته ويعلم الصلاة, ولم يفرض في مكة من أركان الإسلام غيرها فيرتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ما يحفظه في صلاته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا فرض الله عليه التهجد بالليل من أول الإسلام قال تعالى في أول سورة (المزمل) : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ, قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً, نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً, أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ثم قال في آخرها: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} . (المزمل: 20) أي في صلاة الليل وغيرها. وقد قال تعالى في وصفهم: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} . (الفرقان: 64) . وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ, تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} . (السجدة: 15- 16) . ومما ورد في وصفهم- رضي الله عنهم- أن الذين كان يمر ببيوتهم ليلا يسمع منها مثل دوي النحل من تلاوة القرآن. وقد شدّد بعضهم على أنفسهم فكان يقوم الليل كله حتى شكا منهم نساؤهم فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فتزكية الصحابة وتربيتهم بهذا القرآن هي التي غيرت كل ما كان بأنفسهم من مفاسد الجاهلية وزكتها تزكية عالية وهى التي أحدثت أعظم تحول روحي واجتماعي في التاريخ هذا كله إنما كان بكثرة تلاوة القرآن في الصلاة وغير الصلاة وتدبره وربما كان أحدهم يقوم الليل بآية واحدة يكررها متدبراً لها وكانوا يقرءونه مستلقين ومضطجعين كما وصفهم الله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} . (آل عمران: 191) . وأعظم ذكر الله تلاوة كتابه المشتمل على ذكر أسمائه وصفاته المقدسة وأحكامه وحكمه وسنته في خلقه وأفعاله في تدبير ملكه1.   1 راجع تفسير المنار 11/ 201- 205. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 منزلة السنة من القرآن ومانتها في نفوس المسلمين ... منزلة السنة من القرآن ومكانتها في نفوس المسلمين: السنة المطهّرة هي ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وهي وحي إلهي قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} . وهي بيان القرآن وتفسيره فهي تبين مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عامه وهي واجبة الاتباع بنص القرآن الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . (الحشر: 7) . وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . (النور: 93) . وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . (النساء: 65) . وأمر الله في كثير من آيات القرآن بطاعة هذا الرسول الكريم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . (النساء: 59) . وأخبر تعالى أن طاعة الرسول إنما هي طاعة الله قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . وقرر الله انه ليس للمؤمنين أي خيارٍ أمام قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . (الأحزاب: 36) . والحياة الحقيقية والصحيحة إنما هي في الاستجابة لهذا الرسول؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} . (الأنفال: 24) . من هذه التوجيهات القرآنية أدرك المؤمنون عظمة السنة ومكانتها وأدركوا أنه يجب عليهم التزامها في كل شأن من الشؤون الإسلامية العقائدية والعبادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لا فرق بينها وبين القرآن من حيث وجوب الالتزام والطاعة والانقياد والتصديق. إن توجيهات وتعاليم القرآن والسنة المطهرة متمازجة متساندة في كل المجالات التي خاضها القرآن لا يعد مؤمنا من يفرق بينهما في النواحي العقائدية أو العملية ذلك لأنه يستحيل تطبيق القرآن بفهم بدون هذه السنة المطهرة وكيف يفرق بينهما من يؤمن بقول الله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . (النحل: 44) . وما جرى مجراها في بيان منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته. من أين نعرف أعداد ركعات الصلوات الخمس وأوقاتها وهيآتها وأذكارها إذا كنا لا نعرف السنة. وكيف نعرف شروط الزكاة ومقادير أنصبتها إذا لم تكن لدينا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وبيانه. ومن أين نعرف حد شارب الخمر ورجم الزاني وقطع يد السارق إذا لم نرجع إلى السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 المطهرة هذه وغيرها من الأمور الكثيرة التي يتوقف الإيمان بالقرآن وتطبيقه على الإيمان بالسنة ومعرفتها وتطبيقها والتزامها وإتباعها. قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 مكانة السنة في نفوس الأمة : من هنا أدركت الأمة الإسلامية عظمة السنة ومكانتها فحفظوها كما حفظوا القرآن وصانوها كما صانوا القرآن, ودوّنوا فيها الدواوين من الجوامع والمسانيد والمعاجم والأجزاء والمصنفات وألّفوا في رجالها وأسانيدها الكتب التي لا تحصى وألفوا الصحاح والسنن وفي الموضوعات والعلل بعد أن ميزوا الصحيح من الضعيف في الموضوع, وألوف المحدثين جندو أنفسهم لخدمتها وكابدوا في سبيلها المشاق والسهر والرحلات الطويلة إلى مختلف بلدان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. أما المؤلفات فهذه مكتبات الدنيا تزخر بها حتى مكتبات أوربا وأمريكا والهند حيث استحوذت على إعجابهم وأدركوا أنه أعظم كنز يتباهون به في مكتباتهم. وأما الرحلات في سبيلها التي بذلها المسلمون في فجر تاريخهم فلا يحصيها إلا الله, وكتب التاريخ والرجال حافلة بذلك. إلا أننا نختار هنا أربعة نمازج للتدليل على تقدير الأمة الإسلامية لسنة نبيهم واهتمامهم بها ومكانتها في أنفسهم. 1- خرج أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- من المدينة النبوية إلى عقبة بن عامر بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو أمير مصر فأخبر به فعجل فخرج إليه فعانقه وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟. فقال: "حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغير عقبة بن عامر فابعث من يدلني على منزله قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به فعجل إليه فعانقه وقال: "ما جاء بك يا أبا أيوب؟ " فقال: "حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن" قال: "نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة", فقال له أبو أيوب: "صدقت", ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر"1   1 أخرجه الإمام أحمد في المسند مختصراً (4/ 153) , والرحلة للخطيب ص120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 2- قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-: "بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه" قال: "فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى أتيت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري قال: فأرسلت إليه أن جابراً على الباب قال: فرجع إليّ الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم. قال: فرجع الرسول إليه فخرج فاعتقني واعتنقته قال: قلت: "حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه" فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد" أو قال: "يحشر الله الناس" قال: -وأومأ يده إلى الشام- "عُراةً غُرلا بهُماً" قلت: "وما بهماً؟ " قال: "ليس معهم شيء" الحديث. 3- جاء رجل إلى الشعبي فقال: "يا أبا عمرو إنّ ناساً عندنا يقولون: "إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بذلته", قال الشعبي: "حدثني أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل من أهل الكتاب كان مؤمنا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فله أجران, ورجل كانت له جارية فعلّمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران"1 خذها بغير شيء فلقد كان الرجل يرحل في أدنى منها إلى المدينة. 4- قال شعبة: "حدثني أبو إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال: "كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت ذات يوم والنبي حوله أصحابه فسمعته يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله إلا غفر الله له". قال: فقلت لأبي إسحاق: "من عبد الله بن عطاء؟ " قال: "فغضب ومسعر بن كدام حاضر" قال: "فقلت له لتصحّحنّ لي هذا الحديث أو لأحرقنّ ما كتبت عنك" فقال لي مسعر: "عبد الله بن عطاء بمكة", قال شعبة: "فرحلت إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته؟ " فقال: "سعد بن إبراهيم حدثني". فقال لي مالك بن أنس: "سعد بن إبراهيم بالمدينة لم يحج العام". قال شعبة: "فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم، فسألته, فقال: "الحديث من عندكم لزياد بن مخراق حدثني", قال شعبة: "فلما ذكر زياداً قلت:   1 أخرجه أحمد في المسند 3/ 495 والبخاري في الأدب المفرد 2/ 433. وأخرجه في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم 1/ 22 والحاكم في المستدرك وصححه 2/ 427 - 428 ووافقه الذهبي, والرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 أي شيء هذا الحديث بينما هو كوفي إذ صار مدنياً إذ صار بصرياً قال: "فرحلت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق فسألته؟ " فقال: "ليس هو من يأتيك " قلت: "حدثني به " قال: "لا ترده" قلت: "حدثني به" قال: "حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم", قال شعبة: "فلما ذكر شهر بن حوشب قلت: دمّر على هذا الحديث لو صح لي مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبّ إليّ من أهلي ومالي والناس أجمعين"1. على أيّ شيء تدل مثل هذه الرحلات الطويلة الشاقة من أجل حديث واحد, ألا تدل على إيمان صادق وحب صادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وهديه ومعرفة بمكانتها, وأنهم قوم يعرفون القيم الحقيقية للأشياء, وأن حديثا واحداً عندهم خير من الدنيا وما عليها لهذا استحقوا أن يعزهم الله وأن يبوّأهم سنام المجد والعز والتمكين. سمعوا قول الله: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} . وسمعوا قول رسول الله: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراَ شربة ماء". وسمعوا قوله: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها". وسمعوا قوله: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها". فهانت الدنيا وصغرت في أعينهم وعظم أمر الإسلام والقرآن والرسول وسنته في أعينهم, ونحن على النقيض صغرت هذه الأمور الكبيرة العظيمة في أعيننا وكبرت الدنيا وشهواتها وملاذها في أعيننا وصرنا نركض ونلهث لتخفيف أكبر متاع منها. فهُنّا على الله وسلّط علينا الأعداء وحاق بنا في الذل والهوان مالا ينزعه عنا إلا العودة الجادة إلى الله والاعتزاز بهذا القرآن وهذه السنة كما أخبرنا بهذا المصير رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" وديننا هو القرآن والسنة. وأول خطوة في طريق العودة إلى الله يتمثل في أمور: 1ـ إصلاح المناهج. 2- اختيار المدرس. 3- اختيار الطلاب الأذكياء. 4- تهيئة الجو لتربية الطلاب تربية إسلامية صالحة.   1 الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 151، وأصل الحديث في صحيح مسلم 1/ 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أولا: إصلاح المناهج: لست بصدد وضع حطة شاملة أو وضع مناهج تفصيلية لكل المراحل العلمية, فهذه لها من يقوم بها وهم المسؤولون عن هذه المناهج. ولا شك أنهم حريصون على ما يسعد أمتهم ويرفع من شأنهم في الدنيا والآخرة. ولا شك أيضا أنهم على استعداد لتقبل ما يقدم لهم من الاقتراحات النافعة. وهم والحمد لله قد وضعوا مادة القرآن كمادة أساسية ضمن المناهج المقررة في المدارس في مختلف المراحل ظناً منهم أن هذا الأمر كان لتربية أبنائهم تربية إسلامية. غير أن الأيام أثبتت والتجارب برهنت أن نصيب القرآن في هذه المناهج غير كاف ولا مؤثر في أبنائنا التأثير المطلوب. إذن لابد من إعادة النظر ولا بد من العمل الجاد في وضع منهج يخرج شبابا محمديا يفهم الإسلام ويحفظ القرآن ويعتز بمبادئه ومثله, ويطبق شعائره وبجاهد من أجلها حتى آخر رمق من حياته. إنّ واقع المناهج الحالية يعجز أن ينجب هذا النوع الذي نتطلع إليه وهذا شيء لا نريده جميعا ولا نرضاه ولكنه وقع من حيث لا نشعر فمثلا لو استعرضنا منهج المرحلة الابتدائية لوجدنا أننا كلفنا أبناءنا وبناتنا فوق طاقاتهم وهي مرحلة أساسية في بنائهم فلابد أن نراعى مداركهم واستعدادهم وأن يقدم إليهم ما يرغبهم ويشجعهم إلى المضي قدماً في طريق الإسلام عن فهم وحب ورغبة في العلم. وليكون الأمر واضحاً أضع أمامكم منهج سنتين من سنوات المرحلة الابتدائية: أولا: مقرر السنة الثالثة ابتدائي: 1- مادة الرياضيات كتاب يقع في ... 181 صفحة. 2- مادة العلوم كتاب يقع في ... 104 صفحة. 3- أناشيد كتاب يقع في ... 84 صفحة. 4- مادة المطالعة كتاب يقع في ... 140 صفحة. 5- مادة القرآن يضاف إليها المجموع ... 509 صفحة. ثانيا: مقرر السنة الخامسة ابتدائي للبنات: 1- الرياضات في ... 211 صفحة. 2- المطالعة في ... 167 صفحة. 3- التربية النسوية في ... 165 صفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 4- الجغرافيا في ... 67 صفحة. 5- العلوم في ... 145 صفحة 6- الحديث والتوحيد والفقه والتجويد في ... 186 صفحة 7- القواعد اللغوية في ... 158 صفحة. 8- التاريخ في ... 80 صفحة. المجموع ... 1179 صفحة. إلى جانب مادة القران والخط. كيف يستطيع هؤلاء البراعم أن يهضموا أو يفهموا هذه المواد التي قد يعجز كثير من أساتذتهم أن يفهموهم إياها, وإذا واجه أحد الطلاب مشاكل لا يستطيع أهله ولا جيرانه أن يحلوها وربما الأمر أدهى فيما بعد المرحلة الابتدائية, أما القرآن فحدث عنهم ولا حرج فإن الكثير أو الأكثر يتجاوزون المراحل كلها بما فيها الجامعية وهم لا يحسنون تلاوته من المصحف فضلا عن حفظه وفهمه, هذا حقيقة والواقع أكبر شاهد وهذه خسارة فادحة لا تقدر بثمن ولا تعوض وإذن فما الحل وما هو الطريق الذي يجب أن نرسمه ونقيم حياتها عليه؟ الحل الصحيح في نظري يتمثل فيما يأتي: أولا: تكثيف مدارس تحفيظ القرآن تنصبُّ العنايةُ فيها على تحفيظ القران ثم يضاف إليه ما يساعدهم على إجادة قراءته كالخط والإملاء إلى السنة الرابعة ثم تضاف مادة الحساب: الجمع الطرح الضرب, الجمع في السنَة الرابعة, الطرح في الخامسة, الضرب في السادسة مع كتاب لطيف يشرح لهم العقيدة والصلاة. وليكن التركيز في هذه المرحلة على حفظ نصف القرآن على الأقل. ويشرف على اختبار الطلاب في نهاية كل سنة لجان من حفاظ القرآن الثقات بحيث لا ينتقل الطالب من صف إلى آخر إلا بعد التأكد من حفظ مقرر القرآن في الصف الذي ينتقل. والطالب الذي يعجز عن حفظ المقرر يبق في سنته تلك للقيام بواجب حفظه القرآن في سنته التي يبق فيها ولا يجتاز هذه السنة إلا بعد التأكد من حفظه لمقررها.. ثم تستمر هذه المدارس في تحفيظ القرآن ودراسة علومه في المرحلة المتوسطة ولتكن هذه المرحلة خمس أو ست سنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ويكون التركيز في هذه المرحلة على حفظ النصف الباقي من القرآن مع مراجعة النصف الأول مراجعة جادة حتى لا ينساه الطلاب ثم يضاف إلى حفظ القرآن مادة التجويد ومادة التوحيد والفقه والحديث يختار لهم الأمور المهمة في العقيدة والفقه ويكلفون بحفظ أربعين حديثا على الأقل في كل سنة. ثم الجغرافيا في السنة الأولى والتاريخ في باقي السنوات. ثم تستمر هذه المدارس في العناية الجادة بحفظ القرآن في المرحلة الثانوية ولتكن هذه المرحلة أربع سنوات أيضاً, يعتني فيها بمراجعة حفظ القرآن عناية جادة مع دراسة علوم القرآن وعلوم الحديث والحديث والفقه والفرائض ويستمر اختبارهم في حفظ القرآن عن طريق اللجان المذكورة في كل سنة من السنوات على الوجه السابق. ثم بعد اجتيازهم المرحلة الثانوية يوزعون على كليات الشريعة والحديث والقرآن الآتي ذكرها. ثانيا: المدارس القائمة حاليا تكون المرحلة الابتدائية على غرار ما ذكرته في الابتدائية من مدارس تحفيظ القرآن في كل شيء. ب- المرحلة المتوسطة: لتكن ست سنوات ويعنى فيها بحفظ النصف الباقي من القرآن ويجرى الامتحان في حفظ القرآن على غرار ما ذكرناه في مدارس تحفيظ القرآن والذي لا ينجح في مقرر السنة التي هو فيها يبقى فيها إلى أن يجتازها بنجاح ويقرر في هذه المرحلة مواد المرحلة الابتدائية الحالي مع استحسان تخفيفها باختصار بعض المواد الصعبة وتوضيحها وإبعادها عن الرموز والتعقيد وتصفيتها من الشوائب مع ربطها بالعقيدة الإسلامية الحقة. ج- المرحلة الثانوية: لتكن أربع سنوات وفي هذه المرحلة يحسن تقسيمهم على حسب ميولهم واستعدادهم للتخصصات المستقبلة فقسم للطب وقسم للهندسة وقسم للقرآن وعلومه وقسم للحديث وعلومه وقسم للشريعة وقسم للاقتصاد الإسلامي وهكذا مع العناية بمراجعة حفظ القرآن والاختبار فيه في نهاية كل سنة يتقدم الناجح ويبقى الراسب إلى أن يجتاز سنته بنجاح. ومع دراسة قضايا مهمة في العقيدة والفقه وشيء من حفظ الحديث في كل سنة من سنوات قسم الطب والهندسة والاقتصاد. ثم يتخرج طلاب كل قسم إلى الكلية التي فيها اختصاصه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 المرحلة الجامعية: ينبغي أن تقوم في كل جامعة من جامعات المملكة كليات. 1- للقرآن. 2- للحديث. 3- للشريعة. ثم يستمر في المرحلة الجامعية في كل الكليات كلية الطب, كلية الهندسة,..الخ, في مراجعة حفظ القران وحفظ مقدار مناسب من الحديث في كل سنة من السنوات ويختبرون في الحفظ ولا يجتاز الطالب سنة إلى أخرى إلا بعد النجاح فيما يقرر مراجعة حفظه في القرآن ومقرر الحفظ من الحديث, مع إضافة شيء من علوم القرآن والحديث إلى المواد المقررة في كل كلية من الكليات. وإضافة مادة للرد على شبهات المستشرقين وغيرهم من أعداء الإسلام. الشبهات التي يوجهونها ضد الإسلام في كل سنة من سنوات جميع الكليات هذا مع إشعار الطلاب جميعاً وفي كل المراحل أنهم إخوة في الله وأن غايتهم جميعاً واحدة وأنهم جميعاً جند في سبيل الله وأنهم لَبِنات في صرح مجتمع إسلامي واحد يشد بعضهم بعضاً, وأن تزال كل أسباب التنافر الموجودة بينهم وأن يساوى بين خرّيجي مختلف الكليات في الرواتب والمراتب, وأن توجه كل طاقاتهم ضد أعداء الإسلام الذين تكالبوا على الإسلام والمسلمين والذين تداعوا على المسلمين كما تتداعى الأكلَة على قصعتها. أعداء الإسلام على اختلاف أديانهم وعقائدهم من استعماريين وشيوعيين وصهيونيين ومبشرين الذين يجمعهم التعصب الأعمى والحقد المميت ضد الإسلام والمسلمين. إن أعداء الإسلام الذين يدركون تمام الإدراك تأثير القرآن والسنة في حياة المسلمين فيحاولون بدهاء وخبث أن يفصلوا بين المسلمين وبين كتابهم الخالد وسنة نبيهم المطهرة اللذين يبعثان في المسلمين بين الفينة والأخرى الحياة الصحيحة حياة الإيمان الصادق ويبعثان فيهم روح الجهاد ويكسبانهم النصر على أعدائهم لأنهم حينما يعتصمون بكتاب ربهم وسنة نبيهم يكون الله معهم فيؤيدهم وينصرهم على أعدائهم. فتحت شعار البحث العلمي وحرية الفكر تناول المبشرون والمستعمرون والصليبيون والصهيونيون والشيوعيون القرآن شر تناول. وباسم الحضارة والمدنية قضوا على ما فيه من تشريع وعبادة. وباسم حرية الفكر وإطلاقه من أغلال العقيدة زعزعوا قواعد دين الإسلام في نفوس المهزوزين. وباسم البحث العلمي نزعوا عن القرآن قداسته من نفوس الضعفاء وهذا أشد وأنكى على الإسلام والمسلمين من الحروب العسكرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ولا يرد هذا الكيد الخبيث والعمل الرهيب إلا أن نحصن أبناءنا بتعاليم الكتاب والسنة وأن نسلحهم بالحجج الدامغة المزهقة لباطل ومفتريات أعداء الإسلام وإلا أن نخرج الجندي المسلم والطبيب المسلم والمهندس المسلم والمحدث الواعي والفقيه المتبصر. وكل هذا سيحققه إن شاء الله المنهج الذي رسمناه وتحدثنا عنه. ثانيا: اختيار المدرس: المدرس له أثره البالغ على التلميذ فهو أسوته ومثله فيجب اختيار المدرس الرباني التقي قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} . والعلماء هم ورثة الأنبياء في علمهم وأخلاقهم ودعوتهم إلى الله، فلا بد للمدرس أن يتمتع بحظ وافر من هذه الوراثة. في علمه أن يكون عالما بدينه, وفي أخلاقه من الإخلاص والصبر والحلم وصدق الحديث والفعل إلى جانب الذكاء والحرص على تنشئة تلاميذه على الإسلام الحق وأخلاقه وآدابه ومثله. ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يكون الاعتماد في اختيار المدرس على الشهادات بل يجب أن يراعي في الدرجة الأولى عقيدتة وأخلاقه الإسلامية وتمسكه بدينه. وهذا أمر مهم جداً لا مناص من اعتباره. فالمدرس الذي انجرف في عقيدته وفكره أو الضعيف الأخلاق والسلوك أو المتهاون في العبادة والصلاة أخطر على أبنائنا من الأمراض الفتاكة, وما نشاهده من انحراف في سلوك كثير من الطلاب أو تهاونهم في أداء الصلوات بل استثقالها وما نراه من زههدهم في القرآن وتلاوته وحفظه وفهمه يعود معظم وزره على كثير من المدرسين الذين أثروا بسلوكهم في أبنائنا وفلذات أكبادنا. فعلينا أن نستمر عن ساعد الجد لعلاج المصابين منهم في أخلاقهم وسلوكهم وعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من طاقات لحمايتهم ووقايتهم من الأمراض الفكرية والخلقية أشد مما نبذله لعلاج أجسادهم وحمايتها. فكما لا نثق بالطبيب الذي يقدم الإبر المسمومة والدواء الفاسد الذي قد يؤدي بحياتهم كذلك يجب أن نحميهم ممن يفتك بأخلاقهم وسلوكهم من المدرسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وكما يجب أن نختار الطبيب الأمين المخلص كذلك يجب أن نختار المدرس الأمين الصادق المخلص أكثر وأكثر وأهم وأهم. ثالثا: إختيار الطلاب الأذكياء الطلاب هم أبناء اليوم ورجال الغد فهم رجال المستقبل الذين سيكون منهم الأستاذ المسلم والقاضي المسلم والجندي المسلم والطبيب المسلم والمهندس المسلم. وهذه أمور مهمة وعظيمة جدا فلا بد من دراسة مواهبهم واستعداداتهم ولا بد لكل ثغر من ثغور الإسلام أن يملأ برجاله وأهل الكفاءات فيه فمن المرحلة الثانوية يبدأ التقسيم، تقسيم الطلاب إلى الاختصاصات التي ذكرتها سابقا لا بمجرد أن يختار كل طالب ما يريد. بل لابد من الاستعانة برأي الأساتذة الأذكياء المخلصين الذين يعرفون المواهب والاستعدادات بفراستهم وتوسمهم وخبرتهم وتجارتهم. إن الأذكياء من أبنائنا اليوم ينصرفون عن العلوم الإسلامية من قرآن وحديث وتفسير وفقه لأسباب يعلمها الله. والمعاهد العلمية والكليات الشرعية لا يوجد فيها إلا النادر من الأذكياء, لقد كان الأذكياء والعباقرة في عهود الإسلام الزاهية يتجهون إلى دراسة العلوم الإسلامية وتدريسها والتأليف فيها خصوصاً علوم الحديث فوصلوا بالعلوم الإسلامية وبالأمة الإسلامية إلى مستوى لا يوجد له نظير في تاريخ الإنسانية كله. ونحن اليوم بأشد الحاجة والضَرورة إلى هذا النوع من عباقرة الرجال ليعيدوا لنا مجد الإسلام وليسددوا الضربات القاتلة بفكرهم وأخلاقهم إلى أعداء الإسلام من مبشرين وغيرهم من منطلق الهجوم إلى ثغرات الأعداء التي لا تحصى في عقَائدهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم.. إننا اليوم بخلوِّ الميادين من أمثال هؤلاء في مركز دفاع هزيل عن الإسلام وأهله لا يحمي الأبناء ولا يصد هجوم الأعداء. فلا بد إذن من ملء هذا المجال بالعباقرة والأذكياء بدل أن تضيع كثير من طاقاتنا أو تذهب إلى مجالات أخرى لا تفيد منها بل قد تضر بأمتها ودينها كما تحوَّل كثير من أبناء الأمة الإسلامية إلى معاول بأيدي خصومنا وتوجههم هدم كياننا وديننا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 رابعا: تهيئة الجو لتربية الطلاب تربية إسلامية صالحة: يجب أن يفهم الطلاب أن المدرسة معقل من معاقل الإسلام ومحضن يتربى فيه أبناء المسلمين ليؤدي كل واحد دوره في خدمة دينه وعقيدته. وعلينا أن نفهمهم دينهم دين أخلاق عالية ومثل رفيعة وأن رسولهم خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق", وقد قال الله في حقه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . ويجب أن يكون مديرو المدارس والأساتذة على مستوى عالٍ من الدين والخلق الرفيع. كما يجب أن يحببوا الصلاة إلى نفوس الطلاب وأن يشعروهم أنها عماد الإسلام لن يقوم الدين إلا بها وأنها أهم شيء في حياتهم بعد الشهادتين فليقيموها جماعة في المسجد إن كان بجوار المدرسة مسجد وإلا ففي المدرسة حتى يتم بناء مسجد يجاورها, ومما يؤسف له مر الأسى أن بعض المدارس لا تقام فيها الصلاة وذلك يرجع في الأغلب إلى سوء الإدارة وتهاون بعض المديرين في أمر الصلاة كما يساهم إلى حد بعيد بعض المدرسين الذين لا يخافون الله في أنفسهم ولا في أمتهم ولا يدركون فداحة الجناية التي يرتكبونها في حق الأمة ودينها. هذه الصلاة تركها كفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر"1 وكان الصحابة لا يرون شيئاً من العمل كفراً سوى ترك الصلاة, وقد اتفق العلماء أن من تركها جحداً فهو كافر ويقتل على هذا الكفر وإن تركها تكاسلاً وتهاونا فبعضهم يرى أنه كافر وهو مذهب قوي وله أدلته, والآخرون يرون أنه يقتل حداً ومن يرى السجن دون القتل مذهبه ضعيف. من المحتم علينا أن نشعر الطلاب باحترامها وأهميتها والذي تحدثه نفسه بالتهاون فيها فعلى المسؤولين أن يرغموه عليها إرغاما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموهم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع". والذي لا تنجع فيه وسائل الترغيب والترهيب والعقوبة فالواجب إبعاده عن المدرسة لأنه جرثومة فاسدة قد يسرى بلاؤه فيمن حوله كما أن هذه الجدية والصرامة يجب أن تلاحقهم حتى في خارج الدوام كالأندية الرياضية ومما يؤسف له أشد الأسف أن كثيراً من الأندية تمر بهم الصلاة وهم في غمرة اللهو واللعب فلا يستحون من الله ولا يخجلون من الأمة.   1 أخرجه النسائي: باب الحكم في تارك الصلاة 1/117. وأحمد في المسند 6/346. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وقد يكون فيهم بعض الأساتذة وقد يكون معهم بعض الشخصيات, إن هؤلاء يجب أن تنالهم يد العدالة وأن تنكل بهم تنكيلا شديداً يكون رادعاً لأمثالهم ممن تسوّل له نفسه الاستخفاف بشيء من تعاليم الإسلام كالصلاة. إنّ التهرّب من الصلاة واستثقالها من سمات المنافقين الذين همّ رسول الله بإحراقهم والذين قال الله فيهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً} . ما يجري في الأندية الرياضية في العالم الإسلامي يجب على المسلمين أن يتخلصوا أو يخلصوا أبناءهم منه فإن له دوراً كبيراً في قتل الوقت وقتل الدين والخلق وينبغي أن يكون فقط في حدود الإطار الذي أباحه الإسلام دون أن يصطدم بشيء من مبادئ الإسلام وأخلاقه ومثله. كذلك وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة من واجبها أن تقدم النافع من البرامج للأمة وان تبتعد عمالا يتفق مع تعاليم الإسلام, وعلى الآباء أن يراقبوا أبناءهم في متابعة البرامج حتى لا تضيع أوقاتهم في ملاحقتها فتصرفهم عن الدراسة الجادة وحفظ القرآن وينبغي أن يكون هناك توعية وتنبيه الآباء والأمهات في دعامة أولادهم والمحافظة على وقتهم فلا يسمحون لأبنائهم في متابعة البرامج إلا بوقت محدود وبالنافع منها فقط وإبعادهم عن الضار إن كان هناك ما يضر بدينهم أو خلقهم. هذا ما بدا لي حول ربط أجيالنا بالقرآن والسنة كما كان أسلافهم في أزهى عصور الإسلام. وأرجو أن أكون قد وفقت كما أرجو أن يجد آذانا صاغية وأمة واعية مستعدة للعودة إلَى ربها والتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191