الكتاب: الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية المؤلف: عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي (المتوفى: 1377هـ) المحقق: أحمد فهمي أحمد الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الثانية، 1412هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية عبد الرحمن الأفريقي الكتاب: الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية المؤلف: عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي (المتوفى: 1377هـ) المحقق: أحمد فهمي أحمد الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الثانية، 1412هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة ... الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية تأليف: عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} . سبب تأليف هذا الكتاب اعلم أيها المسلم، أنه لا ينبغي للعاجز التعرض لمركب صعب إلا إذا تعذر عليه وجود مسلك إلا ذلك، فليستعن بالله، إنه هو المعين. وذلك: أن طائفة من الإخوان وقعت بيني وبينهم مذاكرة علمية حتى ذكرنا البدعة، فقلت: جميع ما لم يكن ديناً في الصدر الأول لا يكون اليوم ديناً فطلبوا مني دليل على ذلك، وخاصة إنكار أهل السنة على التيجانية، ولما رأيت الطلب قد توجه إلي تطفلت تحت دوح علماء السنة بذكر أقوالهم في تفسير بعض الآيات والأحاديث في ذم البدعة وأهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وأقول كما قال المحدث العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز الفارسي الجاركي في التحفة المكية حيث قال: أجبته محتسباً للأجر ... مع أنني لست لذاك الخطر تطفلا بالعلماء الفضلا ... مقتفياً آثارهم والسبلا فقلت: فاعلم أيها الخل الودود ... حماك ربي من بوائق الحسود من يرد الله به خيراً يرى ... متمسكاً بهدي سيد الورى ألهمه الله لكل الطاعة ... حياته، ألزمه القناعة يرزقه تفقها في الدين ... عضده بالصدق واليقين وإلاّّ فليس أتعرض ولا أرتقي إلى هذا المحل المنيف لأني لم أكن لذاك ولا أقل منه بأهل. وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، نافعة لجميع الإخوان المؤمنين والمسلمين، إنه الهادي إلى صراط المستقيم. عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي 10/6 /سنة 1356هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية ... بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسول الكريم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} 1 وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المنزل عليه من الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 2 أي بمخالفتكم سنة نبيه الذي سنها لكم، وبارتكابكم المنكرات والبدع وعلى آله وصحبه أجمعين إلى اليوم الدين. أما بعد: فيا أخي المحترم، قد وصت إلى وثيقتكم، وقرأتها وفهمت ما ذكرتموه، وها أنا أكتب جوابها إن شاء الله تعالى وبه نستعين   1 النور: الآية 52. 2 القتال: الآية 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 قواعد الإسلام اعلموا أن الله تعالى قرر القواعد لكل مسلم وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 1 وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 2 وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} 3 وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4 وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 5 ولذا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" رواه البغوي في شرح السنة والنووي في الأربعين بسند صحيح. المسلم الحقيقي اعلم بتلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية: أن المسلم لا يكون مسلماً ولا مؤمناً إلا إذا اعتصم بالكتاب والسنة، في   1 الحشر آية 7. 2 النساء: آية 14. 3 الجن: آية 23. 4 النور: آية 63. 5 النساء: 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 العقائد والفرائض والسنن والأقوال والأعمال والأفعال والأذكار، وعلى وجه التسليم والرضا والإخلاص، ظاهراً وباطناً، خاصة عند المعارضة والمقابلة يقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال جميع أهل الأرض كائناً من كان، وأذكاره صلى الله عليه وسلم على جميع الأذكار الواردة عن المشايخ أهل الطرق وغيرهم، ويعرض تلك الأوراد على الكتاب والسنة فإن وافقتهما عمل بها، وإلا فلا. ويقف على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ يكون المسلم مسلماً حقيقياً طائعاً لله ورسوله. وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} 1 وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2. تعريف السنة والبدعة من ضروريات الدين: أن يعلم المسلم صفة السنة والبدعة والفرق بينهما. فليعلم الأخ الكريم أن السنة لغة: الطريق، وشرعا: هي ما بين وفسر بها النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله تعالى قولاً وفعلاً وتقريراً وما سوى ذلك بدعة. والسنة هي الطريق المتبع. وهي دين الإسلام، التي لا يزيغ عنها إلا جاهل هالك مبتدع.   1 الأعراف: آية 3. 2 الشورى: آية 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والبدعة أصل مادتها الاختراع على غير مثال سابق ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مخترعهما من غير مثال سابق وهذا لا يليق في الدين إلا من الله، لأنه فعال لما يريد وهو الذي شرع لنا الدين. وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} وأما البدعة شرعاً: فهي الحدث في الدين بعد الإكمال، أي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وقد جعلها أهل البدع ديناً قويماً، لا يجوز خلافها، كما في زعم التجانيين وغيرهم. تقسيم البدعة والبدعة تنقسم إلى دينية ودنيوية، فكل بدعة في الدين ضلالة، كما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا يجوز لمسلم أن يغير ويؤول ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يعمل عملاً، أو يقول قولاً أو يأخذ ورداً ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم أو يدخل في طريق غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم فذلك كله بدعة ضلاله، وصاحبها في النار بلا شك، بدليل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم عن عائشة، وقال أيضاً: "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" أي صاحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وأما البدعة في المصالح الدنيوية: فلا حرج في ذلك، ومادامت نافعة غير ضارة في الدين، ولا فيها ارتكاب محرم، أو هدم أصل من أصول الدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم، قال في آخره: "إنما أنا بشراً إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر". ورد التيجانية وما شاكله بدعة الآن يا أخي تأمل أي قسم تجعل ورد التيجانية؟ فإن جعلتها في القسم الأول - وهو المتبادر عندكم - فقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} وما لم يكن يومئذ ديناً لم يكن اليوم ديناً. قال ابن الماجشون: سمعت مالكا رحمه الله يقول: "من ابتدع بدعة في الإسلام يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة" ذكره الشاطبي. وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه مسلم. أي رد على الرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن دينه ناقص، وأن المبتدع هو أتمه ببدعته، أو أنه مردود على صاحبه. وقال صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 كلهم في النار إلا ملة واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي". رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. ومعلوم بالضرورة: أن الطريقة التجانية وما شاكلها: لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الخلفاء الراشدين. وكل من عبد الله بشيء غير ما جاءت به النبوة، فهو داخل في الفرق النارية بلا شك بدليل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً - أي طرقاً كثيرة - فعليكم بسنتي- أي طريقي- وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور- أي الطرق المحدثة - فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". رواه أبو داود والنسائي وغيرهما. إن الله لا يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدعها اعلم يا أخي، أن البدعة لا يقبل الله معها عبادة، من صلاة صيام وحج وزكاة وغير ذلك، ويخرج صاحبها من الدين كما تخرج الشعرة من العجين، ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة، ويوكل إلى نفسه، والماشي إليه وموقره معين على هدم الإسلام. وكذا ذكر الشاطبي في الاعتصام. وروى عن الأوزاعي أنه قال: كان بعض أهل العلم يقول:"لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا عمرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ولا صدقة ولا صرفاً ولا عدلاً"، وقد رواه ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته" وذكر مثل هذه الأحاديث الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي في كتاب "غنية الطالبين" وكان أيوب السختياني يقول:"ما ازداد صاحب بدعة اجتهداً إلا ازداد بعداً من الله". وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: "لو تركتم سنة نبيكم لضللتم – حديث". فتأملوا كيف جعل ترك السنة ضلالة. وفي رواية: "لو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لكفرتم" وهو أشد في التحذير. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل" وفي رواية: "من اتبعه كان على الهدى. ومن تركه كان على ضلالة"، وقال أبو هريرة: إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمتي دجالون كذابون، يأتونكم ببدع من الحديث لم تسمعوه أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم، ولا يفتنونكم" وفي الترمذي: أنه عليه والصلاة والسلام قال: "من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر من عمل بها، من غير أن ينقص ذلك من أجورهم، شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من ذلك أوزارهم شيئاً".قال الترمذي حديث حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وفي حديث معاذ مرفوعاً: "إذا حدث في أمتي البدع، وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ذكره الآجري من طريق الوليد بن مسلم في كتاب السنة. وعن الحسن قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً - صياماً وصلاة - إلا ازداد من الله بعداً". وقال الفضيل بن عياض: "اتبع طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين". وعن أبي قلابة: "ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف". وخرج ابن وهب عن سفيان قال: "كان رجل فقيه، يقول ما أحب أني هديت الناس كلهم وأضللت رجلاً واحدا". وقال ابن سيرين: "أسرع الناس ردة أهل الأهواء". وعن يحي بن أبي كثير قال: "إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر". وعن بعض السلف: "من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه". وقال الفضيل بن عياض: "من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة" كذا ذكر الشاطبي في كتابه الاعتصام عنهم. والبدعة: هي السبب في إلقاء العدواة والبغضاء بين الناس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لأن كل فريق يرى أن طريقته خير من طريقة صاحبه، وببغض بعضهم بعضاً حتى قال التجانيون: لا يجوز زيارة من ليس على طريقتهم. وأنكروا في ذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وأنكروا الأحاديث الواردة في زيارة الأخوان، افنترك العمل بالآية الكريمة والأحاديث الواردة في ذلك لقول أحد كائناً من كان؟ اللهم لا. والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة ولوازمها، لأنه خروج عن حكم الله، وتفريق لجماعة أهل الإسلام. صاحب البدعة ملعون وممنوع من الشفاعة المحمدية والنبي صلى الله عليه وسلم بريء منه، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حلت شفاعتي لأمتي، إلا صاحب بدعة" ذكره الشاطبي في الاعتصام. والبدعة رافعة للسنن التي تقابلها، ليس لصاحبها توبة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حجر التوبة عن كل صاحب بدعة" كذا في الشاطبي. وهو ملعون شرعاً. لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث بدعة أو أوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ذكره الشاطبي عن مالك. ومعلوم لكل ذي لب أن هذه الطرق كلها محدثة لأن ما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ديناً فهو بدعة باتفاق السلف والخلف، ويبعد صاحبها عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم لحديث رواه مالك في الموطأ ولفظه: "فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: فسحقاً فسحقاً، فسحقاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وقد تبرأ الله ورسوله من أصحاب البدعة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وفي الحديث " أنا بريء منهم، وهم برأء مني" ذكره الشاطبي في الاعتصام. وعن يحي بن أبي عمر الشيباني قال: كان يقال: "يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا شر منها". وقال عمر بن عبد العزيز: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنناً. وسن ولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها. من عمل بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا" ومما يعزي لأبي إلياس الألباني: "ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن، وفيهن خير الدنيا والآخرة: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، ومن ورع لا يتسع". كذا في الشاطبي عنهم والآثار هنا كثيرة جداً. وحاصله: أن صاحب البدعة لا توبة له. لأنه إذا خرج عنها إنما يخرج إلى ما هو شر منها، كما في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هو شر الخلق والخليقة". فهذه شهادة: أن المبتدع لا توبة له، وسبب بعده عن التوبة: أن الدخول تحت أوامر الشريعة صعب على النفس لأنه أمر يخالف الهوى، ويصد عن سبيل الشهوات فيثقل عليها جداً، لأن الحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه. وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعة إلى نظر مخترعها، لا إلى نظر الشارع فكيف يمكنه الخروج من ذلك، ودواعي الهوى تحسن له ما تمسك به؟ فتراه منهمكاً في أوراده ليلاً ونهاراً. لا يفتر عن ذلك ومع ذلك فمثواه النار. قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} 1 وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} 2 وما ذاك إلا لخليقة يجدونها في ذلك الالتزام، ويرى أن أعماله أفضل الأعمال غيره، أفيفيد البرهان مطلباً {كذلك يهدي الله من يشاء ويهدي من يشاء} . علم مما تقدم أن المبتدع لا توبة له، وحينئذ يخاف عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله. لأنه مرتكب إثماً عاص الله تعالى، فيخشى عليه عند موته أن يستفزه الشيطان، ويغلبه على قلبه، حتى يموت على التغيير والتبديل حيث كان مطيعاً له فيما تقدم من زمانه. فلنقتصر على ما ذكرنا وبالله التوفيق. قد أتم الله هذا الدين قبل الطريقة التجانية وغيرها قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} 3 وقال صلى الله عليه وسلم: "تركت   1 الغاشية: آية 3-4. 2 الكهف: الآية 103-104. 3 المائدة: آية 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله" رواه مالك في الموطأ. وقال الإمام مالك رحمه الله: "قبض رسول الله صلى الله عليه وقد تم هذا الدين واستكمل، وإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله" ذكره الشاطبي في الاعتصام. فكل من أحدث بدعة - وكان ممن يعقل - يعلم علماً ضرورياً أنه ما آمن بقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... } الآية إذ لو آمن بها ما ابتدع. وذكر ابن وهب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون من أمتي دجالون كذابون، يأتونكم ببدع من الأحاديث لم تسمعوه أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يفتنونكم" رواه ابن وضاح. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "من أتى صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" وروى مسلم نحو الأول. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى جماعة يجلسون المسجد وبينهم رجل يقول لهم: سبحوا الله كذا وكذا، واحمدوا الله كذا وكذا، وكبروا الله كذا وكذا. فقال لهم: "والله لقد جئتم ببدعة ظلماً، أوفقتم محمداً وأصحابه علماً، إنكار عليهم". رواه الدرامي. وهذا عين الطريقة التجانية وغيرها من الطرق الصوفية، إنما أنكر عليهم لأنهم اشتقوا لأنفسهم صفة في الذكر لم تكن في زمن النبوة فعليكم بإتباع نبيكم، وترك كل ما أحدثه المحدثون. لأن الإيمان لا يكمل إلا بالقول، ولا قول إلا بالعمل. ولا عمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 إلا بالنية. فلا إيمان ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة النبوية، كما قال ابن أبي زيد القيرواني في رسالته. فسبحان الله العظيم، تقرأون في الرسالة ليلاً ونهاراً ولا تفهمون معناها. بماذا تفسرون قوله: "وترك كل ما أحدثه المحدثون" وبماذا تفسرون قوله: "إلا بموافقة السنة"؟ وهل هذه الطريقة التجانية كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن لم تكن في زمنه كانت مما أحدثه المحدثون. ومن أدعى أنها كانت في زمان النبوة فليأت بالبرهان. وتاريخ موت صاحبها الذي ابتدعها لدينا محفوظ وإن الله لم يكلف نبيه صلى الله عليه وسلم بعد الموت بشيء ما، ولم يترك شيئاً مما أمر بتبليغه إلا بلغه في حياته. انظر تفسير سورة النصر لا كما يزعم التجانيون. تبرؤ أهل البدع بعضهم من بعض يوم القيامة قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} 1 معناه: تبرأ الذين كانوا يزعمون أنهم يتبعونهم في الدنيا لما رأوا من العذاب، وتقطعت بهم الأسباب، يعني المحبة التي كانت بينهم في الدنيا كذا قاله ابن عباس فلما رأوا ذلك قالوا: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي رجعة في الدنيا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا} . أيها الإخوان: انبذوا هذه الطريقة التجانية وغيرها وراء ظهوركم قبل نزول هذه الندامة، التي قال الله في أصحابها: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} لأن كل من اتبع أحداً في شيء ما أنزل الله به   1 البقرة: الآية 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 من سلطان - أي من حجة تبرأ المتبوع منه يوم القيامة - وأنى لهم الكرة؟ هيهات هيهات. أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم يوم القيامة: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} 1 قال الشوكاني في تفسيره: المراد بالسادة والكبراء، هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم. أهـ وفيه وعيد صريح لكل من يتبع أحداً في البدع والضلالات، لأن قولهم هذا لا ينفعهم يوم القيامة. إخواني: انعموا النظر، واستعملوا عقولكم في معنى هذه الآية ولا أظن أنه يفهم معناها عالم غيور في دينه راغب في سنة نبيه ثم يتمسك ببدعة، مستدلاً بقوله: "لو كانت باطلة ما فعلها فلان وفلان" وهذا عين قوله تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} ولا نفع لهم في ذلك، والعالم الحقيق لا يأخذ بقول أحد إلا بعد عرض ما يأخذه على الكتاب والسنة. قال ابن كثير، عند تفسير هذه الآية: "قال طاووس: سادتنا يعني أمراءنا، وكبراءنا يعني علماءنا. رواه ابن أبي حاتم. أي اتبعنا السادة. وهم الأمراء والكبراء من المشيخة. وخالفنا الرسول واعتقدنا أن عندهم شيئاً وأنهم على شيء {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أي بكفرهم وإغوائهم إيانا {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} "   1 الأحزاب: الآية 67-68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الامتثال للعلماء في غير أمر الله! عبادة لهم قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 1 قاله رداً على اليهود والنصارى. وكل من فعل فعلهم، فالآية حجة عليه وجاء في تفسيرها في الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لسنا نعبدهم". قال عليه والصلاة والسلام: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " فقلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي. تفكروا يا إخواني في معنى هذه الآية، فإنها عبرة لكل من اتبع سادته وكبراءه في حدث وباطل. فلابد من التفكير والتفقه في الدين "ومن يرد الله به خير يفقهه في الدين" وهو نظير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} 2 أي يفهمه أمور دينه ليفرق بين السنة والبدعة {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} 3 أي يجعل على قلبه أكنة لا يقبل شيئاً من أمور الإسلام الصحيح. والذي نرشدكم إليه هو صراط الله المستقيم. وجعلنا الله وإياكم ممن سمع الحق واتبعه. آمين.   1 التوبة: الآية 31. 2 الأنعام: الآية 125. 3الأنعام: الآية 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الشروع في تفصيل ما ينكره أهل السنة على التجانية غيرها. سأذكر لكم يا إخواني بعض ما أنكرناه في هذه الطريقة التجانية مع بيان مأخذ كل مقال، والإشارة إلى رقم الصحيفة من كتب التجانية، ليتبين لكل مسلم غيور على دينه كفريات التجانية وبدعهم وضلالاتهم وجميع ما أنقله من كتبهم إما كفر، أو كذب على الله وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، والعياذ بالله من الخذلان وعمى البصيرة. العقيدة الأولى قال في جواهر المعاني: "إن هذا الورد ادخره رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولم يعلمه لأحد من أصحابه - إلى أن قال -: "لعلمه صلى الله عليه وسلم بتأخير وقته، وعدم وجود من يظهر الله على يديه، وكذا في الجيش" ص 91. ففي قوله: "ادخره لي ولم يعلمه لأحد من أصحابه" رد على قوله تعالى (67:5) : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ومعلوم أن الكتمان محال على الأنبياء والرسل، لأنه خيانة للأمانة وقال ابن عاشر المالكي في توحيده: يجب للرسل الكرام الصدق ... أمانة تبليغهم يحق محال الكذب والمنهي ... كعدم التبليغ يا ذكي ولا شك أن نسبة الكتمان إليه صلى الله عليه وسلم كفر بإجماع العلماء، وفي قوله: "عدم وجود من يظهر الله على يديه" تفضيل لنفسه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث لا يقدر أن يحمل هذا الورد وهذا الكلام في غاية الفساد، بل في غاية الوقاحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 العقيدة الثانية قال في جواهر المعاني: "إن المرة الواحدة من صلاة الفاتح تعدل كل تسبيح وقع في الكون. وكل، ذكر وكل دعاء كبير أو صغير، وتعدل تلاوة القرآن ستة آلاف مرة" ص 96 طبع مطبعة التقديم العلمية الطبعة الأولى. وهذا كفر وردة، وخروج عن الملة الإسلامية، وهل يبقى في الدنيا مسلم لا يكفر قائل هذا القول، بل من لم ينكر عليه ورضي به فهو كافر في نفسه، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. أليس قد جعل الله لكم عقولاً بها؟ أفلا تتفكرون؟ وأي شيء يكون أفضل من القرآن؟ وهل ينزل الله على رجل شيئاً بعد النبي فضلا أن يكون خيراً من القرآن؟ إن هذا لشيء عجاب. وأظن قائل هذا القول ما درى محمد صلى الله عليه وسلم، وما درى بم جاء به محمد؟ لم يدر ولم بعث محمد صلى الله عليه وسلم!!. فداك أمي وأبي يا رسول الله. لقد أديت الأمانة، وبلغت الرسالة وجاهدت في الله حتى أتاك اليقين. جزاك الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته. وأشهد أنك خاتم الأنبياء، وشريعتك ناسخة لكل شريعة ولن تنسخ إلى يوم القيامة، ولم يأت بعدك أحد قط بمثل ما جئت به وأشهد أن من ادعى أن هناك وحيا ينزل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أو يوحي إليه فقد أعظم الفرية على الله {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. أفلا تعظمون كتاب ربكم؟ أيها الناس اتركوا هذه الطريقة الكفرية التي هي أفضل من القرآن في زعم قائلها. فنعوذ بالله من كل شيطان مارد، آمر بمثل هذا وهل أنتم تعبدون الله بشيء أفضل من القرآن، إذن والله فقد فضلتم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم ما عبدوا الله بشيء أفضل من القرآن، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل لنفسه ورداً كل ليلة من القرآن، وهكذا أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله " الخ الحديث. وقد ثبت أنه قال: "فضل كلام الله على كلام الخلق كفضل الله على خلقه" رواه الترمذي. أليس هذا صداً للجهال العوام عن القرآن؟ وهل يتمسك بهذه الطريقة بعدما سمع أنها أفضل من القرآن إلا جاهل بكتاب الله وسنة رسوله؟. وهل يستقر في عقل صحيح كون مرة واحدة من صلاة الفاتح أفضل من ذكر واحد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فضلا عن جميع الأذكار التي وقعت في الكون؟ أفلا تعقلون؟؟. تالله لقد جمعت هذه الطريقة كل جهول غبي بعيد عن الدين. أيها الناس: أما كان آدم ونوح وموسى وعيسى ومحمد   1 النحل: آية 116-117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 عليهم الصلاة والسلام أجمعين يذكرون الله؟ وهل يكون مبتدع هذه الطريقة أفضل من هؤلاء الأنبياء؟ كلا فإن لله وإنا إليه راجعون. العقيدة الثالثة قال في الإفادة: "من لم يعتقد أنها -أي صلاة الفاتح- من القرآن لم يصب الثواب فيها" ص 80. ونحن نقول: من اعتقد أنها من القرآن فقد كفر كفراً ظاهراً لأن الله لا ينزل الوحي إلا على الأنبياء، وهذه الصلاة لم نجدها في كتاب الله، ولا حتى حديث موضوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل الذي نزلت عليه صلاة الفاتح نبي أو ولي؟ فإن كان ولياً فالولي لا ينزل عليه الوحي. والناس في هذه الطريقة فرقتان: فرقة إن اعتقدت أنها من القرآن خرجت عن الملة الإسلامية، والثانية: إن اعتقدت أنها ليست من القرآن، خرجت عن طريقتهم، لأنها ليس لها ثواب فيها. العقيدة الرابعة قال في الإفادة الأحمدية ص 74: "يوضع لي منبر من نور يوم القيامة، وينادي منادى حتى يسمعه كل من في الموقف: يا أهل الموقف هذا إمامكم الذي كنتم تستمدون منه من غير شعوركم" وذكر أيضاً في كتابهم بغية المستفيد ص 173. وهذا القائل قد نصب نفسه في مقام النبوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خطيبهم يوم القيامة، كما ذكره الترمذي عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أنس بن مالك رضي الله عنه وفي قوله تصريح بأن الأنبياء والرسل كانوا يستمدون منه، لأنهم شملهم الموقف، وهذا محال، ولا يقوله إلا من ادعى الربوبية. العقيدة الخامسة قال في جواهر المعاني ص 105: "لا تقرأ جوهرة الكمال إلا بالطهارة المائية". أقول: هذا كتاب الله تجوز قراءته بالطهارة وبغيرها كما كان وأصحابه يقرؤون القرآن على غير وضوء. وهذا تشريع جديد لن يأذن به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وفساد هذا القول يغنى عن الخوض فيه. العقيدة السادسة قال في الإفادة الأحمدية ص 57: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التوجه بالأسماء الحسنى، وأمرني بالتوجه بصلاة الفاتح!! " وهذا عين الضلال والكفر. كيف ينهى رسول صلى الله عليه وسلم عن شيء أمره الله تعالى في قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وهذا أيضاً كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرأة على الشريعة المحمدية. العقيدة السابعة قال في جواهر المعاني ص 145ج2: "إن ولياً - وذكر اسمه - كان كثيراً ما يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلمه الشعر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 كيف؟ وقد قال الله تعالى (36-69) : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ، وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراء عليه. العقيدة الثامنة قال في جواهر المعاني ص 170: "من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو الاثنين يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب" وفي بغية المستفيد: "ولو كان كافراً يختم له الله الإيمان". انظر يا أخي إلى سخافة هذا القول وجرأته قال تعالى (6-144) : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} جعل نفسه أفضل من الأنبياء فقد قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب ومع ذلك مات كافراً ونظر أبو جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك مات كافراً، ومات ابن نوح عليه السلام كافراً، ومات أبو إبراهيم عليه والسلام كافراً، ولم ينفع أحداً منهم نظر ولا صحبة. وقال في الإفادة الأحمدية ص 40 ما نصه: "طائفة من أصحابنا لو اجتمع أكابر أقطاب هذه الأمة ما وزنوا شعرة من أحدنا" وفي شرح منية المريد ص 172: طائفة من صحبة لو اجتمع ... أقطاب أمة النبي المتبع ما وزنوا شعرة من فرد ... منها. فكيف بالإمام الفرد؟ انظر يا أخي إلى القول الشنيع والجرأة العظيمة، حيث فضل أصحاب بدعته على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكابر هذه الأمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 نعم لا يقول هذا إلا جاهل بقدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أئمة الهدى ومصابيح الأنام. رضي الله تعالى عنهم أجمعين. العقيدة التاسعة قال صاحب الرماح، الذي يهامش جواهر المعاني، في الفضل الثاني والعشرين ص 152 ما نصه: "إنهم لا ينطقون إلا بما يشاهدون، ويأخذون عن الله ورسوله الأحكام، الخاص للخاصة لا مدخل فيها للعامة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يلقي إلى أمته الأمر الخاص. قاله شيخنا أحمد التجاني كما في جواهر المعاني". تبا لهذه المقالة، وبئس قائلها ومفتر بها، وسواد ظلامها عن الخوض فيها. أقول: تفكر أيها العالم في هذه المقالة: هل أهل الطرق كانوا أنبياء؟ وانظر التناقض في كلامهم – لأنهم - يزعمون الكاذب بعدما أخذوا عن الله تعالى بالوحي، وأرباب الطرق يأخذون من الله – بزعمهم - بغير واسطة، لوجود من يقول منهم: إنه ينظر إلى اللوح المحفوظ إذا أراد أن يأخذ حكماً من الأحكام، وما ذاك إلا لوح الشيطان (6-112) : {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقال في الرماح في الفضل المذكور: "إن الكامل منهم ينزل عليه الملك بالأمر والنهي". أقول: أما كان يكفيهم أوامر القرآن ونواهيه؟ والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} . العقيدة العاشرة قال في الرماح، الفصل الثاني والثلاثون ص 211: "إن الشرط في طريقتهم أن لا يلقن لمن له ورد من أوارد المشايخ إلا إن تركه وانسلخ عنه لا يعود إليه أبداً - إلى أن قال بدله من هذا الشرط ولا خوف عليه من صاحبه أياً كان من الأولياء الأحياء والأموات وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا والآخرة لا يلحقه ضرر من شيخه ولا من غيره، ولا من الله ولا من رسوله بوعد صادق لا خلف فيه". أقول: تفكر يا أخي واستعمل قريحتك في فهم هذا الكلام لأن فيه التحريض على الأمن من مكر الله، وقد قال تعالى (7-99) : {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ومعناها كما قال ابن كثير في تفسيره:" {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ولهذا قال الحسن رحمه الله تعالى: "المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل خائف. والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن". وفيه أيضاً الحث على التفريق بين المسلمين، والحال أن ربهم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد ففيم التفرق؟ وقد نهاهم الله عنه في تعالى (3-105) : {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} انظر يا أخي إلى هذا التشريع الجديد، والافتراء على الله بما لا مزيد والمسارعة إلى نار عذابها شديد ومن ذلك يوقنون أن القصد من ذلك الاختلاف دخول الجنة بغير الحساب، ولا عقاب. وقال تعالى (18-103/106) : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً} وتفسيرها كما في الجلالين. قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بطل أعمالهم {وَهُمْ يَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} عملا يجازون عليه {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} بدلائل توحيد من القرآن وغيره {وَلِقَائِهِ} أي وبالبعث والحساب والثواب والعقاب {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} أي نجعل لهم قدراً {ذَلِكَ} أي أمر الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وغيره {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَرُسُلِي هُزُواً} أي مهزوءاً بهما وقال الشاطبي في الاعتصام (ج1 ص94) قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} وما ذلك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام، ونشاط يداخلهم يستسهلون به الصعب بسبب ما دخل النفس من الهوى. وإذا بدا للمبتدع ما هو عليه رآه محبوباً عنده لاستعباد للشهوات، وعمله من جملتها، ورآه موافقاً للدليل عنده، فما الذي يصده عن الاستمساك به، والازدياد منه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلا، أفيفيد البرهان مطلباً (35-8) : {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "الله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. إخواني: لا تستبعدوا التوبة، ولا تأنفوا من الاستغفار، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستغفر كل يوم مائة مرة. وشروط التوبة مذكورة في قوله تعالى (70-82) : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} وقال تعالى (50-55) : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} وما جمعت هذه العجالة إلا رغبة في أن يهدي الله تعالى بها ولو فرداً من المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وهذا حاصل ما جمعته لكم من كتبهم نصيحة لكم والسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31