الكتاب: بحوث في تاريخ السنة المشرفة المؤلف: أكرم بن ضياء العمري الناشر: بساط - بيروت الطبعة: الرابعة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- بحوث في تاريخ السنة المشرفة أكرم العمري الكتاب: بحوث في تاريخ السنة المشرفة المؤلف: أكرم بن ضياء العمري الناشر: بساط - بيروت الطبعة: الرابعة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمات تقديم للأستاذ عبد الكريم زيدان ... مقدمات: تقديم: للأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان 1- السنة النبوية، في اصطلاح الفقهاء، ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم -غير القرآن- من قول أو فعل أو تقرير. وهي وحي إلهي قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فهي كالقرآن الكريم من جهة أن الإثنين وحي إلهي، والفرق بينهما أن القرآن الكريم، وحي إلهي باللفظ والمعنى، بينما السنة وحي بالمعنى دون اللفظ. 2- والسنة وهي وحي إلهي -واجبة الاتباع ومصدر أصيل- بعد القرآن، للأحكام الشرعية، وعلى هذا دل القرآن وانعقد الإجماع، ففي القرآن نصوص كثيرة جدا تبين هذا المعنى وتلزم الناس باتباع السنة وتصرح بأن الانقياد لها انقياد لله، وأن التمرد عليها علامة الانسلاخ من الإيمان، وإن المسلم لا خيار له فيما يقضي به القرآن أو تقضي به السنة، فمن هذه النصوص القرآنية قول الله تبارك وتعالى: أ- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . ب- {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . ج- {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 هـ- {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . ولم يختلف المسلمون في القديم والحديث في حجية السنة ووجوب اتباعها وكونها مصدرًا للتشريع. 3- والأحكام التي جاءت بها السنة أنواع، منها ما هو موافق لما في القرآن ومؤكد له مثل حرمة أكل مال الغير بغير حق والنهي عن الزنا وعقوق الوالدين وشهادة الزور ونحو ذلك. ومنها ما هو مبين ومفصل لمجمل القرآن، كالسنة التي بينت عدد ركعات الصلاة وهيأتها، حيث جاءت الصلاة في القرآن مجملة، وكالسنة التي بينت مقادير الزكاة وشروطها وأصناف المال الذي تجب فيه الزكاة. ومنها –أي: من السنة- أحكام قيدت مطلق القرآن أو خصصت عامه، كقطع اليد في السرقة جاء مطلقًا في القرآن فقيدته السنة إلى الرسغ، ومثل تحريم الميتة جاء عامًّا في القرآن فخصصته السنة بما عدا ميتة البحر والجراد. ومن السنة ما هو أحكام جديدة لم يذكرها القرآن الكريم، وإنما جاءت بها السنة مثل الحكم بشاهد ويمين ووجوب الدية على العاقلة ونحو ذلك. وهذا النوع من الأحكام واجب الاتباع كباقي أنواع السنة الأخرى. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا وأني أوتيت القرآن ومثله معه"، أي: أني أوتيت القرآن وأوتيت مثله -أي السنة- في وجوب اتباعها. 4- تدوين السنة: لم تدون السنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ الرسول الكريم كتابًا يكتبون ما يصدر عنه، كما فعل بالنسبة للقرآن الكريم، إذ اتخذ له كتابا يكتبون ما ينزل عليه من آيات القرآن. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بكتاباها، بل وقد نهى عن كتابتها في أول الأمر ثم أباح لمن يشاء أن يكتب منها ما يريد، ومن هؤلاء الذين كتبوا شيئًا من السنة النبوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 عبد الله بن عمرو بن العاص. فقد روى عنه الإمام أحمد في مسنده أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج من إلا حق". 5- وبالرغم من عدم تدوين السنة في عصر النبوة، فإنها كانت محفوظة في صدور الصحابة الكرام، كل واحد حفظ منها ما تيسر له، ومن فاته شيء منها علمه غيره، وقد بلغوا ما حفظوه إلى غيرهم وهكذا لم يفقد من السنة شيء. 6- وظلت السنة غير مدونة في عصر الخلفاء الراشدين، يتناقلها المسلمون بالمشافهة والسماع، وقيل: إن الإمام عمر بن الخطاب هم بكتابتها ولكن لم يفعل. 7- وفي زمن عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي المشهور، جرت محاولة لتدوين السنة. فقد كتب هذا الخليفة إلى قاضيه في المدينة المنورة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم: "أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء". إلا أن عمر بن عبد العزيز توفي قل أن ينفذ أمره. 8- وفي عصر الدولة العباسية ابتدأ العلماء بتدوين السنة وقد جاء تدوينهم لها مختلطًا بأقوال الصحابة وفتاويهم, وقد كتب على هذا النحو سفيان الثوري في الكوفة، والليث بن سعد في مصر، ومالك بن أنس في المدينة، ولم يصل إلينا مما كتبوه إلا القليل. ولعل أتم ما وصل إلينا من هذا النوع من التدوين موطأ الإمام مالك بن أنس، حيث نجد فيه السنة النبوية وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، بل ونجد فيه بعض أقوال فقهاء التابعين وبعض آرائه هو وترجيحاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 9- وفي نهاية القرن الثاني للهجرة اتجه العلماء في تدوين السنة إلى أفرادها بالذكر والتدوين وتمييزها عن غيرها. وقد سلك العلماء في هذا النهج طريقة المسانيد، أي: جمع الأحاديث التي رواها كل صحابي على حدة وإن اختلفت موضوعات مروياته. 10- ثم ظهرت طريقة جديدة في تدوين السنة وهي تدوينها مرتبة على أبواب الفقه، وهذه الطريقة تسهل على الفقيه عمله؛ لأنها تضع بين يديه كل ما ورد في السنة عن الموضوع الذي يريد بحثه أو الاطلاع عليه. ومن هذه المدونات على هذه الطريقة، صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وغيرها. 11- علم الجرح والتعديل: وقد قام علماء الحديث بعمل مبرور إذ أنشئوا علم الجرح والتعديل أو علم الرجال، وهذا العلم مما انفرد به المسلمون ولا نظير له عند غيرهم والغرض منه الكشف عن أحوال رواة السنة وتمييز الصادق من الكاذب والضابط من الواهم والموثوق بروايته من المطعون فيها. وقد كان السبب في إنشاء هذا العلم الجليل أن أعداء الإسلام -وهم كثيرون- أرادوا الكيد للإسلام والنيل منه وتلويث معانيه عن طريق تلفيق الأحاديث وإسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبًا، والتشكيك في رواة السنة لهدم السنة وصرف المسلمين عنها. فأفزع هذا الصنيع الخبيث، علماء الحديث، فنهض جميع منهم للكشف عن رواة السنة وتمييز صحيحها من مكذوبها فأنشئوا هذا العلم -علم الجرح والتعديل- ويقوم هذا العلم على دراسة مستفيضة لأحوال الرواة والتحري عن ميولهم وصفاتهم وأخلاقهم ونشأتهم وعقائدهم، وقد بذل علماء هذا الفن جهدًا عظيمًا جدًّا وتحملوا في سبيل ذلك التعب والسفر الطويل والرحلات المتعددة للتحري والتنقيب عن أحوال الرواة ودراسة حياتهم والسؤال عنهم. وقد كان علماء الجرح والتعديل في دراستهم لأحوال الرواة في غاية التجرد عن الهوى والموضوعية في البحث ولم تؤثر فيهم روابط الصداقة أو القرابة أو الاشتراك بالموطن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والمذهب؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى وأغلى في نظرهم من كل اعتبار آخر، فكانا -لهذا كله- يفصحون أحوال رواة السنة النبوية فحصًا مجردًا موضوعيًّا لا تهمهم النتيجة التي يصلون إليها وإنما يهمهم شيء واحد هو الوصول إلى حقيقة وصفات من يدرسونه ومدى الوثوق بروايته، فكانوا في دراستهم هذه كالكيميائي في مصنعه وهو يفحص مادة من المواد ليعرف خصائصها ولا تهمه النتيجة التي يصل إليها ولا نوع الصفات التي ستظهر عليها المادة التي يفصحها. فإذا ما أنهى العالم دراسته حول رواة الحديث، أعطى لكل منهم رمزًا يشير إلى خلاصة ما توصل إليه فيقول، هذا ثقة، وهذا عدل، أو هذا لين الحديث، أو هذا لا بأس بحديثه، أو هذا كذاب، أو هذا سيئ الحفظ، أو هذا أصابه ضعف في ذاكرته بشيخوخته، وهذه الدراسة المضنية الخالصة المجردة من الهوى والمقرونة بتقوى الله والإخلاص له والحرص الشديد على تجريد السنة الصحيحة مما علق بها، استطاع علماء الجرح والتعديل -بعون الله- أن يميزوا صحيح السنة من مكذوبها، وأن يردوا كيد أعداء الإسلام الذين أرادوا هدمه بهدم السنة والتشكيك بها وصرف المسلمين عنها. 12- إن هذا العلم -علم الجرح والتعديل- لا يزال علما نافعًا يحتاج إليه المسلمون في كل وقت، لا سيما في زماننا هذا، حيث اتجه المستشرقون ومن تأثر بهم إلى شن الغارة على السنة النبوية ورواتها وإثارة الشكوك حولهم وحولها بأسلوب ناعم مسموم خبيث يتظاهر أصحابه بالتجرد والبحث العلمي الموضوعي. ولهذا صار لزامًا على كل مسلم يقف على تشكيك هؤلاء المستشرقين وأتباعهم في السنة ورواتها، أن يرجع إلى مصنفات علماء الجرح والتعديل ليقف على حقيقة رواة السنة والموثوق به منهم والمطعون فيه، العدل والمجروح؛ لأن هذه الحقيقة، حقيقة رواة السنة، يستحيل أن نجدها عند المستشرقين المكذبين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما نجدها عند أتباعه وخدام سنته والمؤمنين به، عند علماء الحديث وعلى وجه التحديد عند علماء الجرح والتعديل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 13- والسنة النبوية، بعد هذا، لا تزال بحاجة إلى المزيد من التبيين والإشاعة بين الناس والكتابة فيها، وكل جهد مبذول فيما يتعلق بها لهو جهد مشكور مرضي عند الله تعالى. وأحسب أن هذا الكتاب الذي أقدم له، نوع من هذا الجهد المشكور الذي نرجو لمؤلفه جميل المثوبة وجزيل الأجر من الله وأن ينفع الله تعالى به المسلمين، والحمد لله رب العالمين. بغداد، في: جمادى الآخرة 1387هـ. عبد الكريم زيدان 17 أيلول "سبتمبر" 1967م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 مقدمة الطبعة الرابعة : تمتاز هذه الطبعة الرابعة بإضافات علمية مهمة، واستدراكات كثيرة، فإنني ألحقت بها كل ما عثرت عليه من معلومات جديدة من الكتب المحققة التي صدرت أخيرًا أو المخطوطات التي عثر عليها حديثًا مما وقفت عليه. وما زالت أمنيتي أن أكمل الفترات اللاحقة من تاريخ السنة المشرفة بعد القرن الخامس الهجري أو يقوم بإكمالها سواي على نفس هذا النمط لتسهيل مراجعتها والإفادة منها والتعرف على مظان المخطوطات منها في المكتبات، وليتمكن الباحث من معرفة قيمة كل كتاب وأهميته، وخاصة طلبة الدراسات العليا المعنيين بتحقيق نصوص التراث. فقد آن الأوان للقيام بدراسات شاملة تعني بتقويم كتب التراث وترشد إلى ما يستحق منها التقديم بالتحقيق والنشر وما مكانه التأخير أو الإهمال، ولا بد من وضع مقاييس دقيقة للاختيار، فبعض كتب التراث لا تضيف جديدا إلى فنونها التي تنتمي إليها، وبعضها منثور في سواها من المطبوع، وبعضها هزيل في مادته سقيم في أسلوبه، فالعناية بما سوى هذه الكتب أولى وأجدى، ولا شك أن من أبرز المقاييس في الاختبار ملاحظة قيمة الإضاة العلمية التي تحتويها المخطوطة وذلك للتكامل المكتبة التراثية وتنحصر المادة العلمية التي ورثناها عن أسلافنا في كل علم وفن فإن التقدم في دراساتنا، لا بد أن يحكمه مبدأ تراكم المعرفة وما يتطلبه من معرفة مقدار الإضافة العلمية في كل كتاب إلى الفن الذي صنف فيه وذلك تمهيدًا لكتابة الموسوعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 التي تمهد للدراسات العميقة الشاملة التي تهدف إلى إبراز قيم التراث وعناصره. الأصلية وقدراته على تأصيل نهضتنا المعاصرة ودفعها بنفس الوقت إلى الأمام. إننا بحاجة إلى حركة نقدية واسعة وواعية تتمكن من إرسال دعائم نهضتنا الفكرية على أساس راسخ من التأكيد على الجذور وإحيائها تمهيدًا لإقامة بناء صرح حضاري شامخ فوقها بعيدًا عن التقوقع والانغلاق والاكتفاء بالوقوف على الأطلال. فالربط بين الأصالة والمعاصرة ومراعاة مبدأ تراكم المعرفة وتحديد الإضافات العلمية هي أسس لازمة لترشيد حركتنا الفكرية الحديثة والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل. المؤلف: د. أكرم العمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 مقدمة الطبعة الثالثة : صدرت الطبعة الأولى سنة 1387هـ، 1967م، وصدرت الطبعة الثانية سنة 1392هـ، 1972م وفيها إضافات أساسية على الطبعة الأولى، وقد نفدت الطبعتان، وكنت قد اعتزمت إكمال الفترة التي يتناولها البحث عند طبعه ثالثة ومدها إلى العصور الحديثة، وعدم الاقتصار على تاريخ السنة حتى نهاية القرن الخامس الهجري، ولكن انشغالي بأبحاث أخرى وما يتطلبه متابعة تاريخ السنة في القرون التالية على فترة البحث من جهد كبير بسبب التزامي باستقصاء سائر ما ألف مع تحليل ما بقي منه من مخطوط أومطبوع -خاصة في نطاق علم الرجال- لذلك لم يتيسر لي تنفيذ ما اعتزمته، فرأيت أن أقنع في الطبعة الثالثة ببعض الإضافات والفوائد التي وقعت لي بعد الطبعة الثانية آملًا أن يعينني الله عز وجل على إكمال هذا العمل في طبعة رابعة ليشتمل على تاريخ السنة في مراحل تاريخها المختلفة، والله أسأل أن يتقبل عملي إنه نعم المولى ونعم النصير. 21 جمادى الأولى 1395هـ. 1 حزيران "يونيو" 1975م. المؤلف: د. أكرم العمري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 مقدمة الطبعة الثانية : صدرت الطبعة الأولى من كتابي: "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" في سنة 1387هـ "1967م" وقد أضفت إليه خلال السنوات الخمس المنصرمة مادة جديدة ليست بالقليلة بسبب استمراري في دراسة كتب علم الرجال ومتابعة ما طبع منها متأخرًا وما اكتشف من مخطوطاتها حديثا، وساعدني على ذلك انهماكي في دراسة: "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد" حيث أمدتني هذه الدراسة بإضافات أساسية أيضًا. كما رأيت أن أوسع فصل "تدوين الحديث" ليشتمل على دراسة كتب الرواية المهمة المتداولة، كما أضفت فصلًا من مقدمتي لكتاب: "طبقات خليفة بن خياط" يتناول: "أسس تنظيم كتب علم الرجال" وذلك لصلته الوثيقة بمباحث الكتاب. ولا بد هنا من التنويه بفضل السيد صبحي البدري السامرائي الذي وضع مكتبته -العامرة بصورة مخطوطات كتب رجال الحديث- في خدمة هذا البحث فأفدت من ذلك سواء في الطبعة الأولى أو فيما استدركته في الطبعة الثانية. وفي الختام لا يسعني إلا الابتهال إلى الله تعالى أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع في خدمة علم الحديث. بغداد 15 تموز "يوليو" 1972 المؤلف: د. أكرم العمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مقدمة الطبعة الأولى : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم. هذا البحث كان مقدمة لرسالتي للماجستير التي تناولت تحقيق ودراسة كتاب: "الطبقات"، لـ"خليفة بن خياط"، وقد استهدفت في المقدمة بيان دوافع ظهور علم الرجال مما جرني إلى بحث حركة الوضع في الحديث وعرض جهود العلماء في مقاومة حركة الوضع بالتأكيد على الإسناد ومعرفة الرجال، كما عرضت لوصف وتحليل كتب الرجال المصنفة خلال القرون: الثالث والرابع والخامس، للهجرة؛ وذلك لبيان مكانة كتاب الطبقات بين هذه المؤلفات الكثيرة. ولما نشرت كتاب الطبقات اقتصرت في مقدمته على ما يتعلق به فقط وأرجأت نشر بقية مقدمة الرسالة لتظهر في هذا الكتاب المستقل بعد أن أضفت إليها بحثًا عن الرحلة في طلب العلم وآخر عن تدوين الحديث ليكتمل الموضوع فيعرض إلى مختلف الجوانب لجهود العلماء التي بذلوها في الحفاظ على السنة المطهرة. ولا يسعني هنا إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لأستاذي الفاضل الدكتور صالح أحمد العلي الذي تفضل بالإشراف على رسالتي وبذل الكثير من وقته وجهده في ذلك. وللأساتذة الأفاضل الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور جواد علي، لتجشمهم عناء قراءة الرسالة ومناقشتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وللأستاذ الفاضل الدكتور جمال الدين الشيال، الذي تفضل بقراءة الرسالة وتقديرها. وللصديق الفاضل الحاج صبحي السامرائي الذي أعارني مشكورًا المخطوطات التركية المصورة. وللأخ السيد عادل أوزبك علي، الذي ترجم لي بعض النصوص عن اللغة التركية. وختامًا أشكر إدارة وعمال مطبعة الإرشاد لما بذلوه من جهد في إخراج الكتاب. والله المسئول أن يأخذ بأيدينا لما يحبه ويرضاه، إنه نعم المولى ونعم النصير. بغداد في: جمادى الآخرة 1387هـ أيلول "سبتمبر" 1967م. المؤلف: د. أكرم العمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الوضع في الحديث : تمهيد : الحديث هو ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها1. وقد اهتم الصحابة والتابعون ومن تلاهم من العلماء بحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتناقلها جيلًا بعد جيل لما لها من أثر بالغ في الدين2، فتفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وملامح شخصيته وشمائله وسيرته ذات أهمية كبيرة في حياة المسلمين العملية؛ لأنهم مأمورون بالاقتداء به في حياتهم الخاصة والعامة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} 3 كما أنهم مأمورون بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 4. والحديث يعتبر المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن5، فهو يبين   1 السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص59. 2 استعملت كلمة الدين بالمفهوم الإسلامي الشامل للأخلاق والعبادات والمعاملات وليس بالمفهوم الغربي الذي تعنيه كلمة: "Religion". 3 سورة الأحزاب: آية 21. 4 سورة الحشر: آية 7. 5 يرى روبسون أن فكرة اعتبار الحديث المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن جاءت متأخرة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 القرآن ويفصل الأحكام المجملة التي وردت فيه، ويقيد المطلق، ويخصص العام، ويقرر أحكامًا لم ينص عليها الكتاب. ولا يمكن أن يتكامل تصور الإسلام وفهمه بدون الحديث. ولهذه الأهمية البالغة للحديث عني المسلمون بحفظه وفهمه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته واستمر هذا الاهتمام بالحديث في الأجيال التالية. وقد تعرض الحديث إلى محاولات قوية للتلاعب فيه والدس عليه، فقد سعى البعض إلى استغلاله لمآربهم السياسية أو المذهبية أو الشخصية، فظهرت حركة الوضع في الحديث التي هددت هذا الأصل الكبير من أصول الإسلام بالتحريف، ولكن العلماء بذلوا جهودًا جبارة في تمحيص الحديث ونقده، وتمييز الصحيح من الموضوع، وقد نجحوا في مهمتهم هذه إلى حد كبير. وقد أدت حركة الوضع التي كادت أن تهدم السنة إلى نتاج إيجابية أثرت في إشادة صرح السنة وبناء علوم الحديث، فقد دفعت العلماء لاتخاذ ما يلزم لحفظ الحديث وتنقيته ومنع التلاعب فيه فنشطوا في تدوينه بنطاق واسع في فترة مبكرة منذ أواخر القرن الأول وخلال القرن الثاني الهجري، وخلال الجهود التي بذلت في فترة التدوين لتمييز الأحاديث ظهرت قواعد نقد الحديث ثم تبلورت هذه القواعد على مر الزمن حيث ظهرت بشكل منسق ودقيق في كتب مصطلح الحديث، كما تجمعت الملاحظات المنوعة عن رواة الحديث في كتب الرجال.   = بعد ظهور المشكلات في الأمصار والحاجة إلى إعطاء حلول لها، وقد سعى بعض المستشرقين قبل روبسون مثل كولدزيهر وشاخت إلى تثبيت هذه النظرية غير أن القرآن الكريم هو الذي أعطى السنة مكانتها التشريعية وألزم المسلمين بالعمل بها يستوي في ذلك الصحابة ومن تلاهم، والآيات القرآنية صريحة في تقرير ذلك كقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} ، [النساء: 80] ، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، "انظر: مادة حديث التي كتبها "Robson" في: "The Encyclopaedia, Vol. III. 1956" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ولخطورة حركة الوضع وأثرها في تطور دراسات الحديث وتبلور علومه ومنها علم الرجال فإن تناولها سيكون بشيء من التفصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 بدء الوضع : الحديث الموضوع هو المختلق المصنوع، واعتبره المحدثون شر الأحاديث الضعيفة1، أما الوضاعون فهم الذين تعمدوا الكذب لا لأنهم أخطئوا ولا لأنهم رووا عن كذاب2، ولم يقع الوضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يصح في ذلك شيء، وقد غلب على ظن أحمد أمين أن حديث: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" 3 إنما قيل في حادثة زور فيها على الرسول4، ولكن ما ذهب إليه لا سند له في روايات التاريخ ولا في سياق الحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك حين أمر أصحابه بالتبليغ عنه، وفيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم توقع ما سيكون من كذب عليه فحذر من ذلك، ونهى أصحابه إلى أخذ الحيطة والتيقظ في قبول الأحاديث، ولم يصح دليل على أنه قاله في حادثة تزوير معينة5. ولا شك أن تعلق الصحابة بالإسلام وما بذلوه من تضحيات جسام في النفس والمال والأولاد يقطع بإخلاصهم ونزاهتهم وصدقهم وعدالتهم، قال البراء: "ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، منه ما سمعناه منه، ومنه ما حدثنا أصحابنا ونحن لا نكذب"6. "وذكر أنس حديثا فقال له رجل: أنت سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم أو حدثني من لا يكذب، والله   1 ابن الصلاح: مقدمة/ 38، والعراقي: فتح المغيث 1/ 125. 2 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 4ب. 3 البخاري: الصحيح 1/ 37. 4 أحمد أمين: فجر الإسلام، ص211. 5 السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، 216-217. 6 ابن عدي: الكامل 1/ 50ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب"1، وكان أنس يغضب إذا سئل عن حديث أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: ما كان بعضنا يكذب على بعض2. وقال ابن عباس "إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه"3. وكذلك لا توجد أدلة على وقوع الوضع في خلافة أبي بكر وعمر، ولا شك أن كثرة الصحابة الكبار ووحدة الأمة في هذه الفترة المبكرة منعت ظهور الوضع في الحديث. ومع أن حركة الردة تهيئ ظرفًا مناسبًا للوضع، إلا أنه لم يصل إلينا دليل على أحاديث وضعت وشاعت في تلك الفترة، وعلى أية حال فليس المقصود ما وضع في الأوساط غير المسلمة بل الوضع بين المسلمين، فعلى فرض قيام البعض من المرتدين بوضع الحديث فإن انعدام إمكانية شيوعها بين المسلمين يمنع أثرها، ولم يكن أمام حركة الردة زمن طويل لكي تعمق الانقسام بلى سرعان ما قضى عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فعادت وحدة الأمة متماسكة قوية.   1 المصدر السابق: 1/ 51ب. 2 المصدر السابق أيضًا: 1/ 51أ. 3 مسلم: الصحيح 1/ 12-13؛ والدارمي: سنن 1/ 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أثر الخلافات السياسية في الوضع : وقد حدث في النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه اختلاف وشقاق كبير، إذ نقم البعض على عثمان فاشتعلت الفتنة وأسفرت عن مقتل عثمان، ولكن ما أحدثته من تصدع في المجتمع الإسلامي ظل أثره باقيًا، فقد ولدت الأحقاد وأزالت الصفاء من نفوس الكثيرين، ومع ذلك فنحن لا نجد في خلافة عثمان روايات تشير إلى الوضع في الحديث، وأما ما حكاه أبو ثور الفهمي قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 قدمت على عثمان فصعد ابن عديس1 المنبر وقال ألا إن عبد الله بن مسعود حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إن عثمان أضل من عبيدة على بعلها2، فأخبرت عثمان، فقال: كذب والله ابن عديس ما سمعها من ابن مسعود ولا سمعها ابن مسعود من رسول الله صلى الله عليه وسلم قط3. فإن هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد ففيه انقطاع وهو من طريق ابن لهيعة وهو مفرط في التشيع والرواية في مثالب عثمان رضي الله عنه، مما يوافق هواه، ولا تقبل منه، وبذلك يتبين أن الوضع في الحديث ازداد بعد ذلك على أثر الفتن السياسية التي وقعت بين المسلمين كموقعة الجمل وصفين والنهروان حيث كانت هذه الأحداث مبعث نشوء الأحزاب السياسية كالشيعة والخوارج، ولما لم تسعفها نصوص القرآن والحديث دائمًا لجأ بعض منتحليها إلى الكذب، ولما لم يجدوا مجالا للتلاعب بكتاب الله المحفوظ في الصدور فضلًا عن أن تدوينه وجمعه تم قبل الفتنة، لذلك لجئوا إلى الوضع في الحديث الذي تأخر جمعه عن القرآن ونجد اختلافًا بين علماء القرن الأول حول تدوينه فمنهم من كان لا يرى كتابه.   1 ابن عديس: هو عبد الرحمن بن عديس الذي اشترك في مقتل عثمان "الطبري: تاريخ 1/ 3049". 2 لم أجد هذا المثل في مجمع الأمثال للميداني ولا في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري، ولا في المستقصي في أمثال العرب للزمخشري 1/ 217. لكنه يذكر في شرح المثل "أضعف من موؤودة": كان الوأد في العرب قاطبة وقطع الإسلام ذلك إلا عن تميم، وكان سبب إصرارهم عليه أنهم منعوا النعمان الإتاوة فجرد إليهم دوسر واستاق نعمهم وسبى ذراريهم فوفدوا عليه وكلموه في الذراري فجعل الخيار إلى النساء فاختارت بنت لقيس بن عاصم سابيا على زوجها، فنذر قيس أن يئد كل بنت تولد له فوأد بضع عشرة بنتًا، وبصنيع قيس هذا نزل القرآن. 3 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 318، وقال: "هذا من كذب ابن عديس" وقال ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 35: "هذا حديث لا نشك في أنه كذب ولسنا نحتاج إلى الطعن في الرواة، وإنما هو من تخرص ابن عديس" وابن عديس صحابي من أصحاب الشجرة كما في الإصابة 1/ 411، والأولى إعلال الرواية حيث لا يعرف شيخ ابن أبي الدنيا في إسنادهما وفيها ابن لهيعة قوي التشيع وقد أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي "تنزيه الشريعة 1/ 350"، لكنه لم يجزم بل جعل الحمل على افتراء ابن عديس محتملًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الحديث بل يقتصر على حفظه ومذكراته شفاهًا ومنهم من كان يكتب الحديث1 ولكن ما دوِّن من الحديث حتى نهاية خلافة الراشدين كان أقل بكثير مما لم يدون، فكانت هذه ثغرة نفذ منها أهل الأهواء إلى تحقيق أغراضهم. ومع تبلور هذه الفرق نمت كمية الأحاديث الموضوعة التي بلغت مداها في القرنين الثاني والثالث الهجريين كما تدل على ذلك أسماء الوضاعين التي أوردتها كتب الموضوعات وكتب الضعفاء. لقد وضع بعض الشيعة أحاديث في فضل علي والطعن في معاوية2 كما وضع بعض خصومهم أحاديث في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ردًّا على من ينتقص منهم3، وعندما كثر سب الصحابة وضعت أحاديث في فضل الصحابة جميعًا أو في فضل جمع منهم4، وهذه الأحاديث تعكس الصراع الفكري والسياسي بين الأحزاب المختلفة، وكثير منها وضع في القرن الثاني والثالث الهجريين لكنها تتناول في الغالب مواضيع تتصل بأحداث النصف الأول من القرن الأول الهجري5، وكانت المناقشات المتأخرة بين الفرق والأحزاب المتصارعة هي السبب في لجوء بعضها إلى الوضع في الحديث، وكانت مسألة الخلافة المحور الذي تدور حوله كثير من الموضوعات6 وكما وضع بعض الشيعة وبعض خصومهم أحاديث لتأييد آرائهم، فقد وضعت أحاديث أيضًا لصالح العباسيين وبعضها أريد منه إلقاء اليأس في قلوب   1 انظر: "Sezgin: Buharinin Kaynaklari, p. 3-5" 2 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال، 313؛ والسيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 323. 3 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 286، 315-317؛ وابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 371، 2/ 4. 4 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 428. 5 ابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 422. 6 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال، 307؛ والسيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 324. وابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 353؛ وابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1/ 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 العلويين وإقعادهم عن المطالبة بالخلافة1، وقد أكثر بعض الشيعة من وضع الحديث ولذلك حذر منهم بعض العلماء مثل أبي حنيفة2 وعبد الله بن المبارك3 ومالك4 وشريك بن عبد الله5 ويزيد بن هارون6 والشافعي7. لقد كان العراق وخاصة الكوفة ميدانًا لوضع الحديث وتناقل الموضوعات، فقد حملت الكوفة العبء الأكبر في الحرب مع أهل الشام عندما اتخذها الإمام "علي" عاصمة، وقد ظلت بعده مركز المعارضة للحكم الأموي، فكان وضعها ملائمًا لظهور عناصر طموحة سعت إلى استغلال الظروف للوثوب إلى السلطة. وفي هذا المجتمع المشحون بالأحقاد السياسية نمت الأحاديث الموضوعة لدعم وجهة نظر المعارضة ولانتقاص الأمويين والنيل منهم، فهذا المختار الثقفي يقول لرجل من الأنصار ضع لي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة، وطالب له ثأر ولده، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة ومركوب وخادم! وقد رفض الأنصاري أن يضع حديثًا عن النبي، وأراد أن يضعه عن أحد الصحابة بأجر أقل8، وقد وجد بعض المشعوذين مجالًا خصبًا في هذه البيئة للتصدر في حلقات العلم فيذكر عاصم الأحول "ت 142هـ" أنه شهد مجلسًا يتصدره أعجمي لا يحسن نطق العربية، ومع ذلك فهو شيخ يجلس الناس في حضرته كأن على رؤوسهم الطير9.   1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 17-18؛ والخطيب: تاريخ بغداد 6/ 241. 2 الخطيب: الكفاية، 126. 3 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال، 480. 4 المصدر السابق: 21. 5 المصدر السابق: 22؛ وانظر الذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 15. 6 المصدر السابق: 22؛ وانظر الذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 15. 7 الخطيب: الكفاية، 126؛ وابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال، 21؛ والذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 15. 8 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 4ب. 9 انظر تفاصيل ذلك في ابن حبان: المجروحين من المحدثين: 2/ 28أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وبسبب تصدر هؤلاء الجهلة ظهر التلاعب بالأحكام مما يدل على قلة الورع والجرأة على الشرع وأحكامه ومحاولة التلفت من نظامه. وقد أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي فمحاه إلا قدر ذراع1، ويذكر الأعمش "ت148" أنه رأى شيخًا كوفيًّا يحرف قضاء "علي" في المطلقة ثلاثًا ويزعم أن الناس حملوه على ذلك2. ولقد أدت كثرة الوضع للحديث في الكوفة إلى إعطاء فكرة سيئة عن العراق كمركز مهم من مراكز العلم والرواية في العالم الإسلامي آنذاك، فتدهورت سمعة العراقيين العلمية في الأمصار المختلفة منذ فترة مبكرة فقالت عائشة رضي الله عنها: "يا أهل العراق أهل الشام خير منكم خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير فحدثونا بما نعرف، وخرج إليكم نفر قليل من أصحابه فحدثتمونا بما نعرف وبما لا نعرف"3 وقدم جماعة من أهل العراق إلى عبد الله بن عمرو بن العاص بمكة طالبين إليه أن يحدثهم فقال لهم: إن من أهل العراق قومًا يكذبون ويكذبون ويسخرون4 وقال الزهري "ت 114هـ": إذا سمعت بالحديث العراقي فأردد به ثم أردد به5. وقد كان من نتيجة ذلك أن ضربت السلطة في دمشق العزلة العلمية عليهم فلم تستفهم فيما يستجد من أقضية وأحداث بل اعتمدت على علماء الشام والمدينة فقط يقول الأوزاعي: "كانت الخلفاء بالشام فإذا كانت الحادثة سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تجاوز جدور بيوتهم، فمتى كان علماء أهل الشام يحملون عن خوارج أهل العراق"6 وهو يريد بالخوارج الخارجين على السنة ولعله أراد بذلك الخارجين على السلطة   1 مسلم: الصحيح 1/ 14. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 145. 3 ابن عساكر: التأريخ الكبير 1/ 69. 4 ابن سعد: الطبقات 4/ 267-268. 5 ابن عساكر: التاريخ الكبير1/ 69. 6 المصدر السابق 1/ 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 في دمشق ويمكن أيضًا أنه أراد فرقة الخوارج المعروفة. ولكن ينبغي ألا يبالغ في أثر هذه العزلة، فليست السلطة الأموية هي المسئولة عن إساءة سمعة العراقيين العلمية بل لعل إهمالها إياهم وعدم استفتائهم في الأحداث يعود إلى ضعف الثقة بهم أكثر مما يعود إلى أمور السياسة، وما كان بوسع السلطة أن تمنع أحدًا من الاتصال بالعراقيين والأخذ عنهم، ثم إن ضعف الثقة بروايات العراق استمر فيما بعد حتى صرح علماء أعلام بأنهم كانوا يرومون الاستغناء عن مرويات العراقيين فهذا عبد الله بن المبارك "ت180هـ" يقول: "ما دخلت الشام إلا لأستغني عن حديث أهل الكوفة"1. وهذا مالك بن أنس فقيه المدينة العظيم لم يرو عن أحد من الكوفييين سوى عبد الله بن إدريس الذي كان على مذهبه، وكان يقول في ذلك كما لم يرو أولونا عن أوليهم كذلك لا يروي آخرونا عن آخريهم2 وكلام مالك صريح في أن عدم رواية العلماء عن الكوفيين ليست ظاهرة برزت في جيله بل أن جيله كان يتابع الأقدمين في عدم الأخذ عنهم. وقد حذر مالك كما حذر علماء بلدان أخرى من الأحاديث التي مصدرها العراق حتى رأى مالك إنزالها منزلة أحاديث أهل الكتاب أي لا تصدق ولا تكذب3. وقد ذكر له عبد الرحمن بن مهدي أن ما سمعه من الحديث بالمدينة خلال أربعين يومًا يسمعه في يوم واحد بالعراق فكان جواب مالك: من أين لنا دار الضرب التي عندكم؟ تضربون بالليل وتنفقون بالنهار4 وهكذا عزا مالك كثرة الأحاديث التي يتداولها العراقيون إلى الوضع في الحديث في حين يتشدد أهل المدينة في قبول الحديث وروايته فلا يسلم منه إلا القليل وهذا التدقيق في الحديث هو الذي أكسب علم المدينة ثقة علماء المدن الإسلامية   1 المصدر السابق 1/ 70. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 3أ. 3 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال، 88. 4 المصدر السابق: 88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 المختلفة وهو الذي جعل السلطة في دمشق تعتمد على فتاويهم وتسألهم عما يستجد لها من أحداث، في حين شوه كثرة الوضع سمعة العراق ليس في المدينة فقط وإنما في المراكز العلمية الأخرى أيضًا فهذا سفيان ابن عيينة إمام أهل مكة يقول: "من أراد شيئًا لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق"1 وهو يعني اختلاط الصحيح بالموضوع بشكل يصعب تمييزه على طالب العلم، ولكن أساتيذ العلم يحسنون تنقية الحديث فيستلون الصحيح من بين الموضوعات بحنكة وحذق، نعم لقد كان رواج الموضوعات في العراق بنطاق واسع لا تلاه في مكان آخر، وكان للدور السياسي الذي لعبه العراق أثر كبير في ذلك ففيه حدث أعمق تصدع في بناء المجتمع الإسلامي حيث انقسم المسلمون في أعقاب صفين إلى جمهور وخوارج وشيعة، وعلى أرضه كانت أحداث الفتن الدامية والثورات اللاهبة التي اتصلت طيلة الحكم الأموي، فكانت بواعث الوضع قوية لخدمة الواقع السياسي، كما شاركت عوامل الوضع الأخرى التي سيأتي الكلام عنها في إنماء كمية الأحاديث الموضوعة في العراق؟ ولكن هل فقدت الثقة بعلم العراق نهائيًّا؟ هل استغنى العلماء حقًّا عن العراق وهو مركز مهم من مراكز العلم في الدولة الإسلامية؟ وهل يكفي حدوث الوضع في العراق إلى ضرب العزلة العلمية عليه وعدم الأخذ عنه؟ لقد كان نصيب الكوفة من الصحابة كبيرًا إذ هبط فيها ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر2 وكان منهم عبد الله بن مسعود أحد كبار فقهاء الصحابة ومحدثيهم، وكان الحسن البصري إذا سئل عن أهل البصرة وأهل الكوفة يبدأ بأهل الكوفة3. ويمكن تقويم دور العراق في حمل الرواية ونصيبه من ذلك من قول علي بن المديني: "دار حديث الثقات على ستة: رجلان بالبصرة ورجلان بالكوفة   1 ابن عساكر: التاريخ الكبير1/ 70. 2 ابن سعد: الطبقات 6/ 9. 3 ابن عدي: الكامل 1/ 45أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ورجلان بالحجاز فأما اللذان بالبصرة فقتادة ويحيى بن أبي كثير، وأما اللذان بالكوفة فأبو إسحاق والأعمش، وأما اللذان بالحجاز فالزهري وعمرو بن دينار. ثم صار حديث هؤلاء إلى اثني عشر منهم بالبصرة سعيد بن أبي عروبة، وشعبة بن الحجاج ومعمر بن راشد، وحماد بن سلمة، وجرير بن حازم، وهشام الدستوائي، وصار بالكوفة إلى الثوري وابن عيينة وإسرائيل، وصار بالحجاز إلى ابن جريج ومحمد بن إسحاق ومالك، فصار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين1، وقد لعب هؤلاء العلماء الكبار الذين عاشوا في العراق دورًا مهما في تمييز الحديث وبيان الصحيح من الموضوع وبذلك حفظوا للعراق مكانته العلمية. قال ابن تيمية بعد أن ذكر كذب أهل الكوفة "ومع هذا إنه كان في الكوفة وغيرها من الثقات الأكابر كثير"2. ومن ثم فإن العلماء نقلوا عن ثقات الكوفيين وفيهم بعض الشيعة الذين امتازوا بالصدق والورع قيل ليحيى بن معين: إن أحمد بن حنبل يرد حديث عبيد الله بن موسى للتشيع فأقسم يحيى أن عبد الرزاق أغلى في ذلك منه مائة ضعف وأن ما سمعه من عبد الرزاق أضعاف ما سمعه من عبيد الله3. وذكر حسين الأشقر أمام يحيى بن معين فقال كان من الشيعة الغالية الكبار فلما سئل عن حديثه قال: لا بأس به وذكر كتابته عنه4. وهكذا ميز العلماء بين العقائد والأخلاق فالصادق يؤخذ عنه ولو كان شيعيًّا أو خارجيًّا أو قدريًّا أو مرجئًا إلا أنهم اشترطوا ألا يكون داعية يسعي إلى بث عقيدته؛ لأن ذلك يحفزه إلى الكذب. إن إهمال رواية العراقيين خسارة جسيمة فدور العراق في حمل العلم   1 ابن عدي: الكامل 1/ 52أ، وابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 17ب-18أ. 2 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال/ 88. 3 الخطيب: الكفاية/ 130. 4 المصدر السابق/ 130-131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 خطير لا يمكن إغفاله ويكفي لتصور ذلك قول علي بن المديني: "لو تركت أهل البصرة لحال القدر وتركت أهل الكوفة لذلك الرأي –يعني: التشيع- خربت الكتب"1. وهكذا عندما تم تدوين الصحاح فإنها حوت مرويات العراقيين وبينهم عدد من الشيعة منهم ممن نقل البخاري عنهم في الصحيح: عبد الرزاق الصنعاني وجرير بن عبد الحميد الضبي وإسماعيل بن أبان وخالد بن مخلد وعلي بن الجعد والفضل بن دكين وعباد بن يعقوب وآخرون غيرهم. وأما مسلم فقد قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب: "إن كتاب أستاذي – يعني: مسلم بن الحجاج- ملآن من حديث الشيعة"2. إن ظهور مرويات العراقيين في كتب الصحاح يدل على نجاح علماء العراق في تنقية السنة وتمييز الصحيح من الموضوع ومعرفة الرجال الثقات من المتهمين.   1 الخطيب: الكفاية/ 129. 2 المصدر السابق: 131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 دور الخوارج في الوضع : لم يلعب الخوارج دورًا مهمًا في حركة الوضع لاعتقادهم أن مرتكب الكبيرة كافر ولهذا السبب لا يوجد في كتب الموضوعات أدلة على وضع الخوارج للحديث1. ولم ترد عن أئمة الحديث أقوال تدين الخوارج إلا ما نقل عن ابن لهيعة أنه سمع شيخًا من الخوارج وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيرناه حديثًا2.   1 السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/ 97. 2 الخطيب: الكفاية/ 123. ابن الجوزي: مقدمة الأحاديث الموضوعة 1/ 4ب، العسقلاني: لسان الميزان 1/ 10-11. وقد أورده العسقلاني من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن ابن لهيعة فهو من قديم حديثه الصحيح. أما الخطيب وابن الجوزي فأورداه بطريق آخر من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وكذلك ما حدث به الأعمش، قال: جالست إياس بن معاوية فحدثني بحديث قلت: من يذكر هذا؟ فضرب لي رجلًا من الحرورية. فقلت: إلي تضرب هذا المثل، تريد أن أكنس الطريق بثوبي فلا أدع بعرة ولا خنفساء إلا حملتها1. في حين وردت نصوص تشير إلى صدقهم، فقد كان سليمان بن الأشعث يقول: "ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثًا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج"2 ويقول ابن تيمية: "الخوارج مع مروقهم من الدين فهم أصدق الناس، حتى قيل: إن حديثهم أصح الحديث"3. فلو صح ما نقل عن ابن لهيعة فإن دور الخوارج في الوضع ضئيل جدًّا ولا يعدو أن يكون هوى لفرد منهم وليس صفة تعمهم.   1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12. 2 الخطيب: الكفاية/ 130؛ وانظر هدي الساري لابن حجر، ص432؛ وفتح الباري له 2/ 154. 3 ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال/ 480. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الخلافات الكلامية : وقد تضافرت جملة عوامل أخرى في تنمية الأحاديث الموضوعة كان من بينها ظهور الفرق الكلامية المتعددة كالقدرية والمرجئة والجهمية والمشبهة الممثلة ثم حركة المعتزلة التي ازداد سلطانها في العصر العباسي، ولئن أعطت المناظرات العميقة بين هذه الفرق متعة ذهنية لأرباب العقول المتعطشة فإنها فتحت بابًا من أبواب الفتن، وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي، كما أنها ضخمت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الجانب النظري التجريدي على حساب الجانب العملي الذي أكد عليه الصحابة الذين وقفوا عند النصوص المتشابهة وآيات وأحاديث الصفات دون تأويل، فحافظوا بذلك على صفاء العقيدة وإشراقها في حين أضاع أرباب الكلام بمجادلاتهم التي ترمي إلى الإيضاح والتعليل وضوح العقيدة وصفاء الفكرة، ولم تثمر جهودهم غير الانقسام والتمزيق في الكيان الإسلامي. وكان لا بد لأهل الكلام وأتباع الفرق من تأييد عقائدهم وآرائهم بنصوص الشرع ولما لم يجدوا ما يغنيهم في الأحاديث الصحيحة لجأ قليلو الورع منهم إلى الوضع في الحديث تأييدًا لمذاهبهم. قال محرز أبو رجاء وكان يرى القدر فتاب منه: "لا ترووا على أحد من أهل القدر شيئًا فوالله لقد كنا نضع الأحاديث ندخل بها الناس في القدر نحتسب بها فالحكم لله"1، وبسبب وضع أهل الكلام وأرباب الفرق للأحادي أو تأويلهم لها حسب أهوائهم ظهرت السنة أمام الجاهلين بها بمظهر التناقض فالمرجئة2 والقدرية3 والمجسمة4 والمعطلة5 والمفوضة6 وسائر الفرق على اختلافها وتباين آرائها تعتمد في دعم وجهات نظرها على السنة. فمثلًا من المناقشات المبكرة بين المسلمين هل يزيد الإيمان أم لا؟ وقد وعضت أحاديث في دعم الرأيين كحديث: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومن   1 العسقلاني: لسان الميزان 1/ 12. 2 المرجئة: هم الذين يرون أن الإيمان معرفة الله فقط ويقولون: "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة". 3 القدرية: هم الذين يقولون بحرية الإرادة، أي أن الإنسان مخير وليس مسيرا. 4 المجسمة: هم الذين يشبهون صفات الله تعالى بصفات المخلوقين. 5 المعطلة: هم نفاة الصفات. 6 المفوضة: فرقة من الغلاة يزعمون أن الله تعالى فوض خلق الدنيا إلى محمد عليه الصلاة والسلام ومنهم من يقول إلى علي رضي الله عنه، ومنهم من يقول إلى كليهما: "مختصر التحفة الاثني عشرية، ص16". لكن المراد هنا التفويض في الصفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قال غير ذلك فهو مبتدع"، وضعه أحمد بن محمد بن حرب1 ووضع حديث آخر يناقضه: "من زعم الإيمان يزيد وينقص فزيادته نفاق ونقصانه كفر، فإن تابوا وإلا فاضربوا أعناقهم بالسيف"، وقد وضعه محمد بن القاسم الطايكاني2، وكانت فتنة القول بخلق القرآن مدعاة لوضع أحاديث ضد هذه الفكرة من ذلك حديث يقطع بكف من يقول بخلق القرآن3، وكذلك وضعت المجسمة أحاديث كثيرة لتاييد آرائها في الصفلات من ذلك حديث وضعه أبو السعادات بن منصور فيه أن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة إلى الدنيا ويجلس على كرسي من نور وبين يديه لوح فيها أسماء من يثبت الرؤية والكيفية والصورة4. وقد اتخذ بعض المتكلمين من هذا التناقض بين الموضوعات ومن التناقض الظاهري بين بعض الأحاديث الصحيحة وسيلة لثلب أهل الحديث وانتقادهم وقد دافع ابن قتيبة عن أهل الحديث وأوضح أن البلية إنما هي من أهل الكلام وذلك في كتابه القيم: "تأويل مختلف الحديث"5 وكما وضعت أحاديث لدعم آراء الفرق الكلامية فقد وضعت أحاديث ضد بعض هذه الفرق من قبل خصومها فقد وضع الأبرد بن الأشرس حديثًا يقرر أن القدرية زنادقة6 كما جاء في حديث موضوع آخر أنهم مجوس هذه الأمة7، وكتب الموضوعات مليئة   1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 150. 2 المصدر السابق: 1/ 149. 3 انظر السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 4؛ وابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 134. 4 ابن عراق: تنزيه الشريعة 1/ 138. 5 انظر ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث/ 2-7. 6 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 248، ولكن السيوطي حكم على الحديث من طرق أخرى بأنه بمجموع طرقه ينتهي إلى درجة الحسن الجيد المحتج به "1/ 259" وكذلك عزاه السيوطي في جامعه الصغير للحاكم وحسنه الشيخ الألباني، "انظر صحيح الجامع الصغير 4/ 150؛ ومشكاة المصابيح 1/ 38؛ والسنة لابن أبي عاصم 1/ 144". 7 المصدر السابق 1/ 257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بالنماذج المنوعة لما وضعته فرق الكلام أو وضع ضدها، فالأغلبية المطلقة للأحاديث التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيها تهجم عنيف على الفرق بأسمائها التي لم تظهر إلا في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي مختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الزنادقة : وقد لعب الزنادقة منذ فترة مبكرة دورا في وضع الحديث محاولين انتقاص السنة وتشويه معالمها والوضع من مكانتها عند أرباب العقول، فكان الزنادقة يتسترون بالإسلام ويبطنون له ولأهله العداء فهم كما يقول ابن حبان "يعتقدون الكفر ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فكانوا يدخلون المدن ويتشبهون بأهل العلم ويضعون الحديث على العلماء ويروون عنهم ليوقعوا الشك والريب في قلوبهم فعسى يضلون ويضلون، فيسمع الثقات منهم ما يروون ويؤدونها إلى من بعدهم حتى تداولوها بينهم"1. وكان بعض الزنادقة يعترف بوضعه الحديث بإصرار وتحد وبعضهم يعترف بذلك على أثر توبته وندمه قال ابن لهيعة: "دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت له ما يبكيك؟ قال: وضعت أربع مائة حديث أدخلتها في برنامج الناس فلا أدري كيف أصنع"2. وقال المهدي الخليفة العباسي "أقر عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربع مائة حديث فهي تجول في أيدي الناس"3 وكان عبد الكريم بن أبي العوجاء يدس الأحاديث في كتاب جده لأمه حماد بن سلمة وجييء به إلى محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله فلما ايقن بالموت قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل فيها   1 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 20أ. 2 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 20أ؛ وانظر ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 7ب. 3 ابن عدي: الكامل 1/ 10أ. ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 4أبسنده عن ابن عدي أيضا، لكنه يذكر "مائة حديث" بدل "أربع مائة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الحرام، ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم1. وكان حماد بن زيد يقول: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث2. أما الأحاديث التي وضعها الزنادقة فهي متنوعة الأغراض فمنها في العقائد والفقه والأخلاق. قال ابن قتيبة "الحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة "منها الزنادقة" واجتيالهم للإسلام وتهجينه بدس الأحاديث المستشنعة والمستحيلة كالأحاديث التي قدمنا ذكرها من عرق الخيل3 وعيادة الملائكة وقفص الذهب على جمل أورق وزغب الصدر4 ونور الذراعين مع أشياء كثيرة ليست تخفى على أهل الحديث"5. وهكذا وضعت الزنادقة هذه الأحاديث بغية إثارة استهجان العقلاء وسخرية الملحدين والانتقاص من العقيدة الإسلامية المبرأة من التشبيه والتجسيم.   1 و2 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 4أ؛ وانظر العراقي: فتح المغيث/ 127. 3 عرق الخيل إشارة إلى حديث موضوع نصه "إن الله تعالى لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتى عرقت ثم خلق نفسه من ذلك العرق"، "انظر السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 3". 4 زغب الصدر إشارة إلى الحديث الموضوع "خلق الله تبارك وتعالى الملائكة من شعر ذراعيه وصدره أو من نورهما" "انظر ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث/ 8، هامش1". 5 ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث/ 355-356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 القصاصون : وساهم القصاصون في وضع الحديث، وكانت فكرة القص على الناس في المساجد قد ظهرت منذ فترة مبكرة1، ودوافع المبالغة والكذب عند القصاص قوية ليوفر مادة مشوقة ومثيرة عند وعظ السامعين الذين هم في الغالب من عامة الناس لأن أرباب العقول تمتصهم الدراسات الجدية في علوم القرآن والحديث واللغة، وهي دراسات توفرت أسبابها بوجود عدد من الشيوخ الأكفاء الذين كانوا يعقدون الحلقات العلمية حول أساطين المساجد. وقد ذكر ابن قتيبة "أن القصاص على قديم الزمان كانوا يميلون وجوه العاملة إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الحديث، وكان من شأن العوام القعود عند القصاص ما كان حديثه عجبا خارجا عن فطر العقول أو رقيقا يحزن القلوب ويستغزر العيون فإذا ذكر الجنة زعم أن الله يبوئ وليه قصرا من لؤلؤة بيضاء فيه سبعون مقصورة في كل مقصورة سبعون ألف قبة في كل قبة سبعون ألف كذا.. كأنه يرى أنه لا يجوز أنه يكون العدد فوق السبعين ولا دونها2، وقد حذر العلماء من القصاصين ذوي الأهواء والكذب قال عاصم: "كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي "ت في حدود 73هـ" ونحن غلمة أيفاع فكان يقول لنا لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص وإياكم وشقيقا, قال وكان شقيق يرى رأي الخوارج وليس بأبي وائل3.   1 استاذن تميم الداري عمر بن الخطاب ليقص على الناس فلم يأذن له, وكان عمرو بن زرارة يقص على الناس في مسجد الكوفة في حياة عبد الله بن مسعود الذي اعترض عليه. "انظر السيوطي: تحذير الخواص/ 59، 60-61" وينفي عبد الله بن عمر وقوع القص على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ويقول أنه أحدث بعد قتل عثمان، رضي الله عنه، "الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 102؛ وأبو نعيم: تاريخ أصبهان 1/ 136". 2 ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث/ 355-357. 3 مسلم: مقدمة الصحيح 1/ 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وتعرض العلماء إلى القصاصين الكذابين ففضحوهم أمام الجمهور بإظهار كذبهم كما فعل الأعمش "ت148هـ" إذ دخل مسجد البصرة فنظر إلى قاص يقول حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه فقال له القاص ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا؟ فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذين أنت فيه. قال: وكيف؟ قال: لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئا1. ولكن لم تكن سائر مواقف العلماء بهذه الشدة في إعلان الحق وفضح الكذابين فقد حضر يزيد بن هارون "ت206هـ" مجلس أبي سعيد المدائني، وكان حسن النغمة والقصصن, فأخذ يكذب في الحديث ويزيد بن هارون يبكي من التأثر ثم اكتفى بأن قال لرجل بجانبه ويحك هذا يكذب، فأجابه الرجل "فقعودك عنده تبكي وأنت تعلم أنه يكذب أيش!! "2. على أن يزيد بن هارون كان يفضح القصاص ويبين كذبهم عندما يسأله الناس فقد حدث أن قاصا سأل الناس فلم يعطوه فقال حدثنا يزيد بن هارون عن شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا سأل السائل ثلاثا فلم يعط يكبر عليهم ثلاثا، وأخذ يكبر عليهم. فلما سئل يزيد بن هارون عن الحديث قال كذب الخبيث ما سمعت بهذا قط3. بل وتجرأ أحد القصاصين بالكذب على يزيد بن هارون في حضوره فقال: حدثنا يزيد بن هارون عن ذئب بن أبي ذئب!! فأخذ يزيد بن هارون يضحك، فلما قام الناس من المجلس تبع بعضهم القاص فقالوا له: ويحك ليس إسمه ذئب إنما هو محمد بن عبد الرحمن، فقال: إذا كان أبوه إسمه "أبو ذئب" فأي شيء كان ابنه إلا ذئبا4.   1 السيوطي: تحذير الخواص/ 49. 2 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 29ب. 3 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 29 أ-ب. 4 المصدر السابق 2/ 29ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 لقد كانت صلافة بعض القصاصين تمنع عنهم الخجل حين يفتضح جهلهم وينكشف كذبهم بل أن بعضهم كان يقابل ذلك بسخرية واستهتار فقد وقف قاص في مسجد الرصافة فحدث عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين بحضورهما حديثا طويلا نحو عشرين ورقة، فلما فرغ جمع العطايا من الناس، فناداه ابن معين فأقبل عليهما فعرفاه بنفسهما ونفيا تحديثه الحديث فما كان منه إلا أن قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما علمته إلا الساعة كأن ليس في الدنيا يحيى وأحمد غيركما، لقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا، ثم انصرف عنهما1. ويعقب ابن حبان على ذلك بقوله "فإذا كان مثل هؤلاء يجيزون على أحمد ويحيى حتى يضعوا الحديث بين أيديهم من غير مبالاة بهم كانوا إذا حلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع"2. وقد رأى ابن حبان أحد القصاص في مدينة باجروان بين الرقة وحران يسند حديثا إلى أبي خليفة فسأله إن كان قد رأى أبا خليفة فنفى القاص أن يكون رآه، فقال ابن حبان فكيف تروي عنه وأنت لم تره؟ فأجاب القاص: إن المناقشة معنا من قلة المروءة أنا أحفظ هذا الإسناد الواحد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد فرويته!! 3. ومع فضح العلماء للقصاصين الكدابين وبيان جهلهم فقد كان أثرهم على العامة كبيرا حتى أنها قد تنصرهم أحيانا على من يفضحهم من العلماء قال يحيى بن معين ذهبت إلى أسد بن زيد الكوفي في الكرخ وكان نزل في دار الحذائين   1 المصدر السابق 2/ 28ب - 29أ. 2 ابن حبان: المجروحين من المحدثين أيضا 2/ 30أ. 3 المصدر السابق 2/ 29أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وروى أحاديث مناكير فأردت أن أقول له يا كذاب ففرقت من شفار الحذائين -يعني الأساكفة1-. وهكذا ساعدت جهالة العوام ونزواتهم القصاصين على المضي في طريق الكذب والوضع في الحديث.   1 السيوطي: تحذير الخواص/ 49-50 والخطيب: تاريخ بغداد 7/ 48 لكنه يذكر "أسيد بن زيد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وضع جهلة الصالحين للحديث : وشارك بعض الصالحين في وضع الأحاديث لترغيب الناس في عمل الخير وزجرهم عن الشر وهذا من جهلهم وكان يغنيهم عن ذلك ما ورد من الأحاديث الصحيحة في الأخلاق والترغيب في عمل الخير وهي كثيرة تعطي مادة وافرة لمن أراد الوعظ والترغيب والترهيب وقد اشتهر بالوضع غلام خليل الذي كان زاهدا في الحياة حتى أن بغداد أسواقها حين موته1 ومع ذلك فقد وضع كثيرا من الأحاديث في الرقائق وقد سئل عنها فقال معترفا "وضعناها نرقق بها قلوب العامة"2 وقد سأله أبو جعفر بن الشعيري كيف حدث عن بكر بن عيسى وهو قديم الوفاة فبكى ثم أجابه في اليوم التالي أنه سمع بالبصرة ستين رجلا كلهم يسمى بكر بن عيسى! 3. وقد ذكر أبو داؤد السجستاني أن غلام خليل وضع أربعمائة حديث4. وممن عرف بالوضع من أهل العبادة أبو داؤد النخعي الذي كان أطول الناس قياما بليل وأكثرهم صياما بنهار5 ووهب بن حفص الذي مكث ثلاثا وعشرين سنة لا يكلم أحدا وكان يكذب كذبا فاحشا6.   1، 2 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 4ب. 3 المصدر السابق 1/ 4ب-5اوالخطيب: تاريخ بغداد 5/ 78-79 وهي أوضح. 4 الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 79. 5، 6 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وقد تأول بعض الكرامية1 حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فقالوا: نحن نكذب له لا عليه ومن ثم فقد ذهبوا إلى جواز وضع الحديث ترغيبا للناس في الطاعة وزجرا لهم عن المعصية2. وقد وضعت أحاديث كثيرة في فضائل سور القرآن الكريم ترغيب للناس في قراءتها وقد ًُُسأل عبد الرحمن بن مهدي ميسرة بن عبد ربه من أين جاء بأحاديث من قرأ كذا فله كذا فأجابه وضعتها أرغب الناس فيها3. وقد اعترف أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي بوضع الحديث في فضائل القرآن وسوره وذلك لإعراض الناس عن القرآن واشتغالهم بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق4. وقد أودعت كتب التفسير أحاديث فضائل السور الموضوعة كالواحدي والثعلبي والزمخشري فمنهم من ذكرها بأسانيد كالثعلبي والواحدي والثعلبي ومنهم من لم يسندها كالزمخشري وهذا خطا أفحش5 وبسبب ما وضع في فضائل السور قال الإمام أحمد بن حنبل "ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والتفسير والملاحم" قال العسقلاني "ينبغي أن يضاف إليها الفضائل"6 ولا يعني ما سبق   1 الكرامية: أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. وقد أثبت الصفات وانتهى فيها إلى التجسيم والتشبيه (الشهرستاني الممل والنحل، ص99". 2 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 23أ. العراقي: فتح المغيث/ 132-133. السيوطي: تدريب الراوي/ 185. 3 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 23أ. وابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أ. 4 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أ. 5 العراقي: فتح المغيث/ 130. 6 العسقلاني: لسان الميزان 1/ 13. وكلام الإمام أحمد ينبغي أن لا يؤخذ على إطلاقه فالمغازي والتفسير لهما أصول معتبرة وإنما قصد التحذير من المدخول عليهما. وقد فهم الخطيب قول أحمد على أنه قصد كتبا بعينها اشهرها كتابان للكلبي ومقاتل بن سليمان. وقد قال الإمام أحمد في تفسير الكلبي: من أوله إلى آخره كذب لا يحل النظر فيه. وحمل كثير من أهل العلم كلام الإمام أحمد على أنه ما صح في التفسير قليل بالنسبة لما لم يصحن, وقد ثبتت أحاديث التفسير في أمهات الكتب الصحيحة كالبخاري ومسلم والموطأ والترمذي. "السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص184". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أن سائر الأحاديث الواردة في فضائل السور هي من الموضوعات بل صحت الأحاديث في ذلك وقد جمع السيوطي في ذلك كتابا سماه "خمائل الزهر في فضائل السور"1. وقد أدرك العلماء خطر قيام الصالحين بوضع الأحاديث فهي تلقى رواجا لحسن ظن الناس بهم وعدم تفطنهم إلى احتمال كذبهم، فنبه العلماء على ذلك محذرين فقال أبوعاصم النبيل "ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث"2 وكان يحيى بن سعيد القطان يقول طما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد"3. وقد فسر الإمام مسلم ذلك "بأن الكذب يجري على لسانهم ولا يتعمدونه"4. وقال العراقي: "يريد والله أعلم المنسوبين للصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم أو أن الصالحين عند حسن ظن وسلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب"5.   1 السيوطي: تدريب الراوي/ 190. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 46أ. 3 المصدر السابق 1/ 46أوابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أوالخطيب: تاريخ بغداد 2/ 98 لكنه يذكر "ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث". 4 مسلم: مقدمة الصحيح 1/ 18. 5 العراقي: فتح الغيث/ 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 دور العصبية للمدن والجنس والإمام : ولعبت العصبية دورا في ظهور الأحاديث الموضوعة سواء كانت عصبية للمكان الذي يسكنه الوضاعون أو للجنس الذي ينتمون إليه أو للإمام الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 يتبعون مذهبه الفقهي فأما العصبية للمدن فقد ظهرت بعد استقرار العرب في المدن المفتوحة واختلاط قبائلهم ببعضها من جهة وبالأعاجم من جهة أخرى حيث حدث تداخل وتصاهر بين الأجناس العديدة التي ضمتها المدينة الإسلامية وقد ضعف نتيجة ذك الشعور بالقبيلة تدريجيا وظهر بجانبه التعصب للمدينة والانتساب إليها مع القبيلة وحل الفخر بالمدينة مكان الفخر بالقبيلة وقد أدت العصبية والمنافسة بين المدن إلى وضع أحاديث كثيرة في فضائل بعض المدن وفي ذم مدن أخرى حتى لا تكاد تخلو مدينة من المدن الإسلامية من أحاديث وضعت لها أو عليها. وقد وضع الكديمي حديثا في فضل البصرة "إني لأعرف أرضا يقال لها البصرة أقومها قبلة وأكثرها مساجد ومؤذنين، يدفع عنها البلاء ما لا يدفع عن سائر البلاد"1. ووضع محمد بن معبد الرحمن بن البيلماني حديث "يأتي على الناس زمان يكون أفضل الرباط رباط جدة"2 ووضع ميسرة بن عبد ربه نحو أربعين حديثا في فضائل قزوين3. ووضع أحمد بن كنانة الشامي حديث "إذا ذهب الإيمان من الأرض وجد ببطن الأردن"4 ووضع أبو عصمة حديثا طويلا في فضائل مدن خراسان واحدة واحدة5 أما الأحاديث التي وضعت في ذم بعض المدن من قبل المدن المنافسة لها فهي كثيرة جدا أيضا ومن ذلك ما وضعه عمار بن زربي في ذم البصرة وأنه سيكون بها خسف ومسخ6 وما وضعه أبان بن أبي عياش "الجفاء والبغي في الشام"7 ومن الأحاديث ما وضع في مدح مدن مجتمعة أو ذم مدن مجتمعة, ولعل ذلك يلقي في بضع الأحياء ضوءا على العلاقات بين المدن   1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 58. 2 المصدر السابق 2/ 46. 3 ابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5أ. 4 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 57. 5 المصدر السابق 2/ 47-48. 6 المصدر السابق أيضا 2/ 50. 7 المصدر السابق 2/ 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 مثل حديث "بابان مفتوحان في الدنيا للجنة عبادان وقزوين"1، فلعله دليل على حسن العلاقة بين سكان المدينتين، وفي كتب الجغرافية والبلدان ككتاب الأعلاق النفيسة لابن رسته والبلدان لابن الفقيه الهمذاني وغيرهما نماذج كثيرة للأحاديث الموضوعة في فضال المدن. وأما العصبية للجنس فتظهر في بعض الأحاديث الموضوعة مثل "دعوني من السودان إما الأسود لبطنه وفرجه" وقد وضعه يحيى بن أبي سليمان المديني2. وحديث "الزنجي إذا شبع زنى, وإذا جاع سرق، وإن فيهم لسماحة ونجدة" وقد وضعه عنبسة البصري3 ولعل وضع الأحاديث في ذم الزنج يعكس كراهية أهل البصرة لهم. ومن مظاهر العصبية للجنس وضع حديث "أبغض الكلام إلى الله تعالى بالفارسية وكلام الشيطان الخوزية وكلام أهل النار البخارية، وكلام أهل الجنة العربية" وقد وضعه إسماعيل بن زيادة بن غالب القطان4. وقد لعبت العصبية لأئمة المذاهب دورا في إنماء الأحاديث الموضوعة، ويظهر ذلك في أحاديث كثيرة منها "سيأتي من بعدي رجل يقال له النعمان بن ثابت، ويكنى أبا حنيفة ليحيين دين الله وسنتي على يديه"5. وقيل للمأمون ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان فقال حدثنا أحمد وذكر إسناد حديث "يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي"6.   1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 59. 2، 3 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 31. 4 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 11. 5 الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 289 وابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 30. 6 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 30 والخطيب: تاريخ بغداد 5/ 309 لكنه ينقل عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري أن المتهم بوضعه هو محمد البورقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ومن ذلك أيضا ما وضعه إسحاق بن محمشاد أحد الكرامية في مدح إمامه "يجيء في آخر الزمان رجل يقال له محمد بن كرام يحي السنة والجماعة، هجرته من خراسان إلى بيت المقدس كهجرتي من مكة إلى المدينة"1. وهكذا لعبت العصبية للمدن والجنس والأئمة دورا في حركة الوضع في الحديث.   1 ابن عراق: تنزيه الشريعة 2/ 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الوضع لأغراض خاصة : وكان من عوامل الوضع أيضا الأغراض الخاصة لبعض قليلي الورع من الناس كأن يضعوا أحاديث تقربهم من الحكام والأكابر مثل غياث بن إبراهيم الذي دخل على المهدي فوجد عنده حماما فوضع حديث "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو جناح" فأمر له المهدي بجائزة فلما خرج ذكر المهدي كذبه وأمر بذبح الحمام! 1 وكان الأولى أن يعاقب هذا الكذاب بدل أن يصله بجائزة. ومن ذلك أيضا أن هارون الرشيد لما قدم إلى المدينة المنورة أعظم أن يرتقي منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء ومنطقة، فتطوع القاضي أبو البختري بذكر حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسهما. وقد كان يحي بن معين -أحد أئمة المحدثين- حاضرا فكذبه على رؤوس الأشهاد2. ومثل سعد بن طريق الإسكافي الذي ضرب المعلم ابنه فوضع حديث "معلموا صبيانكم شراركم"3 وكان البعض يتكسب بالحديث وروايته مثل أبي داؤد الأعمى الذي كان سائلا يتكفف الناس ويحدث عن البراء وزيد بن   1 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 23-ب، وابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5ب. 2 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 23 أ-ب، وابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5ب. 3 السيوطي: اللآلئ المصنوعة 1/ 263 والخطيب: تاريخ بغداد 13/ 453. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 أرقم ولم يسمع منها1 ولذلك حذر شعبة من الرواية عن الفقراء بقوله "لا تأخذوا الحديث عن هؤلاء الفقراء فإنهم يكذبون لكم" وكان شعبة آنذاك أفقر الناس2. ولعل الأحاديث في فضل الأرز والعدس والباذنجان والهريسة هي من وضع باعة هذه الأطعمة يتكسبون بها3. ومنهم من كان يضع الحديث لإظهار العلم والبراعة في إجابة من يسأله4 كما أن بعضهم كان يتذوق حلاوة الكذب قال الأصمعي لأعرابي: "ما حملك على الكذب" فأجابه: لو ذقت حلاوته ما نسيته5 وقد أدرك العلماء فتنة الحديث لضعاف الإيمان فقال الثوري "فتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة .... "6.   1 مسلم: مقدمة الصحيح 1/ 21. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 50ب. 3 السيوطي: تدريب الراوي/ 190. 4 مثل ابراهيم بن أبي يحيى سئل عن رجل أعطى الغزل إلى الحائك فنسج له وفضل منه خيوط فتنازع صاحب الثوب والنساج في أخذها فقال إبراهيم حدثني ابن جريج عن عطاء قال إن كان صاحب الثوب أعطاه للأردهالج فالخيوط له وإلا فهو للحائك "أنظر ابن حبان المجروحين من المحدثين 1/ 23ب وابن الجوزي: الأحاديث الموضوعة 1/ 5ب". 5، 6 ابن عدي: الكامل 1/ 46 أ-ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 جهود العلماء في مقاومة الوضع : تظافرت العوامل العديدة التي ذكرتها في إنماء كمية الأحاديث الموضوعة وهددت السنة بالتشويه والتحريف لولا الجهود الجبارة التي بذلها العلماء في تنقية السنة. وتمييز الصحيح من السقيم، فقاموا بمجهود رائع تمثل في التأكيد على الإسناد، والرحلة في طلب العلم، وتدوين الحديث، ووضع علوم الحديث المختلفة، وسيتناول هذا البحث ظهور الإسناد وأهميته وما يتصل بمعرفة رجال السند وهو أحد علوم الحديث المهمة، ويطلق عليه "علم الرجال". ثم يتناول رحلة العلماء في طلب العلم وجهودهم في تدوين الحديث. الإسناد وظهور علم الرجال: "معرفة الرجال نصف العلم": علي بن المديني: يراد بالإسناد الطريق الموصل إلى المتن، فالحديث إنما يروى عن طريق سلسلة من الرواة تبدأ بالراوي الذي يحدث بالحديث وتنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين الإسناد والسند عند الجمهور، وعند غيرهم أن الإسناد رفع الحديث إلى قائله وكأنه من أسند في الجبل إذا صعد فيه وعلا على سفحه، والسند للأخبار عن طريق المتن الذي من معانيه ما صلب من الأرض وارتفع منها1.   1 انظر لسان العرب مادة "سند". وابن ناصر الدين: تدريس الحديث/ 71. والسخاوي: فتح المغيث 1/ 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وقد بدأ الاهتمام بالإسناد والسؤال عنه في فترة مبكرة، وذلك في أعقاب الفتن التي بدأت منذ خلافة عثمان رضي الله عنه وأدت إلى التمزق والانفلاق الضخم في كيان المجتمع الإسلامي وظهور الأهواء السياسية المتعارضة والآراء المتعصبة المتدافعة مما أدى إلى ظهور الكذب في الحديث وجعل العلماء يتثبتون في مصادر الرواية ويسألون عن الرجال الذين اشتركوا في نقلها قال محمد بن سيرين "ت110هـ" "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وبنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"1. وهكذا اعتبر ابن سيرين الفتنة زمن عثمان بداية السؤال عن الإسناد لظهور الوضع وبروز الانشقاقات عن الجماعة حيث عبر ابن سيرين عن المنشقين باسم "أهل البدع" وقد رأى شاخت أن المقصود ليس الفتنة زمن عثمان بل فتنة مقتل الوليد بن يزيد "ت126هـ" معتمدا على التوافق في استعمال كلمة "الفتنة" بين قول ابن سيرين ونص ورد في الطبري حيث قال في حوادث سنة 126هـ "اضطرب أمر بني مروان وهاجت الفتنة" وقد جر هذا الافتراض شاخت إلى اعتبار كلام ابن سيرين موضوعا عليه لأنه توفي سنة 110هـ أي قبل الفتنة2. على أنه لا يمكن أن ننفي نسبة قول ابن سيرين إليه فقد أوردته المصادر المعتمدة، ولم يقل بوضعه أحد من النقاد بل قد روي عن ابن سيرين نفسه ما يؤكد ذلك حيث قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما خف لها منهم مائة"3، وهناك أدلة تؤيد أن السؤال عن الإسناد بدا في فترة مبكرة في أعقاب الفتنة الأولى التي بدأت زمن عثمان وقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى ابراهيم النخعي أنه قال: إنما سئل عن الإسناد أيام المختار وسبب   1 مسلم: الصحيح 1/ 15، وابن عدي: الكامل 1/ 39أ، وابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 27ب-28ب والرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12، والخطيب الكفاية/ 122. 2 Chacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence, p. 36-37 3 الذهبي: المنتقى من منهاج الاعتدال 389. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 هذا أنه كثر الكذب على علي في تلك الأيام1 ولكن هذا لا يعني أن سائر الأحاديث كانت تروى باسانيد تامة، فالصحابة لم يلتزموا ذكر إسناد الحديث عندما لا يكون الصحابي قد سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بل من صحابي آخر وقد صرح بذلك قول البراء "ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، منه ما سمعناه منه، ومنه ما حدثنا أصحابنا ونحن لا نكذب"2 فهم إذا لم يكونوا يميزون بين ما نقلوه عن النبي مباشرة وما نقلوه عنه بواسطة من سمعه منه من الصحابة لعدم إسنادهم للحديث وقد علل البراء ذلك بعدم وقوع الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه فكان الصحابي يستمع الحديث من صحابي آخر فكانه سمعه بأذنيه من النبي صلى الله عليه وسلم. ومع وثوق الناس بالصحابة فقد كانوا يسألونهم أحيانا عن إسناد أحاديثهم، ولكن السؤال عن الإسناد في البدء لم يكن مستساغا بل قد يكون مدعاة لغضب الصحابي "وكان أنس بن مالك إذا سئل عن حديث أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب ويقول ما كان بعضنا يكذب على بعض"3، وقد ازداد السؤال عن الإسناد في جيل التابعين فسئل الحسن البصري "ت110هـ" عن إسناد مراسيله "قال رجل للحسن إنك تحدثنا فتقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت تسند إلى من حدثك؟ فقال له أنا والله ما كذبنا ولا كذبنا، ولقد غزوت غزوة إلى خراسان ومعنا ثلثمائة من أصحاب محمد"4، فالحسن البصري اعتذر عن عدم إسناده لحديثه بأنه تلقى ذلك عن الصحابة الكثيرين الذين لقيهم وهم أهل صدق وورع وما داموا جميعا لا يكذبون فإن عدم ذكرهم لا يقلل من أهمية الرواية.   1 شرح علل الترمذي 82-83 ط. د. عتر. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 50 ب. وقول البراء هذا من طريق الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء، والسبيعي مدلس من الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين عند الحافظ ابن حجر وقد عنعن، وكذلك الأعمش فإنه مدلس. وله شاهد من حديث أنس رواه ابن عدي في الكامل 1/ 248 "ط. صبحي البدري" وفي إسناده أحمد بن الحارث بن مسكين أنكر عليه الطحاوي روايته عن أبيه، وهذه الرواية مما رواه عن أبيه. 3 ابن الصلاح: مقدمة/ 38 والعراقي: فتح المغيث 1/ 125. 4 ابن عدي. الكامل 1/ 51 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ويرى يحيى بن سعيد القطان أن أول من فتش عن الإسناد هو عامر الشعبي (17-103هـ) سيد التابعين فقد "قرأ الربيع بن خيثم عليه حديثا قال الشعبي فقلت من حدثك؟ قال عمرو بن ميمون وقلت له من حدثك؟ فقال أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى بن سعيد: وهذا أول ما فتش عن الإسناد"1. وهكذا كان التفتيش عن الإسناد في زمن كبار التابعين، ونلمح استجابة أكثر في ذكر الإسناد عندما يسأل المحدث عنه، ولكن التأكد على الإسناد والإلحاح في طلبه ازداد بعد جيل الصحابة وكبار التابعين بسبب شيوع الوضع واتساع نطاقه على مر الزمن فأصبح الإسناد ضرورة لا مناص للمحدث من ذكره إذا أراد لرواياته القبول حتى أن الزهري أحد صغار التابعين (ت124هـ) اعتبر إغفال الإسناد جرأة على الله تعالى "حدث عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة وعنده الزهري. قال: فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الزهري، قاتلك الله يا ابن أبي فروة ما جرأك على الله لا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة"2. وبسبب تأكيد الزهري على الإسناد والتزامه به قال مالك "أن أول من أسند الحديث الزهري"3 ولعله قصد بذلك في بلاد الشام فقد "ذكر الوليد بن مسلم أن الزهري قال: يا أهل الشام ما لي أرى أحاديثكم ليس لها أزمة ولا خطم؟ وتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ"4.   1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12. وقد توفي الربيع بن خثيم في ولاية عبيد الله ن زياد على الكوفة (ابن سعد ج6 ص193) . 2 الحاكم: معرفة علوم الحديث/ 6. 3 ابن أبي حاتم: تقدمة المعرفة/ 20. 4 السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/ 393 ينقل ذلك عن ابن عساكر دون الإشارة إلى موضع وردود النص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وتوجيه الكلام إلى أهل الشام يوحي بأن التزام الإسناد في مراكز العلم الأخرى كان أكثر بحيث بدا أهل الشام متساهلين في ذلك فنبههم الزهري إلى تقصيرهم فأصبحوا يسندون أحاديثهم، ولا يعني هذا أن الإسناد لم يكن موجودا قبل الزهري، فقد كان بدء السؤال عن الإسناد في عهد الصحابة ثم عند كبار التابعين. لكنه في جيل الزهري أصبح الالتزام بالإسناد قويا، لذلك فإن تفسير شاخت للفتنة التي وردت في قول ان سيرين بأنها الفتنة في زمن الوليد بن يزيد سنة 126هـ تخمين ترفضه الأدلة. وقد رفض روبسون هذا التفسير للفتنة وذهب إلى أن المقصود فتنة ابن الزبير (في حدود سنة 72هـ) عندما أعلن نفسه خليفة، ويستند روبسون على إطلاق مالك كلمة "الفتنة" على حركة ابن الزبير (الموطأ: كتاب الحج 99". وهذا التفسير -في رأيه- يتفق مع عمر بن سيرين الذي كانت ولادته سنة 33هـ مما يجعله -عند حدوث فتنة ابن الزبير- بعمر يمكنه من الكلام بإدراك وإطلاع عما حدث في هذه الفترة, ويرى روبسون أن ما توصل إليه في تفسير الفتنة يؤيد نظرية هوروفتس التي تقول بأن الإسناد أدخل في أدب الحديث في الثلث الأخير من القرن الأول1. ورغم أن ما ذهب إليه روبسون في تفسير الفتنة معقول أكثر من رأي شاخت فقد قدم روبسون ظهور الإسناد نصف قرن عما حدده شاخت إلا أن ما استند إليه روبسون من أدلة لا يمكن أن يعتبر قاطعا، فالتوافق في استعمال الفتنة في كلام ابن سيرين ومالك لا يمكن أن يتخذ دليلا؛ لأن كلمة الفتنة أطلقت على كثير من الانشقاقات والحروب الداخلية بين المسلمين، كذلك فإن تقدير عمر بن سيرين للإفادة منه في تفسير كلامه لا يمكن الاعتماد عليه فابن سيرين قد يتكلم عن أحداث بعيدة عن عصره معتمدا على دراسته لتأريخ الذي عني به كثيرا.   1 Robson, The Isnad in muslim Tradition, p. 21-22. وهو مقال نشرته له مجلة: Glasgow univ. Or. Soc. Trans. 15 (1953-54) . PP. 15-26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وأما رأي هوروفتس الذي لخصه روبسون فهو يتفق مع رأي كايتاني الذي يعتقد أن الإسناد لم يكن موجودا قبل سنة 75هـ1 وقد تابعهما في ذلك سزكين عندما قرر أن الإسناد بدأ بالزهري2، إلا أن روبسون يعود فينقل في موضع آخر رأي هوروفتس أيضا في أن الإسناد بدأ قبل الزهري، وأنه لا يوافق كايتاني وشبرنجر في القول بأن أسانيد عروة بن الزبير (ت93هـ) مختلفة ألصقها به المصنفون المتأخرون ويبدو هوروفتس متحفظا فيقول بأن معرفة عروة للإسناد لا تزال موضع نزاع وجدل3. على أن هوروفتس يقرر في موضع آخر بأن الإسناد في الفترة التي سبقت الزهري كان عادة لكنه لم يكن ضربة لازب4. إن التزام الزهري بالإسناد وإشتهاره بذلك هو الذي أدى إلى توهم أن الإسناد وجد لأول وهلة عند الزهري أو في جيله. وعلى أية حال فإن الالتزام بالإسناد أصبح الطابع العام الذي سلكه المحدثون في جيل الزهري حتى أن بعض من كان يحدث دون إسناد أصبح يلتزم بذكره، فهذا قتادة (ت118هـ) كان يحدث بالبصرة دون إسناد اختصارا للوقت وتسهيلا على الطالب، وكان يلقى أسئلة من تلاميذه عن إسناد اختصارا للوقت وتسهيلا على الطالب، وكان يلقى أسئلة من تلاميذه عن إسناد أحاديثه وكأنها اعتراض على طريقه, فكان شعبة بن الحجاج يوقفه ليسأله عن الإسناد وكذلك كان يفعل معمر بن راشد وآخرون من الأحداث ممن كانوا يحضرون مجلسه وكان الشيوخ يعترضون عليهم وينهونهم عن سؤاله عن الإسناد، ولعل ذلك بسبب طول استماع الشيوخ إليه وقدم عهدهم به فعرفوا أسانيد حديثه فإذا أعاد الأحاديث لم يسندها فيطالبه   1 عن: Schacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence, p. 37. وأنظر: Robson The Isnad in Muslim Tradition, p. 18. 2 Fuad Sezgin, Buharinin Kaymaklari. p. 20 3 Robson. The Isnad in Muslim Tradition. p. 19 4 هوروفتس: المغازي الأولى ومؤلفوها/ 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الأحداث بها وينكر الشيوخ عليهم إضاعة الوقت. ولم يكن قتادة يجهل الأسانيد فقد فاز شعبة منه بذكرها إذ تبين لقتادة أنه جدير بذلك فأخذ يسند له، ولكن قتادة لم يعدل عن طريقته في التحديث دون إسناد حتى قدم إلى البصرة حماد بن أبي سليمان وهو كوفي كان يلتزم ذكر الإسناد، فحدث بالإسناد فعندئذ أخذ قتادة بذكر أسانيد حديثه1، وذلك دليل أيضا على معرفة قتادة بالأسانيد عندما كان لا يذكرها وأن عدم ذكره لها كان اختصارا للوقت. وهكذا طغى الإسناد في أوائل القرن الثاني الهجري والتزم به المحدثون، ويعكس لنا أهمية الإسناد في هذه الفترة ما قاله نقاد الحديث وأئمته مثل محمد بن سيرين (ت110هـ) الذي رأى أن "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"2، واعتباره الإسناد من الدين لأن الإسناد وسيلة لتمييز الأحاديث ومعرفة الصحيح من الموضوع مما يترتب عليه أحكام وتعاليم الدين وهو ما عناه ابن سيرين بقوله الآخر "أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"3 وقوله أيضا "بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد"4. ويتردد هذا المعنى بوضوح أيضا عند المعاصرين لابن سيرين، فقد أكدوا بأقوالهم على أهمية الإسناد كما التزموا به في منهجهم في التحديث، فكان الأعمش ربما حدث بالحديث ثم يقول "بقي رأس المال حدثني فلان قال ثنا فلان عن فلان"5. لقد اعتبر الأعمش الإسناد جزءا مهما من الحديث إذ لا يمكن قبول المتن دون إسناد ومن ثم فقد عقب على المتن بذكر إسناده. وقد أصبح قبول الحديث   1 ابن سعد: الطبقات 7/ 230-231. وابن أبي حاتم: تقدمة المعرفة/ 166. 2 مسلم: الصحيح 1/ 15 وابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 9أوالرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12 وفي تاريخ بغداد للخطيب 6/ 166 نسب هذا القول لعبد الله بن المبارك، وأوضح عبدان -رواية عنه- أنه قاله عند ذكر الزنادقة وما يضعون من الأحاديث. 3 مسلم: الصحيح 1/ 14 (المقدمة) . 4 المصدر السابق 1/ 15 (المقدمة) . 5 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 9ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 منوطا بذكر الإسناد قال شعبة (ت160هـ) : "كل حديث ليس فيه أنا وثنا فهو خل وبقل"1. أي أنه كالطعام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وفي هذا المعنى قال شعبة أيضا: "كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام"2. فكما أن ذلك الرجل لا يستطيع توجيه بعيره فكذلك لا يستطيع المحدث ضبط الحديث وتمييزه ومعرفته دون إسناد، فالإسناد هو الوسيلة إلى نقد الحديث ومعرفته ولذلك قال سفيان الثوري "الإسناد سلاح المؤمن إذا لم ين معه سلاح فبأي شيء يقاتل"3. ولذلك فإن الحديث الذي لا إسناد له يعتبر مرفوضا قال بهز بن أسد: "لا تأخذوا الحديث عمن لا يقول ثنا"4. فلا غرابة إذا ما أصبح السؤال عن الإسناد أمرا شائعا لا يقتصر على أرباب العلم بل يهتم به غيرهم أيضا، فهذا أعرابي قدم على سفيان بن عيينة يسأله ما تقول في امرأة من الحاج حاضت قبل أن تطوف بالبيت؟ فأجابه سفيان: تفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت. فقال الأعرابي: هل من قدوة؟ قال: نعم عائشة حاضت قبل أن تطوف بالبيت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ما يفعل الحاج غير الطواف. قال الأعرابي: هل من بلاغ عنها؟ قال: نعم حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة بذلك. قال الأعرابي: ولقد استسمنت القدوة وأحسنت البلاغ والله لك بالرشاد"5. وهكذا لم يكتف الأعرابي حتى سأل عن سند الرواية كاملا، ولم يجد ابن عيينة في سؤاله بأسا، بل أجابه عما سأله عنه. ومن طريف ما يذكر مما له دلالة على أهمية الإسناد أن المأمون وجه إلى محمد بن عبد الله الأنصاري خمسين ألف درهم وأمره أن يقسمها بين الفقهاء بالبصرة فكان هلال بن مسلم يتكلم عن أصحابه   1 الخطيب: الكفاية/ 283. 2، 3، 4 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 9ب. 5 الخطيب: الكفاية 403-404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 والأنصاري عن أصحابه فاختلفا بينهما فيمن يستحق المال فسأل الأنصاري هلالا كيف يتشهد؟ فتشهد هلال على حديث ابن مسعود. فقال له الأنصاري: من حدثك به؟ ومن أين ثبت عندك؟ فسكت هلال ولم يجبه. فقال الأنصاري: تصلي في كل يوم وليلة خمس صلوات، وتردد فيها هذا الكلام وأنت لا تدري من رواه عن نبيك صلى الله عليه وسلم قد باعد الله بينك وبين الفقه، فقسمها الأنصاري في أصحابه1. لقد كان ذكر الإسناد مبعثا للطمأنينة والارتياح، وعبارة بهز بن أسد التالية تنطق بذلك فقد كان يقول إذا ذكر له الإسناد الصحيح "هذه شهادات الرجال العدول المرضيين بعضهم على بعض"2. أن الراوي يجد في ذكر الإسناد مشاركة في تحمل مسؤولية نقل الحديث إذ لا يستقل وحده بحمل تبعته بل يشاركه شيوخه وشيوخ شيوخه ثم التابعون والصحابة، ولا تعدو تبعته النقل الأمين لما سمعه عن شيخ ثقة ثبت، وكذلك يطمئن السامعون إلى قبول الحديث والعمل به وهم يجدون أمامهم سلسلة من الرواة المرضيين كلهم يشهد أنه سمعه عمن قبله حتى يصل الإسناد إلى الصحابي فالرسول صلى الله عليه وسلم3. وقد عبر بعض الشعراء من أهل الحديث أو محييهم عن ارتياحهم ونشوتهم بذكر الإسناد فقال أحدهم: يا لذة العيش لما قلت حدثنا ... عوف وبشر عن الشعبي والحسن4 وقال الحطيم يمتدح سفيان بن عيينة: يضم عمرا إلى الزهري يسنده ... وبعد عمرو إلى الزهري صفوانا   1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 12-13 والخطيب: تاريخ بغداد 5/ 409. والذهبي: سير أعلام النبلاء 9/ 536، وقد بين الذهبي أن راويها المنقري: واه. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 47ب. 3 ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي 258-259. 4 الرامهرمزي: المدث الفاصل 2/ 18ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وعبدة وعبيد الله ضمهما ... وابن السبيعي أيضا وابن جدعانا فعنهم عن رسول الله يوسعنا ... علما وحكما وتأويلا وتبيانا1 وقال الأصمعي يرثي سفيان بن عيينة أيضا: من للحديث عن الزهري يسنده ... وللأحاديث عن عمرو بن دينار ما قام من بعده من قال حدثنا ... الزهري في أهل بدو أو بأحضار2 ونتيجة التأكيد على الإسناد وما حظي به من اهتمام كبير فقد التزمت به كتب الحديث التي دونت منذ النصف الأول من القرن الثاني الهجري والتي أطلق عليها إسم "المسانيد" وهو إسم واضح العلاقة بفكرة الإسناد، وقد وصل إلينا بعض هذه المسانيد مثل مسند معمر بن راشد "ت152هـ" ومسند الطيالسي "ت204هـ"، وقد كونت هذه المسانيد مادة أساسية اعتمدتها الكتب الستة التي ظهرت خلال القرن الثالث الهجري3 والتي نجد فيها التزاما دقيقا بذكر الأسانيد التامة مما يلقي ضوءا على الموارد التي استقت منها والتي ظهرت كما أسلفت خلال القرن الثاني الهجري. إن الاختلاف في التحديد الزمني لبدء استعمال الأسانيد يبدو أقل أهمية حين يتقرر أن الأسانيد التي يرى البعض ظهورها في التحديدات الزمنية المتفاوتة كانت معروفة عند حفاظ الحديث من الصحابة والتابعين لكن الالتزام بذكرها قبل كل حديث لم يحدث إلا عقب ظهور الوضع في الحديث والحاجة إلى التحقق من صحة الأحاديث، وهذا يعني خطأ ما ذهب إليه كايتاني وشاخت من أن القسم الأعظم من الأسانيد اختلقه المحدثون في فترة متأخرة يحددها كايتاني بنهاية القرن الثاني ويحتمل أن تكون -في رأيه- في القرن الثالث4. ويرى   1 المصدر السابق 2/ 18أ. 2 المصدر السابق أيضا 2/ 18ب. 3 أنظر: Sezgiu, Buharinin Kayniklari. p. 48 4 عن Robson, The Isnad In Muslim Tradition p.18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 شاخت أيضا أن الأسانيد المتصلة متأخرة1 وضعها اصحا المذاهب الفقهية رغبة في إرجاع آرائهم إلى الصحابة, ومن ثم فإن تحسن الأسانيد استمر حتى عصر الكتابة حيث ظهرت الأسانيد بصورتها الكاملة، وقد استشهد شاخت بأسانيد وردت مرسلة أو منقطعة في موطأ مالك أو في كتاب الرسالة للشافعي ثم وردت في الكتب الستة المتأخرة عن مالك متصلة مسندة مما يدل -في رأي شاخت- على أن الأقسام العليا من الأسانيد (أسماء التابعين فالصحابة) مختلفة وضعت فيما بعد من قبل أصحاب المذاهب2. لقد أغفل شاخت أن احتجاج مالك بالمرسل هو سبب عدم عنايته بوصل أحاديث الموطأ3، ولذلك فإن طريقته في استعمال الإسناد لبست طابعا عاما لعصره إذ وردت الأسانيد المتصلة في كتب المسانيد المصنفة في القرن الثاني الهجري وبعضها صنف قبل الموطأ مثل مسند معمر بن راشد. إن ورود الأحاديث مرة مرسلة وأخرى متصلة لا يقطع بوضعها أو بإكمال أسانيدها في فترة متأخرة فقد يروي العالم الحديث الواحد مرة بإسناد متصل وأخرى بإرسال أو انقطاع للاختصار أو بسب النسيان، على أن هذا لا يعني عدم وقوع الخطأ في الأسانيد بزيادة رجل فيها أو تبديل إسم بآخر بل ووضع أسانيد كاملة لأحاديث موضوعة مما بينته كتب مصطلح الحديث4، ولكن إطلاق القول باختلاق الأسانيد المتصلة مجازفة كبيرة لا تقل عما في إتهام المذاهب   1 يذهب روبسون إلى أن إعطاء سند متصل لم يصبح تقليدا ملزما إلا في النصف الأخير من القرن الثاني الهجري انظر: The Encyclopedia of Islam vol III, P 23. 1965. 2 Schacht, The Origins Of Muhhamadan Jurisprudence, P. 163, 165, 166k 167 3 انظر عن احتجاج مالك بالمرسل ابن كثير: الباعث الحثيث، ص48. 4 الخطيب: الكفاية 409، وابن كثير: الباعث الحثيث 176، وابن حبان: المجروحين من المحدثين2/ 25ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الفقهية بوضع هذه الأسانيد المتصلة من مجازفة، فقد اعتمد الشافعي على مراسيل سعيد بن المسيب واعتمد أبو حنيفة على مراسيل شيوخه ولم يقوما بوصل هذه المراسيل ولا فكر أتباعهما بوصلها فبقيت في كتبهم على حالها من الإرسال1. إن اختلاق الأسانيد قام به الوضاعون الذين دفعتهم أغراض عديدة إلى الوضع، سبق تفصيلها، ولا يمكن إتهام أصحاب المذاهب بذلك، وهم الأمناء على الشريعة، والحافظون للأحاديث من أن يدخلها الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرفنا صحيح الحديث من ضعيفه ولا صدقه من كذبه ولا تعديل الرواة أو جرحهم إلا من طريق هؤلاء الأعلام فكيف يسوغ لدى الباحث المنصف والمؤرخ الناقد أن يتهم هؤلاء الأئمة الأخيار. وقد ذهب فؤاد سزكين إلى القول بأن الإسناد بدأ يفقد مكانته منذ أن ألف البخاري صحيحه فأكثر فيه التعاليق والفقرات اللغوية والتاريخية دون إسناد2، ولكن هذه التعليقات التي أوردها البخاري دون إسناد ليست من "الجامع المسند الصحيح المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" وهو العنوان الذي ربما اختاره البخاري لكتابه ليكون أول تنبيه على عدم اعتبار التعليقات منه حتى لو صحت أسانيدها من طرق أخرى غير طريق البخاري. إن الأحاديث المسندة الموصولة التي أوردها البخاري هي التي تكون "الجامع المسند الصحيح" الذي يتمثل فيه منهج البخاري وتنطبق عليه شروطه المعرفة، وفيها تظهر الأسانيد بأكمل صورها وأعلى طرقها وأدقها، فلا يصح القول بأن الإسناد "بدأ من البخاري يفقد مكانته" خاصة وأن من صنف في الحديث بعد البخاري -وخاصة بقية أصحاب الكتب الستة- اهتموا بالإسناد المتصل أيضا.   1 يقول روبسون أن بعض المستشرقين فطنوا إلى أن ما يروى عن كبار الصحابة من الحديث أقل بكثير مما يروي عن صغارهم وقد رأى أن ذلك يحمل على الاعتقاد بصحة ما نقله المحدثون أكثر مما نتصور -أي مما يتصوره المستشرقون- إذ لو اختلق المحدثون الأسانيد لكان بإمكانهم جعلها تعود إلى كبار الصحابة. عن Robson, The Island in Muslim Tradition, p. 26 2 سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 لقد أثر منهج المحدثين في التزام الإسناد في نطاق الحديث على المؤرخين وأهل الأدب حيث أصبحت الأسانيد تتقدم الروايات التأريخية والأدبية، وهكذا امتد استعمال الأسانيد إلى كتب السيرة الأولى كسيرة ابن إسحاق ومغازي الواقدي والطبقات الكبرى لابن سعد وكتب التأريخ مثل تأريخ خليفة بن خياط وتأريخ الأمم والملوك للطبري وكتب الأدب ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ولكن استعمال الأسانيد في كتب التأريخ والأدب لم يكن بالدقة التي استعمل بها في كتب الحديث لما للحديث من أهمية خاصة حيث تترتب عليه الأحكام الشرعية ذات المساس الكبير بمصالح الناس مما يجعل التدقيق فيها أمرا ضروريا. إذ دراسة علوم الحديث تؤكد أن الإسناد هو المحور الذي تدور حوله كثير من قواعد نقد الحديث، حيث انصب النقد والملاحظات على الرجال الذين رووا الحديث وتناقلوه خلفا عن سلف1. ومن هنا اهتم العلماء بالتعريف بهؤلاء الرجال فشخصوهم بضبط أسمائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم لآبائهم وأمهاتهم، وذكر بعض شيوخهم وطلابهم وتسجيل رحلاتهم في البلدان ولقائهم مع علمائها، وبيان أحوالهم وأخلاقهم مما له أهمية في توثيقهم وتضعيفهم، وبإطلاق حكم صريح عليهم وذلك باستعمال عبارات الجرح والتعديل، وذكر نماذج من مروياتهم مما يدل على مكانتهم في العلم وطبقتهم بين العلماء، وضبط سني وفياتهم ... وقد تجمعت هذه الملاحظات المنوعة في علم خاص بالرجال فألفت فيه كتب تفنن المصنفون في تنويعها وترتيبها. وسيعرض الفصل التالي لدراسة هذه المصنفات وبيان قيمة ما تحتويه من معلومات وفائدة ما فيها من تنظيم.   1 وهذا لا يعني إغفالهم نقد المتن حيث وضعوا القواعد لذلك أيضا (أنظر السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص205) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 المصنفات في علم الرجال حتى نهاية القرن الخامس "دراسة وتحليل" مدخل ... المصنفات في علم الرجال حتى نهاية القرن الخامس (دراسة وتحليل) : يقتصر هذا البحث على الكتب الأولى في علم الرجال، فقد اعتمدت المصنفات المتأخرة عليها في المادة والتنظيم. وقد اتبع المصنفون الأوائل في علم الرجال أساليب متعددة في تأليفهم مما أدى إلى تنوع مصنفاتهم، فمنها ما اقتصر على التعريف بالصحابة وهي كتب معرفة الصحابة ، ومنها ما شمل الصحابة والتابعين والأتباع ومن تلاهم وهي كتب الطبقات، ومنها ما اهتم ببيان درجة توثيق الرجال أو تضعيفهم وهي كتب الجرح والتعديل التي تنوعت أيضا، فمنها ما اقتصر على ذكر الثقات فقط ومنها ما اقتصر على ذكر الضعفاء فقط، في حين جمع صنف ثالث منها بين الثقات والضعفاء، وبعد قرن من الزمن ظهرت مصنفات في رجال الحديث المذكورين في أحد مجاميع الحديث، وركز المصنفون الأوائل على موطأ ما لك ورجال صحيح البخاري ورجال صحيح مسلم، كما ظهرت في حدود ذلك أيضا مصنفات جمعت بين رجال صحيحي البخاري ومسلم1. وقد كان الشمول هو طابع المصنفات الأولى في علم الرجال، ثم أخذ   1 لم تظهر المصنفات التي تجمع رجال الكتب الستة أو السنن الأربعة إلا في فترة متأخرة عندما صنف المقدسي الجماعيلي (ت600هـ) كتابه المشهور "الكمال في معرفة الرجال"، وقد اعتنى المتأخرون بتهذيبه ومن ذلك "تهذيب الكمال" للمزي، ثم "تهذيب التهذيب" للعسقلاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بعض المصنفين يقتصر على رجال الحديث في بلدة معينة، والغالب أن المصنف يهتم بعلماء الحديث في بلدته فظهرت تواريخ الرجال المحلية منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وتوسعت على مر الزمن. ولكثرة عدد رواة الحديث واحتمال حدوث التباس بسب تشابه الأسماء أو الكنى أو النسبة، ظهرت كتب لضبط الأسماء وتمييز المؤتلف والمتفق والمتشابه. ثم ظهرت في أواخر القرن الخامس كتب في أنساب المحدثين بعد أن أصبح لكل راو عدة انتسابات إلى القبيلة والمدينة والصنعة1.   1 أول من صنف في أنساب المحدثين محمد بن طاهر المقدسي (ت507هـ) في كتابه "الأنساب المتفقة"، ولا تدخل هذه المصنفات ضمن نطاق دراستي لتأخر ظهورها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 كتب معرفة الصحابة : إن معرفة الصحابة علم جسيم لا يعذر أحد ينسب إلى علم الحديث بجهله، ولا خلف بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوكد علم الخاصة وأرفع علم أهل الخبر1، وذلك لأنه لا يمكن تمييز الحديث المرسل2 من المسند3 إلا بمعرفة الصحابة. وتتناول المصنفات في معرفة الصحابة ذكر أسمائهم وأنسابهم وسيرهم وأحوالهم، والأماكن التي نزلوها، والغزوات التي شهدوها، وسني وفياتهم. وقد اختلف العلماء في تعريف الصحابي، فذهب أنس بن مالك إلى أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم غير كافية لاعتبار الرجل صحابيا، فقد سئل: هل بقي أحد من الصحابة غيرك؟ فقال: بقي ناس من الأعراب، فأما صحبة فلا4، واشترط سعيد بن المسيب لكي يعد الرجل صحابيا أن يقيم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو ستين ويغزو معه غزوة أو غزوتين5.   1 ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 19. 2 المرسل: هو ما سقط من إسناده اسم الصحابي "انظر ابن كثير: الباعث الحثيث، 47". 3 المسند: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "ابن كثير: الباعث الحثيث، 44". 4، 5 ابن الصلاح: مقدمة ص119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ويذكر ابن الصلاح أن الأصوليين يرون أن اسم الصحابي من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له عن طريق التبع والأخذ عنه1. وقال أبو حامد الغزالي: "لا ينطبق اسم الصحبة إلا على من صحبه، ثم يكفي في الاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصصه بمن طالت صحبته"2. وقد ذهب أهل الحديث مذهبا آخر في تعريف الصحابة، فقال البخاري في الصحيح: "إن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة"3، وقال أحمد بن حنبل: "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من صحبه شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه"4. وقد ذهب بقية أهل الحديث مذهب البخاري وأحمد، قال أبو المظفر السمعاني: "أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحبة على كل من روى عن النبي حديثا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة"5. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أصح ما وقفت عليه في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية بصر ولو لم يجالسه, ومن لم يره لعارض كالعمي"6. ويعرف كون الرجل صحابيا بالتواتر باشتهار ذلك بما يقصر عن التواتر، أو بأن يروى عن أحد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وأخباره عن نفسه -بعد ثبوت عدالته- بأنه صحابي7.   1 المصدر السابق 118-119. 2 ابن الأثير: أسد الغابة 1-13. 3 البخاري: الصحيح 5-2. 4 ابن الأثير: أسد الغابة 1-13. 5 ابن الصلاح: مقدمة 118-119. 6 الإصابة 1/ 6. 7 ابن الصلاح: مقدمة 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 لقد بدأت تصنيف الكتب في معرفة الصحابة منذ فترة مبكرة، وفيما يلي أسماء المصنفين في معرفة الصحابة مع ذكر سني وفياتهم مما يعين على تحديد فترة ظهورها وأوقات ازدهار التصنيف فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 المصنفون من الصحابة 1: وأول من علمته صنف في معرفة الصحابة: أبو عبيدة معمر بن المثنى "ت208هـ". وزهير بن عبد الله العبسي. والعثماني. ومحمد بن سعد2 "ت230هـ". وخليفة بن خياط3 "ت240هـ". ويعقوب بن سفيان الفسوي "ت277هـ" ضمن تأريخه4 "كتاب المعرفة والتأريخ". وعلي بن المديني "ت233هـ" في كتابه "معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان" ويقع في خمسة أجزاء، و"تسمية أولاد العشرة وغيرهم من الصحابة".   1 أنظر عن هذه المصنفات: السخاوي: الإعلان بالتوبيخ 540-544. وحاجي خليفة: كشف الظنون 2-1739. والكتاني: الرسالة المستطرفة 126-128. وبروكلمان: تاريخ الأدب العربي "الجزء الثالث". وفهرست مخطوطات المصورة، وفهرست مخطوطات دار الكتب المصرية "مصطلح الحديث". وفهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية "قسم التأريخ" وضع يوسف العش. وقد رجعت إلى نفس هذه المصادر في قوائم المصنفات الأخرى في علم الرجال. إلا ما نسبته إلى مصدر آخر بالحاشية. 2، 3 أرجح أن المقصود هو القسم المتعلق بالصحابة ضمن كتابيهما في الطبقات. 4 السخاوي: الإعلان، 544. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ومحمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" في كتابه "تأريخ الصحابة"1. وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي2 "ت270هـ". وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي "ت279هـ" في كتابه "تسمية أصحاب رسول الله"3. وأبو بكر بن أبي خيثمة "ت279هـ". وعبد الله بن محمد المروزي الملقب عبدان "ت293هـ" في مائة جزء4. ومطين اسمه محمد بن عبد الله "ت298هـ". وأبو منصور محمد بن سعد البارودي5 "ت310هـ". وعبد الله بن محمد البغوي "ت317هـ". ومحمد بن الربيع الجيزي فيمن نزل مصر من الصحابة6.   1 يقول العسقلاني: "إنه أول من صنف فيما أعلم" "انظر السخاوي: الإعلان، 544" لكنه صرح بأنه لم ير الكتاب "الإصابة 5/ 153". 2 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة 3/ 457، 554 ومواضع أخرى؛ وفي تهذيب التهذيب 5/ 159، 6/ 125 ومواضع أخرى؛ وابن عساكر: تاريخ دمشق 1/ 163، 167، 304، 330، 460. 3 منه 11 ورقة مخطوطة في لا له لي 2089/ 1؛ ومنه نسخة في شهيد علي 2840/ 1 تقع في 17 ورقة "سزكين: تاريخ: تراث العربي 1/ 405". 4 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة 1/ 69، 125، 160 ومواضع أخرى كثيرة. 5 منسوب إلى ابيورد إحدى مدن خراسان وقد أكثر الاقتباس من كتابه في الصحابة، ابن حجر في الإصابة 2/ 38، 65، 74 ومواضع أخرى؛ وفي تهذيب التهذيب مثلا 12/ 271. 6 بلغ عددهم في كتابه مائة ونيفا وأربعين صحابيا، وقد أورد أحاديثهم "ابن القيم: أعلام الموقعين 1/ 21" وقد أكثر الاقتباس منه ابن حجر في الإصابة 1/ 217، 323، 410، 508. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وأبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي "ت324هـ" فيمن نزل حمص من الصحابة1. وأبو بكر عبد الله بن سليمان بن أبي داؤد "ت316هـ". وأبو محمد بن الجارود "ت320هـ" في كتابه "الآحاد". وأبو جعفر محمد ن عمرو بن موسى العقيلي "ت322هـ" في كتاب "الصحابة"2. ومحمد بن عبد الرحمن "ت325هـ". وأبو الحسين بن قانع الأموي "ت351هـ". وأبو القاسم الطبراني "ت360هـ". وأبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن، في "معجم الصحابة"3. وأبو حاتم بن حبان البستي "ت354هـ" في كتابه "أسماء الصحابة"4. وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني "ت365هـ" في "أسماء الصحابة"5. وأبو الفتح الأزدي "ت367هـ" في كتابه "من لم يرو عنه منهم سوى واحد" وسماه ابن حجر "الوحدان"6، ويسمى "المخزون". ويبدو أنه نفس كتاب "المخزون في علم الحديث".   1 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة مثلا 1/ 272، 288، 358. 2 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة "سزكين: تاريخ التراث العربي ص445". 3 هكذا سماه ابن حجر ونقل عنه في فتح الباري 1/ 37، 38. 4 مخطوط في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة مجموعة 239 ويقع في 72 ورقة "سزكين: تاريخ التراث العربي ص475" ولعل المقصود المجلد الأول من كتاب الثقات له. 5 مخطوط في المدينة 270 "سزكين ص493". 6 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة مثلا 1/ 397، 461 ويبدو من هذا الاقتباس أنه مرتب على الحروف. وقد وصل إلينا وهومخطوط في مكتبة أحمد الثالث، استانبول تحت رقم 624/ 20 "206ب-219ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وأبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر "ت379هـ"1. وأبو الحسن محمد بن صالح الطبري. وأبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري "ت382هـ"2. وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين3 "ت385هـ". وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده "ت395هـ". وأبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ". ويحيى بن يونس الشيرازي في كتاب "المصابيح في الصحابة"4. وجعفر بن محمد المستغفري "ت432هـ". وابن عبد البر القرطبي "ت463هـ" في كتابه "من روى منهم عن التابعين". وأبو علي الحسين بن محمد الغساني "ت498هـ"، استدرك فيه على ابن عبد البر. وأبو إسحاق بن الأمين في "الذبل على الاستيعاب".   1 ابن حجر: رفع الإصر عن قضاة مصر 271. 2 يشير السخاوي إلى أنه مرتب على القبائل "السخاوي: إعلان بالتوبيخ، 542"؛ واقتبس منه ابن حجر في الإصابة 1/ 119 ومواضع أخرى. 3 اقتبس منه كثير ابن حجر في الإصابة 1/ 7، 8، 25، 26، 31، 41، 53 وغيرها. 4 ابن حجر: الإصابة 3/ 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 لم تصل إلينا معظم هذه المصنفات، وأقدم ما وصل إلينا منها كتاب "الطبقات الكبير" لمحمد بن سعد "ت230هـ"، وكتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط "ت240هـ، فقد خصص كل منهما حوالي ثلث كتابه للصحابة1، فأما ابن سعد، فقد رتبهم على الطبقات باعتبار السابقة في الإسلام واتبع الترتيب على النسب ضمن الطبقة الواحدة، وأما خليفة، فقد رتبهم على النسب ولم يراع عاملا آخرا سواه2، ويمتاز ابن سعد عن خليفة بأنه يسهب في ذكر أحوال الصحابي في حين يوجز خليفة كثيرا حتى يقترب من تجريد الأسماء في كثير من التراجم. وقد وصل إلينا أيضا كتاب علي بن المديني "ت234هـ" المعروف بـ "تسمية أولاد العشرة وغيرهم من الصحابة"3، وهو يبدأ بذكر فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأولاد علي منها ثم أحفادهما، ثم يذكر أولاد أبي بكر وأولادهم وأحفادهم، ثم أولاد عمر وأولادهم وأحفادهم.. وهكذا يفعل مع بقية العشرة المبشرة وبعض الصحابة الآخرين، وينتهي بذكر أولاد العباس بن عبد المطلب، فهو لا يقتصر على ذكر الصحابة، بل يتعداهم إلى غيرهم وهو بذلك يرسم شجرات نسب صغيرة، ويتنوع تنظيمه للمادة، فمرة يعقد موضوعا في "تسمية من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم"، ويقتصر على ذكر أسمائهم دون ترتيبهم على المعجم أو القبائل، بل فقط باعتبار لقائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. ثم يعقد موضوعا آخر في "تسمية الإخوة الذين روى عنهم الحديث"، ثم يعقد موضوعا يرتب فيه الصحابة على أساس الاشتراك في الاسم "من اسمه   1 انظر عنهما ص78-81. انظر فصل أسس تنظيم كتب علم الرجال. 3 توجد منه نسختان في المكتبة الظاهرية بدمشق بينهما بعض الاختلاف، إحداهما رواية الحافظ أبي نعيم الأصبهاني عن أبي القاسم الطبراني عن محمد بن هشام أبي الدمياط المستملي عن علي بن المديني، وهي أوضح من النسخة الأخرى وأجود خطأ، وتقع في 9 ورقات. أما النسخة الأخرى فهي رواية حنبل بن إسحاق عن علي بن المديني وفيها زيادة على الأولى وتقع في 15 ورقة "الظاهرية، مجموع 27، "23"". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 هشام" ويسردهم. "من اسمه معبد" وهكذا. كما رتب قسما من الصحابة على أساس المدن التي نزلوها، يقول: "ومن أهل الكوفة" ويذكرهم، "ومن أهل البصرة" ويذكرهم، "ومن الغرباء" ويذكرهم. وهكذا استعمل في ترتيب المادة وعرضها تقسيمات متباينة، فمرة على النسب، وأخرى على المدن، وثالثة على أساس اللقيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط. وقد استفاد أبو داؤد سليمان بن الأشعث السجستاني "ت275هـ" في تصنيف رسالته التي أسماها "تسمية الإخوة من أهل الأمصار"1 مما قرأه في كتاب علي بن المديني بخطه2. كما استفاد من طريقته في تنظيم المادة، فنجده يرتب الإخوة الذين روى عنهم الحديث على المدن. وقد اكتفى أبو داؤد بتجريد الأسماء، ولم يقتصر على ذكر الصحابة، بل ذكر من تلاهم أيضا. كذلك وصل إلينا القسم المتعلق بمعرفة الصحابة من كتاب "المعرفة والتأريخ" لمؤلفه يعقوب بن سفيان الفسوي "ت277هـ"، فقد خصص الفسوي القسم الأول من تأريخه لسرد الأحداث السياسية مرتبا ذلك على الحوليات، ومعظم هذا القسم مفقود، أما القسم الآخر فهو في معرفة الرجال، وقد وصل إلينا كاملا، ويبدأ بالصحابة حيث خصص لهم 84 صفحة وهو يقتصر على ذكر اسم الصحابي ونسبته، وأحيانا يذكر نسبه، ويسرد لكل منهم حديثا. وقد راعى في ترتيبه لهم اشتراكهم في الاسم الأول، فجمع بين العبادلة -أي من اسمهم عبد الله- ومن يسمون بـ "عبد الرحمن" وهكذا. ولما انتهى من ذكر الصحابة، ذكر التابعين ومن عدهم على الطبقات، لكنه رجع بعد ذكر الطبقة الثالثة منهم إلى تقديم تراجم مفصلة لبعض الصحابة.   1 تقع هذه الرسالة في 7 ورقات، وفي الورقة 24 سطرا مكتوبة بخط ناعم. 2 أبو داؤد السجستاني: تسمية الإخوة من أهل الأمصار، 1/ أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 كأبي بكر وعمر وعبد الله بن عمر والعباس بن عبد المطلب وعبد الله بن العباس وهي مادة تتصل بالتعريف بالصحابة أيضا1. وكذلك وصل إلينا كتاب معجم الصحابة لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي البغدادي "ت351هـ" وقد رتبهم على حروف المعجم، وهو يذكر أسماءهم ونسبهم ثم يخرج لهم حديثا أو حديثين بإسناده إليهم ولا يذكر وفياتهم ولا أخبارهم2. كذلك وصل إلينا كتاب "المخزون في علم الحديث" لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي "ت367هـ" و"فيه ذكر صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه إلا رجل واحد من التابعين". أما كتاب معرفة الصحابة للحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني "ت395هـ" الذي يزيد على أربعين جزءا، فلم يصل إلينا منه إلا الجزءان السابع والثلاثون والثاني والأربعون3. فأما الجزء السابع والثلاثون، ففيه تراجم من يعرف بكنيته من الصحابة، وهي مرتبة على حروف المعجم ويذكر في كل ترجمة اسم الصحابي ومن روى عنه وإحدى رواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يذكر أحيانا المصر الذي نزله وشهوده المغازي أو الفتوح، ويهتم كثيرا بتخريج الأحاديث ولا يذكر الأنساب وقد انتقده ابن الأثير على ذلك4.   1 وصل إلينا عشرون جزءا من كتابه "المعرفة والتاريخ" وتقع في مجلدين كبيرين: الأول مخطوط في طوب قبو سراي، ريفان كشك 1554 والثاني في مكتبة أسعد أفندي تحت رقم 2391. وقد قمت بتحقيقه ونشره. 2 مخطوط في كوبرلي رقم 352 ويقع في 195 صفحة عدا الساقط من أوله. 3 عدد أوراق الجزء السابع والثلاثين 19 ورقة، وعدد أوراق الجزء الثاني والأربعين 15 ورقة، وكلاهما من مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق "حديث344" وقد اطلعت عليهما. وذكر سزكين أن منه نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة "تاريخ التراث العربي ص529". وتقع نسخة المدينة في 350 ورقة وعدد الأسطر 37 سطرا وتتضمن المجلد الثاني، وقد نسخت سنة 1054هـ. 4 ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أما الجزء الثاني والأربعون فقد خصصه للنساء الصحابيات، حيث قدم تراجم عمات النبي صلى الله عليه وسلم ومرضعاته وأزواجه فأطال تراجمهن، ثم ذكر من تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهن ولم يلتزم ترتيبهن على المعجم كما يفعل بعد ذلك عند ذكر بقية الصحابيات. وقد وجدت كراسة من كتاب ابن مندة1 تراجمها مرتبة على حروف المعجم أيضا، وطريقة تراجمها تشبه طريقة تراجم الجزء السابع والثلاثين. وتجدر الإشارة إلى أن أبا زكريا يحيى بن عبد الوهاب "ت511هـ" ألف عن الصحابة كتابا سماه "جزء فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين"2. ووصل إلينا الجزء الثاني والأخير من كتاب أبي نعيم الأصبهاني "ت430هـ" "معرفة الصحابة"3، وقد وصفه ابن الأثير بأنه يكثر ذكر الأحاديث وعللها ولا يطيل نسب الشخص وأخباره وأحواله4. وهو يبدأ بمقدمة قصيرة توضح منهجه يقول: "بدأت بأخبارهم في مناقبهم ومراتبهم، ثم قدمت ذكر العشرة المشهود لهم بالجنة، وأتبعتهم من وافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رتبت أسامي الباقين على ترتيب حروف المعجم،   1 مخطوطة في دار الكتب الظاهرية "عام 443" وتقع في 21 ورقة. 2 توجد منه ورقتان مخطوطة في لا له لي 3767 "سزكين ص529". 3 الجزء الثاني مخطوط في مكتبة أحمد الثالث 497، ويقع في 394 ورقة 21×27سم أما الجزء الخير فهو مخطوط في مكتبة فيض الله 1527، ويقع في 511 ورقة 16×19.5سم. "انظر فؤاد السيد: فهرس المخطوطات المصورة "التاريخ" قسم2 ص181" ومنه نسخة لا أعلم إن كانت كاملة أو ناقصة في مكتبة شستربتي، رقم 3015 ذكرها آربري "انظر كوركيس عواد: ذخائر التراث العربي في مكتبة شستربتي، مجلة المورد، العددان 1، 2، ص155". وورد في فهرس المخطوطات المصورة بدار الكتب القطرية أن منه مجلدين الأول 353 ورقة والثاني 497 ورقة في مكتبة أحمد الثالث تحت رقم116. وقد اطلعت على هذه النسخة. 4 ابن الأثير: أسد الغابة 1/ 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 واقتصرت من جملة مروياتهم على حديث أو حديثين فأكثر مع ما ينضم إليه من ذكر المولد والسن والوفاة. ومن لم يقع له حديث وله ذكر أو روى ... فذكرته بعد، وهذه الموضوعات مما لا حقيقة له، ولم يشتمل على ذكره مسانيده الأئمة والأثبات، ولا دونته تواريخ الحفاظ الذين هم العمدة والأوتاد، والذي يشتغل بجمعه وذكره من غرضه المكاثرة للمفاخرة، لا للتحقق بذكر الحقائق للإبلاغ والمتابعة ليكون ذلك دليلا على معرفته". ثم عقد فصولا قصيرة في معرفة المهاجرين والأنصار، والفرق بين المتقدمين من المهاجرين والمتأخرين، وسبب انقطاع الهجرة، وذكر هجرة الحبشة، وفضل البدريين، وعدد شهداء بدر، ثم عدد شهود الحديبية وفضلهم، وفضل قريش، وفضل القرن الأول، وفضيلة الصحابي، وخصائصهم، وعددهم، ومعرفة العشرة منهم، ثم بدأ بترجمة الصديق رضي الله عنه ثم بقية العشرة، ويتراوح طول الترجمة بين سطر واحد وتسعة أسطر، ويهتم بالأنساب والأخبار والأحاديث وطرقها وأحيانا قليلة عللها، وقلما يذكر الجرح والتعديل. ومما وصل إلينا أيضا كتاب ابن عبد البر القرطبي "ت463هـ" "الاستيعاب في معرفة الأصحاب"1، وقد ذكر قائمة مصادره التي استقى منها معلوماته في مقدمة كتابه حيث ينقل عن موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر الواقدي من كتابيه التأريخ والطبقات، وخليفة بن خياط، والزبير بن بكار، كما ينقل عن أبي معشر وعلي بن محمد المدائني ومصعب بن عبد الله وذلك من كتاب التأريخ لابن أبي خيثمة، وينقل عن البخاري من كتابه "التاريخ الكبير"، وعن أبي العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج من كتابه "التأريخ"، وعن الطبري من كتابه "ذيل المذيل"، وعن الدولابي من كتابه "كتاب المولد والوفاة"، وعن أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن من كتابه "الحروف في الصحابة"، وعن أبي محمد عبد الله بن محمد الجارود من كتاب   1 طبع عدة طبعات منها طبعة بحاشية الإصابة للعسقلاني، مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1358هـ - 1939، ثم طبع بتحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 "الآحاد" "وهو في الصحابة أيضا"، وعن أبي جعفر العقيلي وابن أبي حاتم الرازي والأزرق والدولابي والبغوي من كتبهم في الصحابة1. ولا يقتصر ابن عبد البر على ذكر من صحت صحبته ومجالسته، بل يذكر من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة، ويؤكد في تراجمه على ذكر الأنساب والمشاهد التي شهدها الصحابي، وأحيانا يذكر للصحابي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما ذكر أيضا بعض من روى عن الصحابي، كما يذكر عداد الصحابي في الأمصار. وقد رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم، فلما انتهى منهم ذكر من اشتهر بكنيته سواء عرف اسمه أم لم يعرف، ورتب الكنى على حروف المعجم أيضا، ثم تناول النساء، ثم كنى النساء2.   1 ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 20-24. 2 ومن أجمع كتب معرفة الصحابة التي ألفت في القرون التالية واشتهرت واعتمدها الناس كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير الجزري "ت630هـ". وكتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" لابن حجر العسقلاني "ت852هـ". فأما كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري "ت630هـ" فيقع في خمس مجلدات، وقد جمع فيه مؤلفه بين كتب معرفة الصحابة لابن منده وأبي نعيم الأصبهاني وأبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني وابن عبد البر، ويذكر عادة من خرج الترجمة من أصحاب الكتب الأربعة المذكورة برموز شرحها في مقدمة كتابه، وقد ذكر أنه اختار من كلام كل واحد منهم أجوده وما تدعو الحاجة إليه، ولم يقتصر على مادة هذه الكتب الأربعة، بل أضاف إليها موادا من كتب أخرى عدد بعضها في مقدمة كتابه كما استدرك عليهم بعض الأغلاط. ومع ذلك فقد انتقد ابن حجر كتابه فقال: إنه تبع من قبله فخلط من ليس صحابيا بهم وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم "الإصابة 1/ 4" واهتم ابن الأثير بذكر الأنساب والأخبار وما يعرف بالصحابي أكثر من ذكر الأحاديث وعللها وطرقها لأنه يرى أن ذلك بكتب الحديث أشبه وقد رتب التراجم على حروف المعجم بصورة دقيقة مما ييسر الكشف عن الأسماء. ويبدأ بذكر الأسماء ثم الكنى ثم النساء، "انظر أسد الغابة 1/ 4-6". وأما كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر فهو من أجمع كتب معرفة الصحابة، استخلص مؤلفه مادته من كتب معرفة الصحابة التي ألفت قبله وعددها كبير جدا كما أفاد من كتب الجرح والتعديل وتواريخ الرجال وتواريخ المدن المحلية = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 كتب الطبقات : نظم بعض المصنفين في الرجال كتبهم على الطبقات1 وذلك لتسهيل التمييز بين الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولهذا التنظيم فائدة في معرفة   = وكتب ضبط الأسماء وكتب الحديث والتفسير والرقائق وأفاد من كتب الأنساب والأخبار واللغة والأدب. ومعظم اقتباساته عن هذه الكتب مباشرة مما يدل على اطلاعه عليها وإفادته منها. ويقع الكتاب في أربع مجلدات، منها الجلدات الثلاثة الأولى في تراجم من عرفوا بأسمائهم ويبلغ عدد التراجم 9477 ترجمة أما المجلدة الرابعة فتناول فيها من عرفوا بكناهم وبلغ عددهم 1268 علما، كما تناول فيه تراجم النساء وبلغ عددهن 1522 امرأة بدا بمن عرفن بالأسماء ثم بمن عرفن بالكنى فيكون عدد تراجم الكتاب 12267 ترجمة، وليس كل من ذكرهم ممن ثبتت صحبتهم حيث بين في مقدمة كتابه أنه ذكر فيه أربعة أقسام، القسم الأول من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان. والقسم الثاني فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات وهم دون سن التمييز ... لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم. والقسم الثالث فيمن ذكر في الكتب المتقدمة عليه من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه سواء أسلموا في حياته أم لا وهؤلاء ليسوا صحابة باتفاق. والقسم الرابع فيمن ذكر في الكتب المتقدمة أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط وبيان ذلك. وقد رتب ابن حجر تراجمه على حروف المعجم مبتدئا في كل حرف بالقسم الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع. ويذكر في الترجمة عادة من خرج حديث الصحابي "صاحب الترجمة" من أصحاب السنن وغيرهم من المصنفين في الحديث ويهتم بالتعريف بنسب الصحابي ويذكر نموذجا أو أكثر من حديثه, وربما ساق بعض أخبار الصحابي في الغزوات أو الحوادث المهمة ويسجل وقت وفاته إذا عرفت. ولا شك أن ابن حجر بإفادته من ملاحظات واستدراكات سابقية من المصنفين وبإضافاته المهمة وتنبيهاته الدقيقة ضمن كتابه فوائد جليلة لا تتوفر في كتب معرفة الصحابة الأخرى وإن كان لها فضل السبق والتمهيد له. 1 انظر عن الطبقة فصل أسس تنظيم كتب علم الرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الحديث المرسل أو المنقطع وتمييزه عن الحديث المسند، وفي التمييز بين الأسماء المتفقة والمتشابهة. وقد اقتصر بعض المصنفين على ذكر طبقات الصحابة أو التابعين واقتصر البعض الآخر على رجال بلدة واحدة، في حين تناول آخرون رجال الحديث عامة سواء كانوا صحابة أم تابعين أم من تلاهم دون تقيد بمكان مخصوص1. وقد فصل بعض المصنفين تراجم الرجال الذي تناولوهم فذكروا أخبارهم إضافة إلى أنسابهم وسني وفياتهم وشيوخهم وتلاميذهم وبعض رواياتهم، ويظهر ذلك بوضوح عند محمد بن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" في حين أوجز آخرون فلم يتعرضوا للأخبار بل اكتفوا بالتعريف بنسب الشخص وسنة وفاته ويظهر هذا الاتجاه عند خليفة بن خياط في كتابه "الطبقات" ومال آخرون إلى تجريد الأسماء دون التعرض للأخبار والأنساب ويتمثل هذا الاتجاه عند مسلم بن الحجاج. وقد أثرت ثقافة المصنفين في ذلك فابن سعد كان مهتما بالأخبار والأنساب لذك فهو ينقل عن الأخباريين والمؤرخين والنسابين كثيرا فجاء كتابه في الطبقات متضمنا مادة غزيرة في الأخبار والنسب, وخليفة بن خياط كان مهتما بالأنساب كثيرا فغلبت مادة الأنساب على طبقاته. ولئن كان تنظيم الرجال الذين تناولتهم المصنفات على الطبقات مفيدا بحد ذاته في نقد الأسانيد، فإن ما احتوته الكتب التي فصلت تراجم الرجال من معلومات تتصل بحياتهم ذات فائدة كبيرة في بيان مكانتهم في العلم ودرجتهم في الورع والصدق مما له أثر في الاطمئنان إليهم وتوثيقهم وبالتالي قبول مروياتهم.   1 انظر قائمة كتب الطبقات ص75-77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 المصنفون في الطبقات : إن أقدم من عرفت أنه صنف في الطبقات محمد بن عمر الواقدي "ت207هـ" والهيثم بن عدي "ت207هـ"، فقد صنف الواقدي "كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الطبقات"1 حيث نقل عنه كثيرا محمد بن سعد كاتب الواقدي في كتابه "الطبقات الكبرى"2. وأما الهيثم بن عدي فقد ألف كتابين في الطبقات هما "طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم"3 و"طبقات الفقهاء والمحدثين"4. وقد تتابع التأليف في الطبقات خلال القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية فألف: محمد بن سعد "ت230هـ" كتاب "الطبقات الكبرى". وعلي بن المديني "ت233هـ" كتاب الطبقات5، جزءان كما يذكر ابن خير6. وسليمان بن داؤد الشاذكوني "ت234هـ" كتاب "التاريخ" في طبقات أهل العلم ومن نسب منهم إلى مذهب7. وإبراهيم بن المنذر "ت236هـ" كتاب "الطبقات"8. وخليفة بن خياط "ت240هـ" كتاب "الطبقات". وأبو القاسم محمود بن إبراهيم = ابن سميع الدمشقي "ت259هـ" كتاب "الطبقات"9.   1 ابن النديم: الفهرست، 150. 2 يذكر ابن النديم: الفهرست، 151 "محمد بن سعد من أصحاب الواقدي روى عنه وألف كتبه من تصنيفات الواقدي". 3، 4 ابن النديم: الفهرست، 152. 5 المالكي: تسمية ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق رقم 403 "انظر يوسف العش: الخطيب البغدادي، ص109". 6 ابن خير: فهرست 225. 7 فهرست ابن خير، 221، وتذكرة الحفاظ 2/ 488. 8 اقتبس منه ابن حجر: الإصابة 2/ 525. 9 الذهبي: تذكرة الحفاظ 614 وقد اقتبس منه الذهبي في تاريخ الإسلام 3/ 102، 195، 202، 4/ 52؛ وابن حجر في الإصابة 1/ 144، 152، 343، 350؛ وتهذيب التهذيب 6/ 139؛ ومواضع أخرى وابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق 10/ 32، 89، 101، 105، 109، 162، 20 وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ومسلم بن الحجاج "ت261هـ" كتاب "الطبقات". وأبو بكر البرقي "ت270هـ" كتاب "الطبقات"1. وأبو حاتم الرازي "ت277هـ" كتاب "طبقات التابعين". وأبو زرعة النصري الدمشقي "ت282هـ" كتاب "الطبقات". وأبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم. وأبو بكر أحمد بن هارون البرذعي البرديجي "ت301هـ" كتاب "الطبقات في الأسماء المفردة من أسماء العلماء وأصحاب الحديث". ومحمد بن جرير الطبري "ت310هـ" في كتابه "ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين". وأبو القاسم مسلمة بن القاسم الأندلسي "ت353هـ" كتاب "طبقات المحدثين". وأبو الشيخ الأنصاري "ت369هـ" كتاب "طبقات المحدثين بأصبهان". وأبوعمر محمد بن العباس الخزاز، ابن حيوية "ت382هـ" كتاب "الطبقات". وأبو الفضل صالح بن أحمد التميمي الهمذاني "ت384هـ" كتاب "طبقات الهمذانيين"2. وأبوالفضل علي بن الحسين الفلكي "ت429هـ" كتاب "طبقات الرجال" في ألف جزء3. وأبو القاسم عبد الرحمن بن مندة "ت470هـ" كتاب "طبقات المحدثين". وقد ضاعت معظم هذه المصنفات ولم يصل إلينا إلا القليل منها، وأقدم   1 اقتبس منه ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/ 32، 3/ 33، 7/ 472؛ ومواضع أخرى ويبدو من هذه الاقتباسات أنه يعقد أبوابا في موضوعات معينة أيضا رغم ترتيبه على الطبقات. 2 ذكره الخطيب في تاريخ بغداد 1/ 214. 3 السخاوي: الإعلان، 715. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ما وصل إلينا كتاب "الطبقات الكبرى"1 لمحمد بن سعد كاتب الواقدي "ت230هـ"، ويقع الكتاب في ثمان مجلدات2، تناول الأول والثاني منهما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأجزاء الستة الأخرى فهي التي تعنينا لأنها تناولت طبقات الرجال. وقد تناول المجلد الثالث تراجم البدريين، وتناول المجلد الرابع تراجم من له إسلام قديم ولم يشهد بدرا وكذلك من أسلم قبل فتح مكة، وتناول المجلد الخامس طبقات التابعين وأتباع التابعين ومن تلاهم مرتبين على المدن، وقد اقتصر فيه على أهل المدينة منهم وأهل مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين من الصحابة والتابعين ومن تلاهم. وتناول المجلد السادس أهل الكوفة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم حتى ترجم لمعاصرين له. وتناول المجلد السابع أهل البصرة وواسط والمدائن وبغداد وخراسان والري وهمدان وقم والأنبار والشام والجزيرة والعواصم والثغور ومصر وأيلة وأفريقية والأندلس، ورغم تناوله لهذه المناطق الكثيرة لكنه أولى البصرة العناية الأولى ثم الشام ومصر، أما بقية الأماكن فلا يذكر من أهلها سوى بضعة رجال وقد لا يذكر إلا رجلا واحدا. أما المجلد الثامن فقد خصصه للنساء الصحابيات فقط. وقد اهتم ابن سعد بتراجم الصحابة والتابعين والأتباع من المتقدمين، فيطيل الترجمة ذاكرا نسب الشخص ومفصلا في أخباره وأحواله الدالة على مكانته في العلم أو على درجة ورعه وتقواه أو على ميوله وعقيدته مما له أثر في توثيقه وقبول رواياته، على أن ابن سعد أطال تراجم البعض من الصحابة ومن تلاهم كثيرا، فقد أثرت ثقافته الواسعة وإطلاعه على الأخبار في بناء كتابه،   1 يوجد نقص في بعض مواضعه فمثلا لا توجد الطبقة الرابعة والخامسة من التبايعين من أهل المدينة، ولا ذكر للصحابة الذين نزلوا مكة رغم أن ابن سعد أشار إلى أنه ذكرهم، وهناك نقص في بعض التراجم مثل بداية ترجمة عمرو بن العاص. أما معظم الطبقة الثالثة وسائر الرابعة والخامسة ونصف السادسة من التابعين من أهل المدينة فقد حقق ذلك الأٍستاذ زياد منصور وطبعها المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1983م "1403هـ" وبعض الطبقات الساقطة موجودة في المخطوطات التي وصلت إلينا من الكتاب. 2 الملاحظة تحض طبعة دار صادر التي اعتمدتها في البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 لكنه أوجز كثير في تراجم المعاصرين له، ولعل سبب ذلك يعود إلى دور الصحابة والتابعين في الرواية مما يجعل لأحوالهم وأخبارهم والتعريف بهم أهمية فائقة. وتلقي هذه المعلومات التي قدمها ابن سعد خلال التراجم أضواء على الحياة الثقافية والحضارية في القرنين الأول والثاني الهجريين بما يجعل لكتابه أهمية كبيرة من الناحية التأريخية. وقد استعمل ابن سعد ألفاظ الجرح والتعديل في كتابه كقوله "ثقة ثبت حجة كثير الحديث" وقوله "فيه ضعف" وقوله "ضعيف ليس بشيء" وقوله "ليس بذاك"1. ويقول "كان شيخا وعنده أحاديث" ومن عادته أن لا يقول هذه اللفظة إلا في الكثير الحديث2. واعتبر العلماء كلامه في الجرح والتعديل جيدا مقبولا3، روى ابن حجر أن ابن سعد يقلد الواقدي، والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف عن أهل العراق4، ويدل أهتمامه بالجرح والتعديل بالإضافة إلى طبيعة التراجم التي تناول رواة الحديث سواء أكانوا محدثين غلب عليهم الحديث وعرفوا به أم فقهاء يكون الحديث جزءا هاما من ثقافهم على أن ابن سعد إنما صنف كتابه لخدمة علم الحديث، ومن ثم فقد جاء تقسيم الكتاب على الطبقات ملائما لهذا الغرض5. وقد وثق العلماء محمد بن سعد6 لكنهم عابوا عليه أخذه عن الضعفاء، كهشام بن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي7، وقد صنف الواقدي كتابا في الطبقات نقل عنه ابن سعد كثيرا حتى يمكن القول أن ربع كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد مأخوذ عن الواقدي، ولكن من الإجحاف, لأن سعد أن   1 ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/ 289، 286، 387، 480. 2 ملغطاي: إكمال تهذيب الكمال 1/ 228. 3 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 710. 4 هدي الساري، 443؛ والفتح2/ 164. 5 انظر فصل أسس تنظيم كتب علم الرجال. 6 الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 425؛ السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، ص601. 7 ابن الصلاح: مقدمة، 160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 نقتنع بقول ابن النديم عنه أنه صنف كتبه من تصنيفات الواقدي1، لأن ابن سعد استقى من مصادر أخرى كثيرة فكان عدد شيوخه في الطبقات ينيف على الستين شيخا معظمهم من المحدثين الذين اهتموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والتابعين ومن تلاهم من أهل العلم ورواة الحديث، ولم يقتصر ابن سعد على نقل مادة الواقدي بل يقدم مادة واسعة عن رواة آخرين، بل أن ما نقله عن أبي نعيم الفضل بن دكين2 وعفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى العبسي ومعن بن عيسى الأشجعي يزيد عما نقله عن الواقدي!! فكيف إذا كان ابن سعد لم يقتصر على هؤلاء المحدثين الأربعة بل نقل عن غيرهم مادة واسعة أيضا. ويبرز بين شيوخه في الطبقات من حيث كثرة النقول عنهم: أحمد بن عبد الله بن يونس، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية، وقبيصة بن عقبة السوائي، ثم إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني، ومسلم بن إبراهيم الأزدي، ويزيد بن هارون، ووكيع بن الجراح. هذا فضلا عن الشيوخ الذين أخذ عنهم بضع روايات وهم كثيرون3. وبذلك يتضح ما في قول ابن النديم من مجازفة وبعد عن الحق. وقد وصل إلينا أيضا كتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط "ت240هـ". ويقتصر خليفة في تراجمه على ذكر نسب الرجل لأبيه وأمه، ويرجع بالأنساب إلى ما قبل الإسلام، وبذلك يقدم مادة غزيرة في النسب اعتمدها المؤلفون من بعده، على أن تأكيده على الأنساب إنما هو في جيلي الصحابة والتابعين، وكلما تأخرت الطبقة قل ذكر الأنساب حتى يتلاشى في الطبقات المتاخرة وتبرز النسبة إلى المدن والمهن، وذلك لارتباط العرب بالمدن بعد أن استقروا فيها ولاختلاطهم بالأعاجم وضياع أنساب بعضهم.   1 ابن النديم: الفهرست، 151. 2 يذكر السخاوي أن للفضل بن دكين كتابا في التأريخ "انظر الإعلان بالتوبيخ، 508". 3 استندت في إبداء الملاحظات عن شيوخ ابن سعد ومدى اعتماده عليهم على جرد لأسانيد الطبقات يحتفظ به الدكتور صالح أحمد العلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وإضافة إلى ذكر خليفة نسب الرجل فإنه يذكر كنيته ويحدد المكان الذي عاش فيه بصورة دائمية أو مؤقتة فيذكر رحلته في الأمصار وكذلك يهتم بتسجيل سني الوفيات، وهو في تراجم الصحابة يذكر للصحابي حديثا مما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما له أهمية في التعريف بالصحابي حديثا أن الرواية مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي إحدى وسائل معرفة الصحابة وتمييزهم1 وقلما يسمي شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة، ولا يذكر تفاصيل عن حياة الرجال وأخبارهم، كذلك لا يسعمل عبارات الجرح والتعديل. كذلك وصل إلينا كتاب "الطبقات"2 لمسلم بن الحجاج القشيري، وقد اقتصر فيه على الصحابة والتابعين، ولم يترجم لهم بل اقتصر على تجريد أسمائهم3. وقد خلط الكنى والأسماء، وبدأ بالصحابة فرتبهم على المدن فبدأ باهل المدينة ثم مكة فالكوفة فالبصرة فالشام فمصر فاليمن، ثم أهل مدن شتي. ثم ذكر النساء على المدن أيضا، ثم انتقل إلى طبقة التابعين فرتبهم على طبقاتهم وأزمانهم وبلدانهم. وبلغ بطبقات التابعين من أهل البصرة ثلاث طبقات. لكن سزكين ذكر أنه يتناول "معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم الذين رأوه، ورووا عنه، والذين شاهدوه فقط ولكنهم لم يرووا عنه"4. وبذلك يتبين نقصان النسخة التي اطلع عليها أو أنه وهم. وكتاب "طبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث"5 لأبي بكر أحمد بن هارون البرذعي البرديجي "ت301هـ" ويذكر فيه   1 العسقلاني: إصابة 1/ 6. 2 توجد منه نسخة في تركيا مكتبة أحمد الثالث 624 عدد أوراقها 19 ورقة حجم 19×26سم "انظر: لطفي عبد البديع: فهرست المخطوطات المصورة "التأريخ" 1/ 210". وقد اطلعت عليها وهي كاملة. 3 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 648. 4 سزكين تاريخ التراث العربي، ص369. 5 توجد منه نسخة في تركيا كوبريلي 1152، وتوجد نسخة في دار الكتب الظاهرية، ص203. "انظر بروكلمان: تأريخ الأدب العربي 3/ 221". وقد أطلعت على نسخة الظاهرية وتقع في 17 ورقة ذات وجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الإسم والكنية والنسبة إلى المدينة، وأحيانا يذكر أحد شيوخه أو تلاميذه1، وقد جعلهم خمس طبقات من الصحابة والتابعين فمن بعدهم2. ووصل إلينا كتاب "المنتخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين"3 لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري "ت310هـ" وهو يبدأ بالصحابة ويرتبهم في البدء على الوفيات، ولا يذكر سائر السنين بل يختار بعضها، ولعل المنتخب هو الذي فعل ذلك فاهتم بحوادث بعض السنين فثبتها وأهمل الأخرى، وأحيانا يطيل ذكر أخبار تتعلق بالمترجم كما فعل في ترجمة زيد الحب4، ويقدم ذكر بني هاشم على غيرهم. وآخر سنة ذكر الوفيات فيها هي سنة ثمانين "80هـ" وبعد ذلك عقد عناوين متنوعة فذكر من عاش من الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وروى عنه العلم فبدا بني هاشم ثم مواليهم وحلفائهم ثم ذكر بني المطلب واستمر في الترتيب على القبائل فلما انتهى من العدنانية ذكر قبائل قحطان. ثم ذكر النساء مبتدئا بالترتيب على الوفيات "من هلك منهن قبل الهجرة ... بعد الهجرة ... على عهده صلى الله عليه وسلم ... بعد وفاته ويقدم ذكر قريبات النبي صلى الله عليه وسلم ثم المهاجرات ثم الأنصاريات. ثم ذكر الصحابيات الراويات من بني هاشم ثم غرائب نساء العرب. فلما انتهى مما يعلق بالصحابة ذكر التابعين ومن بعدهم من العلماء والرواة ورتبهم على سني الوفيات ثم ذكر كنى الرجال ثم كنى النساء ورتب ذلك على الطبقات بتقديم ذكر الصحابة على التابعين. ووصل إلينا أيضا "المنتقى من كتاب الطبقات"5 لأبي عروبة الحسين بن   1 ذكر ابن حجر "هدي الساري 2/ 175" أن مذهب البرديجي أن المنكر هو الفرد، سواء تفرد به ثقة أو غير ثقة، فلا يكون قوله "منكر الحديث" جرحا بينا. 2 عمل عليه أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكر "زيادات" في 3 أوراق كوبريلي رقم 1152/ 14 "ششن: نوادر المخطوطات العربية ص254". 3 طبع ملحقا بكتاب "تاريخ الأمم والملوك" للطبري أيضا وذلك في طبعه المطبعة الحسينية بمصر، ويقع "ذيل المذيل" في 122 صفحة. 4 ذيل المذيل، ص3-5. 5 سماه السمعاني في التحبير "الترجمة رقم 27" كتاب "طبقات الصحابة" فهل اقتصر عليهم فيكون من كتب معرفة الصحابة أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 محمد بن مودود الحراني "ت318هـ" وقد وصل إلينا الجزء الثاني منه فقط1، وهو يحتوي على تراجم بعض الصحابة، ويبدأ بترجمة أم سنبلة الأسلمية، ولعله قد خلط تراجم النساء والرجال في طبقاته أو أن الذي انتقاه فعل ذلك2 وتختلف تراجمه في الطول فبعضها طويلة مسهبة كترجمة خالد بن الوليد وأبي سفيان صخر بن حرب، وبعضها مقتضبة تقتصر على اسم الصحابي واسم أبيه والبلد الذي نزله، ويعقد موضوعا للأخوة من الصحابة، وبعد أن ذكر أسماءهم مجردة عاد إلى التراجم، وفائدة معرفة الأخوة أن لا يظن من ليس بأخ أخا عند الاشتراك في إسم الأب3، وينتهي الجزء بترجمة عبد الله بن عباس، ولا يؤكد في تراجمه على النسب ولا سني الوفيات، وإنما يهتم بذكر بعض أخبار صاحب الترجمة مما يدل على مكانته في العلم أو فضله4.   1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "عام 4553" يقع في 12 ورقة فقط. 2 يرجح الأستاذ يوسف العش أن الذي انتقاه هو عبد الغني المقدسي الجماعيلي صاحب "الكمال" المتوفي سنة 600هـ، "انظر فهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية "التأريخ"، 169". 3 السيوطي: تدريب الراوي، 428. 4 ومن أجل كتب المتأخرين في طبقات المحدثين كتاب "طبقات الحفاظ" للحافظ الذهبي، ت748هـ. وهو كما يدل عنوانه يتناول الحفاظ فقط, وليس سائر المحدثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 سفيان وأبي الجهم حين سألته فاطمة بنت قيس عنهما وقد خطباها فقال: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له" ورغم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هنا ليس إلا محض مشورة في قضية شخصية فقد اتخذ دليلا على إجازة القدح في الضعفاء لبيان حالهم لأن إظهار القدح في أمر يتصل بالحرام والحلال وهو الحديث أولى من بيان القدح في مشورة خاصة1، وفي بيان الجرح فائدة كبيرة لئلا يحتج بأخبار غير العدول وليس القصد ثلبهم والوقيعة فيهم مما يدخل في باب الغيبة، خاصة وأن العلماء وقفوا عند الحد الذي يكفي لإبانة الجرح ولم يتجاوزوه بالإكثار من ذكر العيوب. ويرجع التفيش عن الرجال إلى جيل الصحابة وذلك لأنهم تشددوا في قبول الرواية ليتورع الناس في التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل أبا بكر رضي الله عنه أول من فتش عن الرجال حين سأل الصحابة عن الجدة هل ترث؟ فأجابه المغيرة بن شعبة أنها ترث السدس فطلب منه أن يأتيه بشاهد فشهد محمد بن مسلمة2. وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث طلب من أبي موسى الأشعري أن يأتيه بشاهد على حديث عن النبي كان قد حدثه به3. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يستحلف أحيانا من يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث وإن كان ثقة مأمونا4. ولم يكن أبو بكر ولا عمر ولا علي يتهمون الصحابة فقد قال عمر لأبي موسى بأنه لا يتهمه ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد5 ولكن الصحابة كانوا يخشون جرأة الناس على التحديث عن   1 المصدر السابق "1-19ب" وانظر السخاوي: الإعلان بالتوبيخ, والخطيب: الكفاية 39. 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 3 والحاكم: معرفة علوم الحديث، ص15 والكفاية، ص26. 3 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 12ب، والحديث هو "إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع" وذكر الحاكم أن أبا بكر وعمر وعليا وزيد بن ثابت جرحوا, وعدلوا وبحثوا عن صحة الروايات وسقيمها. "انظر معرفة علوم الحديث، 52". 4، 5 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 1/ 12ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 النبي صلى الله عليه وسلم دون توثق وتدقيق فشددوا في قبول الرواية وسألوا عن الرجال. وممن عرف بالكلام في الرجال من الصحابة أيضا عبد الله بن عباس وعبد الله بن سلام وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعائشة، فقد أعربوا عن تكذيبهم لبعض من حدثهم1 ثم ظهرت حركة الوضع في الحديث فانتبه العلماء إلى ذلك واهتموا بالرجال ومعرفتهم فتكلم عدد من التابعين في الجرح والتعديل مثل الشعبي ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير, ولكن لم تنشأ مادة واسعة في علم الرجال يتداولها العلماء والنقاد حتى حدود منتصف القرن الثاني الهجري، حيث لعب شيوع الوضع وكثرة الضعفاء بين رواة الحديث ونقلته دورا في لفت أنظار العلماء إلى الكلام في الرجال2 وقد برز عدد من الأئمة النقاد والمحدثين الكبار بمعرفة أحوال الرجال ونقدهم وأصبحت أحكامهم على الرجال مقبولة عند العلماء المعاصرين والمتأخرين لما تميزوا به من الدقة والورع والتيقظ. وقد عرف بذلك شعبة بن الحجاج ومعمر بن راشد "ت153هـ" وهشام الدستوائي "ت154هـ" وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسفيان الثوري3 ومالك بن أنس "ت179هـ" وعبد العزيز بن الماجشون "ت164هـ" وحماد بن سلمة "ت167هـ" وحماد بن زيد والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير "ت183هـ" وأبو إسحاق الفزاري والمعافي بن عمران الموصلي "ت184هـ" وبشر بن المفضل "ت187هـ" وسفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية وجرير بن وهب ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأبو داؤد الطيالسي "ت203هـ" ومحمد بن يوسف الفريابي "ت212هـ" وأبو عاصم النبيل "ت211هـ" وعبد اله بن الزبير الحميدي "ت219هـ"   1 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 706. وأحيانا استعملوا عبارة "كذب" بمعنى "أخطأ" وهو المقصود دائما عندها يكون المتهم بذلك صحابيا. 2 المصدر السابق، 707. 3 قال ابن حجر: "وسفيان أحفظ من شعبة ولا سيما في الإسناد فقد قالوا أن شعبة كان إذا غلط ربما غلط في الأسماء خاصة". "الإيثار في معرفة رجال الآثار، ص124" رسالة ماجستير مكتوبة بالآلة الكاتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 والقعنبي وأبو عبيد القاسم بن سلام ويحي بن يحيى النيسابوري "ت226هـ" وأبو الوليد الطيالسي "ت227هـ"1. وهؤلاء العلماء اشتهروا كمحدثين وبعضهم جمع بين الفقه والحديث كالأئمة الأوزاعي ومالك والليث بن سعد فكان علمهم بالرجال يمثل جانا من جوانب اهتمامهم بالحديث والفقه إلا أن بعض من ذكرتهم غلب عليه الاهتمام بمعرفة الرجال ونقدهم مثل شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وقد استمر الاهتمام بالرجال خلال النصف الأول من القرن الثالث الهجري وظهر نسبيا نوع من التخصص في علم الرجال يظهر بصورة خاصة عد يحيى بن معين "ت233هـ" وعلي بن المديني "ت234هـ" وقد نما التصنيف في علم الجرح والتعديل خلال القرن الثالث والرابع واختص بعض هذه المصنفات بالضعفاء وبعضها بالثقات في حين جمع البعض الآخر بين الضعفاء والثقات. وقد ظهرت هذه الأنواع الثلاثة من المصنفات في وقت واحد وذلك في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، وشكلت أقوال المتكلمين الأوائل في الرجال قبل تصنيف الكتب مادة رئيسية في هذه المصنفات حيث دونت أقوالهم التي كان أهل الحديث يتناقلونها شفاها كما يتناقلون الحديث، وكذلك فإن المصنفات المتأخرة اعتمدت على المصنفات الأولى ونقلت أقوال مؤلفيها في الرجال فلا يخلو مصنف في الجرح والتعديل من كلام يحيى بن معين وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل. وقد استخدمت مصنفات الجرح والتعديل الألفاظ التي أطلقها المحدثون القدما للدلالة على جرح الرواة أو تعديلهم ولكن هذه الألفاظ اكتسبت تحديدات أدق في المصنفات المتأخرة مما أدى إلى تبلورها وحصر عددها وتعيين مدلولها، وفي بداية ظهور المصنفات نقل المصنفون عبارات   1 انظر: ابن أبي حاتم تقدمة لكتاب الجرح والتعديل. وابن عدي: مقدمة الكامل 1/ 13ب-44ب. والسخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 708. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 السابقين في الجرح والتعديل، ولم يكن ثمة اتفاق على هذه الألفاظ والعبارات فأصبحت لكل مصنف مصطلحات ذات مدلول خاص، وهذا يتطلب من المتتع ليس فقط معرفة مدلولات هذه المصطلحات على وجه العموم، بل معرفة مدلولاتها النسبية وكيفية استعمالها عند كل واحد، فيحيى بن معين مثلا يستعمل عبارة "ليس بشيء" أحيانا للدلالة على أن أحاديث الراوي قليلة بينما يستعملها غالبا للدلالة على ضعف الراوي. أما الآخرون فيستعملون ذلك دائما في جرح الراوي كقولهم: "لا تحل الراوية عنه"1 ويستعمل ابن معين لفظة "لا باس به" مقابل لفظ "ثقة" وهي عند غيره تطلق على من هو أدون من ثقة2. وترتبط بعض هذه الألفاظ من حيث منشؤها بأمثال قديمة اشتقت منها، وقد وقع الحافظ العراقي في وهم نتيجة غموض أحد هذه الألفاظ وعدم تفطنه إلى أصل اشتقاقه وهو استعمال أبي حاتم عبارة "هو على يدي عدل"، أي هالك. فكان العراقي يقول: "هو على يدي عدل" ويريد بها التوثيق وقد فطن العسقلاني إلى ذلك ونبه على أنها من ألفاظ الجرح حين قرأ ترجمة جبارة بن المغلس فوجد أن أبا حاتم ضعفه وقال: "هو على يدي عدل"3. ولكن هذا مثال متطرف بالطبع فهناك عدد من ألفاظ الجرح والتعديل ذات مدلول واضح ومتعارف عليه كقولهم "ثقة" أو "حجة" أو "ثبت" أو "ضعيف" أو "كذاب" أو "مطرح"، وعموم هذه الألفاظ واضحة المدلول. ولم تكتب قواعد الجرح والتعديل إلا متأخرا، بل أن الرامهرمزي   1 اللكنوي: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، 80، 100. 2 الخطيب: الكفاية 22؛ والرفع والتكميل، 77، 100. وكذلك استعمل دحيم من أهل الشام وهو بمنزلة أبي حاتم الرازي في الشرق لفظة "لا بأس به" بمعنى "ثقة"؛ اللكنوي: الرفع والتكميل، 101. 3 اللكنوي: الرفع والتكميل، 79، حاشية "2" "وكان العدل ولي شرط تبع فكان إذا قتل رجلا دفعه إليه فقيل: "وضع على يدي عدل" ومعناه هلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 "ت360هـ" لم يتطرق في كتابه "المحدث الفاصل" -وهو أول مصنف في مصطلح الحديث- إلى علم الجرح والتعديل، ولعل الحاكم كان أول من كتب في قواعد علم الجرح والتعديل، ولعل الحاكم كان أول من كتب في قواعد علم الجرح والتعديل واعتبره أحد علوم الحديث1، ثم اهتمت كتب مصطلح الحديث بعد الحاكم بالكلام عن علم الجرح والتعديل وقواعده، وهذه القواعد عبارة عن ضوابط تمنع الشطط والمغالاة وتوجه المتتبع لهذا العلم إلى معرفة كيفية الإفادة منه بصورة صحيحة، وقد ركزت هذه القواعد على بيان شروط توثيق الراوي وهي أن يمتاز بالعدالة والضبط2 وأوضحت متى يقبل التعديل أو الجرح دون ذكر السبب ومتى لا يقبل إلا بذكر السبب ومتى تجوز الرواية عن أهل البدعة ومتى لا تجوز، وكيفية الخروج من الأحكام المتعارضة على الرجال كأن يوثقهم بعض النقاد ويجرحهم آخرون. إلى غير ذلك من القواعد التي تعين على الإفادة من المصنفات في الجرح والتعديل خاصة وأن بعض نقاد الحديث تشدد في نقد الرجال وتجريحهم لأدنى سبب ويطلقون عليهم ألفاظا شديدا لا يتطلبها حال المجروحين وممن عرف بالتشدد من نقاد الرجال يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم الرازي والنسائي وابن حبان3 فإن تفردوا في جرح رجل فينبغي التثبت في ذلك4، وكذلك فإن المتعاصرين من العلماء تدفعهم المنافسة إلى جرح بعضهم ولعل ذلك يحدث تلقائيا دون أن يفطنوا هم لذلك، ومن ثم فقد وضعت قاعدة تقول بعدم قبول جرح المعاصر لمعاصره بلا حجة، وبذلك ردوا جرح الإمام مالك في محمد بن   1 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 52 وقد أوجز فيه الكلام عن الجرح والتعديل وأحال على كتابه "المدخل إلى معرفة الصحيح"، حيث يذكر أنه فصل الكلام فيه عن الجرح والتعديل. 2 قال النووي: يشترط فيه -أي فيمن تقبل روايته- أن يكون عدلا ضابطا بأن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا، حافظا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدث منه، عالما بما يحيل المعنى إن روى به. "السيوطي: تدريب الراوي، 197- 198". 3 اللكنوي: الرفع والتكميل، 117. 4 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 2/ 465؛ واللكنوي: الرفع والتكميل، 117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 إسحاق وجرح أحمد بن حنبل في الحارث المحاسبي وجرح سفيان الثوري في أبي حنيفة1. وقد انتقد الذهبي بعض أهل الجرح والتعديل لإعراضهم عن جرح بعض المتنفذين خوفا من سلطانهم2. كما وقف بعض النقاد من مخالفيهم في العقائد، بل في الفقه أحيانا موقفا شديدا3 وجرتهم مخالفتهم لهم إلى جرحهم، ولذلك ميز العلماء بين المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته فأجازوا الرواية عنه ما لم تكن بدعته كفرا صريحا وبين المبتدع الداعية فلم يجيزوا الرواية عنه4 لأن هواه يجره إلى الكذب انتصارا لفكرته. ورأوا التوقف في قبول قول الجارح إذا كان بينه وبين من جرحه اختلاف في الاعتقاد5، على أن هذه الانتقادات لا يمكن أن تقلل من أهمية علم الجرح والتعديل, ولا من الجهد العظيم الذي بذله النقاد في تمييز الرجال ومعرفة الثقات والضعفاء، وورعهم وتحفظهم ودقتهم في ذلك حتى جرح علي بن المديني أباه وجرح أبو داؤد السجستاني ابنه6، ورفض يحيى بن معين قبول صرة ذهب هدية من أحد العلماء لأنه أراد أن يصدق في كلامه فيه7 كما أنه لم يتحرج من جرح   1 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 2/ 496؛ واللكنوي: الرفع والتكميل، 189/ 191. ومن ذلك أيضا كلام محمد بن يحيى الذهلي في البخاري فقد حسده لأن الناس انفضوا عنه إلى البخاري "الخطيب: تاريخ بغداد، 2/ 30" وكلام محمد بن عثمان بن أبي شيبة ومطين في بعضهما "الخطيب: تاريخ بغداد، 3/ 43، 45". 2 الذهبي: تاريخ الإسلام، 5/ 242، 243. 3 ابن حبان: المجروحين من المحدثين، 2/ 28أ-ب؛ والقاسمي: الجرح والتعديل، 24. 4 ابن حبان: المجروحين من المحدثين، 2/ 27ب-28أ. الخطيب: الكفاية، 126، 127. 5 العسقلاني: لسان الميزان، 1/ 16. 6 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 488. حيث يذكر "قال علي بن المديني لمن سأله عن أبيه "سلوا عنه غيري" فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: "هو الدين إنه ضعيف" وقال أبو داؤد صاحب السنن: "ابني عبد الله كذاب، مع تأويلنا له في بذل المجهود". 7 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 487. حيث يذكر "لما قدم -يعني يحيى بن معين- حران، طمع أبو سعيد يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي "ت218هـ" أنه يجيء إليه، فوجه بصرة فيها ذهب وطعام طيب، فقبل الطعام ورد الصرة، فلما رحل سألوه عنه، فقال: والله إن صلته لحسنة، وإن طعامه لطيب، إلا أنه لم يسمع من الأوزاعي شيئا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أصحابه1. وكان البخاري ومسلم مثالا للإنصاف حين نقلا عن المبدعين في صحيحيهما2.   1 الخطيب: تاريخ بغداد، 5/ 326. 2 القاسمي: الجرح والتعديل، 15. وقد استعمل القاسمي مصطلح "المبدعين" على من نقل عنهم أئمة الحديث كالبخاري ومسلم من الخوارج والشيعة حيث رأى أن هؤلاء اجتهدوا فأخطأوا فلا يمكن القول أنهم "مبتدعة" بل اتهموا بذلك من قبل مخالفيهم فهم "مبدعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أنواع كتب الجرح والتعديل 1: يمكن تصنيف المؤلفات في الجرح والتعديل إلى ثلاثة أصناف فمنها التي تناولت الضعفاء من الرواة فقط ومنها التي تناولت الثقات ومنها التي جمعت بين الثقات والضعفاء وقد تقدم التصنيف في الضعفاء وفي الجمع بين الثقات والضعفاء على أفراد الثقات في تصنيف, حيث ألف يحيى بن معين "ت233هـ" أول مصنف في الضعفاء، وكذلك أول مصنف في الجمع بين الثقات والضعفاء. أما كتب الثقات فأول من صنف فيها أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "ت261هـ" وكذلك فإن التصنيف في الضعفاء أكثر من التصنيف في الثقات فقد صنف في الضعفاء حتى نهاية القرن الخامس الهجري عشرون مصنفا ولم يصنف خلال هذه الفترة في الثقات سوى أربع مصنفات ! أما المصنفات التي تجمع بين الثقات والضعفاء فهي كثيرة أيضا وما صنف منها   1 انظر عن هذه المصنفات: السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 585/ 588. حاجي خليفة: كشف الظنون، 582. الكتاني: الرسالة المستطرفة، 144/ 147. إلا ما نسبته إلى مصدر بالحاشية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 خلال القرون الثالث والرابع والخامس يبلغ خمس وعشرين مصنفا. وفيما يلي أسماء المصنفين في الجرح والتعديل مع ذكر سني وفياتهم وعناوين مؤلفاتهم إن عرفت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 مؤلفو كتب الضعفاء : أول من عرفته صنف في الضعفاء: يحيى بن معين1 "ت233هـ". وعلي بن المديني2 "ت234هـ"3. ومحمد بن عبد الله البرقي الزهري "ت249هـ". وأبو حفص الفلاس "ت249هـ" -جزء صغير فيما ذكر ابن خير-4. ومحمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" في كتابيه "الضعفاء الكبير" و"الضعفاء الصغير". وإبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني "ت259هـ". وأبو زرعة الرازي "ت264هـ". وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي "ت277هـ"5 في كتابه "الضعفاء"6. وأبو عثمان سعيد بن عمرو البرذعي "ت292هـ" في كتابه "الضعفاء والكذابون والمتروكون من أصحاب الحديث". والنسائي "ت303هـ" في كتابه "الضعفاء والمتروكين".   1 منه بضع ورقات مخطوطة في مكتبة أحمد الثالث 264/ 6، وأنقرة صائب 1557 "سزكين: تاريخ التراث العربي، ص292". 2 المالكي: تسمية ما ورد به الخطيب دمشق، رقم399. 3 أشار صاحب هدية العارفين إلى تأليف لأبي الحسن علي بن محمد المدائني المتوفي 225هـ بعنوان "الضعفاء من رجال الحديث". وهو مصدر متأخر ولم أجد في المصادر القديمة ما يؤيده والله أعلم "هدية العارفين 1/ 672". 4 فهرست 212. 5 الذهبي: مقدمة الضعفاء 1/ 4 6 اقتبس منه الذهبي في "المغني في الضعفاء" وصرح باعتماده عليه في المقدمة ص4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وأبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود "ت307هـ"1 في كتابه "الضعفاء". وأبو يحيى زكريا الساجي "ت307هـ"2. وأبو خزيمة محمد بن إسحاق "ت311هـ"3 في "الضعفاء". ومحمد بن أحمد بن حماد الدولابي "ت320هـ". وأبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي "ت322هـ" في كتابه "الضعفاء". وعبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني "ت323هـ". وأبو العرب محمد بن أحمد بن تيم القيرواني4 "ت353هـ". وأبو علي سعيد بن عثمان بن السكن5 "ت353هـ". ومحمد بن أحمد بن حبان البستي "ت354هـ" في كتابه "معرفة المجروحين من المحدثين". وعبد الله بن عدي الجرجاني "ت365هـ" في كتابه "الكامل في ضعفاء الرجال". وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي "ت367هـ" وهو مصنف كبير إلى الغاية على ما يذكر ابن حجر6، والذهبي. وقال الذهبي: "جمع فأوعى، وجرح خلقا بنفسه، لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم وهو متكلم فيه، وقال أنه يسرف في الجرح"7. وقال ابن حجر: أن الأزدي نفسه ضعيف فلا يعتمد قوله   1 ابن حجر: تعجيل المنفعة 247؛ واللسان 1/ 34، 4/ 83، 81، 85؛ وتهذيب التهذيب 3/ 222. 2 اقتبس منه ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/ 36، 38، 49 ومواضع أخرى كثيرة. 3 الذهبي: مقدمة الضعفاء 1/ 4. 4 اقتبس منه ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/ 152، 159، 3/ 59. 5 ذكر ذلك أيضا ابن خير: فهرسة 211. 6، 7 أكثر الاقتباس منه ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/ 240، 311؛ 3/ 3، 461 ومواضع أخرى؛ والذهبي: الميزان 1/ 4. وبين ابن حجر في لسان الميزان 5/ 139 أنه رافضي من الغلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 في تضعيف الثقات1. وهو لا يعتمد إذا انفرد بالتضعيف فكيف إذا خالف غيره2 فوثقوا من ضعف؟ والدارقطني "ت385هـ" في كتابه "الضعفاء والمتروكين"3. وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين "ت385هـ" في الضعفاء4. وعمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين البغدادي "ت385هـ" في كتابه "الضعفاء"5. وأبو أحمد الحاكم الكبير "ت378هـ" في كتابه "الضعفاء"6. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري "ت405هـ" ضمن كتابه "المدخل إلى الصحيح"7. وأبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ" في كتابه "الضعفاء"8. والخطيب البغدادي "ت463هـ" في كتابه "الضعفاء"9. وأبو الفضل بن طاهر المقدسي "ت507هـ" في كتابه "الذيل على   1 ابن حجر: هدي الساري 2/ 145، "ط. مصطفى البابي". 2 المصدر السابق 2/ 150. 3 اعتمد عليه الحافظ الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء" وصرح بلك في المقدمة ص5 من ط. الأستاذ نور الدين عتر، وصرح بالاقتباس منه في مواضع كثيرة "انظر المغني 1/ 16، 24، 41، 51، 58، 72". 4 ابن حجر: لسان الميزان 1/ 34، 348، 4/ 72، 58، 81. 5 الذهبي: المغني في الضعفاء 1/ 5، وصرح بالاقتباس منه في مواضع من كتابه مثلا 1/ 46، 55. 6 ابن بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 2/ 436؛ والذهبي: المغني 1/ 70. 7 للحاكم كتابان بهذا الاسم "المدخل" هما: "المدخل إلى معرفة الإكليل"، طبع في حلب "1352هـ" ولندن "1953م"، و"المدخل إلى معرفة الصحيحين"، مخطوط في شهيد علي 346/ 2 ويقع في 75 ورقة "سزكين: تاريخ التراث 1/ 368". 8 مخطوط في مكتبة القرويين بفاس في المغرب تحت رقم 70 "ي199"، "انظر قائمة لنوادر المخطوطات العربية في مكتبة جامعة القرويين" وقد حققه د. فاروق حمادة. 9 مقدمة الضعفاء للذهبي 1/ 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الكامل" ويسمى أيضا "تكملة الكامل" وهو ذيل على كتاب الكامل لابن عدي1. وقد فقدت معظم هذه الكتب، وأقدم ما وصل إلينا منها كتاب "الضعفاء الكبير"2 وكتاب "الضعفاء الصغير"3 لمحمد بن إسماعيل البخاري   1 من كتب الضعفاء المهمة التي ألفت بعد هذه الفترة كتاب "الضعفاء والمتروكين"، لأبي الفرج ابن الجوزي "ت597هـ" وهو من مخطوطات دار الكتب المصرية؛ وكتاب "ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، للحافظ الذهبي "ت748هـ" وهو مطبوع ويقع في 4 مجلدات "ط. البجاوي" ويضم11037 ترجمة، وقد رتبهم على حروف المعجم، ووضع رموزا على أسماء من أخرج لهم أصحاب الكتب السنة في كتبهم، وذكر فيه كل من تكلم فيه وإن كان بعضهم عنده من الثقات وذلك لأن من سبقه إلى التصنيف في الضعفاء ذكروهم، ولكي ينبه على أنهم ثقات "أنظر مقدمته لميزان الاعتدال ص2"، ويذكر في الترجمة اسم الراوي ونسبته ولا يطيل نسبه، ثم يذكر بعض شيوخه والرواة عنه، ثم ينقل أقوال أئمة الجرح والتعديل في جرحه، وربما ذكر طرفا من حديثه. وقد اعتمد الذهبي على كتب الضعفاء التي صنفت قبله مثل كتاب الأزدي والساجي وابن عدي الجرجاني والحافل "وهو ذيل على كامل بن عدي" وابن حبان البستي والدارقطني والحاكم وغيرها من كتب الضعفاء كما استفاد الذهبي من كتب علم الرجال الأخرى أيضا. وبحق قال ابن حجر أن ميزان الاعتدال من أجمع كتب الضعفاء "لسان الميزان ص4"، وقد أوضح الذهبي أن كل من يقول فيه "مجهول" ولم يسنده إلى قائله فإنه قول أبي حاتم -أكثر المحدثين إذا قالوا في حق الراوي "أنه مجهول" فإنهم يريدون جهالة العين لكن أبا حاتم يريد أنه مجهول الحال "انظر اللكنوي: الرفع والتكميل، ص103"- وإذا قال: "فيه جهالة أو نكرة أو يجهل أو لا يعرف" وأمثال ذلك لم يعزه إلى قائله فهو يمثل رأيه في صاحب الترجمة، وكذلك إذا قال "ثقة" أو "صدوق" أو "صالح" فإنه قوله واجتهاده "انظر ميزان الاعتدال 1/ 6". وقد ذيل على ميزان الاعتدال الحافظ العراقي ووصل إلينا وهو مخطوط، وقد استوعب هذا الذيل الحافظ ابن حجر في لسان الميزان الذي اختصر فيه كتاب الذهبي وزاد فيه تحريرا وتراجم على شرطه كما صرح "النكت على ابن الصلاح، 296". 2 مخطوط في باتنه 1/ 557، رقم 2932-2937. "انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 179". 3 طبع بمطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند "بدون تاريخ" "ومعه كتاب المنفردات والوحدان" للإمام مسلم وكتاب "الضعفاء والمتروكين" للنسائي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 "ت256هـ" ويقع الضعفاء الصغير في 33 صفحة، وقد رتبه على حروف المعجم معتبرا الحرف الأول من الاسم فقط، ويقدم الاسم الذي يتكرر كثيرا على غيره، ولا تزيد الترجمة على السطر الواحد إلا نادرا ويذكر فيها اسم الراوي واسم أبيه ونسبته وبعض من روى عنهم ورووا عنه وغالبا ما يكتفي بواحد منهم فقط، ثم يطلق عليه إحدى عبارات الجرح وتتكرر عبارة "منكر الحديث" "فيه نظر" "متروك الحديث" "سكتوا عنه" أو يبين رأي النقاد السابقين فيه كمالك وعبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة وشعبة بن الحجاج وعلي بن المديني وأحيانا يذكر عقيدة الراوي أو إحدى مروياته أو سنة وفاته أو تولية القضاء، ولكن ذلك نادر. وقد تعقب ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" البخاري وأخذ عليه أنه ذكر بعض الرواة في الضعفاء وليسوا بضعفاء1. وكذلك وصل إلينا كتاب الضعفاء لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني "ت259هـ" بعنوان "الشجرة في أحوال الرجال"2. ويتناول أسماء الرواة وعبارات في جرحهم فقط. وهو يتشدد في جرح الكوفيين من أصحاب علي رضي الله عنه لأجل المذهب، لذلك قال ابن حجر: "لا عبرة بحطه على الكوفيين"3. وقال عنه أيضا "كان ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان، والصواب موالاتهما جميعا ولا ينبغي أن يسمع قول مبتدع في مبتدع"4. كما بقي "كتاب الضعفاء والمتروكين" لأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي "ت264هـ" ويقتصر على أسماء الرواة وبيان جرحهم5. وقد رواه   1 ابن ابي حاتم: الجرح والتعديل. مجلد 3، قسم 1/ 1302، 1343، 1921؛ والمجلد 3، قسم 2/ 93، 252، 792 وأمثلة ذلك كثيرة في بقية المجلدات. 2 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، حديث 249. وقد اطلعت عليه. وقد نبه د. بشار عواد إلى أن عبارة "الشجرة في" مقحمة على العنوان، وكذلك عبارة "الجزء الثاني" فحذفتها. 3 ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 93، 5/ 46، 10/ 158. 4 هدي الساري 2/ 151. 5 مخطوط في كوبرلي، تاريخ 719، ويقع في 76 صفحة وقد اطلعت عليه. وقد حققه د. سعدي الهاشمي. أنظر فؤاد السيد: فهرست المخطوطات المصورة "التاريخ" 2/ 95-96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 سعيد بن عمرو البرذعي عنه "ت292هـ" وضمنه كتاب الأسئلة الذي صنفه وهو أقوال أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين في إجابة أسئلة سألها البرذعي فجمعها وألف بينها. وبقي كتاب "الضعفاء والمتروكين" للنسائي "ت303هـ" ويقع في 25 صفحة وقد رتبه على حروف المعجم معتبرا الحرف الأول من الاسم فقط ويذكر في الترجمة اسم الرجل واسم أبيه وأحيانا اسم جده ونسبته ثم يطلق عليه إحدى عبارات الجرح ويتكرر منها قوله "ضعيف" و"متروك الحديث" و"منكر الحديث" و"كذاب" و"ليس بثقة" و"ليس بذاك". ثم ينسبه إلى المصر بقوله كوفي أو مدنى أو بصري، ولا تتجاوز الترجمة السطر الواحد إلا نادرا. وعندما انتهى من ذكر الأسماء ذكر الكنى ولم تستغرق سوى صفحة واحدة. ويعتبر النسائي من المتشددين في جرح الرجال1. كذلك بقي كتاب "الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي "ت322هـ" وهو يترجم للضعفاء سواء كان الضعف في عدالتهم أو ضبطهم فقد ذكر من نسب إلى الكذب ووضع الحديث، ومن غلب على حديثه الوهم، ومن يتهم في بعض حديثه، ومجهول روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة، كما ذكر بابا في تليين أحوال من نقل عنه الحديث ممن لم ينقل على صحة. والكتاب مرتب على الحروف الأبجدية2. وقد انتقد الحافظ الذهبي3 العقيلي لتعنته في الجرح حتى تناول الثقات المتقنين مثل ابن المديني والبخاري وعبد الرزاق كما انتقده لجرحه بلفظ "لا يتابع على حديثه" مبينا أن تفرد الراوي ليس دليلا على جرحه إلا أن يكثر رواية   1 انظر ص88. 2 ابن حجر: تهذيب التهذيب 2/ 147. 3 مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق "حديث 262"، وهو إثنا عشر جزءا في 455 صفحة، وتوجد نسخة ثانية في برلين 9916. "انظر بروكلمان: تأريخ الأدب العربي 3/ 222". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الأحاديث التي لا يوافق عليها فيصير متروك الحديث، كما انتقد توسعة في جرح كل من فيه بدعة أوله هفوة أو ذنوب مبينا أن ليس من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ "الميزان 2/ 231". ومن الكتب المهمة التي بقيت محفوظة كتاب جليل الفائدة هو "معرفة المجروحين من المحدثين"1 لمحمد بن أحمد حبان البستي "ت354هـ" وقد كتب ابن حبان مقدمة طويلة نفيسة في بداية كتابه استغرقت ثلاثين ورقة تناول فيها أهمية معرفة الضعفاء، وجواز الجرح، وبين ضرورة التدقيق في أخذ الأحاديث، واجتهاد الصحابة في حفظ السنن وسؤالهم عن الرجال، وذكر بعد ذلك من سلك مسلك الصحابة من التابعين والأتاع ومن تلاهم من أئمة المحدثين، وذكر دور ومكانة كل من الزهري ومالك وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وطبقته. ثم ذكر أنواع المجروحين من الضعفاء فجعلهم عشرين نوعا وهم الزنادقة، الصالحون الوضاعون، الوضاعون الكذابون، الوضاعون استرضاء للملوك والأكابر والأغراض الخاصة، أهل الغفلة، المختلطون، من حدث بحديث ليس من حديثه، من كان يكذب ولا يعلم أنه يكذب، من يحدث عن شيوخ لم يسمعهم بكتب صحيحة، من يقلب الأخبار ويسوي الأسانيد، من رأى شيخا وسمعه لكنه حدث بعد موته بحديث لم يحفظه عنه من غير تدليس، من ذهبت كتبه ولم يكن تام الحفظ، من كثرة خطأوه، من امتحن بوارق أو ابن سوء يضع عليه الحديث. من لم يرجع عما أدخل عليه من الحديث مع علمه بذلك. من أخطأ ثم علم فلم يرجع عن خطئه، المعلن بالفسق والسفه، المدلسون، المبتدعة، والنوع   1 مخطوط في مكتبة آيا صوفيا بتركيا، رقم 496، تأريخ نسخها القرن السابع وعدد أوراقها 262 ورقة من القياس الكبير. وتوجد نسخة أخرى منه في دار الكتب المصرية "19598/ب" وعدد أوراقها 166 ورقة 16×23سم. وقد اعتمدت في الوصف على نسخة آيا صوفيا. وقد طبع في ثلاث مجلدات في مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، سنة 1390هـ "1970م" بتحقيق عزيز بك القادري النقشبندي. كما طبع في حلب في ثلاث مجلدات أيضا بتحقيق محمود إبراهيم زايد 1396هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 العشرون هم القصاصون. ثم عقد موضوعا تحت عنوان "ذكر أجناس من أحاديث الثقات لا يجوز الاحتجاج بها" وذكر ستة أجناس. وقد بين ابن حبان طريقته في تصنيف كتابه بقوله "وإنما نملي أسامي من ضعف من المحدثين وتكلفم فيه الأئمة المرضيون، ونذكر ما يعرف من أنسابهم وأسمائهم، ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهي في روايته تلك وأقصد في ذكر أسمائهم المعجم إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظ وأنشط للمبتدئ في وعيه وأسهل عند البغية لمن أراده"1. ويقدم ابن حبان في الترجمة الأنساب ويذكر بعض شيوخ صاحب الترجمة ومن روى عنه من تلاميذه ونموذجا من مروياته الضعيفة لبيان علة جرحه. وينقل أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه بالأسانيد، كما يبدي رأيه في معظم التراجم، ويذكر عداده في الأمصار وربما ذكر عقيدة صاحب الترجمة2. ومن هذا العرض يتبين أن كتاب ابن حبان من الكتب الجليلة في هذا الموضوع. لكنه يتشدد في الجرح حتى أنه ربما جرح بعض الثقات3. وقد بقي كتاب اشتهر كثيرا وهو كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال"4. لمؤلفه عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني "ت365هـ" ويقدم ابن عدي لكتابه بمقدمة نفيسة تزيد على الخمسين ورقة من القطع الكبير تكلم فيها عن تحفظ الصحابة في رواية الحديث، فذكر من اختار قلة الرواية ولم يكثر الحديث، ومن كان لا يرى كتابه الحديث من الأئمة ومن كان يكتب منهم ثم ذكر من   1 ابن حبان: المجروحين من المحدثين 2/ 32ب. 2 المصدر السابق 8/ 113أ، 3/ 76أ. 3 الذهبي: ميزان الاعتدال 1/ 274 "ط. البجاوي". 4 مخطوط في تركيا طوب قبو "ألف: 2943" وهي نسخة كاملة بخط مقروء وعدد أوراقه 3900 ورقة. ونسخة ثانية في القاهرة أول 2: 29، ثاني 1: 243 ويوجد قسم منه في المكتبة الظاهرية بدمشق "حديث 364" ويبدأ بالجزء الثالث إلى الجزء العشرين ويقع في 389 ورقة ويوجد جزء منتخب من الكامل في الظاهرية أيضا في أربعين ورقة. انظر يوسف العش: فهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية "التأريخ". ص238، 241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 استجاز لنفسه الكلام في الرجال من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طبقة طبقة إلى زمانه، وذكر فضائلهم والمعنى الذي به يستحقون الكلام في الرجال، وتسليم الأئمة لهم بذلك، قال ابن عدي في مقدمته أيضا "وأنا ذاكر في كتابي هذا أسامي قوم نسبوا إلى الضعف من عساهم غفلوا عنهم ومن نشأوا بعد موتهم"1. أما تراجمه فهو لا يطيل في الأنساب بل يقتصر على ذكر أسماء الشيوخ وأسماء آبائهم ونسبتهم إلى المصر أو القبيلة، ويذكر بعض شيوخه وتلاميذه ونماذج من رواياته الضعيفة وفي الغالب حديثا أو حديثين2، وينقل أقوال أئمة الجرح والتعديل في صاحب الترجمة بالأسانيد التي لا يخل بذكرها، ولا يذكر سني الوفيات. وليس سائر من أوردهم في كتابه مقطوع بضعفهم بل فيهم ثقات ولكنه أوردهم لأنه التزم إخراج كل من تكلم فيه بجرح. فقد ترجم مثلا لخليفة بن خياط أحد شيوخ البخاري وذكر ما قيل في جرحه ثم رد الجرح ووثقه، لذلك قال السخاوي عن الكامل "أكمل الكتب المصنفة قبله وأجلها لكنه توسع لذكره كل من تكلم فيه وأن كان ثقة مع أنه لا يحسن أن يقال "الكامل" للناقصين"3. وقد رتب ابن عدي كتابه على حروف المعجم. ووصل إلينا بعض كتاب "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني وقد رتبه على حروف المعجم4. وآخر ما وصل إلينا من كتب الضعفاء المصنفة خلال هذه الفترة "المدخل إلى الصحيح" لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري "ت405هـ" حيث ترجم في القسم الأول منه للمجروحين جرحا شديدا اقتصر على ذكر أسمائهم وأسماء   1 ابن عدي: الكامل 1/ 44ب. 2 بين ابن حجر "هدي الساري 2/ 152" أن من عادة ابن عدي أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة أو على غير الثقة. 3 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 586. 4 ما بقي منه إحدى عشرة ورقة في المكتبة الظاهرية "مجموع 124/ 11". "انظر يوسف العش: فهرست مخطوطات الظاهرية، 241-242". وتوجد نسخة في آياصوفيا "3405". انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 آبائهم ونسبتهم وبعض شيوخهم وتلاميذهم مبينا رواية معظمهم للروايات الموضوعة والمنكرة والمعضلات. وعددهم ثلاث وثلاثون ومائتا رجل. ثم انتقل إلى قسم آخر تناول أسامي رجال الصحيحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 مؤلفوا كتب الثقات ... مؤلفو كتب الثقات: أول من علمته صنف في الثقات. علي بن عبد الله المديني "ت234هـ" في كتابه "الثقات والمتثبتون"1 - عشرة أجزاء. أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "ت261هـ". ثم أبو العرب محمد بن أحمد التميمي "ت333هـ". ثم محمد بن أحمد بن حبان البستي "ت354هـ" في كتابيه "الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار". ثم أبو حفص عمر بن بشران السكري "ت367هـ"2. ثم عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ "ت385هـ". ثم أبو عبد الله الحاكم "ت405" في "المدخل إلى الصحيحين". ثم انطقع التأليف في هذا النوع من كتب الرجال حتى القرن الثامن الهجري3 حيث ظهرت بعض المصنفات فيه، وقد بقي من هذه المصنفات   1 الحاكم: معرفة علوم الحديث 71 وابن رجب: شرح علل الترمذي 1/ 216 "ط. عتر". 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 966 وابن حجر: لسان الميزان 3/ 275. 3 الف في الثقات من المتأخرين الشمس محمد بن أيبك السروجي "744هـ" ولم يكمل ولو تم لكان في أكثر من عشرين مجلدا وأسماء الأحمدين منه فقط في مجلد "السخاوي: الإعلان" وابن خلفون "ت636" كذلك صنف الذهبي "748هـ" كتاب "رسالة في الرواة الثقات" وصنف العسقلاني "852هـ" في الثقات ممن ليس في التهذيب لكنه لم يكمل "السخاوي: الاعلان" وآخر من أفرد الثقات في تصنيف زين الدين قاسم بن قطلوبغا "879هـ" منه المجلد الأول والثاني في مكتبة كوبرلي باستانبول، ومنه شيء في الخزانة العامة بالرباط، رقم 361ك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الأولى كتاب الثقات للعجلي "ت261هـ" وكتابا "الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان "ت354هـ" وكتاب الثقات لعمر بن أحمد بن شاهين الواعظ. فأما كتاب الثقات للعجلي فقد وصل إلينا الجزء الثاني من أصله كما وصل إلينا بترتيب الحافظ نور الدين الهيثمي1 "ت757هـ" حيث رتبه على حروف المعجم وبدأه بمن اسمه أحمد2، ومن ذلك نعلم أن كتاب الثقات للعجلي لم يكن مرتبا على حروف المعجم بل على الطبقات حيث اقتصر في الجزء الثاني على طبقة التابعين ولم يرتب على الحروف داخل الطبقة، وهو مما أملاه المؤلف على ابنه صالح، ورواه أبو الحسن بن أبي زكريا النيسابوري عن صالح3. وطريقة العجلي في التراجم -التي يتراوح طولها بين السطر إلى العشرين سطرا- أن يذكر الاسم واسم الأب والكنية والنسبة إلى المصر، ويطلق لفظا من ألفاظ التعديل كالقول أنه "ثقة ثقة" او "ثقة" أو "لا بأس به". وبين طبقته إن كان من الصحابة أو التابعين وربما يشير إلى المزايا العلمية لصاحب الترجمة كقوله عن إبراهيم بن الزبير التميمي أنه صاح سنة وصاحب تفسير كما يذكر عقائد المترجمين، وقد أورد في الثقات شيوخا يرون القدر أو التشيع كما يذكر بعض الضعفاء كبشر المريسي مع لعنه إياه ورميه بالفسق وربما ذكر تولي بعضهم القضاء، وقلما يذكر شيوخ صاحب الترجمة أو تلاميذه، وقد ذكر في بعض التراجم أحداثا وقعت لأصحابها كذكره بعض المناقشات مع الإمام أحمد في المحنة. والعجلي متساهل في توثيق المجهولين4.   1 مخطوط في مكتبة شهيد علي "2747/ 1، ف796" ويقع في 67 ورقة 19.2×139سم, انظر فهرست المخطوطات المصورة قسم التأريخ 2/ 91-92". كما وصل إلينا بترتيب التاج السبكي وهو مخطوط في المكتبة الأحمدية بحلب تحت رقم 342، وهو في آخر كتاب "الإطراف في أوهام الأطراف". 2 الهيثمي: مقدمة ترتيب الثقات. 3 الجزء الثاني من الثقات للعجلي، ميكروفيلم في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 1785. 4 المعلمي اليماني: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل 1/ 492. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وأما كتاب "الثقات"1 لابن حبان البستي "ت354هـ" فقد ذكر السخاوي أنه أحفل كتب الطبقات2 وقد رتبه ابن حبان على الطبقات فالطبقة الأولى هم الصحابة وتناولهم في المجلد الأول والطبقة الثانية هم التابعون وتناولهم في المجلد الثاني أما الطبقة الثالثة والرابعة فهم أتباع التابعين وتبع الأتباع وقد خصص لهم المجلد الثالث. وذكر ابن حبان في المجلد الأول مولد النبي ومبعثه وهجرته ومغازيه إلى حين وفاته، ثم تناول الخلفاء الراشدين وأيامهم إلى مقتل علي رضي الله عنه بحذف الأسانيد ولزوم سلوك الاختصار ليسهل حفظها ولا يصعب وعيها3، ويحتوي المجلد الأول أيضا إضافة للسيرة على تراجم الصحابة وقال في بداية هذا القسم "أول كتاب الصحابة"4، وذكر في بدايته أسماء الخلفاء الراشدين ولم يترجم لهم باعتبار أنه ترجم لهم بتفصيل في القسم الأول عقب السيرة مباشرة. ثم ذكر بقية العشرة المبشرة فترجم لهم ثم بدأ ترتيب الصحابة على حروف المعجم. وقد ذكر أنه يخص بالذكر في هذا القسم الصحابة الرواة قال "أنا ذاكرون أسماء الصحابة، ونقصد منهم من روى عنه الأخبار لأنه أدعى إلى العلم وأنشط للفهم، وأما من لم ترو عنه الأخبار وذكر بالأفعال والآثار فقد تقدم ذكرنا لهم قبل، ونقصد في ذكر هؤلاء إلى المعجم في أسمائهم ليكون أسهل عند البغية"5 وكذلك فعل في   1 الجزء الأول موجود في مكتبة أحمد الثالث رقم "2995" تأريخ نسخه القرن السابع بخط تعليق ويقع في 67 ورقة، 29 سطرا قياس 19×27سم. أما الجزء الثاني والثالث فموجودان في المكتبة الظاهرية بدمشق "تأريخ 710, 711" والجزء الثاني فيه نقص في أوله إذ يبدأ بحرف الباء ويقع في 376 صفحة أما الثالث فهو تام يقع في 326 صفحة. وقد طبع في تسعة أجزاء في مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن. 2 السخاوي: الإعلان، 585. 3 ابن حبان: الثقات 1/ 2أ. 4 المصدر السابق 1/ 18أ. 5 ابن حبان: الثقات 1/ 18ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بقية المجلدات حيث رتب التابعين والأتباع وتبع الأتباع على حروف المعجم ضمن الطبقة، وحافظ على ذكر أسماء النساء بعد الرجال في كل حرف. وفي نهاية كل طبقة من الطبقات الأربع خصص قسما لذكر من يعرف بالكنى من الرجال ثم من اشتهرت بكنيتها من النساء. واقتصر ابن حبان في التابعين والأتباع على الثقات فقد قال: فكل شيخ ذكرته في هذا الكتاب فهو صدوق1، ويرى ابن حبان أن من صحت عدالته لم يستحق القدح ولا الجرح إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح2. ويرى ابن حبان أن الأصل في مشاهير الرواة العدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون. وقد رد ابن حجر هذا الرأي فقال "وهذا الذي ذهب إلي ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة حتى يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات فإنه يذكر خلقا ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون"3. أما طبيعة تراجمه فهو يذكر في ترجمة الراوي اسمه واسم أبيه وكنيته ونسبه، وربما ذكر أسماء الأمهات، وفي تراجم الصحابة ذكر عدادهم في البلدان وأماكن شيوع رواياتهم بقوله: روى عنه البصريون أو الكوفيون، وأحيانا يذكر عنوان واحد من أحاديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويشير إلى مشاركتهم في الغزوات أو الفتوح. وفي بعض التراجم ذكر سني الوفيات ومواضعها. وقد ذكر ابن حجر أن ابن حبان يتبع البخاري دائما في ذكر سني الوفيات4. ويرى مغلطاي ان ابن حبان لا يتعدى البخاري غالبا يتبعه في جميع أقواله5. أما كتاب ابن حبان الآخر وهو مشاهير علماء الأمصار6 فإنه يقتصر فيه   1 ابن حبان: الثقات 2/ 276. 2 المصدر السابق أيضا 3/ 324. 3 انظر العسقلاني: لسان الميزان 1/ 14، وانظر كتاب الثقات 1/ 13. 4 ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 4/ 287. 5 إكمال تهذيب الكمال، 419. 6 طبع بعناية فلا يشهمر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة 1959م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 على المشهورين من الثقات فقط، وقد رتبهم على الطبقات ثم على الأقاليم فذكر الحجاز أولا ثم العراق فالشام فمصر فاليمن فخراسان، ووصف هذه الأقاليم بأنها المعروفة بعلماء الأيام. وهو يبدأ بالصحابة من أهل المدينة ثم بالصحابة من أهل مكة وهكذا حتى تنتهي طبقة الصحابة ثم يذكر التابعين وتبع الأتباع مرتبا إياهم على المدن أيضا بنفس التسلسل السابق الذي أتبعه في ترتيب الصحابة، وهكذا اعتبر الزمن أولا ثم المكان. ومعظم التراجم لا تزيد على الثلاثة أسطر، ويعطي نسب الرجل وكنيته، وأحيانا سنة وفاته ويشير إلى شهوده المغازي أو الفتوح، وربما ذكر باقتضاب أحداثا وقعت لصاحب الترجمة وفي بعض التراجم ذكر شيوخ وتلاميذ المترجم والخصائص الخلقية والعقلية والجسمية للمترجم. وقد وصل إلينا كتاب "تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم"1 ومؤلفه عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ "ت385هـ"، وهو مرتب على حروف المعجم وقد اقتصر على ذكر اسم الراوي واسم أبيه، ونقل أقوال أئمة الجرح والتعديل في توثيق أصحاب التراجم، وأحيانا بسند رواياته عنهم وأحيانا أخرى لا يسندها، وربما ذكر بعض شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة. كذلك وصل إلينا "المدخل إلى الصحيحين" للحاكم "ت405هـ" حيث ترجم لرجال الصحيحين في القسم الثاني منه.   1 مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء 12 مصطلح، ويقع في 93 ورقة، "انظر: قائمة بالمخطوطات العربية المصورة بالمايكروفلم من الجمهورية العربية اليمانية، ص7". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مؤلفون جمعوا بين الثقات والضعفاء : صنف في ذلك الليث بن سعد "ت179هـ" في كتابه "التأريخ"1.   1 ابن النديم: الفهرست وابن شاهين: كتاب الثقات من 32أوذكر السمعاني أن يحيى بن عبد الله بن بكير قد رواه عن الليث، "التحبير ترجمة رقم 1103". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وعبد الله بن المبارك "ت181هـ" في "التأريخ"1 وضمرة بن ربيعة "ت202هـ" في كتابه "التأريخ"2 والفضل بن دكين "ت218هـ" في "التأريخ"3 ومحمد بن سعد "ت230هـ" في كتابه الطبقات الكبرى وقد سبق ذكره في كتب الطبقات. ويحيى بن معين "ت233هـ" كتابان هما "معرفة الرجال" و"التأريخ والعلل". وعلي بن المديني "ت234هـ" كتاب "التأريخ" في عشرة أجزاء حديثية4. وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة "ت235هـ" في "التأريخ". وأحمد بن حنبل "ت241هـ" كتاب "العلل والرجال"5 وابو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي "ت242هـ" في مؤلفه "كتاب في علل الحديث ومعرفة الشيوخ"5. وأبو حفص عمرو بن علي الفلاس "249هـ" في كتابه "التأريخ"6. ويقع في 3 أجزاء ثالثها فيه العلل7.   1 ابن النديم: الفهرست 319، الداوودي: طبقات المفسرين 1/ 244 ومغلطاي 2/ 338. 2 ابن حجر: الإصابة 2/ 349، "ط السعادة" وضمرة من رجال التهذيب. 3 اقتبس منه ابن حجر: الإصابة 2/ 334، ومغلطاي في الإكمال، نسخة مكتوبة بالآلة الكاتبة، 2/ 322، وسماه "التاريخ الكبير" ويبدو أن فيه "تسمية أصحاب علي وابن مسعود"، "ابن حجر: الإيثار، 313". 4 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 588. 5 الخطيب: تأريخ بغداد 5/ 417، والذهبي: تذكرة الحفاظ, 494. 6 الخطيب: تأريخ بغداد 2/ 232، والذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 15، حيث يذكر أنه أحد مصادر مؤلفه، والسخاوي: ألإعلان بالتوبيخ، 523. 7 ابن خير: فهرست 212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ومحمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" كتاب "التاريخ الكبير" و"الأوسط" و"الصغير". والمفضل بن غسان الغلابي "ت256هـ" في كتابه "التاريخ"1. وإبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني "ت259هـ" كتاب "الجرح والتعديل". وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "ت261هـ" كتاب "الجرح والتعديل" أيضا. ومسلم بن الحجاج النيسابوري "ت261هـ" كتاب "رواة الاعتبار". وحنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني "ت273هـ" كتاب "التاريخ"2. ومحمد بن يزيد بن ماجه القزويني "ت273هـ" في "التاريخ"3. وابن أبي خيثمة "ت279هـ" كتاب "التاريخ الكبير" وهو كثير الفوائد4. وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي "ت279هـ" كتاب "التاريخ"5. وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي "ت282هـ" في مؤلفه "كتاب التاريخ"6.   1 الخطيب: تاريخ بغداد 7/ 50، والذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 15، والسخاوي: الاعلان 524، والسمعاني: الأنساب 2/ 5، 32. 2 وصفه الذهبي بأنه تاريخ حسن "تذكرة الحفاظ 600-601". 3 الداوودي: طبقات المفسرين 2/ 273، والذهبي: تذكرة 2/ 636، وقال المقدسي "شروط الأئمة الستة، ص17": رأيت بقزوين له تاريخا على الرجال والأمصار من عهد الصحابة إلى عصره. 4 السخاوي: الاعلان، 588. 5 ابن النديم: الفهرست 325، وشروط الأئمة الستة، 17. 6 الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 51، 52، والذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 51 والسخاوي: الاعلان، 523-524، والكتاني: الرسالة المستطرفة، 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وأبو العباس أحمد بن علي الأبار "ت290هـ" في "كتاب التاريخ"1. ومحمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مطين "ت297هـ" في تأريخه2. وأبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة "ت297هـ" في كتابه "التأريخ"3. والنسائي "ت303هـ" كتاب "التمييز"4. وأبو العباس محمد بن إسحاق السراج الثقفي "ت313هـ" في تأريخه5. وعبد الله بن أحمد بن محمود البلخي "ت317هـ" كتاب "قبول الأخبار ومعرفة الرجال". والحسين بن إدريس بن خرم الأنصاري الهروي "ت315هـ" كتاب "التاريخ" على نحو التاريخ الكبيرللبخاري6. وعبد الله بن علي بن الجارود "ت307هـ" "الجرح والتعديل". وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي "ت327هـ" كتاب "الجرح والتعديل".   1 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 639، والكتاني: الرسالة المستطرفة، 111. 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ 662. 3 ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 111، وابن حجر: الإصابة 1/ 577، ومواضع أخرى، والداوودي: طبقات المفسرين 1/ 192. 4 السخاوي: الإعلان 589، وابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 356. 5 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 250، والسمعاني: الأنساب 3/ 141، والذهبي: تذكرة الحفاظ 731. 6 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ 588، وهو مخطوط في دار الكتب المصرية "14م"، ويتكون من ستة أجزاء في مجلد يقع في 110 ورقات، "انظر: فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية، المجلد الأول -مصطلح الحديث- 1/ 273"، وقد ذكر ابن ماكولا أنه تاريخ كبير "الإكمال 2/ 453". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وأبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني "ت333هـ" في مؤلفه "كتاب ثقات المحدثين وضعفائهم"1. وأبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال "ت349هـ" في "التاريخ"2. وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي كتاب "الجرح والتعديل"3. ومحمد بن حبان البستي "ت354هـ" كتاب "أوهام أصحاب التواريخ" في عشرة أجزاء4. ومسلمة بن قاسم "ت353هـ" كتاب "الصلة" وهو ذيل على التاريخ الكبيرللبخاري كما يرى العسقلاني أو ذيل على كتاب "الزاهر" للمصنف نفسه حيث أشار إلى ذلك في مقدمة الصلة5. والدارقطني "ت385هـ" حيث ذيل على المحمدين خاصة من التاريخ الكبيرللبخاري6. وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ "ت385هـ" في كتابه "التاريخ" ويذكر الذهبي أنه يقع في مائة وخمسين جزءا7. وأبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي "ت446هـ" كتاب "الإرشاد".   1 أبو العرب: طبقات علماء أفريقية وتونس، ص105، وانظر مقدمة الناشر، ص28 منه. 2 الداوودي: طبقات المفسرين 2/ 53. 3 قال ابن حجر "هدي الساري 2/ 154" "ابن خداش مذكور بالرفض والبدعة، فلا يلتفت إليه". 4، 5 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 558. 6 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 588. 7 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 988. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وأبو بكر بن المحب في الذيل على المحمدين أيضا من التاريخ الكبيرللبخاري1. وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي "ت474هـ" كتاب "الجرح والتعديل". وقد فقدت معظم هذه المصنفات، أما ما بقي منها فاقدمه كتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد وقد سبق الكلام عنه في كتب الطبقات2. وبقي كتاب "التاريخ والعلل"3 وكتاب "معرفة الرجال"4 وكلاهما من تصنيف يحيى بن معين "ت233هـ" وهو معاصر لابن سعد. فأما كتاب "التاريخ والعلل" فهو رواية أبي الفضل العباس بن محمد الدوري صاحب يحيى بن معين عنه. ومادة الكتاب ليست منظمة، بل هي مجموعة من أقوال يحيى بن معين في جرح الرجال وتعديلهم والتعريف بأسماء من يعرف بالكنى منهم وبكنى من يعرف بالأسماء منهم، ومعرفة نسبتهم وطبقتهم كالقول عن الرجل أنه صحابي أو تابعي، وكذلك من روى عن الرجل أو من لم يرو عنه. وهذه المادة المتباينة المختلطة أصبحت مادة أساسية في الكتب التي صنفت فيما بعد في علم رجال الحديث، بحيث نقلت عن ابن معين أقواله ووضعتها في المواضيع التي تلائمها لأن الكتب التالية أصبحت منظمة بشكل يجعلها أسهل منالا. ومن الجدير بيانه أن مهمة العباس بن محمد الدوري "ت271هـ" لم تقتصر على نقل أقوال شيخه، بل اضاف إليها بعض المعلومات كذكره حادث   1 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 588. 2 انظر، ص78. 3 مخطوط في دار الكتب الظاهرية "مجموع 112، "1"". 4 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، "مجموع "39""، وتوجد 23 ورقة منه في مكتبة أحمد الثالث تحت رقم "424ف-1219". انظر: فؤاد السيد: فهرست المخطوطات المصورة "التاريخ" 2/ 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وفاة ابن معين وسنة وفاة أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ، أي بعد وفاة ابن معين بثمان سنوات1. وكذلك عقب العباس بن محمد الدوري على بعض أقوال شيخه ليفسر الغامض ويجلو الشبهات مثال ذلك تعقبه رواية ابن معين بسنده "أخبرني من رأى بريدة بن سفيان يشرب الخمر في طريق الري". قال العباس بن محمد الدوري: "أن أهل المدينة ومكة يسمون النبيذ خمرا، والذي عندنا أنه رأى بريدة يشرب نبيذا في طريق الري فقال رايته يشرب خمرا"2. وكتاب "التاريخ والعلل" يقع في أحد عشر جزءا استغرقت 167 ورقة. ولطول ملازمة الدوري لابن معين إلى وفاته فإنه حمل عنه آخر أقواله في الرجال. ولذلك أهميته إذ كثيرا ما يختلف قول ابن معين في الرجل الواحد بين ما ينقله البغداديون وغيرهم ولا شك أن ما ينقله البغداديون هو آخر أقواله. أما كتاب ابن معين الآخر وهو "معرفة الرجال" فقد بقي منه الجزء الأول والثاني فقط وهما رواية أبي العباس أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز البغدادي عن ابن معين، وهذا الكتاب كسابقة مجموعة من أقوال يحيى بن معين في جرح الرجال وتعديلهم، ومعظمها أجوبة على أسئلة تلميذة المذكور أو على أسئلة آخرين بحضوره, وكثيرا ما يتكرر السؤال عن شيخ في أكثر من موضع فيقول فيه ابن معين ثم يسال عنه فيعيد قوله وربما أضاف إليه كأن يبين في المرة الثانية علة جرحه كما فعل مع نصر بن باب حيث جرحه عندما سئل عنه أول مرة، وتكرر السؤال عنه فأعاد الإجابة مبينا لهم سبب جرحة إياه إذ كان نصر يحدث عن عوف من كتاب عنده فارتاب ابن معين ونظر في الكتاب فإذا فيه "حدثني نوح بن أبي مريم أبو عصمة الخراساني عن عوف" ولذلك وصف ابن معين نصرا هذا بأنه كذاب خبيث3. وينبغي الانتباه إلى أن بع ألفاظ الجرح والتعديل عند ابن معين لها   1 ابن معين: التاريخ والعلل، 12. 2 ابن معين: التاريخ والعلل، 12. 3 ابن معين: معرفة الرجال، 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 معانيها الخاصة عنده فمثلا هو يستعمل أحيانا لفظ "ليس بشيء" ويعني أن أحاديث الراوي قليلة ولا يقصد بذلك جرحه لكنه في معظم الأحيان يريد بها أنه ضعيف مثل بقية النقاد كما يستعمل لفظ "لا بأس به" ويعني "ثقة" وإذا قال "يكتب حديثه" فمعناه أنه عنده من جملة الضعفاء1. وقد قال عبد الله بن أحمد الدورقي: كل من سكت عنه يحيى بن معين فهو عنده ثقة "ابن عدي: الكامل 1/ ق40أ". ومما بقي من هذه المصنفات أيضا كتاب "العلل ومعرفة الرجال"2 للإمام أحمد بن حنبل "ت241هـ" وهو معاصر لابن معين وزميل له، والكتاب من رواية ابنه عبد الله ويحتوي روايات متباينة يجمع بينها التعريف برجال الحديث كذكر كناهم أو الأخوة منهم أو سني وفياتهم أو رحلاتهم أو أخبار محنهم   1 اللكنوي: الرفع والتكميل، ص100، 102. ووضح الحافظ الذهبي اعتماده على ابن معين فقال: "فإنا نقبل قوله دائما في الجرح والتعديل ونقدمه على كثير من الحفاظ ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من لينه الجمهور أو تضعيف من وثقه الجمهور وقبلو فالحكم لعموم أقوال الأئمة لا لمن شذ، فإن أبا زكريا من أحمد أئمة هذا الشان وكلامه كثير إلى الغاية في الرجال وغالبه صواب وجيه، وقد ينفرد بالكلام في الرجل بعد الرجل فيلوح خطأه في اجتهاده بما قلناه، فإنه بشر من البشر وليس بمعصوم بل هو في نفسه يوثق الشيخ تارة ويلينه تارة، ويختلف اجتهاده في الرجل الواحد فيجيب السائل بحسب ما اجتهد من القول في ذلك الوقت "الذهبي: رسالة في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم"، ط. مصر 1324هـ. 2 مخطوط في مكتبة آيا صوفيا تحت رقم 3380، وهو ثمانية أجزاء، يقع في 180 ورقة، قياس 291×165ملم. انظر: مقدمة العلل ومعرفة الرجال، 1. وتوجد أجزاء ناقصة منه في دار الكتب الظاهرية ضمن مجموعتي رقم 40، 46. وقد صدر مجلد يحتوي على الأجزاء الأربعة الأولى من مخطوطة آيا صوفيا بتحقيق الدكتور طلعت قوج بيكيت والدكتور إسماعيل جراح أوغلي، ونشرته كلية الالهيات بجامعة أنقرة، سنة 1963م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وما إلى ذلك مما يتصل بحياتهم وصفاتهم الجسمية والخلقية أو ذكر سماع المحدث عن شيخ من الشيوخ أو نفي سماعة منه وما إلى ذلك مما له صلة بنقد إسناد الحديث. ويتكلم في جرح الرجال وتعديلهم1 كما يعرض جملة من الآراء الفقهية ويسوق ذلك بالأسانيد. والكتاب يتعلق أيضا بعلل الحديث مما يضاعف قيمته وقد استفاد منه ابن أبي حاتم بنطاق واسع في كتابه "الجرح والتعديل" حيث كتب إليه عبد الله بن حنبل رواية كتاب "العلل ومعرفة الرجال" بعض روايات هذا الكتاب2. والكتاب غير مرتب على أساس معين. وكذلك بقي كتاب "التاريخ الكبير"3 وكتاب "التاريخ الصغير"4. وقطعة من "التاريخ الأوسط"5 للبخاري، وقد رتب "التاريخ الأوسط" على السنين6. أما التاريخ الكبيرفقد رتبه على حروف المعجم لكنه تجاوز هذا الأصل   1 ذكر ابن حجر "هدي الساري 2/ 173" "أن الإمام أحمد يطلق لفظ "منكر الحديث" على من يغرب على أقرانه بالحديث، أي يتفرد وإن لم يخالف، عرف ذلك بالاستقراء من حاله"، فلا يلزم أن يكون الراوي الذي أطلق عليه ذلك ممن لا يحتج به، وقد بين اللكنوي بالاستقراء أن مراد الإمام أحمد من قوله في الراوي: هو كذا وكذا أن فيه لين، "الرفع 157". 2 انظر مقدمة كتاب "العلل ومعرفة الرجال" التي كتبها الدكتور طلعت قوج ييكيت. 3 الطبعة الأولى، بعناية عبد الرحمن بن يحيى اليماني، ثمانية أجزاء، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند 1358-1362هـ. 4 طبع في الهند ولم يتيسر لي الحصول عليه رغم تفتيشي مكتبات بغداد العامة وبعض المكتبات الخاصة. 5 منه قطعة في بنكيبور، 12-687، "انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، 3-178"، ويقع في 56 ورقة، "انظر سزكين: تاريخ التراث العربي ص347". 6 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 588. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بتقديم المحمدين لشرف إسم محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك بتقديم الصحابة لفضلهم، وهو يأخذ الحرف الأول فقط من الإسم ثم يرتب الأسماء المشتركة على الحرف الأول أيضا من اسم الأب. وتحتوي الترجمة على إسم الراوي وإسم أبيه وجده وكنيته ونسبته إلى القبيلة أو البلدة أو كليهما وقلما يطيل ذكر الأنساب، ويذكر بعض شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة ونموذجا من رواياته أو أكثر، وربما أورد الرواية بإسناد ليس فيه صاحب الترجمة ثم أعقب ذلك بإيرادها بإسناد فيه صاحب الترجمة فتكون روايته من المتابعات والشواهد1. وهذه الروايات تشير إلى مكانة صاحب الترجمة في العلم وقد يقتصر البخاري في بعض التراجم على ذكر عنوان الرواية ونجده في أمان أخرى يسرد روايات كثيرة فتطول الترجمة2. ولا يقدم البخاري معلومات وافية عن أحوال الراوي وإن ذكر أحيانا الصفات الجسمية والخلقية والعقلية للرواة، كما اشار إلى عقائدهم وآرائهم وإلى مشاركتهم في الغزوات أو الفتوح وموقفهم من أحداث عصرهم كالفتنة زمن عثمان ووقعة الحرة مما له دلالة على اتجاه الراوي وميوله، وذكر الوظائف التي أشغلها بعض المحدثين خاصة القضاة. ويسعى البخاري إلى تحديد مكان وزمان الرواية للتحقق من إمكان اللقاء بينه وبين شيوخه الذين روى عنهم3، لذلك ذكر في تراجمه للصحابة   1 المتابعات والشواهد: أحاديث تروى عقب ذكر الحديث للدلالة على وروده بطرق أخرى فلا يكون غريبا، ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول، "انظر ابن كثير: الباعث الحثيث، 59". 2 بلغت ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أكثر من تسعين سطرا لكثرة الروايات التي أوردها مرتبة على الأبواب، "انظر التاريخ الكبير، ق1 م3، الترجمة رقم 991". 3 لا يكتفي البخاري في صحيحه بالمعاصرة وإمكان اللقاء بين الشيخين، بل يشترط ثبوت اللقاء والسماع، "انظر ابن كثير: الباعث الحثيث، ص25" أي عند العنعنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 عدادهم في الأمصار ومن مكث منهم في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويحاول تحديد المكان أحيانا بقوله كان ببغداد أو حديثه في المصريين أو في الكوفيين أو في البصريين. ويذكر رحلات الشيوخ وتنقلهم في البلاد والتقاءهم في موسم الحج أو في زيارة بعضهم البعض، وأحيانا يحدد زمن اللقاء. وربما ذكر حادثة تدل على لقاء الشيخين. ويعطي البخاري سني الوفيات اهتماما خاصا. فقد ذكر سني وفيات أصحاب التراجم بنسبة 5% تقريبا أما سني ولادتهم فلا تزيد نسبة ذكرها على 0.3%1 وعندما لا يستطيع تحديد سنة الوفاة فإنه يربط وقت الوفاة بحادث مشهور مما يعين على تصور وقتها. ويستعمل البخاري ألفاظ الجرح والتعديل2. ويلاحظ تورعه عن استعمال ألفاظ حادة في الجرح فغالبا ما يقول: فيه نظر، يخالف في بعض حديثه. وأشد ما يقول: منكر الحديث. وكذلك لا يبالغ في ألفاظ التوثيق، بل يكتفي بقول: ثقة أو حسن الحديث. أو يسكت عن الرجل وقد عد البعض سكوته عن الراوي توثيقا له3، ولا يسلم له ذلك على إطلاقه، بل قد ذهب الحافظ ابن حجر وهو أحسن من استقرأ البخاري إلى عدم اعتبار سكوته عن الراوي توثيقا له فقال عند الكلام عن يزيد بن عبد الله بن مغفل: "قد ذكره البخاري في تاريخه فسماه يزيد، ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا فهو مستور"4. وينبغي التفطن إلى معاني ألفاظ الجرح والتعديل التي يستعملها البخاري في اصطلاحه، فإنه إذا قال "فيه نظر" فمعنى ذلك أن الراوي متهم عنده غالبا،   1 هذه النسبة مأخوذة عن طريق الإحصاء. 2 البخاري: التاريخ الكبير. م1 ق1، انظر ترجمة رقم 11، 35، 143، 417، 1045، 1245، 1266، 1416. 3 التهانوي: قواعد في علوم الحديث. 4 ابن حجر: النكت على ابن الصلاح، 548. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وإذا قال "فلان فيه نظر" و"فلان سكتوا عنه" فإنه يقولهما فيمن تركوا حديثه، ونبه البخاري إلى أن كل من قال فيه "منكر الحديث" فلا تحل الرواية عنه1. وقد يطلق البخاري على الشيخ "ليس بالقوى" ويريد أنه ضعيف2. وينقل البخاري أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرجال لذلك ترد ألفاظ جرح أخرى اشد مما ذكرت في بعض التراجم. ونجد في التاريخ الكبيرمعلومات تاريخية قليلة لكنها موثقه كذكره بعض أحداث تتصل بالسيرة أو الفتوح أو بأحداث متأخرة في العصر الأموي أو العباسي وخاصة أسماء القضاء والولاة. ومن ذلك قامة بأسماء ولاة الكوفة من خلافة عمر بن الخطاب إلى خلافة معاوية بن أبي سفيان3. وقد انتقد ابن أبي حاتم "ت327هـ" التاريخ الكبيرفي رسالة سماها "بيان خطأ البخاري في تاريخه"4، كما تعقبه في عدة مواضع في كتابه "الجرح والتعديل" مبينا أنه أدخل في الضعفاء من لا يستحقون وصفهم بالضعف5. ولا شك أن البخاري عالم متضلع بالرجال ونقدهم لكن الأخطاء في الأسماء يقع فيه سائر المتضلعين في علم الرجال لكثرتها وصعوبة ضبطها، كما أن الحكم بتضعيف الرواة يتوقف على مقاييس الناقد, ومع ذلك فإن البخاري لا يعتبر من المتشددين في الجرح بل من المعتدلين. وقد وصل إلينا قسم من كتاب "التاريخ الكبير"6 لابن أبي   1 الذهبي: الموقظة؛ واللكنوي: الرفع والتكميل، 97، 182، 183. 2 الذهبي: الموقظة. 3 البخاري: التاريخ الكبير. م3 ق2، ترجمة رقم 3228. 4 مخطوط في مكتبة أحمد الثالث، 624 "11" ضمن مجموعة من 119ب-143ب، ف667، وتقع في 25 ورقة، قياس 19×16سم. 5 انظر حاشية1، ص93. 6 مخطوط في مكتبة القرويين، ح ل (244 N: 40) رقم 778, ويقع في 199 صفحة، وتوجد منه قطعة في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، تقع في 22 صفحة, مكتوب عليها "الجزء الخمسون" وتتناول تراجم محدثين من أهل الموصل والعواصم والثغور والشام وقد جلدت مع كتاب من كتب المسانيد المتقدمة دون أن يشار إلى كتابان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 خيثمة1 "ت279هـ" وقد قال الخطيب "لا أعلم أغزر فوائد منه"2 ووصفه السخاوي بأنه كثير الفوائد3، وذك الكتاني أنه كبير يقع في ثلاثين مجلدا صغارا وإثني عشر مجلدا كبارا4. ونقلت عنه كثيرا كتب الرجال المصنفة بعده. وقد قال من أبي خثيمة: "من أخذ هذا الكتاب فقد أخذ جوهر علمي، لقد استخرجته من بيت ملآن كتبا، وفيه ستون ألف حديث، عشرة آلاف مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسائره مراسيل وحكايات وإنما كتابي لمن خشي حوطته من الحديث لأني إنما آخذ من الأطراف"5. وقد كتب في بداية القسم الذي وصل إلينا منه "السفر الثالث من تاريخ أبي بكر أحمد بن زهير بن حرب بن أبي خيثمة"6 ولم يتبع نسقا معينا في تنظيم   1 قال الحافظ الذهبي في ترجمته "أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب، الحافظ الحجة الإمام، صاحب التاريخ الكبير. قال الدارقطني: ثقة مأمون. وقال الخطيب: ثقة عالم متقن حافظ، ولا أعرف أغزر فوائد من تاريخه. توفي سنة تسع وسبعين ومائتين "انظر تذكرة الحفاظ 2/ 596". 2 تاريخ بغداد 4/ 163. 3 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 588. 4 الرسالة المستطرفة، ص130. 5 معجم أبي علي الصدفي، ص41. 6 جاء في شرح الفية العراقي نقلا عن الإمام أبي الحسن محمد بن أبي الحسين بن الوزان قال: ألفيت بخط أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ الشهير صاحب يحيى بن معين وصاحب التاريخ ما مثاله "قد أجزت لأبي زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي عني ما أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الأصبغ، ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه مني، وأذنت له في ذلك, ولمن أحب من أصحابه، فإن أحب أن تكون الإجازة لأحد بعد هذا، فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا وكتبه أحمد بن ابي خيثمة بيده في شوال من سنة ست وسبعين ومائتين". "انظر القاسمي: قواعد التحديث، ص206". وكان علماء واسط يهتمون بتاريخ ابن أبي خيثمة حيث رواه أبو عبد الله محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني، العدل "ت335هـ" عن المؤلف، ورواه عن الزعفراني أحمد بن علي الخيوطي، قرأه عليه لنفسه وللناس نيفا وثمانين مرة "سؤالات السلفي للحوزي، ص37"، وقد سمع جميع تاريخ ابن أبي خيثمة -وكان عنده أصله- أبو المعالي محمد بن عبد السلام بن عبيد الله الأصبهاني المعروف بابن سانده "سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط، ص16"، تحقيق مطاع الطرابيشي، دمشق 1976م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 المادة، كما أن طبيعة مادته متباينة أيضا فهو يبدا بذكر الأولاد مثل ولد أبي خالد إسماعيل والأشعث والنعمان ولم يحدث عنهم كلهم إلا إسماعيل آخرهم، وذكر بعض أحاديثه عن إخوته ... ثم ذكر ولد يسار وبينهم محمد بن إسحاق صاحب المغازي ... وهكذا يستمر في ذكر الأولاد ثم يذكر أسماء الأخوة من الرواة مثل "بلغني أن عبد الله بن حنين وعبيد بن حنين ومحمد بن حنين إخوة" ويستمر في سرد الأخوة وربما ذكر لهم بعض الأحاديث أو نقل أقوال أئمة الجرح والتعديل مثل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فيهم. ثم انتقل إلى الترتيب على المدن فذكر أولا أخبار المكيين وبدأ بذكر فضائل مكة وما ورد في ذلك من آثار وذكر أساطير أيضا ثم ترجم للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال "تسمية من نزل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه خلط بهم التابعين ومن بعدهم ولم يرتبهم على أساس معين لا على حروف المعجم ولا غيره، وقد صرح خلال تراجم أهل المدينة بنقله عن كتاب لعلي بن المديني "ت234هـ" وقد ذكر في كل ترجمة الإسم وإسم الأب وبعض أخبار المترجم وشهوده المغازي ويورد حديثا له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى القضاة والولاة منهم وربما ذكر عقائدهم وبعض أقوال وفتاوى المشهورين منهم، وينقل أقوال أئمة الجرح والتعديل مثل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فيهم، ويذكر أحيانا سني الوفيات. وقد حافظ على ذكر الأسانيد في سائر رواياته، ويختلف طول التراجم بين السطر إلى بضع صفحات حسب أهمية المترجمين. فلما انتهى من أهل مكة ذكر صحابيا واحدا من أهل الطائف، ثم ذكر أهل اليمن وقد أورد في بداية ذلك عدة روايات يتصل إسنادها إلى وهب بن منبه وهي في ذم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 اليمن، فاليمن لم يدخلها ولن يدخلها نبي وهي ذنب الأرض1! أما عن طبيعة التراجم فلا تختلف عن تراجم المكيين وهي بضعة تراجم فقط، ثم انتقل إلى اليمامة ولم يذكر شيئا عن فضائل المكان وعرض بضعة تراجم لمن سكنها من الصحابة، ثم انتقل إلى ذكر المدينة وقد أطال ذكر فضائلها وحرمتها وفضائل أهلها معتمدا على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في مدحها وقد استغرق هذه المقدمة تسع عشرة صفحة. وقبل أن يذكر تراجم أهل المدينة كتب السيرة النبوية بإيجاز ورتب الأحداث على السنين اعتبارا من السنة الأولى للهجرة حتى السنة العاشرة الهجرية ولا يفصل أخبار الغزوات، بل يكتفي بالإشارة إلى حدوثها وذكر تاريخها ويذكر الوفيات والولادات في نهاية أحداث بعض السنين ويهتم بالأمور الفقهية فسجل تاريخ نزول فريضة الصوم وحقق في صوم عاشوراء والأمر بزكاة الفطر وتاريخ تحريم الخمر والوقوف عند مرور جنازة اليهود وقصة الأذان كاملة. وبعد انتهائه من كتابة السيرة ذكر تراجم أهل المدينة وقد خلط الصحابة بمن بعدهم ولا تختلف طبيعتها عن التراجم السابقة وقد بلغت ترجمة سعيد بن المسيب ثلاث عشرة صفحة في حين لا تتجاوز بعض التراجم السطر الواحد. وفي نهاية تراجم أهل المدينة ينتهي الجزء الثامن من الكتاب. ولما انتهى من ذكر تراجم أهل المدينة ذكر أهل الكوفة وقد بدأ أيضا بذكر فضائل المدينة وأقوال الصحابة في مدحها وقد تعقب ابن أبي خيثمة أسانيد بعض هذه الروايات فضعفها2 في حين أثبت صحة أسانيد البعض الآخر. وقد استغرقت هذه المقدمة إحدى عشرة صفحة، ثم ترجم للصحابة الذين دخلوها وذكر من بعدهم من التابعين ومن تلاهم ولم يفصل بينهم وآخر من ترجم له منهم أويس القرني، وفي آخر الكتاب قال "لم يكمل الجزء التايع" وهناك أمر مهم تجدر   1 المعروف عن وهب بن منبه، وهو يماني، اهتمامه بأخبار اليمن وإشادته بذكرها "انظر كتاب التيجان في ملوك حمير لابن هشام، وانظر هوروفتس: المغازي الأولى ومؤلفوها، ص23". 2 ابن أبي خيثمة: التاريخ الكبير, ص150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الإشارة إليه فقد أورد خلال تراجم أهل المدينة قائمة بأسماء الولاة والقضاة على المدينة خلال العصر الأموي، ثم في خلافة السفاح, وأشار أيضا إلى محاولة معاوية أخذ بيعة أهل المدينة ليزيد وإلى أحداث تتعلق بوقعة الحرة وبفتنة ابن الزبير1، وقد حصل اضطراب في ترتيب الكتاب فوضعت هذه المعلومات ضمن تراجم أهل المدينة وأرجح أن المؤلف مزج التاريخ على السنين وكتابة التراجم كما فعل عند ذكره الصحابة من أهل المدينة، حيث ذكرهم في أعقاب كتابة السيرة على السنين، فلعله تناول العصر الأموي والعباسي أيضا. ولكن النقص الحاصل في الكتاب والاضطراب الموجود في ترتيبه يجعل من الصعوبة الجزم بذلك. وقد اعتمد ابن أبي خيمة في التاريخ الكبيرعلى كبار المحدثين والإخباريين، فأكثر النقل عن محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة في السيرة ولكن اعتماده على ابن إسحاق أكثر وهي رواية إبراهيم بن سعد قال: "كل شيء في هذا الكتاب قال ابن إسحاق فأحمد بن أيوب حدثنا قال أنا ابراهيم بن سعد عن ابن إسحاق"2. كما نقل في بقية كتابه عن مصعب بن الزبير وعلي بن محمد المدائني وأبي عبيدة معمر بن المثنى، ونقل عن كبار المحدثين من شيوخه مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني والقاسم بن سلام وعفان بن مسلم ونقل عن سائرهم بلفظ "حدثنا". كذلك وصل إلينا كتاب التاريخ لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي "ت228هـ" ويتناول أخبارا مقتضبة تتعلق بالسيرة والراشدين والأمويين والعباسيين، كما يتناول أخبار بعض رجال الحديث من طبقة التابعين ومن بعدهم بالدرجة الأولى وإن ذكر أخبار بعض الصحابة أحيانا، ويقتضب في   1 المصدر السابق، ص83. 2 ابن أبي خيثمة: التاريخ الكبير، ص75. وقد اعتمد ابن عبد البر فيما نقله في الاستيعاب عن ابن إسحاق على رواية إبراهيم بن سعد "انظر الاستيعاب 1/ 21". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بعض التراجم ويفصل في بعضها، وترد التفاصيل عادة في تراجم الشاميين مثل الأوزاعي ومكحول، وتتركز مادته حول المواليد والوفيات وقلما يعرض للجرح والتعديل ومزايا المترجمين، ولم يراع أسوبا محددا في تنسيق المادة وتبويب الكتاب ومن ثم تكثر فيه الانتقالات المفاجئة من موضوع إلى آخر. وقد ذكر أسانيد رواياته. ورغم احتواء المصادر الأخرى على معظم ما أورده لكن أهميته تظر في تعضيد تلك الروايات وتكثير طرقها خاصة مع ما يتمتع به أبو زرعة من توثيق1. وقد بقي أيضا كتاب "قبول الأخبار ومعرفة الرجال"2 لعبد الله بن أحمد بن محمود البلخي المتوفى "ت317هـ". وهو من كبار المعتزلة، تنسب إليه الفرقة الكعبية أو البلخية، وله آراء ومقالات انفرد بها "الفرق بين الفرق، ص181؛ وطبقات المعتزلة لابن المرتضى 88". وقال الحافظ ابن حجر "لسان الميزان 3/ 255": وله تصنيف في الطعن على المحدثين يدل على كثرة اطلاعه وتعصبه. واشتمل كتابه في المحدثين على الغض من أكابرهم وتتبع مثالبهم سواء كان ذلك عن صحة أم لا. وسواء كان ذلك قادحا أم غير قادح حتى أنه سرد كتاب الكرابيسي في المدلسين، فأفاد أن التدليس بأنواعه عيب عظيم وحسبك بذكر شعبة فيمن يعد كثير الخطأ وعقد بابا أورد فيه ما يرويه مما ليس له معنى بزعمه وبابا فيما يرويه متناقضا لسوء فهمه -انتهى كلام الحافظ ابن حجر- وقد صرح بمخالفته للمحدثين في التوثيق والتضعيف فقال: وليس قولنا في كل من نسبوه إلى البدعة أو أسقطوه وضعفوه   1 مخطوط في مكتبة أحمد الثالث بتركيا رقم 4210، وهو عشرة أجزاء، تقع في 151 ورقة، وهو من وقف السلطان الغازي محمود، وقد اطلعت على نسخة مصورة عنه موجودة في مكتبة الدراسات العليا في كلية الآداب بجامعة بغداد. 2 مخطوط في دار الكتب المصرية "14م" وهي نسخة من ستة أجزاء في مجلد، يقع في 110 ورقات ومسطرتها 25 سطرا 15.5×11.5سم. "انظر: فهرست المخطوطات، المجلد الأول "مصطلح الحديث" 1/ 273"، ومنه صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قولهم. معاذ الله من ذلك بل كثير من أولئك عندنا أهل عدالة وطهارة وبر وتقوى1. وكذلك بقي كتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم الرازي "ت327هـ" وهو من أجمع كتب الجرح والتعديل تابع فيه التاريخ الكبيرللبخاري إلا أنه أكثر من إيراد ألفاظ الجرح والتعديل2، واستوعب الكثير من أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرجال فصار خلاصة لجهود السابقين العارفين بهذا الفن، وقد ذكر ابن أبي حاتم أنه أغفل بعض النقاد فلم ينقل عنهم لقلة معرفتهم بهذا الشأن، ولكن مهمة المصنف لم تقتصر على الجمع والتنظيم فقد كان عالما بالرجال فأعمل فكره وفنه في استخلاص الحكم على الرجال من خلال الأقوال المتناقضة والآراء المتعارضة المتدافعة، وليس ذلك فحسب، بل تكلم باجتهاده في كثير من المواضع. وقد قدم ابن أبي حاتم لكتابه بمقدمة طويلة نفيسة هي "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل"، وهي عبارة عن مدخل للكتاب بين فيها أهمية السنة وكيفية تمييز صحيحها من سقيمها بمعرفة عدول الرواة ومجروحيهم وطبقاتهم ومراتبهم في التثبت والصدق، ثم قدم تراجم مستفيضة للعلماء النقاد المعتمدين في جرح الرجال وتعديلهم، وجعلهم حتى عصره أربع طبقات، وأراد بهذه التراجم بيان درجتهم في العلم ومعرفتهم بالرجال وتوثيق معاصريهم لهم، وقد ذكر في الترجمة مو تفوق به صاح التراجمة من علم، كاهتمام سفيان الثوري بتدوين العلم ومعرفة شعبة بن الحجاج بمراسيل الآثار وعلل الحديث. ولهذه التراجم المستفيضة أهمية كبيرة لأن أصحابها عليهم مدار أحكام الجرح والتعديل، فلزم التعريف بهم أولا ليطمئن المرء إلى أنهم لم يصدروا   1 قبول الأخبار، ص3. 2 إذا قال أبوحاتم في الراوي"مجهول" فإنه يريد به في الغالب "جهالة الحال" أما أكثر المحدثين فيريدون به جهالة العين بأن لا يروى عنه إلا واحد. وقد رد عليه بعض النقاد بأنه جهل من هو معروف عندهم "الرفع160/ 165". وإذا قال: "ليس بالقوي" يريد بها أن هذه الشيوخ لم يبلغ درجة القوي الثبت "الذهبي: الموقظة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 أحكامهم عن جهالة أو هوى. وآخر من ترجم له في التقدمة ابن عمة أبيه1. أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي وأبوه أبو حاتم الرازي، حيث اعتمد ابن أبي حاتم عليهما في تصنيف كتابه، وقد أعاد هذه التراجم التي ذكرها في "تقدمة المعرفة" في مواضعها من كتاب الجرح والتعديل أيضا، لكنه أوجز فيها حين إعادتها. وفي بداية كتاب الجرح والتعديل شرح ابن أبي حاتم بعض ألفاظ الجرح والتعديل، وبين أنه استوعب الرواة حتى المهملين من الجرح أو التعديل رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم2، ويذكر أحيانا من ليست له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر في مواضع كثيرة وهم البخاري في كتابه "الضعفاء"، حيث ذكر رجالا لا يستحقون إدخالهم في الضعفاء3. أما تراجمه فتتضمن إسم الراوي وإسم أبيه وأحيانا إسم جده وكنيته ونسبته وبعض شيوخه وتلاميذه، وربما ساق رواية من مروياته أو أغفل ذلك، وينقل عادة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه, ويذكر علة الجرح أحيانا. ويحدد مكان الراوي بذكر البلدة التي يسكنها والرحلات التي قام بها وربما حدد السنة التي رحل فيها، وأحيانا يشير إلى صفات المترجم الخلقية والجسمية والعقلية كما يبين عقيدته خاصة إذا كانت مخالفة لعقائد أهل السنة، ويذكر مصنفاته إن كانت له مصنفات، وربما ذكر موقفه من بعض أحداث عصره ووظائف الرواة   1 ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل "ضمن أربع رسائل في علوم الحديث، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ص179. 2 ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، مجلد1، قسم1-37. وعد أبو غدة "الرفع ص160" سكوت ابن أبي حاتم وأبي حاتم وأبي زرعة عن الراوي توثيقا له مستدلا بصنيع ابن حجر في كتبه وقوله عن بعض مترجميه "ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا". وأحسب أن ما استنتجه وسبقه إليها التهانوي كما صرح يتنافى مع تصريح ابن أبي حاتم: "رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم". 3 انظر ص115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 خاصة القضاة زيادة في التعريف بهم، وقلما يشير إلى طبقة المترجم، أو سنة وفاته فمن الصعب ضبط سني وفيات العدد الضخم من الرواة الذين ترجم لهم. ومعظم التراجم قصيرة تتراواح بين السطر والخمسة أسطر، ولكن هناك تراجم قليلة تميزت بالطول كترجمة سفيان الثوري التي استغرقت ثمانين سطرا، وكذلك بعض تراجم المشهورين من العلماء، ومعظمهم وردت تراجمهم في "تقدمة المعرفة". والكتاب مرتب على حروف المعجم، وقد نظم على أساس الحرف الول من الاسم ثم الحرف الأول من إسم الأب، ويتجاوز ذلك بتقديم الصحابة على غيرهم، وكذلك تقديم الاسم الذي يتكرر كثيرا على غيره. كما وصل إلينا كتاب "المنتخب من الإرشاد إلى علماء البلاد"1 لأبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي "ت446هـ" وقد قام بالانتخاب منه الحافظ السلفي، ويتراوح طول التراجم بين السطر الواحد والصفحة الكاملة ويسوق للمترجم حديثا من مروياته وقد رتبهم على أساس المدن. وقد انتقده الحافظ الذهبي فذكر أن "له فيه أوهام جمة كأنه كتبه من حفظه"2.   1 مخطوط في الرباط كتاني، 528 وقد اطلعت على نسخة مصورة عنه. 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 المصنفات في رجال الحديث المذكورين في الكتب والسنة وغيرها ... المصنفات في رجال الحديث المذكورين في الكتب الستة وغيرها: إن المصنفات الأولى في علم الرجال تتناول رواة الحديث بصورة عامة، دون أن تقتصر على رجال كتاب بعينه، وإن وجدت محاولة مبكرة للتصنيف في رجال أحد المحدثين وذك حين صنف مسلم بن الحجاج "ت261هـ" كتابه "رجال عروة" رغم أنه لم يقتصر عليه، بل ذكر رجال الزهري وغيره أيضا لكن أفراد رجال المحدثين الذين تناولهم وعدم خلطهم ببعضهم يمثل سابقة بين الدراسات الشاملة التي هي الطاب الغالب على مصنفات الرجال في هذه الفترة المبكرة، وقد ظل طاب الشمول هذا سائدا حتى بعد ظهور الكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الستة1 خلال القرن الثالث الهجري. وفي القرن الرابع الهجري بدأ التصنيف في رجال أحد كتب الحديث. "ولعل أبا زكريا يحيى بن زكريا بن مزيق القرطبي "ت255هـ" هو أقدم من ألف في هذا الفن في كتابه "التعريف برجال الموطأ"2 ثم أعقبه محمد بن وضاح "ت287هـ" في "تسمية رجال عبد الله بن وهب" وهو صاحب جامع ابن وهب"3. وبسبب ما حازه صحيح البخاري من مكانة وناله من قبول وانتشار اهتم به المصنفون في الرجال فألف بعضهم في رجال الصحيح، وأول من علمته صنف في ذلك: عبد الله بن عدي الجرجاني "ت360هـ" في كتابه "أسماء من روى عنهم البخاري" وصنف الدراقطني "ت385هـ" كتاب "ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته من الثقات عند البخاري"4. وأبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي "ت398هـ" "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد". وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي "ت474هـ" "كتاب التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح"5. ومحمد بن يحيى بن الحذاء التميمي "ت416هـ" كتاب "التعريف برجال الموطأ"6.   1 تطلق الكتب الستة على صحيحي البخاري ومسلم وسنن النسائي وأبي داود وابن ماجه وجامع الترمذي. 2 مخلوف: شجرة النور الزكية 1/ 181. 3 فهرسة ابن خير 223. 4 مخطوط في لالي 2089، يقع في 16 ورقة "سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 324". 5 مخطوط في نور عثمانية 766، ويقع في 188 ورقة "سزكين: تاريخ التراث العربي، ص342". 6 مخطوط في خزانة القرويين بفاس "الزركلي: المستدرك 2/ 235" وانظر قائمة لنوادر المخطوطات العربية في مكتبة جمعة القرويين بفاس. وهو تحت رقم 69 "ل80/ 118". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وأبو بكر أحمد بن علي بن منجويه الأصفهاني "ت428هـ" كتابا في رجال صحيح مسلم1. وأبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الجياني "ت498هـ" في كتابه "تسمية شيوخ أبي داؤد"2. و"رجال سنن النسائي"3. وفي نفس الوقت أخذ بعض المصنفين يجمع بين رجال البخاري ومسلم في مصنف واحد ولم يحدث أن جمع بين رجال غيرهما في هذه الفترة، ولعل اعتماد العلماء على الصحيحين وكون رجالهما جميعا من الثقات هو الذي حدا بالعلماء إلى الجمع بين رجالهما. وأول من علمته صنف في ذلك: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني "ت385هـ" في كتبه الثلاثة "رجال البخاري ومسلم"4 و"ذكر قوم ممن أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما وضعفهم النسائي في كتاب الضعفاء"5 و"أسماء الصحابة التي اتفق فيها البخاري ومسلم وما انفرد به كل منهما"6. ثم أبو نصر الكلاباذي "ت398هـ" في كتابه "الجمع بين رجال الصحيحين". ثم أبو عبد الله الحاكم النيسابوري "ت404هـ" في كتابه "رجال البخاري ومسلم".   1 مخطوط في مكتبة بلدية الإسكندرية 1245ب. ويقع في 210 ورقات "سزكين: تاريخ التراث العربي، ص562" وقد ذكر ابن القيسراني طريقته في ذكر الاسم وطرف من مشايخ المترجم الذين حدث عنهم، ومن رووا عنه مما ورد في صحيح مسلم فقط "ابن القيسراني: الجمع بين رجال الصحيحين 3-4". 2 مخطوط في لالي 281-9، ويقع في 26 ورقة "سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 388". 3 الذهبي: تذكرة الحفاظ 1233، ومخلوف: شجرة النور الزكية 1/ 123. 4 مخطوط في آصفية رجال 127، ويقع في 40 ورقة "سزكين 1/ 264". 5 منه ورقة مخطوطة في سراي أحمد الثالث 164/ 21 و9 ورقات في كوبريلي 40-4 "سزكين 1/ 364". 6 مخطوط في دار الكتب المصرية رقم "2" 8: 801، ويقع في 103 ورقات "سزكين 1/ 365". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ثم هبة الله بن الحسن اللالكائي "ت418هـ" في كتابه "رجال البخاري ومسلم" أيضا. ثم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "ت507هـ" في كتابه "الجمع بين رجال الصحيحين". "أما المصنفات التي تجمع بين رجال السنن الأربعة أو الكتب الخمسة أو الكتب الستة فقد ظهرت قريبا من ذلك حين صنف أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني الحافظ "ت425هـ" كتابا "فيه تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داؤد والترمذي والنسائي في مصنفاتهم عن الصحابة والتابعين إلى شيوخهم" ثم لم يقدم أحمد على تكرار المحاولة حتى فترة متأخرة1 حين صنف المقدسي الجماعيلي "ت600هـ" كتابه المشهور "الكمال في معرفة الرجال" وهو في رجال أصحاب الكتب الستة "الصحيحين والسنن الأربعة" وأشهر مصنفاتهم الأخرى، ومجموع الكتب مع الكتب الستة خمسة وعشرون مصنفا، وقد ظل كتاب الكمال أصلا لعدد كبير من المصنفات التي هذبته أو أضافت إليه طيلة القرون الثلاثة التالية على تصنيفه"2.   1 فهرسة ابن خير 222. 2 هذبة الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي في كتابه "تهذيب الكمال"، واختصر الحافظ الذهبي كتاب "تهذيب الكمال" في كتابه "الكاشف عن رجال الكتب الستة" وزاد الذهبي أيضا بعض الوفيات على تهذيب الكمال في كتابه "تذهيب التهذيب". وذيل على الذهبي مغلطاي "ت763هـ" في كتابه "إكمال تهذيب الكمال"، كما ولخص كتاب "تذهيب الكمال" كل من أحمد عبد الله الساعدي الخزرجي في كتابه "خلاصة التذهيب" وأبي العباس أحمد بن سعد العسكري "ت750هـ" وأبي بكر بن أبي المجد الحنبلي "ت804هـ" والحافظ الأندرشي والقاضي ابن شهبة الدمشقي "ت851هـ"، كما هذب ابن حجر العسقلاني "ت852هـ" كتاب "تهذيب الكمال" في كتابه "تهذيب التهذيب" فأجاد وأحسن. ويقع في تهذيب التهذيب في 12 مجلدة، ويضم تراجم رجال أصحاب الكتب الستة في الحديث، وقد رتبهم على حروف المعجم. وقد اقتصر ابن حجر على ما يفيد الجرح والتعديل خاصة وحذف من "تهذيب الكمال" ما طال به الكتاب من الأحاديث التي يخرجها الحافظ المزي من مروياته = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وقبل أن أتناول ما بقي من هذه المصنفات سأصف كتاب "رجال عروة"1 لمسلم بن الحجاج "ت261هـ" فقد مثل المحاولة الأولى لجمع رجال محدث واحد في موضع واحد، وقد ذكر مسلم رجال عروة بن الزبير "ت93هـ" ورجال جماعة من التابعين ومن بعدهم. وهو يذكر شيوخ عروة كما يذكر تلاميذه، ويتنوع أسلوب عرضه للشيوخ والتلاميذ فمرة على الطبقات وأخرى.   = العالية، ويبلغ جملة المحذوف نحو ثلث الكتاب، كما حذف أسماء بعض شيوخ صاحب الترجمة والرواة عنه، كما حذف منه ثلاثة فصول الأول في شروط الأئمة الستة والثاني في السيرة النبوية "انظر تهذيب التهذيب 1/ 7-8" والثالث في "الحث على الرواية عن الثقات" ولم يحذف أية ترجمة من "تهذيب الكمال" بل زاد فيهم من هو على شرطه. وقد ذكر الحافظ المزي أن ما لم يذكر له إسنادا في كتابه فما كان بصيغة الجزم فهو مما لا يعلم بإسناده إلى قائله المحكي عنه بأسا وما كان بصيغة التمريض فربما كان في إسناده نظر "1/ 7" وتبدأ الترجمة في "تهذيب التهذيب" عادة بذكر الرموز الدالة على من خرج له من أصحاب الكتب الستة وقد شرحت هذه الرموز في مقدمة الكتاب "ص5-6" ثم التعريف بالراوي بذكر نسبه وكنيته ونسبته ثم شيوخه ثم الرواة عنه وقد كان الحافظ المزي قد رتبهم على حروف المعجم فأعاد ابن حجر ترتيبهم حسب قدم رواية المترجم عنهم أو روايتهم عنه، مقتصرا على المهمين منهم كما صرح بذلك في مقدمته للكتاب ثم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه ثم ذكر تاريخ وفاته إن عرف. وقد اعتمد كل من صاحب الكمال وصاحب تهذيب الكمال على مجموعة كبيرة من كتب علم الرجال المتنوعة وكتب الحديث والتفسير والأنساب والآداب والأخبار التي توفرت لهم فاقتبسوا منها مباشرة دون ذكر إسنادهم إليها. وإذ علمنا أن معظم هذه المؤلفات أصبحت مفقودة في عصرنا أدركنا قيمة هذه النقول التي حفظها لنا هذا الكتاب عنها. ولا شك أنه بذلك أصبح يغني عن كثير من المؤلفات التي سبقته في تناول رجال أصحاب الكتب الستة. وقد ألف ابن الملقن كتاب "إكمال تهذيب الكمال" ذكر فيه تراجم رجال ستة كتب وهي مسند أحمد وصحيح ابن خزيمة وابن حبان وسنن الدارقطني ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي الكبرى. 1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "مجموع 55 "139"" وهو رسالة صغيرة تقع في 15 ورقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 على النسب وثالثة على المدن. ففي شيوخ عروة ذكر أولا الصحابة ثم سائر الناس، وفي تلاميذه ذكر من روى عنه من أهل المدينة ثم من أهل مكة ثم من أهل البصرة ثم من سائر البلدان. وفي شيوخ الزهري قسمهم إلى الصحابة ثم ابناء العشرة ثم ابناء المهاجرين ثم القرشيين ممن لآبائهم صحبة ثم أفناء القبائل ثم العوالي، وعندما ذكر تلاميذ شعبة بن الحجاج قسمهم إلى عشر طبقات عدا الغرباء الذين قسمهم بدورهم إلى ثلاث طبقات. وهكذا مزج عدة أسس في تنظيم كتابه. ولئن كانت هذه المحاولة تستهدف جمع رجال محدث في مكان، فقد استهدفت الكتب التي ظهرت في القرن الرابع الهجري جمع رجال كتاب من كتب الحديث في مصنف واحد. وقد بقي من المصنفات التي تناولت رجال الحديث المذكورين في أحد كتب الحديث كتاب "أسامي من روى عنهم البخاري"1 لابن القطان عبد الله بن عدي الجرجاني "ت360هـ" وهو في شيوخ البخاري الذين ذكرهم في الصحيح وقد رتبهم على حروف المعجم وذكر أنسابهم وبلدانهم وبعض أخبار المشهورين منهم ومكانتهم في العلم، وبدأه بترجمة البخاري نفسه وهي ترجمة مستفيضة استغرقت ست صفحات. ويتراوح طول التراجم بين السطر الواحد إلى الثلاثين سطرا. وقال في آخره "فجميع شيوخه الذين في جامعه مائتان وتسعة وثمانون شيخا". كما بقي أيضا كتاب "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد"2 لأبي نصر الكلاباذي "ت398هـ" وهو في رجال البخاري الذين أخرجهم في الصحيح. ومما بقي من هذه المصنات كتاب "تسمية من أخرجهم الإمامان   1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية حديث 389، ويقع في 19 ورقة. 2 مخطوط في دار الكتب المصرية نسختان الأولى في مجلد يقع في 215 ورقة قياس 17×13.5سم رقم "16" والثانية في مجلد يقع في 381 قياس 21×15.5سم رقم "76" وأنظر عن نسخة الخطية الأخرى، سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 533. ومنه نسخة متأخرة نسخت سنة 1244هـ في المكتبة العامة بالمدينة المنورة تقع في 390 ورقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما"1 لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري "ت404هـ" والكتاب في رجال الصحيحين وقد رتبه على حروف المعجم واجتهد في اختصاره، وقد ذكر الصحابة أولا وقدم العشرة المبشرة منهم ثم سرد بقيتهم على حروف المعجم ثم ذكر النساء الصحابيات، فلما انتهى من ذكر الصحابة والصحابيات ذكر التابعين وأتباع التابعين ومن تلاهم ثم النساء التابعيات ومن تلاهن، ثم عقد فصلا تحت عنوان "ذكر مشايخ لأبي عبد الله البخاري" ونجد في هذا الكتاب نوعا من الترتيب على القبائل, ولكن ضمن الحرف الواحد كما يقدم البدريين على غيرهم، وربما قدم القريشيين على الأنصار ضمن الحرف الواحد أيضا، إلا أنه لا يلتزم ذلك دائما. "وبقي أيضا كتاب "رجال صحيح مسلم"2 لابن منجويه "ت428هـ" وأوله: "ذكر رجال أوردهم أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الحافظ، واحتج بهم في المسند الصحيح، وكيفية روايتهم والرواة عنهم". وقد رتب التراجم على حروف المعجم، ويذكر عادة اسم الراوي ونسبه ونسبته، وسنتي مولده ووفاته، وشيوخه، والأبواب التي وردت فيها روايته في صحيح مسلم، وأحيانا يذكر له حديثا أو يذكر الرواة عنه، ويخلو من الجرح والتعديل، ويتراوح طول الترجمة بين سطرين وخمسة وعشرين سطرا. ويرى الحافظ ابن حجر أن دأب ابن منجويه أن ينقل كلام ابن حبان برمته ولا يعزوه إليه3. وبقي أيضا كتاب "التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح"4 لأبي الوليد الباجي الأندلسي "ت474هـ".   1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية "حديث 388". 2 نسخة دار الكتب البلدية بالإسكندرية، وتقع في 216 ورقة ذات وجهين. 3 تهذيب التهذيب 11/ 220. 4 توجد منه نسخة مشكولة كتبت سنة 709هـ تقع في 188 ورقة "نور عثمانية 766، ف834". انظر: لطفي عبد البديع: فهرست المخطوطات المصورة "التاريخ" 1/ 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وقد رتب الباجي تراجم كتابه على حروف المعجم، ووضح منهجه في المقدمة فقال: "أما بعد فإنك سألتني أن أصنف لك كتابا آتي فيه بأسما من روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه من شيوخه ومن تقدمهم إلى الصحابة "رضي الله عنهم" وأثبت فيه ما صح عندي من كناهم وأنسابهم وما ذكره العلماء من أحوالهم.. وأنا إن شاء الله آتي بما شرطته في أسماء الرجال على حروف الهجاء بالتأليف المعتاد في بلدنا .... " ثم ذكر أسانيده إلى الكتب التي اعتمدها في تأليفه وهي صحيح البخاري وتاريخ البخاري وصحيح مسلم وعن الكلاباذي وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيساوري وابن عدي وتاريخ أبي حفص الفلاس وتاريخ ابن معين وتاريخ أبي العباس الأبار، وما وقع له خلال مذكراته للمحدثين أو سؤاله لأبي ذر عبد بن أحمد الهروي ومحمد بن علي الصوري والخطيب البغدادي وأبي النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي. وقدم بين يدي التراجم أبوابا ومقدمات في منهج معرفة الجرح والتعديل، وقد استغرقت المقدمة 7 ورقات ثم ترجم للإمام البخاري ترجمة طويلة، ثم ساق تراجم كتابه، ويذكر عادة اسم صاحب الترجمة ونسبه، والكتب التي أخرج فيها البخاري حديثه في صحيحه، وبعض شيوخه وأقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، وسنة وفاته. وآخر ما وصل إلينا من هذه المصنفات كتاب "الجمع بين رجال الصحيحين"1 لأبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي المعروف بابن القيسراني "448-507هـ". وقد جمع فيه كتابي "الهداية وافرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد" للكلاباذي و"رجال مسلم" لابن منجويه الأصفهاني باستدراك ما أغفلاه واختصار ما يستغنى عنه من التطويل. وقد ذكر طريقته في مقدمة كتابه وأنه مزج بين رجال صحيحي البخاري ومسلم مع ذكر ما انفرد به كل واحد منهما2. والكتاب مرتب على حروف المعجم.   1 الطبعة الأولى بمجلدين، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية حيدر آباد الدكن 1323هـ. 2 ابن القيسراني: الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كتب معرفة الأسماء : اشتهر بعض الرواة بألقابهم أو كناهم فورد ذكرهم في أسانيد الأحاديث دون التصريح بأسمائهم أو بالتصريح بها مرة وإغفالها والاكتفاء باللقب أوالكنية مرة أخرى، ولئلا يقع الالتاس ويظن أن الشخص الواحد المذكور مرة بكنيته وأخرى باسمه هو شخصان وجدت مصنفات تختص ببيان إسم من عرف بكنيته أو بلقبه أو على العكس تبين كنية أو لقب من عرف باسمه، وهذه هي كتب الأسماء والكنى والألقاب . وكذلك فإن كثرة رواة الحديث أدى إلى وقوع التشابه والاتفاق في أسمائهم وكناهم ونسبتهم إلى القبيلة أو البلدة أو الصناعة، ومن أجل منع وقوع الالتباس وجدت كتب للتمييز بين المتشابه أو المتفق من الأسماء والكنى والألقاب، وهي كتب المتفق والمفترق، ويقصد بالمتفق والمفترق، أن يتفق اثنان فأكثر من الرواة في الاسم الواحد لفظا وخطا مثل الخليل بن أحمد اشترك فيه ستة. ومثل أحمد بن جعفر بن حمدان اشترك فيه أربعة من عصر واحد1. ولنفس الغرض وجدت كتب المؤتلف والمختلف، ويقصد بالمؤتلف والمختلف ما اتفق خطا واختلف لفظا مثل سلام وسلام، وأبو عمرو السيباني وأبو عمرو الشيباني وأبو حمزة وأبو حمرة2. وكذلك وجدت كتب في المتشابه وهو أن يتشابه الراويان في الإسم والنسب ويتمايزان بالتقديم والتأخير في الأب والابن مثل يزيد بن الأسود والأسود بن يزيد3 وتبدو صعوبة التمييز بين الأسماء المتشابهة أو المتفقة عندما يعيش الاثنان في عصر واحد ويرويان عن نفس الشيوخ مثل أبوحمزة وأبو حمرة   1 ابن الصلاح: المقدمة 149. 2 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 2/ ق28. ابن الصلاح: المقدمة 149. 3 ابن الصلاح: المقدمة 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 كلاهما روى عن ابن عباس1، وقد ذكر الرامهرمزي أن عدد من يكنى بأبي صالح ممن اشتركوا في الرواية عن أبي هريرة رضي الله عنه عشرون أو نحوها2. ولا شك أن الممارسة الطويلة هي التي أكسبت المحدثين خبرة ودراية تمكنهم من التمييز بين الأسماء. وقد تنوعت المصنفات في معرفة الأسماء وتفنن المصنفون في ذلك كثيرا فمنها مصنفات في "الأسماء والكنى والألقاب" وكان ظهور هذه المصنفات مبكرا جدا واكب بداية التصنيف في علم الرجال مما يدل على بروز مشكلة ضبط الأسماء وتمييزها منذ هذه الفترة المبكرة ثم بعد حوالي النصف قرن من ظهور هذه المصنفات وجدت كتب "المؤتلف والمختلف" وفي فترة متأخرة نسبيا خصص الخطيب البغدادي مصنفا في "المتفق والمفترق" وآخر في "المتشابه" وهكذا ازداد تفنن العلماء في تنويع المصنفات على مر الزمن.   1 الطبعة الأولى، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1360هـ. 2 مخطوط في دار الكتب المصرية "221 طلعت" 76 ورقة قياس 25×17سم، وتوجد منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق "2582" ونسخة ثالثة في شهيد علي بتركيا "1931" ورابعة في باتنة بالهند أيضا 2: 538 رقم 2898. وذكر سزكين وجود نسخة أخرى في مكتبة أحمد الثالث 2969-3 وتقع في 60 ورقة "تاريخ التراث العربي, ص369". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كتب الأسماء والكنى والألقاب : صنف في ذلك علي بن المديني "ت234هـ" كتاب "الكنى". وأحمد بن حنبل "ت241هـ" كتاب "الأسماء والكنى". ومحمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" كتاب "الكنى"1 وهو جزء من التاريخ الكبيرللبخاري، ومعظمه فيمن عرف بكنيته ولم يعرف إسمه وقد رتب الكنى على حروف المعجم. ومسلم بن الحجاج النيسابوري "ت261هـ" كتاب "الكنى والأسماء"2.   1 الطبعة الأولى، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1360هـ. 2 مخطوط في دار الكتب المصرية "221 طلعت" 76 ورقة قياس 25×17سم، وتوجد منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق "2582" ونسخة ثالثة في شهيد علي بتركيا "1931" ورابعة في باتنة بالهند أيضا 2: 538 رقم 2898. وذكر سزكين وجود نسخة أخرى في مكتبة أحمد الثالث 2969-3 وتقع في 60 ورقة "تاريخ التراث العربي, ص369". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ومعظمه فيمن عرفت كنيته وإسمه. ويرى أبو أحمد الحاكم الكبير أنه منقول من كتاب الكنى للبخاري1. وأبو عبد الله محمد بن أحمد المقدمي "ت301هـ" كتاب "أسماء المحدثين وكناهم"2. والنسائي "ت303هـ" كتاب "الكنى". وأبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني "ت318هـ" في "الأسامي والكنى"3. وابن الجارود "ت320هـ" في "الأسماء والكنى" - ستة عشر جزءا4. وأبو بشر الدولابي "ت320هـ" كتاب "الكنى والأسماء"5 وقد رتبه على حروف المعجم وفصل الصحابة عن التابعين. ويذكر أحيانا الجرح والتعديل، وقد يسوق لبعضهم أثرا. وابن أبي حاتم الرازي "ت327هـ" ضمن كتابه "الجرح والتعديل". ومحمد بن حبان البستي "ت354هـ" في كتابين هما "أسامي من يعرف بالكنى" و"كنى من يعرف بالأسماء"6. وأبو الحسن محمد بن عبد الله زكريا بن حيوية "ت366هـ" في كتابه "من   1 ابن حجر: تهذيب التهذيب 5/ 358. 2 مخطوط في المتحف البريطاني ثاني 717 "انظر بروكلمان: تأريخ الأدب العربي ج3/ 221 وسزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 419". 3 السمعاني: التحبير ترجمة رقم89. 4 ابن خير: فهرست 213. 5 طبع في مجلدين مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن 1322هـ. 6 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، ص170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة"1 ويقع في 19 ورقة ويذكر كنية الصحابي ويعرف بإسمه ثم يخرج من طريقه حديثا بإسناده إليه ثم يذكر كنية زوجه ويعرف بإسمها ويخرج من طريقها حديثا، وربما اكتفى بالتعريف بإسمها دون تخريج حديث عنهما. وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي "ت367هـ" كتاب "تسمية من وافق إسمه إسم أبيه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المحدثين"2. وأبو أحمد الحاكم الكبير النيسابوري "ت378هـ" كتاب "الكنى" ويرى حاجي خليفة أنه من أحسنها ترتيبا3. وقد وصل إلينا بعضه4 وفيه معلومات قيمة في الجرح والتعديل وسرد الآثار. واقتفى في الترتيب كتاب الإمام مسلم. وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني "ت396هـ" كتاب الأسماء والكنى5. و"فتح الباب في الكنى والألقاب"6. وأبو الوليد بن الفرضي "ت403هـ" كتاب "مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب".   1 نشرها محمد حسن آل ياسين في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مجلد 47، الجزء الرابع، سنة 1972م. وقد ألف السيوطي كتابا بنفس العنوان "حسن المحاضرة 1/ 340 و894 وكشف الظنون وهو مخطوط ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط". 2 مخطوط في ليدن 1087 "انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 226"، ويقع في 8 صفحات. 3 حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 87. 4 يوجد منه مجلد في مكتبة الجامع الأزهر يشتمل على عدة أجزاء تبتدئ من أثناء الجزء الثاني وتنتهي بأول الجزء الثامن عشر وتقع في 311 ورقة، كما يوجد منه فيها أيضا الجزء الثاني بخط العلامة عبد العظيم المنذري ويقع في 42 ورقة "أنظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/ 265". 5 الكتاني: الرسالة المستطرفة 121. 6 مخطوط في برلين رقم 9917 "بروكلمان: تارخ الأدب العربي 3/ 229 ولكنه نسبه لأبي القاسم عبد الرحمن بن منده" وذكر سزكين أن نسخة برلين تقع في 299 ورقة "تاريخ التراث العربي1/ 530" ولعل الأوراق الـ17 في تشستربتي 5165/ 2 هي منه "سزكين 1/ 530". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وأبو عبد الله الحاكم النيسابوري "ت404هـ" كتاب "الكنى والألقاب". وأبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي "ت441هـ" كتابه "الألقاب والكنى". وأبو الفضل علي بن الحسين الفلكي "ت427هـ" كتاب "منتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال". وابن عبد البر القرطبي "ت463هـ" كتاب "الاستغناء في معرفة الكنى" ويتضمن ثلاثة كتب هي: "من عرف من الصحابة بالكنية ولم يوقف له على إسم أو اختلف فيه" وكتاب "أسماء المعروفين بالكنية من التابعين ومن بعدهم" وكتاب "من لم يوقف له منهم على إسم ولا عرف بغير كنية"1.   1 والكتب الثلاثة المذكورة مخطوطة في مكتبة جامعة القرويين بفاس وهي من النوادر ألفها بعد الاستيعاب لأنه يحيل عليه وهي تحت رقم 287 "ق143" ضمن مجموع "انظر: قائمة لنوادر المخطوطات العربية في مكتبة جامعة القرويين بفاس" وقد حققه الدكتور عبد الله سرحول السوالمة ونال به درجة الدكتوراة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 كتب المؤتلف والمختلف : صنف ذلك أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري "ت382هـ" كتاب "تصحيفات المحدثين"1. والدارقطني "ت385هـ" كتاب "المؤتلف والمختلف"2. وأبو الوليد عبد الله بن محمد القرطبي المعروف بابن الفرضي "ت403هـ" كتابا "المؤتلف والمختلف" و"مشتبه النسبة".   1 حققه ونشره الدكتور محمود الميرة. 2 مخطوط في المكتبة التميورية 546/ تاريخ، ص358، ف568 "انظر لطفي عبد البديع: فهرست المخطوطات المصورة "التاريخ" 1/ 241". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وعبد الغني بن سعيد الأزدي "ت404هـ" كتابين هما "المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال" و"مشتبه النسبة"1. وأبو سعد أحمد بن محمد الماليني "ت412هـ" كتاب "المؤتلف والمختلف". وأبو القاسم يحي بن علي الحضرمي المعرف بابن الطحان "ت416هـ". وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري "ت432هـ". وأبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد الماماني "ت436هـ" في "المختلف والمؤتلف في الأسماء"2. والخطيب البغدادي "ت463هـ" كتاب "المؤتلف تكملة المختلف". والأمير ابن ماكولا "ت475هـ" كتابين هما "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب"3 و"تهذيب مستمر الأوهام على ذوي التمني والأحلام". والحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني "ت498هـ" كتاب "تقييد المهمل وتمييز المشكل"4 وهو في ضبط أسماء رجال الصحيحين.   1 طبع في آله آباد بالهند 1327هـ بعناية محمد محي الدين الجعفري الزيني. 2 كحالة: معجم المؤلفين 2/ 79. 3 طبع منه ستة أجزاء، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند. 4 مخطوط في مكتبة خدابخش بتنة بالهند 2896، ف3097 ويقع في 189 ق8×14سم "انظر فهرست المخطوطات المصورة 2/ 116". وتوجد نسخة أخرى منه في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء 10 مصطلح الحديث "انظر: قائمة بالمخطوطات العربية المصورة بالمايكروفيلم ص12" ومنه نسخة ثالثة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة جامعة الرياض تحت رقم1321. ومنه نسخة رابعة في عهد المخطوطات أيضا مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة تحت رقم 11 أصول الحديث وتضم الجزء السابع إلى العاشر وتقع في 135 ورقة. ومنه نسخة في مكتبة الجامع الكبير بمكناس في آخرها نقص تحت رقم 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وأبو المظفر محمد بن أحمد الأببوردي "ت507هـ" كتاب "المختلف والمؤتلف". وأبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "ت507هـ" كتاب "المؤتلف والمختلف من الأسماء"1 وهو فيما اتفق في الخط وتماثل في النقط والضبط، ويرى مصنفه أنه أول مصنف من نوعه2.   1 طبع في ليدن بعنوان "الأنساب المتفقة" بعناية دي غويه. 2 محمد بن طاهر المقدسي: الأنساب المتفقهة 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 كتب المتفق والمفترق والمتشابه : ظهرت المصنفات في هذا الفن متأخرا حيث كان أول من صنف فيه أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي "ت382هـ" في كتابيه "المتفق والمفترق"1 و"المفترق الكبير" والأخير في ثلاثمائة جزء2 ثم تلا الخطيب البغدادي "ت463هـ" حيث صنف في المتفق والمفترق كتاب "المتفق والمفترق"3وكتاب "موضح أوهام الجمع والتفريق"4 وفي المتشابه كتابين هما "تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم"5، والآخر "تالي التلخيص".   1 السمعاني: التحبير ترجمة رقم 72 والذهبي: تذكرة 3/ 1014. 2 الذهبي: تذكرة 3/ 1014. 3 لخصه أبو القاسم بن الفراء، يقع في 140 ورقة ذات وجهين مخطوط في المكتبة الأزهرية تحت رقم "134" 9017. بها خرم في أولها وتبتدئ بمن إسمه إبراهيم بن عدي. منسوخة سنة 640هـ. 4 طبع في مجلدين، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1378هـ - 1959م. 5 مخطوط في دار الكتب المصرية، 31 "انظر: فهرست المخطوطات، المجلد الأول، مصطلح الحديث، ص138". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 تواريخ الوفيات ... تورايخ الوفيات: اهتم المحدثون بمعرفة سني وفيات الرواة فكانت المصنفات المختلفة في علم الرجال تتضمن ذكر سني الوفيات ينطبق ذلك على كتب معرفة الصحابة وطبقات المحدثين وكتب الجرح والتعديل وغيرها من كتب الرجال، وقد ظهرت مصنفات خاصة في الوفيات منذ أواخر القرن الثالث الهجري1 مما يدل على زيادة العناية بضبط سني الوفيات لما لها من أهمية في نقدد إسناد الحديث. وقد استطاع النقاد عن طريق معرفة وفيات الرواة أن ينقدوا كثيرا من الروايات ويفضحوا الكذابين الذين وضعوها ولولا معرفة سني الوفيات لما استطاعوا نقدها مثلا ذلك "أن المعلى بن عرفان قال حدثنا أبو وائل2 قال خرج علينا ابن مسعود بصفين، فقال أبو نعيم3: أتراه بعث بعد الموت"4 فأبو نعيم الفضل بن دكين كان يعرف أن عبد الله بن مسعود توفي سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاث سنين، فلا يمكن أن يشترك في صفين التي حدثت سنة سبع وثلاثين وبهذا تبين له كذب المعلى بن عرفان. وهاك أمثلة كثيرة أخرى على استخدام سني الوفيات في نقد الإسناد وبيان ما فيه من انقطاع أو إرسال من ذلك أو سهيل بن ذكوان روى عن عائشة وزعم أنه لقيها بواسط ولما كانت وفاة عائشة رضي الله عنها قبل أن يخط الحجاج مدينة واسط بزمن طويل5 كما أنها لم تمر بمنطقة واسط فقد تبين كذبه. وكثيرا ما افتضح الكذابون بسبب ضبط النقاد لسني الوفيات ومحاسبتهم بها.   1 انظر: موارد الخطيب 404. 2 أبو وائل هو شقيق بن سلمة "ت79هـ" أنظر البخاري: تاريخ مجلد 2، قسم 2/ 246. 3 أبو نعيم الفضل بن دكين أحد كبار المحدثين الكوفيين "ت206هـ". 4 مسلم: مقدمة الصحيح 1/ 26. وانظر السخاوي: الاعلان، 391-392. 5 السخاوي: الإعلان، 390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 سأل إسماعيل بن عياش رجلا في أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة ثلاث عشرة ومائة. فقال إسماعيل بن عياش: إنك تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين1. وقيل لسفيان بن عيينة: قدم إنسان من أهل بخارى وهو يقول حدثنا ابن طاووس؟ فقال: سلوه ابن كم هو؟ قال: فسألوه. فنظروا فإذا ابن طاووس مات قبل مولده بسنتين2. وروى أبو عبد الله الحاكم قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد وسألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين فقلت لأصحابنا سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة"3. وقد فطن نقاد الحديث إلى هذه الطريقة في نقد الإسناد في فترة مبكرة فقال سفيان الثوري "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"4. وقال حفص بن غياث "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين يعني احسبوا سنة وسن من كتب عنه"5. وقال حسان بن زيد "لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ: كم سنة؟ وفي أي تاريخ ولد؟ فإن أقر بمولده عرفنا صدقة من كذبه"6.   1 ابن الصلاح: مقدمة، 154. وانظر السخاوي: الاعلان، 390. 2 الخطيب: تاريخ بغداد 6/ 327. 3، 4 ابن عساكر: تهذيب تاريخ ابن عساكر 1/ 25؛ ابن الصلاح: المقدمة، 154؛ وانظر نموذجا آخرا في تاريخ بغداد للخطيب 14/ 100. العراقي: فتح المغيث 4/ 133؛ السخاوي: الاعلان، 390؛ السيوطي: الشماريخ في علم التاريخ، 8. 5 ابن عساكر: تهذيب تاريخ ابن عساكر 1/ 25-26. وعزاه السيوطي إلى حماد بن زيد بن حسان المذكور. انظر: الشماريخ في علم التاريخ، 8. 6 ابن عساكر: تهذيب تاريخ ابن عساكر 1/ 26 وانظر السخاوي: الاعلان، 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وكان أئمة الحديث يسعون في ضبط وفيات الرواة ويسألون عنها كما يسألون عن الحديث وليس أدل على اهتمامهم مما أخبر به الحسن بن الربيع قال "قدمت بغداد فلما خرجت شيعني أصحاب الحديث فلا برزت إلى الخارج قالوا: توقف فإن أحمد بن حنبل يجيء فقعدت وأخرجت ألواحي فلما جاء أحمد قال لي: في أي سنة مات عبد الله بن المبارك؟ فقلت: سنة إحدى وثمانين. فقيل له: ما تريد بهذا؟ فقال أريد الكذابين"1. ورغم أن الأهمية الأولى لضبط سني الوفيات هي في معرفة ما في سند الحديث من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي2 إلا أن هناك فوائد أخرى من معرفة سني وفيات الرواة إذ تفيد في تمييز المؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق من الأسماء والانتسابات، إذ يحدث التباس أحيانا في بعض الأسماء أو في النسبة مثال نسبة الحافظ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وهي "جريري المذهب" فقد يلتبس الأمر فيظن أن هذه النسبة إلى محمد بن جرير الطبري مع أنها إلى حريز بن عثمان وقد حدث في النسبة تصحيف، وإنما أمكن معرفة ذلك لأن سنة وفاة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني تجعله في طبقة شيوخ الطبري فلا يمكن أن ينتسب إليه3. وكذلك يحدث توهم أحيانا فيظن أن أحمد بن نصر الهمذاني هو أحمد بن نصر الداودي نفس، ويزول الوهم ويميز بين الاثنين عندما تعلم أن سنة وفاة الأول هي سبع عشرة وثلاثمائة والثاني توفي سنة اثنين وأربعمائة4. فلأهمية سني الوفيات في نقد إسناد الحديث أولا وفي التمييز بين المؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق اعتنى العلماء بضبطها، حتى خصصوا مصنفات كاملة لها، ومع شدة اعتنائهم بها فقد فاتهم ضبط وفيات الكثير من الصحاب والتابعين والأتباع فقد كان من الصعوبة حفظ هذه الوفيات في الفترة المبكرة لعدم تقييدها   1 ابن عساكر: تهذيب تاريخ ابن عساكر 1/ 26. وانظر السخاوي: الاعلان، 454. 2 السخاوي: الاعلان، 386. 3، 4 المصدر السابق، 392. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فلما ظهرت المصنفات في الرجال كانت سني وفيات الكثيرين من المتقدمين قد جهلت وكلما تأخر أصحا التراجم كلما كانت نسبة ضبط وفياتهم أكثر وقد أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي1، ويؤيد قوله التفاوت الكبير بين نسبة ذكر الوفيات في التاريخ الكبيرللبخاري مثلا حيث اهتم أكثر من سابقيه ومعاصريه بالوفيات ومع ذلك فلا تزيد النسبة على خمسة بالمائة في حين تبلغ هذه النسبة في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي خمسين بالمائة2.   1 الذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 17. 2 انظر وصف كتاب التاريخ الكبيرللبخاري مع مصنفات الجرح والتعديل. وانظر عن نسبة ذكر الوفيات في تاريخ بغداد روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، هامش ص25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 المصنفات في الوفيات : صنف في ذلك: عبد الباقي بن قانع البغدادي "ت351هـ" كتاب "الوفيات" انتهى فيه إلى سنة 346هـ1. ومحمد بن عبد الله بن زبر الربعي الدمشقي "ت379هـ" كتاب "تأريخ موالد العلماء ووفياتهم"2 وقد ذكر السخاوي أنه ابتدأه من سنة الهجرة إلى سنة 338هـ3. والخطيب البغدادي "ت463هـ" كتاب "السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد"4.   1 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 701. 2 مخطوط في المتحف البريطاني ثاني 1620 "انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 227" وشرقيات 1019 ويقع في 82 ورقة "سزكين: 1/ 504". 3 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 701. 4 مخطوط في دار الكتب المصرية رقم 381 مصطلح الحديث ويقع في 148 صفحة، وقد اطلعت عليه. وقد ألف الحافظ الذهبي كتابا بعنوان: "التلويح بمن سبق ولحق" وهو مفقود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وأبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكناني الدمشقي "ت466هـ" في الذيل على وفيات ابن زبر. ابتدأه من سنة 338 وانتهى إلى سنة 462هـ1. وأبو القاسم عبد الرحمن بن منده "ت470هـ" كتاب الوفيات، قال الحافظ الذهبي لم أر أكثر استيعابا منه1. وأبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني "ت524هـ" كتاب "جامع الوفيات" وهو ذيل على الكناني2. ابتدأه من سنة ثلاث وستين وأربعمائة وانتهى في سنة خمس وثمانين وأربعمائة3.   1 الكتاني: الرسالة المستطرف، 211. 2 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 701. 3 منهما نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية رقم 505. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 تواريخ الرجال المحلية 1: كانت المصنفات الأولى في الرجال شاملة لا تقتصر على رجال مدينة واحدة ثم ظهر في النصف الثاني من القرن الثالث الاهتمام بالتصنيف في رجال المدينة الواحدة، ومن الطبيعي أن يكون المصنف في رجال المدينة من سكانها أنفسهم، ولا شك أن العالم من ابناء المدينة يكون ذا معرفة برجالها لاختلاطه بالمعاصرين له, ونقله عن تلاميذ الذين سبقوه منهم، وهذا يجعله قادا على التعريف برجال الحديث في بلده أكثر من غيره، ولذلك فإن التواريخ المحلية غالبا ما تكون أدق في معلوماتها عن علماء البلدة من المصنفات الشاملة في الرجال وقد اعتبر التعرف على شيوخ البلدة ورواياتهم من أول ما تجب معرفته على طالب الحديث في ذلك البلد2. وقد لقيت التواريخ الخاصة بمدينة واحدة عناية من شيوخ الحديث وطلابه فكان بعضها يدرس في حلقات العلم3.   1 راجع عن مزايا الترتيب على المدن فصل أسس تنظيم كتب علم الرجال. 2 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 214. 3 ياقوت: معجم الأدباء 1/ 246. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ورغم أن المفاخرات المحلية لعبت دورا في ظهور وتواريخ المدن1 إلا أنه لا يمكن تناسي أن الحافز الأصلي هو الرغبة القوية في خدمة علم الحديث عن طريق التعريف بالرواة ومواطنهم. وهذه قائمة بأسماء ما صنف في تواريخ الرجال المحلية2: سعيد بن كثير بن عفير المصري "ت226هـ"3. أبو علي محمد بن علي بن حمزة الفراهيناني "ت247هـ" في كتاب "التاريخ في رجال المحدثين بمرو"4. وأبوالحسن أحمد بن سيار بن أيوب المروزي "ت268هـ" في كتابه "أخبار مرو"5. وابن ماجه القزويني "ت273هـ" في "تاريخ قزوين"6.   1 أنظر فصل أسس تنظيم كتب علم الرجال. 2 أورد السخاوي قائمة طويلة باسماء التواريخ المحلية دون أن يميز تواريخ الرجال المحلية عن غيرها من التواريخ المحلية التي تتناول خطط المدن وأخبارها أو تاريخها السياسي, وبالطبع فإن من الصعوبة التمييز بين ما فقد منها إلا إذا وردت إشارات عند السخاوي أو حاجي خليفة أو غيرهما من المصنفات التي تقدم قوائم بذلك، أو عن طريق جمع المقتطفات التي اقتبستها المصادر الأخرى عنها، وقد أفدت من هاتين الوسيلتين معا في تحديد طبيعتها وتمييزها. أما التواريخ المحلية التي وصلت إلينا فقد رجعت إليها. ومن ثم فإن القائمة التي أقدمها تقتصر على اسماء تواريخ المدن التي تتناول المحدثين دون سواها من تواريخ المدن التي تتعلق بالطوبوغرافية أو التاريخ السياسي. 3 فهرسة ابن خير، 228، والاعلان بالتوبيخ، 153. 4 السمعاني: الأنساب، ق421ب. 5 الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 188؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 560؛ والسبكي: طبقات الشافعية 2/ 183 "ط. الطناحي"؛ والسخاوي: الإعلان، 644؛ والعسقلاني: تهذيب التهذيب 1/ 35. 6 الكتاني: الرسالة المستطرفة، 133، ولعله التاريخ الذي أشار إليه ابن كثير وقال إنه تاريخ كامل من لدن الصحابة إلى عصره "البداية والنهاية 11/ 52". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وأبو الحسن أسلم بن سهل = بحشل الواسطي "ت288هـ" في "تاريخ واسط"1. وأبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي "ت394هـ" في "تاريخ بلخ"2. وأحمد بن محمد بن عيسى البغدادي "القرن الثالث" في "تاريخ الحمصيين"3. وأبو رجاء محمد بن حمدوية السنجي الهورقاني "ت306هـ" في "تاريخ المراوزة"4. ومحمد بن عقيل بن الأزهر "ت316هـ" في "تاريخ بلخ"5. وأبو عروبة الحسين بن محمد بمن مودود الحراني "ت318هـ" في مؤلفاته "تاريخ حران"6 و"كتاب الجزيرة"7 و"كتاب الرقة"8.   1 طبع بتحقيق كوركيس عواد ببغداد سنة 1967م. 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ, 690. 3 الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 63؛ والمالكي: تسمية ما ورد به الخطيب البغدادي، دمشق رقم 346. وانظر اقتباسات ابن حجر منه في الإصابة 1/ 97، 154، 167؛ وابن عساكر: تاريخ دمشق 10/ 97، 109، 246، 249، 430. ويبدو من أحد اقتباسات ابن عساكر أنه مرتب على الطبقات. "انظر كنز العمال 1/ 330". 4 الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 460، وعنه السخاوي: الاعلان، 644؛ وابن ماكولا: الإكمال 4/ 473. 5 البيهقي: تاريخ بيهق، 21؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 791. 6 السمعاني: أنساب 4/ 107؛ والخليلي: الإرشاد، ق60، و1، وسماه "تاريخ الحرانيين". 7 السخاوي: الإعلان, 627؛ والسمعاني: أنساب 3/ 269 لكنه يسميه "تاريخ الجزريين". 8 السخاوي: الاعلان، 632. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وعبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري "ت320هـ" في "تاريخ نيسابور"1. وعلي بن الفضل بن طاهر البلخي "ت323هـ" في "طبقات علماء بلخ"2. وأبو عبد الله محمد بن جعفر بن غالب الوراق الجويباري "معاصر لعلي بن الفضل البلخي" في "طبقات علماء بلخ"3. وأبو إسحاق ابراهيم بن أحمد المستملي "معاصر لعلي بن الفضل البلخي" في "طبقات علماء بلخ"4. وعبد الصمد بن سعيد بن علي الحمصي "ت324هـ" في "تارخ حمص"5. وأبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني "ت333هـ" في "طبقات علماء أفريقية وتونس"6. ومحمد بن سعيد القشيري "ت334هـ" في "تاريخ الرقة"7. وأبو إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الحداد الهروي "ت334هـ" في "تاريخ هراة"8.   1 الكتاني: الرسالة المستطرفة، 130. 2 السخاوي: الاعلان، 624. 3 السمعاني: الأنساب 5/ 271؛ والسخاوي: الاعلان، 624. 4 السخاوي: الاعلان، 623. 5 sezgin, B. 1, p. 346. 6 طبع مختصر له اختصره أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي "ت429هـ" بتحقيق علي الشابي ونعيم حسن اليافي، نشرته الدار التونسية للنشر سنة 1968م. 7 طبع بتحقيق طاهر النعساني، مطبعة الاصلاح، حماة "بدون تاريخ". 8 البيهقي: تاريخ بيهق، 21؛ والسبكي: طبقات الشافعية 2/ 295 "ط. الطناحي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وأبو زكريا يزيد بن محمد بن أياس الأزدي "ت334هـ" في كتابه "طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل"1. وأبو سعيد أحمد بن زياد = ابن الأعرابي "ت340هـ" في كتابيه "تاريخ مكة"2 و"تاريخ البصرة"3. وأبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري "ت347هـ" في "تاريخ مصر"4. وأبو بكر محمد بن عمر بن سلم = ابن الجعابي الحافظ "ت355هـ" "كتاب في محدثي بغداد"5 وكتاب "تاريخ الموصل"6. وحمزة بن الحسين الأصبهاني "ت قبل 360هـ" في "تاريخ أصبهان"7. أبو الشيخ الأنصاري "ت369هـ" في كتابه "طبقات المحدثين باصبهان والواردين عليها"8.   1 الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 6 واقتبس منه ابن حجر في الإصابة 1/ 63 وفي تهذيب التهذيب 2/ 51، 404، 414، 4/ 253، 439 وغيرها. كما استفاد منه ابن الأثير في أسد الغابة "انظر مقدمته، 1، ص11". 2 السخاوي: الاعلان، 650. 3 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 852؛ والسخاوي: الاعلان، 571؛ والكتاني: الرسالة المستطرفة، 137. 4 الخطيب: تاريخ بغداد 6/ 75؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 898؛ وتاريخ الإسلام 1/ 16؛ والسخاوي: الاعلان، 592، 645. وقال عنه ابن حجر "تهذيب التهذيب 6/ 218" وإليه المرجع في معرفة أهل مصر والمغرب وكان متداولا بين الطلبة كثير من النسخ في زمن مغلطاي "ت763هـ" كما في إكمال تهذيب الكمال، ص801. 5 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 90. 6 ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 154. 7 السمعاني: أنساب 1/ 284؛ والسخاوي: الاعلان، 616. 8 مخطوط في دار الكتاب الظاهرية "تاريخ65". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وأبو عبد الله عبد الجبار بن عبد الله الخولاني "ت370هـ" في "تاريخ داريا"1. وصالح بن أحمد التميمي الحافظ "ت374هـ" في "طبقات الهمذانيين"2. وأحمد بن سعيد بن أبي معدان "ت375هـ" في "تاريخ المراوزة"3. وابن بابويه "ت381هـ" في "تاريخ الري"4. وأبو سعيد عبد الرحمن بن حمد الإدريسي الاستراباذي الحافظ "ت405هـ" في "تاريخ استراباذ"5 و"تاريخ سمرقند"6. وأبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه "ت410هـ" في كتابه "تاريخ أصبهان"7. ومحمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الغنجار البخاري "ت412هـ" في "تاريخ بخاري"8.   1 طبع بتحقيق سعيد الأفغاني، دمشق 1950م. 2 الخطيب: تاريخ بغداد 9/ 331؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ 985-986. 3 البيهقي: تاريخ بيهق، 21؛ والسخاوي: الاعلان، 644. 4 ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 470؛ والداوودي: طبقات المفسرين 2/ 106. 5 السمعاني: أنساب 1/ 199؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 1062؛ والسخاوي: الاعلان، 615. 6 الخطيب: تاريخ بغداد 10/ 302، 303؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 1062؛ والسخاوي: الاعلان، 615. 7 الكتاني: الرسالة المستطرفة، ص131؛ والداوودي: طبقات المفسرين 1/ 93. 8 الخطيب: تاريخ بغداد 10/ 27؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 1052؛ والسخاوي: الاعلان، 620. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وأبو القاسم يحيى بن علي الحضرمي = ابن الطحان "ت416هـ" في "الذيل على تاريخ مصر"1. ومحمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي "ت420هـ" في "تاريخ المغاربة ومصر"2. وأبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي "ت427هـ" في "تاريخ جرجان"3. وأبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ" في "ذكر أخبار أصبهان"4. وجعفر بن محمد المستغفري "ت432هـ" في "تاريخ نسف"5 و"تاريخ كش"6. وأحمد بن محمد بن أحيد بن علي بن ماماني "ت436هـ" في "الذيل على تاريخ بخارى لغنجار"7. والخطيب البغدادي "ت463" في "تاريخ بغداد"8. وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده "ت470هـ" في "تاريخ أصبهان"9. وأبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري المؤذن "ت470هـ" في "تاريخ مرو"10.   1 الجزء الأول منه مخطوط في الظاهرية. 2 السخاوي: الاعلان، 646. 3 طبع في حيدر آباد الدكن، 1950م. 4 طبع في حيدر آباد الدكن. 5، 6 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1102. 7 Sezgin: Geschichte, B. 1, p. 353 8 طبع في مطبعة السعادة بمصر ويقع في 14 مجلدة. 9 الكتاني: الرسالة المستطرفة، ص131. 10 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وأبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة "ت511هـ" في "تاريخ أصبهان"1. وأقدم ما بقي من هذه المصنفات "تاريخ واسط"2 لبحشل "ت288هـ" ويبدأ بذكر بناء مدينة واسط وخططها وبعض أخبارها، ثم ذكر من قدم إلى موضعها من الصحابة قبل بنائها وبعده، ثم يذكر من روى عن الصحابة من أهلها، وقد قسم الرواة الواسطيين إلى أربعة قرون معتبرا الصحابة الذين دخلوها والتابعين من أهلها أهل القرن الأول، واتباع التابعين أهل القرن الثاني، ثم من بعدهم إلى طبقة شيوخه أهل القرن الرابع3. وأحيانا يعتبر صلة القرابة فيذكر الرواة من أقارب الرجل معه وإن تأخرت طبقتهم عنه4. ويقتصر أحيانا كثيرة على ذكر حديث للرجل يدل على طبقته ويثبت روايته الحديث, ولكنه عند ذكر المشاهير يتعرض لمناقبهم وشيئا من أخبارهم5. وبقي كذلك مختصر لكتاب "طبقات علماء أفريقية وتونس"6 لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني "ت333هـ" وقد عمل هذا المختصر أبو عمر أحمد بن محمد المعافري الطلمنكي "ت426هـ"7 ويبدأ أبو العرب كتابه ببيان ما ورد في فضائل أفريقية من أحاديث وآثار ثم يسوق أخبار عقبة بن نافع فاتحها، ثم يذكر من دخلها من الصحابة والتابعين8. موضحا أنه سيرتبهم   1 الكتاني: الرسالة المستطرفة 131. 2 طبع بعناية كوركيس عواد، مطبعة المعارف، بغداد 1967م. 3 بحشل: تاريخ واسط, 47، 85، 151، 218. 4 المصدر السابق، 85، 218. 5 كما فعل مع منصور بن زاذان، ص89؛ وشعبة بن الحجاج, ص120؛ وهشيم بن بشير, ص152. 6 نشر بتحقيق علي الشابي ونعيم حسن اليافي: الدار التونسية للنشر، 1968م. 7 انظر مقدمة كتاب طبقات علماء أفريقية وتونس، ص28. 8 طبقات علماء أفريقية وتونس، ص65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 على الطبقات وبدأ بذكر من اشترك بفتحها من الصحابة وساق أسماء من دخلها منهم مجردة ولم يذكر أخبارهم ومروياتهم ولعل المختصر حذف ذلك ثم انتقل إلى التابعين1 وقد جعلهم ثلاث طبقات وفي الغالب جرد أسماءهم فقط. ثم ذكر اتباع التابعين وقد قدم لبعضهم تراجم مفصلة2 بسب بروزهم في العلم أو توليهم القضاء، وذكر في هذه التراجم الطويلة الجرح والتعديل والصفات الخلقية والعقلية وبين اهتمام العالم بتصنيف الكتب3 أو روايتها4، وربما ذكر عقائدهم وسني مولدهم ووفياتهم وأماكن دورهم وقبورهم، وبعض الأخبار الدالة على تقاهم وصلاحهم. وينتقي أبو العرب رواياته من مجموعة أكبر ويشير إلى إهماله تدوين بعض الروايات التي عنده عن صاحب الترجمة5. وبعد أن انتهى من ذكر علماء أفريقية انتقل إلى ذكر علماء أهل تونس، وقد بدأ بذكر ذوي الأسنان منهم ثم الذين يلونهم كما صرح6 ومعنى ذلك أنه راعى التنظيم على الطبقات وأن لم يضع عنوانا لكل طبقة، وبدأ بتراجم التابعين لأن تونس مستحدثة لم يدخلها أحد من الصحابة، ولا يمكن القطع بطول التراجم في الكتاب الأصلي لأن الطلمنكي اختصره ولا يعلم مقدار ما حذفه كما لا يعلم أن كان الطلمنكي قد حذف أيضا بعض التراجم بتمامها أو أنه اقتصر على حذف بعض الأخبار. وبقي كذلك "تاريخ الرقة"7 لمحمد بن سعيد القشيري "ت334هـ"   1 طبقات علماء أفريقية وتونس، ص79. 2 انظر مثلا: ترجمة رباح بن يزيد اللخمي، ص118-126؛ والبهلول ابن راشد، ص126-138؛ وسحنون التنوخي، ص184. 3 طبقات علماء أفريقية وتونس، ص111. 4 المصدر السابقن 115، 126. 5 طبقات علماء أفريقية وتونس، ص113، 117، 125، 185. 6 المصدر السابق, ص212. 7 طبع بعناية طاهر النعساني، مطابع الاصلاح، حماه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وقد ذكر في بدايته خبر فتح عياض بن غنم للرقة، ثم ذكر من نزل الرقة من الصحابة ثم من التابعين ثم من بعدهم. وبعض التراجم لا تتجاوز السطر الواحد لكنه يقدم تراجم طويلة للأشخاص المهمين مثل وابصة بن معبد من الصحابة وميمون بن مهران من التابعين، ففي ترجمة ميمون بن مهران ذكر أصله وسنة ولادته ووفاته ووصف عبادته ورقة قلبه ونقل بعض أقواله في الأخلاق والرقائق كما ذكر بعض الأحداث التي وقعت له والتي يتبين منها لقياه بالشيوخ المعاصرين له ووجوده في الأماكن التي زارها، وتزيد طول هذه الترجمة على المائة وخمسين سطرا، ولا شك أن دور ميمون بن مهران في حياة الرقة العلمية هو الذي جعل القشيري يطيل ترجمته. وبقي أيضا كتاب "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها"1 لأبي الشيخ ابن حيان الأنصاري "ت369هـ". وقد ذكر فيه من قدم أصبهان من الصحابة والتابعين ومن تلاهم حتى ذكر معاصريه مع الحديث الذي يتفرد به واحد منهم ولا يرويه غيره بذلك الإسناد2. ويهتم أبو الشيخ بذكر الأنساب وسني الوفيات وأحيانا الولادة، وقد جعلهم إحدى عشرة طبقة ولكنه لم يذكر سوى عشرة طبقات أولها الصحابة. ولم يقصر بحثه على الثقات بل ترجم لبعض المجروحين وبين الجرح فيهم مثل قوله في ابراهيم بن ناصح بن المعلى "كان يحدث بالبواطيل متروك الحديث"3. وينقل أبو الشيخ الأنصاري أقوال أئمة الجرح والتعديل كالإمام مالك والبخاري في بعض من ترجم لهم، وهو يذكر بعض من ولد وعاش خارج أصبهان لمجرد أن أصله منها مثل ترجمته لمحمد بن عمر بن عيسى في الطبقة الخامسة.   1 منه نسخة كاملة في دار الكتب الظاهرية، "تاريخ، 65". 2 أبو الشيخ الأنصاري: مقدمة طبقات المحدثين بأصبهان. 3 المصدر السابق 2/ 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقد اعتمد أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "ذكر أخبار أصبهان" على كتاب أبي الشيخ الأنصاري فنقل عنه كثيرا. وبقي كتاب "تاريخ داريا"1 لأبي عبد الله عبد الجبار بن عبد الله الخولاني الداراني "ت370هـ" وقد ترجم فيه لسبعة وأربعين محدثا من أهل داريا من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأهل العلم على طبقاتهم وأزمانهم وذكر وفياتهم ومن أعقب منهم ومن لم يعقب إلى وقته2. ولا يطيل ذكر الأنساب بل يقتصر على إسم الشخص ووالده وكنيته ونسبته إلى قبيلته ونزوله داريا وأحيانا موضع نزوله منها، ويورد رواية له أو أكثر، ويذكر أحيانا وظيفة الراوي، وينقل عن بعض كتب الطبقات السابقة على تأليفه كطبقات أبي زرعة النصري الدمشقي3، وكتاب الطبقات لعبد الرحمن بن إبراهيم، وقد نثر ابن عساكر أكثر تاريخ داريا في كتابه "تاريخ دمشق" ولكن بقيت لتاريخ مزيتان: تفرده -على صغر حجمه- بمعلومات لا توجد في "تاريخ دمشق"، -على سعته- والثانية إلمام مؤلفه الشامل بداريا وأحوال أهلها وأصولهم وأنسابهم مما يثير الإعجاب4. وقد فقد "تاريخ نيسابور" لأبي عبد الله الحاكم "404هـ" ولكن وصل إلينا مختصر له5 فقد اختصر أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد المعروف بالخليفة النيسابوري, حيث أمعن في تجريد الأسماء، في حين أن الحاكم كان قد فصل التراجم أكثر مما فعل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد6 ولذلك فلا يمكن   1 طبع بعناية سعيد الأفغاني، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، مطبعة الترقي "1369هـ-1950م". 2 الخولاني: تاريخ داريا، 3. 3 المصدر السابق، 45. 4 سعيد الأفغاني: مقدمة تاريخ داريا. 5 طبع باعتناء الدكتور بهمن كريمي، الناشر: مكتبة ابن سيناء، طهران 1339هـ، وهو "بالفارسية". 6 قال السبكي: "وقد كانت نيسابور من أجل البلاد وأعظمها، ولم يكن بعد بغداد مثلها = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 تقويم مادة تاريخ نيسابور عن طريق الاطلاع على مختصره لكن هذا المختصر يفيد في بيان ترتيب الكتاب الأصلي وإطاره العام فهو يبدأ بذكر خراسان ومن ورد من آيات وأحاديث وأخبار في مدحها ثم ذكر من نزلها من الصحابة ثم التابعين ثم الأتباع ممن وردها أو سكنها أو حدث بها ثم من بعدهم من علماء نيسابور، وقد رتبه على الطبقات حيث جعلهم ست طبقات. كذلك وصل إلينا الجزء الأول من كتاب "الذيل على تاريخ مصر"1 لأبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي المعروف بابن الطحان "ت416هـ" وهو ذيل على "تاريخ مصر" لأبي سعيد بن يونس، لكنه استدرك عليه بعض ما فاته من تراجم الصحابة الواردين إلى مصر. ويذكر ابن الطحان عادة إسم الرجل وشيخه وتلميذه، وأحيانا يسوق رواية من طريقه، ويذكر سماعه من بعضهم، وقد رتبهم على حروف المعجم مراعيا الحرف الأول من الإسم فقط. ومما بقي من تواريخ الرجال المحلية كتاب "ذكر أخبار أصبهان"2 لأبي نعيم الأصبهاني "ت430هـ" وقد بدأه بمقدمة طويلة عن فضائل أصبهان وخبر فتحها وخططها، وقد بدأ التراجم بمن دخل أصبهان من الصحابة ثم ذكر من   = وقد عمل لها الحافظ أبو عبد الله الحاكم تاريخا تخضع له جابذة الحفاظ وهو عندي سيد التواريخ. وتأريخ الخطيب وإن كان أيضا من محاسن الكتب الإسلامية إلا أن صاحبه طال عليه الأمر وذلك لأن بغداد وإن كانت في الوجود بعد نيسابور إلا أن علماءها أقدم لأنها كانت دار علم وبيت رئاسة قبل أن ترتفع نيسابور ثم أن الحاكم قبل الخطيب بدهر، والخطيب جاء بعده، فلم يأت إلا وقد دخل بغداد ممن لا يحصى شيوخه أو شيوخ شيوخه أو ممن تقارب من دهره لتقدم الحاكم وتأخر علماء نيسابور، فلما قل العدد عنده كثر في المقال، وأطال في التراجم واستوفاها. والخطيب واضح العذر الذي أبديناه. "السبكي: طبقات الشافعية 1/ 173". 1 مخطوط في دار الكتب الظاهرية، مجموع 116 "ق220-9، ويقع في 31 ورقة ذات وجهين. 2 طبع في ليدن، مطبعة بريل 1931م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 بعدهم حيث بدأ بالترتيب على حروف المعجم. ويذكر في الترجمة عادة إسم المترجم وإسم المترجم وإسم أبيه وجده ونسبته وأحيانا يذكر طبقته، وربما ذكر سنة وروده أصبهان وسببه ويذكر رواية أو أكثر من رواياته، كما يذكر أحيانا شيوخ وتلاميذ صاحب الترجمة، وربما أورد أخبارا مقتضبة تتصل برحلات المترجم ولقياه الشيوخ، وقد ذكر الوظائف الإدارية لبعض المترجمين وخاصة القضاة. وقد نقل أبو نعيم في كتابه عن المؤلفين الذين سبقوه إلى التصنيف في "تاريخ أصبهان" فنقل عن حمزة الأصبهاني كما أكثر النقل عن أبي الشيخ الأنصاري. وقد وصل إلينا من هذه المصنفات "تاريخ جرجان"1 لأبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي "ت427هـ" وقد ذكر في مقدمته خبر فتح جرجان ومن دخلها من الصحابة والتابعين، وفصل ترجمة وأخبار يزيد بن المهلب فاتح جرجان ثم ذكر الولاة الأمويين والعباسيين على المدينة وقال في مقدمته: "سألني بعض إخواني أن أخرج عن كل من أذكر اسمه من العلماء والفقهاء والرواة والمفسرين والمصنفين في هذا الكتاب حديثا أو حكاية وأن أروي عنهم وعن كل من دخل جرجان من العلماء وحدث بها ومات بها أو من أهل جرجان وانتقل منها إلى بلد آخر فأجبته إلى ذلك ... وبينت أسامي العلماء على حروف المعجم"2. وكذلك وصل إلينا "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي "ت463هـ" وهو أوسع كتاب في تراجم المشهورين ممن سكنوا بغداد أو دخلوها خلال القرون الثلاثة التي تمتد بين بناء بغداد وفراغ الخطيب من تصنيف كتابه سنة 444هـ، ويقع في 14 مجلدة، ويضم 8731، ترجمة -عدا ما سقط من التراجم في النسخة المطبوعة- منها خمسة آلاف ترجمة للمحدثين وبقيتها للفقهاء   1 الطبعة الأولى بعناية عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند "1369هـ = 1950م". 2 السهمي: تاريخ جرجان، 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 والقراء والمفسرين والخلفاء وأرباب الحكم والقضاة والأدباء والأخباريين والكتاب والشعراء والندماء والمغنين مما يدل على أن تاريخ بغداد هو قبل كل شيء تاريخ محدثيها1. ويحاول الخطيب في تراجم كتابه أن يقدم ترجمة متكاملة تحتوي -في الغالب- على التعريف بصاحب الترجمة بذكر اسمه ونسبه وكنيته ونسبته وشيوخه وتلاميذه وأحيانا يسرد بعض أخباره الدالة على أخلاقه أو مكانته، ثم يسرد أقوال جهابذة المحدثين النقاد في بيان حاله من الجرح والتعديل ثم تاريخ وفاته وربما ذكره موضع قبره. أما عن منهجه في الجرح والتعديل فقد نقل أبومحمد بن الآبنوسي عن الخطيب قوله "كل من ذكرت فيه أقوايل الناس من جرح وتعديل فالتعويل على ما أخرت"2. ويستعمل الخطيب في التوثيق عبارات "ثقة" و"صدوق" و"ما علمت من حاله إلا خيرا" و"ليس بمدفوع عن الصدق" وربما اكتفى بذكر تخريج البخاري ومسلم أو أحدهما للراوي لأن كتابيهما في الصحيح فلا يخرجان إلا للثقات. أما عباراته في الجرح فهي "ضعيف" و"ذاهب الحديث" وأحيانا "كذاب أفاك يضع الحديث". لكن أكثر ألفاظ الجرح والتعديل شيوعا في كتابه هي "ثقة" و"صدوق" و"ضعيف". ولابد من التنبيه إلى أن الأحاديث التي أوردها الخطيب في تاريخ بغداد لا يمكن الاطمئنان إلى جميعها لمجرد ذكر الخطيب لا لأنه لم ينقلها عن الكتب الستة بل أن معظمها من معاجم شيوخ ومنتخبات وأجزاء حديثية يختلط فيها الصحيح والضعيف، وقد تعقب الخطيب بعضها وانتقدها، لكنه لم يفعل ذلك دائما3.   1 يوسف العش: الخطيب البغدادي، 178-179، 183. 2 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1139. 3 للمؤلف دراسة مفصلة عن الخطيب البغدادي وكتابه بعنوان "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد" منشورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 معاجم الشيوخ : اهتم بعض العلماء بجمع شيوخه الذين أخذ عنهم في مصنف، وقد يقوم بذك غيره، وفي الغالب يرتب أسماءهم على الحروف ولا يترجم لهم، وقد يرتبهم على البلدان ولكن ذلك نادر1. وأول من علمته صنف في ذلك2. أبو يوسف يعقوب الفسوي "ت277هـ" وقد ذكر الكتاني أنه رتب شيوخه على البلدان التي دخلها3 ولكن ما وصل إلينا منه غير مرتب على أساس معين4. ثم أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي "ت303هـ"5. ثم أبو يعلي الموصلي "ت307هـ". ثم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي "ت317هـ" في كتابه "تاريخ وفاة شيوخ البغوي"6. ثم أبو عبد الله محمد بن مخلد الدوري العطار7 "ت331هـ".   1 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 605. 2 أورد قائمة معاجم الشيوخ السخاوي في الاعلان بالتوبيخ، 607-609. 3 الكتاني: الرسالة المستطرفة، 140-141. 4 منه الجزآن الثاني والثالث مخطوط في الظاهرية عام 7418 وعام 7419 ويقعان في 42 ورقة "الألباني: فهرس مخطوطات الظاهرية". 5 لم يذكره السخاوي بل ذكره المالكي: تسمية ما ورد به الخطيب، دمشق رقم 394. 6 لم يذكره السخاوي في الاعلان بالتوبيخ، وهومخطوط في الظاهرية، ص225؛ فهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية "التاريخ" وضع يوسف العش، 225؛ وبروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 222؛ والألباني: فهرست مخطوطات الظاهرية، ص236-237، وقد اطلعت عليه. 7 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 242. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ثم أبو العباس ابن عقدة "ت332هـ"1. ثم أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي2 "ت346هـ". ثم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهاني "ت353هـ". ثم أبو القاسم الطبراني "ت360هـ" في معجميه الأوسط والصغير3. وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني "ت360هـ". وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي "ت371هـ". وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري "ت369هـ". وأبو أحمد العسال. وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ4 "ت381هـ". وأبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات5 "ت384هـ". وابو الفتح يوسف بن عمر القواس6 "ت385هـ". وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده "ت395هـ"7   1 الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 318. 2 المصدر السابق 7/ 50. 3 الأوسط رتبه على أسماء شيوخه وهم نحو ألفي شيخ وأكثر من غرائب حديثهم، ويقال أن فيه ثلاثين ألف حديث وهوفي ست مجلدات كبار وأما الصغير فهو مجلد واحد خرج فيه نحو ألف وخمسمائة حديث عن ألف من شيوخه. "انظر الرسالة المستطرفة، ص101؛ وكشف الظنون 2/ 290". 4 حسبه روزنثال محمد بن إبراهيم "ت281هـ" وهو لأن السخاوي ذكره في طبقة أبي الشيخ الأنصاري فهو أبو بكر بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان المقرئ المتوفي سنة 381هـ؛ السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 650. 5 ابن النجار: التاريخ المجدد لمدينة السلام، ق145. 6 الخطيب: تاريخ بغداد 6/ 61 ومواضع أخرى كثيرة. 7 منه 11 ورقة مخطوطة في تشستربتي 5165/ 1؛ سزكين 1/ 530. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وأبو عبد الله الحاكم1 "ت415هـ". وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي "ت434هـ". وعبيد الله بن عبد الله بن أحمد الهروي "ت438هـ"2. وأبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز3 "ت426هـ". وأبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ". وأبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله. وأبو عبد الله القضاعي. وأبو علي الحداد الأصفهاني "ت515هـ" في كتابه "معجم أسامي مشايخ أبي علي الحداد الأصفهاني"4. وقد فقدت معظم هذه المعاجم فلم يبق منها سوى "تاريخ وفاة شيوخ البغوي"5 "وفيه تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي، ويذكر إذا كان كتب عنهم أم لا، وقد يحدد أعمارهم ومكان وفاتهم وعددهم، وهم نحو من ثلاثمائة شيخ في القرن الثالث"6.   1 السمعاني: التحبير، ترجمة رقم72. 2 له "المعجم في مشتبه أسامي المحدثين 10 ورقات، سراي أحمد الثالث، 624، والزيادات عليه 5 ورقات، نفس الرمز"؛ سزكين: تاريخ التراث 1/ 389". 3 السخاوي: الاعلان، 609. 4 لم يذكره السخاوي في الاعلان بالتوبيخ بل ورد ذكره في فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية، المجلد الأول "مصطلح الحديث"، 265. 5 مخطوط في دار الكتب الظاهرية "مجموع 106/ 168" ويقع في 9 أوراق 15×11سم، 15 سطرا. 6 العش: فهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية - التأرخ وملحقاته، 225، وقد اطلعت عليه ونسخته كاملة وفي آخره صفحة فيا وفيات شيوخ ابن السماك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وكذلك بقيت الأجزاء الثلاثة الأخيرة من "المعجم الأوسط" للطبراني "ت360هـ" كما بقيت أجزاء متفرقة من "المعجم الصغير" له أيضا1. وكذلك بقي كتاب "معجم الشيوخ"2 لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني "ت371هـ". وقد ذكر في مقدمته: "أما بعد فإني استخرت الله عز وجل في حصر أسامي شيوخي الذين سمعت منهم وكتبت عنهم وقرات عليهم الحديث وتخريجها على حروف المعجم ليسهل على الطالبة تناوله، وليرجع إليه في اسم إن التبس أو أشكل، والاقتصار منهم لكل واحد على حديث واحد يستغرب أو يستفاد أو يستحسن، أو حكاية، فينضاف إلى ما أردته من ذلك جمع أحاديث تكون فوائد في نفسها، وأبين حال من ذممت طريقه في الحديث بظهور كذبه فيه، أو اتهامه به، أو خروجه عن حملة أهل الحديث للجهل به والذهاب عنه، فمن كان عندي ظاهر الأمر منهم لم أخرجه فيما صنفت من حديثي. وإن أثبت أسامي من كتبت عنه في صغري إملاء بخطي في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وأنا يومئذ ابن ست سنين، وضبطته ضبط مثلي من حيث يدركه المتأمل له من خطي ذلك، على أني لم أخرج من هذه البابة شيئا فيما صنفت من السنين وأحاديث الشيوخ" ثم ساق التراجم على ترتيب المعجم3. وبقي كذلك "معجم شيوخ ابن زاذان" لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان المقرئ "ت381هـ" جمع فيه أسماء المحدثين الذين سمع منهم بالحجاز ومكة والمدينة ومصر والشام والعراق وغير ذلك. وأخرج عن   1 أنظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 3/ 225. 2 مخطوط " ولي الدين 845-ف856" ويقع في 134 ورقة قياس 14×25سم. "انظر فؤاد السيد: فهرست المخطوطات المصورة، ج2 - التاريخ "القسم الثاني" - 147". 3 اطلعت على نسخته الفريدة المحفوظة صورتها في مكتبة الدراسات العليا ويحققه الشيخ زياد منصور لنيل الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 كل شيخ حديثا أو أكثر ورتبهم على حروف المعجم1. وبدأ بالمحمدين، ويذكر اسم الشيخ ونسبه ونسبته ومكان -أو أماكن- لقائه بهم، ثم يسوق من طريقه حديثا2. وبقي أيضا معجم ابن جميع الصيداوي "ت402هـ" وهو مرتب على حروف المعجم3. كما وصل إلينا معجم شيوخ أبي علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان "ت426هـ"4. وبقي أيضا "معجم أسامي مشايخ أبي علي الحداد الأصفهاني" لأبي علي الحداد الأصفهاني المقرئ "ت515هـ"، وقد جمع فيه أسماء الشيوخ الذين سمع منهم بأصبهان وغيرها وأخرج عن كل شيخ حديثا أو أكثر ورتبهم على حروف المعجم5.   1 مخطوط في دار الكتب المصرية "27م" ويقع في 143 ورقة 21 سطرا 25.5×17.5سم "أنظر: فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية، المجلد الأول - مصطلح الحديث، 265". وتوجد نسخة باسم "المشيخة الصغرى" مرتبة على جزئين في ديار بكر رقم ج2109/ 2، كتبت سنة 878هـ من 163/ أإلى 178/ أ "د. رمضان ششن: نوادر المخطوطات العربية 1/ 117". 2 نسخة دار الكتب المصرية، منها صورة في مكتبة قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، ويقوم الشيخ محمد صالح الفلاح بتحقيقه لنيل الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 3 مخطوط يقع في 13 ورقة 16×23سم "المكتبة الأزهرية مصطلح الحديث "326 مجاميع"، ف84" ويذكر أنه يشتمل على الجزئين الأول والثاني. "أنظر فؤاد السيد: فهرست المخطوطات المصورة، ج2 -التاريخ- القسم الثاني، ص146". 4 مخطوط في المغرب كتاني، 323. 5 مخطوط في دار الكتب المصرية "26/ م" ويقع في 14 ورقة، 21 سطرا 15.5×12سم. وقد نشره د. بشار عواد معروف. "انظر فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية، المجلد الأول -مصطلح الحديث- 265". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 كتب الرجال عند الشيعة : صنف الشيعة في فترة مبكرة كتبا في علم الرجال ولكن معظم هذه المصنفات فقدت ولا نجد في الكتب المتأخرة نقولا إلا عن بعضها، وقد أورد النجاشي في كتاب الرجال والطوسي في كتابه الفهرست أسماء المصنفين في الرجال من الشيعة، ويتفق أسماء المصنفين الذين أوردهم الطوسي مع ما أورده النجاشي إلا أن هناك بعض الاختلاف حيث أهمل الطوسي ذكر بعض من أوردهم النجاشي وأضاف أسماء مصنفين آخرين، وفيما يلي أسماء المصنفين في الرجال من الشيعة: عبد الله بن جبلة بن الحر الكناني "ت219هـ" كتاب الرجال1. الحسن بن علي بن فضال "ت224هـ" كتاب الرجال2. أحمد بن محمد أبو جعفر البرقي "ت274هـ" كتاب الطبقات3. علي بن أحمد العلوي العقيقي "قدم بغداد سنة 298هـ" كتاب الرجال4. أحمد بن علي بن محمد العلوي العقيقي: كتاب تاريخ الرجال5.     1 النجاشي: رجال النجاشي 2/ 160. 2 المصدر السابق 1/ 28؛ وأنظر السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 579. 3 المصدر السابق 1/ 59؛ والطوسي: الفهرست، 21. 4 الطوسي: الفهرست، 97. وقد كان من بين المصادر التي استقى منها الحسن بن علي بن داؤد الحلي "ولد سنة 647هـ" في كتاب الرجال. أنظر الحلي: كتاب الرجال، 3. 5 النجاشي: رجال 1/ 63؛ والطوسي: الفهرست، 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 سعد بن عبد الله الأشعري القمي "ت301هـ": 1- كتاب مناقب رواة الحديث. 2- كتاب مثالب رواة الحديث1. حميد بن زياد بن حماد أبو القاسم الدهقان "ت310هـ": 1- كتاب الرجال. 2- كتاب من روى عن الصادق2. علي بن الحسن بن علي بن فضال: كتاب الرجال3. محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني "ت329هـ" كتاب الرجال4. أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد "ابن عقدة" الكوفي "ت332هـ" في كتابه "التاريخ الكبير"5.   1 المصدر السابق 1/ 134؛ والطوسي: الفهرست، 75؛ وأنظر السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 580. ويبدو أن أحد الكتابين كان مرتبا على الطبقات. أنظر رجال النجاشي 2/ 340. 2 النجاشي: رجال 1/ 102. 3 النجاشي: رجال 2/ 196؛ الطوسي: الفهرست، 92؛ وأنظر السخاوي: الاعلان، 580. وقد كان من المصادر التي اقتبس منها الحلي في كتاب الرجال، أنظر ص3 من الكتاب المذكور. 4 المصدر السابق: رجال 2/ 292. 5 الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 308؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 839؛ وانظر السخاوي: الاعلان، 580 وقد اقتبس منه الحلي في كتاب الرجال، أنظر ص3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني "ت333هـ"1. 1- كتاب التاريخ وذكر من روى الحديث2. 2- كتاب من روى عن أمير المؤمنين. 3- كتاب من روى عن الحسن والحسين. 4- كتاب من روى عن علي بن الحسين. 5- كتاب من روى عن أبي جعفر. 6- كتاب من روى عن زيد بن علي. 7- كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد. 8- كتاب الشيعة من أصحاب الحديث. نصر بن صباح أبو القاسم البلخي: معرفة الناقلين3. أحمد بن محمد بن الحسن القمي "ت350هـ" كتاب الطبقات4. عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري: كتاب أخبار المحدثين5. عيسى بن مهران المستعطف: كتاب المحدثين6.   1 أورد قائمة كتبه كل من النجاشي رجال 1/ 73-74؛ والطوسي فهرست، 29. لكن الطوسي لم يذكر "كتاب من روى عن أبي جعفر" بل ذكره النجاشي فقط, وكذلك لم يذكر النجاشي "كتاب الشيعة من أصحاب الحديث" بل ذكره الطوسي فقط. ويبدو لي أن معظم هذه الكتب أجزاء صغيرة. 2 قال الطوسي في الفهرست، 29، وهو في ذكر من روى الحديث من الناس كلهم العامة والشيعة وأخبارهم، خرج منه شيء كثير ولم يتمه. 3 النجاشي: رجال 2/ 334. 4 النجاشي: رجال 1/ 70. 5 المصدر السابق 2/ 183. 6 النجاشي: رجال 2/ 228؛ والطوسي: الفهرست، 116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 حمزة بن القاسم بن علي أبو يعلى: كتاب من روى عن جعفر بن محمد من الرجال1. محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين: كتاب الرجال2. محمد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المحاربي: كتاب الرجال3. محمد بن علي بن الحسين بنموسى بن بابويه أبو جعفر القمي "ت381هـ": كتاب الرجال المختارين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم4. محمد بن عمر بن سالم البراء التميمي الجعابي: 1- كتاب الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم5. 2- كتاب من روى الحديث من بني هاشم6. علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري7. أحمد بن نوح بن علي السيرافي: 1- كتاب الزيادات على أبي العباس بن سعد في رجال جعفر بن محمد8. 2- وكتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله9.   1 النجاشي: رجال 1/ 108. 2 المصدر السابق 2/ 256. 3 المصدر السابق 2/ 370. 4 المصدر السابق 2/ 305؛ والطوسي: الفهرست، 157 قال ولم يتمه، وقد كان من جملة المصادر التي اعتمد عليها الحلي في كتاب الرجال، أنظر ص3 منه. 5 النجاشي: رجال 2/ 308. 6 المصدر السابق 2/ 308؛ والطوسي: الفهرست، 151، لكنه قال "تسمية من روى الحديث" ولعله كتاب آخر له. 7 اعتمد عليه أبو عمر الكشي، انظر رجال الكشي 2/ 197. 8 النجاشي: رجال 1/ 68. 9 الطوسي: الفهرست، 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أحمد بن محمد بن عبيد الله الجوهري "ت401هـ": 1- كتاب الاشتمال على معرفة الرجال "ذكر فيه من روى عن كل إمام مختصر"1. 2- كتاب من روى الحديث من بني عمار بن ياسر2. عباد بن يعقوب الرواجني: كتاب المعرفة في معرفة الصحابة3. أبو عبد الله الحسني: أخبار المحدثين4. أبو عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي "القرن الرابع" معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين. أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى العلوي المرتضى "ت436هـ"5. أبو العباس أحمد بن علي النجاشي "ت450هـ" كتاب الرجال. أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي "ت460هـ": 1- كتاب الفهرست. 2- كتاب الرجال. وقد فقدت سائر المصنفات التي ذكرتها فلم يبق منها سوى خمس مصنفات هي كتاب الرجال للبرقي، وكتاب رجال الكشي, وكتاب رجال النجاشي، وكتابي الرجال والفهرست للطوسي وهي الكتب المعتمدة عند الشيعة، وقد اعتمدت المصنفات المتأخرة عليها في المادة إذ نقلت عنها كثيرا. كما أن بعض المصنفين اقتصر عمله على الجمع بين كتابين أو أكثر منها: وفيما يلي وصف لهذه المصنفات حسب قدمها:   1، 2 الطوسي: الفهرست، 3. 3 المصدر السابق، 120. 4 المصدر السابق أيضا، 189. 5 السخاوي: الاعلان، 580. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 1- كتاب الرجال 1: لأبي جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي "ت274هـ" وقد اقتصر فيه على الشيعة وبضع الصحابة الذين وقفوا إلى جانب الإمام علي وأيدوا خلافته عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رتب الرواة على أساس صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو أحد الأئمة المعصومين عندهم وبذلك جاء ترتيب الأسماء مماثلا لنظام الطبقات كما استعمل في الفترة التي فيها صنف البرقي كتابه. حيث يقوم ترتيب الكتاب على اللقيا بين الراوي والإمام فيذكر في أصحاب كل إمام من لقيه وروى عنه، وهكذا ذكر البرقي في كتابه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أصحاب علي، ثم أصحاب الحسن، ثم أصحاب الحسين، ثم أصحاب علي بن الحسين وهكذا حسب تتابع الأئمة، إلى أن ذكر أصحاب أبي محمد الحسن العسكري, ثم ذكر النساء ورتبهم حسب الرواية عن الأئمة أيضا. وفي نهاية الكتاب عقد فصلا ذكر فيه أسماء الصحابة المنكرين على أبي بكر رضي الله عنه توليه الخلافة، حيث رأوا أن عليا رضي الله عنه أحق بها. وقد اقتصر في تراجمه على تجريد الأسماء في الغالب وذكر النسبة إلى القبيلة أو المدن وذكر من كان منهم عربيا أو مولى، ولا يستعمل عبارات الجرح والتعديل، ولا يطيل ذكر الأنساب، ولا يسجل الوفيات. 2- رجال الكشي 2: لأبي عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي "من علماء القرن الرابع الهجري" وهو تهذيب لكتاب الكشي الذي كان يعرف باسم "معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين" وقد قام الطوسي بتهذيبه وتخليصه من الأغلاط التي وقع فيها النساخ، كما أنه حذف كثيرا من تراجمه وسماه بـ "اختيار الرجال" وقد تناولت الأيدي اختيار الطوسي واشتهر بـ "رجال الكشي"، أما معرفة الناقلين   1 طبع بعناية كاظم الموسوي المياموي. الطبعة الأولى، جابخانة دانشكاه، طهران سنة 1383هـ. 2 الطبعة الأولى في بمباي بالهند سنة 1317، ثم طبع ثانية بعناية أحمد الحسني ونشرته مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بكربلاء "بدون تاريخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 عن الأئمة الصادقين الذين هو الأصل, فإنه فقد منذ فترة مبكرة1. إن كتاب رجال الكشي يضم تراجم بعض الرواة الشيعة من الثقات والمجروحين، وقد رتب التراجم على أساس لقاء الراوي بأحد الائمة المعصومين عند الشيعة وروايته عنه فعندئذ يذكره في أصحاب الإمام، فالكشي يذكر أولا أصحاب علي رضي الله عنه، فأصحاب الحسن، ثم أصحاب الحسين، ثم أصحاب علي بن الحسين وهكذا حتى ينتهي بذكر أصحاب الحسن العسكري. وقد أدى اتباع هذا الترتيب إلى تكرار ترجمة الراوي عندما يروي عن أكثر من إمام فيذكر في أصحابهم جميعا. وتتراوح تراجمه بين بضعة عشر صفحة كترجمة سلمان الفارسي رضي الله عنه وبين السطر والسطرين، وتتضمن الترجمة أخبارا تتقدمها الأسانيد تبين مدى إخلاص صاحب الترجمة للائمة من آل البيت وتذكر ثناء الأئمة عليه أوتجريحهم له، وهذه الأخبار هي التي تحدد توثيق أو تضعيف الراوي في الغالب لأن المؤلف قلما يستعمل عبارات الجرح والتعديل2. وترد خلال الترجمة بعض فتاوى الأئمة والرواة أصحاب التراجم مما يدل على مكانة المترجمين في العلم والفقه، كما أن بعض الأخبار تشير إلى الصفات الخلقية والجسمية للمترجم، ويذكر عقائد بعض الرواة أحيانا كقوله "كان واقفيا"3، وقوله "كان من علبائية"4، وقوله "كان من الطيارة"5. ولا يهتم بذكر الأنساب وقلما يذكر سني الوفيات.   1 أحمد الحسيني: مقدمة رجال الكشي، 3-4. 2 الكشي: رجال الكشي، التراجم المرقمة "143"، "490"، "482". 3 المصدر السابق ترجمة رقم "520". والواقفية: تطلق على ثلاثة فرق من الغلاة هي الممطورية والموسوية والرجعية، لوقفهم الإمامة على موسى الكاظم وعدم إرسالها في أولاده "مختصر التحفة الأثني عشرية، ص20". 4 المصدر السابق ترجمة رقم "465". والعلبائية: من الغلاة وهم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسي، وكان يفضل عليا على النبي صلى الله عليه وسلم "شهرستاني 2/ 12؛ ومختصر التحفة الاثني عشرية، ص14". 5 المصدر السابق ترجمة رقم "343". والطيارة: من الغلاة السبئية يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس "البدء والتاريخ 5/ 129". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 3- كتاب الرجال 1: لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي "ت450هـ" وقد ذكر في مقدمة الكتاب أنه أراد به الرد على من يقول من مخالفيهم بأن الشيعة لا سلف لهم ولا مصنف، ولذلك فقد ذكر تراجم من لهم كتب من رجال الشيعة، وقد يورد قائمة طويلة تستغرق صفحة كاملة بأسماء مصنفات صاحب الترجمة، وهو بذلك يقارب كثيرا كتاب الفهرست لابن النديم، فالمصنفات التي ذكرها ليست كلها في العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير وإنما فيها أيضا كتب النحو والأدب والشعر والتاريخ والنوادر، ولكن الذي يجعله من كتب الرجال أن التراجم تضمنت التعريف بالراوي بذكر اسمه ونسبته وأحيانا ذكر نسبه وبلده الذي عاش فيه والمدن التي رحل إليها, وربما ذكر بعض شيوخ المترجم وبعض من رووا عنه، وقد يذكر عقيدته كقوله "كان واقفا"2، ومذهبه كقوله "كان زيديا"3، كما يستعمل في كثير من التراجم عبارات الجرح والتعديل مثل "ثقة"4 و"فيه نظر"5 و"كان ضعيفا في حديثه متهوما له"6. وترد في بعض التراجم أخبار تدل على توثيق الأئمة لصاحب الترجمة وتكشف عن صلته بهم وإخلاصه لهم. وقد نقل بعض هذه الأخبار عن كتب سابقة مثل طبقات ابن سعد وكتاب أبي زرعة الرازي وكتاب الرجال للكشي، ولكن معظم الأخبار جاءت عن طريق شيوخه الكثيرين وتتقدمها الأسانيد في الغالب. وبعض التراجم طويلة بلغت الأربع صفحات وبعضها الآخر لا يتجاوز السطر الواحد.   1 طبع بعناية جلال الدين الغروري الآملي طبعة ثانية، ونشره مركز نشر كتاب جابخانة مصطفوي طهران "بدون تاريخ". 2 النجاشي: كتاب الرجال، 23. 3 المصدر السابق، 13. 4، 5، 6 المصدر السابق، 13، 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 4- كتاب الفهرست 1: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي "ت460هـ", وقد ذكر في مقدمته سبب تاليفه ومنهجه في الكتاب، فقد حاول كما فعل معاصره النجاشي استيفاء المؤلفين من الشيعة وذكر مصنفاتهم مع بيان إسناد المؤلف إليهم. وهو يشير إلى ما قيل في المصنف من التعديل والتجريح وهل يعول على روايته أم لا، وبيان اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له2. وسائر من ذكرهم من الشيعة الإمامية إلا من نص فيه على خلاف ذلك من الرجال الزيدية والفطحية والواقفة وغيرهم3، ويتراوح طول تراجمه بين السطر الواحد والصفحتين وغالبا ما تحدد قائمة مؤلفات المترجم طول ترجمته أو قصرها. وتبدأ الترجمة بذكر نسب الرجل وكنيته ونسبته إلى بلدته وأحيانا إلى قبيلته ثم يذكر روايته عن الأئمة أوبعض شيوخه، ثم يطلق إحدى عبارات الجرح والتعديل عليه، ثم يسرد مصنفاته وبعد ذلك يورد طريق إسناده إليه، وقد ختم بعض التراجم بذكر سني الوفيات. 5- كتاب الرجال: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي أيضا وقد ألفه بعد كتابه الفهرست4. وهو مرتب على الطبقات وإن لم يصرح باسم الطبقات، فقد ذكر   1 طبع بعناية محمد صادق آل بحر العلوم، المطبعة الحيدرية بالنجف سنة 1937م. 2 الطوسي: الفهرست، 2. 3 محمد صادق آل بحر العلوم: مقدمة فهرست الطوسي/ س. والزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه وهم يرون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، فيقرون بخلافة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، مع اعتقادهم بأفضلية علي، رضي الله عنه، "شهرستاني 1/ 207". أما الفطحية: فهم الذين قالوا بانتقال الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه عبد الله الأفطح أخي إسماعيل من أبيه وأمه "شهرستاني 2/ 3". 4 المصدر السابق/ و. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أولا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أصحاب الحسن, ثم أصحاب الحسين وهكذا حتى انتهى إلى ذكر أصحاب الحسن العسكري، وهكذا اعتمد اللقيا بين الراوي والإمام أساسا للترتيب. وقد رتب أصحاب كل إمام على حروف المعجم، فإذا انتهى من ذكر الأسماء ذكر من عرف بكنيته من أصحاب الإمام، ثم ذكر بعد ذلك النساء ممن روين عن الإمام. وقد اتبع هذا الترتيب في سائر الكتاب، فلما انتهى من ذكر أصحاب الأئمة عقد بابا ذكر فيه من لم يرو عن واحد من الأئمة لكنه عاد فذكر بعض من كان قد أوردهم في أصحاب الأئمة1. أما عن طبيعة التراجم فد اقتصر في الغالب على تجريد أسماء الرواة، فلا يزيد على ذكر الاسم واسم الأب والكنية والنسبة وقد يذكر شهوده بدرا أو احدا أو يذكر المصر الذي نزله الصحابي، كما يذكر اشتراك بعض أصحاب علي في الجمل أو صفين، ولم يقصد الكلام عن التوثيق والتجريح وإن أورد أحيانا بعض عبارات الجرح والتعديل وإنما فعل ذلك عندما يكون الرجل مظنة التوثيق وهو عنده مجروح، أو منظة التجريح وهو عنده ثقة فيذكر ما يدل على توثيقه أو تجريحه. وهذه نماذج لما استعمله من عبارات التعديل: ثقة، ثقة, ثقة، ثقة صحيح، ثقة مأمون، من أصحابنا، أحد الأركان الأربعة، جليل القدر، بصير بالفقه، حفظة، مستقيم المذهب، خير، مشكور، مرضي، رجل صالح، فاضل، دين. وأما عبارات الجرح التي استعملها فمنها ضعيف، فيه نظر، مخلط، خبيث، مجهول، مدلس، ملعون، غالي ملعون، واقفي, يقول بالتفويض من الطيارة.   1 رأى البعض أن سبب هذا التناقض التخليط والغلط، وذهب الشيخ عبد الله المامقاني "ت1351هـ" إلى أنه اعتبر في ذلك اللقيا، فإن روي عن الإمام مرة بصورة مباشرة وأخرى بواسطة آخر، فإنه يورده في المرة الأولى ضمن أصحاب الإمام، وفي الثانية فيمن لم يرو عن الأئمة "أنظر محمد صادق آل بحر العلوم: مقدمة كتاب رجال الطوسي، 58". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أسس تنظيم كتب علم الرجال التنظيم على النسب ... أسس تنظيم كتب علم الرجال: اتبعت كتب علم الرجال في تنظيم مادتها الأسس الأربعة التالية: 1- التنظيم على النسب. 2- التنظيم على الطبقات . 3- التنظيم على المدن. 4- التنظيم على حروف المعجم. 1- التنظيم على النسب: كان للأنساب أهمية كبيرة عند العرب في الجاهلية فاهتموا بحفظها وكان شعرهم الذي يكون الشطر الأكبر من أدبهم يحتوي على ثروة من علم النسب1، ولا شك أن حياة البداوة التي جعلت من القبيلة أكبر وحدة اجتماعية وسياسية في حياتهم لها دخل كبير في اهتمامهم بالأنساب إذ لابد لأفراد القبيلة من معرفة مفاخر آبائهم وأجدادهم وأصالة أنسابهم، كما لابد لهم منمعرفة مثالب القبائل الأخرى فبذلك يوفرون مادة لأهم أغراض شعرهم: الفخر والهجاء. وقد استمر الاهتمام بالأنساب بعد ظهور الإسلام وانتشاره وقيام دولته، فلم يمنع الإسلام الاهتمام بالأنساب وإن كان قد قاوم العصبية القبلية، وكل   1 أنظر عن احتواء الشعر على الأنساب: Dentan, The Idea of History in the ancient Near East, p. 246-249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 عصبية جاهلية ذلك لأن العصبية شيء ومعرفة الأنساب شيء آخر، فقد حث القرآن الكريم الناس على التعارف، ولا يكون التعارف دون معرفة الأنساب1. وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وحض على تعلم الأنساب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا أنسابكم تصلوا أرحامكم" 2. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أنساب قبائل العرب وربما نسب بعض أصحابه، "قال عمرو بن مرة الجهني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان من معد فليقم" فقمت فقال لي: "إجلس" فعل ذلك ثلاثا. قلت يا رسول الله ممن نحن؟ قال: "أنتم من قضاعة بن مالك بن حمت بن سبأ" 3. كما نسب أيضا سعدا حين سأله: من أنا يا رسول الله؟ قال: "أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير ذلك فعليه لعنة الله" 4. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعلم قريش بأنسابها شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك5. وورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله "تعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون به ما يحل كم مما يحرم عليكم من النساء، ثم انتهوا" 6. وقد حدث في حياته صلى الله عليه وسلم أن اجتمع بعض الصحابة على رجل يحدث بالأنساب في المسجد فيذكر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا   1 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} "سورة الحجرات: آية 13". 2 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 169؛ وانظر ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 3. 3 خليفة: الطبقات، 32أ. 4 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 169. 5 المصدر السابق، 169. 6 السمعاني: أنساب، 1/ 11. وقوله "ثم انتهوا" أي: عن التفاخر المؤدي إلى العصبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 جماعة فقال: "ما هذا؟ " قالوا: رجل علامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما العلامة؟ " قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربية وعالم بالأشعار وعالم بالأشعار العرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله" 1. وبإسناد آخر عن أبي هريرة، أنه قال: "هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر" 2، وهكذا لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الاجتماع على تعلم الأنساب والأخبار والأشعار، وقد حدث الكلام عنها في مسجده بالذات، وأما قوله: "هذا علم لا ينفع" في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فلعله أراد الأشعار والأخبار لأن نفع علم الأنساب ظاهر وقد حض صلى الله عليه وسلم تعلمه3. إذ أن قسما من أحكام الشرع يحتاج تطبيقها إلى معرفة الأنساب، ولذلك كانت معرفة بعض الأنساب فرضا على المسلمين كمعرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش فلو جهلت الأنساب لأمكن ادعاء الخلافة لمن لا تحل له، وكمعرفة الأنسان أباه وأمه وكل من يلقاه بنسب في رحم محرمة لما يترتب على ذلك من أحكام الزواج والمواريث4. لقد رتب ديوان الجند الذي أنشأه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على القبائل، وقد راعى عمر القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم في تسلسل القبائل التي سجلها فقدم بني هاشم على غيرهم من العشائر القرشية، وقدم قريش على غيرها من القبائل العربية5، وقد أصبح هذا التسلسل في ترتيب العشائر أساسا اتبعته كتب النسب التي كتبت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري فيما بعد. ويمكن أن نعتبر ديوان الجند أول تقييد شامل للأنساب وكانت الحاجات العملية للدولة هي التي أدت إلى ظهوره.   1 المصدر السابق، 1/ 9. 2 المصدر السابق. 3 يرى ابن حزم أن حديث "هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر" موضوع لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنظر: جمهرة أنساب العرب، 3-4. 4 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 2. 5 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 3/ 282-296؛ والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 1/ 2749-2750. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 لقد أعطت السابقة في الإسلام والمشاركة في الغزوات الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابها مكانة مرموقة بين المسلمين، وهذا ما حدث للمهاجرين الأولين والبدريين والأحديين وأهل بيعة العقبة، وقد امتدت آثار ذلك إلى ابنائهم وأحفادهم فاهتم هؤلاء بحفظ أنسابهم والتعريف بها لما في ذلك من قيمة اجتماعية، وينبغي أن لا ننسى أن أهل السابقة في الجهاد تمتعوا بامتيازات اقتصادية أيضا زمن عمر بن الخطاب1. وقد ظل التماسك القبلي قويا عندما استقر العرب في الأمصار المفتوحة فكانت خطط الأمصار كالبصرة والكوفة قائمة على أساس قبلي حيث سكنت كل عشيرة في موضع خاص بها2. وكانت القبيلة هي الوحدة العسكرية في ميادين القتال، كما كانت أساسا للتنظيم الاجتماعي والإداري في الأمصار3. وهذه العوامل جعلت معرفة الأنساب ضرورة دينية واجتماعية وعسكرية وإدارية فاستمر الاهتمام بها حتى برز في ظل الدولة الإسلامية عدد من كبار النسابين الذين كانوا يعتمدون على ذاكرتهم قبل بدء تدوين الأنساب منهم من جيل الصحابة أبوجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي فهو أحد أربة كانت قريش تأخذ منهم علم النسب4، وقد استمر اهتمامه بالأنساب بعد إسلامه، وجبير بن مطعم بن عدي الذي كان من أعلم الناس بالأنساب5، ودغفل بن حنظلة السدوسي الذي اختاره معاوية بن أبي سفيان لتعليم ابنه يزيد علم الأنساب6 وعبيد بن شرية الذي اشتهر بمعرفة أنساب   1 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 3/ 296. 2 أنظر أحمد كمال زكي: الحياة الأدبية في البصرة، 27-29. 3 العلي: التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة، 38-40. 4 ابن عبد البر: الاستيعاب، 4/ 1623. 5 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 5. 6 ابن عبد البر: الاستيعاب، 4/ 1623، وقال: "يقال أن له صحبة ورواية ولا يصح عندي سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وأخبار اليمن وصحار العبدي والشرقي بن القطامي وغيرهم1 وقد استمر الاهتمام بالأنساب خلال القرنين الأول والثاني الهجريين ولكن التأليف في الأنساب بدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، ولعل أول من ألف في الأنساب بعد محاولة الزهري التي لم تتم هو أبو اليقظان النسابة "ت190هـ" ومعاصره مؤرج بن عمرو السدوسي "ت195هـ" وهشام بن الكلبي "ت204هـ" ولا غرابة في أن يكون هؤلاء الثلاثة عراقيين فقد تركزت في العراق فعاليات النسابين خلال القرنين الأولين للهجرة في الكوفة والبصرة وهما مركزان نشيطان للقبال العربية2. ولم يقتصر الاهتمام بالأنساب على النسابين الذين كانت الأنساب مادتهم الرئيسية فقد اهتم المحدثون أيضا منذ القرون الأولى بالأنساب فلا نجد محدثا كبيرا إلا وله علم بالنسب وممن عرف بذلك سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين، وقد تابعه في الاهتمام بالأنساب ابنه محمد بن سعيد3 وتلميذه محمد بن شهاب الزهري الذي يقول: "ما خططت سوداء في بيضاء إلا نسب قومي"4 وقتادة بن دعامة السدوسي الذي قال فيه أبو عمرو بن العلاء: "أنه كان من أنسب الناس"5، والقاسم بن ربيعة وكان الحسن البصري إذا سئل النسب، قال: "عليكم بالقاسم بن ربيعة"6. وترجع عناية المحدثين بالأنساب إلى أهميتها في معرفة رواة الحديث ولذلك فقد استمر الاهتمام بالأنساب في أوساط المحدثين خلال القرن الثاني الهجري وعندما ظهرت المصنفات في رجال الحديث احتوت مادة غزيرة في   1 ابن النديم: الفهرست، 137-138. 2 الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب، 34. 3 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، 5. 4 الرامهرمزي: المحدث الفاصل، 52. 5 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 123. 6 ابن سعد: الطبقات الكبرى، 7/ 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 النسب. وليست مادة النسب هذه دخيلة على علم الرجال، فالأصل في كتب الرجال التعريف بالرواة بذكر أنساب آبائهم وأمهاتهم، وقد انتقد ابن الأثير كتابي أبي عبد الله بن مندة وأبي نعيم الأصبهانيين في معرفة الصحابة لأنهما أكثرا ذكر الأحاديث والكلام عليها وبيان عللها ولم يطيلا نسب الشخص وأخباره وأحواله مما يعرف به، وامتدح من ناحية كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر القرطبي لأنه استقصى ذكر الأنساب وأحوال الشخص ومناقبه وكل ما يعرف به حتى أنه يقول هو ابن أخي فلان وابن عم فلان وصاحب الحادثة الفلانية، وكان هذا هو المطلوب من التعريف أما ذكر الأحاديث وعللها وطرقها فهو بكتب الحديث أشبه1. وهكذا أوضح ابن الأثير أن النسب من المادة الأساسية في كتب الرجال، فلا عجب إذا وجدنا بعض المصنفين في علم الرجال يرتبون مادتهم على النسب. والترتيب على النسب يعني أن المصنف يجمع الرواة الذين هم من عشيرة أو قبيلة واحدة في موضع واحد يقدم لهم مثلا بقوله: ومن قريش ثم من بني هاشم فلان وفلان.. ويذكرهم، ثم يتبع نسقا معينا في عرض القبائل والعشائر بأن يبدأ بمضر ثم قحطان، ولا يقدم قحطان على مضر، كذلك يبدا من مضر بقريش ثم بقية قبائل مضر وهذا التقديم قائم على أساس القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق القول أن أول من اتبع هذا التسلسل عند سرد الأنساب عمر بن الخطاب في تدوين الديوان، ولما ظهرت كتب الأنساب تقيدت بهذا التسلسل، ثم امتد هذا التنظيم إلى كتب الرجال التي نظمت مادتها على النسب، بل امتد أيضا إلى بعض المسانيد الحديثية التي رتبت الشيوخ على القبائل2. ومن هذا يتضح أن تنظيم القبائل بهذا الشكل إسلامي بحت ولا يرجع إلى أصول جاهلية.   1 ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/ 5. 2 السيوطي: تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، 354-355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 إن أقدم من أخذ بالترتيب على النسب من المصنفين في الرجال هما خليفة ابن خياط "ت240هـ" في "الطبقات" ومحمد بن سعد "ت230هـ" في "الطبقات الكبرى". فأما خليفة فقد كان أكثر التزاما بالترتيب على النسب حيث جعل النسب هو الأساس الوحيد في ترتيب الصحابة في المدينة، ولم يعتبر السابقة في الإسلام ولا تقدم سنة الوفاة، ولا التفاضل بين الصحابة، وبهذا استطاع أن يعرض الرواة من الصحابة على أساس العشائر دون إخلال بهذا الأساس سواء في ما كتبه عن الصحابة في المدينة أو ما كتبه عن الصحابة في الأمصار كالكوفة والبصرة، وكذلك فعل عند كلامه عن الصحابة الذين نزلوا بلاد الشام. ويستمر التقسيم على النسب ظاهرا في طبقات خليفة عند كلامه عن التابعين في الكوفة والبصرة والمدينة، ولا يتجاوز هذا الأساس إلا في موضع واحد فقط عند ذكره للطبقة الثانية من التابعين في المدينة، فقد قدم ابناء المهاجرين على غيرهم معتبرا السابقة في الإسلام، ولكنه عاد بعد ذلك إلى الترتيب النسبي. وقد حافظ خليفة بن خياط على النسق الذي اتبعه في تسلسل القبائل من بداية كتابه حتى يتلاشى عنده الترتيب على النسب بعد التابعين، مما يؤكد أن تسلسل القبائل عنده لم يكن مجرد ترتيب عرضي بل هو أمر مقصود قائم على فكرة القرابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بذلك يتابع كتب الأنساب. إن الترتيب على النسب يختفي بعد طبقة التابعين، ولا يعود إلى الظهور إلا في القسم الأخير الذي خصصه للنساء. أما محمد بن سعد فقد مزج بين الترتيب حسب السابقة في الإسلام وحسب النسب في القسم الذي خصصه للصحابة في المدينة1، حيث اعتبر السابقة في الإسلام الأساس الأول، فوضع البدريين طبقة أولى، وجعل من له إسلام قديم وهاجر إلى الحبشة أو شهد أحدا ثم من أسلم قبل فتح مكة طبقة   1 وهما المجلدان الثالث والرابع من طبعة بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ثانية من الصحابة, ولم يسم الطبقة الثالثة من الصحابة وهم من أسلم بعد الفتح، غير أنه رتب الرجال ضمن الطبقة الواحدة على اساس النسب، فهو يبدأ في طبقة البدريين مثلا ببني هاشم ثم بقية بطون قريش ثم مضر فالأوس فالخزرج.. إن اعتبار ابن سعد السابقة في الإسلام جعله يقسم الصحابة إلى ثلاث طبقات1. ومن ثم فلم يعد بإمكانه المحافظة على الترتيب النسبي بصورة دقيقة كما فعل خليفة بن خياط الذي اعتبر الصحابة طبقة واحدة، فترجمة العباس بن عبد المطلب مثلا تأتي عند خليفة بن خياط بعد ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة في حين تتقدمها عند ابن سعد تراجم الكثيرين من الذين شهدوا بدرا ولا تأتي ترجمة العباس عنده إلا في الطبقة الثانية من الصحابة. وبينما يمتد الترتيب على النسب في طبقات خليفة إلى الصحابة في الأمصار وإلى طبقة التابعين فغن ابن سعد يقتصر في استعمال الترتيب النسبي على الصحابة والصحابيات2 في المدينة. إن خليفة وابن سعد اهتما بالترتيب على النسب في القسم الذي خصصاه للصحابة من كتابيهما في الطبقات، في حين تقل مراعاتهم لذلك في بقية أقسام كتابيهما، وقد ألفت كتب كثيرة في معرفة الصحابة منذ أوائل القرن الثالث الهجري، ولكن لم يصل إلينا منها إلا القليل، وأقدم ما وصل إلينا كتاب "تسمية أولاد العشرة" لعلي بن المديني "ت234هـ" ورغم أنه لا يرتب كتابه على النسب   1 ذهب البعض إلى أنه جعلهم خمس طبقات "العراقي: فتح المغيث, 4/ 53". ولعل ذلك باعتبار البدريين طبق أولى. ومن له إسلام قديم أوهاجر إلى الحبشة طبقة ثانية، ومن شهد أحدا طبقة ثالثة، ومن أسلم قبل الفتح طبقة رابعة، ومن أسلم بعد الفتح طبقة خامسة، لكن الفصل بين من له إسلام قديم أو هاجر إلى الحبشة وبين من شهد أحدا ومن أسلم قبل الفتح وجعلهم ثلاث طبقات غير واضح عند ابن سعد. 2 خصص ابن سعد المجلد الثامن للنساء الصحابيات، ولا يظهر فيه الترتيب على النسب واضحا، ولكن ملاحظة تعاقب التراجم يدل على أنه جمع النسوة من العشيرة الواحدة في موضع واحد متبعا النسق التقليدي في تسلسل العشائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 بل اعتبر في الترتيب السابقة في الإسلام والفضل إلا أن أثر الترتيب النسبي يظهر في ذكر ابناء الصحابة وأحفادهم بصورة مجتمعة. وأما كتاب "معرفة الصحابة" لأبي عبد الله بن مندة "ت395هـ" فهو مرتب على حروف المعجم، وكذلك كتاب "معرفة الصحابة" لأبي نعيم "ت430هـ". وكتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر "ت463هـ". ومن الكتب المتأخرة التي اعتمدت على كتب المتقدمين وحفظت لنا بعض مادتها كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير الجزري "ت630هـ" وقد جمع فيه كتب ابن مندة وأبي نعيم وابن عبد البر ونقل عن أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني "ت518هـ" الذي استدرك على ابن مندة، وعن أبي علي الغساني الذي استدرك على ابن عبد البر، كما نقل عن آخرين أيضا لم يذكرهم في قائمة مصادره منهم جعفر بن محمد المستغفري "ت432هـ" ولكن ابن الأثير لم يذكر شيا عن ترتيب هذه المؤلفات، أما كتاب ابن الأثير نفسه فقد رتبه على حروف المعجم. وكذلك رتب العسقلاني "ت852هـ" كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" على حروف المعجم أيضا. وهكذا فإن سائر ما وصل إلينا من كتب الصحابة مرتب على حروف المعجم إلا كتاب "تسمية أولاد العشرة" لابن المديني، كما يشير السخاوي إلى أن كتاب أبي أحمد العسكري "ت382هـ" في "معرفة الصحابة" مرتب على القبائل1. وخلاصة القول، أنه لا يوجد ما يشير إلى استمرار الترتيب على النسب بصورته الدقيقة كما استعمله ابن سعد وخليفة بن خياط، ويمكن القول أن معظم المصنفين في "معرفة الصحابة" تركوا الترتيب على النسب لأنه يجعل تناول الكتاب والإفادة منه من الصعوبة بمكان خاصة وأنهم لم يكونوا يستعملون   1 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 542. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فهارس مفصلة كالتي نجدها في المصادر المطبوعة في وقتنا الحاضر، ولذلك فقد لجأوا إلى الترتيب على حروف المعجم. وأخيرا فليس من الغريب أن لا نجد أثرا للترتيب على النسب في كتب الرجال الأخرى فإن الترتيب على النسب كما تمثل بدقة عند ابن سعد، وخليفة إنما يتعلق بالقسم الخاص بالصحابة وأنساب الصحابة معلومة، فإذا تخلت كتب معرفة الصحابة عن الترتيب على النسب فكيف نتوقع استمرار الترتيب على النسب في كتب الرجال الأخرى التي تشتمل على كثيرين من الموالي أو العرب الذين لم تضبط أنسابهم كما ضبطت أنساب الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 2- التنظيم على الطبقات : لم يستعمل القرآن الكريم لفظ "الطبقة" ولكنه استمعل "طبق" و"طباق" قال تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق} 1. وقال: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} 2.وتذكر معاجم اللغة كلمة "الطبقة" في مادة "طبق". وطبق من الناس أي جماعة، والمطابقة: الموافقة، وطبقات الناس مراتبهم3. قال ابن الأعرابي: "الطبق الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم"4. وقد حاول اللغويون المتقدمون تحديد الطبقة زمنيا فذكر الهجري عن ابن عباس: الطبقة عشرون سنة5. ولكننا إذا قبلنا مثل هذا التحديد فإن من الصعوبة أن نسلم بظهور فكرة الطبقات بهذا الوضوح والدقة في جيل ابن عباس. ولا يمكن في هذا المجال أن نعول على حديث "أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما، فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة   1 سورة الانشقاق: آية 19. 2 سورة الملك: آية3، سورة نوح: آية 14. 3 الجوهري: الصحاح، 4/ 1512. 4 ابن منظور: لسان العرب، 12/ 79. 5 المصدر السابق، 15/ 80؛ وانظر الزبيدي: تاج العروس، 6/ 414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أهل تراحم وتواصل ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثم الهرج الهرج النجا النجا"1. فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات2. وقد أطلقت الطبقة على القرن مجازا، إذا اقتصرنا على تحديد معين للقرن وهو الجيل3. ورغم هذه المحاولات في تحديد الطبقة زمنيا فإن استعمال الطبقة كوحدة زمنية ثابتة لم يظهر إلا في فترة متأخرة جدا وذلك حينما استعملها الذهبي وجعلها تساوي عشر سنين4. ويرى روزنثال أن تقسم الطبقات إسلامي أصيل وأنه أقدم تقسيم وجد في التفكير التاريخي الإسلامي وأنه نتيجة طبيعة لفكرة صحابة الرسول فالتابعون ... إلخ، ولا علاقة له بمؤثرات خارجية5. ومما يؤيد هذا الرأي حديث أورده البخاري ونصه "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"6، فخير القرون الصحابة ثم التابعون ثم أتباع التابعين7. على أن للقرن تعاريف متباينة منها أنه مائة سنة وقد بين الحافظ ابن حجر أنه التحديد المشهور، وقال: "والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها"8.   1 ابن ماجة: السنن، 2/ 1349. 2 المصدر السابق, السنن، 2/ 1349؛ أنظر الحاشية منها. 3 ابن منظور: لسان العرب، 12/ 80؛ وانظر الزبيدي: تاج العروس، 6/ 414. 4 الذهبي في تاريخ الإسلام. 5 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 133-134. 6 البخاري: الصحيح، 5/ 2-3. 7 العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 16/ 170. 8 فتح الباري، 7/ 3-4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 إن أبسط أشكال التقسيم على الطبقات هواستعمالها بمعنى جيل، وقد استعمل بعض المصنفين كلمة قرن بدل طبقة، فعل ذلك بحشل في "تاريخ واسط" الذي ألفه سنة 288هـ، رغم ان استعمال الطبقات كان معروفا في عصره1، بل أن بحشل نفسه استعمله في مؤلفه مرة2. وقد قسم الرواة من أهل واسط حتى طبقة شيوخه إلى أربعة قرون3. إن استعمال الطبقة للدلالة على الجيل يتمثل بصورة واضحة في مصنفات ابن حبان البستي "ت354هـ" ففي كتابيه" الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار" قسم الرواة إلى أربع طبقات هي الصحابة والتابعون وأتباع التابعين وتبع الأتباع. وكذلك فعل الحاكم النيسابوري "ت404هـ" في تاريخ نيسابور حيث قسم الرواة إلى صحابة، تابعين، أتباع التابعين. فلما انتهى من ذكر أتباع التابعين، قال: "ثم الأتباع وهو القرن الرابع بعد النبوة والثالث بعد الصحابة"4، وهكذا استعمل الحاكم الطبقة والقرن والجيل كمترادفات. ولكن أقدم استعمال للطبقة لم يكن بمعنى الجيل كما لم يكن بسيطا كما استعمله ابن حبان فيما بعد وإن كان التقسيم إلى صحابة ... تابعين. أتباع التابعين واضحا تمام الوضوح في أقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات ولكنه بمثابة إطار يحتوي على تقسيمات أصغر ضمنه. فقد قسم الصحابة وحدهم إلى عدة طبقات بلغت أحيانا اثنتي عشر طبقة بالنظر إلى السبق في الإسلام والهجرة وشهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم5. وقد قسمهم البعض إلى أكثر من اثنتي عشر طبقة6. وكذلك قسم كل من التابعين وأتباع التابعين إلى عدة طبقات. وقد تباين عدد طبقات كل من الصحابة والتابعين والأتباع في كتب الرجال لأن   1 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 229. 2 بحشل: تاريخ واسطن 122، 131. 3 المصدر السابق، 47، 85، 151، 218. 4 تاريخ نيشابور، 175. 5 الحاكم: معرفة علم الحديث، 22-25. 6 المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ذلك يتصل بذوق المصنف واجتهاده، وأقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات كتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط وكتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد وكتاب "الطبقات" لمسلم بن الحجاج "ت261هـ". وتسمية هذه الكتب بالطبقات يدل على تأصل نظام الطبقة في هذه الفترة المبكرة. أما خليفة بن خياط فقد اعتبر الصحابة كلهم طبقة واحدة إذ لم يعتبر شرطا غير كونهم صحابة فلم يأبه إلى السابقة في الإسلام أوالفضل كما يفعل معاصره محمد بن سعد. أما التابعون والأتباع فقد قسمهم إلى عدة طبقات يتباين عددها بين المدن ولم يميز بين طبقات التابعين وطبقات الأتباع ومن بعدهم بل ذكر طبقات الرواة بتعاقب حتى عصره. وأما محمد بن سعد فقد جعل الصحابة ثلاث طبقات1، ويرى البعض أنه جعلهم خمس طبقات2 وقد اعتبر في تقسيمهم السابقة في الإسلام فقد جعل البدريين طبقة أولى والمسلمين الأوائل ممن شهد أحدا وما بعدها من المشاهد طبقة ثانية وألحق بهم من أسلم قبل الفتح3، ولم يذكر ابن سعد من أسلم بعد الفتح حيث يكونون حسب ترتيبه الطبقة الثالثة. أما التابعون فتختلف طبقاتهم بين المدن ولكنه بصورةعامة جعلهم ثلاث طبقات وربما بلغ بهم أربع طبقات4، ولكن التمييز بين التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم في طبقات ابن سعد عسير إلا على من له معرفة واسعة بالرجال، لأنه سرد طبقاتهم جميعا بتعاقب ولم يفصل بينهم كما فعل في تمييز الصحابة عن غيرهم5.   1 ابن الصلاح: مقدمة، 121. 2 العراقي: فتح المغيث، 4/ 53. 3 مبدأ اعتبار السابقة في الإسلام والفضل في تقسيم الصحابة اتبعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في توزيع العطاء. 4 العراقي: فتح المغيث، 4/ 53. 5 في الطبقات الكبرى "ليدن" تجد في آخر الطبقة السابعة من أهل المدينة قوله "آخر طبقات التابعين" وهذا خطأ لأن فيهم من توفي سنة 229هـ ولا أعلم مصدر هذا الوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ويحق هنا أن نتساءل عن مفهوم الطبقة عند خليفة بن خياط ومحمد بن سعد؟ هل للطبقة عندهما مفهوم زمني معين؟ إن التمحيص يدل على أن خليفة بن خياط ومحمد بن سعد كليهما لم يعتبرا سني الوفيات أساسا يعتمدانه في التقسيم على الطبقات. فالتداخل كبير بين سني وفيات تراجم الطبقات المتتالية، ففي طبقات خليفة نجد أن وفيات الطبقة الرابعة من البصريين مثلا تتراوح بين "110-115هـ" بينما وفيات الطبقة الخامسة تتراوح بين "128-132هـ" كذلك تتراوح وفيات الطبقة السادسة منهم بين "136-156هـ" في حين تترواح وفيات الطبقة السابعة منهم بين "149-115هـ" وأما في طبقات ابن سعد فتتراوح وفيات الطبقة الأولى من الكوفيين مثلا بين "62-115هـ" وتترواح وفيات الطبقة الثانية منهم "83-111هـ" وهكذا جعل في الطبقة الأولى من تأخرت وفياتهم عن أهل الطبقة الثانية. فالتقسيم على الطبقات إذ لا يقوم على اعتبار سني الوفيات في هذه الفترة المبكرة فعلى أي أساس يقوم إذا؟ لقد ذكرت أن أساس تقسيم الصحابة إلى طبقات عند ابن سعد هو اعتبار السابقة في الإسلام، أما طبقات التابعين ومن بعدهم فقائم عند خليفة وابن سعد على اعتبار اللقيا بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل, وهم الطبقة الأولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن صغار الصحابة ولم يلتقوا بكبارهم لعدم لحاقهم بهم فيكونون طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك فإن من روى عن سعيد بن المسيب وغيره من كبار التابعين فإنهم يكونون الطبقة الأولى من أتباع التابعين. إن كتابي خليفة بن خياط ومحمد بن سعد في تراجم المحدثين قد وضعا لخدمة علم الحديث ومن ثم فقد جاء ترتيب كتابيهما على الطبقات ملائما لهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الغرض حيث استعملا الطبقة للدلالة على القوم المتشابهين من حيث اللقاء والسن وبعبارة أدق من حيث تقاربهم في السن وفي الشيوخ الذين أخذوا عنهم. وذكر التقارب في السن هنا لا يتناقض مع قولي أن الطبقات لم تعتبر الوفيات أساسا تقوم عليه إذ من الطبيعي أن من يلقى كبار الصحابة يكون متقدما في السن وتتقدم وفاته في العادة على وفاة من يلقى صغار الصحابة، ولذلك نجد أن وفيات الطبقة الأولى غالب ما تتقدم على وفيات الطبقات التالية. إن عدم اعتبار سني الوفيات أساسا للتقسيم على الطبقات هو الذي جعل الطبقة في فترة النشأة لا تتخذ مفهوم الوحدة الزمنية الثابتة، فمرة تكون حوالي العشر سنوات، وأخرى تقارب العشرين سنة، وثالثة في حدود الجيل وربما تجاوزته. إن التمييز بين طبقات الصحابة والتابعين ومن بعدهم لها علاقة بنقد إسناد الحديث فهي وسيلة لمعرفة ما في الحديث من غرسال أو انقطاع1 أو عضل أو تدليس2. وبمعرفة طبقات الرواة أيضا يمكن التمييز بين السماء المتشابهة والمتفقة، فقد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما الآخر، فإذا أردنا التمييز بينهما فينبغي معرفة طبقتيهما إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الإسم لا يروي عمن روى عنه الآخر فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روي عنهما فالإشكال حينئذ أشد، وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة3.   1 ابن الصلاح: مقدمة، 123. 2 المرسل: هو ما سقط من إسناده إسم الصحابي. "انظر ابن كثير: الباعث، ص47". المنقطع: هو أن يسقط من السند رجل ليس بصحابي. "انظر: الباعث، ص47". المعضل: هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا. "الباعث، ص51". المدلس: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه. "ابن كثير: الباعث الحثيث، ص53". 3 العراقي: فتح المغيث / 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وبسبب الجهل بالطبقات غلط غير واحد من المصنفين فربما ظن راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته1. إن فائدة التقسيم على الطبقات تتم لو اتبع المصنفون تقسيما واحدا، ولم يتباين عدد الطبقات بين مصنف وآخر. فتباين عدد الطبقات عندهم يجعل النسبة إلى الطبقة ليست مطلقة بل تتقيد بطريقة كل مصنف، فلم يعد بالإمكان أن نكتفي بالقول مثلا أن عبد الرحمن بن أبي الزناد في الطبقة السادسة من أهل المدينة فهو كذلك عند ابن سعد فقط أما في طبقات خليفة فهو في الطبقة الثامنة. ومن ذلك أيضا أن أنس بن مالك وغيره من صغار الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة كما فعل خليفة بن خياط ومن بعده ابن حبان، أما إذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا عدة طبقات كما فعل ابن سعد ومن قلده وعندها لا يكون أنس وغيره من صغار الصحابة من طبقة العشرة بل دونهم بطبقات2. وقد أخذ الحافظ المزي على نظام الطبقات أنه يوهم أحيانا، ذلك أن للصحابي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، فإذا رأى من لا خبرة له رواية الصحابي عن الصحابي ظن الأول تابعيا فيكشفه في التابعين فلا يجده، لذلك رأى العسقلاني أن سياق الرواة علىاختلاف طبقاتهم مساقا واحدا على الحروف أولى3. ورغم المآخذ على نظام الطبقات إلا أنه كان ملائما لأغراض الحديث التي ابتكر من أجلها، ومن ثم فإن استعماله لم يقتصر على خليفة بن خياط ومحمد بن سعد بل استعمله معاصرون لهم ومتأخرون عنهم، واستمر التقسيم على الطبقات أساسا تتبعه بعض المصنفات في الرجال حتى القرن الثامن الهجري.   1 المصدر السابق 4/ 161. 2 ابن الصلاح: مقدمة، 160-161. 3 العسقلاني: تهذيب، 1-7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وممن رتب كتابه على الطبقات الإمام مسلم بن الحجاج "ت261هـ" في كتابه "الطبقات" وقد ذكرت المراجع أنه اقتصر على الصحابة والتابعين واكتفى بتجريد الأسماء1، وأنه قسم التابعين إلى ثلاثة طبقات2، إلا أن المراجع لم تشر إلى طريقته في عرض الصحابة وهل اعتبرهم طبقة واحدة أم أكثر؟ واتبع نظام الطبقات أبوعروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني "ت137هـ" في كتابه "الطبقات"3 إلا أن ما بقي منه لا يكفي لتوضيح حدود الطبقة عنده، إلا أنه اعتبر الصحابة طبقة واحدة. واتبع هذا الترتيب ابن حبان البستي "ت354هـ" في كتابيه "الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار"، وقد اعتبر الصحابة طبقة أولى والتابعين طبقة ثانية والأتباع طبقة ثالثة وتبع الأتباع طبقة رابعة. وكذلك فإن قسما من التواريخ المحلية اتبعت نظام الطبقات أيضا مثل "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" لأبي الشيخ الأنصاري "ت369هـ" حيث قسمهم حتى عصره إلى إحدى عشرة طبقة. وكذلك "تاريخ الرقة" لمحمد بن سعيد القشيري "ت334هـ" و"تاريخ داريا" لعبد الجبار الخولاني "ت370هـ" ولا يختلف مفهوم الطبقة عند هؤلاء المؤلفين جميعا علما وجدناه عند ابن سعد وخليفة بن خياط. وقدامتد استعمال نظام الطبقات إلى كتب التراجم الأخرى كتراجم   1 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 684. 2 العراقي: فتح المغيث، 4/ 161. 3 ولأبي عروبة كتاب "طبقات الجزريين" و"طبقات أهل الرقة" مفقودان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 القراء1 والفقهاء2 والصوفية3 والشعراء4 والأدباء5 والنحاة6 والأطباء7 مما يدل على تأثير نظام الطبقات وشيوع استعماله في مجالات عديدة في حين أنه لم يبتكر إلا لخدمة علم الحديث. وعندما لم يلتزم أبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ" في كتابه "حلية الأولياء" بنظام الطبقات بصورة دقيقة في سائر كتابه بل اكتفى بالتمييز بين الصحابة ومن تلاهم وخلط التابعين ومن بعدهم انتقده ابن الجوزي "ت597هـ" فقال "إنه خلط في ترتيب القوم من ينبغي أن يؤخر وأخر من ينبغي أن يقدم فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل ولا على ترتيب المواليد ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط خصوصا في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه"8. وقد رتب ابن الجوزي كتابه "صفة الصفوة" على الطبقات متبعا طريقة ابن سعد حيث اعتبر السابقة في الإسلام فقسم الصحابة إلى خمس طبقات، ثم ذكر التابعين ومن بعدهم على الطبقات أيضا، ويتداخل التنظيم على الطبقات مع التنظيم على المدن حيث يذكر الطبقات ضمن المدينة الواحدة، ويذكر أنه فعل ذلك تسهيلا للطلب على الطالب9.   1 مثل "طبقات القراء" لخليفة بن خياط "ت240هـ". 2 مثل "طبقات الفقهاء" لأبي إسحاق الشيرازي "ت476هـ". 3 مثل "طبقات الصوفية" لأبي عبد الرحمن السلمي "ت412هـ". 4 مثل "طبقات الشعراء" لمحمد بن سلام الجمحي "ت232هـ". 5 مثل "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن الأنباري "ت577هـ". 6 مثل "طبقات النحويين" لأبي بكر الزبيدي "ت379هـ". 7 مثل "طبقات الأطباء والحكماء" لأبي داؤد سليمان بن حسان الأندلسي "ت377هـ. 8 ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 5 9 المصدر السابق 1/ 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 إن الترتيب على الطبقات استمر متبعا في ميدانه الأصيل فرتبت بعض كتب الرجال على الطبقات حتى فترة متأخرة، فقد رتب عبد الغني المقدسي الجماعيلي "ت600هـ" كتابه "الكمال في معرفة الرجال"1 على الطبقات، ولكن المزي "ت742هـ" لم يحافظ على ترتيب الكمال عندما هذبه حيث رتبه على حروف المعجم وكذلك الذهبي "ت748هـ" في كتابه "الكاشف عن رجال الكتب الستة"2 وهو مختصر من تهذيب الكمال للمزي3 اتبع الترتيب على حروف المعجم، كذلك فعل العسقلاني في كتابه "تهذيب التهذيب" الذي هو تهذيب لكتاب "تهذيب الكمال للمزي". إن أبرز من اهتم بنام الطبقات في القرن الثامن الهجري هو الحافظ الذهبي "ت748هـ" في كتبه "تذكرة الحفاظ" و"تاريخ الإسلام" و"المجرد في أسماء رجال كتاب ابن ماجه" ففي ثالث هذه الكتب نجده يرتب الرجال على الطبقات ويسمي الطبقة بإسم أحد الأعلام البارزين فيها فيقول: طبقة الأعمش وابن عون؛ طبقة الزهري وأيوب؛ طبقة ابن المسيب ومسروق, إلا أن هذه الطبقات ليست مرتبة على أساس زمني كما هو شأن كتب الطبقات الأخرى، بل اكتفى بتجميع من هم من طبقة واحدة، أما كتابه "تذكرة الحفاظ" فهو كما يدل عنوانه في تراجم الحفاظ فقط، وليس كتابا شاملا لرواة الحديث، وقد قسم الحفاظ حتى عصره إلى إحدى وعشرين طبقة، واعتبر في ذلك اللقيا، وقلما اعتبر سني الوفيات4 التي نلاحظ تداخلها بين الطبقات   1 يوجد المجلد الرابع منه فقط مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "حديث 367 رقم 1158. 2 مخطوط في دار الكتب الظاهرية "حديث 320". وانظر العسقلاني: تهذيب 1/ 7. وقد نشر أخيرا. 3 الذهبي: الكاشف عن رجال الكتب الستة، المقدمة. 4 من ذلك ترجمة زيد بن أبي أنيسة في الطبقة الرابعة مع أنه من طبقة الأوزاعي في الخامسة وعلل الذهبي ذلك بتقدم سنة وفاة زيد "أنظر تذكرة الحفاظ 1/ 140" وربما فعل عكس ذلك كتأخيره ترجمة أبي الأحوص إلى الطبقة السادسة مع أن مكانه الخامسة وعلل ذلك بصغر سنه "انظر تذكرة الحفاظ 1/ 250". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 المتتالية، وقد أشار الذهبي إلى ذلك بقوله "ولابد في كل طبقة من مجاذبة الطبقتين، وإلا فلو بولغ في تقسيم الطبقات لجاءت كل طبقة ثلاث طبقات وأكثر"1. ويمكن القول أن الطبقة في "تذكرة الحفاظ" تساوي الجيل في الغالب. أما كتابه "تاريخ الإسلام" فقد رتبه الذهبي على السنين والطبقات معا، فهو يذكر أحداث كل سنة ثم يترجم لم توفي فيها، وربما قدم الوفيات على الأحداث. وقد أشار الذهبي إلى نقص المادة التي اعتمدها "ولم يعتن القدماء بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظ وفيات خلق من المجهولين، وجهلت وفيات أئمة من المعروفين، وأيضا فإن عدة بلدان لم يقع إلينا أخبارها إما لكونها لم يؤرخ علماءها أحد من الحفاظ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا"2. وبسبب عدم ضبط القدماء للوفيات لجأ الذهبي إلى عقد فصل في الوفيات التي حدثت خلال فترة حكم الخليفة كلها فقد عقد فلا فيمن توفي في خلافة عمر3، وفصلا آخر فيمن توفي في خلافة عثمان4، ولكنه استطاع في معظم السنين أن يذكر سني الوفيات, وقد استعمل الطبقة كوحدة زمنية واضحة الحدود وجعلها تساوي عشر سنوات5، وبذلك خالف الذهبي الأقدمين الذين اعتبروا اللقيا أساس التقسيم على الطبقات بل خالف نهجه هو في تذكرة الحفاظ الذي اعتبر فيه اللقيا ولم يعتبر الوفيات، ومع ذلك فإن الذهبي المحدث لا يستطيع أن يتخلص نهائيا من اعتبار اللقيا ففي ترجمة عبد الله بن الصمات في الطبقة الثامنة يقول "وقد تأخرت وفاته عن هذه الطبقة فسيعاد إن شاء الله تعالى"6.   1 الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 250. 2 الذهبي: تاريخ الإسلام 1/ 17. 3 الذهبي: تاريخ الإسلام 2/ 66. 4 المصدر السابق 2/ 86. 5 يلاحظ أن الإمام البخاري في التاريخ الصغير له ذكر من مات "من بين عشر ومائة إلى عشرين ومائة" أي خلال عشر سنوات "انظر ص123 منه" فهل أفاد الذهبي منه؟. 6 المصدر السابق 3/ 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 3- التنظيم على المدن : إن أقدم ما وصل إلينا من كتب الرجال التي اتبعت التنظيم على المدن كتاب "الطبقات" لخليفة بن خياط وكتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد ثم كتاب "الطبقات" لمسلم بن الحجاج "261هـ" ثم كتاب "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة "279هـ" ثم كتاب "مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان البستي "ت354هـ" وقد مثل هؤلاء المؤلفون شمول النظرة واتساع الأفق فكانت رقعة العالم الإسلامي بحدوده المترامية ميدانا فسيحا لدراساتهم، على أن نصيب المدن في كتبهم كان يتوقف على مكانتها العلمية ومدى نشاط الرواية فيها، فكلما كان عدد علمائها كثيرا وكانت الرواية فيها نشيطة كلما خصص لا المصنفون نصيبا أوفر في كتبهم، لذلك كان حظ المدينة المنورة وافرا في هذه المصنفات جميعا. فقد خصص لها خليفة بن خياط أكثر من ثلث كتابه وكان حظها في طبقات ابن سعد وافرا أيضا. فمن مجموع الستة مجلدات التي تناولت تراجم رجال الحديث نجد ثلاثة أجزاء تخصص للصحابة والصحابيات من أهل المدينة1، ومجلدا رابعا أشرك فيه مع المدينة بقية مدن الحجاز الأخرى إلا أن للمدينة فيه حصة أكبر2. وللمدينة نصيب كبير أيضا في تاريخ ابن أبي خيثمة وفي كتاب مشاهير علماء الأمصار لابن حبان، واتفاق المصنفين على إعطاء المدينة هذه الأهمية الكبيرة له أهمية في الدلالة على كثرة العلماء ونشاط الرواية فيها وتفوقها على مراكز لعلم الأخرى في العالم الإسلامي خلال القرنين الأولين للهجرة على الأقل, ولا عجب في ذلك لأن المدينة دار السنة فيها تجمع الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الهجرة حيث تلقوا الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا مصادر العلم لمن جاء بعدهم من حملة العلم ورواة الآثار. ومن المدينة انتشر العلم إلى بقية المدن والأمصار بخروج عدد كبير من الصحابة منها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث استقروا في البلاد المفتوحة ونشروا العلم والرواية فيها.   1 المجلد الثالث والرابع والثامن من الطبقات الكبرى لابن سعد "طبعة بيروت". 2 المجلد الخامس "طبعة بيروت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 إن المكانة العلمية والأدبية التي تمتعت بها المدينة تجعل من الصعوبة بمكان أن تتقدمها أية بلدة أخرى حتى أن ابن الجوزي "القرن السادس الهجري" أراد أن يتخذ بغداد نقطة البداية في ترتيب كتابه "صفة الصفوة" لأنها أولى من غيرها إلا أنه "لما لم يمكن تقديمها على المدينة ومكة لشرفهما"1 فإنه بدأ بالمدينة ثم ذكر مكة قبل بغداد. أما بقية مدن الحجاز فقد كان دورها في الرواية ضئيلا إذا قيست بالمدينة، وتبرز بينها مكة بسبب مركزها الديني واجتماع العلماء فيها في مواسم الحج حيث يعقدون بعض الحلقات العلمية خلال هذا الموسم كما برز بعض الموالي من أهلها في العلم والرواية. إن نشاط الرواية يظهر بصورة قوية تكاد تضاهي المدينة في العراق وعلى وجه التحديد في الكوفة والبصرة فقد استقر فيهما عدد كبير من الصحابة فيهم من اشتهر بقراءة القرآن مثل أبي موسى الأشعري وفيهم من عرف بالفقه مثل عبد الله بن مسعود الذي أسس مدرسة في الكوفة برز من بين تلاميذها عدد من جهابذة العلم، وكان للدور السياسي الذي لعبته الكوفة في القرن الأول الهجري خاصة أثر كبير في تنشيط الرواية فيها فالنزاع السياسي بين دمشق والكوفة جعل الحاجة إلى الرواية قوية لدعم وجهات نظر المتنازعين في عصر كان أهله يهتمون كثيرا بموافقة أعمالهم للشرع الذي كان يعني آنذاك نصوص القرآن والحديث. أما دور البصرة في الرواية فهو يلي دور الكوفة فقد نزلها صحابة لا يقل عددهم عمن نزلوا الكوفة، ولكن عدد من اشتهر بالرواية من التابعين من أهل البصرة أقل من عددهم في الكوفة. فقد ذكر ابن سعد ما ينيف على الخمسمائة تابعي ممن عرفوا بالرواية من أهل الكوفة ولم يزد عدد التابعين الذين عرفوا بالرواية من أهل البصرة على المائتين إلا قليلا، ولعل في ذلك ما يلقي ضوءا على درجة شيوع العلم وكثرة العلماء في المدينتين.   1 ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/ 7-8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وتأتي بقية مدن العراق بعد الكوفة والبصرة في النشاط العلمي خلال الفترة التي شملتها دراسة كل من خليفة بن خياط ومحمد بن سعد، ويلاحظ تأخر بناء مدينتي واسط وبغداد فلم ينزل فيها صحابي ولا تابعي بل نزح إليهما أتبع التابعين من الكوفة والبصرة1، فكان إزدهار العلم ببغداد متأخرا عن دراسة خليفة وابن سعد لذلك لم تحظ بنصيب وافر في كتابيهما وقد أصبحت بغداد فيما بعد مدينة العلم وموسم العلماء حتى ذكرها ابن حبان في جملة المدن التي نزلها الصحابة تعصبا لها بعد أن ذكر أنها محدثة لم ينزلها أحد من الصحابة2. ولم تكن أهمية المشرق الإسلامي قد برزت في الرواية خلال القرنين الأولين للهجرة لذلك لم ينل عناية كبيرة عند خليفة بن خياط ولا عند محمد بن سعد وقد ازدهرت الرواية فيه خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين ومن ثم فقد اعتبرهما ابن حبان من الأقاليم "المشهورة في الإسلام المعروفة بعلماء الأيام"3. كذلك كان دور غرب العالم الإسلامي ثانويا في الرواية خلال القرنين الأولين إلا الشام فقد نزلها عدد كبير من الصحابة وتليها من حيث نشاط الرواية مصر أما الجزيرة والعواصم والثغور.. أما أيلة وأفريقية الأندلس فلم تبرز في هذه الفترة المبكرة فكان حظها في كتابي خليفة وابن سعد قليلا أيضا. ويبدو من ملاحظة تسلسل المدن عند خليفة بن خياط ومحمد بن سعد أن كليهما راعى في تقديم البلدة على غيرها كثرة العلماء ونشاط الرواية فيها وهذا يظهر في إتفاهما على تقديم المدينة فالكوفة فالبصرة على بقية المدن الإسلامية كذلك فعل ابن حبان بعد ما ينيف على القرن من ظهور كتابي خليفة وابن سعد. كذلك نجد أن خليفة يذكر الصحابة من أهل المدينة ثم ينتقل مباشرة إلى الكلام عن الكوفة قبل أن يتم طبقات اهل المدينة، ولا يعود إلى ذكر التابعين.   1 ابن حبان البستي: مشاهير علماء الأمصار، 176. 2 المصدر السابق، 194. 3 المصدر السابق، 1-2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ومن بعدهم من أهل المدينة إلا بعد أن ينهي كلامه عن أهل الكوفة بكافة طبقاتهم ثم ينتقل إلى البصرة فيذكر طبقاتهم كافة وبعد أن ينتهي منهم يعود إلى المدينة فيذكر بقية طبقاتها، ولعله أراد أن يتم المادة المتعلقة بالصحابة فلاحقهم إلى الأمصار التي استقروا فيها بأعداد كثيفة. وثمة ظاهرة أخرى تبرز عند خليفة هي أنه لم يراع العامل الجغرافي كثيرا في تسلسل المدن التي ذكرها فهو يقفز من مكان إلى آخر فقد انتقل كما ذكرت من الحجازإلى العراق ثم عاد إلى الحجاز وكذلك لم يتناول واسط وبغداد بعد الكوفة والبصرة بل ذكرهما في آخر كتابه ولعله اعتبر في ذلك المكانة العلمية حيث أن واسط وبغداد تأخرت عمارتهما وبالتالي تأخر ازدهار الرواية فيهما عن المدن الأخرى. إن مراعاة العامل الجغرافي تفي تسلسل المدن يظهر عند محمد بن سعد فعندما ذكر المدينة لم ينتقل من الحجاز إلا بعد أن ذكر مراكز العلم الأخرى فيه وهي الطائف واليمن واليمامة والبحرين على التوالي، وعندما ذكر الكوفة والبصرة لم يغادر العراق إلا بعد ذكر واسط والمدائين وبغداد، ثم ذكر المشرق بكافة مراكزه وهي خراسان والري وهمذان وقم على التوالي، ثم ذكر الأنبار، ثم انتقل إلى المغرب فذكر الشام ثم الجزيرة فالعواصم والثغور فمصر فأيلة فأفريقية فالأندلس وهكذا راعى ابن سعد العامل المكاني تسلسل المدن إلى جانب مراعاته المكانة العلمية، ويظهر اعتبار العامل الجغرافي في تسلسل المدن عند مصنف آخر هو مسلم بن الحجاج حيث أن تسلسل ذكر المدن عنده مطابق لما هو عند ابن سعد1 وكذلك يظهر اعتبار العامل الجغرافي عند ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبيرفقد ذكر مكة فالطائف فاليمن فاليمامة فالمدينة فالكوفة. وقد أهمل خليفة أماكن ذكرها ابن سعد وهي همذان وقم والأنبار والبحرين والثغور وأيلة والأندلس ولكنه أضاف مراكز جديدة أهملها ابن سعد وهي الموصل والمغرب وقد تناول المغرب بشيء من التفصيل.   1 عن تسلسل المدن في طبقات مسلم، أنظر السخاوي: الاعلان، 684. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وبعد مضي حوالي القرن من تأليف الكتب السالفة الذكر ألف محمد بن حبان البستي "ت354هـ" كتابه "مشاهير علماء الأمصار" ورتبه على المدن أيضا ولكنه لم يتقيد بتسلسل المدن الذي وجدناه عند خليفة وابن سعد إلا من حيث تقديم المدينة على بقية المدن، وابن حبان صريح في بيان اقتصاره على الأماكن التي شملها بحثه فهي "ستة أصقاع تشملها عمارة الإسلام وما وراءها من المدن يسكنها غير أولي الأحلام أولها الحجاز بحواليها، والثاني العراق بنواحيها، والثالث الشام بأطرافها والرابع مصر بجوانبها، والخامس اليمن بما والاها، والسادس خراسان بما دار عليها، هذه المدن المشهورة في الإسلام المعروفة بعلماء الأيام"1. وقد ذكر سبب تقديمه المدينة على غيرها من المدن "لأنها مهبط الوحي ومعدن الرسالة وبها نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا، ومنها انتشر الإسلام وظهر أعلام الدين وبها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإياها قطن جلة الصحابة"2. ويشترط ابن حبان استيطان الرجل في المدينة كي يعده من أهلها ولا يهمه بعد ذلك أن تكون وفاته في غيرها3، ومن هذا العرض نتبين أن العوامل التي أثرت في ترتيب المدن وتقديم بعضها على الآخر هي أولا المكانة العلمية للمدينة، وثانيا الأهمية الدينية وثالثا العامل الجغرافي. وكان كل من خليفة بن خياط ومحمد بن سعد وابن أبي خيثمة واسع الأفق شامل النظرة حين جعل رقعة العالم الإسلامي ميدانا لدراساته ولا شك أن للرحلة في طلب العلم أثرا كبيرا في امتزاج علم الأمصار المختلفة، فقد بدات الرحلة في طلب العلم في جيل الصحابة, فكان الصحابي يرحل في طلب حديث واحد لم يسمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو للتثبت من حديث يشك في دقة حفظه   1 ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار، 1-2. 2 المصدر السابق، 3. 3 ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار، 37، 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 له، وممن عرف بالرحلة من الصحابة جابر بن عبد الله1 وأبو أيوب الأنصاري2، واستمرت الرحلة في جيل التابعين لتلقي العلم عن الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار عقب الفتوحات، وأصبح طلب الإسناد العالي هدفا للمحدثين فبدل أن يأخذ عن تابعي من طبقته فإنه يرحل إلى الصحابي الذي أخذ عنه التابعي فياخذ عنه مباشرة وكان لظهور الوضع في الحديث أثر في تنشيط هذه الرحلات العلمية طلبا للحديث من مظانه وتدقيقا لمصادره وبحثا عن أصوله وقد اشتهر بذلك من التابعين سعيد بن المسيب ومسروق وعامر الشعبي والحسن البصري وأبو العالية الرياحي3. وقد اتسع نطاق الرحلة في طلب العلم بعد جيل التابعين وبلغ أوجه في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ويقدم الرامهرمزي "ت360هـ" قائمة بأسماء المحدثين الذين رحلوا في الأقطار مرتبا إياهم على الطبقات فذكر من رحل منهم إلى عدة أقطار ومن قصد ناحية واحدة للقاء من بها من العلماء، وهذه الأقطار التي كان العلماء يقصدونها هي مراكز الثقافة في العالم الإسلامي آنذاك. وقد كان للرحلة في طلب العلم أثر في شيوع العلم وتكثير طرق الأحاديث والتعرف على رجال الحديث لأن المحدث يذهب إليهم في بلدهم فيخالطهم ويسألهم ويتعرف على أحوالهم وسيرتهم في بلدهم4، ومع ذك فقد وجدت العصبية المحلية مجالا بين أهل الحديث ففخر بعضهم بمصادر مروايتهم وتهكم بمصادر الآخرين وسخر من شيوخهم "فقد حضر جماعة من أهل الكوفة وأهل الحجاز عند عبد الله بن أدريس فجرى ذكر المسكر فحرمه الحجازيون وجعل أهل الكوفة يحتجون في   1 البخاري: الصحيح 1/ 29، ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 93، الخطيب: الكفاية، 402. الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ 18أ. 2 ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 93-94، والخطيب: الكفاية 402. 3 الدارمي: سنن 1/ 136، الرامهرمزي: المحدث الفاصل 2/ 17ب-18أ، ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 94، 95. الخطيب: الكفاية، 402-403. 4 أنظر موضوع "الرحلة في طلب العلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 تحليله إلى أن قال بعضهم: حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة عن علي في الرخصة فقال الحجازيون: والله ما تجيئون به عن المهاجرين ولا عن الأنصار ولا عن ابنائهم وإنما تجيئون به عن العميان والعوران والعرجان والعمشان والحولان"1، فرغم أن الجدل ثار حول مسألة فقهية إلا أن نقد الحجازيين انصب على مصادر روايات أهل الكوفة إذ أن هذه الألقاب كلها للموالي ولم يتلقب بها العرب, وهكذا فخر الحجازيون بشيوخهم من المهاجرين والأنصار وتهكموا بالشيوخ الكوفيين من الموالي، ومن ذلك أيضا ما حدث به الأصمعي "أنه سمع عمرو بن قيس يقول: ما ينصفنا أهل العراق نأتيهم بالقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله الطبيب ويأتونا بنظرائهم زعموا بأبي التياح وأبي قلابة أسماء المقابلين، لو أدركنا أبا الجوزاء لأكلناه بتمر ولو أدركنا الشعبي لشعب لنا القدور ولو أدركنا النخعي لنخع لنا الشاة!! "2. وهكذا تتكرر السخرية بمصادر مرويات أهل العراق، والذين ذكرتهم الرواية كلهم من الموالي. ولنستمع إلى أبي عبد الله المقرئ3 يخاطب أهل الري فيقول "يا أهل الري من الذي أفلح منكم؟ إن كان ابن الأصبهاني فمنا وإن كان إبراهيم بن موسى قمنا وإن كان جرير فمنا وإن كان الخط فجدي علمكم، ما أفلح منكم إلا رجل واحد ولن أقول لكم حتى تموتوا كمدا"4. والطريف أن أبا عبد الله المقرئ ولد بالري وإنما أصله من أصبهان فافتخر بمدينة آبائه وعاب على الري مسقط رأسه أنها لم تنجب علماء مشهورين. ولقد دفعت المنافسة العلمية بين مدينة جرجان ومدينة نيسابور شاعرا من نيسابور وهو محمد بن إبراهيم بن يحيى البشتي إلى نظم قصيدة في رجال مدينته مفتخرا بتاريخ وحاضر المدينة العلمي ومباهيا بذلك مدينة جرجان وهذه بعض أبياتها:   1 الحاكم: معرفة علوم الحديث، 73. 2 ابن عدي: الكامل 1/ 44ب-45أ. 3 هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن عيسى المقري توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين كان إماما في القراءة وقد صنف كتبا في القرآن ولد بالري وكان أصله من أصبان "أبو الشيخ الأنصاري: طبقات المحدثين بأصبهان 2/ 105-106". 4 أبو الشيخ الأنصاري: طبقات المحدثين بأصبهان 2/ 105-106". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ودع ذكر جرجان فإن شيوخنا ... ببلدة نيسابور أعلى فما الحزن فيحيى بن يحيى لا يقاس بغيره ... كفاك به عزا إذا كنت ممتحن وتابعهم إسحق لله دره1 نعم ... والرباطي فضلهم غير مكتمن2 وقد لعبت عصبية الأمصار دورا في نشوء تواريخ المدن بصورة عامة وبالتالي ظهور تواريخ الرجال المحلية التي تقتصر في التأليف على رجال بلدة بعينها بقصد إظهار مكانتها وتفوقها العلمي على غيرها من المدن، وقد كانت عصبية الأمصار دافعا مباشرا في كتابة بعض تواريخ الرجال المحلية قال حمزة السهمي "ت427هـ" في مقدمة كتابه تاريخ جرجان "فإني لما رأيت كثير من البلدان تعصب أهلها وأظهروا مفاخرها بدخول الصحابة ... رضي الله عنهم أجمعين بلادهم وكون الخلفاء والأمراء وجماعة من العلماء عندهم، حتى أرخوا لذلك تواريخ وصنفوا فيها تصانيف على ما بلغهم، ولم أر أحدا من مشايخنا رحمهم الله صنف في ذكرعلماء أهل جرجان تصنيفا أو أرخ لهم تاريخ على توافر علمائها وتظاهر شيوخها وفضلائها فأحببت أن أجمع في ذلك مجموعا" ثم ذكر انحطاط النشاط الفكري في جرجان إذ تفانى العلماء الذين يوثق بعلمهم3. ولعل أقدم كتاب خصص لرجال مدينة معينة هو تاريخ واسط لبحشل ألفه سنة 288هـ وهذا لا يعني أن التواريخ المحلية لم تكن معروفة قبل بحشل، فقد ألف ابن زبالة كتابه "أخبار المدينة" في حدود سنة 199هـ4 والف الأزرقي "ت بعد 244هـ" كتابه "أخبار مكة" في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، ولكن هذه المؤلفات في تواريخ المن لم تتناول تراجم المحدثين في المدينة فلا صلة لها بعلم الرجال. وقد ذكر التقى الفاسي مؤرخ مكة في القرن   1 في الأصل "فكر جرجان" وقد اثبت "ذكر جرجان" ليستقيم المعنى، وكذلك "كفاك". أصلها "كلاك" و"دره" أصلها "درة". 2 الحاكم: تاريخ نيسابور 102-103. 3 السهمي: تاريخ جرجان، 3-4. 4 انظر عن نطاق ابن زبالة صالح العلي: المؤلفات العربية عن المدينة والحجاز، 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الرابع عشر الميلادي في مقدمة كتابه "العقد الثمين" "أنه غير مسبوق بالفصل الذي خصصه للتراجم من كتابه"1 وقد تعجب الفاسي من هذه الظاهرة فقال في كتابه الآخر شفاء الغرام "وإني لا عجب من إهمال فضلاء مكة بعد الأزرقي للتأليف على منواله ومن تركهم تأليفا لتاريخ مكة يحتوي على معرفة أعيانها من أهلها وغيرهم من ولاتها وقضاتها وخطبائها وعلمائها كما صنع فضلاء غيرها من البلاد"2. "وأما تاريخ المدينة فقد عولج على نمط ما عولج به تاريخ مكة إذ يبدو أنه لم يحتو إلا على قليل من التراجم، يدل على هذا عدم اقتباس كتاب التراجم المتأخرين شيئا من تواريخ المدينة المنورة"3، إلا نقولا ضئيلة أوردها السخاوي عن عمر بن شبة "ت262هـ" في التحفة اللطيفة وهي لا تدل على أن ابن شبة ترجم للأشخاص بالشكل الذي نده في كتب التراجم4، فتواريخ المدن التي سبقت بحشل كانت تعني بطوبوغرافية المدينة وأخبارها ولم تركز على رجال البلدة لذلك فيمكن القول أن بحشل هو أقدم من أكد على رجال البلدة فقد أصبح العلماء أهم ما تتميز به المدن المتنافسة، ومن ثم فقد غلبت التراجم على مادة تواريخ المدن بعد بحشل. وقد قدم بحشل لكتابه بمقدمة مقتضبة جدا عن تاريخ وخطط واسط لا تتناسب وتواريخ المدن المؤلفة قبله، ثم ترجم لعلمائها، وقد تابعته تواريخ الرجال المحلية التالية في الشكل والمحتوى فالمقدمة ثم ذكر الصحابة فبقية رجال البلدة هو الهيكل العام لسائر تواريخ الرجال المحلية، وإن توسع البعض في المقدمة فضمنها معلومات طبوغرافية وأخبارا وأساطير تتصل بالمكان الذي يكتب عنه مما يعبر عن العصبية للأمصار، كما يبدو أن ذكر من دخل البلدة من   1 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 225. نقل ذلك عن العقد الثمين "أربعة مجلدات تيمور تاريخ 849". 2 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 227. 3 المصدر السابق، 224. 4 انظر العلي: المؤلفات العربية عن المدينة والحجاز، 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الصحابة له صلة بحديث يرفعه بريدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونصه "من مات من أصحابي ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة" 1. ومن ثم فقد حوفظ على تقديم الصحابة حتى في التواريخ التي لم ترتب مادتها على الطبقات مثل تاريخ أصبهان لأبي نعيم وتاريخ بغداد للخطيب, لقد نحت كتب الرجال المحلية منحي بحشل في تاريخ واسط فعل ذلك محمد بن سعيد القشيري في "تاريخ الرقة" الذي أملاه سنة 334هـ ولكنه اقتصر في المقدمة على خبر فتحها وذكر شروط الصلح2، وأبو الشيخ الأنصاري "ت369هـ" في "طبقات المحدثين بأصبهان" والقاضي عبد الجبار الخولاني "ت370هـ" في "تاريخ داريا" ولكن الأخير يحذف المقدمة المتعلقة بأخبار المدينة وأما أبو الشيخ الأنصاري فيتوسع فيها كثيرا ... يتحدث فيها عن طوبوغرافية المدينة ثم عن فضائلها وعجائبها3، وقد عبر أبو الشيخ بذلك عن إعجابه بمدينته وتعلقه با ... وقد تميزت ترجمة سلمان الفارسي الأصبهاني الأصل بطولها حتى أخذت نصف ما خصصه للصحابة الذين نزلوا أصبهان وعددهم ثمانية عشر صحابيا، ولم ينس أن يذكر اختلاف الروايات في فتح أصبهان أكان عنوة أم صلحا؟ ثم رجح أنه كان صلحا4. وقد تابعه ونقل عنه كثيرا أبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ" في كتابه "ذكر أخبار أصبهان"، وإن خالفه في ترتيب كتابه حيث رتب أبو نعيم كتابه على حروف المعجم. أما "تاريخ نيسابور" للحاكم النيسابوري "ت405هـ".   1 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 128، البيهقي: تاريخ البيهقي 22، الحاكم: تاريخ نيسابور، 7. 2 القشيري: تاريخ الرقة 3-7. 3 كذكره أن أصبهان لا يزال فيها ثلاثون رجلا مستجابي الدعوة بفضل دعاء إبراهيم عليه السلام لها. وقد أنبت الله في تربتها الزعفران وألقى في جبالها الشهد، ويورد كتاب الحجاج بن يوسف إلى عامله عليها وفيه أن أصبهان أوسع المملكة رقعة وعملا وأكثرها خراجا بعد فارس والأهواز وأزكاها أرضا ثم يذكر خيراتها الكثيرة بتفصيل. 4 أبو الشيخ الأنصاري: طبقات المحدثين بأصبهان، المقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فلا يختلف عن طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ في مقدمته وفي ترتيب تراجمه، فهو يبدأ بذكر مفاخر خراسان والأحاديث في فضل الأعاجم ثم خص نيسابور بحديثين هما "خير خراسان نيسابور"والآخر" نعم البلد نيسابور"، ثم ترجم لعلمائها على الطبقات. كذلك فلا يلاحظ وجود اختلاف كبير حتى في التواريخ المحلية المتأخرة مثل "تاريخ بغداد" للخطيب "ت463هـ" و"تاريخ دمشق" لابن عساكر "ت557هـ" رغم أنهما تميزا بالشمول والتفصيل إذ لم يقتصرا على تراجم المحدثين، كما وتوافرت لهما مادة أضخم نتيجة للتطور الذي أحرزته المدينة الإسلامية. وهكذا لعبت المفاخرات بين المدن دورا كبيرا في صياغة مقدمات تواريخ الرجال المحلية، بل ربما كانت حافزا لتدوين تواريخ الرجال المحلية بقصد إظهار مكانتها وتفوقها العلمي، ولكن ينبغي أن لا ننسى أن الحافز الأصلي هو الرغبة القوية في خدمة علم الحديث عن طريق التعريف بالرواة ومواطنهم، فتواريخ الرجال المحلية تدخل ضمن كتب علم الرجال ويجب أن ينظر إليها بهذا المنظار. وقد أعتبر التعرف على شيوخ البلد ورواياتهم من أول ما تجب معرفته على طالب الحديث في ذلك البلد، فهذا صالح بن أحمد التميمي الحافظ "ت384هـ" مؤلف طبقات الهمذانيين يقول "ينبغي لطالب الحديث وعن عني به أن يبدأ بكتب حديث بلده ومعرفة أهله، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحه من سقيمه، ويعرف أهل التحديث به وأحوالهم معرفة تامة، إذا كان في بلده علم وعلماء قديما وحديثا، ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه"1. أن ميزة تواريخ الرجال المحلية هي أن معلوماتها عن علماء البلد الذي تختص بدراسته أدق وأكثر استقصاء وشمولا نتيجة عيش المصنف في البيئة التي يؤرخ لرجالها ولذلك فإن تواريخ الرجال المحلية لقيت اهتماما من طلاب   1 الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الحديث حتى أن بعضها كان يدرس في حلقات العلم وكان الخطيب البغدادي يحدث بتاريخ بغداد فيها"1 وقد نقل أبو سعد السمعاني عن عبد الرحمن بن محمد القزاز أنه سمع جميع كتاب تاريخ مدينة السلام من مصنفه الخطيب إلا جزآن توفيت والدته فشغله دفنها عن سماعهما، ولم يعد الخطيب عليه ما فاته "لأنه شرط في الابتداء أن لا يعاد الفوت لأحد، فبقي الجزء غير مسموع"2 ويدل قوله "أن لا يعاد الفوت لأحد" أن الخطيب كان يحدث بتاريخه في حضور عدد من الطلاب. وربما رحل البعض في طلب أحد تواريخ الرجال المحلية من ذلك رحلة أبي الفضل بن الفلكي الهمذاني إلى نيسابور حيث كان أحد دوفعها الحصول على تاريخ نيسابور للحاكم3. أن التقسيم على المدن سواء في كتب الطبقات العامة أم نتيجة التصنيف في رجال بلدة واحدة يمكننا من معرفة بلدان الرواة ومواطنهم والصلة بين بعضهم، فمن طريق معرفة أوطان الرواة يمكن التحقق من اللقاء بين الرواة، فإذا لم يكونا من بلد واحد، ولم يدخل أحدهما بلد الآخر ولا التقيا في حج ونحوه، وليست للراوي إجازة بما يروي فعندئذ يعرف أن في السند إرسالا أو انقطاعا اوعضلا أوتدليسا4. كما أن معرفة أوطان الرواة ربما تفيد في التمييز بين الاسمين المتفقين في اللفظ فينظر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا أو أحدهما من بلد   1 ياقوت: معجم الأدباء 1/ 346. 2 ياقوت: معجم الأدباء 1/ 252-253. 3 الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 474. 4 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ 386. وقد اكتشف ابن معين كذب عمر المجالدي عندما حدث بحديث عن أبي معاوية لم يحدث به أبو معاوية ببغداد "الخطيب: تاريخ بغداد 11/ 205". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أحد المتفقين في الاسم فيغلب على الظن أن أحدهما هو المذكور في السند لا سيما إذا لم يعرف له سماع بغير بلده1. لقد استعاضت كتب تواريخ الرجال التي لم ترتب على المدن عن ذلك بذكر عداد الرجل في الأمصار، وربما نسبته إلى المدينة والقبيلة معا، أما قول البعض "أن ما حدث للعرب من الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها من سكنى القرى والمدائن وضياع كثير من أنسابها فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان، وكانت قبل ذلك تنسب إلى القبائل"2 فهو يصدق على المتأخرين من الرواة أما المتقدمون فقد ذكرت أنسابهم إلى جانب ذكر الأمصار التي نزلوها وذلك زيادة في التعريف بهم ما فعل البخاري في التاريخ الكبيروهو يترجم للمتقدمين إذ آخرهم من عاش في النصف الأول من القرن الثالث الهجري.   1 العراقي: فتح المغيث: 4/ 164. 2 العراقي: فتح المغيث 4/ 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 4- التنظيم على حروف المعجم : وقد استعمل هذا الترتيب لتسهيل الكشف عن أصحاب التراجم خاصة وأن المؤلفين القدامى لم يستعملوا الفهارس المفصلة التي نجدها في المطبوعات الحديثة, لكن الترتيب على حروف المعجم لم يكن بالدقة التي تظهر في الفهارس التي يضعها المحققون في عصرنا لما ينشرونه من الكتب، فإن مصنفي كتب علم الرجال أحيانا يراعون الحرف الأول من إسم الرواة كما فعل البخاري في كتابيه "التاريخ الكبير" و"الضعفاء الصغير"، وأحيانا يجمعون بين الرواة ذوي الإسم الواحد، وقد يقدمون الحرف على سابقه إذا كثرت الأسماء التي تبدأ بالحرف المتأخر كأن يكون من إسمهم خالد كثيرون ومن إسمم حنين قليلون فيتقدم عليهم الخالدون رغم أن "الخاء" بعد "الحاء" كذلك كثيرا ما يتجاوز المصنفون القاعدة فيقدمون "المحمدين" على سواهم كما فعل الخطيب البغدادي مثلا في "تاريخ بغداد" أو يقدمون الصحابة عامة على من سواهم ضمن الحرف الواحد كما فعل ابن ابي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إن تنظيم التراجم على حروف المعجم حدث منذ فترة مبكرة. فمن كتب الرجال الأولى المرتبة على حروف المعجم كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري المتوفى "256هـ" وكتاب "الكنى والأسماء" لمسلم بن الحجاج "ت261هـ" وكتاب "الضعفاء" للعقيلي "ت322هـ" وكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم الرازي "ت327هـ" وكتاب "تاريخ هراة" لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن ياسين الهروي الحداد "ت334هـ"1 وكتاب "المجروحين من المحدثين" لابن حبان "ت334هـ" أما كتاب "الثقات" لابن حبان أيضا فقد رتبه على الطبقات ثم على حروف المعجم ضمن الطبقة الواحدة. وممن رتب كتابه على حروف المعجم ابن عدي الجرجاني "ت360هـ" في كتابيه "أسامي من روى عنهم البخاري" وكتاب "الكامل في ضعفاء المحدثين"، ومن بعد الكلاباذي "ت398هـ" في كتابه "الأسماء والكنى" وإن كان متأثرا بفكرة الطبقات حيث قسم الرواة إلى صحابة ثم تابعين ومن بعدهم وضمن هذا التقسيم رتب الرواة على حروف المعجم، وكذلك استعمل أبو عبد الله بن مندة "ت395هـ" الترتيب على المعجم في كتابه "معرفة الصحابة"، ثم الحاكم "ت405هـ" في "تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم" رغم أنه قدم الصحابة على غيرهم متأثرا بنظام الطبقات، ثم السهمي "ت427هـ" في "تاريخ جرجان". ثم تلاحقت كتب التراجم المرتبة على حروف المعجم وتدريجيا تخلصت من آثار نظام الطبقات، فالخطيب البغدادي "ت476هـ" في "تاريخ بغداد" رتب كتابه على حروف المعجم بادئا بترتيب السماء على المعجم ثم اصحاب الكنى ثم النساء في آخر الكتاب وبذلك تخلى -إلى حدث كبير- عن نظام الطبقات. لقد مالت كتب التراجم منذ القرن الخامس إلى الترتيب على حروف المعجم وترك   1 السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، 653. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 نظام الطبقات والمدن لتسهيل مهمة من يبحث فيها, فاستعمال كتب الرجال المصنفة على الطبقات والمدن والأنساب تتطلب معرفة بصاحب الترجمة لا يمتلكها الكثيرون ممن يراجعونها خاصة وأنه لا توجد آنذاك فهارس للكتب. لقد صرح كثير من المصنفين بالدافع الذي جعلهم يختارون الترتيب على حروف المعجم. قال ابن حبان "ت334هـ" في كتاب "الثقات" "فإنا نفصل أسماء أتباع التابعين ونذكر ما يعرف من أنساب المشهورين منهم وأوقات موتهم ونقصد في نظر اسمائهم المعجم ليكون أسهل عند البغية لمن أراد، لعلمي بتعذر حفظ الجل منه على أكثر الناس"1. وقال ابن عدي الجرجاني "ت360هـ" في مقدمة كتابه "الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين" "وصنفته على حروف المعجم ليكون أسهل على من طلب راويا منهم"2. وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في مقدمة كتابه "ذكر أخبار أصبهان": "اما بعد. فإن بعض الإخوان رعاهم الله سأل الاحتذاء بمن تقدمنا من السلف ورواة الحديث في نظم كتاب يشتمل على أسامي الرواة والمحدثين .... وابتغي أن يكون ذلك مرتبا على حروف المعجم ليسهل الوقوف عليه فأجبته إلى ذلك"3. لقد كانت الرغبة إذا في تسهيل مراجعة هذه التصانيف هي العامل الوحيد الذي حدا بالأقدمين إلى الترتيب على حروف المعجم متخلين عن نظام الطبقات والمدن بصورة تدرجية. وقد علل الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي تخليه عن نظام الطبقات الذي اتبعه صاحب الكمال4 "ت600هـ" بأن نظام الطبقات   1 ابن حبان: الثقات، مقدمة الجزء الثاني. 2 ابن عدي: الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين 1/ 1أ. 3 أبو نعيم الأصبهاني: ذكر أخبار أصبهان 1/ 1. 4 هو عبد الغني المقدسي الجماعيلي صاحب كتاب "الكمال في معرفة الرجال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 يوهم أحيانا. إذ أن للصحابي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، فإذا رأى من لا خبرة له رواية الصحابي عن الصحابي ظن الأول تابعيا فيكشفه في التابعين فلا يجده فكان سياق الرواة كلهم مساقا واحدا على الحرف أولى1.   1 العسقلاني: تهذيب التهذيب 1/ 7 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 علم الرجال والتاريخ : لقد كانت كتب الرجال يطلق عليها "تأريخ" سواء كانت مرتبة على الطبقات أم على حروف المعجم، ومن هنا حاول المتأخرون أن يميزوا بين التواريخ والطبقات، وقد اعتبر العز بن جماعة ذلك من الأمور المشكلة، وحاول التمييز بينها بعبارة غامضة فقال: "والحق عندي أنهما بحسب الذات يرجعان إلى شيء واحد، وبحسب الاعتبار يتحقق ما بينهما من التغاير"1. وقد عقب السخاوي على ذلك بقوله: "بينهما عموم وخصوص وجهي، فيجتمعان في التعريف بالرواة وينفرد التاريخ بالحوادث، والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلا من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها، لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة"2. وقد ذكر السخاوي أن كلامه في التفريق بين التاريخ والطبقات ينطبق على مصنفات الأقدمين في الطبقات، ذلك لأن المتأخرين راعوا في الطبقات سني الوفيات. إن بعض المؤلفين أطلقوا على كتبهم في الرجال اسم التاريخ منذ فترة مبكرة ترجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري، حيث أطلقه البخاري على بعض مصنفاته في الرجال وهي "التاريخ الكبير" و"التاريخ الأوسط" و"التاريخ الصغير" كذلك فعل معاصره علي بن المديني "ت234هـ" حيث سمى كتابه في الرجال بـ "التاريخ" وسمى ابن أبي خيثمة "ت279هـ". كتابه بـ "التاريخ الكبير" وتابعهم في ذلك بعض المؤلفين التالين، وكانت كلمة   1، 2 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 453. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 التاريخ قد استعملت للتاريخ الحولي منذ تلك الفترة المبكرة أيضا حيث سمي خليفة بن خياط حولياته باسم "التاريخ"1 على أن الجزم بذلك يبدو صعبا وأيا كان الأمر فإن المؤلفين الأوائل في الرجال اعتبروا كتبهم تاريخا ولعل تبرير ذلك يعود إلى ذكر سنوات الولاة والوفاة لبعض المترجمين. وقد استمر اعتبار كتب الرجال من فروع التاريخ حتى بعد أن تبلورت بعض المفاهيم حول تعريف التاريخ وتحديد مجالاته وأغراضه وظهرت في الدراسات المتأخرة التي قام بها الكافيجي2 سنة 879هـ والسخاوي3 "ت902هـ" فقد اعتبر السخاوي "علم التاريخ فن من فنون الحديث النبوي"4. وذكر في فوائد علم التأريخ أنه "يظهر الشيخ الذي جعل روايته عنه من مقصده كان قد مات قبل مولده أو كان قد اختل عقل أو اختلط أو لم يجاوز بلدته التي لم يدخلها الطالب قط"5. وبيان ذلك كله من مباحث علم الرجال. وقد استشهد السخاوي على جلالة علم التاريخ بأن السخاوي ألف "التاريخ الكبير" بين القبر النبوي والمنبر الشريف وكان يصلي لكل ترجمتين ركعتين6 وكتاب التاريخ الكبيرهذا من كتب الرجال وعندما ذكر السخاوي قوائم بأسماء التصانيف في التاريخ أورد ضمنها أنواع المصنفات في علم الرجال وقد اعتبر السخاوي معرفة تاريخ الرجال واجبا في حين أن معرفة الأخبار والأشعار وما إلى ذلك لا يعدو أن يكون مباحا7، ولم يقتصر اعتبار علم الرجال من   1 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 24-25. 2 في كتابه: "المختصر في علم التاريخ". 3 في كتابه القيم: "الاعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ". 4 السخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 450. 5 المصدر السابق، 450. 6 المصدر السابق، 452. 7 المصدر السابق، 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فروع التواريخ وذكر فوائده ضمن فوائد التاريخ على السخاوي فقد ذكر معاصره السيوطي "ت911هـ" أن "من فوائد التاريخ معرفة الآجال وحلولها وانقضاء العدد وأوقات التعاليق ووفيات الشيوخ ومواليدهم والرواة عنهم فنعرف بذلك كذب الكاذبين وصدق الصادقين"1. وقد تابعهما كل من حاجي خليفة وطاش كبرى زاده في اعتبار علم الرجال أحد فروع علم التاريخ2. وقد تساءل روزنثال عما إذا كان من الصحيح قبول التراجم بشكلها الحالي كعنصر بارز في علم التاريخ كما فعل المؤرخون المسلمون؟ مع اعترافه بأن التراجم جزء أساسي من التاريخ وأن فيها مقدارا لا بأس به من المادة التي يمكن تصنيفها واعتبارها تأريخية3. وطبيعي أن ذلك ينطبق على كتب التراجم المتأخرة بصورة أوضح إلا أنه ينطبق أيضا على كتب الرجال التي حوت مادة تأريخية دقيقة وموثوقة لكنها قليلة ومشتتة فقد قدمت خلال التراجم معلومات منها ما يتصل بالإدارة، كذكر الولاة والقضاة ومنها ما يتعلق بتواريخ الغزوات والمعارك حيث ترد عرضا عند ذكر اشتراك أصحاب التراجم في الغزوات، ومنها ما يتعلق بخطط المدن التي ترد عرضا أيضا خلال تحديد محل سكنى صاحب الترجمة، وكذلك التعريف بالعشائر التي نزلت في المدن عندما تكون مرتبة على المدن وحاوية على الأنساب. ولكتب الرجال أهمية خاصة في التعريف بالحياة الثقافية للمدن والأقطار الي تناولت تراجم علمائها، وهذه المعلومات قد تسد بعض الفجوات في المادة التي تقدمها الكتب التأريخية كأن يتم بها إكمال قوائم الولاة أو القضاة في مدينة معينة أو خلال فترة محددة، أو تكمل معلومات الكتب التأريخية عن خطط المدن وما شاكل، على أنه من الضروري عدم المبالغة في أهمية المادة التأريخية التي تقدمها كتب الرجال.   1 السيوطي: الشماريخ في علم التأريخ، 7. 2 أنظرحاجي: كشف الظنون 1/ 271. وطاش كبرى زاده: مفتاح السعادة 2/ 237. 3 روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وتظهر أهمية كتب الرجال في نوع من الدراسات التأريخية التي ظهرت حديثا وهي ما يسمى بعلم "تأريخ التأريخ" الذي يتعرض لدراسة الأصول التي استقى منها المؤخرون مادتهم ونقد هذه الأصول حيث تقدم كتب الرجال معلومات لها أهمية بالغة في التعريف برواة الأخبارة وبيان أحوالهم وعقائدهم وأخلاقهم مما يلقي ضوءا على دوافعهم وأغراضهم، وقد مكن من الإفادة من كتب الرجال في هذا المجال المشاركة الجدية التي قام بها المحدثون في نقل الأخبار1 إلى جانب رواية الحديث التي جعلت كتب الرجال تترجم لهم، ولكن ينبغي أن لا يبالغ في ذلك فإن معظم التراجم التي ذكرتها كتب الرجال قصيرة والمعلومات التي أوردتها مقتضبة ولكنها في حالات كثيرة تنفرد بها مما يجعل لها أهمية كبيرة. ويبرز تأثير علم الرجال على كتب التراجم من حيث الشكل والمحتوى رغم أن كتب التراجم لم تقتصر على رجال الحديث، بل تناولت أيضا الملوك والأمراء والولاة والقضاة والشعراء والأدباء والقراء وغيرهم، فترتيب مادة الترجمة من حيث الاهتمام بضبط الأسماء وذكر الأنساب وبيان الصفات الخلقية والعقلية والجسمية وذكر شيوخ المترجم وتلاميذه وبعض مروياته أحيانا والاعتناء بذكر سني الوفيات، وهذه التراجم لا تختلف في طبيعة المادة ولا التنظيم عما هي عليه في كتب الرجال. ويظهر أثر علم الرجال في التنظيم العام الذي اتبعته كتب التراجم في ترتيب مادتها، فالتنظيم على الطبقات أو على حروف المعجم هما أساس ترتيب كتب التراجم، وقد سبقت كتب الرجال إلى استعمال هذين الأساسين في عرض مادتها. وقد لا يكون من المجازفة القول أن كتب التراجم ليست إلا تقليدا لكتب الرجال مع توسيع النطاق بإدخال تراجم لا علاقة لها برواة الحديث، ومع توسع أكثر في الكلام عن أحوال الرجال وأخبارهم.   1 يمكن التأكد من ذلك بملاحظة الشيوخ الذين نقل عنهم خليفة بن خياط ومحمد بن سعد والطبري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ويظهر مثل هذا التأثير لعلم الرجال أيضا في بعض كتب التاريخ العام التي اهتمت بالتراجم كثيرا مثل كتاب "المنتظم لابن الجوزي وكتاب "البداية والنهاية" لان كثير و"تاريخ الإسلام" للذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 علم الرجال والنقد التاريخي : إن مناهج المحدثين في نقد رجال الحديث كان لها أثر كبير في تطور وتنمو نقد المصادر والتحري عن الحقيقة ببيان مكانة ناقليها من الصدق والاتقان، قد اشترط المحدثون في الراوي أن يكون متصفا بالعدالة والضبط لقبول الأحاديث التي يرويها، ومن أجل بيان أحوال العدد الهائل من الرواة ألفوا كتب الرجال. وقد أوضحت كتب مصطلح الحديث التي تبلورت فيها قواعد نقد الحديث طريقة الاستفادة من كتب الرجال، وبطبيعة الحال فإن هذه القواعد وضعت خصيصا لنقد الحديث. ولكن بسبب اشتغال كثير من المحدثين في التاريخ فإن قواعد النقد هذه استعملت -إلى حد ما- في التاريخ أيضا، وقد ساعد على ذلك أن الروايت التأريخية كانت تتصدرها الأسانيد كما هو شأن الأحاديث، كما أن مقاييس المحدثين سرت إلى علم التاريخ فقد اشترطوا في المؤرخ ما اشترطوه في رواة الحديث من العدالة والضبط1، وبذلك أمكن تطبيق قواعد نقد الحديث في نقد الروايات التأريخية أيضا، ولكن ذلك لم يتم بنفس الدقة، بل حدث تساهل كبير في ميدان التأريخ, فالمؤرخون الأوائل مثل خليفة بن خياط والطبري استقوا كثيرا من مادتهم التأريخية عن رواة ضعفهم أهل الحديث، وبذلك لم يتشددوا في نقد رواة الأخبار كما فعلوا بالنسبة لرواة الحديث، لان الحديث تترتب عليه الأحكام الشرعية، لذلك رفض العلماء الاحتجاج بالأحاديث ذات الأسانيد المنقطعة في حين قبلوا ذلك في الروايات التأريخية، ولم يجدوا بأسا في استعمال صيغ التمريض في بيان طرق التحمل   1 الكافيجي: المختصر في علم التأريخ، 336. يقول: "وينبغي أن يشترط في المؤرخ ما يشترط في راوي الحديث من أربعة أمور: العقل والضبط والإسلام والعدالة". والسخاوي: الاعلان بالتوبيخ، 499-500. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 بالنسبة للروايات التأريخية، وهكذا ميز العلماء منذ فترة مبكرة بين "التاريخ" و"الحديث"، فلم يطبقوا قواعد نقد الحديث بدقة في نطاق التاريخ. وعندما يقوم المؤرخون اليوم بمحاولة تدقيق مصادرنا التأريخية ونقدها فإن بالإمكان الاستفادة من قواعد نقد الحديث وعلم الرجال في ترجيح الروايات التاريخية المتعارضة كأن تكون إحدى الروايتين المتعارضتين بإسناد متصل رجاله ثقات، والأخرى وردت بإسناد منقطع أو عن طريق رواة مجروحين، فعندئذ ينبغي ترجيح الرواية الأولى على الثانية. كما أن استعمال قواعد المصطلح في نقد الروايات التأريخية ينبغي أن يشتد على قدر تعلق المادة بالأحداث الخطيرة التي تؤثر فيها الهواء ويشتط عندها الرواة كأن تكون الروايات لها مساس بالعقائد كالفتن التي حدثت في جيل الصحابة أو ذات صلة بالأحكام الشرعية كالسوابق الفقهية فإن التشدد في قبولها يجعل استعمال قواعد نقد الحديث بدقة أمرا مقبولا. وعلى ذلك فإن مدى تطبيق قواعد نقد الحديث في التأريخ أمر نسبي تحدده طبيعة الروايات، وقد نبه الكافيجي على ذلك بقوله: "يجوز للمؤرخ أن يروي في تاريخه قولا ضعيفا في باب الترغيب والترهيب والاعتبار مع التنبيه على ضعفه، ولكن لا يجوز له ذلك في ذات البارئ عز وجل وفي صفاته ولا في الأحكام وهكذا جواز رواية الحديث الضعيف على ما ذكر من التفصيل المذكور"1. لقد ظلت مقاييس المحدثين واتجاهاتهم في النقد سارية في ميدان التاريخ حتى فترة متأخرة حيث ظهر أثر ذلك فيما كتبه الكافيجي والسخاوي عن علم التاريخ. ولكن هذه المقاييس أغفلت كثيرا في البحوث التاريخية الحديثة ولم يفطن الباحثون إلى هذا الكنز الثمين، ومن ثم فإن الاعتماد في النقد التاريخي انصب على ما أنتجه الغربيون في حقل الميثودولوجي ولا شك أن استعمال الغربيين لقواعد النقد العلمي في حقل الدراسات الإنسانية كان   1 الكافيجي: المختصر في علم التأريخ، 326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 متأخرا بالنسبة لمناهج النقد عند المحدثين, وكان ما عمله أسد رستم من الإفادة من مصطلح الحديث والميثودولوجية الغربية معا في وضع مصطلح للتأريخ محاولة جريئة في الكشف عن أهمية قواعد نقد الحديث في عملية النقد التأريخي1.   1 انظر بصورة خاصة الباب السادس وعنوانه: العدالة والضبط"، حيث أن قواعد النقد الداخلي للروايات التأريخية لا تكاد تخرج عما رسمه المحدثون في نطاق نقد الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 نشاط الرحلة في طلب الحديث : بدأت الرحلة في طلب العلم في جيل الصحابة، فرحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس في الشام، واستغرق سفره شهرا ليستمع منه حديثا واحدا لم يكن جابر قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم1 ورحل جابر إلى مصر للقاء مسلمة بن مخلد وسؤاله عن حديث بلغه عنه فلما أخبره به رجع2, ورحل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر بمصر فلما لقيه قال: حدثنا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك. فلما حدثه ركب أبو أيوب راحلته وانصرف عائدا إلى المدينة وما حل رحله!! 3.   1 البخاري: الصحيح 1/ 29. وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 93. وذكره الخطيب في الكفاية، ص402 فقال: رحل جابر إلى مصر في حديث حتى سمعه من عبد الله بن أنيس. كما ذكر الخطيب في كتابه الرحلة في طلب الحديث، ص54 روايتين إحداهما تذكر أن رحلة جابر إلى الشام إلى عبد الله بن أنيس, والثانية تذكر أن رحلة جابر إلى مصر ولا تسمي الصحابي الذي رحل إليه. ويبدو أن لجابر رحلتين إحداهما إلى الشام والأخرى إلى مصر، وقد سمى الرامهرمزي الصحابي الذي رحل جابر إليه إلى مصر وهو مسلمة بن مخلد كما ذكر أعلاه. 2 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 1/ ق 18، 1. وذكره الخطيب في الرحلة في طلب الحديث، ص57، لكنه قال: "رجل" بدل "جابر". 3 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 93-94، وانظر الخطيب: الكفاية 402؛ والرحلة في طلب الحديث، ص56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ورحل رجل من الصحابة إلى فضالة بن عبيد بمصر فلما قدم إليه قال له: أما أني لم آتك زائرا ولكني سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم1، وقال عبد الله بن مسعود: "لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته"2. ويتبين مما ذكرت أن سبب رحلة الصحابة كانت لسماع حديث لم يسمعه الصحابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو للتثبت من حديث يحفظه الصحابي، وليس في بلده من يحفظه فيشد الرحال إلى من يحفظه ولو كان على مسيرة شهر. وقد استمرت الرحلة في جيل التابعين فقد تفرق الصحابة في الأمصار يحملون معهم العلم فما كان ليتيسر للرجل أن يحيط علما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون رحلة في الأمصار وملاحقة الصحابة المتفرقين فيها. يقول سعيد بن المسيب "ت94هـ" أحد كبار التابعين "إن كنت لا سير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام"3. ورحل الحسن البصري "ت110هـ" من البصرة إلى الكوفة في مسألة4 وأقام أبو قلابة في المدينة ثلاثة أيام ما له حاجة إلا رجل كانوا يتوقعون قدومه كان يروي حديثا، فأقام حتى قدم وسألة عن الحديث5.   1 الدارمي: سنن الدارمي 1/ 138 والخطيب الرحلة، ص57. 2 الخطيب: الكفاية، 402. 3 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 2/ ق 17و 2. ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 94. الخطيب: الكفاية، 402. 4 الخطيب: الكفاية، ص402. 5 الدارمي: سنن 1/ 136. والرامهرمزي: المحدث الفاصل، ق17، 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وقال بسر بن عبد الله الحضرمي "إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه"1. وقال عامر الشعبي سيد التابعين "لم يكن أحد من أصحاب عبد الله، أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق"2. وخرج عامر الشعبي إلى مكة في ثلاثة أحاديث ذكرت له على أمل أن يلقى أحد الصحابة هناك فيسأله عنها3. وحدث الشعبي رجلا بحديث ثم قال له "أعطيناكها بغير شيء قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة"4. وعن أبي العالية الرياحي قال، كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم5. ففي جيل التابعين يبرز عامل جديد يحفز طلاب الحديث إلى الرحلة، ذلك هو طلب الإسناد العالي، فهو أخصر طرق الحديث المتصلة. فبدل أن يأخذ التابعي عن تابعي أخذ بدوره الحديث عن صحابي، يرحل إلى ذلك الصحابي فيروي الحديث عنه مباشرة. وقد كان لظهور الوضع   1 الدارمي: سنن 1/ 136، والخطيب: الرحلة في طلب الحديث، ص63، لكنه يسميه "بشرط وهو تصحيف "أنظر ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 438". وابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 95. 2 الرامهرمزي: المحدث الفاصل، ق18و 1. الخطيب: الكفاية, 402. 3 الرامهرمزي: المحدث الفاصل، ق18، 1. 4 البخاري: الصحيح 1/ 35. وابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 94، والخطيب: الكفاية، 402. 5 الدارمي: سنن 1/ 136. الخطيب: الكفاية، 402-403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 في الحديث أثر في تنشيط هذه الرحلات العلمية طلبا للحديث من مظانه، وتدقيقا لمصادره، وبحثا عن أصوله، وتحريا عن رواته. وقد ذكر شعبة بن الحجاج "ت160هـ" أنه سمع أبا أسحاق يحدث عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث "من توضأ فأحسن الوضوء دخل من أي أبواب الجنة شاء" فساله شعبة: سمعت عبد الله بن عطاء يحدث عن عقبة بن عامر؟ قال أبو إسحاق: سمعت عبد الله بن عطاء، قال شعبة: عبد الله سمع عقبة بن عامر؟ فقال أبو إسحاق أسكت، فقال شعبة لا أسكت. وكان مسعر بن كدام حاضرا فالتفت إلى شعبة وقال: يا شعبة عبد الله بن عطاء حي بمكة. فخرج شعبة إلى مكة فلقي عبد الله بن عطاء وسأله عن حديث الوضوء من رواه؟ فأجاب: عقبة بن عامر، فاستحلفه شعبة هل سمعت منه؟ قال لا، حدثني سعد بن ابراهيم، فمضى شعبة إلى المدينة حيث لقي هناك سعد بن ابراهيم فسأله. فأجاب: من عندكم خرج حدثني زياد بن مخراق. فانحدر شعبة إلى البصرة فلقي زياد بن مخراق وهو شاحب اللون وسخ الثياب كث الشعر فسأله فقال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة. فقال شعبة: هذا حديث صعد ثم نزل دمروا عليه ليس له أصل1. وهذا الجهد الكبير والمشقة البالغة والسفر الطويل كله للتحقق من صحة حديث واحد وليس شعبة بن الحجاج هو الوحيد في هذا الميدان. فهذا المؤمل بن إسماعيل ذكر عنده الحديث الذي يروي عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن فقال: لقد حدثني رجل ثقة سماه قال أتيت المدائن فلقيت الرجل الذي يروي هذا الحديث فقلت له حدثني فإني أريد أن آتي البصرة فقال: هذا الرجل الذي سمعناه هو بواسط في أصحاب القصب قال فأتيت واسطا فلقيت الشيخ فقال: إن هذا الذي سمعت منه هو بالكلاء فأتيت البصرة فلقيت الشيخ.   1 ابن حبان: معرفة المجروحين من المحدثين 1/ ق9و2-ق10و1-2، والخطيب: الرحلة في طلب الحديث، ص64-65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 بالكلاء فقلت له: حدثني فإني أريد أن آتي عبادان. فقال إن الشيخ الذي سمعناه منه هو بعبادان فأتيت عبادان فلقيت الشيخ فقلت له اتق الله ما لهذا الحديث؟ أتيت المدائن -فقصصت عليه- ثم واسطا ثم البصرة فدللت عليك، وما ظننت إلا أن هؤلاء كلهم قد ماتوا فأخبرني بقصة هذا الحديث؟ فقال: إنا اجتمعنا فرأينا النسا قد رغبوا عن القرآن وزهدوا فيه وأخذوا في هذه الأحاديث فوضعنا لهم هذه الفضائل حتى يرغبوا فيه1. وهكذا كان للوضع في الحديث أثر في تنشيط الرحلة في طلب العلم للتحقق من الأحاديث ومعرفة مصادرها، كما كان لاستمرار طلب الإسناد العالي دور في ذلك وقد قال الإمام "طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"2 وقال "طلب علو الإسناد من الدين"3. لذلك إتسع نطاق الرحلة في طلب العلم في القرنين الثاني والثالث، ويقدم الرامهرمزي "ت360هـ" قائمة بأسماء المحدثين الذين رحلوا في الأقطار ورتبهم على الطبقات فذكر من رحلوا إلى عدة أقطار ثم ذكر من قصد ناحية واحدة للقاء من بها من العلماء4، وهذه الأقطار هي مراكز الثقافة في العالم الإسلامي آنذاك، والمدن والأقطار التي كان يقصدها طلاب العلم للقاء من بها من العلماء كما تشير أخبار الرحالين هي: المدينة ومكة والكوفة والبصرة والجزيرة والشام واليمامة واليمن ومصر ومرو والري وبخاري. وهي مراكز يكثر فيها العلماء وتنشط فيها الرواية، وترجم لعلماء معظمها ابن سعد وخليفة بن خياط في كتابيهما في الطبقات. وكان للرحلة أثر في شيوع الأحاديث وتكثير طرقها، كما كان لها أثر في معرفة الرجال بصورة دقيقة لأن المحدث يذهب إلى البلدة فيتعرف على علمائها.   1 الخطيب: الكفاية، 401. العراقي: فتح المغيث 130-131. 2 ابن الصلاح: مقدمة، ص105. 3 الخطيب: الرحلة في طلب الحديث، ص47. 4 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 2/ ق19 و1-2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ويخالطهم ويسألهم، ولولا الرحلة لتنوع علم الأقاليم المختلفة واتسع الخلاف في الأحكام. وقد أدرك العلماء أهمية الرحلة فلما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن طالب العلم هل يلزم رجل عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ أجاب: يرحل ويكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة ويشام الناس يسمع منهم1. وروى عن يحيى بن معين أنه قال "اربعة لا تؤنس منهم رشدا، منهم رجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث"2. وقال إبراهيم بن أدهم "أن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث"3 ولكن الرحلة المقصودة هي التي تحقق هدفا واضحا، وليست مجرد سفر يضيع الوقت والجهد لتبادل التحيات والأشواق، قال الخطيب "المقصود بالرحلة في الحديث أمران: أحدهما تحصيل علو الإسناد وقدم السماع، والثاني: لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة عنهم فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة فالاقتصار على ما في البلد أولى"4. وقد كان الراحلون يلتذون في الرحلة، فهذا رجل وفد إلى يزيد بن هارون من حران ينشد: أقبلت أهوى على حيزوم طاوية ... في لجة اليم لا ألوي على سكن حتى أتيت إمام الناس كلهم ... في الدين والعلم والآثار والسنن أبغي به الله لا الدنيا وزخرفها ... ومن تغنى بدين الله لا يهن   1 العراقي: فتح المغيث 3/ 86، ويشام: يختبر. 2 الخطيب: الرحلة، ص47، والمصدر السابق 3/ 86. 3 العراقي: فتح المغيث 2/ 87، والخطيب: الرحلة في طلب الحديث، ص47. 4 العراقي: فتح المغيث 2/ 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 يا لذة العيش ما [قد] قلت حدثنا ... عوف وبشر عن الشعبي والحسن1 وقال آخر رحل إلى سفيان بن عيينة بمكة: سيري نجا وقاك الله من عطب ... حتى تلاقي بعد البيت سفيانا سمح الأنام ومن جلت مناقبه ... لاقى الرجال وحاز العلم أزمانا2 ولولا الرحلة في طلب العلم لوجد طابع فكري محلي في كل مدينة من المدن الإسلامية بسبب العزلة العلمية، لكن الروح الواسعة التي تحلى بها العلماء دفعتهم إلى جوب الآفاق وأخذ العلم من شتى المراكز الفكرية في العالم الإسلامي ولو اهتم المحدثون بتدوين أخبار الرحلات وأوصاف المدن لقدموا معلوات غزيرة كتلك التي نجدها في كتب الرحلات المتأخرة مثل رحلة ابن جبير ورحلة ابن بطوطة. ولكن المحدثين لم يهتموا بغير الحديث الذي كان هدف هذه الرحلات. إن ما حققته هذه الرحلات من امتزاج علم الأمصار يظهر بوضوح في مجاميع الحديث التي دونت خلال القرن الثالث الهجري وقد عملت هذه الرحلات على تقليل أثر العصبية والمنافسة في الحديث بين الأمصار، لذلك نجد أن المنافسة في الفقه بين مدرسة العراق ومدرسة المدينة وظهور العصبية للرأي في النصف الأول من القرن الثاني الهجري يبدو أوضح بكثير من المنافسة بين الأمصار في الحديث، وأحسب أن الرحلة في طلب العلم وما ولدته من امتزاج علم الأمصار المختلفة إضافة إلى عدم احتمال علم الحديث ما احتمله علم الفقه من اتساع في الخلاف بسبب تباين الأفهام والمدارك وتباين الأعراف المحلية وما يستتبعه من اختلاف الحاجيات بين مصر وآخر، لكل ذلك أثر في تقليل العصبية المحلية بين المحدثين، كما أنه لا توجد لدينا مدارس متبلورة في الحديث كما هو الشأن في الفقه، وإن كانت هناك شروط ومقاييس في قبول الرواية أو رفضها والأخذ عن الرجل أو رده، ولكنها شروط فردية تتباين بين محدث وآخر لا مدرسة وأخرى ولا مصر وآخر.   1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل 2/ ق18و2. والزيادة يقتضيها الوزن. 2 المصدر السابق 2/ ق 18و 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 تدوين الحديث : الكتابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : لم يكن العرب قبل الإسلام يعتمدون على الكتابة في حفظ أشعارهم وخطبهم وقصص أيامهم ومآثرهم وأنسابهم، بل اعتمدوا على الذاكرة ونمت ملكة الحفظ عندهم فاشتهروا بقوة ذاكرتهم وسرعة حفظهم. ولكن هذا لا يعني عدم وجود من يعرف الكتابةبينهم، ذلك لأن مجتمع مكة التجاري يحاج إلى معرفة بالكتابة والحساب، ولكن عدد الكاتبين كان قليلا ولذلك وصف القرآن الكريم العرب بأنهم أميون فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} 1 وفي الحديث الشريف "إنا أمة أمية لا نكت ولا نحسب" 2. وقد حث الإسلام على العلم، واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم المسلمين الكتابة، فأذن لأسرى بدر أن يفدوا أنفسهم بتعليم عشرة من صبيان الأنصار القراءة والكتابة3.   1 سورة الجمعة: الآية2. 2 مسلم: الصحيح, ص761، "كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال". 3 ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 22 واختصاص الأنصار بذلك لأن المهاجرين كان فيهم الكاتبون ولم يكن في الأنصار ذلك. وأبو عبيد: الأموال، ص115. ويذكر المقريزي: امتاع الأسماع، ص101، أن زيد بن ثابت ممن علمهم أسرى بدر الكتابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وكان بعض المسلمين يتعلمون القراءة والكتابة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تطوع بعض المعلمين بتعليمهم مثل عبد الله بن سعيد بن العاص وسعد بن الربيع الخزرجي وبشير بن ثعلبة وأبان بن سعيد بن العاص1، فكثر عدد الكاتبين حتى بلغ عدد كتاب الوحي زهاء أربعين كاتبا2 ناهيك عن كتاب الصدقات والرسائل والعهود.   1 أنظر عنهم ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 64. وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/ 531. والعسقلاني: إصابة 1/ 10. 2 ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/ 315-316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 كتابة الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : ومع وجود عدد من الكتاب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقيامهم بتدوين القرآن الكريم، فإنهم لم يقوموا بجمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكتابته بشمول واستقصاء بل اعتمدوا على الحفظ والذاكرة في أغلبة ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولعله أراد المحافظة على ملكة الحفظ عندهم، خاصة وأن الحديث تجوز روايته بالمعنى خلاف القرآن الكريم الذي هو معجز بلفظه ومعناه، ومن ثم فلا تجوز روايته بالمعنى، لذلك اقتضت الحكمة حصر جهود الكاتبين في نطاق تدوين القرآن الكريم، وللتخلص من احتمال حدوث التباس عند عامة المسلمين فيخلطوا القرآن بالحديث إذا اختلطت الصحف التي كتب فيها القرآن بصحف الحديث، خاصة في الفترة المبكرة عندما كان الوحي ينزل بالقرآن الكريم ولما يكمل الوحي، ولما يعتد عامة المسلمين على أسلوب القرآن. وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن كتابة الحديث كما وردت أحاديث تسمح بالكتابة. فأما أحاديث النهي عن الكتابة فهي: 1- "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ولا حرج" أخرجه مسلم1 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. 2- قال أبو سعيد الخدري "جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتاب فأبى"2. 3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نكتب الأحاديث فقال: "ما هذا الذي تكتبون؟ " قلنا: أحاديث نسمعها منك. قال: كتاب غير كتاب الله! أتدرون؟ ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى"3. وأقوى هذه الأحاديث حديث أبي سعيد الخدري الأول الذي أخرجه مسلم في صحيحه. وأما أحاديث السماح بالكتابة فهي: 1- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش, وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فامسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: "أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" 4. 2- حديث أبي هريرة "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"5.   1 مسلم: الصحيح، ص2298، "كتاب الزهد والرقاق - باب التثبت في الحديث". 2 الخطيب البغدادي: تقييد العلم، ص32-33. 3 المصدر السابق، ص34. 4 الدارمي: سنن 1/ 125. والخطيب: تقييد العلم، ص74. 5 البخاري: الصحيح 1/ 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 3- حديث أبي هريرة: "أن رجلا أنصاريا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة حفظه فقال: "استعن بيمينك" 1. 4- طلب رجل من أهل اليمن يوم فتح مكة من الصحابة أن يكتبوا له خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: "اكتبوا لأبي شاه" 2. 5- حديث أنس "قيدوا العلم بالكتاب" 3. 6- حديث رافع بن خديج: قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: "اكتبوا ولا حرج" 4. 7- كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم5. 8- قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه "آتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" 6. 9- كتابة النبي للصحيفة بين المهاجرين والأنصار وبين المسلمين واليهود.   1 الخطيب: تقييد العلم، ص67. والترمذي: العلم 5/ 39. 2 البخاري: الصحيح 1/ 38، لكنه يذكر "لأبي فلان" بدل "لأبي شاه". والخطيب: تقييد العلم، ص89. 3 الخطيب: تقييد العلم، ص70، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 72. وقد ورد هذا الحديث من طرق عديدة بعضها ضعيف "انظر تقييد العلم للخطيب، ص68 حاشية 129، وص70 حاشية 134، وانظر صبحي الصالح: علوم الحديث ومصطلحه، ص21 حاشية 1". 4 السيوطي: تدريب الراوي، ص286. 5 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 71. 6 البخاري: الصحيح 1/ 29. ومسلم: الصحيح، ص1257، "كتاب الوصية - باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 رأي العلماء في تعارض هذه الأحاديث : لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث خشية اختلاطه بالقرآن الكريم الذي لم يكن قد جمع بعد، وكذلك خشية انشغال المسلمين بالحديث عن القرآن وهم حديثو عهد به، وإلى ذلك ذهب الرامهرمزي "ت360هـ" بقوله تعقيبا على حديث أبي سعيد الخدري: "وحديث أبي سعيد: حرصنا أن يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب فأبى، فأحسبه أنه كان محفوظا في أول الهجرة، وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن"1 وأما أبو سليمان الخطابي "ت388هـ" فقال: وجهه -والله أعلم- أن يكون إنما كره أن يكتب شيء مع القرآن في صحيفة واحدة أو يجمع بينهما في موضع واحد تعظيما للقرآن وتنزيها له أن يسوى بينه وبين كلام غيره2. ولذلك فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة المتقنين للكتابة أن يكتبوا الحديث مثل عبد الله بن عمرو بن العاص حيث اطمأن إلى عدم خلطه القرآن بالحديث. وذهب بعض العلماء -ورأيهم ينسجم مع ما ذكر آنفا- إلى أن أحاديث السماح بالكتابة نسخت أحاديث النهي عنها، وذلك بعد أن رسخت معرفة الصحابة بالقرآن فلم يخش خلطهم له بسواه، وممن ذهب إلى النسخ من المتقدمين ابن قيتة الدينوري3 ومن المعاصرين الشيخ أحمد محمد شاكر4. وهذا الرأي لا يتعارض مع تخصيص بعض الصحابة مثل عبد الله بن عمرو بالإذن في وقت النهي العام لأن إبطال المنسوخ بالناسخ لا علاقة له ولا تأثير في تخصيص بعض أفراد العام قبل نسخه5.   1 الرامهرمزي: المحدث الفاصل، 71أ. 2 الخطابي: غريب الحديث 1/ 632. 3 أنظر تأويل مختلف الحديث، ص365. 4 أنظر الباعث الحثيث، ص133. 5 صبحي الصالح: علوم الحديث ومصطلحه، ص11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 كتابة الحديث في جيل الصحابة : كما وردت أحاديث في النهي عن الكتابة والسماح بها، كذلك وقف الصحابة مواقف متباينة من كتابة الحديث، فمنهم من كره الكتابة، ومنهم من أجازها، ومنهم من روي عنه الأمران؛ كراهية الكتابة وإجازتها وهذه مواقف بعض كبار الصحابة الذين كرهوا كتابة الحديث: 1- جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه خمسمائة حديث ثم أحرقها1. 2- استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة في تدوين الحديث، ثم استخار الله تعالى في ذلك شهرا ثم عدل عن ذلك وقال: "إني كنت أريد أن أكتب السنن، وأني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وأني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا"2. 3- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حين اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم"3. 4- أتي عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث فدعا بماء فمحاها، وقال بهذا أهلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون4. 5- وردت روايات تدل على كراهية صحابة آخرين للكتابة وهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وأبو موسى الشعري، وقد أوضح كل من هؤلاء   1 الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 5. 2 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 64، والخطيب: تقييد العلم، ص50. 3 ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 63. 4 المصدر السابق 1/ 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الصحابة أن سبب كراهته كتابة الحديث خوفه من انشغال الناس بها وانصرافهم عن القرآن الكريم. أما مواقف الصحابة التي تدل على تجويزهم الكتابة فهي: 1- كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنس بن مالك فرائض الصدقة التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم1. 2- كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعتبة بن فرقد بعض السنن2، ووجد في قائم سيفه صحيفة فيها صدقة السوائم3. 3- كان عند علي رضي الله عنه صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر4. 4- وردت أخبار عن سماح بعض الصحابة الآخرين بالكتابة مثل السيدة عائشة وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب وأنس بن مالك والحسن بن علي وعبد الله بن أبي أوفى وفيمن ذكرتهم من كان يكره الكتابة ثم أجازها، ولا تناقض في ذلك لأن سبب كراهتهم هو أن تختلط بالقرآن، أما حين يؤمن من ذلك فإنهم كانوا يجيزون كتابة الحديث. ولذلك فقد كتب بعضهم الأحاديث في الصحف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته. وفيما يلي ذكر ما عرف منها:   1 أحمد: المسند 1/ 11. 2 المصدر السابق 1/ 16. 3 الخطيب: الكفاية، ص353. 4 البخاري: الصحيح 1/ 38؛ وقد تكون هذه الصحيفة جزءا من الوثيقة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لتنظيم العلاقات بين سكانها حيث ذكر ابن سعد أن هذه الصحيفة كانت في جفن سيف النبي المسمي ذو الفقار، فلعل عليا أخذها من جفن السيف، فتكون مما كتب للنبي صلى الله عليه وسلم "انظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 486". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 أمثلة الصحف التي كتبها الصحابة في الحديث : 1- صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري1. 2- صحيفة عبد الله بن أبي أوفى2. 3- نسخة سمرة بن جندب "ت60هـ" جمع فيها أحاديث كثيرة3. 4- كتاب أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه استفتاح الصلاة4. 5- كتب أبي هريرة5. 6- صحيفة أبي موسى الأشعري6 "ت50هـ". 7- صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري "ت78هـ"7. 8- الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص "ت65هـ"8، وقد نقل الإمام أحمد محتواها في مسنده9.   1 الترمذي: سنن "كتاب الأحكام، باب اليمين مع الشاهد". 2 البخاري: الصحيح، "كتاب الجهاد"، أبواب الصبر عند القتال وإذا لم يقاتل في أول النهار صبر، ولا تمنوا لقاء العدو. 3 العسقلاني: تهذيب التهذيب 4/ 236. 4 الخطيب: الكفاية، ص330. 5 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 73؛ وقد طبعت صحيفة أبي هريرة بتحقيق محمد حميد الله. 6 مخطوطة في مكتبة شهيد علي بتركيا "انظر صبحي السامرائي: مقدمته لكتاب الخلاصة في أصول الحديث للطيبي, ص10". 7 ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/ 467؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 43؛ ويذكر الذهبي أنها في مناسك الحج. مخطوطة في مكتبة شهيد علي بتركيا "انظر صبحي السامرائي: مقدمته لكتاب الخلاصة في أصول الحديث للطيبي، ص10". 8 ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 73؛ والخطيب: تقييد العلم, ص84-85. وذكر ابن الأثير في أسد الغابة 3/ 233 أن عبد الله بن عمرو حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف مثل. 9 أحمد: المسند 2/ 158-226. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 9- صحيفة أبي سلمة نبيط بن شريط الأشجعي الكوفي1. 10- الصحيفة الصحيحة لهمام بن منبه "ت131هـ" دونها ورواها عن أبي هريرة "ت59هـ"، وتضم 138 حديثا، وقد ذكرت الصحيفة الصحيحة ضمن ما كتبه الصحابة لأنها في الحقيقة لأبي هريرة2.   1 مخطوطة في دار الكتب الظاهرية حديث 279، وتقع في 13 ورقة ومنها نسخة أخرى في فيض الله 259/ 4 "انظر سزكين: تاريخ التراث العربي، ص255". 2 طبعت بتحقيق محمد حميد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 كتابة الحديث في جيل التابعين فما بعدهم : امتنع بعض كبار التابعين عن الكتابة مثل عبيدة بن عمرو السلماني "ت72هـ" وإبراهيم بن يزيد التيمي "ت92هـ" وجابر بن زيد "ت93هـ" وإبراهيم بن يزيد النخعي "ت96هـ" وعامر الشعبي "ت103هـ"1. ولكن البعض الآخر منهم كان يكتب الحديث مثل سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب "ت94هـ" وعامر الشعبي والضحاك بن مزاحم "ت105هـ" والحسن البصري "ت110هـ" ومجاهد بن جبر "ت103هـ" ورجاء بن حيوة "ت112هـ" وعطاء بن أبي رباح "ت114هـ" ونافع مولى ابن عمر "ت117هـ". وقتادة السدوسي "ت118هـ"2. ويبرز من جيل التابعين عدد من العلماء الذين اهتموا بكتابة الحديث واحتفظوا بأجزاء وصحف كانوا يروونها مثل:   1 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 67؛ والخطيب: تقييد العلم، ص45، 46، 48. 2 الدارمي: سنن 1/ 126، 129. ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/ 72، 73، 74، 75. الخطيب: تقييد العلم، ص99، 100، 102، 103، 105، 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي "ت126هـ" الذي كتب بعض حديث الصحابي جابر بن عبد الله وحديث غيره1. وأبي عدي الزبير بن عدي الهمداني الكوفي "ت131هـ"2. وأبي العشراء الدارمي: أسامة بن مالك3. وزيد بن أبي أنيسة أبي أسامة الرهاوي "ت125هـ"4. وأيوب بن أبي تميمة السختياني "ت131هـ"5. ويونس بن عبيد بن دينار العبدي "ت139هـ"6. وأبي بردة بريد بن عبد الله بن أبي بردة7. وحميد بن أبي حميد الطويل "ت143هـ"8.   1 وصل إلينا من آثار "أحاديث أبي الزبير عن غير جابر" جمعها أبو الشيخ الأنصاري "ت369هـ" مخطوطة في الظاهرية مجموع 53-3، وتقع في 18 ورقة "سزكين: تاريخ التراث، ص257-258". 2 وصل إلينا بعض حديثه الظاهرية، مجموع 24، ويقع في 8 ورقات "سزكين، ص258". 3 وصل إلينا بعض حديثه الظاهرية مجموع 25- 1، 5 ورقات، "سزكين تاريخ التراث العربي، ص258". 4 وصل إلينا بعض حديثه جمعه هلال بن العلاء الباهلي المتوفي "280هـ" في الظاهرية، مجموع 4-2 وتقع في 16 ورقة. "سزكين، ص259". 5 وصل إلينا بعض حديثه جمعه إسماعيل بن إسحاق القاضي البصري "ت282هـ". ظاهرية مجموع 4-2، وتقع في 15 ورقة. "سزكين: تاريخ التراث العربي، 259". 6 وصل إلينا بعض حديثه جمعه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني "ت430هـ"، ظاهرية مجموع 103، ويقع في 13. "سزكين، ص259". 7 وصل إلينا بعض حديثه مما اختاروه أبو الحسن الدارقطني. شهيد علي، 541، ويقع في 9 ورقات "سزكين، 260". 8 وصلت إلينا صحيفته عن أنس بن مالك وهي مخطوطة في شهيد علي، 539، وتقع في 13 ورقة "سزكين 1/ 261". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وهشام بن عروة بن الزبير "ت146هـ"1. وأبي عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب "ت147هـ"2. وقد حملت كراهية بعض التابعين للكتابة على أنهم كرهوا تدوين آرائهم وفتاويهم مع الحديث، وكذلك خوفهم من الاعتماد على الكراريس وإهمال الحفظ. وقد سعى عبد العزيز بن مروان والي مصر "وليها من سنة 65هـ إلى سنة 85هـ" إلى جمع الحديث وتدوينه، فكتب إلى كثير بن مرة الحضرمي -الذي أدرك سبعين بدريا- أن يكتب له ما سمعه من أحاديث الصحابة سوى أبي هريرة لأن حديثه كان مجموعا عنده3، ولكننا لا نعلم شيئا عن نتيجة هذه المحاولة. ثم جاء ابنه عمر بن عبد العزيز بن مروان إلى الخلافة، فكتب إلى أبي بكر بن حزم عاملة على المدينة "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم أو سنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله"4. وأراد منه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية "ت98هـ"4. والقاسم بن محمد بن أبي بكر "ت120هـ"5.   1 وصل إلينا "العوالي من حديثه" ظاهرية مجموع 61، ويقع في 16 ورقة. "سزكين، 260". 2 وصل إلينا جزء من حديثه، ظاهرية مجموع 105، وتقع في 17 ورقة "سزكين 1/ 261". 3 ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/ 448؛ والعسقلاني: تهذيب التهذيب 8/ 429. 4 الدارمي: سنن 1/ 126؛ وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 387. والكتاني: الرسالة المستطرفة، ص3؛ وانظر أبو عبيد: الأموال، ص358-359، حيث يذكر طلب عمر بن عبد العزيز بمن آل عمرو بن حوزم أن ينسخوا له كتاب النبي "صلى الله عليه وسلم" في الصدقات ففعلوا. 5 ابن أبي حاتم: تقدمة المعرفة، ص21. وقد خص عمرة والقاسم لأنهما أعلم الناس بحديث عائشة رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وكتب عمر إلى علماء المدن الإسلامية الأخرى "انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه"1، ولكن عمر بن عبد العزيز عاجلته المنية قبل أن يبعث إليه أبو بكر بن حزم بما جمعه2. وعلى أية حال فإن هذا الجمع لم يكن شاملا. أما المحاولة الشاملة فقد قام بها إمام جليل آخر هو محمد بن شهاب الزهري "ت124هـ" حيث استجاب لطلب عمر بن عبد العزيز، وكان شغوفا بجمع الحديث والسيرة فجمع حديث المدينة وقدمه إلى عمر بن عبد العزيز الذي بعث إلى كل أرض دفترا من دفاتره3. وكانت هذه هي المحاولة الأولى لجمع الحديث وتدوينه بشمول واستقصاء. وبذلك مهد الطريق لمن أعقبه من العلماء المصنفين في القرن الثاني الهجري حيث نشطت حركة تدوين الحديث ودأب العلماء على ذلك، وكان لفشو الوضع في الحديث أثر في تأكيدهم على التدوين حفظا للسنة ومنعا للتلاعب فيها. وممن اشتهر بوضع المصنفات في الحديث: 1- أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج "ت150هـ" بمكة. 2- محمد بن إسحاق "ت151هـ" بالمدينة. 3- معمر بن راشد4 "ت153هـ" باليمن. 4- سعيد بن أبي عروبة "ت156هـ" بالبصرة. 5- أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي "ت156هـ" بالشام. 6- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب "ت158هـ" بالمدينة.   1 العسقلاني: فتح الباري 1/ 204؛ وانظر الكتاني: الرسالة المستطرفة، ص4. 2 الكتاني: الرسالة المستطرفة، ص4. 3 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 76. 4 يقع مسنده في عشرة أجزاء وصل إلينا منها الخمسة أجزاء الأخيرة وهي مخطوطة في تركيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 7- الربيع بن صبيح "ت160هـ" بالبصرة. 8- شعبة بن الحجاج "ت160هـ" بالبصرة. 9- أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري "ت161هـ" بالكوفة. 10- الليث بن سعد "ت175هـ" بمصر. 11- أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار "ت176هـ" بالبصرة. 12- الإمام مالك بن أنس "ت179هـ" بالمدينة حيث صنف "الموطأ" و"توخى فيه القوى من حديث أهل الحجاز"1 وهو مطبوع. 13- عبد الله بن المبارك "ت181هـ" بخراسان2. 14- هشيم بن بشير "ت188هـ" بواسط. 15- جرير بن عبد الحميد الضبي "ت188هـ" بالري. 16- عبد الله بن وهب "ت197هـ" في جامعة3. 17- سفيان بن عيينة "ت198هـ" بمكة4. 18- وكيع بن الجراح الرؤاسي5 "ت197هـ".   1 ابن حجر: فتح الباري، ص4، ولذلك رأى ابن العربي أن الإمام مالك أول من صنف الصحيح "الرسالة المستطرفة"، ص6، ولكن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن البخاري أول من صنف في الصحيح لأن الموطأ يحتوي على المرسل والمنقطع والبلاغات، وإن كان العلماء قد وصلوها جميعا من غير طريق مالك. 2 طبع من مصنفاته كتاب الزهد والرقائق وكتاب الجهاد ويوجد قسم من مسنده مخطوطا في الظاهرية، مجموع 18/ 5، ويقع في 18 ورقة "سزكين 1/ 70-271". 3 منه نسخة قديمة في مكتبة تشستر بتي بدبلن، ذكرها آربري تحت رقم 3497؛ وقد طبع جامع ابن وهب في المعهد الفرنسي. 4 بقيت أوراق من حديثه "سزكين 1/ 273" كما بقي جزء من حديثة في 6 أوراق في مكتبة الشيخ سليمان بن صالح بن بسام الخاصة بعنيزة. 5 بقيت أوراق من كتاب الزهد له وأوراق من حديثه "سزكين 1/ 274". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 19- عبد الرازق بن همام الصنعاني1 "ت211هـ". 20- سعيد بن منصور صاحب السنن2. 21- ابن أبي شيبة صاحب المصنف3. "وكانت طريقتهم في جمع الحديث أنهم يضعون الأحاديث المتناسبة في باب واحد ثم يضعون جملة من الأبواب بعضها إلى بعض، ويجعلونها في مصنف واحد ويخلطون الأحاديث بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين"4. وقد حملت المصنفات الأولى هذه عناوين مثل "مصنف" و"سنن" و"موطأ" و"جامع" وجمعت مادتها من الأجزاء والصحف التي دونت قبل مرحلة التصنيف5. وفي القرن الثالث الهجري استمر نشاط العلماء في التدوين وبداوا يقصرون المصنفات على الأحاديث حاذفين أقوال الصحابة والتابعين من كتب الحديث، وقد رتبوا الأحاديث على طريقة المسانيد بأن جمعوا أحاديث كل صحابي على حدة وإن تباينت المواضيع التي تناولتها، وممن عرف من أوائل المصنفين للمسانيد: 1- عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري "ت200هـ". 2- أبو دؤاد الطيالسي "ت204هـ"6. 3- محمد بن يوسف الفريابي "ت212هـ". 4- أسد بن موسى الأموي "ت212هـ". 5- عبيد الله بن موسى العبسي "ت313هـ".   1 طبع مصنفه بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. 2 مطبوع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. 3 مطبوع. 4 محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، 244. 5 سزكين: تاريخ التراث العربي، ص262. 6 طبع في حدر آباد الدكن، 1321هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 6- عبد الله بن الزبير الحميدي1 "ت219هـ". 7- أحمد بن منيع البغوي "ت224هـ". 8- نعيم بن حماد الخزاعي2 "ت228هـ". 9- مسدد بن مسرهد البصري "ت228هـ". 10- أبوالحسن علي بن الجعد الجوهري3 "ت230". 11- عبد الله بن محمد الجعفي المسندي "ت229هـ". 12- يحيى بن معين4 "ت233هـ". 13- أبو خيثمة زهير بن حرب "ت234هـ". 14- أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان5 = ابن أبي شيبة "ت235هـ". 15- إسحاق بن راهويه "ت238هـ"6.   1 طبع المجلد الأول من مسنده في كراتشي، 1963م. 2 بقي في مصنفاته "كتاب الفتن" مخطوطا في المتحف البريطاني المخطوطات الشرقية 9449، وعاطف 602، "سزكين 1/ 288". 3 وصل إلينا بعض أجزائه "سزكين 1/ 289". 4 اطلعت على قطعة مخطوطة في الظاهرية كتب على أولها "الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين"، والأحاديث فيها متنوعة، ولم يرتبها على أسماء الصحابة ولا وفق ترتيب آخر، وفي آخره مذكور "فوائد يحيى بن معين" وليس بالسؤالات، وهو رواية القاضي أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي عنه. 5 منه 19 ورقة مخطوطة في دار الكتب الظاهرية مجموع 38/ 12 "سزكين 1/ 292". ومنه الجزء الثاني في مكتبة الأوقاف التابع للخزانة العامة بالرباط تحت رقم 798. وقد طبع مصنف ابن أبي شيبة في مطبعة دائرة المعارف العثمانية. 6 المجلد الرابع منه مخطوط في الكتب المصرية "2" 1: 146، حديث 454 ويقع في 306 ورقات وفي الظاهرية عام 941 تسع أوراق منه "سزكين 1/ 298". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 16- أحمد بن حنبل "ت240هـ"، وهو مطبوع. 17- خليفة بن خياط "ت240هـ". 18- إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي "ت242هـ". 19- أبو محمد الحسن بن علي الحلواني "ت242هـ". 20- عبد بن حميد1 "249هـ". 21- إسحاق بن منصور "ت251هـ". 22- محمد بن هشام السدوسي "ت351هـ". 23- عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي "ت255هـ"، طبع منه المجلد الأول. 24- أحمد بن سنان القطان الواسطي "ت259هـ". 25- محمد بن مهدي "ت272هـ". 26- بقي بن مخلد "ت276هـ"2. 27- أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة داهر التميمي3. "ت282هـ".   1 وصل إلينا وهو جزء ضخم بخط مشرقي صحيح ينقصه من أوائله القليل وهو مخطط في مكتبة جامعة القرويين تحت رقم 51 "159/80". "انظر: قائمة لنوادر المخطوطات العربية في جامعة القرويين، ص15". وانظر ما تبقى منه في أماكن أخرى "سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 303". ما تبقى منه في أماكن أخرى "سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 303". 2 قال الحافظ ابن حجر "النكت"، ص242: "كما روينا عن إسحاق ابن راهويه أنه انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يخرجه ونحا بقي بن مخلد في مسند نحو ذلك". 3 منه مختارات بعنوان "المنتقى" في دار الكتب المصرية "2" 1: 108، حديث 1259 "في مجموعة" كما يوجد "العوالي المستخرجة من مسند الحارث" في الظاهرية مجموع 101/ 16 "سزكين 1/ 406". وقد خرج زوائده على الصحاح الستة ومسند أحمد الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 28- أبو بكر أحمد بن عمرو البزار1 "ت292هـ". 29- إبراهيم بن معقل النسفي "ت295هـ". 30- أبو العباس الحسن بن سفيان بن عامر النسوي "ت303هـ"2. 31- أبو يعلي أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي "ت07هـ"3. 32- أبو بكر محمد بن هارون الروياني "ت307هـ"4. 33- أبو حفص عمر بن محمد بن بجير الهمداني السمرقندي البجيري "ت311هـ" في كتابه "الجامع المسند"5. 34- أبو العباس محمد بن إسحاق السراج "ت313هـ"6. 35- أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي "ت327هـ"7.   1 يوجد الجزء الأول منه في أول نقص وهو مخطوط في مكتبة جامعة القرويين تحت رقم 61 "ق243" انظر: قائمة لنوادر المخطوطات العربية في جامعة القرويين، ص17، وانظر عن نسخه الأخرى "سزكين 1/ 411". 2 اقتبس منه ابن حجر في الإصابة 1/ 369، 410 "سزكين: تاريخ التراث العربي، ص427". 3 خطوط في شهيد علي، 564، ويقع في 357 ورقة وفي الفاتح 1149، ويقع في 349 ورقة، وفي آصفية 1: 670 حديث 303-306، ويقع في 4 مجلدات. "سزكين: تاريخ التراث، ص429-430". 4 مخطوط في الظاهرية, حديث 278، ومنه المنتقى في الظاهرية عام 3510 "قسم1، 18 ورقة"، "سزكين: تاريخ التراث، ص430". 5 مخطوط في الظاهرية، حديث 276 "قسم 30". 6 بقيت مختارات منه في الظاهرية مجموع2 "67أ-76ب". 7 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 830؛ والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 325 "ط. الطناحي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 36- أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي "ت335هـ" في المسند الكبير1. وقد وصلت إلينا بعض هذه المسانيد كما بينت في الحواشي ولا يمكن الجزم بفقدان المصنفات والمسانيد الأخرى، فهناك الألوف من المخطوطات العربية في مكتبات اسطنبول والمغرب والمكتبات الأخرى في أرجاء العالم التي لا توجد لدينا فهارس شاملة عن بعضها وقد يكون فيها بعض المصنفات والمسانيد التي نحسبها مفقودة. وعلى أية حال فإن هذه المسانيد لم تقتصر على جمع الحديث الصحيح، بل احتوت على الأحاديث الضعيفة أيضا مما يجعل من الصعوبة الإفادة منها إلا من قبل العلماء المتضلعين في الحديث وعلومه. وكذلك فإن طريقة الترتيب تجعل من الصعوبة الوقوف على أحاديث حكم معين لأنها لم ترتب على أبواب الفقه. مما حدا بالإمام محمد بن إسماعيل البخاري "ت256هـ" إلى تصنيف كتابه "الصحيح" الذي يقتصر على الأحاديث الصحيحة2 وإن كان لا يستوفيها جميعا وجرى منواله الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري "ت361هـ" في صحيحه، وقد رتبا صحيحهيهما على أبواب الفقه تسهيلا على العلماء والفقهاء عند الرجوع إليهما في حكم معين. وقد اعتبر العلماء صحيحي البخاري ومسلم أصح كتب الحديث وقد اعتمد كل منهما في تصنيف كتابه على كتب المسانيد وصحف الحديث الأخرى التي تلقاها سماعا عن شيوخه الذين صنفوها أو نقلوها عن مصنيفها بإسنادهم إليهم، إضافة إلى الروايات الشفهية التي أضافها كل من البخاري ومسلم إلى صحيحيهما، وبذلك حفظا مادة كثير من كتب المسانيد المفقودة. وقد تابعهم في الترتيب على أبواب الفقه معاصروهم والمتأخرون عنهم مثل:   1 مخطوط في الظاهرية، حديث 277 "قسم 5، 8، 15"، ويقع في 192 ورقة. 2 لا يعتبر ما فيه من التعليقات والمتابعات والموقوفات من الجامع الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 1- أبو دؤاد، سليمان بن الأشعث السجستاني، "ت275هـ" في السنن. 2- ابن ماجه، محمد بن يزيد، "ت273هـ" في سننه. 3- الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة السلمي، "ت279هـ" في جامعة. 4- النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي، "ت303هـ" في سننه. وقد اعتبر العلماء القرن الثالث أسعد عصور السنة وأزهاها ففيه دونت الكتب الستة التي اعتمدتها الأمة، ونشطت رحلة العلماء، وكان اعتمادهم على الحفظ والتدوين معا، فكان النشاط العلمي قويا خلاله، فبرز العلماء والنقاد وتجلت ثمار هذا النشاط في تدوين الصحاح. وقد اقتصر دور العلماء في القرون التالية على الجمع بين كتب السابقين أو اختصارها بحذف الأسانيد أو تهذيبها أو إعادة ترتيبها، وهكذا أنصب اهتمامهم على الكتب المدونة، وقلت بينهم الرواية الشفهية، لذك اعتبر الحافظ الذهبي1 رأس سنة ثلثمائة للهجرة الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من نقاد الحديث.   1 الذهبي: لسان الميزان 1/ 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 كتب الرواية المهمة : موطأ مالك : صنفه الإمام مالك بن أنس "ت179هـ" وسماه بالموطأ لأنه وطأ به الحديث أي يسره للناس أو لمواطأة علماء المدينة له فيه وموافقتهم عليه. قال الإمام مالك: "عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ"1. وقد انتقى الإمام مالك أحاديث الموطأ من مائة ألف حديث كان يرويها، واستغرق تصنيفه وتنقيحه أربعين عاما2 ويبلغ عدد أحاديث الموطأ -رواية يحيى بن يحيى الأندلسي عن الإمام مالك- 853 حديثا3، ويختلف عددها لتباين روايات الموطأ عن الإمام مالك وكان دائم التهذيب والتنقيح لموطأه. ويقول أبو بكر الأبهري "جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين 1720 حديثا المسند منها 600 والمرسل 222 والموقوف 613 ومن قول التابعين 285"4.   1 السيوطي: تنوير الحوالك على موطأ مالك، ص7. 2 المصدر السابق، ص7. 3 ابن عبد البر: تجريد التميد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ص258. 4 السيوطي: تنوير الحوالك، ص8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أما عن مرتبه أحاديث الموطأ فقد قدمه جمهور المالكية ومنهم ابن العربي على الصحيحين. ومن العلماء من جعله في طبقة واحدة مع الصحيحين كما فعل الدهلوي الحنفي. على أن جمهور المحدثين يعتبرونه دون مرتبة الصحيحين لاحتوائه على المرسل والمنقطع، وقد احتج أصحاب القولين الأولين بأن المراسيل والمنقطعات التي أوردها الإمام مالك في الموطأ وردت كلها من طرق أخرى متصلة السند1 وقد عده رزين السرقسطي "ت535هـ" والمجد ابن الأثير "ت606هـ" في جامع الأصول سادس الكتب الخمسة "ابن حجر: النكت على ابن الصلاح، ص280"، وقد اهتم العلماء بموطأ مالك فشرحوه وعرفوا برجاله ووصلوا مراسيله ومنقطعاته ومن شروحه المهمة "الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار"2، و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"3 وكلاهما لان عبد البر القرطبي "ت463هـ".   1 السيوطي: تنوير الحوالك، ص8؛ والدهلوي: حجة الله البالغة، 1/ 281؛ وانظر السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص394 "ط. الدار القومية"؛ ومحمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص246-248، وهو يتابع القائلين بأنه في مرتبة الصحيحين؛ وأبو شهبة: إعلام المحدثين، ص59-60. 2 طبع بعضه. 3 طبع منه ثلاث مجلدات بتحقيق مصطفى العلوي ومحمد البكري وصدر عن المطبعة الملكية بالرباط ووصل إلى الحادي عشر الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مسند الإمام أحمد بن حنبل "ت241هـ" : يضم مسند أحمد ما يقرب الأربعين ألف حديث منها عشرة آلاف حديث مكررة، وقد انتقاها من سبعمائة وخمسين ألف حديث1، ويراعي نظام الطبقات في تسلسل الصحابة الذين أسند إليهم الأحاديث فيقدم العشرة المبشرين بالجنة ثم من بعدهم.   1 أبو موسى المديني: خصائص المسند، ص21 "طبع في مقدمة المسند طبعة أحمد محمد شاكر"؛ وابن الجوزي: المصعد الأحمد في ختم مسند أفهام أحمد، ص31 "طبع في مقدمة كتاب المسند طبعة أحمد محمد شاكر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أما عن درجة أحاديث المسند فهو يحتوي أحاديث صحيحة كثيرة وبعضها زيادة على ما في الكتب الستة، كما أن فيه الحديث الحسن والضعيف والمنكر وبعض الأحاديث الموضوعة أيضا لكنها نادرة، ومعظمها وقعت من زيادة ابنه عبد الله أو زيادة أبي بكر القطيعي "رواية عبد الله" على المسند1 كما وقع بعضها -وهو أندر- لأن الإمام أحمد جمع عددا كبيرا من الأحاديث المشهورة وكان ينقحها ويأمر بالضرب على بعضها2 وقد عاجلته المنية قبل إتمام تنقيح المسند3 لذلك وقع فيه بضعة عشر حديثا حكم عليها النقاد بالوضع4 لكن ابن حجر العسقلاني أجاب عنها5 وهو يرى أن ما لا أصل له من أحاديث مسند أحمد لا يزيد على ثلاثة أو أربعة أحاديث. وقد ذكر ابن حجر أن أحاديثه غالبها جياد والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات والقليل من الضفعاف والغرائب والأفراد أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا، وبقي فيها بعده بقية"6. ولا يقلل ذلك من مكانة مسند أحمد أحمد بين مدونات الحديث الجامعة المهمة. وقد أعاد الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي ترتيب المسند على الموضوعات فقسمه إلى كتب وأبواب كما اختصر الأسانيد وسماه "الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد" كما شرحه في كتابه "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني" وقد طبع الفتح وشرحه معا.   1 ابن تيمية: منهاج السنة، ص37. 2 أبو موسى المديني: خصائص المسند، ص27. 3 ابن الجوزي: المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، ص31 "طبع في مقدمة المسند: طبعة محمد أحمد شاكر". 4 الخولي: مفتاح السنة، ص35. 5 وذلك في كتابه "القول المسدد في الذب عن مسند أحمد". 6 ابن حجر: تعجيل المنفعة برجال الأربعة، ص6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 صحيح الإمام البخاري "ت256هـ" : يعتبر كتاب "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"1 للإمام محمد بن إسماعيل البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، عز وجل، عند جمهور المحدثين، وقد انتقاه البخاري من ستمائة ألف حديث2، ولا شك أن معظم هذه الأحاديث كانت مدونة في كتب المسانيد والمصنفات الحديثية الأخرى التي دوهها علماء القرن الثاني الهجر وسمعها البخاري عن شيوخه باسانيدهم إلى مصنفيها لذلك يعبر عن كيفية التحمل بألفاظ السماع3، ومكث البخاري في تصنيفه ست عشرة سنة4، واقتصر فيه على الحديث الصحيح وهو أول من أفرد الصحيح، لكنه لم يستوعب الصحيح فقد صرح بأن ما تركه من الحديث الصحيح أكثر مما أثبت لئلا يطول الكتاب5. ولا يدخل ما فيه من التعاليق والمتابعات والشواهد ضمن الصحيح6. وقد استقرأه العلماء ليتبينوا شرط البخاري في تخريج أحاديثه، فوجوده يشترط إلى جانب عدالة رجال سلسلة إسناده إلى الصحابي، واتصال إسناده، أن يكون الراوي اللاحق في الطبقة الأولى من الرواة عن شيخه، فلو أن الرواة عن الإمام ابن شهاب الزهري يقسمون من حيث الحفظ والإتقان وطول صحبتهم له إلى خمس طبقات، فإن البخاري يخرج لمن هم في الطبقة الأولى من الرواة عن الزهري فهم شرطه،   1 وذكر الحافظ ابن حجر أن البخاري هو الذي سمى كتابه بالمسند الصحيح "توضيح الأفكار، 1/ 231". 2 الخطيب: تاريخ بغداد، 2/ 8؛ وابن حجر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص5. 3 انظر دراسة (Sezgin: Buharinin Kaynaklari) "بالتركية". 4 الخولي: مفتاح السنة، ص37؛ وأبو شهبة: أعلام المحدثين، ص117. 5 الخطيب: تاريخ بغداد، 2/ 8-9؛ وابن حجر: هدي الساري، ص5. 6 ابن كثيرك الباعث الحثيث، ص34، ونبه ابن الصلاح إلى أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم "مثال: قال، روى، جاء، عن" صحيح إلى من علقه عنه ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض "قيل، روي عن، يروي، يذكر" فلا يستفاد منها صحة ولا ما ينافي الصحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وقد يخرج من حديث أهل الطبقة الثانية ما يعتمده من غير استيعاب، ومعظم حديث الطبقة الثانية يخرجه تعليقا1، وربما أخرج اليسير من حديث الطبقة الثالثة تعليقا أيضا، وهذا ينطبق على المكثرين من الرواة أما غيرهم فقد اعتمد في تخريج أحاديثهم على الثقة والعدالة وقلة الخطأ. وقد اشترط البخاري أيضا في العنعنة المعاصرة واللقيا في حين اكتفى مسلم بشرط المعاصرة2. وبذلك يتبين أن شرط البخاري أعلى من شرط مسلم. وقد رتب البخاري أحاديث صحيحه على الموضوعات والأبواب، واعتنى بالفوائد الفقهية والنكات الحكمية فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبا مما ييسر للفقهاء وطلابهم الرجوع إليها والاستنباط منها3، وهي توضح سعة علم البخاري بفقه الحديث. وجميع ما في صحيح البخاري من الأحاديث الموصولة بلا تكرير 2602 حديثا ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يصلها في موضع آخر من الجامع 159 حديثا، وأن جميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات 7397 حديثا، وأن جملة ما في الكتاب من التعاليق 1341 حديثا، وجملة ما فيه من   1 المعلق هو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر "ابن الصلاح: علوم الحديث، ص20"، طبعة نور الدين عتر. وقد ذكر الحافظ ابن حجر "النكت على ابن الصلاح، ص134". أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة، وأن الذي علقه بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن او ضعيف منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده، وقد بينا أنه يبين كونه ضعيفا. 2 أنظر عن شروط البخاري: ابن حجر: هدي الساري، ص7؛ والحازمي: شروط الأئمة الخمسة، ص43-46؛ وابن كثير: الباعث الحثيث، ص25؛ وانظر أبو شهبة: أعلام المحدثين، ص118-121؛ ومحمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص386-388. 3 ابن حجر: هدي الساري، ص6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 المتابعات 344 فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر 9082 حديثا، وهذا الرقم لا يشتمل على ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم1. وقد حظي صحيح البخاري بعناية فائقة من العلماء في سائر العصور فاهتموا بشرحه، ومن أجل شروحه كتاب "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني "ت852هـ"، و"عمدة القارئ" لبدر الدين العيني الحنفي "ت855هـ" و"إرشاد الساري إلى صحيح البخاري" للقسطلاني "ت922هـ" وكلها مطبوعة2. كما قام الحافظ زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي بحذف المكرر وأخبار الصحابة وكل ما لا علاقة له بالحديث من صحيح البخاري وسماه "التجريد الصريح".   1 ابن حجر: هدي الساري, ص468، 470، 478؛ وانظر أبو شهبة: أعلام المحدثين، ص53، حاشية3. 2 انظر عن شروح البخاري سزكين: تاريخ التراث العربي، 312 فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 صحيح الإمام مسلم "ت261هـ" : يعتبر صحيح مسلم في المرتبة الثانية بعد صحيح البخاري عند جمهور المحدثين وإن ذهب بعض علماء المغرب إلى تقديمه على صحيح البخاري1، وسبقهم إلى ذلك من المشارقة أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو علي النيسابوري2، وقال بذلك من الباحثين المحدثين سزكين3، وقد انتقى الإمام مسلم أحاديث صحيحه من ثلثمائة ألف حديث مسموعة4 واستغرق تصنيفه خمس عشرة سنة5 ويبلغ عدد حديثه أربعة آلاف حديث سوى المكرر6، وقد   1 ابن الصلاح: علوم الحديث، ص15 "ط. نور الدين عتر" منهم ابن حزم لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد "توضيح الأفكار، 1/ 46". 2 الخطيب: تاريخ بغداد، 13/ 101. 3 تاريخ التراث العربي، 1/ 353. 4 الخطيب: تاريخ بغداد، 13/ 101. 5 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 589. 6 ابن الصلاح: علوم الحديث، ص17 حاشية1، "ط. نور الدين عتر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قيل أنه -يعني بالمكرر- إثنا عشر ألف حديث1، ولكن الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رقم أحاديثه دون المكرر منها فبلغت 3033 حديث. وقد خرج فيه مسلم عن رجال الطبقة الأولى وهم الحفاظ المتقنون، والطبقة الثانية هم المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان، ولم يخرج فيه لأحد ممن اتفق العلماء -أو أكثرهم- على تضعيفه وتركه. واشترط مسلم في العنعنة المعاصرة ولم يشترط معها ثبوت اللقيا كما هو شرط البخاري. وهكذا، فإن شروط البخاري أعلى من شروط مسلم من حيث اعتماده على الطبقة الأولى من الرواة واشتراطه ثبوت اللقيا2 كما يمتاز صحيح البخاري باحتوائه على استدلالات فقهية لا توجد في صحيح مسلم وبتحريه أحوال الرجال فمن تكلم فيه من رجال البخاري بجرح أقل ممن تكلم فيه من رجال مسلم، كما أن ما انتقد من أحاديث البخاري أقل مما انتقد من أحاديث صحيح مسلم3. ويمتاز صحيح مسلم على صحيح البخاري بعدم تقطيعه الحديث وتكراره الإسناد كما يفعل البخاري -ابتغاء بيان ما فيها من استدلالات فقهية- بل يجمع مسلم المتون كلها بطرقها العديدة في موضع واحد مما يعين الطالب على الإحاطة بالحديث وطرقه4.   1 الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 589. 2 محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص388؛ وأبو شهبة: أعلام المحدثين، ص177-180. 3 الخولي: مفتاح السنة, ص44؛ والسباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص408 "ط. الدار القومية"؛ وأبوشهبة: إعلام المحدثين، 195-198؛ ومحمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص389-393. 4 محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص393؛ وأبو شهبة: إعلام المحدثين، ص180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وقد اقتصر مسلم على ذكر الأحاديث المسندة المرفوعة دون أقوال الصحابة والتابعين، ولم يكثر من التعاليق فسائرها إثنا عشر من المتابعات1. وقد لقي صحيح مسلم قبولا كبيرا عند العلماء فاعتنوا بشرح ومن أحسن شروحه كتاب "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للحافظ أبي زكريا محيي الدين النووي الشافعي "ت676هـ" وقد طبع طبعات عديدة في الهند والقاهرة.   1 ابن كثير: الباعث الحثيث، ص33؛ والنووي: صحيح مسلم بشرحه، ص1/ 18؛ وانظر أبو شهبة: إعلام المحدثين، ص181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كتاب سنن أبي داؤد السجستاني "ت275هـ" : ركز أبو داؤد في كتابه على أحاديث الأحكام دون أحاديث الفضائل والرقائق والآداب، وخرج فيه الحديث الصحيح والحسن والضعيف المحتمل، فإن كان في الحديث وهن شديد نبه عليه1، وشرطه أن لا يخرج عن رجل أجمع النقاد على تركه2 ويبلغ عدد أحاديث سنن أبي داؤد أربعة آلاف وثمانمائة حديث انتقاها من خمسمائة ألف حديث كان قد كتبها3. وأما في ترقيم طبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فبلغت 5274 حديث، ولعل الرقم الأول لم تدخل فيه المراسيل وعددها 600 مرسل فيصبح الاختلاف بين الرقمين يسيرا 126 حديث ربما سببه اختلاف النسخ أو تكرر بعض الأحاديث في عدة مواضع لاشتمالها على عدة أحكام. وقد أجاد أبو داؤد ترتيب أحاديثه فأثنى عليه العلماء ونصحوا المشتغلين بالفقه خاصة بالرجوع إليه، ويقف كتاب سنن أبي داؤد في مقدمة كتب السنن الربعة. وقد طبع كتاب السنن عدة طبعات في الهند والقاهرة.   1 ابن الصلاح: علوم الحديث, ص33؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ, ص592. 2 أبو شهبة: أعلام المحدثين، ص223. 3 الخطيب: تاريخ بغداد، 9/ 57؛ والذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 593. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وقد شرحه عدد من أجلاء العلماء منهم أبو سليمان الخطابي "ت388هـ" في كتابه معالم السنن، وشرف الحق محمد أشرف الصديقي في كتابه "عون المعبود على سنن أبي داؤد" وكلاهما مطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 جامع الترمذي "ت279هـ" : ومؤلفه الإمام الحافظ ابو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي. وهو أحد الكتب الستة خرج الترمذي فيه الحديث الصحيح والحسن والضعيف والغريب والمعلل وأبان عن علته، كما خرج بعض المناكير ولا سيما في كتاب الفضائل ولكنه يبين ذلك غالبا ولا يسكت عنه. وقد التزم أن لا يخرج في كتابه إلا حديثا عمل به فقيه أواحتج به محتج، وقد بين مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، واختصر طرق الحديث فذكر واحدا وأشار إلى ما عداه وجعل في آخره كتابا للعل جمع فيه فوائد هامة1. وهكذا فإنه "امتاز في المقام الأول بملاحظاته النقدية حول الأسانيد وبإضافة الآراء المتباينة للمدارس الفقهية المختلفة"2، وقد بلغت أحاديث 3956 حديث في ط. أحمد شاكر وأخرين عدا أحاديث كتاب العلل آخر الجامع. وقد طبع جامع الترمذي عدة طبعات في الهند ومصر. ومن شروح الترمذي كتاب "عارضة الأحوذي على الترمذي"3 للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي المعروف بابن العربي المالكي "ت543هـ" وشرح الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي "ت795هـ"4. وقد طبع شرح ابن رجب الخاص بقسم العلل من جامع الترمذي.   1 الخولي: مفتاح السنن، ص93؛ والسباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص413 "ط. الدار القومية"؛ ومحمد أبو زهور: الحديث والمحدثون، ص417؛ وأبو شهبة: أعلام المحدثين، ص244-246. 2 سزكين: تاريخ التراث العربي، ص392. 3 طبع في حاشية صحيح الترمذي، الطبعة الأولى، المطبعة المصرية بالأزهر، 1350-1352هـ. 4 مخطوط في سراي، أحمد الثالث، 3/ 532 ويقع في 152 ورقة ومنه نسخة في دار الكتب المصرية"2" 1، 75 مصطلح 49 ويقع في 141 ورقة "سزكين: تاريخ التراث العربي، صفحة 396". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 سنن النسائي "ت303هـ" : ألف الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي كتابين، هما السنن الكبرى والمجتبى، وفي كل واحد منهما أحاديث زائدة على الآخر والمجتبى هو المطبوع1 وقد طبع من السنن الكبرى المجلد الأول فقط. وقد اشتمل المجتبى على الحديث الصحيح والحسن والضعيف, لكن الضعيف فيه قليل بالنسبة إلى بقية كتب السنن2 ولذلك اعتبر المجتبى أصلا معتمدا عند المحدثين والعلماء وقد بلغت أحاديثه 5761 حديث. وأما السنن الكبرى فكان من طريقة النسائي فيها أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه3 ويريد إجماعا خاصا من قبل النقاد المتشددين والمعتدلين، فليس شرطه في الرجال متسعا متساهلا بل أنه تجنب إخراج حديث رجال أخرج لهم البخاري ومسلم وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا4. ويلاحظ أن المجتبى اقتصر على أحاديث الأحكام فضم34 كتابا فقط أما السنن الكبرى فضمت 63 كتابا منها كتب الإيمان والتفسير والسير وغير ذلك مما تتناوله الجوامع الحديثية عادة وقد حذف النسائي أبوابا كثيرة من السنن الكبرى من الكتب المتعلقة بالأحكام أيضا.   1 وهو المعروف بالسنن الصغرى ويرى الأستاذ أحمد صقر أن حكاية اختصار النسائي لكتابه السنن الكبرى في السنن الصغرى خطأ شائع ويرى صحة ما قرره الذهبي من أن تلميذه ابن السني انتقى المجتبى من السنن الكبرى. "انظر: مقدمته للجزء الأول من كتاب فتح الباري لابن حجر، صفحة 23". وقد طبع المجتبى عدة طبعات في الهند ومصر. 2 محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص410، وأبو شهبة: أعلام المحدثين، صفحة 266. 3 أبو شهبة: أعلام المحدثين، ص267. 4 ابن حجر: النكت على ابن الصلاح، 275-278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ومن شرح المجتبى كتاب "زهر الربى على المجتبى" للحافظ السيوطي "ت911هـ"، وشرح السندي "ت1138هـ" وقد طبع الشرحان معا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 سنن ابن ماجه "ت273هـ" : مؤلفه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القزويني وهو سادس الكتب الستة، وأول من ألحقها بالكتب الخمسة هو أبو الفضل بن القيسراني "ت507" ومن العلماء من يجعل موطأ مالك سادس الكتب الستة لأنه أعلى درجة من سنن ابن ماجه، ومنهم من يجعل مسند الدارمي سادسها لأنه قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكرة والشاذة وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة1. ويعلل الحافظ ابن حجر عدول ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدا بخلاف ابن ماجه فإن زياداته أضعاف زيادات الموطأ، فأرادوا بضم كتاب ابن ماجه إلى الخمسة تكثير الأحاديث المرفوعة "النكت على ابن الصلاح، 280". وقد خرج ابن ماجه في سننه الحديث الصحيح والحسن والضعيف بما في ذلك بعض المناكير والموضوعات القليلة لذلك، فهو دون بقية الكتب الخمسة2 ويقول سزكين أن ابن ماجه انتقى مادته من عدد قليل من المصادر3. ويبلغ عدد أحاديث سنن ابن ماجه 4341 حديثا منها 3002 حديث أخرجها أصحاب الكتب الخمسة كلهم أو بعضهم وبقيتها وهي 1339 حديثا هي الزوائد على الكتب الخمسة ومن هذه الزوائد 428 حديثا صحيحة الإسناد   1 الخولي: مفتاح السنة، ص100، والسباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص414 "ط. الدار القومية"، ومحمد أبو زهو: الحديث والمحدثون، ص418-419. 2 أنظر أبو شهبة: أعلام المحدثين، ص280-285. 3 سزكين: تاريخ التراث العربي، ص377. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ومنها 613 حديثا ضعيفة الإسناد و99 حديثا ما بين واهية الإسناد أو منكرة أو مكذوبة1. وقد شرح سنن ابن ماجه عدد من العلماء منهم الحافظ السيوطي "ت911هـ" في كتابه "مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه" و"كفاية الحاجة في شرح ابن ماجه" لأبي الحسن بن عبد الهادي السندي "ت1138هـ" وكلاهما مطبوع2.   1 محمد فؤاد عبد الباقي: سنن ابن ماجه، 2/ 1519-1520. 2 طبع مصباح الزجاجة في دلهي 1282هـ، وكفاية الحاجة في القاهرة بعنوان حاشية السندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 كتب الرواية المهمة بعد القرن الثالث الهجري 1: دونت الكتب الستة وبعض الأمهات الحديثية الأخرى في القرن الثالث الهجري الذي يعتبر أزهى عصور السنة، وقد تابع المحدثون في القرون التالية نشاطهم، فمنهم من تابع البخاري ومسلما في إفراد الصحيح مثل الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابور "ت311هـ" وأبي علي سعيد بن عثمان بن السكن2 "ت353هـ" وأبي حاتم ابن حبان البستي "ت354هـ" في كتابه "الأنواع والتقاسيم"3. ولكن لا شك أن هذه المؤلفات في الصحيح لم ترق إلى التزام شروط البخاري ومسلم بالجملة، فابن خزيمة وابن حبان مثلا لم يفرقا بين الصحيح والحسن ولم يشترطا نفي الشذوذ والعلة4.   1 راجع حولها كتاب "الرسالة المستطرفة" للكتاني، وكتاب "الحديث والمحدثون" لمحمد أبي زهو، وكتاب أعلام المحدثين لمحمد أبي شهبة. وقد أضفت إليهم ملحوظات كثيرة من المصادر القديمة. 2 بقيت ورقتان من حديثه مخطوطة في أحمد الثالث، 624/ 7 "سزكين: تاريخ التراث العربي، ص417". 3 وصل إلينا وتوجد منه عدة نسخ خطية في مكتبات العالم "أنظر سزكين: تاريخ التراث العربي، ص472". 4 ابن حجر: النكت على كتاب ابن الصلاح، ص80 "رسالة دكتوراه مطبوعة على الألة الكاتبة، من تحقيق الدكتور ربيع بن هادي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ومنهم من تابع أصحاب السنن في جمع الصحيح والحسن والضعيف المحتمل مثل الحافظ علي بن عمر الدارقطني "ت385هـ" في كتابه السنن وقد رتبه على أبواب الفقه، ونادرا ما تقع فيه الموضوعات وقد نبه على بعضها وقد شرحه أبو الطيب الآبادي وطبع الأصل والشرح معا. ومثل الحافظ أبي بكر أحاديثه على الصحيحين وغيرهما وتعقبه المارديني الشهير بابن التركماني "ت745هـ" في كتابه "الجوهر النقي" وأكثره اعتراضات على البيهقي ومناقشة له. وطبع الأصل والتعقيب في عشر مجلدات. ومنهم من ألف على طريقة المعاجم وهي مستمدة من أساليب تنظيم كتب علم رجال الحديث وذلك بترتيب أسماء الصحابة أو شيوخ المصنف على حروف المعجم، وسياق حديث أو أكثر لكل واحد منهم، وأشهر من صنف في ذلك أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني "ت360هـ" في معاجمه الثلاث الكبير والأوسط والصغير. ومنهم من استدرك على الصحيحين ما يراه فاتهما إخراجه مما ينطبق عليه شرطهما أو شرط أحدهما مثل أبي عبد الله الحاكم النسابوري "ت405هـ" في كتابه "المستدرك على الصحيحين"1 ومثل الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني "ت385هـ" في كتابه "الإلزامات"2 ومن الجدير بالذكر أن البخاري ومسلما صرحا بأنهما لم يستوعبا الصحيح ومن ثم فلا يلزمهما إخراج الأحاديث المستدركة عليهما حتى لو كانت على شرطهما مع العلم أن حوالي نصف ما استدركه الحاكم مثلا عليهما ليس على شرطهما ولا على شرط أحدهما كما يرى الحافظ الذهبي، وقد فصل ابن حجر العسقلاني الكلام عن ذلك في النكت على ابن الصلاح فذكر ان الذي يسلم من أحاديث المستدرك على شرطهما أو شرط أحدهما دون الألف3.   1 طبع في حيدر آباد الدكن 1342هـ. والحاكم متسامح فأورد في مستدركه بعض أحاديث الضعفاء والوضاعين "أبو غدة: الرفع والتكميل، 183 "حاشية1". 2 مخطوط في آصفية، 3/ 260، حدي 980 ويقع في 54 ورقة ومنه 8 ورقات في السعيدية بحيدر آباد الدكن حديث 355 "سزكين: تاريخ التراث، ص512". 3 النكت على ابن الصلاح، 106-109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ومنهم من عمل المستخرجات على الصحيحين، وهو أن يخرج المحدث أحاديث أحد كتب الحديث المؤلفة قبله بأسانيده الخاصة من غير طرق صاحب الكتاب، ولكنها تلتقي مع إسناد صاحب الكتاب في شيخه أو من فوقه، وفائدتها في تكثير طرق الحديث وعلو الأسانيد. وممن عمل المستخرجات أبو بكر الإسماعيلي "ت371هـ" على صحيح البخاري، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني "ت316هـ" على صحيح مسلم. ومستخرج الإسماعيلي ليس فيه أحاديث مستقلة زائدة على البخاري وإنما تحصل الزيادة في بعض المتون، والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها. وأما مستخرج أبي عوانة ففيه أحاديث كثيرة مستقلة في أثناء الأبواب نبه هو على كثير منها ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف أيضا1. وعمل أبو بكر البرقاني مستخرجا على الصحيحين وهو مشتمل على زيادات كثيرة في تضاعيف متون الحديث2. ومنهم من جمع بين الصحيحين أو بين الكتب الستة أو بعضهما مثل محمد بن نصر الحميدي "ت488هـ" فإنه جمع صحيحي الباري ومسلم وقد ميز الزيادات التي يزيدها هو أو غيره "النكت، 100". ومثل أبي السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجزري "ت606هـ" فإنه جمع بين الكتب الخمسة وموطأ مالك في كتابه المشهور "جامع الأصول لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" وهذبها ورتبها وشرح غريبها. ومثل البغوي "ت516هـ" فإنه جمع في كتابه "مصابيح السنة" 4484 حديث من الصحيحين والموطأ لمالك وكتب الشافعي وأحمد بن حنبل والترمذي وأبي داؤد والنسائي فابن ماجه والدارمي والبيهقي وأبي رزين العبدي "ت535هـ" ثم أكمله وذيل أبوابه الشيخ ولي الدين الخطيب في كتاب "مشكاة المصابيح".   1 ابن حجر: النك على كتاب ابن الصلاح، 82. 2 المصدر السابق، 100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ومثل الحافظ ابن كثير الدمشقي "ت774هـ" فإنه جمع بين الكتب الستة ومسانيد أحمد وأبي يعلى والبزار والمعجم الكبير للطبراني في كتابه "جامع المسانيد والسنن"1. وقد زاد على هذه الكتب العشرة من غيرها، فاحتوى كتابه على أكثر من مائة ألف حديث فيها الصحيح والحسن والضعيف وأحيانا الموضوع. ومثل الحافظ السيوطي "ت911هـ" حيث حاول أن يجمع سائر الحديث في كتابه "جمع الجوامع" فوقعت فيه أحاديث ضعيفه وموضعة، وقد ذكر فيه الأحاديث القولية أولا ثم ذكر المسانيد. وقد هذبه المتقي الهندي "ت975هـ" في كتابه "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال". ومنهم من انتقى أحاديث الأحكام فقط، فأفرد فيها مصنفا مثل الحافظ عبد الغني المقدسي الجماعيلي "ت600هـ" في كتابه "عمدة الأحكام" الذي شرحه ابن دقيق العيد "ت699هـ" في كتابه "أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام". ومثل ابن حجر العسقلاني "ت852هـ" في كتابه "بلوغ المرام من أحاديث الأحكام". ومثل الشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" والصنعاني في كتابه "سبل السلام". ومنهم من اهتم بتخريج الأحاديث وبيان طرقها وذلك في كتب الأطراف التي تذكر طرفا من الحديث يدل عليه مع ذكر طرقة وتخريجه في كتب الحديث. مثل الحافظ ابن عساكر الدمشقي "ت571هـ" في كتابه "الإشراف على معرفة الأطراف وهو في أطراف كتب السنن الأربعة. والمزي في كتابه "تحفة الأشراف". ومثل ابن حجر العسقلاني "ت852هـ" في كتابه "إتحاف المهرة بأطراف العشرة".   1 مخطوط في دار الكتب الصمرية يقع في سبعة مجلدات تضم بين دفتيها 2800 ورقة ذات وجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ومنهم من انصرف إلى تخريج الزوائد، وهي الأحاديث الزائدة في أحد كتب الحديث على ما في بعض الكتب الحديثية الأخرى أو أحدها. وذلك لأن كتب الحديث لم يستوعب أحدها الحديث كله وممن صنف في كتب الزوائد في كتبه "أتحاف الخيرة" و"مجمع البحرين في زوائد المعجمين" و"المقصد العلي في زوائد مسند أبي يعلى الموصلي" والحافظ أحمد بن أبي بكر البوصيري "ت840هـ" في كتابه "زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة". و"أتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" وابن حجر العسقلاني في كتابه "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية". ومنهم من اعتنى بتخريج أحاديث الكتب المهمة في الفقه والتفاسير والرقائق مثل الحافظ جمال الدين الزيلعي "ت762هـ" في كتابه "نصب الراية لأحاديث الهداية" وتخريج أحاديث تفسير الكشاف للزمخشري ومثل الحافظ العراقي في تخريجه أحاديث كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي". وهكذا فإن جهود العلماء في القرون التالة انصبت على العناية بالكتب الأولى التي دونت في القرن الثالث الهجري وتوطئتها وشرحها أوالجمع بينها لتيسير الرجوع إليها، وقد دعمت جهود المتأخرين آثار المتقدمين وكشفت عن دقتها وإتقانها وعظيم الجهود المبذولة فيها. فقد سلمت -على مر القرون وكثرة تناولها وتعريضها للنقد -وسمت على مظنة الطعن والاتهام، كما أن استقراء تاريخ الحركة الفكرية في الإسلام يكشف عن حقيقة واضحة وهي أن الحديث النبوي الشريف لقي من عناية العلماء ما لم يظفر به أي علم آخر في تاريخ الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ثبت المصادر والمراجع : أولا: المصادر القديمة "أ" المطبوعة: "1" القرآن الكريم: ابن الأثير: عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري "ت630هـ": "2" اللباب في تهذيب الأنساب، 3 أجزاء، نشر مكتبة القدسي، مصر - 1357هـ. "3" أسد الغابة في معرفة الصحابة، المطبعة الإسلامية بالأوفست، طهران - 1280هـ. أحمد بن حنبل "ت240هـ": "4" المسند، 6 مجلدات "بدون محل وتاريخ الطبع". "5" العلل ومعرفة الرجال، تحقق طلعت قوج ييكيت وإسماعيل جراح أوغلي، أنقرة 1963م. بحشل: أسلم بن سهل الرزاز الواسطي "ت292هـ": "6" تاريخ واسط، تحقيق كوركيس عواد، مطبعة المعارف، بغداد - 1967م. البخاري: محمد بن إسماعيل "ت256هـ": 7 الصحيح، 9 أجزاء، مطبوعات محمد علي صبيح، مصر "بدون تاريخ". "8" التاريخ الكبير، 4 أجزاء في ثمانية مجلدات، ط1، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1262هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 9- الضعفاء الصغير، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن "بدون تاريخ". 10- كتاب الكنى، ط1، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1360هـ. البرقي: أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله "ت274هـ": 11- كتاب الرجال، بعناية كاظم الموسوي المياموي، ط1، جابخانة دانشكاه، طهران - 1383هـ. البكري: أبو عبد الله بن عبد العزيز "ت487هـ": 12- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، طبع مع كتاب المستقصي في أمثال العرب. البيهقي: أبو الفضل محمد بن حسين "ت470هـ": 13- تاريخ البيهقي، ترجمة يحيى الخشاب وصادق نشأت، ط1، مصر، دار الطباعة الحديثة، 1376هـ "1956هـ": الطباعة الحديثة، 1376هـ "1956م".14- الجامع الصحيح، ج3، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر - 1956م. ابن تيمية: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني "ت728هـ": 15 المنتقى من منهاج الاعتدال "انتقاه الحافظ الذهبي"، القاهرة - 1374هـ. 16 منهاج السنة، الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر - 1321هـ. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد "ت597هـ": 17 صفة الصفوة، 4 أجزاء مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن- 1357هـ. الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد "ت393هـ": 18 الصحاح، 6 أجزاء، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط1، مطبعة دار الكتاب العربي، مصر، 1376-1377هـ. ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي "ت327هـ": 19- كتاب الجرح والتعديل، 7 مجلدات، ط1، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1952-1956. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 20- تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل، ط1، مطبعة دارة المعارف العثمانية، الهند - 1371هـ "1952م". حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله المعروف بكاتب جلبي "ت1068هـ": 21- كشف الظنون، مجلدان، تحقيق محمد شرف الدين يالتقايا ورفعت بيلكة الكيلسي، المطبعة البهية، استانبول - 1360هـ "1941م". الحازمي: 22- شروط الأئمة الخمسة. الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري "ت405هـ": 23- معرفة علوم الحديث، تحقيق معظم حسين، القاهرة، مطبعة دار الكتاب المصرية، مصر - 1937م. ابن حبان: محمد بن حبان البستي "ت354هـ": 24- مشاهير علماء الأمصار، بعناية فلا يشهمر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة - 1379هـ "1959هـ": ابن أبي الحديد: عز الدين بن أبي حامد "ت656هـ": 25- شرح نهج البلاغة، 5 أجزاء، دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي "ت456هـ": 26- جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة دار المعارف، مصر - 1382هـ "1962م". الحلي: تقي الدين بن علي بن داؤد "القرن السابع": 27- كتاب الرجال، تحقيق كاظم الموسوي المياموي، وطبع معه كتاب الرجال للبرقي، جابخانه دانشكاه، طهران - 1383هـ. الخطيب: ابو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي "ت463هـ": 28- تأريخ بغداد، 14 مجلدا، ط1، مطبعة السعادة، مصر - 1349هـ "1931م". 29- الكفاية في علم الرواية، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1357هـ. 30- تقييد العلم، تحقيق يوسف العش، دمشق - 1949م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 31- موضح أوهام الجمع والتفريق، جزءان، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند - 1379هـ "1960م". 32- الرحلة في طلب الحديث، ضمن "مجموعة رسائل في علوم الحديث" تحقيق صبحي البدري السامرائي، ط1، مطابع المجد، القاهرة - 1389هـ "1969م". خليفة بن خياط "ت240هـ": 33- كتاب الطبقات، ط1، تحقيق اكرم ضياء العمري, مطبعة العاني، بغداد - 1967م. الخولاني الداراني: عبد الجبار بن عبد الله "ت370هـ": 34- تأريخ داريا، تحقيق سعيد الأفغاني، ط1, مطبعة الترقي، دمشق - 1950م. الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام "ت255هـ": 35- سنن الدارمي, ج1، بعناية محمد أحمد دهمان، مطبعة الاعتدال، دمشق - 1349هـ. الدهلوي: شاه عبد العزيز غلام حكيم: 36- مختصر التحفة الاثني عشرية، المطبعة السلفية، ط2، القاهرة - 1387هـ. الدهلوي: أحمد بن عبد الرحيم العمري "ت1176هـ": 37- حجة الله البالغة، مجلدان، تحقيق السيد سابق، نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة. الدولابي، أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد "ت320هـ": 38- الكنى والأسماء، جزءان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1322هـ. الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان"ت748هـ": 39- تذكرة الحفاظ، 4 أجزاء، ط3، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1955هـ. 40- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، 3 أجزاء، ط1، مطبعة السعادة، مصر - 1325هـ. إلا إذا أشرت إلى أنه من طبعة البجاوي وتقع في 4 مجلدات، نشر دار إحياء الكتب العربية - 1382هـ "1963م". 41- تأريخ الإسلام، طبع منه 6 أجزاء فقط، مطبعة السعادة، مصر - "1367-1369هـ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الزبيدي: محب الدين أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني "ت1205هـ": 42- تاج العروس من جواهر القاموس، ط1، المطبعة الخيرية، مصر -1306- 1307هـ. الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمد بن عمر "ت538هـ": 43 المستقصي من أمثال العرب، جزءان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند - 1381هـ "1962م": السبكي: عبد الوهاب بن علي تاج الدين "ت771هـ": 44- طبقات الشافعية, 6 أجزاء، ط1ن المطبعة الحسينية القاهرة - 1324هـ. إلا ما أشرت إلى أنه من طبعه الطناحي، وتقع في 5 مجلدات، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة - تم سنة 1967م. السخاوي: محمد بن عبد الرحمن "ت902هـ": 45- الاعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ، طبع مع كتاب علم التاريخ عند المسلمين لروزنثال، ترجمة صالح أحمد العلي, نشر مكتبة المثنى ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، بغداد - 1963م. 46- الطبقات الكبرى، 8أجزاء، دار بيروت ودار صادر، بيروت -1958م. السمعاني: أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي "562هـ": 47- الأنساب, طبعة دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن. إلا ما أشرت إلى أنه من الطبعة الحجرية. السهمي: أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم "ت427هـ": 48- تأريخ جرجان، ط1ن مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1369هـ "1950م". ابن سيد الناس: أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الله "ت734هـ": 49- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، جزءان، نشر مكتبة القدسي، القاهرة - "بدون تاريخ". السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر "ت911هـ": 50- تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، مصر - 1959م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 51- اللآلي المصنوعة، جزءان، نشر المكتبة التجارية، القاهرة. 52- تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، مطبعة المعاهد، القاهرة - 1351هـ. 53- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، مطبعة الاستقامة، القاهرة - "بدون تاريخ". 54- الشماريخ في علم التأريخ, ليدن - 1312هـ "1896هـ". الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم "ت548هـ": 55- الملل والنحل، طبع بهامش كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري، ط1, المطبعة الأدبية، مصر - 1317هـ. ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري الشافعي "ت643هـ": 56- مقدمة ابن الصلاح، ط1، مطعة السعادة، مصر - 1326هـ. طاش كبرى زاده: أحمد بن مصطفى: 57- مفتاح السعادة ومصباح السيادة، 3 أجزاء، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1328-1356هـ. الطبري: محمد بن جرير "ت310هـ": 58- تاريخ الرسل والملوك، 3 سلاسل، طبع دي غويه، ليدن - 1879م. 59- ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين، طبع ملحقا بكتاب تاريخ الرسل والملوك وذلك في طبعة المطبعة الحسينية بمصر. الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسين "ت460هـ": 60- رجال الطوسي، تحقيق محمد صالح بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، النجف - 1380هـ "1961م". 61- الفهرست، تحقيق محمد صالح بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، النجف - 1937م. الطيبي: الحسين بن عدب الله "ت743هـ": 62- الخلاصة في أصول الحديث، تحقيق صبحي السامرائي، مطبعة الإرشاد، بغداد - 1391هـ "1971م". ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي "ت463هـ": 63- تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، نشرمكتبة القدسي، القاهرة - 1350هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 64- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 4أجزاء، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر - القاهرة "بدون تاريخ". 65- جامع بيان للعلم وفضله، جزءان، المطبعة المنيرية، مصر "بدون تاريخ". أبو عبيد: القاسم بن سلام "ت224هـ": 66- كتاب الأموال، بعناية محمد حامد الفقي، نشر مصطفى محمد، القاهرة - 1353هـ. العراقي: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين "ت806هـ": 67- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، بعناية محمود ربيع، ط1، مصر - 1355هـ "1937م". ابن عراق: أبو الحسن علي بن محمد الكناني "ت963هـ": 68- تنزيه الشريعة المرفوعة، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، ط1، مطبعة عاطف، مصر - "بدون تاريخ". أبو العرب: محمد بن أحمد بن تميم القيرواني "ت333هـ": 69- طبقات علماء أفريقية وتونس، طبع مختصر له اختصره أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي "ت429هـ" بتحقيق علي الشابي ونعيم حسن اليافي، نشر الدار التونسية - 1968م. ابن عساكر: علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي "ت571هـ": 70- تهذيب تاريخ ابن عساكر، "هذبه عبد القادر بدران"، المطبوع منه 7 أجزاء، الأجزاء الخمسة الأولى، مطبعة روضة الشام بدمشق - 1329هـ - 1332هـ. والجزءان السادس والسابع، بعناية أحمد عبيد، ط1، مطبعة الترقي، دمشق. العسقلاني: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر "ت852هـ": 71- الإصابة في تمييز الصحابة، 4 أجزاء، مطبعة مصطفى محمد، مصر - 1358هـ "1939م". 72- تعجيل المنفعة برجال الأربعة، مطبعة دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن. 73- تهذيب التهذيب، 12 جزءا، ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حدير آباد الدكن - 1325 - 1327هـ. 74- لسان الميزان، 6 أجزاء، ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آبا الدكن - 1329هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 75- فتح الباري, 13 مجلدا، ط1، المطبعة الخيرية، القاهرة، "1319-1329هـ". كما استعملت مقدمة الفتح والمجلد الأول طبعة لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة "بالأوفسيت". 76- النكت على ابن الصلاح، بتحقيق الدكتور ربيع بن هادي، مطبوع على الآلة الكاتبة. العيني: أبو محمد محمد بن أحمد "ت855هـ": 77- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 25 جزاءا في 12 مجلدة، مصر - 1348هـ. ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري "ت276هـ": 78- تأويل مختلف الحديث، ط1، مطبعة كردستان العلمية، مصر - 1326هـ. القشيري: محمد بن سعيد "ت334هـ": 79- تأريخ الرقة, تحقيق طاهر النعساني، مطبعة الاصلاح، حماة "بدون تاريخ". ابن القيسراني: أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "ت507هـ": 80- الجمع بين رجال الصحيحين، مجلدان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1323هـ. 81- الأنساب المتفقة, تحقيق ب. دي جونك، ليدن - 1865م. ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله محمد "ت751هـ": 82- أعلام الموقعين عن رب العالمين، 3 أجزاء، تحقيق محي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة التجارية، القاهرة - 1374هـ "1955م". الكافيجي: محي الدين محمد بن سليمان "ت879هـ": 83- المختصر في علم التاريخ، طبع مع كتاب علم التاريخ عند المسلمين لروزنثال، ترجمة صالح أحمد العلي, نشر مكتبة المثنى ومؤسسة فرانكلين، بغداد - 1963م. ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي "ت774هـ": 84- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، بعناية وتعليق أحمد محمد شاكر، ط3، القاهرة. الكشي: أبو عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز "القرن الرابع": 85- رجال الكشي، تحقيق أحمد الحسيني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، كربلاء - "بدون تاريخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني "ت275هـ": 86- السنن، مجلدان، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر - 1953م. ابن ماكولا: أبو نصر علي بن هبة الله "ت475هـ": 87- الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف، طبع منه 3 أجزاء، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - 1381هـ "1962م". المالكي: محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي: 88- تسمية ما ورد به الخطيب دمشق، نشره يوسف العش ضمن كتابه "الخطيب البغدادي". مسلم بن الحجاج النيسابوري "ت261": 89- الصحيح، 5 مجلدات، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط1، دار إحياء الكتب العربية، مصر"1374-1375هـ" - "1955-1956م". المقريزي: تقي الدين أبو العباس أحمد "ت845هـ". 90- إمتاع الإسماع، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة - 1941م. ابن منظور: جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي "ت711هـ": 91- لسان العرب, 20 مجلدا، المطبعة الميرية ببولاق، مصر - "1300 - 1307هـ". أبو موسى المديني: 93- خصائص المسند, طبع في مقدمة مسند أحمد "طبعة أحمد محمد شاكر". الميداني: أبو الفضل أحمد بن محمد "ت518هـ": 93- مجمع الأمثال، جزءان، القاهرة - 1352هـ. النجاشي: أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس "ت450هـ": 94- رجال النجاشي، ط2، مركز نشر كتاب، جابخانه مصطفوي، إيران - "بدون تاريخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب "ت303هـ": 95- كتاب الضعفاء والمتروكين، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - "بدون تاريخ". أبو نعيم: أحمد بن عبد الله الأصبهاني "ت430هـ": 96- ذكر أخبار أصبهان، جزءان، طبع في ليدن - 1931م. النووي: أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف الشافعي "ت676هـ": 97- شرح صحيح مسلم. ياقوت: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي "ت622هـ": 98- معجم الأدباء، 7 مجلدات، تحقيق مرجليوث، ط2، مطعة هندية، مصر - "1923-1925م". "ب" المصادر الأعجمية القديمة: البيهقي: علي بن زيد ظهير الدين "ت565هـ": 99- تاريخ بيهق، بعناية بكوشنش قاري سيد كليم الله حسيني، حيدر آباد الدكن - 1968م "بالفارسية". الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري "ت495هـ": 100- تاريخ نيشابور "وهو ملخص للكتاب لخصه الخليفة النيسابوري"، بعناية بهمن كريمي, نشر مكتبة ابن سينا، طهران - 1339هـ "بالفارسية". "ج" المخطوطات: البرديجي: أبو بكر أحمد بن هارون البرذعي البرديجي "ت301هـ": 101- طبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث. مخطوطة في الظاهرية، ص203. الجوزجاني: أبوإسحاق ابراهيم بن يعقوب "ت259هـ": 102- الشجرة في أحوال الرجال، مخطوط في دار الكتب الظاهرية، حديث 249. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي "ت597هـ": 103- الأحاديث الموضوعة، مجلدان، وهو في تركيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري "ت405هـ": 104- تسمية من أخرجهم الإمامان البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما، مخطوط في دار الكتب الظاهرية، حديث 388. ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي "ت354هـ": 105- الثقات، 3 مجلدات، الأول في مكتبة أحمد الثالث تحت رقم "2995" والثاني والثالث في دار الكتب الظاهرية بدمشق "تاريخ 710، 711". 106- معرفة المجروحين من المحدثين، مخطوط في أيا صوفيا رقم 496. الخليلي: أبو يعلى الخليل بن عبد الله "ت446هـ": 107- المنتخب من كتاب الإرشاد إلى علماء البلاد، بانتخاب الحافظ السلفي، مخطوط في الرباط كتاني 528. ابن أبي خيثمة: أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب "ت279هـ": 108- التاريخ الكبير، مخطوط في مكتبة القرويين ح40 ل: 244 N رقم 887. الدارقطني: ابو الحسن علي بن عمر "ت385هـ": 109- الضعفاء والمتروكين, مخطوط في دار الكتب الظاهرية مجموع 123 "11". أبو داؤد: سليمان بن الأشعث السجستاني "ت275هـ": 110- تسمية الأخوة من أهل الأمصار، مخطوط في دار الكتب الظاهرية، ص205. الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان "ت748هـ": 111- الكاشف في معرفة من له ذكر في الكتب الستة, مخطوط في دار الكتب الظاهرية حديث 320. الرامهرمزي: أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد "ت360هـ": 113- المحدث الفاصل، مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "عمومية 26، 400". أبو زرعة الرازي: عبيد الله بن عبد الكريم "ت264": 113- كتاب الضعفاء والمتروكين، مخطوط في كوبرلي, تاريخ 719. أبو زرعة الدمشقي: عبد الرحمن بن عمرو النصري "ت282هـ": 114- كتاب التاريخ، مخطوط في مكتبة أحمد الثالث رقم 4210 وقد اطلعت على نسخة مصورة عنه في مكتبة الدراسات العليا بكلية آداب جامعة بغداد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ابن شاهين: عمر بن أحمد بن شاهين: - كتاب الثقات, مخطوط في مكتبة جامع صنعاء باليمن رقم12 مصطلح منه صورة في دار الكتب المصرية. أبو الشيخ الأنصاري: أبو محمد عبد الله بن حيان "ت369هـ": 115- طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "تاريخ 65". ابن الطحان: أبو القاسم يحيى بن علي الحضرمي "ت416هـ": 116- الذيل على تاريخ مصر، مخطوط في دار الكتب الظاهرية مجموع "ق220-249". ابن عدي: عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني "ت360هـ": 117- الكامل في ضعفاء الرجال، مخطوط في مكتبة أحمد الثالث بتركيا "3 ألف: 2943". 118- أسامي من روى عنهم البخاري، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "حديث 389 "92"". أبو عروبة: محمد بن مودود الحراني "ت318هـ": 119- المنتقى من كتاب الطبقات، مخطوط في دار الكتب الظاهرية، دمشق "عام 4553". العقيلي: أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد "ت322هـ": 120- الضعفاء، مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "حديث 362". علي بن المديني "ت234هـ": 121- تسمية أولاد العشرة، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "مجموع 27 "23"". الفسوي: يعقوب بن سفيان "ت277هـ": 122- كتاب المعرفة والتاريخ، مخطوطة في طوب قبو سراي, ريفان كشك 1554. ابن قانع: أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي البغدادي "ت351هـ": 123- معجم الصحابة، مخطوط في كوبريلي رقم 352. مسلم بن الحجاج النيسابوري "ت261هـ: 124- رجال عروة، مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق "مجموع 55 "139"". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 125- الكنى والأسماء، مخطوط في تركيا شهيد علي رقم "1932". المقدسي الجماعيلي: تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي "ت600هـ": 126- الكمال في معرفة الرجال، المجلد الرابع، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "حديث 367 رقم 1158". ابن منده: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده "ت395هـ": 127- معرفة الصحابة، الجزء السابع والثلاثون والجزء الثاني والأربعون فقط، مخطوطة في دار الكتب الظاهرية "حديث 344" وكراسة منه أيضا "عام 4443". ابن ناصر الدين: محمد بن عبد الله بن محمد الدمشقي "ت842هـ": 128- تدريس الحديث، مخطوط في دار الكتب الظاهرية. ابن النجار: محب الدين محمد بن محمود "ت643هـ": 129- التاريخ المجدد لمدينة السلام، نسخة في مكتبة الدراسات العليا بكلية آداب جامعة بغداد مصورة عن نسخة المكتبة الوطنية في باريس رقم 2131. الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر "ت757هـ": 130- ترتيب الثقات للعجلي، مخطوط في مكتبة شهيد علي "2747/ 1، ف796". يحيى بن معين "ت233هـ": 131- التاريخ والعلل، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "مجموع 112 "1"". 132- معرفة الرجال، مخطوط في دار الكتب الظاهرية "مجموع 39أ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ثانيا: المراجع "أ" المارجع العربية الحديثة: أحمد أمين: 133- فجر الإسلام، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة - 1945م. أحمد كمال زكي: 134- الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري، ط1، مطبعة دار الفكر، دمشق - 1961م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أسد رستم: 135- مصطلح التاريخ، المطبعة الأميركية, بيروت - 1939م. الأسد، ناصر الدين: 136- مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التأريخية، دار المعارف، مصر - 1956م. الألباني، ناصر الدين: 137- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، دمشق - 1390هـ "1970م". بروكلمان: 138- تاريخ الأدب العربي. ج3، ترجمة عبد الحليم النجار، مطبعة دار المعارف، مصر - 1962. الخولي، محمد عبد العزيز: 139- مفاح السنة, ط3، مطبعة الاستقامة، القاهرة - "بدون تاريخ": روزنثال، فرانز: 140- علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة صالح أحمد العلي، نشر مكتبة المثنى ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، بغداد 1963م. الزركلي، خير الدين: 141- المستدرك الثاني، بيروت - 1390هـ "1970م". أبو زهو، محمد محمد: 143- الحديث والمحدثون، ط1، مطبعة مصر, القاهرة - 1378هـ "1958م". السباعي، مصطفى حسني: 143- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ط1، مطبعة المدني، القاهرة - 1380هـ "1961م". إلا إذا ذكرت أنه من طبعة الدار القومية، القاهرة - 1966م. سزكين، فؤاد: 144- تاريخ التراث العربي، المجلد الأول، ترجمة فهمي أبي الفضل - القاهرة - 1971. أبو شهبة، محمد بن محمد: 145- أعلام المحدثين، ط1, نشر مركز كتب الشرق الأوسط, مطابع دار الكتاب العربي، مصر -1381هـ "1962م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 صبحي الصالح: 146- علوم الحديث ومصطلحه، ط1، مطبعة جامعة دمشق، دمشق - 1379هـ "1959م". العلي، صالح: 147- التنظيمات الاجتماعي والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري، ط1، مطبعة المعارف بغداد - 1953م. 148- المؤلفات العربية عن المدينة والحجاز، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1383هـ "1964م"، وهو مستل من مجلة المحمع العلمي العراقي. فؤاد السيد: 149- فهرست المخطوطات المصورة "التأريخ" ج2، القسم الثاني والثالث، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة - 1957م. القاسمي، جمال الدين: 150- قواعد الحديث، ط2، الناشر دار إحياء الكتب العربية، مصر - 1380هـ "1961م". 151- الجرح والتعديل، ط1، مطبة مجلة المنار، مصر - 1330هـ. 152- قائمة بالمخطوطات العربية المصورة بالمايكروفلم من الجمهورية العربية اليمنية، نشر دار الكتب المصرية - 1967م. 153- قائمة لنوادر المخطوطات العربية في مكتبة جامعة القرويين، نشر وزارة التهذيب الوطني والشبيبة والرياضة، الرباط - 1960م. الكتاني، محمد بن جعفر "ت1345هـ": 154- الرسالة المستطرفة لبيان كتب السنة المشرفة، بعناية محمد المنتصر الكتاني، ط3، مطبعة دار الفكر، دمشق - 1383هـ "1964م". كوركيس عواد: 155- ذخائر التراث العربي في مكتبة شستربتي، مقال في مجلة المورد، العددان 1 و2، سنة 1971م "تصدرها وزارة الإعلام في الجمهورية العراقية". لطفي عبد البديع: 156- فهرست المخطوطات المصورة "التأريخ" ج2، القسم الأول، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة - 1956م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 اللكنوي: أبو الحسنات محمد بن عبد الحي "ت1304هـ: 157- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل, تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مطبعة الأصيل، حلب - 1383هـ. هوروفتس: 158- المغازي الأولى ومؤلفوها، ترجمة حسين نصار، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة - 1369هـ "1949م". يوسف العش: 159- الخطيب البغدادي، نشر المكتبة العربية، دمشق - 1945م. 160- فهرست مخطوطات دار الكتب الظاهرية "قسم التاريخ". "ب" المراجع الأعجمية الحديثة: The Encyclopaedia of Islam, Vol. 111, 1956. Dentan, The Idea Of History in the ancient Near East, Yale, 1955. Schacht, J. The Origins Of Muhammadan Jurisprudence. Sezgin, M. Fuad Buharinin Kaynaklari, Istanbul - 1956. "بالتركية": GESCHICHTE DES ARABISCHEN SCHRIFTTUMS, BAND 1 "LEDIEN. BRILL 1967" Robson: The Isnad in Muslim Tradition. Glasgowuniv. Or. Soc. Trans. 15. "153-54,pp.15-26.htm' الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ال فهارس : فهرست أسماء المصنفين 1: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي: 145. ابو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهاني: 71، 157. إبراهيم بن معقل النسفي: 237 إبراهيم بن المنذر: 76. أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: 91، 95، 106. أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الاسماعيلي الجرجاني: 157، 159، 204، 254. أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: 253 أبو بكر بن حزم: 231، 232 أبو بكر بن المحب, 109 أحمد بن أبي بكر البوصيري: 256 أحمد بن حنبل: 63، 105، 110، 132، 140، 218، 228، 236، 242، 243، 254 أحمد بن زهير أبو بكر بن أبي خيثمة = ابن أبي خيثمة: 65، 72، 106، 116، 119، 194، 195، 206 أحمد بن سعيد بن أبي معدان: 147 أحمد بن سنان القطان الواسطي: 236 أحمد بن سياربن أيوب المروزي "أبو الحسن": 143 ابو الحسن أحمد بن سيار بن أيوب المروزي: 143 أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي "أبو الحسن" 90، 100، 106   1 إن المقصود فهرسة المصنفات التي ورد ذكرها خلال البحث ولما كان الكثير منها تتشابه عناوينها، أو يعرف موضوعها ولا يعرف عنوانها، لذلك وضعته على أسماء المصنفين وأشرت إلى مواضع ورودهم حين تذكر مصنفاتهم فقط ولا أشير إلى المواضع الأخرى التي ذكروا فيها دون ذكر مصنفاتهم. وذكرت مع المصنفين أسماء مدوني الحديث قبل مرحلة التصنيف ايضا. ولم أعتبر في ترتيبهم "ابن" ولا "أبو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 أحمد بن عبد الله البرقي: 65 أحمد بن عبد الله "أبو نعيم الأصبهاني": 67، 71، 93، 148، 152، 153، 154، 158، 176، 188، 200، 200، 205 أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي: 243 أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي "أبو بكر": 135 أحمد بن عبد الرحيم البرقي: 65 أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري المؤذن "أبو صالح": 149 أبو أحمد العسال: 157 أبو أحمد العسكري: 179 أحمد بن علي الأبار "أبو العباس" 107 أحمد بن علي بن شعيب النسائي "أبو عبد الرحمن = النسائي": 91، 96، 107، 133، 156، 238، 250 أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي "أبو يعلى" = أبو يعلى الموصلي: 156, 237، 155 أحمد بن علي بن محمد العلوي العقيقي: 161 أحمد بن علي بن منجويه الأصفهاني: 125، 129 أحمد بن علي النجاشي "أبو العباس": 165، 168. أحمد بن عمرو البزار "أبو بكر": 237، 255 أحمد بن محمد بن أحمد البرقاني: 136 أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الماماني: 136، 148 أحمد بن محمد البرقي "أبو جعفرة" 156، 161، 166 أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد المعروف بالخليفة النيسابوري: 152 أحمد بن محمد بن الحسن القمي: 163، 124، 125، 128 أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي "أبو نصر": 124، 125, 128، 204 أحمد بن محمد بن زياد "أبو سعيد" = ابن الأعرابي: 146 أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني: 163 أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي "أبو العباس" = ابن عقدة: 157، 162 أحمد بن محمد بن عبيد الله الجوهري: 165 أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي: 144 أحمد بن محمد بن غالب البرقاني: 126 أحمد بن محمد الماليني "أبو سعد": 136 أحمد بن محمد المعافري الطلمنكي "أبو عمر": 149 أحمد بن محمد بن ياسين الحداد الهروي "أبو إسحاق": 145، 204 احمد بن منيع البغوي: 235 أحمد بن موسى بن مردويه "أبو بكر": 147 أحمد بن نوح بن علي السيرافي: 164 أحمد بن هارون البرديجي: 77، 81 الأزرق: 73 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الأزرقي: 198 أسامة بن مالك الدارمي "أبو العشراء": 230 إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي: 236 أبو إسحاق بن الأمين: 67 إسحاق بن راهويه: 235 إسحاق بن منصور: 236 أسد بن موسى الأموي: 234 أسلم بن سهل الواسطي "أبو الحسن" = بحشل: 144، 149، 182، 198، 199، 257 أيوب بن أبي تميمة السختياني: 230 الباجي الأندلسي "أبو الوليد": 129، 130 بدر الدين العيني الحنفي: 246 البرقي "أبو بكر" = محمد بن عبد الله بريد بن عبد الله بن ابي بردة "أبو بردة": 230 أبو بشر الدولابي = محمد بن أحمد بن حماد: 72 بقي بن مخلد: 236 التقي الفاسي: 198، 199 جابر بن عبد الله الأنصاري: 228 جرير بن عبد الحميد الضبي: 233 جعفر بن محمد المستغفري "أبو العباس": 67، 136، 148 ابن جميع الصيداوي: 160 ابن الجوزي = عبد الرحمن بن علي "أبو الفرج". أبو حاتم الرازي = عبيد الله بن عبد الكريم. الحارث بن حمد بن أبي أسامة داهر التميمي "أبو محمد": 236 الحاكم "أبو عبد الله النيسابوري": 93، 126، 129، 135، 152، 158، 182، 200، 253 ابن حجر العسقلاني: 179، 189، 246، 256 ابو علي الحداد الأصفهاني: 158، 160 الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز "أبو علي": 158، 160 الحسن بن سفيان بن عامر النسوي: 237 الحسن بن عبد الله العسكري "أبو أحمد": 67، 135، 166، 167 أبو الحسن بن عبد الهادي السندي: 252 الحسن بن علي الحلواني "أبو محمد": 236 الحسن بن علي بن فضال: 161 الحسين بن إدريس بن خرم الأنصاري الهروي: 107 أبو الحسين بن قانع الأموي: 66 الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني "ابو علي": 67، 125، 136 الحسين بن محمد بن مودود الحراني "أبو عروبة": 82، 133، 144، 187 حماد بن زيد: 35 حماد بن سلمة بن دينار "أبو سلمة": 233 حمزة بن الحسين الأصبهاني: 146، 154 حمزة بن القاسم بن علي "أبو يعلى": 164 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي "أبو القاسم": 148، 154، 198، 204 حميد بن أبي حميد الطويل: 230 حميد بن زياد بن حماد الدهقان "أبو القاسم": 162 حنبل بن إسحاق الشيباني: 106 خالد بن الوليد: 83 الخطيب البغدادي "أبو بكر أحمد بن علي": 67، 93، 136، 137، 141، 148، 152، 154، 155، 201، 202، 203، 204، 218 خليفة بن خياط: 64، 68، 72، 76، 80، 81، 177، 178، 180، 183، 184، 187، 191، 195، 191، 193، 194، 195، 207، 217، 236 الخليل بن عبد الله الخليل "أبو يعلى": 107، 123 أبو خيثمة = زهير بن حرب: 235 ابن أبي خيثمة = أحمد بن زهير أبو بكر: 65، 191، 195 ابن دقيق العيد: 255 الذهبي "الحافظ": 108، 123، 190، 210، 260 أبو رافع "مولى النبي عليه السلام": 228 الرامهرمزي: 132، 196، 217، 225 الربيع بن صبيح: 233 ابن زبالة = محمد بن الحسن: 198 الزبير بن عدي الهمداني الكوفي "أبو عدي": 230 أبو زرعة الرازي: 96 زكريا الساجي "أبو يحيى": 92 زهير بن حرب النسائي "أبو خيثمة": 225 زهير بن عبد الله العبسي: 64 زيد بن أبي أنيسة الرهاوي "أبو أسامة": 230 السخاوي: 199، 261 سعد بن عبادة الأنصاري: 228 سعد بن عبد الله الأشعري القمي: 162 سعيد بن عثمان بن السكن "أبو علي": 66، 72، 92، 252 سعيد بن أبي عروبة: 232 سعيد بن عمرو البرذعي "أبو عثمان": 91، 96 سعيد بن كثير المصري: 143 سعيد بن منصور: 234 سليمان بن أحمد الطبراني "أبو القاسم": 66، 157، 159، 253، 255 سفيان بن سعيد الثوري "ابو عبد الله". 121، 123، 233 سفيان بن عيينة: 95، 233 سليمان بن الأشعث السجستاني "ابو داؤد": 69، 239، 248 أبو سليمان الخطابي: 249 سليمان بن خلف الباجي الأندلسي "أبو الوليد": 124 سليمان بن داؤد الشاذكوني: 76 سمرة بن جندب: 228 سهل بن خلف الباجي: 109 السندي: 251 السيوطي "الحافظ": 251، 252، 255، 261 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 شعبة بن الحجاج: 95، 121، 233 الشافعي: 25 ابو الشيخ بن حيان الأنصاري: 77، 146، 151، 152، 154، 157، 187، 200 صالح بن أحمد التميمي الهمداني "ابو الفضل" 77، 147، 201 صخر بن حرب: 83 صخرة بن ربيعة: 104 الطبراني أبو القاسم: 66 العباس بن محمد الدوري: 109 عباد بن يعقوب الرواجني: 165 عبد بن أحمد الهروي "أبو ذر": 158 عبد الله بن إبراهيم بن عثمان "أبو بكر" = ابن أبي شيبة: 235 عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي: 107، 120 عبد الله بن أبي أوفي: 228 عبد الله بن جبلة بن الحر الكناني: 161 أبو عبد الله الحسني: 165 عبد الله بن الزبير الحميدي: 235 عبد الله حنين: 117 عبد الله بن سليمان بن أبي داؤد "أبو بكر": 66 عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: 236 عبد الله بن عدي الجرجاني "أبو أحمد": 66، 92، 94، 99، 124، 128، 156، 204، 205 عبد الله بن علي بن الجارود: 92، 107، 145 عبد الله بن عمرو بن العاص: 228 أبو عبد الله القضاعي: 158 عبد الله بن المبارك: 27، 95، 104، 140، 233 عبد الله بن محمد بن أبي شيبة "ابو بكر": 105، 235 عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي "أبوالقاسم": 65، 72، 156، 158 عبد الله بن محمد بن الجارود "أبو محمد": 72 عبد الله بن محمد الجعفي السندي: 235 عبد الله بن محمد بن علي البلخي "أبو علي": 144 عبد الله بن محمد القرطبي "أبو الوليد بن الفرضي": 134، 135 عبد الله بن محمد المروزي = عبدان: 65 عبد الله بن وهب: 124، 233 عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي البغدادي "أبو الحسين": 66، 70، 141 ابن عبد البر = يوسف بن علي "أبو عمر": 73 عبد الجبار بن عبد الله الخولاني الداراني "أبو عبد الله":" 147، 152، 187، 200 عبد بن حميد: 236 عبد الرحمن بن إبراهيم: 77، 152 عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي: 249 عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري "أبو سعيد": 146، 153 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: 72، 95، 107، 112، 115، 121، 122، 133، 204، 237 عبد الرحمن بن علي "أبوالفرج" = ابن الجوزي: 192، 210 عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي "أبو زرعة": 77، 106، 119، 120، 152، 168 عبد الرحمن بن محمد الأدريسي الاستراباذي الحافظ "أبو سعيد": 147 عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده "أبو القاسم": 77، 134، 142، 148، 176 عبد الرحمن بن محمد القزاز: 202 عبد الرحمن بن مهدي: 97 عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي "أبو عمرو": 232 عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي: 108 عبد الرزاق بن همام الصنعاني: 234 عبد الصمد بن سعيد الحمصي "أبو القاسم": 66، 145 عبد الصمد بن علي الطستي "أبو الحسين": 157 عبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي "أبو محمد": 142 عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري: 163 عبد الغني بن سعيد الأزدي: 136 عبد الغني المقدسي الجماعيلي: 126، 189، 255 أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي: 261 عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري: 234 عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج "أبو محمد": 232 عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني: 92 عبيد بن حنين: 117 عيسى بن مهران: 163 عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الهروي: 158 عبيد الله بن عبد الكريم الرازي "أبو زرعة": 77، 95، 122، 168، 203، 204 عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن عمر بن الخطاب "أبوعثمان": 231 عبيد الله بن موسى العبسي: 234 عثمان بن سعيد الدارمي: 251 العثماني: 64 عفان بن مسلم: 119 ابن عساكر الدمشقي: 152، 201، 255 علي بن أحمد العلوي العقيقي: 161 علي بن الجعد الجوهري "أبو الحسن": 235 علي بن الحسن بن علي بن فضال: 162 علي بن الحسين الفلكي "أبو الفضل": 77، 135 علي بن الحسين بن موسى العلوي المرتضى "أبو القاسم": 165 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 علي بن عبد الله المديني: 64، 68، 69، 76، 91، 95، 100، 105، 117، 132، 178، 179، 206 علي بن عمر الدارقطني: 93، 99، 108، 124، 125، 135، 253 علي بن الفضل بن طاهر البلخي: 145 علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري: 164 علي بن محمد المدائني: 119 عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ "أبو حفص": 67، 93، 100، 104، 108 عمر بن شبة بن محمد بن بجير الهمداني السمرقندي البجيري: 237 عمرو بن علي الفلاس "أبو حفص": 91، 105 عيسى بن مهران المستعطف: 163 أبو الفتح الأزدي: 66 الفضل بن دكين: 104، 138 قاسم بن أصبغ الأندلسي: 252 القاسم بن سلام: 119 القسطلاني: 246 الكتاني = عبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي أبو محمد. ابن كثير الدمشقي: 210، 255 الكشي = محمد بن عمر بن عبد العزيز: 166 الليث بن سعد: 104، 233 ابن ماجه = محمد بن يزيد: 239 المارديني الشهير بابن التركماني: 253 ابن ماكولا: 136 مالك بن أنس: 233، 241، 242 مبارك بن محمد بن الأثير الجزري "أبو السعادات": 179، 254 الزمخشري محب الدين أبو المرتضى محمد مرتضى الحسيني الزبيدي: 256 المتقي الهندي: 255 أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان المقرئ: 157، 159 محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال: 108 محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني: 179 أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي: 137 أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني: 92، 100، 108، 145، 149 أبوحاتم محممد بن أحمد بن حبان البستي: 66، 92، 98، 100، 101، 102، 103، 108، 133، 182، 187، 191، 193، 204، 205 محمد بن أحمد بن حماد الدولابي "أبو بشر": 72، 73، 92، 133 محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الغنجار البخاري: 147 محمد بن أحمد المقدمي "ابو عبد الله": 133 محمد بن إسحاق: 92، 119، 232 محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج الثقفي "أبو العباس": 72، 107، 237 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده الأصبهاني "أبو عبد الله": 67، 70، 72، 134، 157، 170، 204 محمد بن إسماعيل البخاري: 65، 72، 91، 94، 105، 107، 108، 112، 121، 129، 130، 203، 204، 206، 244، 245، 246، 252، 254 محمد أشرف الصديقي شرف الحق: 249 محمد بن الجارود: 66 محمد بن جرير الطبري "أبو جعفر": 72، 77، 82 محمد بن جعفر بن غالب الوراق الجويباري "ابو عبد الله": 145 محمد بن حبان البستي: 133 محمد بن الحسن = ابن زبالة: 198 محمد بن الحسن الطوسي: 161، 165، 169 محمد بن الحسن بن علي المحاربي "أبو عبد الله": 164 محمد بن الحسين الأزدي "أبو الفتح": 66، 92، 134 محمد بن حمدويه السنجي الهورقاني: 144 محمد بن حنين: 117 محمد بن الربيع الجيزي: 65 محمد بن سعد: 64، 68، 75، 76، 78، 79، 501، 109، 168، 177، 178، 183، 184، 187، 188، 191، 195، 204 محمد بن سعد الباوردي"أبو منصور": 65 محمد بن سعيد القشيري: 145، 105، 187، 200 محمد بن شهاب الزهري: 232 محمد بن صالح الطبري "ابو الحسن: 67 محمد بن طاهر بن علي المقدسي بن القيسراني "أبو الفضل": 93، 126، 130، 137 محمد بن العباس بن الفرات "أبو الحسن": 157 محمد بن العباس الخزاز "أبو عمر" = ابن حيويه: 77 محمد بن عبد الله الأشبيلي "أبو بكر" = ابن العربي المالكي: 249 محمد بن عبد الله البرقي الزهري: 77، 91 محمد بن عبد الله الجوزقي: 137 محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري أبو عبد الله = الحاكم: 126، 129، 135، 353 محمد بن عبد الله بن زبر الربعي الدمشقي: 67، 141 محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه: 133 محمد بن عب الله بن سليمان الحضرمي "مطين": 65، 107 محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي "أبو جعفر": 105 محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي: 148 محمد بن عبد الرحمن: 66 محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب: 232 محمد بن عثمان بن أبي شيبة: 107 محمد بن عقيل بن الأزهر: 144 محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي "أبو جعفر": 164 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 محمد بن علي بن حمزة الفراهيناني: 143 محمد بن علي بن المهتدي بالله "أبو الحسين": 158 محمد ابن عمر بن سلم = ابن الجعابي "أبو بكر": 146، 164 محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي "ابو عمر": 165، 166، 165 محمد بن عمر بن عيسى: 151 محمد بن عمر الواقدي: 72، 75، 78، 79، 80 محمد بن عمرو بن موسى العقيلي "أبو جعفر": 66، 73، 92، 204 محم بن عيسى بن سورة السلمي "أبو عيسى" = الترمذي: 65، 106، 239، 249 محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين: 164 محمد بن عيسى البغداي: 144 محمد بن مخلد الدوري العطار "أبو عبد الله": 156 محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي "أبو الزبير": 230 محمد بن مهدي: 236 محمد بن نصر الحميدي: 254 محمد بن هارون الروياني "أبو بكر"ك 237 محمد بن هشام السدوسي: 236 محمد بن يحيى بن الحذاء التميمي: 124 محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القزويني: 106، 143، 239، 251، 251 محمد بن يعقوب بن إسحاق "أبو جعفر" الكليني: 162 محمد بن يوسف الفريابي: 234 أبو القاسم محمود بن إبراهيم ابن سميع الدمشقي: 76 محي الدين النووي الشافعي "أبو زكريا": 248 المزي: 189 مسدد بن مسرهد البصري: 235 مسلم بن إبراهيم الأزدي: 80 مسلمة بن القاسم الأندلسي "أبو القاسم": 77، 108 مسلم بن الحجاج النيسابوري: 75، 77، 81، 106، 127، 132، 183، 191، 204، 238، 146، 247، 248، 253 معمر بن راشد: 85، 232 معمر بن المثنى "ابو عبيدة": 64 المفضل بن غسان الغلابي: 106 المقدسي الجماعيلي: 126 مؤرج بن عمرو السدوسي: 175 موسى بن عقبة: 119 ميمون بن مهران: 151 أبو موسى الأشعري: 228 نبيط بن شريط الأشجعي الكوفي "أبو سلمة": 229 نصر بن صباح البلخي "أبو القاسم": 163 أبو نعيم الأصبهاني = أحمد بن عبد الله. نعيم بن حماد الخزاعي: 235 نور الدين الهيثمي: 100 هبة الله بن أحمد الكفاني "أبو محمد": 142 هبة الله بن الحسن اللالكائي: 126 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 أبو هريرة: 132، 228، 231 هشام بن عروة بن الزبير: 231 هشام بن الكلبي: 175 هشيم بن بشير: 233 همام بن منبه: 229 الهيثم بن عدي: 75، 76 الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي "ابو سعيد": 238 وكيع بن الجراح الرؤاسي: 233 أبو داؤد الطيالسي: 234 يحيى بن زكريا بن مزيق القرطبي: 124 يحيى بن سعد: 119 يحيى بن عبد الوهاب بن منده "ابو القاسم": 148 يحيى بن علي الحضرمي "أبو القاسم" = ابن الطحان: 136، 148، 153 يحيى بن معين: 90، 91، 105، 109، 109، 110، 117، 235 يحيى بن يحيى الأندلسي: 241 يحيى بن يونس الشيرازي: 67 يزيد بن محمد بن أياس الأزدي "أبو زكريا": 146 يزيد بن هارون: 25 يعقوب بن إسحاق الاسفراييني "أبو عوانة":254 يعقوب بن سفيان الفسوري "أبو يوسف": 64، 69، 156 أبو اليقطان النسابة: 175 يوسف بن علي "أبو عمر" = ابن عبد البر القرطبي: 67، 71، 135، 176، 179، 242 يوسف بن عمر القواس: 157 يونس بن عبيد بن دينار العبدي: 230 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فهرست الموضوعات : الموضوع الصفحة تقديم للأستاذ الفاضل الدكتور عبد الكريم زيدان 5 مقدمة الطبعة الرابعة 11 مقدمة الطبعة الثالثة 13 مقدمة الطبعة الثانية 15 مقدمة الطبقة الأولى 17 الوضع في الحديث: 19 تمهيد: 19 بدء الوضع 21 اثر الخلافات السياسية في الوضع 22 دور الخوارج في الوضع 30 الخلافات الكلامية 31 الزنادقة 34 القصاصون 36 وضع جهلة الصالحين للحديث 39 دور العصبية للمدن والجنس والإمام 41 الوضع لأغراض خاصة 44 جهود العلماء في مقاومة الوضع 47 الإسناد وظهورعلم الرجال 47 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الموضوع الصفحة المصنفات في علم الرجال حتى نهاية القرن الخامس "دراسة وتحليل" 61 كتب معرفة الصحابة 62 المصنفون في معرف الصحابة 64 كتب الطبقات 74 المصنفون في الطبقات 75 كتب الجرح والتعديل 83 أنواع كتب الجرح والتعديل 90 مؤلفو كتب الضعفاء 91 مؤلفو كتب الثقات 100 مؤلفون جمعوا بين الثقات والضعفاء 104 المصنفات في رجال الحديث المذكورين في الكتب الستة وغيرها 123 كتب معرفة الأسماء 131 كتب الأسماء والكنى والألقاب 132 كتب المؤتلف والمختلف 135 كتب المتفق والمفترق والمتشابه 137 تواريخ الوفيات 138 المصنفات في الوفيات 141 تواريخ الرجال المحلية 142 معاجم الشيوخ 156 كتب الرجال عند الشيعة 161 أسس تنظيم كتب علم الرجال: 171 التنظيم على النسب 171 التنظيم على الطبقات 180 التنظيم على المدن 191 التنظيم على حروف المعجم 203 علم الرجال والتاريخ 206 علم الرجال النقد التاريخي 210 نشاط الرحلة في طلب العلم: 213 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الموضوع الصفحة تدوين الحديث: 221 الكتابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم 221 كتابة الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم 222 رأي العلماء في تعارض أحاديث النهي عن الكتابة والسماح بها 225 كتابة الحديث في جيل الصحابة 226 أمثلة الصحف التي كتبها الصحابة في الحديث 228 كتابة الحديث في جيل التاعين فما بعدهم 229 كتب الرواية المهمة: 241 موطأ مالك 241 مسند الإمام أحمد بن حنبل 242 صحيح الإمام البخاري 244 كتاب سنن أبي داؤد السجستاني 248 جامع الترمذي 249 سنن النسائي 250 سنن ابن ماجه 251 كتب الرواية المهمة بعد القرن الثالث الهجري 252 ثبت المصادر والمراجع 257 فهرس أسماء المصنفين 273 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285