الكتاب: الأشباه والنظائر المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1411هـ- 1991م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الأشباه والنظائر للسبكي السبكي، تاج الدين الكتاب: الأشباه والنظائر المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1411هـ- 1991م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المجلد الأول مقدمة ... وضح فإنه لا ينفع: تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا لا يمنعك قضاء قضية بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك ما لم يبلغك في الكتاب أو السنة "اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك"، "فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى"، واجعل لمن ادعى بينة أمدا ينتهي إليه؛ فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا وجهت القضاء عليه؛ فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجرَّب في شهادة زور أو ضنين في ولاء أو قرابة. إن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات، وإياك والفلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر؛ فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله فما ظنك بثواب غير الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته. والسلام عليك. وقد قال السيوطي في أشباهه ونظائره: "إن فن الأشباه والنظائر فن عظيم به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره ويتمهد في فهمه واستحضاره ويقتدر على الإلحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة والحوادث والوقائع التي لا تنقص على ممر الزمان ولهذا قال بعض أصحابنا: "الفقه معرفة النظائر". وهذا ما نبه عليه الشيخ السبكي رحمه الله في مواضع عديدة من كتابه فدونك أيها القارئ بيان منهجه في أشباهه ونظائره. ولقد شرع المؤلف في كتابه بخطبة للكتاب بيَّن فيها أهمية الفقه وأنواعه وأهمية القواعد الفقهية، وأثنى على كتاب القواعد لابن عبد السلام وكتاب الأشباه والنظائر لابن المرحل وأنه كان الدافع للمؤلف في تأليفه كتابه فأخذ في تحريره وإتمامه بإشارة والده له ولقد أضاف إليه الكثير قسم الناس تجاه كتابه إلى ثلاث فرق أثنى على الفرقة الثالثة وهي التي تقرأ وتستفيد وتعترف بالفضل فهذه الطريقة هي التي مدحها في كتابه بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 "وهذه طريقة قلَّ سالكوها وبعد أن يوجد في حياة المصنف أهلوها، فعليهم سلام الله أحسن الناس وجوها ... ". ثم تكلم بعد ذلك عن تمهيد عاب فيه على من يقتصر على حفظ الفروع دون القواعد، وبين رأي إمام الحرمين في أهمية القواعد وبين الفرق بين القاعدة وبين المدرك، والضابط وأوضح رأي القاضي حسين في أهم القواعد التي ترجع إليها الفقه فبين هذا الأمر غاية البيان وأوضح كذلك رأي العز بن عبد السلام في إرجاع الفقه كله إلى قاعدة المصلحة المشهورة. ثم شرع المؤلف رحمه الله إلى تقسيم كتابه إلى أبواب: الباب الأول: في القواعد الخمسة المشهورة التي هي أساس لغيرها. الباب الثاني: في القواعد العامة التي تأتي في درجة بعد القواعد الخمسة وقد تكلم الشيخ في هذا الباب عن سبع وعشرين قاعدة كلية. الباب الثالث: القواعد الخاصة لكل باب من أبواب الفقه. تكلم الشيخ في هذا الباب عن خمس وثمانين ومائة قاعدة، وقسمها إلى أربعة أقسام: القسم الأول: في قواعد ربع العبادات. القسم الثاني: في قواعد ربع البيع. القسم الثالث: في قواعد ربع الإقرار. القسم الرابع: في قواعد ربع المناكحات. الباب الرابع: "في أصول كلامية ينبني عليها فروع فقهية". وفي هذا الباب تحدث الشيخ عن السعادة والشقاوة وعن حقيقة العلم وعن الفرق بين الاسم والمسمى وعن حقيقة الكلام والفرق بين الملجأ والمضطر وشروط الإكراه الذي به ترتفع الأحكام وعن الخلاف في حقيقة العقد وتكلم في ذلك عن الحسن والقبح وكونهما شرعيين لا عقليين وبين الخلاف في ذلك وتحدث عن حقيقة الحياة وعن العلاقة بين الممكن والمؤثر وتكلم عن السبب والعلة وبين الفرق بيهما وبين الحكم فيما إذا دخل الشرط على السبب كما تكلم عن منع اجتماع علتين على معلول واحد ثم تكلم عن أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها على أسبابها وغير ذلك من المسائل المهمات. الباب الخامس: "في مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية تكلم الشيخ في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ذلك الباب عن معنى التكليف وعن أنواع الأحكام وعن المعنى المقصود بصحة العقود وعن مدلول اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وسائر الأسماء المشتقة وعن منع اشتقاق اسم الفاعل من شيء يكون الفعل قائما بغيره وتكلم عن العلاقة بين الفرض والواجب وعن حكم أخذ الأجرة على فرض العين وعن حكم ما لا يتم الواجب إلا به، وتكلم عن فرض الكفاية وعن معنى السنة والنافلة والتطوع والمستحب والمندوب والمرغّب فيه والمرشد إليه والحسن والأدب وتكلم عن أمور يتعلق التحريم فيها بمبهم وبين حقيقة الرخصة وغير ذلك من المسائل الأصولية المهمة ثم انتقل الشيخ إلى: كتاب العموم والخصوص: تكلم فيه الشيخ عن صيغ العموم وتكلم كذلك عن قواعد مهمة لا يستغني عنها الفقيه ... وكتاب الإجماع: تكلم فيه عن حكم الأجماع السكوتي وعما يتعلق بقول الصحابة رضي الله عنهم: "فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا" ... وكتاب القياس: تكلم فيه الشيخ عن قياس العكس ومسألة هل تثبت اللغة قياسًا وغير ذلك مما يتعلق بمسائل القياس. وكتاب الاستدلال: تكلم فيه عن قول الصحابي وحكم حجته وغير ذلك. وكتاب الترجيح: تكلم فيه عن الحكم فيما إذا تعادلت الأمارات وكذا لو تعارض العام والخاص، وقول: التخصيص أولى من المجاز، والفرق بين ما ثبت بالنص وما ثبت بالأخبار. وكتاب الاجتهاد: تكلم في عن عدم قابلية خطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. الباب السادس: "كلمات نحوية يترتب عليها فروع فقهية، وقسم هذا الباب إلى قسمين: الأول في المفردات من الأسماء والحروف وبعض الأفعال، والثاني: في المركبات والتصرفات العربية. وذكر قسما ثالثا في إعراب الآيات التي يترتب على تخريجها أحكام شرعية وهذا القسم الذي أشار إليه في مقدمة هذا الباب ثم نعثر عليه فيما بين أيدينا من مخطوطات. الباب السابع: وهو الباب الذي تكلم فيه الشيخ عن المآخذ المختلف فيها بين الأئمة التي ينبني عليها فروع فقهية. تحدث الشيخ تاج الدين في ذلك الباب عن سبب اختلاف الفقهاء وبين الخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بين الشافعي. وأبي حنيفة في المعنى المغلب في الزكاة وتكلم عن الخلاف في علة ربوية الأشياء المنصوصة إلى غير ذلك مما يطالع به الكتاب. وفي نهاية هذا الباب تكلم عن تقاسيم أدخلها بعض الفقهاء في القواعد وليست منها. الباب الثامن: في الألغاز. ثم ختم كتابه بأدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا نكون قد ألقينا الضوء على منهج المؤلف في كتابه الأشباه والنظائر الذي قال عنه ابن نجيم: "لم أر كتابا يحكي كتاب الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي رحمه الله تعالى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ترجمة الإمام ابن السبكي: اسمه ونسبه 1: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي ونسبته إلى سبك "من أعمال المنوفية بمصر". مولده: ولد في القاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وقيل: سنة ثمانٍ في السلطنة الثالثة للناصر محمد بن قلاوون. نشأته وطلبه للعلم: من المعلوم ضرورة أن البيئة من العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية وهي تتدخل في توزيع الاتجاهات والاستعدادات والميول وهي التي تميز كل امرئ عن الآخر فإن لعواملها تأثيرًا "سيكولوجيا" كبيرًا عن انطباعات كل إنسان عن الكون والحياة. وفي خصومة هذه العوامل تنبت براعم الاتجاهات الخاصة التي تشكل ملامح   1 انظر ترجمته في البداية والنهاية 14/ 316. الدرر الكامنة 2/ 425. قضاة دمشق ص106. النجوم الزاهرة 11/ 108. البيت السبكي ص14-45. حسن المحاضرة 1/ 182. البدر الطالع 1/ 410. شذرات الذهب 6/ 221. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 104. هداية العارفين 1/ 639 بروكلمان 2/ 89. معجم المؤلفين 6/ 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 البارزة لوجهة الشخصية، ولقد منح الله العلي الغفار الإمام الحبر البحر عبد الوهاب السبكي بيئة ذات طابع متميز فساعدته على تنمية مواهبه وإشراقه بنوعه فهي بيئة علمية التقت به من جميع جوانبه فوالد تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي وكفى بذلك شاهدًا. فلقد رأى الشيخ عبد الوهاب وفود العلماء وهي تنسل إلى مجلس أبيه وينهلون من علمه ويقيدون فوائده فليس غريبا أن يبدأ مبكرا في حفظ كتاب الله والعكوف على طلب العلم؛ فقد نشأ في أسرة عريقة ويعتبر تاج الدين من أجلِّ وأعظم رجال الأسرة السبكية الذين ذاع صيتهم في دولتي المماليك؛ لامتيازهم في العلم وفي مناصب التدريس والقضاء فلم يعش تاج الدين إلا نحو أربعة وأربعين عاما لكن حياته على قصرها كانت ملأى بالإنتاج العلمي الذي جعله من الأئمة باعتراف معاصريه ومن جاءوا بعده. وتدل آثاره وموافقه في المحن التي عاناها وآراء من كتبوا عنه على أنه كان -إلى جانب ما امتاز به من علم غزير وذكاء حادٍّ ولسان طلق وبديهة حاضرة وحجة قوية وصبر على العمل المنتج وسعة صدر وثبات في الملمات وترفعٍ واعتداد بالنفس ورقة إحساس وعطف على الإنسان والحيوان من أولئكم ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة؛ أولئكم الذين يسمون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة ويأبون وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة في الحياة، وأن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الذين يرحبون بالفساد يستغلونه لمآربهم ويسخرونه لمنافعهم. بل آثر أن يكون من رجال الإصلاح وإن أوذي واضطهد، فعزل غير مرة واعتقل بقلعة دمشق، لكن العالم الإسلامي وقد نسي مضطهديه واضطهاده لم ينس له في حياته ولن ينسى له بعد مماته فضله وآثاره1؛ فقد كان تاج الدين في طلبه للعلم شغوفا لم يألُ جهدا في تحصيله فحضر وسمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة واشتغل بالعلم على والده وغير ودرس بمصر والشام وبمدارس كبار العلماء منها العزيزية والعادلية الكبرى والغزالية والعزراوية والشاميين والناصرية والأمينية وغير ذلك من المدارس.   1 البيت السبكي 13-14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 شيوخه: 1- علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي وهو والد الشيخ تاج الدين فقد طلب العلم على يديه- قال عنه ولده كما ولي التدريس في المدرسة الشامية البرانية "فما حل مغربها ولا اقتعد بمشرقها أعلم منه"، وقد كان والده رحمه الله حريصًا على تثقيفه على يد كبار العلماء ممن يثق في علمهم ويطمئن إلى وسائلهم في الدرس والتلقين. 2- يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف الإمام العلامة الحافظ الكبير شيخ المحدثين عمدة الحفاظ أعجوبة الزمان جمال الدين أبو الحجاج الدمشقي المزي. قرأ الشيخ تاج الدين السبكي عليه وأخذ من علمه الكثير واستفاد منه. 3- محمد بن أحمد بن عثمان بن قائماز الإمام العلامة الحافظ المقرئ مؤرخ الإسلام أبو عبد الله الفارقي الدمشقي المعروف بالذهبي؛ فإن السبكي محدث العصر وخاتم الحفاظ القائم بأعباء هذه الصناعة وحامل راية أهل لسنة والجماعة إمام أهل عصره حفظًا وإتقانًا وفرد الدهر الذي يذعن له أهل عصره وقد لازمه شيخنا وأخذ عنه الكثير وتخرج به وغير ذلك من المشايخ الذين أخذ عنهم الشيخ الإمام. 4- عبد العزيز بن محمد بن جماعة بن صخر الكناني الشافعي، ولد في تاسع عشر المحرم سنة سبع وستين وستمائة وتوفي بمكة سنة أربع وتسعين وسبعمائة ودفن بالحجون1 وغير ذلك ممن نال الشيخ رحمه الله شرف الأخذ عنهم. ثناء العلماء عليه: لقد أثنى عليه جمع من العلماء منهم الذهبي وذكره في المعجم المختص وأثنى عليه، وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يَجْرِ على قاضٍ قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله، قال عنه الحافظ شهاب الدين بن حجي: حصل فنونًا من العلم ومن الفقه والأصول وكان ماهرًا فيه والحديث والأدب   1 البدر الطالع 1/ 359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وبرع وشارك في العربية وكانت له يد في النظم والنثر جيد البديهة ذا بلاغة وطلاقة لسان وجراءة جنان وذكاء مفرط وذهن وقاد. قال ابن قاضي شهبة: وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام وحصلت له محنة بسبب القضاء، وأوذي فصبر وسجن وعقد له مجالس فأبان عن شجاعته وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه ثم عاد إليه مرتبته وعفا وصفح عمن قام عليه وكان سيدا جوادا كريما مهيبا تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم. وقال عنه الحافظ شهاب الدين بن حجي: "حصل فنونا من العلم". تصانيفه: 1- شرح مختصر ابن الحاجب في مجلدين سماه "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب". 2- شرح المنهاج للبيضاوي في الأصول. 3- الأشباه والنظائر وهو الذي ما نحن بصدده. 4- طبقات الفقهاء الكبرى والوسطى والصغرى. 5- "الترشيح" في اختيارات والده، وفيه فوائد غريبة. 6- التوشيح على التنبيه. 7- التصحيح في الأصول. 8- المنهاج في الأصول. 9- جمع الجوامع: في أصول الفقه وشرحه. 10- منع الموانع: وهو شرح جمع الجوامع السابق الذكر. 11- "جلب حلب" وهو جواب أسئلة سأله عنها الأذرعي. 12- أحاديث رفع اليدين. 13- أوضح المسالك في المناسك. 14- ترجيح تصحيح الخلاف. 15- تبيين الأحكام في تحليل الحائض. 16- جزء في الطاعون. 17- الدلالة عن عموم الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 جوابًا عن أسئلة أهل طرابلس. 18- رفع الحوبة في وضع التوبة. 19- السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور الماتريدي. 20- فتاوى. 21- مصنف في الألغاز. 22- معيد النعم ومبيد النقم. 23- مناقب الشيخ أبي بكر بن قوام. وفاته: توفي الشيخ رحمه الله شهيدًا إثر مرضه بالطاعون في ذي الحجة ليلة الثلاثاء سنة إحدى وسبعين وسبعمائة عن أربع وأربعين سنة. نسبة الكتاب: من الأمور اليقينية التي وقعت لنا في تحقيق هذا الكتاب نسبته إلى مؤلفه، فقد أجمع المؤرخون على نسبته إليه ولقد وجد اسم الكتاب منسوبًا إلى ابن السبكي رحمه الله على كلا النسختين اللتين اعتمدنا عليهما في ضبط الكتاب وكذلك لقد اقتبس كثير من العلماء من الكتاب وأحالوا عليه وأشادوا به مثل السيوطي في مواضع عديدة من أشباهه ونظائره، وابن نجيم وأحمد بن الصاحب شرف الدين محمد بن أحمد المصري. له مؤلف اختصر فيه الأشباه والنظائر للشيخ رحمهما الله مسمى نواضر النظائر. وصف المخطوط: لقد اعتمدنا في ضبط نص ذكر الكتاب على نسختين: النسخة الأولى: وهي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم "1476" بخط واضح جيد تقع في 240 لوحة مسطرتها 31 سطرا وقع في نهايتها قوله: "قال مؤلفه رحمه الله نجز الفراغ من هذا الكتاب نفع الله به في السابع من شهر ربيع الأول سنة ثمانٍ وستين وسبع مائة على يد مؤلفه عبد الوهاب ابن السبكي غفر الله له وكان نجازه بدار الخطابة بالجامع الأموي بدمشق والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وجعلنا هذه النسخة أصلا ورمزنا لها بالرمز "أ". النسخة الثانية: وهي المحفوظة بمكتبة البلدية بالإسكندرية. بخط واضح تقع في 225 لوحة مسطرتها 27 سطرًا وقع عليها بعض التملكات للفقير إلى الله الغني عبد الرحمن ابن الشيخ محمد الحكم غفر الله له ولوالديه. وقع في آخرها قوله: "قال مؤلفه رحمه الله: نجز الفراغ من هذا الكتاب نفع الله به في السابع من شهر ربيع الأول سنة ثمانٍ وستين وسبعمائة على يد مؤلفه عبد الوهاب ابن السبكي غفر الله له وكان نجازه بدار الخطابة بالجامع الأموي الكبير بدمشق والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله على كل حال". وهذه النسخة بها سقط في مواضع عديدة من الكتاب وزيادات في غير موضعها نبهنا على ذلك في تعليقنا إلا في مواضع قليلة أغفلناها؛ لعدم أهميتها. ورمزنا لهذه النسخة بالرمز "ب". هذا وقد أجهدنا ضبط ذلك النص جهدا كبيرا، فإن كان فيه من خير فلله الحمد والمنة، وإن كان غير ذلك فنسأل الله أن يجنبنا الخطأ والزلل. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المصنف : وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. الحمد لله الذي جلَّ عن الأشباه والنظائر ودلَّ على طرق الهدى بالأقوال الصحيحة والوجوه والنظائر وحل لنا بالنظر في آثار سلفنا عند المشكلات وفي الذهبين الأولين من القرون لنا بصائر. أحمده على نعم لو رام اللسان حصرها لوقع في حصر وَعَيٍّ. وأستغفره لذنوب ما عداني عددها في الخائفين إلا وحشرني في زمرة الراجين رحمته التي وسعت كل شيء، وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه ولا يستهديه شيطانه، وأشهد أن سيدنا محمد المصطفى خير نبي أرسله وأفضل مخلوق منحه الفضل مجمله ومفصله، وأنقذنا به من الهلكة والبأس، وجعلنا به من خير أمة أخرجت للناس صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما ترددت الأنفاس. أما بعد: فإن العلوم وإن كانت تتعاظم شرفا وتطلع في سماء من كوكبها شرفا وينفق العالم من خزائنها، وكلما زاد ازداد رشدا وعدم سرفا، فلا مرية في أن الفقه واسطة عقدها ورابطة حلها وعقدها وخالصة الرابح من نقدها به يعرف الحلال والحرام ويدين الخواص والعوام ويتبين مصابيح الهدى من ظلام الضلال وضلال الظلام. قطب الشريعة وأساسها وقلب الحقيقة الذي إذا صلح صلحت ورأسها وأهله سراة الأرض [الذين] 1 لولاهم لفسدت بسيادة جهالها وضلت أناسها.   1 في ب الذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهَّالهم سادوا أي: ولولاهم لاتخذ الناس رءوسا جهالا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا وخبطوا خبط عشواء فما حرموا ولا حللوا بل حلوا عرى الإيمان حيث حلوا، وشكت الأرض منهم وقع أقدام قوم استزلهم الشيطان فزلوا. فلله الفقهاء نجوم السماء، تشير إليهم بالأكف الأصابع، وشم الأنوف يخضع لديهم كل شامخ الأنف رافع، ونظام الوجود ويضوع بهم مسكا ظهر الأرض فما يظن نعمان، إن مشت به زينب في نسوة حاسرة البراقع وحلقوا على نور الإسلام كسوار المعصم قائلين لأهله والحق سامع. أخذنا بآفاق السماء [عليكم] 1 ... لنا قمراها والنجوم الطوالع أي: وزينة الأرض التي بموطئ أقدامهم تقبل الشفاه حلالها وبإحاطة أحكامهم وإحكامهم يذكر حرامها وحلالها وترشف من زلالها ماء حلالها، فلا مزنة ودقت ودقها، ولا أرض [أبقل أبقالها] 2: ولقد ساروا في مسالك الفقه غورًا ونجدًا، وداروا عليه هائمين به وجدا وصاروا حامليه ومؤديه حتى إلى غير فقيه فعم نفعًا وأفاد وأجدى. فسار به من لا يسير مشمرا ... وغني به من لا يغني مغردا وتفرقت بهم في جملة الأنحاء وتشعبت الطرق وتعددت الأهواء وتباينت الأخلاق والقدر المشترك بينهم سواء فمنهم -وكلهم أحب حب الخير- من سار على منهاجه أحسن سير وجرى في موافقه على منواله غير متعرض إلى غير، ومنهم من جعل دأبه رد الخصوم وخصم المخالفين فلا يفوته الطائف منهم في الأرض يحور ولو أنه الطائر في السماء يحوم، وإقامة الحجج والبراهين [فمنها] 3 معالم للهدى، مصابيح تجلو الدجى والأخريات رجوم. ومنهم من قال: الكيس، الكيس، وأحب أن بطرف علومه بطرق المسائل ويوقظ من الأذهان ما هو في سنة الغفلة وما ليس.   1 سقط في ب. 2 وفي ب: "أثقل أثقالها". 3 وفي ب: "منهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وإذا تكون كريهة يدعى لها ... وإذا يحاس الحيس فعمد إلى مسائل1 ركبها، ومطارحات2 اطلع في سماء الفقه كوكبها، ومولدات افتض أبكارها، وأجرى في عسكر الجدال موكبها وسيد هذه الطائفة من أصحابنا أبو بكر بن الحداد3 صاحب الفروع الغرائب وصاحب ذيل الفضل على أهل المشارق والمغارب، والضارب مع الأقدمين بسهم والناس تضرب في حديد بارد، وابن الحداد يضرب في ذهب ذائب، "الفاعل الفعل لم يفعل لشدته، والقائل القول لم يترك ولم يقل"، تقدم هذه الفرقة تقدم النص على القياس وسبق وهي تناديه.: ما في وقوفك ساعة من باس وتصدر ولو عورض لقال لسان الحال للحق: مروا أبا بكر فليصل بالناس. وعمد منحطون عن هذه الرتبة إلى مسائل ألغاز، وطرحوا حقائقها على الطلبة ليختبروا ما عندهم من العلم، فلكل ذهن عليها نجاز وامتحنوهم بها، فمن حج أبان صفا قلبه ليستلم ركنه بأنه ليس بحجر أسود بل صبح أبيض لا حجاب دونه ولا حجاز. وقال آخرون: المهم المقدم وخير ما سلك [الطريق] 4 الأقوم. والذي أقول -والله أعلم- إن من أهم ما عني به الفقيه وجعله المدرس دأبه الذي يعيده ويبديه وشوقه الذي يلقنه ويلقيه القيام بالقواعد وتبيين مسالك الأنظار ومدارك المعاقد.   1 جمع مسألة، والمسألة لغةً: السؤال، الصحاح 5/ 1723، لسان العرب 3/ 1906، واصطلاحًا: مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم "الجمل على المنهج 1/ 26، قليوبي على المنهاج 1/ 16". 2 قال أبو عبد الله بن القطان في أول المطارحات: التحاسد على العلم داعية التعلم ومطارحة الأقران في المسائل ذريعة إلى الدراية والتناظر فيها ينفح الخواطر والأفهام والخجل الذي يحل بالمرء من غلطه تبعثه على الاعتناء بشأن العلم ليعلم ويتصفح الكتب، فيتسبب بذلك إلى بسط المعاني ويحفظ الكتب المنثور 3/ 398. 3 هو أبو محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد كان إماما مدققا في العلوم. شيخ الشافعية في زمانه، ولد يوم موت المزني في رمضان سنة أربع وستين وكان كثير العبادة يصوم يوما ويفطر يوما، قال ابن زولاق: إنه صنف كتاب الباهر في الفقه في مائة جزء وكتاب الفروع المولدات، قال الشيخ أبو إسحاق: مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. وفيات الأعيان 3/ 8336، تذكرة الحفاظ 3/ 899، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 130 وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص71. 4 في ب: "السبيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وكيف ائتلاف النظائر، واختلاف المآخذ. واحتماع الشوارد. وذلك أمر شديد، لا ينال بالهوينا والهدوء. ولا يدرك شأوه إلا من تصدى بأعماله قلب وقالب. لا يزال ذات نمو. ولا يحوم على حماه إلا من بين ذاته والسواد1 مانعة الجمع وبين أفكاره والسهاد مانعة الخلو. إن لمحت له بارقة اختطفها، وإن لاحت له نادرة بادر إلى ثمرتها واقتطفها، وإن قدمت عليه غريبة ردها إلى وطنها بعدما اقتطفها، يعمل أفكاره، ويدأب ليله ونهاره ويستسقي كل جعفر ولو نضب ماؤه وتنحت عنه أطياره، ويرعا، ولو وقف ذهنه الأنجم السيارة ولا يحجم ذهنه إذا ازدحمت المعضلات بل تقدم قائلا: "أنا ابن داره" يمر به المعضل فيقتحم في حله أهوالا ولا يقول: أهابك إجلالا، بل يستحل مريره وينشد من يعيبه. ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مُرًّا به الماء الزلالا فإذا أحكمه وجعله تحت حكمه شد حيازم عزمه وأنفق من خزائن علمه. ولم يخش من ذي العرش إقلالا، هكذا هكذا وإلا فلالها ولقد ألف سلطان العلماء -أبو محمد- عز الدين بن عبد السلام2- قواعده. بل رصف فرائده ووضع قلائده وجمع فوائده ونوع موائده وقال فلم يترك مقالا لقائل وتسامى ولم يسمع أين الثريا من يد المتناول وتعالى كأنما هو للنيرين متطاول، وتصاعد درج السيادة حتى فاق الآفاق، وتباعد عن درجات معاصريه فساق أتباعه أمما وشاق ومضى وخلف ذكرا باقيا ما سطر الأوراق في الأوراق وأقبل كأنه تسعى بين يديه الأنوار، وترفل في أثوابه أزهارها ونوار، وجاء بيانه البديع بالمعاني البسيطة في اللفظ الوجيز الذي يحلو عليه التكرار وشاع اسمه كأنه علم في رأسه نار. وجاء هذا الكتاب على وفق مطلوبه، كاملا في أسلوبه شاملا   1 في ب: "الوساد". 2 عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن الشيخ الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلا، عز الدين أبو محمد السلمي الدمشقي ثم المصري، ولد سنة سبع أو ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وتفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر وقرأ الأصول على الآمدي وجمع بين فنون العلم. قال ابن قاضي شهبة عن كتاب القواعد الكبرى وهو الكتاب الدال على علو مقداره وله تصانيف عديدة انظر ترجمته في: فوات الوفيات 1/ 287، طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 80، البداية والنهاية 13/ 235، شذرات الذهب 5/ 301، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 للفضل بعيده وقريبه شفاء لما في الصدور ووفاء لما للعلم في ذمة بني الدهور وصفا يروق به موارد السرور، واكتفى بما تعلق به الرجاء من عظائم الأمور، أولًا لا يحتاج إلى ثانٍ ومكملا ليس عنه ثانٍ، وموئلا للطلبة ليس عليه إلا مثنٍ –وقضى السجع بأن أقول: ثانٍ كأنما صعد صاحبه السماء وأخذ بدرها أو غاص البحار واستخرج درها، لا والله- بل بعثر القلوب وأفشى سرها، ثم جمع الإمام العلامة صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل1 كتابًا في الأشباه والنظائر في الفروع طاول فيه الفراقد وحاول المعالي فسهر في طلبها، وخلف ألف راقد وتناول النجم قناداه لسان الإنصاف. ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد ولقد جاوز قدر كل ذي قدر، وزاحم الرءوس في مجالس المعالي، ويد الحق تضع في الصدر الصدر وتضايق القوم حيث فسح له وأنشد: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ضاق بها وهي في مجالس العلم الصدر، ولكن صدر الدين وراق بها ربعها وإن بعد عهده فلا يتغير، وإن غير النأي المحبين وساق منه هديا لحفظه التقي فنسيانه ضلال مبين، وساق منه كتابا يتلقاه ذو المعرفة باليمين، فما هاج شوقي إلى ما أنا بصدده إلا كتابه لا حمامه، ولا بعث على هذه الكلمات سواه لما سمعت كلامه، فلقد بعثني [فأقام] 2 على ليلي من الفكر القيامة لأني مع استحسانه وجدته محتاجا إلى تحر في تحريره، وممر عليه من أوله إلى آخره لكونه مات وهو مجموع مفرق؛ لتبذيره من غير تدبيره، منسوب في نفسه إلى قصوره غير منسوب إلى مصنفه، وقد عارضته المنية إلى تقصيره. فعمدت إلى هذا الكتاب فاجتلبت زبده وقذفت في بحر فوائد زبده وجمعت عليه من الأشباه نظائر كالأرواح جنودا مجندة وحررته في الدجى بشهادة النجوم ولاقيت عسره   1 محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد، يقال عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية الشيخ الإمام العلامة ذو الفتوق صدر الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الإمام الخطيب زين الدين أبي حفص العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل. ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، وقال السبكي في طبقاته: كان الوالد يعظمه ويحبه ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة. توفي في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة بالقاهرة. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 233، ابن السبكي 6/ 23 والبداية والنهاية 14/ 80، وفوات الوفيات 2/ 254 حسن المحاضرة 15/ 237. 2 في ب: "وأقام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بهمة نبذت سهيلا بالعراء وهو مذموم، وجلوت من الأشباه عروس شباب لا شبيه لها مظنون ولا معلوم، إن قلت كما قال حسان: لم يفتها شمس النهار بشيء فلست أقول: غير أن الشباب ليس يدوم لأنها كلمات أعدها من الباقيات الصالحات والدائمات السابقات، تعوذ بالرقى من غير خبل وتعقد في قلائدها التميم، ثم لم أقدم على هذا الكتاب إلا بإذن سيدي الشيخ الإمام الوالد –قدس الله سره المصون- فإنه أذن لي [فيه] 1 وشرعت في ذلك في حياته، وكتبت منه قطعة شملها نظره الميمون فأعجب له رقا حرره بالكتابة عبد مأذون. نعم حررته وزدت عليه ما ينيف عن نصف مقداره ويضيف الزهر إلى أزهاره ويخيف من سلك غير طريقه فإنه [علي] 2 لاحب ولا يهتدي بمناره، ونقصت منه ما يورثه نقصا ويكاد به يقصر ويقصى، وخصصته بعموم فضائل لا تحصى، ما بين قواعد أهملها رأسا، وزوائد أغفلها -ومن ذا الذي لا ينسى- وفرائد تطلع في أفق المسائل قمرا وشمسا، بحيث جمع فأوعى قاصيا ودانيا ونطق فأسمع قريبا ونائيا. ولو أن واشٍ باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا ولاح للمريد سلوك طريقه وراح الفقيه المستفيد يبدي ويعيد، ولا مزيد على تحقيقه، ونفق سوقه فلا يجد من يستطلع في ظلام الشبهات غير صبح فضله استغلظ فاستوى على سوقه، وكمل كتابا طبخ قلوب الحاسدين لما استوى، وسحابا لا تغير معه الأغراض الأهوية قائلة: لا نبرح نحن ولا أنت مكانا سوى: "وعبابا إذا عافى الله مريض القلب وكرع فيه منصفا ظهر ما قلناه، وبدي من بعد ما اندمل الهوى، وحكما يقضي القضايا اقتضيته وتقول: أنت الحكم التُّرْضى حكومته، والله أعطاه فضلا من عطيته فلتشكر عطيته نبهت له الذهن والناس نيام وأيقظت الفكر فأضاء مصباحه في الظلام وأعلمت فيها القلب فجلس يناجي الملك العلام. فلله من وارداته مقام عبد تجيب فيه الملائكة من عز الكلام. داعي الله لا من دعت ساق حر نزحه وترنما ومحفل فكر يسبك فيه ذهب القلوب على الحق ولا ضرب صواع يكفيه درهما، ومجلس علم يفوق مجلس الذكر ومتعلقا بجلوسه صلى الله عليه وسلم في مجلس المعلمين وقوله: "إنما بعثت معلما" 3 فكم سفه   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 أخرجه ابن ماجه 1/ 117 في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم "229". قال البوصيري في زوائده: هذا إسناد فيه بكر وداود وعبد الرحمن وهم ضعفاء وقال رواه أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق عبد الرحمن الإفريقي به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أحلام النيام ما في تلك اليقظة من رشد يهذب ويحرر. وكم بت مستخبرا علمي، وأستمد فكري وقلمي فهذا ينشيء وهذا يخبر، وكم لظلام الليل عندي من يد تخبر ولست مع ذلك أبرئ كتابي من كل نقص ومعرة. ولا أبيعه بشرط السلامة من كل عيب يكره، ولا أدعي أني استوعبت فيه ولا أن الأشباه جمع كثرة. ولا آمن طائفة تطوف على محاسنه فتأخذها وتدعيها [وتدخل] 1 وتخرج وليت لها أذن واعية فتعيها وتسرق من حرزها نصابا لا شبهة لها فيه ولن يكفيها وتسبح في بحره فتشهب كبار الدرر وتسرح في روضه فتجني على مصنفه، وتجني كل زهر وتسرق ثمره وتقول لا قطع في ثمر ولا كثر. نعم لكأني بفرق ثلاث: فرقة تفرق شمل محاسنه وتنكرها، وتجتلي عرائسه ثم تتشعب قبيلتين خيرهما التي لا تجعلها بمذام ولا تذكرها والأخرى تبيت منه في نعم وتصبح تكفرها. وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا ... لمن بات في نعمائه يتقلب لعب بها شيطان الحسد وشد وثائقها الذي لا يوثق به بحبل من مسد، وتصرف فيها والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في الجسد، تصرف فيهم فنوى كل منهم السوء ولكل امرئ ما نوى، وتحكم فغوى بحكمه من غوى، وجرى بهم في ميدان الحسد حتى وقف الهوى، فلزموا إنكار الجميل لزوم جميل بثينة وغريم ألد تقاضي عزة دينه وجر جريرًا فسماه صائده الفؤاد وهو يعرف كذبه وميته، لا بل لزوم الأعراض للجواهر والغيم للنهار الماطر والليل للنجم الزاهر. وآخر من فيه ثانية: يسمع كلامه ولا يفهمه ويصبح في بحره ولا يعلمه [ويصبح] 2 ظمآن وفي البحر فمه ومثل هذا لا يفتقد حضوره إذا غاب ولا ينتقد كلامه إذا جاب الصخر وخاب ولا يؤهل لأن يعاب إذا عاب.   1 في "ب" فتدخل. 2 في ويسبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وكم من عائب قولا صحيحا ... [وآفته من الفهم السقيم] 1 ولا يؤهل لأن يعاب إذا عاب وآخر من فيه ثالثة: تغترف من بحره وتعترف ببره ويقتطف من زهره ما هو أزهر من الأفق وزهره وتلزم الثناء عليه لزوم الخطب للمنابر والأقلام للمحابر والأفكار للخواطر والمؤمن للطاعة في الليل الكافر، وتعالج به جراحات الشكوك كأنه لها مراهم ويقطع بقواطعه ما أورث سوء الظن وأوهم وتقول: لو بيع فصل منه لاشتريته كما قيل بألف درهم. وهذه طريقة قل سالكوها، وبعيد أن يوجد في حياة المصنف أهلوها فعليهم سلام الله أحسن الناس وجوهًا وأنضر همومًا. وها أنا أبرز لك هذا المجموع وأحمل إليك هذا الموضوع، وأخرجه غير مقطوع الفضل ولا ممنوع والله أسأل أن يتقبله وأن يغفر خطأ مصنفه وأن يدخله الجنة بفضله فإنه لن يدخلها بعمله ولو كان له عمل فكيف ولا عمل له.   1 من قوله وآفته من الفهم السقيم إلى قوله: قال الرافعي فجواز الاستعمال على قولي الأصل سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية مدخل ... الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية: حق على طالب التحقيق ومن يتشوق إلى المقام الأعلى في التصور والتصديق أن يحكم قواعد الأحكام ليرجع إليها عند الغموض وينهض بعبء الاجتهاد أتم نهوض ثم يؤكدها بالاستكثار من حفظ الفروع؛ لترسخ في الذهن مثمرة عليه بفوائد غير مقطوع فضلها ولا ممنوع. أما استخراج القوي وبذل المجهود في الاقتصار على حفظ الفروع من غير معرفة أصولها ونظم الجزئيات بدون فهم مأخذها، فلا يرضاه لنفسه ذو نفس أبية ولا حامله من أهل العلم بالكلية. قال إمام الحرمين1 في كتاب المدارك: "الوجه لكل متخذ للإقلال بأعباء   1 عبد الملك بن عبد اله بن يوسف عبد الله بن يوسف بن محمد العلامة إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي بن الشيخ أبي محمد الجويني رئيس الشافعية بنيسابور مولده في المحرم سنة تسع عشر وأربعمائة وصنف المصنفات العديدة، قال أبو إسحاق الفيروزأبادي تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان توفي في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة. ابن السبكي 3/ 249، وفيات الأعيان 2/ 341، شذرات الذهب 3/ 358، والنجوم الزاهرة 5/ 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الشريعة معه أن يجعل الإحاطة بالأصول سوقه الألذ وينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول، ولا ينزف حمام ذهنه في وضع الوقائع مع العلم بأنها لا تنحصر على الذهول عن الأصول" انتهى. وإن تعارض الأمران وقصر وقت طالب العلم عن الجميع بينهما -لضيق أو غيره من آفات الزمان- فالرأي لذي الذهن الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ. إذا عرف ذلك فالقاعدة: الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منها1". ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: "اليقين لا يرفع بالشك" ومنها ما يختص كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور" والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن تسمى ضابطا. وإن شئت قل: ما عم صورا، فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم فهو مدرك، وإلا فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط من غير نظر في مأخذها فهو الضابط؛ وإلا فهو القاعدة. فإن قلت: فخرج عن القاعدة نحو قول الغزالي "رحمه الله" في الوسيط: "قاعدة لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهة ففي الانعقاد وجهان"، فقد أطلق القاعدة على فرع منصوص قلت: إنما أطلقها عليه لما تضمنته من المآخذ المقتضي للكراهة لأن فعل الشيء في الوقت المنهي عنه هل ينافي حصوله؟ فلما رجع الفرع إلى أصل هو قاعدة كلية حسن إطلاق لفظ القاعدة عليه. وذلك نظير قوله أيضا: قواعد ثلاث: الأولى، التطوعات التي لا سبب لها، لا حصر لركعاتها.   1 وقيل حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته؛ ليتعرف به أحكام الجزئيات، وقيل: القاعدة حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته، وقيل: غير ذلك، انظر تقدمتنا على الاعتناء في الفرق والاستثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وقال في الوجيز: "قاعدة: ينكشف حال الخنثى بثلاث طرق". وقال: وتبعه الرافعي وغيره فيما إذا وهبت المرأة الزوج صداقها. قاعدة في ألفاظ التبرع. وقاعدة في أن الولي هل له العفو عن الصداق؟ وأمثلة هذا كثيرة فاعتبر مما تراه بما أريناك. اعلم أن القاضي الحسين1 ذكر أن مبنى الفقه على أربع قواعد: اليقين لا يزال بالشك، والضرر يزال، والعادة محكمة والمشقة تجلب التيسير. وزعم من يدعي التحقيق أنه أهمل خامسة وهي أن الأمور بمقاصدها2. وقال: بني الإسلام على خمس والفقه على خمس. والتحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه إلى الخمس تعسف وتكلف وقول جملي فالخامسة داخلة في الأولى. وفي الثانية أيضا. بل رجع شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد ولو ضايقه مضايق لقال: ارجع الكل إلى اعتبار المصالح فإن درء المفاسد من جملتها. ويقول –على هذا- واحدة من هذه الجنس كافية، والأشبه أنها الثانية وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين بل على المائتين، أنا ذاكر إن شاء الله في هذا الكتاب ما يحضرني منها، منبه على مثال ما يغمض فهمه مستكثر من ذكر الجزئيات، مشير إلى ما حفظ من المستثنيات، مستعين بالله ومتوكل عليه وإياه أسأل النفع به والمن بنجازه وبخاتمة خير في عافية بلا محنة وبالاجتماع في دار كرامته بخير خليفته محمد صلى الله عليه وسلم من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.   1 الحسين بن محمد بن أحمد بن القاضي أبو علي المروذي صاحب التعليقة المشهورة في المذاهب، أخذ الفقه عن القفال، قال عبد الغافر: كان فقيه خراسان وكان عصره تأريخا بها وصنف في الفقه، والأصول والخلاف. توفي في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة. ابن السبكي 3/ 155، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 244 تهذيب الأسماء واللغات 1/ 164، وفيات الأعيان 1/ 400. 2 قاله القاضي أبو سعيد "الأشباه والنظائر للسيوطي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 القواعد الخمس القاعدة الأولى: اليقين لا يرفع بالشك ... القواعد الخمس: وليقع الابتداء بالقواعد الخمس التي أشرنا إليها هنا ثم نعقبها بما نورده واحدة بعد واحدة. القاعدة الأولى: اليقين لا يرفع بالشك اليقين لا يرفع بالشك1 ولا يخفي أنه لا شك2 مع اليقين ولكن المراد استصحاب الأصل المتيقن لا يزيله شك طارئ عليه. فقل إن شئت: الأصل بقاء ما كان على ما كان، أو: الاستصحاب حجة. ومن ثم كان القول قول نافي الوطء غالبا3. ولم يكن على المانع4 في المناظرة دليل.   1 والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخرج فيه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأصله في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وابن عباس وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أو أربعا؟ فليطرح الشك ولبين ما استيقن"، وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر: واحدة صلى أو اثنتين؟ فليبن على واحدة، فإن لم يتيقن: صلى اثنتين أم ثلاثا؟ فليبن على اثنتين، فإن لم يدر: أثلاثا صلى أم أربعا؟ فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم". اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر. 2 والمراد بالشك لغةً: مطلق التردد. وفي اصطلاح الأصوليين تساوي الطرفين فإن رجح كان ظنا والمرجوح وهما وأما عند الفقهاء فزعم النووي أنه كاللغة في سائر الأبواب لا فرق بين المساوي والراجح وهذا إنما قالوه في الأحداث وقد فرقوا في مواضع كثيرة بينهما. منها: في باب الإيلاء لو قيد بمستبعد الحصول في أربعة أشهر كنزول عيسى صلى الله عليه وسلم فحول وإن ظن حصوله قبلها فليس بحول قطعا وإن شك فوجهان أصحهما كذلك. ومنها: ما سبق في الحياة المستقرة شك في المذبوح هل فيه حياة بعد الذبح حرم للشك في المبيح وإن غلب على ظنه بقاؤها حلت. ومنها: في باب القضاء بالعلم لم يجعلوا للتساوي أثرا أو اعتبروا الظن المؤكد وكذلك في الصيد إذا توارد عليه اثنان في بعض صورة. ومنها: في الأكل من مال الغير إذا غلب على ظنه الرضا جاز وإن شك فلا ومثله وجوب ركوب البحر في الحج إن غلبت السلامة وإن شك فلا ومثله في المرض والمخوف إذا غلب على ظنه كونه مخوفا نفد التصرف من الثلث وإن شككنا في كونه مخوفا لم ينفذ إلا بقول أهل الخبرة. ومنها: قالوا في كتاب الطلاق أنه لا يقع بالشك فأرادوا به الطرف المرجوح ولهذا قال الرافعي في باب الاعتكاف: قولهم: لا يقع الطلاق بالشك مسلم ولكنه يقع بالظن الغالب المنثور 2/ 255. 3 الأشباه والنظائر للسيوطي ص57. 4 والممانعة امتناع السائل عن قبول ما أوجبه المعلل من غير دليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فإن عارض الأصل ظاهر1 فقيل: قولان دائما. وقيل غالبا. وقيل أصحهما اعتماد الأصل دائما. وقيل غالبا والتحقيق الأخذ بأقوى الظنين ومن ثم فصول. فصل: يرجح الأصل جزما إن عارضه احتمال مجرد، وذلك في مسائل منها: احتمال حدث من تيقن الطهر بمجرد مضي الزمان2. ومنها: من أحرم بالعمرة ثم بالحج وشكَّ، هل كان أحرم بالحج قبل طواف العمرة، فيكون صحيحا، أو بعده فيكون باطلا فإنه يحكم بصحته3. قال الماوردي4: لأن الأصل جواز الإحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده5. قال6: وهو كمن تزوج وأحرم ولم يدر هل أحرم قبل تزوجه أو بعده. قال الشافعي رضي الله عنه: يصح تزوجه. قلت ونقله ابن القطان7 في فروعه عن النص أيضا فيمن وكل رجلا في الزواج   1 ويعبر الأصحاب تارة بالأصل والظاهر وتارة بالأصل والغالب وفهم بعضهم التغاير وأن المراد بالغالب ما يغلب على الظن من غير مشاهدة. 2 المنثور للزركشي 1/ 313، الأشباه والنظائر للسيوطي ص64. 3 الأشباه والنظائر ص52. 4 علي بن محمد بن حبيب القاضي أبو الحسن الماوردي البصري أحد أئمة أصحاب الوجوه قال الخطيب: كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وفي غير ذلك. قال ابن خيرون: كان رجلًا عظيمَ القدر متقدما عند السلطان. أحد الأئمة له التصانيف الحسان في كل فن من العلم توفي ربيع الأول سنة وخمسين وأربعمائة. ابن السبكي 3/ 303، ابن قاضي شهبة 2/ 230، شذرات الذهب 3/ 285، مرآة الجنان 3/ 72. 5 الأشباه والنظائر للسيوطي ص52. 6 الأشباه والنظائر ص52، المنثور للزركشي 2/ 261. 7 أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن ابن القطان البغدادي آخر أصحاب ابن سريج وفاة. درس ببغداد وأخذ عنه العلماء، وقال الخطيب البغدادي: وهو من كبراء الشافعيين وله مصنفات في أصول الفقه وفروعه. مات في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. طبقات الفقهاء للشيرازي ص92، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 124، وابن هداية الله ص27، وشذرات الذهب 3/ 28، وفيات الأعيان 1/ 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ثم لم يدر أكان أوقع عقد النكاح بعدما أحرم أو قبله. قال: نص الشافعي أنه صحيح وذكر ابن القاص1 في تلخيصه: أنه لا يزال اليقين بالشك في الطهارة إلا في مسألة واحدة. وهو أن يقول: توضأت وأحدثت ولا أدري أيهما قدمت. فيقال له: قدم وهمك على الأمرين فإن كنت محدثا قبلهما فأنت الآن متطهر، وإن كنت متطهرا فأنت الآن محدث2. قال الروياني3 في البحر: وهذا في الحقيقة بناء على اليقين أيضا لا على الشك، لأنه أخذ بيقين ما قبل الأمرين قال: وهو كما لو أقام رجل البينة بأن فلانا استوفى منه جميع حقه. ثم أقام المشهود عليه بينة بأن المشهود له أقر له بألف؛ فإنه لا يتثبت لجواز أن يكون ذلك قبل الاستيفاء، وفي المسألة وجه آخر أنه يعمل بما قبل الأمرين، فإن كان طاهرا فطاهر، أو محدثا فمحدث. ومنهم من أوجب الوضوء احتياطا. قلت: والأوجُهُ مشهورة في المذاهب. قال النووي4: والثالث هو الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا5.   1 أحمد بن أبي أحمد الطبري أبو العباس ابن القاص أحد أئمة المذهب أخذ الفقه عن ابن سريج وتفقه عليه أهل طبرستان وقال الشيخ أبو إسحاق كان من أئمة أصحابنا صنف التصانيف الكثيرة توفي رحمه الله في طرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. ابن قاضي شهبة 1/ 106، الشيرازي ص91، وفيات الأعيان 1/ 51، طبقات الشافعية لابن السبكي 2/ 103، البداية والنهاية 11/ 219. 2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص52. 3 عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد قاضي القضاة فخر الإسلام أبو المحاسن الروياني الطبري صاحب البحر وغيره، وكانت له الوجاهة والرئاسة والقبول التام عند الملوك فمن دونها، أخذ عن والده وجده، وُلد رحمه الله في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة واستشهد بجامع آمل عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإملاء يوم الجمعة حادي عشر المحرم وقيل اثنتين وقيل سنة إحدى وخمسمائة قتله الباطنية لعنهم الله تعالى. 4 يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحافظ الفقيه الزاهد أحد أعلام الإسلام محيي الدين أبو زكريا الحزامي النووي الدمشقي، وُلد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة وصنف المصنفات النافعة، مات رحمه الله ببلدة نوى بعدما زار القدس والخليل في رجب سنة سبع وسبعين وستمائة ودُفن بها. ابن قاضي شهبة 2/ 153، ابن السبكي 5/ 165، البداية والنهاية 13/ 287، النجوم الزاهرة 7/ 278، شذرات الذهب 5/ 354. 5 شرح المهذب 2/ 65، الاعتناء في الفرق والاستثناء "تحقيقنا"، حلية العلماء 1/ 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 قال: وفي المسألة وجه رابع: أنه يعمل بغلبة الظن1. قلت: وسيأتي عن ابن القاص ما استثناه من قاعدة اليقين لا يرفع بالشك وذاك استثناء من أصل القاعدة وهذا من خصوصها في الطهارات. فصل ويرجح الأصل على الأصح أن استند الاحتمال إلى سبب ضعيف وذلك في مسائل2؛ منها: ثياب مدمني الخمر3، والمقبرة المنبوشة4 وطين الشوارع5. ومنها: دعوى المرأة الإصابة بعد الاتفاق على الخلوة. ومنها: دعوى المديون لا في مقابلة مال الإعسار6. ومنها: وجوب فطرة العبد الغائب المحتمل الموت. ومنها: عدم زواج امرأة المفقود. ومنها: تصديق الغاصب في قوله: لم يكن العبد المغصوب كاتبا. ومنها: إذا تمعطت فأرة في بئر وطرحت، ولكن غلب على الظن أنه لا يخلو كل دلو عن شيء من النجاسة. قال الرافعي: فجواز الاستعمال على قولي: الأصل والغالب. ومنها: الجديد أن دم الحائل حيض؛ لأنه تردد بين كونه دم علة ودم جبلة. والأصل السلامة. والقديم أنه دم فساد؛ لأن الظاهر أن الحامل لا تحيض. ومنها: الأصح تصديق الغاصب إذا ادعى في المغصوب عيبا خلقيا كقوله: كان   1 المصادر السابقة. 2 وهذه المسائل مذكورة في الأشباه والنظائر للسيوطي ص65، والمنثور للزركشي 2/ 326. 3 وكذلك آوانيهم وكذا في ظهر اختلاطه بالنجاسة وعدم احتراسه منها، مسلما كان أو كافرا كما في شرح المهذب عن الإمام. 4 والمعنى بها كما قال الإمام وغيره التي جرى النبش في أطرافها والغالب على الظن انتشار النجاسة فيها. 5 وفي جميع ذلك قولان أصحهما الحكم بالطهارة استصحابا للأصل. 6 فيه وجهان أصحهما القول قوله؛ لأن الأصل العدم، والثاني لا؛ لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أكمه1، وفي وجه المالك نظرًا إلى غلبة السلامة. وفي ثالث: يفرق بين ما تذر من العيوب وغيره. ومنها: لو قال هذا ولدي من جاريتي هذه. عند الإمكان لحقه وهل يثبت كون الجارية أو ولد –لأن الظاهر- أولا لاحتمال أن يكون استولدها بالزوجية. فيه قولان: رجح الرافعي الثاني. قال: ولهما خروج على تقابل الأصل والظاهر. ومنها: لو قال الراهن للمرتهن لم تقبض العين المرهونة عن الرهن، بل أعرتكها، وقال المرتهن بل عن الرهن، فالأصح أن القول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض. وقيل: قول المرتهن؛ لأن الظاهر أنه قبضه عن الرهن. قلت: وأيضا فالأصل عدم العارية. ومنها: تنازع المتبايعان في التفرق، وجاءا متساويين، فقال أحدهما أنا لم أفارقه فلي خيار المجلس. فالقول قوله؛ لأن الأصل عدم التفرق كذا أطلق الأصحاب. قال الرافعي2: وهو بين إن قصرت المدة. وأما إذا طالت فدوام الاجتماع خلاف   1 أو أعرج أو فاقد اليد، فوجهان أصحهما: القول قوله، ويمكن على الأصح المالك إقامة البينة، والثاني: تصديق المالك؛ لأن الغالب السلامة. هذا بخلاف ما لو ادعى عيبًا حادثًا. فإن الأظهر تصديق المالك؛ لأن الأصل والغالب دوام السلامة، والثاني الغاصب؛ لأن الأصل براءة الذمة، فهذه الصورة تعارض فيها أصلان، واعتضد أحدهما بظاهر "وسيأتي في تعارض الأصلين"، ونظير ذلك: ما لو جنى على طرف، وزعم نقصه؛ فإنه ادعى عيبا خلقيا في عضو ظاهر صدق الجاني في الأظهر؛ لأن الأصل العدم، وبراءة الذمة، والمالك يمكنه إقامة البينة، وإن ادعى عيبا حادثا، أو أصليا في عضو باطن، فالأظهر: تصديق المجني عليه؛ لأن الأصل السلامة. راجع الأشباه والنظائر ص66. 2 عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن الإمام العلامة إمام الدين أبو القاسم القزويني الرافعي صاحب الشرح المشهور وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار، قال النووي: إنه كان من الصالحين المتمكنين وكانت له كرامات كثيرة ظاهرة. قال ابن الصلاح: توفي في أواخر سنة ثلاث أو أوائل سنة أربع وعشرين وستمائة بقزوين وقال ابن خلكان توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وعمره نحو ست وستين. طبقات الشافعية ابن السبكي 5/ 119، لابن قاضي شهبة 2/ 75، مرآة الجنان 4/ 56، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الظاهر. فلا يبعد تخريجه على تعارض الأصل والظاهر وتنازع ابن الرفعة1 والشيخ الإمام2 في كلام الرافعي هذا. فابن الرفعة أيَّده وقال: بل ينبغي القطع بقبول قول من يدعي اللزوم؛ لأنه الأصل في البيع. والشيخ الإمام أفسده. وقال: بل ما أطلقه الأصحاب هو الحق؛ طالت المدة أم قصرت وهو تخريج على الأصل والظاهر؛ لأنهما لما تعارضا تساقطا، وبقي معنا حق العاقد من الفسخ، وقد تحققنا تمكنه منه فيستصحبه ولا يرفعه بالشك، ونازع ابن الرفعة في قوله أيضا أن أصل البيع اللزوم، وقال: بل الأصل الجواز ولكن وضعه على اللزوم. وأنا أقول: تمكن العاقد من الفسخ ناشئ من عدم التفرق الذي هو الأصل المستصحب وقد عارضه ظاهر التفرق، فلا بد من جريان الخلاف، وبتقدير تسليم أن أصل البيع اللزوم، فهو معارض بعدم التفرق. ومنها: أدخل الكلب رأسه في الإناء وأخرجه ولم يعلم ولوغه ورأينا فمه رطبا فالأصح الطهارة للأصل، والثاني: النجاسة للظاهر. ومنها: طرح العصير في الدن وأحكم رأسه. ثم حلف أنه لم يستحل خمرًا ولم يفتح رأسه إلى مدة، ولما فتح وجده صار خلا، فوجهان حكاهما الرافعي في فروع الطلاق. أحدهما: إن كان ظاهر الحال صيرورته خمرا وقت الحلف حنث، وإلا فلا. والثاني: لا يحكم بالحنث. لأن الأصل عدم الاستحالة وعدم الحنث.   1 أبو يحيى الشيخ نجم الدين ابن الرفعة كان فريد دهره ووحيد عصره إماما في الفقه والخلاف والأصول واشتهر بالفقه إلى أن يضرب به المثل وله تصانيف مشهورة تفقه على أصحاب ابن العطار وبرع حتى طار اسمه في الآفاق وتفقه على السبكي والذهبي، مات سنة وخمس وثلاثين وسبعمائة. ابن هداية الله ص229، شذرات الذهب 6/ 22، طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 177، البدر الطالع 1/ 115، الدرر الكامنة 1/ 303. 2 حبر الأمة وأستاذ الأئمة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الحسين علي الأنصاري الخزرجي السبكي، كان رحمه الله ذا فراسة صادقة تصانيفه مشهورة وتوفي -رحمه الله- بدمشق. ابن هداية الله ص23، الدرر الكامنة 3/ 134، حسن المحاضرة 1/ 177، وطبقات الشافعية الكبرى 6/ 146، البدر الطالع 1/ 467. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فصل: ويرجح الظاهر جزما في مواضع إن استند إلى سبب منصوب شرعا كالشهادة المعارضة للأصل أو معروف عادة: كأرض على شط نهر. الظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء فلا يجوز استئجارها. وجواز الرافعي تخريجه على تقابل الأصل والظاهر. قلت: وفيه نظر؛ لأن الظاهر هنا معتضد بعادة مستقرة فهو ينزل منزلة القطع أو منزلة السبب المنصوب شرعا، فلهذا جزم باعتماده، وإنما يقع الخلاف في ظاهر مجرد يقابل الأصل. والموضع الثالث مما يرجح فيه الظاهر جزما أن يضعف اعتماد الأصل لمعارض فيبقى الظاهر سالما عن المعارض. مثاله قال: أنت طالق ثم ادعى سبق لسان، فإنه لا يصدق ظاهرا إلا بقرينة؛ لأن الظاهر من حال البالغ العاقل أنه لا يتكلم إلا عن قصد فإن قيل القصد خلاف الأصل فكيف عمل بالظاهر؟ قلنا: أصل عدم القصد تعارض بأنه متهم في هذه الدعوى ما في الإبضاع من الاحتياط، ثم إن سبق اللسان خلاف الأصل، فلما تقاوم الأصلان تساقطا وبقي الظاهر فعمل عمله وهب أن القصد خلاف الأصل فانتفاؤه انتفى لقصد الوقوع ولا يلزم من انتفاء قصد الوقوع انتفاء الوقوع؛ لأن اللفظ يعمل عمله وإن لم يقصد وإذا لم يقصد العدم ففرق بين قصد الوقوع وقصد العدم. فصل: ويرجح الظاهر على الصحيح إن كان سببا قويا منضبطا. وذلك في مسائل. منها: حيوان يبول في ماء كثير، ثم يوجد متغيرًا فالمذهب النجاسة لغلبة الظن بأن التغير من البول1.   1 قال الزركشي: هذا وإن احتمل تغيره بطول مكث أو سبب آخر نص عليه، فأستند التغير إليه مع أن الأصل طهارته، لكنه بعد التغير احتمل أن يكون بالمكث وأن يكون بذلك البول، وإحالته على البول المتيقن أولى من إحالته على طول المكث فإنه مظنون فقدم الظاهر على الأصل وتابعه الجمهور. وقيل إن كان عهده عن قرب غير متغير فنجس، وإلا فظاهر ولو ذهب عقب البول فلم يجده متغيرًا، ثم عاد في زمن آخر فوجده متغيرا قال الأصحاب: لا يحكم بنجاسته وقال الدارمي: يحكم. راجع المنثور 1/ 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ومنها: قاتل حر يدعي رق المقتول فيقول قريبه: كان حرًّا فالأصح تصديق القريب؛ لأنه الظاهر في الغالب. ومنها: شاهد يعدل في واقعة ثم يشهد في أخرى بعد زمان طويل فقد صححوا طلب تعديله ثانيا؛ لأن طول الزمان يغير الأحوال، وفيه عندي نظر. ومنها: اختلفا بعد البيع في الرؤية صحح النووي أن القول قول مدعيها؛ لادعائه الصحة وهي الظاهر؛ إذ الظاهر أن المشتري لا يقدم على شراء غائب وهو ما عزاه الرافعي إلى فتاوى الغزالي وبه أفتى القاضي الحسين وقال الرافعي: إنه لا ينفك عن خلاف. قلت: حكى ابن أبي الدم الخلاف في كتاب أدب القضاء1. ولم يزد النووي على أنها مسألة الاختلاف في الصحة والفساد. وسنتكلم على الفروع في قواعد البيع. ومنها: إذا جومعت فقضت شهوتها ثم اغتسلت ثم خرج منها مني الرجل فالأصل يجب عليها الغسل؛ لأن الظاهر خروج منيها معه. وقيل لا يجب؛ لأن الأصل عدم خروجه. تنبيه: خرج بقولنا: قويا -في قولنا: يرجح الظاهر على الصحيح إن كان سببا قويا منضبطا- لو أمشط المحرم لحيته فوقعت شعرات. شك. هل كانت منسلة فانفصلت؟ أو   1 قال في أدب القضاء 2/ 323: قد عرف من مذهب إمامنا رضي الله عنه أن الصحيح من قوليه بطلان بيع الأعيان الغائبة، كيف كان، استقصيت الأوصاف أو لم تستقصِ، فلو اشترى شيئا ثم قال: اشتريته ولم أره، وقال البائع: بل رأيته، هل القول قول البائع أو المشتري؟ فيه خلاف. من أصحابنا من اختار أن القول قول المشتري؛ لأن الأصل عدم الرؤية، وعدم صحة العقد، ومنهم من اختار أن القول قول البائع؛ لأن إقدام كل مكلف على عقد اعتراف منه بصحته. وأصل هذا كله أنه متى اختلف المتبايعان في شرط مفسد للعقد فادعاه أحدهما، وأنكره الآخر، فيه وجهان: قال صاحب التقريب: القول قول مدعي الشرط الفاسد. وقال غيره: بل القول قول الآخر. وممن اختار الفساد في مسألة الشرط المفسد الجرجاني، البغوي، الشيخ ابن أبي عصرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 انتفت بالمشط فالأصح لا تجب الفدية؛ لأن النتف لم يتحقق فيها1 وبقولنا: "منضبطا" دعوى البر التقي على الفجر الشقي درهما واحدا فإن الفاجر يصدق في إنكاره؛ لأن ظهور كذبه ليس بمنضبط فلا يلتفت إليه. فصل: "ومن ثم يقولون: الشيء قد يثبت على خلاف الظاهر" ويستشكله مستشكلون، وليس بمشكل، وسره ما أبديناه من عدم الانضباط، فلا ثقة به، فلذلك يدرأ في مسائل: منها: تسمع دعوى الدنيء استئجار الأمير المعتبر لكنس داره خلافا للإصطخري. ومنها: لو أتت بولد لدون أربع سنين من قبيل الطلاق بلحظة لحقه. وإن كان وقوع الزنا أغلب على الظن من تأخر الحمل هذه المدة قال شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام: ولا يلزم حد الزنا، فإن الحدود تسقط بالشبهة2، ومنها: أنه يلحق لستة أشهر ولحظتي الوطء والوضع مع ندرة ذلك وغلبة الزنا. وغلبة تأخر الوضع إلى تسعة أشهر. ومنها: لو أقر بمال عظيم قبل تفسيره باقل متمول3. وفي وجه: يزيد للفظ عظيم شيء. ومنها: لو ادعى الزوج بعد مضي مدة العفة الإصابة، فالقول قوله مع ظهور صدقها بالأصل والغلبة. ومنها: [قال] 4: إن رأيت الهلال فأنت طالق، فرآه غيرها طلقت.   1 والأصل: براءة الذمة والثاني يجب؛ لأن المشط سبب ظاهر إليه كإضافة الإجهاض إلى الضرب، الأشباه ص72. 2 لقوله صلى الله عليه وسلم "ادرؤوا الحدود بالشبهات" أخرجه ابن عدي وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة: "ادفعوا الحدود ما استطعتم"، وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي وغيرها من حديث عائشة: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطتعم فإن وجدتم للمسلم مخرجا، فخلوا سبيله؛ فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة". وأخرجه البيهقي عن عمر، وعقبة بن عامر، ومعاذ بن جبل موقوفا وأخرج من حديث علي مرفوعًا: "ادرؤوا الحدود فقط". 3 الأشباه والنظائر ص6. 4 في "ب": لو قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ومنها: لو قال: إذا مضى عصر أو حقب فأنت طالق تطلق بمضي لحظة. واستبعده الغزالي. ومنها: إذا تعاشر الزوجان المدة المديدة، ثم ادعت عدم النفقة والكسوة فالقول قولها. ومنها: على وجه اختاره المحاملي وغيره لو حلف لا يكلمه إلى أيام حنث بلحظة. قال: لأنه يقال: أيام العدل وأيام الفتنة. قلت: ولهذا ظهور ما لو قال أيام فلان العادل أو الجائر على تلوم في أما إذا أتى بلفظ أيام منكرة -كما هو صورة المسألة- فلا وجه له. ومنها: إذا كان معه شخص بالغ، يتصرف فيه تصرف الملاك في عبيدهم، وادعى أنه ملكه وقال ذلك الشخص: بل أنا حر، فالقول قول المدعى عليه، سواء أكان المدعي استخدمه قبل الإنكار وتسلط عليه أم لا، وسواء جرى عليه البيع مرة أو مرارًا وتداولته الأيدي أم لا، صرح به الأصحاب في باب الدعاوى1، وفرضه فيما إذا قال أنا حر الأصل، وأطلق الإمام تصوير المسألة فيما إذا قال: أنا حر. قلت: وقد يقال فيمن تداولته الأيدي: ما الفرق بين أن نطلق قوله: أنا حر. أو يقول: أنا حر الأصل؟ وفي كلام الإمام فوائد. فنقول: قال الإمام في النهاية في باب الدعوى على مذهب أبي حنيفة قبيل باب القافة فالقول قول ذلك الشخص. لم يختلف أصحابنا في ذلك؛ لأن [ظاهر] 2 الدار الحرية وهي الأصل. فمدعيها مستمسك بالأصل والظاهر. فإن قيل: أليس تصرف الملاك مع استمرار ظاهر اليد دلالة على الملك وقد اجتمعتا في هذه المسألة؟ قلنا: إنما تدل اليد والتصرف على تعيين الملك مع كون الشيء مملوكا، فيظهر   1 انظر أدب القضاء للماوردي 4/ فقرة 5274، وأدب القضاء لابن أبي الدم 1/ 625. 2 وفي ب: "الأصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 من اختصاص الإنسان باليد والتصرف وعدم النكير عليه تعيينه من بين الناس، وليس مع من يدعى الملك فيه الأصل يعتضد به، فأما أصل الملك فالأصل عدم الملك. فلا يثبت بظاهر التصرف. وعند ذلك قال الأصحاب: إذا اجتمع الأصل والظاهر فالتعويل على الأصل فلئن قيل: الحر تصرف كذلك. قلنا: قد ينقاد الخادم للمخدوم بما ينقاد بمثله العبيد. انتهى كلام الإمام. وقد تضمن أن اليد والتصرف لا يدلان على الملك إلا عند ثبوت الملك في تلك العين، فيكونان دالين على تعين صاحب اليد المتصرف وقضية هذا أن لا يشهد أن في يده إنسانا صغيرا، يتصرف فيه تصرف الملاك بالملك؛ لأن الأصل الحرية. وفيه وجهان: أطلق أبو علي الطبري حكايتهما1. وقال غيره إنه سمعه يقول: هو عبدي، أو سمع الناس يقولون: إنه عبده شهد له بالملك، وإلا فلا وهذا ما صححه النووي في باب اللقيط2. وقد يقال على مساق كلام الإمام: يجري تصرف ذلك المتصرف على الصحة؛ إذ لا معارض له، فإن بلغ الصبي وأكذبه، أعرضنا عن تصديقه، واعتمدنا قول الصبي غير أن المصحح فيمن ادعى رق صغير في يده أنه يحكم له بالرق وهو ما رجحه الجمهور منهم صاحب التنبيه سواء كان مميزا أم لا. وقالوا: ثم إذا بلغ الصبي قال: أنا حر، لم يقبل أيضا على الأصح3. وقد تلخص من هذا أن ما اقتضاه كلام الإمام من أن المتصرف في صور تصرف الملاك لا يشهد له بالملك وإن ادعى هو رقه؛ لأن الأصل الحرية وليس المرجح في المذهب. وأقول: إن مأخذه حسن، وقضيته أنه إذا ثبت أنه رق على الجملة شهد له بالملك، وإلا فلا، لمخالفة الأصل، ويؤيد هذا أنه لو بلغ الصبي وأقر بالرق، لغير صاحب اليد لم يقبل جزما4 بخلاف ما إذا ادعى الحرية فإن فيه خلافا، فكان وجه   1 روضة الطالبين 5/ 444، وأدب القضاء 1/ 625. 2 روضة الطالبين 5/ 444. 3 إلا أن يقيم بينة بالحرية ولكن له تحليف السيد، قاله البغوي والثاني يقبل، روضة الطالبين 5/ 444، أدب القضاء 1/ 656. 4 روضة الطالبين 5/ 444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 عدم القبول فيما ادعى الرق لغير ذي اليد أنه وافق على الرق وإنما خالف في جهته فلم يصغ إلى مخالفته لمعارضته أمرا قد تكرر قبل بلوغه، بخلاف ما إذا ادعى الحرية فإنه يعتضد بأصل الحرية، وهذا المأخذ الذي أشار إليه الإمام لا يجري في الأملاك، فلا يقال: لا يشهد للمتصرف ذي اليد بالملك حتى يثبت أن الدار ملك على الجملة، مخافة أن تكون وقفا؛ لأن الأصل في العقار الملك، والوقف طارئ، ولا كذلك الرق مع الحرية؛ فإن الحرية هي الأصل، ونظير هذا: صغيرة في يد رجل يدعي نكاحها فالأصح أن لا يحكم له بالنكاح مع أنه لو ادعى الملك حكم له1. وفرق الأصحاب في باب اللقيط بأن اليد على الجملة دالة على الملك ويجوز أن يولد وهو مملوك بخلاف النكاح، فإنه طارئ، فيحتاج إلى البينة2. وهذا كقوله في مساق كلام الإمام والدي. صرح به الأصحاب في باب الشهادات على الملك -بالتصرف والاستفاضة- العقار، والعبد، والثوب، وغيرها، وهذا يقدح في مأخذ الإمام. والإمام ممن رجح جواز الشهادة بالملك لذي اليد المتطاولة وله التصرف تصرف الملاك، ثم ما ذكرناه من أن الأصل الحرية إنما نعني به الغالب، وحكى الرافعي عن حكاية صاحب التتمة قولا بامتناع معاملة من لا تعرف حريته قال: لأن الأصل بقاء الحجر. وهذا قد يقال: إنه ينازع قولهم: إن الأصل الحرية وقد يقال: أنه لا يتنازع؛ لأن المدعى بقاء الحجر. لا إيقاع الحرية. فإنه قلت: الحجر يستدعي انتفاء الحرية الملازمة لثبوت الرق. قلت: لم قلت: إنما نعني حجر الرق، وقد نعني مطلق الحجر المستصحب من زمن الصغر، ولذلك عبرا بلفظ البقاء. غير أنه قبل البلوغ مستندا لا سيما في الأحرار إلى الصبي، وبعد البلوغ يستصحب في مجهول الحال، وجائز أن يسمى حجر الصبي بما لكونه مستصحبا، كما قيل بمثله فيمن بلغ سفيها، وأن يقال: لا ضرورة ما إلى   1 وقال ابن الحداد: نعم كالرق، والأصح ما حكاه المصنف، روضة الطالبين 5/ 444. 2 المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 معرفة عينه، بل هو حجر على الجملة، ثم هذا الوجه إنما هو في منع معاملته، لا في الحكم برقه وقد يقال: هو حر بشهادة الأصل ولكن لا يعامل؛ لأن الإقدام على المعاملة يستدعي قدرا زائدا على الأصل، واعلم أن ما ذكرناه من كلام الإمام يؤخذ منه أنه لو تعارضت بينتا الرق والحرية تقدم بينة الحرية. بيانه: أن بينة الرق -كما ذكره الإمام- لا يجوز لها أن تبنى على ظاهر اليد والتصرف فيما قامت مقبولة وإلا وقد استندت إلى غير ذلك. فتكون مستندة إلى ناقل متقدم. والمسألة عسيرة النقل في المذهب -أعني تعارض بينة الرق وحرية الأصل والذي جزم به الرافعي في المسائل المنثورة آخر باب الدعوى أن بينة المدعي الرق أولى؛ لأن معها زيادة علم. وهو إثبات الرق. وقد وقعت المسألة عندي في المحاكمات، توقفت عن الحكم بذلك فيها لإشكالها ثم وجدت بخط والدي رحمه الله حكاية وجهين في المسألة عن الماوردي، وأنه ذكرهما عند الكلام على خيار العبيد في كتاب النكاح أحدهما: التعارض والتساقط. الثاني: أن شهادة العبودية أولى؛ لأنها تخالف الظاهر من حكم الدار فكانت أزيد علما ممن شهد الحرية، التي هي الغالب على الدار أن أهلها أحرار. وموضع الوجهين كما أبصرت، في تعارض الرق والحرية الأصل. وذكر القاضي أبو سعد المسألة في "الأشراف" ولم يحك القول بتقديم بينة الرق إلا عن الشيخ أبي حامد، وحكى تقديم الحرية عن جميع الأصحاب، وقد سبقه إلى ذلك القاضي أبو عاصم، فحكى في الطبقات تقديم الرق عن الشيخ أبي حامد حكاية المستغرب له فليكن المعتمد إن شاء الله تقديم بينة الحرية أما تعارض الرق والتعق فمسألة مشهورة ذكرها الرافعي وغيره في باب الدعاوى1، وجزم فيها الماوردي في هذا المكان بتقديم بينة الحرية فإنه قال إن علم شهود الحرية العبودية فشهادتهم أولى؛ لأنهم أزيد علما ممن علم العبودية ولم يعلم ما تجدد بعدها من الحرية، ومنها قال إمام الحرمين في كتاب الطلاق بعدما ذكر أن الحربي إذا أكره على الإسلام فنطق بالشهادتين   1 روضة الطالبين 12/ 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 تحت السيف يحكم كونه مسلما فإن هذا إكراه بحق فلم يغير الحكم. اتفقت الطرق على هذا مع ما فيه من الغموض من طريق المعنى؛ فإن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عن الضمير منزلة الإقرار، والظاهر من المحمول عليهما أنه كاذب في إخباره. انتهى. وقد حكاه عن الرافعي إلا أنه أسقط قوله: في إخباره. وليس بجيد؛ لأن الكذب عدم المطابقة لما في نفس الأمر1. وقائل الشهادتين مطابقتين، فلا يقال: إنه كاذب؛ نعم هو كاذب في إخباره أن ضميره مشتمل على الاعتقاد، فقد تبين أن قول الإمام: في إخباره قيد لا بد منه حذفه الرافعي ظنا منه أنه لا حاجة إليه فورد ما لا قبل له به. واعترضه ابن الرفعة بأن هذه نزعة أسامة بن زيد قد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عنها2 وكيف لا يكون ونحن نؤاخذ المقر للعبادة بما يغلب على الظن كذبه [فيما] 3 إذا احتمل الصدق على بعد، وحق الله أولى بذلك، نعم هو إذا كان في نفس الأمر بخلاف ذلك لا يحصل له الفوز في [الدار] الآخرة. انتهى. قلت: الإمام لا يخفى عليه نزعة أسامة. ولم يرد التشكيك على قبول إسلامه بل ذكر أن قبول إسلامه شرعا غامض من حيث المعنى، ولذلك قال: من حيث المعنى ولم   1 الخيالي على العقائد النسفية 27. 2 من حديث أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهتيه فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ " قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح" قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا"، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة قال: قال رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُوَ فِتْنَةٌ وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا يكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة". أخرجه البخاري 7/ 590 كتاب المغازي باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ... حديث 4269، ومسلم 1/ 96، كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعدما قال: لا إله إلا الله حديث "158-256" واللفظ له. 3 في ب: "فيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 يقل من حيث الحكم، والحاصل أن هذا عنده مما حكم فيه بخلاف الظاهر، وأنه أمر بعدي غير معقول المعنى. فطريقة جوابه أن يبين أن هذا جارٍ على وفق الأقيسة الواضحة المعاني، لا أن يقال له: هذه نزعة أسامة، فإنه لا ينكر ذلك، بل نقول: ومن ثم لم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة قودا ولا دية. إنما ذلك –والله أعلم- حيث كان [أقدم] 1 عن اجتهاده ساعده المعنى، ولكن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم الله أن من قالها فقد عصم دمه وماله، وقال: "هل شققت عن قلبه" 2 إشارة إلى نكتة الجواب. والمعنى –والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن هذا الظاهر مضمحل بالنسبة إلى أن القلب لا يطلع على ما فيه إلا خالقه، ولعل هذا أسلم حقيقة وإن كانت تحت السيف ولا يمكن دفع هذا الاحتمال. وفي الحديث الصحيح3: "عجب ربنا من قوم يدخلون الجنة في السلاسل"، وفي لفظ: "يقادون إلى الجنة في السلاسل" 4. قيل: أراد بالجنة الإسلام وبالقوم الأسرى يكرهون على الإسلام5، فجعل   1 في ب: "إقدام". 2 قال النووي في شرح مسلم 2/ 107: فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر؟ والله يتولى السرائر. وانظر الأبي على مسلم 1/ 209. 3 أخرجه البخاري 6/ 168 الجهاد باب الأسارى في السلاسل حديث "3010". 4 أخرجه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أبو داود 3/ 56 كتاب الجهاد باب في الأسير يوثق حديث "2677". 5 فتح الباري 6/ 168-169، فيض القدير 4/ 302-303. قال الغزالي: المراد بالسلاسل الأسباب؛ فإنه تعالى أمر بالعمل فقال: اعملوا وإلا أنتم معاقبون مذمومون على العصيان، وذلك سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجانه سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور، وذلك سبب الوصول إلى جوار الرحمن في الجنان وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده الله بسلامها إلى الجنة ومن قدر له الشقاء أصمه عن سماع كلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون للدنيا والانهماك في اللذات وإذا لم يتركها صار في حزب الشيطان. فيض القدير 4/ 303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الشهادتين مناطا بدار الحكم عليهما فحيث وجدا حكم بمضمونهما بالنسبة إلى الظاهر وأمر الباطن إلى الله تعالى. ومن هنا يوجد جواب عن الإمام فنقول: استغماضه من حيث المعنى قبول إسلام المكره؛ لكونه حكما بخلاف الظاهر، يوضحه أن الإقدام على قتله من تلفظه بالشهادتين واحتمال أنه صادق فيما أخبر به عن ضميره ارتكاب ما لعله يكون ظلما له، والكف عن القتل أولى من الإقدام عليه. ويوضح هذا أن الشارع لا مقصد له في إزهاق الأرواح وإنما المقصد الهداية والإرشاد فإن تعذرت بكل سبيل، تعين زهوق الروح طريقا لزوال مفسدة [الكفر] 1 من الوجود، ومع التلفظ بكلمة الحق لم تتعذر الهداية بكل طريق، بل حصل عز الإسلام بانقياد المتلفظ بها ظاهرا، ويرجى مع ذلك أن تكون الهداية حصلت وبتقدير أن تكون حصلت فقد يحصل في المستقبل فمادة الفساد الناشئ عن كلمة الكفر قد زالت بانقياد ظاهر ولم يبق إلا الباطن وهو مشكوك أو مرجو مآلا، إن لم يكن مرجوا حالا، فقد لاح من حيث المعنى وجه قبول الإسلام –والله الحمد- وأنه على وفق الأقيسة ومنهاج لمحاسن الشريعة، لا يدفعه منقول ولا معقول. فإن قلت -على تقدير ما قاله الإمام من كونه غير معقول المعنى: فما فائدة بحث الإمام عن ذلك. قلت: خطر لي أنه يحال تخريج إسلام الذمي مكرها عليه ويتوصل منه إلى ترجيح أنه لا يصح؛ وذلك لأنه يقول إذا قلنا بالصحة في الحربي فهي غير معقولة المعنى، فلا يقاس عليها الذمي؛ لأن القياس إنما يكون حيث يعقل معنى. ويدل لهذا أنه ذكر مسألة الذمي عقبها، فقال: ولو أكره ذمي على الإسلام فأسلم فقد ذكر أصحابنا وجهين في أنَّا هل نحكم بإسلامه، والمصير إلى الحكم بإسلامه بعيد مع إن إكراهه عليه غير شائع، فلئن استمر ما ذكرناه في إكراه الحربي من جهة أنه إكراهٌ بحق فلا ثبات لهذا المسلك والمكره ذمي والإكراه ممنوع. انتهى. وتقريره أن يقال: صحة إسلام الحربي بالإكراه إما غير معقولة المعنى. فلا يلحق   1 في ب: "الفكر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 بها الذمي. وإما معقولة المعنى، وهي أنه إكراه بحق، فلا يلحق الذمي أيضا؛ لأنه لم يكره بحق، وإنما أكره على حق. نعم؛ إن جعل المعنى أنه أكره على حق صلح إسلام الذمي وهو وجه ضعيف ومنها: لو قال: لزيد علي أكثر مما لفلان، قبل تفسيره بأقل متمول وإن كثر مال فلان؛ لاحتمال أنه أراد بالأكثرية الحل أو نحوه. فصل: استثنى ابن القاص من قولهم: اليقين لا يرفع بالشك إحدى عشرة مسألة1: الأولى: إذا شك المقيم هل تم يوم وليلة لم يجز له المسح. الثانية: إذا شك المسافر هل مسح وهو مقيم أو بعد السفر لم يمسح إلا مسح مقيم. الثالثة: مسافر أحرم خلف رجل لا يدري أمسافر هو أم مقيم لم يقصر. الرابعة: ظبي بال في ماء فوُجد متغيرا فهو نجس. الخامسة: المستحاضة عليها الصلاة والاغتسال في كل يوم شكت هل هو يوم انقطاع الدم. السادسة: إذا علم نجاسة ما أصابت ثوبه أو بدنه إلا موضعها وجب غسله كله. السابعة: شك المسافر. هل نوى الإقامة لم يترخص. الثامنة: المستحاضة والسلس توضآ ثم شكَّا هل انقطع ثم صليا لم يجزهما. العاشرة: طلب الماء في سفره فلم يجده فتيمم ثم أبصر شيئا يحتمل كونه ماء بطل تيممه. الحادية عشرة: رمى إلى صيد فجرحه ثم غاب فوجده ميتا وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره لم يجز أكله2.   1 الأشباه والنظائر للسيوطي 80. 2 هذا وقد نازع القفال وغيره في هذه الاستثناءات بأنه لم يترك اليقين فيها بالشك، إنما عمل فيها بالأصل الذي لم يتحقق شرط العدول عنه؛ لأن الأصل في الأولى والثانية غسل الرجلين وشرط المسح بقاء المدة وشككنا فيه فعمل بأصل الغسل وفي الثالثة والسابعة والثامنة القصر وخصه بشرط فإذا لم يتحقق = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وزاد الإمام على ابن القاص: إذا شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها وفي وجه أو فيها. وجمع النووي هذه الصور في تحقيق المذهب. وزاد ثالثة عشرة ورابعة عشرة وهما: إذا شك في نقص وضوء أو صلاة بعد الفراغ، كمن شك هل مسح رأسه وهل صلى الظهر ثلاثا أو أربعا، فإنه لا أثر لهذا الشك1. والظاهر الأرجح مضي الوضوء والصلاة على الصحة. واعترض القفال وغيره على ابن القاص، وقالوا: لم يعمل بالشك في شيء من ذلك بل بأصول أُخر، الظن المستفاد منها أقوى، عاد الشاك إليها عند شكه. قلت: وأقرب من هذه المسائل عندي –ولم أر من ذكره- إذا جاء من قدام الإمام واقتدى به وشك. أهو متقدم عليه؟ فالصحيح في شرح المهذب وفي التحقيق أنه يصح. فهذا أصل ترك من غير معارض وهذا مشكل جديد لا جرم قال ابن الرفعة: الوجه ما نقل عن القاضي؛ لأنه لا يصح عملا بالأصل السالم عن المعارض2. وهو قول حكاه النووي في تحقيق المذهب عن الجديد. ويقرب منه مسائل منها الصحيح انقضاء عدة المعتدة بالأقراء بالطعن في الحيضة الثالثة إن طلقها في الطهر والطعن في الرابعة إن طلقها في الحيض. وقيل حتى يمضي يوم وليلة بعد رؤية الدم   = رجع إلى الأصل، وهو الإتمام وفي الخامسة الأصل وجوب الصلاة، فإذا شكت في الانقطاع فصلت بلا غسل لم تتيقن البراءة منها وفي السادسة الأصل أنه ممنوع من الصلاة إلا بطهارة عن هذه النجاسة فلما لم يغسل الجميع فهو شاك في زوال منعه من الصلاة وفي العاشرة إنما بطل التيمم؛ لأنه توجه الطلب عليه وفي الحادية عشرة في حل الصيد قولان، فإن قلنا: لا يحل فليس ترك يقين بشك؛ لأن الأصل التحريم وقد شككنا في الإباحة، وقد نقل النووي ذلك في شرح المهذب وقال: وما قاله القفال فيه نظر. وقال في شرح المهذب والصواب في أكثرها مع أبي العباس وهو ظاهر عن تأمله، شرح المهذب 1/ 262-266، الأشباه والنظائر للسيوطي 80-81. 1 شرح المهذب 1/ 226، الأشباه والنظائر 81. 2 وفي نظير هذه المسألة لو صلى وشك هل تقدم على الإمام بالتكبير أو لا، لا تصح صلاته، وفرق بأن الصحة في التقديم أكثر وقوعا فإنها تصح في صورتين التأخير والمساواة، وتبطل في المتقدم خاصة والصحة في التكبير أقل وقوعا، فإنها تبطل بالمقارنة والتقدم وتصح صورة واحدة، وهي التأخر قاله السيوطي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ليعلم أنه حيض وقيل إن رأت الدم لعادتها انقضت برؤيته، وإن رأته على خلافها اعتبر يوم وليلة. وهذا متجه، فإن الحكم بكونه قرء فيمن رأته على خلاف العادة طرح اليقين بمجرد الشك لكن يسهل هذا اتفاق الأصحاب على أنا إذا حكمنا بانقضائها بالرؤية فانقطع الدم لدون يوم وليلة ولم يعد حتى مضى خمسة عشر يوما أنا نتبين أن العدة لم تنقض. ومنها: إذا شك القاضي في عدالة وصي قرره قاضٍ قبله [وأنفذ تصرفه] 1 فهل يقر المال في يده؛ لأن الظاهر الأمانة، أو ينتزعه حتى تثبت عدالته؟ اختلف في ذلك الإصطخري2 وأبو إسحاق3، فقال الإصطخري: يقره، وقال أبو إسحاق: ينتزعه. وهذا هو الذي يظهر ترجيحه. وعلى هذا فقد طرح أصل العدالة وظاهرها بمجرد الشك. ومنها: من [كان] 4 له كفان عاملتان أو غير عاملتين فبأيهما مس انتقض وضوءه ومع الشك في أنها أصلية أو زائدة لا تنقض. ولهذا لو كانت إحداهما عاملة فقط انتقض بها وحدها على الصحيح5. فإن قلت: أيصح أن ينضم إلى هذه المسأئل النوم فإنه يرفع يقين الطهر وليس في   1 سقط من أوالمثبت من ب. 2 الحسن بن أحمد بن يزيد أبو سعيد الإصطخري شيخ الشافعية ببغداد ومن أكابر أصحاب الوجوه في المذهب صنف كتابا حسنا في أدب القضاء. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. طبقات السبكي 2/ 193، وفيات الأعيان 1/ 375، وطبقات ابن قاضي شبهة 1/ 109. 3 أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي شيخ الإسلام ومدار العلماء الأعلام في زمانه أول أهل الزمان وأكثر الأئمة اشتغالا بالعلم، ولد بفيروزآباد قربة من قرى شيراز في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ونشأ بها وصنف المصنفات القيمة وتوفي بها يوم الأربعاء الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة. وفيات الأعيان 1/ 9، والبداية والنهاية 12/ 124، النجوم الزاهرة 5/ 117، ابن السبكي 4/ 215، ابن هداية الله ص170 4 سقط من ب. 5 الأشباه والنظائر ص82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 نفسه حدثا: قلت: لا؛ لأنه وإن لم يكن في نفسه حدثا، ولكنه مظنة الحدث، والشارع أقام المظنة، مقام المظنون فليس من هذا الباب. ومنها: من صلى في مقبرة شك أنها منبوشة فإنه لا يصح على الوجه وعلى هذا تراك أصل عدم النبش بمجرد الشك، لكن الصحيح الصحة. ومنها: ادعى الغاصب تلف المغصوب صدق بيمينه على الصحيح عند الرافعي1 والنووي2 والشيخ الإمام رحمهم الله3 تعالى قالوا: وإلا؛ لتخلد الحبس عليه إذا كان صادقا وعجز عن البينة. والثاني: يصدق المالك؛ لأن الأصل البقاء4 قالوا وقل من يقول هذا الوجه قلت: فعلى ما صححه المشايخ –رفع اليقين بمجرد الشك خشية الوقوع في مفسدة تخلد الحبس على غير مستحقه. وهذا عندي مشكل ودعواهم تخلد الحبس ممنوعة بأخذ القيمة للحيلولة. ثم لا حبس. فصل: مما يتشبث بأذيال تعارض الأصل والظاهر قاعدة يخلطها الأصحاب بها؛ لتقارب مسائلهما. وهي: "إذا تعارض أصلان جرى غالبا قولان"5. قال الإمام في النهاية قبيل باب عتق العبيد: لا يخرجون من الثلث ولا ينبغي أن يعتقد الإنسان أن المعنى بتقابل الأصلين تعارضهما على وزن واحد في الترجيح، فإن هذا كلام متناقض إذا كنا نفتي –لا محالة- بأحد القولين إلى أن قال: نعم، من حكم تقابل الأصلين أنه يدقق النظر في محاولة ترجيح جانب على جانب6.   1 الشرح الكبير 11/ 286. 2 روضة الطالبين 5/ 28. 3 فعلى الصحيح إذا حلف الغاصب؛ هل للمالك تغريمه المثل أو القيمة؟ وجهان: أصحهما: نعم. المصدر السابق. 4 المصدر السابق. 5 الأشباه والنظائر ص75، المنثور 1/ 330. 6 قال صاحب الذخائر في باب زكاة الفطر: وعلى المجتهد ترجيح أحدهما بوجه من وجوه النظر فلا يظن أن تقابل الأصلين يمنع المجتهد من إخراج الحكم؛ إذ لو كان كذلك لخلت الواقعة عن حكم الله تعالى وهو لا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ذكره في مسألة ما إذا ادعى الغارم نقيضه تنقض القيمة بسببها وأنكر الطالب. حيث قال: فإن قال الغارم: كان عبدا سليما ولكن غاب قبل أن أعتق نصيبي منه ففي تصديقه قولان. ولو لم يسلم الغارم السلامة الخلقية، بل قال: خلق أكمه أو بفرد عين، فالذي ذهب إليه الأكثرون أن الغارم يصدق إلى أن قال: وإذا لم يسلم الغارم السلامة، فهذا يخرج عن قبيل تقابل الأصلين، وإن تكلف متكلف وقال: الأصل في الناس السلامة كان مستبعدا. انتهى. وما ذكره من تعارض الأصل يجري في تعارض الأصل والظاهر. والحاصل أن التعارض -يكون- بحيث يدقق النظر، لا كأصل بعيد من أصل قريب، ولا مع ظاهر قوي، ثم لا ينبغي أن يكونا على حد سواء وإلا لفقد الترجيح بل يكون التعارض بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظرة تساويهما ثم دقق نظره وحقق فكره رجح. وإذا حقق هذا. ظهر الجواب عن كل موضع لا يجري الخلاف فيه. ولنعد ما يحضرنا من تقابل الأصلين. وذلك في مسائل: منها: إذا شك في وقت خروج الجمعة، فالأصح يتم جمعه أخذا بالأصل القريب وهو بقاء الوقف، دون البعيد، وهو الظهر. وبهذا يظهر الجواب من عدها مم يرفع فيه الشك1. ومنها: إذا أصدقها تعليم بعض القرآن، ووجدناها تحسنه فقال: أنا علمتها وأنكرت، فقولان؛ لأن الأصل بقاء الصداق وبراءة ذمته2. ومنها: إذا شككنا فيما أصاب من دم البراغيث، أقليل هو أم كثير؟ فللإمام احتمالان؛ لأن الأصل اجتناب النجاسة والأصل في هذه النجاسة العفو3. واحتمالا الإمام هذان يشبهان احتماليه فيما إذا وقعت نجاسة في الماء وشك أكثير هو أم قليل، هل ينجس؟   1 المنثور 1/ 330. 2 والأصح تصديقها. 3 وقد رجح في أصل الروضة أن له حكم القليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 والذي جزم به صاحب الحاوي وآخرون أنه ينحبس، ولتحقق النجاسة والأصل عدم الكثرة. ورجح النووي أنه طاهر1؛ لأن الأصل الطهارة، وقد شككنا في نجاسة منجسه. قال: ولا يلزم من النجاسة التنجيس. ورجح الشيخ زين الدين الكيناني مقالة صاحب الحاوي. ورد على النووي. ورجح الشيخ الإمام رحمه الله تعالى مقالة النووي ورد على ابن الكيناني. وخرج ابن أبي الصيف اليمني على هذه المسألة فرعا. وهو قلتان متغيرتان بنجاسة غاب عنهما ثم عاد، ولا تغير. وشك في بقاء الكثرة فقال: إن قلنا بالطهارة فيما إذا شك في بلوغ الماء –الذي وقعت فيه النجاسة- قلتين، فهنا أولى، وإلا فوجهان؛ لأن الأصل بقاء الكثرة. ونازعه الفقيه الحافظ محب الدين الطبري في شرح التنبيه فقال: لا وجه للبناء. ولا للخلاف؛ لأن تلك تعارض فيها أصلان فنشأ قولان وهنا الأصل بقاء الكثرة بلا معارض2. ومنها: لو أدرك الإمام راكعا فكبر وانحنى، وشك، وهل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الإمام عنه: فالأصح لا يكون مدركا للركعة؛ لأن الأصل عدم الإدراك. والثاني: يكون مدركا؛ لأن الأصل عدم الرفع3. ومنها: أذن المرتهن في البيع ثم ادعى الرجوع قبل البيع فالأصل أنه بيع، ولا رجوع قبله فتعارضا4. ومنها: لو تنحنح إمامه فبان منه حرفان، فأحد الوجهين لا يتابعه؛ لأن الأصل سلامته وصدور أفعاله عن اختياره فتبطل صلاته؛ لكونه عامدا، وأصحهما يتابعه؛ لأن الأصل بقاء العبادة والظاهر احترازه عن مبطلات الصلاة فيحمل على أنه كان مغلوبا. ومنها: شك في أنها أرضعته الخمس في حولين أو بعضهما فيما دون بعض   1 شرح المهذب 1/ 220. 2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص76. 3 المصدر السابق والمنثور 1/ 331. 4 المصدران السابقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فالأصح لا يثبت التحريم، استصحابًا لأصل الحال دون أصل بقاء الحولين1. ومنها: لو باعه عصيرا وأقبضه. ووجد خمرا فقال البائع: تخمر في يدك. وقال المشتري: بل تسلمته خمرا. فالأصل عدم التخمير وعدم القبض الصحيح وأظهر القولين عند النووي تصديق البائع2. ومنها: [إذا] 3 ادعى أحد الزوجين التفويض. والآخر التسمية ولم نوجب المهر في التفويض بالعقد. فالأصل عدم التسمية وعدم القبض فتعارض أصلان. ومنها: ادعى الغاصب بالمغصوب عيبا حادثا لا خلقيا، ككونه أقطع فأظهر القولين تصديق المالك؛ لأن الأصل عدم حدوث العيب، والثاني الغاصب؛ لأن الأصل براءة ذمته فما زاد من الغرامة. ومنها: إذا قال: كان له عليّ كذاء فالأصل الاستمرار والأصل براءة الذمة، وفي جعله [بذلك مقرا] 4 خلاف مشهور. ومنها: إذا اطلعنا على كافر في دارنا. [فقال] 5: دخلت بأمان مسلم ففي مطالبته بالبينة وجهان؛ لأن الأصل عدم الأمان، ويعضده أن الغالب على من يستأمن الاستئناس بالإشهاد. ويعارضه أن الأصل عدم حقن الدماء ويعضده أن الظاهر أن الحربي لا يقدم على هذا إلا بأمان. وهذان أصلان متقاومان لاعتضاد كل منهما بظاهر. ومنها: لو شهد عليه شاهدان بكلمة الكفر. فقال: إنما قلتها مكرها فليجدد الإسلام، فإن قتله مبادر قبل التجديد، ففي الضَّمَان وجهان، قال الغزالي: في الوسيط: مأخوذان من تقابل الأصلين: الإكراه وبراءة الذمة.   1 الأشباه والنظائر ص70. 2 ترجيحا لأصل استمرار البيع، ويجري القولان فيما لو كان رهنا مشروطا في بيع ... قاله السيوطي ... 3 سقط من ب. 4 سقط من ب. 5 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ومنها: طار طائر. فقال: إن لم أصد هذا الطائر اليوم فأنت طالق ثم اصطاد ذلك اليوم طائرا، وجهل هل هو ذلك أو غيره، ففي وقوع الطلاق تردد حكاه الرافعي في فروع الطلاق لتعارض أصلين: بقاء النكاح، وعدم اصيطاده. ومنها: إذا ضربها الزوج وادعى نشوزها. وادعت هي أن الضرب ظلم. قال ابن الرفعة: لم أر فيها نقلا والذي يقوى في ظني أن القول قوله؛ لأن الشارع جعله وليا في ذلك. قلت: تعارض هنا أصلان: عدم ظلمه وعدم نشوزها. فصل: وإنما قيدنا جريان القولين بالغلبة في قولنا: إذا تعارض أصلان جرى غالبا قولان؛ لأنه قد يكون الخلاف وجهين، وقد يعتضد أحد الأصلين بظاهر أو أصل آخر يرجحه ويدرأ عنه الخلاف. وزعم بعضهم أن الخلاف إنما يأتي عند تجرد الأصلين عن مرجح لأحدهما على الآخر، أما إذا ترجح أحدهما جزم به. وهذا غير مطرد، بل قد يجزم به وقد لا يجزم به، وسنيبين ذلك القول في أصلين يعتضد أحدهما بظاهر ثم يجري الخلاف مع ذلك وذلك في مسائل: منها: إذا قذف مجهولا وقال: هو عبد. وقال المقذوف: أنا حر فقولان في قبول قول القاذف. وقد تعارض أصل الحرية المعتضد بظاهر الدار مع أصل براءة الذمة. ومنها: إذا قطع طرفه ثم ادعى نقصه بشلل أو غيره فالمذهب تصديق المجني عليه في العضو الباطن دون الظاهر عند إمكان أصل السلامة. ووجه الفرق اعتضاد أحد الأصلين المتعارضين -وهما: السلامة، وبراءة الذمة- بظاهر يرجحه. وفي قول يصدق المجني عليه، قيل: مطلقا، وقيل: إن ادعى السلامة من الأصل، لا إن ادعى زوال النقص بعد وجوده. وقيل يصدق الجاني مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ومنها: إذا قدم ملفوفا وقال: كان ميتا، وقال الولي: بل حيا فالأظهر تصديق الولي؛ لأن الأصل بقاء الحياة. والقول الثاني: يصدق الجاني؛ لأن الأصل براءة الذمة. وفرق أصحابنا بين أن يكون ملفوفا على هيئة التكفين، أو في ثياب الأحياء ليعتضد أحد الأصلين بظاهر. وقال الإمام: إن هذا لا أصل له. قلت: وهو رأي أبي الحسن الطيبي -من أصحابنا- كما نقله الرافعي عنه وحكى أيضا -أعني الرافعي- طريقة أخرى عن أبي إسحاق، أنه ينظر إلى الدم السائل، فإن قال أهل الخبرة: هو دم حي صدق الولي، أو دم ميت صدق الجاني. وهذه الطريقة –مع عزو ذلك الوجه إلى الطيبي- لم يذكر الرافعي في فصل "اختلاف الجاني ومستحق الدم" وهو موضع المسألة، بل قبل كتاب البغاة. ونقل النووي في زيادة الروضة عن البغوي تفريعا على تصديق الولي: أن الواجب الدية دون القصاص. وأن المتولي قال: هو على الخلاف في استحقاق القود بالقسامة. قلت: والرافعي حكى في القصاص وجهين ذكرهما قبل كتاب الإمامة. ومنها مقطوع بعض الذكر إذا أجل بسبب العنة ثم ادعى الوطء في المدة، وأنكرت المرأة، فالأصح أن القول قوله؛ لأن الأصل بعد وقوع العقد عدم تسلطها على الفسخ. ويعارضها أصل عدم الوطء المعتضد بالظاهر وهو أن النقصان الذي لحقه يورث ضعف الذكر. "القول في أصلين تعارضا وجزم بأحدهما": وذلك في مسائل: منها: سليم الذكر والأنثيين إذا أجل لأجل العنة ثم ادعى الوطء في المدة وأنكرت المرأة يقبل قوله، مع معارضة الأصل عدم الوطء؛ وما ذاك إلا لأن الأصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 بعد وقوع العقد عدم تسلطها على الفسخ، مع اعتضاد هذا الأصل بظاهر أن سليم الذكر والأنثيين لا يكون عنينا في الغالب. ومنها: قالت: سألتك الطلاق بعوض فطلقني عليه متصلا فأنا منك بائن، وقال: بل بعد طول الفصل ولم تقبلي فلم تحصل بينونة فلي الرجعة فالمصدق الزوج. قال الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله: ولم يخرجوه على تقابل الأصلين. فصل: ومما يثبت أيضا تعارض الأصلين تعارض الظاهرين وذلك في مسائل: منها اختلاف الزوجين فيما في البيت، فإنه بينهما، لا فرق بين الصالح لهما أو لأحدهما اعتمادا على اليد. وذهب مالك -رحمه لله- إلى القضاء لكل واحد بما يصلح له فلا يكون السلاح للمرأة ولا الإزار للرجل. قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام: وهو مذهب ظاهر متجه. ومنها: أقرت بالنكاح، وصدقها المقر له بالزوجية. فالجديد: قبول الإقرار؛ لأن الظاهر صدقهما فيما تصادقا عليه لا فرق بين العربيين والبلديين. والقديم إن كان بلديين طولبا بالبينة لمعارضة هذا الظاهر بظاهر آخر هو أن البلديين يعرف حالهما غالبا ويسهل عليهما إقامة البينة1. فائدة: اختلف الزوجان في الإصابة فالقول قول النافي2 لاعتضاده بالأصل إلا مواضع عارض فيها ما هو أقوى منه3. منها: ادعت عنته وادعى إصابتها. صدق بيمينه. ومنها: طالبته في الإيلاء بالفيئة أو الطلاق فادعى أنه فاء، صدق.   1 الأشباه والنظائر للسيوطي ص79. 2 مع يمينه. 3 انظر المستثنيات في الاعتناء في الفرق والاستثناء، بتحقيقنا في القاعدة الخامسة والعشرين من كتاب النكاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ومنها: أتت بولد يمكن كونه منه، وادعت أنه أصابها، وأنكر بعد الاتفاق على الخلوة فأظهر القولين تصديقه، والثاني: إنها المصدقة، وعلى هذا يقع الاستثناء. ومنها: قال لامرأته الطاهرة: أنت طالق للسنة، ثم اختلفا فقال: جامعتك في هذا الطهر فلم يقع طلاق، وأنكرت، فالقول قوله –على ما ذكر البوشنجي إسماعيل1 أنه مقتضي المذهب. ومنها: إذا قلنا: خيار الأمة بالعتق يسقط بالوطء فادعى الزوج أنه وطء وأنكرت فمن المصدق؟ فيه وجهان. ومنها: تزوجها بشرط البكارة، فوجدت ثيبا، وقالت: افتضَّني وقال: بل كنت ثيبا. قال البغوي: القول قولها بيمينها لدفع الفسخ2، لا لدفع كمال المهر. ومنها: إذا طلقها ثلاثا فادعت أنها تزوجت بزوج وأنه وطئها وأحلها وكذبها الزوج الثاني، فإنها تصدق لحلها الأول وإن لم تصدق لكمال المهر. فصل: جميع ما قدمناه في استصحاب الماضي في الحاضر [وأما عكسه] 3 وهو استصحاب الحاضر في الماضي فهو الاستصحاب المقلوب، ولك أن تعبر عنه برد الأول إلى الثاني، وأن تعبر عن الأول برد الثاني على الأول. وقد قيل بالاستصحاب المقلوب في مسائل.   1 لأنهما اختلفا في بقاء العدد والأصل بقاؤه ولو ادعت المرأة أن بينها وبين زوجها محرمية وكان التزويج برضاها لم يقبل دعواها والنكاح باقٍ على الصحة؛ لأن إذنها فيه يتضمن صحته إلا أن تدعي الغلط والنسيان فيقبل قولها على المذهب فإن ادعت ذلك وكانت حين التزويج مجبرة فوجهان كما في أصل الروضة 7/ 243 وقال أصحهما. قال ابن الحداد: ونقله الإمام عند معظم الأصحاب القول قولها بيمينها إبطال النكاح من أصله وما تقدم من دعواها المحرمية مخالف لما ادعت المرأة التي زوجها أخوها برضاها أنها حين ذلك كانت صغيرة والقول قولها وبه قال القفال والقاضي حسين والبغوي في فتاويهم كما في الروضة 7/ 246 ولو ادعى الأب محرمية الزوج لم يقبل قوله لعدم موافقة الزوجة؛ لأن النكاح حق لها روضة الطالبين 7/ 247. 2 روضة الطالبين 7/ 180، مغني المحتاج 3/ 26. 3 سقط من أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 منها: مسألة، سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول: لم يقل به الأصحاب في سواها، وهي ما إذا اشترى شيئا فادعاه مدَّعٍ أو انتزعه منه بحجة مطلقة، حيث أطبقوا إلى ثبوت الرجوع له على البائع، بل لو باع المشتري أو وهب، وانتزع المال من المتهب أو المشتري منه، كان للمشتري الأول الرجوع أيضا. وهذا استصحاب الحال في الماضي، فإن البينة لا تنشئ الملك ولكن تظهره، والملك سابق على إقامتها، لا بد من تقرير زمان لطيف له ويحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي. ولكنهم استصحبوا مقلوبا. وهو عدم الانتقال منه فيما مضى. ومنها على وجه ضعيف: إذا وجدنا ركازا ولم ندر هل هو جاهلي أو إسلامي أنه يحكم بأنه جاهلي. ومنها: إذا اختلف الغاصب والمالك في عيب حادث فقال الغاصب: حدث قبل الغصب، وقال المالك: بل عند الغصب فالصحيح أن القول قول المالك وهذا إذا كان تالفا فإن كان باقيا –وهو أعور مثلا- وقال الغاصب: هكذا غصبته قال الشيخ أبو حامد: فالظاهر أن القول قول الغاصب، وسكت عليه الشيخ الإمام وهذا استصحاب مقلوب1، ونظيره: لو قال المالك: طعامي المغصوب كان جديدا وقال الغاصب: عتيقا، فالمصدق الغاصب2. تنبيه: فبتمام الكلام على هذا الفصل نجز الكلام على قاعدة الاستصحاب. المعبر عنها بأن اليقين لا يرفع بالشك. ومن أول الكلام إلى هذا الفصل الأخير مخصوص برد الآخر إلى الأول. وهذا الفصل مخصوص برد الأول إلى الآخر. ولو بسطنا القول في هذه القاعدة لاحتمل سِفرًا كاملا، وفيما أوردناه كفاية.   1 المصدر السابق. 2 بيمينه فإن نكل حلف المالك ثم له أخذ العتيق؛ لأنه دون حقه روضة الطالبين 5/ 29، وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي / 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 القاعدة الثانية: الضرر يزال 1 ومن ثم الرد بالعيب2 والحجر3 والشفعة والقصاص4 والحدود والكفارات، وضمان المتلف5 والقسمة6 ونصب الأئمة، والقضاة7 ودفع الصائل وقتال المشركين8. ويدخل فيها: الضرر لا يزال بالضرر وهو كعائد لعود على قولهم: الضرر يزال –أي يزال ولكن لا يضرر- فشأنهما شأن الأخص مع الأعم في الحقيقة. بل هم سواء؛ لأنه لو أزيل بالضرر لما صدق: الضرر يزال9.   1 والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الموطأ 2/ 745 مرسلا كتاب الأقضية باب القضاء في المرفق "31"، والبيهقي من رواية أبي سعيد الخدري 6/ 69-70 كتاب الصلح باب لا ضرر ولا ضرار، والدارقطني من رواية أبي سعيد الخدري 3/ 77 كتاب البيوع. والحاكم في المستدرك 2/ 58 كتاب البيوع. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسملم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وابن ماجه من ابن عباس وعبادة بن الصامت. 2 والرد بالعيب فوري، الفورية بالعرف مع ملاحظة أن ما يعده الناس متراخيا يسقط البيع. وشرط الرد بالعيب: أولا: ظهور العيب. ثانيا: أن يكون العيب من عند غير المشتري وللرد بالعيب طريقان: الأول الذهاب إلى الحاكم، الثاني في حالة عدم التمكن من الذهاب إلى الحكم نطق وأشهد عليه. ومن الملاحظ أن الرد بالعيب كان لدفع ضرر مترتب على ضياع مال المشتري وقد يؤدي عدمه إلى إشاعة الغش فدفعًا لكل ذلك شرع الرد بالعيب. 3 وقد شرع الحجر لدفع الضرر وهو التبذير وضابطه العرف فيختلف باختلاف الناس. 4 شرع قتل القاتل عامدا مثلا؛ لئلا تعم جريمة القتل فإن القاتل مع معرفته بالحد يبتعد والمجتمع ليكون قويا بناءً لا بد من منع عوامل ضعفه. 5 شرع لحفظ حق المال لصاحبه الذي أتلف عليه. 6 شرعت لدفع الضرر من عدم إمكان التصرف في الحق قبلها وإعطاء كل ذي حق حقه بالضبط. 7 أي نصب القضاة وقد شرع لدفع الضرر من عدم استحقاق الحق في بلد واستفحاش الظلم فيه. 8 وقد شرع لاستتباب الأمر، واستتباب الأمر قوة واختلاف الأمر ضعف. 9 الأشباه والنظائر للسيوطي ص86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ومن فروع قولنا: الضرر لا يزال بالضرر عدم وجوب العمارة على الشريك، وهو القول الجديد1, ومنها: الساقط على جريح، يقتله إن استمر قائما عليه، ويقتل غيره إن انتقل عنه. قيل: يستمر لأن الضرر لا يزال بالضرر2. وقيل: يتخير الاستواء. وقال الإمام الحاكم: لا حكم في هذه المسألة. وتوقف الغزالي: ومنها: إذا وقع في نار تحرقه ولم يخلص إلا بماء يغرقه، ورآه أهون عليه من الصبر على لفحات النار فله ذلك على الأصح. وشكك ابن عقيل الحنبلي في الفنون على تصوير هذه المسألة وجعل محلها ما لم تمس النار الجسد، أما إذا مسته فالإنسان بالطبع يتحرك إلى خارج؛ لأن طبع الحيوان الهرب من المحبس، فالحبس غالب على التماثل والنظر في العاقبة، ألا ترى أن من يناله ألم الضرب وبين يديه بئر يوقع نفسه فيها وإن كانت أجدر بهلاكه وما ذاك إلا؛ لأن الضرر فيها ليس بمحس وأطال فيه. وحاصله أن لا اختيار -حينئذ- ولا تكليف وكلام ابن عقيل هذا قريب من كلام إمام الحرمين في باب الصيد والذبائح وقد ذكر أنه لو كان صاحب المدية يحركها وكانت   1 والمعنى شريكان في أرض قام أحدهما تحت أرضه وجاء الآخر يريد أن يعمل حاجزا فوق ما حدد الأول فهل يجب على الأول مشاركته في العمارة فالجديد لا وإلا لزال ضرر بضرر فالضرر من الثاني إرادته التحديد والضرر من الأول دفع المال والقديم نعم باعتبار المناصفة؛ لأنهما شريكان. 2 فائدة: قال بعضهم: المراتب خمسة: ضرورة، وحاجة، ومنفعة، وزينة، وفضول. فالضرورة: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام. والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح الحرام ويبيح الفطر في الصوم. والمنفعة: كالذي يشتهي خبز البر ولحم الغنم والطعام الدسم. والزينة: كالمشتهي الحلوى والسكر والثوب المنسوج من حرير وكتان. والفضول: التوسع بأكل الحرام، والشبهة. أفاده السيوطي رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 البهيمة تحك حلقها، فحصل قطع الحلقوم والمريء بتحاملها وتحريك صاحب السكين يده ما نصه، فالوجه التحريم؛ لاشتراك البهمية والذابح. وقد يرد على ما ذكرنا أن من أضجع شاة ليذبحها فإذا أمر بالسكين فقد يضطرب المذبح تحت السكين اضطرابا يؤثر في القطع. ولو قيل: قد لا تخلو شاة عما ذكرناه لم يكن بعيدا ففتح هذا يوجب تحريما في معظم الذبائح. قلنا: هذا التصوير غير سديد، فإن الشاة إذا ربطت فمسها حد السكين فإنها تحبس الحلقوم بطباعها، ولعل من يغفل عن التحرز إذا أصاب عضوا منها مؤلم فتحرز عنه، فإذا الأمر كذلك ولا يمكن ادعاء عموم حركتها في استقبال المدية، وما يفرض من اضطراب فهو بعد فري الحلقوم والمرئ ولا أثر له، فإن صور مصور اضطرابا يعين على القطع قبل تمام القطع. فهذا مما يجب التحرز منه. وإن ظهر فعل الذابح وقد أمر خفي يجري مثله في الوساوس فالتعويل على فعل الذابح. انتهى لفظ النهاية، وقد نقله الرافعي ملخصًا إلا أنه جزم بما ذكره الإمام أنه الوجه فأوهم جزمه أن المسألة مسطورة وإنما هي من مولدات الإمام رحمه الله. ومنها: قطع السلعة المخوفة. ومنها: إذا مال حائط إلى مالك غيره أو إلى الشارع. ومنها: حصل فصيل رجل في بيت رجل ولم يمكن إخراجه إلا بنقض البناء فإن كان بتفريط صاحب البيت نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا، وإن كان بتفريط صاحب الفصيل نقض. ولزمه أرش النقض وكذا إذا دخل بنفسه على المذهب، وقيل لا أرش عليه. ولو وقع دينار في محبرة. ولا يخرج إلا بكسرها فإن كان بفعل صاحب المحبرة كسرت ولا غرم، وإن كان بفعل صاحب الدينار أو لا بفعل أحد كسرت وعلى صاحبه الأرش. وقال ابن الصباغ: إذا لم يفرط أحد فالتزم صاحب المحبرة ضمان الدينار ينبغي أن لا تكسر؛ لزوال الضرر بذلك، وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر. ولم تخرج إلى بكسرها فإن كان معها صاحبها فهو مفرط بترك الحفظ، فإن كانت غير مأكولة كسرت القدر وعليه أرش النقص وإن كانت مأكولة ففي ذبحها وجهان. وإن لم يكن معها أحد فإن فرط صاحب القدر كسرت ولا أرش له، وإلا فيغرم صاحب البهيمة الأرش وتكسر. هذا ترتيب الأصحاب، وقيد الزبيري في كتاب المسكت المسألة بما إذا كانت المسألة بما إذا كانت قيمة القدر أخف -وهو الأغلب- أما إذا كانت قيمة القدر أكثر فالأولى ذبح المأكول، ولعل الإطلاق محمول على هذا. ومنها: إذا التقت دابتان على شاهق. ولم يمكن تخليص واحدة إلا بإتلاف الأخرى1. ومنها: ليس للعبد للأمة إجبار السيد على النكاح ولو كانت ممن لا يحل له نكاحها كالأخت على الأصح. ومنها: لا يجب عليه إعفاف2 ولده ولا والدته. ومنها: ليس للمضطر أكل الطعام مضطر آخر، ولا قطع فلذة من فخذه وليس له قتل ولده، ولا عبده، وهل له قطع الفلذة من نفسه؟ إن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أكثر حرم وإلا فلا على الأصح3. ومنها: لا تثبت الشفعة فيما لا ينقسم ولو طلب أحد الشريكين قسمة ما في قسمته ضرر لا يجاب. ولو أراد وضع جداره على الحائط جاره منع على الجديد. [ومنها] : إذا كان بذل الماء لماشية الغير أو زرعه يضر بماشيته أو زرعه لا يجبر على بذله، وهي كثيرة جدا.   1 الأشباه والنظائر 86. 2 المراد بالإعفاف، أن يهيء له مستمتعا بأن يعطيه مهر حرة ينكحها، أو يقول: تزوج وأنا أعطي المهر، وشرط الإعفاف الحاجة إلى النكاح، فإذا ظهرت الحاجة إلى قضاء الشهوة والرغبة في النكاح. 3 الأشباه والنظائر ص86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ويستثنى من القاعدة: أصل شرعية القصاص، والحدود، وقتال البغاة، وقاطع الطريق، ودفع الصائل، ومن أكرهك على شي بغير حق، والفسخ بعيب البيع، النكاح، والإعسار والإجبار على قضاء الديون، والنفقة الواجبة لعبد أو قريب أو دابة أو زوجة، وله أن يأخذ مال من له عليه مال إذا ظفر بجنسه، وفي غير الجنس خلاف، وللمضطر أن يأخذ طعام غير المضطر وأن يقاتله عليه وإن أتى على نفسه، ويجب بذل الماء لشرب الآدمي المحترم وإن أضر بماشية الباذل وزرعه، وله قطع شجرة الغير إذا حصلت في هواء داره، وإذا ابتلع الميت مالا لغيره، والمرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد، إذا تترسوا بالنساء والصبيان. ومنها أعتاق الأب. بعض صور: إذا اشترى أرضا ووجد فيها حجارة مدفونة. إذا باع الثمرة للبائع واحتاج إلى السقي. إذا غرس المفلس، أو قصر، أو صبغ. أو إذا غرس الغاصب، أو قصر، أو صبغ. وهي أيضا كثيرة: حاصلها. دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. "ومن القواعد المنتزعة من هذه القاعدة أيضا" قولهم: "الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها"1. ومن ثم جاز؛ بل وجب –على الأصح- أكل الميتة للمضطر2 –إلا أن يكون الميت نبيا، لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر غير النبي3. ومنها: قولهم: متى أمكن الدفع بأسهل الوجوه لم يعدل إلى أصعبها.   1 بشرط أن تكون الضرورة أكثر من المحظور وأن تكون في نظر الشرع. 2 عند المخمصة أي إن لم يأكل لمات قال الله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} . 3والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه، فالضرورة هنا أعظم من المحظور فأباحت الضرورة المحظور. وكذا لو عم الحرام قطرا بحيث لا يؤخذ حلال إلا نادرا فإنه يحوز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة. قال الإمام: ولا يرتقي إلى التبسط وأكل الملاذ بل يقتصر على قدر الحاجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ويستثنى مسائل: منها: من وجد زانيا بامرأته فله دفعه بالقتل وإن اندفع بدونه. [كذا] 1 قال الماوردي وتبعه صاحب البحر وهو –على تقدير تسليمه- مقيد بقيد إن تأملته طاح الاستثناء، والقيد أن يكون زمن الدفع بالسيف أقل من غيره لكن تعليلهما يدل على أنه لا فرق بين أن يكون زمن الدفع أقل أولا؛ لأن صاحب البحر قال: إذا رآه أوقع [أو] 2 أولج جاز أن يبدأ في دفعه بالقتل، وله أن يتعجله لأنه في كل لحظة تمر عليه مواقع بما لا يستدرك بالأناة فجاز من أجلها أن يعجل بالقتل ثم في هذا القتل وجهان: أحدهما: أنه قتل دفع؛ فعلى هذا يختص بالرجال ويستوي البكر والثيب. والثاني: أنه قتل حد. جوز له أن ينفرد به دون السلطان، لتفرده بالمشاهدة التي لا تتعداه فعلى هذا يدفع الرجل والمرأة المطاوعة. وهل يفرق بين البكر والثيب؟ وجهان أظهرهما لا فرق، ويقتل البكر أيضا لأن القتل حد وجاز تغليظه حالة مواقعة المعصية، ولأن السنة لم تفرق بين البكر والثيب. ثم إذا قتل عزر، لتفويت القتل على الإمام. قال صاحب البحر: كذا قال أصحابنا [قال] 3: وعندي أن لا يعزر لأنه كان يلزمه. قلت: فعلى القول بأنه قتل حد يزول الاستثناء وقد فرض صاحب الحاوي والبحر المسألة في الزوج يجد من يزني بزوجته لا من كل زان وكأن الأمر غلظ على الزاني [بحضرة] 4 الزوج لما فيه من الغيرة فلا يلحق به من وجد يزني بأجنبية إذ ليس فيه من الغيرة ما يحمل على هذا. ومنها: هل يجوز رمي الناظر في دار إنسان إلى حريمه قبل إنذاره؟ في وجهان، أظهرهما عند الرافعي –وعبر عنه النووي في أصل الروضة –بالأصح- الجواز واستدل به صاحب التقريب؛ على أن لا يجب تقديم الكلام في كل دفع، وأنه يجوز للمصول عليه الاتبداء بالفعل، وربما روى عنه تخريجه على الخلاف في وجوب استتابة المرتد وذكر الإمام أن مجال التردد الكلام الذي هو موعظة وتخجيل، وقد يفيد، وقد لا يفيد فأما ما يوثق بكونه دافعا من تخويف وزعفة مزعجة فلا يجوز أن يكون في وجوب البداية به خلاف. قال الرافعي: وهذا حسن5. قال: وينبغي أن يقال: ما لا يوثق بكونه دافعا   1 سقط من ب. 2 سقط من ب. 3 سقط من ب. 4 سقط من ب. 5 انظر روضة الطالبين 10/ 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ويخاف من البداية به مبادرة الصائل وخروج الأمر من اليد. لا يجب البداية به بلا خلاف1. ومنها: من أكره على الطلاق وأمكنه التورية فلم يفعل: فالأصح لا يقع طلاقة لمظنة الاندهاش. وإن لم يندهش؛ بخلاف من ألقي في الماء. وهو يحسن السباحة. فتركها ولا مانع فلا قصاص. ولا دية على الأصح؛ لأن العاقل في تلك الحالة لا يندهش عن مدافعة الموت؛ بل في الطبع المدافعة ما أمكنت حبا للحياة. ومنها: [إذا] 2 أكره على الكفر. على تفصيل ذكره الماوردي. ومنها: إذا أكره على طلاق إحدى امرأتيه فطلق معينة على وجه [وما] 3 إذا أمكنه أن يهرب على وجه. ومنها: إذا وجد المضطر ميتة شاة وميتة كلب أو حمار فهل يتخير؟ أو يقدم الشاة لأنها أسهل؟ فيه وجهان. قال النووي4: ينبغي ترجيح ترك الكلب والتخيير في الباقي. وقال: إذا وجد العطشان خمرا وبولا شرب البول كما لو وجد بولا وماء نجسا شرب الماء5. فصل: قدمنا الكلام على قاعدة الضرر يزال. وما يدخل فيها من القواعد الناشئة عن تقابل ضررين وقد يجمع تقابل الضررين اللذين تعين وقوع أحدهما عبارة شاملة؛ فيقال [من تقلب بين] 6 محذورين ما حكمه؟ فإن خص الكلام بمحذورين متساويين من كل الوجوه المعتبرة في نظر الشارع؛ فهي مسألة أبي هاشم في الساقط على جريح يقتله إن استمر قائما عليه ويقتل نظيره إن انتقل عنه. وقد قيل: لا حكم لله تعالى فيها. وقيل: حكمه التخيير. وقيل يستمر ولا ينتقل وقيل: بالوقف. وإن لم يخص شمل محذورين أحدهما أخف من الآخر، ولا يخفى أن ارتكاب الأخف أولى، وهو ما ذكرناه من دفع أعظم المفسدتين بأدناهما وقد تقدم من صوره ما   1 روضة الطالبين 10/ 191-192. 2 سقط من ب. 3 سقط من ب. 4 روضة الطالبين 3/ 290. 5 شرح المهذب 9/ 50. 6 بياض في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يغني، وتبين ما تعين فيه الأدنى والأعلى، وهو الذي تقدم، وما تعين فيه التساوي، وهو مسألة أبي هاشم. درجات وصور تظهر تارة أنها من هذا القبيل، وتارة أنها من هذا القبيل يعبر عنها بالتقلب بين محذورين. منها: إذا لم نوجب ركوب البحر في الحج ونحوه. فلو توسطه فهل له الانصراف أم عليه التمادي؟ فيه وجهان، وقيل: قولان يبنيان على القولين في المحصر إذا أحاط به العدو من الجوانب. هل له التحلل؟ وإن قلنا: نعم فله الانصراف، وإن قلنا لا: فلا وهو الصحيح، وموضع الوجهين ما إذا استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظن، وكان يمكنه الرجوع إذا تمادى في غير طريق البحر؛ فإن كان ما بين يديه أكثر لم يلزمه، أو أقل لزمه. وإن أوجبنا ركوب البحر فعرض خطر في توسطه. [لو] 1 كان في ابتدائه لم يجب فهل يطرقه ما ذكرناه من الخلاف؟ والتفصيل أن يقطع بوجوب التمادي [اعتبارا بأوله أو بعدم التمادي] 2 اعتبارا بأخره، فإن الركوب في الصورة الأولى كان حيث لا وجوب وحيث لا وجوب يحرم الركوب إن غلب الهلاك، وكذا إن استوى الحال على الأصح فيكون ركوبه عدوانا. [وفي هذا] 3 كله نظر واحتمال، ولم أجده مسطورا. ومنها: إذا اشترى الكافر كافرا من كافر فأسلم قبل القبض، قال الإمام: لا ينفسخ لأنه كيفما تقلب القلب إلى كافر: وقد يقال: ليس هذا الفرع من هذا القبيل؛ لأن الفسخ وعدمه ليس إلى العبد حتى يقال: تقليب بين محذورين.   1 في ب أو. 2 سقط من أوالمثبت من ب. 3 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير وإن شئت قلت: السادسة. المشقة نجلب التيسير وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع. وقد عزا الخطابي هذه العبارة إلى الشافعي –رضي الله عنه- عند كلامه على الذباب يقع في الماء القليل، ويقرب منها "الضرورات تبيح المحظورات" ومن ثم التيمم والمسح وصلاة المتنفل قاعدا، والرخص جميعها، إسقاطا وتخفيفا. ومن فروعها: لو تنجس الخف بخرزه بشعر الخنزير فغسل سبعا إحداهن بتراب طاهر [طهر] ظاهره دون باطنة وهو موضع الخرز. قال الرافعي في باب الأطعمة وقيل كان الشيخ أبو زيد يصلي في الخف النوافل دون الفرائض فراجعه القفال قال: الأمر إذا ضاق اتسع. قال الرافعي: أشار إلى كثرة النوافل، وقال النووي: بل إلى عموم البلوى بذلك ومشقة الاحتراز منه؛ فعفى عنه مطلقا، وكان لا يصلي فيه الفريضة احتياطا لها، وإلا فلا فرق بين الفرض والنقل في اجتناب النجاسة. قلت: لم يبين لي في كلام النووي مخالفة لكلام الرافعي بل في قول الرافعي أنه إشارة إلى كثرة النوافل ما يرشد إلى ما قاله النووي من أن كثرتها أوجبت التساهل فيها تيسيرا وقد حاول ابن الرفعة –في باب مسح الخف تأييدا كلام أبي زيد بأن الداخل من مواضع الخرز انسد بالخيط؛ فصار في حكم الباطن والنجاسة في الباطن لا تمنع الصحة بدليل [أن] 1 ظاهر النص صحة الصلاة في جلد الميت المدبوغ، وإن قلنا: إن الدباغ لا يطهر باطنه وأطال ابن الرفعة في ذلك، وقد يقال عليه: لو كان أبو زيد يرى أن نجاسة الباطن لا تمنع الصحة لصلى فيه الفرض والنفل جميعا، ويجاب عن هذا بأنه أمر ظني فاحتيط فيه للفرض. ومنها: القادر على تحصيل البدل والمبدل الفاقد لهما، هل يجب عليه تحصيل المبدل كما لو وجده، أو له أن يحصل البدل لكونه إذا حصله صار واحدا له دون المبدل؟ فيه تردد في صور. منها: لو لم يكن في إبله بنت مخاض عدل إلى ابن لبون بالنص؛ فلو فقدهما فهل يتعين شراء بنت مخاض أو له أن يشتري ابن لبون فيه وجهان.   1 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 القاعدة الرابعة: الرجوع إلى العادة 1: ومن ثم مقادير الحيض2 والنفاس3 والطهر4 وقصر الزمان وطوله عند البناء على الصلاة أو الأشياء وتناول الثمار الساقطة5 من الأشجار المملوكة في الطريق وأخذ طرف هدية لم يعتد رد مثله، وحمل الإذن في النكاح على الكفء، ومهر المثل واعتماد العرف في قدر القليل والكثير من دم البراغيث وفي قدر الموالاة بين الصلاتين لمن جمع تقديما، وخفة اللحية وكثافتها في الوضوء وعادة الرماة في مسافة الغرض المرمي إليه، ومقدار [ثواب] الهدية في وجه مسألة الغسال، وقدر المحقرات على رعي قطيع من الغنم. هل يجب بيان العدد أو يكتفي بما جرت العادة أن يرعاه الواحد ويحمل قول العاقد. أجرتك سنة -على المتصلة بالعقد، وإيجاب السرج والإكاف في استئجار دابة للركوب وكذلك الغطاء الذي يستظل به6، واعتبار ثلاثمائة ذراع بين الإمام والمأموم –على القول بأنه مأخوذ من العرف- وهو الصحيح. ولو شافهته امرأته بما يكره من شتم وسب فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق فإن قصد المكافأة طلقت في الحال، وإن لم توجد   1 قال القاضي: أصلها قوله صلى الله عليه وسلم "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن". قال العلائي: ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا، ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف، والسؤال؛ وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده الأشباه والنظائر "99". 2 سن الحيض أقله تسع سنين قمرية تقريبا. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أعجل من سمعت من النساء تحيض نساء تهامة يحضن لتسع سنين أي تقريبا لا تحديدا؛ فيسامح قبل تمامها بما لا يسع حيضا وطهرا، أما إن وسع طهرا وحيضا فلا يسامح بل تعتبر من سن الحيض ويلاحظ من قول الشافعي أنه عرف أقل سن الحيض بالاستقراء وهو من الأدلة الشرعية، وفي سن الحيض هذا حكمنا العادة. 3 أقل النفاس مجة، وأكثره ستون يوما، وغالبه أربعون يوما. 4 وأقل الطهر خمسة عشر يوما ولا حد لأكثره. 5 فالمحكم في هذا الساقط العرف. فإذا اباح عرف الناس أكل الساقط حل أكله وإلا فلا، ومحل تحكيم العادة إذا لم يكن هناك دليل على المنع كسوء وإلا حرم تناول الساقط. 6 أي إذا اقتضت العادة بوجوب وضع السرج وما تحته من إكاف؛ فلا بد منه وإلا فلا تجب وذلك إن اطرد العرف فإن اضطرب فلا بد من البيان فإن خالف المؤجر العرف يفسخ عقد الإجارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الصفة أو قصد التعليق طلقت بتلك الصفة بالرجوع إلى العرف إذا طلق، والعرف يقتضي ذكر ذلك للمكافأة1. قال [الرافعي] 2 ... يحتمل وجهين واتباع اللفظ أولى. والمنكوحة الرقيقة إذا كانت جميلة تخدم في العادة، لم يجب إخدامها. وقيل يجب للعادة. ومنها: كتب المراسلات، قال ابن الصباغ في باب الوليمة من الشامل: حكى القاضي أن بعض أصحابنا قال: لا يملكها المكتوب إليه؛ ولكن له الانتفاع بها حكم بحكم العادة الجارية في إباحة ذلك. فصل: واشتهر عند الفقهاء أن ما ليس له ضابط في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه إلى العرف، وهذا صريح في تقديم اللغة على العرف وعند الأصوليين أن العرف مقدم على اللغة3.   1 روضة الطالبين 8/ 185، والاعتناء في الفرق والاستثناء في كتاب الطلاق. 2 في ب الغزالي. 3 قال في التكملة من القواعد المشتهرة على ألسنة الفقهاء أن ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف. قال والذي في شرح المهذب وليس مخالفا لما يقوله الأصوليون من أن اللفظ الشارع يحمل على المعنى الشرعي ثم العرفي ثم اللغوي، قال: والجمع بين الكلامين إذا تعارض معناه في العرف ومعناه في اللغة قدمنا العرف ومراد الفقهاء إذا لم يعرف حده في اللغة؛ فإنا نرجع فيه إلى العرف؛ ولهذا قال كل ما ليس له حد في اللغة ولم يقولوا ليس له معنى فالمراد أن معناه في اللغة لم ينصوا على حده بما يبينه فيستدل بالعرف عليه. قلت: وإذا تعارضت الحقيقة الشرعية واللغوية فقيه مذاهب: أحدهما يحمل على الشرعي وصححه ابن الحاجب وهو مذهب الحنفية لأن المعنى الشرعي الحقيقي وهو الذي وضع له اللفظ في اصطلاح مخاطب الشرع فيتعين حمل اللفظ عليه. والثاني يكون مجملا. والثالث قاله الغزالي إن ورد في الإثبات حمل على الشرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث لبيان الشرعيات، وإن ورد في النهي حمل على اللغوي. وإن شئت مزيد تفصيل فارجع إلى نهاية السؤال مع حاشية الشيخ بخيت 2/ 200 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ولا منافاة بين الأمرين لعدم تواردهما على محل واحد كما قررناه في شرحي المختصر والمنهاج وحكيناه عن الشيخ الإمام تغمده الله برحمته. ومن ثم مسائل: منها: التفرق القاطع لخيار المجلس؛ فإن لفظ التفرق ورد من الشارع ولم يبين حده، فيجب حمله على ما بعد تفرقا في العرف. ومنها: الحرز في السرقة. ومنها: الإحياء. ومنها: الاستيلاء في الغضب، اتفق الأصحاب على أن المرجح في كون الفعل استيلاء وغير استيلاء إلى العرف. فصل: العادة في الحيض على أربعة أنواع1. أحدها: ما يثبت بمرة على الصحيح وهو قدر الحيض، وفي وجه بمرتين وفي [ثالث] 2 بثالث. النوع الثاني: عادة تثبت بمرة بلا خلاف وهي الاستحاضة؛ لأنها علة مزمنة فالظاهر أنها إذا وقعت دامت3، وعادة تثبت بمرة ولكن على الصحيح وهي ما ذكرناه في المستحاضة المردودة إلى عادتها. والثالث: عادة لا تثبت بمرة ولا بمرات وإن تكررت بلا خلاف، وصورتها منقطعة الدم إذا رأت يوما دما ويوما نقاء واستمرت بها الأدوار هكذا وقلنا: بقول اللفظ، وأطبق الدم على لون واحد. فإنا لا نلتفظ بها قدر أيام الدم بلا خلاف؛ وإنما يحيطها ما كنا نجعله حيضًا بالتلفيق، قال الإمام والاحتمال فيه أدنى مجال. وكذا لو ولدت مرارا ولم تر نفاسا ثم ولدت ويطبق الدم وجاوزت ستين يوما؛ فإن عدم النفاس لا يصير عادة لها بلا خلاف بل هي مبتدأة في النفاس4.   1 قاله الإمام الغزالي وغيرهما. 2 وفي ب وجه. 3 وسواء في ذلك المبتدأة والمعتادة والمتحيرة. 4 الأشباه والنظائر ص100، والمنثور للزركشي 2/ 359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والرابع: عادة لا تثبت بمرة ولا [بمرات] 1 على الأصح. وصورتها: التوقف بسبب تقطع الدم، إذا كانت ترى يوما دما ويوما نقاء؛ فإن الانقطاع الثاني والثالث وما بعده إلى آخر الخمسة عشر لا يخرج عل الخلاف في ثبوت العادة بالمرة وهي الانقطاع الأول؛ بل تمر بما تمر به الطاهرات بمجرد الانقطاع، بخلاف الشهر الثاني فإنه مخرج على الخلاف لأن الشهر الأول قد أثبت عادة في الانقطاع فهذه عادات باب الحيض الأربع. فصل: جزموا في الكلب المعلم بأنه لا بد من تكرار يغلب على الظن أنه عادة ولا يكفي مرة واحدة قطعا وفي المرتين خلاف، وكذلك في الثلاث2، وجزموا باشتراط التكرار في القائف3، وفي اختبار الصبي قبل البلوغ4، ونظائره كثيرة، ومنها: فرعان لم أر فيهما نقلا. أحدهما: أن القاضي لا يقبل الهدية ممن لم يكن له عادة قبل الولاية، ولا ممن كانت له عادة ما دامت له خصومة5. بماذا تثبت العادة المذكورة؟ ولم أجده مسطورا وكلام الأصحاب يلوح بثبوتها بمرة واحدة؛ ولذلك عبر [الرافعي] 6 بقوله: تعهد منه الهدية، والعهد صادق بمرة7. والثاني: أنهم حرموا صوم يوم الشك ما لم يوافق عادة له8، كما إذا كان يصوم   1 في ب مراد. 2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص100، المنثور للزركشي 2/ 359. 3 وهل يكتفي بمرتين أو لا بد من ثلاث وجهان رجح الشيخ أو حامد وأصحابه اعتبار الثلاث، وقال إمام الحرمين لا بد من تكرار يغلب على الظن به أنه عارف. المصدر السابق والمنثور 2/ 361. 4 وبالمماسكة قالوا: يختبر مرتين؛ فصاعدا حتى يغلب على الظن رشده المنثور 2/ 360. 5 روضة الطالبين 11/ 143. 6 وفي ب الرافعي عنه. 7 11/ 143. 8 أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم" البخاري 4/ 128 في كتاب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الاثنين والخميس مثلا فصادف يوم الشك أحدهما أو يصله بما قبله. بماذا تثبت العادة المذكورة؟ لم أجده1. وكذا في الصيام بعد انتصاف شعبان2.   1 الصوم/ باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين حديث "1914"، ومسلم 2/ 762 كتاب الصيام/ باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين حديث "21/ 1082". 1 قال السيوطي وقال الإمام في الخادم: لم يتعرضوا لضابط العادة فيحتمل ثبوتها بمرة أو بقدر يعد في العرف متكررا. 2 لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: $"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". أخرجه أبو داود 2/ 271 في كتاب الصوم/ باب في كراهية وصل شعبان برمضان "2237" والترمذي 3/ 115 في الصوم/ باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان حديث "738"، وابن ماجة 1/ 528 في الصيام/ باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم حديث "651". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 القاعدة الخامسة: الأمور بمقاصدها مدخل ... القاعدة الخامسة: الأمور بمقاصدها وأرشق وأحسن من هذه العبارة: قول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" 1.   1 أخرجه البخاري 1/ 9 في كتاب بدء الوحي/ باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث "1" وأخرجه مسلم 3/ 1515-1516 في كتاب الإمارة/ باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" "155/ 1907" قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه، واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها. وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث الأعمال بالنية وحديث: "من أحدث في أمرنا هذا ليس منه فهو رده" وحديث "الحلال بين والحرام بين" وقال أبو داود مدار السنة على أربعة أحاديث حديث – الأعمال بالنيات ... ، وحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، حديث "الحلال بين والحرام بين"، حديث "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا". وفي لفظ عنه: يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث فذكرها وذكر بدل الأخير حديث "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه". وحكى الحقاف من أصحابنا في كتاب الخصال عن ابن مهدي وابن المديني: أن مدار الأحاديث على أربعة: "الأعمال بالنيات"، "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة"، "بني الإسلام على خمسة"، "البينة على المدعى واليمين على من أنكر" وقال ابن مهدي أيضا: حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم، وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ومن ثم وجوب النية حيث تجب. وإذا كان عليه دينان بأحدهما رهن؛ فأدى أحدهما. ثم قال: أديت عن المرهون. فقال الدائن: بل على الآخر. صدق الدافع. وصرح الإمام والرافعي والشيخ الإمام الوالد رحمه الله وغيرهم بأنه لا بد في أداء الديون من نية التمييز. قال الشيخ الإمام: وعلى هذا إذا نوى دينا وبان أنه ليس عليه لا يقع عن غيره وقاعدة النية طويلة الذيل. متسعة الأنحاء. ويدخل فيها قاعدة. ما تعمل فيه النية قال الإمام في الأساليب: "موضوع اللفظ يحتمل النية بالإجماع كلفظ العين والقرء إذا نوى أحد مسمياته، واللازم لا يحتملها إجماعا كما إذا نوى زمان الطلاق ومكانه، والمدلول محل الخلاف كما إذا نوى بقوله: أنت طالق، عددا، يقع عندنا؛ خلافا لأبي حنيفة، ولهذا اختلف الأصوليون في قوله: والله لا آكل إذا نوى بعض المأكولا هل يختص يمينه؟ فهل يقوم عموم المدلول مقام اللفظ مع اتفاقهم على أن تعيين زمان الأكل. ليس في يمينه والصحيح إلحاق المدلول بالموضوع؛ لأنه مراد اللافظ فله التصرف فيه. انتهى. ومراده بالإجماع في اللازم إجماع الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، وقد يتعرض بما روي عن البويطي1 فيمن قال: أنت طالق بمكة أو في مكة أو البحر. تطلق في الحال إلا أن يريد إذا حصلت هناك، وكذا لو قال في الظل وهما في الشمس. قال: بخلاف ما إذا كان الشيء منتظرا غير حاصل كقوله في الشتاء وهما في الصيف. لا يقع حتى يجيء الشتاء.   1 أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي البويطي منسوب إلى بويط من قرى مصر من الصعيد الأدنى وكان من عظماء أصحاب الشافعي رضي الله عنه وخليفته بعده وكان الشافعي رضي الله عنه يقول ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب وليس أحد من أصحابي أعلم منه. توفي في السجن سنة اثنتين وثلاثين ومائتين في رجب يوم الجمعة قبل الصلاة، وقيل إحدى وثلاثين ومائتين. وفيات الأعيان 6/ 60، تاريخ بغداد 14/ 299، ابن السبكي 1/ 275، ابن هداية الله ص16، شذرات الذهب 2/ 71، تهذيب التهذيب 9/ 427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وحكى صاحب الذخائر1 وجهين فيما إذا أطلق قوله أنت طالق بمكة: أحدهما: يتخير. والثاني: يتقيد بالحلول في مكة. ونص الشافعي فيمن قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق، وقال: أردت شهرا، [بأنه] 2 لا يقع الطلاق باطنا. قال الغزالي في [الوسيط] 3 لأن اللفظ العام كالعام في الأزمان كلها. واعلم أن الكلام على قول الإمام –هذا- يستدعي في اللام فيما يدين المرء فيه وما لا يدين، وقد ذكره الأصحاب في كتاب الطلاق ونحن نعقد له فصلا في آخر هذه القاعدة. فصل: يدخل في قاعدة النية أيضا: قاعدة اللفظ في النية، وقد ذكرها الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب التيمم من شرح المنهاج. فقال: كل ما لا يجب التعرض له جملة وتفصيلا؛ فإذا عينه وأخطأ لم يضر كتعيين مكان الصلاة وزمانها، كما إذا عين الإمام من يصلي خلفه، أو صلى في الغيم ونوى الأداء فبان خروج الوقت4 وكل موضع يجب فيه التعيين فالخطأ فيه مبطل5، كالخطأ من الصوم إلى الصلاة، ونحوه [كل] 6 موضع يجب فيه التعرض له جملة ولا تجب تفصيلا فإذا عينه وأخطأ   1 مجلي بن جميع بن بخا القاضي أبو المعالي المخزومي الأرسوفي الأصل المصري، تفقه على الفقيه سلطان المقدس تلميذ الشيخ نصر وبرع وصار من كبار الأئمة ومن تصانيفه الذخائر، قال الإسنوي: وهو كثير الفروع والغرائب إلا أن ترتيبه غير معهود متعب لمن يريد استخراج المسائل منه وفيه أيضا أوهام، وقال الأذرعي: إنه كثير الوهم. توفي في ذي القعدة سنة خمسين وخمسمائة. الإسنوي 184، ابن السبكي 4/ 300، وفيات الأعيان 3/ 300، البداية والنهاية 12/ 233، شذرات الذهب 4/ 157. 2 في ب فإنه. 3 سقط في ب. 4 الأشباه والنظائر للسيوطي ص17. 5 المصدر السابق. 6 وفي "ب" وكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 تبطل؛ فلو نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا أو الصلاة على زيد الميت فبان عمرا لم يصح؛ فلو قال في المسألتين زيد هذا فوجهان لتعارض الإشارة والعبارة كبعتك هذا الفرس فبان بغلا، وزوجتك هذه الشابة فكانت عجوزا. والأصح في الصلاة والنكاح الصحة تغليبا للإشارة، وفي البيع البطلان تغليبا للعبارة. وهنا بحثان للشيخ الإمام رحمه الله. أحدهما: فيما إذا نوى الاقتداء بزيد فبان عمروا قال: ينبغي بطلان نية الاقتداء، لا نية الصلاة وإذا بطل الاقتداء فإن تابعه يخرج على متابعة من ليس بإمام بل ينبغي هنا الصحة، وجعل ظنه أنه إمام عذرا1. وثانيهما: قد يقال: إذا كان الواجب مطلق نية الكفارة أو مطلق الزكاة أو مطلق الاقتداء فعين وامتنع حصول المعين لأجل الخطأ فالمطلق في ضمنه فلم لا يخرج على أن الخصوص إذا بطل هل يبطل العموم؟ ثم أجاب بوجهين. أحدهما: أن الواجب ليس مجرد المطلق: بل لا بد من تعيين ما، كالإمام الحاضر، والميت الحاضر؛ فإذا نوى ما ليس كذلك. كان مباينا. لا أخص. والثاني: أن الخصوص هنا باعث، ولا يلزم من كون الخصوص باعثا كون العموم باعثا إذ لا يلزم عليه المجموع عليه الجزء. فصل: ويدخل فيها أيضا قاعدة: النية لتمييز العبادات على العادات ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض. فالأول: كالجلوس في المسجد، يتردد بين الجلوس للاعتكاف والجلوس للاستراحة، وكالوضوء والغسل يتردد بين التبرد والتنظيف والقرية فلولا النية لما تميزت العبادة عن غيرها ولا حصلت2.   1 وتابعه الإسنوي في المهمات على هذا البحث، وقد أجيب بأنه قد يقال فرض المسألة حصول المتابعة فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء والأصح في متابعة من ليس بإمام البطلان. 2 وأيضا الإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي، أو لعدم الحاجة إليه. ودفع المال للغير قد يكون هبة أو وصلة لفرض دنيوي، وقد يكون قربة كالزكاة، والصدقة، والكفارة، الذبح قد يكون بقصد الأكل وقد يكون للتقرب بإراقة الدماء، لتمييز القرب من غيرها، ومن ثم ترتب على ذلك أمور. أحدها: عدم اشتراط النية في عبادة لا تكون عادة أو لالتبس بغيرها كالإيمان بالله تعالى والمعرفة والخوف والرجاء وقراءة القرآن والأذكار؛ لأنها متميزة بصورتها، نعم يجب في القراءة إذا كانت منذورة لتمييز الفرض من غيره نقله القمولي في الجواهر عن الروياني وأقره السيوطي الأشباه ص13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فصل: ويدخل في هذه العبارة قاعدة: كل نية يجب مقارنتها لأول العمل إلا الصوم لأن الحرص على مقارنته يخشى منه عدم مقارنته. [الأول زمانه، ولذلك لم تجب] 1 للطف زمانه. ولذلك لم تجب المقارنة فيه على وجه فاجتذب صورة الصوم هذان المأخذان، [ويرجح] 2 الثاني؛ فقطع إلحاقه بالأول؛ وإلا الزكاة وإلا الكفارة إذا أخرجها الموكل ونوى ولم ينو الوكيل على وجه3، وهنا سر لطيف، وهو أنه إذا حصلت النية التي بها تميزت العباة عن العادة فقد يقارنها أمر يقوي كونها مميزة ونية، أو يضعف ذلك. فهذان قسمان. أولهما: المقارن المقوي وذلك هو الإخلاص وهو أمر وراء النية زائد عليها. يلزم من حصوله حصولها ولا عكس؛ فمن أخلص نوى، ومن لم ينو لم يخلص. فالإخلاص أخص من النية، والنية قصد الفعل مع زيادة كونه لله تعالى وهو كمال في النية. من هنا يظهر لك أن الأصح عدم وجوب الإضافة إلى الله تعالى في نية الصلاة والصوم؛ لأن النية تتحقق بدون الإخلاص والذي يوجبه الفقهاء إنما هو النية، أما تخليصها من الشوائب وإضافتها إلى رب المشارق والمغارب فكمال زائد وفضل آخر ومن أوجب التعرض لذلك اشتبه عليه الإخلاص بالنية، فظنه أحد أركانها. فتاوى الصلاة إذا قصد صلاة الظهر هذه فقد كفاه ذلك تمييزا لها عما عداها، ولا يكفيه نية فريضة الوقت عن نية الطهر مثلا –على الأصح- لعدم حصول التمييز فقد تكون فائتة يتذكرها يشاركها في كونها فريضة الوقت. وثانيهما: المقارن المضعف؛ فقد ينتهي حال إلى أن تبطل النية بالكية وقد لا   1 سقط في ب. 2 وفي "ب" ويترجح. 3 انظر المنثور للزركشي 3/ 294. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ينتهي مثال المنتهي: ذبح الأضحية لله ولغيره، فانضمام غيره يوجب حرمة الذبيحة؛ وإلا أن يضمه لمعنى غير الذبح له. وأما ما لا ينتهي: فقد يكون المنضم غير قربة كنية التبرد من نية الوضوء فلا تبطل في الأصح وكنية الصلاة ودفع الغريم، فلا تبطل، على ما نقله النووي في زوائد الروضة1 في باب الوضوء عن صاحب الشامل، ورأيت أن القاضي أبا منصور ابن أخي صاحب الشامل – قد خرج فيها وجهين في ضم نية التبرد إلى نية الوضوء. وقد يكون قربة. كما لو كبر الإمام وقصد مع التحريم إعلاء القوم. فلا تبطل جزما، ولا يجيء فيه وجه التبرد؛ لأن المنضم هنا مطلوب للشارع، ونفس تكبيرة الإحرام لا نية لها تختص بها؛ وإنما النية لمجموع الصلاة وتكبير الإحرام محلها. وأما الثاني: وهو قولهم: ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض فكتمييز صلاة النفل عن الفرض. والراتب عن المطلق، ومن ثم وجوب التعرض لفريضة الصلاة والصوم على الأصح. فصل: ويدخل في هذه العبارة قاعدة: "كل مفروضين فلا تجزيهما نية واحدة إلا الحج والعمرة" وألحق القفال بقية العبادات بالمفروضات ونقض عليه نية عسل الجنابة. والجمعة والعيد والاستسقاء فإنها تحصل. فصل: ويدخل فيها أيضا قاعدة: ما تميز بنفسه لا يحتاج إلى نية. ومن ثم لم يحتج الإيمان والعرفان والأذان والأذكار، والقراءة إلى نية التقرب بل [كفى] 2 مجرد القصد ليخرج الذاهل؛ فإنه غير فاعل في الحقيقة. وحكى صاحب البحر في باب إمامة المرأة وجهين في احتباج الوقوف بعرفة والأذان إلى نية3. والمعروف في المذهب –على ما ذكره الرافعي في كتاب الإجازة   1 ج1 ص50 شرح المهذب 3/ 289. 2 سقط من "ب". 3 المنثور 3/ 298. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وجزم به ابن عبد السلام في القواعد- إن الأذان لا يحتاج إلى نية، ووقوف عرفة أولى منه بعدم الاحتياج. أما المتروك: كترك الزنا وغيره فلا يحتاج إلى نية البتة لمجرد القصد ولا غيره بل يحصل اجتناب المنهي بكونها لم توجد وإن لم يقصد شيئا، ولا يتعرض بأن من خطرت المعصية بباله ونوى الكف عنها يثاب، فدل أن للنية مدخلا في [الثواب] 1 ثم على نية التقرب والكف الذي هو فصل يتردد بين الأصلين. إزالة النجاسة شابهت الأذان من حيث أنها نعل، وترك من حيث أنها قريب من التروك وغلبت هذه المشابهة، فلا يفتقر إلى النية، خلافا لابن سريج وأبي سهل الصعلوكي: حيث اشترطاها إلا في الاستنجاء بالحجر. نقل هذا الاستثناء عنهما صاحب التتمة وادعى نفي الخلاف فيه   1 في ب للتوقف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 القول في مباحث نختم بها الكلام على قاعدة النية لتشبثها بأذيالها المباحثة الأولى. هل يشترط لتحقيق النية وصحتها – قدرة الناوي على المنوي وإمكان حصوله أولا يشترط؟ فيه نظر واحتمال مستمد من مسائل: منها: لو تبع العبد، أو الزوجة أو [الجندي] 1 مالك أمره في السفر، ولا يعرف مقصده ونووا مسافة القصر قال في المنهاج2 قصر الجندي دونهما –يعني فيما قبل المرحلتين وكذا ذكر في الروضة3؛ إلا أنه قال قبل ذلك: لو نوى العبد أو الزوجة أو [الجيش] 4 ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير- فأقوى الوجهين أن لهم القصر، وظاهره في الجيش يخالف ما ذكره في الجندي. قال الشيخ الإمام والدي [رحمه الله] 5 والذي يقتضيه الفقه أن الجندي الخارج   1 سقط في ب. 2 مغني المحتاج 1/ 268. 3 ج1 ص386. شرح المهذب 4/ 333. 4 سقط في ب. 5 سقط في أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مع أمير يجب عليه طاعته كالخارج للقتال، حكمه حكم العبد والزوجة؛ فليحمل لفظ الجيش عليه؛ وإلا فهو مستقل لا تابع. ومنها: لو نوى بوضوئه استباحة صلاة لا يمكن فعلها كما إذا نوى أول السنة صلاة العيد، ومن بالشام الطواف بمكة؛ ففي ارتفاع حدثه خلاف حكاه في الأولى الروياني في تلخيصه عن والده وفي الثانية بعض الشارحين. وقربه من الخلاف فيمن يحرم بالظهر قبل الزوال. ومنها: نية الإمام [الإمامة] ذكر الشيخ أبو محمد في التبصرة.. أن كمال نية الإمام أن ينوي أداء الظهر مثلا ويقول بقلبه إماما. وعن تعليق الحسين في باب صفة الصلاة أن الإمام لا ينوي الجماعة لأنه لا يقتدي بأحد حتى ينويها. قلت: وهذا فيه نظر؛ فإن الجماعة تحصل للمقتدي والمتقدى به، وقال أبو إسحاق: ينويها، وعن البيان1: لا تصح نية الإمامة عند الإحرام؛ لأنه لا يكون ذاكرًا لها؛ إذ ليس بإمام حتى يأتم به غيره فإن أراد أنه وعد لا نية، قلت: والأرجح ما ذكره أبو إسحاق، واقتضاء كلام الشيخ أبي محمد من أنه يصح، بل ينبغي نية الإمام لمن وثق بالجماعة خلفه، دون من لا يثق، وكونه لا يصير إماما إلا بعد الاقتداء صحيح. غير أن المنوي أبدًا كذلك لا يكون إلا بعد انعقاد النية؛ فإنه لا يكون مصليا حتى يتم نيته. فإن [قيل] 2 لكن إذا نوى بعقله كونه مصليا، ولا كذلك كونه إماما لتوقفه على   1 العمراني وهو الإمام يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن يحيى أبو الخير العمراني اليماني ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة كان شيخ الشافعية ببلاد اليمن وكان إماما زاهدا ورعا عالما خيرا مشهور الاسم بعيد الصيت عارفا بالفقه وأصوله والكلام والنحو من أعرف أهل الأرض بتصانيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي في الفقه والأصول والخلاف ويحفظ المهذب عن ظهر قلب توفي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ابن قاضي شهبة 1/ 327 ابن السبكي 4/ 24، مرآة الجنان 3/ 318، شذرات الذهب 4/ 185، هداية العارفين 2/ 250. 2 في أقلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 المقتضى.. قلت: إذا غلب على الظن حصوله كفى ذلك، وليس من الوعد في شيء بل هو نية جازمة تشهد العادة بوقوعه. ومنها: وهو نظيرها، نقل الحافظ محب الدين الطبري في شرح التنبيه: "عن محمد بن علي التهامي من فقهاء اليمن أنه نقل أن من صلى سنة الجمعة المتقدمة عليها، ينوي [بها] 1 سنة الظهر. قال لأنه: ليس على ثقة من استكمال شرائط الجمعة. قال التهامي: فأما نحن فننوي بها سنة الجمعة، لأن الغالب حصولها. وقيل: ينوي بها سنة فرض الوقت، قال الطبري شارح التنبيه: ولا يتجه غيره قلت: الذي لا يتجه غيره أن ينوي سنة الجمعة، [ولا مبالاة بما يعرض من عدم حصولها إلا أن يكون في مكان يغلب فيه وبتقديره أقول: يصح أيضا أن ينوي سنة الجمعة] 2 ولا يلزم من ذلك وقوع الجمعة، كما ينوي سنة الظهر وإن أمكن ألا يصليه؛ بل نحن نستحب سنة الظهر لمن في نيته معصية الله بتركها، وينوي مع ذلك سنة الظهر هذا الذي يظهر. المباحثة الثانية: هل يشترط لصحة النية كون المحل قابلا لما نواه الناوي؟ يظهر ذلك في مسائل: منها: إذا نوى المسافر الإقامة في موضع لا يصلح لها كالمفازة، فأظهر القولين انقطاع السفر. ومنها: إذا نوى الإقامة وهو سائر، ولم تؤثر هذه النية؛ لأن السير يكذبها، وبذلك صرح النووي في شرح المهذب وأشار إليه الرافعي –كما قلناه- في الترشيح. المباحثة الثالثة: هل من شرط تحقق النية الجزم بمتعلقها؟ فيه نظر واحتمال. والأقوى الاشتراط، ويشهد له مسائل. منها: لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ثم تبين الحدث أعاد   1 سقط في ب. 2 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 على الصحيح، لكونه توضأ مترددا. وقد زالت الضرورة بالتيقن. ولو تيقن الحدث شك في الطهارة فتوضأ ثم بان محدثا أجزأه قطعا؛ لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر التردد معه. ومنها: لو نسي صلاة من الخمس فصلى الخمس ثم علم المنسية. قال النووي: لم أر فيه شيئا قال: ويحتمل أن يكون على الوجهين أي في المسألة قبلها ويحتمل القطع بعدم الإعادة وهو الأظهر. ومنها: تيمم لفائتة ظنها عليه أو لفائتة الظهر فكانت العصر لم يصح. [ومنها: لو اقتدى بخنثى ثم بان بعد الفراغ كونها رجلا عاد في الأصح] 1. ومنها: لو نوى يوم الشك صوم غد إن كان من رمضان، فاعتقد كونه منه بشهادة أو استصحاب جاز. ومنها: لو نذر صيام يوم قدوم زيد فبان بعلامة قدومه في الغد جاز تبييت الصوم له على قول. ومنها: لو قال: اعتقت هذا العبد عن كفارة يميني إن حنث فبان أنه حنث، عتق عن الكفارة، وإلا فلا. ولو قال: إن حلفت وحنث فبان حالفا. فعن البغوي ينبغي أن لا يجزيه لأنه شك في اليمين. وفي الصورة السابقة، الشك في الحنث، والتكفير قبل الحنث جائز. تنبيه: اعلم أنا لا يشترط في الجزم حصول القطع؛ بل يكفي ظن غالب لا اعتبار مع بالاحتمال. ومن ثم يقولن: النية إذا اعتضدت بأصل لا يضرها التردد، بذلك صرح قوم منهم الوالد في شرح المنهاج في باب صلاة المسافر، ومثلوا له بالنية في آخر يوم من رمضان، وبما لو نوى المسافر مقصدا يقصر فيه، ثم نوى أنه إن وجد غريمه رجع، فلا يضره وله القصر على الصحيح.   1 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ومن مسائلها: ما نقله النووي عن الدارمي1. وذكره الوالد في كتاب الصوم لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وتوضأ. وقال: إن كنت محدثا فهذا لرفعه وإلا فتبرد صح. ولو كان متطهرا وشك في الحدث فتوضأ، وقال ذلك لم يصح عملا بالأصل في المسألتين. ولو شك في دخول وقت الصلاة فقال عنها: إن كان دخل وإلا فنافلة لم يجزه. وإن كانت [عليه] 2 صلاة وشك في أدائها فقال عنها: إن كانت وإلا فنافلة أجزأه. ولو أحرم يوم الثلاثين من رمضان. وهو شك فقال إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة، وإن كان من شوال فبحج فكان شوالا، كان حجا صحيحا. وذكر من أمثلة أخرى في شرح المنهاج. المباحثة الرابعة: في تحقيق النية وصحتها بتعيين نوع من متعلقها تردد يجري في صور. منها: لو نرى رفع بعض الأحداث فأصح الأوجه صحة وضوئه مطلقا، وعللوه بأن الحدث لا يتجزأ؛ فإذا ارتفع ابعض ارتفع الكل، والغسل الواقع عن واحد واقع عن الكل. فإن قلت: قياس هذا أنه إذا وطأ امرأتين واغتسل من الجنابة، وحلف أنه لم يغتسل عن الثانية يحنث، وفي الرافعي في آخر الباب الأول من الطلاق أنه لا يحنث. قلت: كان مأخذه أن الغسل كائن. أما عن الحدث الأسبق –واستتبع رفعه رفع ما بعده- وأما عن مطلق الحدث الذي [هو] 3 قدر مشترك بين الأول والثاني؛ فلم يكن لخصوص الثاني به تعلق، وهذا فيما إذا اتحد جنس الحدثين.   1 محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن ميمون الإمام أبو الفرج الدارمي البغدادي نزيل دمشق تفقه على أبي الحسن الأردبيلي وعلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني وكان إماما بارعا مدققا قال الخطيب: هو أحد الفقهاء موصوف بالذكاء وحسن الفقه والحساب والكلام في دقائق المسائل ولد في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وتوفي بدمشق في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. تاريخ بغداد 2/ 363، والأنساب 5/ 279، ابن السبكي 3/ 77، الشيرازي ص107، ابن قاضي شهبة 1/ 234. 2 سقط من ب. 3 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أما إذا اختلف كالمرأة الجنب الحائض تغتسل، وقد كانت حلفت لا تغتسل من الجنابة؛ ففي شرح التلخيص للشيخ أبي علي1 قبل كتاب الزكاة، إن نوت الاغتسال عنهما حنثت، أو عن الحيض وحده لم تحنث وإن أجزأ غسلها عنهما حنثت. قال: ورجح القفال الحنث ثم ما ذكرناه فيما إذا نوى رفع بعض الأحداث محله إذا كان الحدث المنوي رفعه واقعا منه؛ وإلا فيمتنع من المتعمد في الصحيح لا من الغالط وفاقا. ومنها: لو نوى بوضوئه استباحه صلاة بعينها ولم ينو غيرها صح على ما جزم به الرافعي في باب الوضوء. وحكى فيه وجها في كتاب الظهار، وإن بقي غيرها فأوجه مشهورة أصحها الصحة أيضا. ومنها: يصح تخصيص الفريضة بالنية من ذي الضرورة، وفي النافلة إن نوى غيرها الوجوه. ومنها: يصح تفريق النية على أعضاء الوضوء في الأصح. ومنها: لو نوت الذمية بغسلها حل وطء زوجها المسلم استباحت به كل ما توقف على الغسل على أصح الأوجه. المباحثة الخامسة: اعتراض النية لصراع الألفاظ هل يبطل صراحتها ويرفع حكمها عند الإطلاق؟ قد كنا قدمنا كلام الإمام رحمه الله في الأساليب وقلنا إن الكلام يستدعي الكلام فيما يدين المرء فيه وما لا يدين وما يقبل منه في ظاهر الحكم وما لا يقبل. ولا شك أن ما لا يقبل ظاهرا. ولا يدين فيه باطنا لا يبطل صراحة اللفظ، بل وجود النية الصارفة عن الصراحة وعدمها بالنسبة إليه سواء؛ وإنما الكلام فيما يقبل ظاهر أو يدين فيه، وقد يدعي أن النية صرفت الصراحة عن قضيتها ولنذكر كلام الأصحاب في التديين؛ فإنه أشكل علي بحيث لم أتحصل منه على شيء فأقول: قال الفوراني في   1 الحسين بن شعيب بن محمد بن الحسين أبو علي السنجي المروزي عالم تلك البلاد في زمانه تفقه بأبي بكر القفال والشيخ أبي حامد الإسفراييني ببغداد وله تعليقة جمع فيها بين مذهب العراقيين والخراسانيين. توفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وقيل سنة ثلاثين، وقيل نيف وثلاثين ودفن إلى جانب أستاذه القفال. وفيات الأعيان 1/ 401، البداية والنهاية 12/ 257 ابن قاضي شهبة 1/ 207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الإبانة: الأصل أن كل من أفصح بشيء، وقيل فإذا نواه قبل فيما بينه وبين الله دون الحكم. وقال القاضي الحسين في التعليقة: كل ما لو وصله باللفظ نطقا انتظم معه وإن شق؛ فإذا ضمنه اللفظ بينه إن ادعاه لنفسه دين فيما بينه وبين الله ولم يصدق في الحكم، وإن كان على نفسه صدق في الحكم. وقريب منه قول تلميذه البغوي في التهذيب كل ما لو وصله باللفظ نطقا دين في الحكم؛ فإذا نواه بقلبه لا يدين في الحكم فيما له، ويدين في الباطن؛ إلا في الاستثناء؛ فإنه لو قال: أنت طالق ووصل به إن شاء الله -نطقا- لا يقع ولا نوى الاستثناء بقلبه لا يدين في الباطن. وقال الرافعي يحكي عن القاضي الحسين: إن لما يبديه الشخص ويدعيه من النية مع ما أطلقه من اللفظ أربع مراتب. إحداها: أن يرفع ما صرح به اللفظ، كما إذا قال: أنت طالق ثم قال: أردت طلاقا لا يقع عليك، أو قال: لم أرد إيقاع فلا مبالاة بما يقوله لا في الظاهر، ولا في التديين في الباطن. والثانية: أن يكون ما يبديه مقيدا لما تلفظ به مطلقا. كما إذا قال أنت طلاق، ثم قال: أردت عند دخول الدار. ومجيء الشهر، فلا يقبل ظاهرا وفي التديين خلاف. والثالثة: أن يرجح ما يدعيه إلى تخصيص عموم؛ فهذا يدين فيه وفي القبول ظاهرا خلاف. والرابعة: أن يكون اللفظ محتملا للطلاق من غير شيوع وظهور فيه وفي هذه الدرجة يعمل فيها بموجب النية. وحكى صاحب الذخائر هذا عن القاضي وقال: إن الغزالي استحسنه إلا في قبول تخصيص العموم من غير دليل. قال الرافعي: وفي كلام الأئمة ضبط آخر، قالوا ينظر في [التفسير] 1 على   1 في "ب" التغيير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 خلاف ظاهر اللفظ إن كان بحيث لو وصل باللفظ نطقا لما انتظم الكلام؛ فإنه لا يقبل في الظاهر. ولا يدين وإن انتظم وقبل في الحكم؛ فإذا نواه لا يقبل ويدين. مثال الأول: أردت طلاقا لا يقع عليك. ومثال الثاني: أردت عن وثاقي، أو إن دخلت الدار. قلت: وهذا الضابط هو الذي قدمناه عن البغوي والقاضي وغيرهما، وقريب منه كلام الإمام في النهاية، ومنعني عن حكايته طوله، وكذلك منعني خشية التطويل عن حكاية كلام بقية الأصحاب، مع اجتماع الكثير من كتبهم عندي، ولله الحمد، وقال صاحب الذخائر: إذا ادعى ما يزيل اللفظ عن ظاهره فالضابط أنه إن ناقض اللفظ عن ظاهره فالضابط أنه إن ناقض اللفظ لم يقبل حكما، ولم يدن؛ وإلا فإن ساواه في الظهور قبل ظاهرا وباطنا. وإن كان للفظ إشعار به -كطالق عن وثاق دين ولم يقبل في الحكم. وإن لم يشعر به ولكن كان لو نطق به لانتظم الكلام مع وحسن، كما او ادعى تعليق الطلاق -بالنية- على شرط، ففي قبوله حكما خلاف. وليقع الاقتصار على ما نقلت من كلام الأصحاب، وستعرف ما يرد على كل منها من الفروع، وأنا أعدد الفروع ثم اذكر ما لعله يتيسر نقله لي من الضبط. الفرع الأول: إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت –إن دخلت الدار أو إذا جاء رأس الشهر، أو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن شاء الله. فقال القفال، والغزالي: يدين، وهذا هو ظاهر كلام الإمام في النهاية. قال الرافعي: والمشهور في كتب كبراء المذهب أنه لا يدين في قوله: أردت إن شاء الله، ويدين في قوله: أردت عن وثاق أو إن دخلت الدار وإن شاء زيد. قال: وفرقوا بين قوله: أردت إن شاء الله، وبين سائر الصور بأن التعليق بمشيئة الله يرفع حكم الطلاق جملة؛ فلا بد فيه اللفظ. والتعليق بالدخول لا يرفع الحكم جملة، ولكن يخصصه بحال دون حال. قوله: من وثاق. تأويل. وصرف اللفظ من معنى إلى معنى. فكفت في النية وإن كانت ضعيفة. وشبهوا ذلك بأن الفسخ لما كان رافعا للحكم. لم يجز إلا باللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 والتخصيص يحوز بالقياس كما يجوز باللفظ. انتهى. واختار أخي الشيخ بهاء الدين أبو حامد -أطال الله بقاءه ما عليه القفال والإمام الغزالي من التديين في قوله: أردت إن شاء الله. [وقد] 1 ذكروا في الإكراه ما يقتضي التسوية بين التعليق على مشيئة الله وغيره. قلت: كأنه يشير إلى قولهم: إن ورى المكره بأن قال أردت بقولي: طلقت فاطمة غير زوجتي، أو نوى الطلاق من الوثاق، أو قال في نفسه: إن شاء الله لم يقع الطلاق. وهذا قد يقال: إنه مخصوص بحالة الإكراه، لكونها قرينة تصدقه في إرادة إن شاء الله، وقد قالوا هناك: إنه إذا ادعى التورية صدق ظاهرا في كل ما يدين فيه عند الطواعية، وظاهر هذا أن تصديقه في قوله: أردت إن شاء الله مبني على هذا الخلاف في أنه هل يدين؟ وأقول: قد يقال: إنه يدين في مسألة الإكراه، وإن لم يدن في غيرها لوضوح الفرق. الفرع الثاني: إذا قال: أردت طلاقا لا يقع عليك، أطلق الأصحاب أنه لا يدين، قال الإمام: لأنه لو اتصل بالكلام ظاهرا لما انتظم وكان متهما فيما لا يجرد العاقل القصد إلى نظم مثله، قال: فلا طريق إلا الإلغاء ظاهرا وباطنا. وقال أخي الشيخ بها الدين: ينبغي أن يختص هذا بما إذا أراد حقيقة الطلاق، أما إذا قصد الطلاق من الوثاق أو غيره فينبغي أن يصح. قلت: هذا لا شك فيه، وعليه ينبني كلام الإمام؛ فإن التهافت إنما جاء من قبل تناقض اللفظ، ومع إرادة حقيقة الطلاق اللغوي لا تهافت. نعم هو متهافت سواء أراد حقيقة الطلاق الشرعي أو أطلق؛ لأن الإطلاق محمول على الشرعي. وعلى صورتين يحمل كلام الأصحاب، أما صورة قصد الطلاق من الوثاق فلم يريدوها بهذا الكلام، وقد صرحوا بها بمفردها. وأنه يدين فيها. على أن لقائل أن يقول: قوله: لا يقع عليك إلا يصح أن يوصف به طلاق الوثاق لأن الموصوف بالوقوع وعدمه ما يقع تارة ولا يقع أخرى؛ وذلك هو الطلاق الشرعي لا   1 في ب وقال: وقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 اللغوي؛ فقد يقال: اللفظ متهافت وإن قصد المعنى اللغوي لأن قوله: لا يقع عليك ينافي المعنى اللغوي؛ فليس كما إذا أطلق قوله: أنت طالق ثم قال: أردت عن وثاق، فالأظهر أنه لا يقبل قوله: أردت عن وثاق لا ظاهرا ولا باطنا في الحالات الثلاث لتهافته ونقض آخره لأوله. الفرع الثالث تخصيص العام: قال أكثر الأصحاب: لا يقبل في الظاهر ولكن يدين، وتأولوا نص الشافعي الدال على أنه يقبل ظاهرا وقال بعضهم: يقبل؛ لأن استعمال العام في الخاص شائع مشهور. وصورة المسألة المنصوصة أن تقول له امرأته: طلقني فيقول: كل امرأة لي طالق ويعزل السائلة بالنية. والخلاف في القبول ظاهرا جار وإن لم توجد قرينة تصدقه؛ غير أن الأظهر عند القفال والمعتبر عدم القبول ظاهرا إن لم تكن قرينة والقبول إن كانت، وهو ما صححه في المنهاج وعن القاضي الحسين: الفرق بين أن يقول: كل امرأة لي طالق -ويعزل بعضهن بالنية، وأن يقول: نسائي. وقال: إذا قال نسائي طوالق، ثم قال كنت عزلت ثلاثا بالنية، [لا] 1 يقبل؛ لأن اسم النساء لا يقع على الواحدة. ولو قال عزلت واحدة، يقبل وذكر تفريعا على هذا وجهين فيما لو عزل اثنتين. وحكوا وجهين فيما إذا قال: أربعتكن طوالق، وقال نويت إلا فلانة، هل يدين؟ ففي وجه يدين كما لو قال: نسائي طوالق وعزل واحدة بالنية وفي وجه لا يدين؛ لأن لفظ الثلاثة والأربعة نص في العدد المعلوم واستعمالها في بعض العدد غير معهود، بخلاف استعمال لفظ العام في الخاص فإنه معهود. قال القاضي أبو الطيب الطبري: [لو] 2 قال: فلانة وفلانة وفلانة طوالق ثم قال: كنت عزلت فلانة بالنية، لم يقبل لأنه رفع لما نص عليه، ونسخ، وليس بتخصيص عموم. وسكت عليه الرافعي والنووي. قلت: وهو ظاهر، وأظهر منه أن يقول: فلانة طالق وفلانة طالق وفلانة طالق؛ إلا فلانة فإن هذه جمل متعاطفة وليس العطف فيها للمفردات، والاستثناء فيها مستغرق ولو   1 في ب لم. 2 في ب فلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 قال: أنت طالق ثلاثا ثم قال: أردت إلا واحدة لم يدن على الصحيح؛ لأنه نص في العدد. والحاصل: أن العام قد تكون دلالته على المخرج بالنية ضعيفة، وقد تكون قوية، وبقدر ضعفها يظهر التديين، وتترقى إلى القبول ظاهرا، وبقدر قوتها يظهر عدم القبول ظاهرا وتترقى إلى عدم التديين. فأضعف الألفاظ كل امرأة لي طالق، وأقوى الألفاظ فلانة، وفلانة، وفلانة طوالق إلا فلانة وبينهما أربعتكن طوالق، فإنه فوق كل امرأة لي ونسائي من حيث أنه اسم عدد؛ فهو نص في مسماه، ودون فلانة وفلانة وفلانة لواحدة، مدلول كل واحد من الألفاظ ولا يقال: الكل تخصيص العموم. فبين العمومات [تفاوت] 1 كثير إن سلم أن الأعداد عامة. الفرع الرابع: تقييد المطلق مثل إن أكلت خبزا أو تمرا فأنت طالق. ثم يفسر بنوع خاص، قال الرافعي: إن الخلاف في القبول ظاهر في مسألة كل امرأة لي طالق. المتقدمة، أجرى فيه. قلت: ذاك تخصيص عام وهذا تقييد مطلق، والأشبه أن يجري في هذا الخلاف في أردت إن دخلت الدار وإن كلمت زيدا، ثم يقول: أردت شهرا، وأي الأمرين أولى بالقبول بعيد تقييد المطلق، أو تخصيص العام. ظاهر كلام الإمام في النهاية أن تخصيص العام أولى؛ فإنه قال: حمل اللفظ الصالح للعموم على الخصوص من تأويل اللفظ على بعض مقتضياته. وانتهى الأمر في تردد الألفاظ بين العموم والخصوص إلى نفي طائفة من العلماء صيغة مجردة ظاهرة في العموم. وهذا لاعتقادهم تردد الألفاظ في هذين المعنيين. قلت: وهذا ظاهر على القول بإنكار صيغ العموم، أما على مذهب الفقهاء في إثبات الصيغ فقد تعكس ويقال: تقييد المطلق لا يزيل شيئا من مدلول اللفظ؛ فيكون أجدر بالقبول، بخلاف تخصيص العام، غير أن نص الشافعي –رضي الله عنه- يشهد   1 في ب تقارب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 للأول؛ فإن الإمام إنما جعل تخصيص العام أولى توصلا إلى الفرق في مسألتي النص، وأنا أذكرهما، وأتكلم عليهما. فأقول: نص الشافعي –رضي الله عنه- على أنه إذا قال: أنت طالق ثم قال: أضمرت إن دخلت الدار، لم يقبل منه ظاهرا، وفي التديين وجهان، قال الإمام: أقيسهما أنه لا يدين. قلت: [وقد تقدم] 1 قول الرافعي: أن كبراء المذهب على ترجيح التديين، ثم ذكر الإمام أن الخلاف جار فيما إذا قال: أضمرت إلى شهر أو ما جرى هذا المجرى من تأقيت أو تعليق، ثم ذكر بعد ما حكى خلاف التديين أن –الشافعي نص على أنه إذا قال لامرأته: إن كلمت زيدا، ثم قال: أردت إن كلمته شهرا، لا يقع الطلاق باطنا بعد الشهر. والحاصل أن نص الشافعي يدل على أنه إذا نوى إن دخلت الدار لا يدين وإذا نوى إلى شهر يدين ففرق بين الزمان والمكان فهل من فارق ظاهر؟ كلام جماعة أنه لا فرق، ومنهم القاضي مجلى؛ فإنه حكى الوجهين في التديين في إن دخلت الدار، ثم ذكر نص الشافعي فيما إذا قال: أردت إلى شهر، وقال هذا الفرع مثل الفرع قبله، وهو إذا نوى التعليق فإن فيه وجهين كذلك ينبغي ها هنا. ومنهم الرافعي كما سنعرف. وألم الإمام –رحمه الله- بفرق، فقال: وللفقيه أدنى نظر في هذا فإن قول القائل: إن كلمت زيدا متعلق بالأزمان –على العموم- ظاهر، بخلاف إن دخلت الدار فإن اللفظ لا يدل على القيد. وتبعه الغزالي؛ حيث قال: اللفظ كالعام في الأزمان فإذا قال: أردت شهرا فكأنه خصص العام. قال الرافعي: وقد يقال: هذا بمثله، فيقال: اللفظ عام في الأحوال إلا أنه خصصه بحال دخول الدار. قلت: وقد تضعف المقابلة، ويقال: أليس قد نبه الإمام على أن اللفظ لا ينبيء عن الأحوال؛ وإنما ينبيء عن الأزمان. فكيف يقال له بعد ذلك اللفظ عام في الأحوال؟ نعم لمنازع أن ينازع في دلالة اللفظ على الزمان.   1 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فإنه قوله: أنت طالق لفظ لا عموم فيه لا بالنسبة إلى الأحوال ولا الأزمان، وما هو إلا مطلق قيد في إن دخلت الدار بالأحوال، وفي إلى شهر بالأزمان. الفرع الخامس: قال: أنت طالق، ثم قال: أردت طلاقا عن وثاق، وكان يحل وثاقها طرد الغزالي فيه الوجهين فيما لو قال نسائي طوالق وعزل اثنتين بالنية. هل يقبل ظاهرا؟ وقال: الظاهر القبول. قال الرافعي: وفيما إذا لم توجد القرينة أشار في سائر كتبه إلى أنه لا يجيء فيه التديين. الخلاف المذكور فيما إذا قال: أردت إن دخلت الدار، وفرق بأن قوله: أنت طالق وإن خصصه الشرع برفع قيد النكاح؛ ولكنه كالمجمل المبهم من حيث اللغة. يحتمل أن يكون من الوثاق وغيره فالتفسير بيان للمبهم. وأما التقييدات فليس لمجرد اللفظ دلالة عليها، والحاصل أنه يدين وإن لم تكن قرينة وفي وجه حكاه الغزالي في أول كتاب الإيمان والقاضي مجلي في "الذخائر" في هذا المكان أنه لا يدين، ويقع باطنا وجمعها القاضي مجلى أوجها. أحدهما: أنه يدين وإن لم تكن قرينة. والثاني: لا يدين. والثالث: يدين. ولكن يقبل ظاهرا. والرابع: الفرق بين أن تكون قرينة؛ فيقبل ظاهرا. ولا تكون فلا يقبل وأن يدين كذا يتحصل من كلامه. الفرع السادس: لو قال: أنت طالق ثلاثا للسنة، ثم قال: نويت تفريق الثلاث على الأقراء، لم يقبل قوله في الظاهر؛ لأن اللفظ يقتضي وقوع الكل في الحال إن كانت طاهرة. والوقوع كما ظهرت إن كانت في الحال حيضًا، ولا سنة في التفريق، وليس من اللفظ إشعار بما يدينه. قال في التتمة: إلا إذا كان الرجل ممن يعتقد تحريم الجمع في قرء واحد، فيقبل قوله في الظاهر، لأن تفسيره مستمر على اعتقاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وحكى الحناطي –وجها مطلقا- أنه يقبل قوله في الظاهر والمنصوص والمشهور الأول. هذه العبارة الرافعي في الشرح الكبير وفي الشرح الصغير ذكر معنى ذلك ملخصًا، [وما] 1 نقله عن التتمة رأيته فيها، وعبارته: فأما إذا كان الرجل ممن يعتقد تحريم جمع الطلقات في قرء واحد فيصدق في الحكم لاعتبار اعتقاده، وأنه لا يقصد ارتكاب محظور في دينه. وهذا كما قال الشافعي في مسافر كان يصلى صلاة مقصورة خلف إمام مسافر؛ فقام الإمام إلى الثالثة؛ فإن علم أن الإمام ساه لا يتابعه وإنما يتصور ذلك فيمن يعتقد وجوب القصر، فينبني الحكم على اعتقاده فكذلك هاهنا. انتهى. ولو قال: أنت طالق ثلاثا ولم يقل: للسنة ثم فسر بالتفريق على الإقراء -كذلك- لا يقبل في الظاهر، لأنه يؤخر ما يقتضي اللفظ تنجيزه. هذا كلام الرافعي وصاحب التتمة وأكثر الأصحاب ولم يذكروا هذه المسألة وهي ما إذا طلق ثلاثا؛ وإنما ذكرها إمام الحرمين ومن تبعه. والذي ذكره جماهير الأصحاب المسألة المنصوصة، وهي ما إذا قيد بالنسة فهل تطرق هذه المسألة ما استثناه صاحب التتمة، وهو معتقد تحريم الجمع أو إنما تطرق تلك لقرينة قوله للسنة؟ يحتمل أن يقال بالأول، وتكون المسألتان سواء، يستثنى منهما معتقد تحريم الجمع، ويرشد إلى ذلك تعليل صاحب التتمة بأن اعتقاد القائل يستمر على ما فسر به؛ فإن هذا لا يختلف الحال فيه بين أن يقيد السنة أو لا يقيد. ويحتمل -وهو الأظهر- أن يقال بالثاني؛ فإن اعتقاده دل عليه من لفظه قوله للسنة. بخلاف ما إذا أطلق. وصاحب التتمة لم يذكر هذه المسألة؛ فما ندري لو ذكرها ما كان يصنع. والرافعي –رحمه الله- أدى الأمانة في نقله فلم يذكر ما استثناه صاحب التتمة إلا في المواضع الذي استثناه منه؟ لا في الصورة الثانية، كذلك فعل في الشرحين وفي المحرر. وعبارة المحرر: ولو قال: أنت طالق ثلاثا للسنة ثم فسر بالتفريق على الأقراء لم   1 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 يقبل إلا إذا كان القائل ممن يعتقد تحريم الجمع في قرء واحد، وكذا لو اقتصر على قوله ثلاثا. ثم فسر بالتفريق لا يقبل. انتهى. ويعني بقوله في الثانية عدم القبول مطلقا ممن يعتقد تحريم الجمع ومن لا يعتقد لأن الأصحاب أطلقوا عدم القبول هنا كما أطلقوا في الأول، وما قيده صاحب التتمة إلا في الأولى، فبقيت الثانية على إطلاقها. إذا عرفت هذا فاعلم أن النووي –رحمه الله- قدم في اختصاره من كلام المحرر. فأخر، فأوهم أن القبول من معتقد تحريم الجمع يشمل الصورتين؛ فقال في "المنهاج"، ولو قال: أنت طالق ثلاثا أو ثلاثا للسنة، وفسر بتفريقها على الأقراء لم يقبل إلا ممن يعتقد تحريم الجمع. وسل القاضي شرف الدين البارزي1 في التمييز من هذا فإن عبارته: "لم يقبل إلا في الثانية" فيمن يعتقد تحريم الجمع فلله دره؟ ومن أهم ما ينبه عليه هنا أن هذا الاستثناء الذي ذكره صاحب التتمة وهو كالمنفرد به –وإن اختص بقوله: أنت طالق ثلاثا للسنة؛ فهل الأمر على ما ذكره، أو الراجح خلافه؟ ولا يستدل بسكوت الرافعي والنووي عليه على أنه الراجح عندهما. هذا موضع نظر قد يدل كلام كثير منهم على أنه لا فرق بين معتقد تحريم الجمع وغيره؛ فإن صاحب الحاوي قال بعدما ذكر أن أنت طالق ثلاثا للسنة توجب وقوعهن معا عندنا خلافا لأبي حنيفة ومالك؛ فعلى هذا لو قال: أردت محتمل وهو يخالف الظاهر، فلا يقبل منه في الحكم. وتبعه صاحب البحر وجماعة منهم صاحب البيان وعبارة البيان: فإن قال: أردت السنة، على مذهب مالك وأبي حنيفة، أنه يقع في كل قرء طلقة لم تقبل في الحكم. وقال الإمام -رحمه الله- في النهاية: لو قال أنت طالق ثلاثا، وزعم أنه أراد التفريق على الإقراء؛ فهذا لا يقبل ظاهرا، وهل يدين؟ يلتحق   1 شرف الدين هبة الله الجدهني بن البارزي الحموي كان إماما راسخا في العلم صالحا خيرا محبا للعلم ونشره محسنا إلى أهله ولد بسادس شهر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة بحماة له المصنفات العديدة المشهورة وصارت إليه الرحلة وتوفي بها في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ابن السبكي 6/ 248، الاسنوي 1/ 135، الدرر الكامنة 4/ 401. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 بما لو زعم أنه أضمر تأقيتا أو تعليقا، وإن قال: أنت طالق ثلاثا للسنة، ثم زعم أنه نوى التفريق؛ فالظاهر إلحاق هذا بما إذا أضمر تأقيتا أو تعليقا كما ذكرناه، ولا يتغير الحكم بتقييد الثلاث بالسنة، فإن هذا اللفظ في استعمال اللغة لا يقتضي تفريقا، وإذا إردنا لفظ السنة إلى موجب الشريعة فقد قدمنا من مذهب الشافعي أن السنة والبدعة لا معلق لهما بالجمع والتفريق. انتهى. وفيه دلالة على أن قوله "للسنة" لا يزيد على قوله "ثلاثا" إذا تجرد عن ذلك سببا، وأنه لا يختلف باختلاف المذاهب؛ وذلك ظاهر عبارة من قدمناه غير أن الذي في كلام الحاوي والبحر والبيان أنه إذا قال: أردت على مذهب أبي حنيفة ومالك فيظهر أن الصورة أن يكون القائل شافعيا أو ساذجا لا يعرف المسألة، ويحمل على مذهب الشافعي، وبذلك صرح في "التتمة" قال: إذا كان ممن لا يعتقد تحرم الجمع أن كان جاهلا بالحكم لم يقبل قوله ظاهرا، وصورة الجهل بالحكم وإن لم يصرح بها الرافعي فقد شملها إطلاقه؛ حيث لم يستثن إلا معتقد تحريم الجمع. والصورة الثانية: فيمن يعتقد تحريم الجمع وهو مسألة صاحب التتمة. والثالثة: لا يعتقد أن تحريم الجمع، وهي مسألة الحاوي، ومن ذكرناه، وقد صرحوا فيها بعد القبول فيحتمل أن لا يقبلوا أيضا ممن تعتقد التحريم، ويخالفوا صاحب التتمة فيما ذكره، وهو ما دل عليه قول الإمام أن اللفظ مردود إلى موجب الشريعة ولا تعلق للسنة بالجمع والتفريق، ويحتمل أن يقبلوا من معتقد الجمع وأن لم يقبلوا ممن لا يعتقد إذا قال: طلقت على مذهب من يعتقد هذا موقع نظر. وبالجملة الذي يظهر لي الآن ما قاله صاحب التتمة من قبول ذلك ممن يعتقد تحريم الجمع، والذي يظهر لي أيضا تخصيصه بما إذا قال للسنة وعدم القبول فيما إذا أطلق، وهل يدين في الصوتين؟ فيه وجهان: أصحهما نعم. الفرع السابع: إذا قال لامرأته وأجنبية: إحداكما طالق ثم قال، أردت الأجنبية قبل في الحكم؛ لأن الاسم يتناولهما تناولا واحدا. نص عليه الشافعي في باب إباحة الطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الفرع الثامن: إذا كان له امرأة اسمها عمرة؛ فقال: عمرة طالق، وقال: أردت الأجنبية المسماة بهذا الاسم؛ فقيل يقبل في الحكم وعليه القاضي أبو الطيب، وقيل لا يقبل لأن ظاهر اللفظ الزوجة بخلاف إحداكما؛ فإن اللفظ نص في كل واحدة منهما ويدين بلا خلاف. الفرع التاسع: إذا كان اسم امرأته طالقا، واسم عبده حرا، فناداهما باسمهما، فإن قصد النداء، لم يقع أو الإيقاع وقع، وإن أطلق فوجهان. الفرع العاشر: تلفظ بالطلاق وادعى أنه لم يقصده؛ بل سبق لسانه إليه، كأن أراد أن يقول: طلبتك فقال: طلقتك، قال أصحابنا: لا يقبل في الظاهر. الفرع الحادي عشر: قال: أنت طالق، ثم قال: أردت غيرها فسبق لساني إليها، قال الأصحاب. يدين ولا يقبل في الحكم. الفرع الثاني عشر: لابن الحداد: إذا كان له امرأتان زينب وحفصة، فقال: يا زينب فأجابته حفصة، فقال: أنت طالق. فصل 1: إذا احتطت بما أوردته من الفروع وعرضته على الضوابط السابقة. عرفت ما يرد منها عليه وقد رأيت الشيخ الأخ بهاء الدين -أحسن الله إليه- ذكر أكثرها، ونازع في حكم الوارد منها، وقال ما ذكر من الضوابط أقربا إلى الصحة، وما ذكروه من عدم التديين في هذه الصور فيه نظر.   1 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 والذي نختاره أن يقال: المحال التي يسأل فيها عن التديين؛ إما أن تشتمل على مجاز أو تخصيص عام أو تقييد مطلق أو لا؛ فإن لم يكن فيها تجوز ولا تخصيص ولا تقييد فلا يدين، وإن كان فيها إحداها دين، ثم اندفع في ذكر فروع هذه الأشياء، ثم نازع القاضي حسين في تفريقه بين كل امرأة لي طالق، ونسائي طوالق، وقال: لا فرق بينهما، ولا نظر إلى صراحة لفظ كل في العموم وظهور لفظ النساء. قلت: وهذا محتمل، يحتمل أن يسلم له، ومحتمل أن يقال: بل لا يلزم من التديين في العام الظاهر التديين في العام النص. ثم رجح أنه يدين في أنت طالق ثلاثا إذا قال: أردت إلا واحدة وقال: صراحة العدد لا تمنع التصريح بالاستثناء. قلت: وفيه نظر فليس المأخذ عدم جواز الاستثناء حتى يقال ذلك؛ بل الاستثناء من الأعداد جائز على المذهب المختار. وإنما المأخذ أن لفظ العدد إذا لم يصحبه الاستثناء كان دليلا على أنه لم يخرج منه شيء والحكم تعلق بلفظه فلا يدين فيه. ثم نازع في أربعتكن طوالق إلا فلانة، وهو كالمسألة قبله، وقال الاستثناء من الخير وهو جمع. ولك أن تقول: لا فرق بين أن يكون الاستثناء من الخبر أو من المبتدأ على ما نقول: فالكل تخصيص، لما تقدم. والذي يظهر أن الاستثناء من المبتدأ لا من الخبر. والمعنى: أربعتكن إلا فلانة طوالق، ومثل هذا الفصل يغتفر بين المستثنى والمستثنى منه، ولا طائل تحت تحرير هذا المقام، ثم اختار فيما إذا قال: أردت إن شاء الله أنه يدين. وهذا فيه نظر؛ فإن لفظ طالق تجرد، والحكم معلق به؛ فلا يظهر للإرادة عمل معه إذا لم يصحبها لفظ، يشبه أن يلتفت هذا على إن شاء الله، هل يرفع شيئا انعقد، أو يمنع الانعقاد بالكلية؟ ثم قال قولهم1: في كل زوجة لي طالق عند معاتبتها إياه بنكاح جديد. ينبغي أن   1 في ب ثم قال قوم قولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 يحمل على ما إذا كانت له زوجة غير المعاتبة وإن لم تكن غيرها وأراد الاستثناء؛ فينبغي أن يقع عليها إذا أراد الإخراج. قلت: وهذا نزاع جيد، وتبقى المسألة حينئذ كمسألة كل زوجة غيرك طالق إذا لم يكن له غيرها. وهي مسألة القاضي الحسين وغيره وسنذكرها في قواعد. فإن قلت: هل من ضابط عندك لما يدين فيه؟ قلت: يختلج في ذهني أن يقال: اللفظ الصادر ممن لم يهذ في كلامه ولم يحك كلام غيره؛ بل كان كلامه صادرا عن نفسه مستعملا في معناه، يعد من كلام ذوي الفكر والروية إن كان الشارع ربط الحكم به لم يدن فيه أصلا. وإن كان الشارع إنما علق الحكم به لشرط آخر ضمه إليه من نية أو غيرها دين فيه مطلقا، ثم إن كان ذلك الشرط مما يظهر بقرينة أو غيرها انتفاؤه قبل منه في الحكم، أو وجوده لم يقبل، وإن تردد فهو موضع الخلاف وعلى هذا تستمر المسائل كلها. مثال: ما ربط الشارع الحكم به غير ناظر إلى أمر وراءه. "أنت طالق"، في أصل الطلاق؛ فإن هذا لفظ جعله الشارع -إذا صدر عن زوج معتبر اللفظ أوقع الطلقة، فنية المشيئة لا ترفع حكم هذا اللفظ؛ لأنه وإن علق بالمشيئة فالشارع ما ربط الحكم هنا بنيته. بل بوجود هذا اللفظ مجردا فحيث وجد مجردا عمل عمله باطنا وظاهرا. المباحثة السادسة 1: في كشف الغطاء -عن موارد النية في العقود والفسوخ فنقول: الصريح لا يحتاج إلى نية- والكناية تحتاج، وهذه في الحقيقة قاعدتان. أما قولنا: الصريح لا يحتاج إلى نية، فمتفق عليه؛ لكن وقع في كلام بعض الأصحاب ألفاظ قد يتوهم أنها تخدش ذلك. منها: قول الغزالي: لا بد من قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ومراده قصد اللفظ لكونه يفيد المعنى ليخرج سبق اللسان ونحوه، ولم يرد قصد نفس المعنى؛ فإن ذلك لا يشترط إلا في الكتابة.   1 في ب الخامسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كذا حرر الشيخ الإمام وقال: المعنى في قصد اللفظ ليفيد المعنى ليس مقصود ابتداء، وفي كونه مقصودا بالتبع والاستلزام نظر، وهذا بخلاف المعنى إذا قصد الابتداء. رأيت في كلام الإمام "في النهاية" في باب لغو اليمين ما يزيد هذا التقرير. ومنها: قول النووي في "المنهاج" في الوقف: تصدقت فقط ليس بصريح؛ إلا أن نوى أن يضيف إلى جهة عامة وينوي؛ فإنه كالتصريح في أنه عند الإضافة إلى جهة عامة صريح بشرط النية، وهذا يجب تأويله؛ فلا صريح يحتاج إلى النية وقد تكلمنا عليه في كتاب التوشيح. ومنها: المكره على الطلاق إذا قصد الإيقاع فالأصح يقع، وعلى هذا قد يقال: صارت نيته شرطا في عمل اللفظ الصريح عمله. وجواب هذا أن اللفظ في هذه الحالة غير صريح، ومن ثم قيل: صريح لفظ الطلاق عند الإكراه كناية. وأنا أقول قصد الإيقاع ينافي مجيء اللفظ على وجه الإكراه فعمل اللفظ عمله غير متأثر بالنية، والنية لم تفد إلا خروجه عن كونه صدر بإكراه. ومنها: وهو أغربها ما رأيته في البحر للروياني في كتاب الظهار نقلا عن مختصر البويطي أن الشافعي -رحمه الله- ذكر فيه أنه قيل: إن من صرح بالطلاق أن الظهار أو العتق ولم تكن له نية لا يلزمه فيما بينه وبين الله طلاق ولا ظهار ولا عتق. وأن مالكا خالف في ذلك، وأن الشافعي لم يعترض على شيء من القولين، وأن الظاهر أنه قصد تخريجه على قولين، قال الروياني: وهذا غريب حكاه القاضي الطبري. قلت: لا شك في غرابة القول باشتراط النية في الصريح، وبتقدير ثبوته فالمراد كما صرح به الروياني اشتراطها للوقوع في نفس الأمر فيما بين العبد وربه أما في الحكم فيقع جزما. فتم قولنا: الصريح لا يحتاج إلى نية ولم ترد هذه الصور نقدا لأنا إنما نتكلم في الحكم لا في نفس الأمر، وهذا بتقدير صحة هذا القول، والصحيح المعروف خلافه، وأن الله تعالى ربط هذه الأحكام بهذه الألفاظ إذا صدرت عن قصد من معتبر الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ومنها: إذا قال البائع: بعتك فقال المشتري اشتريت قاصدا باشتريت -ابتداء كلام لا جواب بعت لم ينعقد البيع؛ بل شرط كونه جوابا عدم قصد الابتداء وفي اشتراط قصد الجواب تردد لإمام الحرمين؛ فعلى اشتراطه قد يقال: هذا صريح شرط فيه القصد. والجواب: إنه لم يشترط القصد في نفس اللفظ الصريح، بل في وضعه موضعه من الجواب. فتأمل ذلك. ومنها: إذا قال أنا منك طالق، وسيأتي عليها الكلام في المسائل الخلافيات والتحقيق أنه لا صراحة فيها؛ فالنية جاءت من قبل الكناية. ومنها: إذا لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها فذكرها. وقال: لم أعلم أن معناها قطع النكاح، ولكن نويت بها الطلاق. قالوا: لا يقع. كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها. فقد يقال: هذا عجيب؟ لفظ أريد به معناه، من قادر على التصرف معتمد العبارة. ثم لا يعتد مع صراحته؟ والجواب: أن جهله بكونها موضوعة لذلك مخرج لها عن كونها [كلاما] 1، وهو قريب من القصد الذي اعتبره الغزالي في الصريح، ومن ثم لو قال العجمي: أنت طالق. وقال: أردت بهذه اللفظة معناها بالعربية لم يقع على الأصح. ومنها: [إذا] 2 قال: أريد أن أقر بما ليس علي لفلان على ألف، قال أبو عاصم: لا يكون إقرارا، ولا يلزمه شيء، وخالفه صاحب التتمة. فعلى قول أبي عاصم: هذا صريح لم يعمل عمله؛ بل انصرف بما قدم من الكلام. والجواب أن تقديم الكلام عند هذا القائل قرينة أن اللفظ يجوز به واستعمل في غير موضعه، ثم ما قاله غير متجه. ومثل هذا ما نقله الرافعي من المتولي: أنه لو نسب إلى فعل شيء كالزنا واللواط فقال: من فعل مثل [هذا] 3 فامرأته طالق وكان قد فعله لم يقع طلاقه لأنه لم يوقع طلاقا؛ وإنما غرضه ذم من يفعله.   1 في ب كلامنا. 2 في ب لو. 3 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ومنها: لو قيل لمن يسمى زيدا: يا زيد؛ فقال امرأة زيد طالق طلقت امرأته قيل: لا تطلق إلا أن يريد نفسه فعلى هذا قد يقال هذا صريح لم يؤثر. وجوابه أن هذا الاسم ليس منحصرا فيه؛ فكيف يتعين تنزيله عليه، ولا شاهد له؛ إلا القرينة التي لا انضباط لها، وكذلك لو كان اسم ابنته فاطمة فقال: زوجتك فاطمة ولم يقل: ابنتي، لم يصح، لكثرة الفواطم؛ إلا على بحث مجلى، ومن ثم أقول: إن لو كان [الاسم] 1 مما عرف منه أن يغضبه ذكره فلا يقع طلاقه جزما؛ فلو عرف أن يغضب من لفظ الجاهل مثلا وكان الجاهل لقبا عليه، فنودي به، فقال: امرأة الجاهل طالق، لم يقع عندي جزما، لأن مثل هذا إنما يعني به أني لست بجاهل، ثم تحقق هذا بأن امرأة الجاهل طالق. يعني: ولا كذلك امرأتي. ومثله لو كان اسم ابنته فاطمة. فقال: زوجتك فاطمة ولم يقل ابنتي ولكن نواها فإنه يصح عند العراقيين. فصل: اضطراب كلام المحقيين في معنى الصريح بعد قولهم: إنه اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، واشتهر أنه ما تكرر وروده في الكتاب، كالطلاق والبيع أو السنة، أو على ألسنة حملة الشرع كالخلع، أما ما شاع على لسان العامة مثل حلال الله علي حرام؛ ففي صراحته خلاف. وأورد ابن الرفعة على هذا المشتهر قول ابن سريج أن قوله: لا أجامعك كناية في الإيلاء لا صريح فيه، مع شيوعه في لسان حملة الشرع، ولفظ المس المتكرر في القرآن لإرادة الجماع، والجديد أنه كناية فيه وفي لفظ الإمساك في الرجعة وجهان وهو [مما] 2 تكرر في القرآن، وأجاب مما لا يحضرني الآن. واعترض الشيخ الإمام رحمه الله بعدما أورد ما ذكرناه أصلا واعتراضا وقال: الذي أقوله أنا إنها مراتب. إحداها: ما تكرر قرآنا وسنة مع الشياع عند العلماء والعامة فهو صريح قطعا كلفظ الطلاق. والثانية: المكرر غير الشائع، كلفظ الفراق والسراح فيه خلاف.   1 في ب للاسم. 2 في ب ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 والثالثة: الوارد غير الشائع، وفيه أيضا خلاف كالاقتداء. والرابعة: وروده دون ورود الثالة؛ ولكنه شائع على لسان حملة الشرع، كالخلع، فالمشهور أنه صريح، وقيل كناية. محل كون الخلع صريحا؛ حيث ذكر المال على الأصح، وإلا فهو كناية على الأصح. والخامسة: ما لم يرد ولم يشع عند العلماء؛ ولكن عند العامة وفيه أيضا خلاف. قلت: والحاصل أن المأخذ ورود واشتهار عند الخاصة وعند العامة إذا اجتمعت فلاشك في الصراحة. وإذا اختلف بتباين المراتب، ولا يخفي أن مراتب الورود تختلف وكذلك الاشتهار وربما تقابلت بعض الصفات ببعض، فزالت الضراحة، أو حصل خلاف. وهنا فروع: منها: جزم الرافعي بأن قول المتعاقدين: تخايرنا صريح في قطع الخيار، ولك أن تنازع في شياع ذلك عند أهل العرف في معنى قطع الخيار، والأقرب أنه شائع. ومنها: لا خلابة -في الشرع- عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا. وهذا فيه نظر؛ فليس له من الشيوع ما للصرائح، بل لا شياع فيه، ولا اشتراط الخيار مدلوله لغة؛ إنما الخلابة في اللغة الخديعة وغاية متمسك الأصحاب [على] 1 حديث الذي كان يخدع في البياعات، ويحتمل كونه مخصوصا به؛ فهذا ما أتوقف. ومنها: وليتك العقد، قالوا: صريح، ولك أن تنازع في شهرته شرعا وعرفا. ومنها: حررتك، وأنت محرر، عدوهما من صرايح العتق ولا شيوع فيهما إنما الشيوع في نحو: أنت حر. فصل: قد يصحب الصريح قرائن تخرجه عن الصراحة، كما لو قال لمن يحل وثاقها أنت طالق، وقال أردت من وثاق. قال الرافعي بحثا في الإقرار: اللفظ وإن كان صريحا في التصديق قد تنضم إليه   1 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قرائن تصرفه عن موضعه إلى الاستهزاء والتكذيب ومن جملتها [الأداء والإبراد] 1 وتحريك الرأس الدال على شدة التعجب والإنكار، فيشبه أن يحمل قول الأصحاب إن صدقت وما في معناها. إقرار على غير هذه الحالة. فأما إذا اجتمعت القرائن فلا يكون إقرارا، ويقال: فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال لي عليك ألف فقال في الجواب مستهزئا لك على ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين قال الشيخ الإمام رحمه اله الأقوى اتباع القرائن. فصل: وأما قولنا: إن الكناية تحتاج إلى النية فقد ينقض بقول ابن القاص في كتاب الطلاق من "التلخيص" لا تلزم الكنايات بغير نية إلا واحدة، أن يقال له طلقت؟ فيقول: نعم، أو هي، أو ما أشبه ذلك، ففيه قولان. أحدهما: يلزمه وإن لم ينو طلاقا. والثاني: لا يلزمه إلا بالنية. انتهى. قلت: ومقتضى هذا أن يكون هذا كناية بلا خلاف وفي احتياجه إلى النية القولان، وهذا نظم عجيب، والمعروف في المذهب أن القولين في صراحته والأصح أنه صريح؛ فلم تسلم كناية عن الافتقار إلى النية. الكلام في فعل يتنزل تارة منزلة الصريح، وتارة منزلة الكناية، وهو الإشارة قال الإمام في النهاية: بعد نقل المذهب في لعان الأخرس: الذي ينقدح في القياس أن كل مقصود لا يختص بصيغة فلا يمتنع إقامة الإشارة فيه مقام العبارة، وما يختص بصيغة فيغمض إعراب الإشارة عنه؛ ذكره بعدما قال: إنه يختلج في الصدر في تأدية كلمة اللعان بالإشارة إشكال؛ لا سيما إذا عينا لفظ الشهادة؛ لأن الإشارات لا ترشد إلى تفصيل الصيغ. واعلم أنه رب مكان طلب الشارع في الإشارة دون غيرها؛ فليس هذا مما نحن فيه -ولا يغني عن الإشارة فيه سواها. وذلك كالإشارة بالمسبحة في التشهد إلى   1 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 التوحيد، ورد المصلي على المسلم بالإشارة، وإشارة من زحم على الحجر الأسود بالتقبيل وأنحاء ذلك. ورب مكان أصل المطلوب فيه النطق فهل تغني فيه الإشارة ويكون كالصريح أو كالكناية؟ أو يختلف باختلاف حال المشير؟ فإن كان عاجزا عن النطق كالأخرس كانت منه معتبرة وإلا فلا: هذا موضع الكلام، والمشير اثنان: ناطق وأخرس أما الناطق ففيه مسائل. منها: [لا تبطل] 1 صلاته بإشارته [المفهومة] 2 لأنها [لا تبطل] 3 بإشارة الأخرس فما ظنك بالناطق. ومنها: لو أشار المحرم إلى صيد فصيد حرم عليه الأكل منه لحديث أبي قتادة: "هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها"؛ فلو أكل ففي لزوم الجزاء له قولان. ومنها: الصلاة بالإيماء. ومنها: أمان الكافر ينعقد بالإشارة المفهمة ولو من قادر على العبارة. ومنها: الإشارة بالطلاق في كونها كناية وجهان: أظهرهما عند الرافعي لا. ومنها: الإشارة إلى عدد، مثل: أن يقول: أنت طالق هكذا ويشير بإصبعين فتطلق طلقتين، أو بثلاث فتطلق ثلاثا إن كانت الإشارة مفهمة. ومنها: في فروع التعليقات آخر الطلاق ذكر الرافعي فيما لو قال هؤلاء الأعبد الأربعة لفلان إلا هذا الواحد. أن الغزالي قال: لا يقبل هذا لأن للإشارة أثرا ظاهرا في تثبيت الكلام وتقريره قال الرافعي: والظاهر صحته كما تقدم في الإقرار. وأما الأخرس: فإشارته المفهمة في الصلاة لا تبطلها على الصحيح وهي كالنطق في البيع، والنكاح، والطلاق، والعتاق، والرجعة، واللعان، والقذف وسائر العقود ويصح منه الإسلام، وسائر العقود. وفي شهادته وكونه قاضيا إن عقلت إشارته خلاف، ومن اعتقل لسانه فأوصى   1 في ب تبطل. 2 في ب المفهمة. 3 في ب تبطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 بالإشارة المفهمة أو [قرئ] 1 كتاب الوصية فأشار برأسه أن نعم صحت؛ لكن هذا ليس بأخرس. ومن الفروع حل ذبيحته قال الرافعي نقلا عن التهذيب: إن كانت له إشارة مفهمة حلت ذبيحته؛ وإلا فهو كالمجنون. أي ففي حل ذبيحته قولان. قال: ولتكن سائر التصرفات على هذا القياس. قلت: وفي المسألة كلامان. أحدهما: تحريم ذبيحة الأخرس، ولا يظهر له وجه، والصواب الحل سواء كانت إشارته مفهمة أو لم [تكن] 2 وعلى ذلك نص الشافعي في باب الضحايا من "المختصر" فقال رضي الله عنه: ولا بأس بذبيحة الأخرس، وصححه النووي، وأرجو ألا يتأتي فيه خلاف ممن يحلل متروك التسمية، وأي مدخل للنطق في قطع الحلقوم والمريء. والثاني: قول الرافعي: [ولتكن] 3 سائر تصرفاته على هذا [يالقياس] 4 لا أدري ما يعني به، إن أراد تصرفاته الفعلية فلا يظهر البتة، أو القولية فلا يخفي أن من لا تفهم إشارته لا بيع له ولا إقرار ولا هبة ونحوها؛ فكيف يجري فيه قولان؟   1 في ب قرأ. 2 في ب يكن. 3 في ب وليكن. 4 في ب القياس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الكلام في مباحث تتعلق بالكناية : المبحث الأول: في موضوع الكناية من العقود وما جرى مجراها. اعلم أن الأصحاب لما ذكروا الخلاف في انعقاد البيع في [الكنايات] 1 قصروا التمثيل على كنايات الإيجاب والقبول، ولم يذكروا المعقود عليه؛ فاحتمل أن يقال وضع الخلاف صفة العقد لا العوض والمعوض، فإن الكناية تصح عنهما بلا خلاف لأن نقل الإنسان ملكه إلى غيره لا حجر فيه، فيصرح إن شاء الله أو ليكن مع النية؛ إنما الحجر في الطريق الموصلة إلى الملك وهي الصيغة فتلك التي جعل الشارع بإزائها ألفاظ منحصرة منها صريح ومنها كناية. وإلى هذا الاحتمال ذهب ابن الرفعة، واعترض به كلمات للرافعي سنذكرها. وقال الشيخ الإمام الوالد: إنه الظاهر واحتمل أن يقال: موضع الخلاف   1 في ب بالكنايات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الصيغة، ولا تصح الكناية في العوض والمعوض بلا خلاف. وهذا الاحتمال للشيخ الإمام، ويمكن توجيهه بأن مورد العقد [هو] 1 موضع غرض المتعاقدين؛ إذ لا غرض لهما في الصيغة، وإنما يأتيان بها للدلالة على مرادهما وليتوقف تحصيله شرعا عليها، فيحتاط لموضع الغرض ولا يكتفي فيه إلا بالصريح. وقد توافق ابن الرفعة والوالد على قصر موضع الخلاف. ويحتمل عندي أن يقال: بأن الخلاف جار فيه العوض والمعوض والشروط الواقعة في العقود ذات الكنايات كجهاته في الصيغة وعليه يدل صنيع كثير من الأصحاب في مسائل: منها: إذا تبايع، وفي البلد نقول ولا غالب قال -في الخلع- سبق في البيع أنه لا يصح. ولا يكفي أن ينويا. ولك أن تقول: وجب أن يجعل على الخلاف في انعقاد البيع بالكناية. واعترضه ابن الرفعة بأن موضع الخلاف في الكناية الصيغة لا العوض، وقد عرفت ما فيه. ومنها: قال الرافعي في "الخلع" أيضا: فيما إذا قال أنت طالق ولي عليك ألف وتصادقا على إرادة الإلزام [وقبلت] 2 إن أصح الوجهين اللزوم؛ فإن قضية انعقاد البيع إذا قال: بعتك ولي عليك كذا إذا قلنا: البيع ينعقد بالكناية: واعترضه ابن الرفعة باعتراضه السابق إذ الكناية هنا في العوض لا في الصيغة. ومنها: إذ قال يعني ولك على ألف فقبل؛ فوجهان قال الرافعي في الخلع: يشبه أن يكونا في صراحته، أما كونه كناية، فلا ينبغي أن يكون في خلاف. قلت: وحق ابن الرفعة أن نعيد عليه اعتراضه؛ لأن الكناية هنا أيضا في الصيغة. إذا عرفت هذا فقد استشهد ابن الرفعة لما ذكره بقول العراقيين والبغوي إذا كان للرجل بنات فقال للخاطب: زوجتك بنتي. ونويا واحدة بعينها أن النكاح يصح. قال: وإذا كان هذا الغموض في عقد يشترط في الإشهاد فكيف بالعوض في الكناية ولا إشهاد فيه. قال الوالد -رحمه الله: ويحتمل الفرق بأن بنتي معرفة بالإضافة، فتحمل على   1 سقط من أوالمثبت من ب. 2 في ب وقلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 العهد، والبنت المخطوبة قد عرفت فاكتفى بذلك، والصيغة المذكورة تستعمل في المعهود لغة؛ بحيث أنها تصير كالصريح. قلت: ولا سيما على قول الشيخ أبي محمد في الخلف بألف ونحوها إذا نويا به نوعا أن التغبير بالنية؛ إنما يؤثر إذا تواطآ قبل العقد على ما يقصدان باللفظ المبهم؛ فإن هناك معهودا ولا بد، وإذا كان هذا كالصريح فليس مما نحن فيه. وما استشهد به من الفرع الذي قد لا يوافق عليه الرافعي؛ فإن لصاحب الذخائر نزاعا فيه، ولابن الصباغ أيضا احتمال فيما لو قال: زوجتك فاطمة ونوى ابنته أنه لا يصح. ذكر ابن الرفعة نفسه أن يطرق هذه المسألة؛ فهذه المواضع من صيغ الرافعي دالة على تعميم الكناية، وقد سبق إلى نظائرها في مسائل. فمنها: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا، وكانت الصيعان معلومة وأراد هبته فسد العقد وإن أراد إدخاله في العقد صح إن كانت معلومة الصيعان دون ما إذا كانت مجهولة. قال الغزالي في الوسيط فإن قيل إذا تردد اللفظ بين الاحتمالات فكيف يصح العقد بمجرد إرادة صورة الصحة؟ قلنا: يلتفت هذا على الأصح في انعقاد البيع بالكتابة انتهى. ولم يعترضه ابن الرفعه في "المطلب" بما اعترض به الرافعي في نظائره من أن الكناية هنا ليست في صيغة العقد، وكان حقه ذلك؛ فإن هذا من الغزالي مثل صنيع الرافعي. ولم يزد ابن الرفعة على أن الإمام روى عن صاحب التقريب أن العقد لا يصح. قال: لكنه لم ينقل عنه توجيهه بذلك، قال: ووجهه الإمام بأن العبارة لا تنبئ عن المقصود إلا على بعد في المحل، فضاهى اللغز. ومنها: نكاح الشغار باطل، ومن صوره المختلفة فيها: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك. قال صاحب التتمة: إن قصد تعليق الانعقاد. ووجد ما يدل عليه صريحا أو كناية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فالعقد باطل، وإن قصد المواصلة أو إخلاء النكاح من الصداق. فصحيح وهو كالمسألة قبلها. ومنها: قال بعتك هذا على أن لي عليك درهما؛ ففي صحته وجهان حكمهما في الخلع. وشبه ابن الرفعة في البيع المسألة الصبرة التي حكينا فيها بحث الغزالي ومنها: إذا قال الولي في خطبة النكاح: زوجتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فالأصح الصحة وإن قيد الوالي الإيجاب وفصل الإمام بين أن يجريا، شرطا ملزما فيفسد الوعظ فلا يضر أو يطلق فيحتمل ويحتمل، والقرينة تدل على الوعظ. فانظر كيف لم يجعل التردد مبطلا؛ بل دار مع النية وجودا وعدما. المبحث الثاني: في معنى الكناية اعلم أن الكناية تقابل الصريح، ولسنا نشترط في الكناية أن تكون مجازا؛ بل قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا. ولا في الصريح أن يكون حقيقة؛ وإنما مأخذ الصراحة الشياع والشهرة في الشرع على ما حرر في مكانه. ومأخذ الكناية الإشعار بالمكني عنه، ومن ثم ضعف الشيخ الإمام [الوالد] 1 رحمه الله قول الرافعي في الخلف فيما إذا قال: بعتك بألف. ونويا نوعا وجب أن يجعل على الخلاف في انعقاد اليبع بالكناية؛ لأن التعبير عن المقيد بالمطلق شائع في اللسان. فقال: هو شائع، لكن بطريق المجاز، لا بطريق الكناية؛ فإن الكناية شرطها الإشعار بالمكني عنه، والمطلق لا يشعر بالمقيد ولذلك ضعف قول صاحب الذخائر أن ملكتك إذا نوى بها العوض كناية في البيع، قال: لأن لفظ التمليك لا إشعار له بالعوض، وشرط الكناية الإشعار. المبحث الثالث في الكناية: أن تكون كناية أم صريحا، أم غير شيء منهما، وهل يجب أن يمتنع الاعتماد   1 سقط في أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عليها؟ قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه إلى الآفاق ويعتمد عليها؛ غير أن الاعتماد عليها بمجردها أو مع ما انضمت إليه من الرسول الحامل لها والقرائن الدالة على مضمونها هذا موضع النظر. وبين الشافعي رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه مناظرة في ذلك -حكاه البيهقي وغيره- مضمونها: أن الشافعي حكم بأن جلد الميتة بطهر بالدباغ فطالبه إسحاق بالدليل؛ فقال: حديث ميمونة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هلا انتفعتم بإهابها1. فاعترضه إسحاق بحديث ابن عكيم2: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر -أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب3، وقال: هذا يشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة؛ لأنه قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر. قال الشافعي: هذا كتاب، وذاك سماع. فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر4 وكتبه حجة عليهم عند الله، فسكت الشافعي.   1 أخرجه البخاري 3/ 355 في كتاب الزكاة/ باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حديث "1492"، وفي 4/ 413 في البيوع/ باب جلود الميتة قبل أن تدبغ الحديث "2221" ومسلم 1/ 276 في كتاب الحيض/ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ "100/ 363". 2 عبد الله بن عكيم بضم أوله وفتح الكاف أبو معيد الكوفي مخضرم عن أبي بكر وعمر عنه ابن أبي ليلى والقاسم بن مخيمرة، مات في إمارة الحجاج. 3 أخرجه أبو داود في السنن 4/ 67 في كتاب اللباس باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة حديث "4127"، "4128" والترمذي 4/ 222 في اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت حديث 1729 وقال حديث حسن. وأخرجه النسائي 7/ 175 في كتاب الفرع والعتيرة/ باب ما يدبغ به جلود الميتة وابن ماجة 2/ 1194 4 فعن ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري ليدفعه إلى قيصر فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 31 – كتاب بدء الوحي أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1393-1397 كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل واللفظ له الحديث "7". وقال أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي –صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1397 كتاب الجهاد والسير "32" باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم "27" الحديث "75/ 1774". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قيل: وكانت المناظرة، بمحضر أحمد بن حنبل فمن ثم رجع إلى حديث ابن عكيم وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي. اعلم: أن حجة الشافعي باقية؛ فإن هذا الكتاب عارضه سماع، ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع، وإنما ظن ذلك ظنا لقرب التاريخ، فأنى ينهض بالنسخ. أما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء بل عضدتها القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدعوة إلى ما في هذا الكتاب، ولعل السكوت من الشافعي تسجيل على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع فلم يستحق عنده جوابا ورب سكوت أبلغ من نطق ومن ثم رجع إليه إسحاق؛ وإلا فلو كان السكوت لقيام الحجة لأكد ذلك ما عند إسحاق إذا عرفت ذلك ففي الخط مسائل: منها: أصح الوجهين عند الرافعي في باب القضاء أن الراوي يعتمد الخط المحفوظ. ومنها: أصح الوجهين أن الشاهد لا يعتمده، والحاكم أولى. ومنها: يجوز خلف الولد على أخط أبيه عند غلبة الظن. ومنها: عمل الناس اليوم على النقل من الكتب ونسبة ما فيها إلى مصنفيها وقال ابن الصلاح1: لا يقول: قال فلان إلا إذا وثق بصحة النسخة وإلا فليقل: بلغني عن فلان. قلت: ومن ثم بعث القاضي بكار2 شاهدين إلى المزني ليشهدا عليه أن هذا   1 هو الشيخ تقي الدين أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري المعروف بابن الصلاح كان إماما في الفقه والحديث عارفا بالتفسير والأصول والنحو ورعا زاهدا وكان والد شيخ دمشق فتفقه هو عليه، ثم رحل إلى الموصل ولازم عماد الدين بن يونس مدة، ثم رحل إلى عراق العجم فلازم الرافعي حتى برع في العلم، توفي صبيحة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وفيات الأعيان 2/ 408، طبقات ابن السبكي 5/ 137، مفتاح السعادة 1/ 397 ابن هداية الله. 2 هو الحافظ بكار بن قتيبة الثقفي حنفي المذهب وتولى القضاء في مصر وتوفي داخل السجن مرآة الجنان 2/ 285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 كلام الشافعي في كلام رواه في "المخصص"؛ فلما شهدا قال: الآن يعني وثقت نفسي. قلت: وهذا كان منه ورع وكان في أوائل الحال؛ حيث لم ينتشر كلام الشافعي انتشاره الآن. وأما الآن: فالتحرير في مثل ذلك وسومة، وإني لقاطع بأن الرافعي -فضلا عن الشافعي- قال: ما أجده في كتابه مما لا يختلف النسخ فيه. ومنها: إذا ولى الإمام رجلا كتب له عهدا وأشهد عليه عدلين؛ فإن لم يشهد لم يلزم الناس طاعته إلا أن يصدقوه على أحد الوجهين في "الحاوي" وقيل يكتفي بالكتاب. قال الإمام: يكتفي بشرط ظهور الصدق في مخايله. وقال الإصطخري: الاستفاضة تكفي. قلت الأرجح الاكتفاء إن حصل به ظن الولاية لا ظن الكتابة، وعدمه إن لم يحصل. ومنها: الولاية، والعزل بالكتابة نقل الرافعي عن الأحكام السلطانية الاكتفاء بالخط في الولاية، وقال: في العزل ببلوغ الخبر الخلاف فيما إذا عزله لفظا أو كتب إليه عزلتك. المسألة. ومنها: إذا كتب الطلاق فقيل: صريح، وقيل لغو والصحيح كتابة؛ فإن نوى وقع. ومنها: شهادة الشهود على ما كتب في وصية لم يطلعا عليها، قال جماهير الأصحاب: لا يكفي، وخالفهم محمد بن نصر والشيخ الإمام. ومنها: إذا وجد مع اللقيط رقعة فيها إن تحته دفينا وأنه له؛ ففي اعتمادها وجهان. ومنها: قال الماوردي والروياني في آخر الضمان: إذا كتب سفتجة بلفظ الحوالة ووردت على المكتوب إليه لزمه أداؤها إذا اعترف بدين الكاتب وأنه كتابة أراد به الحوالة، ويدين المكتوب له فإن أنكر شيئا من ذلك لم يلزمه. ومن أصحابنا من ألزمه إذا اعترف بالكتاب والدين اعتمادا على العرف ولتعذر الوصول إلى الإرادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ومنها: قال النووي في "الأذكار" من كتب سلاما في كتاب وجب عل المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه الكتاب. قال المتولي والواحدي1 وغيرهما، وزاد في شرح المهذب أنه يجب الرد على الفور وعزاه إلى المتولي والواحدي والرافعي. فأما الفورية بعد أصل الوجوب فظاهرة؛ وإلا لم يكن ردا، وأما أصل وجوب الرد بالكتابة فرأيت من يشعر بها لأن الكتاب ليست صريحة. قلت: والظاهر الوجوب لاطراد العرف بذلك. ومنها: يجوز الاعتماد على خط المفتي، قاله القاضي الحسين في فتاويه. ومنها: يجوز اعتماد الراوي على سماع جزء وجد اسمه مكتوبا فيه أنه سمعه إذا ظن ذلك بالمعاصر واللقي ونحوهما مما يغلب على الظن وإن لم يتذكر وعليه العمل. وتوقف في القاضي الحسين في فتاويه، ولا وجه للتوقف؛ فهذه ظنون معتضدة بالقرائن ربما انتهت إلى القطع. المبحث الرابع: أن الكتابة هل يكون لها كتابة؟ ذكر الرافعي في كتاب الطلاق في أواخر مسألة -أنت على حرام- فيما لو قال: أنت علي كالميتة أو الدم وقال أرد أنها حرام. على أن الشيخ أبا حامد قال: إن جعلناه صريحا وجبت الكفارة، أو الكناية فلا؛ لأنه لا يكون للكناية كناية. قال الرافعي: وتبعه على هذا جماعة. قال: لكن لا يكاد يتحقق هذا التصوير لأنه ينوي باللفظ معنى لفظ آخر -لا صورة اللفظ- وإذا كان المنوي المعنى فلا فرق بين أن يقال: نوى التحريم أو نوى أنت علي حرام. قلت: وقد يقال: من نوى باللفظ معنى آخر فلا بد أن يكون يجوز به عن لفظه، وإلا فلا تعلق للفظ بالمعنى البتة وتصير النية متجردة مع لفظ غير صالح فلا يؤثر،   1 هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد النيسابوري الواحدي أصله من ساوة كان إماما في النحو واللغة وغيرها وأستاذ الفقه والتفسير في عصره وله تصانيف معروفة في التفسير منها البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ الغزالي هذه الأسماء، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، ابن هداية الله 168، ابن السبكي 5/ 240، غاية النهاية 1/ 523 وفيات الأعيان 2/ 464، إنباه الرواة 2/ 223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ومتى يجوز به عنه كان هو الكناية عن الكناية وكان المانع للكناية عن الكناية نقل بضعفها؛ فهي كالمجاز عن المجاز والمجاز لا يكون له مجاز. منها: لو قال: أنا منك بائن ونوى الطلاق قال بعضهم: لا يقع لأنه كناية عن ونوى، قال الرافعي: فهو كما لو كتب الصريح. قلت: فهذا كناية عن الكتابة. فصل: نجز الكلام على قاعدة "إنما الأعمال بالنيات". وأكثر تأثيرها في أبواب العبادات، ومن ثم أدخل بعضهم فيها تقسيما في العبادات معزوا إلى المادوردي والبندنيجي وهو أن العبادات ثلاثة أضرب. ما يشترط فيه الفعل دون الوجوب والتعيين، كالطهارة والحج والعمرة. ما يشترط فيه الفعل والوجوب دون التعيين، كالكفارة والزكاة. وما يشترط فيه الفعل والتعيين دون الوجوب، كالصلاة والصيام. وهذا تقسيم وليس بقاعدة فلا ينبغي عدة من القواعد وسنبين في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أن عد التقسيم من القواعد خطأ. وينجاز الكلام على هذا نجز الكلام على القواعد الخمس، وكنا بسبيل من بسط القول فيها أزيد مما ذكرناه؛ غير أنا رمنا الاختصار ولنذكر بعدها ما يحضرنا من القواعد، وما عقدنا له هذا الكتاب من الزوائد، والتتمات والتنبيهات والخواتيم. والرأي أن نبتدئ بالقواعد التي لا تخص بابا دون باب ونسميها "القواعد العامة"؛ فإذا نجزت ذكرنا القواعد المخصوصة بالأبواب، ونلقبها بالقواعد الخاصة. وقد نذكر في كل من القسمين ما هو من الآخر لغرض يدعو إلى ذلك من تقدم المسائل للوصول إلى سره. فإذا نجزت تم بنجازها قواعد الفقه بجملته فنعقد بعدها بابا لمسائل كلامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 يخوض فيها أرباب أصول الديانات، وهي مما ينشأ عنها فروع فقهيات؛ فلا بد للفقيه من الاطلاع عليها. فإذا [نجزت] 1 عقدنا بابا لمسأئل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية، وهي أكثر من الباب قبله، لشدة ارتباط الفقه بأصوله [فإذا نجزت عقدنا بابا للكلمات العربية والمركبات النحوية يترتب عليها فروع فقهية. فإذا نجزت عقدنا بابا] 2 للمآخذ المختلف فيها بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة هو في الحقيقة كتاب في الخلافيات يشتمل على أكثر من مسائل الخلاف؛ فإذا نجزت أتينا بعدة فصول تشتمل على زوائد مهمات وأمور منبهات وخواتيم هي كالتكميلات. يتم بنجازها هذا المجموع إن شاء الله تعالى مجموعا مباركا خلافا نافعا مصنفه والناظر فيه في الدنيا والآخرة ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إن شاء الله عودا على بدء.   1 في ب نجز. 2 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 القول في القواعد العامة سوى الخمس المتقدمة : قاعدة: ما أوجب أعظم الأمرين قاعدة: ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه، لا يوجب أهونهما بعمومه3. ومن ثم مسائل4: منها: لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة، فإن أعظم الأمرين وهو الحد قد وجب. ومنها: زنى المحصن لما أوجب أعظم الحدين وهو الرجم بخصوصه وهو زنى المحصن لم يوجب أهونهما. وهو الجلد بعموم كونه زنى، ومن ثم ضعف قول ابن المنذر5؛ حيث جمع بين الجلد والرجم على المحصن.   1 نظر المنثور للزركشي 3/ 131، الأشباه للسيوطي ص149. 2 انظر هذه المسائل في المصدرين السابقين. 3 هو أبو بكر إبراهيم بن المنذر النيسابوري أحد الأئمة الأعلام له تصانيف كثيرة كالإجماع والإشراف والإقناع والمبسوط والأوسط، قال الذهبي: لم يكن بتقيد بمذهب بل يدور مع ظهور الدليل. ابن السبكي 2/ 126، لسان الميزان 5/ 27، الوافي بالوفيات 1/ 336، تذكرة الحفاظ 3/ 4، وفيات الأعيان 3/ 344، ابن هداية الله ص59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ومنها: لا ينتقض الوضوء بخروج المني. خلافا للقاضي أبي الطيب الطبري في أحد قوليه والرافعي أيضا في آخر ترجيحه؛ فإنه رجع ذلك في كتابه المسمى بالمحمود الذي صنفه في الفقه ومات ولم يكمله، وأشار في كتاب الحيض من الشرح والشيخ الإمام رحمه الله قالوا: ينتقض الوضوء بخروجه وإن أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل. وللشيخ الإمام كلام على القاعدة في كتاب "السيف المسلول". تنبيه: قد تنتقض القاعدة بمسائل: منها: الحيض فإنه يوجب أعظم الأمرين بخصوص كونه حيضا ومع ذلك يوجب الوضوء، قال الماوردي: بالاتفاق. غير أن دعوى الاتفاق ممنوعة؛ ففي لطيف ابن خيران1، أن الحيض لا ينقض الوضوء وكذا النفاس2. فصل: يقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى. وهي إذا اجتمع أمران من جنس واحد دخل أحدهما في الآخر غالبا3. ومن ثم لو شرب أو زنى مرارا ولم يحد حد حدا واحدا4.   1 هو أبو الحسن بن علي بن محمد بن خيران البغوي صاحب اللطيف درس عليه الشيخ أحمد بن رامين وكتابه اللطيف دون التنبيه حجما كثير الأبواب جدا، ابن هداية الله ص112. 2 ومنها: الولادة توجب الغسل والوضوء. ومنها: من اشترى أمة شراء فاسدا ووطئها لزمه المهر لاستمتاعه وأرش البكارة إذا كانت بكرا؛ لأنه في مقابلة إزالة العين والمهر في مقابلة استيفاء منفعة فلما اختلف سببهما لم يمنع وجوبهما وهذا ما صححه الرافعي في البيع وقيل يندرج الأرش في المهر وصححه في باب الرد بالعيب. وفيها: لو شهدوا على محصن بالزنى فرجم ثم رجعوا عن الشهادة اقتص منهم لكن يحدون للقذف أولا ثم يرجمون، وذكر الرافعي في كتاب الغنيمة أن من قاتل من أهل الكمال أكثر من غير أن يرضخ له مع السهم؛ ذكره المسعودي وصاحب التهذيب ومنهم من نازع كلامه فيه وقال من سهم المصالح ما يليق بالحال، المنثور 3/ 132. 3 الأشباه والنظائر للسيوطي 126. 4 قال الرافعي وهل يقال وجب لها حدود ثم عادت إلى حد واحد أو لم يجب إلا حد وجعلت الزنيات كالحركات في زنية واحدة؟ ذكروا فيه احتمالين. ولهذه القاعدة فروع فارجع إليها إن شئت في المرجع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 [وهذه] 1 القاعد أعم من التي قبلها؛ لأن الشيئين من جنس واحد قد يكون أحدهما أعم من الآخر وقد لا يكون. فصل: وأشبه من هذه القاعدة بالقاعدة قبلها قاعدة أخرى. وهي: أذا بطل الخصوص بقي العموم2، وقد يقال: لا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام. تلك عبارة الفقهاء، وهذه عبارة الأصوليين. وقد تنتفض القاعدة بما إذا نوى الاقتداء بزيد فبان عمرو فإنه لا يصح مع أن المرتفع خاص، وهو الاقتداء بفلان، لا مطلق الاقتداء. وجواب هذا قدمناه عن الشيخ الإمام فسلمت القاعدة، ولهذا أصل كلامي ستكون لنا عودة إلى ذكره في مسائل الكلام إن شاء الله تعالى وهو أن الجنس هل يتقوم بالفصل وهو من مخاضات الحكماء، لا من موارد المتكلمين؛ وإنما يذكره المتكلمون تبعا للحكماء، وعن هذا الأصل نشأت هذه القاعدة من [الأصوليين] 3 وخرج منهم مخرج عليها. "وإذا نسخ الوجوب بقي الجواز" توهما من هذا المخرج أن الجواز أعم لا قسيم. وقد تكلمنا على هذا في أصول الفقه، وخرج الفقهاء عليها مسائل. منها: إذا فسدت الوكالة لكونها معلقة على شرط فتصرف الوكيل عند وجود الشرط فالأصح الصحة، تمسكا بمطلق الإذن. ومنها: إذا نوى مع الفريضة ما ينافيها ولا ينافي النافلة فالفرض يبطل وفي بقاء عموم الطاعة قولان يختلف الترجيح [فيهما] 4 بحسب الصور وهي كثيرة. ومنها: من أحرم بالظهر قبل الزوال فالأظهر ثالثها أنها تنعقد نافلة إن كان له عذر. ومثله: لو وجد المسبوق الإمام راكعا فأتى ببعض تكبيرة الإحرام في الركوع لم   1 في ب وهذا. 2 المنثور 1/ 111، الأشباه والنظائر للسيوطي ص182. 3 في ب الأصول. 4 في ب بينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ينعقد الفرض، ثم إن علم تحريمه فالأظهر البطلان، وإلا فالأظهر الانعقاد. ومنها: لو أحرم بفريضة منفردا ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها الأظهر صحتها نفلا. ومنها: لو وجد قاعدا المصلى خفة في صلاته فلم يقم، أو أحرم –القادر على القيام- بالغرض قاعدا، أو قلب المصلى فرضه نفلا بلا سبب، فالأظهر البطلان في الثلاثة [والله أعلم] 1. يقع   1 سقط من الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده وإن شئت قل: لا يثبت حكم المعلوم قبل وقوعه، ليشمل الموجود والمعدوم. وهذا أصل مقرر قد ينقض بنحو: ما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فإنه يحنث إذا أتلفه قبل الغد وكذا إذا أتلف بنفسه أو أتلفه أجنبي على قول: وهل الحنث في الحال بحصول اليأس أو بعد مجيء الغد؟ فيه قولان أو وجهان: فعلى القول بأنه يحنث في الحال يقال: ثبت حكم الغد قبل وجوده. وطريق الجواب أن نقول: لما حصل اليأس الآن كنا على قطع بفوات المحلوف عليه غدا؛ فلم يكن لانتظار غدا معنى. هذا على هذا القول، والأرجح عندنا -وبه قطع ابن كج1- تأخر الحنث إلى الغد. وتظهر فائدته فيما لو كان معسرا يكفر الصوم؛ فيجوز له أن ينوي صوم الغد عن كفارته إن قلنا: يحنث قبل الغد ولو مات الحالف قبل الغد أو أعسر وقلنا يعتبر في الكفارة حال الوجوب. إذا [عرفت] 2 هذا فنقولِ: لهذا الفرع وأشباهه التفات على أصل آخر يقع   1 يوسف بن أحمد بن كج القاضي أبو القاسم الدنيوري أحد الأئمة المشهورين وحفاظ المذهب المصنفين وأصحاب الوجوه المتقنين تفقه بأبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وانتهت إليه الرئاسة ببلاده في المذهب وكج بكاف مفتوحة وجيم مشدودة وهي في اللغة للجص الذي تبيض به الحيطان ومن تصانيفه التجريد وهو مطول. توفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمس وأربعمائة قتيلا قتله العيارون، وفيات الأعيان 6/ 63، شذرات الذهب 3/ 177، ابن قاضي شهبة 1/ 198. 2 وفي ب عرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 كالمستثنى عن هذا الأصل، وهو أن ما قارب الشيء هل يعطى حكمه؟ وقريب من هذه العبارة قولهم: المتوقع هل يجعل كالواقع؟ وكذلك قولهم: المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل؟ وكذلك قولهم: هل العبرة بالحال أو المآل. وكذلك قولهم: هل النظر إلى حال التعلق أو حال وجود الصفة. ولا بد من عقد فصول لهذه العبارات نرى قبل ذكرها أن نشرح ونميز ما التفاوت بينها. فنقول: غير الواقع إن كان مما1 علم أنه سيقع: فهو مسألة الطعام التألف قبل الغد المحلوف على آكله فيه. وإلا فإن لم يكن قريبا من الوقوع فلا يعطي حكم الواقع، وإن كان قريبا فهو مسألة ما قارب الشيء هل يعطي حكمه؟ وهي أعم من قولنا: المتوقع هل يكون كالواقع؟ والمشرف على الزوال هل يكون كالزائل؟ لشمولها الأمرين؛ غير أن قولنا: المتوقع كالواقع يشبه أن يختص بما سيوجد، وقولنا: المشرف على الزوال كالزائل يشبه أن يختص بما سيعدم. فيعطي هناك المعدوم الذي سيوجد حكم الموجود [وهنا الموجود] 2 الذي سيعدم حكم المعدوم. وقولنا: هل العبرة بالحال أو المآل بينه وبين قولنا: ما قارب الشيء أعطي حكمه عموم وخصوص. فإنه أعم من حيث أنا نعطي الشيء في كل من حالتي الحال والمآل حكم الأمرين معا؛ سواء كان أحدهما مقارنا للآخر أم لا. وأخص، من حيث إن مقاربة الشيء يعطي حكمه وإن لم يكن موضوعا لأن يؤول إليه. وأما قولنا: هل النظر إلى التعليق أو إلى الحال وجود الصفة؟ هل هو أخص من قولنا: هل النظر إلى الحال أو المآل، لأن النظر إلى الحال أو المآل لا يختص بصيغ التعليقات؛ بل يجري في التعليقات وغيرها.   1 في ب إن كان مما علم. 2 سقط من أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فصل: إذا تحققنا أن الفعل المأمور به أو الذي يحاول المكلف وقوعه لغرض ما أو الذي علق على وقوعه أمرا ما لا يقع لمانع تحققنا أن يقع في أثنائه أو قبله أو غير ذلك؛ فهل نعطيه الآن حكم الفائت وترتب مقتضى فواته. أو لا نعطيه ذلك بل يجري عليه حكم عدم فواته إلى أن يقع فواته وقد تختص هذه العبارات ويقال أعطي الشيء حكم الفائت هل يستدعي وقوع فواته أو يكتفي بتحقيق ذلك، وقد علمت أن هذا غير قولنا: هل العبرة بالحل أو المآل لاختصاص هذا بأن ما هو متحقق الفوات مستقلا هل يعطي حكم الفوات قبل حصوله وفيه مسائل. أجدرها بالتقديم: ما إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فتلف قبل الغد وقد قدمناها. ومنها: لو كان القميص؛ بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل، أو لا تنعقد أصلا؟ فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو اقتدى به غيره قبل الركول، وفيما [إذا] 1 ألقي ثوبا على عاتقه قبل الركوع. ومنها: من عليه عشرة أيام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام؛ فهل يجب عليه فدية ما لا يسعه الوقت في الحال، أو لا يجب إلى أن يدخل رمضان؟ فيه وجهان شبههما الرافعي وغيره بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد. قال الشيخ [الإمام] 2 وفي هذه العبارة نظر؛ لأن الصحيح فيما إذا انصب نفسه عدم الحنث. ونظيره هنا: إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت، ولا شك أنه لا يجب عليه شيء إلا [على] 3 ما يقوله أبو يحيى البلخي، فيجب فرض المسألة فيما إذا كان التمكن سابقا وحينئذ يشبه بما إذا صب هو الماء فإنه يحنث.   1 في ب لو. 2 سقط من أوالمثبت من ب. 3 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وفي وقت حنثه الوجهان، ولم يصح الرافعي منهما، في كتاب الأيمان شيئا؛ وإنما قال: الذي أورده بن كج هو الثاني، يعني أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد. وعلى قياسه هنا: لا يلزم إلا عند مجيء رمضان. وللوالد -رحمه الله- على المسألة كلام نفيس أزيد من هذا في تفاريقها ذكره في كتاب الصوم لا بد من معادوته. ومنها: لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل فعرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عن المحل؛ فقيل ينتجز حكم الانقطاع في الحال -والأصح يتأخر إلى المحل ومنها لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية أو علق الخروج بشيء يوجد لا محالة في صلاته بطلت في الحال على الصحيح، وكذا لو علق بما يحتمل حصوله على الأصح والثاني لا تبطل في الحال وعليه فالأصح أنها تبطل إذا وجدت الصفة وهو ذاهل عن التعليق كما لو كان ذاكرا. ومنها: على وجه ليس لمن عليه دين مؤ جل السفر بعيد إذن الدائن إن كان الدين يحل قبل رجوعه، وقيل: مطلقا إلا أن يقيم كفيلا، وقيل: إلا أن يحلف وفاء، وقيل: إلا أن يكون من المرتزقة، والصحيح ليس له منعه مطلقا؛ إذ لا مطالبة له في الحال. فصل: قريب المآخذ من هذه المسائل ما عرف تطرق البطلان إليه لو وقع؛ فهل يمتنع إيقاعه ويكون باطلا من [أوله] 1 أو لا يبطل مجيء سبب البطلان؟ ولك أن تقول: هل يصح ثم يفسد، أو لا يصح أصلا؟ فيه خلاف في صور. منها: إذا فرق الإمام الناس في صلاة الخوف الرباعية أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة صحت صلاة الجميع في [الأظهر] 2. وفي قول: تصح صلاة الإمام والطائفة الرابعة. وفي ثالث تبطل صلاة الإمام بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة، وتصح صلاة الطائفة الأولى والثانية؛ لأنهما فارقتا قبل طريان المبطل، والفرق في الثالثة والرابعة بين أن يعلموا بطلان صلاة الإمام أو لا.   1 سقط في ب. 2 في ب الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وفي رابع: بطلان صلاة الإمام بالانتظار الثالث الواقع في الركعة وبطلان الصلاة الرابعة إن علمت. والخامس: بطلان صلاة الجميع. ومنها: إذا كانت عورته لا ترى في حالة القيام في الصلاة ولكن ترى في الركوع كما لو كان على إزاره ثقبة فجمع الثوب عليها بيده؛ ففي انعقاد الصلاة وجهان أصحهما الانعقاد، ثم انتهى إلى الركوع ولم يحصل ذلك بطلت، وتظهر فائدة الخلاف فيما [إذا] 1 اقتدى به غيره قبل الركوع، وفيما إذا لو ألقى ثوبا على عاتقه قبل الركوع. قال الأصبحي في كتاب المعين: ويحتمل فائدة أخرى، إذا صلى على جنازة. قال: ويحتمل القطع بالصحة في صلاة الجنازة؛ إذ لا ركوع فيها. ومنها: إذا قصر حتى فرغت مدة الخف وهو في الصلاة بطلت، ولم يتخرج على القولين في سبق الحدث. كذا أطلقه الأصحاب، وقيده الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله- بما إذا لم يكن عالما حين الدخول في الصلاة بأن المدة تنقضي في أثنائها. قال أما إذا علم فيتجه أن يقال: إن الصلاة لا تنعقد؛ لأن انعقادها -مع القطع بأن البطلان يعرض لها- بعيد. قال: وليس كمن تنكشف عورته عند الركوع؛ لأن هناك لا يقطع بالبطلان بل الصحة ممكنة بأن يسترها عند الركوع. ومنها: قال الرافعي على مساق هذه المسألة: قضيتها أن يقال: لو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين وهو يعلم أنه لا تبقي له قوة التماسك في أثنائها ووقع ما علمه تبطل صلاته، ولا يخرج على قول سبق الحدث وتبعه النووي. قال الشيخ الإمام والدي: ينبغي أن يقال ما قلناه من التفصيل. ومنها: من علمت أنها تحيض في أثناء النهار وجب عليها افتتاح اليوم بالصوم وهذا لا خلاف فيه؛ لأن المانع لم يوجد، وكل جزء من أجزاء النهار مطلوب فيه الصوم، ما لم يكن المانع قائمًا. ومنها: استأجر امرأة –أشرفت على الحيض- لكنس المسجد جاز وإن ظن طروء الحيض.   1 في ب لو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وللقاضي الحسين احتمال فيه كالسن والوجعة إذا احتمل زوال الألم. والفرق أن الكنس في الجملة جائز، والأصل عدم طرو الحيض. تنبيه: هذه المسائل قريبة المأخذ من المسألة الكلامية، وهي التكليف بما علم الآمر أو المأمور انتفاء شرط وقوعه عند وقته. ولنا في شرح المختصر كلام نفيس على المسألة وتخريجات لطيفة. فصل: قريب المأخذ من قولنا: ما لا يستمر صحته لو قوع فهل يصح ثم يفسد؟ أولا: يصح رأسا؟ قولنا: ما لا قرار لوجوبه إذا حضر سبب وجوده؛ فهل نقول: وجب ثم سقط أو لم يجب أصلا؟ فيه خلاف في مسائل. منها: [إذا وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده. فيه وجهان] 1. ومنها: إذا زوج عبد بأمته؛ فهل يجب المهر ثم يسقط أو لا يجب أصلا. ومنها: إذا لم يدرك من الوقت قدر الفرض. قال أبو يحيى البلخي: تجب الصلاة إذا أدرك بعض الفرض كما في آخر الوقت. والصحيح لا. وفرق الأصحاب بأنه في آخر الوقت يمكنه البناء على ما أدرك بعد الوقت، وهنا لا يمكن التقديم على الوقت؛ غير أنهم ترددوا في أنه هل سقط الوجوب بعد ثبوته، أو تبين عدم الوجوب رأسا والذي صرح به النووي -في شرح المهذب- الثاني، قال الشيخ الإمام [الوالد] 2 رحمه الله وكلام الأصحاب يقتضي الأول، وجعلوا الوجوب بأول الوقت والاستقرار بالتمكن كما في الزكاة. ومنها: الفاتحة متعينة إلا في ركعة المسبوق، وهل نقول: إن القراءة تجب على المأموم المسبوق ويتحملها الإمام عنه أو لا تجب أصلا؟   1 هذا الفرع سقط في ب. 2 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وجهان: أصحهما الأول. فعليه يحتمل أن يقال: وجبت ثم سقطت، ويحتمل أن يقال بل الوجوب باق، وقد جعل الشارع فعل الإمام لها على القول بالتحمل كفعل المأموم. ومنها: اقتضى كلام ابن الصلاح أن من استطاع الحج قبل عرفة بيوم وبينه وبينها شهر ومات في تلك السنة أن الحج وجب عليه ثم سقط. قال الوالد -رحمه الله- في كتاب الحج من شرح المنهاج: وهذا لا يقوله أحد ولا يظن بابن الصلاح وإن أوهمته عبارته. ومنها: إذا رد الوارث تصرف المريض فيما زاد على الثلث؛ فهل نقول: الزيادة ثبتت ثم ردت، أو تبين أنها لم تنفذ؟ فيه قولان حكاهما الإمام في كتاب العتق في الفروع المنثورة. ومنها: إذا غرت الزوج قال الأصحاب: فالرجوع عليها ولفظ الرجوع -على ما ذكر الرافعي وغيره- بشعر بالدفع إليها ثم الاسترداد منها. قال: ولكن ذكر الشيخ [أبو حامد] 1 أنه لا معنى للدفع والاسترداد، ويعود معنى الرجوع إلى أنه لا يغرم. ومنها: إذا خرج من مكة، ولم يطف للوداع فعليه دم؛ فإن عاد قبل مسافة القصر سقط الدم على الصحيح، كذا عبارة الأصحاب، وظاهر السقوط أنه وجب ثم سقط ونازع الشيخ الإمام -رحمه الله- في كونه وجب، وكذلك نازع في نظيره من مجاوزة الميقات عند ذكر الخلاف في الحكم بالإساءة هل يتوقف على عدم عوده؟   1 في ب والإمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 " القول في أنه هل الاعتبار بالحال أو بالمآل 1 " وهذا أصل كبير يتخرج عليه مسائل هي أمهات في أنفسها وقواعد في أبوابها. منها: هل الاعتبار بالتكافؤ في القصاص بحالة الجرح أو بحالة الزهوق؟ ومنها: هل [الاعتبار] 2 بالإقرار للوارث بكونه وارثا – حال الإقرار أو حال الموت؟ ومنها: هل الاعتبار بالثلث الذي يتصرف فيه المريض بحال الوصية أو حال الموت.   1 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي / 178. 2 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ومنها: هل الاعتبار في الصلاة المقضية بحال الأداء أو بحال القضاء. ومنها: هل الاعتبار في تعجيل الزكاة بحال الحول أو حال التعجيل. ومنها: هل الاعتبار في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو بحال الأداء. ومنها: هل الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف؟ ومنها: هل الاعتبار طلاق السنة والبدعة بحال الوقوع أو بحال التعليق. وهذا يدخل في قولنا: هل النظر إلى حال التعليق أو حال وجود الصفة؟ وهذه القواعد ربما نذكر كلا منها مع ما تيسر من فروعه في بابه إن شاء الله تعالى. ولنذكر هنا ما هو من أصل قولنا: هل الاعتبار بالحال أو بالمآل. "القول فيما جزم فيه بأن الاعتبار بالحال". وذلك في مسائل: منها: يقبل الولي للصبي هبة من يعتق عليه إذا كان معسرا؛ لأنه لا يلزمه نفقته في الحال؛ فكان في قبول هذه الهبة تحصيل خير، وهو العتق، بلا ضرر، ولا ينظر إلى ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي وإعسار لهذا القريب، لأن هذا ليس يتحقق أنه آيل. "القول فيما جزم فيه بأن الاعتبار بالمآل". وهو في مسائل: منها: بيع الجحش الصغير جائز وإن لم ينفع حالا، لتوقع النفع به مآلا. ومنها: المساقاة على ما لا يثمر في السنة ويثمر بعدها جائز؛ بخلاف إجازة الجحش الصغير؛ لأن موضع الإجارة تعجيل المنفعة. ولا كذلك المساقاة [إذ] 1 تأخر الثمار محتمل فيها. كذا فرق الرافعي، وبه يظهر لك أن المنفعة المشروطة في البيع غير المنفعة المشروطة في الإجارة؛ إذ تلك أعم من كونها حالا أو مآلا. ولا كذلك الإجارة. ومنها: اقتناء الكلب الكبير لتعلم الصيد، قال النووي اتفق الأصحاب على جوازه2.   1 في ب أن. 2 ومنها جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل لا في الحال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 "القول فيما اختلف فيه هل يعتبر فيه الحال أو المآل". وهو في مسائل. منها: تربية جرو الكلب لما يباح تربية الكبير له. ومنها: بيع الحمار الزمن. قاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح1. ويستثنى مسائل: يرجع حاصل مجموعها إلى أن المصلحة إذا عظم وقوعها وكان وقع المفسدة. كانت المصلحة أولى بالاعتبار. ويظهر بذلك أن درس المفاسد؛ إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا فما استثنى من أن درء المفاسد أولى – المتحيرة؛ فعليها صلاة الفرائض أبدا احتياطا لمصلحة الصلاة. ولم يحتط لدرء المفسدة الحاصلة من الصلاة عن الحيض. وكذلك صلاة النافلة أيضا. لا يمنع منها على الأصح؛ لأنها من مهمات الدين فلا يمنع منها –راتبة كانت أو غيرها. قاعدة: ما لا يقبل التبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كله وإسقاط بعضه كإسقاط كله2. وهذا أصل اتفق عليه الفريقان، وبنى عليه أبو حنيفة رحمه الله أن الموصى إليه في نوع من التصرف يصير وصيا مطلقا ظنا منه أن الوصية لا يتجزأ؛ لكونها ولاية قال: والولاية لا تتجزأ، وكذلك فعل في العبد المأذون. فعدى الإذن له في نوع إلى سائر الأنواع ولسنا نسلم له عدم التجزيء. وفي القاعدة فروع: منها: إذا قال: أنت طالق نصف طلقة أو بعضك طالق طلقة، لا فرق بين اختيار بعض الطلاق أو طلاق البعض. ومنها: إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه سقط.   1 لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. 2 المنثور 3/ 153، الأشباه للسيوطي 160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ومنها: إذا عفا الشفيع عن بعض حقه فالأصح سقوط كله. والثاني: لا يسقط شيء لأن التبعيض تعذر. وما الشفعة مما يسقط بالشبهة؛ ففارقت القصاص، فغلب جانب الثبوت. والثالث: تبعيض؛ لأنه حق مالي قابل للانقسام، ففارق القصاص والطلاق. ومنها: هل للإمام أن يرق بعض شخص إذا استأثره؟ فيه وجهان؛ فإن قلنا: لا. فإذا أضرب الرق على بعضه رق كله. قال الرافعي: وكان يجوز أن يقال: لا يرق، شيء وضعفه ابن الرفعة بأن في إرقاق كله درء القتل وهو يسقط الشبهة كالقصاص، ثم وجهه بنظيره في الشفعة. قلت: وكان يجوز أن يقال: يعمل بإرقاق بعضه في درء القصاص لا في الإرقاق. ومنها: إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا ولم يجوز إفراده بالرد فلو قال: رددت المعيبة منهما؛ فالأصح لا يكون ردا لهما، وقيل: يكون1. فصل: وقد لا يكون اختيار بعضه اختيارا لكله [ولا] 2 سبيل إلى التبعيض فيلغو. وذلك في مسائل: منها: حق الشفعة -على وجه- كما تقدم، والإرقاق على بحث الرافعي. ومنها: حد القذف [ذكره] 3 الرافعي في باب الشفعة أن العفو عن بعضه لا يوجب سقوط شيء، واستشهد به للوجه الصائر إلى أن العفو عن بعض الشفعة لا يسقط شيئا منها وتبعه جماعة آخرهم الشيخ الإمام الوالد في "شر المنهاج" وهذا فرع لم يذكره في [باب] 4 حد القذف؛ وإنما ذكره في مسألة عفو بعض الورثة، وفيها الأوجه المشهورة، أصحها: أن لمن بقي استيفاء جميعه. وهو يؤيد أن حد القذف لا يتبعض. وأقول: إن سلم أنه لا يتبعض فلا بد أن يطرقه الخلاف في أنه هل يسقط كله أو   1 ومنها إذا قال أحرمت بنصف تسك انعقد بنسك كالطلاق كما في زوائد الروضة ولا نظير لها في العبادات. 2 سقط من ب. 3 سقط من ب. 4 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يلغو كما في عفو بعض الورثة وعفو بعض الشفعاء، ثم إني لا أسلم أنه لا يتبعض فإنه جلدات معروفة العدد، ولا ريب في أن المستحق لو عفا بعد ما أصاب القاذف بعضها سقط ما بقي منها؛ فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدرا معلوماز وإذا تأملت ما قلته من تبعيض القذف وما قاله بعضهم من تبعيض الشفعة وعلمت أنه لم يقل أحد في مسألة الإرقاق بأنه يلغو -غير بحث الرافعي- علمت سلامة القاعدة من النقض. فصل: إذا رجعنا اختيار بعض ما لا يتجزأ اختيارا لكله فهل اختياره للبعض نفس اختياره للكل؛ وإنما هو عبر بالبعض عن الكل؟ أو اختيار ذلك البعض ثم يسري منه إلى غيره لضرورة عدم التجزؤ. فيه خلاف شهير في مسائل. منها: طلاق بعضها، وتبعيض طلاقها، وعتق البعض. وأما تبعيض العتق فلا أعرفه مسطورا، وهو مثل: قوله: أنت حر نصف حرية، والذي يظهر أنه لغو ويحتمل أن يقال: يبطل قوله: ونصف حرية ويعمل بقوله: أنت حر نصف حرية. والذي يظهر أنه لغو، ويحتمل أن يقال: وإن لم يقل بنظيره في البيع والفرق قوة العتق وسرعة نفوذه. تنبيه: إذا وقفت على قولنا: طلاق بعضها، وتبعيض طلاقها وعتق البعضِ، وتبعيض العتق، واستحسنت هذه العبارة ورشاقتها، انتقل ذهنك إلى نظائرها. ومنها: قول الإمام في النهاية في باب الكفارة قبل الحنث: كما لا يعتبر حكم المحلوف باليمين لا يعتبر حكم اليمين بالمحلوف عليه؛ ذكره توجيها للقول بأن تقديم الكفارة على الحنث وإن كان محظورًا جائز. ومنها: قول بعض علمائنا: الواجب في الطهارة عندنا الماء المطلق فلا يجوز المتغير كثيرا بمستغنى عنه. وعند أبي حنيفة: مطلق الماء. ووقعت بيني وبين الوالد -رحمه الله- مباحثة في الفرق بين العبارتين صنف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 أجلها [مصنفا] 1 في ذلك [وقرر] 2 أنه لا فرق بينهما. منها: أن النية في الوضوء تجب عند أول غسل الوجه، لا عند غسل أول الوجه -وهو أعلاه- بل لو ابتدأ من مؤخرة وجهه ونوى صح. ومنها: لا ولاء لمعتق الأب مع أبي المعتق، وهي مسألة التعجيز. وكل هذه عبارات يختلف المعنى فيها بالتقديم والتأخير -يسميها الأديب: رد العجز على الصدر- تستدعي حضور ذهن صحيح، خشية الوقوع في الغلط. وقد وقع في الكتاب العزيز في سورة البقرة3 {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} ، وفي الأعراف4: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} . وفي البقرة5: {وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} ، وفي الحج6 {وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} . وفي البقرة7 والأنعام8" {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} وفي آل عمران9. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} . وفي البقرة10: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ، وفي الحج11: {شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} . وفي البقرة12: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} ، وباقي القرآن {لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} . في البقرة13: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} وفي إبراهيم14، {مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} . وفي آل عمران15: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} وفي الأنفال16: {بِهِ قُلُوبُكُمْ} . في النساء17: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} وفي المائدة18: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} .   1 في ب تصنيفا. 2 وفي ب وقوي. 3 آية: 58. 4 آية: 17. 5 آية: 62. 6 آية: 17. 7 آية: 120. 8 آية: 71. 9 آية: 73. 10 آية: 143. 11 آية: 78. 12 آية: 173. 13 آية: 264. 14 آية: 118. 15 آية: 126. 16 آية: 10. 17 آية: 135. 18 آية: 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 في الأنعام1: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وفي المؤمن2: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} . في الأنعام3: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وفي بني إسرائيل4: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} . وفي النحل5: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} وفي فاطر6: {فِيهِ مَوَاخِرَ} . في بني إسرائيل7: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} وفي الكهف8: {فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ} . في بني إسرائيل9: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} وفي العنكبوت10: {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} . في المؤمنين11: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} وفي النمل12: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} . في القصص13: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} وفي يس14: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} . فصل: قولنا: اختيار بعض ما لا يتجزأ اختيار لكله. هي عبارة الأصحاب. وقد يعبر عن الغرض بعبارة هي أعم من تلك فيقال: الحكم على بعض ما لا يتجزأ بنفي أو إثبات حكم على كله. ولنذكر مسألة من هذا القبيل يتضح بها المقصود؛ فنقول اعتقد الرافعي أن الغرة الواجبة في الجنين لا تتجزأ عند بعض أصحابنا، فحكى في الجنين -المحكوم له باليهودية أو النصرانية- ثلاثة أوجه   1 آية: 102. 2 آية: 62. 3 آية: 151. 4 آية: 31. 5 آية: 14. 6 آية: 12. 7 آية: 41. 8 آية: 54. 9 آية: 96. 10 آية: 52. 11 آية: 83. 12 آية: 68. 13 آية: 20. 14 آية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إحداها: وجوب غرة ولا يقال بالتسوية بينه وبين الجنين المسلم؛ لأنه لا سبيل إلى الإهدار ولا إلى تجزئة الغرة. وثانيها: لا يجب شيء لامتناع التسوية بين المسلم والكافر وامتناع التجزئة. وهذان الوجهان على معتقد الرافعي ناشئان عن اعتقاد عدم التجزئة وأصحها: أنه يجب ثلث ما يجب في الجنين المسلم. وقد اتضح غرضنا بذكر هذه المسألة، وإن كانت في الرافعي غير محررة، ولأن الوجه الأول غير معروف في المذهب، وغالب الظن أنه وهم في الرافعي من وجه حكاه الإمام في النهاية. أنه يجب عبد ناقص القيمة نسبته غلى دية الكافر كنسبة خمس من الإبل إلى دية المسلم؛ فالتسوية واقعة في وجوب أصل العبد، لا في استواء العبدين؛ فلا قائل بأن الغرة الواجبة في المسلم تساوي الواجبة في الكافر. وكذلك الثاني؛ إذ لا يعرف قائل بإهدار الجنين الكافر وإنما هو وهم في الرافعي من وجه حكاه الإمام أيضا عن المراوزة أن الغرة لا مدخل لها في الجنين الكافر فلا يجب فيه عبد ولا جزء من عبد. وليس مراد الإمام أنه لا يجب شيء أصلا؛ بل لا يجب غرة، وتجب عشر دية الأم كما صرح به الإمام في النهاية قبل هذه العبارة الموهمة بنحو أربعة أسطر. ولكن الغزالي لما رأى الإمام، لا مدخل للغرة في جنين الكافر -توهم أنه لا يجب شيء فأطلق العبارة في ذلك، فتبعه الرافعي. نبه على هذا الموضع -في الرافعي- الشيخ برهان [الدين] 1 ابن الفركاح -رحمه الله- وأطال في ذلك [في] 2 تعليقه على التنبيه. قاعدة: الاحتياط أن نجعل المعدوم كالموجود والموهوم كالمحقق وما يرى على بعض الوجوه لا يرى إلا على كلها. وقد اتفق لي مرة الاستدلال على هذه القاعدة بقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 3 فلا يخفى أنه أمر باجتناب بعض ما ليس بإثم خشية من الوقوع فيما هو إثم؛ وذلك هو الاحتياط، وهو استنباط جيد. مثال جعل المعدوم   1 سقط في ب. 2 سقط في ب. 3 الحجرات آية 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 كالموجود: المنافع المعقود عليها في الإجارة؛ فإنا نجعلها كالموجود نورد العقد عليها. ومثال الموهوم المجعول كالمحقق: أكثر أحكام الخنثى المشكل، وقد أفرد بعض أئمتنا كتابا بأحكام الخناثى؛ فلا معنى للتطويل بتعديدها. ومثال جعل ما يرى على بعض الوجوه لا يرى إلا على كلها تارك الصلاة نسي عينها من الخمس؛ فإنا نوجب عليه الخمس وإن كانت البراءة، في نفس الأمر تحصل بواحدة. واعلم أن مسائل الاحتياط [كثيرة] 1 يطول استقصاؤها يرجع حاصلها إلى [أن] 2 الاحتياط قد يكون لتحصيل المنفعة كإيجاب الصلاة على المتحيرة وإن احتمل كونها حائضا، وقد يكون لدفع المفسدة كتحريم وطئها، وأوجبوا الاحتياط في مسائل: منها: في الزكاة مسألة الإناء إذا عسر التمييز، وفيما إذا تحقق في ذمته زكاة وشك هل هي درهم أو دينار أو شاة أو بعير. وإن لم يعتضد بأصل. وفي الصلاة المنسية من خمس لاعتضاده بأصل. ولم يوجبوه فيما إذا شك هل الخارج من ذكره مذي أو مني؛ بل صححوا أنه يتخير لأنه إذا أخذ بأحدهما فالأصل عدم وجوب الآخر. قال الشيخ الإمام -في باب الحيض- ويحتاج أن يفرق بينه وبين الشك في عين الزكاة الواجبة، قال ومسألة الزكاة فيها نظر، أما مسألة الإناء فظاهرة لإمكان التمييز بالشك. تنبيه: في هذه القاعدة مهمات وقواعد عنها مشتعبات. منها ما اشتهر في كلام كثير من الأئمة -ويكاد يحسبه الفقيه -مجمعها عليه- من أن الخروج من الخلاف أولى وأفضل وقد أشكل بعض المحققين على هذا وقال: الأولوية والأفضلية إنما [يكون] 3 حيث سنة ثابتة وإذا اختلفت الأمة على قولين: قول بالحل وقول بالتحريم، واحتاط المستبريء لدينه وجرى في فعله على الترك حذرا من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنة؛ لأن القول بأن هذا الفعل متعلق الثواب من غير عتاب   1 سقط في ب. 2 سقط في ب. 3 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 على الترك قول لم يقل به أحد، إن الأئمة كما ترى بين قائل بالإباحة. وقائل بالتحريم فمن أين الأفضلية. وأنا أجيب عن هذا بأن أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين، وهو مطلوب شرعا مطلقا؛ فكان القول بأن الخروج أفضل ثابت من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعا فمن ترك لعب الشطرنج معتقدا حله خشية من غائلة التحريم فقد أحسن وتورع إذا عرفت هذا فأقول: ليس الخروج من الخلاف أولى مطلقا، بل بشرطين أحدهما: أن لا يؤدي الخروج منه إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة أو اقتحاما أمر مكروه أو نحو ذلك ومن ثم مسائل. منها: فصل الوتر أفضل من وصله لحديث "ولا تشبهوا بالمغرب"1 ومنع أبو حنيفة فصله وفي وجه عندنا أن الوصل أفضل للخروج من خلافه لكنه ضعيف لكونه يتوقف على أن يكون بقية العلماء يجيزون الوصل؛ وإلا فلا يحصل الخروج من الخلاف مطلقا، وبتقدير تجويزهم لا يلزم لأن الوصل يلزم منه ترك سنة ثابتة. الشرط الثاني: أن يقوى مدرك الخلاف، فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدودا من الهفوات والسقطات. لا من الخلافيات المجتهدات وسيكون لنا كلام على هذا الشرط في قاعدة من علم حرمة شيء وجهل وجوب الحد فيه -الآتية- إن شاء الله تعالى في قواعد ربع الجنايات. وهناك تنبيه على أنه لا نظر إلى القائلين من المجتهدين2 بل إلى أقوالهم ومداركها قوة وضعفا، ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها لانتهاض الحجة بها؛ فإن الحجة لو انتهضت بها لما كنا مخالفين لها. إذا عرفت هذا فمن قوي مدركه اعتد بخلافه وإن كانت مرتبته [في الاجتهاد] 3   1 والحديث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا بخمس أو بسبع أو تسع أو بإحدى عشرة". الدارقطني وابن حبان والحاكم، وقال الحافظ في التلخيص 2/ 15 ورجاله ثقات ولا يضره وقف من أوقفه. 2 ولذلك لا ينظر لخلاف عطاء في عدم وجوب الحد على المرتهن بوطئه المرهونة وعطاء من سادات العلماء. 3 سقط من أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 دون مرتبة مخالفة ومن ضعف مدركه لم يعتد بخلافه وإن كانت مرتبته أرفع وربما قوي مدرك بعضهم في بعض المسائل دون بعض؛ بل هذا لا يخلو عنه مجتهد. تنبيه: قوة المدرك وضعفه مما لا ينتهي إلى الإحاطة به إلا الأفراد، وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر، ولا بد أن يقع هنا خلاف في الاعتداد به ناشئا عن المدرك قوي أو ضعيف. [مثاله] 1: ما يظهر ضعفه: إعارة الجواري للوطء. كما سنتكلم عليه في ربع الجنايات وكذلك ما ذهب إليه ما ذهب إليه داود من قوله في التغوط في الماء الراكد، وقوله "لا ربا إلا في النسيئة" المنصوصة وكثير من أقوال شاذة منقولة عن كثير من المجتهدين ومثال ما تردد النظر في قوته وضعفه: الصوم في السفر؛ فإن داود قال: إنه لا يصح، ومن ثم اختلف أنه هل الأفضل الفطر مطلقا خروجا من خلافه، والراجح في مذهبنا أن الأفضل الفطر لمنخ يتضرر بالصوم والصوم لمن لا يتضرر به. وزعم إمام الحرمين -هنا- أن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزنا وقد تكلمت على هذا في الطبقات الكبرى في ترجمة داود، وبينت كلام أئمتنا في خلاف داود وأن الصواب الاعتداد بخلافه عند قوة مأخذه كغيره. فصل: فإن قوى المدرك اعتد بالخلاف، ومن ثم قصر الصلاة للمسافر أفضل لقول من أوجبه. وترك الجمع أفضل لقول من منعه وكتابة العبد القوي الكسوب سنة لأن داود أوجبها. وقع هنا للقاضي الحسين كلام موهم -نقله عن ابن الرفعة بعبارة تزيده إيهاما؛ ففهمه الطلبة فهما يزيد على مدلوله، فصار -كما قلت- غلط على غلط ومن يغلط ويرجى حين يدري يعذر. وهو أن ابن الرفعة في صلاة المسافر حكى قول الإمام: أن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل [الظاهر] 2 وزنا، ثم قال: وفيه [نظر] 3 فإن القاضي الحسين نقل عن الشافعي أنه قال في الكتابة: لا أمتنع عن كتابة العبد عند جمع القوة والأمانة [وإنما   1 في ب مثال. 2 في ب الظاهرية. 3 سقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 استحب الخروج من الخلاف؛ فإن داود أوجب كتابة عدد من جمع القوة والأمانة] 1. وداود من أهل الظاهر، وقد أقام الشافعي لخلافه وزنا، استحب كتابة من ذكره [لأجل خلافه] 2 انتهى. وداود مولده قبل وفاة الشافعي بسنتين؛ فلا يمكن أن يراعي الشافعي خلافه؛ فمن ثم غلط الطلبة ابن الرفعة والقاضي الحسين وقالا: إن هذا غلط من قولهما عندما فهموا أن الجملة كلها [في] 3 كلام الشافعي وقرؤوا: إنما استحب -بفتح الهمزة وكسر الحاء- فعل مضارع للمتكلم؛ وإنما هو استحب بفتح الحاء، والفعل ماض والمستحب هو القاضي الحسين. وأما الشافعي: فلم يزد على أنه لا يمنع كتابة من هذا شأنه؛ وإنما استحبها فالخلاف من أوجبها قبل داود؛ فإن داود لم يخترع القول بإيجابها، بل وافق مجتهدا سبقه وإلا لكان خارقا للإجماع. نبه عليه الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله-[وذكرناه] 4 في الطبقات الكبرى بأبسط من هذه العبارة، [وذكرنا] 5 أنه وقع للإمام "في النهاية" في كتاب اختلاف الحكام والشهادات -نظير ما وقع للقاضي الحسين مع تصريحه في كتاب الظهار بما لا يخفى مثله عليه من أن داود متأخر الزمان عن الشافعي. فصل: فإن اعتد بالخلاف ولم يلزم من الخروج منه محذور، استحب الخروج منه؛ وذلك في مسائل: منها ما ذكرناه، ومنها ما سنذكره. واعلم أن ما كان مختلفا فيه فهو من قبيل القسم الثاني الذي يتردد النظر في قوته وضعفه كصوم السفر. فمنها: يستحب استيعاب الرأس بالمسح للخروج من خلاف الموجب له وبالإيجاب قال بعض أصحابنا. ومنها: يستحب أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام لذلك. وعبارة الشافعي: أنا لا   1 سقط من أوالمثبت من ب. 2 في ب لأجله. 3 في ب من. 4 وفي ب وذكرنا. 5 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أحب أن أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطا على نفسي. قال القاضي أبو الطيب: وهو كقوله: إذا مرض الإمام؛ فإنه يصلي قاعدا والناس قيام خلفه، [والأفضل] 1 أن يستخلف من يصلي بهم حتى من الخلاف. وكقوله في الحالف -إذا كفر بالمال- الأفضل أن يؤخر إلى أن يحنث. وكقوله -في الركاز بعد أن بين مذهبه في القليل: ولو كنت أنا الواجد لخمست القليل. ومنها: يستحب نية الإمام؛ بخلاف من أوجبها. ومنها: حيث انتفى التحريم في استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائظ لوجود الساتر، فالأدب أن لا يستقبلها ولا يستدبرها؛ لأنه قيل بالحرمة مع الساتر. ومنها: إذا رأى المتيمم الماء في أثناء الصلاة المغنية عن القضاء كصلاة المسافر فلا تبطل؛ غير أن الصحيح أن قطعها ليتوضأ أفضل، لأن فيه خروجا من خلاف من حرم عليه الاستمرار. وقيل: الأفضل المضي فيها ولا يلتفت إلى الخلاف، وقيل: يجب المضي فيها، وقيل الأفضل قلبها نافلة. ومنها: من عليه فائتة ووجد الجماعة الحاضرة، جزم "في الروضة" قبل باب شروط الصلاة أن تقدم الفائتة منفردا أولى؛ لأن الترتيب مختلف في وجوبه والقضاء خلف الأداء مختلف في جوازه. لكن الذي جزم به الغزالي "في إحياء علوم الدين" في باب أسرار الصلاة خلافه وجزم به أيضا صاحب التعجيز2 وذكر -في شرحه- أن جده عماد الدين ذهب إليه. قلت: والقلب إليه أميل، وقد تكلمت عليه في الطبقات في ترجمة الشيخ العماد ابن يونس.   1 وفي ب والأفضل له. 2 عبد الرحيم بن محمد بن محمد بن يونس بن منعة الفقيه المحقق العلامة تاج الدين أو القاسم بن الإمام رضي الدين بن الإمام عماد الدين بن الإمام رضي الدين الموصلي كان من بيت الفقه والدين والعلم بالموصل ولد بالموصل سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وأفاد وصنف قال الإسنوي كان فقيها أصوليا فاضلا توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وقيل سنة سبعين. ابن قاضي شهبة 2/ 136، ذيل مرآة الزمان 3/ 14، البداية والنهاية 13/ 295، شذرات الذهب 5/ 332. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فصل: وربما يرقى الخروج من الخلاف عن درجة الاستحباب عن درجة الاستحباب إلى درجة كراهية الوقوع فيه وذلك في مسائل. منها: مسألة [العينة] 1 ذكر النووي تبعا لصاحب "البحر" أن الوقيعة فيها مكروهة قال النووي: "دلائل الكراهة أكثر من أن تحصر". قلت: واقتصر الرافعي -حيث ذكر المسألة في باب الربا- على الجواز وفي البيوع المنهي عنها على أنها ليست من المناهي2. ولا يحضرني دليل على كراهتها، وقصة عامل خبير "بع التمر بتمر آخر ثم اشتريه3. يقتضي عدم الكراهة؛ لأنه أذن له في ذلك ولا يأذن صلى الله عليه وسلم في مكروه.   1 سقط في ب. 2 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التلخيص معقبا على كلام الرافعي: يعني ليس ذلك عندنا من المناهي - وإلا فقد ورد النهي عنها من طرق عقد لها البيهقي في سنته بابا ساق فيه ما ورد من ذلك بعلله، وأصح ما ورد في ذم بيع العينة ما رواه أحمد الطبراني من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر قال: أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم ذلا؛ فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم. صححه ابن القطان بعد أن أخرجه من الزهد لأحمد كأنه لم يقف على المسند وله طريق أخرى عند أبي داود وأحمد أيضا من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر. قلت: وعندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول؛ لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم ينكر سماعه من عطاءن وعطاء يحتمل أن يكون هو عطاء الخرساني فيكون فيه تدليس التسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر فرجع الحديث إلى الإسناد الأول وهو المشهور. قوله: وليس من المناهي بيع رباع مكة لنا اتفاق الصحابة ومن بعدهم عليه، روى البيهقي عن عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة وأن ابن الزبير اشترى حجرة سودة وأن حكيم بن حزام باع دار الندوة وأورد البيهقي في الخلافيات الأحاديث الواردة في النهي عن بيع دورها وبين عللها، ولعل مراده بنقل الاتفاق أن عمر اشترى الدور من أصحابها في وسع المسجد، وكذلك عثمان وكان الصحابة في زمانهما متوافرين، ولم ينقل انكار ذلك انظر التلخيص. 3 انظر البخاري 4/ 490 في كتاب الوكالة/ باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا فبيعه مردود "2312"، ومسلم 3/ 1215 في كتاب المساقاة/ باب بيع الطعام مثلا بمثل حديث "96/ 1594". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 تنبيه: علمت إنما يستحب الخروج من الخلاف عند قوته وعدم التأدية إلى محذور. واعلم أنا نتطلب لقوته إذا أدى الخروج منه إلى محذور ما لا نتطلبها إذا لم يؤد؛ فربما راعينا الخلاف إذا كان الخروج منه لا يؤدي إلى محذور لمأخذ لا يلتفت إلى مثله إذا أدى إلى محذور. وكذلك ربما قوي الخلاف جدا وإن لم تنهض حجة. وضعف من أجله مأخذ المحذور فراعيناه وإن أدى إلى ذلك المحذور الضعيف ولنمثل له: بمن يديم السفر؛ فإن الإتمام أفضل له من القصر مراعاة لقول بعض العلماء أنه لا يجوز القصر في هذه الحالة وإن تضمن هذا القول ترك سنة القصر. إلا أنه لم يؤد إلى تركها مطلقا؛ بل في هذه الصورة النادرة التي لعل سنة القصر لم القوة وعدم التأدية إلى محذور، فيقال: إنما تشترطان على الوجه الذي بيناه الآن. فصل: ومن القواعد المتشعبات والأصول الملتقيات من هذه القاعدة قول أئمتنا: ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال، وهو كما قال البيهقي1: حديث رواه جابر الجعفي -رجل ضعيف2- عن الشعبي، عن ابن مسعود، وهو منقطع3؛ غير أن القاعدة في نفسها صحيحة.   1 كتاب النكاح/ باب الزنا لا يحرم الحلال 1/ 169. 2 قال السيوطي: وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود لا مرفوع. جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبو عبد الله، ويقال أبو يزيد الكوفي، روى عن أبي الطفيل وأبي الضحى وعكرمة وعطاء وطاوس وخيثمة والمغيرة بن شبيل وجماعة وعنه شعبة والثوري وإسرائيل والحسن بن حي ومسعر ومعمر وأبو عوانة وغيرهم. قال أبو نعيم عن الثوري: إذا قال جابر حدثنا وأجزنا فذاك، وقال ابن مهدي عن سفيان ما رأيت أورع في الحديث منه، وقال شعبة جابر إذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس، وقال شعبة: جابر صدوق، وقال النسائي: متروك الحديث وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال ابن عدي: له حديث صالح وإن شئت مزيد تفصيل فانظر تهذيب التهذيب 2/ 47-51. 3 هو في اللغة مأخوذ من القطع وهو فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة وهو مطاوع القطع نقول قطعته فانقطع. وفي الاصطلاح فيه آراء منها ما سقط من رواته راو واحد قبل الصحابي في الموضع الواحد وهذا هو المشهور ومنها ما لم يتصل إسناده وهو الأقرب إلى المعنى اللغوي. ومنها قال التبريزي ما سقط مما ليس في أول الإسناد من رواته راو واحد قبل الصحابي في الموضع الواحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 قال الشيخ أبو محمد في "السلسة" لم يخرج عنها [إلا] 1 ما ندر، والعبرة بالغالب قلت: وقد عورض الحديث المذكور بما رواه ابن ماجة2 والدارقطني3 من حديث ابن عمر "لا يحرم الحرام الحلال". وليس بمعارض، لأن المحكوم به في الأولى. أعطي الحلال حكم الحرام تغليبا واحتياطا لا صيرورته في نفسه حراما. ومن ثم مسائل. منها: لو أشبهت منكوحة بأجنبيات محصورات لم يحل. منها: من باب الربا قاعدة مد عجوة ودرهم؛ فإن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. ومنها: من أحد أبويه كتابي والآخر مجوسي أو وثني حل المنكاحة [خلاف والأصح التحريم] 4. ومنها: إذا أكل الكلب المعلم من الصيد في موضعه؛ فالصحيح تحريمه لحديث عدي بن حاتم. ومنها: رجح الجمهور التحريم فيما إذا أصاب صيدا وغاب ثم وجد مبتا وليس فيه أثر غير سهمه ورجح النووي الحل.   1 في أإذا والمثبت من ب. 2 1/ 649. في كتاب النكاح/ باب لا يحرم الحرام والحلال حديث "2015". قال البوصيري في زوائده 2/ 24 هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن عمر العمري. 3 3/ 268 في كتاب النكاح/ باب المهر حديث "89". 4 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 القول فيما شذ عن هذا الأصل ... القول فيما شذ عن هذه الأصل: منها: إذا رمى سهما إلى طائر [فجرحه] 1 ثم [وجده] 2 ميتا؛ فإنه يحل. ومنها: إذا كان الثوب منسوجا من حرير وكتان على التسوية فالأصح حله. ومنها: إذا اختلط ملكه بملك [غيره] 3 وعسر التمييز كما إذا اختلط حمامة واحدة بحماماته. قاعدة: اشتهر عن المالكية "سد الذرائع". وزعم القرافي4 أن كل أحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية إلا من حيث زيادتهم فيها. قال: فإن من الذرائع ما يعتبر إجماعا كحفر الآبار في طرق المسلمين وإلقاء السم في طعامهم، وسب الأصنام عند من يعلم حاله أنه يسب الله عند سبها. وملغى إجماعا، كزراعة العنب؛ فإنها لا تمنع خشية الخمر وما يختلف فيه كبيوع الآجال قلت: وقد أطلق هذه القاعدة على أعم منها، ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها، وسنوضح لك أن الشافعي لا يقول بشيء منها، وأن ما ذكر أن الأمة أجمعت عليه ليس من مسمى سد الذرائع في شيء. نعم حاول ابن الرفعة تخريج قول الشافعي رضي الله عنه بسد الذرائع -من نصه- رضي الله عنه- في باب "إحياء الموات" من الأم إذ قال -رضي الله عنه- بعد ما ذكر النهي عن بيع الماء ليمنع به الكلأ5، وأنه يحتمل أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم   1 في "ب" فجرحه فوقع. 2 في "ب" وجد. 3 في "ب" الغير. 4 وهو شهاب الدين: أبو العباس أحمد بن العلاء: إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بلين الصنهاجي الأصل البهني المصري الإمام العلامة انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك رحمه الله كان إماما بارعا في الفقه والأصول والعلوم العقلية وله معرفة بالتفسير أخذ عن عز الدين بن عبد السلام الشافعي وعن قاضي القضاء أبي بكر بن عبد الواحد المقدسي توفي رحمه الله بدير الطين في جمادى الآخرة عام أربعمائة وثمانين وستمائة ودفن بالقرافة. الديباج المذهب 1/ 226. 5 انظر البخاري 5/ 31 في كتاب المساقاة/ باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء "2353" ومسلم 3/ 1198 في المساقاة/ باب تحريم فضل بيع الماء "38/ 1566". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 يحل، وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله ما نصه: وإذا كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام. انتهى. ونازعه الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله- وقال: إنما أراد الشافعي -رحمه الله- تحريم المسائل؛ لا سد الذرائع، والوسائل تستلزم المتوسل إليه ومن هذا النوع منع الماء؛ فإنه مستلزم عادة لمنع الكلأ الذي هو حرام، ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل، ولذلك نقول من حبس شخصًا ومنعه الطعام والشراب فهو قاتل له. وما هذا من سد الذرائع في شيء. قال الشيخ الإمام: وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها، والنزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها، ثم لخص القول. وقال: الذريعة ثلاثة أقسام. أحدها: ما يقطع بتوصله إلى الحرام؛ فهو حرام عندنا وعند المالكية. والثاني: ما يقطع بأنها لا توصل ولكن اختلطت بما يوصل فكان من الاحتياط سد الباب وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها توصل إلى الحرام فالغالب منها الموصل إليه. قال الشيخ الإمام: وهذا غلو في القول بسد الذرائع. الثالث: ما يحتمل ويحتمل، وفيه مراتب تتفاوت بالقوة والضعف ويختلف الترجيح عند المالكية بسبب تفاوتها، وقال: ونحن نخالفهم في جميعها إلا في القسم الأول، لانضباطه وقيام الدليل عليه. قلت: أما موافقتهم في القسم الأول فواضحة؛ بل نحن نقول في الواجبات بنظيره؛ ألا ترانا نقول: ما لم يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب "فبطريق الأولى أن نحرم ما يوقع في الحرام". وأما مخالفتهم في القسم الثاني: فكذلك، وما أظن غير المالكية يذهب إليه ولا أظنهم يتوقفون عليه. وأما القسم الثالث: فلعله الذي حاول ابن الرفعة تخريج قول فيه بما ذكره عن النص. وقد عرف ما فيه، واستشهد له أيضا بالوصي يبيع شقصا على اليتيم فلا يؤخذ بالشفعة على الأصح عند الرافعي وبالمريض يبيع شقصًا بدون ثمن المثل أن الوارث لا يأخذ بالشفعة -على وجه سد الذريعة- للمتبرع عليه. وحاول ابن الرفعة بذلك تخريج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وجه في مسألة العينة، ولا يتأتى له هذا فتلك عقود قائمة بشروطها ليس فيها خلل بوجه؛ فما ينهض عندنا منعها بوجه وإن منعها أو حنيفة ومالك وأحمد -رحمهم الله تعالى. ولنذكر صورا. ربما يصور مصور فيها. أنا نقول ببعض القسم الثالث غير ما ذكره ابن الرفعة. منها: إقرار المريض للوارث على قول الإبطال، وليس ذلك من سد الذرائع ولا لأجل التهمة -كما يقول مالك- بل لأن المريض محجور، ثم هو قول ضعيف. وقد عقد الشافعي بابا لذلك -ترجمه- بالحكم الظاهر- وذكر فيه أنا لا نشق على قلوب الناس في الإسلام الذي هو الأصل فغيره أولى وذكر شأن المنافقين، وإقرارهم على النفاق. وغير ذلك مما يدل على أن التهمة لا اعتبار لها. وقد ألزم أصحابنا [مالكا] 1 رحمه الله حيث منع إقرار المريض للتهمة فقالوا: حالة الرض تذكر المؤمن بلقاء الله وتحمله على قول الحق إقدامه فيها على الباطل -كما قال مالك: إن المريض إذا قال: فلان قاتلي. كان لونا لمثل ذلك وإن كنا لا نرضى ذلك القول. ومنها: إذا ادعت المجبرة محرميته أو رضاعا بعد العقد قال ابن الحداد: يقبل قولها؛ لأنه من الأمور الخفية وربما انفردت بعلمه وقال ابن سريج لا يقبل. وهو الصحيح؛ لأن النكاح معلوم والأصل عدم المحرمية، وفتح هذا الباب للنساء هو طريق في الفساد: وهذا ليس من القول بسد الذرائع، بل هو اعتماد على الأصل؛ بحيث لا يزال إلا باليقين. ومنها: سأل الفقيه -نصر الله المصيصي2- الإمام أبا حامد الغزالي- وكان كثيرا ما يكتب إليه بالأسئلة فيجيبه -في الرجل يطلق ثلاث بعد صحبة سنين وبعد أولاد فيقول   1 سقط من أوالمثبت من ب. 2 نصر الله بن عبد القوي أبو القع المصيصي الأشعري نسبا ولد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. قال ابن السمعاني كان إماما فقيها أصوليا متكلما دينا خيرا متيقنا حسن الإصغاء بقية مشايخ الشام وتوفي في ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ودفن بمقابر باب الصغير. ابن السبكي 4/ 319، البداية والنهاية 12/ 223، مرآة الجنان 3/ 275، ابن قاضي شهبة 1/ 326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 له المفتي من كان وليها؟ هل كان يشرب الخمر ويدخل الحمام بلا مئزر وغيره مما يسقط العدالة؟ فإذا ذكر له ذلك، أفتى بعد وقوع الطلاق، لفساد النكاح عنده في الأصل ثم عقد أو غيره عقدا من غير أن يثبت مقارنة ذلك الفسق للأصل وأطال في الاستفتاء. ويفسخ هذا الفعل. فأجاب الغزالي بجواب طويل رجح فيه أن الفسق لا يسلب الولاية وأن من شهد ببطلان هذا النكاح؛ فقد شهد أولا على نفسه في غالب الأمر بأنه ولد الحرام فإن غالب الناس فساق -وأطال في ذلك- ثم قال: الصحيح أن أنكحة أهل العصر صحيحة وأولادهم أولاد حلال: وطلاقهم واقع لا يحل بعد استيفاء الثلاث [إلا بنكاح] 1 جديد. ومنها: سئل في عصر النووي عن رجل تزوج -وكان تاركا للصلاة فاسقا ومن غير أن يزوجه حاكم ولا وصي ثم طلق ثلاثا فأفتى النووي بفساد نكاحه، وأن لا يقع عليه طلاق؛ فأنكر ذلك الشيخ تاج الدين. والصواب مع الشيخ تاج الدين إن كان مهملا، ومع النووي إن كان تحت جدر وصي، ولعله إنما أراد هذه الحالة. ومنها: سئل الشيخ تاج الدين عن رجل أراد السفر بزوجته فادعى عليها إنسان بدين فصدقته فطلب حبسها وتعويضها عن السفر. فأجاب بأنه لا يسقط حق الزوج عن السفر وذكر أن القاضي عز الدين بن الصائغ2. حكم بخلافه وخطأه. قلت: وفي فتاوي ابن الصلاح ما يوافق حكم ابن الصائغ، ومحل هذا فيما إذا سبقت إرادته السفر.   1 في ب يعقد. 2 محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر الدمشقي المعروف بابن الصائغ، ولد في شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة وأخذ عن الكمال إسحاق وشمس الدين عبد الرحمن المقدسي ولازم الشيخ كمال الدين التقليسي، ولي وكالة بيت المال ثم ولي القضاء في سنة تسع وستين. وقال الذهبي: كان عارفا بالمذهب، بارعا في الأصول والمناظرة، توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة ودفن بتربته بسفح قاسيون. ابن السبكي 5/ 31، ابن قاضي شهبة 2/ 196، مرآة الجنان 4/ 199، شذرات الذهب 5/ 383، تاريخ ابن الوردي 2/ 232. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فإن الدعوى بعد ذلك بدين قرينته أن القصد منعها من السفر، والمسألة مسطورة "في أدب القضاء" لشريح الروياني1، وجزم فيها بما حكم فيه ابن الصائغ من أن للمقر له حبسها، وأنه لا يقبل قول الزوج إن قصد منع المسافرة. قال: فإن أقام الزوج بينة أن إقرارها كان قصدا إلى منع المسافرة. فهل يقبل؟ وجهان. انتهى. فصل: وأما قتل الجماعة بالواحد وتحريم الخلوة بالأجنبية ووجوب القصاص على السكران، وتحريم عبور الحائض المسجد، وإن أمنت التلويث -على الخلاف [فيه] 2 وتحريم وتحليل الخمر. قاعدة: مستنبطة استخرجها الإمام الوالد رحمه الله وذكرها في تفسيره في سورة المجادلة وفي غير ذلك من كتبه. كل إنشاء سد تصرف الشرع فهو باطل. بخلاف الذي منه مخلص. وعند مندوحة، ومن ثم مسائل. منها: الظهار محرم؛ بخلاف قوله لزوجته: أنت علي حرام فإنه مكروه لا ينتهي إلى التحريم وإن اشتركا في تحريم ما أحل الله، والفرق أنه لا مخلص عن الظهار لو صح بأن التحريم الذي هو كتحريم الأم مع الزوجية لا يجتمعان. ومنها: التعليق الدوري باطل؛ لإفضائه إلى سد باب الطلاق الذي شرعه الشارع. قاعدة: "من ارتكب محرما يمكن تداركه بعد ارتكابه وجب عليه تداركه". وهذا أصل مطرج انتهى فيه حملة الشريعة إلى إيجاب أن يتقيأ الخمر من شربها، ولم أجد شيئا يخرج عنه إلا فيما كان تحريمه بالعرض لا بالأصالة فقد لا يجب تداركه في صور   1 شريح بن عبد الكريم بن أحمد القاضي أبو نصر ابن القاضي أبي معمر ابن الشيخ أبي العباس الروياني ابن عم صاحب البحر كان إماما في الفقه وولي القضاء بآمل طبرستان وصنف كتابا في القضاء سماه روضة الحكام وزينة الأحكام. ابن السبكي 4/ 225، هداية العارفين 1/ 416، ابن قاضي شهبة 1/ 284. 2 سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 منها: [الخمر] 1 لا يجوز عصبها من ذمي وإذا غصبها منه فالذي صححه الرافعي والنووي أنه يجب ردها عليه، قال الرافعي في باب الجزية: وعليه [الرد] 2، وذهب المحققون إلى أنه لا يجب الرد؛ بل الواجب التخلية بين الذمي وبينها، قال الشيخ الإمام: وهذا الوجه قوي. قلت: وهو [الأرجح] 3 وسيأتي إن شاء الله في قسم أصول الفقه في مسألة تكليف الكافر بالفروع، نص الشافعي يدل عليه، وحكى صاحب التهذيب وجها نقله عن الرافعي في باب الجزية أنه لا يجب استرجاعه، لأنه يحرم اقتناؤه بالشرع. ومنها: إذا تحجر مواتا فليس لغيره الإحياء فيه؛ فإن أحيي الغير مكله على الراجح، لأن الأول لم يملكه بالتحجير. ومنها: لو اشترى الذمي دارا عالية لم يجز هدمها عليه؛ فإن هدمت أعيدت. قاعدة: ما تعتبر فيه الموالاة فالتخلل القاطع لها مضر. غير أنه إنما يعرف بالعرف، وربما كان مقدار من التخلل مغتفرا في باب "لا يشاع الأمر في دون باب يضيق فيه أكثر"؛ ألا ترى أن الزوج -في الخلف- إذا بدأ بصيغة معاوضة كخالعتك بكذا اشترط قبولها بلفظ غير منفصل، ولا يشترط فيه -من الاتصال- القدر المشروط بين الإيجاب والقبول في البيع. بل مجلس الخلع أوسع قليلا على ما أشار إليه بعض الأصحاب، وإن كان كلام الأكثرين يشير إلى أنه لا فرق. والفرق عندي أظهر، وربما يغتفر في لفظ لا يغتفر مثله في لفظ آخر؛ ألا ترى إلى قول الإمام أن الاتصال المعتبر في الاستثناء أبلغ من بين الأيجاب والقبول لصدرورهما من شخصين، وقد يحتمل من شخصين ما لا يحتمل من شخص واحد. إذا عرفت هذا فالضابط عندي -في التحلل المضر- أن يعد الثاني منقطعا عن الأول، وقد يختلف هذا باختلاف الأبواب، فرب باب يطلب فيه من الاتصال ما لا يطلب في غيره؛ لأنه يعد فيه منقطعا كما قلناه في البيع والخلع. وقد يختلف باختلاف المتخلل نفسه فقد يكون كلام الأجنبي -وإن كان يسير-   1 سقط في ب. 2 في ب مؤنة الرد. 3 وفي ب الراجح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بمنزلة الكلام الطويل غير الأجنبي، ومن غير الأجنبي وبمنزلة السكوت الطويل فيما تعتبر في الموالاة من الأفعال. وقد يغتفر من خلل السكوت قد لا يغتفر مثله إذا اشتغل فيه بكلام أجنبي وقد يغتفر من التخلل بعذر -كالتنفس والسعال- ما لا يغتفر عند غير العذر. فصارت مراتب. أقطعها للاتصال كلام أجنبي من أجنبي وكذا من غير أجنبي وأبعدها عن قطع الاتصال سكوت يسير لعذر وكذا بغير عذر، ومن ذلك مراتب لا تخفي عن المنال وليعد ما تعتبر الموالاة فيه، وهو ضربان: قول وفعل. الضرب الأول: القول منها -وهو أشدها اتصالا- الاستثناء ولا يضر فيه سكتة التنفس والعي، وقد قدمنا عن الإمام أن المعتبر فيه من الأتصال فوق المعتبر بين الإيجاب والقبول؛ [ولذلك كان الراجح منه انقطاعه بالكلام اليسير بخالف الإيجاب والقبول] 1. لكن نقل النووي عن صاحب العدة والبيان أنهما حكيا عن مذهبنا أنه إذا قال: علي ألف -استغفر الله- إلا مائة صح، وأنهما احتجا بأنه فصل يسير -قالا- وصار كقوله علي ألف يا فلان إلا مائة. قال النووي: وهذا الذي نقلاه فيه نظر. قلت: وجمع الشيخ الإمام في "شرح المنهاج" بين المستشهد به وعليه. فقال: واغتفر صاحب البيان والعدة الفصل بالكلام اليسير كقوله، استغفر الله وقوله: يا فلان، ونقلاه عن "المهذب". ويظهر أن الكلام اليسير إن كان أجنبيا فهو الضار؛ وإلا فهو الذي يغتفر وذلك مثل: استغفر الله، ويا فلان؛ فليحمل كلامهما على الفصل اليسير بنحو استغفر الله ويا فلان، لا على مطلق الفصل اليسير. قد حكى الرافعي فيه الخلاف في الطلاق، ورجع عدم الاغتفار -ولست أعتقد ما قاله النووي من عدم الاغتفار فيه إذا كان غير أجنبي، بل الأقرب ما قاله صاحب البيان والعدة.   1 سقط من أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ومنها: الإيجاب والقبول في البيع وفي النكاح، وفي الخلف، وفي الموالاة بين كلمات اللعان، وبين كلمات القسامة -على خلاف فيهما- وقبول الوقف إذا اشترطاه، قال الإمام: وليكن متصلا بالإيجاب كالبيع والهبة. ومنها: كلمات الأذان، والفاتحة. ومنها: إذا أبهم الطلاق فلما أمر بالتعيين قال: هذه وهذه حكم بطلاقهما؛ فلو فصل بين اللفظين بوقفة اغتفرت الوقفة اليسيرة، فأما إذا طالت وقطعت نظم الكلام قال الرافعي: فالكلام الثاني لغو لا يستقل بالإفادة. ومنها: إذا قال أعتق عبدك عني قال الرافعي: العتق في صورة الاستدعاء إنما يقع على المستدعي؛ وإنما يجب عليه العوض إذا اتصل الجواب بالخطاب، فإن طال الفصل فالعتق عن المالك. ومنها: قال الرافعي وغيره في الولي إذا وهب للصبي من يعتق عليه وهو موسر ولا تلزمه نفقته يقبله الولي؛ فإن لم يفعل فالحاكم، فإن لم يفعل الصبي بعد بلوغه. قلت: وهذا فصل طويل لعله اغتفر لعدم تولي من ألزم به إياه، ثم فيه نظر؛ لأن الإيجاب لم يصدر والصبي أهل للقبول ولو فرضنا بلوغ الصبي بين كلمتي الإيجاب والقبول. مع تقاربهما. لم يكن إيجابه معتبرا فكيف يعتبر مع طول الفصل، ولا يمكن أن يحمل ما ذكره هنا على قبول إيجاب يحدد بعد البلوغ؛ إذ ذاك معروف لا معنى لذكره. ومنها: تفويض الطلاق إلى الزوجة، الأصح أنه تمليك، فتطليقها نفسها يتضمن القبول، ولا يجوز لها تأخيره، قال الرافعي: فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع. الضرب الثاني: في الأفعال: وفيها مسائل: منها: موالاة الوضوء شرط على القديم. أو كثيرا أضر، وقيل: يرجع -في الكثرة والقلة- إلى العادة، وقيل ... 1 ومنها: المستحاضة ينبغي أن تبادر إلى الصلاة عقب الطهارة.   1 بياض في الأصل وب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ومنها: الاعتدال ركن قصير فلو أطاله. ومنها: الموالاة بين صلاتي الجمع. ومنها: الموالاة في أشواط الطواف. قاعدة: الدفع أسهل من الرفع1. ومن فروعها: السمائل التي يغتفر فيها في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء؛ فإنا ندفعه ابتداء، ولا نرفعه دواما، لصعوبة الرفع، وسيأتي إن شاء الله في ربع البيوع -تلك المسائل. ومن مسائل الدفع والرفع -غير مسائل المغتفر في الدوام- أنا لا نعقد الإمامة إلا بالشروط المعتبرة، ولو فسق الإمام لم نعزله، لصعوبة الرفع. ويعجبني من "الأرجوزة الصلاحية" للشيخ الحموي -قوله. في أن الإمام لا يعزل بالفسق، ثم اللبيب لا يهد مصرا مستوطنا ليبني قصرا.   1 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص138، المنثور للزركشي 2/ 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 القول في المشرف على الزوال : القول في المشرف على الزوال هل يعطي حكم الزائل؟ ولا يخفى أنه حيث لا يعطي فهو القاعدة فلا تسأل عن سببه وذلك كبيع العبد المريض والجاني؛ فإنه صحيح مع الإشراف على الزوال. وحيث يعطي أو يتردد النظر فهو موضع الكلام وفيه مسائل. منها: تحريم وطء المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف وقبل الفسخ وفيه وجهان مرتبان على الوجهين في تحريم الوطء بعد الترافع إلى مجلس الحكم وقبل التحالف والمصحح من هذين الحل والتحريم بعد التحالف أولى. ومنها: لو ضاعت العين المرهوبة من الابن والتقطها ملتقط وقصد التملك بعد التعريف فحضر المالك قبل أن يتملك وسلمت إليه؛ فهل يمكن أبوه من الرجوع فيها؟ خرجه ابن الرفعة على الخلاف في المشرف على الزوال. ومنها: إذا دفع الابن ما اتهبه لمن غصب منه شيئا لأجل الحيلولة وقلنا إن المغصوب منه لا يملكه؛ فإذا قدم الشيء قبل التصرف فإنه يسترد المال وهل يرجع فيه أبوه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 خرجه ابن الرفعة أيضا على الخلاف. ومنها: إذا أقرضه شيئا وقلنا: لا يملكه المقترض إلا بالتصرف ثم رده قبل التصرف. خرجه الشيخ الإمام االوالد -رحمه الله- على الخلاف قال: وهو أولى من المسألة قبله؛ لأن له سطلنة الاسترجاع قبل التصرف، بخلاف الدافع القيمة لأجل الحيلولة. ومنها لو باع الابن العين المرهوبة وقلنا لا يزول الملك إلا بانقضاء الخيار فهل للأب الرجوع؟ خرجه الإمام أيضا على الخلاف. ومنها: لو حدث في المغصوب نقص -يسري إلى التلف- بأن جعل الحنطة هريسة؛ فقد صحح النووي جعله، كالتالف، لأشرافه على التلاف وهو قول العراقيين، وخالفه الشيخ الإمام، وفي المسألة وجوه شهيرة. القول في الزائل العائد هو هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ قد تكلم الإمام -في باب التفليس في "النهاية" على ذلك، وعدد منها مسائل، وقد يستأنس -بهذه المسائل- بمسألة السعادة والشقاوة؛ هل يتبدلان؟ وسنذكرها إن شاء الله تعالى في أصول الديانات. والخلاف في أن العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ينتزع الأصل من قولين منصوصين. فيما إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر؛ فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم جاء رأس الشهر. ففي العتق قولان، وهما يشبهان الخلاف أيضا فيما إذا علق طلاق زوجته بصفة ثم أبانها ثم جدد نكاحها ثم وجدت الصفة. ومن مسائله: لو أفلس بالثمن، وقد زال ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ؟ ومنها: من موانع الرد بالعيب زوال الملك فلو زال ثم عاد فوجهان، قال في الوسيط: منشأهما الخلاف في الزائل العائد. ومنها: اشترى نصابا زكويا ثم اطلع على عيب بعد الحول وأدى الزكاة من مال آخر. قال "في الوسيط": له الرد إلا على قول الشركة إذا قلنا: الزائل العائد كالذي لم يعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ومنها: إذا قلنا: تجب الفطرة بغروب الشمس وطلوع الفجر فزال الملك، ثم عاد ليلا فوجهان قاله في النهاية. ومنها: للمقرض الرجوع ما دام القرض باقيا في يد المستقرض؛ فإن زال ثم عاد فهل يرجع في عينه أو بدله؟ وجهان في "الحاوي". ومنها: قلع مثغور سن مثغور وجب القصاص؛ فلو نبت سن المجني عليه ففي سقوط القصاص وجهان أحدهما السقوط لأن ما عاد قام مقام الأول فكأنه لم يسقط، الثاني: وهذه نعمة جديدة. ولو نبت اللسان فقيل على الخلاف، والأصح القطع بعدم السقوط. قاعدة: تكرر ذكرها على ألسنة الفقهاء: "القادر على اليقين لا يعمل بالظن"، ثم نقضوها بمن معه ماء قليل وهو على شاطيء البحر؛ فإنه يجوز له التوضؤ به مع قدرته على الوضوء بما البحر. وهذا غفلة عن أصل آخر، وهو أن الاحتمال في الماء القليل إذا لم يستند إلى سبب لا وقع له في نظر الشارع، والتحرز عنه وسوسة وخزي لا ورع وزهد. ثم ضربوا القاعدة مثالا؛ فقالوا: المجتهد إذا وجد النص والمكي إذا شاهد الكعبة لا يعملان بالظن. وهذا أيضا غفلة عن قولنا: القادر على اليقين؛ فإن من ذكروه متيقن لا قادر على اليقين، فليس مما نحن فيه. إذا القادر على اليقين لا يقين عنده غير أنه بسبيل من أن ينتهي إليه. وإذا علمت خطأهم -نقدا وتمثيلا- فأقول: الصور ثلاث: واصل إلى اليقين وقادر على اليقين، ويجوز توصيله إلى اليقين. الصورة الأولى: الواصل إلى اليقين، ولا يقول عاقل: أنه يعمل بالظن؛ لأن الظن في معارضة القطع مضمحل ومستحيل أيضا عند ذي اليقين إذ لا يتقين عاقل شيئا يظن خلافه، والظن مع معارضة اليقين لا يعقل؛ فإذا لا ظن مع اليقين، فلا يقال: الواصل إلى اليقين لا يعمل بالظن. الصورة الثانية: القادر على اليقين، وهو نص القاعدة، وقد نراه -في بعض الصور- يعمل بالظن جزما، وفي بعضها لا يعمل به جزما، وفي بعضها يختلف فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 والضابط عندي -في ذلك- أن الظن إن عارضه احتمال مجرد لا وقع له في نظر الشارع لم يلتفت إلى ذلك الاحتمال وكان بمنزلة القطع؛ فلا يجب العدول عنه إلى السالم عن ذلك الاحتمال جزما. وهذا كالماء القليل على شاطي البحر؛ فاحتمال النجاسة فيه لا وقع له؛ فيجوز التوضؤ به جزما، ولا يتحرز عنه إلا موسوس. وإن عارضه احتمال قوي جرى خلاف يقوى باعتبار قوته وضعفه، وربما ترقى إلى أن يدرأ له الظن جزما؛ وذلك عند انتهاضه قاطعا أو ظنا راجحا على الظن المثار من الأول؛ فإذا الاحتمال المعارض للظن درجات كثيرة. وفيها مسائل: منها: الشاك في نجاسة أحد الإناءين أو الثوبين ومعه طاهر بيقين الأصح جواز الاجتهاد له. وهو الأصح في من معه إناءان تنجس أحدهما وفي كل منهما قلة هل يخلطهما ليصيرا قلتين أو يجتهد؟. وفيمن اجتهد في دخول الوقت هل يجوز له الدخول في الصلاة مع المقدرة على تمكين الوقت؟ ورجحان العمل بالاجتهاد هنا أقوى منه فيما قبله وإن اشتركا في القوة؛ لاختصاص هذه الصورة بأنه لو لم يعمل في هذه الصورة [بمقتضى] 1 اجتهاده، لفات عليه مطلوب شرعي، وهو أول الوقت. وهو الأصح فيمن كان في مطمورة [وهو] 2 قادر على الخروج ورؤية الشمس؛ إلا أن القول للخروج ورؤية الشمس أرجح من العمل بالاجتهاد في جميع ما تقدم؛ لأنه لا يفوت الوقت، إذ زمانه يسير. ولا يضيع أحد الماءين اللذين لعله لا يجب [خلطهما] 3 ولا يتباطأ زمانه بخلاف الاجتهاد في الثوبين والإناءين؛ فإنه ربما يتباطأ ثم الاحتراز في الصور كلها ورع، بخلاف الأول. وليس في الأصح في مستقبل حجر الكعبة دون البيت؛ بل الأصح فيه أنه لا تصح صلاته، وسببه -مع صحة الحديث فيه- اضطراب لفظ الرواة؛ ففي لفظ: "الحجر من البيت"، وفي لفظ آخر: "سبعة سبعة أذرع منه"، وفي آخر: "سنة أذرع" وفي آخر: "خمسة".   1 سقط في ب. 2 زيادة يستقيم بها الكلام. 3 وفي "ب" ولا يجب خلطهما بالخلط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 والكل في صحيح مسلم؛ فلم تكن على يقين ولا ظن قائم من مروي هذا الحديث؛ فعدلنا إلى اليقين، وهو الكعبة. الصورة الثالثة: من جوز توصله إلى اليقين كمن أشبه عليه إناءان وجوز أن يكون في داره ماء طاهر بيقين؛ فلا يجب عليه الكشف عن ذلك، وهذه نظير مسألة الأصوليين في الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم للغائب والحاضر عنه فقط، وهي مسألة ذات خلاف مشهور ذكر الإمام الرازي في "الحصول" أنه لا ثمرة له في الفقه، اعترضه الشيخ صدر الدين بن المرحل بنحو ما أوردت من الصور؛ فزعم أن ثمرة الخلاف تظهر فيها وتبعته أنا في "شرح المنهاج". ثم لاح لي أنه وهم، فإن القادر على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتقين أنه قادر على اليقين حتى يتيقن أنه أنزل عليه في مسألته وحي؛ وإلا فما لم ينزل الوحي لا حكم، فلا قطع ولا ظن؛ فغاية القادر على سؤاله. عليه أفضل الصلاة والسلام- وأنه يجوز نزول الوحي فيكون مجوزا لليقين. فإن قلت: لم جرى الخلاف الأصولي؟ قلت: مأخذه باقي الاجتهاد مع وجود سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم من التحري وما فيه من سلوك طريق لا يأمن فيه الخطأ مع التمكن من طريق يؤمن فيها الخطأ؛ فوضح ما قاله الإمام فخر الدين1 -من أنه ثمرة للمسألة الأصولية- صحيح. نعم: اختلف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم -خلافا يظهر ثمرته- كما ذكرنا في "شرح المختصر" فيما ذكرناه من الصور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قادر على اليقين. بسؤال ربه تعالى. قاعدة: الموجود المقترن بالمانع الحسي أن الشرعي كالعدم وبيانه بصور.   1 محمد بن عمر بن الحسين بن حسن بن علي العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستان الأصل ثم الرازي ابن خطيبها المفسر المتكلم إمام وفقيه في العلوم العقلية وأحد الأئمة في علوم الشريعة صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث وتوفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة. ابن قاضي شهبة 2/ 366، وفيات الأعيان 3/ 381، لسان الميزان 4/ 426، البداية والنهاية 13/ 55، النجوم الزاهرة 6/ 197، مرآة الجنان 4/ 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 منها: إذا وجد الماء وحال دونه حائل يعجز عن دفعه، أو احتيج إليه لحيوان محترم، أو كان به مرض يمنعه من استعماله. ومنها: لو عتق المسلم عبدا كافرا أو الكافر مسلما ثبت له الولاء؛ ولكن لا يتوارثان، لاختلاف الملتين، كما ثبتت علقة النكاح والنسب بين الكافر والمسلم وإن لم يتوارثا، وعن مالك لا يثبت له الولاء، لاختلاف الدين وعن أحمد يثبت ويتوارثان. فعلى مذهبنا وجد المقتضي للولاء مقترنا بالمانع الشرعي من الإرث. ومنها: وجود من واجبه الإعتاق في الظهار عبدا فاضلا عن حاجته؛ لكن يحتاج إلى خدمته لمرض أو زمانه كالعدم، وكذا كل واجب مالي متعلق بحق الله كالحج على الصحيح، أما المفلس فالمذهب أن المسكن والخادم يباعان وإن احتيج إليها. ومنها: الأصح جواز نكاح الأمة لمن له مسكن وخادم ولا يلزم بيعهما وصرفهما في طول حرة. والوجهان حكاهما القاضي ابن كج كما ذكر الرافعي في النكاح وفي الظهار وزاد في الظهار ابن كج حكى وجهين أيضا في أنهما هل يباعان عليه إذا اعتق شركاء له في عبد، وإن أبا الحسين -وهو ابن القطان، قال: لا يجب العريان بيعهما. قال ابن كج: وعندي يجب قال: وقول أبي الحسين غلط. ومنها: من وجد حرة ولكن رتقاء أو قرناء أو رضيعة أو معتدة عن غيره؛ فله نكاح الأمة على الأصح. قلت: وينبغي أن يقيد في المعتدة بما إذا طال زمانها، أما إذا كان انقضاؤها قد قرب؛ فلا ينبغي أن يجوز بل ينتظر انقضاؤها، كما لو قدر على حرة غائبة لا تلحقه مشقة بالخروج إليها؛ فإنه يجب الخروج إليها، بخلاف ما إذا لحقته المشقة. ومنها: [في] 1 الغصب إذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل فوجهان: رجح الشيخ الإمام وجوب تحصيله ورجح صاحب التنبيه والنووي العدول إلى القيمة مباحثة على هذه القاعدة أنشأها الشيخ الإمام -رحمه الله- نافعة في آية القتل، وآية الظهار وآية الصيام، وآية الوضوء، وغيرها.   1 سقط في أوالمثبت من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المانع الحسي: مانع من تعلق التكليف لأنه ما لا يطاق. وأما الحكمي: فليس في التكليف به تكليف ما لا يطاق؛ فلا بد من دليل عليه. فمن قام به مانع حسي لا نقول: إنه مخصص؛ بل هو غير داخل في اللفظ للعلم بأنه غير مكلف. وأما الحكمي -ويتضح بالمثال- فنقول: إذا قال تعالى في المظاهر {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} شمل عدم الوجدان الحسي، ولا شك في أن صاحبه غير مكلف بالإعتاق؛ فلا يقال: إنه المخصص؛ لأنه لم يكلف بالكلية وإنما قصد بيان حكمه؛ وإن حكمه الخصلة المنتقل إليها. وعدم الوجدان الحكمي كواجد رقبة يحتاجها للخدمة، وهذا يقصد فيه أمران: بين الخصلة المنتقل إليها، وإخراجه من العموم؛ غير أن إخراجه إما بأن يقال: بأنه غير مأمور بالعتق أصلاً. والمقصود بالعموم غيره أو أن العتق غير محتم عليه بل هو مخير بينه وبين الصيام. وإلى كل من الاحتمالين ذهب بعض الفقهاء؛ فذهب بعضهم إلى الأول وقال لا يجوز للعاجز الإعتااق، وذهب أكثرهم إلى الثاني، وهو الصحيح، ويكون مقصود الآية التسهيل على من له عذر أن ينتقل من الإعتاق إلى الصيام فإن تكلف وأتى بالأعلى أجزأ. وعلى هذا هو نقول: الواجب مخير أو معين؟ وهو الصيام الأقرب. الثاني: ولكن الإعتاق يجزيء عنه؛ لأن المقصود والكفارة والإعتاق أكمل في مقصودها. والواجب هو الذي لا يجوز تركه مطلقا، والصيام إنما جاز تركه إلى بدل فلم يخرج عن كونه واجبا. ولا ينكر كون الشيء مرتبا في الذمة مقصودا ويقوم مقامه شيء أعلى منه -من جنسه أو من غير جنسه- إذا كان في معناه سادا مسده. وهذا البحث ينتفع به في آية الوضوء وغيرها، كما لا يخفي على المتأمل وينتفع به في وجوب القضاء على المتيمم في بعض الأحوال؛ لاندراجه تحت الأمر بالوضوء. ولو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 قلنا: إنه لم يندرج أصلا لأشكل إيجاب القضاء، ولكانت كفارة الظهار بالنسبة إلى القادر المعتق واحدة، على العاجز -إلا عن الصوم- واحدة، وإلى العاجز عن العتق والصوم واحدة؛ فتكون خصلة واحدة لا ترتيب فيها. والمعلوم من الشرع أنها ثلاث خصال مرتبة، وظاهر ذلك أنها لكل أحد وهذا يشهد؛ لأن المعتبر في الكفارات حال الأداء، والأول يشهد لاعتبار حال الوجوب: انتهى كلام الوالد. ولقائل أن يقول: قولكم فيمن قام به مانع حسي -أنه غير داخل فلا يقال: إنه مخصص مبني على إنكار التخصيص بالعقل، والأكثر على جوازه، ولم ينقل فيه إلا خلاف لفظي عن الشافعي رضي الله عنه فلعل الشيخ الإمام جرى على مقتضاه. وقولكم في الحكمي -لا بد من دليل عليه- حق غير أن للمعترض أن يقول: بعد اعترافكم بأن الحكم أخرجه كيف تبطلون دليلا؟ ومرادكم ما ادعى أن الشرع أخرجه يحتاج مدعيه إلى دليل، وهذا لا بد منه، ولا ينكره واحد ودليله قياس أو غيره؛ غير أن الاستدلال عليه بالقياس يستدعى جواز القياس على الخارج المستثنى وهو الصحيح. وتردد الشيخ الإمام في العاجز، هل هو غير مأمور بالعتق أصلا أو مخير بينه وبين الصيام. ولعل مادته من الخلاف الذي حكاه أصحابنا في كتاب الصوم أن الشيخ الهرم هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل للفدية للعجز؟ أم يخاطب بالفدية ابتداء؟ وهو على الوجهين في انعقاد نذره إذا نذر في خلال العجز صوما؟ وصحح النووي أنه لا ينعقد، وقوله: إن بعضهم ذهب إلى أنه لا يجوز للعاجز الإعتاق غريب. وقريب منه قول الغزالي في "المستصفى" فيمن يجهده الصوم ويحرمه عليه أنه إذا تكلف وفعله لا يصح. وقوله الأقرب أن الواجب معين ثم يجزي عنه الإعتاق، وأنه لا ينكر الانتقال إلى غير الجنس إذا كان أعلى يشهد له جواز الانتقال في الفطرة إلى أعلى. خلافا لوجه حكاه الماوردي، وهو قوي في غير الجنس؛ ألا ترى أنه لا يجوز إخراج الذهب عن الفضة في الزكاة وإن أخرج ما هو أكثر قيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 قاعدة: الرخص لا تناط بالمعاصي1 وفيه مسائل: منها: رجح الشيخ الإمام رحمه الله أن العاصي بسفره لا يتم، بل عليه أن يعود إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت. ومنها: لا يجوز للعاصي بالسفر الترخص؛ فلا تقصر الصلاة ولا يفطر ولا يستبيح قطعا، ولا يستبيح المقيم على وجه. ومنها: لو استنجي بمحترم -من مطعوم وغيره- فالأصح لا يجزيه؛ لأن الاقتصار على الأحجار رخصة، والرخص، لا تناط بالمعاصي. ومنها: زوال عقله بسبب محرم كشرب مسكر لم تسقط عنه الصلاة ويستثنى مسائل: منها: الأصح صحة المسح على الخف المغصوب والمسروق وخف الذهب الفضة. والثاني: لا؛ لأن المسح رخصة والرخص لا تناط بالمعاصي. ومنها: يجوز الاستنجاء بقطعة ذهب وفضة وحرير نفيس خشنة على الصحيح كما يجوز بالديباج قطعا. فائدة: إن شئت جعلتها مفتتح قاعدة، وقع في كلام الشيخ الإمام رحمه الله في باب المسح على الخفين: الرخص لا تناط بالشك2. ذكر ذلك تعليلا لمذهبه أن ابتداء مدة المسح من حين لبس الخف، وهو مذهب الحسن البصري يذكر الشيخ الإمام أن النووي صرح في "شرح المهذب" أن لابس الخف له أن يحدد الوضوء قبل الحدث. قال: فإن صح هذا صح مذهب الحسن؛ لأنه وقت جواز الرخصة، وإذا احتمل لفظ الشاعر تعيين الحمل عليه وترك ما زاد عليه؛ لأن الرخص لا تناط بالشك. قلت: لكن في صحته نظر، ومقتضى الاستدلال الرافعي وغيره من الأصحاب -أن   1 المنثور 2/ 167، الأشباه والنظائر للسيوطي ص138 ومعنى قول الأئمة أن الرخص لا تناط بالمعاصي أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشي؛ فإن كان تعاطيه في نفسه حراما امتنع معه فعل الرخصة وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه. 2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس بأن ذلك وقت الترخص -أنه لا يحوز، ووقع في "الكفاية" لابن الرفعة عقيب هذا الاستدلال أنه مكروه. ثم فرع الشيخ الإمام على هذه القاعدة أيضا أنه إذا غسل واحدة وأدخلها الخف، ثم الأخرى وأدخلها لا يستبيح، لأنه لم يدخلهما طاهرتين. أصل مستنبط. إذا قوبل مجموع أمرين فصاعدا بشيء من خارج مقابلة أحد ذينك الأمرين ببعض ذلك الشيء؛ فهل يلزم أن يكون الزائد في مقابلة الشيء الآخر أو يجوز أن يكون في مقابلته، وأن يكون المجموع في مقابلة المجموع، أو يجوز أن يكون المجموع عند حصول الزائد في مقابلة الثاني وحده؟ فيه نظر تظهر فائدته فيما إذا انفرد الشيء الثاني عن الأول فهل يقابل بالكل أو بالزائد أولا؛ لأنه إنما ثبت مضموما: إلى الأول عند وجود الأمرين؟ ولهذا أمثلة. منها: ما في صحيح مسلم1 من قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة؛ فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". فيحتمل أن يكون من صلى الصبح في جماعة كان كأنما قام الليل وإن لم يصل العشاء في جماعة. وحينئذ فمن صلى الصبح في جماعة والعشاء في جماعة كمن قام ليلة ونصف ليلة، ويحتمل أنه إنما يكون كمن قام كل الليل إذا كان قد صلى العشاء في جماعة. وعلى هذا الاحتمالان. أحدهما أن يكون من صلى الصبح في جماعة، ولم يصل العشاء في جماعة كمن قام نصف الليل. الثاني: أن لا يحكم له بذلك؛ لأن شرط كونه إذا جمع في الصبح يكون كمن قام نصف الليل أو يكون قد جمع في العشاء. فهذه الاحتمالات أظهرها أن قوله عليه السلام: "من صلى العشاء في جماعة"   1 1/ 454 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة "260/ 656". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 يريد به والصبح، وأن صلاتهما في جماعة تعدل قيام ليلة، وهذا هو الراجح عند المحدثين، ويدل له ما رواه أبو داود1 والترمذي2 من قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة"، قالوا: وطرق الحديث كلها صريحة في أن كل واحدة منهما تقوم مقام نصف ليلة واجتماعهما يقوم مقام ليلة. قلت: لكن بقي انفراد الصبح فأين التصريح بكونه يقوم مقام نصف ليلة؛ لأنه لا بد لهذا من دليل. ومن المحدثين من حمل الحديث الأول على ظاهره، وقال: جماعة العتمة تعدل نصف ليلة وجماعة الصبح تعدل ليلة. فهذه ليلة ونصف لمن صلاهما جماعة، ووجهه أن المشقة في جماعة الصبح أكثر منها في العشاء فناسب أن تضاعف. ومنها: في الصحيحين3: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ... " الحديث. وفي لفظ4، ومن صلى على جنازة فله قيراط، من اتبعه حتى يوضع في القبر فله قيراطان ... الحديث. فلو اتبعه حتى وضع في القبر ولكن ولم يصل عليه احتمل أن لا يحصل له شيء من القيراطين؛ إذ يحتمل أن يكون القيراط الثاني المزيد مرتبا على وجود الصلاة قبله، ويحتمل أن يحصل له القيراط المزيد. وأما احتمال أن القيراطين يحصلان بالاتباع حتى يوضع في القبر وإن لم يصل عليه، فهو هنا بعيد.   1 1/ 152 في كتاب الصلاة/ باب في فضل صلاة الجماعة حديث "555". 2 1/ 433 في أبواب الصلاة/ باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة حديث "221". 3 البخاري 3/ 333 في الجنائز/ باب من انتظر حتى تدفن "1325" ومسلم 2/ 652 في الجنائز/ باب فضل الصلاة على الجنائز وابتاعها حديث "52-945" وأحمد في المسند 2/ 401، والنسائي 4/ 67-77 وابن ماجة 1/ 491 حديث "1539". 4 انظر صحيح مسلم 1/ 653، حديث "54/ 945". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وأما احتمال أن من صلى واتبع حتى يدفن، يحصل له ثلاث قراريط؛ فمرتب على هذا الاحتمال الثالث إن قلنا: من اتبع ولم يصل فله قيراطان؛ فلا شك أن من صلى يزداد قيراطا ثالثا. وقد سأل الشيخ أبو الحسن ابن القزويني1 الفقيه الشافعي الرجل الصالح صاحب الكرامات أبا نصر بن الصباغ عن هذا فقال: لا يحصل لمن صلى واتبع إلا قيراطان، قال له ابن القزويني: جيد بالغ، وطولب ابن الصباغ بالدليل فاستدل بقوله تعالى2: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ... } قال: فاليومان جملة الأربعة بلا شك. ومنها: ما في صحيح البخاري3 من قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد؛ فإن استيقظ وذكر الله تعالى: انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقده كلها ... " الحديث. فلو استيقظ ولم يذكر الله غير أنه توضأ وصلى فهل تنحل عقدتان، أو شرط انحلالها تقدم ذكر الله؟ أو يقال: تنحل الثلاث، لإطلاق قوله: "فإن صلى انحلت عقده كلها"؛ وذلك بقوله: "وكلها" هذا موضع نظرة واحتمال.   1 علي بن عمر بن محمد بن الحسن البغدادي المعروف بالقزويني ولد في المحرم سنة ستين وثلاثمائة، وكان عارفا بالفقه والقراءات والحديث تفقه على الداركي وقرأ النحو على ابن جني. توفي في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. ابن قاضي شهبة ج1 ص229، ص230. تاريخ بغداد 12/ 43، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 299، مرآة الجنان 3/ 61، البداية والنهاية 12/ 62، النجوم الزاهرة 5/ 49. 2 فصلت "9-10". 3 متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، البخاري في 3/ 24 في التهجد/ باب عقد الشيطان على قافية الرأس حديث "1142" ومسلم 1/ 538 في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح 207/ 776. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ومنها: في سنن أبي داود1 والترمذي2 والنسائي3 من حديث عمران بن حصين قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر، ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس؛ فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: "ثلاثون". وفي رواية لأبي داود4 زيادة من حديث معاذ بن أنس وهي "ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال: أربعون"؛ غير أن في إسناد هذه الرواية مقالا5. وقد يعارض بما في الموطأ6 من أن رجلا سلم على أبن عباس على قوله: وبركاته فقال ابن عباس: السلام المنتهي إلى البركة. إذا علم هذا فلا يمكن إفرادها بعد السلام عنه؛ غير أنا نقول: هل العشر المزيدة لقوله: ومغفرته مشروطة بسبق قوله: وبركاته؟ وهل العشر المزيدة لقوله: وبركاته مشروط بسبق لفظ الرحمة؟ كما أن ذلك كله مشروط بسبق لفظ السلام، أو لا يشترط هذين؟ بل لكل لفظ من الألفاظ الثلاثة عشر -وإن انفرد- حتى لو قال: السلام عليكم ورحمة الله ومغفرته، ونحو ذلك يحصل أربعون؟ هذا أيضا موضع نظر واحتمال. ومنها: لو هشم فلم يوضح فوجهان.   1 4/ 350 في كتاب الأدب/ باب كيف السلام حديث "5195". 2 5/ 52-53 في الاستئذان/ باب ما ذكر في فضل السلام [2689] ، وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه. 3 من طريق أبي داود في عمل اليوم والليلة ص287 باب ثواب السلام حديث "327". وأحمد في المسند 4/ 439 والدارمي في السنن 2/ 277 في الاستئذان. 4 أبو داود في المصدر السابق حديث "5196". 5 قال المنذري رحمه الله في إسناده أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون وسهل بن معاذ لا يحتج بهما، وقال فيه سعيد بن أبي مريم أظن أني سمعت نافع بن يزيد. عود المعبود 14/ 103. 6 2/ 959 في كتاب السلام/ باب العمل في السلام حديث "2". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أحدهما: تجب الحكومة؛ لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام. وأصحهما وجوب خمس من الإبل؛ لأنه لو أوضح وهشم وجب عشر، ولو تجرد الإيضاح لم يجب إلا خمس؛ فيكون الخمس في مقابلة الهشم. ووقع في معاياة الجرجاني1 أن الوجهين في أنه هل يجب عشر أو الحكومة؟ ولعل لفظ العشر غلط من ناسخ. فصل: قريب المأخذ من هذا الأصل "إذا تعقب شيء جملة مركبة من أجزاء أو جزئيات؛ فهل يكون المؤثر فيه هو الجزء الأخير منها أو المجموع؟ فيه للعلماء تردد، وقد يظهر في باديء الأمر أنه لفظي؛ لأن الجزء الأخير متوقف الوجود على ما سبقه؛ فلما سبقه فدخل قطعا بهذا الاعتبار، والتحقيق أنه ليس بلفظي بل معنوي يترتب عليه فوائد. والذي يظهر أن المؤثر المجموع، وفي حفظي أنه المعزو إلى مذهب الشافعي، وأن المعزو إلى أبي حنيفة مقابله، ولعل ذلك مأخوذ من اختلافهما في مسألة السكر بالقدح العاشر. كما سنذكره في عد فوائد الخلاف، وهذا الأصل مذكور في الرافعي في باب الخلع في المسألة التي سنذكرها بن المزني والأصحاب فمنها حكم الشافعي رضي الله عنه بأن السكر لا يحصل بالقدح الأخير؛ بل به وبما قبله وليفرض فيمن سكر بعشرة أقداح، ومن ثم قال: حكم ما قبله في التحريم وإيجاب الحد حكمه. والمعزو إلى أبي حنيفة خلافه، ومن ثم لم يجب الحد على شارب النبيذ إذا لم يسكر. والحاصل أن المفسدة إنما تتحقق عند انضمامه إلى غيره. ومنها: وهو على عكسه -إذا أراد النظر إلى الأجنبية لتحمل الشهادة، وهو يعلم أن المعرفة لا تحصل له بنظرة واحدة بل لا بد من نظرتين؛ فاقتصر على واحدة فهل يفسق؛ لأن التحمل لا يقع بها فصارت لغرض غير صحيح أو لا، لأن لهذه تأثيرا في شهادته؟   1 أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة وشيخ الشافعية، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكان من أعيان الأدباء له النظم والنثر وسمع من جماعات وحدث. مات راجعا من أصبهان إلى البصرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 31. وطبقات الشافعية لابن هداية الله 3/ 31، ابن قاضي شهبة ج1 ص260. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فيه احتمالان للروياني؛ ذكرهما في "البحر" قبيل كتاب الشهادات. ومنها: من قفأ عين الأعور لم يجب عليه إلا نصف الدية؛ لأن العمي لا يحصل بهذا الفقء وحده؛ بل به وبما قبله. ومنها: لو قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلى طلقة فطلقها تلك الواحدة فقد نص في "المختصر" أنه لا يستحق تمام الألف، لحصول مقصود الثلاث، وهو البينونة الكبرى بتلك الطلقة. قال المزني -معترضا- لا يستحق إلا ثلث الألف توزيعا للمسمى على العدد المسؤول، كما لو كان يملك الثلاث؛ فطلق واحدة قال: والحرمة لا تثبت بتلك الطلقة؛ وإنما تثبت بها وبما قبلها، فيكون حكمها حكم الأولى والثانية وقاس هذا على مسألتي السكر وفقء عين الأعور. وفرق ابن سريج وابن إسحاق بين أن تكون المرأة عالمة بأن لم يبق إلا واحدة فيستحق الألف أو جاهلة فالثلث. والصحيح الجريان على ظاهر النص -علمت أو جهلت- وأجيب عما احتج به المزني بأن العقل يستتر على التدريج؛ فكل قدح يزيل شيئا من التمييز وزوال البصر كما أثر فيه الفقء. والثاني: أثر فيه ما قبله، والحرمة الموصوفة بالكبرى لا يثبت منها شيء بالطلقتين الأولتين. قال الرافعي: وقد يقال المراد م الحرمة الكبرى توقف الحل على أن تكح زوجا آخر، وهذه خصلة واحدة -لا تتبعض- حتى يتأثر بعضها بالطلقة الثالثة وبعضها بما قبلها. وتوقف الشيخ الإمام -رحمه الله في هذا البحث، وقال: هذا محل نظر، يحتمل أن يقال: بكل طلقة يتشعب النكاح وينقض حق الزوجة، وبالثالثة يتكمل النقص، وبطلان الحق بالكلية. ومنها: لو ضرب في الخمر أحد وأربعين فمات؛ هل يجب كل الضمان أو نصفه أو جزء من أحد وأربعين جزءا؟ فيه أقوال: أظهرها -عند الرافعي والنووي- الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ولو جلد في القذف أحدا وثمانين؛ فهل يجب نصف الدية أو جزء من أحد وثمانين جزءا؟ فيه القولان. ومنها: لو جوع من به بعض الجوع حتى مات، ففي القصاص أقوال؛ أظهرها إن علم المجموع جوعه السابق وجب، وإلا فلا، وعلى عدم القصاص. قيل: يجب الدية بأكملها، والأظهر نصفها. ومنها: العتق في الكتابة، هل ينسب إلى النجم الأخير حتى لا يثبت برجل وامرأتين ويثبت بهما ما قبله أو إلى المجموع؟ ومنها: لو جرح اثنين صيدا جرحين مترتبين وحصل الإزمان بهما وكل منهما لو انفرد لم يزمن؛ فهل الصيد بينهما أو الثاني؟ به وجهان. ومنها: لو اكترى اثنان دابة فارتدفها ثالث بغير إذنهما فهلكت؛ فهل على المرتدف النصف أو الثلث أو التقسيط بحسب الوزن؟ أوجه. ومنها: لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع آخر فيها عدلا آخر عدوانا فهل يغرم جميع الأعدال التسعة؟ والأصح بعضها؛ فقيل النصف، وقيل بالقسط، قال في "الروضة" وهو كخلاف الجلاد. وله نظائر متقدمة ومتأخرة؛ ذكره في مسألة اصطدام السفينتين ومنها: استأجره لحمل مائة؛ فحمل مائة وعشرة، فتلفت الدابة وصاحبها معها ضمن قسط الزيادة، وقيل: النصف، وقيل: الجميع، وهو قول غريب وإن لم يكن معها فالجمهور قالوا يضمن الكل، وعللوه بأنه انفرد باليد، وصار يحمل الزيادة غاصبا. وخالفهم ابن كج -قال الشيخ الإمام: ولقوله اتجاهه- قال: وفي كونه غاصبا نظر؛ لأن تعديه بالزيادة لا يوضع باليد. قلت: وقول ابن كج قياس نظائره في هذه القاعدة ومنازعة الشيخ الإمام في كونه غاصبا، عندي فيه وقفة. ومنها: إذا شهدا بالطلقة الثالثة بعد الدخول ثم رجعا رجع عليهم بالمهر. قال الماوردي: ولكن في قدر ما يغرمان وجهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أحدهما: ما كانوا يغرمون لو كانت الشهادة بالثلاث؛ لأنهم منعوه بها من جميع البضع كالثلاث. والثاني: ثلاثة لأنه ممنوع من بعضها بثلاث طلقات، اختص الشاهدان بواحدة منها: فكان ثلث المنع منها فوجب ثلث الغرم عليهم. وعلى هذا لو كان الزوج طلقها واحدة، وشهدوا عليه بطلقتين لزمهم الثلثان، قال ابن الرفعة في "الكفاية" ولم يظهر لي فرق بين هذه الصورة، وبين ما إذا طلقها واحدة قبل الدخول، وقد جزم بأن حكمها حكم الثلاث. قلت: وهذا عجيب، والفرق أوضح من أن يخفي مثله على ابن الرفعة، فإن الواحدة قبل الدخول تستقل بالبينونة فهي كالثلاث بعده. فصل: عرفت الكلام فيما إذا تعقب مجموع أمور أمر هل ينسب إلى الأخير منها أو إلى مجموعها، وقلنا: إن الخلاف ليس بلفظي؛ بل ترتب عليه فوائد وانفصلنا عن ذلك الفصل. والذي ننبه عليه في هذا الفصل -أن أثر الخلاف في مسائل أخر على نوع آخر له بعض القرب من هذا المأخذ. منها: لو باع الوكيل بأقل من ثمن المثل بقدر لا يتغابن الناس بمثله؛ فهل يضمن الزائد على ما لا يتغابن أو الجميع؟ فيه وجهان، ووجه قرب مأخذهما من هذا أنا هل نجعل العدوان مقصورا على القدر الأخير، أو عاما في كل جزء؛ لأن ما كان قبله إنما كان يغتفر عند انفراده لا عند انضمامه؟ وبهذا يظهر في مسألة الأقداح باب من الكلام للخصوم؛ فلقائلهم أن يقول: هب أن السكر واقع بالمجموع، وأن لكل قدح مدخلا غير أني أغتفر القدح منفردا فلا أحد شاربه، لانتفاء السكر عنه، ولكن أحده مجموعا مضموما إلى غيره، لحصول المفسدة حينئذ تعين ما قلتم أنتم في بيع الوكيل على أحد الوجهين أنه يضمن الكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وطريق جوابنا عن هذا -في مسألة ما لا يسكر من النبيذ- السنة الصحيحة القاطعة لتشكيك المشككين، وترهات المجادلين. ومن حيث المعنى أن مسألة الأقداح وقع الشرب فيها مترتبا على كل قدح منفصل عن صاحبه؛ فأمكن أن يفرد بحكم نفسه بخلاف البيع بأقل مما يتغابن بمثله؛ فإنه وقع دفعة واحدة. ومنها: إذا ادعى على الخارجي غلطا بأكثر مما يتفاوت بين الكيلين فهل يقبل "بالنسبة إلى ما يتفاوت بين الكيلين" الذي يقبل عند الاقتصار عليه؟ فيه وجهان. ومنها: لو أكل من الأضحية. ومنها: لو دفع جميع السهم إلى اثنين، هل يغرم -للثالث- الثلث أو أقل جزء. ومنها: إذا أقام عند الثيب سبعا؛ فهل يقضي أربعا أو جميع السبع؟ ومنها: إذا صب الماء في الوقت وصلى بالتيمم، هل يقضي صلاة واحدة؛ لأنه بالنسبة إلى الصلاة الثانية كمن صب الماء قبل الوقت، أو كل صلاة صلاها بالتيمم ما لم يحدث أو يغلب على الظن إمكان أدائه بوضوء واحد؟ فيه وجوه. ومنها: وقع في واحد من ثلاثة أوان نجاسة ولم يعرف عينه فاجتهد فيها ثلاثة، أدى اجتهاد كل منهم إلى طهارة واحد وأم كل بصاحبه؛ فصلاته التي أم فيه صحيحة، وكذا أول صلاة ائتم فيها بغيره إذا اقتصر عليها؛ فإن لم يقتصر فهل يقتصر العشاء على الأخيرة؛ لأن بها يتعين فقدان الشرط أو يفسدان جميعا؟ فيه وجهان. ومنها: لو أمن مائة ألف من المسلمين مائة ألف من الكفار، قال الإمام: فأمان الكل مردود، وحاول الرافعي فيما إذا صدر هذا التعاقب على الصحة إلى ظهور الخلل. ووافقه النووي وأطلق، وابن الرفعة قيده بما إذا عرف الأول. ولك أن تقول: لم لا يصح، وإن جهل ثم يستعمل القرعة ولي عليه كلام ذكرته في كتاب "التوشيح". ومنها: إذا زاد الأمان على المدة هل تبطل في الزائد أم في الكل؟ فيه خلاف وإذا حققت القدر المشترك بين هذه المآخذ آل بك الذكر خلاف الصفقة وانفتح لك باب لعد مسائلها في هذه القاعدة ما دام الكلام مقصورا على المعيشة؛ فإن عممته في المعية والتعاقب أنجز ذلك الكلام على مسائل انعطاف الحاضر على الذاهب وتذكرت مسائل انعطاف النية ومسألة انعطاف ثواب من نوى في أثناء النهار على أوله ونظائرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فصل: قدمنا الكلام فيما إذا تعقب أمر مجموع أمور لو لم تجمع لما كان، وقد يتعقب أمر أمورا هو غني عن مجموعها، ونعني بغناه عن المجموع أن بعضها كان كافيا في إثارة ذلك الأمر الذي يعقبها. وذلك يعرض في المأمورات كمسح قدر زائد على الواجب في الرأس، والمنبهات كمن شرب من النبيذ قدرا يسكره منه بعضه؛ فهل الحاصل له كائن من مجموعها أو من القدر الذي لو انفرد لأثر؟ فيه نظر واحتمال، ولذلك إذا شهد أربعة بحق يثبت بشهادة اثنين منهم؛ فهل نقول: ثبت الحق بالكل أو باثنين على الإبهام؟ يظهر فيه هذا التردد، وتظهر فائدته في مسائل: منها: لو رجع اثنان هل يتعلق بهما غرم؟ وفيه وجهان أصحهما -وبه قال ابن سريج والإصطخري وابن الحداد- لا غرم عليهما. والثاني، وبه قال المزني وأبو إسحاق -عليهما الغرم بالحصة؛ لكن إذا كان في القصاص فلا قصاص، خلافا للقفال فيما إذا تعمد. ومنها: الأوقاص التي بين النصب أصح القولين أنها عفو، والثاني أن الواجب يبسط على الكل. وتظهر فائدة فيما لو ملك تسعا من الإبل وحال عليها الحول ثم تلف -قبل التمكن- أربع وقلنا: الإمكان شرط الضمان لا الوجوب؛ فإن قلنا: الوقص عفو فعليه شاة، وإلا فالأصح أن عليه خمسة اتساع شاة لا شاة، ومنها لو حضر ابنان للزوج وابنان للزوجة انعقد النكاح، قال الإمام: باتفاق الأصحاب، وقال في "زيادة الروضة" بلا خلاف. ورأى ابن الرفعة تخريج خلاف فيها من مسألة الشهود قبلها، قال: "إن قلنا: لا غرم، فما ذاك إلا لثبوت الحق لاثنين على الإبهام، فيكون الانعقاد -هنا- مضافا إلى اثنين من أربعة؛ فيعود الخلاف. وإن قلنا بالغرم فما ذاك إلا لأن الحق ثبت بالجميع، وقياسه إضافة الانعقاد هنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 إلى الجميع وإذا جرد النظر إلى واحد واحد كان متصفا بما يمنع الانعقاد. قلت: ولمنازع في الأول أن يقول: لم قلت إن عدم الغرم لا يكون عند الثبوت الأربعة؟ وجاز أن ينتفي الغرم -وإن ثبت الحق بالأربعة- لبقاء من تنهض به الحجة. وبذلك وجه ابن الصباغ -كما نقله الرافعي عنه في الزكاة- قول أبي إسحاق فيما إذا تلف أربع من التسع قبل التمكن -المسألة المتقدمة- أن عليه شاة؛ فقال الزيادة على الخمس ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها -وإن تعلق بها الواجب- كما لو شهد خمسة بالزنا ورجع الخامس بعد الرجم فلا ضمان. وإن كنت -أنا- لا أرتضي هذا التوجيه؛ لأن المنقول عن أبي إسحاق في هذه المسألة- أن على الراجح الضمان فكيف يوجه مذهبه في الزكاة بخلاف ما يعتقده في الشهادة. ثم قول ابن الرفعة: أنه ثبت باثنين -على الإبهام- محتمل لكن جعله ذلك أصلا لعدم الغرم يقتضي أنه لما رجع الاثنان تبين ثبوت الحق باللذين لم يرجعا، وليس كذلك؛ لأن الحكم إنما وقع بمبهم فكيف يعود بمعين وليس كمن طلق -مبهما- ثم عين، فإن ذلك له أن يعين ما أبهم. وهذا حكم مستند إلى مبهم، فاعتقاد أنه استند إلى معين -بعد ذلك- مكابرة في المحسوس؛ وإنما كان يمكن هذا لو كان رجوع الراجعين يخدش في الحكم المستند إلى شهادتهما لكنه لا يخدش؛ إذ لا ينقض الحكم برجوعهما. نعم يمكن أن يوجه عدم الغرم بأنه لما وقع الحكم بالمبهم لم يكن إلزام هذين بغرم، إذ لا يتعين أن يكون الحكم بهما. فإن قلت: أفصح لي عما تعتقد في الشهود الأربعة، أتعتقد ثبوت الحق بالمجموع؟ أم باثنين مبهمين؟ أم ماذا؟ قلت: إن شهدوا دفعة واحدة؛ فالأظهر ثبوته بالمجموع ويحتمل أن يقال ثبت "باثنين" واجتماعهما كاجتماع دليلين على مدلول واحد -عند من يقول به- ويحتمل [أن يقال] ثبت باثنين مبهمين؛ لكن لا يصيران معينين أبدا، لأن الحكم إنما وقع هكذا. وإن شهدوا مرتبين فقد يقال: ثبت بالمجموع وقد يقال: ثبت بالأولين ولا ينبغي أن يقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 هنا بالإبهام لأن المقتضي لحكم القاضي قد حصل بشهادة الأولين. قبل شهادة الآخرين -وإن لم يكن المانع منه إلا عدم سؤال المدعي- إذ لو سأل قبل شهادة الأخيرين لتعين الحكم، وبهذا يظهر لك أن الواقعة فيها شهود ليست أرجح من الواقعة فيها شاهدان، وأنه لا ترجيح بكثرة الشهود -كما هو مذهبنا- بل أن الكثرة قد تضر؛ فإن استناد الحكم يبقى على ما ذكرنا من التفصيل والاحتمال وسيزداد هذا بيانا. فأقول: وحيث قلنا: إن الحق ثبت بالمجموع؛ فقد يقال: إذا رجع اثنان وبقي النصاب المعتبر -ولنفرض ذلك في العقوبات قبل الاستيفاء- فينبغي ألا يستوفي؛ حتى يعود الأولان ويعيدان شهادة جديدة؛ لأن شهادتهما الأولى لم يكن الحكم بها مجردة، بل بها مع غيرها فيصير رجوع البعض مبطلا للمجموع الذي هو الحجة، ورجوع الحجة قبل استيفاء العقوبة يمنع من استيفائها فليكن هذا مثله أو هو هو، فتأمل ما أجربته لك من البحث. أما قول ابن الرفعة في الثاني -لو جردنا النظر إلى كل واحد لكان متصفا بما يمنع الانقعاد ... فممنوع على القول بأن الشاهد لأبيه وأجنبي يقبل، وهو الصحيح. ثم لمنازع أن ينازع ابن الرفعة في أصل التنظير، ويقول: ليست مسألة ابني الزوج وابني الزوجة كمسألة الأربعة في الحق الذي ثبت باثنين، ولا مما نحن فيه؛ لأن كلامنا في مجموع ينشأ عنه ما ينشأ عن بعضه، كما في الأربعة ينشأ عنها ما ينشأ عن الاثنين لو تجرد، أما ابنا الزوج وابنا الزوجة فليس بعضهم بكاف؛ ألا ترى أنه لو شهد ابن الزوج وابن الزوجة أو ابنا الزوج وابنا الزوجة، ففيه وجوه شهيرة. فإن قلت: أتقطع بانتفاء الخلاف عن ابني الزوج وابني الزوجة، كما نفاه النووي قلت: لا، ولكني لم أره، وما ذكره ابن الرفعة من التخريج فيه ما عرفت. فإن قلت: هل لا يصح أن يخرج فيها خلاف من وجهين حكاهما الرافعي في كتاب الطلاق فيما إذا قلنا بصحة النكاح بالكتب؛ فكتب. هل يشترط أن يحضر القبول شاهد الإيجاب؟ وقال: أصحهما ألا يشترط وبه جزم في كتاب النكاح، ووجه التخريج أنه لا يثبت بابني الزوج إيجاب النكاح ولا بابني الزوجة إلا قبوله. قلت: وقد يفرق بأن كلا من الأبناء يشهد على النكاح بجملته؛ وإنما وقع الرد في حق أصله، وليس هو بمردود على الإطلاق؛ ألا ترى أنه لو شهد خشية ابتداء، قيل كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 قال الأصحاب في الأب يشهد بنكاح ابنه إن شهد ضمن دعواه لم يقبل، وإن شهد خشية ابتداء قبل. فإن قلت: لو كان كل الأبناء يشهد بجملة النكاح لجرى فيه الخلاف فيمن شهد لأبيه وأجنبي. قلت: قد بينا بأنه يعرف أنهم لم يشهدوا؛ وإنما حضروا عقد النكاح ولسنا على جزم بالاحتياج إلى شهادتهم لأصلهم لأنه قد لا تقع شهادة، وبتقدير وقوعها قد تقع مقبولة فيما إذا أخرجوها مخرج الحسبة؛ فليس كمن بت شهادته لأبيه وأجنبي. أنه جاء بشهادة بعضها مردود، وهذا لم يأت إلى الآن بشيء فكيف تبطل؟ فإن قلت: المعتبر في شهود النكاح أن يكونا بصفة القبول وقت الأداء، ولذلك لم تنعقد بالفاسقين. قلت: هذا على إطلاقه غير مسلم، ولذلك ينعقد بالمستورين، ثم قلت: إنهما ليسا بصفة القبول عند الأداء، وقد قلنا: إنه جاز أن تكون شهادتهما عند الأداء مقبولة. ومن ثم امتنع بعض الأصحاب في إجراء الخلاف في الانعقاد في العدوين، قال: لأن العدواة قد تزول. فصل: يقرب من هذه المآخذ: إذا تولد الشيء بين مضمون وغير مضمون؛ فهل يعطى جميعه حكم الضمان. وفيه صور: منها: إذا أوجبنا الضمان بالختان -كما في الحر والبرد المفرطين- فالواجب جميع الضمان للتعدي أو نصفه؛ لأن أصل الختان واجب والهلاك حصل من مستحق وغير مستحق؟ فيه وجهان: قال الرافعي: أظهرهما الثاني. ومنها: وجهان كذلك في إقامة الجلد في الحر أو البرد المفرطين. ومنها: إذا ضربه -في الجلد- فأنهر دمه فلا ضمان عليه؛ لأنه قد يكون ذلك من رقة الجلد، فإن عاد فضربه في موضع انهار الدم ففي الضمان وجهان. فإن أوجبناه ففي قدره وجهان: أحدهما: جميع الدية، والثاني: نصفها ذكره القاضي مجلى في "الذخائر" في كتاب موجبات الضمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أصل مستنبط: كل من يتوقف صحة الشيء على إذنه لم يؤثر منعه فيه بخلاف من يتوقف وجود الشيء على إذنه فإن منعه مؤثر في إبطاله. ومن ثم لو نهت غير المجبر عن أن يوكل في تزويجها لم يكن له التوكيل ادعى الإمام البغوي أنه لا خلاف، وقال الماوردي: إن قلنا: لا يعتبر إذنها لتوكيل لم يؤثر منعها منه. ومن هنا أثبت ابن الرفعة خلاف، وشكك به على دعوى الإمام البغوي نفي الخلاف، ونازعه الشيخ الإمام وقال: الأشبه القطع بنفي الخلاف. قاعدة: "ما ثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط"1 قاله الأصحاب ووجهوا به القول الصحيح في أنه إذا قال طلقتك بألف على أن لي الرجعة يسقط قوله بألف ويقع رجعيا؛ لأن المال ثبت بالشرط والرجعة ثبتت بالشرع فكانت أقوى. غير أن لك أن تقول: الماء ثبت في الخلف بالشرع أيضا فينبغي أن يكون الساقط -هنا المال المعين لا مطلق المال، لأن الشرع يثبته فليس دفع المال أولى من دفع الرجعة. وسيجيء في هذا البحث تتمة من حرف الباء من قسم النحو في أواخر هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- والقاعدة صحيحة؛ وإنما الكلام في تخريج هذا الفرع عليها وأوضح منه تدبير المستولدة فإنه لا يصح؛ لأن عتق المتولدة عند الموت ثابت بالشرع فلا يحتاج وقت الموت إلى تدبير. ونظيره الشرط الذي يقتضيه العقد: الصواب عندنا أنه لا يضر ولا ينفع ومقتضى العقد مستفاد من العقد بجعل الشارع لا من الشرط، وهو رأي الإمام الغزالي والرافعي وغيرهم.   1 المنثور 3/ 134، الأشباه للسيوطي 149. قال الزركشي: أشار الرافعي لهذه القاعدة في فروع التعليقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وقول المحاملي: "إن شرط مقتضى العقد صحيح" - إن عني به أنه لا يفسد فحق، وإن عني به أنه يؤثر شيئا فلا نوافقه عليه. وقد يقال: يكون المعلول علتان -على رأي من يجوز اجتماع علتين- وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله في مسائل أصول الدين عند الكلام على التعليل بعلتين. وكل هذه الفروع تدل؛ لأنه [إذا اجتمع خيار المجلس وخيار الشرط يكون ابتداء خيار الشرط من حين التفرق] 1، وهو وجه؛ لأن ما قبله ثابت بالشرع، فلا يحتاج إلى الشرط. وقد يقال: لا تعارض بينهما عند من يجوز اجتماع علتين وتشبه هذه القاعدة نذر الفرائض فإنه لا يصح؛ لأنها ثابتة بالشرع وورود الالتزام عليها لا يفيد شيئا، وذلك مما يوضح أنه لا يجتمع علتان. قاعدة: "الإكراه يسقط أثر التصرف فعلا كان أم قولا". وسنتكلم على هذه القاعدة في أصول الدين، ونقتصر -هنا- على المستثنى منها، وهو مسائل: ذكر الغزالي منها في كتاب الطلاق خمسا. منها: الإسلام، وفي استثنائه نظر؛ فإنه إذا كان المكره عليه ذميا فالأصح عدم صحته وإن كان حربيا أو مرتدا فالإكراه هنا بحق. وقولنا: الإكراه يسقط أثر التصرف بخصوص الإكراه بغير حق ما سنبين في أصول الدين إن لم نجعل صفة الإكراه منافية للتكليف وهو الحق وإن جعلناها منافية فلا فرق بين الإكراه بحق وباطل فليقع الاستثناء2. ومنها: الرضاع والاستقبال والحدث؛ فيصح عن إكراه لتحققها في أنفسها. وحكى الرافعي عن الحناطي في مس الذكر ناسيا وجهين لا يبعد جريانهما في الإكراه. ومنها: الأصح بطلان صلاة المتكلم في الصلاة مكرها، ولا خلاف في بطلانها بالأفعال الكثيرة وإن صدرت عن إكراه، واختلفوا في فطر المكره. ومنها: الإكراه على القتل لا يتجه إجماعا، ولا يسقط القصاص على الصحيح،   1 سقط من أوالمثبت من ب. 2 في "ب" فليقع الاستثناء على هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ولا يصح استثناء القتل؛ لأن ما من شيء يكره به عليه إلا وهو أشق منه، وقد يعرض في قول القائل -اقتل هذا وإلا قتلتك قبله- تعذيب بكيفيات يصعب على النفوس ويسقط مطلق القتل في مقابلتها. ومنها الزنا: إن قيل: يتصور الإكراه عليه وهو الصحيح؛ فإنه لا يباح بالإكراه. ومنها: إذا علق الطلاق على صفة فأكره عليها ففيه قولان. ومنها: إذا تبايعا في عقد الصرف وتفرقا مكرهين قبل القبض، نقل صاحب الاستقصاء عن صاحب الإفصاح أنه يبطل. وقد يعترض على هذا بأن الإكراه لا يبطل خيار المجلس على الصحيح. ويجاب بضيق باب الربا، وللوالد -رحمه الله- كلام مبسوط في شرح المهذب والمنهاج. ومنها: الحلف بالله مكرها ينعقد يمينه -على وجه حكاه ابن الرفعة- ولعله أخذه من تعليقة القاضي أبي الطيب فإنه حكاه فيها. ومنها: الوكيل في الطلاق إذا أكره ففي صحته احتمالان لأبي العباس الروياني أحدهما: الوقوع لحصول اختيار المالك، وأصحهما عنده أنه لا يقع لأنه المباشر. قاعدة: "معزوة إلى الأودني". "ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالإكراه وما لا فلا". ويرد شرب الخمر؛ فإنه يباح بل يجب بالإكراه وحده لا يسقط بالتوبة على الأصح والقذف مثله أيضا. قاعدة: الاشتغال بغير المقصود. إعراض عن المقصود1. في صور منها: لو حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها فتردد فيها ساعة من غير غلط حنث، وفيه بحث للرافعي. ومنها لو قال طالب الشفعة للمشتري عند لقائه: بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا بطل حقه.   1 الأشباه للسيوطي ص158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ومنها: لو كتب أنت طالق ثم استمر فكتب إذا جاءك كتابي فإن لم يحتج إلى الاستمرار طلقت وإلا فلا؟ إذ لا إعراض. قاعدة: "الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه1 واعتراف بصحته". في مسائل منها: رضا أحد الزوجين بعيب صاحبه؛ فازداد العيب فلا خيار على الصحيح لأن رضاه به رضا بما يتولد منه. ومنها: ادعت المنكوحة برضاها -حيث يعتبر إذنها- أن بينها وبين الزوج محرمية لم يقبل؛ لأن رضاها بالنكاح يتضمن اعترافها بحكمه؛ فلا يقبل منها نقضه إلا إذا ذكرت عذرا، كنسيان ونحوه فتصدق لتحليفه. ومنها: علمت بإعساره عن المهر وأمسكت عن المحاكمة بعد طلب المهر كان رضاه بالإعسار مسقطا للخيار؛ بخلاف ما إذا كان قبل الطلب لاحتمال أن التأخير لتوقع النسيان. ومنها: لو ادعت بعد الدخول -وهي معتبرة الإذن- أنها زوجت بغير إذنها، قال البغوي: لا يقبل، قال الرافعي كأنه نزل الدخول منزلة الرضا. ومنها: لو قال رشيد: اقطعني ففعل فسرى فهدر، وفي قول: تجب الدية. ومثل علماؤنا لذلك بالقيمة من إيجاب الزكاة في الشاة. وأنا متوقف في صحة التمثيل به، وأقول لمن أجاز القيمة أن يقول: أنا مستنبط معنى معمم لا بيطل؛ لأني لا أمنع أجزاء الشاة، وهي شيء ذكرته في شرح المختصر، وأنا باق عليه؛ غير أني هنا أقول: قد يقول أصحابنا: هب أنك تقول أجزاء الشاة إلا أنك من حيث لم تحصر الأجزاء فيها مبطل للفظها في قول النبي صلى الله عليه وسلم - "في أربعين شاة شاة2   1 وقريب منها قاعدة المتولد من مأذون فيه لا أثر له. انظر المنثور 2/ 176، الأشباه للسيوطي ص141. 2 أبو داود في السنن 2/ 99 في الزكاة/ باب في زكاة السائمة "1572" وفيه الحارث الأعور وعاصم بن ضمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وليست القيمة أعم من الشاة بل هي قيمة لها فما لذكر الشاة فائدة؛ إذ لا تنبيه فيها بالأخص على الأعم؛ إذ لا أعم هنا كما بيناه، ولا هي نفس الواجب على ما زعمت الخصوم، ولكني لا أرتضي هذا كل الرضا. وأقول: قد يقول الخصم: جاء ذكر الشاة من قبل مقابلته لمثله؛ فإنه لما كان الموجب فيه شياها حسن في اللسان أن يذكر لفظ المقابل بإزائه؛ ألا ترى أن أحدا لم يقل بأن القيمة لا تجزئ في الإبل والبقر وتجزئ في الغنم؛ بل إنها ما تجزئ في الكل فلم يكن لفظ الشاة واردا لتعينه فافهم ذلك فيه يضمحل التمثيل. وأنا أرى أن نمثل لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم "ذكاة الجنين ذكاة أمه" 1 فلقد اقتحم الخصوم فيه أمر عظيما وقدروا لفظ المثل فقالوا المعنى مثل ذكاة أمه وهذا التقدير مع كونه غير محتاج إليه لإمكان صحة الكلام دونه باطل لأنه عائد على الكلام بالإبطال وتصييره لغوا؛ فإن الجنين إن احتيج إلى ذكاته فذكاته كذكاة سائر الحيوانات -لا خصوصية لأمه- ثم إن كل عاقل يعرف أن ذكاته كذكاتها وذكاة غيرها بلا تفاوت فلا يكون اللفظ مقيدا، البتة. ونظيره تقدير بعض المالكية "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال"2، أن المعنى بست من الفطر إلى أيام الفطر؛ فلا فرق بين شوال وغيره ثم قال: ينبغي تفريقهما ولا يأتي بها متتابعة؛ فانظر كيف محقوا اللفظ محقا. فصل: ويجوز استنباط معنى يعمم، كمشوش الفكر من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" 3؛ فلقد عممنا الغضب، ونقل القاضي أبو الطيب الإجماع على ذلك. وخصصناه بالغضب إلا الله؛ إذ لا كراهة على ما ذكر الإمام البغوي فيما إذا كان الغضب لله، واستنباط معنى يعمم هو باب القياس.   1 أبو داود 3/ 103 الأضاحي/ باب في المبالغة في الذبح "2826"، والحاكم في المستدرك 4/ 114 في كتاب الأطعمة باب ذكاة الجنين، وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. 2 مسلم من حيث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه 2/ 822 في الصيام/ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال "204/ 1164". 3 البخاري 13/ 136 في الأحكام/ باب هل يقضي القاضي ... حديث "7158" ومسلم 3/ 1342-1343 في الأقضية/ باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان "16/ 1717". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فصل: وفي استنباط معنى يخصص قولان. قال ابن الرفعة في الصداق من "المطلب" يظهر أثرهما في مسائل: منها: قوله صلى الله عليه وسلم "لا تتلقوا الجلب" 1 وقوله صلى الله عليه وسلم "من اشترى ما لم يره" 2، ونهيه صلى الله عليه سلم عن بيع اللحم بالحيوان3، وغير ذلك قال: فمن نظر إلى اللفظ أثبت الخيار عند صدق تلقي الجلب وإن لم يحصل غبن وعند موافقة المبيع لما وصف عند رؤيته، وصنع بيع اللحم بحيوان غير مأكول، ومن نظر إلى المعنى عكس الحكم". قلت: وكذلك "ليس للقاتل من الإرث شيء"، من تعليق بلفظه عمم القاتل - خطأ وبحق وغيرهما من نظر إلى المعنى خصصه. وكذلك قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 4 من اعتبر تجرد اللفظ نقض الوضوء بمجرد لمس المحارم، ومن نظر إلى المعنى خصصهن. وقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 5. من اعتبر اللفظ منع فرار عشرين ضعفاء من المسلمين من تسعة وثلاثين من اعتبر المعنى جوزه.   1 مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 3/ 1157 في كتاب البيوع/ باب تحريم تلقي الجلب "17/ 1519". 2 أخرجه الدارقطني في سنته عن زاهر بن نوح، ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، ثنا وهب اليشكري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ... " وزاهر بن نوح لا يعرف. 3 أخرجه أبو داود 3/ 250 في كتاب البيوع/ باب في الحيوان بالحيوان نسيئة حديث "3356" والترمذي 3/ 538 في البيوع / باب من جاء في كراهية بيع الحيوان الحيوان نسيئة "1237"، وقال: حسن صحيح، بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "2270"، وأحمد في المسند 5/ 12-19-21 والدارمي في السنن 2/ 254 في البيوع/ باب في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان. 4 النساء "43". 5 الأنفال "66". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وقوله صلى الله عليه وسلم "من احتكر فهو خاطيء" 1. ومن اعتبر اللفظ حرم الاحتكار في كل موضع وفي كل سلعة -وإن لم يضر- وهو المنقول عن مالك، ومن اعتبر المعنى خصصه بوقت الغلاء، وعليه مذهبنا. تنبيه: لا يخفى عليك أن الممتنع على أحد القولين؛ إنما هو [إسقاط] 2 معنى -من نص وغيره- يعود عليه بالتخصيص، لاعتقاد أنه مبطل. أما استنباط معنى -من نص وغيره- يعود عليه بالتخصيص فلا يمتنع ثم يتعارض. وهو وإن كان مستبطا من نص آخر قدم عليه، أو من قياس فالكلام فيه كالكلام في التخصيص بالأقيسة؛ فإياك أن تبحث على كل عام أخرجت منه صور لمعان استنبطت وتقول لم لا جرى فيها قولان؛ بل ليس لك هذا السؤال إلا أن وجد المعنى استنبط من اللفظ نفسه لا من سواه. وإلا فكم من عام خصص بالمعاني وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} 3 مخصوص بالمسلمين إجماعا. وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} 4 خص من ذوي القربى الكفار بلا خلاف وخص أبو حنيفة الأغنياء واشترط الشافعي الفقر في أبناء السبيل، وتردد في اليتامى؛ فأما تخصيصهم الكفار فليس من معنى مستنبط من النص، بل لأن المأخوذ منهم لا يرد عليهم، وغير ذلك من أمور خارجية. قاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور ومن أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".   1 مسلم من حديث معمر بن عبد الله العدوي 3/ 1227 في كتاب المساقاة/ باب تحريم الاحتكار في الأقوات "129/ 1605". 2 سقط في ب. 3 سورة: التوبة آية: 60. 4 سورة: الأنفال آية: 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله: "إن العريان يصلي قاعدا"؛ فقالوا إذا لم يتيسر ستر العورة فلم يسقط القيام المفروض؟ وذكر الإمام في أواخر الغياثي ومن خطه نقلت أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة. وقد ذكر الشيخ الإمام في باب التيمم من "شرح المنهاج" وأكثر من عد مسائلها. فمنها: إذا كان مقطوع بعض الأطراف يجب غسل الباقي جزما. ومنها: إذا قدر على بعض السترة فعليه ستر القدر الممكن. ومنها: إذا قدر على بعض الفاتحة أتى بها. ومنها: إذا لم يمكن المصلي رفع اليدين إلا بالزيادة على المشروع أو نقص أتى بالممكن. ومنها: إذا انتهى المظاهر إلى المرتبة الأخيرة؛ فلم يجد إلا إطعام ثلاثين. قال الإمام: يتعين عندي إطعامهم قطعا. ومنها: إذا وصى بإعتاق عبد فلم يخرج كله من الثلث عتق ما يخرج منه قطعا. ومنها: إذا وجد من الماء ما لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله، والقولان جاريان فيما إذا لم يكن معه ماء ولكن معه ما يشتري به ماء. ومنها: إذا قدر على بعض الماء ولا تراب معه فطريقان: أصحهما يجب استعماله والثانية طرد القولين. ومنها: الأصح -في القدرة على بعض التراب- الوجوب وقيل: على القولين. ومنها: إذا كان في بعض بدنه ما يمنع استعمال الماء غسل الصحيح وتيمم على الجريح، وقيل: على القولين. ومنها: إذا قدر على بعض الصاع من الفطرة لزمه إخراجه - على الأصح. ومنها: إذا قدر على بعض الرقبة في الظهار لم يقدر على الصيام ولا الإطعام؛ فأوجه خرجها ابن القطان. أحدها: الاكتفاء به. والثاني: إخراجه، ويبقى الباقي في ذمته. والثالث: لا يخرجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ومنها: عتق بعض الرقبة وهو موسر ببعض قيمة الباقي فالأصح السريان إلى القدر الذي هو موسر به. ومنها: أوصى بشراء عبد بألف وعتقه فلم يخرج الألف من الثلث وأمكن شراؤه بما يخرج منها وجب. ومنها: عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها غسله قطعا، وقيل: على القولين. ومنها: لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه القيام خلافا لأبي حنيفة. ومنها: لو لم يقدر على الانتصاب بأن تقوس ظهره وصار في حد الراكعين فقال الغزالي -تبعا لإمامه- يقعد. والأصح لا؛ بل يقف راكعا. ومنها: لو اطلع على عيب المبيع ولم يتيسر له المبادرة بالرد ولا الإشهاد من وجوب التلفظ بالفسخ وجهان جاريان فيه وفي الشفعة. ومنها: اشترى الشقص بثمن مؤجل فالشفيع مخير بين أن يعجل ويأخذ الشقص في الحال وأن يصير إلى حيلولة الأجل -على أصح الأوجه- وهل بنيه المشتري على المطلب؛ فيه وجهان. ومنها: ملك مائة نقدا أو مائة مؤجلة على مليء فكيف تزكي؟ والتفريع على الأوجه وهو أنه تجب الزكاة في المؤجل ولا يجب الإخراج في الحال ولكن بعد الاستيفاء الأصح أنه يلزمه الإخراج عما في يده؛ لأن الميسور لا يتأخر بالمعسور. ومنها: ذكر العراقيون -عن نص الشافعي- أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا من تحريكه إياه في قراءة الفاتحة، قالوا: والتحريك من غير قراءة كالإيماء بالركوع والسجود. وقال الإمام في "النهاية" وهذا مشكل عندي؛ فإن التحريك بمجرد لا يناسب القراءة ولا يدانيها، فإن إقامته -بدلا- بعيد. قال "ثم يلزم -على قياس ما ذكروه- أن يلزموا التصويت من غير حروف مع تحريك اللسان، وهذا أقرب من التحريك المجرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ثم على الجملة قلت: أراه بدلا عن القراءة، وإذا لم يكن بدلا فالتحريك الكثير يلحق بالفعل الكثير انتهى. ومنها لو خاف الجنب -من الخروج من المسجد- على نفس أو مال يلبث، ووجب عليه التيمم -إن وجد غير تراب المسجد. صرح به القفال والأستاذ أبو منصور وصاحب التتمة وأفهمه كلام الرافعي في "الشرح الكبير"، وصر به النووي في الروضة، ووجهه أن أحد الطهورين وهو التراب ميسور فلا يسقط المعسور. ووقع في عبارة الرافعي في "الشرح الصغير"، في هذه المسألة أنه يحسن ويتعين تأويلها، لئلا تخالف النقل والعقل. فإن قلت: يؤيد ظاهرها -الشاهد لعدم الموجود- قول القاضي أبي الطيب فيمن أحدث ومعه مصحف -ولم يجد الماء وهو قادر على التراب- أن له حمله من غير تيمم. قلت: وقد أفتى القفال في هذه الصورة أيضا بأنه يتيمم؛ فلم يكن قول القاضي أبي الطيب مسلما. ثم أقول: كلام القاضي محمول على من المصحف في يده فلم يغتفر إلقاؤه على الأرض لأجل الطهارة الكبرى. وإذا حمل على المصحف في يده لم يكن كمسألة الجنب في المسجد. ومنها: إذا وجد مانع من الجماع -طبيعي- في الزوج بعد مضي المدة المحسوبة في إيلاء كمرض لا يقدر معه على الوطء؛ فيطالب بالفيئة باللسان أو الطلاق إن لم يفئ. ومنها: من اجتمع عليه قتله وصلب فمات ففي وجوب صلبه وجهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 " ويستثنى من القاعدة مسائل ": منها: إذا لم يجد المظاهر إلا بعض رقبة عدل إلى البدل. منها: الشفيع إذا وجد بعض ثمن الشقص لا يأخذ قسطه من الشقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ومنها: إذا قال الموصي: اشتروا ثلثي رقبة وأعتقوها فلم يجد رقبة لا يشتري الشقص. ومنها: أوصى بشراء -رقاب وعتقهم فلم يتيسر إلا اثنان وشقص لم يشتر الشقص- على الأصح- عند الرافعي والنووي، وخالفهما ابن الرفعة والوالد. ومنها: لو لم يجد المحدث إلا ثلجا أو بردا -لا يقدر على إذابته- وجب استعماله على المذهب. وقيل: يجب، فيتيمم على الوجه واليدين، ثم يمسح به الرأس. ثم يتيمم على الرجلين. قاعدة: إذا تضمن الشيء الخروج من أمر فلا يتضمن الدخول في مثله، وإن شئت قل: الشيء الواحد لا يتضمن الخروج والدخول في شيء واحد أو: الشيء الواحد لا يتضمن قطع الشيء ووصله. أو الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد جميعا. وهذه عبارة الرافعي ذكرها عند الكلام في بيع المبيع في زمن الخيار ومن ثم مسائل: منها: لو كبر للإحرام للصلاة ثم كبر ثانية أو أكثر قاصدا بكل واحدة من تكبيراته -تكبيرة الإحرام؛ فإن صلاته تنعقد بالأوتار وتبطل بالإشفاع، فإن انتهى إلى وتر فصلاته صحيحة وإن انتهى إلى شفع لم تصح لأنها تنعقد بالأولى فإذا كبر الثانية للإحرام يضمن إبطال الأولى والدخول في الصلاة والتكبيرة الواحدة لا تصلح لقطع الصلاة ووصلها فتبطل صلاته؛ فإذا كبر الثالثة انعقدت: لأنه ليس في صلاة، فإذا كبر الرابعة بطلت لما قلناه في الثانية، وهلم جرا. وقد ذكر النووي هذه المسألة -"في الروضة" في باب "صفة الصلاة"- من زوائد - لكونها ليست في الرافعي في هذا الباب ولكنها في الرافعي في موضعين في البيع عند الكلام في أن بيع البائع المبيع في زمن الخيار هل يكون فسخا؟ وفي الشفعة عند الكلام في تصرف المشتري في الشقص. فليست من زوائد الروضة -على الإطلاق- بل باعتبارات صفة الصلاة فقط. ومنها: لو تصرف المشتري في الشقص فعن أبي إسحاق أنه ليس للشفيع نقض تصرفه، كما لا ينقض بناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 واختلفوا في موضع هذا الوجه فمنهم من خصصه بتصرف تثبت فيه الشفعة ومنهم من عمم، وقال: تصرف المشتري يبطل حق الشفيع مطلقا نعم لو كان بيعا ونحوه يحدد حق الشفعة، وعن رواية الشيخ أبي علي لا يتجدد أيضا؛ لأنه كان مبطلا للشفعة لا يكون مبتا لها كمسألة الصلاة. فإن قلت: الأصح صحة بيع البائع العين المبيعة في زمن الخيار إذا كان الخيار له، ثم الأصح أن ذلك فسخ للبيع السابق؛ فهذا تصرف يتضمن إبطال بيع سابق وصحة بيع لاحق. قلت: إبطال البيع السابق وقع ضمنا على وجه البيع، وليسا مقصودين. ومنها: للمتوضئ تفريق النية على أعضائه على الأصح، أن ينوي -عند الغسل الوجه- رفع الحدث عن الوجه- وعند اليدين رفع الحدث عن اليدين وكذا عند الرأس والرجلين. وذهب الشيخ أبو حامد الراذكاني الطوسي1 شيخ الغزالي فيما نقله عن ابن الصلاح- إلى أن صورة التفريق أن ينوي -عند الوجه- رفع الحدث عن جميع الأعضاء. ثم يعود إلى مثل ذلك في كل عضو. واعتراضه ابن الصلاح بأن ذلك ليس قطعا؛ بل هو تأكيد لما تقدم. قلت: وبتقدير كونه قطعا؛ فإنما هو قطع لنية ما وراء العضو الذي انغسل ثم هو قطع ضمني فيغتفر.   1 أحمد بن محمد الطوسي ذكره في الطبقات الكبرى وقال: وهذا الراذكاني أحد أشياخ الغزالي في الفقه تفقه عليه قبل رحلته إلى إمام الحرمين. وقال: وراذكاني براء مهملة ثم ألف ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم كاف ثم ألف ثم نون من قرى طوس. الطبقات الكبرى 4/ 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ومنها: ذكر ابن الصباغ فيما نقله عن شبيب الرحبي1، أن عتق المبيع قبل القبض؛ إنما صح مع كون بيعه غير صحيح، لأن العتق قبض، بخلاف البيع. فقيل: إذا جعلت العتق قبضا فيجب أن لا يقع العتق إلا بعتق مجرد لأن الأول حصل به القبض، أي فلا يحصل مع القبض الخروج من اليد. فقال: هذا غير ممتنع كما لو قال لغيره: أعتق عبدك عني ففعل فإن العتق يقع عن السائل، ويحصل به القبض والعتق معا. فقال له السائل عن الموضوعين: اسأل، فقال: العتق إتلاف؛ فيجوز أن يحصل به الأمران معا كما إذا قتل العبد المبيع في يد البائع. قلت والحاصل أن القبض يقع ضمنا كما قلنا في المبيع زمن الخيار فكان امتناع تضمن الشيء والخروج والدخول ليس على الإطلاق؛ بل في الخروج والدخول المقصودين دون ما إذا كان أحدهما ضمنيا. ومنها: قال الإمام "في النهاية" في باب ما على الأولياء إذا ثبت حق التزوج لعصبات النسب فقد سمي الأصحاب ذلك ولاية ثم توقف الإمام في الأخ؛ لأنه لا يزوج أخته البالغة قهرا، وحكى تردد الأصحاب في أنا هل نسمي الأخ وليا لأخته الصغيرة؟ فمن ناف؛ لأنه لا يملك تزويجها، ومن مثبت لأن لا يستحيل أن يصير وليا بعد البلوغ، إذ البلوغ قد يؤثر في قطع الولايات ويستحيل أن يؤثر في إفادتها. انتهى ملخصا. ونقله ابن الرفعة في باب الوكالة في الكلام على التوكيل ببيع عبد سيملكه -على غير وجهه- ومحل غرضنا منه أن البلوغ لا يصح لإثبات الولاية؛ لأنه صالح لانتفائها. ومنها: أن اليمين الواحدة لا تصلح لإثبات ما يدعيه ونفي ما يدعى عليه، ولهذا قاعدة نخصه بذكرها -إن شاء الله تعالى- في الدعوى والبينات في أن اليمين لا تصلح في الجلب والدفع مع نظائرها.   1 شبيب بن عثمان صالح الفقيه أبو المعالي الرحبي من أهل رحبه الشام وهو من تلامذة أبي منصور ابن أخي صاحب الشامل. انظر الطبقات الكبرى ص7، ص9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ومنها: أنه لا يتخذ القابض والمقبض، وأمثاله، وسيأتي إن شاء الله تعالى في قواعد البيع. ومنها: جزم جماعة من الأصحاب بأنه إذا ادعى عليه بألف فقال قبضته أنه يكون مقرا مع حكايتهم قولين فيما إذا قال: له علي ألف قضيتها، وتكلف ابن الرفعة الفرق بأن قضيته لفظ واحد تضمن الإقرار والبراءة والشيء والواحد لا يستعمل في الشيء وضده لغة وعرفا وشرعا، فأبلغناه فيما له دون ما عليه. وقوله: له علي ألف قضيتها لفظان يقتضي أحدهما الشغل والآخر البراءة؛ وذلك ينتظم لفظا وإن امتنع شرعا وعقلا فلا جرم. خرج على القولين. قال الشيخ الإمام رحمه الله: ولو قيل بالعكس لم يبعد لأن قوله علي ألف قبضتها يقتضي كونها في الحال عليه وأنه قضاها، بخلاف قضيته فإن مضمونه الإقرار بدين سابق، فهو مثل كان له علي ألف. وقد صحح النووي في مثل كان له علي [ألف] 1 أنه ليس بإقرار؛ فلم لا يكون هنا. كذلك قال: فينبغي أن يكون الصحيح في قضيته أنه غير إقرار. قاعدة: ذكرها الشيخ الإمام في باب الحيض من "شرح المنهاج" وفي باب استقبال القبلة. النظر2 إلى الظاهر أو إلى ما في نفس الأمر؟ وهذه العبارة فيها خلل؛ فإن نفس الأمر منظور قطعا، يعني أنه لا بد منه؛ إنما النظر في إن ظن خلافه هل يؤثر في اندفاع حكمه؛ فالأولى أن يعبر أن الظن -غير المطابق- هل يؤثر؟ وفيه خلاف في مسائل: منها: وهي أم الباب -إذ باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو ميت فالأظهر الصحة. ومنها: ويجري الخلاف فيما لو باع العبد على ظن أنه آبق أو مكاتب فبان أنه قد رجع مع الكتابة. ومنها: زوج أمه أبيه على ظن أنه حي فبان ميتا ففي صحة النكاح خلاف. وألحق الشيخ صدر الدين ابن المرحل بمسائل الباب إذا تزوج أمرأة المفقود على ظن أنه حي -فإذا هو ميت، قال: فقولان، الأصح الصحة.   1 سقط في ب. 2 في "ب" هل النظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قلت: وفيه نظر، فإن صورة مسألة القولين إذا لم يظن حياته. بل بعد مدة التربض -بناء على القديم- ثم بان أن المفقود كان ميتا وقت الحكم بالفرقة ففي صحة النكاح على الجديد وجهان بناء على بيع مال الأب على ظن حياته. إما إذا ظن أنه حي فلا قائل فيما أعلم -بصحة النكاح في صورة امرأة المفقود. وإذا علمت أن صورة المسألة فيما ذكرناه فلا يصح تخريج البناء؛ لأن في بيع مال الأب على ظن الحياة عن المنافي حالة البيع، وفي تزويج امرأة المفقود لم يظن للنافي في حالة العقد. ومنها: لو رأى العسكر سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم بان غير عدو فأصح القولين وجوب القضاء. ومنها: رأوا عدوا فخافوه، ثم بان أنه كان بينهم خندق فالأصح وجوب القضاء أيضا. ومنها: استباب المغصوب الذي لا يرجى برؤه ثم برئ فالأصح عدم الإجزاء. ومنها: اشتبه عليه إناءان فتوضأ بما ظن طهارته منهما، ثم تيقن أنه كان نجسا أو أخبره بذلك عدل لزمه الإعادة على أصح القولين. ومنها: اشتباه القبلة كذلك ومنها: بأن إمامة امرأة أو كافرا ولو كفرا مختفيا على الأصح وجبت الإعادة. ومنها: بان إمامه جنبا أو محدثا أو ذا نجاسة خفية؛ فلا تجب الإعادة لعد الأمارة على ذلك. ومنها: بان أميا فهو كما إذا بان امرأة على الأصح. ومنها: اقتدى بمن يظنه خنثى فبان رجلا لم يسقط القضاء في الأظهر. ومنها: وكل وكيلا بشراء شيء ثم باعه ظانا أن وكيله لم يشتره بعد وبان أنه كان قد اشتراه فالأصح في المسألتين الصحة؛ نظرا إلى ما في نفس الأمر كالأصح في غالب مسائل القاعدة؛ وإنما خولف في مسألة الخنثى، لتردد النية. ومنها: تزوج خنثى بامرأة فبان رجلا لم يصح. ومنها: تزوج المرأة من يشك في كونها محرمة عليها. لم يصح وعللوه بأن الأصل في الإيضاح الحرمة. قال الشيخ الإمام: وهو يشكل بتزويج أمه أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ومنها: دفع المالك الزكاة لمن ظنه فقيرا فبان غنيا لم تجزه في الأظهر؛ بخلاف ما إذا كان الدافع الإمام فإنه يجزئ. ومنها: إذا بان كون المدفوع إليه كافرا أو عبدا لم يجزئ أيضا في الأصح. ومنها: إذا أقام بينة أنه غارم، فأخذ من سهم الغارمين، ثم بان كذب الشهود ففي سقوط الفرض الخلاف. ومنها: إذا فسد عقد الهدنة لم يجز اغتيال الكافرين، بل يجب إنذارهم لظنهم الصحة. ومنها: وطيء زوجة أجنبي يظنها زوجته المملوكة فالأصح يلزمها الاعتداء بقرأين اعتبارا باعتقاده، وقيل: بواحد اعتبارا بماا في نفس الأمر. وإن ظنها زوجته الحرة؛ فهل يلزمها قرء أو قرءين أو ثلاثة؟ فيه أوجه أصحها الثالث. ولو وطئ امرأة يظنها أمته قطع جماعة بثلاثة أقراء؛ لأن الظن يؤثر في الاحتياط دون المساهلة. وأجرى المتولي الوجهين: إن اعتبرنا حالها فثلاثة أقراء، أو ظنه فقرء ولو ظنها زوجته المملوكة فطرد فيه الوجهين: هل قرءان لظنه أو ثلاثة؟ والأشبه إلى ظنه؛ لأن العدة لحقه. ومنها: زوجة أبوه -وهو لا يدري- أو ظن أن زوجته أجنبية فخاطبها بالطلاق فالمشهور المنصوص وقوع الطلاق. ظاهرا، وفي نفوذه باطنا وجهان بناهما المتولي على الإبراء عن المجهول، وللغزالي احتمال أنه لا يقع ظاهرا لأن من لا يعرف الزوجية لا يقصد إلى قطعها. ومنها: لو عامل المأذون من علم رقه ولم يعلم كونه مأذونا ثم بان أنه مأذون قال الرافعي: فهو ملحق عند الأئمة ببيع مال الميت على ظن الحياة ويقرب منه وجهان -حكاهما الحليمي- فيما إذا كذب مدعي الوكالة ثم عاملة فظهر صدقه في دعوى الوكالة. ومنها: إذا قال لمن عليه ألف درهم: أبرأتك منها ثم قال: لم أعلم. ومنها: المستحاضة إذا عاد الدم على خلاف ما اعتادته من طول زمن الانقطاع طولا يسع وضوءا وصلاة فلا يجب إعادة الوضوء في الأصح اعتبارا بما في نفس الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ومنها: قال الرافعي في فروع الطلاق: ولو خيرها وهي لا تشعر فاختارت نفسها قال إسماعيل البوشنجي: يخرج على بيع مال الأب على ظن الحياة. ومنها: إذا قال الغاصب للمالك: أعتق هذا العبد فأعتقه ظنا أنه ملك للغاصب، فالصحيح النفوذ نظرا إلى ما في نفس الأمر. ومنها: إذا اعتق أمته بشرط أن تتزوج به؛ فمنهم من بناه على بيع مال الأب المظنون الحياة. ومنها: قال في الوسيط في نكاح المشركات: لو أسلم ونكح أخت المتخلفة وأصرت المتخلفة انبنى صحة النكاح على القولين بمن باع مال أبيه على ظن الحياة. ومنها: ارتكب كبيرة في ذهنه لوطئ زوجته يظنها أجنبية قال الشيخ عز الدين: يجري عليه أحكام الفاسقين، لجرأته، ولا يعذب تعذيب زان. ومنها: كان ينفق على ظن الحمل، ثم بان أنه لا حمل فله الاسترداد لأنه مسلم عن جهة الواجب، وقد تبين خلاله فأشبه ما إذا ظن أن عليه دينا فأداه ثم بان خلافه، وما إذا أنفق على أبيه على ظن إعساره، فبان يساره وعن القاضي الحسين أنه احتج لذلك بما روي: "أن أبي كعب -رضي الله عنه- علم رجلا القرآن أو شيئا منه فأهدى له شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخذتها أخذت قوسا من النار" 1. وقال: إن ذلك الرجل ظن وجوب الأجر عليه من غير شرط وكان معطي القوس على ظن أنه يعطي الواجب عليه فمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذه. ومنها: قال الرافعي في باب الكتابة فيما إذا أوصى برقبة المكاتب كتابة فاسدة، وهو يظن أن الكتابة صحيحة أن في الوصية قولين: أحدهما: لا يصح؛ لأنه أوصى، وعنده أن ما يأتي به لغو. والثاني: يصح به اعتبارا بحقيقة الحال، وهو أشبه عن المزني. ثم قال: ولو باع المكاتب كتابة فاسدة أو المبيع بيعا فاسدا أو وهب أو رهن وهو   1 أخرجه ابن ماجة في السنن 2/ 730 في كتاب التجارات/ باب الأجر على تعليم القرآن من حديث "2158" وقال البوصيري: في الزوائد إسناده مضطرب قاله الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن سلم وقال العلاء في المراسيل عطيه بن قيس الكلاعي عن أبي بن كعب مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 جاهل بالفساد فطريقان أحدهما: طرد القولين، والثاني: القطع بالفساد بخلاف الوصية؛ فإنها تحتمل من الخطر ما لا يحتمله البيع والرهن. انتهى ملخصا، وخرج منه أو الوصية بالمكاتب كتابة صحيحة باطلة على القولين والأمر كذلك على الجديد. أما القديم الذي يجوز بيع الكتب؛ فإنه يجوز الوصية به وقد قدمه الرافعي قبل هذا -كما قلنا- وقال: الجديد إنها باطلة كما لو أوصى بعبد الغير في تسويته بين البيع والوصية نظر؛ إذ لا يلزم من منع البيع منع الوصية. وفي تسويته -أيضا- بين الوصية بالمكاتب والوصية بعبد الغير ولا ملك له عليه -منع الوصية بالمكاتب وهو يملكه. وقد تقدم -في باب الوصية في الركن الثالث في الموصي به- أنا إذا منعنا بيع المكاتب فالوصية به كالوصية بمال الغير. ونقله عن التتمة قال: وإذا أوصى بمال الغير فقال: أوصيت بهذا العبد -وهو ملك لغيره- أو بهذا العبد -إن ملكه- فوجهان: الصحة؛ لأن الوصية به والشيء الواحد لا يجوز أن يكون محلا لتصرف شخصين. قال النووي: قلت الأولى أفقه وأجرى على قواعد الباب؛ فتبين بهذا أن الوصية بمال الغير على ما ظهر من الكتابة ومن الفوائد أن قضية كلام الرافعي في باب الكتابة الفرق بين الوصية بعبد الغير فتبطل، وبين قوله: إن ملكت عبد فلان فقد أوصيته به فإنه صحيح على الراجح، وفي باب الوصية -كما رأيت جعلهما على حد واحد. فصل: فيمن أخطأ الطريق وأصاب المطروق، وبعبارة أخرى فيمن هجم فتبين أنه فعل الصواب هل يكون خطؤه في الطريق؛ حيث هجم موجبا لتغيير حكم المطروق؟ إذا كان من حقه أن يأتيه إلا من حيث أمر ولا يضر ذلك فيه صور. اشتبه ماء طاهر بنجس فالمذهب وجوب الاجتهاد؛ فلو هجم بلا اجتهاد وتوضأ بأحدهما لم يصح وضوءه ولا صلاته؛ فإن بان أنه توضأ بالطاهر قال الشيخ أبو إسحاق: لا يصح لكونه متلاعبا، وخالفه ابن الصباغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ومنها: صلى شاكا في دخول الوقت -بغير اجتهاد- فوافقه لم يصح، وللغزالي في المسألتين كلام طويل ذكره شبيب الرحبي. قاعدة: قال الشافعي رضي الله عنه: "الظن ملغي إلا ما قام الدليل على إعماله"، وقال مالك رضي الله عنه: "معمول به إلا ما قام الدليل على إهماله". كذا نقلت هذه القاعدة عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله. قال الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله- في كتاب "الطوالع المشرقة"، ويثبت ذلك عندي - عنه؛ إلا أنه يمكن أخذه من اختلاف الشافعي ومالك في المصالح المرسلة. قلت: وكان الشيخ الإمام يرتضي هذه العبارة ويحرر عنها عبارة أخرى؛ فيقول: "الأصل عدم العمل إلا ما قام الدليل على إعماله" وقيل: الأصل العمل إلا ما قام الدليل على إلغائه. وفي القاعدة مسائل: منها: الصحيح -عندنا أنه لا يكفي ظن الطهارة عند اشتباه الإناء الطاهر بالنجس؛ بل لا بد من اجتهاد وظهور علامة. ومنها: أنه لا يقبل قول الصبي المميز -وإن أثار ظنا- إذ لا انضباط لهذا الظن. ومنها: في زيادة الروضة في الاستنجاء لو غلب على ظنه زوال النجاسة، ثم شم من يده ريحا فالأصح لا يدل على بقاء النجاسة في المحل كما هي في اليد. ومنها: إذا جاء من يدعي اللقطة -ووصفها وظن الملتقط صدقه لم يجب الدفع إليه على المذهب؛ بل يجوز، وقيل: يجب. وأمثلته كثيرة، وحاصلة أن مجرد الظن إن لم يقصد بشاهد شرعي لا يعتبر؛ لأن الأصل إلغاؤه، ومن تأمل الكتاب والسنة وجد فيهما الكثير مما يدل على ذم العمل بمجرد الظنون. خالفناه فيما تأكد بدليل، كوطء الرجل المرأة إذا زفت إليه يظنها زوجته، والأكل من المنحور والمشعر في الفلاة ودخول الأزقة والدروب المشتركة يظن رضاء أهلها، وما هذا شأنه يعتبر الظن فيه لقيام الدليل عليه ومن ثم مسائل اختلف فيها: منها: السقط إذا لم يتيقن حياته ولكن دلت عليها أمارة -من اختلاج ونحوه- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 صلى عليه في أصح القولين؛ لأن الاختلاج أمارة الحياة فأشبه الصراخ. والقول الآخر لا يصلي عليه لعدم التيقن، وعدم اعتضاد هذا بأصل. قاعدة: ما ربط به الشارع حكما فعمد المكلف إلى استعجاله لينال ذلك الحكم؛ فهل يفوت عليه معاملة له بنقيض مقصوده أو لا لوجود الأمر الذي علق الشارع الحكم عليه؟ وهذه القاعدة هي التي يسميها من لا تحقيق عنده "المعاملة بنقيض المقصود"، ويأخذ ذلك كلاما عاما. وتحريره عندي أن يقال: إن كان الذي ربط الشارع به الحكم أمرا يتطلب إيقاعه فإذا فعل نال الحكم المرتب عليه -كالثواب الذي ربطه الشارع بالصلاة وغيرها من الأعمال حثا على تلك، وهذا لا ينحصر، وضابطه: كل سبب شرع حثا على فعل المسبب- كمضاعفة الأجر بالصلاة في مكة والمدينة والمسجد الأقصى وركعتي الفجر وغير ذلك- فالمسبب نصب باعثا للمكلف على فعل السبب. وينبغي أن ينظر هل من هذا القسم ما نصه الشارع مسببا ليبعث ويحمل على فعل المسبب وما نصه إلا كذلك؟ فيكون هذا القسم على قسمين. أحدهما: ما كان مسببه منصوبا ليبعث على سببه، وهو أبلغ من الثاني الذي هو غيره. وإن لم يكن أمرا وطلب الشارع إيقاعه؛ فإما أن ينهي عنه أولا. الأول: أن ينهى عنه فيعمد المكلف إلى ارتكابه لينال ما يترتب عليه الموت سبب لميراث الوارث المال؛ فيعمد الوارث إلى قتل مورثه لينال الميراث فهل حصل له ما يترتب على الموت؟ أو لم يعمد هذا موضع النظر. وتحقيقه أن يقال إن لم يختل بانتفاء ذلك الحكم المرتب عليه قاعدة من قواع الشرع فينتفي ولا يحصل. وهنا يقال: عومل بخلاف مقصوده. ومن ثم لا يرث القاتل؛ لأن انتفاء ميراث بعض الوارثين لا يهدم قاعدة مهدها الشارع؛ إذ رب قريبين لا يتوارثان لاشتباه حالهما بهدم أو غرق أو اختلاف دين أو غير ذلك. وإن اختلفت قاعدة فلا ينتفي؛ بل يبقى على حاله مستندا إلى السبب الذي نصبه الشارع. وفي هذا مسائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 منها: إذا باع نصاب الزكاة قبل الحول، فرارا من الزكاة فلا يجب، ولا يلزم وإيجاب الزكاة في مال لم يحل عليه الحول، أو في مال حال عليه الحول لا في ملكه فتختل قاعدة الزكاة. ومنها: إذا طلق امرأته فرارا من ميراثها فيه فلا ترثه على الصحيح الجديد وإلا يلزم توريث بلا سبب ولا نسب. فإن قلت قلنا قول إنها ترث لم يجر نظيره في الزكاة. قلت: فرق بعض أصحابنا بأن المستحق في الزكاة غير معين. بخلاف الزوجة ونقض الفرق بأن مستحق الزكاة قد ينحصرون فيعينون. ورد النقض بأن انحصارهم عارض، والأصل عدمه. قال ابن الصباغ: فإن قلت: فهل يأثم في هذا القسم. قلت: قالوا في الزكاة يكره ولا يحرم، وللغزالي احتمال في تحريمه. ومنشأ ذلك أن الإقدام على الفعل -قبل انعقاده سبب لا يحرم؛ لأن الحكم لمن يرتبط به بعد، وإلا فيحرم، وفي الزكاة لم ينعقد السبب؛ لأنه المال مع الحول أو المال بشرط الحول؛ فلم يوجد السبب بتمامه لأن فقد شرطه يوجب فقده، وفي طلاق الغائر يحرم، لأن الزوجية هي السبب والموت شرط والمتوسط منهما فراره. ومنها: إذا قتلت المستولدة سيدها فتعتق ولا تعامل بخلاف مقصودها؛ فلا تختل قاعدة أم الولد -تعتق بالموت- ويمكن الاستدلال على هذا بخصوصة قوله صلى الله عليه وسلم "اعتقها ولدها" ويقال لم يعتقها السيد، بل الولد، فلم يكن القتل مانعا، ولم يكن هذا من القسم الذي نحن فيه. ومنها: إذا قتلت المدبرة سيدها ... ومنها: إذا دخل المسجد في وقت الكراهة ليصلي التحية صحح الرافعي كراهة صلاة التحية حينئذ، قالوا: كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات. ورجح الشيخ الإمام أن الصلاة لا تكره؛ إنما المكروه الدخول والتأخير لهذا الغرض فإن دخل أو أخر فلا يحكم على الصلاة -حينئذ- بالكراهة وما قاله هو الأرجح، وليس لما صحح الرافعي والنووي وجه إلا أن يكونا عاملاه بنقيض مقصوده حيث ارتكب المنهي ودخل ليصلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 تنبيه: قال أبو جعفر الطحاوي الحنفي في كتاب مشكل الآثار أن المكاتب إذا كانت له قدرة على الأداء فتأخر ليتسع له النظر إلى سيدته بملكها إياه فحرام عليه؛ لأنه منع واجبا عليه ليبقى له ما يحرم عليه إذا أداه. ونقله عن الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج"، عند الكلام في نظر العبد إلى سيدته وقال: إنه تخريج حسن لا يبعد من جهة الفقه. وبنى عليه الطحاوي أن الأمة المكاتبة إذا قدرت على الأداء؛ فعليها أن يصلي بقناع -وأن تعتد عدة الحرة ولا تسافر إلا مع محرم، والعبد المكاتب لا زكاة عليه؛ فإذا أخر الأداء مع قدرته عليه كان حراما عليه. قال الوالد -رحمه الله- وبعض ما ذكر الطحاوي مردود وبعضه لا بأس به فإن تعبير الأحكام من إيجاب القناع على الأمة واعتدادها اعتداد الحرة يعتبر حكم الشرع. وتحريم تأخير الأداء مع القدرة لا بأس به وإن كانت الكتابة جائزة من جهته لكنه قادر. وتحريم نظره والنظر إليه؛ إما لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه كما يقول أصحابنا -المشرف على الزوال كالزائل، وإما عقوبة له، وإما لأن في تمكينه من النظر إعانة له في تأخير الواجب فلا بأس بذلك. قلت: وأما معاملة له بنقيض قصده، ولأجل هذا ذكرناه في هذه القاعدة المنقول من كلام الطحاوي هنا أنه يحرم عليه تأخير الأداء لأجل تفاحل النظر إلى سيدته، وأنه يحرم عليه النظر معاملة له بنقيض قصده. وأما الصلاة بقناع والاعتداد عدة الحرة؛ فلا سبيل إليهما وهي أمة، ولا وجه له ولو تم ذلك لكان يلزمه أن يقول: إن المكاتب يعطي بمجرد القدرة على الأداء ثم يلزم بالأداء؛ لكنه لم يقل بذلك. واعلم أن أصحابنا مختلفون في أنه هل للمكاتب أن يفسخ عقد الكتابة؟ فعلى القول بأن له الفسخ -وهو المرجح عندهم- قد يقال: إن فيه ردا على من حرم تأخير الأداء، أو يمكن الجواب بأن تأخير الأداء حرام؛ فإما أن يؤدي، وإما أن يعجز نفسه ويرتفع عقد الكتابة، وقد ذكرت هذا في "التوشيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قاعدة: مترددة في غضون كلام أكثر الأصحاب "إعمال الكلام أولى من إهماله"، واستشهد صاحب التتمة لها -في كتاب البيع في مسألة وهبتك بألف يقول الشافعي رضي الله عنه فيمن أوصى بطبل وله طبل حرب وطبل لهو: يحمل على طبل الحرب لتصح الوصية، وتبعه صاحب البحر في هذا الاستشهاد. وذكر ابن الرفعة في "المطلب في باب الوصية عند الكلام في الوصية للدابة أن الإمام حكى في كتاب الطلاق فيما إذا تردد اللفظ على وجه يحتمل الاستحالة، ويحتمل إمكانا أن من الأصحاب من لا يبعد الحمل على الاستحالة، ومنهم من يوجب الحمل على الإمكان حتى لا يلغي اللفظ، ومن هذا ما إذا قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق. وأقول: محل القاعدة فيما إذا استوى الإعمال والإهمال بالنسبة في الكلام أو تقاربا، كمسألة الطبل؛ فإن الطبول بالنسبة إلى لفظ الطبل فيحمل على ما يصح سواء كان عنده النوعان من الطبول أو لم يكن عنده؛ فإن لم يكن عنده إلا طبل اللهو فالوصية باطلة؛ لأن قرينة كونه عنده يرشد إلى أنه الموصي به، فاضمحل هنا احتمال الإعمال. ومن ثم نقول: أما إذا بعد عن اللفظ وصار بالنسبة إليه كاللغز فما الإعمال راجحا وبين القرب والبعد الدرجات. وبعد ما كتبت هذا وجدت نحوه في كلام الوالد رحمه الله في باب الوصية كلام على الوصية للدابة؛ فإنه ذكر بعدما حكى ما حكاه ابن الرفعة عن الإمام من الخلاف ما نصه: هذه القاعدة؛ حيث يكون تردد اللفظ على السواء أو لا يكون على السواء؛ ولكنه راجع إلى موضوع اللفظ مع احتمال قريب، أما إذا لم يكن للفظ إلا موضوع واحد واحتمال لا يحتمله إلا مكلف فالمصير إليه بعيد، والوقوف عند موضوع اللفظ واجب، وإن كان مستحيلا إذا لم يدل دليل على ذلك للمحتمل البعيد. انتهى. فلله الحمد على أن وقع ذهني وفهمي على ما وقع عليه ذلك الحبر، وها أنا ذاكر مسائل: ما جزم فيها بالأعمال فلقربه، وما جزم به فيه بالإهمال فلبعد الإعمال وما تردد فلتردد النظر. ومنها: أوصى بعود من عيدانه وله عيدان لهو غير صالحة لمباح وعيدان قسي وبناء؛ فالأصح بطلان الوصية تنزيلا على عيدان اللهو؛ لأن اسم العود عند الإطلاق له واستعماله في غيره مرجوح وليس كالطبل: لوقوعه على الجميع وقوعا واحد كذا فرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الأصحاب، وعزوا المسألة إلى النص، والنص شهد لما قدمته. ومنها: قال: زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي، لم يصح لكثرة الفواطم، وفيه وجه. ومنها: قال: طلقت زينب ولم يقل زوجتي طلقت على المذهب، ويحتاج إلى الفرق بين النكاح والطلاق. ومنها: إذا قال مشيرا لامرأته وأجنبية: إحداكما طالق ثم قال: أردت الأجنبية، ذهب الأكثرون إلى أنه يصدق وذهب بعضهم إلى أنه لا يصدق ويقع على امرأته، وقاسه على مسألة الطبل. ومنها: ظاهر القاعدة أن الوكيل في الشيء إذا تصرف فإن كان الموكل فيه ما يصح فعله منه عن قبل نفسه وعن الوكالة ولم ينو الموكل أنه يحمل على التصرف عن نفسه -وإن لم يعلم نيته- حملنا الأمر على ذلك. وإن كان لا يصح عن نفسه يحمل على أنه عن جهة الوكالة صونا للتصرف عن الإلغاء وحملا على الظاهر؛ فإن الظاهر من حال العاقل أنه إنما تصرف تصرفا صحيحا. وهل يحتاج في نفاذ تصرفه إلى أن ينوي كونه من موكله أو إنما يحتاج إلى عدم الصارف بمعنى أنه إن أطلق حمل على أنه عن الوكالة، وإن نوى أنه غير الوكالة. وحاصل هذا أنه هل يكون عن الوكالة إلا أن تصرف ذلك بنية أو لا يكون منها إلا أن ثبوته فيه خلاف؟ أقول: هذا كله تفقها ويشهد له من المنقول -قول الأصحاب فيمن اشترى شيئا ولم يتلفظ بالوكالة ولا نواها: أن الشراء يقع له لا للموكل؛ فإن قلت: قال الغزالي: وكيل الزوجة بالخلع إذا خالع ولم يتلفظ بالوكالة ولا نواها أنه يقع عن الوكالة. قلت: اعترضه الرافعي وقال: القياس الظاهر أن من اشترى شيئا ولم يتلفظ بالوكالة ولا نواها يقع الشراء له لا للموكل. قال: وقد يفرق بين البابين بأن الأصل وقوع العقد لمن تحصل هل فائدته ومنفعته والشراء تحصل فائدته لكل من يقع الشراء له ومباشر العقد أولى لحصول منفعة العقد له من غيره وفي الاختلاع تعود الفائدة والمنفعة إلى الزوجة وغيرها ببذل المال على سبيل الفداء؛ فكان صرف العقد إليها إذا أمكن أولى من صرفه إلى غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قلت: ثم المسألة يجب أن تقيد بما إذا كان الوكيل يمكنه أن يختلع عن نفسه وهو مطلق التصرف. أما السفيه إذا وكلته ليختلعها من زوجها؛ فخالع وأضاف إليها وقد قدم الرافعي قبل هذا الفرع عن التتمة أن يصح؛ إذ لا ضرر في ذلك عليه ولو فرض هنا أن الوكيل سفيه تعين أن يوقع تصرفه عنها أو يلغو، إذ لا سبيل إلى جعله عنه. ونظير المسألة: لو وكل أحد الشريكين في الرقيق صاحبه في عتق نصيبه قال: أعتقت نصفك وأطلق فهل يتعين فيما هو مكله أو فيما هو وكيل فيه؟ وفيه وجهان. قال النووي: لعل أقواهما الأول؛ فهذا ما يدل من كلام الأصحاب، على أن إسناد التصرف إلى نفسه -حيث يمكن- أولى، والتردد وقع فيه بين إعمال كل من الأمرين، ولا إهمال في الطرفين. أما إذا دار بين الإعمال والإهمال -وهو ما قلنا: إنه لا يمكن وقوعه عن المباشر؛ وذلك كالطلاق يكون وكيلا فيه عن الزوج، فيطلق ولا ينوي الطلاق وأنه عن الموكل؛ ففي الوقوع وجهان حكاهما الرافعي في فصل الكناية من الطلاق "قبل الفصل الثاني في الفعل والإشارة المفهمة، ثم أعاد حكايتهما في أثناء فروع الطلاق، وقال: الأقرب أنه لا يحتاج. قلت: وهو الأرجح، وهو إذا أطلق أما إذا نوى وقال: نويت الطلاق عن نفسي فيكون لغوا، لا عن موكلي فيحتمل أن يقال: تسمع بينته هذه ولا يقع الطلاق، ويدل له ما في الرافعي قبل باب الديات عن فتاوى صاحب التهذيب أن الوكيل باستيفاء القصاص إذا قال: قبلته بشهوة نفسي عن جهة الموكل يلزمه القصاص. ويحتمل أن يقال: لا يسمع منه لمخالفته للظاهر، ولأن إعمال الكلام أولى من إهماله، وليس كمسألة القصاص، فإن قول الإنسان على نفسه مقبول وما فعله من القتل معتبر على كلا التقديرين؛ فإنه إن كان عن الوكالة كان استيفاء معتبرا؛ وإلا كان فعلا موجبا للقود فلم يكن ملغي بخلاف الطلاق؛ فإنه إذا لم يكن عن الوكالة كان لغوا بالكلية لا سيما على قول من لا يوقف العقود وهو الصحيح. ويحتمل أن يفصل -وهو الأقرب- فيقال: إن كانت قرينة على نية الصرف تباعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 دعواه، كما لو أكره على طلاق من هو وكيل في طلاقها فطلق، وقال: إنما نويت التصرف عن نفسي والخلاص عن غائلة الإكراه فيسمع منه؛ وإلا فلا ويدل على ذلك احتمالان حكاهما الرافعي، عن أبي العباس الروياني في الوكيل بالطلاق يكره عليه، هل يقع لحصول اختيار المالك؟ أو لا يقع لأنه المباشر؟ قال أبو العباس: هو أصح، قلت: وينبغي أن يكون محلهما عند الإطلاق. إما إذا نوى التصرف عن نفسه فقد يقال بالجزم بعد الوقوع لما ذكرناه لا سيما إذا فرعنا على أنه لا بد عند الإطلاق من نية التصرف عن الوكيل. وأما إذا نوى التصرف عن الموكل فينبغي أن يجري في الخلاف المذكور في المكره على الإطلاق إذا نواه هل يقع؟ وهو الأصح؛ لأن النية دفعت الإكراه أولا، لأنه لا أثر لها. مع لفظ صادر عن الإكراه. ثم هذا كله إذا دار الأمر بين الإلغاء بالكلية والإعمال؛ فإن دار بين الإعمال -بالكلية- والإلغاء لا مطلقا لكن بالنسبة إلى البعض كأحد الشريكين في العبد المشترك يقول: أعتقت نصف هذا العبد، وليس هو بوكيل لصاحبه. فهذا تصرف دار بين أن يحمل على نصيبه فيعمل بتمامه أو على الإشاعة فيبطل في حصة شريكه ويصح في حصته؛ فلا يعتق إلا ربع الأصل. وفي المسألة وجهان: أصحهما الثاني لا إطلاق اللفظ وهو المعزو في الروضة قبل باب المتعة إلى الأكثرين، وقد يستشهد له بقول الإصحاب في باب المساقاة في حديقة بين اثنين مناصفة. ساقي أحدهما صاحبه وشرط له ثلثي الثمان أنه يصح. قالوا: وإن شرط له ثلثها، أو نصفها لم يصح؛ لأنه لم يثبت له عوضا بالمساقاة؛ فإنه يستحق النصف بالملك. فصل: إذا عرفت أن الإعمال مقدم على الإهمال عند الإمكان لم يخف عليك بعده أنه إذا تعذر إعمال لفظ دار الأمر فيه بين طرحه وإلغائه وبين حمله على معنى صحيح أن حمله على الصحيح أولى. وهذه قاعدة مستقلة تلقب بأنه: "هل الاعتبار بألفاظ العقود أو بمعانيها؟ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وهذه القاعدة متعددة الفروع غير منصوصة لصاحب المذهب، رضي الله عنه -لا يعرف فيها نص صريح، ولكن دل نصه في باب الخيار في السلف في مسألة اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم على اعتبار المعنى وكذلك قال في أول باب الشفعة من "الأم" إذا كانت الهبة على ثوب معلوم وهو بالمبيع أشبه؛ لأن البيع لم يعطه إلا بالعوض، وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض. وأنا منبهك في هذه القاعدة على أمور. أحدها: أنها مخصوصة بالعقود فيما يظهر من كلام كثير من الأصحاب منهم الإمام الغزالي، وصاحبا التتمة والبحر والرافعي. وكلام من أطلق -أنه هل العبرة باللفظ أو بالمعنى- محمول على من قيد بالعقود، وسيظهر لك عند عد الفروع كيف خرج قوم على هذا الضابط وليس لهم هذا؛ فإن المذهب نقل ولم ينقل الخلاف إلا في العقود. الأمر الثاني: أن محلها ما إذا تعذر العمل باللفظ، أما إذا لم يتعذر فلا شك في اعتباره، ومن ثم أقول قد يقال: إنها ليست فرعا للقاعدة السابقة في أن الإعمال أولى ن الإهمال؛ لأن تلك في إعمال لفظ أمكن حمله على أحد محامله وإن بعدت، وهذه في الخروج عن اللفظ بالكلية إلى معنى آخر والأقرب أنها هي؛ فإن المعنى الذي يحمل عليه فلا بد أن يكون بينه وبينه علاقة وإلا فيكف يحمل على ناء عنه بالكلية: وقد قدمنا أن مثل هذا يصير بالنسبة إلى اللفظ -بالكلية- كاللغز؛ فلا يعتبر وقد قدمنا كلام الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في ذلك. الأمر الثالث: لم أر من بسط القول في مفتاح هذه القاعدة أكثر من صاحب التتمة وتبعه صاحب البحر، وهو كثير الاتباع له فيما لا نجده في الحاوي. وملخص ما ذكرناه في مسألة "وهبت منك بألف" خلاف في أن الاعتبار بظواهر اللفظ أو بمعانيها. وأراد بالظواهر الألفاظ، واستدل باعتبار اللفظ بأنه الموضوع لإعادة المعنى الذي يفهم منه عند الإطلاق، ولهذا إذا أراد الطلاق بالظهار وعكسه لا تعتبر إرادته ويحمل اللفظ على بابه، قالا: واعتبار المعنى عدول عن مقصود اللفظ، ولفظ اللغة لا يعدل به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 عن موضوعه؛ فكذلك لفظ العقود، قالا: والعقود تفسد بشرط مفسد فما ظنك بتغيير مقتضاها. واحتجا لاعتبار المعنى، بما روي عن أبي الدرداء أنه قال في الهبة شرط العوض هو دين على صاحبه في محياه ومماته، وبأن ظاهر الأمر الوجوب، ثم إذا تعذر حمله على الاستحباب ونحوه فكذلك ظاهر الكلام إذا تعذر حمله على الصحيح حمل على المعنى تصحيحا له. واطالا في ذلك ومنازعتهما ممكنة في كثير مما ذكرناه؛ غير أنا لسنا لها الآن. الأمر الرابع: في أنه هل الأرجح اعتبار اللفظ أو المعنى أو لا يطلق ترجيح. ولقد اضطربت الفروع في ذلك، وحاول الرافعي في باب الإجارة ضبطها -بعد اعترافه بتنوعها- بطرق تقارب الطريق التي ذكرتها في باب الإعمال والإهمال؛ فقال فإن اختل اللفظ أهمل، وذلك كالشراء بلفظ السلم؛ فإن تمام معنى السلم لا يوجد في الشراء لأنه أخص منه، ولا يؤخذ الأخص في الأعم، وكذلك أن يرفع آخر اللفظ أوله مثل بعتك بلا ثمن وإن انتظم مثل: أن يكون المعنى الأصلي مشتركا بين خاصين يشتهر في أحدهما مع كونه مستعملا في الآخر كالسلم بلفظ الشراء؛ فإن المعنى الأصلي للشراء موجود بتمامه في السلم إلا أنه اشتهر في شراء الأعيان؛ فهنا يعتبر المعنى. وقريب من كلام الرافعي قول ابن الرفعة بعدما ذكر اختلاف الصحيح في مسائل القاعدة، أن ينظر إلى اللفظ عند بعد المعنى، وإلى المعنى عند قربه. ولعل هذا الكلام أقرب من كلام الرافعي؛ فإن الطريق التي حاولها بعيد أن تستقيم في كل الفروع. أما قوله: في بعتك بلا ثمن رفعا لأول اللفظ مناقشة يمكن أن يقال إن هذا غير منتظم بالكلية، لأن بعتك بمجرده لا يقتضي شيئا حتى يذكر الثمن، فإذا نفاه لم يرد النفي على شيء ولولا وروده لثبت. فلا يكون كتعقيب الإقرار بما يرفعه. الأمر الخامس: في تعديد فروعها. فمنها: المسألة التي جعلها صاحب التتمة والبحر أم الباب: إذا وهب بشرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الثواب فهل يبطل لتناقضه؟ أو يصح ويكون هبة اعتبارا باللفظ؟ أو بيعا اعتبارا بالمعنى؟ الأصح الثالث. وعبر صاحب التتمة والبحر عن المسألة بأن يقول: وهبتك بألف أو هذا لك بألف. فإما وهبتك بألف فظاهر وأما هذا لك بألف؛ فلم أجده في غير كلامهما والذي يظهر أن هذا لا تعارض فيه بين اللفظ والمعنى؛ فإن لفظ هذا لك صالح لأن يكون بطريق البيع كصلاحيته لأن يكون بالهبة وقوله بعده: "بألف" صريح في معنى البيع. فالذي يظهر القطع بأن هذا بيعن غير أن لفظه هذا يحتمل أن يكون كناية في البيع؛ فلا يطرق هذا خلاف في كونه بيعا إلا من قبل الخلاف في انعقاده بالكنايات. ومنها بعتك بلا ثمن أو لا ثمن لي عليك؛ فقال: اشتريت وقبضه فليس بيعا، وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللفظ والمعنى، وفي كونه مضمونا على القابض وجهان ذكره الرافعي في باب السلم وحذف الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج" صورة ولا ثمن لي عليك. قلت: ويظهر أن التهافت في بلا ثمن أقوى منه في ولا ثمن لي عليك؛ فإن جعل في الأولى عدم الثمن عوضا، وعدم الثمن لا يكون عوضا؛ بخلاف ولا ثمن لي عليك، فإن غايته نفي الثمن لا جعل النفي عوضا. ولو قال قائل: هذا الجار والمجرور وحده تهافت، لا قضية أن عدم الثمن ثمن، لم يبعد. واقتصر الإمام في "النهاية" قبيل كتاب السلم على تصوير المسألة بأن يقول: على أن لا ثمن لي عليك. وهذه صيغة ثالثة يظهر أنها بين الصيغتين؛ فهي فوق قوله: ولا ثمن لي عليك، للتصريح باشتراط نفي الثمن ودون بلا ثمن، لما في تلك من جعل عدم الثمن ثمنا. ولك هنا أن تبحث عن أن المفسد في قولنا: بلا ثمن هل هو نفي الثمن أو عدم ذكره؟ وبأرشق من هذه العبارة هل عدم ذكر الثمن أو ذكر عدم الثمن بحثا ينبني عليه الفروع عقيبه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ومنها: إذ قال: بعتك ولم يتعرض للثمن بنفي ولا إثبات؛ فيظهر. إن قلنا: المفسدة -في الفروع قبله- عدم الثمن [لأن] الفساد فيه وفي هذا سواء. وإن قلنا: المفسد جعل العدم ثمنا؛ ففساد هذا دون فساد ذاك، مع اشتراك الكل في الفساد. فإن قلت: لا ضرورة لي -مع اشتراكهما في الفساد- إلى هذا التدقيق لانتفاء الجدوى فيه. قلت: له فائدة؛ فإنا إن قلنا: هما في الفساد سواء؛ فيظهر أن يتخرج في كونه هبة الخلاف الأول بعينه، وبذلك صرح صاحب التتمة فقال: إذا بعتك -ولم يذكر ثمنا- فإن راعينا المعنى انعقد هبة، وإن راعينا اللفظ فهو بيع فاسد، ويظهر أن يجري الخلاف فيه في الضمان كما يجري في الأول، وإن قلنا: الأول أفسد ونعني بكونه أفسد أن انتفاء صفة البيع عنه أوضح، وثبوت الهبة أولى. وهذه طريقة الإمام في "النهاية"، وتبعه الرافعي فقال: بعدما حكى في بعتك بلا ثمن هل يكون هبة؟ قولين، وهل يكون مضمونا؟ وجهين: ما نصه: ولو قال بعت هذا -ولم يتعرض للثمن أصلا- لم يكن ذلك تمليكا، والمقبوض مضمون، ومنهم من طرد فيه الوجهين. انتهى. وصرح الإمام -في النهاية- بالاتفاق على أن لا يكون تمليكا. إذا عرفت هذا فلا خلاف عندهما في أن عدم التعرض للثمن لا يقتضي تمليكا كما لا يقتضي بيعا؛ بخلاف نفيه. وبهذا يعلم أن قول النووي في "الروضة" في بعتك -مجردا- ليس تمليكا على المذهب -مستدرك- فإنه إن أشار بقوله: إلى خلاف فليس الخلاف في الرافعي، ولا تقتضيه طريقته؛ لأنها تقتضي التفرقة بين بعتك -المطلق- وبعتك المقيد بنفي الثمن. وأما صاحب التتمة فحكى الخلاف لما اقتضته طريقته من استواء الصورتين. والفرق يؤخذ مما ذكره الإمام من أنه إذا نفي الثمن فقد رضي بحظه، وهذه قرينة الهبة، ومن ثم جرى الوجهان في أنه هل يكون مضمونا على قابضه. فمن قائل بالضمان، لأنه في حكم بيع فاسد، ومن قائل بعدمه ووجهه الإمام بأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 البائع رضي بحظه وبنى الأمر عليه؛ فصار القبض قبض وديعة ولم يجزما على الصحيح عند الإمام والرافعي وغيرهما فيما إذا سكت عن الثمن بل كان الصحيح أنه كان مضمونا. وقد بان لك بهذا فائدة التردد في أن الفساد هل هو مستمد من عدم الثمن أو من ذكر عدم الثمن لبناء الضمان عليه. ويمكن أن يقال: بعتك بلا ثمن لا انعقاد له في البياعات أصلا؛ وإنما هو متردد بين الهبة واللغو. ومن ثم لا يضمن على قابضه، وإلى ذلك الإشارة بقول الإمام؛ لأنه في حكم بيع فاسد ولم يقل أنه بيع فاسد. وأما بعتك إذا تجرد عن الثمن فينعقد بيعا فاسدا ومن ثم يكون مضمونا. وبهذا يظهر لك أن جانب الهبة في بعتك بلا ثمن أرجح منه في بعتك المجرد عن ذكر الثمن؛ لأن قوله بلا ثمن قرينة أنه يجوز بلفظه بعتك عن ملكتك، خلاف بعتك مجردا؛ فإنه لا قرينة [تصحبه] 1. نعم: قد يقال بعتك بلا ثمن حاصله الهبة بشرط الثواب؛ فيتخرج فساده وإن كان هبة أيضا -على طريقة من يقول إن الهبة إذا بقي فيها الثواب تفسد بناء على أن مطلقها [يقتضيه] 2 وإن شرط انتفائه شرط ينافي مقتضى العقد، لكن المذهب خلافه. وهنا بحث لم يبرح يختلج في ذهني، وهو أن المقتضي للملك في وقولنا بعتك بدرهم صيغة الإيجاب مع ذكر الثمن فيكونان [جزء علة] 3. وهذا يرشد إليه عد الأصحاب الثمن ركنا أو صيغة الإيجاب وحدها -والثمن شرط- وهذا أقرب عندي. ويتخرج على هذا السكوت عن ذكر الثمن يكون على الأول مقتضيا للإبطال وأن الكلام لغو، وعلى الثاني يكون فاقد شرط؛ فيمكن أن يقال: إنه بيع فاسد ويفرق هنا بين الفاسد والباطل كما يفرق بين الخلع والكتابة ونحوهما. وقد يتخرج عليه أيضا -على الأول- أن بلا ثمن رافع؛ لأن المقتضى بعتك- بمجردها- لا الثمن؛ إذ الثمن شرط لا شطر، فيجيء ما قاله الرافعي، وإن قلنا: إنه ركن   1 في "ب" لصحته. 2 في "ب" تقتضيه. 3 في "ب" جرى عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فليس برافع، إذ لم يوجد شيء حتى يرتفع بنفي الثمن. وقد بتخرج عليه أيضا فرع لم أجده منقولا، وهو ما إذا قال المشتري: قلبت عقب قول البائع: بعتك مع قوله بدرهم. فإن قلنا: الثمن ركن فلا يصح؛ لأن الشرط في القبول أن يكون عقب الإيجاب ولا يتم الإيجاب إلا بذكر الثمن. وإن قلنا: شرط، فيحتمل أن يقال: بالصحة؛ لأن القبول وجد بعد تمام الإيجاب، ولا يضر مقارنة القبول للشرط. وقد يتخرج عليه أيضا الفرع المنقول عن صاحب الذخائر فيما إذا تلفظا بالثمن ولكن نويا أن يحتمل. قلت: ومنها: مسألة الاستيجاب إذا قال: بعني؛ فقال بعتك؛ فالصحيح الصحة؛ لأن الطلب والاستدعاء مثل صريح اللفظ والبطلان يخرج من اعتبار اللفظ دون المعنى، كذا قال صاحب التتمة، قال: فإن اللفظ الموضوع للعقد لم يوجد، قلت: وفيه نظر. ومنها: إذا قال: بعتك إن شئت صح نظرا إلى المعنى؛ فإنه لو لم يشأ لم يشتر، وقيل: يبطل، للفظ التعليق. ومنها: قال القاضي أبو سعد الهروي في "الإشراف"، لو قال بعتك هذه الدار على أن لك نصفها صح كما لو قال: إلا نصفها، لأن التخصيص كالاستثناء. نقول: جاءني القوم وما جاءني زيد كما تقول: إلا زيدا. وقال محمد بن الحسن1: لا يصح لأنه قابل الدار بجميع الثمن على أن له نصفها، ففيه تناقض. قال القاضي أبو سعد: هذا محتمل.   1 أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولى لبني شيبان مات بالري سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة حضر مجلس أبي حنيفة سنتين ثم تفقه على أبي يوسف وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبي حنيفة قال الشافعي رحمه الله حملت من علم محمد وقر بعير، وقال أيضا ما رأيت أحدا يسأل مسألة فيها نظر إلا وتبينت في وجهه الكراهة إلا محمد بن الحسن الشيرازي ص135، الجواهر المضيئة 2/ 42، ابن خلكان 3/ 324، العبر 1/ 302. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 قلت: كان الأول ينظر إلى المعنى؛ فإنه نزل صيغة الشرط -وهي قوله على أن لك نصفها- بمنزلة الاستثناء لاشتراكهما في أن كلا منهما تخصيص. والثاني ينظر إلى اللفظ. واعلم أني وجدت في غير نسخة -كما رأيت على أن لك نصفها، ولك أن تقول قوله: على أن لك نصفها لا يقتضي تخصيصا؛ وإنما هو ذكر لبعض أفراد الجملة، فهو كذكر بعض أفراد العام وذلك لأنه إذا كانت للمشتري كلها فقد كان له نصفها، فلا يقتضي هذا تبقية النصف للبائع إلا على القول بمفهوم اللقب والاعتبار به؛ ألا ترى أنهم قالوا في باب العتق إذا قال لعبديه: إذا جاء الغد وأحدكما في ملكي فهو حر فجاء الغد وهما في ملكه عتق أحدهما. مع أن مفهوم أحدكما أن يكون هو بمفرده ولم ينظر إليه وهذا أوضح من أن يسشهد عليه. وقوله: "إنه بمنزلة الاستثناء" يقتضي أنه يبقى للبائع التصرف فلعل الصيغة على أن لي نصفها. وكذلك نقله الوالد في أوائل البيع من "شرح المنهاج" عن القاضي أبي سعد مع أن إحدى النسخ التي وقفت عليها من الإشراف هي نسخة والدي ولم أقل فيها إلا ما نقلت، ولعل الشيخ الإمام حرر النقل عنه فليكن الأمر على ما نقله، هو ويحمل أمر ما وقفت عليه من النسخ على غلط الناسخ. وبالجملة: يشهد للصحة مسألة بعتك عشرة آصع كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا أو على أن أنقصك صاعا. ومنها: لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فليس يسلم قطعا، ولا ينعقد بيعا على أصح القولين عند المشايخ الثلاثة، لاختلاف اللفظ. والثاني ينعقد بيعا نظرا إلى المعنى. ومنها: اشتريت منك ثوبا صفته كذا وكذا بهذه الدراهم فقال: بعتك ففيه وجهان: اختلف المشايخ الثلاثة في أرجحهما. فزعم الشيخان -الرافعي والنووي- أنه ينعقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 بيعا اعتبارا باللفظ، وزعم الشيخ الإمام أنه ينعقد سلما نظرا إلى المعنى، واللفظ لا يعارضه؛ لأن كل سلم بيع. ومنها: إذا قال لمن عليه الدين: وهبته منك؛ ففي اشتراط القبول وجهان: أحدهما: أنه يشترط اعتبارا بلفظ الهبة. والثاني: عدم اشتراطه؛ فإن معناه الإبراء. وصححه الرافعي في كتاب الصداق، وذكر الخلاف في باب الهبة- من غير ترجيح وبناه على اللفظ والمعنى. ونظير المسألة الصلح من ألف في الذمة على خمسمائة في الذمة أيضا؛ فالأصح الصحة، ثم قال الرافعي: الأظهر اشتراط القبول وقد يقال: إنه مخالف لما صحح في نظيره من الهبة. وذهب الشيخ الإمام -رحمه الله- بعد ما حكى ما ذكرته من كلام الرافعي إلى أنا إن اعتبرنا اللفظ اشترط القبول في الصلح والهبة، وإن اعتبرنا المعنى اشترط في الهبة دون الصلح. ومنها: قال أبو سعد الهروي: أعتقه عني بألف، بيع في وجه، وعتق بعوض في وجه. فائدته: أنت حر غدا على ألف. إن قلنا: بيع، فسد، ويجب قيمة العبد. وإن قلنا: عتق بعوض، صح، ويجب المسمى. قلت: وهذه مسألة غريبة، وقد تبعه في ذكرها -على هذا الوجه- القاضي شريح الروياني في أدب القضاء. ومنها: أوصى لأجنبي بزائد على الثلث، وأجاز الوارث وقلنا الإجازة ابتداء عطية فلم تتقيد الإجازة بلفظ الإجازة؟ فيه وجهان، ووجه المنع أن الإجازة تشير إلى أمر سابق. وما سبق باطل، قال الغزالي: وهذا التقدير ينبني على أن النظر إلى الألفاظ أو إلى المقاصد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ومنها: إذ قال خالعتك ولم يذكر عوضا. خرجها القاضي أبو سعد على القاعدة، وحكى فيها قولين أحدهما: لا شيء. والثاني: أنه خلع فاسد، ويجب المهر. قال: وفيه وجه، أنه طلاق رجعي. قلت: الصحيح أن صراحة الخلع تعتمد ذكر المال؛ فإن لم يذكره فهو كناية ووقع في كلام المنهاج النووي ما يوهم تصحيح أنه يجب مهر المثل، وهو مؤول كما ثبت في التوشيح، والقول بأنه رجعي غريب. قال القاضي أبو سعد: وكذا لو قال خذها مضاربة؛ ففي قول إبضاع فلا يجب أجر مثل، وفي قول: مضاربة فاسدة فيستحقه. ومنها: الرجعة بلفظ النكاح، فيه خلاف خرجه القاضي أبو سعد، على القاعدة. ومنها: الأصح أن بيع البائع المبيع قبل قبضه كبيعه لغيره؛ فيكون باطلا ويحل الوجهين فيما إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة؛ وإلا فهو إقالة بلفظ البيع. قال صاحب التتمة: وخرجه الشيخ الإمام -رحمه الله- على أن النظر لصيغ العقود أو لمعانيها، قال: ثم رأيت التخريج للقاضي الحسين قال: إن اعتبرنا اللفظ؛ فعلى الوجهين وإن اعتبرنا المعنى فإقالة. ومنها: إذا قال: استأجرتك لتعهد نخيلي بكذا من ثمرتها. فوجهان: أحدهما: أنه يصح مساقاة نظرا إلى المعنى، وأصحهما: إجارة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعد وجود شرط الإجارة؛ لأن الثمرة، المعدومة لا تصلح أن تكون كذا بدراهم معلومة فوجهان. أحدهما: يصح إجارة نظر إلى المعنى. وأصحهما: أنها مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة؛ إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ومنها: قدمنا أنه إذا وهب بشرط ثواب معلوم كان بيعا على الصحيح اعتبارا بالمعنى، ثم وفي الشيخ الإمام بتمام التشبيه فصحح أنه يثبت فيه الخياران: المجلس والشرط، وأنه يجوز للولي أن يهب مال الصبي بشرط معلوم، وقال: إن ذلك هو الذي تقتضيه قواعد المذهب. وقال الرافعي والنووي: لا يثبت الخيار؛ لأنه لا يسمى بيعا، ولا يهب الولي مال الصبي بشرطه؛ لأن الهبة لا يقصدها بها العوض. كذا ذكره في البيع والحجر. وفي كتاب الهبة فإن ثبت الخيار؛ فليكن المعتمد ما ذكره في باب الهبة من ثبوت الخيار وفاء بتمام التشبيه، واعتماد على ما ارتضاه الوالد رحمه الله؛ فإن الراجح عنده ثبوت الخيارين، وصحة هبة الولي مال الصبي بشرط الثواب. غير أن سؤالا، وهو أنه في باب الشفعة فيما إذا وهب مطلقا، وقلنا: المطلقة تقتضي الثواب. ذكر أن الرافعي صحح ثبوته الشفعة، وأنه صحح أن له يأخذ قبل القبض أيضا؛ لأنه صار بيعا، وتبعه النووي. وهذا منهما اعتبارا للمعنى، عكس ما فعلاه، في إثبات الخيار في الهبة بشرط الثواب؛ فإنهما اعتبر اللفظ. ثم قال الوالد: في باب الشفعة في هاتين المسألتين "إن في تصحيح الرافعي نظرا، وإن الأولى النظر إلى جانب اللفظ هنا عكس ما فعله في مسألة الخيار. وليس لك أن تقول: الشفعة على خلاف القواعد؛ فاقتصرنا على مورد النص وهو فيما كان بيعا أو نحوه في اللفظ والمعنى لأنا نقول أيضا: إثبات الخيار على خلاف القواعد، وقد أثبتناه في الهبة ذات الثواب اعتبارا بالمعنى؛ فإما أن يعتبر المعنى في الوضعين أو يترك فيهما وأما التفرقة فلا تبين. وجواب هذا السؤال: أن الوالد إنما يعتبر المعنى. إذا اقترن بلفظ الهبة شرط الثواب فإن ذكره يشبه ذكر السبب؛ فتعين كون لفظ الهبة باب مناب لفظ البيع، ولا كذلك إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 لم يصرح به، [ولذلك] 1 وافق في الهبة المصرح فيها باشتراط الثواب على ثبوت الشفعة فيها؛ وإنما منع الشفعة في المطلقة. وإن قلنا [بمقتضى] 2 الثواب فليست المطلقة، وإن قلنا يقتضي الثواب بمنزلة المذكور فيها الشرط فإنه قرينة العوضية. قاعدة: الفرض أفضل من النفل3. قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تعالى: "وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي من أداء ما افترضته عليه ... " الحديث4. قال الشافعي رضي الله عنه: إن الله لما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحيه وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته، افترض عليه أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه. وبين الشافعي: قدس الله روحه -حكمة الافتراض الدالة على أنه أعلى درجة. من سائر المطلوبات. قال الإمام في أوائل النكاح، قال الأئمة خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه، فإن ثواب الفرائض تزيد على ثواب المندوبات. قال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله لا يتقرب المتقربون إلي بمثل أداء فرائضهم". وقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "عبدي إد ما افترضت عليك تكن أعبد الناس وانته عما نهيتك تكن أورع الناس وارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس وتوكل علي تكن أكفأ الناس". وقال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النفل بسبعين درجة وتمسكوا بما رواه سلمان الفارسي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى   1 وفي "ب" ولكذلك. 2 في "ب" تقتضي. 3 الأشباه للسيوطي ص145. وقالوا: الفرض أفضل من تطوع عابد ... حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتدا ... للسلام كذاك إبراء معسر 4 البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه 11/ 340 في كتاب الرقاق/ باب التواضع "6502". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 سبعين فريضة فيما سواه1؛ فقابل النفل فيه بالفرض في غيره، وقابل الفرض فيه بسبعين فرضا في غيره فأشعر هذا بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق الفحوى. انتهى كلام الإمام في النهاية. فإما حديث "لا يتقرب المتقربون ... "؛ ففي صحيح البخاري، وأما حديث عبدي أد ما افترضته عليك. [فعلى] 2 حفظي أن شيئا منه في سنن ابن ماجة، وأما حديث سلمان فرواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان، وقوله: فأشعر بأن الفرض يزيد بسبعين لعل مراده بالسبعين في الحديث العدد الكبير، وذكر لفظ السبعين مبالغة لا للتقييد بالعدد [الخاص] 3، ومن ثم قال الإمام: يزيد بالسبعين ولولا ذلك لقال تسع وستين وقوله: "أشعر من جهة الفحوى" لم يتبين لي وجه هذا الإشعار. فصل: إذا عرفت أن الفرض أفضل من النفل. وأحب إلى الله منه وأكثر أجرا؛ فاعلم أن هذا أصل مطرد، إذ لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور لأننا إذا حكمنا على ماهية بأنها خير من ماهية أخرى -كقولنا: الرجل خير من المرأة وليس الذكر كالأنثى- لم يمكن أن تفضلها الأخرى بشيء من تلك الحيثية؛ لأنها لو فضلتها من تلك الحيثية لكان ذلك خلطا؛ فإن الرجل إذا فضل المرأة -من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضله المرأة من حيث أنها غير رجل، وإلا لتكاذبت القضيتان وهذا بديهي، نعم قد تفضل امرأة ما رجلا ما من جهة غير الذكورة والأنوثة، والقصد بهذا [التقرير] 4 أنه شاع أنه يستثنى من هذه القاعدة ثلاثة فروع: أحدها: إبراء المعسر؛ فإنه أفضل من إنظاره، إنظاره واجب، وإبراؤه مستحب. والثاني: الابتداء بالسلام فإنه سنة والرد واجب، والابتداء أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم:   1 أخرجه ابن خزيمة وقال وإن صح الخبر. أخرجه البيهقي في الشعب، 3/ 305 في كتاب فضائل شهر رمضان حديث "3608". وقال الحافظ ابن حجر مداره على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. 2 في "ب" ففي. 3 في "أ" الحامل والمثبت من "ب". 4 في "ب" التقدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 "وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام1. وحكى القاضي حسين في "التعليقة" وجهين في أن الابتداء أفضل أو الجواب، كذا نقل الشيخ برهان الدين في باب صفة الصلاة. والثالث: قال ابن عبد السلام: صلاة نافلة واحدة أفضل من إحدى الخمس الواجب فعلها على من ترك واحدة منها ونسي عينها. فأما الأول: فكنت أسمع الشيخ الإمام -رحمه الله- يقول: في الانفصال عنه الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمال الأخص على الأعم لكونه تأخيرا للمطالبة فلم يفضل ندب واجبا؛ وإنما فضل واجب -وهو الإنظار الذي تضمنه الإبراء. وزيادة وهو خصوص الإبراء- واجبا آخر. وهو مجرد الإنظار. وقد يقال: الإنظار هو تأخير الطلب مع بقاء العلقة والإبراء زوال العلقة وهما قسمان لا يشمل أحدهما الآخر؛ فينبغي أن يقال في التقرير: إن الإبراء محصل لمقصود الإنظار وزيادة. وهذا كله بتقدير تسليم أن الإبراء أفضل، وغاية ما استدل عليه. بقوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام فلا يكون دليلا على أن الإبراء أفضل. ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل، لشدة ما يناله المنظر من ألم الصبر مع شوق القلب، وهذا فضل ليس في الإبراء الذي انقطع فيه اليأس؛ فحصلت فيه واحدة من الحيثية ليست في الإنظار، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنظر معسرا كان له بكل   1 متفق عليه من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أخرجه البخاري 10/ 492 في كتاب الأدب باب الهجرة حديث "6077" ومسلم 4/ 1984 في كتاب البر/ باب تحريم الهجر حديث 25/ 2560. وحديث أبي أمامة أيضا مشيرا إلى هذا، قال صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام". أخرجه أحمد في المسند 5/ 254 ضمن مسند أبي أمامة رضي الله عنه وأبو داود في السنن 4/ 451 في الأدب/ باب فضل من بدأ السلام "5197" والترمذي 5/ 56 في كتاب الاستئذان باب فضل الذي يبدأ بالسلام "2694"، وقال هنا حديث، قال محمد أبو فروة الرهاوي مقارب الحديث إلا أن ابنه محمد بن يزيد يروي عنه مناكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 يوم صدقة"؛ فانظر كيف وزع أجره على الأيام تكثر بكثرتها، وتقل بقلتها -ولعل سره ما أبديناه، فالمنظر كل يوم ينال عوضا جديدا، ولا يخفى أن هذا لا يقع بالإبراء؛ فإن أجره- وإن كان أوفر- يستعقبه وينتهي بنهاية. ولست أستطيع أن أقول: الإنظار أفضل على الإطلاق؛ وإنما قلت ما قلت على حد سبق درهم دينارا أو سبق درهم مائة ألف كما سأبحث عنه إن شاء الله تعالى فينظر إلى ما حررته من البحث فإنه محتاج إلى مزيد تحرير. وأما الابتداء السلام؛ فليس في الحديث أن الابتداء خير من الجواب، بل إن المبتديء خير من المجيب، وهذا لأن المبتديء فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن طوبة المتبدئ وترك ما يكرهه الشارع من الهجر والجفاء؛ فإن الحديث ورد في المسلمين يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا فكان المبتديء خيرا من حيث إنه مبتديء ترك ما كرهه الشارع من التقاطع لا من حيث إنه مسلم. واعلم أن للقرافي في كتاب الفروق كلاما على هذه القاعدة يقبل المؤاخذة. فمنه: أنه اعترض على تقدم الواجب على المندوب بجمع [المطر] 1. قال فإنه يلزم منه تقديم المندوب فإن المندوب الجماعة فسقط من أجلها الوقت الواجب رعاية لتحصلها وكذلك الجمع بعرفة ثم قال المندوب قسمان ما قصرت مصلحته عن الواجب وهو الغالب وما كانت مصلحته أعظم كالتصدق بدينار أعظم أجرا من التصدق بدرهم، وقد يستوي مصلحتهما فيكون الواجب أكثر ثوابا كالفاتحة في الصلاة وخارجها، ودينار الزكاة أعظم من دينار الصدقة، ثم قال: والمندوبات التي قدمها الشارع على الواجبات فسبع صور إبراء المعسر على إنظاره، وصلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ2 وصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام3 مع أن الجماعة غير واجبة، والصلاة فيه غير واجبة وصلاة في   1 سقط في "أ". 2 بسبع وعشرين درجة كما ورد بذلك الحديث. انظر البخاري 2/ 131 في الأذان/ باب فضل صلاة الجماعة حديث "645" ومسلم 1/ 450 في المساجد/ باب فضل صلاة الجماعة "249/ 650". 3 البخاري 3/ 63 في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة حديث "1190" ومسلم 2/ 1012 في الحج/ باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة "505/ 1394". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 المسجد الحرام كذلك وفي المسجد الأقصى بخمس مائة، وصلاة بسواك أفضل من سبعين بلا سواك1، والخشوع في الصلاة مندوب، وفي الصحيح2: "لا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة" قال بعض العلماء: إنما أمر بعدم الإفراط في السعي لئلا يذهب خشوعه إذا أتى إليها فأمر بالسكينة وإن فاتته الجمعة. قلت: ما ذكره في الجمع بالمطر غير مسلم؛ فليس الجمع أفضل -على القول به- وقوله: من المندوب ما مصلحته أعظم من مصلحة الواجب- فيه نظر، والمثال الذي ذكره ممنوع، فألف دينار لا يجزئ عن ردهم زكاة والله في الفرائض أسرار لا تنتهي العقول إليها ومن ثم منع الشافعي القيمة في الزكاة وفي الحديث "سبق درهم دينارا أو سبق درهم مائة ألف" دل على أن الأفضلية ليست بالكمية. وأما الصور السبع؛ فقد تقدم الكلام في إبراء المعسر.   1 أخرجه البيهقي من حديث فرج بن فضالة عن عروة بن رويم عن عمرة عن عائشة مرفوعا به، وقال: إنه غير قوي الإسناد، وساقه أيضا من طريق الواقدي عن عبد الله بن يحيى الأسلمي عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ: الركعتان بعد السواك أحب إلي من سبعين ركعة قبل السواك، وضعفه أيضا الواقدي، وقد رواه من غير جهته الحارث بن أبي أسامة في مسنده من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود بلفظ: صلاة على أثر سواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك؛ بل أخرجه ابن خزيمة وغيره كأحمد والبزار والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال: ذكر الزهري عن عروة بلفظ: فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا وتوقف ابن خزيمة والبيهقي في صحته خوفا من أن يكون من تدليسات ابن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري، لا سيما وقد قال الإمام أحمد أنه إذا قال: وذكره لم يسمعه وانتقد بذلك تصحيح الحاكم وهو قوله إنه على شرط مسلم، ولكن قد رواه معاوية عن الزهري، أخرجه البزار وأبو يعلى والبيهقي وجماعة وابن عدي في كامله، وفي معاوية ضعف أيضا قال البيهقي ويقال إن ابن إسحاق أخذه منه، ورواه أبو نعيم من حديث الحميدي عن سفيان عن منصور عن الزهري ورجاله ثقات، وفي الباب عن أبي هريرة عن ابن عدي في كامله بلفظ: صلاة في أثر سواك، أفضل من خمس وسبعين ركعة بغير سواك وعن ابن عباس عن أبي نعيم في السواك له بلفظ: لأن أصلي ركعتي بسواك أحب إلي من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك وسنده جيد وعن أنس وجابر وابن عمر. وكذا عن أم الدرداء وجبير بن نفير مرسلا، كما بينته في بعض التصانيف، وبعضها يعتضد ببعض، ولذا أورده الضياء في المختارة من جهة بعض هؤلاء، وقول ابن عبد البر في التمهيد عن ابن معين: إنه حديث باطل هو بالنسبة لما وقع له من طرقه. 5 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. البخاري 2/ 390 في الجمعة/ باب المشي إلى الجمعة "908"، ومسلم 1/ 420-421 في المساجد/ باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة "151/ 602". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وأما صلاة الجماعة ففضلت صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة لما أثرت الجماعة في صفتها، ولم تفضل بخمس وعشرين فرضا ولئن فضلته بخمس وعشرين فرضا فما الأربع والعشرون في مقابلة الجماعة؛ بل في مقابلة ذات الجماعة، لما اشتملت عليه من جمع قلوب ومشي إلى المسجد غالبا وانتظار الصلاة والعبد لا يزال في صلاة ما دام ينتظر الصلاة1؛ فهناك صلوات في الحقيقة فما فضل إلا فرض فرضا لا نفل فرضا وكذلك بقوله في الصلاة في المساجد الثلاثة وفي الصلاة بسواك، هذا إن قلنا المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة ... " المراد به الفرض، وهو قول الطحاوي من الحنفية. ومذهبنا كما نقل النووي في شرح المهذب -أنه يعمم الفرض والنفل جميعا؛ فإن قلت: فليلزم حينئذ أن تكون نافلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف فرض، فرجحت النافلة الفرض. قلت: قد يكون الفرض في المسجد أفضل من الفرض في غيره، والنافلة فيه أفضل من النافلة في غيره، لا أن النفل أفضل من الفرض؛ لاختلاف النوع، وليس في الحديث صيغة تعميم للنوعين. أو يقال: وهو الذي أعتقده: أن المضاعفة تحصل من حيث أنها في المسجد وقد يحصل للفرض من حيث أنه فرض فضل آخر، وإذا كان هناك وجهات لم يلزم تقديم النفل على الفرض. فإن قلت: ذاك الفرض الآخر الذي يختص به الفرض كيف يوازي ألف صلاة ويزيد، قلت: لم يمتنع ذلك ولئن لم يوازه فليس يلزم من كثرة الثواب الأفضلية وهذا باب آخر يطول الشرح فيه. وقد بحثت مرة أخرى مع الشيخ الإمام [الوالد] 2 رضي الله عنه في صلاة الظهر -بمني يوم النحر- إذا جعلنا "منى" خارجة عن حدود الحرم - أن تكون أفضل من صلاتها   1 متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. البخاري 2/ 131 في الأذان/ باب فضل صلاة الجماعة "647" وفي البيوع 4/ 338/ باب ما ذكر في الأسواق "2119" ومسلم 1/ 459 في كتاب المساجد/ باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة حديث "272/ 649"، و"274/ 649". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وفي المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها "بمنى" يومئذ والاقتدار به أفضل أو في المسجد لأجل المضاعفة؟ فقال: بل في "منى" وإن لم تحصل بها المضاعفة؛ فإن في الاقتداء بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير ما يربو على المضاعفة. فإن قلت: كيف تقولون في قوله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي ... " أنه يعم الفرض والنفل. وقد تطابقت الأصحاب ونص الحديث على أن نافلة المرء في بيته أفضل لم يستثن [إلا ما لا يتأتى] 1 إلا ما يستحب له في المسجد كالعيد ونحوه أو ما لا يتأتى إلا فيه كركعتي الطواف. قلت: هذا من القبيل الأول: فلا يلزم من المضاعفة في المسجد أن يكون أفضل من البيت، والظاهر أنه ذو وجهتين، وبالوجهتين تتم المضاعفة في نافلة [المساجد] 2 وإن لم يوجد في فرائض غيرها. وغاية الأمر أن يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل ولا يلزم من ذلك جعله أفضل؛ فإن للأفضل مزايا كما أن للمفضول مزية. وبذلك صرح الشيخ عز الدين بن عبد السلام؛ فقال: قد يقدم المفضول على الفاضل في بعض الصور، كتقديم الدعاء بين السجدتين على القراءة ولقد سألت الشيخ الإمام تغمده الله تعالى برحمته أو سئل. وأنا أسمع عن حديث "المتحابون في الله على منابر من نور تغبطهم الأنبياء ... الحديث3 - كيف يغبط الأنبياء المتحابين وهم أرفع درجة؟ فقال: لعل هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب، والأنبياء عليهم السلام لا بد أن يسألوا عن التبليغ، وهيبة الرب خطيرة؛ فحالهم وإن كان أرفع؛ إلا أنهم يغبطون السالم من هذا العبء لراحته، ولا يلزم أن يكون حال الراحة أفضل. هذا حاصل كلامه. ومما يدل على أن المفضول قد تكون له مزية ليست للفاضل حديث "من وافق   1 سقط في "ب". 2 في "ب" المسجد. 3 أخرجه أحمد من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه في المسند 5/ 239 والترمذي 4/ 597 في الزهد/ باب ما جاء في الحب في الله "2390" والطبراني في الكبير 20/ 88 "168" والحاكم في المستدرك 4/ 419-420 في كتاب الفتن/ باب المتحابون في الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"1؛ فإن ظاهره يشمل الكبائر والصغائر: وحديث "الإسلام يهدم ما قبله، والحج يهد ما قبله والعمرة تهدم ما قبلها"2. جعل الحج والعمرة كالإسلام، والإسلام يهدم الكبائر والصغائر. ويدل عليه حديث $"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"3، وليس ذلك في الصلاة وهي أفضل. وهنا سؤال، وهو أنه قد ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر4؛ فإذا كانت الفرائض لا تكفر الكبائر فكيف تكفرها سنة. وهي موافقة التأمين إذا وافق التأمين. وقد أخذ شخص مرة يهول أمر هذا السؤال ويقول: كبائر الفرائض تصغر عن هذا5 التكفير وكبائر الجرائم تكفرها نافلة؟ والجواب: أن المكفر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمن، بل وفاق الملائكة وليس ذلك إلى صنعه، بل فضل من الله، وعلامة على سعادة من وافق. وقد أطلنا في هذا، فلنعد إلى الفرض. وأما الإتيان إلى الصلاة بالسكينة. فصل: إذا عرفت أن الفرض أفضل من النفل؛ فهل هذا في كل فرض من الفرائض التي ابتدأ الله إيجابها دون التي وجبت بتسبب العبد؟   1 أخرجه البخاري 2/ 266 في الأذان/ باب جهر المأموم بالتأمين "782" وأحمد في المسند 2/ 233-270 في مسند أبي هريرة رضي الله عنه والسنائي في المجتبي من السنن 2/ 144 في الافتتاح/ باب جهر الإمام بآمين. 2 مسلم 1/ 112 في الإيمان/ باب كون الإسلام يهدم ما قبله "192/ 121". 3 متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه البخاري 3/ 382 في الحج/ باب فضل المبرور "1521" ومسلم 2/ 983 في الحج/ باب فضل الحج والعمرة حديث "438/ 1350". 4 أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة 1/ 209 في الطهارة/ باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة حديث "16/ 233". 5 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 هذا موضع لي فيه نظر، والذي يظهر -من كلام أقوال الأول، ووجهه ظاهر والذي ترجح عندي الثاني، قلت أعتقد أن فريضة وجبت بتسبب العبد إليها أفضل من فريضة ابتدأ الشارع طلبها. ولذلك اختلف في أن النذر هل يسلك مسلك واجب الشرع أو جائزه؟ وما ذاك إلا لأن إيجابه يتسبب العبد. ومن هنا نخرج إلى الجواب عن ابتداء السلام فنقول: إنما كان أفضل من الجواب -وإن كان الجواب فرضا- لأن فرضية الجواب نشأت عن ابتداء السلام ولم يكن وجوبها ابتداء. فإن قلت: ما تصنعون فيما أوردتم من الأحاديث الدالة على أن الفرض -أفضل من غير تخصيص بفرض ابتدائي. قلت: أنا أشم من قوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تعالى: "ما تقرب إلى المتقربون بأفضل من أداء ما افترضته عليهم" أن المعنى به ما أنشأت افتراضه، ولذلك قال: افترضته ولم يقل، ما هو فرض عليهم، فإني أجد فرقا بين العبارتين، فليتأمل هذا فإنه موضع احتمال. ولا يخفي أن ارتكاب ما هو يسقط للذمة يخرج عن العهدة أولا، عن أن في وصفه بالأفضلية مع أنه مما لعله مما يكرهه الشارع كالنذر موضع النظر، ثم جدوى هذا النظر قليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 خاتمة: ما لا بد منه لا يترك إلا بما ... خاتمة: ما ل بد منه لا يترك إلا بما إذا بان لك أن الفرض أفضل من النفل مطلقا علمت أن الواجب لا يترك إلا لواجب وانتقلت منه إلى قاعدة معزوة إلى أبي العباس بن سريج قيل: إنها متلقاة من كلامه في مسألة الختان، وذكرها الشيخ أبو إسحاق1 في "المهذب" و"النكت" وإمام   1 إبراهيم بن علي يوسف بن عبد الله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي شيخ الإسلام علما وعملا وورعا وزهدا وتصنيفا واشتغالا، قال الذهبي: لقبه جمال الإسلام، ولد بفيروزآباد قرية من قرى شيراز في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل: في سنة خمس، وقيل: ست وله تصانيف انتفع بها أهل العلم في كل زمان ومكان، وتوفي في جمادى الآخرة، وقيل الأولى سنة ست وسبعين وأربعمائة ودفن بباب أبرز، ابن السبكي 3/ 188، ابن قاضي شبهة 1/ 238 ووفيات الأعيان 1/ 9، البداية والنهاية 12/ 124، النجوم الزاهرة 5/ 115، مرآة الجنان 3/ 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الحرمين، والغزالي، والكيا الهراسي1، والرافعي وغيرهم. أشار إليها الجماعة بعضهم "ما لا بد منه لا يترك إلا بما لا بد منه" في مسألة سجود التلاوة وبعضهم في مسألة الختان، وربما عبر عنها بأن جواز ما لو يشرع لم يجر دليل على وجوبه، وبأن الواجب لا يترك لسنة قال أرباب هذه القاعدة: وقد ظهر تأثير هذا الكلام في مسائل: منها: قطع اليد في السرقة؛ فإنه لو لم يجب لكان حراما، وإلى هذا أشار الرافعي. بقوله: قطع عضو لا يختلف فلا يكون إلا واجبا، كقطع اليد والرجل. ومنها: إقامة الحدود على ذوي الجرائم. ومنها: إنه يجب على المضطر أكل الميتة على الأصح. ومنها: لو كان لا يحسن الفاتحة ولا يحسن إلا آيات فيها سجود التلاوة قال الإمام في "الأساليب" لا نص فيها، قال: ولا يبعد منعه من سجود التلاوة يعني في الصلاة حتى لا يقطع القيام المفروض. انتهى. وهي مسألة غريبة دعا إليها "ما لا بد منه لا يترك إلا بما لا بد منه"، ثم وصلوا بهذا إلى الختان ونظموا قياسا ردوا به على الحنفية - حيث نفوا وجوبه. فقالوا: الختان قطع عضو سليم؛ فلو لم يجب لم يجز، كقطع الأصبع، فإن قطعها إذا كانت سليمة - لا يجوز إلا إذا وجب القصاص. قالوا: وإلى هذا القياس أشار شيخ الأصحاب أبو العباس بن سريج؛ فإنه قال: لم لم يكن الختان واجبا لما كشفت له العورة، لأن كشف العورة محرم فما كشفت من أجله دل على وجوبه. وتبعه الأصحاب على طبقاتهم. وعبارة الرافعي في "الشرح" قطع   1 علي بن محمد بن علي شمس الإسلام عماد الدين أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي تفقه ببلده ثم رحل إلى نيسابور قاصدا إمام الحرمين وعمره ثماني عشرة فلازمه حتى برع في الفقه والأصول والخلاف وطار اسمه في الآفاق وإلكيا بهمزة مكسورة ولام ساكنة ثم كاف مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت معناه الكبير بلغة الفرس والهراسي براء مشددة وسين مهملتين، توفي في المحرم سنة أربع وخمسمائة وعمره أربع وخمسون سنة ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق وفيات الأعيان 2/ 448، ابن قاضي شهبة 1/ 288، مرآة الزمان 8/ 23، ابن السبكي 4/ 281، النجوم الزاهرة 5/ 201، شذرات الذهب 4/ 8، العبر 4/ 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 عضو يخاف منه؛ فلو لم يجب لم يجز. واقتضى ما ذكروا في منازعته ختان الصبيان؛ فإنه ليس واجبا في الحال وجائز له كشف العورة. ثم أجاب بعضهم بالتزام جواز النظر إلى فرج الصغير. وهو وجه مال النووي في "الروضة" إلى ترجيحه، وكاد الشيخ الإمام رحمه الله -في باب ستر العورة يصرح به ونقله عنه الأصحاب: منهم الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وغيرهما وإن كان الرافعي جزم بالتحريم، وادعى صاحب "العدة" الاتفاق عليه في كتاب النكاح. وبعضهم قال: يجب على الولي الختان الصبي إذا رآه مصلحة. والحاصل أن الأمر دار عند علمائنا بيع منع تحريم كشف عورة الصبي ومنع وجوب ختانه، والقاعدة سليمة على الأمرين، وكلا المعنيين مقصود منه السعي في سلامتها عن النقض. قلت: وهذا صنيع الأصحاب في مسألة الختان حاولوا صحة هذه القاعدة وحاولت الحنفية فسادها. وفي مسألة سجود التلاوة عكس الفريقان الأمر؛ فحاول الحنفية صحتها؛ حيث [قالوا] 1 سجود التلاوة واجب؛ لأن نظم الصلاة يترك بسببه فدل أنه شيء لا بد منه، قالوا: لأن ما لا بد منه: لا يترك إلا بما لا بد منه، فإما أن الترك بما منه بد -كالسنة- فلا. فقيل لهم: هل أوجبتم الختان؟ فأجابوا بما لا يرضاه، كما هو [مقرر] 2 في الخلافيات. وعند هذا أقول: القاعدة -بإطلاقها- منقوضة بمسائل. منها: سجود التلاوة كما عرفت. ومنها: سجود السهو؛ فإنه ممنوع لو لم يشرع؛ إذ لا يجوز زيادة سجودين عمدا وهو مع ذلك سنة. ومنها: زيادة ركوع في الخسوفين، وكذا أكثر منه عند تمادي الخسوف، على ما رجحه الشيخ الإمام، خلافا للرافعي والنووي. ومنها: النظر إلى المخطوبة لم يقل بوجوبه إلا داود.   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" معروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ومنها: الكتابة لا تجب وإن طلبها الرقيق الكسوب -على المذهب- وقد كانت المعاملة قبلها ممنوعة؛ لأن السيد لا يعامل عبده. ومنها: التنحنح في الصلاة إن بان به حرفان بطلت، على ما صححه الرافعي والنووي؛ فلو تعذر الجهر إلا به كان -على وجه- عذرا إقامة لشعائر الجهر فعلى هذا الوجه ترك الواجب -وهو ترك التنحنح- لأجل سنة، وهو الجهر. ومنها: قطع السلعة المخوف بقاؤها جائز غير واجب. ومنها: على الجديد -يجوز أو يستحب للغاسل غسل عانة الميت، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة1 في كتاب السواك: وذلك لا يتأتى من الغاسل إلا بنظره إلى العورة أو لمسها وكلاهما محرم، قال: فقد بطل بهذا قول أصحابنا لا يترك الواجب إلا للواجب. ومسائل هذا الفصل كثيرة؛ فليقع الاقتصار على ما ذكرناه، وهذه الصور التي ذكرها الشيخ شهاب الدين تقبل من المنازعة ما لا يقبله غيرها؛ فإنا وإن أوجبنا حلق عانة الميت -وليس هو الذي يفتي به- فإنما ذلك لأن ما يحصل من النظر والمس أن فرض أنه لا بد من حصوله قدر يسير بالنسبة إلى إزالة هذا القدر عن الميت. وبهذا الطريق إلى زبدة من الكلام فنقول: لعل الضابط -والله أعلم في تعارض النفل والفرض أن يقال: إن لزم من فعل النفل ترك الفرض بالكلية فلا اكتراث بالنفل، والفرض أفضل مطلقا؛ وإلا فالنفل مقدم في الحقيقة. إنما احتمل ترك فرض في زمن يسير لا يحصل به تمام الغرض منه لنفل حصل تمام الغرض منه؛ ألا ترى إلى جواز نظر الطبيب للعورة مداواة وما ذاك إلا لأن زمن   1 عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون المتنوعة شهاب الدين أبو القاسم المقدسي الدمشقي الفقيه المقريء النحوي المحدث المعروف بأبي شامة -لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر ولد بدمشق. في أحد الربيعين سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال ابن كثير رحمه الله وكان ذا فنون كثيرة وكان تاج الدين الغزاوي يقول بلغ الشيخ شهاب الدين رتبة الاجتهاد، توفي رحمه الله في رمضان سنة خمس وستين وستمائة. - ابن السبكي 5/ 61، ابن قاضي شهبة 20/ 133، مرآة الجنان 4/ 164، وفوات الوفيات 1/ 252، البداية والنهاية 3/ 250، بغية الوعاة ص297. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 المداواة يسير وفارطة لا يستدرك؛ فكل ما كان من هذا القبيل لا يمنع فيه تقديم النفل، ولكنا نقول ليس هو في الحقيقة تقديم نافلة لأن الفرض لم يترك بالكلية بل اغتفر منه زمن يسير كأنه اقتطع للمصلحة، ومن ثم نقول على القول بأن الختان سنة فعله أفضل وإن لزم منه كشف العورة لأن زمانه يسير؛ فلو ترك فعله لتركت السنة لا إلى بدل ولو فعل لم يلزم ترك الفرض مطلقا بل في زمن يسير لمصلحة لا يستدرك فارطها إذا لم يفعل وهذا كلام مبين. مباحثة: فإن قلت إذا أقررتم قصور مراتب النوافل عن درجات الفرائض فما قولكم في قوله صلى الله عليه وسلم "عمرة في رمضان تعدل حجة 1 معي"؛ فإنه فيما يظهر يشمل عمرة النفل والفرض وإن وقعت من مقيم بمكة وقد جعلت عدل من حج من المدينة في ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجع النفل فرضا عظيما، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" 2، وفي حديث أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر ابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها". معيار نافع: المآخذ المختلف فيها بين الأئمة لا بد في ترجيح بعضها على بعض بالدليل الدال على ذلك ثم بترجيح بعضها قد يسقط الآخر عن درجة الاعتبار كتعليل ولاية الإجبار بالبكارة فإنه عند الشافعي أسقط درجة التعليل بالصغر عن الاعتبار وقد لا يسقط وحينئذ فقد يمكن مجامعته له فينبني الأمر فيه على جواز التعليل بعلتين وقد لا يمكن فلا يمكن فيه ذلك ورب أصل اجتذبه مأخذان بكل منهما شبه فهو كفرع تجاذبه أصلان يلحق بأشبههما.   1 متفق عليه من رواية ابن عباس البخاري 3/ 603 كتاب العمرة/ باب عمرة في رمضان حديث "1782"، ومسلم 2/ 917 في الحج/ باب فضل العمرة في رمضان "221/ 1256". 2 الترمذي 2/ 481 في الصلاة/ باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس حديث "586"، وقال وحديث غريب وفي إسناده أبو ظلال وهو متكلم فيه ولكن في الباب شواهد. انظر الترغيب والترهيب 1/ 164-165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وسنذكر ذلك في مسائل الأصول؛ غير أنا منبهون هنا على أنه ثم مسائل تردد النظر في مأخذها وأبى بعض المتأخرين أن يطلق الترجيح فيها، وقال: إنه يختلف باختلاف المسائل؛ فمنها قال الرافعي في الخلاف في أن الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا، والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما بل يختلف باختلاف الصور وصوبه النووي، وقال نظيره القولان في أن النذر هل يسلك به مسلك واجب الشرع أو جائزه، وأن الإبداء إسقاط أو تمليك، قال: ويختلف الراجح بحسب المسائل لظهور دليل أحد الطرفين في بعضها وعكسه في بعض. قلت: ومن نظائره أيضا الخلاف فيمن نوى الفرض مع مناف كمن يحرم بالظهر قبل الزوال ينقلب نقلا أو تبطل، فيه قولان. قال في الروضة اختلف في الأصح منهما بحسب الصور. فائدة: في عد مسائل أمهات شكك في تصورها منها: قتل تارك الصلاة شكك المزني رحمه الله في تصويره، وقد شكك ابن الرفعة اعترض المزني هذا في فسخ المرأة بالإعسار على قولهم إن الفسخ عند انقضاء الثلاث يكون بالعجز عن نفقة اليوم الرابع أو بعد مضي يوم وليلة. ونازع الرافعي في بحث له هناك ذكره في مواضع في باب نفقة الزوجة فليكشف ومنها نص الشافعي رضي الله عنه على أن وطء الزوج الثاني بعد ارتداده أو ارتدادها لا يفيد التحليل، وإن فرض الرجوع إلى الإسلام لاضطراب النكاح واعترض المزني فقال لا تتصور هذه المسألة لأن الزوج الثاني إن كان قد أصابها نبل الردة فقد حصل التحليل للأول؛ وإلا فقد انفسخ النكاح بالردة قبل الدخول ولا عدة فلا معنى للرجوع وأجابه ابن سريج وغيره من أصحابنا بتصور العدة من غير فرض الدخول. إما بالخلوة على القديم وإما بأن يطأ فيما دون الفرج فيسبق الماء إلى الفرج. أو بأن يستدخل ماؤه أو بإتيانها في غير المأتي فتجب العدة بهذه الأسباب ولا يحصل الحل. واعلم أن الرافعي قصر في هذه المسألة فإن قدماء الأصحاب؛ إنما ذكروها في باب المطلقة ثلاثا وهناك نص عليها الشافعي وهذا الباب حذفه صاحب التنبيه والغزالي وغيرهما ممن لم يمش في تصنيفه على ترتيب مختصر المزني. وأدرج الغزالي ومتابعوه مقاصده في باب ما يحرم من النكاح، وأدرج صاحب التنبيه وطائفة من قدمائهم ابن القاص مقاصده في باب الرجعة فلما تبدد على الرافعي لم يستكمل له النظر ولم يرد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 باب ما يحرم من النكاح على الجزم بأن الوطء في ردة أحدهما لا يفيد التحليل وعزاه إلى النص ولفظ النص كما رأيته في المبسوط في باب المطلقة ثلاثا، وكذلك الزوجان يصيبها الزوج ثم يريد أحدهما بعد الإصابة بحلها تلك الإصابة؛ لأنه كان زوجا ولو كانت لأن الإصابة ردة أحدهما أو ردتهما معا لم يحلها، ولو رجع المرتد منهما إلى الإسلام بعد الإصابة بعد كانت والمرأة موقوفة على العدة حرمت في حالتها تلك بكل حال عليه انتهى. والرافعي ذكر اعتراض المزني وأجابه الأصحاب بما ذكرناه ولم تقم الدلالة على أن الردة قبل الدخول تفسخ النكاح، وإن عاد إلى الإسلام ولا ذكر الأصحاب دليلا عليه، وأنه لا عدة فيرتفع النكاح جملة والمسألة تحتاج إلى دليل وهذا في الارتداد قبل الدخول أما بعده فالنص قد علمت ولكن الذي جزم به ابن القاص في تلخيصه وتابعه شارحه القفال أنه إن رجع المرتد إلى الإسلام أباحها الأول ونقله النووي في زيادة الروضة وقد ذكره أيضا القاضي الحسين وإمام الحرمين، وأشار إلى أن من قال أن الوطء بالشبهة تحلل بقول الوطء في الردة تحلل وينحل من كلامهم أن في التحليل بالوطء في النكاح الفاسد خلافا، وفي الوطء بالشبهة خلافا مرتبا عليه وفي الوطء في الردة خلافا مرتبا على الوطء بالردة هذا ما ينحل لي من كلامهم ولم يزد القفال في شرح التلخيص على تصحيح ما قاله ابن القاص من أنه إذا عاد إلى الإسلام حلل، وذكر تشكيك المزني وجواب ابن شريح والأصحاب له، ورأيت صاحب البحر قد ذكر أن القفال قال ومنها فسخ المرأة النكاح بعيب الزوج. قال ابن الرفعة استشكل بعضهم تقريره بأنها إن علمت بالعيب فلا خيار وإلا فالنقاء من العيوب شرط الكفاءة ولا يصح النكاح إذا عدمت الكفاءة [على الأصح] 1 وإذا لم تصح انتفى الخيار قال وهذه غفلة عن قسم آخر وهو ما إذا أذنت له في التزويج من معين أو من غير كفؤ وزوجها الولي بناء على أنه سليم فإذا هو معيب والمذهب صحة النكاح في هذه الصورة كما صرح به الإمام في كتاب الوكالة وباب المرابحة. ومنها: إذا وقع في نار تحرقه لا يمكنه الخلاص منها إلا بماء يغرقه. ومنها: إذا حصل قطع الحلقوم والميء في الذبح بتحريك الذابح سكينة مع إعانة المذبوح على ذلك لاضطرابه وقد قدمناهما في قاعدة الضرر لا يزال بالضرر أول الكتاب وذكرنا ما فيهما.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الكلام في القواعد الخاصة القول في ربع العبادات: كتاب الطهارة إلى الزكاة ... بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الكلام في القواعد الخاصة: قال مصنفه: سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان: وأنا أرى التسهيل على الطالب بترتيبها على الأبواب، غير أن الحاجة قد تمس إلى تقديم وتأخير؛ فرأينا أفراد كل ربع من أرباع الفقه ثم لا علينا -بعد إفرادها في تقديم بعض قواعده على بعض، وربما ذكرنا في بعض هذه الأرباع بعض القواعد العامة كما أنا ربما قدمنا بعض القواعد الخاصة، ولم يقع واحد من الأمرين إلا لداع إليه، والله أسأل العون والتوفيق الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. القول في ربع العبادات: كتاب الطهارة إلى الزكاة قاعدة: كل ميتة نجسة1 إلا السمك والجراد2 بالإجماع والآدمي على الأصح3 قال الرافعي4 والنووي: إلا الجنين الذي يوجد ميتا بعد ذكاة أمه، والصيد   1 روضة الطالبين 1/ 13، تحفة المحتاج 1/ 292، مغني المحتاج 1/ 78، الاعتناء في الفرق والاستثناء/ باب النجاسة القاعدة الثانية بتحقيقنا. الأشباه والنظائر للسيوطي 460. 2 الأشباه والنظائر 460 نهاية المحتاج 1/ 238، مغني المحتاج 1/ 78، تحفة المحتاج لابن حجر 1/ 124، مختصر قواعد العلائي 1/ 100، الاعتناء في الفرق والاستثناء المصدر السابق. 3 الثاني أنه ينجس لأنه طاهر في الحياة غير مأكول فأشبه سائر الميتات والخلاف في غير ميتة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق ابن العربي المالكي بهم الشهداء. مغني المحتاج 1/ 78، نهاية المحتاج 1/ 239. 4 الشرح الكبير 1/ 162، روضة الطالبين 1/ 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الذي لا تدرك ذكاته فإنهما طاهر إن بلا خلاف1. وقال الشيخ الإمام -رحمه الله- لا حاجة إلى استثنائهما فإنهما مذكيان شرعا وألحق بما سبق البعير الناد والصيد بالضغطة السهم2. قاعدة: لا يعرف ماء طاهر في إناء نجس. قال الجرجاني في "المعاياة"3 والروياني في "الفروق" إلا في مسألتين: إحداهما: جلد ميتة طرح فيه ماء كثير ولم يتغير4. والثانية: إناء فيه ماء قليل ولغ فيه كلب ثم كثر الماء فبلغ قلتين بلا تغيير فالماء طاهر والإناء نجس؛ لأن الإناء إذا نجس أولا بالولوغ ثم كوثر الماء طهر لبلوغه حد الشرع من غير تغيير، والإناء على نجاسته لأنه لم يغسل سبعا ولم يعفر5. وهذا بخلاف ما لو صادق ولوغه كثرة الماء؛ فإن الولوغ حينئذ لا يؤثر فيبقى الماء والإناء على حالهما. قلت: وهذه هي مسألة ابن الحداد المشهورة التي لا ذكر لها -مع شهرتها في كتب المذهب- لا في الرافعي ولا في "الروضة" وفيها وجوه للأصحاب: قول ابن الحداد هذا وهو أصحها6. ووجه آخر: أنهما طاهران؛ لأن الماء وصل إلى حالة لو كان عليها في الأول لم يتأثر. ووجه ثالث: إنه إن مس الكلب الماء وحده طهر الإناء، وإن مس نفس الإناء لم يطهر إلا بطهارة الماء.   1 ومنها أيضا دود الطعام في أ؛ د الوجهين، الشرح الكبير 1/ 167. 2 ومنها الدود المتولد من الماء فيه فميتته طاهرة ولم يضر بطهوريته قطعا فإن أخرج وطرح فيه فقولان أصحهما عند النووي في الروضة والنتقيح أنه لا يضر خلافا لما صححه بعض المتأخرين النجاسة ولو ألقي في غيره ضر. روضة الطالبين 1/ 113، الاعتناء المصدر السابق. 3 ص "1" لوحة أ. 4 المعاياة المصدر السابق. 5 قال السيوطي في الأشباه والنظائر ص45: إنها من مهمات المسائل التي أغفلها الشيخان فلم يتعرضا لها. 6 وصححه السنجي في شرح الفروع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وقد أطال الشيخ أبو علي -في "شرح الفروع"- الكلام في هذه المسألة وجود فيها، وذكر أن القائل بهذا الوجه شبهه بالدن ينجس بنجاسة الخمر الذي فيه؛ فإذا تخلل طهر الدن تبعا للخمر المتخلل؛ لأن نجاسته كانت به. فأما إذا صب خمر في دن نجس ببول فصار الخمر خلا لم يطهر الخمر ولا الدن. قال الشيخ أبو علي: وهذا غير صحيح؛ لأن المتنجس بالولوغ يجب غسله سبعا ويعفر وإن لم يصادف الولوغ نفس المتنجس به. ولا يشبه الدن؛ لأنه إذا كان نجسا بغير خمر فالخمر لم يطهر بصيرورته خلا، فكيف يستتبع الدن؟ ثم هناك نجاستان. إحدهما: الخمر، وقد يطهر بالاستحالة. والأخرى: غيره، ولا يؤثر الانقلاب. وفي مسألتان النجاسة واحدة وهي نجاسة الكلب سواء أصاب نفس الإناء أم ماء الإناء؛ فلذلك صار حكمه في الحالتين واحدا. قلت: وهذا الوجه يشبه الوجه المفصل في الضبة بين أن تلاقي فم الشارب أو لا. وفي المسألة وجه رابع: أن الإناء إذا ترك فيه ساعة قام مقام الغسلات ويبقى التعفير وحده1. قلت: وصورة ثالثة في مسألة البئر، يتمعظ فيه شعر فأرة إذا ماس الشعر جوانب البئر، وكان الماء كثيرا بينه وبين الشعر، أكثر من قلتين -وليس بين الشعر وجوانب البئر إلا دون القلتين فالكثير- الذي وسط البئر طاهر، والبئر نجس، لتنجسه بنجاسة الماء القليل الملاقي له، بخلاف الكثير البعيد عنه وهذا على قول التباعد. فهذه ثلاث صور. فائدة: قال أبو العباس بن القاص في "كتاب التلخيص" لا يجوز تنكيس الوضوء عمدا إلا في مسألة واحدة: وهي جنب غسل بدنه إلا رجليه ثم أحدث فلو بدأ برجليه   1 قال السيوطي في الأشباه والنظائر "453" وهذا يشبه مسألة الكوز وقد بسطتها في شرح منظومتي المسماة بالخلاصة وعبارتي فيها: وإن بلغ في دونه فكوثرا ... يطهر قطعا، والإنا لن يطهرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فغسلهما ثم غسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه. أجزأه قلته تخريجا. انتهى. وإنما كان كذلك؛ لأن الحدث لما طرأ لم يؤثر في الرجلين، لبقاء الجنابة فيهما؛ فإذا غسلهما ثم غسله عن الجنابة وكان الحدث قائما في باقي أعضائه فإذا غسلها صار متوضئا1. وما ذكره هو الصحيح عند الأكثر، وبنوا [عليها] 2 أن الموجود فيه وضوء خال عن غسل الرجلين، لا وضوء منكس؛ لأن الرجلين تغسلان عن الجنابة خاصة. والقفال صوب في شرح التلخيص "مقالة ابن القاص، وخرج المسألة على أن المحدث إذا أجنب، والجنب إذا أحدث هل يسقط عن الترتيب في أعضاء الوضوء؟ قال فيه وجهان: قلت: وهي المسألة المشهورة: إذا اجتمع عليه حدثان أصغر وأكبر3 - والصحيح يكفيه غسل جميع البدن بنية الغسل وحده، ولا ترتيب عليه. والثاني: تجب نية الحدثين إن اقتصر على الغسل. والثالث: يجب وضوء مرتب وغسل جميع البدن. والرابع وضوء مرتب وغسل باقي البدن. وسواء أوقع الحدثان معا أو سبق أحدهما [ولو كان الأكبر على الصحيح] 4 ونظير قولنا -في هذه المسألة: إن هذا وضوء خال من غسل الرجلين- قولنا في مسألة أخرى: إن لنا وضوءا مشتملا على غسل الرجلين ومع ذلك لا تحسب. وصورته: في لابس الخف إذا مسح ثم غسل رجليه وهما في الخف؛ فإن البغوي ذكر في "فتاويه" أنه لا يصح غسلهما عن الوضوء حتى لو انقضت المدة أو نزع الخف   1 بخلاف إذا منع من الوضوء إلا منكوسا ففعل ما أمر به وصلى؛ حكى الروياني عن والده الصحة ولا قضاء عليه. قال النووي في أصل الروضة وهذا هو الراجح 1/ 123، 124. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" تقديم وتأخير. 4 في "ب" ولو كان الأكبر غسل الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لزمه إعادة غسلهما؛ لأنه لم يغسل الرجلين غسل اعتقاد الفرض، فإن الفرض قد يسقط بالمسح. قال: ويحتمل خلافه، لأن تارك الرخصة إذا أتى بالأصل لا يقال إنه لم يؤد الفرض. قلت: ولقائل أن يقول -على [الأولى] 1 إن غسل الرجلين لم يقع بعضا للوضوء؛ لأنه لم يصادف الرجلين إلا وقد ارتفع حدثهما. ويمكن أن يقال في هذا الفرع: [إذا] 2 قلنا بالصحيح -وهو أن السمح رفع الحدث- فغسل الرجلين بعده لا يصح لعدم مصادفته شيئا يرفعه، وليس هو بعض الوضوء لكماله. وإن قلنا، إن المسح لا يرفع؛ فيحتمل أن يقال: يصح، لأنه أتى بالأصل فيبطل حكم المسح، لأن البدل لا يجتمع مع المبدل ولا يقوى عليه. وبكل تقدير لم يوجد غسل الرجلين في وضوء غير محسوب؛ بل غما أنه غير موجود، وهو الاحتمال الأول الأصح، وإما موجود ومحسوب وهو احتمال البغوي الثاني، وقد أخذ الروياني في الفروق "والجرجاني في المعاياة" وغيرهما - مسألة ابن القاص وصدراها بلفظ آخر، نظم لهما مسألة أخرى. فقالا: لا يسقط الترتيب في الوضوء إلا في مسألتين3. إحداهما: وذكرا مسألة ابن القاص. والثانية: محدث غاص في الماء غوصه ناويا رفع الحدث؛ فإنه يجزئه في الأصح4 أي وإن لم يمكث زمنا يتأتى في الترتيب.   1 في "ب" الأول. 2 ف "ب" إن. 3 المعاياة ص3 لوحة "أ". 4 اعلم أن الانغماس في الماء له ثلاثة أحوال. أحدها: أن يغسل بدنه منكسا لا على ترتيب الوضوء أصحهما باتفاق الأصحاب لا يجزيه. الثاني: أن ينغمس في الماء ويمكث زمانا يتأتى في الترتيب في الأعضاء الأربعة؛ فإنه يجزيه على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وهذا ما صححه النووي1. وصحح الرافعي والوالد رحمهما الله أنه لا بد من مضي زمان يتأتى فيه الترتيب وعلى هذا لا تستثنى هذه الصور. قلت: ومسألة ثالثة كالثانية، وهي لو غسل أربعة أنفس أعضاءه دفعة بإذنه؛ فوجهان: أحدهما: يصح وعلى هذا يقع الاستثناء. والأصح: لا يحصل له إلا الوجه. قاعدة: قال ابن القاص في "التلخيص"2، قبيل كتاب الحيض لا تنقض الطهارة طهرا إلا في مسألة واحدة3. وهي المستحاضة ومن به سلس البول إذا توضأ لكل صلاة ثم طهر خرج من الصلاة وتوضأ ثم استأنف الصلاة. وقال القفال وغيره: إن جميع أصحابنا قالوا: ليس هذا بنقض طهارة طهرا، والمستحاضة حدثها دائم؛ وإنما جوزنا لها بالصلاة للضرورة، فإذا انقطع الدم أوجبنا عليها الطهارة عن ذاك الحدث الذي لم يبرح. قاعدة: "لا يجب المسح على الخف إلا في مسألة واحدة". وهي ما إذا كان المحدث لابس الخف بالشرائط التي تبيح المسح، ودخل وقت الصلاة، ووجد من الماء ما يكفيه لو مسح ولا يكفيه لو غسل؛ فالذي يظهر -كما قاله ابن الرفعة "في الكفاية" وجوب المسح، لقدرته على الطهارة الكاملة. قال: بخلاف ما لو لم يكن4 لابسا ولكنه كان على طهارة كاملة وأرهقه الحدث   1 شرح المهذب 1/ 447-448. 2 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي 456. 3 وعبر الإسنوي في ألغازه عنها بقوله: لنا طهارة لا تبطل بوجود الحدث وتبطل بعدمه وهي طهارة دائم الحدث. 4 وقال الإسنوي: وما ذكره تفقها ولم يظفر فيه بنقل. الأشباه والنظائر للسيوطي 459. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ومعه من الماء ما يكفيه للمسح -دون الغسل- فإنه لا يجب عليه مسح الخف. على صححه الرافعي والنووي، في آخر الباب الأول من باب التيمم. والفرق واضح؛ فإن ذاك لابس مستمر على حكم الخف، وهذا غير لابس فلا يمكن تكليفه لبس الخف. قلت: ويؤيد الوجوب في اللابس قولهم فيما إذا خالط الماء مائع يوافق في الصفات، وقلنا: يجوز استعمال الجميع وكان معه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بما يستهلك فيه لكفاه، أنه يلزمه ذلك. بل أقول: في هذا دلالة على أن غير اللابس يجب عليه اللبس للمسح كما [اختار] 1 إمام الحرمين. وإذا دل في غير اللابس دل في اللابس بطريق [الأولى] 2. قاعدة: لا عبرة برؤية المتيمم -المسافر- الماء بعد الفراغ من الصلاة بل تجزيه صلاته إلا في مسألتين. العاصي بسفره والفاقد، في قربة وهو مسافر فالأصح فيهما وجوب الإعادة. قاعدة: فاقد الطهورين3 يعيد الصلاة إذا قدر على أحدهما4؛ إلا إذا قدر على التراب في موضع لا يسقط القضاء؛ فإنه لا يعيد إذ لا فائدة فيه. وفيه احتمال للبغوي - ذكره في فتاويه.   1 في "ب" اختيار. 2 في "ب" أولى. 3 أي الماء والتراب بأن فقدهما حسا كأن حبس في موضع ليس فيه واحد منهما، أو شرعا كأن وجد ما هو محتاج إليه لنحو عطش أو وجد ترابا ولم يقدر على تجفيفه بنحو نار. - مغني المحتاج 1/ 105. 4 في الجديد؛ لأن هذا العذر نادر فلا دوام له، مقابل الجديد أقوال: أحدها تجب الصلاة بلا إعادة، وطرد ذلك في كل صلاة وجبت في الوقت مع خلل وهو مذهب المزني، واختاره النووي في مجموعه، قال لأنه أدى وظيفة الوقت؛ وإنما يجب القضاء بأمر جديد. ثانيها: يندب له الفعل وتجب الإعادة. ثالثها: يندب له الفعل ولا إعادة. رابعها: يحرم عليها فعلها، قاله في مغني المحتاج 1/ 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 قاعدة: إذا انقطع دم الحيض ارتفع تحريم الصوم والطلاق، وكذا عبور المسجد. ففي "زوائد الروضة" أنه يزول -على القول بتحريمه- إلا على وجه شاذ وتبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل. قاعدة: لا تؤخر المستحاضة الاشتغال بأسباب الصلاة بعد الطهارة1؛ فإن أخرت -ودمها يجري- استأنفت إلا فيما إذا كان التأخير لسبب من أسباب الصلاة كستر العورة وانتظار الجماعة2 فالمذهب أنه لا يجدد ونفي الرافعي الخلاف فيه، ولكن فيه وجه في الحاوي. قاعدة: تكره الصلاة في قارعة الطريق3. إلا في البراري؛ فالأصح في تحقيق المذهب استثناؤها لفقد غلبة النجاسة. قاعدة: "صلاة الرجل في الثوب الحرير محرمة"، ويستثنى إذا لم يجد ساترا غيره على الأصح. قاعدة: "استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة"4. إلا في الخوف، والتنفل في السفر المباح ذي القصد المعلوم، وغريق على لوح يخاف من استقباله ومربوط لغير القبلة، وعاجز لم يجد موجها وخائف من نزوله عن راحلته على نفسه: أو ماله أو انقطاع رفقته. قاعدة: لا يتعين استقبال عين القبلة إلا في مسألة على وجه وهي إذا ركب الحمار معكوسا فصلى النفل إلى القبلة فإن القاضي الحسين قال في الفتاوي: يحتمل وجهين. الجواز؛ لكونه مستقبلا.   1 وجوبا وذلك تقليلا للحدث لأنه يتكرر منها وهي مستغنية عنه بالمبادرة شرح المهذب 2/ 533-534. 2 وكذا أذان وإقامة واجتهاد في قبلة وذهاب إلى مسجد الاعتناء في الفرق والاستثناء/ باب الحيض، القاعدة السادسة بتحقيقنا، وانظر روضة الطالبين 1/ 137-138، حلية العلماء 1/ 234-235. 3 وهي أعلاه، وقيل صدره، وقيل، والكل متقارب، والمراد هنا نفس الطريق كما قاله ابن الأثير في النهاية. 4 وفي قول إن الصلاة في الشوارع باطلة بناء على تغليب الغالب الظاهر على الأصل، مغني المحتاج 1/ 203. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 والمنع؛ لأنه قبلته وجه دابته والعادة لم تجر بركوب الحمار معكوسا1. قاعدة: كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى إلا في مسألة واحدة، وهي ركعتا الطواف. قاعدة: كل جنب يمنع من القرآن ولبث المسجد إلا واحدا. وهو: جنب تيمم ثم أحدث؛ فإنه لا يمنع مما يختص بالجنابة -وهو القراءة واللبث- لقيام التيمم في ذلك مقام الغسل، ويمنع ما يختص بالحدث، وهو الصلاة، والسجود، ومس المصحف، لطرآن الحدث؛ فهو كما لو اغتسل ثم أحدث2. قاله الروياني: في "الفروق" و"الجرجاني" في "المعاياة"3. فائدة: "لا وضوء يبيح النفل دون الفرض" إلا في مسألة واحدة. وهي: جنب تيمم وأدى الفرض ثم أحدث ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء دون الجنابة، وقلنا بالقول المرجوح -وهو أنه لا يجب استعماله وأراد أن يصلي النفل، فإنه يلزمه استعمال ذلك الماء؛ لأنه قادر على ما يرفع حدثه. وإذا توضأ به عاد كما كان قبل الحدث، وقد كان قبله ممنوعا من الفرض دون النفل4. فإما إذا قلنا: يلزمه استعماله فإنه يستعمله في أي عضو شاء ويتيمم للباقي ويستبيح الفرض والنفل معا. وفي هذه الصورة التي ذكرناها يقال أيضا: "ليس محدث يصح تيممه للفرض دون النفل إلا واحدا" وهو هذا؛ فإنه إذا وجد كافي وضوئه. دون غسله وقلنا: لا يستعمله فإنه لا يتيمم للنفل؛ لأن معه ما يرفع حدثه للنفل، ويتيمم للفرض، لأن الماء الذي معه لا يبيح الفرض. وقد ذكر الشيخ الإمام هذه المسألة في "الفتاوى" مصوبا [لكلام الجرجاني] 5   1 الأشباه والنظائر للسيوطي 464. 2 الشرح الكبير 2/ 133-147، روضة الطالبين 1/ 85-46، شرح المهذب 1/ 187. 3 لوحة "8" أخ. 4 الأشباه والنظائر للسيوطي "431"، المعاياة للجرجاني لوحة 5، أخ. 5 سقط في "أ" والمثبت في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وأفتى في جنب جريح: طهره غسل الصحيح وتيمم عن [الجريح] 1 وصلى الظهر ثم أحدث؛ فدخل وقت العصر وتوضأ؛ فإنه يتيمم أيضا للجراحة من أجل الجنابة. قال: وهو نظير مسألة الجرجاني. وذكر النووي مسألة الجرجاني؛ لكنه قال: وكذا حكم الفرائض كلها. وذلك يوهم أنه إذا أحدث يتوضأ للفرض ولا يتيمم، وهذا لا يقوله أحد، وقد أوله الوالد -رحمه الله في فتاويه. أصل مستنبط: هل الأولى تعجيل العبادة وإن وقع فيها خلل أو نقص، ولا نعني بالخلل والنقص ما ينتهي إلى الفساد، بل أخف من ذلك، أو تأخير لتقع خالية [من] 2 هذا الخلل؟ والحاصل أنه إذا عارض فضيلة التعجيل نقص لا يكون في التأخير فإنهما أولى بالرعاية، وهذا كما في عشاء الآخرة، فقد اختلف [الجديد والقديم] 3 في أيهما أفضل: تعجيلها أو تأخيرها؟ غير أن تعجيلها ليس فيه شيء من الخلل، وهذا الأصل موضوع لما في التعجيل نوع خلل. وله نظائر: منها: لو تيقن المسافر وجود الماء آخر الوقت فانتظاره أفضل من التيمم4. ولو ظنه فتعجيل التيمم أفضل في الأظهر. ومنها: إذا أراد التأخير لحيازة فضيلة الجماعة فإن تيقنها آخر الوقت: قال في شرح المهذب5، فالتأخير أفضل، وإن ظنها فوجهان: ورجح النووي أنه إن فحش   1 في "ب" للجريح. 2 في "ب" عن. 3 في "ب" تقديم وتأخير. 4 ليأتي العبادة بالوضوء وهو الأصل قال النووي في شرح المهذب هذا هو المذهب الصحيح المقطوع به في جميع الطرق، شرح المهذب 2/ 261، الاعتناء في الفرق والاستثناء كتاب الصلاة القاعدة الأولى. 5 2/ 262 ونقل عن الشافعي في الأم أن التقديم أفضل وقطع أبو القاسم الداركي وأبو علي الطبري صاحب الحاوي وآخرون من كبار العراقيين استحباب التأخير وفضله على أول الوقت منفردا، وقال في الإملاء: التأخير أفضل. الاعتناء المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 التأخير فالتقديم أفضل. وإن خف فالتأخير أفضل. ومنها إذا علم أنه لو قصد الصف الأول لفاتته الركعة. قال النووي: الذي أراه تحصيل الصف الأول إلا في الركعة الأخيرة فتحصيلها أولى، ذكره في "شرح المهذب"1 و"التحقيق". ومنها: إذا ضاق الوقت عن سنن الصلاة، وكان بحيث لو أتى بها لم يدرك الركعة، ولو اقتصر على الواجب [لأدرك] 2 الجميع في الوقت فما الذي يفعله؟ قال البغوي في فتاويه: إن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها بلا نظر، أما التي لا تجبر قال: فالظاهر الإتيان بها أيضا؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان يطول القراءة في الصبح حتى تطلع الشمس قال: ويحتمل أن لا يأتي بها إلا إذا أدرك الركعة. ومنها: المسافر إذا كان بحيث لو غسل كل [عضو] 3 لو يكف ماؤه، قال البغوي في "فتاويه": يجب أن يغسل مرة مرة؛ فلو غسل ثلاثا فلم يكف وجب التيمم ولا يعيد؛ لأنه صبه لغرض التثليث فليس كما لو صبه سفها، وصار كما لو أمكن المريض أن يصلي قائما بالفاتحة؛ فصلى قاعدا بالسورة، فإنه يجوز "انتهى". ولا تعارض بين قوله: أولا وجب وآخرا جاز. وبالوجوب صرح النووي فيما وضعه شرحا على التنبيه فقال: أول باب فرض الوضوء يجب الاقتصار -عند ضيق الوقت أو الماء عن السنن- على الفرائض. قاعدة: "لا يعذر مكلف عن تأخير الصلاة عن وقتها". بل يؤمر بالإتيان بها -على حسب حاله- ولو بالإيماء إلا في صور منها4:   1 2/ 263-264. 2 في "ب" لوقع الجميع. 3 زيادة الحاجة السياق. 4 لا يعدر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم وناس، ومن نوى الجمع لسفر أو مرض ومكره على تأخيرها ومشتغل بإنقاذ غريق أو دفع صائل أو صلاة على ميت خيف انفجاره، ومن خشي فوات عرفة على رأي وفاقد الماء وهو على بئر لا ينتهي إليه النوبة حتى يخرج الوقت، وعار في عراء لا تصل إليه السترة حتى يخرج. ومقيم عجز من الماء حتى خرج الوقت. انظر الأشباه والنظائر 433، المنثور 3/ 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 قاعدة: لا تجوز الصلاة مع النجاسة. إلا في مسائل: منها: نجاسة في الثوب أو البدن لم يجد ما يغسلها به أو في البدن، ووجد ما يغسلها به ولكن خاف التلف من غسلها؛ فإنه يصلي وتجب الإعادة على الجديد الأظهر. ومنها: إذا علم بالنجاسة ثم نسيها. وصلى مصاحبا لها فيعيد على المذهب. ومنها: إذا جهل ملابسته إياها ثم علم بعد الصلاة فيعيد في الجديد، واعلم أنه يجب على كل من رأى على مصل نجاسة أن يعلمه؛ بخلاف من رأى مسلما نائما؛ فإنه لا يجب عليه أن يعلمه -وإن خرج الوقت- ذكرهما الحليمي في "المنهاج" وفرق بأن الصلاة لا تصح مع النجاسة، يعني وعدم الصلاة يكون مع عدم التكليف وهو النوم قال: وإن رآه يصلي خلف إمام غير طاهر فلم يعلمه لم يكن خائنا له -في قول من يجيز الصلاة- ويكون خائنا في قول من لا يجيز. انتهى. ومنها: القليل من طين الشارع - وإن تحققت نجاسته. ومنها: من على ثوبه أو بدنه دم البراغيث -ولو كثر- في الأصح. ومنها: الأثر الباقي على محل الاستنجاء بعد الحجر. ومنها: دم البثرات وهو كدم البراغيث، يغتفر القليل قطعا والكثير على الأصح. ومنها: ما لو أصابه شيء من دم نفسه -لا من البثرات- بل من الدمامل والقروح، وموضع الفصد، والحجامة. والأصح -عند النووي- أنه كدم البثرات مطلقا. ومنها: النجاسة التي تصطحبها المستحاضة، وسلس البول. ومنها: إذا تلطخ سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف. ومنها: الشعر الذي ينتف ولا يخلو عنه ثوبه ولا بدنه فهو كدم البراغيث. ومنها: القدر الذي لا يدركه الطرف من الخمر والبول وغير الدم. قاعدة: يستثنى من قول الأصحاب: يسن للصبح والظهر طوال المفصل- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 صورتان المسافر في الصبح المستحب له في الأولى "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية "الإخلاص". قاله الشيخ أبو محمد "في مختصر المختصر" وتبعه الغزالي في "الخلاصة" و"الاحياء". والثانية: ذكرها الشيخ محيي الدين في "التحقيق" وشرح مسلم إذا كان إماما لغير محصورين، أو محصورين - شق ذلك عليهم. وأفتى ابن الصلاح بخلافه، ويدل له فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ قفد كان يصلي بالطوال مطلقا. فإن كان النووي أخذ ذلك من قول الأصحاب: "يستحب للإمام أن يخفف في الأذكار والقراءة"؛ فلا شاهد له فيه؛ لأن التخفيف لا يستدعي في العدول عن الطوال، ويحصل بدرج القراءة، وبعدم الزيادة على القدر المسنون. ولكني رأيت منصوصًا للشافعي رضي الله عنه في "جمع الجوامع" لأبي سهل بن العفريس1، ما يشهد للنووي. ونصه "واجب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم القرآن -في الركعتين الأوليتين- قدر أقصر سورة في القرآن مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وما أشبهها، وفي الآخرتين أم القرآن وآية، وما زاد كان أحب إلي - ما لم يكن إمامًا، فيقل. انتهى. فائدة: يستثنى من قولنا: يسن سجود التلاوة لمستمعها وكذا سامعها في الأصح مسائل: منها: المأموم الذي لم يسجد إمامه. ومنها: المصلي إذا استمع قارئا خارج الصلاة وحكى المعافي الموصلي2 عن   1 أحمد بن محمد بن محمد الزوزني أبو سهل ويعرف بابن العفريس والعين والسين المهملتين صاحب جمع الجوامع ذكره أو عاصم العبادي في طبقة القفال الشاشي وأبي زيد، وكتابه قريب من حجم الرافعي الصغير. انظر ابن قاضي شهبة 1/ 138، طبقات الفقهاء للعبادي ص91، ابن السبكي 3/ 301، ابن هداية الله ص28، الأعلام 1/ 201. 2 المعافي بن إسماعيل بن الحسين بن أبي السنان أبو محمد الموصلي ولد بها سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وتفقه على ابن مهاجر والعماد بن يونس وغيرهما قال الذهبي كان إماما فاضلا دينا عارفا بالمذاهب، توفي بالموصل في شعبان أو رمضان سنة ثلاثين وستمائة. ابن السبكي 5/ 156، شذرات الذهب 5/ 143، ابن قاضي شهبة 2/ 92، الأعلام 8/ 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 القاضي الحسين أنه يسجد، وهو ما ذكر الإمام أن في بعض الطرق إشارة إليه. ومنها: مستمع قراءة الجنب والسكران؛ ففي فتاوى القاضي الحسين أنه لا يسجد، خلافا لأبي حنيفة؛ لكن الأصح في "الروضة" سجود مستمع، المحدث. قاعدة: "من نوى في أثناء العبادة إبطالها أو الخروج منها بطلت إلا: الحج، والعمرة، وكذا الصوم -في أصح القولين- والوضوء والاعتكاف -على أصح فيهما أيضا. قاعدة: النفل: لا يقتضي واجبا. وإن شئت قل: شيء من النفل لا يكون بواجب. نعم قد يكون؛ بحيث لا تتقوم ماهية النفل، وتتأدى ماهية السنة إلا به، كالركوع والسجود في النافلة؛ فإنه لا بد منه، وإلا لخرجت عن كونها صلاة، ولا نسميه واجبا وإن شئت قل -بعبارة أعم من هذا- ما ليس بواجب لا يقتضي واجبا. ومن ثم لما ادعى ابن الحداد إيجاب ركعتي الطواف في الطواف الذي هو سنة -كطواف القدوم- غلطه جماهير الأصحاب. وقال الإمام: ما أراه يصير إلى إيجابهما -على التحقيق- ولكنه رآهما جزءا من الطواف، وأنه لا يعتد به دونهما. قال: قد قال -في توجيه قوله: "لا يمتنع أن يشترط في النفل مما يشترط في الفرض، كالطهارة وغيرها". إذا عرفت هذا، علمت أن النافلة لا تقتضي وجوبا، وقال البغوي -في توجيه كلام ابن الحداد- يجوز أن يكون الشيء غير واجب ويقتضي واجبا، كالنكاح غير واجب ويقتضي وجوب النفقة والمهر. قلت: ولعل هذا لا يرد على الإمام؛ فإنه قد أشار إلى كونه مستثنى في "باب الوليمة"؛ إذ قال: ليس في الشرع إباحة تفضي إلى اللزوم، إلا في النكاح وقد قدمنا ذلك عنه في أصوله التي طال تصريحه بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 إن الخارج عن القواعد المعدودة من المستثنيات، لا يرد نقضا، وما هو -من حيث خروجه عن المنهاج- إلا بمنزلة الشاذ النادر؛ ولكن كتاب القواعد كفيل بذكر المستثنى -وإن شذ وخرج عن المنهاج- لأن المقصود به ضبط معاقد الفروع. وقد يضم إلى النكاح مسائل. منها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة، وما هي عندي إلا كبقية الأركان من الركوع، والسجود، والتشهد الأخير. ومنها: مسائل أخر في الأصل. وقريب من هذه القاعدة ما يقوله الفقهاء: النفل لا ينقلب واجبا. يذكرون ذلك عند البحث مع الخصوم فيما إذا شرع في صلاة تطوع أو صوم هل يجب عليه الإتمام؟ وحضرت إلي من مدة -أسئلة من بعض فقهاء الموصل [نظمها] 1 قصيدة دالية كلها ألغاز فقهية وأرسلها إلي. منها: والنفل كيف يصير حتما لازما؛ فكان جواب هذا البيت من نظمي. والنفل يصلح واجبا في بالغ ... وسط الصلاة أو الصيام فعدد قاعدة: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة2. ومن ثم مسائل: منها صلاة النفل داخل الكعبة أولى منها خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة؛ فإن رجاها فخارجها أفضل قاله في الروضة. ومنها: الصلاة في الجماعة خارج المسجد أولى منها في المسجد منفردا؛ قاله الرافعي في كتاب الحج عند ذكر هذه القاعدة في سنن الطواف. ومنها: الرمل مع البعد عن البيت أفضل من القرب بلا رمل؛ إلا أن يكون في   1 في "ب" تضمنها. 2 قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: هذه القاعدة مهمة خرج بها جماعة من أصحابنا وهي مفهمومة من كلام الباقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 حاشية المطاف نساء ولم يأمن ملامستهن لو تباعد؛ فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرًا من انتقاض الطهارة، وكذا لو كان بالقرب -أيضا- نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف الملامسة فتركه أولى. ومنها: النفل في البيت -لبعده عن الرياء- أفضل منه في المسجد ولو [في] 1 مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. كذا مثل في "شرح المهذب" وسكت عن المسجد الحرام، وما أرى ذلك إلا اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرء في بيته أفضل من الصلاة في مسجدي هذا إلا المكتوبة"؛ أخرجه أبو داود2 فحافظ النووي رحمه الله على لفظ الحديث، ثم المضاعفة في جميع حرم مكة بخلاف المدينة. وتعليلهم -تفضيل نافلة البيت بالعبد عن الرياء استنباط -في الحقيقة- لمعنى مأخوذ من هذا الحديث ومن قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" أخرجه البخاري ومسلم3. وفيما وجدته منقولا عن القاضي أبي الطيب استثناء من هو ساكن في المسجد -قال فصلاته في المسجد أولى. قلت: إن كان يريد من بيته قطعة من المسجد؛ فذاك اجمتمع فيه الأمران ولا شك أن صلاة هذا في هذا البيت أولى. وإن أراد من له باب إلى المسجد فأقول: الذي يظهر أنه متى تساوى المسجد والبيت في البعد عن الرياء -ويظهر هذا كثير فيمن له باب إلى المسجد- فإنه يخرج ليلا إليه؛ بحيث لا يبصره أحد. ومن عنده مسجد مهجور -لا يراه فيه أحد، وربما كان مفتاحه معه فالمسجد أفضل. ولعل إلى هذا القبيل أشار الشيخ أبو إسحاق؛ حيث ذكر في المهذب أن تطوع البيت بالنهار أفضل وقد تعجب منه النووي وغيره في تخصيصه بتطوع النهار، وقال   1 سقط في "ب". 2 1/ 274 في الصلاة/ باب صلاة الرجل التطوع في بيته "1044". 3 البخاري 2/ 214 في الأذان/ باب صلاة الليل "731" ومسلم 1/ 539 في صلاة المسافرين/ باب استحباب صلاة النافلة في بيته "213/ 781". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 النووي: كان ينبغي أن يقول: وفعل التطوع في البيت أفضل -كما في التنبيه. قلت: ويمكن أن يقال: أشار بلفظ بالنهار إلى أن التطوع في البيت -حيث يظهر التطوع بالمسجد- أفضل. لا حيث يخفي- وهو حسن، وإياه نعتقد؛ فرحم الله الشيخ أبا إسحاق ما أحسن احترازه، وما أفحل كلامه وما أضبط ألفاظه. فإن قلت: فهذا خروج عن ظاهر الحديث، وتخصيص لعمومه. قلت: كما أخرجت الرواتب فإن المفهوم من كلام أكثرهم أن فعلها في المسجد أولى، والمفهوم من كلام آخرين خلافه. والحاصل: أن بعضهم أخرجها للمعين، وهذا أمثلها. قاعدة: "ما لا يدخل الشيء ركنا، لا يدخله جبرانا". وهذه قاعدة ذكرها إمام الحرمين؛ حيث قال في كتاب الجنائز من "النهاية" "قطع الأئمة بأنه لو سها في صلاة الجنازة لم يسجد للسهو؛ لأنه لا مدخل للسجود في هذه الصلاة -ركنا- فلا يدخلها جبرانا". انتهى. وأنا أقول: هذا منقوض بالدماء الواجبة في الحج جبرانا؛ فإنها لا تدخله ركنا؛ إذ ليس الدم ركنا في الحج، ويدخله جبرانا إلا أن يقال: إنما يجبر الدم ما أوجب لأجل تقويته. مما لا يفوت بفواته الحج، كالرمي؛ إذ ليس في أركان الحج ما يجبر بدم، فلم يدخل الدم نفس الحج. ومنقوض -على القديم- بالدينار الواجب على من وطيء حائضًا في إقبال الدم والنصف في إدباره؛ إذ ليس في الوطء مال، وقد وجب الدينار جبرانا. إلا أن يقال: إن الوطء مقابل بالمهر؛ إذ لا يخلفو عن عفو أو عقوبة. ولو قيل: "ما لا يدخل الشيء مشروعا فيه، لا يدخله جبرانا" كان غير منقوض بشيء فيما يظهر. قاعدة: قال صاحب التلخيص: "كل عبادة واجبة إذا تركها الإنسان لزمه القضاء والكفارة إلا واحدة". وهي: الإحرام لدخول مكة -أي على أصح القولين- وعلل بوجهين. أحدهما: عدم إمكانه لأن الدخول الثاني يوجب إحراما آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 والثاني: أن الإحرام تحية البقعة؛ فلا يقضي كتحية المسجد وأورد على صاحب التلخيص أنه بقيت صور. منها: قول الأصحاب فيمن نذر صوم الدهر؛ فأفطر يوما أنه لا يمكنه قضاؤه ولا شك أنه بعد تسليم حكمه وارد، غير أن في صدري منه حسيكة ولم لا يمكن؟ وقد يقول الناذر: أنا أقضي اليوم الفائت فيما استثنى من الدهر، ولم يحرم الصوم فيه، ولا وجب؛ وذلك كأيام السفر والمرض. ولا جواب لهذا إلا أنهم قالوا: "الواجب بالنذر، لا يزيد على الواجب بالشرع". ولذلك قال الإمام: لو نذر المريض القيام في الصلاة، وتكلفت المشقة، أو نذر صوما، وشرط أن لا يفطر بالمرض، لم يلزم الوفاء؛ ولكن يمكن أن يقال في جواب هذا. الجواب: أن غاية هذا أنه لا يجب الصوم، لئلا يزيد النذر على واجب الشرع؛ ولكن لم قلتم، لا يصح أن يقضي في هذه الأيام ما فات في غيرها، لا سيما إذا كان فائتا بغير عذر، ويكون قضاؤه مسقطا لوجوب الفدية. بل أقول: لم لا يجب ما يمكن قضاؤه في الأيام التي صح نذر الصوم فيها فيها كما إذا نذر الدهر فأطر يوم الاثنين وجب قضاؤه يوم الثلاثاء؛ فنوى -تلك الليلة أن يصبح صائما- قضاء عن اليوم الفاضل. وهو الاثنين لا وفاء بالنذر، ويكون هذا عاصيا بترك صوم يوم الثلاثاء المنذور، كما عصى بترك الاثنين إن كان تركه بلا عذر، ومطيعا من جهة أنه قاض لليوم الفائت. وليس للفقهاء، جواب عن هذا إلا بأن هذا اليوم تعين بنذره السابق لأداء المنذور، ولذلك لو نذر الصوم يوما آخر -بعد هذا النذر- لم يصح. ولكن هذا الجواب يرده تصريحهم في باب النذر بأن اليوم المعين بالنذر وإن عيناه -لا تثبت له خواص رمضان؛ بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح بلا خلاف؛ كذا عزاه الرافعي الإمام، وحكى فيه وجها عن البغوي، ومنها: من نذر أن يحج كل سنة -وهو كنذر صوم الدهر- ومن نذر أن يصلي جميع الصلوات في أوائل أوقاتها فأخر واحدة، أو أن يصدق بفاضل قوته كل يوم فأتلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فاضل بعض الأيام، وتفقه القريب إذا وجبت فترك بعض الأيام، وإذا نذر أن يعتق كل عبد سيملكه وملك عبيدا، ومات ولم يعتقهم؛ فإنهم لا يعتقون ومن ترك رد السلام، ومن فر من الزحف من اثنين غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة؛ إذ لا يمكنه القضاء، فإنه متى لقي اثنين ممن يجب قتالهما بهذا اللقاء. لا قضاء، وإمساك يوم الشك إذا ثبت أنه من رمضان؛ فإنه يجب إمساكه -على المذهب- ولو ترك الإمساك لم يلزمه لتركه قضاء، ولا كفارة؛ وإنما يجب قضاء اليوم الفائت من رمضان. وعدم القضاء في هذه الصور كلها، لعدم تصوره ولعل ابن القاص نبه بمسألة الإحرام لدخول مكة. على نظيرها مما يفوت القضاء فيه لعدم إمكانه. ونقول فيمن وجب بالنذر أن الكلام في الواجب بالأصالة، وفي نفقة القريب، أنه لا يطلق عليها عبادة بل غرامة -إن لم يخرج عن الطاعة- فإنه ليس كل واجب يطلق عليه لفظ العبادة؛ ألا ترى أن قضاء الدين واجب، ولا يعد في العبادات. قاعدة: "كل ما حرم في الإحرام ففيه الكفارة". إلا في عقد النكاح، وشراء الصيد، واتهابه، لا يصح ولا يجب فيه شيء ووضع اليد عليه ما دام حيا وتنفيره ما لم يمت فيه، وأكله، والصياح عليه -على أحد الوجهين- والاستمناء في وجه ... قاعدة: الأصل براءة الذمة. قاعدة: الأصل في الميتات النجاسة. ويستثنى السمك والجراد وميتة لا نفسس لها سائلة -على خلاف في ذلك- ونحو ذلك. قاعدة: "الأصل في الحيوانات الطهارة". ويستثنى: الكلب والخنزير وفروعهما، وفروع أحدهما. قاعدة: الجمادات طاهرة، إلا المستحيل إلى نتن أو إسكار. قاعدة: قال الأصحاب رحمهم الله: "ما قضى عمده البطلان اقتضى سهوه السجود إذا لم يبطل". وقولنا: "إذا لم يبطل" فيه زاده صاحب التتمة والتهذيب فيما نقله الرافعي عنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وبه خرج الحدث؛ فإن سهوه يبطل كعمده ولا سجود، وكذا كثير الكلام والفعل -على الأصح- ويستثنى من القاعدة مسائل: منها: إذا تنفل على الدابة فحولها عن صوب مقصده وعاد قريبا متعمدا بطلت. وإن نسي: فقد صحح النووي في "شرح المهذب" أنه لا يسجد لكن صحح الرافعي في "الشرح الصغير" أنه يسجد، وهو المذكور في الحاوي الصغير. قال الأصحاب: "وما لا يبطل عمده، لا يسجد لسهوه". قال الرافعي: "ويستثنى منه ما إذا طال الركن القصير بغير الفاتحة، أو قرأ الفاتحة في الركوع أو السجود أو قرأ التشهد في القيام، أو كرر الفاتحة مرتين؛ فإنه يسجد للسهو على الأصح، ولا تبطل -بعمده- الصلاة- على الأصح. قلت: ويستثنى أيضا مسائل. منها: لو عمل قليلا -لا من جنس الصلاة- عامدا لا تبطل صلاته ولو سها به. سجد للسهو. ومنها: لو قنت قبل الركوع. لم تبطل، والأصح أنه يسجد. ومنها: إذا نوى المسافر القصر، ثم قام إلى الثالثة -عامدا- بنية الإتمام لم تبطل صلاته، ولو قام ساهيا -سجد للسهو، كذا ذكره صاحب البحر في باب صلاة المسافر، وقال: إنه فرع غريب. ومنها: على القول باختصاص القنوت بالوتر في النصف الأخير من رمضان إذا قنت في غيره سجد للسهو، ولو تعمده لم تبطل؛ ولكنه مكروه، كما ذكره الرافعي في باب صلاة الجماعة. ومنها: إذا قرأ غير الفاتحة في الركوع أو السجود ساهيا سجد للسهو، كما ذكر القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين؛ ولكن حكى الماوردي فيه وجهين، ثم عمده لا يبطل قطعا. ومنها: إذا ترك التشهد الأول -ناسيا- وذكره بعد ما صار إلى القيام أقرب؛ فإنه يعود إليه ويسجد للسهو على الأصح، مع أنه لو تعمده لم تبطل. وقد أورد القاضي الحسين هذا الضابط على نوع آخر جعل فيه الفرع أصلا فقال: "كل عمل يلزمه سجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 السهو إذا أتى به ساهيا، فإذا أتى به عامدا بطلت صلاته، وكل عمل قلنا لا يلزمه سجود السهو، لا تبطل صلاته إذا فعله عمدا". وليس بين لفظ الأصحاب ولفظه معاكسة ولا مخالفة غير أنك إن جريت على لفظ الأصحاب عددت المسألة من قواعد باب سجود السهو. وإن جريت على لفظ القاضي عددتها من باب ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها؛ ولكن القاضي لم يذكرها إلا في باب سجود السهو من التعليقة ولا بأس بذكرها في البابين لكن في باب سجود السهو على الصورة التي ذكرها الأصحاب، وفي باب المفسدات على الصور التي ذكرها القاضي. وهذا شبيه بصنع الشيخ أبي إسحاق؛ حيث قاس في الرد بالعيب على الشفعة وفي الشفعة على الرد بالعيب. قاعدة: "إذا سها الإمام في صلاته، لحق سهوه المأموم". قال الرافعي: ويستثنى صورتان. إحداهما: إذا تبين له كون الإمام جنبا فلا يسجد لسهوه، ولا يتحمل -وهو- عن المأموم أيضا. الثانية: أن يعرف سبب سهو الإمام ويتيقن أنه مخطيء -في ظنه- كما إذا ظن ترك بعض الأبعاض والمأموم يعلم أنه لم يترك فلا يوافق الإمام إذا سجد. وقد تكلم كل من الشيخ الإمام وشيخه ابن الرفعة رحمهما الله على هذا الاستثناء. أما الصورة الأولى: فأنكر ابن الرفعة استثناءها وقال: الجنب ليس بإمام وأثبته الشيخ الإمام وقال استثناؤها صحيح. والشيخ الإمام لم ينظر كلام ابن الرفعة -أنا أعرف ذلك- لو نظره لبين وجه الرد عليه. وأقصى ما تلمحت لترددها تردد الأصحاب في أن المحدث إذا كان إماما في جمعة هل يصح؟ أو يفرق بين أن يتم به العدد، أو لا؟ وفي أن الصلاة خلفه هل هي صلاة جماعة أو فرادى؟ فهذا الخلاف صالح لأن يكون أصلا لهما. وأما الثانية: فتوافقا على إنكارها، ثم اختلف تقريرهما. فابن الرفعة قال: ما أتى به الإمام ليس بسجود سهو؛ بل هو سجود يقتضي أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 يجبر بسجود آخر قال: والاستثناء فيها: كما قال صاحب التلخيص فيما إذا سجد في صلاة الجمعة، ثم بان لهم أن الوقت خارج، ينويها ظهرا، ويعيدون السجود. واعترضوا على صاحب التلخيص بأنه لم يكن السجود فيها جائزا؛ وإنما هو صورة السجود. انتهى. والشيخ الإمام رحمه الله قال: فذلك يقتضي سجود سهو على الإمام على الأصح لزيادته سجدتين سهوا. فإن قلنا بذلك لم يخرج سهو الإمام عن اقتضائه السجود في حق المأموم. وإن قلنا: بأن الإمام لا يسجد لمثل ذلك فلا حاجة إلى استثنائها؛ لأن الإمام لم يحصل منه سهو مقتضى السجود "انتهى". وهذا حق، فإن ما وجد من الإمام ليس بسجود سهو؛ وإنما هو على صورته كما قيل في الرد على صاحب التلخيص -وكأنه لم يرد بهذه الصورة إلا أن المأموم يتابع الإمام1 لسهو -ظنه- والمأموم يعلم خطأ ظنه.   1 في "ب" يتابع الإمام في سجوده لسهو ظنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كتاب الزكاة : قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين يختصان به فإنه جائز تعجيله قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين -يختصمان به؛ فإنه جائز تعجيله بعد وجود أحدهما، وعبر الإمام في "النهاية" في الحج، في باب صوم المتمتع -عن هذا بقوله: "كل كفارة مالية نيطت بسببين فيجوز تقديمها على السبب الثاني إذا تقدم الأول، قياسا على كفارة اليمين؛ فإنها إذا كانت مالية، جاز تقديمها على الحنث. انتهى. وإن وجب بسبب وشرط، جاز تعجيله بعد وجود السبب. وهذا أوضح، فإنه إذا قدم على السبب الثاني -وهو سبب- فإن تقدم على الشرط أولى وأحرى. وما وجب بثلاثة أسباب؛ فلا يجوز تقديمه على اثنين منها بل لا بد من اثنين ثم جائز له تقديمه على الثالث. وما وجب بسبب واحد، لا يجوز تقديمه عليه. فهذه ثلاث قواعد نتكلم عنها في شرح الرابطة الأولى. فنقول: خرج بقولنا: ما لي الحق البدني؛ فإنه إما مؤقت كالصلاة فلا يقدم على وقته، وجمع التقديم ليس بتقديم على الوقت، بل هو الوقت في تلك الحالة. والصبي إذا بلغ في أثناء الوقت بعدما صلى تجزيه الصلاة، وليس فعله تقديما وتعجيلا. وإما غير مؤقت، كالصيام في الكفارات، والصحيح أنه لا يجوز تقديمه على سببه، وفي وجه أنه يجوز التكفير بالصوم قبل الحنث، قال الإمام في الأساليب: وهو الذي يليق بطريق الأسلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وقولنا يختصان به احتراز عن الإسلام والحرية؛ فإنهما لا يختصان بما يجب فيه، كزكاة الفطر ليس للإسلام والحرية بهما خصوصية والزكوات كذلك قبل الحج، وأمور كثيرة. القول في ذي السببين أو السبب والشرط: فيه صور: منها: كفارة اليمين وقد قدمناها عن الإمام، وهي أم المسائل؛ فيجوز إخراجها بعد اليميمن وقبل الحنث؛ لأنها وجبت باليمين والحنث، ولا تجوز قبل اليمين، لتقديهما على السببين. ومنها: زكاة الفطر يجوز تعجيلها في جميع رمضان؛ لأنها وجبت بأمرين يختصان بها، وهما: إدراك رمضان والفطر، ولا يجوز قبل رمضان، التقديم على السببين. ومنها زكاة المواشي، والنقدين، والعروض؛ فإنها تجب بسببين يختصان بها، وهما: الحول والنصاب، فيجوز تعجيلها قبل الحول، ولا يجوز قبل كمال النصاب، والأصح أنه لا يجوز تعجيل زكاة عامين؛ لأنه لم يتحقق وجود واحد من السببين بالنسبة إلى العام الثاني. ومنها: إراقة دم التمتع بعد الشروع في الحج وقبل العيد جائز عندنا خلافا لأبي حنيفة حيث قضى بأنه يتأقت بأيام النحر. وفي جواز الإراقة بعد التحلل من العمرة وقبل الشروع في الحج قولان أو وجهان: أصحهما الجواز؛ لأنه حق مالي تعلق بسببين، وهما، الفراغ من العمرة، والشروع في الحج؛ فإذا وجد أحدهما جاز إخراجه، كالزكاة والكفارة. ومنها: كفارة القتل تجوز بعد الجرح وقبل الموت، وإن لم يكن جرحه لم يجز بلا خلاف. القول في ذي الأسباب: وفيه صور: منها: على قول ابن أبي هريرة: الظهار؛ وذلك أن الكفارة بالظهار إذا وجد العود يجب بالعود والظهار شرط، أو الظهار والعود شرط أو بهما فيه وجوه. وعلى القول بأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 العود سبب، والظهار شرط قال ابن الرفعة، ينبغي أن لا يجزئ التكفير قبله قال: وقد حكاه البندنيجي وجها. وعلى القول بأنهما سببان، لا يجوز تقديمها على الظهار، ويجوز على العود وذهب ابن أبي هريرة، إلى أنها تجب بثلاثة أسباب: عقد النكاح، الظهار والعود، ووافق على أنه لا يجوز تقديمها على الظهار. قال: ولا يجوز تقديمها على الظهار قال: وإن كان بعد النكاح لبقاء سببين من ثلاثة أسباب. وحكى صاحب البحر في باب تعجيل الصدقة وجها أنه يجوز تقديمها على الظهار قال: ولا يجوز تقديم كفارة الجماع في صوم رمضان على الجماع بلا خلاف. القول في ذي السبب الواحد: وله صور؛ منها: تقديم -الشيخ الهرم، والحامل، والمريض، الفدية على رمضان. ومنها: لو أراد بالحج تقديم الجزاء على قتل الصيد؛ فإن كان جرحه فالمذهب الجواز لوجود سبب القتل؛ وإلا فالمذهب أنه لا يجوز؛ لأنه لم يوجد شيء من أسبابه، والإحرام ليس سبب لوجوب الجزاء، ومن أصحابنا ومن وجد فيه وجها آخر، وهو ضعيف. هذا كلام صاحب البحر بنصه. وأمثلة هذا الفصل تكثر، ويستثنى منه مسألة واحدة: وهي إذا اضطر المحرم إلى صيد فقد الجزاء؛ فإن الشافعي جوزه قبل الجرح، ليس لأنه جعل الإحرام أحد سببيه؛ إذ لو كان كذلك قبل الجرح، إذا لم يضطر إليه، وهذا لا يجوز. قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: المبادلة توجب استئناف الحول في الزكاة إلا في أربع مسائل: إحداها: إذا باع سلعة للتجارة، بسلعة للتجارة. والثانية: إذا باع سلعة للتجارة بأحد النقدين وكان نصابا. والثالثة: إذا باع سهما من سلعة للتجارة بأحد النقدين [وكان] 1 نصابا.   1 في "ب" وذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 والرابعة: إذا بادل دراهم بدنانير، أو دنانير بدراهم على الصحيح. قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: "لا يجب في عين واحدة زكاتان"1 إلا في ثلاث مسائل: منها: العبد المسلم للتجارة، تجب في زكاة التجارة والفطر. قلت: هنا من الزكاة نوعان مختلفان. ومنها: من له نصاب وعليه دين بمثله يعني؛ فأظهر الأقوال وجوب الزكاة. قلت: لكن الذي وجبت فيه الزكاة على المدين هو النصاب الذي في يده، والذي وجبت فيه الزكاة على رب الدين والنصاب الذي في ذمة المدين؛ فلا عين واحدة فيها زكاتان، بل عين ودين، ولذلك كان الصحيح -تفريعا على أن الدين يمنع الزكاة- أن سببه ضعف ملك المدين، لا التأدية إلى تثنية الزكاة. ومنها: واجد اللقطة إذا تملكها بعد التعريف ممن عليه زكاتها -على الأصح، وعلى صاحبها -أيضا- زكاتها. قلت: ليس على صاحبها زكاتها إذا تملكها الملتقط؛ لكن قال الأصحاب إنه يستحق قيمتها على الملتقط -قالوا: ففي وجوب زكاة القيمة عليه خلاف من وجهين: أحدهما كونه دينا. والثاني: كونه مالا ضالا. وزاد الرافعي: كونه معرضا للسقوط؛ لأن الملتقط لو رد اللقطة يعين على المالك القبول، وفي تمكن المالك من استردادها -قهرا- خلاف، الأصح له ذلك. قلت: فظهر أن العين الواحدة ليس فيها زكاتان؛ إلا في عبد التجارة حيث تجب فيه -مع زكاة التجارة- زكاة الفطر، وموردهما مختلف وهما نوعان. قاعدة: يعتبر الحول في الزكاة إلا في مسائل: منها2:   1 الأشباه والنظائر للسيوطي ص444. 2 بياض في النسختين "أ" "ب" وتكميلا للفائدة قلت ومنها نتاج النصاب؛ فإنه يزكي بحول أمه بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون الأصل نصابا. الثاني: أن يكون متولدا منها. الثالث: أن يوجد قبل الحول؛ فإن فقد شرط منها لم يزل بحول الأصل، وتؤخذ زكاتها منها صغيرة كالمريضة من المراض فيؤخذ من خمس = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فائدة: تكون الأرض خراجية في صورتين. إحداهما: أن يفتح الإمام بلدا -قهرا- ويقسمها بين الغانمين، ثم يعوضهم عنها، ثم يقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجا. والثانية: إن فتح بلدا -صلحا- على أن تكون الأرض للمسلمين، ويسكنها الكفار بخراج معلوم؛ فالأرض تكون فيئا للمسلمين، والخراج عليها أجرة، لا تسقط بإسلامهم. وكذا: إذا انجلى الكفار عن بلدة، وقلنا: إن الأرض تصير وقفا على مصالح المسلمين، فيضرب عليها خراج، يؤديه كل من يسكنها، مسلما كان أم ذميا؛ فأما إذا فتحت -صلحا ولم يشترط كون الأرض للمسلمين، ولكن تسكن بخراج، فهذه جزية -تسقط بالإسلام. وأما البلاد التي فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين وثبتت في أيديهم وكذا التي أسلم أهلها عليها، والأرض التي أحياها المسلمون؛ فكلها عشرية وأخذ الخراج منها ظلم لا يقوم مقام العشر؛ فإن أخذه الإمام على أن يكون بدلا عن العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد، والأصح سقوط الفرض به. قاعدة: من وجبت عليه فطرته كل من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم إلا في مسائل1. منها: زوجة أبيه التي تلزمه نفقتها، ومستولدته لا يلزمه فطرتها على الأصح. ومنها: زوجة الابن لا تجب فطرتها وإن أوجبنا نفقتها.   = وعشرين فصيل ومن ست وثلاثين فصيل ومن أربعين فصيل بالنسبة إلى المخرج منه. ومنها: ربح مال التجارة إن لم ينص ومنها المعدن؛ سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة له، ولو ملك منه دون نصاب وعنده من جنسه نصاب أو دونه ولم يتم حول فيما عنده؛ فالأصح الضم حتى يخرج واجب المعدن في الحال لتشابه الزكاتين في اتحاد المتعلق، ومنها الركاز الذي ملك منه نصابا وجب خمسة في الحال. انظر الشرح الكبير 5/ 381-6/ 96 الروضة 2/ 269. 1 الأشباه للسيوطي 444، الاعتناء/ باب زكاة الفطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ومنها: البائن الحامل، إذا قلنا: النفقة للحمل، لا تجب فطرته1. ومنها: خادم الزوجة إذا كانت ممن تخدم، صحح الإمام أنه لا تجب فطرتها وإن كانت نفقتها واجبة. قاعدة: من وجبت نفقته على غيره وجبت عليه فطرته وإلا فلا. قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: لا تؤخذ القيمة في الزكاة إلا في أربع مسائل: إحداها: أموال التجارة. الثانية: في الجبران في الشاتين، أو العشرين درهما. الثالثة: في أصناف الثمار بالقيمة، نعني إذا اختلف أنواع الزروع والثمار، وفي المسألة أقوال أربعة. الرابعة: في الشاة عن خمس من الأبل. قلت: يعني إذا لم توجد قيمتها، وكذلك لو وجبت بنت مخاض أو ابن لبون ولم يجدهما -لا في ماله، ولا الثمن- فإنه يعدل إلى القيمة. قلت: وبقيت صور. منها: إذا اجتمع في ماله فرضان: كالمائتين فيها أربع حقائق، أو خمس بنات لبون، وكانا عنده بصفة الإجزاء؛ فالمذهب أنه يجب إخراج الأغبط للمساكين -فإن أخرج غير الأغبط كان الفصل يسيرا، لا يمكنه أن يشتري به جزءا، تصدق بالدراهم، وكذا إن أمكنه في الأصح، لسوء المشاركة. ومنها: لو قطعت الثمار رطبة، للخوف من العطش، وقلنا بالأصح أنه لا يجوز قسمها مقطوعة- جاز أخذ قيمة العشر في وجه. ومنها: لو ضمن الزكاة بتلفها بعد التمكن أو إتلافها، فقضية كلام الرافعي   1 الشرح الكبير 6/ 140 قال النووي في الروضة، الذي قطع به الأكثرون أن وجوب الفطرة مبني على الخلاف في أن النفقة للحامل أو للحمل إن قلنا للحامل وجبت؛ وإلا فلا، وهذا مبني على ما إذا كانت الزوجة حرة؛ فإن كانت أمة وقلنا النفقة للحمل فلا فطرة لأنه ملك للسيد وإن قلنا للحامل وجبت سواء رجحنا الطريق الأول أو الثاني؛ فالمذهب الوجوب لأن النفقة للحامل على الأظهر. شرح المهذب 6/ 117، الشرح الكبير 6/ 141-142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 والنووي إيجاب القيمة في المتقوم، كقيمة شاة في خمس من الإبل وصحح الشيخ الإمام الوالد -رحمه الله- أن الواجب كما كان قبل التلف، فيضمن شاة. ومنها: قال الإمام -في آخر باب النية، في الصدقة: لو وجبت شاة ثم تلف الأربعون بعد الإمكان وعسر الوصول إلى الشاة ومشت حاجة المساكين. فالظاهر عندي أنه يخرج القيمة للضرورة الداعية، كما لو أتلف مثليا ثم أعوزه. قاعدة: ذكرها الأصحاب في كتاب الصيام الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب: ضرب يجب لا بسبب من العبد؛ فإذا عجز عنه، وقت الوجوب لا يثبت في الذمة؛ بل يسقط وذلك كزكاة الفطر. وضرب: يجب بسبب من جهته -على سبيل البدل- فيثبت في الذمة، تغليبا لمعنى الغرامة، كجزاء الصيد، ولم يستثن صاحب التقريب جزاء الصيد. قال الإمام: وترك استثنائه منه غفلة. قال: ولا ينبغي أن يعتقد فيه خلاف. قلت: وكذلك فدية الحلق في الحج. وضرب: يجب بسبه -لا على وجه البدن- فقولان: أصحهما: أنه يثبت في الذمة إلحاقا بجزاء الصيد لأنها مؤاخذة على فعله، قال الرافعي: فعلى هذا متى قدر على إحدى الخصال لزمته. والثاني: أنه يسقط عند العجز كزكاة الفطر، واحتج له بأنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الأعرابي [أن] 1 يطعمه أهله وعياله في حديث2 المجامع لم يأمره بالإخراج في ثاني الحال، ولو وجب ذلك لأشبه أن يبين [له] 3.   1 في "ب" بأن. 2 انظر البخاري 4/ 163 في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان "1936"، وفي 10/ 503 في كتاب الأدب/ باب التبسم والضحك "6087" وفي 11/ 595-596 في كتاب كفارات الأيمان حديث "6709" وحديث "6710" وحديث "6711" ومسلم 2/ 781-782 في الصيام/ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان "81/ 111". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قال الرافعي: ولمن رجح الثاني أن يقول: لم قلت أن المصروف إلى الأهل لم يقع تكفيرا؛ فإنا روينا وجها مجوزا له عند الفقر. وإن سلمنا ذلك، ولكن يحمل أن يكون الفرض باقيا في ذمته، ولم يبين له ذلك؛ لأن حاجته إلى معرفة الوجوب؛ إنما تمس عند القدرة، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز. قلت: وأوضح من دعوى تأخير البيان إلى وقت الحاجة، أن يقال لم يؤخر البيان، بل بين حيث أمر بالصدقة. ومن ثم قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: في الحديث ما يدل للوجه الصحيح؛ لأن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه عن الثلاث، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرق من تمر؛ فقال: خذ هذا، فتصدق به ولو لم تكن استقرت في ذمته لما أمره بالصدقة. وكلام الشيخ الإمام -رحمه الله- هذ- متين، وبه يقع الانفصال على أمرين. أحدهما: أن الرافعي قال: إنه لا يمكن الاستدلال بخبر الأعرابي على الجمع في هذه الصورة -يعني على السقوط- وفي صورة صرف الكفارة إلى الأهل والعيال على الجواز؛ وإنما يمكن الاستدلال به في أحدهما لأن المأمور بصرفه إلى الأهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون. إن كان: لم يصح الاستدلال به في هذه الصورة. وإن لم يكن: لم يصح في الصورة السابقة. قال الشيخ الإمام: قول الرافعي -إن كان كفارة ل يصح الاستدلال به في هذه الصورة ممنوع؛ لأن وقت الوجوب كان قد تقدم؛ فلو سقطت بالعجز حال الوجوب لما صرفت بعد ذلك، فالمأمور بصرفه إلى العيال إن كان كفارة صح الاستدلال بصرفه، والأصح الاستدلال بالأمر -قبل ذلك- بالتصدق به انتهى. وأقول: هذا -على حسنه- لا يلاقي كلام الرافعي؛ لأن مراد الرافعي بتقدير كونه كفارة -أنه لا يصح الاستدلال به في الصورة على عدم السقوط؛ فإن الرافعي لم يذكر أن في الحديث دلالة على البتة؛ وإنما ذكر ذلك الشيخ الإمام ولا شك أنه متى كان كفارة دل على عدم السقوط، ومتى دل على عدم السقوط لم يستدل به على السقوط لأن بينهما تنافيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فكلام الشيخ الإمام صحيح؛ ولكن على طريقته، وهي أن الحديث أن الحديث يدل على عدم السقوط: وكلام الرافعي صحيح ولكن على طريقته، وهي أن بعضهم احتج به للسقوط ولم يتحدث الرافعي في دلالته على عدم السقوط البتة؛ بل غايته أنه دفع الاحتجاج به على السقوط، أما أنه بقيمه دليلا للثبوت فلا. الأمر الثاني: أن الإمام قال: بعدما حكى تردد الإصحاب في أن العلة إذا أفرطت تكون عذرا في ترك الصيام، أي الصيام الكفارة، وفي جواز صرفها إلى العيال الرأي عندنا إلحاق قصة الإعرابي برخصة خص الشارع بها معينا، وكثيرا ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهذا نحو قوله1 صلى الله عليه وسلم في قصة الأضحية "تجزئ عنك، ولا تجزئ عن أحد بعدك"، وجرى مثل ذلك في إرضاع الكبير2؛ وهذا -وإن كان على بعد- فهو أهون من تشويش أصول الشريعة، لقصة نقلها آحاد وأفراد- انتهى. وحكاه عنه الرافعي، ثم اعترضه بأن مثل هذا التأويل؛ إنما يصار إليه عند الاضطرار، ولنا عنه مندوحة. ونعني فنقول: [من] 3 أفسد يوما بالجماع يجب عليه -مع الكفارة- قضاء اليوم قلنا: روي أنه عليه السلام قال للرجل: "واقض يوما مكانه"4.   1 البخاري 10/ 22 في الأضاحي/ باب الذبح بعد الصلاة "5560" مسلم 3/ 1552-1553 في كتاب الأضاحي/ باب وقتها "5/ 1961" 7/ 1961 "8/ 1961" "9/ 1961". 2 وهو من حديث عائشة رضي الله عنها أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله من بيتهم؛ فأتت وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"، فرجعت فقالت إني أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة -مسلم 2/ 1076 في كتاب الرضاع/ باب رضاعة الكبير "27/ 1453" "26/ 1453". 3 في "ب" فيمن. 4 أبو داود من حديث هشام بن سعد عن الزهري، عن ابن مسلمة، عن أبي هريرة وأعله ابن جزم بهشام وقد تابعه إبراهيم بن سعد، كما رواه أبو عوانة في صحيحه والدارقطني من حديث أبي أويس وعبد الجبار بن عمر، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وهو وهم منهما في إسناده، وقد اختلف في توثيقهما وتخريجهما وله طريق آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن طريق مالك عن عطاء عن سعيد بن المسيب مرسلا ومن حديث ابن جريج عن نافع بن جبير مرسلا، ومن حديث أبي معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي مرسلا، وقال سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد عن ابن عجلان عن المطلب بن أبي وداعة عن سعيد بن المسيب جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأتي في رمضان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تب إلى الله واستغفره وتصدق واقض يومًا مكانه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ولا تصرف الكفارة للعيال، ويعتذر عن الحديث بمثل التأويلات المنقولة عن الإمام، وتستقر في الذمة عند العجز ويعتذر بما أوردناه -آنفا- عن الرافعي. وأما العدول إلى الإطعام بعذر شدة الغلمة؛ فهو الأصح جريا على ظاهر الخبر، فاستغنينا فيه عن التأويل. هذا حاصل كلام الرافعي، وفيه نظر من وجوه. أحدها: أن غاية معارضة تأويل الإمام؛ حيث قال: يحتمل ويكون مخصوصا بصاحب الواقعة -بتأويلات أبداها، وليس أحد التأويلين أولى من الآخر ما لم يظهر ترجيحه ولم يظهر. والثاني: إن كلامه كالصريح في أن الحديث يستدل به على الصور الأربع، ومنها الصورتان المتنافيتان اللتان قدم هو أنه لا يمكن الاستدلال به إلا في إحداهما. والثالث: أن قوله في اشتداد الغلمة: الصحيح الجريان على ظاهر الخبر لا حاجة إلى تأويل. لا يفيد جوابا عن دعوى الإمام -أنه مشوش لأصول الشريعة، وأن تأويل الحديث وصرفه عن ظاهره أولى من هدم القواعد؛ إذ لا جواب لهذا الكلام إلا بأن نبين أنه غير مشوش، لا أن يقال: إذا كان الأصح الإجراء على ظاهر الحديث؛ فلا حاجة إلى التأويل؛ فطريق الجواب، أن نبين أن القول بظاهر الحديث جار على منهج قياسي، لا يشوش أصول الشريعة- ولم يبين ذلك: فإن قلت: فبقى كلام الإمام شديدًا، لم يقع عنه انفصال، وقد قدمتم وقوع الانفصال عنه. قلت: إنما قدمنا وقوع الانفصال عنه في مسألة الاستقراء في الذمة عند العجز، ووجهه أن الحديث دال على الاستقرار على خلاف ما فهمه المخالفون. وأما في مسألة الغلمة فلا وجه إلى التأويل الذي أبداه الإمام، والتزم أنه لا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 العدول إلى الإطعام لغير ذلك المجامع، وهي طريقة الغزالي التي صححها في كتاب "الكفارات". أو أن يقال: هب أن الحديث معارض بالقياس لكن العمل بظاهر الحديث أولى من القياس، وهو الأصح في الأصول .... فائدة: كل1 من أتى بأفعال العمرة سقطت عنه عمرة الإسلام، قال الجرجاني: إلا في مسألتين. قاعدة: كل دم يتعلق بالإحرام، يجب إراقته في الحرم إلا دم المحصر في الحل، والدماء اللازمة بارتكاب المحظورات؛ فإنه يجوز ذبحها في الحل؛ لأنه موضع تحلله؛ فهو كالحرم في حقه. قاعدة: "كل جملة مضمونة بالمثل يكون النقص الداخل عليها باجلناية مضمونا بالأرش من القيمة دون المثل". وفيه مسائل: منها: لو جرح صيدا "له مثل" عشر قيمته لزمه عشر قيمة المثل، لا عشر المثل، وقيل: يجب عشر المثل إلا أن يتعذر. ومنها: الطعام المغضوب إذا بله بالماء أو قلاه بالنار؛ فإن عليه أرش نقصه من المثل.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 القول في قواعد ربع البيع وما لعلنا نورده فيه من غيرها: فقد أشكلت حقيقة الملك على طوائف من النظار، وزل من قال منهم "إنه التصرف"؛ لأن المحجور عليه يملك ولا يتصرف، كما أن الولي يتصرف ولا يملك والمختار في تعريفه: أنه أمر معنوي، وإن شئت قل: حكم شرعي مقدر في عين أو منفعة يقتضي تمكن من ينسب إليه انتفاعه به والعوض عنه من حيث هو كذلك. أما قولنا: "حكم شرعي" فالإجماع عليه، ولأنه تبع الأسباب الشرعية فيكون حكما شرعيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وأما "أنه مقدر؛ فلأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع، والتعلق عدمي ليس وصفا حقيقيا؛ بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المقيدة للملك. وقلنا: وفي عين أو منفعة لأن المنافع تملك كالأعيان ويورد عليها عقد الإجارة. وقولنا: يقتضي انتفاعة ليخرج تصرف القضاة والأوصياء؛ فإنه في أعيان أو منافع لا يقتضي انتفاعهم1؛ لأنهم لا يتصرفون لانتفاع أنفسهم، بل لانتفاع المالكين. وقولنا: "والعوض عنه" يخرج الإباحات في الضيافات؛ فإن الضيافة مأذون فيها، ولا يملك عوضا عنها. ويخرج أيضا: الاختصاص بالمساجد، والربط مقاعد الأسواق؛ إذ لا ملك فيها مع التمكن من التصرف. وقولنا: من حيث هو كذلك "إشارة إلى أنه قد يتخلف لمانع يعرض للمحجور عليهم. لهم الملك، وليس لهم التمكن من التصرف لأمر خارجي؛ فالقبول الذاتي حاصل؛ فلا ينافيه العارض الخارجي. واعلم أن هذا مختص بالملك المقيد، الذي لا يطلق عليه الملك إلا توسعا وهو ملك العباد لما ينسب إليهم، والمالك في الحقيقة هو الله تعالى. وقد قال أئمتنا: والعبارة لإمام الحرمين في الشامل: لا يتقرر في حق العباد ملك الرقاب -وإن أطلق توسعا، وتجوزا بعد أن ذكر أن المرتضي عنده في معنى الملك أن المالك للشيء، ومن يجوز له فعله إذا كان مقتدرا عليه، ويندرج في ذلك -على ما ذكر- ملك الله، وملك البشر ذكره في أثناء مسألة خلق الأفعال. فصل: إذا عرفت حقيقة الملك فنذكر حقائق ألفاظ يكثر ترددها في ربع البياعات. منها: الذمة، وستعرفها في باب الفرائض؛ لأنه بها أمس. ومنها: الصحة، وقد أغنانا الأصوليون عن تعريفها؛ غير أنا نعرفك. هنا أن الانعقاد والصحة في هذا الباب عبارتان عن معبر واحد ولا شك أن الانعقاد أثرها؛ فكأنه   1 في "ب" زيادة وإن شئت قلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 عبر بالمؤثر عن الأثر وعكسه؛ فكل صحيح منعقد، وكل منعقد صحيح، ولا يقال في الفاسد: أنه منعقد، إلا مجازا، فيقال: هذا عقد فاسد؛ حيث لا عقد حقيقي، ولكن صورة عقد. ومنها: النفوذ وهو عبارة عن انعقاده مؤثرا في المحل مبينا لحكمه والباطل والفاسد بمعنى واحد عندنا لا ينفذ له حكم. ولا يثبت. ومنها: اللازم وهو ما لا يقبل الفسخ، أو ما لا يتمكن من إبطاله قد يكون من جانبين، وقد يكون من جانب واحد ومنها: الجائز عكس اللازم. ومنها: الفسخ، حل ارتباط العقد. ومنها: الاستقرار، عبارة عن الأمن من سقوط الملك بسبب انفساخ العقد، أو فسخه؛ فإن الملك مستقر في كل من العوضين بعد قبضه، وإن لم يؤمن زوال الملك بسبب الفسخ بالعيب. وفي تعليق البندنيجي أن المستقر ما لا يخشى سقوطه بزوال سببه كثمن المبيع بعد قبض المبيع -على وجه الصحة- والأجرة بعد انقضاء المدة، والمهر بعد الدخول، والعوض في الخلع، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات. فائدة: الإيجاب والقبول هل هما أصلان في العقد، أو الإيجاب هو الأصل والقبول فرع؟ ورأيت في كلام الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن عدلان1 رحمه الله حكاية خلاف في ذلك، ولم أر ذلك في كلام غيره، وقد كان رحمه الله عمدة من عمد المذهب يرجع إليه نقلا وتصرفا. قال -وعليه بني بعضهم: ما إذا قال المشتري: يعني -فقال البائع: بعتك، هل   1 محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود وشيخ الشافعية شمس الدين الكناني المصري المعروف بابن عدلان، ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، قال الإسنوي كان فقيها إماما يضرب به المثل في الفقه عارفا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة مع السرعة والاسترسال دينا سليم الصدر كثير المروءة. ابن قاضي شهبة 3/ 54، الإسنوي 340، الوافي 2/ 168، حسن المحاضرة 15/ 341، الدرر الكامنة 3/ 333، شذرات الذهب 6/ 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ينعقد؟ إن قلنا: بالأول صح، وإن قلنا بالثاني لم يصح؛ لأن الفرع لا يتقدم على أصله. قلت: قاعدة مستنبطة: كل قبول جائز أن يكون بلفظ قبلت، وباللفظ المحاكي للفظ الإيجاب أو المرادف للفظ الإيجاب. فتقول في جواب بعتك، قبلت، أو ابتعت، أو اشتريت، وفي جواب أنكحتك: قبلت، أو نكحت، أو تزوجت، ونحو ذلك على ما تحرر في الفقهيات. ولا يتعين اللفظ المحاكي إلا في مسألة واحدة، وفي غيرها على خلاف فيه أما المسألة المجزوم بها؛ فإذا قال لها: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق فلا بد أن تقول: ضمنت -على ما اقتضاه كلام الإمام والغزالي- ولا يكفي شئت بدل ضمنت -صرح به الأصحاب، ولا قبلت، صرح بن ابن الرفعة، وناقش فيه الرافعي زاعما أن كلامه اقتضى أنه يكفي. والرافعي لم يقتض كلامه ذلك؛ وإنما قال: المراد بالضمان، هنا القبول والالتزام دون المفتقر إلى أصل فمراده بالقبول الالتزام -غير معترض على لفظه- نبه عليه الوالد. وأقول: القول بأن لفظ قبلت لا يكفي، فيه نظر؛ فإن المعلق عليه هذا الضمان لا لفظه؛ فلم لا يكفي قبلت؟ وأما المختلف فيها. فمنها: إذا قال: خالعتك بألف: فقالت قبلت الألف، صح. قال الرافعي: وفي فتاوي القفال، أن أبا يعقوب غلط؛ فقال في حق المرأة: لا بد أن نقول: اختلعت والأجنبي لا يحتاج إليه. هذا كلام الرافعي، وأبو يعقوب هو الأبيوردي1 وقد وقفت على فتاوى   1 يوسف بن محمد أبو يعقوب الأبيوردي، قال المطاوعي تخرج بأبي طاهر الزيادي وصنف التصانيف السائرة والكتب الفاتنة الساحرة، وما زالت به حرارة ذهنه وسلاطة وهمه وذكاء قلبه حتى احترق جسده ومن تصانيفه المسائل تفرغ إليه الفقهاء وتنافس فيه العلماء، قال السبكي: أحسبه توفي في حدود الأربعمائة ابن قاضي شهبة 1/ 199، السبكي 5/ 392، العبادي ص109 معجم المؤلفين 13/ 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 القفال، وليس فيها زيادة على هذا، وقد فهم منه الوالد أن أبا يعقوب يشترط لفظ اختلعت ليوافق لفظ خالعت، وهذا يدل عليه قوله في حق المرأة: لا بد أن تقول: اختلعت؛ غير أنه يدفعه شيئان. أحدهما: لفظ الألف في قول الرافعي: قبلت الألف؛ فإنه لو كان المراد اشتراط لفظ اختلعت دون قبلت لم يحتج إلى ذكر الألف. والثاني: أنه لو كان المراد توافق اللفظين لم نفرق بين المرأة والأجنبي؛ فالذي أفهمه من هذا ما فهمه ابن الرفعة في "المطالب"، وفرق بين المرأة والأجنبي بأن الأجنبي لا يحتاج أن يقول: اختلعت؛ لأن حظه منه قبول المال فكفى، ولا كذلك الزوجة، يعني: فإن الطلاق من حيث كونه واقعا عليها لها فيه حظ؛ فاشترط لفظ من قبلها يدل على قبول العقد، بأن يطلق -قبلت مطلقا غير مسند إلى المال، أو اختلعت. وهذا الذي فهمته، هو الذي فهمه شيخنا الأخ أبو حامد "شيخ الإسلام" سلمه الله وأطل بقاءه فقال فيما كتبه إلي: القول في شرائط المبيع: ولهم في عدها اختلاف، والمشهور أنها خمس: أن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسليمه مملوكا للعاقد أو لمن يقع له العقد، معلوما. ومنهم من اكتفى الشروط كانت القدرة زائلة، هذا يؤول إلى الدور. فإن الغرض تعريف تلك الشروط الشرعية، ولنا هنا لتحقيق العبارة عن شرائط المبيع؛ فإنا مكتفون بفهمها، متكلمون -بعدها- على فصول أخر. فصل: لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط؛ وإنما اللازم انتفاء المشروط عند انتفائه؛ فلا يلزم من اجتماع شروط البيع صحة البيع، بل لا بد من صفات في العاقد والمعقود عليه، ومع ذلك قد يمتنع البيع لأسباب أخر؛ إلا أن تلك الأسباب خارجة عن صفات المبيع والبائع والمشتري والصيغة؛ فلا تلزم اعتمادها عند ذكر أركان العقد وشروطه. ويظهر هذا بأنه رب مستجمع لهذه الشروط لا يصح بيعه، وهو في مسائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 منها: الأضحية إذا أهدى من لحمها إلى غني أو تصدق على فقير فهو يملكه، وله التصرف فيه بالهبة والهدية، ولا يجوز البيع. فصل: قد يجوز البيع، ولكن من شخص دون شخص. وهو في مسائل: منها: بيع رقبة الموصي بمنفعته، ثالث الأوجه وهو الأصح، يصح من الموصي له دون غيره. ومنها: بيع المشتري المبيع قبل انقضاء الخيار من البائع صحيح ومن غيره باطل على خلاف فيه. ومنها: بيع المفلس -المحجور عليه- من الغرماء، قيل: يصح، وقيل لا يصح إلا بإذن القاضي، وهو الصحيح. ومنها: بيع المغصوب من قادر على انتزاعه صحيح على الصحيح، ومن غيره باطل. ومنها: بيع الثمرة قبل بدو الصلاح - من مالك الشجرة. قبل: يصح من غير شرط القطع، والصحيح لا، كما لو باعها من غيره. ومنها: لو اختلط حمام مملوك بغيره، وعسر التمميز فليس لواحد منهما التصرف بيع أو هبة من ثالث، أما من الآخر فوجهان: ومنها: المستعير للغراس والبناء له أن يبيع من المعير وبالعكس، وللمعير بيع الأرض من ثالث، وفي المستعير وجهان: أضحهما كذلك. ومنها: بيع المكاتب باطل -على الجديد- إلا أن يبيعه من نفسه فيصح على [الصحيح] 1. فصل: نتكلم فيه على وقف العقود.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 إذا تحقق انتفاء شرط تحقيق انتفاء الصحة، وإن شك فيه [يحتمل] 1 القطع بانتفاء الصحة، ويحتمل الشك والوقف فيها إلى البيان. مثال الأول: بيع الفضولي يحقق انتفاء الملكية فالجديد بطلانه. ومثال الثاني: بيع مال الأب على ظن أنه حي فإذا هو ميت، وأكثر المسائل أنه هل يعتبر الظاهر، أو ما في نفس الأمر؟ وقد قدمناه في القواعد المطلقة. غير أنا نقول -هنا- أن القولين فيها وفي بيع الفضولي -يعبر عنهما بقولي: وقف العقود، ويقال: الوقف وقفان: وقف صحة، كما في بيع الفضولي على القول به -فالموقوف منه كون العقد صحيحا. وفاقا للشيخ الإمام، وخلافا للإمام؛ حيث قال: الصحة ناجزة، والموقوف على الإجازة؛ إنما هو الملك ونقله عن الرافعي ساكتا عليه. وقد تكلم الشيخ الإمام [الوالد] 2 رحمه الله في باب التفليس من تكملة شرح المهذب -على وقف العقود كلاما مبسوطا، أنا ألخصه هنا مع زيادات. [فأقول] 3: جعل الإمام -على ما تحصل من كلامه في بيع الغرر، وفي الكلام على عتق الراهن- الوقف أصنافا بيع الفضولي، وبيع مال الأب الحي المظنون الحياة، وبيع الغاصب، وبيع الراهن والمرهون، ويقرب منه بيع المفلس، المريض. ويظهر أن يقال: إذا أورد العقد على غير قابل لمقصوده فهو باطل قطعا، ولا وقف فيه كما لو باع خمرا، أو نكح معتدة؛ فلا يقال: إنه متوقف على تخلله أو انقضاء عدتها، بل يجزم ببطلانه. وإن كان المعقود عليه قابلا للمورد؛ فهو الذي يدخل فيه الموقف والتحقيق: أن الوقف وقفان؛ وقف صحة، ووقف تبيين، ولا يلزم من فساد الأول فساد الثاني؛ إذ الأول أجدر بالفساد. أما وقف الصحة: فهو الذي لم يصدر العقد فيه من أهله، أو صدر من أهله؛ ولكن مع قيام مانع. ولك أن نقول: هو الموقف على أمر يوجد في المستقبل.   1 في "ب" فيحتمل. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ثم هو درجات: [أبعدها عن الصحة ما صدر من غير أهله، وسهل نقضه، وهو بيع الفضولي والثاني] 1. ما صدر من غير أهله؛ غير أن نقض صعب كتصرف الغاصب بالبيع والشراء تصرفات كثيرة عسر تتبعها، والأول أولى بالفساد من الثاني؛ لأن الضرورة قد تلجئ إلى تصحيح الثاني. ومن ثم كان لنا قولان: في الجديد في الثاني وليس لنا في بيع الفضولي؛ إلا قول قديم؛ غير أن الصحيح في البطلان؛ لأن القول فيه الصحة، مع القول في الفضولي بالبطلان، يفضي إلى اعتبار الشرط بعد المشروط، وقد أجمع العقلاء على أن الشرط مقدم أو مقارن. الثالثة: ما صدر من أهله غير أن في مانعا يمنع نفوذه كتعلقه برقبة مورد العقد، وكذا بذمته مع الرقبة على وجه، وهو بيع العبد الجاني، فالصحيح بطلانه وإن اختار السيد الفداء وفاقا للشيخ الإمام، وخلافا للبغوي؛ حيث قال: إن اختار الفداء صح. ولم يذكر الرافعي والنووي سواه، وهو ضعيف؛ لأن اختيار الفداء لا يلزمه وله الرجوع عنه، ولا ينبغي أن يبطل حق المجني عليه بالتزامه أن يفرق بين الموسر والمعسر؛ فإن تعلق الحق أن منع فلا يدفعه اليسار. وفي التتمة قول: أن بيع الجاني موقوف -كذا عزاه الرافعي إلى التتمة [وربما قال بعض الناس: لا حاجة إلى عزوة إلى التتمة] 2 وهو القول القديم في بيع الفضولي. قلت: وقد عرفناك ما تعرف به أن هذا جديد -لا قديم- وأنه مقول به مع القول ببطلان بيع الفضولي. الرابعة: صادر من أهله مع المانع إلا أن المانع فيه دون الجناية؛ وذلك كبيع المرهون،   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ففيه ما قدمناه من احتمال الإمام، وفي هبته وجهان في الجديد وفي عنقه الأقوال المعروفة أصحها الفرق بين المعسر والموسر: الخامسة: صادر من أهله غير أن المانع في غير قوي قوة المانع قبله؛ وذلك لاحتمال أن يتبين بالآخرة اندفاع الموجب له، وهو كتصرف المفلس؛ فإنه قد تبين بالآخرة أنه لم يمنع حق الغرماء، وليس كالرهن؛ فإنه يتعلق بكل المرهون ومن ثم قال ابن الرفعة في المفلس: إذا تبين بالآخرة فاضل عن دينه فتبين أن الحجر لم يشمل القدر الفاضل وخالفه الشيخ الإمام، وقال: بل شمل الكل وهو الارجح ويشهد بخلافهما اختلاف الأصحاب. في أنه هل ينقض من تصرفاته الأضعف فالأضعف وهو الصحيح. وفيه دلالة للشيخ الإمام -فالآخر. السادسة: تصرف المريض فهو أقرب التصرفات إلى الصحة؛ لأنه لا يحل له الإقدام على التصرف اعتمادا على بقاء الحياة، والمفلس ممنوع، لمراغمته بالتصرف ما شرع الحجر لأجله. وهذه فروع مما يلحق بموقف العقود. منها: إذا قسم الحاكم مال المفلس، ثم ظهر غريم؛ فالظاهر أن القسمة لا تنقض، ويشارك من ظهر بالحصة، وقيل: تنقض. فعلى الأول: لو أعسر بعض الآخذين قدر كالعدم وجعل الغريم الآخر كأنه أخذ كل المال، وقيل: إنما يؤخذ بالحصة. [ويظهر] 1 هذا الخلاف في بعض الورثة يقر بدين وينكر البعض، هل يؤخذ من المقر الكل أو بالحصة؟ ومنها: إذا أعتق عبيدا -لا يحتملهم الثلث- فأخرجنا الثلث بالقرعة ثم ظهر للميت دفين -يخرج جميعهم من الثلث- فيحكم بعتقهم جميعا، ومن يوم إعتاقهم ترجع إليهم اكسابهم، ولا يرجع الوارث، بما أنفق عليهم، كمن نكح فاسدا -على ظن الصحة- لا يرجع بالنفقة ولو ظهر دين مستغرق فالعتق بالقرعة باطل.   1 في "ب" ونظير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ومنها: إذا باع العدل الرهن بثمن المثل، ثم زاد راغب قبل التفرق انفسخ البيع -على ما صححه الرافعي وغيره- فلو بدأ الراغب قبل التمكن من بيعه فالبيع الأول بحاله، أو بعده؛ فقد ارتفع العقد، فلا بد من عقد جديد، وفي طريقة الصيد لا في أنا نتبين أن البيع بحاله. ومنها: جنى على المرهون فعفا على مال فليس للراهن العفو لحق المرتهن وفي قول: العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن؛ فإن انفك الرهن رد إلى الجاني وبان صحة العفو؛ وإلا بان بطلانه. ومنها: نكاح المرتابة، وسيأتي. ومنها: لو قال -عند خوف غرق السفينة: ألق متاعك وأنا الركبان ضامنون، وقال: أردت إنشاء الضمان عنهم؛ فعن بعض الأصحاب أنهم إن رضوا به ثبت المال. ونازع فيه الرافعي، وقال: العقود لا توقف. ولينظر كلام الإمام في ذلك في باب عقود الضمان. ومنها: من أسلم من الوثنيين بعد الوطء، انتظرنا إسلام الآخر [في العدة] 1؛ فإن أسلم فيها استمر النكاح، وإلا تبين حصول الفرقة من حين إسلامه؛ فلو طلقها قبل تمام العدة فالطلاق موقوف. ومنها: أسلمت تحت عبد وثني وعتقت وهي مدخول بها. ومنها: أسلم من أربع، وتخلف أربع وثنيات تعين الأوليات للفسخ2. ومنها: عتقت تحت عبد؛ فلها الخيار، والمسألة فيها تخريج -للإمام- على وقف العقود. ومنها: خلع المرتدة موقوف إن أسلمت قبل تبين صحته. ومنها: ذبح أجنبي أضحية معينة بالنذر أو هديا معينا، بعد بلوغ النسك، وقع الموقع. وفيه قول قديم أن لصاحب الأضحية أن يجعلها عن الذابح ويغرمه كمال القيمة، بناء على وقف العقود.   1 في "أ" وبعد المثبت من "ب". 2 وفي "ب" للفسخ على الفور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فصل: أما وقف التبين: فهو الذي يصدر العقد فيه من أهله باطنا لا ظاهرا. وإن شئت. قل: هو الموقوف على أمر تبين وجوده فيما مضى. ولا يخفى أنه أقرب إلى الصحة من القسم قبله ولذلك كان صحيحا؛ إما جزما وإما على الصحيح. وفيه مسائل: منها: بيع مال الأب الميت المظنون الحياة، الصحيح الصحة. وقد تقدم الكلام في وفي نظائره -في القواعد المطلقة- في قاعدة: هل العمل بالظاهر أو بما في نفس الأمر؟ ومنها: الطلاق المبهم؛ فإن تزوج يمنع من قربان زوجته إلى أن يتبين وكذلك في مسألة الغراب. ثم التعيين إن لم يكن طلاقا -وهو الصحيح- فالوقف وقف تبين. ومنها: لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة كل صاع بدرهم ولا يدري أنها عشرة آصع؛ فالصحيح الفساد، للجهل بالمقابلة. وعلى القول بالصحة فهو موقوف لتحقق المقابلة وهو من وقف البيان. ومنها: في الربا لو باع صبرة بصيرة متساوية وخرجتا متساويتين صح؛ وإلا فالأصح البطلان وعلى الصحة يوقف لبيان المماثلة. ومنها: إذا قال أحد الشريكين المعسرين: إن كان هذا الطائر غرابا فنصيبي حر، وقال الآخر: إن لم يكن فنصيبي حر، ولم يعرف -لا يحكم عتق نصيب واحد منهما، والولاء موقوف1، أو بان حكم بعتق النصف. ولنا بحث سنذكره عند ذكر المسألة -إن شاء الله تعالى- في قسم أصول الدين في مسألة لازم النقيضين في أن هذا الوقف، هل هو وقف تبين؟ ومنها: أصح الأقوال في مال المرتد أنه موقوف.   1 في "ب" زيادة فإن اشتراه أحدهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ومنها: ملك المبيع في زمن الخيار: الصحيح أنه موقوف. ومنها: نكاح المرتابة بالجمل: قبل على وقف العقود، وقيل بالتبين. ومنها: لو عين المريض عينا تباع، ويوفي منها دينه؛ فقيل: للورثة إمساكها والوفاء من غيرها، وقيل: لا فعلى هذا، لو باعها الوصي قبل استئذان الورثة؛ فقيل: باطل، وقيل: موقوف -فإن وفوا فلهم نقض المبيع وإلا انبرم. وقد يقال: ليس هذا وقف تبين، بل وقف صحة. ومنها: إذا نجز المريض عتق أمته التي لا يملك سواها. ملك قريبة تزويجها؛ فإن ظهر أن ذلك1 العتق يشمل جميعها، تبين بطلان النكاح إن لم يجز للوارث، وكذا إن أجاز وقلنا: إنه ابتداء عطية، وإن قلنا: يتقيد ثبتت الصحة. ومنع ابن الحداد التزويج؛ لأن عتقها موقوف وربما لا تعتق كلها -وهو ظاهر الحال- فعلى هذا لو كانت جميعها تخرج من الثلث؛ فهل تزوج أم لا؟ - لاحتمال تلف المال- للإمام فيه احتمالان والقائلون بالصحة قاسوا التزويج على جواز التصرف في المتبرع به. وعن الشيخ أبي علي أن من وافق ابن الحداد يحتمل أن يطرد ذلك في هبة - الجارية، حتى لا ينفذ تصرف المتهب القابض، إذا كان ذلك التصرف لا يحتمل الوقف ولا يحل له الوطء. قلت: ووقع في البحر -للروياني- في باب عتق العبيد لا يخرجون من الثلث فيمن أعتق ستة أعبد -لا يملك غيرهم- أنه لا يحكم بعتقهم، لجواز أن يظهر دين، ولا برقهم؛ لجواز أن يستفيد مالا وأكسابهم موقوفة أيضا. ولو كان للمعتق مال -يخرجون من ثلثه- لا يحكم بعتقهم قبل موته لجواز أن يتلف ماله؛ فلا يصل إلى ورثته. وهذا يوافق ما نقل ابن الحداد، وأحد احتمالي الإمام. ونزيد عليهما؛ فإن ذلك مخصوص بالنكاح لما فيه من الاحتياط، وهذا عام؛ فالوجه تأويله على أنا لا نحكم بعتقهم، ولا برقهم -عتقا، ورقا يستقر قراره. وتوافق   1 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 عبارته قول الرافعي- لما تكلم على المرض المخوف. أنا نحجر على المريض في التبرع بالزائد على الثلث ولا ننفذه؛ لكنه لو فعل ثم بريء، تبين صحة التبرع؛ فإن ذلك لم يكن مخوفا. فظاهر: أنا لا ننفذه، يوافق قول ابن الحداد، والوجه تأويله على ما ذكرناه؛ وإلا فهو موقوف على إجازة الورثة إن أدى الحال إلى الموت وإلا فالتصرف نافذ من كل وجه. إذا عرفت هذا تبين لك به تردد في تصرف المريض، وموقوف هو حتى يجيء في بيعه القولان في وقف العقود ويلحق بالقسم الأول، وهو وقف الصحة، وقد قدمنا ذلك- أو صحيح بناء على تمام السبب حال التصرف. وإن كان ماله إلى إجازة الورثة؟ ويكون رد الوارث بمثابة أخذ الشفيع من حينه، وليس مستندا إلى وقت البيع. لا فارق بينهما إلا أن الشفيع يقرر عقد البيع، وهذا يرد؛ فيكون كالرد بالعيب يرفع من حينه. وقد يقال في الرد بالعيب تقدير ما؛ ألا ترى أن إمام الحرمين حكى في "الفروع المنثورة" في كتاب العتق قولين فيما إذا رد الوارث الزيادة على الثلث هو نقول: الزيادة ثبتت ثم ردت، أو تبين أنها لم تنفذ. ومنها: إذا اكتفينا بظاهر الصبرة فتبين تحته دكة: قال "في الوسيط" فهل تبين بطلان العقد. ومنها: قال في الوسيط: إذا منعنا بيع الغائب فالرؤية السابقة كالمقارنة -إذا كان مما لا يتغير- فلو تغير على الندور؛ فهل يتبين بطلان العقد، أو يكتفي بالخيار؟ فيه خلاف صحح النووي الثاني. ومنها: ظاهر كلامهم أن اللعان يقع في الردة، ويمكن أن يكون ذلك في مدة الإمهال. ومنها: إذا طلق رجعيا أو بائنا. ثم وطئها أجنبي في العدة -بشبهة- ثم حملت منه، فإنها تعتد بالحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فصل: في الإقدام على العقود الفاسدة. وقد تردد كثير من المتأخرين أهو حرام، أم حلال؟ وذكر الوالد رحمه الله في باب الوصية -عند الكلام على الوصية1 بأكثر من الثلث: "أنه ينبغي أن يقال: إن قلنا: الوصية بأكثر من الثلث باطلة، أو إن الإجازة ابتداء عطية فهي حرام؛ لأنها عقد فاسد، قصد به تحقيق حكم غير مشروع انتهى. فهذا ضابط جيد في تحريم فاسد التصرفات، وأنه لا يحرم منها ما صدر تلاعبا، ولا قصد فيه، لم يثبت مقتضاه عليه وهو قضية كلام الغزالي. ثم ذكر في كتاب النكاح نظيره [فقال] 2 عند الكلام فيما إذا جمع بين الأختين، بعدما ذكر أن ابن الرفعة أخذ من قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} . أن الإقدام على العقد الفاسد حرام؛ لأن حقيقة الجمع بالوطء غير ممكنة؛ إنما الممكن بالعقد. إن الحق ما قاله الغزالي إنه متى قصد تحقيق المعنى الشرعي فهو حرام وإن قصد تحقيق اللفظ -من غير تحقيق معناه؛ فهذا لغو -ليس بعقد، ومع ذلك إن كان له محمل- من ملاعبة الزوجة ونحوه، فلا يحرم، وإلا فيحرم، إذ لا محمل غير الحق الشرعي، أو التلاعب وكلاهما حرام. قاعدة: كل عين ثبت لمن هي تحت يده حق حبسها ليستوفي ما وجب برهنها، أو بسبب العمل فيها، لا يجوز لمالكها بيعها بغير إذن صاحب اليد إلا بعد وفاء الحق. وفيه نظائر: منها: المرهون. ومنها: الصباغ إذا صبغ الثوب؛ فإنه لا يصح بيعه قبل توفية الأجرة. ومنهاك القصار إذا قصر الثوب، لا يجوز بيعه، قبل توفية الأجرة. إن قلنا: القصارة عين - وإن قلنا: أثر؛ فلا حق له في حبسها. ومنها: لو استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا، وسلمه إليه أو صائغا على عمل ذهب   1 في "ب" الموصي. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ونحوه فليس له بيعه ما لم يقبضه -صرح به المتولي وغيره- لأن له حبسه إلى أن يعمل فيه ما يستحق به العوض. وعليه يخرج ما قبل -في بيع الأشجار المساقي عليها- أنه لا يصح؛ لأن المساقاة عقد لازم، وقد استحق العامل أن يعمل فيها ما يستحق به أجرا. ومن خرجها على بيع العين المستأجرة؛ فقد غفل عن ملاحظة هذا الأصل. سؤال: لعلك تقول: هذه القاعدة ترد نقضا على قولنا: "شرط المبيع أن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسليمه. مملوكا لمن وقع العقد له "فإن هذه الشروط موجودة في الثابت حق حبسها، ثم لا يجوز بيعها، فالتعريف -إذن- غير مطرد. والجواب: أنا ذكرناه خارجا عن1 شرط القدرة على التسليم؛ فإن عدم القدرة قد يكون حسيا، وقد يكون شرعيا، كالمرهون. واعلم أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، وهذه الأوصاف ليست تعريفا للمبيع، ولكن شرائط له ولذلك تجتمع. ثم لا يجوز البيع في صور. منها: الأضحية إذا أهدى لحمها إلى غني، أو تصدق به على فقير فإنه يملكه، وله التصرف فيه بالهبة والهدية - دون البيع. أصل مستنبط: إذا تعلق بشيء واحد حق اثنين فصاعدا؛ فهل نقول: كل منهما يستحقه على التمام والكمال -ولكن ضرورة الازدحام أدت إلى التناصف، أو إنما يستحقه بقسطه منه؟ وكان الشيخ الإمام رحمه الله يتردد فيه، ويرجح الأول وينصره، وقد ذكره في باب الوقف، وفي أماكن من نظائره حتى انتهى إليه بصره، وأطنب في تقريره في كتاب موقف الرماة.   1 في "ب" خارجا بشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ورأيت -أنا- بعد وفاته رحمه الله من كلام ابن سريج ما يشهد له في كتاب "النهاية" في باب الأقضية واليمين مع الشاهد عندما ذكره ما إذا وقف على أولاده1، ثم أولاد أولاده وكانوا ثلاثة الوقف يصرف أثلاثا؛ فتجدد ولد وولد فصار أرباعا؛ فإن حلفوا وقفنا ربع الوقف من حين ولادته وبقينا في يد الحالفين ثلاثة أرباعه كما كان؛ فإن بلغ ونكل عن اليمين، قال الإمام: فالمنصوص للشافعي أن ما وقفناه مردود على الأولين، فتعود القسمة أثلاثا كما كانت ويخرج هذا الجديد من البين. وقال المزني: "الربع الموقوف يصرف إلى الأولين؛ فإنهم لا يدعونه بل هم معترفون أنه للولد الجديد، وقد تعذر الصرف إليه بسبب نكوله". إلى أن قال: "والمقدار الذي ذكره الأصحاب لنصرة النص ما حكوه عن ابن سريج؛ فإنه قال: كان الأولون مستحقين جميع الوقف قبل وجود هذا المولود فإذا وجد دخل استحقاقه على الأولين دخول العول وكل استحقاق يطرأ على استغراق فهكذا يكون ثم استحقاق العول يوجبه التصرف إلى المستغرقين إذا [تعذرت] 2 جهة العول، وهذا يناظر الديون والتركة إذا كانت التركة ألفا والدين ألف؛ فهي مصروفة إلى الدين؛ فلو ظهر ألف آخر التركة بينهم؛ فلو أسقط صاحب الدين الظاهر حقه، فصاحب الأول يستغرق حقه "انتهى". وهو نص في مذهب الشيخ الإمام، ورددت لو وقفت عليه في حياته؛ لأدخل على قلبه سرورا بإيقافه عليه. على أنه نقل في كتاب موقف الرماة يقرب منه. وفي القاعدة فروع: منها: إذا حمى الإمام أرضا، فدخل واحد من الرعية فرعاه ومنع غيره قال القاضي أبو حامد: "لا يعزر والناس يسشكلون هذا، وحمله الوالد -رحمه الله- على أن موضع انتفاء التعزير كونه استيفاء، ووجهه أنه إنما استوفى حقه قال: ولا تقول بأنه مشترك حتى يكون كالتصرف في العين المشتركة فيعزر بل هو يستحقه وغيره أيضا يستحقه. قال: وأما منعه الغير فيعزر عليه. ومنها: لو زال ملك المشتري ثم عاد بعوض وأفلس؛ فهل حق الرجوع في عين المبيع للبائع الأول -بسبقه- أو للثاني- لقرب حقه- أم يشتركان ويضارب كل بنصف   1 في "ب" أولاد أولاده. 2 في "ب" تعددت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الثمن؟ فيه أوجه لا تصحح للمشايخ الثلاثة -الرافعي والنووي والوالد- فيها، والأرجح عندي الثاني، وذكر الإمام في النهاية أنه لقياس، وعلى الثالث إنما اشتركا لثبوت الحق لكل منهما على التمام بدليل أنه لو عفى الأول كان الحق للثاني -وجها واحدا- صرح به الإمام "في النهاية". قال: لو عفا الثاني فهل للأول الرجوع؟ فيه وجهان مبنيان على ما لو زال، وعاد بلا عوض. قلت: والقول بأن الحق للأول إنما هو بناء على ذلك، كما هو مصرح به في الرافعي وغيره. فخرج من هذا أن الأول -أيضا عند عفو الثاني الأخذ؛ لأنا إنما نفرع على ثبوت أصل الرجوع له. ومنها: في الشفعة. قاعدة: "كل تصرف يستقل به الشخص ينعقد بالكناية مع النية" كالطلاق والعتاق والإبراء والظهار والنذر. وكل تصرف يحتاج إلى الإشهاد كالنكاح والبيع المشروط فيه الإشهاد والرجعة، على الخلاف في احتياجها إلى الإشهاد وحكم الحاكم لا يحتاج إلى1 الكناية إلا إذا توفرت القرائن في البيع المشروط في الإشهاد على الظاهر -عند الغزالي- وإليه مال الرافعي حيث توقف في قول الأصحاب: الشهود لا اطلاع على النيات -معتلا بأن القرائن ربما تتوفر فتفيد الاطلاع على ما باطن الغير. وعندي أن الجريان على كلام الأصحاب أصح؛ فإنه لا انضباط للقرائن وبهذا صرح الإمام في كنايات الطلاق قائلا: ليس من قواعد الفقه فتح أمثال هذا، وهو في القصود عسر جدا، فحسمنا هذا الباب حسما. ولا يعارضه ما نقله عنه الرافعي1 من أن الخلاف في انعقاد البيع بالكناية مع النية محله إذا عدمت القرائن فإن توفرت وأفادت   1 في "ب" زيادة في البيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 التفاهم، وجب القطع بالصحة؛ لأن هذا في غير البيع المقيد بالإشهاد، فإن في الإشهاد تقييدا ليس فيما بين المتخاطبين. ولا يؤيده ما نقله عند الرافعي -أيضا- في البيع من أن النكاح لا يصح بالكناية -وإن توفرت القرائن- فإن النكاح تقييدا واحتياطا- يزيد على ما في البيع المقيد بالإشهاد. فالصور ثلاث. النكاح: ولا ينعقد وإن توفرت القرائن، لما فيه من الإشهاد ومن الاحتياط له. والبيع المقيد بالإشهاد: يشابه النكاح -من حيث اشتراط الإشهاد- وينحط عنه من حيث أنه لا يطلب فيه من الاحتياط ما يطلب في النكاح؛ ففيه يقول الغزالي: الظاهر -عند توافر القرائن- الصحة والظاهر- عندنا- خلاف ما يقوله: ومطلق البيع: وفيه يقول الإمام: "إذا توفرت القرائن قطع بالصحة؛ إذ لا إشهاد، ولا احتياط والمتخاطبان أعرف بما يدور بينهما". قاعدة: مترددة في كلام الأصحاب وبسط الإمام القول فيها في أوائل كتاب الطلاق": كل ما كان صريحا في بابه، ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره ولا صريحا فيه1. وهذه الزيادة -وهو قولنا: ولا صريحا فيه- زيادة لم يصرح بها الإمام؛ ولكن اقتضاها كلامه، وسبب كون الشيء لا يكون صريحا نافذا في مكان- ثم يكون صريحا أو كناية -في آخر- أنه مع الصراحة ووجود النفاذ، عامل عمله لا سبيل إلى دفاعه. قال الإمام: "وإذا كان كذلك؛ فيستحيل أن يكون كناية منوية في وجه آخر"، ثم أورد على نفسه أنه لم لا يجمع بين المعنيين، وأجاب بأن صلاحية [اللفظ] 2 لمعنيين لا يقتضي اجتماعهما، قال: "وكذلك القول في لفظ مشترك". وقرر الإمام -رحمه الله- هذا في النهاية؛ فذكره في باب الوصية وغيرها وذكره أيضا في الطلاق -بعد هذا المكان بأوراق- فقال: "لا مطمع في تحصيل معنيين   1 الأشباه والنظائر ص295، المنثور 3/ 146، 2/ 311. 2 في "ب" اللفظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 بلفظ واحد، هذا ما لا سبيل إليه -وإن جرد القاصد قصده إليهما جميعا- لأن اللفظ الواحد لا يصلح لمعنيين جميعا إذا لم يوضع في وضع اللسان1 انتهى. قلت: وقد جرى بيني وبين الشيخ الإمام رحمه الله بحث طويل في هذا عندما قرأت عليه مسألة ما إذا أوصى بعود من عيدانه في باب الوصية -فقلت له: لعل هذا من الإمام بناء على أن المشترك لا يحمل على معنييه؛ وإلا فكيف يقال: لا يصلح؟ فكان من جوابه ما لا يحضرني تفصيله؛ غير أني على يقين بأنه انتصر لكلام الإمام وزعم أنه ليس من مسألة الحمل في شيء، ولا يتبين لي الآن ذلك. والأولى -عندي- أن يتوجه كون: اللفظ لا يكون صريحا في شيئين مما ذكره الإمام في "النهاية" بعد ذلك. وحاصله أن الصراحة تتلقى من الشيوع، قال: والشيوع أن لا يستعمل في اطراد العادة إلا في معنى، ومتى شاع في معنى لم يتصور أن يشيع في آخر مع اتحاد الزمان والمكان. قال: وهو بمثابة إطلاق الغلبة في النفوذ؛ فالغالب هو الذي يندر التعامل بغيره، ويستحيل تقدير الغلبة في نوعين؛ فإن قصاراه يجر تناقضا -وهو أن يكون كل منهما أغلب من صاحبه. قلت: وقوله: "يستحيل تقرير الغلبة في نوعين" لا ينازع فيه قول الأصحاب: إذا غلب نوعان من نقد. فهذا [تقرير] 2 كون اللفظة لا تكون صريحة في موضعين. ومن ثم قال بعض مشايخنا: "والصريح اللفظ الموضوع، لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق". وأما كونها لا تكون صريحة في موضع كناية في آخر إذا قصد الأمران [معا فلا] 3 يتبين لي وجه استحالته، وليفرض ذلك في زوج أمه وكله مولاه في عتقها؛ فقال: أنت طالق، وأراد مع الفراق حريتها وطلاقها من وثاق الرق. وقد احتج الإمام في كتاب المساقاة -لقولنا، إنه لا تصح المساقاة بلفظ الإجارة   1 في "ب" زيادة للجمع. 2 في "ب" تقرر. 3 في "ب" متغافلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ولا عكسه- "بأن كل لفظ صريح استعمل في مكان إمكان استعماله، لم يجز أن يصرف بالنية إلى غيره، كالطلاق، لا يصرف إلى الظهار؛ إذ [لا يمكن] 1 تنفيذه طلاقا وعكسه". وسأل عليه الشيخ الإمام رحمه الله فقال لم لا ينفذ في الآخر بالنية إذا تعذر حمله على موضوعه لعدم شرطه؟ ثم أجاب بأن بين الإجارة والمساقاة تنافيا، أو تغايرا، وما كان كذلك لا يصح أحدهما بلفظ الآخر، كالبيع بلفظ السلم؛ فإن الإجارة على العمل في الشجر غير مرتبطة بشيء آخر، والمساقاة على صلاح الثمرة بواسطة العمل في الشجر. قال: وكذلك رجح الأصحاب اعتبارا اللفظ -وإن أجروا الخلاف- نظرا إلى أنه هل يعتبر اللفظ أو المعنى؟ ومثال ذلك لفظ الطلاق؛ فإنه صريح في بابه، فإذا خاطب به امرأته وقال: أردت الظهار، لم يقبل لصراحته في إزالة قيد النكاح -مع وجود نفاذا في موضوعه- فلا يكون صريحا في الظهار، ولا كناية. واحترزنا بقولنا: "وجد نفاذا" عن مثل قوله لزوجته: "أنت حرة"، إذا نوى به الطلاق، فإنه يقبل، ويقع عليه الطلاق؛ لأن "حرة" صريح في إزالة قيد الملك ولكن لم يجد -هنا- نفاذا لأن الزوج لا يملك زوجته فجعل كناية في الطلاق إذا لم يجد نفاذا في بابه وهو إزالة قيد الملك. ثم يتسثنى من [هذه] 2 القاعدة مسائل: منها: إذا قال: "أنت حرام" ونوى به الطلاق أو الظهار؛ فإنه يقع ما نوى -على المذهب- مع أن المذهب أن لفظ الحرام صريح في إيجاب الكفارة. ومنها: لو أسلم على أكثر من أربع؛ فقال لبعضهن فسخت نكاحك -ونوى الطلاق- قبل: وإن وجد نفاذا -بدليل أنه لو أطلق- حمل على الفسخ. ومنها لو أسلم على أكثر من أربع؛ فقال لإحداهن "فارقتك" فالذي رجحه الرافعي، والنووي، والوالد أنه فسخ -وإن كان لفظ الفراق من صرائح الطلاق- وهو الذي قاله الشيخ أبو حامد، ونصره ابن الصباغ. وقال القاضي أبو الطيب: "بل هو   1 في "ب" امكن. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 اختيار للزوجية لم يقع به الطلاق، [لاستلزامه] 1 إياه". ورده عليه بالحديث؛ ففيه "وفارق سائرهن". والحق -عندي- ما قاله الأولون من أنه فسخ، ولا يرد أنه صريح في الطلاق ووجد نفاذا في موضوعه؛ بل أنا أمنع صراحته في هذا المكان في خصوصه وأظن أن ابن الصباغ أشار إلى هذا بقوله: "فيكون حقيقة فيهما، ولكن يخصص بالموضع" وهو كلام حسن، والقصد يذكر في قسم أصول الفقه في حمل المشترك على معنييه المتضادين. ومنها: إذا قال: "أنت حرام كظهر أمي" ونوى الطلاق بالمجموع كان طلاقا -على المذهب- مع أن المذهب أنه إذا أطلق كان ظهارا. ومنها: لو أسلم على أكثر من أربع، وقال لإحداهن: "أمسكتك"؛ فإنه صريح في اختيارها -مع صراحته في الرجعة. ومنها: لو قال أحلتك على فلان بكذا، ثم اختلفا؛ فقال المحيل وكلتك، وقال المحتال بل أحلتني، فالصحيح أن القول قول المحيل -مع أنهما اتفقا على جريان لفظ الحوالة. قاعدة: قال النووي في زيادة الروضة -قبيل باب حكم المبيع قبل القبض وبعده. قال أصحابنا: إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب خيار المجلس، والشرط، والعيب، وخلف المشروط المقصود، والإقالة والتحالف، وهلاك المبيع قبل القبض -قال الشيخ الإمام رحمه الله في تكملة شرح المهذب: وبقي عليه رجوع البائع عند إفلاس المشتري قال وله أن يلحقه بالبيع2 قال: ولكن مثل هذا التكليف يقتضي عد العيب والخلف شيئا واحدا؛ فالوجه جعل ذلك قسما آخر "قال: وبقي أيضا تعذر إمضاء البيع، كما في اختلاط الثمار، وبيع الصبرة بالصبرة المخالفة لها -مكايلة- على خلاف فيهما قال: وأما التصرية فملحقة -عند الأكثرين- بالعيب، عند بعضهم بالخلف فلم تكن خارجة عنهما، وأما الخيار الحاصل بسبب الأخيار في المرابحة فهو راجع إلى العيب؛ لأنه كالعيب في المبيع". قلت: ويدخل في خيار العيب خيار تفريق الصفقة، وفي خلف المشروط المقصود خيار الامتناع من العتق المشروط.   1 في "ب" لا يستلزم. 2 في "ب" البيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وبقي عليهما مسائل: منها: إذا اشترى غائبا -رآه قبل العقد- وهو مما لا يتغير؛ فوجده متغيرا فالمذهب: أن العقد صحيح وله الخيار. قال الإمام: وليس المراد بتغييره حدوث عيب؛ فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية فكل ما فات منها؛ فهو كتبين الخلف في الشرط. قلت: وقد يقال: هذا الخيار راجع إلى الخلف. ومنها: إذا أجبر المشتري على تسليم الثمن وكان غائبا فوق مسافة القصر، والصحيح أن للبائع فسخ البيع، لتعذر تحصيل الثمن. ومنها: الخيار الثابت في البيع الغائب عند رؤيته على القول ببيع الغائب. قاعدة: القول قول مدعي صحة العقد دون فساده خلافا للبغوي. وقد يقال: الأصل في العقود الصحة. ونعني بالأصل -هنا- الظاهر. وتردد الشيخ الإمام والدي رحمه الله في كتابه "التحقيق" أن تصرفات الشخص في العقود هل الأصل فيها الصحة إلا ما دل الشرع على فساده بمعنى أن الشارع أقر معاملات الناس على ما يتعارفون ومنعهم من بعضها، أو الأصل الفساد إلا ما دل على صحته؟ قال: وهذا هو الراجح؛ لأن الصحة حكم شرعي فمن ادعى [ورودها] 1 من الشرع في التصرفات كلها، ثم استثنى بعضها فعليه الدليل، أيضا يلزمه التخصيص وهو خلاف الأصل. نعم: لا يقال: إنه فاسد؛ لأن الفساد حكم شرعي؛ فلا بد من دليله، بل نقول: باق على حكم الأصل.   1 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 انتهى ملخصا. وقد يقال: إنه معارض لقول الأصحاب: "الأصل الصحة" وجنوح إلى اختيار صاحب التهذيب الذي سنحكيه. وليس كذلك: فإن مورد الكلامين مختلف؛ فما قاله "في التحقيق" معناه أن العقود الجارية بين الناس -وإن لم يجر فيها تنازع بين المتعاقدين- أصلها الصحة أو الفساد؟ فنقول: دعوى كل واحد من هذين الأمرين يحتاج إلى دليل. فإن قلت: فلم ترددتم في قول القائل "والله لا بعت هذا" هل يحمل على الصحيح، أو على أعم منه ومن الفاسد. قلت: المأخذ غير ما نحن فيه؛ فالتحنيث بالفساد لكونه يسمى بيعا وعدم التحنيث به لأن الإطلاق محمول على ما يتبادر إلى الذهن عرفا، وهو الصحيح. ومعنى قولهم في باب اختلاف المتبايعين: "القول قول مدعي صحة العقد -إذا تنازع المتعاقدان في العقد الواقع بينهما- أوقع على وجه صحيح، أو فاسد؟ والصحيح -فيما علمت- من أن القول لمدعي الصحة، وفيه كلامان: - أحدهما، أن مدعي الصحة، قد يجزم بقوله كما إذا اختلفا في صفة المعقود عليه؛ فقال أحدهما هو حر الأصل، وأنكر الآخر، لأن قول مدعي الفساد لم يعتضد بأصل، ولا ظاهر. وقد يختلف فيه، كما إذا تنازعا في صفة العقد فادعى أحدهما انضمام شرط مفسد -كخيار مجهول- قال الشيخ الإمام: فهذا محل الخلاف. وقد يكون الاختلاف في وجود شيء -وقوعه شرط لصحة العقد- كالرؤية فمنهم من جعله على الخلاف- وهي طريقة النووي- ومنهم من قال: -هنا- القول قول من نفاه لاعتضاده بالأصل- وهي طريقة القاضي الحسين؛ فإنه يقول: القول قول نافي الرؤية- مع قوله في أصل القاعدة: إن القول قول مدعي الصحة. والشيخ الإمام الوالد رحمه الله ذكر المسألة في أوائل البيع، ولم يذكر لنفسه اختيارا ثم ادعاها في أواخر اختلاف المتبايعين، وجرى مع النووي في باب اختلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 المتبايعين على ما صححه على ما يظهر من كلامه، ثم أفصح في باب الصلح بأن الذي يظهر أن القول قول منكر الرؤية. قلت: وبه جزم الروياني في البحر -في أوائل البيع من تفاريع قول الغائب. قال الوالد: رحمه الله؛ وإنما يقوي قول مدعي الصحة إذا تعارضا، وليس مع أحدهما مرجح. فصارت المراتب عنده ثلاثا، وفي الثالثة منهما لا يقبل قول مدعي الصحة والذي قاله هو الأرجح عندي. غير أني أقول للاختلاف صورة رابعة، وهي أن يقول أحدهما: وقع بيننا عقد صحيح -ولا بينة- ويقول الآخر: بل فاسد. وفي هذه أيضا يظهر ترجيح قول مدعي الصحة، وأرجو أن لا يكون فيه خلاف. وهنا مسائل قد يعتقد أنها مستثناه من قولنا: إن القول لمدعي الصحة ذكرتها في التوشيح. منها: مسألة الرؤية هذه. ومنها: عكسها -قال المشتري رأيت، وقال البائع لم تر. أفتى صاحب البيان بأن القول للبائع، وخالفه بعض أهل عصره. ومنها: إذا باع ذراعا من أرض -يعلمان ذرعانها- وادعى البائع أنه أراد معينا؛ فالعقد فاسد وقال المشتري: بل مشاعا؛ فالعقد صحيح فأصح الاحتمالين في "الروضة" تصديق البائع. ومنها: إذا اختلفا هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف؛ فالصواب في "الروضة" تبعا لابن كج تصديق مدعي الإنكار لأنه الغالب. ومنها: قال الجرجاني فيما إذا قال المشتري يعني بهذا العصير -وهو خمر- "أن القول لمدعي الفساد" وخرجه الرافعي على الخلاف؛ فعلى الترجيح لا استثناء. ومنها: إذا باع عبدا، وقال: كنت اغتصبه ولم يكن جرى في كلامه أنه ملكه، وأقام بينة، سمعت على النص ورجح الشيخ الإمام إذا كان للبائع عذر. ومنها: وهب الغاصب المغضوب من إنسان، ثم قال: أعلمتك أنه مغصوب وأنكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 قال الماوردي: يقبل قول الغاصب؛ لأنه أنكر عقد الهبة - على الصحة. قال الوالد: رحمه الله: والمختار أنه لا يقبل وهي مسألة الاختلاف في الصحة والفساد. قلت: إذا كانت هي فلا استثناء، ويكون الماوردي قائلا بأن القول لمدعي الفساد. غير أني أقول: قد يقول هنا -بالفساد من يقول بالصحة ثم؛ فإنها من غاصب؛ فهي فاسدة بكل تقدير، فتصديقه في أنه أعلم مخالفة للأصل بلا سبب. ومنها: إذا قال السيد: كاتبتك على نجم واحد، وقال العبد: بل على نجمين قال في "التهذيب" القول قول السيد مع يمينه؛ لأنه يدعي الفساد العقد وسكت عليه الرافعي، وخرجه النووي على الخلاف في الصحة والفساد. قلت: والأمر كذلك. وقد علل البغوي - في "التهذيب" ما قاله، بأنه يدعي الفساد فجرى على أصله؛ فلا استثناء لهذه المسألة إلا من قبل سكوت الرافعي عليها، مع موافقته في أصل القاعدة على أن القول لمدعي الصحة، واعتراضه به من عدل عنه مرات. ونحن لا [نذكره] 1 في هذه؛ إلا ما نظن أنه مستثنى منها، لا ما هو جار على طردها، وإلا لذكرنا ما لو قال: بعتك بألف وزق خمر، أو قال: شرطنا شرطا فاسدا، وأنكر الآخر "فإن خلاف الصحة والفساد". ولو اشترى مائعا، وجاء بظرف فصبه البائع فيه ووجدت فيه فأرة ميتة فقال المشتري أنها كانت في المبيع، وقال البائع: كانت في ظرفك؛ فقد قال الرافعي -في آخر الرهن: هذا اختلاف في أن العقد جرى فاسدا أو صحيحا. قلت: ومسائله تكثر؛ فلا تطيل بعدها، فلنعد لك عد ما نظن من المستثنيات فنقول. ومنها: قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون، أو أنا محجور وأنكر العبد، جزم الرافعي -تبعا لصاحب التهذيب بأنه إن عرف له جنون، أو حجر سابق قبل قوله، وإلا، فلا. قلت: وهو [يوافق] 2 المجزوم به في الإقرار، فيما إذا:   1 في "ب" نذكر. 2 في "ب" موافق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 قال المقر: كنت صغيرا، أو مجنونا، وفي القصاص، فيما إذا قال: كنت صغيرا، وفي الكناية، إذا اختلف السيد والعبد، هكذا. ومنها: قالت المرأة: "وقع العقد بغير ولي ولا شهود" وأنكر الزوج. قال القاضي مجلي: "فالقول قولها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد وصوبه الشيخ الإمام وقال: إنه الحق، وإنه لا يخرج على الاختلاف في الصحة والفساد. قال: لأن إنكارها الولي إنكار1 لأصل العقد بالكلية. ومنها: زوج أخته. ومات الزوج؛ فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير إذنها، وقالت: زوجني بإذني فالقول قولها، وحاول الرافعي تخريجها على الصحة والفساد، وتبعه النووي وصححه الشيخ الإمام؛ فهذا مما جزم فيه بالصحة وليس من مسائل النزاع. ومنها: اعتراف الراهن بأنه مرهون [بعشرين] 2، ثم ادعى أنه مرهون بعشرة بعد عشرة، وقلنا -بالصحيح- إنه لا يرهن المرهون عند المرتهن بدين آخر، وقال المرتهن: [بل] 3 فسخنا واستأنفنا رهنا بعشرين. قال الشيخ الإمام: "المختار" أن القول قول المرتهن خلافا للبغوي ورتب البغوي على هذا أنه لو شهد شاهدان أنه رهن بألف ثم بألفين، لم يحكم بأنه رهن، ما لم يصرحا بأن الثاني كان بعد فسخ الأول، قال الشيخ الإمام: "والوجه تخريجه على دعوى الصحة والفساد". قاعدة: كل دين ثابت في الذمة -ليس بثمن- يجوز الاعتياض عنه، إن كان ثمنا في الأصح، وإن لم يكن ثمنا قطعا. ادعى نفي الخلاف فيه الرافعي، والنووي -والشيخ الإمام رحمهم الله ومثلوا له بدين القرض والإتلاف، ثم قالوا جميعا -بعد سطرين- وفي الشامل أن القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه، أما إذا بقي في يده، فلا؟ لأنا إن قلنا: إن القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة؛ لأن للمقرض أن يرجع في عينه. وإن قلنا: يملك بالتصرف، فالمستقرض مسلط عليه، وكذلك يوجب ضعف ملك القرض، فلا يجوز الاعتياض عنه انتهى.   1 في "ب" زيادة الأصل. 2 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وحذف في الروضة التعليل، والصحيح أن القرض يملك بالقبض، قال الشيخ الإمام: "ودعواه عدم استقراره -حنيئذ- ممنوعة، واستدلاله بغرض الرجوع منقوضة بهبة الولد". قلت: ثم دعوى الرافعي ومن بعده: نفي الخلاف عما ليس بثمن ولا مثمن منقوضة بمسائل غير القرض، منها وجهان حكاهما الماوردي في جواز أخذ القيمة -مع وجود المثل- عند ضمان المثل بالتراضي- وبناهما على أخذ الأرض عن العيب مع القدرة على الرد، قال الوالد رحمه الله- وفيه نظر؛ لأن مأخذ المنع -هناك- أنه أخذ عوضا عما ليس بمال، وهو سلطنة الرد. "وهنا: إن كان الثابت المثل؛ فهو مال وليس، بثمن ولا مثمن فيجوز الاعتياض عنه قطعا. فلما جرى الخلاف وإن كان الثابت سلطنة طلب المثل، فلا دين في الذمة. ومنها: في جواز الاعتياض عن الإبل الواجبة في الدية بلفظ الصلح، وبلفظ البيع وجهان، ويقال قولان، أصحهما المنع. تنبيه: إطلاقنا أن الثمن يجوز الاعتياض عنه، تبعنا في الرافعي والنووي؛ فقد عزيا إلى الجديد جواز الاعتياض عنه، واقتضى كلامهما أنه مطلق -سواء فيه العرض والنقد. هذا قضية كلامهما. في اليبع وقضية كلامهما في باب الكناية، تقييده بالنقد، وأن العرض لا يجوز الاعتياض عنه. وهذا ما رجحه الوالد رحمه الله كما دل عليه كلامه في باب الشفعة، وقال "العوض خمسة". معين: لا يجوز الاستبدال عنه ثمنا كان أو مثمنا -قبل قبضه؛ لأن عينه مقصودة. وثمن في الذمة -نقد: يجوز الاستبدال عنه في الأصح، والمعنى فيه أن المقصود ماليته، لا عينه، وعليه دل حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ومسلم فيه، لا يجوز الاعتياض عنه، ودليله، حديث ضعيف، وعموم النهي عن بيع ما لا يقبض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ومبيع في الذمة ليس سلما كاشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم إذا جعلناه بيعا؛ ففي جواز الاعتياض عنه طريقتان مذكورتان في السلم والقطع بالمنع هي الصحيحة عندي؛ لأنه مقصود الجنس، فأشبه المبيع المقصود العين. انتهى ملخصا. قاعدة: "كل عقد تعاقد عنه مقصوده، بطل من أصله" وإلى هذه. قاعدة: الفعل والفاعل، والمفعول: أشياء متباينة -لا يمكن اتحادها وكذلك الخطاب والمخاطب" والمخاطب. ومن ثم لا يبيع من نفسه، لئلا يتحد الموجب والقابل؛ فليس يتحد موجب وقابل ولا مقرض ومقترض، ولا مطلق ومطلق، ولا معتق ومعتق، ولا متصدق ومتصدق عليه، ولا مستوف ومستوفي منه، ولا ساتر ومستور، ولا سواك ومستاك، ولا ساجد ومسجد -بفتح الجيم- أي موضع السجود ولا قابض ومقبض. وهذه -في الحقيقة- قواعد، لا قاعدة واحدة نقدم الأخيرة منها لتكررها على ألسنة الفقهاء، فنقول: قاعدة: "لا يتحد القابض والمقبض". ومن ثم لا يبيع الوكيل من نفسه -ولو كان أبا للموكل- على الصحيح ومسائله كثيرة. وفي القاعدة تنبيهان: أحدهما: أنه يستثنى منها مسائل. منها: الأب والجد في حق الصغير. ومنها: المبيع إذا كان في يد المشتري، استثناه الرافعي. ومنها: أجر دارا، وأذن للمستأجر صرف أجرتها في عمارتها والدار -وقت العمارة- منتفع بها؛ فهو شرط صحيح؛ صرح به الرافعي في أوائل الإجارة، وقال ابن الرفعة: "لم يخرجوا ذلك على اتحاد القابض والمقبض1. وكأنهم جعلوا القابض المستأجر يتسلط على التصرف فيما قبضه لنفسه، فإن قدرنا مع ذلك وكيلا عن الآخر في القبض وقابضا لنفسه، لزم اتحاد القابض من المستأجر وإن لم يكن معينا كالوكيل عن الآخر وكالة ضمنية.   1 في "ب" زيادة قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قلت: لكن القابض من المستأجر يتسلط على التصرف فيما قبضه لنفسه؛ فإذا قدرناه مع ذلك وكيلا عن الآخر في القبض وقابضا لنفسه لزم اتحاد القابض والمقبض. ومنها: يجوز تسلف الإمام الزكاة، وإذا تسلفها -بسؤال المالك والمساكين فتلفت في يده؛ فالأصح تتلف من ضمان المساكين، ولا وجه لصحة قبض الإمام -في هذه الصورة- وجعلها من ضمان المساكين إلا بالبناء على جواز اتحاد القابض والمقبض. التنبيه الثاني: المانع من اتحاد القابض والمقبض ونظائره، أنه لا يعقل كون المرء طالبا ومطلوبا، وقريب منه: إن المرء لا يكون مأمورا بشيء، أو محكوما فيه بشيء، ثم يكون هو ذلك الشيء، أو بعضه، لئلا يتحد المأمور، والمأمور به أو يكون بعض المأمور هو المأمور به، أو المنهي، أو نحو ذلك؛ وذلك محال وإليه الإشارة بقولنا: لا يتحد ساتر ومستور، وسواك ومستاك، وساجد ومسجد، ونحوه، ومن ثم لا يؤمر المرء يقطع عضو من أعضاء نفسه ونحو ذلك، وقد يفترق الحال بين ما يتعاطاه المرء بنفسه وبين ما يتعاطاه بغيرهن؛ فيجعل الغير بالنسبة إليه كالآلة وذلك في مسائل: منها: لا يجوز استياك المرء بأصبع نفسه، ويجوز بأصبع [الغير] 1 الخشن على الأصح. ومنها: لا فدية على المحرم إذا غطى رأسه بكف نفسه، وفي كف غيره وجهان؛ أصحهما لا فدية، ووجه الفدية أن كف غيره كالآلة له؛ بخلاف كف نفسه؟ [لأنها] 2 بعضه فتكون بعض المحرم عليه؛ فلا تكون محكوما [بها] 3 لئلا يتحد المحكوم به وعليه. ومنها: يجوز أن يسجد على كف غيره؛ ذكره الرافعي في الحج في الإحرام وهذا بخلاف كف نفسه. فروع الموجب والقابل: منها: الوكيل في البيع، لا يبيع من نفسه على الصحيح -ولو قال: بع من نفسك- وثالثها الفرق، ولا يشتري من نفسه، وفيه الأوجه. ومنها: لو وكل في طرفي النكاح فقيل: بالمنع: وقيل: على الخلاف.   1 في "ب" بغيره. 2 في "ب" فإنها. 3 في "ب" به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ومنها: الخلع: وفيه خلاف في البيع، وأولى بالمنع. ومنها: لا يزوج الولي المرأة من نفسه؛ خلافا لأبي يحيى البلخي. ومنها: هل له تزويج أمته من عبده الصغير، إذا جوزنا أن له إجباره فيه وجهان. ومنها: إذا وكله أن يصالح من نفسه؛ فوجهان -في البحر إذا عين له ما يصالح به؛ فإن أطلق لم يجز له أن يصالح إلا على شيء تبلغ قيمته قدر الدين. ومنها: قال المحاملي: لو قال كاتب نفسك على نجمين فعلى هذين الوجهين. فروع المقرض المقترض في مؤنة الرهن، وعامل المساقاة وهرب الجمال وناظر الوقف، ومؤنة اللقظة ومؤنة تعريفها في مؤنة الرهن، وعامل المساقاة وهرب الجمال وناظر الوديعة، ونفقة الأم على الولد، وكذلك1، الجدة، وأجرة سكنى المعتدة، وأكل الطعام في المخمصة، وكل ذلك للضرورة. واختصاصه بالضرورة ينبهك على خروجه عن القواعد. قال الشيخ عز الدين في أكل طعام الغير في المخمصة: "أقام الشرع المضطر في المخمصة مقام مقرض ومقترض ولك أن تقول: أو جعل هذا الإتلاف، وألزمه -بسببه- الضمان ولا حاجة إلى تقدير فرض، وبالجملة. الموضع موضع ضرورة -فليغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره. فروع المطلق والمطلق، والمعتق والمعتق. فروع المتصدق والمتصدق عليه. فروع المستوفي المستوفى منه. مسألة: أذن المؤجر للمستأجر في صرف الأجرة في العمارة، توكيل الدائن المديون في استيفائه، ومستحق القصاص من عليه القود -نفسا أو طرفا- والإمام السارق في قطع اليد. وفي الكل وجهان؛ حكى الإمام آخرهما في توكيل الجاني ليجلد نفسه، واستبعده -من جهة أنه متهم في إيلام نفسه- قال الرافعي: والمذهب في الكل المنع. قلت: وأقرب الكل إلى الصحة استيفاء الدين؛ إذ لا محذور فيه والصور مشتركة في اتجاه المستوفي والمستوفى منه غير أن بعضها ليس فيه زيادة على ذلك فيسهل   1 في "ب" وكذا الجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 أمرها؛ وذلك كاستيفاء الدين، وبعضها فيه زيادة على ذلك، وهي إذن المؤجر للمستأجر في العمارة؛ ففيه -مع اتحاد المستوفي والمتسوفى منه- يمكنه من الصرف وهي زيادة سهلة -قد تحتمل- وأما قطع الطرف فأشد من ذلك، وأشد منه قتل النفس؛ فإن الشرع فيما يظهر لنا -يأبى ذلك، وينبغي أن يقال: لا يصح التوكيل، ولا يجوز لمن عليه القود أن يفعل ذلك بنفسه، وبتقدير الصحة هل نقول: إنه [يملك] 1 أن يقبض من نفسه بعدما كان ممنوعا منه؟ فيه بحث يتخرج، أن توكيله فيه [هل] 2 تفويض يقتضى تمليكه هذا الفعل، ونعني بتمليكه إياه جعله مستحقا أن الفعل ذلك بنفسه، وبتقدير جعله تمليكا هل نقول يسقط القصاص عنه؟ فإنه لا يملك على نفسه إزهاقها. وملكه ذلك يقتضي سقوط الحق، وبتقدير كونه كذلك هل نقول: إن التوكيل فيه -وإن بطل؛ فلا يبطل عموم كونه أباح له ذلك؛ فليسقط القود، ويكون هذا التوكيل فيه كالعفو في كل ذلك نظر يجر إلى سقوط القود عمن وكل في استيفائه من نفسه وإن لم يصح التوكيل. وإلى وقوع عتق من وكله مولاه في أن يعتق نفسه، والأقرب إلى كلام الأصحاب أنه لا يعتق، وأن القود لا يسقط. وفي كتاب الوكالة من شرح المنهاج للوالد رحمه الله، لو قال وكلت من شاء في عتق عبدي صح وكذا أفتى فيمن قالت أذنت لمن شاء من عقاد البلد في تزويجي وفرق بينه وبين توكيل من شاء في البيع: فإن البيع يتعلق الفرض فيه بعين البائع. ولو تم ما قلته -أنا- من البحث، لكان يمكن أن يقال: توكيل من شاء -بالعتق- إعتاق، وما أظن أصحابنا يسمحون بذلك، ولم يتعرض الأصحاب للتفريع على بطلان الوكالة في القصاص، أنه هل يقع قصاصا والظاهر أنه لا يقع. وفي باب استيفاء القود إلى أن المستحق لا يستقل بالقطع والإذن دون إذن الإمام -فلو فعل وقع الموقع وأنه لو استقل المقذوف باستيفاء الحد -بإذن القاذف أو دونه- ففي الاحتساب وجهان فإن لم يحتسب. [فإن] 3 مات منه، وكان بغير إذنه، وجب القصاص أو بإذنه فلا قصاص وفي   1 في "ب" ملك. 2 في "ب" هو. 3 في "ب" فلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الدية خلاف كذا في الرافعي، ولك أن تقول: قوله إن كان بغير إذنه وجب القصاص إن كان الضرب كما أمر الشارع فهو لا يقبل، وإن قبل فهو شبه عمد فلا قصاص. ومنها: لو وكله في إبراء نفسه؛ ففي الصحة وجهان، قال في البحر وإذا صح فليبرأ على الفور؛ فإن أخر لم يصح. قلت: كأن ألحقه بتفويض الطلاق، وفي الروضة إذا قلنا: إنه تمليك فإنه يشترط إيقاعه على الفور. فروع السابر والمستور، والسواك والمستاك، والساجد [والمسجد] 1 تقدمت الإشارة إليها. وهذه فروع منها: "مطالب هو المطالب، وعاقد هو المعقود عليه ومدع هي المدعي عليه" منها قد يكون مطالبا ومطالبا، فيما لو أجر لمؤجره العين المؤجرة؛ فالأصح الصحة، ثم يطالبه بتسليم العين ويطالب بذلك. ومنها: قد يتحد العاقد والمعقود عليه، فيما لو وكل عبدا أن يشتري له نفسه من مولاه؛ فإنه يصح على الصحيح مطلقا، وقال الماوردي: ظاهر المذهب أنه لا يصح، وفصل القاضي الحسين بين أن يأذن له مولاه. أو، لا. ومنها: لو وكل السيد عبده في بيع نفسه، أو هبتها أو رهنها، أو وقفها. قال الرافعي في باب مداينة العبيد: إن له إجارة نفسه بإذن مولاه وكذا بيعها ورهنها -في الأصح- وفي الكتابة خلاف. ومنها: مدع ومدعي عليه، فيما لو توكلا في الخصومة من الجانبين، قال الرافعي: "الأصح المنع". والمسائل كلها من آثار اتحاد القابض والمقبض، وقد تقدم ذكر ما يستثنى منها. وأما طردها: أعني الصور التي لا يتحد فيها القابض والمقبض، وقد ذكر اتحاد القابض والمقبض في شراء الأب لابنه من مال نفسه وبالعكس، وفيما لو وكل الموهوب منه الغاصب، أو المستعير، أو المستأجر بقبض ما في يده من نفسه.   1 في "أ" المسجود والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وهنا ذكر الشيخ أبو حامد وغيره أنه يصح. وإذا مضت مدة يتأتى فيها القبض بريء الغاصب والمستعبر من الضمان. وفي مؤنة الرهن. إذا قال: كان الراهن غائبا ولا مال له، وقال المرتهن: أنا أنفق وأرجع. وفي عامل المساقاة وفي هرب الجمال. وفيما إذا انهدم الوقف الرافعي: يجوز للإمام أن يأذن للناظر في الاستقراض، أو الإنفاق على العمارة -من مال نفسه، وليس له الاستقراض دون إذن. قلت: ويحتاج إلى الفرق بينه، وبين ولي اليتيم؛ إذ له أن يقترض له. ومنها: مؤنة التعريف في اللقطة: ومنها: نفقة اللقيط. ومنها: إذا احتاجت الوديعة إلى نفقة؛ فأنفق من غير إذن الحاكم إذا لم يقدر على إذنه؛ ففي الرجوع أوجه في "الحاوي" ثالثها يرجع إن أشهد. ومنها: لو خالع بحضانة ولده -وصححناه- فله أن يأمرها بصرف الطعام والشراب لولده. وفي "الشامل" أنه ينبغي جريان خلاف فيه من الملتقظ إذا أذن له في الإنفاق على اللقيط من ماله بشرط الرجوع. ومنها: الطفل إذا امتنع الأب من الإنفاق عليه فأنفقت الأم من مالها -على قصد الرجوع- وأشهدت، رجعت، وإلا. فوجهان؛ كذا قال الرافعي ولعل ذلك إذا لم يكن قاض. ومنها: في نفقة القريب إذا امتنع القريب، في كلام الرافعي أن القريب يستقرض على قريبه، وينفق على نفسه؛ فهذا مستقرض لنفسه على غيره. وقد ذكروا الإشهاد في هذه الصور، ولم يتكلموا على [أنه ما] 1 يشهد -لوضوحه- إلا في المساقاة. قال الرافعي: يشهد على العمل: أو [على] 2 الاستئجار، ويدل الأجرة بشرط الرجوع؛ فإن لم يتعرض للرجوع فهو كترك الإشهاد قاله في الشامل.   1 في "ب" ماذا. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قلت: فليأت نظيره في كل إشهاد، وفي الذخائر -في مسألة الوديعة أنه يشهد في كل نفقة. ومنها: قال القاضي أبو سعد: إذا التقط هريسة فله الخيار بين الأكل والبيع، ثم يعزل القدر مدة التعريف، ثم يتصرف فيها، وقيل: لا يعزلها بل يعرفها بدون ذلك، وهذا قبض من نفسه لغيره. ونظيره من اختلط له درهم بدرهم غيره؛ فيقسم بنفسه -حكى عن ابن عبد السلام وفي المغصوب إذا غصبه مثله. ومنها: في المعتدة المستحقة للسكنى -إذا غاب الزوج ولا مسكن له. قال الرافعي: إن أذن لها الحاكم أن [تكري] 1 المسكن من مالها، أو تستقرض عليه، جاز. ومنها: أجره بقدر من الدراهم، ثم أذن له في صرفها إلى العمارة تقدمت. ومنها: أذن لها الزوج في النفقة من دين له عليها -وهي موسرة- صح، أو معسرة فلها الفسخ؛ لأنها منظرة. ومنها: إذا ظفر بجنس حقه، أوبعوضه جاز له أخذه وبيعه، واستيفاء حقه من ثمنه لمسيس الحاجة، قال ابن عبد السلام: فقد قام في حقه مقام قابض ومقبض، وفي بيعه مقام وكيل وموكل. ومنها: لو أراد أخراج زكاة الفطر عن الصبي ليعود عليه. قاعدة: الاستثناء الشرعي قد يلحق بالاستثناء اللفظي أو الحسي، وقد لا يلحق. والفروع فيه متبددة، ولصاحب التهذيب في الحديثة المساقاة عليها الكلام -سنذكره- استحسنه النووي، واعترضه ابن الرفعة بكلام طويل. ولوالدي رحمه الله تصنيف في قسمة الحديقة عمله [بالديار] 2 المصرية، ثم أملى علي -في الشام- تصنيفا سماه "الرياضة الأنيقة في قسمة الحديقة" اعترض في كل منهما كلام البغوي، وكلام ابن الرفعة، وارتضى لنفسه طريقة نفيسة، وأتى ببديع من القول.   1 في "ب" تكتري. 2 في "ب" في الديار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 حاصلة: أن الاستثناء الشرعي لا يضر؛ سواء كان المستثنى عينا أو منفعة بخلاف اللفظي. وفي كلام الإمام والغزالي والبغوي ما يقتضي إلحاق الشرعي باللفظي، وقد نازعه الشيخ الإمام فيه، وبيانه بصور ذكر -هو- رحمه الله تعالى فيما أملاه علي كثيرا منها، وضممت أنا إليها غيرها. منها: بيع الأمة المزوجة صحيح، ولو باعها فاستثنى1 منفعة بضعها لم يصح. ومنها: "بيع العين المستأجرة صحيح" ولو باع دارا واستثنى منفعتها شهرا، ولم يصح على الصحيح فيهما. ومنها: إذا باع نخله [مؤبرة] 2 وبقيت الثمرة للبائع، ثم حدث طلع جديد في تلك السنة؛ فالأصح أنه للبائع لا للمشتري -مع الاتفاق على صحة البيع. ومنها: إذا باع ما يجز مرارا [كالعنب] 3 والقصب، فجزتها -الظاهرة عند البيع- للبائع، وما يحدث بعد، هل هو للبائع. أو للمشتري؟ وجهان حكاهما الماوردي، مع الاتفاق على صحة البيع. وجزم الرافعي بأن الظاهرة للبائع، والحادثة للمشتري وفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة بوجهين. أحدهما: أن الطلع له حد ينتهي إليه، ولا حد للرطبة. والثاني: أنه لا منفعة للمشتري في قطع الثمرة. وللبائع منفعة في ترك قطعها. والرطبة في قطعها فائدة للمشتري وفي ترك قطعها فائدة للبائع، وبذلك يندفع عن الرافعي الاختلاف في كلامه. ومنها: إذا باع حاملا بولدين، بعد وضع أحدهما وبقاء الآخر مختبأ؛ ففي كون المجتز للبائع أو للمشتري، قولان. نعم: [قال الإمام] : إذا حكمنا بأن الولد للبائع؛ فيجب الحكم بفساد البيع في الأم - على ظاهر المذهب".   1وفي "ب" واستثنى. 2 في "ب" زيادة وعليها ثمرة. 3 في "ب" كالقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وهذا جار على ما اقتضته طريقته من أن الاستثناء الشرعي كاللفظي. ومنها: ذكر صاحب التهذيب، وسبقه إليه صاحب المهذب أن التين والعنب إن ظهر بعضه، فالظاهر للبائع، وغير الظاهر للمشتري وتوقف الرافعي والنووي في هذه الصورة. قال صاحب الوافي: ولم أجد للأصحاب في المسألة غير ما ذكره الشيخ يعني صاحب المهذب. ومنها: لو باع العبد إلا يده أو رجله مثلا لم يصح، ولو كان مستثنى شرعا- كما لو استحق قطع اليد عن قصاص أو سرقة صح، ولا خيار للمشتري إن علم؛ لكن ينظر -هنا- أن المبيع هل ورد على هذا المستحق فلا يكون من قبيل ما نحن فيه، أو لم يرد؟ الذي يظهر الأول، وأنه مع ذلك يستحق القطع. ومنها: لو باع الماشية إلا شاة الزكاة، لم يصح. للجهل بالمستثنى المؤدي إلى الجهل بالمبيع، ولو باعها كلها -وقد وجبت فيها الزكاة- صح، ويد الساعي ممتدة إلى أخذ شاة الزكاة؛ فهي مستثناة شرعا وقد نص عليهما الشافعي في الأم في أبواب البيع، في باب [النقباء] 1 في البيع والمبحث هنا -عن شاة الزكاة- والحالة هذه، هل ورد العقد عليها ثم الساعي يفسخه، أو لم يرد العقد ثم على البائع ضمانها للمشتري، وكذلك إذا بيع من عليه حد فزمان استيفاء الحد منه مستثنى شرعا، وإن كان لو استثنى هذا الزمان -لفظا- لأبطل. ومنها: لو باع دارا عليها حق، ووضع جذعا أو أجرا ما صح، ولصاحب الحق استيفاؤه وهي منفعة مجهولة مدتها مستثناة شرعا، ولو استثناها بلفظه لم يصح. قاعدتان: قال الأصحاب في باب الصلح: "الأجل لا يلحق ولا يسقط". أما قولهم: "لا يلحق" فإشارة إلى القاعدة الأولى، وهي أن الحال لا يتأجل".   1 في "أ" المستثنى والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 قال الشافعي رضي الله عنه في مختصر المزني في باب النهي عن بيع وسلف وهي آخر مسألة في هذا الباب: "ولو كان له على رجل حق -من بيع غيره- حال فأخره به مدة كان له أن يرجع متى شاء؛ وذلك لأنه ليس بإخراج شيء من ملكه، ولا أخذ منه عوضا، فيلزمه، وهذا معروف له [لا يجب] 1 أن يرجع فيه" انتهى. وهنا صور يقع فيها وجوب تأخير الطلب لأمر خارجي -ليس لذات الدين- فيعتقد أن الحال [يؤجل] 2 وليس كذلك. منها: قال الرافعي في باب العقود المنهية -بعدما ذكر أن الحال [لا يؤجل] 3: "لو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة فعلى ورثته إمهاله تلك المدة لأن التبرعات بعد الموت تلزم؛ قاله في التتمة، وسكت الرافعي عن هذا. وضم الناس إلى هذه الصورة، ما إذا أنذر أن لا يطالبه إلى شهر؛ فإنه طاعة، يلزمه الوفاء به. واعلم أن هذه الصورة في التتمة أيضا، والعجب عدم ذكر الرافعي لها، وهي التي قبلها في التتمة، في موضع واحد. وهذا لفظ التتمة، قال عقيب4 ذكر ما نقله الرافعي عنه: "الثامنة: إذا كان له حق حل أجله فقال: إن شفى الله مريضي، أو رجع غائبي، فلله علي أن لا أطالبه شهرا؛ فالحكم فيه كما لو نذر عيادة المرضى وتشييع الجنائز. انتهى. ولا فرق بين الحال ابتداء وبأجل5 بعدما كان موجلا، في أن كلا منهما لا يتأجل، وقد قال الرافعي -قبل هذا- ولو حل الأجل، فأجل البائع المشتري مدة، أو زاد في الأجل- قبل حلول الأجل المغصوب- فهو وعد لا يلزم، كما أن بدل الإتلاف لا يتأجل -وإن أجله. انتهى بلفظ الروضة.   1 في "ب" لا يجب له. 2 في "ب" تأجل فيها. 3 في "ب" لا يتأجل. 4 في "ب" عقب. 5 في "ب" فاضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وأقول: هاتان الصورتان -الوصية والنذر- ليس فيهما تأجيل حال؛ بل تأخير الطلب مع الحلول، فلا ينقضان القاعدة. ونظيرهما: المديون المعسر، يجب إنظاره، وليس هناك تأجيل، وكذلك إذا حل الدين، وجب تأخير الطلب به إلى فتح الصندوق وإحضار القفل أو المال من البيت، وكذا من دون مسافة القصر، وكذا إلى بيع سلعة على ما ذكر الأصحاب في باب الكتابة وليس في شيء من هذا تأجيل الحال، ولا فرق بين هذه الصور ومسألة الوصية والنذر؛ إلا أن الأجل فيهما معلوم، ولا أثر لذلك، ولو أن الناذر - في هذه المسألة مات؛ فهل لورثته المطالبة، لأن الدين حال والناذر قد مات -وهم لم ينذروا- أو عليهم الإمهال؛ لأن الحق انتقل إليهم؟ هكذا فيه نظر واحتمال. فصل: وأما قولهم: "ولا يسقط فإشارة إلى القاعدة الثانية، وهي أن المؤجل لا يصير حالا". ومن ثم أسقط من عليه المؤجل الأجل لم يسقط - على الصحيح واستخرج الأصحاب في باب الصلح من كون الأجل لا يلحق ولا يسقط أنه لا يصح الصلح من حال على مؤجل وعكسه. فإن قلت: فقد قالوا -فيمن صالح من مؤجل على حال، وعجل المؤجل: أن الأداء صحيح "وكيف يصح الأداء ولم يحل المؤجل". قلت: لا تعلق لصحة الأداء بحلول الأجل فإن من عليه دين مؤجل أن يؤديه حالا -ولا يخرجه ذلك عن كونه مؤجلا؛ لأنه متبرع: بخلاف ما يلزمه. واعلم أن المطلقين لصحة الأداء -في هذه الصورة- الإمام والرافعي ومن تبعه. وقد قيده الشيخ الإمام رحمه الله بما إذا عرف بطلان الصلح؛ فإن ظن صحته استرد قطعا، قال: ولا يخرج على الخلاف فيما لو رهن معتقدا أو وجوب الرهن لأن الرهن عقد، بخلاف الدفع، والقصد معتبر في الدفع دون العقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وهذا الذي قاله الوالد متعين، يجب أن يكون الفتيا عليه. وهذه صور يضطر فيها إلى الحكم على المؤجل بحكم الحلول، وإن شئت قل: يضطر فيها إلى صيرورة المؤجل حالا، وتقع -حينئذ- مستثناة من هذا الأصل. منهاك الموت يحل به الدين المؤجل لخراب الذمة. ومنها: إذا استرق الحربي، حل عليه المؤجل نص عليه؛ فيقضي من ماله -الذي يغنمه القائمون- دينه. ومنها: إسقاط من عليه الدين الأجل -على وجه- وقد صدرنا [به] 1 القاعدة. ومنها: حلول الدين بالفلس- على قول. ومنها: حلوله بالجنون- على قول. قاعدة: "الشرط الذي يقتضيه العقد لا يضر". كالبيع بشرط الإقباض، وكما إذا شرط في الرهن أن يباع المرهون في الحق، وعبارة المحاملي أنه يصح، وقد تكلمنا عليها في شرح المختصر في مسألة التعليل بعلتين، وقلنا: إن الصواب ما ذكره الإمام والغزالي والرافعي وغيرهم من أن شرط مقتضي العقد لا يضر، ولا ينفع، استشهدنا له بأن تدبير المستولدة لا يصح. ومن غرائب مسائل القاعدة قول البغوي في فتاويه: لو تزوج من وقع اليأس من احتمالها الجماع بشرط إلا يطأها، صح الشرط؛ لأنه يقتضيه العقد. قال: وكذلك إذا كانت لا تحمل في الحال، وشرط أن لا يطأها إلى مدة الاحتمال. ثم يستثنى من هذه القاعدة الأمة إذا خالعت زوجها بمال، وشرطته إلى وقت العتق؛ فإنه يفسد، ويرجع بمهر المثل- بعد العتق- مع كون هذا الشرط مقتضي العقد؛ فإنه لو خالعها على مال [ثبت] 2، ولم يطالبها الآن بشيء وإنما يطالبها عند العتق.   1 سقط من "ب". 2 في "ب" ثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الخلع: "وهذا عجيب، شرط يوافق مقتضى العقد يبطله، ولذلك لو شرط في البيع الإنظار بالثمن إلى اليسار؛ لكن ذلك ليس من مقتضيات العقد، بل من مقتضى الشرع، ولا فرق، لأن الشرط الموافق للشرع لا يفسد". قلت: وكذلك إذا استأجر اليهودي [شهرا] 1 على عمل؛ فالثبوت تقع مستثناة من الاستيفاء، أو المسلم فأوقات الصلوات تقع مستثناة وكذلك أوقات القيلولة والراحة بالنسبة إليهما؛ فلو صرح بمقتضى ذلك في أصل العقد كان مبطلا -على ما حرره الشيخ الإمام رحمه الله- غير أنه يقول: هذه الأوقات ليست متخللة بين أوقات الإجارة حتى تكون كإجارة العقب -ويجري فيها ما في تلك من الخلاف- بل المنفعة كلها للمستأجر مستحقة بمقتضى العقد ثم عليه توفيره عن العمل تلك الأوقات، ويظهر أثر ذلك فيما لو استعمله في تلك الأوقات؛ فلا يجب عليه أجرة زائدة -كما أشار إليه البغوي وصرح به الشيخ الإمام. والحاصل أن ما [بقي] 2 مستثنى لو صرح به لأبطل؛ إنما المبطل ما إذا أراد خروج هذه الأوقات من العقد -بالكلية- قال: فهذا ينبغي أن يبطل العقد. [وأقول] 3: قول الأصحاب: إنه يجوز الاستثناء للخدمة نهارا -دون الليل- أما إذا أراد أن هذه الأوقات يقع توفيره فيها على العمل -مع كون عقد الإجارة واردا عليها؛ فهذا تصريح بمقتضى العقد. فلا يضر، وبهذا يتبين أن ذكر مقتضى العقد لم يضر، وأن هذه الصورة لا ترد عليه، ولا يقال: أغفل ذكرها؛ لأنه حقق في شرح المنهاج أن هذه الأوقات مستثناة من الاستيفاء لا من الاستحقاق، وإن شئت [قل] 4 من استيفاء المملوك، لا من الملك، وليست متخللة بين أوقات الإجارة، حتى تكون كإجارة العقب، ولا يطرقها الخلاف الذي في إجارة العقب؛ فيظهر أثر ذلك فيما لو استعمله في تلك الأوقات، [ولا] 5 يجب عليه أجره زائدة وبه صرح البغوي في القيلولة، وفيما لو   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" تقع. 3 وفي "ب" وأول. 4 في "ب" قلت. 5 في "ب" فلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أسلم الذمي، وأتى عليه بعد إسلامه يوم السبت فيقول الشيخ الإمام: إنه يجب عليه العمل فيه، وأنه يتجدد له بالإسلام استحقاق توفيره أوقات الصلوات وفيما لو استأجر حائضًا؛ فلا يستثنى أوقات الصلوات في حقها. لكن إذا تقرر هذا؛ فأقول: ينبغي أن يقال مثله فيما إذا خالعت الأمة وشرطت المال إلى العتق فيقال: إن أرادت أن الاستحقاق موقوف على زمان مجهول قيبطل، وليس ذلك مقتضي العقد، وإن أرادت أن عليه إمهالها؛ فهذا لا يبطل، وهو الذي اقتضاه الشرع في هذا العقد فلا استثناء. ونظير ذلك إذا قال: أنكحتكها على ما أمر الله به عز وجل، من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، مقيدا الإيجاب به، قال الشيخ أبو محمد: يبطل لأنه نكاح بشرط. والأصح الصحة: لأنه مقتضي العقد، وفصل الإمام فقال: إن أجراه. [شرطا] 1 ملزما، فالوجه البطلان وإن قصد الوعظ، لم يضر، وإن أطلق احتمل، واحتمل. قلت: وهذا الذي قاله الإمام يشبه2، ما قاله الشيخ الإمام في الأوقات المستثناة إذا صرح بها في أصل العقد؛ غير أن في تفصيل الإمام رحمة الله نظر لأن صورة مسألة النكاح أن يقيد الولي الإيجاب بهذا الشرط -ويقبل الزوج مطلقا- أو مكررا له، وإذا ذكره على سبيل الوعظ لم يكن مقيدا؛ إلا أن يعني بالتقييد مجرد ذكره في اللفظ، لا قبله وهذا هو المعنى - على ما يدل عليه سياق الرافعي. فصل: أما الشرط الذي لا يقتضيه العقد فيصح، إن كان من مصلحته؛ سواء مصلحة البائع -كالرهن والكفيل- والمشتري ككونه كاتبا، وضمان الدرك ومصلحتهما - كالخيار لهما. وقضية هذا أنه إذا أجره أرضا ليزرع القمح، ولا يزرع غيره، يصح العقد   1 في "ب" لفظ. 2 في "ب" زيادة الذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 والشرط، وهو ما صححه الوالد رحمه الله- بعد أن حكى في المسألة ثلاثة أوجه عن مجرد القاضي أبي الطيب. وإن لم يكن من مصلحته؛ فإن لم يتعلق به غرض يورث تنازعا، كشرط أن لا يلبس إلا الخز، ولا يأكل إلا الهريسة؛ فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه أنه لا يصح. وأما ما قطع به الإمام الغزالي -من أنه لا يفسد- محجوج بما حكيناه من النص، وقد اقتضى كلام الرافعي والنووي أنهما لم يجدا في المسألة غير كلام الإمام الغزالي؛ لأنهما اقتصرا عليه، وذكر الرافعي الفساد بحثا من قبله -معتضدا بكلام صاحب التتمة، وقال ابن أبي الدم: سمعت بعض الفقهاء يذكر أن الفساد وجه. قلت: وقد أغنانا الله بما ذكرناه من النص عن تحقيق البحث: والوجه وأما ابن الصلاح؛ فإنه استشكل ما ذكره الغزالي؛ فقال: الأجود أن يقرأ قوله: بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة بالثاء [ثالثة] 1 الحروف خطابا للمشتري، كيلا ينازع منازع في عدم الغرض -على تقدير تصويره- فيما إذا اشترط للعبد المبيع. قلت: وفي كلام النهاية والبسيط تأييد له وعبارة الإمام بشرط أن لا يلبس بعده إلا الخز، أو ما ضاهى ذلك من الاقتراحات، وفي نسخة معتمدة رأيتها -من البسيط- بما ذكره ابن الصلاح؛ لكن قد ينازع منازع في حكمه- ولو كان خطابا للمشتري. ويقول: قد يتعلق به غرض، ولذلك أصل وهو ما إذا أعطاه درهما، قال ادخل به الحمام؛ فقد قال القفال: إن كان غرضه تحصيل ما عينه لما رآه به من الشعث والوسخ، لم يجز صرفه إلى غير ما عينه، وسكت عليه الرافعي، وحكى النووي في التعيين -عن فتاوي القاضي الحسين- وجهين، وقريب منها مسألة أبي زيد في الكفن، وإذا صح تعلق الغرض به فلم لا يفسد كالمسألة المنصوصة. وأما ما تعلق به غرض لأحدهما، وليس من مصلحة العقد، كشرط أن لا يقبض ما اشتراه، فيبطل.   1 في أ، ب ثانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ويستثنى شرط عتق العبد؛ فالمذهب صحة البيع والشرط جميعا. فائدة: إذا عرفت أن شرط مقتضى العقد لا يضر ولا ينفع، علمت أن ما هو حاصل وإن تلفظ به اللافظ؛ فلا يضر ذكره، وهذا ليس على إطلاقه، بل قد لا يضر، كما مثل، وقد يضر، كما إذا نوى المتوضئ رفع الحدث والتبرد؛ فإنه يبطل على وجه مع أن التبرد المنوي حاصل -وإن لن ينوه- ولكن المذهب الصحة. ونظير المسألة: الإمام إذا كبر ورفع صوته ونوى إعلام المأمومين جاز وإن كان لو رفع الصوت ولم ينو الإعلام، حصل، فنيته لا تؤثر ويقرب من ذلك بعتك إن شئت فالمذهب الصحة، ولا يضر لفظ التعليق على المشيئة؛ لأنه لو لم يشأ لم يشتر. تنبيه: قد يتردد في أن الشيء مقتضى العقد أو لا فيورث ذلك ترددا في أن شرطه هل يبطل أو لا؟ وبيانه بصور. منها: إذا كان العلو والسفل لواحد، فباع العلو وحده صح وهل للمشتري أن يبني فوق العلو؟ وجهان في الحاوي، قال الشيخ الإمام: ينبغي أن يكون أصحهما المنع؛ لأن الهواء حق لصاحب السفل؛ وإنما خرج عنه البناء عن الهيئة الموجودة عند البيع -ذكره في باب الصلح- وإن شرط أن لا يبني، صح، وليس له البناء قاله الماوردي. قلت: فهذا بيع بشرط لم يضر، وكان يتجه أن يقال: إن كان من مقتضى العقد صح، وإلا فلا، وإن شرط أن يبني صح- خلافا للمزني. قاعدة: الاعتبار في تصرفات الكفار باعتقادنا لا باعتقادهم. خلافا لمالك -ومن ثم إذا أتونا بما نتيقن أنه من ثمن خمر لا نأخذه في الجزية- خلافا لمالك وإذا ذبحوا حيوانا وفتشوا كبده؛ فوجدوه ممنوا- أي ملصوق الكبد بالأضلاع -نأكله- خلافا لمالك- حيث حرمه، لكونه حراما عندهم. قاعدة: حمل اللفظ إلى ما يتبادر إلى الذهن أولى. ومن ثم يحمل على الحقيقة ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها كما لو قال: لا آكل من الشجرة فإنه يحمل على ثمرها، وإن كان خلاف الحقيقة لترجحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وهذا في شهرة تصير الحقيقة مرجوحة بالكلية، أما شهرة لا تمنع استعمال الحقيقة فهي مسألة المجاز الراجح، والحقيقة المرجوحة، وفيها المذاهب المعروفة. قاعدة: اللفظ موضوع -عندي- لأعم من الصحيح والفاسد ولا يحمل عند الإطلاق إلا على الصحيح. وهذه قاعدة حققتها في باب المناهي من شرح المختصر، وأغرب الرافعي؛ فقال في كتاب الإيمان -عند الكلام على قول الوجيز- ولو قال: لا أبيع الخمر من النوع الثالث ما نصه "وسيأتي خلاف في أن لفظ العبادات، هل يحمل على الصحيح؟ كما إذا حلف لا يصوم، ولا يصلي" انتهى. والخلاف غريب، لم أره حكاه قبل ولا بعد. قاعدة: اللفظ إذا أطلق -اسما- على شيئين، وجود أحدهما يعقب وجود الآخر؛ فإنه يحمل على الأول ولا يجعله الإطلاق مجهولا1 على الأصح، "ومن ثم لو وقت السلم بجمادي أو ربيع، أو العبد، ينزل على الأول. قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده. هذا هو الأصل، ولكن اختلف الأصحاب في المشرف على الزوال، هل يعطي حكم الزائل؟ وربما قالوا: "المتوقع هل يجعل كالواقع؟ أو ما قارب الشيء هل يعطي حكمه؟ وهي عبارات عن معبر واحد، وربما جزموا بإعطائه حكمه؛ وذلك نقض على الأصل، لقوة أصل آخر عليه، اجتذب ذلك الفرع، وانتزعه، وهذا شأن كل المستثنيات من القواعد -كما حررناه في الأصل- وإليه [أشار] 2 بقول الشافعي رضي الله عنه: "والقياس قياسان: أحدهما في معنى الأصل؛ فذلك الذي3 لا يحل لأحد خلافه، ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء وموضع الصواب عندنا -والله أعلم- أن ينظر فأيهما كان أولى لشبهه؛ صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخرة في خصلة، ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين. انتهى.   1 في "ب" محمولا. 2 في "ب" الإشارة. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 مثال إعطاء المشرف حكم الزائل، تحريم وطء المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف وقبل الفسخ -وفيه وجهان مرتبان على الوجهين في تحريم الوطء بعد الترافع إلى مجلس الحكم [والتحالف] 1 والمصحح من هذين -الحل والتحريم- بعد التحالف أولى، وربما لم يعطوه حكمه كبيع العبد المريض والجاني؛ فإنه صحيح مع الإشراف على الزوال - وذلك هو الجادة؛ فلا يطلب له علة تخصه. قاعدة: الزائل العائد، كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد" 2. في أكثر صوره خلاف منتزع الأصل من قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، ثم باعه، ثم اشتراه- ثم جاء رأس الشهر ففي العتق قولان وهما يشبهان الخلاف، أيضا -فيما إذا علق طلاق زوجته بصفة ثم أبانها، ثم جدد نكاحها، ثم وجدت الصفة. ومن مسائله: لو أفلس بالثمن، وقد زال عن المبيع وعاد، هل للبائع الفسخ؟ ومنها: لو وهب لولده وزال ملك الولد وعاد، هل للأب الرجوع؟ ومنها: لو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا؛ فالأصح يعيد القاضي الحجر ولا يعود بنفس التبذير. ومنها: لو بيع شقص، فارتد الشريك، وقلنا: الردة تزيل الملك؛ فإن عاد إلى الإسلام، وعاد ملكه، ففي ثبوت ذلك3 تردد عن الشيخ أبي علي، يتجه تخريجه على الزائل العائد، والظاهر المنع. ومنها: إذا نقص بعض الأربعين في الخطبة وعادوا -وقد مضى ركن- فهذا الزائل العائد كالذي لم يعد قطعا، وتبطل الخطبة، وإن سكت ولم يطل الفصل إلى أن عادوا؛ فهو كالذي لم يزل وتصح وإن طال فقولان، أصحهما البطلان، وإن نقصوا في الصلاة: بطلت مطلقا على أظهر الأقوال، وهو كثير، ومن أماكن الجزم، القاضي إذا سمع البينة، ثم عزل، ثم ولي؛ فلا بد من استعادتها، أما إذا خرج عن محل ولايته ثم عاد؛ ففي استعادتها وجهان.   1 في "ب" قبل التحالف. 2 المنثور 2/ 178، الأشباه للسيوطي 176. 3 في "ب" الشفعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ولو باع النصاب في أثناء الحول، ثم استرده بسبب جديد، لم يقل أحد بأنه كالذي لم يزل حتى تجب الزكاة في ذلك الحول؛ فلذلك قضى الشيخ الإمام [بعدم] 1 اطراد القاعدة، ولم يرها أصلا يعتمد، وخرج ابن الرفعة عليها الوجهين فيما لو أدى الضامن الدين ثم وهبه رب الدين منه، هل يرجع على الأصيل [المضمون] 2 عنه؛ فإن قلنا: كالذي لم يزل، لم يرجع على الأصيل المضمون عنه وإلا رجع. وضعف بناء [الرافعي] 3 أياهما على القولين، فيما لو وهبت الصداق من الزوج، ثم طلقها قبل الدخول، من حيث إن الهبة لو فقدت ووقع الطلاق؛ لكان الشطر عائدا: للزوج بعينه، قال: فهبته منه تعجيل ما4 سيجب، وهذا المعنى لا يتحقق فيما نحن فيه. قلت: وتخريج القولين -في هبة الصداق- على القاعدة ظاهرة، ولهذا يظهر تخريج مسألة الضمان عليهما. فإن قلت: فلم احتجب إلى الواسطة. قلت: لعله لما ذكره ابن الرفعة. قاعدة: لا فرق في ضمان المتلف بين العلم والجهل. ولا يرد ما إذا استعمل العارية -بعد الرجوع- جاهلا به؛ حيث لا تجب عليه الأجرة فيما إذا ذكر القفال: "وإذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل -بغير حق- والمأمور لا يعلم؛ حيث لا دية على القاتل. وإذا جن المحرم، ثم قتل صيدا؛ حيث لا جزاء واجب في الأظهر من القولين. وإذا قتل مسلما -ظن كفره- بدار الحرب؛ فالأصح لا تجب الدية. وإذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون؛ حيث لا دية إذا جهل إسلامه. وإذا باشر الولي [القصاص] 5 من الحامل جاهلا بحملها فالأصح أن الدية على السلطان.   1 في "ب" بعد. 2 في "ب" المعتمد. 3 سقط من "ب". 4 في "ب" لما. 5 في "ب" الاقتصاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وإذا أباح له ثمرة بستان، ثم [رجع؛ فأكل بعد الرجوع قبل العلم حيث لا يغرم في أحد الوجهين وإنما] 1 ذلك لما ذكرناه في الأصل. قاعدة: كل ما لا يعلم إلا من جهة الشخص، يقبل قوله فيه ومن ثم مسائل: منها: يقبل قولها في الولادة والحيض وشكك بعضهم في كون هذين لا يعلمان إلا من جهتها، وادعى إمكان إقامة البينة عليهما، وهو في الحيض متعذر، وفي الولادة غير متعذر. ومنها: إذا علق طلاقها بالمشيئة أو الرضا، أو الإرادة [أو إضمارها] 2 بعضه، ونحو ذلك. ومنها تصديق الأب في دعوى الاحتياج إلى النكاح - على الصحيح. ومنها: إذا ادعت أنها حامل وقف الميراث. ومنها: يكف عن قتل مدعيه الحمل إذا وجب عليها القصاص. ومنها: إذا قال: أخرج يدك؛ فأخرج اليسار، فقطع ثم اختلفا، فقال المخرج: قصدت بأخراجها قطعها عن اليمين. وقال القاطع: بل أبحتها، صدق المخرج. ومنها: إذا باعه صاعا من صيعان مجهولة الجملة ثم اختلفا؛ فقال المشتري أردت الإشاعة، وقال البائع: [بل] 3 أردت معينا؛ فالأرجح أن القول قول البائع. وأمثلة كثيرة وعد منها بعض الطلبة إذا قال لزوجته: إن علمت كذا فأنت طالق -متوهما أن علمها لا يعلم إلا من جهتها، وأن قولها فيه مقبول فتطلق إذا قالت: علمت. والفرع لا أعرفه مسطورا، ومما حفظته وعلقته من فوائد أخي الإمام المحقق بهاء الدين أبي حامد شيخنا وبركتنا أطال بقاءه "أنه ينبغي أن لا تطلق بقولها علمت؛ لأن [إحدى] 4 قيدي العلم المطابقة الخارجية، ولا يقبل قولها فيه؛ لإمكان إقامة البينة عليه؛ فلا بد أن يعلم من خارج وقوع ذلك الشيء. قلت: وهذا حق، ويشهد له أن الرجل لو قال لآخر: أنت تعلم [أن] 5 العبد الذي في يدي حر، حكم بعتقه، نقله الرافعي عن خط الروياني، عن بعض الأئمة،   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" اختيارها. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" أحد. 5 في "ب" زيادة هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 محتجا بأنه لو لم يكن حرا، لم يكن المقول له عالما بحريته، وقد اعترف السيد بعلمه. وهذا بخلاف ما لو قال: أنت تظن، ويشبهه، ما رأيته في أدب القضاء لشريح الروياني "أنه لو قال: علي ألف -فيما أظن أو أحسب- لم يلزمه، وإن قال: فيم أعلم أو أشهد، لزمه. ويستثنى من هذه القاعدة مسائل: منها: لا يصدق السفيه في دعوى توقان نفسه واحتياجه للنكاح. ومنها: لا تصدق1 في دعوى الحمل حتى يدفع إليها النفقة. ومنها: إذا اختلف الزوجان في أنه نوى الطلاق إذا أتى بلفظ الكناية؛ فإن القول قول الزوج2. قاعدة: قال أبو عاصم العبادي في أدب القضاء، وتبعه أبو سعيد الهروي في أواخر كتاب الإشراف: "لا يقتص من نفسه لغيره إلا في مسألتين". إذا أكل اللقظة، وأخذ الثمن من نفسه وصار أمانة، قال أبو سعيد: "يعني إذا أخذ قيمته من نفسها وعرفها -فهي أمانة- في أحد الوجهين. والثانية: إذا قال [اقبض ما لي] 3 عليك من الدين؛ فأسلم في كذا، صح قال ابن سريج4: والمذهب أنه لا يصح - انتهى. قلت: أما مسألة اللقطة إذا أكلها؛ فالأصح -على ما ذكر الرافعي [ووقف] 5 فيه الشيخ الإمام -وجوب التعريف بعد ذلك، قال الإمام: إلا أن يكون في الصحراء. والأصح أنه لا يجب - بعد ذلك [الإقرار] 6 القيمة لأن ما في الذمة، لا يخشى هلاكه وإذا أفرز كان أمانة في يده، ولعل الوجهين اللذين أشار أبو عاصم إليهما بقوله: فهي أمانة -في الوجهين هما هذان، ولا يريد أن الخلاف في كونه أمانة؛ بل في أنه هل يفرز، أو لا. فإن قيل: بالإفراز، كان أمانة، ثم على القول بوجوب الإفراز - قول أبي عاصم أنه يقبض لغيره من نفسه - غريب، والمحفوظ أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن صاحبه، وللإمام احتمال في أن الملتقط يقيم نائبا عن المالك.   1 في "ب" زيادة السفيه. 2 في "ب" فإن الزوج لا يصدق. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" قاله ابن سريج. 5 في "ب" وتوقف. 6 في "ب" إفراز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 هذا ما في الرافعي، والذي في تعليق القاضي الحسين، أنها على وجه الإفراز - توضع عند عدل؛ فلا أعرف من قال بأن الملتقط يقبض من نفسه لغيره، غير أبي عاصم. وأما مسألة السلم: فمقالة ابن سريج غريبة وما أراها إلا المسألة التي ذكرها الرافعي في باب الوكالة؛ حيث قال: إذا قال لرجل أسلم في كذا وأد رأس المال من مالك، ثم ارجع علي: "قال ابن سريج: يصح ويكون رأس المال قرضا -على الأمر- وقيل: لا يصح؛ لأن الإقراض لا يتم إلا بالإقباض، قال النووي. قلت: الأصح -عند الشيخ أبي حامد وصاحب العدة- أنه لا يصح وهو نص الشافعي في الصرف. قال الشيخ أبو حامد: وما ذكره أبو العباس سهو وبقيت مسائل: منها: قول الرافعي فيما [إذا] 1 أجره داره بدراهم معلومة، ثم أذن له في الصرف إلى العمارة [أنه يجوز] 2، وقد قدمناه في قاعدة: "اتحاد القابض والمقبض"، وذكرنا بحث ابن الرفعة فيه وما فيه من النظر. أقول - هنا: إن مقالة ابن سريج، تؤيد قول الرافعي، وفي قول أبي عاصم: "المذهب أنه لا يصح ما يرد عليه" وهو القياس. ومنها: إذا باع مال نفسه لولده -المحجور- فإنه يقبض من نفسه لولده. قاعدة: كل ما أنقص العين أو القيمة - نقصا يفوت به غرض صحيح ويغلب في أمثاله عدمه؛ فهو عيب يرد به المبيع". قال الرافعي: إنما اعتبر نقصان العين للخصاء؛ فإنه يرد به -وإن لم ينقص القيمة-[لكونه] 3 أنقص العين إنما لم نكتف بنقص العين واشترط فوات غرض صحيح؛ لأنه لو قطع من فخذه أو ساقه - قطعة يسيرة، ولا تورث شيئا، ولا تفوت غرضا، لا يثبت الرد. واعترضه ابن الرفعة، بأن في تصويره عسرا؛ فإن آثار الجرح تثبت الخيار - كما نقله في الإشراف.   1 في "ب" لو. 2 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 3 في "ب" لأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وفيه نظر: فإنه هذا لا يسمى جرحا، وإن فرض أنه يسمى -ولم يندمل فذاك ينقص القيمة، ويفوت به غرض. ثم قال الرافعي: ولهذا قال صاحب التقريب: إن قطع من أذن شاة ما يمنع التضحية، ثبت الرد، وإلا؛ فلا. واعترضه ابن الرفعة بأنه تبع في ذلك الإمام، وأن بعضهم اعترض الإمام فيه -بأن الإمام نفسه خطأ من يعتبر العيب بالضحايا؛ إذ مقصود العيب المال، ومقصود الضحايا حسن النظر وكمال الصورة- ولك أن تدعي تلازمهما غالبا، ثم قوله: إن قطع من أذنها بما يمنع التضحية يقتضي أن قطع بعض الأدن- منه ما يمنع من التضحية، ومنه ما لا يمنع والأصح أن إبانة جزء من الأدن يمنع الأجزاء، وفي التعريف أيضا احتراز عما إذا وجد العبد والجارية مختونين؛ فإن فات جزء من أصل الخلقة بالختان، لكن فواته مقصود دون بقائه؛ فلا رد به -إذا كان قد اندمل- وإنما اشترط كون الغالب، في أمثاله عدمه، لأن الثيابة -مثلا- في الإماء معنى ينقص القيمة، لكن لا رد به إذا كانت كبيرة، في سن -لا تغلب فيه البكارة- لأنه ليس الغالب فيهن عدم الثيابة. ومن مسائل القاعدة: عدم نبات عانة الجارية - حدث ذلك في زمن القاضي أبي عمر المالكين وقضى بأنه عيب. وذكر اثنان من أصحابنا وهما الهروي "في الإشراف" والقاضي شريح الروياني في كتاب "أدب القضاء" [قالا] 1: إنه عيب وفيه -عندي- نظر، وأقصى ما يشبه به الحيض، فإن من لا تحيض ترد بهذا العيب، لدلالته على ضعف في الخلقة؛ فإن كان يقال: إن عدم إنبات العانة يدل على فساد المنبت فهو عيب، لكنني لا أعتقد ذلك وكون المبيع مما قيل إنه موقوف وإن لم يثبت ذلك فائدة: عرفت الضابط في عيب المبيع، وقال النووي في تهذيب اللغات، العيب ستة أقسام، عيب المبيع، ورقبة الكفارة والغرة، والأضحية، والهدي، والعقيقة، وفي أحد الزوجين، وفي الإجارة. وحدودها مختلفة. - ففي البيع ما ينقص المالية، أو الرغبة، أو العين. - وفي الكفارة ما يضر بالعمل إضرارا بينا. - وفي [الأضحية والهدي2 والعقيقة] ما ينقص اللحم.   1 في "ب" وقالا. 2 في "ب" تقديم وتأخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 - وفي النكاح ما ينفر عن الوطء، ويكسر سورة التوقان. - وفي الإجارة ما يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت في قيمة الرقبة؛ لأن العقد على المنفعة وعيب الغرة كالمبيع. قلت: ولم يذكر عيبًا بل الدية، وعيب الزكاة وعيب الصيد في الإحرام وعيب الصداق إذا طلقها قبل الدخول لدخولها فيما ذكره فليتأمل. قاعدة: كل عيب يوجب الرد على البائع، يمنع الرد إذا حدث عنه المشتري. قال الرافعي: إلا في الإبل، قال ابن الرفعة والوالد رحمهما الله، ولعله احترز به عما ذكره ابن الصباغ، من أنه لو اشترى عبدا له أصبع زائدة، فقطعه؛ فإنه يمنع الرد، أي: وإن كان قطع الأصبع الزائدة، إذا وجد في يد البائع، واندمل، لا يرد به المشتري، كما قاله المتولي والبغوي. قاعدة: ذكرها الإمام في كتاب البيع، وأشار إليها الرافعي في باب التفليس "الحمل يندرج في كل عقد معاوضة صدر بالاختيار" كبيع الجارية المرهونة والرد بالعيب، والرجوع بسبب الفلس، أو انتفاء العوض كالرهن والهبة - ففي التبيعة قولان. فإن قلت: قضية هذا أن يجري قولان في العتق لانتفاء [العوض] 1 ولا خلاف أنه إذا أعتق حاملا، تبعها الحمل. قلت: ليس العتق من العقود، والكلام فيما هو عقد، على أن الرافعي. قال في مكان: إن الوصية عقد، وإذا كانت عقدا، كان العتق عقدا؛ ولكن ذلك غير مسلم. قاعدة: ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح. وهذه القاعدة قد تنقض بما نقله الرافعي عن صاحب التتمة -ساكتا عليه- أن الزوج المختلع إذا وكل محجورا في قبض المال من الزوجة؛ ففعل كان مضيعا له وتبرأ المرأة بالدفع -مع أن توكيل المحجور في القبض لا يصح لكن الشيخ الإمام قال: هذا إذا كان العوض معينا أو كان الطلاق معلقا بدفعه، أما إن كان الخلف على مال. في ذمتها - فينبغي أن لا يصح القبض وإذا أتلف ضاع على المرأة.   1 في "أ" الفرض والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 قاعدة: متلقاة عن شيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله: كل خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال؛ فهو على الفور. قال المتكلمون على احترازاته: إنه احترز بقوله: "ثبت بالشرع" عن خيار الشرط في المبيع. وبقوله: لدفع الضرر عن المال عن خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد إذا قلنا: ليس الخيار على الفور - وعن خيار المرأة في المطالبة بالفيئة أو الطلاق في الإيلاء والخيار بين القصاص والدية، وعن خيار المجلس؛ فإنه ليس لدفع الضرر، بل قد لا يكون ضرر أصلا وعن خيار العنة أيضا. فاشتملت هذه القاعدة على خيار العيب؛ فإنه على الفور ولذلك قال في المهذب: فيما إذا وجد بالمشتري عيبا؛ فأراد الرد لم يؤخره، فإن أخره من [عذر] 1 سقط الخيار؛ لأنه خيار ثبت -بالشرع- لدفع الضرر عن المال، فكان على الفور كخيار الشفعة. واشتملت -أيضا- على الشفعة- ولذلك قال في باب الشفعة- من المهذب أيضا إن أخر الطلب -من غير عذر- سقط؛ لأنه على الفور، فسقط بالتأخير من غير عذر كالرد بالعيب. وهو موضع معروف بالإشكال عندهم -والمحققون يبحثون- عند الانتهاء إلى هذا الإشكال- علما منهم أن هذا الشيخ - الذي هو أستاذ أرباب الجدل- لا يفعل ذلك سدى، وأقصى ما انتهوا إليه - قولهم: قاس العيب على الشفعة، لورود الخبر فيها، وعكس في الشفعة؛ لاتفاق أكثر العلماء على أن الرد بالعيب -على الفور- بخلاف الشفعة ونظيره قياس القراض على المساقاة لورود الخبر فيها، وعكسه الإجماع على القراض. وقال الشيخ الإمام، في تكملة شرح المهذب: إن من تأمل كلام الشيخ في باب الشفعة، حكم بعدم صحة السؤال؛ فإنه لم يقس كونها فورية على الرد بالعيب؛ وإنما قاس سقوطها -بالتأخير عليه وهما غيران ثم اعترض على نفسه، بأن الفورية إن لزمها   1 في "ب" من غير عذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 السقوط بالتأخير، لم يحتج في الشفعة إلى قياسه على الرد بالعيب؛ وإلا فلا يكفي، في الرد بالعيب- القياس على الشفعة. قال: "وقد خطر لي -في الجواب عن ذلك والاعتذار عن المصنف في جعله سقوط الشفعة بالتأخير، بعد تقدير كونه على الفور مقيسا على الرد بالعيب- مسألة غريبة، نقلها أبو سعد الهروي عن تعليق البندنيجي، إن الشافعي نص -في اختلاف العراقييين- على القول الصحيح، إن الشفعة على الفور، أن للشفيع خيار المجلس. فلعل الشيخ أبا إسحاق، اطلع على النص القائل "بأن الشفعة لا تبطل بالعفو، ما دام في المجلس" -على قول الفور- ولا شك أن التأخير. أولى بعد البطلان؛ فأراد أن يدفع ذلك بالقياس على الرد بالعيب، وبهذا ينتفي السؤال عنه. قال الشيخ الإمام: على أني نظرت باب الشفعة -من اختلاف العراقيين نظرا؛ فلم أر هذا النص فيه، وهو غريب مشكل ولكنه في نصوص الشافعي لأحمد بن بشرى. وهو قضية اختلاف الأصحاب في ثبوت خيار المجلس في الشفعة". قلت: وهو وجه مصرح به. ثم يستثنى من هذه القاعدة خيار التصرية فإنه يمتد ثلاثة أيام -على ما صححه [الشيخ] 1 الإمام -خلافا للرافعي والنووي، وهو خيار ثبت بالشرع، لدفع الضرر عن المال لكن الشيخ الإمام أجاب عن إيراده على القاعدة "بأنه خيار شرع، لا خيار عيب أي ثابت بالحديث؛ ولذلك يثبته مع العلم، وإذا كان كذلك فلا يكون لدفع الضرر عن المال". قاعدة: ذكرها الإمام في باب الرد بالعيب في فصل التدليس وجعلها ضابطا لما يحرم من التدليس وما لا يحرم. من علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه، أو سعى في تدليس فيه فقد فعل محرما؛ فإن لم يكن السبب مثبتا للخيار فترك التعرض له لا يكون من التدليس المحرم. قلت: ولك أن تختصر هذه العبارة فتقول: "يحرم إخفاء ما يثبت الخيار دون ما لا يثبت"، وقد كان يختلج في الذهن أن ما لا يثبت الخيار أولى بالتحريم؛ إذ لا استدراك لفارطه بخلاف مثبت الخيار.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ونص الشافعي رضي الله عنه -حيث قال: "وكذلك المدلس قد عصي الله تعالى والبيع لازم الثمن حلال" يدل التحريم كل تدليس. وهذا نص حكاه الماوردي في الحاوي: قبيل فصل تلقي الركبان، وحكى أن أبا علي بن أبي هريرة رحمه الله تعالى كان يقول: "إن ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع؛ ألا ترى أن المبيع إذا فات رجع على البائع بأرش عيب التدليس؛ فدل على أنه أخد منه بغير استحقاق" انتهى. وهذا الذي حكاه عن ابن أبي هريرة1 غريب، ومعناه أن الزيادة بسبب التدليس محرمة لا جملة الثمن. ولم يذكر صاحب البحر هذا -مع كثرة استقصائه لكلام الحاوي- ثم إن الإمام رحمه الله قال- بعد ذكر هذه القاعدة: "ومما لا يجب التعرض له ذكر القيمة؛ فليس البائع مقيدا -في الشرع- بأن يبيع الشيء بثمن مثله قال: وهذا ينبني على ما ذكرناه؛ فإن الغبن بمجرده -إذا- اطلع على المشتري لا يثبت له خيار - انتهى. وقد حكى الشيخ الإمام رحمه الله هذا كله عن الإمام في أوائل باب الرد بالعيب من تكلملة شرح المهذب - ساكتا عليه. وأقول: إن أراد الإمام أنه لا يجب على البائع ذكر قيمة المبيع -في نفسه- فهو حق، وليس عدمه تدليسا البتة، وإن أراد ما إذا اشترى بغبن، ثم أراد البيع -في باب المرابحة- فالصحيح وجوب ذكر الغبن؛ لكن صحح الإمام والغزالي عدم وجوبه؛ فالإمام جار على أصله غير أنه أشار إلى هذه المسألة بقوله: "إذ الغبن -بمجرده- إذا اطلع عليه المشتري لا يثبت له خيار"، إن أراد به الغبن في المبيع من حيث هو إذا اشتراه بدون قيمته ولم يبعه مرابحة ولا أخبر بالثمن فصحيح وليس مما نحن فيه.   1 الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي أحد الأئمة من أصحاب الوجوه تفقه على ابن سريج وأبي إسحاق المروزي ودرس ببغداد وروى عنه الدارقطني وغيره وتخرج به جماعة من الأصحاب مات ببغداد في رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة -ابن قاضي شهبة 1/ 126، تاريخ بغداد 7/ 98، وفيات الأعيان 1/ 358، شذرات الذهب 2/ 370، البداية والنهاية 11/ 304، ابن السبكي 3/ 256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وإن أراد الغبن في المرابحة -حيث يخبر بالثمن- ففيه إشارة إلى أنا إن وجبنا الإخبار عند ذكر الثمن فلم يخبر لا يثبت الخيار. ويمكن تخريج وجهين في ذلك -مما إذا صاحبه- فإن1 في ثبوت الخيار للمشتري وجهين أصحهما -عند النووي- ثبوته. وفي القاعدة طردا وعكسا مسائل: منها: من علم بالسلعة عيبا لم يجز له أن يبيعها حتى يبين عيبها. وشذ المحاملي والروياني فقالا: إن ذلك يستحب. قال الشيخ الإمام -في تكملة شرح المهذب: "وهي عبارة رديئة موهمة"؛ فلا يقول أحد -له علم- بعدم الوجوب وإن باع- ولم يبين العيب، ثبت الخيار. ومنها: لو اشتراه بدين -من مماطل- وجب الإخبار عنه في بيع المرابحة. ومنها: لو اشتراه من ابنه الطفل وجب الإخبار. ومنها: يجب على البائع الصدق في قدر الثمن، وفي الأجل والشراء بالعرض وبيان العيب حادث عنده؛ فلو قال: بمائة فبان بتسعين فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها وأنه لا خيار للمشتري. قاعدة: من كان القول قوله في شيء، كان القول في صفته وعبارة أبي سعد الهروي عن هذا -في الإشراف- "من قبل قوله في أصل؛ غير أنه الظاهر أن المراد واحد فلا تقف في ذلك. ومن ثم لو قال: بعتك الشجرة -بعد التأبير- فالثمرة لي، وقال المشتري: بل قبله فلي فالقول قول البائع، ومسائل يطرد عدها. وذكر القاضي أبو سعد: أنه استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل: إحدها: مسألة الخياط - إذا قال المالك: أذنت في قطع الثوب قميصًا. وقال الخياط: بل قباء - على القول [بتصديق] 2 الخياط:   1 في "ب" ولكن. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 والثانية: دفع إليه ألفا ليتصرف فيها فقال القابض: كانت قراضًا فلي قسط من الربح، وقال الدافع: بل مضاربة. قال الثقفي1: القول قول الدافع الجرجاني: القول قول القابض، وقال المحاملي الكبير: يتحالفان. قلت: والمجزوم به -في شرح المنهاج للوالد رحمه الله- قول الثقفي جريا على أصل القاعدة. وهو ما في الشرح والروضة فيما إذا قال: وقعت وكالة قفال العامل: بل قراضا. وحكى النووي -في زيادة الروضة- وجهين في أيهما تقدم بينة العامل إذا ادعى أن المدفوع قراض أو المالك إذا قال: بل هو قرض وفي الرافعي وغيره فيما إذا قال: على عقد وهذا فارق مسألة أبي سعد وشريح؛ فإن الأبضاع والقراض عقد واحد فالتحالف فيه أظهر. والثاني: أن القول لمدعي الهبة. والثالث: التحالف. وهذه الأوجه: التي حكاها أبو سعد - حكاها شريح في "أدب القضاء"، ولعله من أبي سعد تلقاها. وفي نسختي -من "أدب القضاء" لشريح- موضع، وقال المحاملي الكبير: يتحالفان ما نصه، وقال في الكبير: يتحالفان وكنت أحسب أنه يعني "بالكبير" النهاية -على اصطلاح أهل خراسان- فكشفت "النهاية"؛ فلم أجد فيها تصريحا بذلك وذكرت هذا كله في كتابي "التوشيح"؛ فلما وقفت الآن -على كتاب أبي سعد ووجدت فيه ما رأيت غلب على ظني أن نسختي -من كتاب شريح- سقط منها لفظ " المحاملي" وزيدت لفظة "في"؛ وإنما قال "قال المحاملي الكبير كما قال أبو سعد". والمحاملي الكبير -هو الشيخ أبو الحسن- إمام قديم في زمان الإصطخري ذكرناه في كتاب الطبقات. والثالثة: غاب الزوج سنة وادعى أنه طلق -بائنا- في صدر مدة الغيبة وكذبته وطالبته بالنفقة. قال أبو سعد: القول قولها في حقها، وقوله في أصل الطلاق. قلت: كلام الأصحاب يشهد له، ويتجه أن يقال: لا تجب النفقة - تبعا لقوله في الطلاق -وقد قدم أبو سعد- قبل هذا بقريب من ثلاث أوراق في المرتدة بعد الدخول تقول: أسلمت   1 محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب أبو علي الثقفي الحجاجي النيسابوي الفقيه الإمام الزاهد الواعظ تفقه على محمد بن نصر ويقول ابن خزيمة رحمه الله عنه ما يحل لأحد منا بخراسان يفتي وأنت حي ولد سنة أربع وأربعين ومائتين ومات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، النجوم الزاهرة 3/ 267، ابن قاضي شهبة 1/ 118، شذرات الذهب 2/ 315، العبادي ص63، ابن السبكي 3/ 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وفي وقت كذا في النفقة -حكاية قولين: أصحهما: القول للزوج لأن الأصل عدم الرجوع إلى الإسلام. والثاني: قول المرأة لأن القول في أصل الإسلام مقبول منها فليكن كذلك. وفيه "ولا بد من مجيء هذا الخلاف في هذه الصورة - أيضا" وما حكاه من القولين نظيره إذا قال: أسلمت أولا؛ فلا نفقة لك وادعت العكس. وأصح الوجهين في أواخر نكاح المشركات -من الرافعي وغيره- أنها المصدقة لأن النفقة كانت واجبة -وهو يدعي مسقطا؛ لكن هذه العلة تصلح أن تكون فرقا بين المسألتين، والمسألة موضع النظر. وليت شعري إذا كان أبو سعد يستثنى -على وجه أو قول- فلم لا ذكر مسألة ما إذا قال: أكريتك؛ فقال: بل أعرتني ونظائرها -مما صح فيه أن القول قول المالك- وقد بقيت على أبي سعد مسائل- أهمل استثناءها- ولعل بعضها أحق مما ذكره- بالذكر. منها: الأصح أن القول قول مدعي صحة البيع دون فساده -مع أنهما لو اختلفا في أصل البيع فالقول قول البائع. ومنها: لو اختلفا في النقصان، وتغيير المبيع عما كان عليه؛ فالقول قول المشتري. ومنها: لو قال الغاصب: كان العبد أقطع وأنكر المالك؛ فالقول قول المالك في الأصح. ومنها: قد ملفوفا وادعاه ميتا وأنكر الولي، صدق الولي في الأظهر. ومنها: قطع طرفه وادعى أنه كان أشل، صدق المجني عليه. ومنها: قال الراكب أعرتني وقال المالك: بل أجرتك، صدق المالك على المذهب. ومنها: عمل له عملا وقال: "شرطت لي عوضا"، وأنكر فالقول قول المعمول له ومنها: إذا قال: "كانت الألف المدفوعة -إلى وديعة- وقد تلفت، وقال المالك: بل قرض" قال البغوي: القول قول المدفوع إليه. ومنها: دفع إليه دراهم واختلف في ذكر البدل؛ فالقول قول الآخذ -قاله الرافعي، وفيه وجه قال النووي- أول القرض "إنه متجه". ومنها: قال "هي قراض" فقال "بل قرض" صدق العامل -في أحد الوجهين- في "الروضة" و"شرح المنهاج". ومنها: قال: "قراض" فقال: "بل ابضاع" ذكرها شريح، وفيها أوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ومنها: قال "وهبتك بعوض"؛ فقال: "بلا عوض" رجح النووي أن القول قول من نفاه. ومنها: بعت أشياء، وقال: "بعوض" فأنكر المبعوث إليه صدق وفيه للرافعي بحث، يظهر أن يقال: إن اختلفا في أصل شغل الذمة مع الاتفاق على ثبوت اليد؛ فإن [اختلفا] 1 في أن ثبوتها بحق أو لا فالقول قول المالك لأن الأصل لم يصدر منه ما يقتضي -[حينئذ هذا] 2. وإن اتفقا على أنها بحق، ثم اختلفا في شغل الذمة فالقول قول من ينفي الشغل لاعتضاده بالأصل. وإن اتفقا على الشغل ثم اختلفا في صفته؛ فالذي يظهر أن القول أيضا قول من لو أنكره لقبل إنكاره لأن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفته وإن اتفقا على الشغل ولكن اختلفا في ارتفاعه فالقول قول من يدعي بقاءه. قاعدة: تتصل بالقاعدة قبلها أنا ضبطتها بعد ما تبددت عليها فروعها وانتشرت؛ فإن كانت كما فهمت ورتبت فالله المسؤول أن ينفع بها؛ وإلا فهو المسؤول أن يوضح لي الحق إذا اختلف الآخذ والمأخوذ منه فإن كان اختلافهما في أصل شغل الذمة مع الاتفاق على ثبوت اليد فلا يخلو إما إن يختلفا في أن ثبوتها هل هو بحق أو لا فإن كان الأول؛ فالقول قول المأخوذ منه لأن الأصل أنه لم يصدر منه ما يقتضي ثبوت هذه اليد ويدل على هذا أن الصحيح فيما إذا قال المالك غصبتني، وقال ذو اليد أعرتني أن القول قول المالك، وإن كان الثاني وهو ما إذا اتفقا على أنها تثبت بحق ثم اختلفا في شغل الذمة؛ فإما أن يكون ثبوتها لغرض المأخوذ منه أو لغرض الآخذ. أو لغرضهما جميعا أو يقع الخلاف في ذلك. قاعدة: قال القاضي أبو عاصم وشرحه أبو سعد الهروي في الأشراف كل عقد فيه عوض علق بصفة لا يقتضي إطلاق العقد تلك الصفة فسد بالتعليق إلا في مسألة واحدة. قاعدة: ذكر الإمام رحمه الله -في باب معاملات العبيد- أنه لا احتكام للسادة على ذمم العبيد؛ فلا يملك السيد إلزام ذمة العبد مالا ولو أجبره على ضمان [لم يصح] 3 ولو أجبره على أن يشتري له متاعا لم يصح الشراء. وإن كان محل الديوان -التي تلزم العبد بالإذن- الكسب، وهو ملك السيد ولكن لا استقلال للاكتساب في هذا.   1 في "أ" تفقا والمثبت من "ب". 2 في "ب" حقيقة يد هذا. 3 سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الباب ما لم يتحقق تعلق الدين بأصل الذمة. ولو أقر السيد عليه بجناية قصاص، وأنكر العبد وآل الأمر إلى مال؛ فلا تعلق له في الذمة ونقل الشيخ الإمام هذا كله في شرح "المنهاج" ساكتا عليه. قاعدة: لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر أبدا. واستثنى الشيخ أبو حامد -"في الرونق" وتبعه تلميذه المحاملي في اللباب- ست صور ونحن بلغنا بالمستثنى نيفا وأربعين. فمنها: الإرث. ومنها: يسترجعه بالإفلاس. ومنها: يرجع في هبته لولده. ومنها: إذا رد عليه بعيب. ومنها: إذا قال: أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه. ومنها: إذا كاتب عبده الكافر فأسلم العبد ثم عجز عن النجوم فله تعجيزه. وهنا وقف الشيخ أبو حامد والمحاملي وشكك النووي في هذه، بأن المكاتب لا يزول ملكه؛ فيقال: "تجدد بالتعجيز"- وعبارة الشيخ أبي حامد "لا يجوز ترك مسلم في ملك كافر ولم يقل: لا يدخل- وبه يندفع الإيراد؛ ولكن هذا الترك ليس مطلقا فإنا نأمره بعد التعجيز بالإزالة. وأجاب الشيخ صدر الدين بن المرحل بأن لنا خلافا في إلحاق المكاتب بالحر أو بالعبد في مسائل؛ فلعل المحاملي جرى على قول من يجعله كالحر ثم لعل مسألته؛ إنما فرضها فيما لو [ملك] 1 المكاتب عبدا مسلما ثم عجز المكاتب؛ فإنه يدخل في ملك السيد ما كان للمكاتب؛ فلعل المحاملي أشار إلى أن هذا العبد يدخل في ملك السيد لحصوله تبعا كالرد بالعيب ولم يرد المكاتب نفسه. قلت: هذه صورة أخرى ولكنها غير مراد المحاملي وشيخه أبي حامد فإن لفظهما صريح في إرادة المكاتب نفسه. ومنها: إذا اشترى من يعتق عليه زادها النووي. ومنها: أن يبيع عبدا مسلما ثم تقابل المشتري؛ فإنه لا يجوز -إن جعلنا الإقالة بيعا؛ فإن جعلناها فسخا وهو الصحيح فعلى الوجهين في الرد بالعيب كما قاله الرافعي.   1 في "ب" ملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ومنها: إذا كان بين كافر ومسلم عبد مسلم مشترك؛ فأعتق الكافر نصيبه وهو موسر سرى عليه؛ ذكره البغوي وهاتان زادهما ابن المرحل. ومنها: عاشرة -زادها ابن أخيه الشيخ زين الدين [محمد] 1 مدرس الشامية البرانية بدمشق رحمه الله، وهي إذا جاز له نكاح الأمة وكانت لكافر فالأصح الجواز وينعقد الولد مسلما- على ملك الكافر. ومنها: أن يرجع إليه بتلف مقابلة -قبل القبض. ومنها: أن يبيع الكافر مسلما بثوب، ثم يجد بالثوب عيبا؛ فله رد الثوب واسترداد العبد على الصحيح. ومنها: [إذا] 2 تبايع كافران عبدا كافرا فأسلم العبد قبل القبض - ثبت للمشتري الخيار [إن] 3 قلنا يمتنع عليه قبضه. كذا قاله الإمام وامتناع قبضه صححه الرافعي والنووي؛ فإذا فسخ فقد دخل العبد المسلم في ملك البائع الكافر. ومنها: إذا باع الكافر عبدا مسلما لمسلم -بشرط الخيار للمشتري- فإن الصحيح أن الملك لمن له الخيار، وبالفسخ يملكه الكافر. ومنها: أن يرده عليه -لا بالعيب، بل لفوات شرط كالكتابة ونحوها. ومنها: إذا اشترى ثمارا بعبد كافر فأسلم ثم اختلطت، وفسخ العقد. ومنها: إذا باع ثوبا على أنه هروي مثلا بعبد كافر؛ فلم يكن هروبا فإن له الرد على قياس ما تقدم. ومنها: إذا باع الكافر عبده المسلم، وكان مغصوبا من قادر على انتزاعه فعجز، أو غصب قبل قبضه فللمشتري الخيار، ويفسخ البيع ويعود إلى ملك الكافر. ومنها: إذا باع الكافر عبده [الذي أسلم عنده] 4 من مسلم رآه قبل العقد دون حالة العقد؛ فالأصح الصحة - تفريعا على قول بيع الغائب ثم إذا وجد العبد متغيرا واختار الفسخ ملكه الكافر. ومنها: باع عبده المسلم لمسلم ثم تشاحا في التسليم ومال المشتري غائب إلى مسافة القصر، لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره والأصح أن له الفسخ. فيفسخ ويملكه.   1 سقط من "ب". 2 سقط من "ب". 3 في "ب" "إذا". 4 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ومنها: إذا اشترى بعبده المسلم صبرة فظنها على السواء، ثم بان تحتها دكة ففي تبين بطلان العقد وجهان أصحهما: لا ولكن للمشتري الخيار كالعيب والتدليس. ومنهاك إذا جعل الكافر عبده الكافر رأس مال السلم في شيء؛ فانقطع ذلك الشيء -بعد أن أسلم العبد المذكور- فإن للذي جعله رأس مال السلم فسخ العقد وإذا فسخ العقد انقلب العبد إليه ضرورة. ومنها: إذا أقرض عبده الكافر فأسلم في يد المقترض يجوز المقرض -الكافر- أن يرجع فيه كما جوزنا له بالرجوع في الهبة. ومنها: في القراض إذا اشترى العامل الكافر عبيدا كفارا للقراض؛ فأسلموا وفسخ عقد القراض ثم قسم هو والمالك العبيد؛ فإن قضية المذهب صحة ذلك، وإذا تميزت حصة العامل عبيدا ملكها بجريان سبب الملك، والمذهب أن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة. ومنها: إذا التقط كافرا بشرطه وهو إما عدم التمييز أو في وقت النهب والغارة وأسلم ثم أثبت الكافر أنه كان ملكه؛ فإنه يرجع فيه لأن التمليك بالالتقاط كالتمليك بالقرض. ومنها: إذا التقط عبدا صغيرا لا يميز في موضع لا مسلم فيه وعرفه وتملكه ثم بلغ وأسلم وظهر مالكه ينبغي أن يرجع فيه -كما يرجع فيما وهبه لولده. ومنها: إذا وقف على كافر أمة فأسلمت، ثم حملت وأتت بولد، بعد الإسلام؛ فإنه يكون مسلما تبعا لأمه، ويدخل في ملكه فإن نتاج الجارية الموقوفة ملك الموقوف عليه - على الصحيح. ومنها: إذا أوصى بمنافع الجارية الكافرة ونتاجها؛ فأسلمت ثم حملت وأتت بولد فإنه يكون ملكا له. ومنها: إذا اشترى مسلما بشرط العتق -على وجه. ومنها: إذا أقر بحرية عبد، ثم اشتراه لكنها داخلة في قول النووي: إذا اشترى من يعتق عليه. ومنها: إذا أتت مكاتبة بولد من نكاح أو زنا -بعد أن أسلمت- ثم عجز السيد مكاتبة؛ فإن الجارية وولدها ينقلبان إلى ملك السيد وهذه داخلة فيما ذكره الشيخ صدر الدين في بحثه مع النووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ومنها: إذا نكح عبد كتابي أمة لكتابي ثم أسلم ثم وطئها فالولد مسلم مملوك لسيدها. وهي نظير الصورة التي زادها الشيخ زين الدين -ولد أخي الشيخ صدر الدين- وزين الدين هو جامع "الأشباه والنظائر" المنسوبة إلى عمه وله فيها زيادات يسيرة، مميزة عن كلام عمه بلفظ "قلت". ومنها: إذا أسلمت مستولدة الكافرة ثم حملت وأتت بولد -من نكاح أو زنا؛ فإنه يكون مملوكا له، ويثبت للولد المذكور حكم الاستيلاد. ومنها: إذا أسلمت جارية ثم حملت من غيره بنكاح أو زنا، ثم استولد قبل زوال ملكه عنها؛ فإنه يكون ملكه. ومنها: إذا وطئ الأب الذمي جارية الابن المسلمة فاستولدها فإنه يقدر دخولها في ملكه قهرا. ومنها: إذا جعل العبد صداقا لكافرة فأسلم في يدها، ثم اقتضى الحال رجوعه إلى الزوج -قبل الدخول- بإسلام وغيره من الأسباب. ومنها: إذا تزوجها على عبد فأسلم في يدها ثم اطلع على عيب بها. ومنها: إذا اطلعت على عيب به فلكل الفسخ، ويرجع العبد إليه. ومنها: إذا فسخ الصداق بالتحالف بعد إسلامه. ومنها: إذا أصدقها عبدا كافرا [وشرط وصفا] 1 من نسب أو غيره -أو شرطت- هي- فيه وصفا فخرج خلافه بعد إسلام العبد، ثم فسخ النكاح فالقياس انقلابه إلى الزوج. ومنها: إذا طلقها قبل الدخول -بعد ما أسلم العبد في يدها؛ فإنه [يرجع] 2 نصفه إليه ويؤمر بالإزالة. ومنها: إذا أسلمت المرأة قبل الدخول وقد أسلم العبد في يدها؛ فإنه يرجع إلى ملك الزوج، لسقوط مهرها لحصول الفرقة من جهتها. ومنها: إذا حضر الكفار الجهاد -بإذن الإمام- وحصلت الغنيمة، وكانت نسوة فأسلمن، أو عبيدا كفارا فأسلموا بعد الغنيمة - فاختار الغانمون التملك فالمذهب أن الغنيمة - تملك بالاختيار. وقضيته: أن للإمام أن يرضخ للكافرين -من النسوة والعبيد- وأنه إذا رضخ له   1 في "ب" وشرطت الزوجة وصفا. 2 في "ب" رجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 جارية ملكها أو عبدا ملكه؛ فإنه جرى سبب الاستحقاق بحضور الوقعة، ويحتمل أن يقال: يعوضه ما لا يرضخ له شيئا من ذلك، وهذا هو الأظهر رأيا ونظرا. ومنها: إذا كان بين كافرين عبيد من نوع واحد -بعضهم مسلمون، وبعضهم كفار فاقتسماها وانحصر المسلمون في حصة أحدهما، وقلنا [القسمة] 1 إفراز فقضية المذهب صحة القسمة، ومعلوم شيوع الملك قبل ذلك، وإنما بالقسمة انحصر؛ فقد دخل بعض عبد مسلم في ملك كافر، كما قلنا فيما إذا أعتق الموسر الكافر نصيبه من عبد مسلم مشترك، ولا فرق بين دخول البعض والكل. قاعدة: كل ما صح الرهن به صح ضمانه وما لا فلا إلا2 ضمان العهدة ورد الأعيان المضمونة يصح ضمانها، لا الرهن بهما على الأصح فيهما وهنا مسائل: منها: ضمان المجهول باطل -في الجديد- والرهن بالمجهول لا أعرفه مسطورا. ومنها: إذا منعنا ضمان المجهول؛ فضمن الدراهم التي على فلان جاهلا بمبلغها فهل يصح في ثلاثة؟ لدخولها في اللفظ، أو يأتي في الرهن مثله تردد فيه الشيخ برهان الدين بن الفركاح. ومنها: في ضمان إبل الدية خلاف فليكن الرهن بها مثله، وجزم الرافعي بجواز رهن العاقلة بالدية بعد تمام الحول. ومنها: اختلفوا في ضمان الزكاة عمن هي عليه فليجر الخلاف في الرهن بها، وجزم الرافعي بجواز رهن الملاك بالزكاة بعد تمام الحول. ومنها: اختلفوا في ضمان نجوم الكتابة ولا أعرف مسطورا في الرهن بها. ومنها: اختلفوا في ضمان الثمن في مدة الخيار؛ فليجر هذا الخلاف في الرهن. قاعدة: من لم يجن لا يطالب بجناية من جنى. ويستثنى ضمان العاقلة الدية، وأن الأصح في المحرر الضمان. قاعدة: كل تصرف يقع من المشتري شراء فاسدا فهو كتصرف الغاصب والعين في يده كالمغصوب عند الغاصب إلا في مسائل: منها: أن الغاصب إذا وطئ المغصوبة عالما وجب عليه الحد. وفي الشراء   1 في "ب" الحصة. 2 الأشباه والنظائر للسيوطي 461. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الفاسد لا يجب إذا استند الفساد إلى شرط فاسد أو كون الثمن خمرا إلا على احتمال الإمام؛ وإنما يجب إذا اشترى بميتة أو دم. ومنها: إذا استولد الغاصب عالما بالتحريم لم ينعقد الولد حرا بخلاف المشتري شراء فاسدا. ومنها: ثبوت كونها أم ولد في أحد القولين إذا ملكها يوما من الدهر. بخلاف الغاصب، وقد اقتصر الروياني في الفروق والجرجاني في المعاياة على استثناء هذه الصور الثلاث. ومنها: أن الولد -في الشراء الفاسد- تجب قيمته يوم الولادة -تلف أم بقي لانعقاده حرا، وفي الغصب- إذا تلف- يضمن بالأقصى. والفرق أنه لما انعقد حرا، لم يكن متقوما بعد ذلك. ومنها: المقبوض بعقد المعاطاة على المذهب له حكم المقبوض بعقد فاسد على الصحيح؛ فيطالب كل من المتعاطيين صاحبه. بما دفعه إن كان بقايا وبضمانه عند التلف فإن ماثل الثمن القيمة خرجه الغزالي على مسألة الظفر، وقال الشيخ أو حامد: لا مطالبة لواحد منهما وتبرأ ذمتهما بالتراضي واستشكله الرافعي بسائر العقود الفاسدة؛ فإنه لا براءة وإن وجد التراضي. ومنها: قال الماوردي -في الصلح: لو باع عبدا بيعا فاسدا، وقال لمشتريه: أذنت لك في عتقه، فأعتقه المشتري بإذنه لم يعتق قال؛ لأنه إذنه إنما كان مضمونا بملك العوض، فلما لم يملكه بالعقد الفاسد، لم يعتق عليه بالإذن. وقاس عليه: ما إذا صالحه من ألف -قد أنكرها- على خمسمائة، وأبرأه من الباقي لزمه -في الحكم- رد الخمسمائة، ولم يبرأ منها؛ حتى لو أقام بينة الألف، كان له استيفاء جميعها. انتهى كلامه في أوائل الصلح، ونقله عنه الشيخ الإمام في باب الصلح، وقال: إنه لا شك فيه يعني -بالنسبة إلى مسألة الصلح، وسكت على مسألة البيع. وحاصله: أن العتق لم ينفذ؛ لأن المشتري إنما يعتقه، بناء على أنه ملكه وأنه يعتقه عن نفسه والمالك؛ إنما أذن ظانا ذلك. فإن سلم هذا للماوردي فنظيره في الغصب قول المالك للغاصب أعتق هذا العبد -مشيرا إلى المغصوب- وهو يظنه غير عبده المغصوب. وقد أطلق الأصحاب -في باب الغصب- أن المالك إذا قال للغاصب أعتق عني أو مطلقا فأعتقه عتق، وبرئ الغاصب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 ومنها: المذهب أن المشتري شراء فاسدا، لا يجوز له حبس المبيع إلى استرداد الثمن؛ كذا أطلقوه، وحكوا عن الإصطخري خلافا، واقتضى كلام الرافعي -في موضعين من باب الضمان- ترجيح الحبس، وسمعت الشيخ الإمام يقول- ومسألته عن ذلك: إن فسد بشرط فله الحبس، وإن فسد بخروجه عن ملك الغير فلا؛ هذا حكم البيع الفاسد. وقالوا: للغاصب أن يحبس المغصوب لاسترداد القيمة المأخوذة -للحيلولة- وحكاه القاضي الحسين عن النص، ورجع الرافعي التسوية بين البابين وهو اختيار الإمام فلا استثناء على هذا. ومنها: لو باع ماشيته السائمة بيعا فاسدا فعلقها المشتري، قال في التهذيب: فهو كعلف الغاصب، وصححه الشيخ الوالد رحمه الله في شرح المنهاج؛ فعلى هذا يجري في قطعه الحول الأوجه في علف الغاصب، وأصحها أنه يقطع؛ ولكن قال ابن كج: عندي أنه يقطع يعني -ولا يجري فيه خلاف الغاصب قال: لأنه مأذون له؛ فهو كالوكيل بخلاف الغاصب. فعلى طريقة ابن كج افترق البيع الفاسد والغصب، ولم يصحح الرافعي والنووي من الطريقتين شيئا، كأنهما اكتفيا بأن الفتيا على أنه كالغاصب؛ سواء ثبت الخلاف أم لا، والشيخ الإمام صحح طريقة التهذيب كما عرفناك. ومنها: أن غرس الغاصب وزرعه، غير محترم مطلقا، وأما المشتري شراء فاسدا ففرق بين أن يكون عالما فيكون غير محترم أو جاهلا فلا يقلع مجانا على ما جزم به الرافعي والنووي في كتاب الرهن. ومنها: لا يصح بيع السيد عبده المكاتب، ولا النجوم التي عليه على المذهب؛ فلو باعه أو باعها فأدى النجوم إلى المشتري بعد البيع فأصح القولين أنه لا يعتق، والقول الثاني -هو منصوص [المختصر] 1 أنه يعتق لأن السيد سلطه على القبض فأشبه الوكيل وقيل هذا: لا يجيء في المشتري من الغاصب عبدا مكاتبا أو النجوم التي عليه، بل لا يعتد بقبض المشتري جزما وهو أيضا بيع فاسد- إلا أن المشتري غاصب أيضا- لبناء يده   1 في "ب" في المختصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 على يد الغاصب، ولهذا الخلاف أصل، وهو أن ما استتبع الصحيح هل يستتبع الفاسد. قال ابن الرفعة في باب الوضوء من المطلب: وفيه خلاف أصله بيع السيد نجوم الكتابة -إذا قبضها المشتري- فوجه صحة العتق يضمن البيع والإذن في القبض ووجه عدمه أن تبع للبيع؛ فلما لم يصح البيع لم يتبعه الإذن. ولمثل ذلك ثار الخلاف فيما إذا باع المشتري ما اشتراه في زمن الخيار ولم يصححه منه هل يكون ذلك مبطلا لخياره كما لو صح البيع أو لا؟ قال ابن الرفعة: ومثله يجوز أن يقال: فيما إذا غلط من حدث إلى حدث فنواه؛ فإن اعتبرنا اللازم ارتفع حدثه، وإن اعتبرنا الأصل لم تصح نيته. قلت: وهي قاعدة يعبر عنها بأن "من كان مالكا لتصرف يصح منه فعله، إذا فعل فعلا يتضمن ذلك التصرف المملوك لكن بطريق فاسد، هل يصح؟ وفيه خلاف في صور: منها: الحوالة بالثمن وعليه في مدة الخيار- والأصح يصح؛ فإن قلنا لا يصح ففي انقطاع الخيار وجهان. ومنها: الأب إذا باع العين التي وهبها لابنه -من غير تصريح بلفظ الرجوع هل يكون رجوعا؟ وجهان. قاعدة: تقرب من القاعدة، قبلها: ما يفيد الاستحقاق إذا وقع لا على وجه التعدي هل يفيده إذا وقع على وجه التعدي؟ وفيه خلاف في صور جمع بعضها النووي في زيادة الروضة في باب إحياء الموات، وقال: سبقت مسائل تتعلق بها في الصيد قلت: والذي جمعه في مسائل غيره ذكره في أصل الروضة -تبعا للرافعي- في باب الوليمة وفي المسائل كثرة. [ومنها] 1: إذا دخل الماء المباح دار إنسان، لم يكن لغيره أخذه من داره؛ لامتناع دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه؛ فلو فعله؛ فهلك يملك؟ فيه وجهان أصحهما أنه يملك. وكذا لو دخل السمك مع الماء حوضه ذكره الرافعي في باب الوليمة.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ومنها: لو أحيا واحد أرضا -حماها الإمام- لم يجز؛ ولكن يملكها بالإحياء على الصحيح. ومنها: إذا تحجر مواتا؛ فجاء آخر وأخياه، ملكه على الأصح المنصوص لكونه حقق سبب الملك -وإن كان ظالما- كما لو دخل في سوم أخيه واشترى. والثاني: لا يملك. والثالث: إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان لم يملك. والرابع: إن أخذ المتحجر في العمارة لم يملك. ومنها: إذا عشش الطائر في ملكه، وأخذ الفرخ غيره؛ فالأصح أيضا أنه يملكه. قال النووي: وكذا لو توحل ظبي في أرضه، وأو وقع البلح فيها ونحو ذلك. ومنها: إذا أذن جماعة على الترتيب؛ فالأول أولى بالإقامة إذا لم يكن مؤذن راتب أو كان [السابق] 1 هو المؤذن -فإن سبق غير المؤذن الراتب فهل يستحق ولاية الإقامة فيه وجهان: أحدهما: نعم لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: [من أذن فهو يقيم] 2 وأظهرهما: لا لأنه مسيء بالتقديم. ومنها: لو وقع في حجره شيء من الثمار، لم يكن لغيره أخذه؛ فلو أخذه ففي ملكه وجهان قال في: أصل الروضة: وميلهم إلى منع الملك أكثر. يعني في هذه المسألة، وفي دخول السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا عشش الطائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا وقع البلح في ملكه فأخذه غيره -قال: والأصح أن المحيي يملك والفرق أن المتحجر غير مالك؛ فليس الإحياء تصرفا في ملك غيره بخلاف هذه الصور. قاعدة: قال الشيخ أبو الحسين الفناكي3- من قدماء أصحابنا من تلامذة الشيخ   1 سقط في "ب". 2 أخرجه أحمد في المسند 4/ 169 ضمن مسند زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه وأبو داود 1/ 514 في الصلاة/ باب الرجل يقيم والترمذي 1/ 383 في الصلاة/ باب من أذن؛ فهو يقيم حديث "199" وابن ماجة 1/ 237 في الأذان/ باب السنة في الأذان حديث 717 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 339. 3 أحمد بن الحسين أبو الحسين الرازي الفناكي بفاء مفتوحة ونون مشددة وكاف مكسورة ولد بالري، وتفقه على أبي حامد الإسفراييني وأبي عبد الله الحليمي وأبي طاهر الزيادي وسهل الصعلوكي ودرس ببروجرد ومات بها سنة ثمان وأربعين عن نيف وتسعين سنة. قال ابن الصلاح رحمه الله: رأيت له كتابا سماه المناقضات مضمونه الحصر والاستثناء منه قريب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أبي حامد في كتاب له يسمى المناقضات: من اشترى شيئا شراء صحيحا لزمه الثمن؛ إلا في مسألة واحدة وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم فإنه لا يلزم الثمن؛ وإنما تلزم قيمته، ذكره أبو علي الطبري، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع المضطر"1 قلت: وهذا فيه نظر، فإن المضطر إن تمكن من أخذ الطعام قهرا والحالة هذه -فعدل إلى الشراء لزمه المسمى- ولو زاد على ثمن المثل بلا خلاف كذا صرح بنفي الخلاف فيه الرافعي. ويتجه أن يخرج [فيه] 2 خلاف من الخاف في الإكراه على قتل أحد الرجلين. وأيضا فقد أجرى البغوي الخلاف في وجوب المسمى، أو ثمن المثل، فيما إذا وجد ميته، وطعام الغير فاشتراه بالزيادة إمكان عدوله إلى الميتة بأن عجز -فالأقيس عند الرافعي، النووي وصححه القاضي أبو الطيب- لزوم الثمن المسمى أيضا؛ لأنه التزمه بعقد لازم، وصحح الروياني أنه لا يلزمه قال: لأنه كالمكره. قال الرافعي: وهو أقرب إلى المصلحة. وفرق الماوردي بين زيادة تشق على المضطر لإعساره فلا يلزمه، وزيادة لا تشق فلا يأتي ما قاله أبو علي إلا على ما صححه الروياني بشرط أن يقول بصحة البيع، وقد قال الرافعي أنه الذي يفهم من إيرادهم قال؛ ولكن الوجه نصب الخلاف في صحة العقد لمعنى الإكراه. وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يبينه وبه صرح الإمام فقال: "الشراء بالثمن الغالي هل يجعله مكرها حتى لا يصح الشراء منه، فيه وجهان أقيسهما المنع. انتهى كلام الرافعي مختصرا، وقوله: أقيسهما المنع تابع في الإمام فإنه قال هكذا. قال في النهاية ولعله في ذلك حال عند لا حاكم بأنه أقيس [وهكذا] 3 كلام الفناكي، وقوله: "إن هذا الشراء صحيح" صريح في الرد على الرافعي؛ لأنه قال بصحة الشراء -مع إلزام القيمة- وعزاه إلى أبي علي الطبري، وكلام الرافعي يقتضي أنه من يلزم القيمة يجعل المشتري مكرها والبيع فاسدا، ولو كان كذلك لقيل لأبي علي   1 تلخيض ابن القاضي في المعنى ابن قاضي شهبة 1/ 222، ابن السبكي 3/ 7، هداية العارفين 1/ 77، معجم المؤلفين 1/ 207. 1 أحمد في المسند 1/ 116، أبو داود في السنن 3/ 255 في كتاب البيوع/ باب في بيع المضطر حديث "3382". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" وهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الطبري: ما ذكرت من الاستثناء غير مستقيم؛ لأن صحة البيع مع عدم لزوم الثمن -مما لا يجتمعان، وما ذكره من الحديث -رواه أبو داود من حديث علي كرم الله وجهه، وفي سنده مقال وبتقدير ثبوته. قال الخطابي: "يحتمل أن يعني -بالمضطر- المكره"، وهذا يؤيد ما ذكره الإمام والرافعي، قال: "ويحتمل أن يعني به من باع في ضرورة من دين ركبه أو نحو ذلك -فلا يباع- من حيث المروءة؛ لكن يعان، أو يقرض ويستمهل، وفي هذه الحالة إن بيع صح، وكان مكروها" قلت: ويكون بيع المضطر، مصدرًا مضافًا إلى المفعول، أي لا يباع المضطر بل يبذل له الطعام مجانا -كما هو وجه لأصحابنا- لأن البذل واجب فلا يؤخذ عليه عوض أو يقرض ويستمهل كما قال. أو يقال: المضطر من لا يتحمل حالة التأخير إلى مماكسة البيع، لمسيس [الجوع] 1؛ فلا يجوز أن يباع -ويؤخر الطعام عنه إلى تقرير الثمن- بل يبادر إلى إطعامه [أو] 2 حاله لا تتحمل التأخير، ثم إذا أطعمه تجب القيمة، وقال القاضي أبو الطيب: لا يجب العوض هنا؛ سواء وجب العوض أم لا؛ فالقول بهذا الاحتمال فيه أخذ للحديث على ظاهره، وفي الحديث إرشاد إليه؛ فإن لفظه أن عليا رضي الله عنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه -ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر؛ هذا لفظ أبي دواد عن علي كرم الله وجهه وسياقه يشهد لتحريم أن يباع المضطر -كما أولناه- فإن ضم إليه عدم لزوم العوض -كما قال القاضي أبو الطيب- كان أوفق للظاهر وللسياق. [قاعدة] 3: لا يتوالي ضمان عقدين في شيء واحد. وهذه القاعدة ذكرها الأصحاب -عند الكلام على بيع المبيع قبل القبض؛ فاتهم عللوا منعه من حيث المعنى بشيئين؛ هذا أحدهما ووجهوه بأن المبيع مضمون على البائع للمشتري وإذا نفذ المبيع منه، صار مضمونا عليه للمشتري. الثاني: فيكون الشيء الواحد مضمونا له وعليه في عقدين، قال إمام الحرمين في "النهاية" ولا حاجة إلى هذا -مع الخبر- يعني أن الاعتماد في منع بيع ما لم يقبض -على الأخبار لا المعنى. وقال بعد ذلك بيسير: "الغالب على هذا الأصل [التعبد] 4 وتبعه الرافعي -حيث قال: "والاعتماد على الأخبار واختاره الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الرهن من شرح المهذب. واعترض على هذا   1 في "ب" للجوع. 2 في "ب" إذ. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" البعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 المعنى بأن المعنى بكونه من ضمان البائع -أنه لو تلف انفسخ البيع وسقط الثمن- فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف عند البائع ينفسخ البيعان، ويسقط الثمنان، وتبين أنه هلك على ملك من هلك في يده. ورده ابن الرفعة: بأن مراد الأصحاب بتوالي الضمانين أنه لو هلك لانقلب إلى ملكه قبل التلف. قلت: وهذا أشار إليه الإمام في النهاية قال ابن الرفعة: وحينئذ يكون قبل ملكه منقلبا إلى ملكه وملك بائعه في آن واحد؛ وذلك محال وإلى هذا الإشارة بقول الشيخ الإمام في شرح المنهاج في توضيح هذه القاعدة ما نصه: "وقد يتلف قبل القبض؛ فيقدر انقلابه من ملك المشتري الثاني، إلى [ملك] 1 المشتري الأول، ومنه إلى البائع -قبل التلف- ويستحيل ملك الشخصين في زمن واحد. قلت: وقد يقال أن انقلابه إلى ملك البائع الأول، يسبق إلى ملك البائع الثاني؛ لأن ملك الثاني مرتب على ملك الأول؛ فلم يلزم اجتماع مالكين في آن واحد، ثم ما ذكره ابن الرفعة والشيخ الإمام -من أن منع توالي الضمانين لكونه يؤول إلى اجتماع مالكين في آن واحد، لم أر التصريح به لغيرهما والذي اقتصر عليه، أكثر من وقفت على كلامه من الأصحاب ما ذكرناه من كونه يصير مضمونا له، وعليه عبارة الإمام في "النهاية"، وذكر الفقهاء -في ضبط المذهب- أن الضمانين لا يتواليان وعنوا به أنا لو قدرنا نفوذ بيع المشتري قبل القبض -لكان مضمونا على الباشع الأول للمشتري، ثم يكون مضمونا على المشتري الأول للمشتري الثاني. انتهى. فالذي أفهمه من توالي الضمانين، أنه لا يورد عقد ضمان، على عقد ضمان -قبل لزومه واستقراره- لما يؤدي إليه من صيرورته مطالبا ومطالبا في شيء واحد. ثم ينشأ التردد في إجارة المبيع قبل القبض؛ فالراجح -عند الغزالي- الصحة؛ لأن مورد عقد الإجارة [عين] 2 مورد عقد البيع؛ فلا يكون مطالبا مطالبا في شيء واحد، لأنه في البيع مطالب بتسليم الرقبة وفي الإجارة بالمنفعة فلم يتحدا؛ فلم يتوالى ضمانا عقدين في شيء واحد. وبتقدير القول: بأن المعقود عليه في الإجارة الرقبة - كما هو رأي أبي إسحاق   1 سقط في "ب". 2 في "ب" غير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 فليست الإجارة عقد ضمان، والمحدود كونه طالبا ومطالبا في عقد ضمان والراجح -عند المعظم- عدم الصحة لضعف الملك- ولأن التسليم فيها مستحق كما في البيع، ومن ثم أيضا منع ابن سريج -فيما نقله الرافعي عنه أن يؤجر المستأجرالعين المستأجرة من آجرها؛ محتجا بأن المكري مطالب بالتسليم -مدة الإجارة- فإذا اكترى ما اكترى، كان مطالبا ومطالبا في عقد واحد؛ وذلك لا يحتمل إلا في حق الأب والجد في مال الصغير، والأصح الجواز -لا لمنع هذه العلة، بل القياس على بيع المبيع من بائعه -قبل قبضه- فإنا نقدر أن المستأجر ملك كل المنفعة دفعة على الصحيح. وصورة المسألة: الإجارة بعد تسلميه العين المأجورة، أما قبله فقال القاضي أبو الطيب في التعليقة: المذهب منعه من المكري والأجنبي، وصحح النووي صحة أجارته للمؤجر، ثم الذي نقله القاضي أبو الطيب في التعليقة عن ابن سريج أنه يجوز [اكتراؤها] 1 من المكري وغيره قبل التسليم، وقد يقال كيف يجوز ابن سريج اكتراؤها من المكري قبل قبضها2، وهو ما نقله عنه الرافعي، وقد تكلمت على هذا السؤال في كتابي المسمى "منع المشاجرة في بيع العين المستأجرة". إذا عرفت هذا فقد قال [ابن الرفعة] 3 في مسألة الإجارة من الآجر: لو علل المنع بتوالي الضمانين لكان أقوى من كونه مطالبا ومطالبا. قال: وإنما قلت ذلك بناء على أن المتسأجر يملك كل المنفعة دفعة على الصحيح؛ فإنه إذا كان كذلك اقتضى أن العين لو تلفت لعادت إلى ملك الآجر -قبل التلف- وإذا استأجرها وتلفت، اقتضى أن تعود المنافع إلى ملك آجرها وحينئذ تصير مملوكة له، ومملوكة لمؤجره أو منتقلة وعائدة إليه وهو محال "انتهى". وهو كلام قويم -على أصله- في تفسير توالي الضمانينن مما فسره؛ إلا أن دعواه في استحالة كونها منتقلة وعائدة إليه -ممنوعة، ثم يقال له: أين الضمان في الإجارة وكأنه لا يعني بالضمان كونها عقد ضمان؛ بل نحو ما ذكره القاضي أبو الطيب في "التعليقة" حيث قال: وقال أبو العباس بن سريج: يجوز أن يكريها من المكري وغيره لأن قبض الدار المستأجرة لا تنقل الضمان بدليل أنها إذا انهدمت في يد المكتري، كان الضمان على المكري -دونه- انتهى. ومن فروع القاعدة -على ما فهمه ابن الرفعة والشيخ الإمام- المسألة التي   1 في "ب" اقراؤها. 2 في "ب" زيادة القاضي أبو الطيب ويمنعه بعده. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 [قبلها] 1 ونقلها الرافعي -في الباب الثاني من الضمان- عن الأستاذ أبي منصور، وهي: ما إذا قال [للمضمون له] 2 بعت منك هذا العبد بما ضمنته عن فلان. قال الرافعي: ففي صحة البيع وجهان -حكاهما الأستاذ أبو منصور البغدادي. انتهى. وقد يستشكل وجه المنع؛ قال ابن الرفعة: ولعل مأخذه تناقض الأحكام؛ فإن مقتضى الصحة دخوله في ملك المشتري، الذي هو رب الدين؛ بدلا عن دينه، الذي هو في ذمة الضامن، وعند ذلك يحكم ببراءة الأصيل، وعند الحكم بها يقدر أن ما حصلت به البراءة؛ فقد دخل في ملك المضمون عنه -قبل دخوله في ملك رب الدين، وملك المضمون عند بمجرد البيع، والشيء الواحد لا يقتضي إثبات ملكين على مملوك واحد - باعتبار كله لا باعتبار بعضه. انتهى. قلت: والصواب أن دخوله في ملك الأصيل، يسبق دخوله في ملك رب الدين؛ فلم يجتمع مالكان على شيء واحد. ومنها: الرهن والهبة قبل القبض، رجح الشيخ الإمام صحتهما، ورجح الرافعي والنووي فسادهما ومن الأصحاب من فرق بين أن يكونا مع البائع أو غيره، ومن فرق بين ما قبل نقد الثمن وبعده، وادعى الشيخ الإمام، في باب الرهن من "شرح المهذب" أن تصحيحه لهما ناشئ عن اختياره [البعيد] 3 واعتماد الخبر دون المعنى. في بيع المبيع قبل القبض، وقد يقال: لو كان ما علل به -من اجتماع مالكين- صحيحا لما جازت الهبة، ولا امتنع الرهن؛ لأن الهبة تنقل الملك، والرهن لا ينقله ولا قائل بذلك، فإن من جوز الرهن قبل القبض جوز الهبة ومن منع منع فلا يفصل [بينهما4. قاعدة: المثلي مضمون بمثله، والمتقوم بالقيمة5. واستثنى من المثلي مسائل: منها: لبن المصراة. واعتذر الشيخ الإمام رحمه الله بأن إعطاء الثمن ليس من باب المعاوضات فلا استثناء. ومنها: الماء فإنه مثلي -على جزم به الرافعي في النصب- ولا اعتبار بإيهام عبارته في باب إحياء الموات أنه متقوم. ثم إذا تلف الماء في مفازة وظفر به صاحبه في   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" تعبد. 4 في "ب" فيهما. 5 روضة الطالبين 5/ 8، الأشباه والنظائر 200/ 180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 موضع لا قيمة للماء فيه؛ فإنه يطالبه بقيمة [الماء في] 1 المفازة؛ فإذا اجتمعا في تلك المفازة أو مثلها ففي وجوب رد المثل، واسترداد القيمة وجهان فعلى القول بعدم الوجوب يقع الاستثناء، وعلى القول بالوجوب هو ما جزم به صاحب التتمة -لا استثناء والقيمة [إنما هي] 2 للحيلولة. ومنها: [إذا] 3 تراضيا على أخذ قيمة المثلي -مع وجوده- فوجهان أصحهما -عند الوالد رحمه الله- الجواز لكنه أشار إلى أنه لا يستثنى؛ لأن يعلل الجواز بأنه اعتياض عما ثبت في الذمة من المثل. ومنها: لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل، فالمرجح -عند النووي- وبه جزم الشيخ أبو إسحاق -العدول إلى القيمة؛ لكن رجح الوالد رحمه الله أنه لا يعدل. ومنها: اللحم فإنه يضمن بالقيمة -كما صححه الرافعي وغيره في باب الأضحية- مع أنه مثلي. ومنها: الفاكهة -فإنها مثلية- على ما اقتضاه تصحيح المشايخ الثلاثة: الرافعي والنووي والوالد -في باب الغصب، والأصح أنها تضمن بالقيمة. ومنها: المقبوض بالبيع الفاسد. أطلق أكثر الأصحاب -منهم الرافعي- أنه يضمن بالقيمة، وحكى الماوردي وجها فيما إذا كان مثليا أنه يضمن بالمثل، قال: ولكن الأصح أنه يضمن بالقيمة وإن كان مثليا؛ لأنه لم يضمنه وقت القبض بالمثل؛ بل بالعوض، بخلاف الغصب. وطرده في المقبوض بالسوم، والتحالف بعد هلاك المبيع، وكل عقد مفسوخ؛ فزعم أن المثلي يضمن -في الكل- بالقيمة. لكن ذكر الشيخ الإمام رحمه الله في "شرح المنهاج" في باب حكم المبيع قبل القبض أن الصحيح -الذي نص عليه الشافعي في مواضع [من] 4 الأم وغيرها، واقتضاه القياس -خلاف ما؛ قاله الماوردي وأجاب عما قاله الماوردي [بأن الضمان] 5 بالعوض زال بالفسخ، وصار كما لو لم يرد عليه عقد. ومنها: المستعار -إذ قلنا بالأصح وهو أنه يضمن بقيمة يوم التلف- وكان مثليا ضمن بالقيمة، صرح به صاحب المهذب والماوردي؛ ولكنه منعه الشيخ الإمام.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" لو. 4 في "ب" في. 5 في "ب" في أن الضمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 فصل: ويستثنى من المتقوم مسائل: منها: إذا اقترض متقوما؛ فالأصح أنه يرد مثله في الصورة، إلا في نحو الجوهر والحنطة المختلطة بالشعير -إن جوزنا قرضهما؛ فإنهما يضمنان بالقيمة صرح به الماوردي، ونقله عنه الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج" وصوبه. ومنها: من عجل الزكاة، وثبت الاسترداد إلى آخر الحول، والمعجل تالف، ضمنه بالمثل -وإن كان متقوما- صححه الشيخ الإمام ورد جزم الرافعي بأن المتقوم يضمن بالقيمة. ومنها: لو صار المتقوم مثليا كمن غصب رطبا -وقلنا: إنه متقوم- فصار تمرا وتلف. وقال العراقيون: يضمن مثل التمر، وقال الغزالي: يتخير بين مثل الثمن وقيمة الرطب وقال البغوي: إن كان الرطب أكثر قيمة لزمه قيمته وإلا لزمه المثل قال الوالد رحمه الله: وهو أشبه. قاعدة: قال ابن القاص: كل ما جاز بيعه فعلى متلفه القيمة1. واستثنى المرتد ووافقه القفال، وضم -إلى المرتد- المتسحق قتله في المحاربة. قلت: والذي أفهمه من لفظ القيمة -هنا- الضمان، والمعنى أن متلف ما يجوز بيعه يضمنه بقيمته إن كان متقوما وبمثله إن كان مثليا -لا خصوص القيمة المقابلة للمثل- والإلزام أن يضمن متلف المثل المتقوم، ولا يقول بهذا أحد، وسنحكي عن ابن الرفعة ما يقتضي أنه قد فهم خلاف هذا. فصل: وما لا يجوز بيعه فلا قيمة على متلفه. قاله ابن القاص، والقفال أيضا وعزاه ابن الرفعة في البيع من المطلب إلى الجمهور ولمعترض أن يورد على القفال حبة الحنطة؛ فإنه أوجب على متلفها مثلها -مع أن بيعها لا يجوز وهذا الاعتراض جار على ما فهمناه من أن المعنى بالقيمة هنا عوض المتلف، قيمة إن كان متقوما، ومثلا إن كان مثليا. ومنع ابن الرفعة وورد هذا على   1 المنثور 3/ 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 القفال- زاعما أنه وافق على عدم إيجاب القيمة لعدم إمكانها بخلاف المثل. يعني فاستمر قوله: لا قيمة على متلفه؛ لأن الواجب -هنا- المثل لا القيمة إذ لا قيمة. وهذا يقتضي أنه فهم أن المعنى بالقيمة مقابل المثل، وقد قلنا: أنه لا يستمر ويلزم عليه أن يضمن -ما يجوز بيعه من المتلفات ... بالقيمة ولا قائل به والذي أعتقده أن المراد بالقيمة هنا العوض، وحبه الحنطة لا تضمن -عند الجمهور- لأنها لاتباع فلا عوض لها، وهي جارية على القاعدة وخلاف القفال -فيها- لا يرد على ابن القاص. واتباع القفال له "شرح التلخيص" لكونه يجري معه على كلام الأصحاب، وليس له أن ينقض عليه اجتهاده في نفسه. قاعدة: الرهن أمانة في يد المرتهن [غير مضمون] 1. قال الشيخ أبو حامد: والمحاملي: إلا في ثمان مسائل: قلت: وهي أكثر. فمنها: إذا رهن المغصوب من الغاصب الأصح أن حكم الضمان باق. ومنها: المرهون إذا تحول غصبا. ومنها: المقبوض على السوم إذا تحول رهنا. ومنها: المقبوض بالبيع الفاسد [إذا تحول رهنا] 2. ومنها: المبيع المقابل فيه، إذا رهنه منه قبل القبض. ومنها: إذا خالعها على شيء ثم رهنه منها قبل القبض. قاعدة: كل مرهون لا يسقط الدين بتلفه. قال الإمام في "النهاية" إلا في مسألة واحدة -على وجه- وهي: ما إذا شرط كون المبيع نفسه رهنا بالثمن، وقلنا: يصح الشرط، فإن المبيع على هذا يكون مرهونا عند البائع، مضمونا عليه بحكم العقد؛ فإن ضمان العقد لا يزول إلا بالقبض. قال الإمام: ولا يتصور -على مذهبنا- مرهون يسقط الدين بتلفه إلا هذا ولكن لا يسقط بسبب تلف الرهن -من حيث كان رهنا- بل بتلف المبيع من حيث كان مضمونا على البائع. انتهى. وتبعه الغزالي في البسيط.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 قاعدة: فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه1. قال القاضي الحسين: إلا ما شذ عن ذلك وهو عقد الشركة إذا كانت صحيحة؛ فعمل كل واحد منهما في مال صاحبه. لا يكون عمله مضمونا وإذا كانت فاسدة يكون مضمونا وعكس هذا المسابقة على الخيل أو الرمي صحيحها يكون مضمونا بخلاف فاسدها. قال ابن الرفعة: والمقبوض في الهبة الفاسدة مضمون -على وجه- بخلاف الصحيحة. قلت: ومسائل أخرى: منها: صحيح الوديعة لا ضمان فيه على المودع، ولو أخذها من صبي أو مجنون ضمن. ومنها: إذا قال: قارضتك على أن جميع الربح لي -وقلنا: هو قراض فاسد، لا يستحق شيئا على الأصح -وإن ربح- وفي القراض الصحيح يستحق المسمى فصحيحها مضمون بخلاف فاسدها في هذه الصورة. ومنها: لو عرض العين المستأجرة على المستأجر، فامتنع من [تسلمها] 2 إلى أن انقضت المدة، استقرت الأجرة، ولو كانت الإجارة فاسد لم تستقر صرح به صاحب التهذيب. ومنها: إذا نكح امرأة نكاحا صحيحا، وماتت من الولادة، لم يضمنها -بلا خلاف- ولعله إجماع- ولو كان النكاح فاسدا؛ ففي ضمانها قولان في البحر. فائدة: ليس مرادنا -من قولنا: الفاسد كالصحيح في الضمان أنه يجب فيه المسمى كما في الصحيح؛ بل أنه مثله في أصل الضمان؛ فيجب -في الإجارة الفاسدة- أجرة المثل ونحو ذلك، لا خصوص المسمى. فلا يجب المسمى في شيء من العقود الفاسدة إلا في مسألة واحدة وهي ما إذا بذل الكافر مالا على الدخول في حرم مكة فإن الإمام لا يجيبه فإن فعل فالصلح فاسد؛ فإن فعل أخرج وثبت العوض المسمى بخلاف الإجارة الفاسدة فإنه إنما ثبتت فيها أجرة المثل، فإنه هنا استوفى في العوض، وليس لمثله أجره وإن دخل -ولم ينته إلى الموضع المشروط- وجبت الحصة من المسمى.   1 الأشباه والنظائر 283، نختصر قواعد العلائي 1/ 315. 2 في "ب" تسليمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 قاعدة: المفلس لا يلزم بتحصيل ما ليس بحاصل، ولا يمكن من تفويت ما هو حاصل ويستثنى من الأول: ما إذا لزمه دين -وهو عاصي بسببه- فإنه يلزمه الاكتساب لوفائه، على ما ذكره أبو عبد الله العزاوي. قاعدة: قال ابن الصباغ في الشامل في باب التفليس بعدما ذكر أن المفلس إذا باع نخلا وأطلعت وأفلس المشتري قبل تأبير النخل؛ فرجع البائع في الأصول هل يتبعها الطلع فيه قولان: أحدهما يتبع كما يتبع في المبيع والثاني: لا والفرق أن البيع يصدر بالاختيار؛ بخلاف فسخ البيع ما نصه قال أصحابنا كل موضع أزال ملكه باختياره على سبيل العوض تبع الطلع، وكل موضع أزال ملكه بغير اختياره؛ فهل يتبع فيه قولان كالرد بالعيب وقد ذكر الرافعي والمتأخرون معنى هذا أيضا. فائدة: كل دين مستقر ثابت في الذمة تجوز الحوالة عليه إلا الإبل الثابتة في الذمة بالجناية. وكل دين غير مستقر لا تجوز الحوالة عليه إلا الثمن في مدة الخيار. قاعدة: أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض لا سفه ولا رهن، والقول بأنه حجر رهن: استنبطه الوالد رحمه الله وخرجه وليس منصوصًا ولا نعني -بقولنا: إنه حجر مرض ثبوت أحكام حجر المرض كلها، وكذلك في كل ما يغلب فيه أحد الجانبين على الآخر كقولنا: الظهار طلاق أو يمين واليمين المردودة إقرار أو بينة وأشباه ذلك. ولو صح لك هذا -هنا- أن المريض يسوغ له الإقدام على التصرف ويحكم بصحة تصرفه ظاهرا ولا خلاف أن المفلس ممنوع من التصرف، وإن قيل بتنفيذه فيما بعد. فإن قلت: فإذا كان كذلك، فلا فائدة في هذه القاعدة وأمثالها؛ إذ لا فائدة غير إجراء الأحكام على قضية قاعدتها. قلت: قال الشيخ الإمام -فيما عمله من تكملة شرح المهذب: بل فائدته معرفة حقيقة ذلك الشيء، وسره والمقصود به. قال: والفقيه يعلم أن الشيئين المتساويين -في الحقيقة وأصل المعنى- قد تعرض لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه، وإن لم تغير حقيقته الأصلية؛ فالفقيه الحاذق يحتاج إلى [تيقن] 1 القاعدة الكلية في كل باب، ثم ينظر نظرًا خاصًا في كل مسألة ولا يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتى يعلم "هل تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها أو تمتاز بما [ثبت] 2 له تخصيص حكم - في زيادة   1 في "ب" أن ينص. 2 في "ب" يثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أو نقص -وفي هذا تتفاوت رتب الفقهاء؛ فكم من واحد متمسك بالقواعد -قليل الممارسة للفروع ومآخذها يزل في أدنى المسائل، وكم [من] 1 آخر مستكثر في الفروع ومداركها قد أفرغ جمام ذهنه فيها -غفل عن قاعدة كلية، فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران، ومن وفقه الله بمزيد [من2] العناية- جمع له بين الأمرين؛ فيرى الأمر -رأي العين- انتهى كلامه ذكره في باب التفليس. قاعدة: [كل] 3 ما لو صرح به أبطل فإذا أضمره كره. ومن ثم يكره تزويج امرأة بقصد الطلاق -عند الإحلال لزوج آخر وهل قصد إقراض -المشهور أنه يرد بأكثر مما اقترض فيه وجهان. تنبيه: ذكر الشيخ الإمام الوالد رحمه الله هذه القاعدة في شرح المنهاج في مسألة التحليل، وقال: ينبغي أن لا تؤخذ على إطلاقها؛ فإن مثل بيع الجمع بالدراهم وشراء الخبيث بها لا يكره". قال: وقد يقال: إذا احتج الأصحاب بأن الله تجاوز عن حديث النفس4 لعدم البطلان؛ فينبغي أن لا تثبت الكراهة أيضا؛ لكنا نقول: هذه الحديث -وإن احتج به الأصحاب ففيه ما لم يتكلم أو يعمل فإن كان المقصود- ما لم يتكلم بالذي حدثت به نفسها أو يعمل به- فيصح الاحتجاج به. وإن أخذ مطلقا؛ فقد يقال: إن هذا حديث نفس -قارنه عمل- كما إذا التقى المسلمان بسيفهما أثم القاتل لصدور حرصه على القتل، وإن لم يحصل ما حرص عليه؛ ولكن قارن حرصه عمل وهو وسيلة إليه، وهنا قارن حديث النفس عمل؛ لكنه ليس وسيلة إلى الحرام بل إلى الخلاص عنه فلم يحرم وأما الكراهة: فإن قصد بتلك الحيلة معنى المفسدة المنهي عنها شرعا فتقوى الكراهة؛ وإلا فلا، ومسألة الخبيث من القسم الثاني. هذا كلام الوالد رحمه الله.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 يشير إلى ما أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم. البخاري 5/ 160 في العتق/ باب الخطأ والنسيان "2528". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قاعدة: كل خيار يرجع إلى الحظ والمصلحة، يجوز التوكيل فيه، وكل خيار يرجع إلى الإرادة والشهوة لا يوكل فيه وفيما تردد بينهما تردد فمن الأول: خيار الشرط والعيب والخلف، ومن الثاني: خيار من أسلم على أختين أو أكثر من أربع، ومن الثالث: خيار الرؤية- على القول بتجويز بيع الغائب. قاعدة: كل متصرف عن الغير فعليه أن يتصرف بالمصلحة، وفي وجه -حكاه الإمام، والغزالي، والروياني- أن الواجب عدم المفسدة؛ فإذا استوت المصلحة والمفسدة لم يتصرف على الأول، ويتصرف على الثاني وفيها مسائل: منها: إذا استوى في نظره المصلحة والمفسدة في أخذ الشقص المشفوع وتركه لليتيم؛ ففي أخذه الوجوب وهو أغربها - والجواز، والتحريم. ومنها: وهي مما يرد نقضا -إذا شرط في البيع الخيار لأجنبي لم يلزم الأجنبي رعاية الحظ، قال الرافعي: هكذا ذكروه، ولناظر أن يجعل شرط الخيار إنما ما إذا جعلناه نائبا عن العاقد. ومنها: إذا جن المكاتب -وله مال- قال الأصحاب: يؤدي الحاكم عنه بالنجوم وقيده الغزالي بما إذا كانت الحرية مصلحته؛ بخلاف ما إذا كان يضيع بالعتق وحاول الرافعي وابن الرفعة تبقية كلام الأصحاب على إطلاقه، وإبقاؤه على إطلاقه تكون صور كون العتق مفسدة واردة نقضًا على القاعدة. والرافعي قال: إن القيد قليل الفائدة -مع قولنا: إن السيد إذا وجد له ما لا يستقل بأخذه؛ إلا أن يقال: إن للحاكم منعه من الأخذ- والحالة هذه وقال ابن الرفعة: لو قيل: للحاكم منعه لكان قليل الفائدة أيضا لأن السيد حينئذ يتمكن من الفسخ. فيسترجع المال والعبد، ويتمكن من عتقه يعني عتقا يصادفه لا مال معه؛ وإلا فهو يتمكن من العتق دائما فيقع منه فررنا قال: فيصح إذا ما قاله الأصحاب، قلت: ولمانع أن يمنع جواز عتقه -والحالة هذه- ويقول: إذا منعه الحاكم من الأخذ لم يقدر على غير الفسخ الموجب لبقاء العبودية التي هي الآن مصلحة أما العتق- حيث لا ضرر- فلا، ولكن هذا لا نجد في كلام أكثر الأئمة مساعدا عليه غير ما في حفظي عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام: [إن] 1 من أعتق العبد -في زمن الغلاء المفرط- إذا أدى إلى ضيعته- لا   1 في "ب" من أن أعتق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 يجوز ولا أعرف للشيخ عز الدين سلفا في ذلك؛ إلا أن يكون هذا القيد الذي ذكره الغزالي هنا. ومنها: إذا اتفق في ماله فرضان في نصاب -كالمائتين- فيها أربع حقائق وخمس بنات لبون، وهما موجودان عند المالك؛ فالمذهب وجوب الأغبط المساكين، وقال ابن سريج: لا يجب، بل يستحب قال: "إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه". قلت: فعلى هذا يأخذ المتصرف للمساكين غير الأغبط -وهو خلاف مصلحتهم- لمعارضة مصلحة يتيم معين؛ فكان وجوب التصرف بالمصلحة مقيدًا بعدم المعارض. قاعدة: ما لا يستحق بالشيء، لا يستحق به ذلك الشيء؛ ذكرها القاضي الحسين، والرافعي، وغيرهما في باب الشفعة، ومن ثم لو كان بعض الدار وقفًا؛ فباع صاحب الطلق منها نصيبه، لم يكن للموقف عليه الشفعة على الأصح، وإن قلنا: إن الموقوف عليه يملك الموقوف، وأنه يقبل القسمة. ومن أصحابنا من علل المنع بأن الموقوف عليه لا يملك، وأن الوقف لا يفرز بالقسمة عن الطلق؛ ولكن قضية إيراد الرافعي ترجيح العلة التي جعلناها قاعدة. ولما ذكر القاضي القاعدة، خرج عليها فرعا -في جارية نصفها قن، ونصفها أم ولد- نقله عنه الشيخ الإمام في شرح المنهاج وتكلم عليه. ومن فروع القاعدة -أيضا دار ثلثها ملك لزيد وثلثها ملك لعمرو، وثلثها وقف على خالد، فباع أحد المالكين نصيبه. هل تثبت للآخر الشفعة، قال الوالد رحمه الله: ينبغي أن يقال إن جوزنا قسمة الوقف عن المالك وهو اختيار النووي -ثبت لانتفاء العلة التي ذكرها القاضي؛ ولأنه ملك وإن لم تجوزه -وهو المشهور- فلا شفعة لعدم توقع الضرر بالمقاسمة. قلت: وإن أثبتنا الشفعة فيحتمل أن تثبت له الشفعة في الثلث كله، ويحتمل أن تثبت في السدس. وقد نازع ابن الصباغ في صحة العلة ونقضها ابن الرفعة؛ فصاحب الجزء الكبير يأخذ بالشفعة -دون صاحب الجزء الصغير- بالعكس. قاعدة: قال الشيخ أبو محمد -فيما نقله عنه ولده الإمام في النهاية: "كل ما لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 يؤخذ في مقابلة الدين إلا [معارضة] 1؛ فلا تجوز الحوالة عليه وكل ما يؤخذ استيفاء -من غير احتياج إلى الرضى- تجوز الحوالة عليه [إن] 2 كان دينا، وكل ما يجوز استيفاؤه؛ ولكن يشترط فيه الرضى ففي جواز الإحالة غير خلاف والظاهر المنع. وقال العراقيون: كل ما هو ذوات الأمثال [يجوز إحالة الدين فيه على مثله، وما ليس من ذوات الأمثال] 3- إذا فرض دينا مع اتحاد الجنس والنوع فهل تصح الإحالة عليه؟ فيه وجهان. قاعدة: كل ما لو قارن لمنع فإذا طرأ فعلى قولين، كما لو أسلم فيما يعم، فانقطع في محله ففي الانفساخ قولان، وكالفسق فإنه يمنع ولاية الإمامة ابتداء، وإذا طرأ. لم يعزل على الصحيح وتستثنى مسائل: منها: الرضاع: لو قارن ابتداء النكاح لمنعه، ولو [طرأ] 4 لقطعه أيضًا ولا خلاف فيه. ومنها: العدة، لو قارنت ابتداء النكاح لمنعته، ولو طرأت في أثنائه في وطء الشبهة لم تقطعه، ولا خلاف فيه. فصل: هذه القاعدة ينقضها شيء، يعده العادون في القواعد، ويندرج فيها شيء يعده آخرون في القواعد. أما الذي ينقضها فقولهم: كل تصرف يمنع ابتداء الرهن، يفسخه إذا طرأ عليه قبل القبض -ولم يحكوا- في ذلك قولان؛ فلم يطرد دعوى القولين، قال الوالد [رحمه الله] 5 في "شرح المهذب" وهذا مطرد -لا ينقضه شيء- ولا يرد أن الأصح عدم الانفساخ بتخمير العصير، وجناية العبد، وإباقة، وكذا بموت العاقد عند الرافعي والنووي خلافا للشيخ الإمام. قال الشيخ الإمام: وإنما لم ينقض الرهن لأن كلامنا في التصرفات، لا في كل ما يمنع الرهن. قال: وأما عكس هذا الضابط فيستثنى منه الرهن من غير قبض- على المنصوص   1 في "ب" بمعاوضة. 2 في "ب" إذا. 3 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 4 في "ب" لو طرأت. 5 ساقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وأمور أخر على وجه. وأما الذي يندرج في القاعد؛ فإنه قد يغتفر في الدوام، ما لا يغتفر في الابتداء ومسائلها كثيرة وهي من أصلها خارجة عن القواعد، وانظر كيف أتينا بلفظ "قد" التي لا تستعمل غالبا إلا للتقليل وفهمه ابن مالك1 من قول سيبويه2، وتكون قد بمنزلة ربما قال الهذلي، وقد أترك القرن مصفرا أنامله: كأن أثوابه محت بفرصاد كأنه قال: ربما هذا نص سيبويه. قال ابن مالك: فإطلاقه أنها بمنزلة ربما موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المعنى. انتهى وهو الصحيح عندي. واعترض شيخنا أبي حيان3 -رضي الله عنه- بأن سيبويه لم يبين الجهة التي فيها "قد" بمنزلة "ربما"؛ فلا يدل ذلك على التسوية في الأحكام -فيه نظر؛ فإن ظاهرة كون الشيء بمنزلة الشيء، والمساواة في الأحكام كلها إلا ما تعين خروجه. ثم اعترض شيخنا ثانيا بأنه قد يستدل بكلام سيبويه على نقيض التقليل، وهو التكثير؛ لأن الإنسان لا يفخر بشيء يقع منه على سبيل التقليل والندرة؛ وإنما يفخر بما   1 محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة الأوحد جمال الدين أبو عبد الله الطائي الحياني نزيل دمشق ولد سنة ستمائة أو سنة إحدى وستمائة، قال الذهبي: وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاء قصب السبق وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها وصنف فيها، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها واطلع على حواشيها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجاري وحبرًا لا يباري توفي رحمه الله في شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ودفن بالصالحية بتربة ابن الصائغ. - ابن قاضي شهبة 2/ 149، فوات الأعيان 2/ 227، النجوم الزاهرة 7/ 243، شذرات الذهب 5/ 339، الوافي بالوفيات 3/ 359. 2 وهو عمر بن عثمان بن قنبر وسيبويه كلمة فارسية معناها رائحة التفاح ولد سنة 148هـ في إحدى قرى شيراز، ثم انتقل إلى البصرة وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الحطاب الأخفش؛ فكان إمام البصريين وله مناظرات مع الكسائي ومن مصنفاته كتابه الشهير المسمى بسيبويه في النحو لم يضع قبله ولا بعد مثله. بغية الوعاة 2/ 229، وفيات الأعيان 3/ 462. 3 محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي النفري نسبة إلى نفرة قبيلة من البربر نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأدبيه كذا وصفه السيوطي في البغية. ولد بمطخشارش مدينة بغرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، وله من التصانيف البحر المحيط؛ غير ذلك بغية الوعاة 1/ 280 "516"، شذرات الذهب 10/ 111، حسن المحاضرة 1/ 534، الدرر الكامنة 5/ 70. ابن السبكي 6/ 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 يقع منه على سبيل الكثرة؛ فتكون "قد" هنا بمنزلة "ربما" في الكثرة انتهى؛ ففهم أن "قد" -في البيت- للتكثير، وهذا ما فهمة الزمخشري1 من البيت، وتابعهما الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام2، وزاد فقال في كتابه -المغني- ما نصه: "الرابع -يعني من معاني التكثير- قال سيبويه في قول الهذلي: قد أترك القرن مصفرا أنامله ... وقاله الزمخشري في {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} . قال: أي ربما نراه، ومعناه تكثير الرؤية ثم استشهد بالبيت "انتهى". قلت: وهذا لم يقله سيبويه؛ وإنما فهمه عنه أبو حيان وليس جازما به -كما رأيت- كلامه؛ بل قاله معارضة لفهم ابن مالك، وهو معارض بفهم ابن مالك وغاية الأمر أن فهم أبي حيان، طابق فهم الزمخشري من البيت وهذا لا يكفي في تسويغ النقل عن سيبويه -أنه قال: إن "قد" في البيت للتكثير- مع كون كلامه محتملا، وفهم منه آخر المجتهدين في النحو وهو ابن مالك- التقليل. ثم أقول: الحق ما فهمه ابن مالك؛ فإن الفخر يقع بترك الإنسان قرنه كأنه أنامله محت بفرصاد - ولو في وقت واحد. وقول شيخنا الإنسان لا يفخر إلا بما يصدر منه إلا على سبيل الكثرة -جوابه: أن ذلك فيما يمكن جريانه قليلا وكثيرا؛ فلا يفخر بقليله بل بكثيرة. وأما ما لا يتفق إلا نادرا ذلك فيما يمكن جريانه قليلا وكثيرا؛ فلا يفخر بقليله بل بكثيره. وما ما لا يتقن إلا نادرا فإنه يقع الافتخار منه بالقليل؛ لاستحالة الكثرة وترك الإنسان قرنه -بهذه الصفة- لا   1 محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري أبو القاسم جار الله كان واسع العلم كثير الفضل غاية الذكاء وجودة القريحة متفننا في كل علم معتزليا قريا في مذهبه مجاهرا به ولد في رجب سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وله من التصانيف الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث وغير ذلك. بغية الوعاة 2/ 279-280، إنباه الرواة 3/ 265، البداية والنهاية 12/ 219، الجواهر المضيئة 2/ 160، لسان الميزان 6/ 4، النجوم الزاهرة 5/ 274، وفيات الأعيان 4/ 254. 2 عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف أبو محمد جمال الدين بن هشام من أئمة العربية ولد سنة ثمان وسبعمائة، قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه ومن تصانيفه المغني وعمدة الطالب، رفع الخصاصة عن قراءة الخلاصة وغير ذلك. توفي في ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة. شذرات الذهب 6/ 190، الأعلام للزركلي 4/ 147، الدرر الكامنة 2/ 308، مفتاح السعادة 1/ 159، النجوم الزاهرة 10/ 336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 يستحيل كونه كثيرا؛ وإنما يتفق نادرا فلذلك يفتخر به لأن القرن هو المقاوم للشخص؛ فلو فرض مغلوبا -معه- في الغالب، لم يكن قرنا له؛ [فلا] 1 المرء قرنا إلا عند المقاومة غالبا ثم يفتخر بأنه غلب قرنه. فتقول: لما كان قوله: القرن يقتضي أنه لا يغلب قرينة؛ لأن هذا شأن القرينين غالبا. موهما التعارض ثم قضى بأنه قد يغلبه -حملنا ذلك على الندرة، صونا للكلام عن التدافع والتناقض. وقلنا: المراد تركه تركا لا يخرجه عن كونه قرنا -وذلك هو الترك النادر لئلا يكذب آخر الكلام أوله. ونحو هذا: قول بعض النحاة -في الرد على من ادعى أن "قد" ترد للتقليل مستشهدا بقولهم: "قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل" إنما "قد" هنا - للتحقيق، لا للتقليل، والتقليل لم يستفد -في المثالين- من "قد" بل من قولك: الكذوب يصدق، والبخيل يجود؛ فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك -منهما- قليل، كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله؛ فنقول -كذلك- في قوله "قد أترك القرن ... "؛ إنما المراد التقليل لأنه إن لم يحمل على التقليل [كذب آخر الكلام أوله] 2 وهو إثبات أنه قرن -وعند ذلك أقول: قد أطلت الكلام في "قد" وغرضي حاصل بدونها؛ فإن لفظ "الاغتفار" - في قولهم: "يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" مبني [على] 3 أن أصل المؤاخذة به، لولا ورود المغفرة عليه؛ فمن أدخل في القواعد -قولهم: "قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" وقولهم: "قد يغتفر الشيء تابعا، ولا يغتفر أصل"؛ فليس على بصيرة من فهمه، وهو كمن يدخل المعفو عنه -في باب النجاسة- في أقسام الطهارات. والتحقيق: أن وجود الشيء في الدوام بمنزلة وجوده في الاتبداء؛ إلا ما استثنى والمستثنى لا يكون هو القاعدة. وهنا قسمان: أحدهما: أن يستوي وجود الشيء ابتداء ودواما، وهو الأصل وذلك على ضربين: أحدهما: أن يكون ذلك جزما، نحو قطع نجاسة الماء القليل بطريان الكثرة عليه وقطع النكاح بطريان الرضاع المحرم، وكذا وطء أبيه، أو ابنه زوجته بشبهة، وبوطئه هو أمها أو ابنتها بشبهة، وطريان ملك الزوج للزوجة أو بعضها. وبالعكس وهو كثيرا جدا. والثاني: أن يكون كذلك ولكن على الأصح من   1 في "ب" فلا يكون. 2 ف "ب" أول الكلام. 3 في "ب" غير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 الخلاف مثل طريان الكثرة على الماء القليل المستعمل، وطريان الشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة، وطريان الردة -والعياذ بالله تعالى- على المحرم فيبطل نسكه، وطريان قصد المعصية على سفر الطاعة حتى لا يترخص، وعكسه حتى يترخص، وطريان نقصان عدد الجمعة في أثنائها -كما لو انفضوا- فتبطل الصلاة، وإذا طولب المولى بالفيئة أو الطلاق؛ فوطئ ولم ينزع، كما غيب، بل مكث؛ فالصحيح لاحد لأن الابتداء كان مباحًا وهو أيضًا كثير. القسم الثاني: أن لا ينزل منزلة الابتداء: وهذا هو الخارج، وهو أيضا على ضربين أحدهما: أن يكون ذلك جزما -وهو قليل- مثل طريان الإحرام والردة وعدة الشبهة على النكاح، وطريان الإسلام على السبي فإنه لا يزيل الملك وطريان اليسار، ونكاح الحرة، والأمن من العنت على حر نكح أمة بالشروط؛ خلافا للمزني في اليسار، ونكاح الحرة، وطريان إباق العبد؛ فإنه لا يفسخ البيع؛ مع كون الإباق يمنع صحة البيع ابتداء، ولو ابتلت الحنطة المرهونة وتعرضت للفساد لم ينفسخ عقد الرهن. وإن قلنا: رهن ما يتسارع إليه الفساد باطل، ولو رأى المتيمم الماء في أثناء الصلاة أتمها، إن كانت مما يسقط فرضها بالتيمم، وهو مانع في ابتداء الصلاة ولو أسلم عبدا لكافر لم ينفسخ عقد البيع، بخلاف ما لو كان مسلما ابتداء. وثانيهما: أن يكون فيه خلاف، والأصح أنه لا يترك، وهو أكثر من القسم قبله مثل: القدرة على الماء في أثناء الصلاة، ونية التجارة بعد الشراء، وطريان ملك الابن على زوجة الأب؛ فإنه لا يفسخ به النكاح وإن كان ملك الابن مانعا من عقد الأب، ومثله إذا تزوج العبد بجارية ولده ثم أعتق، وإذا بنى جدارًا ملاصقًا للشارع -مائلًا؛ فسقط ضمن ما يتولد من سقوطه، وإن مال -بعد أن بناه مستويًا وقبل التمكن من الهدم أو الإصلاح- فالأصح لا يضمن، ولو سفه في الدين -دون المال لم يحجر عليه في الأصح، وإن قلنا: لو قارن ذلك البلوغ اقتضى دوام الحجر، ولو جرت قسمة ثم استحق جزء شائع لم يبطل في غيره على الأصح، لو أراد بعض الشركاء -في الابتداء- أن ينفرد بالقسمة لم يمكن. إذا عرفت هذا: فكل من عد الاعتقاد في الدوام أصلا من أصول القواعد فقد أساء الفهم عن الأئمة وأسوأ منه فهما وأسفه رأيًا، ونظرًا من يعد في القواعد المسائل القليلة التي وقع فيها عكس هذه المسائل، وهو ما دعت إليه الضرورة من اغتفار الشيء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الابتداء دون الدوام؛ فإن ذلك مستثنى من القاعدة المشهورة التي أشار إليها الإمام في باب التفليس. وهي أن "ما منع الدوام منع الابتداء". وقد ذكرها الشيخ الإمام رحمه الله في باب التفليس من "شرح المهذب"؛ [فقال] 1: لم أر أحد من الفقهاء استثنى من هذه القاعدة شيئا إلا ابن الرفعة؛ فإني سمعته يقول إلا لقرابة تمنع دوام الملك دون ابتدائه. قال الشيخ الإمام: وهي مسألة مليحة تستفاد في نقض القاعدة على المذهب قال: وألحقت أنا بها الجنون، يمنع دوام أجل الدين على قول ولا يمنع ابتداءه. على ما قاله الإمام، ومثله يأتي في باب الفلس2 والتحقيق عدم الاستثناء، أما الجنون والفلس، فالقاطع طريانهما. وأما القرابة فليست مانعة من الملك بل موجبة للعتق بدليل قوله صلى الله عليه وسلم $"فيشتريه فيعتقه" فملك القريب كإعتاقه قاطع لا مانع. انتهى كلام الوالد. وقد ذكرت -أنا- في كتاب "التوشيح" مسائل غير هاتين، وأنا أسردها ثم أعقبها بذكر مسائل -توهم بعض الطلبة أنها من ذلك- وليس كما توهم. فمنها: هاتان الصورتان. ومنها: إذا زوج عبد بأمته لم يجب مهر، وقيل: يجب ثم يسقط؛ فعلى هذا يفتقر في الابتداء ما لا يفتقر في الدوام. ومنها: لو وجب القصاص على رجل، فورث القصاص ولده، قيل: يجب ثم يسقط وقيل: لا. ومنها: لو أحرم زال ملكه عن الصيد على الأصح ولو اشترى المحرم صح في وجه. ومنها: لو تكفل ببدن ميت، صح، أو حي فمات انقطعت الكفالة في وجه. ومنها: على وجه -لو أحرم مجامعا، انعقد إحرامه صحيحًا، ثم إن نزع -في الحال- صح؛ وإلا فسد، ولو صدر الجماع في أثناء الإحرام أفسد النسك. ومنها: إذا أذن لجارية ثم استولدها؛ ففي بطلان الإذن اختلاف بين أصحابنا. قال الرافعي: واتفقوا على أنه يجوز أن يأذن -ابتداء- للمستولدة فهذا ما أحفظه وأما ما أظن أنه منها، وليس منها فصور.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" المفلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ومنها: كان شيخنا الحافظ تقي الدين أبو الفتح السبكي يعد منها ما لو تناديا بالبيع متباعدين فإنه يصح. قال إمام الحرمين: ويحتمل أن لا يثبت لهما خيار المجلس؛ لأن طريان التفرق قاطع للخيار، فالمقارن يمنع ثبوته قال: ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في موضعهما. قال ابن العم رحمه الله: فعلى هذا اغتفر في الابتداء ما لو وقع في الدوام لم يغتفر. قلت: الاحتمال الثاني هو الحق، وفيما ذكره أبو الفتح نظر، فإن هذا ليس بتفريق بل هو مجلسهما، والتفرق عندنا الانفصال عن مجلس العقد. نعم قد يركب منه لغز؛ فيقال اثنان تعاقدا البيع، فثبت لهما خيار المجلس -وهما متباعدان- فلما تقاربا وضمهما مجلس مختصر، زال، أو يقال متفارقان، ثبت لهما الخيار؛ فلما اجتمعا زال. ومنها: إذا طلع الفجر على الصائم -وهو مجامع- فنزع، صح صومه [ولو جامع] 1 في أثناء الصوم بطل. قلت: ولا يصح عد هذه الصورة؛ فإن المغتفر في الابتداء - النزع فلم يحصل به فطر، وفي الدوام الفطر لا يحصل بالنزع بل بالإيلاج فلم تتحد الصورة؛ وإنما يصح التنظير لو وجدت صورة يغتفر في الابتداء ثم توجد بعينها في الدوام ولا تغتفر. ومنها: وطء من علق الثلاث على الوطء؛ فإن الطلاق يقع في أول الإيلاج، فاغتفر في الإيلاج ابتداء، ومن البينونة، ولم يغتفر دوامه بل يجب النزع ولباحث أن يمنع كون ابتداء الإيلاج محرمًا؛ إذ لا يصادف طلبه ولذلك التفات على أن العلة هل هي مع المعلول. بل أقول: ولو قلنا: إنها مع المعلول، فالعلة نفس الإيلاج لا ابتداؤه إلا أن يقال ذات الإيلاج لا ابتداء لها ولا انتهاء وللبحث في ذلك مجال - لسنا الآن. قاعدة: قال ابن القاص: كل من وجب عليه الحبس بدين فقال صاحب الدين لا   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 يحبس -وأنا ألازمه كانت الملازمة أحق إلا أن يقول المديون: احبسني وامنعه من ملازمتي؛ فينظر. إن كان لا يريد الملازمة خوف الشهرة -بلا ضرر يدخل عليه [في ذلك لم يمنع من ملازمته. وإن كان يمتنع من ذلك لضرر يدخل عليه] 1 في وضوئه وطهوره رد إلى الحبس؛ لأن الملازمة تكون في المسجد فإذا طال ذلك ضربه البزاز والطهور واستدل على أنه لا يمنع -في القسم الأول- بقوله صلى الله عليه وسلم: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" 2. وبتسميته أسيرًا قال الشيخ الإمام -رحمه الله- في باب التفليس من شرح المهذب. وفي هذا الاستدلال إشارة إلى أن صورة المسألة في حبس العقوبة أما حبس الاستكشاف: فينبغي إذا طلب المديون الحبس وترك الملازمة يجاب من غير تفصيل. والرافعي رحمه الله نقل هذا الفرع عن ابن القاص، وقال: إن الملازمة أخف ويمكن إلا أن يقول أنه تشق عليه الطهارة والصلاة؛ فقد يتوهم من كلامه أن الطهارة على سبيل المثال وأن مشقة الشهرة مثلها. قال الشيخ الإمام: وقد عرفت أن كلام ابن القاص يدفع هذا أو يوهم ويبين أن الملازمة قد تكون أثقل. قال: وكلام ابن القاص هذا يشعر بأن المراد من الملازمة ملازمته في مكان واحد كالمسجد ونحوه وهي قريبة من معنى الحبس وكلام غيره يقتضي أن معناها. أن يكون معه؛ حيث كان -من غير منع من التردد في حاجته- وهي أخف- وإن كان فيها إضجار. والصيمري3 قال: ولرب الدين ملازمته بنفسه وبوكيله، وهذا مطلق وكلام ابن القاص مفصل.   1 سقط في "ب". 2 أخرجه أحمد في المسند 4/ 222-388-389 وأبو داود 4/ 313 في الأقضية/ باب الحبس في الدين "3628" والنسائي 7/ 316 في البيوع/ باب مطل الغني وابن ماجة 2/ 811 في الصدقات/ باب الحبس في الدين والملازمة "2427" والبخاري تعليقا 5/ 62 في كتاب الاستقراض/ باب لصاحب الحق مقال وأورده الهيثمي في موارد الظمآن ص283 في البيوع/ باب في المطل "1164" والحاكم في المستدرك 4/ 102 في الأحكام/ باب لي الواجد، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. 3 عبد الواجد بن الحسين أبو القاسم الصيمري البصري أحد أئمة الشافعية، وأصحاب الوجوه حضر مجلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وقال القفال الكبير1: إذا طلب الحبس ورضي الطالب بالملازمة ولم يحبس؛ لأن الحبس إن كان للاستيثاق وكشف الحال فهو إلى رأي الإمام -يحتفظ به وإن كان للعقوبة فلا حق للمطلوب فيه، وأنه إذا لزم منع الاضطراب في أموره ولا يمنع مما لا بد منه -من دخول الخلاء ونحوه- ولا يمنع في الحبس أو موضع الملازمة من أن يبيع ويشتري. ويصلي تطوعا ويعمل العمل من خياطة ثوب أو غيرها. قاعدة: قال أبو الحسن الفناكي: كل من غصب شيئا لزمه رده أو رد قيمته إلا مسألة واحدة وهي: أن يسجر التنور ليخبز فيه قيمة آخر من الخبز فيلزمه قيمة الحطب، [وليس ما غصب] 2 ولا قيمة ما غصب؛ لأنه غصب خبزا وعليه قيمة الحطب ومن أصحابنا من قال: عليه الخبز. ومنهم من قال: إن عليه أن يسحر التنور ويحميه كما كان. قلت: وصور الزبيري -في كتاب المسكت- المسألة بأن يصيب عليه آخر ماء فيطفيه، وحكى الأقوال إلا أنه حكى بدل القول: بأن عليه الخبز قولا: أن عليه قيمة الجمر، واستشكل الأقوال الثلاثة. أما القول بأن عليه قيمة الجمر، قال فلأنه لا قيمة له معروفة، ولا يكال، ولا يوزن وأما القول بأنه يحميه، كما كان فلأنه لا ضابط له.   القاضي أبي حامد المروذي وتفقه بصاحبه أبي الفياض البصري أخذ عنه الماوردي، قال إسحاق: ارتحل الناس إليه من البلاد وكان حافظا للمذهب حسن التصانيف ومن تصانيفه الإيضاح والكفاية والإرشاد شرح الكفاية، قال ابن الصلاح: كانت وفاته سنة ست وثمانين وثلاثمائة. والصيمري بصاد مهملة مفتوحة ثم ياء ساكنة بعدما ميم مفتوحة ضمها بعضهم منسوب إلى صيمرة نهر من أنهار البصرة عليه عدة قرى ابن قاضي شهبة 1/ 184-185، الشيرازي ص104، الأسماء واللغات 2/ 265. 1 محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي القفال أحد أعلام المذهب وأئمة المسلمين مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين وسمع من أبي بكر بن خزيمة وابن جرير والبغوي وغيرهم وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء، وقال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر "يعني في عصره" بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث. توفي في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاثمائة، ابن قاضي شهبة 1/ 148، الشيرازي 91-92، وفيات الأعيان 3/ 338، الأسماء واللغات 2/ 282، النجوم الزاهرة 4/ 111، شذرات الذهب 3/ 51. 2 في "ب" وليس هو ما غصب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وأما القول بأن عليه قيمة الحطب [فإن المطفي لم يستهلك الحطب] 1؛ وإنما أتلف الجمر بعد خروجه عن الحطبية. قال: كما أن من أحرق ثوبا ليتخذ رماده حراقا فأتلفه رجل، لا تجب عليه قيمة الثوب قبل الإحراق. ثم قال الزبيري: أقرب ما يقال وجوب قيمة الجمر فإن له قيمة؛ فإن قلت: فإذا انتهى إلى حد لا قيمة له فلا شيء عليه إلا الإثم، وإن بقي بعد الإطفاء فحم ينتفع به، نظر إلى قيمته حاميًا وإلى نقصه حين صار فحما ووجب ما بينهما من التفاوت. وذكر الزبيري أيضا -في المسكت أنه لو برد ماء في يوم صائف؛ فألقى فيه رجل حجارة محماة أذهبت برده، فقال قوم: لا شيء عليه لأن هذا ماء على هيئته، وتبريده ممكن. وقيل: يأخذ هذا المعتدي ما أسخنه، ويضمن مثله باردا. وقيل: ينظر إلى ما بين القيمتين في هذه الحالة فيضمن به. قال: "وقول الأولين مشكل؛ لأن هذا أتلف بمنفعة مقصودة، فصار كما لو نسج ثوبا، أو ضرب لبنا فأعادهما إلى حالهما الأول" قال: على أن بعضهم ارتكب في هذين أيضا أنه لا يضمن ما نقص، وهو بعيد، ومنهم من قال يضمن مثل الثوب منسوجا، ومثل اللبن مضروبا ويرد على هؤلاء أن فيه إزالة الملك عن المالك، ودخوله في ملك الآخر بمجرد التعدي، ويرد على من قال: يضمن ما بين القيمتين باردا أو مسخنا أن الماء ربوي؛ فإذا أخذ ماءه ومعه دراهم لما نقص وقع في محذور الربا، كما قيل فيمن كسر درهما مضروبا لغيره ثم نقصت قيمته بقيراط من الذهب يحكم عليه به، وشنعوا على قائله بأنه ربا؛ والحق أنه لا محذور لأن مالك الدراهم والماء لم يزل ملكه عنهما، ثم يعود إليه مع غيره؛ حتى يقع في الربا فلا شناعة في نفس الأمر. قال: ولو ألقى في ماء أسخنه رجل قطعة ثلج لينتفع به، فيه كالمسألة قبلها. قال: ولو بل خيشا ونصبه ليتبرد به، فجاء رجل وأوقد عنده نارا حتى نشف وحمى، قال بعضهم: عليه قيمة الماء الذي بل به، وقال غيره عليه قيمة الانتفاع به مدة بقائه باردا. وقال آخرون: لا شيء عليه إلا الإثم.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قال: وأعدلها القول الثاني؛ لأنه أتلف منفعة مقصودة. قاعدة: قال الأصحاب في باب الغصب: كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان فيتخير المالك -عند التلف- بين مطالبة الغاصب وبين ما ترتبت يده على يده سواء على الغصب أم لا ثم إن علم الغصب، فهو غاصب من الغاصب، وإن جهل فسنذكر حكمه في القاعدة الثالثة لهذه القاعدة. وفي هذه القاعدة تنبيهات: أحدها: أن محلها اليد المقصود بها الاستيلاء لواضعها، أما التي يقصد بها واضعها الحفظ للمالك فلم يقصدها. وقد علم من ترجيح الرافعي والنووي أنه ليس لآحاد الناس انتزاع المغصوب وعلى هذا فمنتزعه غاصب؛ ولكن الذي نص علي الشافعي رضي الله عنه أن لآحاد الناس انتزاع المغصوب، وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: إنه الحق. والراجح عندي الفصل بين من ظهر منه أنه لو وجد سبيلا إلى الرد لرد؛ فلا ينتزع منه لئلا يكون المنتزع ناقلا للعين من الضمان إلى الأمانة بلا نص. فائدة: ومن لم يظهر من ذلك فيجب الانتزاع، وذكرت هذا التفصيل في التوشيح وقلت: إنه ينبغي تنزيل النص عليه. التنبيه الثاني: محل القاعدة يد ترتبت، أما تصرف غير ذي اليد ممن هو كالآلة فلا يضمن إذ لا يد في الحقيقة، وذلك كمن رفع كتاب شخص من بين يديه قاصدا أن ينظره ويرده في الحال؛ فإنه لا يضمن. قاله القاضي الحسين وطرد الإمام ذلك في الدنانير المغصوبة التي تمر بأيدي النقاد، وليس من فعل هذا توكيل الغاصب لأن التوكيل منفرد باليد، والنقاد لا ينفرد باليد بل هو بلحاظ من الدافع فلا يد له البتة. فإن قلت: قد قالوا فيمن غصب شاة وأمر قصابا فذبحها جاهلا بالحال، وكذا كل من استعان به الغاصب كطحن الحنطة وخبز العجين أن القرار على الغاصب، وفي هذا شاهد لما ذكرتم؛ غير أن تضمين هؤلاء -وإن لم يكن القرار عليهم- يرد على قولكم: أنهم كالآلة، ولما ذكر في النقاد، ومن رفع كتابا. قلت: قال الوالد رحمه الله الضمان -هنا- بطريق الجناية- لا بطريق الغصب فلا يرد البتة. التنبيه الثالث: قولهم: "غاصب من الغاصب" فيه مناقشة لفظية، فإن الغاصب هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 المستولي على حق الغير عدوانا والآخذ من الغاصب لم يستول على حقه ولا تعدي عليه؛ وإنما هو غاصب من المالك باستيلائه على المال الذي كان عند الغاصب وليس بخصوص الأخذ من الغاصب مدخل في الغصب، وقد يبنى على هذا أن الغاصب هل يخاصم؟ والمعروف أنه لا يخاصم سواء قلنا: يخاصم المرتهن والمستأجر أم لا إذ لا حق له البتة، وعن الماوردي أنه يخاصم، وأنا أميل إليه، ويشهد له أن للضامن حبس الأصيل إذا حبس -وإن لم يثبت له عليه علقة على وجه صححه الشيخ الإمام- ليرهقه إلى تخليصه، وهكذا الغاصب إذا كان مقصده إرهاق الآخذ منه إلى تخليصه ورأيت بعد ذكري لهذه المناقشة -في كتاب الأشراف للقاضي أبو سعد الهروي- حكايتهما. التنبيه الرابع: قولكم أن المالك. عند التلف يتخير بين مطالبة الغاصب، وغاصب الغاصب لم تبينوا حاله عند بقاء العين، وقد يفهم من هذا الإطلاق أنه لا يطالبهما إذا كانت العين باقية؛ وإنما يطالب من هي عنده، لانحصار حقه فيها، والذي يظهر أنه يطالب غاصب الغاصب بالعين ويطالب الغاصب بقيمة الحيلولة وهل يطالبه بنفس العين مع العلم بأنها ليس عنده، وأنه ليس له أن ينتزعها من غاصبه؛ إذ لا حق له فيها ولا ولاية عليها. فيه نظر واحتمال يجر إلى أنه طالبه المالك بها هل يجعل مطالبته إياه بها إذنًا له في مطالبة الغاصب منه، وهل يجعل هذا الإذن ناقلًا له -إذا قبضها- من حكم الضمان إلى الأمانة؛ فلينظر في هذه الخواطر. قاعدة: ذكرها الأصحاب ضابطا للمكان الذي يضمن فيه الذي أثبت يده على يد الغاصب عن جهل: "من أثبت يده على يد الغاصب جاهلا فإن دخل على أن يضمنه لم يرجع أو على أن لا يضمنه؛ فإن لم يستوف مقابلة كالمستودع من الغاصب فيرجع به والقرار على الغاصب، وفي وجه لا يطالب المودع أصلا، وفي ثالث يستقر عليه الضمان وإن استوفاه، كأكل طعام مغصوب قدمه إليه الغاصب فقولان: أصحهما -وهو الجديد- أن القرار عليه لا على الغاصب؛ إلا أن يقول الغاصب -مع التقديم هو لي، ثم يغرم المغصوب منه الغاصب؛ فإنه لا يرجع على الآكل خلافا للمزني لأنه يقوله "هو لي" اعترف بأنه مظلوم، والمظلوم لا يرجع على غير من ظلمه. قاعدة: من صح تصرفه في شيء تدخله النيابة صحت وكالته فيه وعبارة التنبيه: "ومن لا يجوز". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 مأخذ من مآخذ باب الوكالة. "هل الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف، فيه خلاف يشبه الخلاف الذي قدمناه في أوائل القواعد في أنه "هل الاعتبار بحال التعليق أو بحال وجود الصفة؟ غير أنه لا تعليق فيما نحن فيه. وفيه مسائل: منها: وكله بطلاق امرأة سينكحها، أو بيع عبد سيملكه؛ ففي صحته وجهان وعند ذكرهما أشار الرافعي إلى هذا المأخذ. ومنها: وكل المحرم حلالا في أن يقبل له نكاح امرأة؛ فهل يصح ويقبل له بعد التحلل إن اعتبرنا حال التوكيل لم يصح في الأصح. ومنها: إذ قال: وكلتك في مخاصمة كل خصم يحدث له وفيه وجهان حكاهما الماوردي. ومنها: لو وكل الولي في التزويج قبل استئذان المرأة المعتبر إذنها. قال صاحب التهذيب: لا يصح مع قوله -في التوكيل بطلاق زوجة سينكحها- "أنه يصح" وهذه منه مناقضة حاول ابن الرفعة الاعتذار عنها في المطلب في باب الوكالة بما يطول ذكره. ومنها: لو وكله في طلاق امرأته فلم يطلقها حتى مرض الموكل فهل يكون كالطلاق في المرض فيه وجهان: قال صاحب الذخائر: "مآخذهما أنه هل ينظر إلى وقت التوكيل أو الإيقاع؟ ومنها: قال: أعتقوا عني عبدا فكان هناك خنثى مشكل لم يجز إعتاقه [عنه] 1 فإن زال إشكاله فوجهان في البيان. فائدة: لا يفارق الصلح البيع إلا في مسائل: قال صاحب التلخيص هي اثنتان، وقال الغزالي [ثلاث] 2 وهي أكثر. منها: صلح الحطيطة لا يصح بلفظ البيع ويصح بلفظ الصلح على الأصح. ومنها: قال ابن القاص: لو صالح أهل الحرب من أموالهم على شيء جاز ولو صالح مسلما من ماله على [شيء] 3 لم يجز. ومنها قال -أيضا- يجوز الصلح عن أرش الجناية لا بلفظ البيع وأنكره الشيخ   1 سقط في "ب". 2 في "ب" زيادة فقط. 3 في "ب" على شيء مما يليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أبو علي وقال: إن كان ملعوم القدر والصفة. جار باللفظين وإلا امتنع بهما، وإن علم القدر دون الوصف ففيه خلاف. وهو في الحقيقة منع لا تفصيل؛ وذلك لأن صاحب التلخيص إنما تكلم في معلوم القدر والصفة ومن ثم قال الشيخ الإمام: "من وقف على كلام صاحب التلخيص عرف أن كلام الشيخ أبي علي ليس تفصيلا لما أجمله؛ بل إفادة لأحكام مسائل. ومنها: قال البويطي -من قبل نفسه لا من عند الشافعي- "إذا وجب لرجل على رجل يمين، فافتدى منه بمال جاز، ووافقه النووي وقال الوالد رحمه الله: يشهد له ما في البخاري في القسامة في الجاهلية وافتداء رجل يمينه ببعيرين. قال: فإن صح ما قاله فهي صورة أخرى يستعمل فيها لفظ الصلح دون البيع لكن في الحاوي ما يخالفه. قال الوالد رحمه الله: وهو الذي يظهر. فائدة: قال الوالد رحمه الله: ما يبذل العوض بسببه إن كان مالا؛ فهو البيع وإلا فالافتداء بحق كالخلع أو بباطل كفك الأسير وكل من البيع والافتداء إن جرى بعد منازعة سمى صلحا وإلا فلا. قاعدة: قال صاحب التنبيه: "من لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله ولا وكالته إلا الصبي المميز؛ فإنه يصح وكالته في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية". قلت: أما التوكيل فقد ذكرت في التوشيح أنه يستثنى منه مسائل: منها: ...... فصل: وأما الوكالة فقد اقتصر الشيخ على استثناء الصبي [المميز] 1 فيما [ذكرت] 2 وبقيت مسائل بعضها في التوشيح. منها: السفيه فإنه لا يقبل النكاح لنفسه -بلا إذن- ويقبل لغيره في الأصح. ومنها: السفيه -أيضا- فإنه يجوز أن يكون وكيلا عن المرأة في اختلاعها من زوجها ويصح، وتبين إذا أضاف المال إليها؛ لأن الحجر على السفيه لدفع الضرر عنه ولا ضرر عليه في قبول هذا الخلع.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" ذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 نقله الرافعي في الخلع عن صاحب التتمة. وقيد به قول صاحب التهذيب أن السفيه لا يتوكل عن المرأة في الخلع فقال: [هذا] 1 فيما إذا أطلق لا فيما أضاف إليها وهو واضح، ولا يخفى أنه لا يخالع عن نفسه فقد خاز كونه وكيلا فيما لا يمكنه أن يتولاه عن نفسه. ومنها: الكافر في شراء المسلم والمصحف لمسلم وكذا في طلاق المسلمة ذكرها الرافعي في الخلف. هذا كلامي في التوشيح وأشرت بما ذكره الرافعي -في الخلع- إلى قوله يجوز أن يكون وكيل الزوج الزوجة -يعني في الخلع- ذميا لأن الذمي قد يخالع المسلمة ويطلقها؛ ألا ترى أنه لو أسلمت المرأة وتخلف الزوج فخالعها في العدة ثم أسلم يحكم بصحة بصحة الخلع. انتهى وتبعه عليه النووي وابن الرفعة والوالد رحمهم الله تعالى. وقد يقال: قوله "ألا ترى" إلى آخره يدفع الاستثناء؛ فإن جعله إياه ممن يطلق المسلمة يدفع كونه لا يملك طلاقها؛ فإنه -حينئذ ما صار وكيلا إلا فيما له -على الجملة- أن يفعله غير أنا نقول: توقف صحة الخلع إسلامه تنبئك على أنه لا يصح مع كفره وقوله: "ذميا" ليس للاحتراز عن الحربي، ولو قال كافرا كان أحسن وبلفظ الكافر صرح الماوردي في الحاوي وعليه دل الشافعي وهو واضح. ويستثنى أيضا لو وكل حلال محرما في أن يوكل حلالا بالتزويج على الأصح عند الرافعي والنووي لكن الأصح عند الوالد رحمه الله خلافه وفيما لو توكلت المرأة في طلاق غيرها أو في أن توكل من يزوج. أصل مستنبط: ما لا تدخله النيابة من التصرفات هل يكون التوكيل فيه فعلا له يؤاخذ به الموكل فيه خلاف لا على الاطراد والعموم بل في صور: منها: الأصح أنه لا يصح التوكيل في الإقرار فإن وكل -على هذا- لم يكن مقرا على الأصح. ومنها: التوكيل بالحوالة لا يصح وهو يصير محيلا بالتوكيل فيه وجهان؛ قاله القاضي الحسين وخالف فيه صاحب التهذيب. ومنها: المشهور صحة التوكيل في عقد الضمان، وقال القاضي لا يجوز وهي يصير بذلك ضامنا فيه وجهان.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ومنها: يجوز التوكيل بعقد الوصية ومنعه القاضي الحسين، قال لأنها قربة قال: وهل يصير بذلك موصيا يحتمل وجهين. فصل: يقرب من هذه النظائر -على العكس- القادر على رفع الشيء هل يكون جحوده إياه رفعا له فيه خلاف في صور: منها: لو جحد الوكيل كونه وكيلا؛ فهل يكون ردا لها فيه أوجه أحدها: وهو ما أطلق الرافعي في باب النذر تصحيحه - ارتفاع الوكالة بالإنكار. [قاعدة: اختلف الأصحاب في أنه "هل الاعتبار بحال التوكيل أو بمال إنشاء التصرف اختلاف جعل بعضهم أصله من مسائل أصول الديانات أن التكليف هو يتوجه حال المباشرة أو قبلها؟ "وليس رد هذه القاعدة على هذا الأصل -عندي- بمرض؛ فأنا أسرد فروعها ليتبين ذلك فمن فروعها: لو وكله بطلاق زوجة سينكحها، ولو وكل المحرم حلالا في قبول النكاح، هل يصلح ويقبل له بعد التحلل؟ ولو وكله في مخاصمة كل خصم يحدث له، [وهذه فيها وجه في الحاوي] 1. قاعدة: قال القاضي الحسين رحمه الله: "ما لا يستحق بالشفعة لا يستحق به الشفعة"، وجعل هذا علة قولهم في أرض نصفها وقف ونصفها طلق أنه لا يثبت للموقوف [عليه] 2 الشفعة وهو الصحيح وتبعه الرافعي فقال: "إن الوقف لا يستحق الشفعة فلا تستحق به الشفعة"، والأصح عند الوالد رحمه الله أن علة كون الموقوف عليه لا يملك الوقف على المذهب؛ فليس بشريك في الملك والشفعة إنما تثبت لشريك الملك، وهذه هي التي اختارها ابن الصباغ". ولو قلنا: بأن الموقوف عليه يملك؛ فشرط الشفعة قبول القسمة، والوقف لا يفرز بالقسمة عن الملك على أشهر الوجهين. وهنا تنبيهان: أحدهما: يتخرج على ما تعلق به الوالد من العلة وما تعلق به الرافعي وتبعه النووي إذا قلنا الموقوف عليه يملك، وقلنا بما اختاره النووي من أن الوقف يقسم عن الملك فالوالد يقول تثبت الشفعة حينئذ؛ لانتفاء العلة والرافعي والنووي يقولان لا تثبت لما رجحاه من العلة؛ فإن الوقف لا يؤخذ بالشفعة فلا يؤخذ به. وكذلك   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 إذا كانت درا ثلاثا، ثلثها وقف، وثلثاها لاثنين فباع أحدهما نصيبه هل يثبت للآخر الشفعة؟ قال الشيخ الإمام: ينبغي أن يقال بالجواز إن جوزنا القسمة لانتفاء العلة التي ذكرها القاضي، وبالمنع إن لم نجوز لعدم توقع الضرر بالمقاسمة، [ولذلك] 1 أطلق صاحب التنبيه وغيره أن ما ملك بشركة الوقف لا شفعة فيه. التنبيه الثاني: هذه القاعدة ضعفها ابن الصباغ ونقضها ابن الرفعة بصاحب الجزء الكبير؛ فإنه لا يأخذ الجزء الصغير -الذي لا ينقسم- منه، لعدم توقع القسمة ولا عكس ومن الغريب أن القاضي الحسين قال: بعد أن ذكر [هذه] 2 القاعدة: "وعلى هذا نقول الجارية التي نصفها قن ونصفها أم ولد فإن استولدها معسر فوقفنا الاستيلاء على حصته لو أعتق صاحب النصف الذي هو أم ولد نصيبه لم يسر إلى ما هو قن؛ لأن صاحب النصف القن إذا أعتق نصيبه لم يسر إلى ما هو أم ولد منها: [كما] 3 لا يسري إلى الغير. قاعدة: ما يبذله الشفيع من الثمن للمشتري مقابل لما [يبذله] 4 المشتري "على ما ذكر ابن الدم أنه المفهوم من كلام الأصحاب وهو قول القفال، وقال القاضي الحسين: "إنه في مقابلة الشقص"؛ فالمشتري عند القفال كأنه ناب عن الشفيع في الشراء أو أقرضه الثمن وأحوجه إلى هذا دلالة الحديث؛ على أن الشريك أحق بالشفعة. فكأن الشفيع نازل منزلة المشتري قال ابن أبي الدم: "وهذا الخلاف ينبغي أن يكون قاعدة باب الشفعة" وعلى هذه القاعدة يتخرج مسائل: منها: خيار المجلس للشفيع وجواز التصرف قبل القبض وأخذ ما لم يره والملك نقضًا للقاضي عند قوله تملكت وبالإشهاد ولخوف الزيادة والحط وانحطاط مقدار الأرش، وغير ذلك من مسائل كثيرة. من أهمها إذا كان الشفيع وارثا، والبائع مريض وفي الثمن محاباة وقبض الشقص إذا كان عليه صفائح من ذهب، والثمن فضة -على ما تفقه ابن الرفعة، وإن كان المنقول اشتراط القبض فيه. والتصحيح مختلف في هذه الفروع لسبب يخص الفروع في نفسها.   1 في "ب" كذلك. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" يعدله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 تنبيه: قال الوالد رحمه الله: مما يشكل على القفال في تقديره أن المشتري أقرض الشفيع الثمن أنه لو كان كذلك لكان الواجب -فيما إذا اشترى الشقص بمتقوم- المثل الصوري كالقرض، لا القيمة؛ فالأشبه على قاعدته أن يقدر أن الشفيع أتلفه عليه، وعلى قاعدة القاضي يجعل معيارا لا غير قلت: لا شك أن القفال يقدر كأنه أتلف؛ فإن الأصحاب صرحوا بأن المتقولم لا يؤخذ بالمثل الصوري -هنا- وإن أخذ في القرض كذلك. فقال صاحب التتمة: الشفيع لا يؤخذ بالمثل صورة، بخلاف ما قلناه في القرض على أحد القولين -لأن القرض مشروع للإرفاق؛ فلو لم نوجب الجنس امتنع الناس عن القرض فيفوت الرفق المطلوب. وأما الأخذ بالشفعة فسببه الإتلاف "والمقومات -عند الإتلاف- تضمن بالقيمة". انتهى. وقال أعني صاحب التتمة بعد ذلك إذا استقرض شقصًا فالشفيع يأخذ الشقص بقيمته بلا خلاف لأن المستقرض يضمنه بالقيمة على المذهب الصحيح، وعلى القول الآخر يجب عليه رد المثل على سبيل الإرفاق والشفعة ملحقة بالإتلافات. انتهى. وهذا الفرع نقله عنه الرافعي وهو بناء منه على جواز قرض الشقص من دار وقد نقله [عنه] 1 قبل ذلك، وصرح به أيضا في كتاب التتمة قبل ذلك جازما به وخرج من هذا أن للقفال أن يقول إنما يلزمه رد المثل صورة أن لو كان قرضا حقيقيا وهذا ملحق بالقرض وليس هو إياه فلا يلزم. قاعدة: قال القاضي حسين كل يد كانت يد ضمان وجب على صاحبها مؤنة الرد، وإن كانت يد أمانة فلا. قلت: وأغرب أبو إسحاق العراقي شارح المهذب فزعم أن مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري، ويستثنى من العكس الإجارة على ما صحح النووي في تصحيح التنبيه أنه يجب مؤونة ردها على المستأجر وهي أمانة، ومن الطرد إذا غصبها من ذمي على ما صححه الرافعي والنووي يجب ردها ثم في وجوب مؤونة الرد خلاف؛ لكنهما صححا وجوبها.   1 في "ب" زيادة الرافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 قواعد باب الإقرار : وخص بالتبويب لكثرة قواعده، وفيها ما هو منصوص أصل منصوص؛ قال الشافعي رضي الله عنه: أصل ما أبني عليه الإقرار أني لا ألزم إلا اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة. وهذه العبارة المنصوصة أجود من كل العبارات الشارحة لها وأوضح، وأقصى ما ذكروا فيها أن مراده باليقين أعم من الظن الغالب، وادعى ابن القاص استثناء مسألتين من هذا الأصل، واستثنى غيره غيرهما، ونحن نورد المستثنيات. قاعدة: قال صاحب التلخيص: كل سكران يصح إقراره إلا اثنين. أحدهما: المكره على الشرب. والثاني: من ظن المسكر غير مسكر. قال أصحابنا في ما حكاه القفال عنهم ونقله عن صاحب البحر ساكتا عليه هذا إذا ظن جنس المشروب غير مسكر، أما من عرف أن جنسه مسكر؛ ولكن ظن أن ذلك القدر لقلته لا يسكر فإقراره صحيح. قلت: وهذا بعض ما في الرافعي وكتب المتأخرين؛ إذ الذي فيها أن من لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر معذور، ومن لم يعلم أن المشروب من جنس المسكر أعم من أن يظنه غير مسكر، أو يكون ساذج أقدم على شرب شيء مجهول ولا يلزم من مسامحة من ظنه غير مسكر مسامحة من لا ظن له البتة. والذي اعتقده أن إطلاق الرافعي محمول على تقييد ما نقله القفال عن الأصحاب؛ فلا يسامح إلا من ظن الجنس غير مسكر أما من لا ظن له أصلا فحقه البحث ولا يسامح. قاعدة: قال صاحب التلخيص -في باب الإقرار- ما نصه، "وإذا كان له على رجل في ذمته مال، فأقر به لغيره. جاز في الحكم إلا في ثلاثة". - إذا أقرت المرأة بصداق على زوجها. - وإذا أقر الزوج بما خالع عليه امرأته. - أو أقر بما وجب له من أرش الجناية عليه في بدنه. انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 والعلة في ذلك أنه يختص بمن وجب له، ولا يجوز أن يثبت في الابتداء لغيره- بخلاف سائر الديون. قلت: وكلام صاحب التلخيص -كما رأيت- صريح في أن محله الديون؛ فيقر بدين ثبت له في ذمة الغير؛ إلا في هذه المسائل، وعلى هذا جرى الجرجاني فقال -في المعاياة بعد ذكر هذه المسائل: "هذا إذا قلنا لا يصح بيع الدين في الذمة، وأن الحوالة تفتقر إلى رضى المحال عليه؛ فإن قلنا يصح بيع الدين، وأن الحوالة تصح من غير رضا؛ فأقر به لغيره في هذه المسائل وعزاه إلى بيع أو حوالة، وصح [وإذا] 1 أطلق فعلى قولين -بناء على القولين فيمن أقر للحمل بمال غير منسوب إلى جهة". انتهى. وما قاله "من تخريج ذلك على الإقرار بالدين -سبقه إليه الإمام الحرمين، وظن ابن أبي الدم أن الإمام تبع الجرجاني في ذلك، ويشبه أن يكون الأمر بالعكس؛ فإن الجرجاني -صاحب المعاياة- متأخر عن الإمام، وما ذكره من الجزم بالصحة فيما إذا أسنده إلى جهة حوالة أو بيع [صححناه] 2 وحكاية القولين فيما إذا أطلق، وأنهما مبنيان على الإقرار المطلق للحمل، هو ما نقله الرافعي عنه، واقتصار الرافعي على نقله عن الجرجاني عجيب؛ فإن الأكثرين من الأصحاب ذكروه كما ذكر الجرجاني، والجرجاني متبع لهم، منهم القفال -في شرح التلخيص- وغيره. نعم: بقيت مسألة مليحة، وهي [ما] 3 إذا لم يطلق ولم يسند إلى جهة معينة؛ بل قال: صار ذلك إليه وقد صر بها الماوردي، فقال: "يصح قوله: صار ذلك إليه في الصداق والخلع، ويكون في أرش الجناية على حالين، وإن كان دراهم ودنانير، صح، وإن كان إبلا، فلا". واعلم: أن الراجح -فيما إذا أطلق الإقرار للحمل- الصحة، فيخرج من ذلك أن ما ذكره صاحب التلخيص لا يجيء إلا على الضعيف؛ فمن ثم حمل الأئمة ما ذكره -كما قال الرافعي- على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها، بحيث لا يحتمل جريان ناقل، ثم اعترض الرافعي ذلك. بأن سائر الديون -أيضا- كذلك فلا ينتظم الاستثناء بل الأعيان بهذه المثابة؛ حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره -عقيب الإعتاق- بعين أو دين، لم يصح؛ لأن أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال. ولم يجر بينهما ما يوجب المال.   1 في "ب" ان. 2 في "ب" ان صححناه. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قلت: ولي بحث مع الرافعي، ومع الأكثرين، ومع الأئمة. فأقول: قول الرافعي رحمه الله: "سائر الديون كذلك" غير مسلم؛ لأن سائر الديون ممكن ثبوتها ابتداء للمقر له، بخلاف هذه الثلاثة، وكلام ابن القاص فيما لا يجوز أن يبت في الابتداء لغي المقر، كذا فهمه القفال وغيره -من الأئمة-[عنه] 1؛ ومن ثم أقول: جعل الأكثرين في هذه الديون الثلاثة إذا أطلق الإقرار بها على القولين فيمن أقر للحمل وأطلق، مستدرك من قبل أن لابن القاص أن يقول لا يلزم من صحة الإقرار المطلق للحمل، صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ لأن الحمل يصح أن يثبت له ابتداء ما أقر به له بميراث ونحوه، وأما هذه الديون فلا يصح ثبوتها -ابتداء- لغير المقر؛ فقد يقال لا يصح الإقرار المطلق بها لأن الأصل عدم الناقل، ومجرد الاحتمال لا يصلح دفعا لهذا الأصل، بخلاف الحمل فإن الاحتمال فيه أقوى لكونه يصح أن يثبت له ابتداء؛ فلسنا على ثقة من [أن] 2 المقر له ثبت له ذلك، ثم انتقل عنه بل جاز أن لا يكون ثبت له البتة. يكون الحكم به للمقر له مستندا إلى احتمال الناقل وحده، ولست أدعي أن الصحيح عدم صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ بل أقول: هو أولى بعد الصحة من الإقرار للحمل -وإن اشتركا في الصحة. وأقول -أيضا- قد يقول ابن القاص بهذه التفرقة؛ فلا يصح الإقرار المطلق لهذه الديون كما هو ظاهر كلامه، وإن صححه في الحمل. وإذا عرفت هذا، عرفت أن حمل الأئمة كلامه على ما إذا أقر بها عقب ثبوتها؛ بحيث لا يحتمل جريان ناقل، فيه نظر، لأنه -كما عرفناك- يقول: "وإن طال المدى بعد ثبوتها" فاحتمال الناقل فيها أضعف منه في الحمل. فهذا تمام الكلام على قول الرافعي: "سائر الديون كذلك" وأما قوله: "بل الأعيان بهذه المثابة ... " إلى آخره، فهو -أيضا- مبني على ما حمل الأئمة كلام ابن القاص [عليه، وقد قلنا: أن لابن القاص] 3 أن يجري كلامه على إطلاقه؛ فلا يتعين حملهم، ولا تكون الأعيان بهذه المثابة نعم: قد يقال: كما لنا ديون لا يقر الإنسان بها لغيره، كذلك لنا أعيان بهذه المثابة، وهذه إلحاق وزيادة، لا إيراد، وكان -حينئذ- ذكر ما ألحقه الماوردي بهذه الصور أولى؛ إذ ألحق بهذه الصور الثلاث ما إذا أقر مالك البهمة   1 سقط في "ب". 2 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 بحلها لغيره قال: ولو قال في هذه الصور: "صار ذلك إليه" لم يصح أيضا؛ فإن أراد الماوردي الاعتراض عل ابن القاص؛ فليس بجيد؛ لأن كلامه في الديون لاقى الأعيان، وإن أراد إلحاق العين بالدين فهي فائدة جديدة -لا تعلق لها بابن القاص، ثم لك أن تقول: يصح ثبوت الحمل ابتداء للغير كحامل أو وصي مالكها بحملها لزيد ثم مات، وقبل الموصى له الوصية؛ فالوارث المالك [الحمل] 1 يقر بالحمل لزيد، وهو مالك بهيمة صح إقراره بحملها لغيره، والحمل لم يثبت له ابتداء. فإن قلت: هب أنه لم يثبت [له] 2 ابتداء؛ إلا أنه -أيضا- لم يثبت للمقر له ابتداء، بل للميت الموصي، وتنزيل وارثه منزلته، أولى من تنزيل الموصي له؛ فإما أن نقدر أنه ثبت للوارث ثم انتقل عنه، فيتجه كلام الماوردي، وإما أن لا نقدر ذلك؛ فلا يصح الاعتراض -أيضا- لعدم [صحة] 3 ثبوته للمقر ابتداء. قلت: نفرض ذلك في رجل أوصى بما ستحمله هذه الجارية فإن الصحيح صحته فإذا حملت، وأقر به الوارث للموصى له؛ فقد أقر بما يثبت للمقر له ابتداء؛ فلا يتأتى كلام الماوردي في هذه الصورة، ولا ينبغي أن نورد على ابن القاص إلا دين -غير هذه الصور الثلاث- لا يمكن ثبوته ابتداء للمقر. وقد خطرت لي صورة، وهي الفقراء إذا انحصروا في بلد، ووجبت الزكاة في مال بعض أهل البلد، وفرعنا على القول بتعليقها بالذمة؛ فإنهم إذا أقروا بذلك القدر الواجب لمن ليس من أهل الزكاة؛ فقد أقروا بما لا يصح ثبوته ابتداء للغير؛ فينبغي -على قول ابن القاص- أن لا يصح، بل قد يقال بذلك على كل الأقوال، لأن الذمة ليست خلوا -وإن قلنا- بتعلق الشركة أو الرهن. وصورة ثانية: وهي الحر المؤجر نفسه إذا أقر بما له من الأجرة في ذمة المستأجر؛ إلا أنه قد يقال: جاز أن يكون المقر له استأجر نفس هذا الحر قبل أن يستأجره المستأجر الثاني، وأذن له أن يؤجر نفسه عنه، فأجر نفسه عنه، فالأجرة ثابتة للمستأجر الأول، والحر واسطة، فلم يمتنع ثبوت المقر به للغير. فائدة: كثيرا ما يقع أن شخصًا يقر بأنه لا حق له في هذا الوقف، أو أن زيدا هو المستحق دونه، ويخرج شرط الوقف مكذبا للمقر، ومقتضيًا لاستحقاقه، فيظن بعض   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 سقط من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الأغبياء أن المقر يؤاخذ بإقراره والصواب أنه لا يؤاخذ؛ سواء علم شرط الواقف، وكذب في إقراره، [أو] 1 لم يعلم، فإن ثبوت هذه الحق له لا ينتقل بكذبه [والله أعلم] 2. قاعدة: قال الشيخ الإمام رحمه الله في شرح المنهاج: "ما لا يدخل في البيع لا يدخل في الإقرار، وما يدخل في البيع يدخل في الإقرار إلا الثمار غير المؤبرة فإنها على الصحيح -تدخل في البيع- ولا تدخل في الإقرار. قلت: وإلا خاتم فيه فص؛ فإنه يدخل في البيع وفي الإقرار. ظاهر نص الشافعي -وهو الأصح عند البغوي- لا يدخل الفص. مسائل أخرى فيها كثيرة: واعلم أن التعبير عن هذه القاعدة بهذه العبارة هو الصواب، وعبر بعض الأصحاب بعبارة أخرى مدخولة، وقد بين الوالد -رحمه الله- ذلك في شرح المنهاج. وذكر الرافعي -بعدما رأى انتشار المسائل- أن الضابط "أن ما لا يتبع [في] 3 البيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخل، وما يتبع ويتناوله فهو داخل وما يتبع ولا يتناوله الاسم فوجهان، وقصد بهذا القسم الأخير - الثمار غير المؤبرة. قال الوالد رحمه الله: ولكنه يرد عليه ثياب العبيد؛ فإنها لا يتناولها الاسم وفي دخولها في البيع خلاف، ولا نعرف أحدًا قال بدخولها في الإقرار من جهة التبعية، نعم في دخولها فيه خلاف من جهة اليد قال: ولا جرم أن الإمام قيد الضابط المذكور بأن تكون العين التي لا يتناولها الاسم متصلة بما يتناوله الاسم، وثياب العبيد منفصلة عنه. وأورد ابن الرفعة على الرافعي ما حكى ابن سريج أنه إذا أقر لرجل بجارية، رحمه الله: "وقد يجاب عن هذا بأنه ليس لأجل التبعية في الإقرار بل لأن ملك الأم يقتضي ملك الولد حتى يثبت خلافه ... ". قاعدة: قال القاضي أبو سعد: ضمني كل إقرار مثل صريحه، واستشهد بمسألتين:   1 في "ب" أم. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 إحداهما: قال الزوج: أخبرتني الرجعية بانقضاء عدتها -وهي لم تدع ذلك- فرجعتها، صحت المراجعة، ولأن الخبر ينقسم إلى صدق وكذب ولم يعين خبرها في جانب الصدق إذا لم يصدقها في ذلك؛ فصار كما لو صرح بأنها أقرت كاذبة، فإن ادعت انقضاءها وكذبها وراجعها في تلك الساعة -قبل تحليفها- فإن حلفت تبين بطلان الرجعة، وإن نكلت وحلف هو، تبين صحة الرجعة على ظاهر المذهب. انتهى ملخصا. وفيه كلامان: أحدهما، أنه لم يتبين لي صحة الاستشهاد منه؛ فإن قوله: "أخبرتني بقضاء العدة، إذا لم يتضمن التصديق، لا يتضمن التكذيب؛ وإنما اقتضى التكذيب مراجعته إياها بعد ذلك، ومراجعته ليست إقرارا، بل هي إنشاء الرجعة. ولو جعل هذه المسألة مستثناة من القاعدة، لكان متجها، ووجهه أن اعترافه بإخبارها بانقضاء العدة يتضمن أن لا رجعة له؛ لأنه اعترف بإقرارها بما جعلها الشارع مؤتمنة عليه، لكنا جعلنا له الرجعة؛ فلم يعط ضمني الإقرار حكم صريحه. والثاني: أن حكم المسألة فيه إشكال، ونقلها فيه إشكال، وبيان إشكال الحكم ما ذكرناه من أن الخبر وإن لم يستلزم الصدق لكن اعترافه بأنها أخبرت اعتراف بأن لا رجعة له، وليس له عليها غير اليمين على ما ائتمنها عليه الشارع؛ فكيف نمكنه من الرجعة. ولعل صورة المسألة: أن تكذبه في أنها أخبرته، أو أن تقول: أخبرته؛ ولكني كنت كاذبة، والواقع أن عدتي لم تنقض. وعلى هذا الوجه: نقل المسألة الرافعي في آخر باب الرجعة -فقال وعن نصه- في الأم لو قال: أخبرتني بانقضاء العدة، ثم راجعها مكذبا لها؛ فقالت -بعد ذلك- ما كانت عدتي منقضية، وكذبت نفسها، فالرجعة صحيحة، لأنه لم يقر بانقضاء العدة، وإنما أخبر عنها. انتهى. وكشفت عن هذا النص؛ فوجدت -في مبسوط البيهقي- ولو طلق امرأته ثم قال: أعلمتني بأن عدتها قد انقضت [ثم راجعها، لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 انقضت] 1؛ لأنها قد تكذبه فيما أعلمته، وتثبت الرجعة إذا قالت المرأة، لم تنقض عدتي، وفي رواية البويطي وقد قيل ولا رجعة له، لإقراره بانقضاء العدة. انتهى. وعزاه إلى الجديد، وفيه تأييد لنقل الرافعي، لتقييده ثبوت الرجعة بما إذا قالت المرأة: "لم تنقض عدتي؛ غير أن لفظه -كما رأيت- أعلمتني، لا أخبرتني، وما أرى أن مراده بالإعلام إلا الإخبار، فهما سواء، ولو أراد حقيقة الإعلام -وهو تحصيل العلم الذي هو الاعتقاد الجازم المطابق- لما أثبت له الرجعة بعد ذلك بحال لا2 يكون قد صدقها في انقضاء العدة؛ فلا يسمع بعد ذلك منه- أنها لم تنقض وإن وافقته المرأة. ويدل عليه نص الشافعي رضي الله عنه عقب- هذا؛ إذ قال البيهقي: "وقال الشافعي رضي الله عنه في الكتاب" وإن قال: قد انقضت عدتها، وقالت هي: انقضت، ثم قالت: كذبت، لم يكن له عليها رجعة؛ لأنه أقر بانقضاء عدتها، وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها، لم يكن له عليها رجعة. انتهى. ثم قال القاضي أبو سعد: والمسألة الثانية: مسلم تحته مسلمة وكتابية بالنكاح؛ فقال للمسلمة: ارتديت وللكتابية أسلمت، وأنكرتا جميعا، بطل نكاحهما، لزعمه أن الكتابية ارتدت بإنكارها الإسلام، وضمني الإقرار3. قلت: وصورة المسألة أن يكون ذلك قبل الدخول، وقد نقل الرافعي الفرع قبيل كتاب الصداق عن فتاوي البغوي، وهو شاهد جيد، وفي ظني أن الشواهد على هذه القاعدة كثيرة، وينبغي أن يقال ضمني كل إقرار معتبر مثل صحيحه، وأما الإقرار الذي لم يعتبر فهل يثبت ما تضمنه، فيه نظر؛ وذلك كما إذا أقر بطلاقها واحدة وارتجعها، وادعت أنه طلقها ثلاثا، ثم اعترفت بصدقه وكذبت نفسها؛ فقد نص الشافعي، رضي الله عنه على أنها يحل [بها] 4 الاجتماع معه نقله ابن الرفعة في المطلب عن الماوردي في آخر باب الرجعة -فإذا مات هذا الزوج؛ فالأقرب -على ما ذكره الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في فتاويه أنها ترثه، وإن كان قد سبق منها الاعتراف بأنه أبانها ثلاثا؛ لأن ذلك الاعتراف لم يعتبر، بل ألغاه الشارع.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" لأنه. 3 وفي "ب" وضمني الإقرار لصريحه. 4 في "ب" لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 بل قال الشيخ الإمام: "فيما لو طلقها طلقة خلعا، وادعت هي أنها ثالثة -تحتاج إلى محلل- ثم رجعت عن ذلك وزوجت منه بغير محلل، أن الأقرب ثبوت الزوجية والميراث" ذكره -أيضا- في الفتاوي. وكذلك لو كان له على رجل ألف؛ فقال اشتريت منك دارك بتلك الألف وقبضته وأنكر من عليه وحلف، يجوز له مطالبته بالألف، ولا مبالاة بما تضمنته دعواه من صدور عقد الشراء والقبض؛ لأن العوض لم يسلم له، وهو بخلاف ما إذا قالت: اختلعت نفسي منك على صداقي فخالعتني، وأنكر؛ فلا رجوع لها بالصداق؛ لأن الفرقة التي حصلت بالخلع لا ترتفع بزعمها -ذكره البغوي في الفتاوى وأطال في الفرق- وذكر بعده بقليل "أنها إذا قالت: خالعتني على الصداق؛ فأنكر، فالقول قول بيمينه ثم للمرأة مطالبته بالصداق" انتهى. وكان صورة الأولى أن تقول: التمست منك الخلع على الصداق فأجبت التماسي، وحصلت لي1 البينونة، والانطلاق من حبالك، فينكر؛ فلا طلبة لها بالصداق لأنها -فيما تزعم- قد حصلت على غرضها. وصورة الثانية: أن يقول التمست مني فأجبتك إلى الصداق فتنكر، فلها صداق، لأنها لم تعترف بحصول القصد من الانطلاق من حبالاته وفي القاعدة -كيف صورتها- مسائل: منها: لو قال: عقدنا بشهادة فاسقين فأنكت؛ فلا يقبل قوله بالنسبة إلى إسقاط المهر ولا خلاف أنه لا يرثها إذا ماتت لأن قوله عقدنا بفاسقين يتضمن ذلك. ومنها: ما ذكره أبو سعد الهروي في هذه الكتاب لو قال طلقتها من سنة قبل قوله بالنسبة إلى الطلاق دون إسقاط النفقة والكسوة، وكان ينبغي له أن يستشهد على هذه القاعدة بهذا الفرع؛ فإن قوله طلقها من سنة- إقرار بطلاقها، يتضمن الإقرار بأن لا نفقة ولا كسوة؛ فهو كصريح قوله: لا نفقة علي ولا كسوة، ثم ذلك لا يقبل منه لو صرح به؛ فكذلك إذا جاء ضمنيا، وقد نازعناه في حكم هذا الفرع بحثا في قاعدة- "من كان القول قوله في شيء، كان القول قوله في صفة ذلك الشيء-" المتقدمة في أوائل البيع،   1 في "ب" زيادة منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 غير أن قول الأصحاب فيما إذا قال: "عقدنا بشهادة فاسقين" لا يقبل قوله بالنسبة إلى إسقاط المهر، ليشهد له، ولذلك مسائل كثيرة. قاعدة: قال أبو عاصم: "كل قول في عقد إيجاب أو إقرار، إذا عقب1 بالتخصيص من الاستثناء ونحوه صح إلا إذا قال: يا زانية طلقتك إن شاء الله -[يكمل من الأشراف للهروي ويحرر] 2. قاعدة: قال الدبيلي3 -في أدب القضاء- إذا أقر بشيء4 صريحا، ثم أنكر ما صرح به، أو أثبت خلافه بالبينة، لا يقبل، وإن أطلق ثم ادعى صفة توجب5 بطلان ذلك المطلق -من بيع أو نكاح ونحوه- لم تقبل دعواه بمجردها ولكن ببينة". ولك أن تختصر هذه العبارة فتقول: "إذا أقر بالشيء صريحًا، ثم أنكره لم يقبل -وإن أقام [عليه] 6 بينة -[وإن أقر به مطلقا ثم ادعى قيدا يبطل الإطلاق، لم يقبل إلا ببينة". مثاله: أحال بدين، ثم قال: لم تصح الحوالة؛ لأنها كانت عن بيع فاسد، لم يقبل منه، ولو أقام بينة بذلك، قبلت، وبطلت الحوالة؛ لأنه لم يعترف- أولا: بصحة البيع؛ بل أثبت فساد أصل الحوالة، فلم يكذب اعترافه ببينة، وفالبينة -في الحوالة- إنما كانت في اختلاف الصفات، لا في نفي الاصل. بخلاف ما لو اعترف بصحة الحوالة، ثم ادعى فسادها، لا يقبل- وإن أقام البينة] 7. ولو طلق امرأته ثلاثا، ثم قال: لم يقع لأن العقد كان فاسدا، وأقام بينة بالمفسد،   1 في "ب" عقد. 2 سقط في "ب". 3 علي بن أحمد أبو الحسن الدبيلي صاحب أدب القضاء أكثر ابن الرفعة النقل عنه ويعبر عنه بالزبيلي بفتح الزاي، ثم باء موحدة مكسورة، قال السبكي: إنه الذي اشتهر على الألسنة قال الأذرعي: الصواب دبيلي ومن قال الزبيلي فقد صحف. ابن قاضي شهبة 1/ 268، ابن السبكي 3/ 290، هداية العارفين 1/ 680. 4 في "ب" بالشيء. 5 في "ب" البطلان. 6 سقط في "ب". 7 من قوله وإن أقر به مطلقا إلي وإن أقام البينة سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فإن كان قد أقر -قبل الطلاق- بصحة النكاح، لم تسمع دعواه، ولا بينته، وإلا سمعنا؛ لأنه إذا ادعى الزوجية، فإقامة البينة -بعدم الولي أو غيره- من المفسدات، لا يكذب ما سبق، بل يثبت، وصفا آخر يلزم منه الفساد، وصار كما لو أقر أن في ذمته -لفلان- قفيز حنطة سلما ووصفه وذكر محل تسليمه، ثم قال: كان سلما باطلا؛ لأن الثمن كان دينا في ذمتي، فجعله رأس مال السلم؛ فإن [كان] 1 ذلك، لا يقبل، لأنه يطلب إبطال عقد السلم الذي أقر بصحته؛ فلو أقام بينة بذلك، قبلت، لأنها لم تناقض ما ذكره، بل زادت وصفا. هذا كلام الدبيلي، وقد زاد الإمام هذه القاعدة بيانا، فقال: "من أقر صريحا بما جاز استناده إلى يقين ثم رجع، لم يقبل رجوعه، وكذا إذا لم يتصور استناده إلى يقين إذا كان ابتداء من غير خصومة، وإن كان في أثناء خصومة؛ ففي مؤاخذته خلاف". واحترزنا بقولنا: "صريحا" عن بائع يدعي -بعد البيع- أن المبيع موقوف فالمنصوص سماع دعواه وبينته -وهو المحكي في باب الدعاوي من الروضة عن حكاية القفال عن العراقيين- وقد نصره الشيخ الإمام في شرح المنهاج قبيل باب الشركة، وقال: ليس الإقدام على العقود كالإقرار الصريح؛ لأن الإنسان قد يعقد بأدنى ظن، ولا يقر إلا بظن قوي2؛ فليس الفعل في رتبة صريح القول. قال: "وقد رأيت -من الحكام وأكابر الفقهاء- من3 يغلط في ذلك، ويلزم الناس بمقتضى عقود تقع منهم -مع غلبة الظن وصدقهم وعذرهم ولم يقم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا قياس". انتهى. قلت: ويؤيده ما قاله الروياني -فيمن باع شيئا، ثم ادعى أنه لم يكن ملكه: أنه إن لم يقل -عند البيع- هو ملكي؛ بل اقتصر على البيع سمعت دعواه" وعزاه إلى النص. قلت: ورأيت الشيخ أبا حامد نقله عن الشافعي رضي الله عنه في كتاب الغصب فقال: "قال الشافعي رضي الله عنه": إن كان ذكر -حين البيع- أنه ملكه وجرى ذلك في عرض كلامه، لم تسمع بينته؛ وإلا4 سمعت لأن مجرد البيع ليس تكذيبا لبينته، لأنه قد يبيع ملكه وملك غيره".   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 4 في "أ" ولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وهنا مسائل: منها: باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان والمحتال في1 حريته أو ثبتت بيينة: قال البغوي والروياني: "لا يتصور أن يقيم المتبايعان البينة؛ لأنهما كذباها بعقد البيع". واعتمده النووي في باب الحوالة من الروضة وهو يخالف ما ذكره في الدعاوى. ومنها: اثنان على كل منهما خمسة، ضمن كل منهما الآخر، ثم أدى أحدهما خمسة، واختلف هو ورب الدين -هل هي عن الضمان أو الأصالة فالقول قول المؤدي، ثم قيل، لا يطالبه بالضمان؛ لأنه يناقض قوله الأول، والأصح يطالبه، ثم له توجيهان. أحدهما: أن صاحب الدين يقول: بتقدير الصدق عليك خمسة الأصالة، وبتقدير عدمه خمسة الضمان، فالخمسة ثابتة على التقديرين. والثاني: أنه بنى على خيال انكشف له؛ فلا يبطل حقه كما لو ادعى أن ما اشتراه مغصوب؛ فقال: هو ملكي وملك من اشتريت منه، فأقيمت البينة؛ فإنه يرجع على البائع بالثمن على الأصح -إن كان قد اعترف له بملكه -لكونه بناه على ظاهر، وصح -بالبينة- خلافه. ومنها: مسألة الغصب هذه. ومنها: ادعى على زيد، وعلى غائب ألفا من ثمن مبيع مقبوض ونحوه، وأن كلا منهما ضمن ما على الآخر وأقام بينة، وأخذ الألف من زيد. نص أنه يرجع على الغائب بنصف الألف، قال الجمهور: "هذا إذا لم يكن من زيد تكذيب البينة، وإلا فلا يرجع" وهذا هو الأصل، وقال وقال ابن خيران: "يرجع" وقال الإمام: "إن دام على الإنكار فلا". ومنها: إذا ادعى الضامن الأداء ولم يقم بينة، وحلف رب المال أنه لم يؤد، بقيت مطالبته بحالها؛ فإن أخذ، فقيل: لا يرجع، والأصح أنه يرجع، وهل يرجع بالمغروم أولا: لأنه مظلوم بالثاني، أو بالثاني؛ لأنه المسقط للمطالبة؟ وجهان، قال النووي ينبغي أن يرجع بأولهما.   1 في "ب" على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ومنها: إذا قال: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، أو كل بينة أقمتها فهي زور، ثم جاء ببينة، سمعت في الأصح. ومنها: إذا قال الضامن للمضمون له أبرأت الأصيل فحلف وغرم الضامن؛ فله مطالبة الأصيل، في الأصح وكذا لو قال: كنت أبرأته قبل ضماني ويجري الوجهان في كل دعوى محتملة يناقضها عقد سابق. ومنها: غصب1 العين المستأجرة، ثم أقر بها المكري للغاصب من المستأجر الآخر؛ ففي قبول إقراره في الرقبة قولان، فإن قبلنا؛ ففي بطلان حق مستأجر أوجه، يفرق -في الثالث- بين كون المال في يد المكري أو المقر له، ولا ينزع من هو في يده، والأظهر- من الخلاف أنه يقبل إقراره في الرقبة دون المنفعة. ومنها: قال البغوي في الفتاوى: "لو قالت أنا موطوءة أبيك لم يقبل قولها -إن كان بعد التمكين أو زوجت منه بإذنها- فلو خالعها ثم أراد نكاحها لم يجز، لأن نكاحها يكون بإذنها، ولا يجوز لها أن تأذن بعد الإقرار -بأنها موطوءة الأب. انتهى. وهي مسألة حسنة. ومنها: قال: لا حق لي على فلان، ثم أقام بينة بحق؛ ففي قبولها وجهان- حكاهما شريح الروياني في أدب القضاء عن جده. ومنها: قال لا حق لي في هذا العبد، ثم أقام بينة على الشراء قال العبادي: "لا يقبل حتى يقول: إنه اشتراه منه بعد الإقرار"، وقال شريح -في أدب القضاء: "وعندي أنها تقبل إذا كان بعد احتمال تلقي الملك منه". ومنها: إذا اعترف بعد الدافع، ثم جاء بدافع، يسمع. ومنها: إذا قال: اشتريته بمائة، ثم قال: بل بمائة وعشرة، ولم يبين -للغلط- وجها محتملا، والمسألة مشهورة. ومنها: إذا طلق امرأته ثانية؛ فقالت: هي ثالثة، فكذبها، أو كذبت هي نفسها وزوجت منه بغير محلل، ثم مات عنها وطلبت ميراثها منه؛ فبين ابن الرفعة والشيخ الإمام نزاع طويل في المسألة مذكور في فتاوى الشيخ الإمام، وفيها نص الشافعي رضي الله عنه، قال الشيخ الإمام: والأقرب ثبوت الزوجية والميراث.   1 في "ب" غصبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ومنها: وهو ما تعم به البلوى- يعترف بأنه لا حق له في هذا الوقف ثم يتبين -بعد تأمل شرائط الوقف أو غيره- أنه مستحق؛ فلا شك عندي في أنه لا يؤاخذ باعترافه السابق، ويشهد له ما تقدم من الفروع؛ بل هو أوضح منها فإن الشروط ومدلول ألفاظ الواقفين تخفي كثيرا على العلماء؛ فضلا عن غيرهم وهو كمن يعترف ببنوة شخص -مع احتمال السن- فإن تكذيب الحس والشرع سواء في دفع الإقرار، وجعله لغوا. ومنها: لو ادعى على شخص أنه منفرد بالقتل ثم على آخر أنه شريك فيه أو منفرد به، لم تسمع الدعوى الثانية، غير أن الثاني لو صدقه في دعواه؛ فالأصح يؤاخذ به، لأن الحق لا يعدوهما. ومنها: لو ادعى القتل على رجل، وأقسم عليه، وأخذ المال؛ فجاء آخر وقال: إن المأخوذ منه المال مظلوم؛ فإني أنا القاتل، فإن لم يصدقه الوارث لم يقبل، وإن صدقه فعليه رد ما أخذ، وهل الدعوى على الثاني؟ لا، ربما بني الدعوى الأولى على ظن حصل له زال عنه بإقرار الثاني، وتجدد له يقين أو ظن -أقوى من الأول- أن الثاني هو القاتل، أو ليس له الدعوى عليه لأن الدعوى على الأول اعترف ببراءة غيره؟ في المسألة قولان. ومنها: إذا تزوجت ثم ادعت [أن] 1 بينها وبين الزوج محرمية، فإن تزوجت برضاها، لم يقبل، لتضمن إذنها حلها، لكن إن ذكرت عذرا لغلط أو نسيان سمعت دعواها على المذهب. ومنها: أنكر الوديعة فقامت عليه بينة بها فقال: أودعني ولكن تلفت أو رددتها؛ فأظهر الوجهين سماع بينته على تلفها. قال الرافعي: "وينبغي أن نفرق بين أن نبين للغلط وجها محتملا أو لا - كما قيل في ألفاظ المرابحة" قال ابن الرفعة: "والفرق من وجهين، أحدهما أن ما ادعاه المودع ثانيا- وإن خالف قوله أولا: ما أودعتني، فرب المال يوافقه، والحق لا يعدوهما؛ فإذا صدقه، سلمت البينة من تكذيب؛ فعمل بموجب قولها في الرد والتلف، ولا كذلك في مسألة المرابحة؛ فإن القول الثاني المخالف للقول الأول لم يصدقه الخصم عليه، لو صدقه عليه لألزم بموجبه من غير بينة.   1 سقط من "أ" والمثبت في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 والثاني: أن المقر به في المرابحة إثبات بينة إلى محسوس، بقوى المرتب عليه لبعد خلافه، وما ذكره في مسألة الوديعة نفي محض- يجوز أن يكون مستندا إلى العدم الأصلي وتكون البينة حاصلة، ويجوز خلافه فضعف المرتب عليه فلم يؤثر". ومنها: لو تزوج امرأة ثم اعترف الزوج بفسق الشاهدين، وأنكرت المرأة فرق بينهما، وهل الفرقة طلاق أو فسخ، فيه وجهان. قال ابن الرفعة: "وينبغي -إذا كان بعد الدخول- أن لا يقبل قوله كما قلنا فيما إذا ادعت المرأة أن بينهما رضاعا محرما بعد التزويج، وكانت مجبرة؛ بل مقتضى قولهم، أنها إذا كانت قد تزوجت بإذنها أن لا يقبل قولها في التحريم بالرضاع ونحوه أن لا يقبل قول الزوج في ذلك إذا كان قد قبل نكاحها بنفسه. قلت: وفيه نظر؛ فإن النكاح حق الزوج، فقيل قوله في إسقاطه، وإن تبع إسقاطه كون ذلك فسخا -على وجه، وفارق المرأة لا يقبل. منها: إذا تقدم منها ما يقتضي الاعتراف؛ لأنه حق الزوج عليها وقد اعترفت به فلا يقبل منها ما يقتضي سقوطه. ومنها: قال القفال في فتاويه: "إذا رأينا ضيعة في يد رجل يدعي أنها وقف عليه، ولا تصير وقفا، ونقرها في يده، لحق اليد لا لقوله: هذا وقف؛ لأنها لا تصير وقفا بذلك؛ لأن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه، فلو أراد بيعها فله ذلك، بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز له بيعها. قلت: وما ذكره من جواز البيع مشكل، ثم فيه تأييد لفتوى ابن الصلاح فيمن أقر بملك في يده أنه وقف عليه ثم على جهات أنه لا يثبت الوقف بذلك لكن لا يلزم من عدم الثبوت عدم المؤاخذة بالإقرار؛ فهذا مشكل، والذي ينبغي أن يؤاخذ بمقتضى اعترافه توقيفها، نعم له فيما بينه وبين الله تعالى -إذا كان يعرف كذب نفسه- أن يقدم على بيعها. وأما مسألة الوديعة؛ فقد يقال: لا يمنع من الإقدام على ما اعترف بأنه وديعة، لإمكان إذن له من المودع، والقول قول متعاطي العقود كما رأينا عينا في يد شخص يعترف أنها لغيره، ويدعي أنه وكيل في بيعها؛ فإنه يجوز شراؤها منه -وإن لم تثبت وكالته- فالأمر في مسألة الوديعة يمكن أن تكون على ما قال القفال، بخلاف مسألة الوقف؛ فإن قوله فيها لا يظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 تنبيه: قد يعبر عن هذه القاعدة بغير هذه العبارة؛ فيقال: من ذكر لفظا ظاهرًا في الدلالة على شيء ثم تأوله، لم يقبل تأويله في الظاهر. وهذه عبارة شيخ الإسلام -عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى وقال: إنه يستثنى منها صور يكون أقراره فيها مثبتا. أصل: ذكره القاضي أبو عاصم "من باشر عقدا أو باشره عنه من له ذلك، ثم ادعى ما ينقضه، لم يقبل" كما باع عبدا من إنسان، ثم قال: لم يكن ملكي أو طلق امرأة ثلاثا بمشهد الحاكم، ثم أراد بتزوجها بولاية الحاكم فامتنع الحاكم، لإيقاعه الثلاث بين يديه فقال: المطلق، لم يكن الطلاق وقفا: لأنها لم تكن زوجتي؛ لأنه أراد إلغاء عقد وقع بإنشائه- وهو عند التطليق. قلت: أما من باع عبدا ثم قال: لم يكن ملكي -فهي مسألة التي قدمناها فيمن باع شيئا، ثم قال: لم يكن ملكي عن الروياني، وهذه القاعدة نظير القاعدة المتقدمة عن الدبيلي، وقد أطلنا القول فيها؛ غير أن تلك فيمن أقر لفظا، وهذه فيمن أقر فعلا. وقد قال القاضي أبو عاصم: إن هذه تطرد في جميع المسائل إلا في مسألتين: إحداهما: رهن عبدا ثم ادعى أنه باعه قبل الرهن، أو أعتقه أو رقفه أو لم يكن مملوكا لي؛ بل كنت غصبته من زيد، ففيه قولان: أحدهما: لا يقبل لمناقضته؛ فصار كما إذا باع عبدا ثم قال: كنت أعتقته أو وقفته. والثاني: لا يقبل، لأن الإقرار لا في ملكه؛ بخلاف البيع قال: "وإذا أجر عبدا ثم ادعى فساد الإجارة بهذه المعاني؛ فهو أيضا- على القولين، وعلى أن القول قول المالك فهل عليه يمين؟ فيه قولان" .... قال: "والمسألة الثانية: باع القاضي على الغائب عبده في دينه، ثم حضر الغائب، وقال: كنت أعتقته قبل ذلك، ففي قبول قوله قولان. أحدهما: لا؛ لأن العقد صدر من نائبه؛ فصار كما لو باع وكيله ثم قال: كنت أعتقته قبل البيع. والثاني: يقبل، لأن نيابة الوكيل -عنه- اختيارية، ونيابة القاضي شرعية. قاعدة: في مسائل التقديم والتأخير، وهل النظر إلى أول الكلام أو إلى آخره". منها: إذا قال: أعتقت هذا العبد عن كفارتي بألف عليك، لم يجزئه ولا فرق بين أن يقدم في الجواب ذكر الكفارة، بأن يقول: أعتقت هذا العبد عن كفارتي بألف عليك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أو يقدم ذكر العوض؛ فيقول: أعتقته على أن لي عليك ألفا عن كفارتي. وعن أبي إسحاق وجه: "إنه إذا قدم ذكر الكفارة أجزأه وسقط العوض" قال الرافعي -وقرب هذا الوجه في التتمة بما قيل: "إنه لو سمع المتيمم إنسانا يقول: عندي ماء أودعنيه فلان، بطل تيممه، ولو قال: أودعني فلان ماء لا يبطل". قلت: كذا حكاه الرافعي في كتاب الظهار ولم يذكره في باب التيمم، ويمكن الفرق بين المسألتين بأنه في التيمم إذا سمع عندي ماء توهمه، والتيمم يبطل بمجرد توهم الماء. ومنها: مسألة التيمم هذه. ومنها: إذا قال: أزيد أن أقر بما ليس علي لفلان على ألف. أو قال ما طلقت امرأتي وأريد أن أقر بطلانها قد طلقت امرأتي ثلاثًا؛ قال الشيخ أبو عاصم "لا يصح إقراره، ولا شيء عليه"، وقال صاحب التتمة: "الصحيح أنه تلزمه كقوله: له علي ألف لا تلزمني". ومنها: لو قال: له علي ألف من ثمن خمر لزمه الألف -في الأظهر، ولو قدم الخمر فقال: من ثمن خمر له علي ألف، لم يلزمه شيء قطعا، كذا في الرافعي والروضة. ومنها: إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فعلى ألف، لم يلزمه شيء قطعا. وإن قدم المقر به؛ فقال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر؛ فالمذهب أنه كذلك. ومنها: لو قال: علي ألف مؤجل، قبل على المذهب، وقيل: يلغي التأجيل. وهذا إذا كان موصولا؛ فإن ذكر الأجل مفصولا، لم يقبل قطعا. ومنها: لو قال: له علي ألف لا تلزمني؛ فهو إقرار. ومنها: لو قال: أنت طالق الطلقة الرابعة؛ ففي وقوع الطلاق وجهان حكاهما الرافعي في فروع الطلاق. ومنها: لو قال: هذا العبد لفلان، ثم ادعى أنه اشتراه منه، لم يصح للمضادة -وعن ابن سريج أنه يسمع، ولو قال: هذا العبد لفلان وقد اشتريته منه -متصلا- كان مسموعا؛ لأن العادة جرت أنه يراد به- كان لفلان، ذكر ذلك شريح في أدب القضاء. ومنها: إذا قال: كل امرأة لي طالق غيرك، قال الشيخ الإمام رحمه الله في باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الإقرار من شرح المنهاج: "لا تقل فيها والذي استقر رأيي عليه أنه إن قدم غيرًا فقال: كل امرأة لي غيرك طالق، لم تطلق، وإن أخر قال: كل امرأة لي طالق غيرك -ولا امرأة له غيرها- طلقت، وهكذا أقول في إلا" انتهى. ونقل -أعني الشيخ الإمام- في فتاويه عن القاضي الحسين أنه قال في فتاويه غير المشهورة، في كل امرأة لي غيرك طالق، ولا امرأة له غيرها -أن هذا- على سبيل الشرط لم يقع؛ لأنه استثناء منها، فيصير كأنه قال: أنت طالق، إلا أنت ثم قال: "قلت -أنا- كيف ينبغي أن لا يقع". قلت: ونقل الرافعي عن فتاوي القفال أنه لو قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة، ولا امرأة له غيرها، طلقت، لأنه مستغرق. وهذا يؤيد الشيخ الإمام، وليست هذه المسألة مسألة منهاج النووي وغيره من المختصرات، وهي: ما إذا خاصمته زوجته فقالت: تزوجت؛ فقال كل امرأة لي طالق، وقال: أردت غير المخاصمة -حيث يقبل ذلك منه لأنه لم يدخل امرأته في هذا الكلام حتى يقال: إنه بإخراجها -بعد إدخالها- صار الاستثناء مستغرقا، بل أطلق لفظا مريدا به من لا يقع عليه، وساعدته قرينة الحال فصدق. ومنها: قال: يا زانية، أنت طالق ثلاثا، كان له أن يلاعن، وإن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية، لم يكن له لعان، وفرق الجرجاني وغيره بأنه في الأولى قذف زوجته، وفي الثانية قذف أجنبية. ومنها: لو قال أحد الاثنين: مات أبي كافرا؛ لأنه كان يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير. قال الرافعي في باب الردة: فقد حكى -في التهذيب- فيه قولين أحدهما: لا يورث منه، لإقراره بكفره، والثاني: يورث لأنه فسره بما يبين خطأ اعتقاده وهذا أظهر. قلت: وترجيح التوريث مشكل؛ فإن الأصح، في ألف من ثمن خمر- لزوم الألف، ومؤاخذته -هنا- أولى؛ لأن بعض الناس قد يعتقد الخمر ثمنا ولا يعتقد أحد أن شرب الخمر وأكل الخنزير يوجب الكفر إلا أن يكون قريب عهد الإسلام. ومنها: لو قال لغريمه: أحللتك من مالي، وأبرأتك منه في الدنيا دون الآخرة. قال الحناطي -في فتاويه: "يبرأ في الدارين" قال: "والساقط في حكم الدنيا، لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 بقاء له في الآخرة" قال: ولا يرد الإبراء بهذا الشرط؛ لأن السقوط في العقبى يتبع السقوط في الدنيا. قلت: ولا يبعد أن يقول قائل: إن هذا القيد يبطل الإبراء إلى آخر الكلام. ومنها: لو خالع بمائة على أن له الرجعة فرجعي بلا مال. وقيل بائن بمهر المثل: ويشبه أن يخرج وجه أنه يلغو، أو لا يقع شيء من القول في "له علي ألف من ثمن خمر"؛ فإن شرط الرجعة في الخلع فاسد للمضادة فيفسد، كما قلنا إن شرط الخيار في النكاح يبطله، ونحوه ... قاعدة: "من أنكر حقا لغيره ثم أقربه قبل" إلا في مسائل: منها: إذا أنكرت المرأة الزوجية، ثم أقرب فلا يقبل في الأصح. قاعدة: "من ملك الإنشاء ملك الإقرار، ومن لا، فلا". قاعدتان: ذكرهما الأصحاب -في باب القراض- عن أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى. القاعدة الأولى: "كل لفظة كانت خالصة لعقد، حمل إطلاقها عليه؛ فإن وصل بها ما ينافي مقتضاه، بطل". فمن هذه القاعدة: إذا قال قارضتك على أن الربح كله لك فالصحيح أنه قراض فاسد؛ لأنها لفظة خالصة لعقد القراض الذي مقتضاه الاشتراك في الربح؛ فإذا وصل بها قوله: على الربح كله لك -فسد لمنافاة ذلك لمقتضاه، وقيل: قراض صحيح نظرأ إلى المعنى. ومنها: إذا قال: أبضعتك على أن الربح كله لك، ففيه الوجهان، لأن معنى الأبضاع أن يكون الربح كله للمالك، ولا حق للعامل فيه، بل هو وكيل متبرع فقوله في هذه الصيغة: على أن الربح كله لك- زيادة تنافي معنى الأبضاع. ومنها: إذا قال: بعتك بلا ثمن، وكذا إذا قال: أسلمت إليك هذا الدرهم في هذا الثوب ونظائرهما من مسائل اللفظ والمعنى. لك -هنا- أن تبحث فتقول: لا نسلم أن نحو -بعتك بلا ثمن- من هذا القبيل؛ فإن بعتك ليس -بمجرد- خالصا للعقد؛ إذ ذكر الثمن ركن في البيع، والمعنى باللفظة الخالصة، ما تعمل عملها لولا انضمام ما انضم إليها. ويمكن الجواب عن هذا، بأن يقال: ليس هذا هو المراد بالخلوص، بل المراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 أن تكون اللفظة يفهم منها عقد خاص، وأن يوقف وجود أثره على أمر وراءها وهب يفهم منها البيع، وتوقف حصوله على ذكر الثمن لا يمنع من هذا الفهم، كما أن حصوله متوقف -أيضا- على القبول وأشياء آخر. وإذا تأملت هذا البحث الذي حركته لك -سؤالا وجوابا- ترددت في أن القول بالبطلان في قوله: بعتك بلا ثمن -هل منشاه تجرد اللفظة عن ذكر الثمن، أو نفي الثمن عنها؟ فيحتمل أن يقال بالأول، والأقرب الثاني، ويشهد له أن التعليل بالوصف الوجودي أولى من العدمي، وذكر نفي الثمن وجودي، والتجرد عن إثباته عدمي. وأن من قال بالصحة، وجعلها هبة -نظرا إلى المعنى- إنما أخذ ذلك من قوله: بلا ثمن- لا من التجرد؛ فدل على أن النزاع في أنها بيع فاسد أو هبة ناشيء عن نفي الثمن لا عن التجرد؛ فدل أن -بعتك- يفهم منها البيع لولا انضمام عدم الثمن؛ فكانت من قبيل القاعدة. فإن قلت: لا فرق بين بعتك بلا ثمن وقارضتك على أن الربح لك؛ فإن تجرد "قارضتك" عن ذكر الربح كتجرد "بعتك" عن ذكر الثمن. قلت: ليس كذلك، بل تجرد "بعتك" لا صحة للبيع معه؛ إذ "البيع بلا ثمن" غير معقول، ولا يعرف الثمن إلا بذكره، فما لم يذكر لم يكن، بخلاف القراض، فإنه -وإن أطلق- يمكن أن يقال: أن له مرادا -وهو جعل الربح نصفين- كما هو أحد الوجهين فيما إذا قال: هذه الدار لزيد وعمرو حيث يجعلها بينهما نصفين، ولذلك لا يختلف الأصحاب في بطلان البيع المجرد عن الثمن واختلفوا في القراض. القاعدة الثانية: قال أبو العباس رضي الله عنه: كل لفظة وضعت لعقدين فأكثر، لم ينصرف إطلاقها إلى شيء؛ فإن عقبها ببعض ما يصلح1 لتلك العقود أخلصها له. واستشكل الشيخ الإمام -رحمه الله-[قوله] 2 "وضعت لعقدين"، وقال: إن أراد الاشتراك اللفظي لم تطابق المسألة التي ذكر فيها هذه القاعدة وهي قول رب المال للعامل: تصرف والربح كله لك؛ فإنه تصرف متواطئ لا مشترك -وإن حمل على أنه   1 في "ب" لتلاف. 2 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 بالتواطؤ أشكل قوله: لم ينصرف إطلاقها إلى شيء؛ إلا أن يحمل على شيء بعينه، فيصح. قلت: إنما أراد التواطؤ، ومعناه- أنه لا يتعين له واحد من محامله وفي القاعدة مسائل: منها: المسألة التي ذكر فيها أبو العباس هذه القاعدة، وهي إذا قال: تصرف والربح كله لك؛ فهو قرض؛ لأنه تصرف محتمل، وقد وصله ببعض ما يصلح للقرض، فيخلص له. ومنها: إذا قال: تصرف بالبيع والشراء وجهان حكاهما صاحب البحر في أنه إبضاع أو قراض فاسد. وتنازع الشيخ الإمام وشيخه ابن الرفعة؛ فقال الشيخ الإمام: "أرجحهما" الأول، وقال ابن الرفعة مقتضى القاعدة أن لا ينصرف إلى شيء معين1 قال الشيخ الإمام "إنما لا ينصرف إلى شيء معين، أما المعنى المشترك بينهما فمحقق. قاعدة: ذكر الشيخ أبو علي رحمه الله أن من الأصول المطردة في المسائل "كل ما ضمن كله بالقيمة، ضمن بعضه ببعضها" إلا في مسألة واحدة، وهي: إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول، وكان ما عجل تالفا، يغرم المسكين قيمته، وإن كان معينا ففي الأرش وجهان. وحكى الرافعي في هذا الباب التحالف، عن الشيخ أبي علي عند ذكره أن البيع إذا كان بعد التحالف قائما ولكن معيبا، يرد مع الأرش وهو قدر الناقص من القيمة؛ لأن الكل مضمون على البائع بالثمن؛ فكذلك البعض وقال: هذه المسألة قدمناها في موضعها وميل الشيخ [الإمام] 2 إلى اطراد الأصل فيها". قلت: ولكن الصحيح خلافه، وقد ضم إليها الشيخ الإمام مسألة أخرى ذكرها في باب التحالف -من شرح المهذب- وهي: المستعار إذا تلف كله في يد المستعير في غير الوجه المأذون -ضمنه على المشهور، وكذا إذا تلف جزؤه على الأصح؛ فعلى الأوجه الأول. تستثنى هذه المسألة.   1 سقط من "ب". 2 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 قلت: ومسألة ثالثة -إذا اطلع على عيب المبيع فرده، وقد تلف الثمن في يد البائع والثمن متقوم، ضمنه بقيمته وإن لم يتلف ولكن نقصت صفته -كالشكك المشكك ونحوه- فالأصح لا غرم وفي هذه الصورة يتعين الرجوع بالناقص من غير أرش ولا يمكن المالك من طلب البدل. ومن ثم مسائل أخر -يضمن فيها الكل بالقيمة ولا يضمن البعض ببعضها؛ ولكن لا يتعين فيها أخذ الناقص؛ بل يتخير بينه وبين البدل -وقد عدها الشيخ الإمام في كتاب الزكاة من شرح المنهاج، شيخه ابن الرفعة في التحالف وقالا -جميعا- ما حاصله: أنها لا ترد لوقوع التخيير فيها وقصرا القاعدة على ما يتعين الرجوع فيه إلى الناقص؛ ولكن كلام الإمام في النهاية يقتضي تعميم القاعدة؛ فمن تلك المسائل: الصداق إذا تعيب في يد الزوجة، ثم طلق قبل الدخول، ل يلزمها الأرش؛ بل الزوج مخير بين الرجوع في الشطر ناقصا أو الانتقال إلى البدل. ومنها: اللقطة إذا حضر مالكها وقد تعييت، تخير -على أحد الوجهين- بين أن يقنع [بها] 1 ولا أرش، وأن يأخذ بدلها. ومنها: إذا رد المبيع وقد تعيب في يد البائع كذلك. ومنها: إذا جرى التحالف، وقد تعيب المبيع، فتشبث الشيخ أبو علي بخلاف في التخيير بين البدل وبين أن يقع به بلا أرش. ومنها: القرض إذا تعيب في يد المقرض، وقال الماوردي: إن كان الواجب المثل تخير المقرض بينه وبين مثله سليما ولا أرش، وإن كان الواجب القيمة رجع فيه بالأرش. هذا ما استثناه ابن الرفعة، ودفع الشيخ [الإمام] 2 هذه الصورة بأن القاعدة في المتقومات لا المثليات -فلا تورد صورة المثلي في القرض، وأما المتقوم فهي جارية على الأصل. قال الشيخ الإمام: "ومنها: غريم المفلس إذا وجد العين ناقصة نقصانا غير مضمون؛ فإن شاء رجع فيها بلا أرش، وإن شاء ضارب. هذا منتهى الكلام على طرد هذه القاعدة.   1 في "ب" به. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قال الإمام: "وهي منعكسة أيضا؛ فإن المبيع إذا غاب في يد البائع لا يلزم البائع للمشتري أرش العيب؛ لأن المبيع لو تلف في يده لم تلزمه قيمته، بل الحكم الانفساح" "قال ابن الرفعة" والعكس لا يخرج منه شيء يعلمه الآن، نعم: المشتري من الغاصب إذا تلفت العين في يده وغرم قيمتها لا يرجع بها على الغاصب ولو تعييت في يده وغرم الأرش يرجع بها على الغاصب على قول، ومع هذا يصح أن يقال: يد ضامنه يستقر عليها ضمان الكل، ولا يستقر عليها ضمان البعض "قال الشيخ الإمام رحمه الله [يعني] 1. قلت: ثم مسألة أحسن من هذه تخرج من العكس، وهي وطء الراهن الجارية المرهونة إذا أحبلها ونقص قيمتها بالولادة يلزمه الأرش، وفي وجوب قيمتها -إذا ماتت في الولادة- وجهان: والكلام حيث ينفذ الاستيلاد. ضابط: يضبط العين التي يرد عليها عقد الإجارة "كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة مملوكة معلومة مقصودة تضمن بالبدل، وتباح بالإباحة فإيراد عقد الإجارة عليها جائز قطعا، ومتى انتفى بعض هذه الأمور؛ فقد يبطل قطعا وقد يجيء خلاف". واحترزنا بقولنا -يضمن بالبدل- عن الكلب وجلد الميتة، وبقولنا: تباح بالإباحة- عن منفعة البضع، وبقولنا: مملوكة عن منفعة الكلب؛ فإنها مباحة -غير مملوكة- على ما قاله الشيخ أبو حامد، وشبهه بالمستعار، وفي وجه آخر -أن منفعته مملوكة حكاه الماوردي، وخرج عليها جواز إجارته للصيد. وقد نظمت شرائط المنفعة في الإجارة في قولي: شرط المنافع في الإجارة أن تكو ... ن مباحة معلومة في الحال ذا قيمة يتمكن استيفاؤها ... بالعقد واقعة لباذل مال مقصودة التسليم لا تتضمن اسـ ... ـتهلاك عين مقصدا بمقال وقبل شرح هذه الأبيات نقول: قال الجرجاني: منفعة الكلب مباحة غير مملوكة، ومنفعة [التزين] 2 بالدراهم مملوكة غير مقصودة، ومنفعة الثوب ونحوه مملوكة مقصودة والثلاثة مباحة، ومنفعة الغناء والزمر وحمل الخمر -لا للإراقة- محرمة في الأصح في المسألتين، ثم نقول في شرح الأبيات ....   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قاعدة: "الحر لا يدخل تحت اليد"1. صرح به الأصحاب في مواضع كثيرة، ولم أجد في كلام الأصحاب ولا في الشريعة دليلا عليه، والغزالي [رحمه الله] 2 لما حكى في باب الغصب -الوجهين في أن منفعة بدل الحر هل يضمن بالفوات كما يضمن بالتفويت؟ قال في "الوجيز" وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه حتى ينبني عليه جواز إجارة الحر -عند استئجاره- إن قلنا تثبت اليد، وأنه بتسليم نفسه [إليه] 3 هل تتقرر أجرته. واعترضه الرافعي "بأن من قال: تضمن بالفوات وجهه بأن منافعه تضمن بالعقد الفاسد، فأشبهت منافع الأموال "قال" ويحكي هذا -يعني القول بأنها تضمن عن [ابن] 4 أبي هريرة، وأن من قال: لا تضمن وهو الصحيح ووجهه بأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده بخلاف الأموال، من قال: ليس لمستأجره أن يؤجره ولا تقرر أجرته بالتسليم -وهو القفال-[ووجهه] 5 بأن منافعه لا تدخل تحت اليد، ولا تدخل منافعه في يد المستأجر وضمانه إلا عند وجودها قال: هكذا أورد النقلة توجيه الخلاف في المسائل الثلاث ولم [يجعلوا] 6 دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه؛ ولكن القائلين بجواز إجارة المستأجر وتقرير الأجرة، كأنهم بنوا الأمر على الحاجة والمصلحة، والغزالي جعله مختلفا فيه، وبنى الخلاف في المسائل على التردد في دخوله تحت اليد ولم أعثر على ذلك لغيره" انتهى ملخصًا. وقد يؤيده أنه لو كان مبينًا [على] 7 ما ذكر الغزالي لكان الأكثر، على أن مستأجره لا يؤجره، وإن أجرته لا تتقرر؛ لأن الأكثر على أنه لا يدخل تحت اليد أو الكل، لكن الأكثر على أن له أن يؤجره، وأن أجرته تتقرر كما نقل الرافعي فيهما. واعلم أن الشيخين الكبيرين -ابن الرفعة والوالد- رحمهما الله جريا على كلام الرافعي ولم ينازعاه، زاد الشيخ الإمام الوالد بعدما ذكر جزم الأصحاب هنا بأن أحد المتداعيين زوجية امرأة، لا يدعي على صاحبها بل عليها -"أن الرافعي حكى في كتاب   1 المنثور للزركشي 2/ 43. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 سقط في "ب". 5 في "ب" وجها. 6 في "ب" يحطوا. 7 في "ب" كما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 النكاح وفي باب الرجعة وجها أن أحد المتداعيين يدعي على الآخر، وقال ما معناه: لا يقال: إن هذا الوجه يقتضي دخولها تحت يده؛ إنما الدعوى لكونه حائلا بينه وبينها. وهذا منه مبالغة في تأييد قول الرافعي: أن الحر لا يدخل تحت اليد وأقول: لا دليل على هذا، ولم يعلل ابن أبي هريرة، الذي عزا إليه الرافعي القول بأن منافعه تضمن بالفوات -بما ذكر الرافعي؛ بل بما يؤيد الغزالي وهذه عبارته في شرح مختصر المزني، قال: "وقد قال الشافعي [رضي الله عنه] 1 في كتاب السير: لو أكره الإمام مشركا على أن يخرج معه ... " أجرة مثله من يوم أكرهه على الخروج إلى يوم جاهد". فمن أصحابنا من قال: "إن الحر تضمن منافعه -أيضا- بالمنع كما تضمن منافع العبد" ومنهم من قال -وهو الصحيح- "أن منافعه لا تضمن إلا بالتناول؛ فأما بالمنع منها فلا تضمن، وتأول المسألة على أنه إنما ضمن أجرة المثل من يوم أكرهه؛ لأنه اتصل يعمل تناوله منه -وهو الجهاد- ولو انفرد ذلك عن العمل لم يحكم له بشيء" انتهى. وقد تضمن أن ابن أبي هريرة صحح ما صححه الرافعي، فليحمل قول الرافعي، وحكي عن ابن أبي هريرة2 أنه يحكي عنه حكاية الوجه لا القول به. غير أن الذي رأيته -في البحر للروياني، وفي الشامل لابن الصباغ أن ابن أبي هريرة يختار أنها تضمن -كما هو ظاهر نقل الرافعي، ولعل هؤلاء اطلعوا على نقل ابن أبي هريرة؛ غير الذي في تعليقه، وعلل -في- البحر التضمين بمثل ما علل ابن أبي هريرة؛ فقال: منافعه تضمن بالإجارة؛ فتضمن بالغصب كمنفعة العبد". ولم أجد من اعتل بعلة الرافعي -وهي: أن منافعه تضمن بالعقد الفاسد إلا صاحب التتمة؛ فقد علل بذلك، وذكر نص الشافعي في السير، وأنه يدل لهذا الوجه، ولعل الرافعي -من صاحب التتمة- أخذ هذه العلة؛ فإنها ليست في كلام الإمام، وباقي كلام الرافعي في كلام الإمام، وإذا وقفت على ما علل به ابن أبي هريرة، من تشبيهه بالعبد، ومعه صاحب البحر، ولعله أيضا في حاوي الماوردي؛ فإن صاحب البحر كثيرا ما يتبعه -علمت أن ما أشار إليه الغزالي -من دخول الحر تحت اليد على هذا الوجه-   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 صحيح، وهذا موضع غرضنا من كلام ابن أبي هريرة رحمه الله. فنقول: أن فيه تأييدا للغزالي، وقول الرافعي: "إن الغزالي جعل دخوله تحت اليد مختلفا فيه" عليه فيه مناقشة من قبل أن الغزالي لم يجعل ذلك؛ وإنما قال: "وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه" وهذا منه بحث لا نقل، وقد أيدناه بالمنقول، وقوله: "كأنهم بنوا الأمر على الحاجة والمصلحة" قلنا هذه العلة غير كافية في الحكم؛ فليس من الحاجات أن مستأجر الحر يؤجره، ولا تقرر أجرته، ورب مستأجر لا يؤجر؛ فالأرجح عندي -والعلم عند الله- أن الحر يدخل تحت اليد، ولذلك نقول فيمن حبس رجلا ومنعه الطعام والشراب حتى مات أنه قاتله. فإن قلت: فيلزمكم إيجاب أجرته عليه مدة الحبس. قلت: قد قيل بذلك، وعلى هذا يسقط السؤال، وعلى القول بعدم الوجوب -وهو الأرجح- فسببه أن فوات المنفعة وقع هنا تابعا، ومن ثم أجد نفسي تميل إلى ترجيح دعوى أحد المتداعيين نكاح امرأة على صاحبه، كما يدعي عليها، وإن1 لم أجسر على ترجيحه. ومما يدل على دخول الحر تحت اليد هذا النص الذي حكاه ابن أبي هريرة وصاحب التتمة، وبمقتضاه جزم الأصحاب في كتاب السير؛ إذ صرحوا بأن الإمام إذا أكره أهل الذمة وأخرجهم قهرا، وحملهم على الجهاد، وجبت لهم أجرة المثل؛ فكيف يخرج [عنه ولا] 2 موجب. وقوله: "أنه أول على أنه اتصل بالعمل" يقال عليه: أليس قد ضمنه الأيام التي قبل العمل فيلزم أن من حبس حرا شهرا، واستعمله في اليوم الآخر منه، تجب عليه أجرة الشهر، وما أظن القائلين بأن منفعته لا تضمن بالفوات يقولون ذلك، وإن قالوا به كان حجة لنا عليهم في دخوله تحت اليد، وصاحب التتمة لم يقدم على تأويل النص بشيء. فائدة: كلام ابن أبي هريرة الذي حكيته [لك] 3 سمى فيه ما يسميه الرافعي بالفوات منها وما يسميه بالتفويت تناولا، وهو -لعمري- حسن؛ فإن الفوات -نفسه- لا يضمن [إلا] 4 أنا نقدر أن الغاصب منعه، [وكذلك] 5 التفويت يقدر أن يتناول تلك   1 سقط في "ب". 2 في "ب" عنهم بلا. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" إلا لأنا. 5 في "ب" وذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 المنفعة فالتعبير بهذا أحسن مما عبر به الغزالي والرافعي من الفوات، والتفويت، وبعض أصحابنا -أظنه الماوردي- عبر بالتفويت عما يعنيه الغزالي والرافعي بالفوات، وعبر بالاستهلاك عما يعنيانه بالتفويت، هو أيضا حسن؛ ولكن تعبير ابن أبي هريرة أحسن. فائدة أخرى: اليد تستعمل لمعان: أحدها: الجارحة كما1 في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ} 2 {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} 3، {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 4، وهذا المعنى هو الذي يستعمله الفقهاء في باب الوضوء، وباب صفة الصلاة عند ذكر رفع اليدين ووضعهما ونحو ذلك، وباب السرقة، وثانيها: القوة والقدرة، نحو: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 5، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} 6، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 7، {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 8، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 9 وهذا المعنى هو المراد من قولهم: "القبض فيما يتناول باليد التناول" وهو المراد بقولهم: "يد العبد يد سيده" وبنوا عليه أن المرتهن لا يستنيبه في قبض الرهن، وهو المراد بدخول المضمونات تحت اليد، ولا يخفى أنه يمكن في الحر؛ فمن صار حرا تحت قبضته وقهره لم لا يقال: إنه تحت يده، أما قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 10. فجاز "أن يراد الأول، حتى لا يعطى إلا بجارحته صغارا له. ومن ثم قال بعض أصحابنا: "إن الذمي لا يوكل في إقباض الجزية" وجاز أن يراد الثاني، وحسن أن يرادا جميعا- ويحمل اللفظ على حقيقته ومجازه. وثالثها: ابتداء النعمة: نحو "بل يداه مبسوطتان11، وكقولنا لفلان عند فلان يده". ورابعها: جملة الإنسان، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} 12، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 13، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} 14.   1 في "ب" مما. 2 الأعراف 195. 3 المائدة "7". 4 المائدة "38". 5 يس "71". 6 الملك "1". 7 سورة ص "75". 8 البقرة "237". 9 البقرة "237". 10 التوبة "29". 11 المائدة "64". 12 التوبة "10". 13 الشورى "30". 14 البقرة "95". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وإذا علمت موارد اليد -وأنه لا يصح أن يعني منها في باب الغصب ونحوه غير المعنى الثاني، وأنه لا ينافي الحرية -ظهر لك أن الحر لا يدخل تحت اليد؛ فإن قلت: أنت فيما تختاره من دخول الحر تحت اليد خارج إما عن الأصحاب كلهم، كما ذكره الرافعي -وإما عن جماهيرهم- كما اعترفت. قلت: أما الخروج عن جمهورهم؛ فلا أستطيع إنكاره، ولكن حسبنا يص صاحب المهذب1 -رضي الله عنه- بعدما أفسدنا تأويل من أول نصه. فإن قلت: فما تقول في الحر، أيقطع سارقه؟ قلت: لا، ولكن لا لكونه لا يدخل تحت اليد بل لكونه غير مال، وكذلك لو غصب صغيرا أو كبيرا، لم تجب قيمته؛ إذ لا قيمة له. فإن قلت: لو كان معه مال، أو عليه ثياب، أو في عنقه قلادة. قلت: حكوا -في باب الغصب- وجهين في صغير عليه ثياب أو حلي هل يدخل تحت يد الغاصب؟ قال ابن الرفعة: [محلهما صبي] 2 لا قدرة له على الحفظ". ويؤيده من السرقة ما سنحكيه. وقالوا -في السرقة- لو كان مع الصبي مال، أو في عنقه قلادة تبلغ نصابا فلا قطع3 على الأصح لأنه في يد الصبي، وأطلق الجمهور الوجهين وصورهما الإمام في نائم أو مربوط عند الحمل. فإن قلنا: بالضمان -فواضح؛ وإلا فسببه أن هذه الأمور تابعه غير مقصودة بالغصب والسرقة -كما تدخل ثياب العبد في بيعه- على الخلاف [فيه] 4 وإن لم تكن من مسماه. والوجه -عندي تخصيص الخلاف بمن5 قصد بأخذ الصبي "ذاته" أما إذا قصد "ثيابه"؛ فينبغي أن يكون غاصبًا وسارقا لها قطعا. ولو نام على بعير -على أمتعة- فأخذ السارق بزمامه وأخرجه عن القافلة وجعله في   1 في "ب" المذهب. 2 في "ب" محلها. 3 في "ب" زيادة "على الصبي". 4 سقط في "ب". 5 في "ب" فمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 مضيعة؛ فالأصح عندهم أنه إن كان حرا فلا قطع؛ لأن المتاع والبعير في يده، أو عبدا فالقطع، لأن العبد -في نفسه- مسروق، والثاني: القطع مطلقا، الثالث: عدم القطع، الرابع: التفرقة بين أن يكون الراكب قويا -لا يبالي بالسارق- أو ضعيفا- يبالي به- ولعله أرجح، وهو يؤيد تخصيص ابن الرفعة محل الوجهين المتقدمين. تنبيه: كثيرا ما يسأل عن موت الزوجة في الطلق، لم لا توجب الدية على زوجها؟ وللناس فيه كلام. والجواب: عندي أن الوطء كان مستحقا لمن لا يدخل تحت اليد وهي الحرة، وقولنا: لمن لا يدخل تحت اليد يجري على طريقة الجمهور في ذلك وهو قيد يخرج. قاعدة: "لا يجتمع على عين واحدة عقدان لازمان". من ثم ضعف قول أبي إسحاق المروزي: "أن مورد الإجارة العين" ولم يمتنع بيع العين المستأجرة، وهو الصحيح، لاختلاف المورد. فإن قلت: أليس -يجوز للسيد إيجار جارحته المزوجة، ثم لا يجوز للزوج منعها من المستأجر؛ لأن يده يد السيد في الانتفاع، وهذا الإيجار عقد لازم ورد على عقد التزويج اللازم من جهته؛ فقد اجتمع عقدان لازمان. قلت: حكى صاحب المحيط -وهو محمد بن يحيى تلميذ الغزالي- خلافا في أن المعقود عليه -في النكاح- منافع البضع، أو ذات المرأة؟ وبنى عليه استقرار المهر بالوطء في دبرها. وعلى القول بأن المعقود عليه منافع البضع، لم يتوارد عقد الإجارة والتزويج على محل واحد؛ فيشابه بيع العين المستأجرة، واستئجار المزوجة للإرضاع حيث يجوز بإذن الزوج قطعا، وبغير إذنه -على وجه- وإنما امتنع بغير إذنه -على الأصح- لاستغراق1 أوقاتها بحقه، لا لورود عقدين لازمين فإن موردهما مختلف، ولا حق للزوج في لبنها. وعلى القول بأن المعقود عليه -في النكاح- ذات المرأة؛ فالمقصود مختلف، ولا مزاحمة بين مقصود العقدين.   1 في "ب" باستغراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ولو أجرت نفسها -ولا زوج لها- ثم نكحت في المدة، صح قطعا، والإجارة بحالها، والأصح جواز استئجار الزوج امرأته لإرضاع ولده منها، كما يستأجرها بعد البينونة، كما يستأجرها لغير ذلك. وقد عرف وجه خروج هذه المسائل [من] 1 القاعدة -وهو اختلاف المورد والغرض- فلم يتزاحم العقدان. والخلاف الذي حكاه محمد بن يحيى [حكى] 2 ابن السمعاني ثلاثة أوجه، في أصحابنا اختلفوا في المعقود عليه -في النكاح فقيل: "هو الحل" والأصح "أنه عقد على عين لاستيفاء نوع منفعة مخصوصة" انتهى، وصحح الشيخ الإمام في -شرح المنهاج، في باب الإجارة -أنه حل، وأن المهر في مقابلة الحل. من مسائل القاعدة: ذكر الشيخ الإمام في -شرح المنهاج- في مسألة إكراء العقب "لو أراد المالك أن يؤجر الدابة لآخر الزمان الذي لا يستحقه الأول "قال": يحتمل المنع؛ لأن العين الواحدة لا يرد عليها متجانسان، والأقرب الجواز؛ لأن المعقود عليه المنافع، ومنفعة ذلك الزمان إذا لم تكن مستحقة، جاز ورود العقد عليها. ومن مسائل القاعدة: في باب المسابقة -لو مر مار بجماعة يتناضلون فقال لواحد: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار، نص الشافعي أنه يستحق بالإصابة. قال الإمام: "وهذا يدل على انقطاع هذه المعاملة عن الإجارة إلى أجرة قد يفهم به اجتماع عقدين الذي إليه يستحق الدينار بجعل الجاعل، ويستحق في المعاملة الأصلية ما كان يستحقه". ومنها: منع الوالد استئجار العكامية للحج، وقد ترد عليه المسألة السابقة؛ إلا أن ينفصل عنها بكلام الإمام. قاعدة: الصحيح -من القولين3 أن العارية مضمونة" قال ابن القاص في "التلخيص" إلا واحدة.   1 في "ب" عن. 2 سقط في "ب". 3 من قوله في الاصطلام إلى قوله الصحيح من القولين سقط من "أ" والمثبت "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وقال الجرجاني في "المعاياة" والروياني في "الفروق" إلا في مسألتين إحداهما: إذا أحرم وفي ملكه صيد وقلنا: زال ملكه بالإحرام؛ فإذا أعاره لم يضمنه المستعير؛ لأنه لا ملك له. قلت: ولا يصح استثناء هذه؛ فإنه لا معير في الحقيقة. والثانية: وهي التي اقتصر على ذكرها ابن القاص -إذا استعار عينا ليرهنها فتلفت في يد المرتهن؛ فإن المستعير لا يضمنها على الأصح؛ لأن سبيله سبيل الضمان. قلت: وفاتهما مسائل: منها: المستعير من المستأجر؛ فلا ضمان عليه، وكذا المستعير من الموصي له بالمنفعة. ومنها: العارية التالفة بالاستعمال: كما إذا انمحق الثوب، فلا ضمان في الأصح. ومنها: لو تلفت بإعارة المالك في شغله كما إذا أرسله في حاجته وأعاره دابة ليركبها في هذه الحاجة، وكذا لو لقيه في الطريق ومع دواب فأركبه دابة ليحفظها. فائدة: الوقف منزلة بين العتق والبيع -شابه العتق من حيث القربة، ومن ثم كان الصحيح أنه ينتقل إلى الله تعالى، وشابه التمليك، ومن ثم قبل بانتقاله إلى الموقوف عليه. وإذا عرفت أنه منزلة بين المنزلتين عرفت أنه لا سبيل إلى تقديمه على العتق؛ فمن ثم ضعف قول ابن الضباغ في تصرفات المفلس. لو وقف وعتق، أن العتق يفسخ قبل الوقف، وكان الأصح قول صاحب البيان أن [المفسوخ] 1 [أولا] 2- الوقف لقوة العتق وسرايته. على أن هذا القول عن ابن الصباغ لم ينقله إلا صاحب البيان فتبعه النووي، وزاد فعزاه إلى الشامل، وليس في الشامل إلا جعل العتق والوقف في قرن واحد -نبه على ذلك إسماعيل الحضرمي -وذكره الوالد في "شرح المهذب" وبسط الكلام عليه، وبين ما به يعرف أن هذا الكلام لم يقل به ابن الصباغ ولا غيره". ومن3 أيضا -كان لنا قول: أن العتق يقدم في تبرعات الموصي المزدحمة   1 في "ب" الموسوع. 2 في "ب" إنما هو. 3 في "ب" من ثم لنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 على غيره ولم يجئ في الوقف نظيره. وقد أثارت منزلة الوقف بين المنزلتين- ترددا في مسائل: منها: البيع بشرط العتق صحيح على الصحيح، وبشرط الوقف فيه وجهان: "قال الرافعي: أصحهما لا". ومنها: الصحيح -في عتق الراهن- الفرق بين الموسر والمعسر، وفي وقفه طريقان: أحدهما كالعتق، وأظهرهما: القطع بالمنع. ومنها: بيع المبيع قبل قبضه باطل، وعتقه الأصح صحته، ولو وقفه ففي التتمة: "إن قلنا: يفتقر إلى القبول، فكالبيع؛ وإلا فكالعتق". وقال الماوردي: "إنه كالعتق" وكذلك قال في الصدقة، وخالفه الشيخ الإمام فيها -إذا لم تصل بالقبض، ولم يكن بإذن بائع له حق الحبس، ولم تتلف في يد المتصدق عليه. ومنها: عتق أحد العبدين صحيح، وفي وقفه وجهان: أصحهما الصحة. فائدة: هل الصدقة مثل الوقف لأنه صدقة، أو دونه؟ " لا أحفظ فيه؛ إلا أن الماوردي قال: "لو تصدق بالمبيع -قبل قبضه كان كما لو وقفه" ووافقه الشيخ الإمام "إذا اتصلت الصدقة بالقبض وكانت بإذن البائع، أو حيث لم يبق له حق الحبس، أو تلفت في يد المتصدق عليه. قال: "أما بدون ذلك فلا" قال: "وإباحة الطعام للفقراء كالصدقة". قلت: فأفهم قوله: "للفقراء" أن مسألة الماوردي مختصة بالصدقة على الفقراء، وهو محتمل. ويحتمل أن يقال: إذا كان من أصلنا الصدقة على الغنى وأنها قوية؛ فلا فرق، والصدقة على الغنى كالوقف، فينبغي إباحة الطعام؛ فإن إطعام الطعام من حيث هو- قربة. أصل: اختلف الأصحاب في أن الوديعة عقد أو إذن مجرد: قال الإمام "ليس له فائدة حكمية" وقال ابن الرفعة: "بل له فوائد" ذكر الإمام- نفسه منها فائدتين في باب الزيادة في الرهن". قلت: ونحن نجمع ما يحضرنا منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 [منها] 1: في كون ولد الوديعة وديعة وجهان: قال الإمام -في باب الزيادة- "ينبنيان على أن الوديعة عقد أم لا"؟ ومنها: لو أودع وشرط شرطا فاسدا قال الإمام: "فمن جعلها عقدا أفسدها، ولا بد من أئتمان جديد؛ وإلا كان كما لو طيرت الربح ثوبا إلى داره، ومن لم يجعلها عقدا ألغي الشرط الفاسد، وأبقى موجب الإيداع. ومنها: بانعزال المودع بعزلة نفسه في غيبة المودع وجهان: إن قلنا: "الوديعة عقد" انعزل وتبقى أمانة، وإن قلنا: "ليست بعقد" فلا ينعزل؛ لأن ابتداءه بالفعل، فكذا رفعه. ومنها: إذا أكره صاحب المال شخصًا على قبول الوديعة. فإن قلنا: "عقد"، لم يثبت حكم الإيداع، وإن قلنا: "إذن مجرد ثبت حكمها، وهو المروي عن ابن أبي هريرة. ومنها: لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا. قال الرافعي: "فجواب الروياني في -الحلية- قال: "والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق الوكالة "قال ابن الرفعة"، ولعله فرعه على أن الوديعة ليست بعقد" -كذا في المطلب، وقال في "الكفاية" نقلا عن الروياني- إذا قال: أودعتك هذا -بعد شهر- صح، صرح به في "البحر" وفي حليته- انتهى. وفرق بين العبارتين، فإن "إذا جاء رأس الشهر؛ فقد أودعتك" نص في التعليق، بخلاف "أودعتك بعد شهر" فإنه يشبه تنجيز العقد، وتعليق التصرف. والذي رأيته -في "البحر" للروياني- العبارة التي نقلها الرافعي، ولم أجد التي نقلها ابن الرفعة. قاعدة: "كل أمين فالقول قوله في الرد على من ائتمنه". ومن ثم يصدق المودع والوكيل بغير جعل، وأمثلته كثيرة، وكذا الوكيل بجعل وعامل القراض -على الصحيح فيهما. وقولنا: "على من ائتمنه" يخرج به دعواه الرد على من لم يأتمنه؛ فلا يقبل، ومن ثم لو ادعى قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ، أو ادعى الوكيل الرد على رسول المالك؛ فلا يقبل -على الصحيح- في الكل،   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ولا يقبل دعوى من طيرت الربح ثوبا إلى داره، والملتقط الرد على المالك، ولا دعوى المودع الرد على وارث المودع. ثم يستثنى من القاعدة: المستأجر والمرتهن؛ فالأصح أنه لا تقبل دعواهما الرد؛ لأنهما قبضا المنفعة [لمصلحة نفسهما] 1؛ فأشبها المستعير ولك أن توضح القاعدة بتقسيم فتقول: القابض لمجرد المقبوض منه تقبل دعواه الرد قطعا، وهو أمين، كالوكيل بلا جعل. والقابض لمحض مصلحة نفسه لا تقبل دعواه الرد جزما، وهو ضامن. والقابض لمصلحة المقبوض منه ومصلحة نفسه، فيه خلاف، والترجيح فيه بحسب ترجيح ذكروه. قاعدة: "كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط في الحفظ" إلا الصبي فإنه يضمن بالإتلاف -على الأصح- ولا يضمن بالتفريط -وجها واحدا- لأن عقد الوديعة لا ينعقد معه كذا قال الجرجاني. قاعدة: "كل إيجاب يفتقر إلى القبول لا يجوز وقوع القبول فيه بعد الموت. قال الجرجاني: "إلا الوصية" قال "وكل من ثبت له القبول بطل بموته إلا الموصى له؛ فإنه إذا مات قبل القبول قام وارثه مقامه. قاعدة: قال صاحب التلخيص: "كل ما كان يمتنع من صغار السباع؛ فليس لواحد أن يتعرض لها" ومن أخذها فهو ضامن حتى يسلمها إلى السلطان، أو يردها على صاحبها، إلا واحدة: وهي ضالة الهدي يجدها أيام مني أو قبلها، يأخذها ويعرفها أيام مني، فإذا خاف أن يفوته وقت النحر نحر، قال الشافعي: "واجب إلى بعد تعريفها -أن يرفعها إلى حاكم حتى يؤمر بنحرها"، وفي المسألة قول آخر: "أنه لا يأخذها بناء على أنه لا يجوز التعرض لكبار البهائم في الصحراء"، واعترض الرافعي بأن الاستثناء غير منتظم -وإن جوزنا الأخذ- لأن الأخذ الممنوع هو الأخذ للتملك، وهذا لا يؤخذ للتملك. فائدة: قال ابن الرفعة في " الكفاية" في باب إحياء الموات: "أسباب الملك   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ثمانية: الميراث، والمعاوضات، والهبات، والوصايا والوقف، والغنيمة، والإحياء، والصدقات". قلت: بقيت عليه أسباب أخر. منها: تملك اللقطة بشرطه. ومنها: دية القتيل يملكها أولا: وكذلك يوفي منها دينه. ومنها: الجنين، الأصح أنه يملك الغرة. ومنها: خلط الغاصب المغصوب بماله، أو بمال آخر -لا يتميز- موجب لملكه إياه- على الصحيح عند1 الرافعي والنووي. ومنها: الصحيح أن الضيف يملك ما يأكله، وهو يملك بالوضع بين يديه أو في الفم، أو بالأخذ، أو بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله؟ وجوه وقد يجاب بدخولها في الهبة. ومنها: ما ذكره الجرجاني في "المعاياة". والروياني في "الفروق" من أن السابي إذا وطيء المسبية، كان متملكا لها" وهو [غريب] 2 عجيب. ومنها: الوضع بين يدي الزوج المخالع على الإعطاء؛ فإذا قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، كفى الوضع بين يديه على الصحيح والصحيح أنه يملك به، وقال الشيخ أبو علي: "يبدل بمهر المثل" وفي كلام الماوردي ما يخرج منه وجه ثالث -"أنه يستحق بالوضع ووقوع الطلاق بتلك الألف. أو ألفا أخرى"، وقد يجاب عن هذه الصورة بدخولها في المعاوضات. فصل في حقيقة الذمة: نتبين به أن ذمة الميت خربت- أي لا ذمة له. قال علماؤنا: "الذمة معنى مقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم". وطريق من يقول: "هي معنى في حامل المكلف له -بالشغل والفراغ- دناءة وشرف؛ فإن نظف -وقد تكدر- نظف، وإن بقي ألقي على الحيف. وهذا المعنى جعله الشرع مبنيا على أمور:   1 سقط في "ب". 2 في "ب" عجيب غريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 منها: البلوغ، فلا ذمة للصغير. منها: الرشد؛ فمن بلغ سفيها لا ذمة له. ومنها: عدم الحجر؛ فمن اجتمعت له هذه الشروط رتب الشرع عليها تقدير معنى فيه، يقبل إلزامه أو روش الجنايات، وأجر الإجارات، وأثمان المعاملات، ونحو ذلك من التصرفات، ويقبل التزامه؛ فإذا التزم شيئا مختارا من قبل نفسه لزمه. وإذا فقد واحدا من هذه الشروط لم يقدر الشرع فيه معنى. وأما أهلية التصرف: فحقيقتها قبول يقدره صاحب الشرع في المحل وسبب هذا القبول المقدر التكليف والرشد. قاعدة: "فيما ينتقل من الحقوق إلى الوارث وما لا ينتقل". كل ما كان متعلقا بالمال، أو يدفع [به] 1 ضررا عن الوارث في عرضه؛ فإنه ينتقل إلى الوارث، وما كان متعلقا بنفس الموروث وشهوته وعقله لا ينتقل إلى الوارث. والسر في الفرق: أن الورثة يرثون المال، فيرثون ما يتعلق به تبعا له وكذلك العرض بين الوارث والموروث فيهما مناسبة. وأما عقل الميت وشهوته نفسه فأمور لا تورث، فلا يورث ما يتعلق بها. فمن القسم الأول: خيار الشرط، وخيار المجلس، خيار الإقالة، وخيار التصرية، والرد بالعيب وخيار الخلف، وخيار الشفعة، وحق القصاص، وحق الراهن، وقبول الوصية، وإذا مات واحد من الغانمين انتقل حقه إلى ورثته [لأنه ثبت له الملك أو حق الملك، وإذا مات المتحجر انتقل حقه إلى ورثته] 2 وحكم الإقالة والتحالف مع الوارث كحكمها مع المورث. وأما حد القذف، وقصاص الأطراف والجراح ومنافع الأعضاء فتنتقل -أيضا- إلى الوارث وإن لم تكن مالا، لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه، أو الجناية عليه. وأما القصاص النفس؛ فإن قلنا: "العلة مع المعلول" فهو من هذا القبيل -يورث، لأنه يثبت للمجني عليه قبل موته، ثم ينتقل عنه.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وإن قلنا: "سابقة" فليس من هذا؛ لأنه لا يثبت للوارث ابتداء لأن استحقاقه فرع زهوق النفس، فلا يقع للوارث إلا عقب موت المورث. ومن القسم الثاني: وهو ما لا ينتقل للوارث: اللعان، وقد كان يختلج في الذهن أنه ينبغي ثبوته له دفعا عن النسب الذي اشترك الوارث والموروث فيه؛ غير أنه لما رجع إلى أمر يعتقده المورث لا يشاركه فيه غيره، لم ينتقل. وكذلك: الفيئة بعد الإيلاء لا تورث لتعلقه بشهوته، والعود بعد الظهار، واختيار أربع من خمس فصاعدا -أسلم عليهن- ومن ثم لا يجوز التوكيل فيه، وفي سائر ما يتعلق بالشهوة. وكذلك لا ينتقل إلى الوارث قضاؤه على متبايعين جعلا له الخيار في الإمضاء أو الفسخ. وكذلك ما بيده من قضاء ومناصب، كما لا ينتقل اجتهاده وعلمه ودينه لا ينتقل شيء منها إلى الوارث؛ لأنه لم يرث [سيده] 1 وأصله لو قال لزوجتيه: إحداكما طالق؛ ففي قيام وارثه مقامه -في التعيين- خلاف شهير. وهنا مسائل: منها: قال المتولي: لو ذهب لوالده شيئا فمات الواهب، لا ينتقل حق الرجوع إلى الورثة؛ لأنهم لا يرثون العين، فلا يرثون الخيار فيها، كما لا يرث حق النكاح، ولا الولاء. واستدل الحنفية بهذا على عدم إرث خيار المجلس، وأجاب الغزالي بأنها سلطنة لا تثبت إلا للأب -على قياس الولايات- لأنه لا يسقط بقوله: "أسقطت" كولاية التزويج؛ فهو من لوازم الأبوة والخيار يقبل السقوط بالإسقاط قلت. فائدة: قال المتولي -في باب الخيار في تعريف ما يورث وما لا يورث: "كل حق لازم متعلق بالمال يورث بوراثة المال" واعترضه النووي بخروج حد القذف والقصاص والنجاسات المنتفع بها كالكلبب والسرجين.   1 في "ب" مستنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فائدة: إذا تعدد الوراث؛ فهل يتعدد الحق المتنتقل إليهم عن مورثهم اعتبارا بهم، أو يتحد اعتبارا به؟ ثم إما أن يتوزع عليهم وإما أن يسلك سبيل آخر. فيه تردد في مسائل: منها: إذا ورثوا خيار المجلس لم ينقطع خيار بعضهم بمفارقة الآخر -على الأصح- فكل منهم في هذا بمنزلته، ولو فسخ بعضهم انفسخ العقد في الكل علي الأصح، ولو فسخ بعضهم في نصيبه، واختار الآخر في نصيبه قال مجلي: "لم يكن لهم ذلك -وجها واحدا- وفي الحاوي وجه. ومنها: إذا ورثا العبد المبيع فوجدا به عيبا؛ فالأصح لا ينفرد أحدهما بالرد، ولو سلم أحدهما نصف الثمن لم يلزم البائع تسليمه النصف. ومنها: لو قضى أحد الوارثين حصته من الدين المرهون به رهن؛ ففي انفكاك نصيبه قولان. ولو مات المديون فقضى بعض الورثة نصيبه، قال الإمام: "لا يبعد تخرجه على الرهن". ومنها: أقر بعضهم بالدين وأنكر البعض. ومنها: لو عفا بعضهم عن حد القذف. فائدة: [قال الجرجاني1: يورث بالقرابة من الطرفين إلا في أربع مسائل: ابن الأخ يرث العمة، ولا ترثه العمة2. والعم يرث بنت الأخ - ولا ترثه هي3 وابن العم يرث بنت العم، ولا ترثه هي4. والجدة ترث ولد ابنتها، ولا يرثها هو5. قال الجرجاني: "ويورث النكاح من الطرفين إلا في المبتوتة في المرض؛ فإنها ترث المطلق -في قول- ولا يرثها هو".   1 من قوله قال الجرجاني. إلى قوله ثبت الولاء من الطرفين سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 مختصر العلائي 1/ 394، الأشباه والنظائر "500"؟ 3 المصدران السابقان. 4 المصدران السابقان. 5 المصدران السابقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 قال: "ويورث بالولاء من طرف واحد- وقد يتفق من طرفين بأن يعتق حربي عبده الحربي، ثم يقهر سيده على نفسه؛ فإذا أعتقه ثبت الولاء من الطرفين] . فائدة: قال البندنيجي: "الحقوق ثلاثة أضرب: حق يثبت لجميع الورثة وإذا عفوا إلا واحدا ثبت له، وهو القذف والشفعة والغنيمة. قلت: والولاية على اللقيط على الصحيح. وحق يثبت للجماعة -على الاشتراك- والكل حصته أولا: وهو المال. وحق يثبت على الاشتراك ويسقط بعفو البعض وهو القصاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 القول في المناكحات : قلت: القول في ربع المناكحات قاعدة: "النكاح لا يفسد بفساد الصداق"1. وفيه مسائل: منها: لو وكل في نكاح امرأة وسمى مهرا؛ فزاد الوكيل، قال إمام الحرمين قبيل باب الخلع في المرض: اختيار الشيخ أن النكاح لا ينعقد، وقال بعض الأصحاب: ينعقد والرجوع إلى مهر المثل، والحكم بالانعقاد بعيد في هذا الطرف". انتهى. وأظنه يعني بالشيخ -هنا- القفال؛ ففي كلامه -هنا- ما يشير إليه، وذكر صاحب البيان المسألة في باب ما يصح به النكاح، وقال: قال الصيمري: "قال شيخ من أصحابنا: يبطل النكاح، والصحيح أنه يصح ولها مهر مثلها" انتهى. وفي الرافعي -قبيل الفصل السادس: فيما يجب على الولي -ولو وكل رجلا بقبول نكاح امرأة وسمى مهرا، لم يصح القبول بما زاد عليه. قاعدة: كل عضو حرم النظر إليه، حرم مسه بطريق أولى2 ويستثنى: الطبيب -إذا اجتاج إلى المس دون النظر؛ فإنه لا يباح له إلا ما احتاج إليه. وفرج الزوجة -فمسه جائز قطعا، وفي نظر الزوج إليه الخلاف المعروف وقد استدركه الوالد -رحمه الله- وحمل القاعدة على أن المراد الاجتناب، والوالد لم يذكر الطبيب "فلتحمل القاعدة أيضا على أن المراد ما عدا الضرورات. قاعدة: من حرم نكاحها على التأبيد -بسبب مباح لحرمتها- فهي محرم يجوز   1 الأشباه والنظائر للسيوطي "477". 2 السيوطي "475"، المنثور 3/ 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 النظر إليها ويختلي بها ولا تنقض الوضوء واحترزنا بالحرمة عن الملاعنة. ويستثنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلسن من المحارم كما دل عليه كلام الرافعي في الظهار، وصرح به غيره. قاعدة: داعية الطبع تجزئ عن تكليف الشرع "وبعضهم يقول": الوازع الطبيعي مغن عن الإيجاب الشرعي "وعبر الشيخ الإمام" رحمه الله عن القاعدة في كتاب النكاح بأن "الإنسان يحال على طبعه ما لم يقم مانع". ومن ثم لم يرتب الشارع على شرب البول والدم وأكل العذرة والقيء -حدا اكتفاء بنفرة الطباع عنها، بخلاف الخمر والزنا والسرقة لقيام بواعثها؛ فلولا الحد لعمت مفاسدها. [وفي] 1 القاعدة مسائل؛ منها: لا يجب القسم بين النساء. ومنها: لا يجب على الرجل وطء زوجته، وشذ القول بوجوب الوطأة الأولى لتقرير المهر، وقضاء الوطأة في القسم فيما إذا دخل في نوبة واحدة ووطئها، أما المولى2: فواجبه أحد الأمرين من الوطء أو الطلاق. ومنها: إقرار الفاسق -على نفسه- مقبول؛ لأن الطبع يزعه عن الكذب فيما يضر بنفسه أو ماله أو غرضه. ومنها: عدم اشتراط العدالة في ولاية النكاح على وجه اختاره كثير من أصحابنا، منهم الشيخ عز الدين، محتجا بأن الوازع الطبعي يزع عن التقصير في حق الولي عليه. ومنها: عدم وجوب الحد بوطء الميتة -وهو الأصح- قالوا: "لأنه مما ينفر عنه الطبع، وما ينفر عنه الطبع لا يحتاج إلى الزجر عنه. ومنها: ليس النكاح من فروض الكفايات خلافا لبعض الأصحاب، ومستندا هذا الوجه النظر إلى بقاء النسل، وقد رده الشيخ الإمام بهذه القاعدة، وقال: "في النفوس من الشهوة ما يبعثها على ذلك، فلا حاجة إلى إيجابه3 والإنسان يحال على طبعه ما لم   1 وفي "ب" ومن. 2 في "ب" الولي. 3 في "ب" فلا حاجة إلى إيجابه من القواعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 يقم مانع "ثم مال الشيخ الإمام إلى قتل أهل قطر رغبوا عن سنة النكاح وإن لم يكن واجبا. قاعدة: "لا يزوج مسلم كافرة" إلا في مسائل: منها: كافرة لا ولي لها مناسب؛ فيزوجها الحاكم بالحكم؛ لأن الكافرة والمسلمة مستويان في الحكم1. قاعدة: قال الإمام -في الكلام على تقديم الطعام للضيف في الوليمة -"ليس في الشرع إباحة تقضي إلى اللزوم إلا النكاح؛ فإنا قد نختار أن المعقود عليه -في النكاح- ليس مملوكا؛ إنما هو مستباح فيستحق" انتهى. ذكره ردا على والده في تصحيحه أن الضيف لا يملك، وأن الوجوه المحكية -في أنه بماذا يملك؟ وجوه في أن الإباحة هل تلزم حتى لا يكون للمضيف رجوع؟ قال الإمام: "وهذا لا بأس به" قال: "ولكن الأصح أن الإباحة لا تنتهي إلى اللزوم ما لم يفت المستباح". ثم ذكر هذه القاعدة. قلت: وقد يضم إلى النكاح الصور التي تلزم فيها العارية؛ فإنها إباحة تفضي إلى اللزوم، ثم نبحث عن قوله "تقضي إلى اللزوم". هل معناه: إلى لزومها -في نفسها- على المبيع؛ فإن المرأة يلزمها يدل البضع المستباح حق، والمعير -في الصور المشار إليه- يلزمه أيضا حكم العارية؟ أو معناه: تفضي إلى اللزوم من جهة المستبيح فإن الزوج تلزمه لوازم النكاح -من المهر وغيره- ولذلك قال البغوي: "حتى يكون الشيء غير واجب ويقتضي واجبا -كالنكاح- يقتضي النفقة والمهر". ذكره في الكلام على ركعتي الطواف، وعلى هذا فيضم إلى النكاح إعارة الدلو لاستقاء المحدث الماء، والسترة للعاري في الصلاة؛ فإنه يلزمه2 قبولهما على الأصح. أو معناه اللزوم الطرفين؛ حتى لا يجوز للمبيح الرجوع ولا للمستبيح الرد؟ وعلى هذا يضم إلى النكاح إعارة الدلو والرشاء، وللمعير العوض -كما صرح به   1 انظر الاعتناء القاعدة التاسعة عشرة من كتاب النكاح. 2 في "ب" يلزم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 القاضي الحسين؛ حيث قال: "يتعين عليه الإعارة، كما يتعين على المستعير ويجب"، وعلى هذا لا يتم رد الإمام على والده؛ فإنه -وإن منع المضيف من الرجوع- فلا سبيل له إلى القول بأن الإنسان المضاف يتعين عليه القبول والأكل. ثم هذا منه -والحالة هذه- قول بأن النكاح من العقود اللازمة من الطرفين، وهو ما ادعاه النووي، وقال: "يمكن الزوج من رفعه كتمكن المشتري من إزالة الملك بالبيع" والمعروف -في المذهب- أن النكاح عقد جائز، وحكى ابن الصباغ -في كتاب الوكالة- وجهين في أنه لازم أو جائز. قاعدة: "إتيان القبل والدبر سواء في الأحكام"1: إلا في مسائل: منها: الحل ومنها: الإحصان2، فإنه فضيلة لا تنال برذيلة. ولا تحصل به فيئة الإيلاء، ولا ينفي العنة ولا يبطل استنطاق البكر وأما النسب، فاختلفت فيه عبارة الرافعي. ومنها: حلف لا يطأ زوجته؛ فوطئها في الدبر قال الإمام: "والذي أراه الحنث" نقله الرافعي في الإيلاء، وحكى الغزالي في الفتاوى -ورجح عدم الحنث3.   1 روضة الطالبين 7/ 120-204، البيجرمي على الإقناع 3/ 449. 2 وصورته أن يتزوج رجل بامرأة فيطأها في دبرها دون فرجها ثم يطلقها وإذا زنا بامرأة بعد ذلك وجب الجلد دون الرجم. 3 ومنها الدم الخارج من الدبر لا يكون حيضا بخلاف القبل. ومنها: لا يثبت به نسب وصورته أن يطأ رجل امرأة في دبرها فقط، ثم أتت بولد لم يثبت به نسب على الصحيح. ومنها: إذا وطئ البالغ الجارية المبيعة في دبرها لا يكون فسخا. ومنها: عدم الكفارة في وطء الدبر في أيام رمضان بإفساد الصوم من غير خلاف رجلا كان أو امرأة ذكره ابن الرفعة في مطلبه في كتاب الصيام. ومنها: إذا وطئها في دبرها بعد طهرها ثم طلقها لا يكون رجعيا. ومنها: أنه لا يجب بالوطء في الدبر المسمى للزوجة على وجه الصحيح خلافه. ومنها: أنه لا يجوز رؤية الدبر بخلاف القبل للزوج وعند النظر إلى فرج الزانيين وعند الشهادة على الولادة. ومنها: أن مس الدبر لا ينقض الوضوء على القديم بخلاف القبل. ومنها: أن الزوج يحد بوطء زوجته في دبرها على وجه ويعزر على الصحيح. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 قاعدة: "فرقة النكاح -قببل الدخول-[إذا] 1 كانت بسبب من جهة الزوج -كطلاقه وإسلامه وردته- سقط نصف المهر، وإن كان من جهتها كإسلامها وردتها -سقط جميع المهر". والناس يستشكلون على هذا الفسخ بالعيب قبل الدخول؛ فإنه يسقط جميع المهر -سواء فسخ هو بعيبها، أم فسخت هي بعيبه؛ لأنها هي المختارة، قال النووي "في روؤس المسائل"، وهذه مشكلة، وهذا الإشكال قوي فإن الفسخ بالعيب إما أن يغلب فيه جانب الفاسخ، أو جانب من به العيب، وعلى التقديرين لا يسقط جميع المهر بكل حال؛ وإنما يسقط كله في حال وبعضه في حال. ثم أجاب النووي رحمه الله: بأن مقتضى الفسوخ تراد العوضين من الجانبين، وقد رد عليها الزوج بضعها بكماله، فيرد عليه المهر بكماله. وأما الطلاق -فإنما بقي لها فيه نصف المهر؛ لأنه ليس فسخا؛ وإنما [هو] 2 تصرف في الملك. وأما وجوب النصف بإسلامه وردته، فلشبهه الطلاق من حيث إيذائها وكسرها بذلك من غير سبب من جهتها؛ فوجب النصف جبرا لذلك. بخلاف الفسخ؛ فإنها إن فسخت فهي المختارة، فلم يحصل لها أذى، بل حصل لها سرور بتحصيل غرضها وإن فسخ الزوج فهي سببه؛ فالأذى حصل بسببها. انتهى: وهو مأخوذ من كلام الشيخ -عز الدين ابن عبد السلام: وبقي ما إذا كان الفسخ بسببهما جميعا -كردتهما معا والخلع الواقع بينهما، والصحيح فيهما التشطير. وأما إذا كان لا من جهة واحدة منهما -وهي مسألة ابن الحداد والقفال- ولم   = ومنها: عدم العدة بوطء في الدبر فقط. ومنها: العنين إذا وطئ زوجته في دبرها فقط لم يسقط خيارها. ومنها: عدم وجوب غسلها بخروج مني الزوج من دبرها بعد غسلها من الوطء في دبرها. ومنها: عدم إثبات طهارة بالوطء في الدبر. ومنها: عدم إفساد الحج بالوطء في الدبر والصحيح التسوية. ومنها: شرط عدم الوطء في القبل في صلب العقد فإنه يفسره بخلاف الدبر. 1 في "ب" أن. 2 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 يذكرها الرافعي في باب الصداق عند الكلام في التشطير، وابن الحداد يقول فيها بالسقوط دائما، والقفال يقول بالتشطير. وفيها صور: منها: إذا أسلم أبو الصغيرة فتبعته فانفسخ النكاح. قال ابن الحداد "يسقط"، وقال القفال: "يتشطر". كذلك نص عليه في شرح الفروع، ونقله الشيخ أبو علي الإمام عن بعض الأصحاب، ولم يصرحا بذكر القفال وهو عجيب. وكذلك حكى ابن الرفعة الخلاف في باب الصداق من "الكفاية" غير مذكور فيه القفال. ومقتضى كلام الرافعي الجزم بقول ابن الحداد في هذه؛ إذ قال في باب المتعة فيما إذا وقع إسلامها تبعا؛ فإنه لا متعة جعل ذلك فرقة كائنة من جهتها، ولكن [رجح] 1 فيما إذا ورث زوجته أو بعضها -عدم سقوط المهر، وصرح بمخالفة ابن الحداد فيه وهو يقتضي إيجابه الشطر؛ كذا قاله في كتاب النكاح قبل فصل الدوريات، وقد تكلمت على المسألة ونظائرها -مبسوطا- في الطبقات في ترجمة ابن الحداد، فلنلخص هنا إن شاء الله. قاعدة: قال الرافعي في باب نكاح المشركات: "ذكر الأصحاب عبارة جامعة؛ فقالوا: الرق والحرية إذا تبدل أحدهما بالآخرة؛ فإن بقي من العدد المعلق بكل واحد -من الزائل والطارئ- شيء، أثر الطارئ وكان الثابت العدد المعلق به -زائدا كان أو ناقصا- وإن لم يبق منهما جميعا، لم يؤثر الطارئ، ولم يغير حكما. ذكر ذلك فيما إذا كان تحت الكافر إماء؛ فأسلم معه اثنان ثم عتق ثم أسلم الباقيات؛ فإنه ليس له إلا اختيار اثنتين، وإن أسلمت واحدة عتق ثم أسلم2 الباقيات؛ فله اختيار أربع. والفرق: أنه إذا لم يسلم معه [إلا] 3 واحدة، لم يكمل عدد العبيد؛ فإذا عتق فله استيفاء ما للآخر، بخلاف ما إذا أسلمت اثنتان. قال: وشبهوا الصورتين بما إذا طلق العبد امرأته طلقتين ثم عتق. لم يملك بالعتق   1 في "ب" راجح. 2 في "ب" اسملت. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 طلقة ثالثة، بخلاف ما لو طلقة [واحدة] 1 ثم عتق. ربما إذا أعتقت الأمة في عدة الطلاق -قبل [استكمال] 2 قرءين؛ فإنهما تكمل ثلاثة أقراء. "وإن [أعتقت] 3 -بعد تمامها- لم يلزمها شيء". كذا قال الرافعي، والصحيح -عنده وعند غيره- أن الطلاق إن كان بائنا، لم تكمل ثلاثة أقراء؛ بل تكتفي بقرءين. وعلى هذا الأصل قال ابن الحداد: لو طلق الذمي زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب ناقضا للعهد فسبي واسترق ونكح تلك المرأة بإذن مالكه، يملك عليها طلقة؛ لأنه بقي من العدد الزائل شيء ولم يبق من العدد الطارئ شيء فلم يؤثر الطارئ. ولو كان قد طلقها طلقة؛ فإذا نكحها، لا يملك عليها [إلا] 4 طلقة؛ لأنه [قد] 5 بقي من العدد الزائل طلقتان، ومن العدد الطاريء طلقة، فكان الثابت حكم الطارئ -وهو الرق هنا- والصحيح عند الأصحاب. غير أن الشيخ أبا علي استدرك على ابن الحداد اشتراطه لحاق الذمي بدار الحرب؛ لأن استرقاقه ليس موقوفا على ذلك؛ فإنه6 قد يفعل ما ينقض العهد ويسترق -وإن لم يلحق بدار الحرب- أو لعله يرى أن من نقض عهده بغير قتال يرد إلى مأمنه، وهو أحد القولين. والاعتراض سهل؛ فإن ابن الحداد لم يذكر اللحوق بدار الحرب على سبيل التقييد للمسألة؛ بل لكونه الغالب في الوقوع. إذا عرفت هذا، فهذه القاعدة يستثنى منها مسائل: منها: العبد إذا زنى فأقيم عليه بعض الحد وبقيت عليه عشرة، ثم عتق؛ فإنه لا يقام عليه تمام حد الأحرار، بل تمام الخمسين فقط. ومنها: الذمي إذا زنى، فأقيم عليه أربعون أيضا، ثم التحق بدار الحرب [ثم استرق] 7 فإنه لا يكمل عليه حد الأحرار، بل حد العبيد وقياس القاعدة تكميل حد الأحرار. قلت: [كذا] 8 نص القاضي الحسين، ونقل ابن الرفعة عنه ذلك نقل الموافق   1 سقط في "ب". 2 في "ب" كمال. 3 في "ب" عتقت. 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". 6 في "ب" لأنه. 7 سقط في "ب". 8 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 له، ولا يتجه هذا الثاني إلا على القول بأن الذمي إذا زنى ثم أسلم يحد، وهو رأي أبي ثور والذي نص عليه الشافعي -كما نقل النووي عن ابن المنذر أنه يسقط عند الحد بالإسلام، ورأيت الدارمي حكى في "الاستذكار" في المسألة وجهين في باب حد الذميين "إذا كان يسقط بتمامه؛ فالذي يظهر أن سقوط ما بقي منه أولى، وأحرى". ومنها: إذا نكح أمة وقلنا: إن لها نصف ما للحرة من الثلاث أو السبع في حق الزفاف -فعتقت بعدما بات عندها ليلتين؛ فإنه لا يكمل لها ما للحرة -ذكره الرافعي في باب عشرة النساء. ومنها: لو عتقت الأمة المطلقة في عدة الطلاق البائن، تكمل عدة أمة، لا عدة حرة- على الجديد الصحيح. فائدة: "كل من وطيء أمة بغير ملك يمين -عالما بأنها أمة- فولده منها رقيق إلا في مسألة واحدة: وهي: العربي إذا تزوج أمة -على القول بأن العرب لا يسترقون. فائدة: كل امرأة تدعي عنه زوجها، تسمع دعواها إلا الأمة إذا كان زوجها حرا؛ لأنها لو سمعت لبطل خوف العنت، فيبطل النكاح؛ فكان سماع الدعوى فيه مؤديا إلى سقوط النكاح المؤدي إلى سقوطها، فأثبتنا النكاح وأسقطنا الدعوى. فائدة: كل امرأة علق زوجها طلاقها على صفة؛ فلها أن تحاكمه في وجود تلك الصفة ووقع الطلاق بها "إلا الصورة المتقدمة -وهي الأمة المزوجة بحر علق طلاقها على كونه عنينا؛ فليس لها أن تحاكمه؛ إذ لو حققت دعواها، خرجت من الزوجية؛ فلا يصح يمينه بطلاقها، ولا دعواها -ذكره الجرجاني في المعاياة والروياني في الفروق. قاعدة: قال صاحب البيان: "كل موضع حكمنا فيه بالفرقة بين الزوجين؛ فذاك فسخ لا طلاق". وينتقض بما إذا توافق الزوجان على أن العاقد والشهود فسقة؛ فإن الفرقة تحصل بينهما، والأصح أنها فرقة طلاق. قاعدة: "كل زوجة جمعها من زوجها -في الشرك- الإسلام، وهي بحيث يحل ابتداء نكاحها، أقرت، وإن كان بحيث لا يحل له ابتداؤه، لا تقر". قاعدة: قال الغزالي "كل من بها عذر طبعي أو شرعي لا تستحق القسم" واستثنى الرتقاء، فلها عذر طبعي وهي تستحقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 قاعدة: قال الأصحاب في باب الصداق: الزيادة المتصلة تتبع الأصل إلا في الصداق. ومعنى ذلك: أنه إذا ثبت الرجوع في عين فزيدت زيادة متصلة -كالسمن وتعلم القرآن والحرفة- لم تمنع تلك الزيادة الاستقلال بالرجوع، كما إذا أفلس المشتري بالثمن؛ فإن البائع يرجع في المبيع بزيادته المتصلة، وكذا الواهب في الموهوب والمشتري إذا رد المبيع بعيب، يرجع في العوض مع الزيادة المتصلة [ولا] 1 كذلك الصداق؛ فإن الزيادة المتصلة فيه تمنع استقلال الزوج بالرجوع حيث ثبت له الرجوع في نصف الصداق، ويثبت لها الخيار؛ فإن أبت تجبر، ويعدل الزوج إلى نصف القيمة من غير تلك الزيادة، وإن سمحت أجبر على القول على الصحيح؛ فصار الصداق مستثنى من قولهم: "إن الزيادة المتصلة تتبع الأصل". قلت: ويستثنى أيضا -على وجه- الهبة المطلقة إذا قلنا: تقتضى الثواب فلم يثب، وكان للواهب الرجوع بدون الزيادة المنفصلة وكذا المتصلة -على وجه- فيبذل الموهوب له القيمة، ويمسك الموهوب، والأصح خلافه جريا على القاعدة. ويستثنى أيضا -على ما ذكر الدارمي في الاستذكار -اللقطة بعد التملك، إذا جاء صاحبها وقد زادت زيادة غير متميزة؛ فإنه ذكر أن له الخيار بين إعطائها زائدة أو القيمة. لكن هذا غريب، والمجزوم به -في كتب الرافعي والنووي وابن الرفعة والشيخ الإمام رحمهم الله تعالى- أن الزيادة المتصلة تتبع اللقطة. قاعدة: "الوطء لا يخلو عن عقر أو عقوبة". واستثنى الروياني في "الفروق" ثلاث مسائل: إحداها: إذا زوج عبده [بأمة2 بعد إذن وليه] 3. والثانية: إذا فرضت المرأة بضعها في دار الحرب ثم أسلما، فدخل بها وهما يعتقدان أن [لا] 4 مهر. والثالثة: المحجور بالسفه إذا تزوج بغير إذن وليه ووطئ5؛ فلا شيء عليه بالوطء على الأصح، كما لو اشترى سلعة من عالم بحاله. وفي القديم: لها مهر مثلها بعد فك الحجر عنه، جعله كالجناية.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" بأمته. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" إلا. 5 في "ب" ونظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 قلت: [وقد] 1 قيد النووي -في فتاويه- المسألة بما إذا تزوج رشيدة، أما إذا تزوج سفيهة، قال: "فيجب" ولم أر هذا القيد في غير فتاويه، وقد أهمل الروياني مسائل: منها: وطء النبي صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه لا يجب عليه المهر -وإن كان العقد بلفظ الهبة. ومنها: إذا أعتق المريض أمته -وهي ثلثه- وتزوج بها، ومات، وطالبت بالمهر؛ فيجب لها منه بسقط ما عتق، ويبطل النكاح بخروجها عن كونها الثلث؛ فإن الاعتبار بالثلث بعد وفاء الدين. وإذا لم تخرج من الثلث [رق] 2 بعضها، وحينئذ لا يصح تزويجها للحر فأما إذا أعتقت عن المهر، فيصح النكاح. ومنها: إذا استرق الكافر مسلما وجعله صداق امرأته وأقبضها إياه ثم أسلما، فإن الحر ينتزع من قهرها، وجنح الرافعي -في بحثه إلى أنه لا يجب مهر [مثل] 3. ومنها: إذا وطئ المسلم حربية بشبهة؛ فلا عقوبة؛ إذ لا إثم ولا عقر. ومنها: إذا وطئ ميتة بشبهة؛ فلا عقوبة للشبهة ولا مهر. قاعدة: كل حيض يحرم الطلاق. ويستثنى مسائل: منها: حيض الحامل -على القول- أنها تحيض وهو الأصح فإن طلاقها فيه لا يحرم، لعدم التأدية إلى طول العدة. قال الرافعي: عن إسحاق "أنها كانت ترى الدم -وجعلناه حيضًا- فقال لها: أنت طالق للسنة، لا يقع عليها الطلاق حتى تطهر". قال: وعلى هذا فللحامل حال بدعة كما للحائل. قلت: [وإذا] 4 تم هذا كان طلاق الحائض الحاصل بدعيا عند أبي إسحاق، وبه صرح صاحب المهذب وغيره من النقلة عن أبي إسحاق، وتبعهم في الروضة؛ فإن كان الحامل له تصريح صاحب المهذب فحسن -لكنه خروج عن نظم الرافعي- فإنه لم يصرح بهذا؛ وإنما قاله فيمن قال أنت طالق للسنة": "ولعل ذلك لأن لفظ السنة محمول -عند الإطلاق- على المتعارف في الشرع -وهو غير حائض- وحيض الحامل   1 سقط في "ب". 2 في "ب" ردت. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" زاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 صورة نادرة لا يشملها الإطلاق1، ولا يكون مراده منه؛ فلست2 على ثقة3 بأن4 أبا إسحاق رحمه الله يحرم الطلاق في حيض الحامل من هذا النظم الذي نظمه الرافعي؛ إنما يحمل لفظ السنة على ما وراء5 الحيض. وإذا عرفت هذا؛ فقول الرافعي: "حال بدعة" لا يتجه، إلا أن يكون6 أبو إسحاق يحرم طلاق7، الحامل، ولم ينقل عنه ما يقتضي ذلك، لما ذكرت. ومنها: إذا قال: أنت طالق في آخر حيضك فالأصح أنه سني -مع وقوعه في الحيض". فائدة: قال الرافعي -في [باب] 8 القسم والنشوز -"اجتماع الحرة والأمة إنما يتصور بأن ينكح حرة على أمة"، وكذلك السبب الثاني في تجدد النكاح؛ حيث: قال لا يتصور إلا في العبد؛ فإن له أن يدخل الأمة على الحرة" وتبعه النووي. والحصر غير مسلم، فالأصح الجواز فيمن تحته حرة لا تعفه -كالرتقاء [والقرناء] 9. قاعدة: من باب التعليق بالشروط -لا تختص بالطلاق؛ غير أن الطلاق أمس بذكرها، لكثرة التعليق فيه -الطلاق لا يقبل الإيقاع10 بالشرط وإن قبل الوقوع الشرط. أي التعليق على شرط. وهو عكس البيع ونحوه -فإنه يقبل الإيقاع بالشرط، ولا يقبل التعليق على شرط- بدليل أنه لو قال: بعتك على أنه كذب صح، ولو قال: إن كان كاتبا فقد بعتكه فهو باطل -على ما جزم به ابن أبي الدم- وخرج فيه ابن الرفعة وجهين من الوجهين في "إن كانت المولودة لي بنتا فقد زوجتكها"، وهذه القاعدة أشار إليها الغزالي -في كتاب الخلع- حيث قال: "الطلاق لا يقبل الشرط قال ابن الرفعة": معناه -لا يقبل الشرط في الوقوع وإن قبله في الإيقاع- والفرق بينهما يتضح بالمثال؛ فإنه لو قال: أنت طالق بشرط أن لا تدخلي الدار أو على أن لا تدخلي الدار، وقع في الحال -وإن لم يوجد ذلك، ولو   1 في "ب" الطلاق. 2 في "ب" فليست. 3 في "ب" يقين. 4 في "ب" فإن. 5 في "ب" ورد. 6 في "ب" كان. 7 في "ب" زيادة "الحائض". 8 سقط في ب. 9 سقط في "ب". 10 في "ب" زيادة "بلا بالشرط". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 قال: أنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل "انتهى". والغزالي -رحمه الله- توصل بذلك إلى قوله: "في قول الزوج: أنت طالق على أن لي عليك كذا -أنه يكون رجعيا" قال: "لأن الشرط في الطلاق- يلغو إذا لم يكن من قضاياه، كما إذا قال: أنت طالق على أن لا أتزوج بعدك؛ فإما ذهابه إلى كونه رجعيًا فالصحيح خلافه. وأما معنى قوله: "الشرط في الطلاق يلغو" فما ذكرناه عن ابن الرفعة، والحاصل: أن الطلاق -بعد وقوفه- لا يقف على شرط؛ لأن وقوفه عن الوقوع مع وقوعه محال، وهذا بخلاف ما لو نجز الوكالة وعلق التصرف على شرط فهو توكيل صحيح، وهو إيقاع عقد بشرط؛ فمثل هذا لا يكون في الطلاق؛ فإن المرأة لا تكون مطلقة ثم يكون طلاقها الواقع واقعًا على شرط. تنبيه: ما ذكرناه -من توجيه قول الغزالي: "الطلاق [لا يقبل] 1 الشرط في الإيقاع لكن في الوقوع والبيع عكسه" -وهو أقصى ما ذكر المفسرون لكلامه، ومنهم الوالد رحمه الله؛ غير أنه قال: "لا يلزم من هذا ما قصده الغزالي من جعل -طلقتك على أن لي عليك ألفا- رجعيا؛ فإنه إذا أوقع الطلاق [مع] 2 هذا الشرط -لم يوقعه مطلقا، فلا يقع رجعيا؛ بل يقع كما أوقعه -على جهة المعاوضة- وهذه الصيغة صالحة لأن تستعمل في المعاوضة بخلاف ما إذا ذكرها شرطا مجردا -من غير معاوضة". قلت: وهذا حق، ويدل على أنه لو قال: بعتك على أن تعطيني عشرة، صح البيع -كما صرح به الرافعي في الباب الثاني من كتاب الصداق- فنزل قوله: "على أن تعطيني" منزلة باء العوضية؛ فكذلك ينبغي أن ينزل هنا ذلك، وعبارة الغزالي -في باب الخلع أوائل الباب الثالث- "والطلاق لا يقبل الشرط" انتهى، وفي حواشيه- وأظنه من كلام ابن الصلاح الشرط على قسمين: شرط تعليقي، وشرط إلزامي، فالطلاق يقبل التعليق والعوض، ولا يقبل الشرط الإلزامي، بخلاف البيع؛ فإنه لا يقبل التعليق، ويقبل الشرط الإلزامي، كقوله: بعتك هذا العبد بشرط أنه كاتب". انتهى.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" "من". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فائدة تتعلق بهذا: قال شيخ الإسلام -عز الدين عبد عبد السلام- في مجموع له ما نصه: مسألة الأفعال على قسمين: منها: ما يقبل الشرط والتعليق عليه كالصوم على رأي الإمام الشافعي رضي الله عنه؛ فإنه يقبل الشرط، بأن يشرع في الصوم ويقول: إن أبطلته بطل -والتعليق عليه- بأن يقول: إن فعلت كذا فعلي صوم. ومنها ما لا يقبل التعليق ويقبل الشرط وهو البيع فييع ويقول لي الخيار ثلاثًا ولا يقبل "إن جاء فلان فقد بعتك"؛ لأن هذا الشرط أثبته الله تعالى في أصل البيع فحصل باشتراطه. والطلاق عكس هذا -يقبل التعليق ولا يقبل الشرط- كما لو قال أنت طالق على أن عليك ألفا؛ فإنه لا يلزمها شيء. ومنها: ما لا يقبل الشرط ولا التعليق عليه. أما الشرط: فإذا تزوجها على أن لا نفقة لها؛ فإن الشرط يسقط. وأما التعليق: فإن يقول: إذا جاء فلان فقد تزوجتك. قاعدة: ذكرها ابن القاص في تليخصه، فتبعه عليها الشيخ أبو حامد في "الرونق" والمحاملي في "اللباب" والروياني في "الفروق"، والجرجاني في "المعاياة" وأكثر من صنف في هذا النوع كل من علق طلاقه بصفة، لم يقع طلاقه -ذاك المعلق- من غير وجود الصفة إلا في أربع مسائل: إحداها: أن يقول -لحامل أو صغيرة أو آيسة أنت طالق للسنة أو للبدعة فيلزمه [من ساعته] 1 لأن لا سنة لهن ولا بدعة، قال ابن القاص: "هذا نص قوله" قلت: يعني حكم المسألة؛ إلا أن الشافعي رضي الله عنه نص -هنا- على أن الطلاق معلق وأنه وقع بدون الصفة؛ فإن ذلك لم يتقدم أحد به ابن القاص فيما أحسب، وستعرف ما فيه. فائدة: "كل رجعية يجوز رجعتها في عدتها" قال الجرجاني: "إلا واحدة، وهي رجعية وطئها المطلق في عدتها -وقد بقي عليها قرء واحد- فإنه يجب عليها استئناف العدة ثلاثة أقراء، ويجوز مراجعتها في القرء الأول، لأنه بقية عدة الطلاق، ولا يجوز مراجعتها في القرءين الأخيرين، لأنها عدة الوطء -بالشبهة- لا عدة الطلاق".   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 قلت: ولا يصح هذا الاستثناء؛ لأنها في القرءين الأخيرين غير رجعية، إذ قد حصلت البينونة بانقضاء القرء الثالث، ولكن تصوير "رجعية لا يجوز رجعتها في عدتها" بقي الرجعية الحامل من مطلقها، إذا وطئت بشبهة فإن الزوج ليس له رجعتها في مدة اجتماع الوطء بها -كذا قال الروياني فيما نقله الرافعي عنه- قال: "لأنها حينئذ خارجة عن عدة الأول، وفراش لغيره؛ فلا تصح الرجعة في تلك الحالة، واستدركه على إطلاق الأصحاب "أن للزوج رجعتها قبل الوضع". قاعدة: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام"1. وهذا رواه جابر الجعفي "حديثا" -وجابر ضعيف- عن الشعبي عن ابن مسعود، وهو منقطع -قاله البيهقي- والأمر كما قال: وعورض -أيضا- بما رواه ابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عمر "لا يحرم الحرام الحلال". وليس بمعارض؛ لأن المحكوم به -في الأول- إعطاء الحلال حكم الحرام تغايبا واحتياطا، ولا صيرورته -في نفسه- حراما، ومن ثم لو اشتبهت منكوحته بأجنبيات محظورات لم تحل، وإذا أكل الكلب المعلم من الصيد -في موضعه- فالصحيح يحرم، لحديث عدي بن حاتم2، ورجح الجمهور التحريم فيما إذا أصاب صيدا وغاب ثم وجده ميتا -وليس فيه أثر غير سهمه ورجح النووي الحل. وشذ عن القاعدة مسائل: منها: إذا رمى سهما إلى طائر فجرحه ووقع ثم وجد ميتا؛ فإنه يحل. ومنها: إذا كان الثوب منسوجًا من حرير وكتان وكانا على السواء؛ فإنه حلال في الأصح. ومنها: إذا اختلط ملكه بملك غيره وعسر التمييز، كما إذا اختلطت حمامة واحدة   1 تقدمت هذه القاعدة برمتها قبل قاعدة سد الذرائع. 2 إنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتله ولم يأكل منه فكله وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيهما قتله، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل. البخاري 1/ 279 في الوضوء حديث "175" وفي 9/ 609 في الذبائح والصيد حديث "5483" وفي 9/ 610 "5484" "5486" ومسلم 3/ 1531 في الصيد والذبائح "6/ 1929". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 بحماماته؛ فله أن يأكل -بالاجتهاد- واحدة واحدة حتى تبقى واحدة كما لو اختلطت ثمرة الغير بثمره. والذي حكاه الروياني "أنه ليس له أن يأكل واحدة منها حتى يصالح ذلك الغير أو يقاسمه" هذا لفظ الروضة، والذي أعتقده أن اختلاط ثم الغير بثمره يطرقه الخلاف في الحمام. قاعدة: "من جهل حرمة شيء مما يجب فيه الحد أو العقوبة، وفعله، لم يحد وإن علم الحرمة وجهل الحد والعقوبة، حد، أو عوقب"، ومن ثم وجب الحد على من شرب الخمر عالما بتحريمها جاهلًا وجوب الحد دون من شربها يظنها خلا أو يعرفها خمرا ولكن يحسبها حلالًا -إذا كان مثله ممن يجهل ذلك. وظهر ضعف سؤال من قال: "كيف لا يخرج الشافعية -في وجوب القصاص في المثقل- وجهين، إقامة لخلاف أبي حنيفة "رحمه الله" فيه مقام الشبهات الدارئة للحدود" كما أن لهم وجها أن وطء المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن لا يوجب الحد -وإن علم التحريم- لما روي عن عطاء بن أبي رباح من تجويز إعارة الجواري والوطء بالإذن". قال هذا السائل: "فاعتبار خلاف أبي حنيفة أولى من اعتبار خلاف عطاء". وهذا سؤال: ساقط، يظهر ضعفه بتأمل لفظ القاعدة؛ فإن هذا الوجه -على ضعفه- إنما قال: "خلاف عطاء شبهة، لقوله "بالحل لا بالحرمة -مع سقوط الحد، وهو حق [وإليه أشار أبو سعد الهروي بقوله في غوامض الحكومات الصحيح من مذهبنا أن الشبهة العاملة في درء الحد، تنشأ عن قوة تقابل الأدلة، لا عن مجرد اختلاف أهل العلم" انتهى] 1. وأبو حنيفة لم يقل بحل القتل بالمثقل، ولا يقول بذلك أحد؛ وإنما قال بسقوط القصاص، فكان القائل بالمثقل عالما بالحرمة جاهلا بالعقوبة؛ فلا ينفعه جهله بها، بخلاف الجاهل بالحرمة -من أصلها- ولو أثر الجهل بالحرمة حتى في الضمانات التي أصلها على أن لا يفرق الحال فيها بين العلم والجهل -فلم يؤثر التعزير فيها- مع العلم بالتحريم.   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قال الأصحاب -في غاصب أمر غيره بإتلاف المغصوب أو إحراقه ونحوهما؛ ففعله جاهلا بأنه غاصب- "أن المذهب القطع باستقرار الضمان على المتلف وأنه لا يخرج على القولين في الأكل من الغاصب؛ لأن ما فعل هذا حرام، بخلاف الأكل، ولا أثر للتعزير مع التحريم". وشذ عن القاعدة مسائل: منها: إذا قتل من يعتقد عدم مكافأته، كحر يقتل عبدا، أو مسلم يقتل ذميا ثم تقوم البينة بأنه كان قد أعتق، أو أسلم؛ فلا قصاص عليه -على قول. ومنها: وطئ جارية ظنها مشتركة بينه وبين غيره؛ فإذا هي غير مشتركة وقلنا بالصحيح -وهو أنه لا يجب الحد بوطء المشتركة- فهل يجب الحد هنا؟ تردد فيه الإمام، ورجح النووي وجوبه؛ لأنه علم التحريم فكان من حقه الامتناع. ومنها: إذا وطأ الجارية مشتريها بشراء فاسد - لكون الثمن خمرا أو لاشتمال العقد على شرط فاسد- فلا حد؛ لاختلاف العلماء في حصول الملك بالبيع الفاسد؛ مع أنه لم يبح أحد الوطء فيه ومن ثم استشكل الإمام عدم الحد. ومنها: لو باد أحد ابني المقتول وقتل الجاني بغير الإذن الآخر، قبل عفوه؛ فالأظهر لا يجب القصاص للشبهة، والأصح أن الشبهة كونه صاحب حق في المستوفي. وقيل: قول بعض علماء المدينة: "أن انفراد كل من الورثة جائز"، والقول الثاني: إنه يجب القصاص؛ فعلى هذا يقع الاستثناء، فإن بعض علماء المدينة قال: بالحل كما عرفت، ثم لم يعتبر خلافه. ضابط مسائل الخلع: فإن منها ما يقع الطلاق فيه بالمسمى. ومنها: ما يقع بمهر المثل. ومنها: ما يقع رجعيًا. ومنها: ما لا يقع أصلًا. قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: "فالذي يقع الطلاق فيه بالمسمى أن يكون الصيغة والعوض صحيحين". والذي يقع بمهر المثل: أن تكون الصيغة صحيحة والفساد في العوض، والذي يقع رجعيًا: هو الذي يكون الفساد فيه من جهة الصيغة ويكون الطلاق فيه من جهة الزوج منجزًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 والذي لا يقع: هو الذي يكون الطلاق فيه معلقًا ولم يوجد شرطه. قاعدتان: عزاهما الرافعي -في كتاب الظهار- إلى الأئمة فذكر أنهم قالوا: "ما يقبل التعليق -من التصرفات- يصح إضافته إلى بعض محل التصرف" وأخصر من ذلك قول الغزالي في "الوجيز": "ما يقبل التعليق يكمل مبعضه قالوا: وما لا يقبله لا يصح إضافته إلى بعض المحل". فمن مسائل القاعدة الأولى: الطلاق والعتق: ومنها: الحج فإن تعليقه بحاضر يصح؛ كقوله: أحرمت كإحرام زيد، وكذا بمستقبل بأن يقول: إذا أحرم فأنا محرم، أو إذا طلقت الشمس -على وجه مال الرافعي إلى ترجيحه؛ حيث قال: "وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير، تجويزه"؛ ولكن نازعه الشيخ الإمام، وقال: قوله "أنا محرم كإحرام زيد لا تعليق فيه بحاضر ولا مستقبل، بل جازم بإحرام بصفة إنما التعليق بالحاضر أن يقول: إن كان محرما فقد أحرمت، وهو لا يصح". قلت: وهو حسن، وبتمامه لا تدخل المسألة فيما نحن فيه، إذا لم يكن لنا حج معلق؛ غير أن الأصحاب يلقبون مسألة -الإحرام بإحرام زيد- مسألة تعليق الإحرام، وكأنهم يعنون أن المعلق خصوص الإحرام، لا عمومه فلذلك صح العموم، والذي نقله الشيخ الإمام رحمه الله عمومه لا خصوصه؛ فلذلك قال: "لو كان تعليقا لما صح"، وبيان ذلك أن إذا قال: أحرمت بإحرام زيد؛ فهو كما قال الشيخ الإمام- جازم بأصل الإحرام لكنه -كما قال الأصحاب- معلق، لخصوص كونه بإحرام زيد، وهو كما فصل علي "كرم الله وجهه"، ولذلك يقول الأصحاب -فيما إذا لم يكن ذلك الغير محرما أنه ينعقد أصل الإحرام، وما ذاك إلا لأنه لا تعليق فيه، وبهذا صرح القاضي أبو الطيب، في "التعليقة"؛ حيث حكى وجهين فيما إذا علق الإحرام بطلوع الشمس ثم قال: "ويفارق قوله: إحراما كإحرام زيد؛ لأن أصل الإحرام انعقد في الحال؛ وإنما علق صفة على شرط يوجد في ثاني الحال، فلم يضره" انتهى. وإذا تجلى لك ذلك علمت أنه لا إحرام معلق كما حاوله الشيخ الإمام، بل صفة فيه -كما قررناه- لكن كلام الرافعي صريح في تسميته تعليقا وسبقه جماعة -منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 صاحب البحر؛ فسوى بين أنا محرم غدًا أو أحرمت كإحرام زيد، ثم قال صاحب البحر: "وعلى هذا قال أصحابنا: لو قال أحرمت يوما أو يومين، صح وانعقد مطلقا كالطلاق، ولو قال: أحرمت بنصف نسك انعقد كامل كما لو قال: أنت طالق بنصف طلقة". ونقل النووي هذا في "شرح المهذب"، وقال: "إن فيه نظرًا، وأنه ينبغي ألا ينعقد؛ لأن الحج من باب العبادات، والنية الجازمة من شرطها، بخلاف الطلاق، لبنائه على الغلبة والسراية وقبول [الأخطار] 1 والتعليق". فإن قلت -معترضا على النووي- لو كان كما ادعيت من أنه لا بد فيه من نية جازمة، لما قبل التعليق، وقد قال الأصحاب: بأنه يقبله، وأنت من جملتهم إذا صححت قول المرء: "أحرمت كإحرام زيد"، وسميته تعليق الإحرام، وبذلك صرح صاحب التتمة؛ حيث قال: "إذا صح تعليقه بإحرام الغير صح تعليقه بالشرط كالإطلاق"2. قلت: لا مخلص عن هذا الاعتراض إلا بما قال الشيخ الإمام من أنه لا تعليق في قولنا: أحرمت كإحرام زيد وقضية هذا [أن] 3 لا يصح قوله: أحرمت بنصف نسك- وإليه أشار النووي، وقول الروياني -إنه يصح- جاز على أصله من أن -أحرمت كإحرام زيد- تعليق، والقاعدة أن ما قبل التعليق بصح إضافته إلى بعض محله. قال الأصحاب: ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا مسألة واحدة، وهي: الإيلاء يقبل التعليق -مع كونه لا يصح إضافته إلى بعض ذلك المحل إلا الفرج4. قال القاضي شرف الدين البارزي5: والوصية يصح تعليقها ولا يصح أن تضاف إلى المحل. قلت: وثالثة: وهي التدبير يصح تعليقه؛ بل لا يكون إلا كذلك، ولو قال: دبرت يدك أو رجلك لم يصح -على أحد الوجهين. وأما القاعدة الثانية: وهي أن ما لا يقبل التعليق لا تصح إضافته إلى بعض ذلك المحل كالنكاح والرجعة؛ فيستثنى منها مسائل: منها: الكفالة لا يصح تعليقها ويصح إضافتها إلى بعض المحل على الأصح فيهما [وينعكس على وجه] 6 فيما لو اتحد العامل.   1 في "ب" الاحتكار. 2 في "ب" الإطلاق. 3 سقط في "ب". 4 في ب "للفرج". 5 في ب زيادة "وثانية وهي". 6 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ومنها: القذف لا يعلق؛ فلو قال: [إذا1] دخلت الدار فأنت زان لم يكن قاذفا، ولو قال: زنا قبلك أو دبرك كان قاذفا. ومنها: تعليق الفسخ غير جائز -ذكروه في نكاح المشرك، ولو اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا وقلنا: لا يفرد المعيب بالرد فرده كان ردا لهما على أحد الوجهين. ومنها: لا يصح تعليق الرجوع، في التدبير -إن قلنا: يرجع القول كما جزم به الرافعي، ولو قال: أرجعت في رأسك ففي كونه رجوعًا في جميعه وجهان في الحاوي. قاعدة: قال القفال رحمه الله: كل كفارة سببها معصية؛ فهي على الفور وهذا وإن أطلقه القفال إطلاقا -ففيه خلاف سيحكيه هو نفسه؛ فإنا سنحكي عنه وجهين: نقول: إنهما جاريان في كل كفارة وجبت بعدوان، بل ليس هو جاريا على الصحيح، في كل الصور؛ إذ صريح كلام الرافعي -في موضع من الظهار أن كفارة الظهار على التراخي والظهار معصية. وقد يدفع هذا بأن السبب هو العود أو مجموعهما -على الخلاف في ذلك والعود ليس بحرام غير أن هذا إن اعتذر به عن كفارة الظهار، فما الاعتذار عن بقية الكفارات؟ وظاهر كلام الرافعي أن الكل على التراخي؛ إذ قال في الموسر لا يجد الرقبة: "ليس له العدول إلى الصوم في كفارة القتل واليمين والجماع في نهار رمضان، بل يصبر" قال: "لأن الكفارة على التراخي" قال "وفي كفارة الظهار وجهان: لتضرره بفوات الاستمتاع" وللشيخ الإمام الوالد رحمه الله بحث نفيس ذكره في تفسير سورة2 المجادلة عند ذكر هذه القاعدة. ومن فروع القاعدة ما قرره الرافعي في كتاب الصداق من أنه "لا يجوز لولي الصبي أن يعتق عن من ماله في كفارة القتل"؛ فإن ذلك قد يوجه بأنه لا معصية من الصبي، فلا فورية؛ فلا يعتق الولي، ويؤيده قول الرافعي -أيضا- في الحج فيما إذا وجبت الفدية على الصبي، أنه ليس للولي أن يكفر عنه بالمال؛ لأنه غير متعين -على القول بجواز افتدائه بالصوم- لكن الذي صرح به القاضي الحسين في [كتاب] 3 الوصية والبندنيجي في الأيمان، واقتضته عبارة الإمام واقتصر عليه الرافعي والنووي في   1 في "ب" إن. 2 سقط في "أ" المثبت من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 باب كفارة القتل أن الولي يعتق عنهما وبذلك يحصل في جواز تكفير الولي من [مال] 1 الصبي بالعتق خلاف، قال ابن الرفعة: "قد يجري في المجنون، وقد يقال: لا؛ بل يقطع بالجواز إذا كان جنونه مطبقا؛ لأنه ليس له غاية تنتظر بخلاف الصبي "قال": والأشبه إن كان القتل منها في صورة الخطأ منع الإخراج في الحال، لعدم الفورية، وإن كان في صورة العمد -وقلنا أنه كان لخطأ- فكذلك، وإن قلنا: كالعمد فيخرج منه خلاف على أن ذلك يجب على الفور أم لا؟ كما هو مذكور في كتاب الحج". قلت: حاصل كلام ابن الرفعة أنه إذا كانت الكفارة على التراخي تمنع الولي من الكفارة في العتق، وهذا فيه نظر [إذ] 2 لا يلزم من عدمه الفورية وجوب التأخير؛ بل المبادرة -حينئذ- قد يقال: أنها أولى كما في كل واجب على التراخي، وكما يجوز له أن يوفي دينه، وإن لم يطالب صاحب الدين بالوفاء، وقلنا: والحالة هذه -أنه لا يجب إلا بالطلب طلبا لبراءة ذمته؛ فالذي أراه جواز إعتاق الولي من مال الصبي في الحال -وإن كان في صورة الخطأ. ومنها: لو أفسد الحج ووجب القضاء؛ فالأصح أنه على الفور، قال القفال: "والوجهان جاريان في كل كفارة وجبت بعدوان" قال: والكفارة بلا عدوان على التراخي قطعا .... قاعدة: "لا يجوز للمسلم أن يدفع مالا إلى الكفار المحاربين". قال الشيخ أبو حامد: "إلا في ثلاث صور". قلت: وهي أكثر. منها3: إذا أحاط العدو بالمسلمين، وفيهم ضعف عن مقاومتهم. ومنها: إذا كان في يد الكفار أسرى من المسلمين؛ فيجوز افتداؤهم منهم بالمال، قال الروياني: وفي وجوبه وجهان: أصلهما المضطر إلى الميتة. هل يجوز له الأكل، أو يجب؟ قلت: إن كان محل الوجهين في الآحاد فهو غريب، والمجزوم به -في الرافعي والروضة وغيرهما- أن فداء الأسير مستحب، وإن كان الإمام فأغرب وأغرب بل الوجه الجزم بالوجوب، والتخريج على أكل الميتة ضعيف؛ فإن فوات نفس المضطر -   1 في "أ" مسائل. 2 في "ب" فإن. 3 في "ب" فمنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 على الإيمان -أسهل في نظر الشرع من بقاء المؤمن تحت ذل الأسر في أيدي الكفار؛ ولا سيما من يخشى عليه فتنة الدين. ومنها: لو قال الأسير للكافر: أطلقني على كذا ففعل، أو قال الكافر افتد نفسك بكذا ففعل، لزمه ما التزم. ومنها: إذا جاءت امرأة -من الكفار- مسلمة في زمن الهدنة وكانت مزوجة فيهم؛ فإن الإمام يغرم مهرها -على قول ضعيف- والصحيح خلافه. ومنها: مسألة العلج1؛ فإن قال كافر للإمام: أدلك على قلعة كذا على أن تعطيني منها كذا؛ فعاقده على ذلك جاز. قاعدة: ذكرها القاضي الحسين، وتبعه كثير من الخراسانيين منهم الغزالي في كتاب الكفارات، والرافعي في باب الردة ما يصير المسلم به كافرا إذا جحده -يصير الكافر به مسلما إذا اعتقده. قال القاضي: "إلا في مسألة وهي: اليهودي إذا قال: عيسى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فإنا لا نحكم] 2 بإسلامه؛ لأن قومًا من الكفار -وهم النصارى- يقولون به، والمسلم إذا جحد نبوة عيسى، كفر. قلت: وفي مسألة اليهودي قول أنه إذا أقر برسالة عيسى عليه السلام يجبر على الإسلام؛ لأن المسلم لو جحد رسالته كفر -حكاه الرافعي عن نقل البغوي، وقد جزم البغوي -قبله- بأن اليهودي لا يحكم بإسلامه -وإن قال: لا إله إلا الله- حتى يقر بأن محمدا رسول الله، ونقله عنه الرافعي. واعلم أن قول النصراني -الذي يعتقد أن رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة: محمد رسول الله كقول اليهودي: لا إله إلا الله. فائدة: من ملك العفو عن القصاص في النفس، ملك العفو عن المال إلا أن يثبت القصاص دون المال؛ وذلك في مسائل، ولك أن تقول: لا يثبت قصاص يمتنع الانتقال عنه إلى المال إلا في مسائل حصرها الجرجاني في أربع [مسائل] 3. منها: إذا قطع يدي رجل فاقتص منه فيهما ثم سرى القطع إلى النفس؛ فليس له بعد ذلك إلا القتل، ولا دية له.   1 في "ب" الصلح. 2 في "ب" فإنه لا يحكم. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ومنها: إذا كان لرجل عبدان فقتل أحدهما الآخر، فللسيد أن يقتله، وليس له العفو على مال؛ إذ لا يثبت له عليه [مال] 1 إلا في الكتابة. ومنها: قطع يهودي يدي مسلم فاقتص منه فيهما ثم سرت إلى نفس المسلم؛ فلوليه أن يقتص من اليهودي، وليس له أن يعفو على مال -على الأصح- لأنه قد أخذ يدي اليهودي بإزاء يديه؛ فلم يبق له شيء من الدية وكالمسألة الأولى وفي الوجه الآخر له ثلثا الدية؛ لأنه يثبت له دية المسلم، وقد أخذ يدي يهودي، فقيمتهما ثلث الدية، قيبقى الثلثان. قلت: هذا الوجه هو الذي صححه الرافعي والنووي. ومنها: أن تقطع امرأة يدي رجل فيقتص منها فيهما ثم يسري القطع إلى نفسه، فلوليه أن يقتص منها، وليس له أن يعفو على مال في الأصح عند الجرجاني "وصحح الرافعي والنووي أن له نصف الدية". هذا ما استثناه الجرجاني ولا يخفى أنه في الصورة الأولى يثبت له أن يعفو على الدية؛ ولكنه اختار القصاص، فسقطت الدية، ولم يعد لما صارت الجناية نفسًا. ويمكن أن يصور2 قصاص ثبت ولا دية معه بالكلية فيما إذا قطع يدي شخص ثم حز رقبته؛ فحز الرقبة موجب القصاص دون الدية؛ لأنها ثبتت بقطع اليدين، فلما صارت الجنابة نفسا سقطت. ثم اعلم أن وراء ما ذكر الجرجاني صورًا. منها: إذا قتل المرتد مرتدًا فإن القصاص واجب -على الأصح- وفي الدية وجهان: أرجحهما -على ما اقتضاه إيراد الرافعي عدم الوجوب. ومنها: إذا قتل ذمي مرتدا؛ فالأظهر القصاص وعلى القول بوجوبه فلا دية على الأصح. ومنها: العبد المرهون إذا جنى على طرف سيده، فلسيده القصاص، والصحيح أنه ليس له العفو على مال؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده مال، وقال ابن سريج: "له العفو على المال ويتوصل به إلى فك الرهن". وهنا سؤال حسن نتوصل إلى ذكره بذكر مسألة ترشد إليه فتقول: إذا باع أحد   1 سقط في "ب". 2 في "ب" زيادة "قصاص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الشركاء نصيبه من العقار لأحدهم -كما إذا كان العقار بين ثلاثة أنفس أثلاث- فباع أحدهم نصيبه من أحد شريكيه فللآخر أخذ السدس فقط كما لو كان المشترى أجنبيًا هذا هو الصحيح، وقال ابن سريج: "له أخذ جميع الثلث، لأنا لو جعلنا للمشتري أن يأخذ بالشفعة كان1 له أن يأخذ من نفسه ملك نفسه. فإن قلت: كيف قال الأصحاب -هنا- بأن له أن يأخذ من نفسه وقالوا في الرهن: لا يثبت له دين على عبده، وكيف عكس ابن سريج؟ قلت: لم يقل الأصحاب -هنا- "إن له أن يأخذ من نفسه"؛ وإنما له دفع الشريك عن الأخذ عن نفسه؛ لأن الشفعة إنما ثبتت لدفع الضرر، ولو أخذه الشريك لتضرر، ودفعه الضرر عن نفسه فالأخذ ممكن وهناك يلزم ثبوت المال له على ملكه، وهو مستحيل، وابن سريج عكس، وهو على طريقه واضح لأنه يقول -في الشفعة: أنه يلزم منه أن يأخذ من نفسه -[على] 2 [تصويره] 3 هو فلذلك منع وأما في الجناية؛ فلأنه لو لم يثبت له ذلك الأذى إلى حصول المحذور وهو فوات حق الجناية بالكلية، ويقدم المرتهن. قاعدة: قال الإمام في كتاب الصداق في الكلام على التفويض "ومن الأقيسة الجلية الكلية في قواعد الشرع أن من تملك إسقاط العوض بعد ثبوته له، إذا سقط على إتلاف المعوض كان تسليطه عليه متضمنا إسقاط العوض". ولذلك نقول: إذا قال مالك العبد لإنسان: اقتله، فقتله، لم يلزم القاتل للمالك -الآذن- عوضًا، وكذلك إذا قال للجاني اقطع يدي، فإذا قطعها، لم يلزم عوضًا. ذكرها توجيها لقول القاضي: إن المفوضة إذا قالت لزوجها: طأني ولا مهر عليك، أنه لا يمتنع أن نقول: إذا وطئها لا يجب المهر "قال: وخرج القاضي -هذا- على قول الشافعي فيما إذا قال [الراهن للمرتهن] 4 أذنت لك في جماع هذه الجارية المرهونة، فواقعها ظانا الحل، فلا مهر". قلت: وليقع النظر -هنا- في مسائل. منها: ذهب الإمام فيما إذا خفر الغاصب بئرًا ومنعه المالك من طمها أن منعه ليس رضا بها، وخالفه المتولي. وهي قضية هذه القاعدة.   1 في ب "لكان". 2 في ب زيادة "على ما". 3 في "ب" يصوره. 4 في ب "تقديم وتأخير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ومنها: لو أذن أحد الشريكين للآخر في وطء الجارية المشتركة، لم يمتنع المهر- مع أنه سلطه على إتلاف المعوض. قلت: هذه تستثنى من القاعدة -مع ما فيها من أن المأذون فيه ليس محض حق الإذن. قاعدة: "الاعتبار في تصرفات الكفار باعتقادنا لا باعتقادهم". خلافا لمالك رحمه الله وبعض أصحابنا -كما تدل عليه فروعهم، وجزم الوالد رحمه الله- في كتاب كشف الغمة بالأول، وقال: [لا] 1 يثبت لنا قط في مسألة من المسائل -أن اعتقادهم يؤثر في حل ولا حرمة ولا ملك ولا عدم ملك "قال": وقد نص الشافعي والأصحاب [رضي الله عنهم] 2- على الكتابي لو ذبح حيوانًا يرى تحريمه -كالإبل- ونحن نرى حله، جاز لنا أكله؛ خلافا لمالك: "قال": وهذا مما يدل على أنه لا اعتبار باعتقاده أصلا قال: وتردد العلماء في أن ذلك يكون حراما عليهم -لا بشرعهم- بل يكونهم لم يؤمنوا، أو لا يكون [حراما] 3 عليهم؛ لأنه قد نسخ قال: وكلام الشافعي [رضي الله عنه] 4 يقتضي الثاني، وأطال الشيخ الإمام في تقرير القاعدة. وعلى القاعدة يتخرج مسائل: منها: إذا أتانا الذمي بما نتيقن أنه من ثمن خمر عن الجزية، قال مالك رحمه الله: يؤخذ، وقال أصحابنا: لا يؤخذ، وحكوا وجهين فيما إذا كان لمسلم على ذمي دين؛ فباع الذمي خمرا بحضرته، وقبض ثمنها ودفعه إلى المسلم عن دينه، هل يجبر على قبوله؟ أصحهما عند المشايخ الثلاثة -الرافعي والنووي والوالد "رحمهم الله" -أنه لا يجبر؛ بل لا يجوز له القبول، [قال الوالد رحمه الله ورأيته منصوصًا في "الأم"] 5 قال: وقطع به الغزالي وجعل محل الوجهين إذا قال: إنها من ثمن خمر؛ لأنه قد يكذب "قال الشيخ الإمام والصواب إثبات الوجهين"، ثم جعل الشيخ الإمام الوجهين خلافًا في أنه هل تملك تلك الدراهم، وقال: "الأصح أن ثمن خمر لا يملك ولا يجوز قبوله، وينبغي إجراء الوجهين في الذمي يحضر ثمن الخمر عن الجزية". ومنها: إذا ذبح الكافر حيوانا وفتش كبده [فوجده] 6 ممنوا، أي ملصوق الكبد   1 في ب "لم". 2 سقط في "ب". 3 في ب "محرما". 4 سقط في "ب". 5 سقط في ب. 6 في ب "فوجد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 بالأضلاع. قال مالك: يحرم لكونه حراما عندهم، وقال أصحابنا: لا يحرم. ومنها: لو غصب ذمي ذمية واتخذها زوجة -وهم يعتقدون غصبها نكاحًا- لم يقر؛ لأن على الإمام دفع قهر بعضهم بعضا، بخلاف الحربي والمستأمن، فإن الصحيح التقرير؛ إذ ليس فيه إلا إقامة الفعل مقام القول، بأشبه سائر وجوه الفساد. وقال القفال: "لا يقر؛ إذ لا عقد" وقول القفال -هذا- أقرب إلى هذه القاعدة. ومنها: لا فرق عندنا -في حل ذبائح أهل الكتاب- بين ما اعتقدوا إباحته كالبقر والغنم أو تحريمه كالإبل، خلافًا لمالك رحمه الله. وقد قدمنا للمسألة ولا بين من يعتقد من اليهود أن عزيرًا ابن الله ومن النصارى أن المسيح ابن الله أو لا كما قال الأكثرون من أصحابنا فيما نقل الماوردي، وحكى وجهًا آخر -أنه لا تحل ذبائحهم قال: "وهو الأظهر عندي، وبه أقول؛ لأن هؤلاء كالمرتدين فيما بين اليهود والنصارى وليس هذا من أصل دينهم الحق". ويستثنى من القاعدة مسائل: منها: نكح مشركة مفوضة، وهم يعتقدون أن لا مهر للمفوضة بحال ثم أسلما فلا مهر -وإن كان إسلامها قبل الدخول؛ لأنه استحق وطا بلا مهر. قاعدة: المماثلة في القصاص مرعية بمعنى أن من قتل بفعل من الأفعال؛ فولي الدم بالخيار بين أن يستوفي بالسيف أو بمثل فعله وهذه قاعدة بالغ أصحابنا في المحافظة عليها؛ بحيث انتهوا إلى أن قالوا إنا إذا قلنا يستوفي القصاص في الجائفة؛ فلو قال أجيفة ثم أعفو عنه إن لم يمت لم يمكن؛ وإنما يمكن إذا قال أجفته ثم أحز رقبته، وهذا مشهور في المذهب رأيت الشافعي رضي الله عنه عليه في الأم ففيها قبل ولاة القصاص ما نصه قال الشافعي: رضي الله عنه، ولوكانت المسألة بحالها فجرحه جائفة مع قطع يديه ورجليه؛ فمات فقال ورثته فجرحه جائفة ولا نقتله لم يتركوا؛ وذلك أنهم إنما يتركون إذا قالوا نقتله بما يقاد منه في [الجناية] 1. أما ما لا يقاد فلا يتركون وإياه انتهى. وكذلك هو في مختصر المزني قال الشافعي رضي الله عنه: ولو أجافه أو قطع ذراعه فمات كان لوليه أن يفعل مثل ذلك على أن يقتله. وأما على أن لا يقتله فلا يترك وإياه انتهى وأنت إذا وقفت   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 على هذين النصين وتصفحت كتب الأصحاب وتعاليق المشايخ، ثم رأيت الرافعي قد اقتصر على عزو المسألة إلى تهذيب البغوي قضيت العجب من ذلك. وإذا عرفت هذا فيستثنى من القاعدة مسائل ضابطها أن تؤدي المماثلة إلى محذور شرعي. منها: القتل باللواط الأصح يستوفي بالسيف لا بخشبة [تشبه] 1 الذكر. ومنها: الخمر كذلك. ومنها: السحر. ومنها: البول. ومنها: إذا قتله بسيف مسموم بقيت ويمنع من الغسل والدفن؛ ففي القصاص بمثله احتمال وجهين للماوردي. ومنها: إذا شهد أربعة على محصن بالزنا فرجم، ثم رجعوا أو واحد منهم؛ فهل يرجم الراجع أو يتعين السيف أو رجمه فيه وجهان؛ حكاهما القاضي الحسين في باب حد الزنا. ومنها: إذا ذبح كالبهائم فهل يفعل به مثل ذلك ذكرت في كتابي التوشيخ أن الماوردي في الحاوي وغيره اقتضى إطلاقهم عدم ذلك لما فيه من هتك الحرمة، وأنه محمول [عندي] 2 على ما إذا لم يكن الجاني قد فعل ذلك. أما إذا فعله فالمماثلة جائزة، وأقول الآن يحتمل تخريج وجهين في ذلك فيما إذا قتله بمسموم ويمنع من الغسل والدفن لمعارضة حق الله تعالى؛ فإن هتك الحرمة حق الله وقد نهى الشرع عن المثلة لذلك. قاعدة: من لا مدخل له في الجناية لا [مطالب] 3 بجناية جانيها إلا في فرعين لا أحفظ لهما ثالثًا. أحدهما: العاقلة في ضمان الدية؛ غير أن الدعوى بالدية الواجبة عليهم تكون على الجاني لا عليهم ثم هم مطالبون بعد ثبوتها على الجاني كذا رأيته مصرحًا به في كتاب أدب القضاء لابن القاص في باب صفة اليمين على البت وهو مقتضى قول الرافعي في أثناء النظر الثاني في القسامة من باب دعوى الدم؛ حيث قال: وإذا أقسم السيد فإن كانت الدعوى على حر أخذ الدية من ماله في الحال إن ادعى العمد المحض وإن ادعى الخطأ   1 سقط في "ب". 2 في "ب" عندي محمول. 3 في "ب" يطالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 أو شبه العمد أخذها من عاقتله في ثلاث سنين. انتهى. فجعل الدعوى على الجاني والمطالبة مختلفة؛ فإن قلت: قد قال الرافعي بعد ذلك بنحو ورقتين مطلق القتل لا يفيد مطالبة القاتل؛ بل لا بد من ثبوت العمدية ولا مطالبة العاقلة بل لا بد من ثبوت كونه خطأ أو شبه عمد. قلت: كلامه هذا في المطالبة بالواجب ليستوفي منه وهناك في المدعى عليه ويشبه أن يخرج مسألة الدعوى على أن الدية تجب على الجاني ابتداء ثم تحملها العاقلة أوعلى العاقلة ابتداء وفي ذلك وجهان. قال الرافعي: ويقال قولان. قلت: وإنما جعلهما الرافعي وجهين لما حكاه عن الإمام من قوله ليس تردد القول مأخوذًا من نص صاحب المذهب؛ ولكنه مستقي من تصاريف كلامه في التفريعات، قال الإمام في النهاية ونظيره كثير؛ فإن النقل تارة لفظا وتارة من جهة المعنى والاستنباط انتهى. وقال ابن الرفعة: بل هما منصوصان في الأم ثم قال الإمام، وقد قدمنا مثل هذا التردد في زكاة الفطر إذا أداها الغير عن الغير وأشرنا إلى قريب منه في كفارة الوقاع في نهار رمضان تفريعًا على أجد القولين. قلت: وفي تفاريع حلق الحلال رأس المحرم تردد في مثل ذلك الفرع الثاني على قول هو الحلال أو الحرام يحلق رأس المحرم والمحلوق نائم أو مغمي عليه أو مكره؛ فأصح القولين أن الفدية على الحالق والثاني على المحلوق؛ لأنه المرتفق به وعلى هذا فقد طولب بجناية ما لا مدخل له فيها. أما الصبي المحرم بإذن الولي إذا قتل صيدا فإن الضمان على الولي في الأصح؛ ولكن ذلك لأن الولي مدخلا حيث أذن ولو صح إيراد هذه الصورة لكان أولى منها السيد بأمره عبده [الأعجمي] 1 بقتل شخص والعبد يجني في يد سيده حيث يطالب سيده   1 في "ب" الأعمى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 بأحد الأمرين من الفداء أو تسليمه في الجناية والمكره يكره إنسانًا على القتل ومسائل المتسبب مع المباشر كلها. قاعدة: قال الجرجاني كل قتل مضمون بأخذ ديته مضمون بالكفارة وكل قتل غير مضمون لا [يؤخذ] 1. قاعدة: ذكرها الرافعي في الجراح في مسألة المبادرة، وفي باب حد الزنا أيضا: كل جهة صححها بعض العلماء وحكم بحل الوطء بها؛ فالظاهر أنه لا حد على الواطيء بتلك الجهة، وإن كان لا يعتقد الحل. وهذه القاعدة ذكرها الإمام أيضا في النهاية في فصل جمع فيه تفاصيل المذهب في الشبهات المؤثرة في دفع الحدود؛ فقال ما نصه: القاعدة المعتمدة في المذهب أن كل جهة صار إلى تصحيحها والحكم بإفضائها إلى الإباحة صائر من أئمة الشريعة؛ فإذا حصل الوطء بها فالمذهب انتفاء الحد وإن كان المقدم عليها لا يرى استحلال الوطء بتلك الجهة انتهى. وقد أورد الرافعي في باب الزنا أن المذهب وجوب الحد على المرتهن إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن [وقد] 2 يعتقد التحريم والمحكي عن عطاء في هذه الصورة الإباحة. قال الرافعي فقياس هذه القاعدة أن يجعل خلافه شبهة دارئة للحد [وكأنهم يصححوا] 3 النقل عنه، وإن قيل انعقد الإجماع بعده؛ فهذا قد ذكر مثله في نكاح المتعة فيلزم أن يحكم بوجوب الحد انتهى ملخصًا. وقد ذكر ابن الرفعة في الكفاية والشيخ الإمام في باب الرهن من شرح المهذب أن النقل لم يصرح عن عطاء زاد الشيخ الإمام، ولو صح فليس بشبهة لضعفه، قال: والحد لا يدرأ بالمذهب؛ وإنما يدرأ بما يتمسك به أهل المذاهب من الأدلة وليس لعطاء متمسك انتهى. قلت: وهو حق وإن كان ظاهره يخدش في القاعدة؛ إذ يقال ليس كل جهة حللها بعض العلماء بشبهة بل كل جهة كان لمستند القائل بحلها بعض القوة، وهذا هو   1 في "ب" يوجد. 2 في "ب" وهو. 3 في "ب" لم يصححوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الصواب فالمأخذ الضعيف لا يلتفت إليه، وقد سبق الإمام رحمه الله في النهاية الشيخ الإمام إلى هذا؛ فقال بعد أن ذكر ما نقلناه عنه في هذه القاعدة وبعد أن حكى قولًا للشافعي أن الوطء في المتعة ممن لا يستحله يوجب الحد. وقال: إنه قريب من [القديم] 1 في الأملاك المقترنة بالأساليب المحرمة ما نصه والتثريب عندنا أن كل عقد ليس فساده من المظنونات، وإن عزي إلى بعض الأئمة؛ فيجري هذا القول فيه ونكاح المتعة منه؛ فإن الذي استمر عليه مذاهب علماء الأمة أن نكاح المتعة أبيح، ثم نسخ، وقد قيل رجع ابن عباس عما ينسب إليه من إباحته وكل عقد لا يمكن القطع بفساده ويلحق الكلام فيه بالمظنونات؛ فهو شبهة لدرء الحد كمذهب أبي حنيفة في نكاح بلا ولي، ومذهب مالك في انعقاده بغير شهود ولا يجري القول الذي ذكرناه في هذا الصنف انتهى. وحاصله أن المخالف في أمر مظنون يعتبر مخالفته والمخالف في أمر مقطوع أو مقارب للقطع لا يعتبر خلافه، وينبغي أن يكون الضابط ما ينقض فيه قضاء القاضي؛ فكل ما لا ينقض يكون عذرًا، وكل ما ينقض لا يكون عذرًا، وأما قول الرافعي إنه قيل: انعفد الإجماع بعد عطاء؛ فقد قيل مثله في نكاح المتعة بن ابن عباس؛ فأنى يستويان وعطاء لم يثبت النقل عنه وابن عباس ثبت عنه؛ ولكن قيل رجع والأصل عدم رجوعه فاعتبار خلافه مستمر على الأصل. وأما عطاء فالأخذ بقوله أخذ بما لم يثبت، ودل الاتفاق بعده على عدمه فتأمل ذلك، فيه يندفع كلام الرافعي، وأيضًا فمتمسك ابن عباس على الجملة أقوى من متمسك عطاء أو أقل ضعفًا؛ فلا يلزم من عدم اعتبار الأضعف عدم اعتبار الضعيف، وهذا مستمد من قول الشيخ الإمام الحد لا يدرأ بالمذاهب إلى آخره. ومن مسائل القاعدة. إذا نكح مجوسية أو وثنية قال البغوي: وجب الحد، وقال الروياني في جمع الجوامع: [ومودع البدائع] 2 لا حد فإن في نكاحها خلاف. قال الرافعي: وهذا هو القياس إذا تحقق الخلاف قال ابن الرفعة: وكأنه فهم أن ما أشار إليه الروياني من الخلاف بين الأئمة لا بين أصحابنا، وليس الأمر كذلك؛ لأن بعض أصحابنا جوز نكاح المجوسية.   1 في "ب" المنقول القديم. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قلت: ما أدري من أين له أن الرافعي فهم أن الخلاف بين الأئمة [لا بين أصحابنا] 1، وليس في الكلام ما يرشد إليه، وكأن ابن الرفعة استبعد أن يكون الرافعي فهم أن الخلاف بين أصحابنا، ثم يقال معه بوجوب الحد؛ فإن الخلاف المذهبي أقوى من الخلاف غير المذهبي، وهذا غير لازم؛ بل قد يكون خلاف مذهبي في غاية السقوط والأقوال الشاذة، قد تكون في المذهب كما قد تكون خارجة، وممن ذهب إلى أن للحاكم أن يزوج الحرة المجوسية من أصحابنا القدماء الإمام أبو بكر الفارسي صاحب عيون المسائل؛ نقله أو عاصم العبادي في الطبقات. قاعدة: من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عزر، كذا قال صاحب التنبيه وتبعه الرافعي والنووي وغيرهما، ولم يشترط الماوردي والغزالي ابتغاء الكفارة وتبعهما صاحب التعجيز. وقد اشتملت هذه القاعدة على ثلاث دعاوى؛ إحداها تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى من ذلك مسائل: منها: ما لا يفيد فيه إلا الضرب المبرح على ما حكاه الإمام عن المحققين؛ قال: لأن الضرب بالمبرح مهلك فلا سبيل إليه وغيره لا يفيد؛ فلا يفعل وجرى في الروضة على هذا، وحذف بحثا للرافعي صحيحًا أرى أنه عمدة المذهب، وهو أنه يشبه أن يضرب ضربًا غير مبرح إقامة لضرورة الواجب وإن لم يفد. قلت: ويشابه قول المحققين ما نقله الرافعي عن الإمام فيمن قتل نحيفًا بضربات تقتل مثله غالبًا وتيقنًا أو ظنا ظنًا مؤكدًا أن الجاني في جسمه وقوته لا يهلك بتلك الضربات أن الوجه القطع بأنه لا يضرب تلك الضربات؛ لأنها لا تقتله وإنما يراعي المماثلة إذا توقعنا حصول الاقتصاص بذلك الطريق فيعدل إلى السيف هنا ابتداء، وكذلك يشابهه ما قال صاحب التتمة من أن موضع الخلاف في أنا هل ابتداء استعمال خشبة فيمن قتل باللواط فيما إذا كان موته متوقعًا من المقابلة بمثل ما فعل. أما إذا لم نتوقع وكان موت المجني عليه لطفولية ونحوها فلا معنى للمقابلة. ومنها: قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام: إن الأولياء لا يعزرون على الصغائر بل تقال عثراتهم وتستر زلاتهم.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ومنها: وهو يشهد لما قاله ابن عبد السلام ما رأيته في الشامل لابن الصباغ في باب جامع السير فيما إذا كتب بعض المسلمين إلى المشركين بخبر الإمام أن الشافعي رضي الله عنه، قال: إن كان فاعل هذا من ذوي الهيئات عذر ولم يعزر لحديث حاطب بن أبي بلتعة. منها: حكى ابن الرفعة وجهًا أن قاذف ولده لا يعزر. ومنها: من وطئ امرأته في دبرها؛ فإنه لا يعزر في أول مرة؛ فإن عاد عزر نص عليه الشافعي رضي الله عنه وذكره صاحب التهذيب والروياني. ومنها: قال القاضي أبو حامد المروزي فيمن دخل من أهل القوة الحمى الذي حماه الإمام؛ فرعى ما شيته أنه لا يعزر مع كونه عاصيًا. ومنها: على وجه إذا وطئ السيد المكاتبة لا يعزر وإن علم التحريم. ومنها: ما أطلقوا أن الزكاة يجب دفعها إلى الإمام الجائر بعد طلبه بلا خلاف، وإنه إذا غلها من الجائر لم يعزر؛ فيجمع من الإطلاقين أنه يعزر على هذه المعصية؛ لكن الوالد رحمه الله يقول: إن أوجبنا الدفع بعد الطلب فغلها ينبغي أن يعزر. الدعوى الثانية: أن متى كان في المعصية حد أو كفارة ينتفي التعزير، وهذه تستثنى منها مسائل: منها: من أتى بهيمة في رمضان؛ فإنه يجب عليه مع القضاء العقوبة والكفارة؛ ذكره صاحب التهذيب والعقوبة هي التعزير؛ لأن الصحيح أنه لا حد على واطئ البهيمة. ومنها: الجماع في نهار رمضان؛ فإن فيه مع الكفارة التعزير، قال ابن يونس في شرح التعجيز وعبارته يعزر المفطر ولو المفكر. انتهى. وأرى أنه أخذه مما حكيناه عن صاحب التهذيب. ومنها: اليمين الغموس يجب فيها التعزير في الكفارة؛ قاله شيخ الإسلام: عز الدين ابن عبد السلام في القواعد، والشيخ تقي الدين ابن الصلاح في فتاويه، قال ابن عبد السلام: لجرأته على ربه والكفارة لمخالفة موجب اليمين، وإن كان مباحًا أو مندوبًا. قلت: فالاستثناء حاصل بكل حال. منها: قال ابن عبد السلام أيضا من زنا بأمة في جوف الكعبة وهو صائم معتكف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 محرم أثم1، ولزمه العتق والبدنة والحد للزنا والتعزير لقطع الرحم وانتهاك حرمة الكعبة. ومنها: قال ابن الصباغ في أوائل الجراح كل مكان قلنا لا يجب فيه القصاص؛ فإن القائل يعزر ويلزمه البدل والكفارة. ومنها: قال الفوراني بقطع يد السارق ويعزر أيضًا قال مجلي في الذخائر؛ فإن أراد بالتعزير تعليق يده في عنقه فحسن أو غيره فمنفرد به. قلت: وإن أراد تعليق اليد فقد يقال هو تتمة الحد لا تعزير كما هو وجه في حسم اليد المقطوعة بالزيت المغلي. ومنها: قال ابن داود في شرح المختصر إذا قتل الرجل من زنا يأهله في الحالة التي هو فيها زان لم يعزر، وإن اقتات على الإمام بل يعزر لأن الغيظ والحمية حمله عليه. قلت: ونقل الخطابي في معالم السنن أن الشافعي رضي الله عنه نص على أنه يحل له قتله والحالة هذه فيما بينه وبين الله تعالى، وإن كان يقاد به في الحكم؛ فعلى هذا استثناء [غير الأول] 2. ومنها: [غير ما تقدم] 3 والكلام فيه كالكلام في هذه الصورة إذا استوفى ولي الدم القصاص بغير إذن الإمام لم يعزر على وجه قال ابن الرفعة لعل مأخذه تجويز الاستبداد. قلت: وقد ثبت في التوشيح أن الأمر كذلك فلا استثناء. ومنها: الزيادة على أربعن في الخمر إلى ثمانين تعزير على الصحيح والأربعون حد فاجتمعا. ومنها: نص الشافعي رضي الله عنه كما حكاه ابن الرفعة في حواشي الكفاية أن الأب يجب عليه بقتل ابنه الدية والكفارة والعقوبة. قلت: وإليه أشار ابن الصباغ بقوله الذي حكيناه عنه إن كل مكان لا يجب فيه القصاص يعزر القاتل ويلزمه البدل والكفارة. تنبيه: عرفناك أن الماوردي والغزالي لم يذكرا الكفارة وعبارة المارودي التعزير تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود وقريب منها عبارة الغزالي في البسيط فلا يرد   1 في "أ" "ب" أثم سنة وستة أيام. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 عليهما ما أوردناه على غيرهما من الصور التي اجتمع فيها التعزير والكفارة ثم من ذكر الكفارة لا أدري هل يقتصر القول عليها أو يعمم كل غرم؛ فيقول لا تعزير مع الغرم كفارة كان أو غيرها. هذا هو الأظهر فيما أفهمه ويرد حينئذ أيضًا مع ما قدمناه من أفطر عاصيًا في رمضان بغير الجماع؛ فإن عليه مع القضاء والتعزير الفدية على أصح الوجهين؛ كذا قال البغوي في التهذيب قال: لأنها لما وجبت على المرضعة مع كونها معذورة فإنه يجب على غير المعذور أولى انتهى. والصحيح عند الرافعي والنووي والوالد رحمهم الله أن الفدية لا تجب؛ فلا إيراد إلا على ما صحيح البغوي؛ فإنه جمع بين الفدية والتعزير ولكن الفدية غير الكفارة. قاعدة: قال بعض أصحابنا من يحد [بقذف] 1 الغير يقتل بقتله ومن لا فلا. قاعدة: فيما جمع من فتاوى القفال وغيره أن سقوط حد القذف عن القاذف وعدم حد الزنا على المقذوف لا يجتمعان إلا في مسألتين. إحداهما: إذا أقام القاذف بينة على زنا المقذوفة وأقامت هي بينة أنها عذراء. والثانية إذا أقام شاهدين على إقرار المقذوف بالزنا، وقلنا الإقرار بالزنا لا يثبت بشاهدين؛ ففي سقوط الحد عن القاذف [وجهين] 2 والظاهر سقوطه قال الرافعي: وكان المراد ما سوى صورة التلا عن؛ فإن الزوجين إذا تلاعنا اندفع الحدان. ولو أقام البينة على إقرار المقذوف بالزنا سقط عنه الحد؛ فلو رجع المقذوف عن الإقرار سقط عنه حد الزنا ولا يقبل رجوعه في حق القاذف، ولا يلزم وهذه مسألة أخرى اجتمع فيها سقوط حد القذف عن القاذف وعدم الحد على المقذوف. قال النووي مراد القفال لا يسقط حد القذف. [عن القاذف وعدم الحد على المقذوف] 3 مع أنه لا يحكم بوجوب حد الزنا إلا في المسألتين؛ فلا يراد عليه الأخيرتان؛ لأنه وجب فيهما حد الزنا ثم سقط بلعانهما أو بالرجوع، ولهذا قال وعدم حد الزنا على المقذوف ولم يقل وسقوط حد الزنا، كما قال وسقوط حد القذف؛ فالحاصل أنه لا يسقط حد القذف ويمتنع حد الزنا إلا في مسألتين ولا يسقط حد القذف وحد الزنا إلا في أربع.   1 في "ب" تقتل. 2 في "ب" وجهان. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 والمراد السقوط يحكم الشرع لا بعفوه ونحوه قلت: وقد دقق النووي في جوابه إلا أن لمعترض أن يقول الصورة الأولى من صورتي القفال وجب فيها حد الزنا ثم سقط؛ فهي وزان صورتي الرافعي ثم بتقدير أن مراده ما ذكره النووي؛ فرد ما إذا قذفه وطالبه المقذوف بالحد فادعى أن المقذوف زنا وطلب يمينه، وقلنا بالصحيح أن يحلف فنكل فحلف القاذف؛ فإنه يسقط حد القذف ولا يجب حد الزنا على المقذوف، ولذا لو قذف من لا وارث له على قول. ولك أن تقول للرافعي لم اقتصرت على ما ذكرت من الصورتين مع وجدان ما ذكر فيما إذا شهد عليه أربعة بالزنا؛ ولكنهم فسقه بفسق مجتهد فيه وكذا المقطوع به على الأصح عند صاحب العدة، وكذا لو ارتد المقذوف أو سرق بعد القذف على خلاف فيهما وغير ذلك. قاعدة: قال بعض أصحابنا كل وطء يعصي الله تعالى به يبطل الحصانة وما لا فلا وحكاه القاضي الحسين طريقة في المذهب؛ ولكنه منقوض بصور. منها: لو كان المقذوف مفعولًا به في دبره لم تبطل حصانته على ما حكاه الرافعي عن التهذيب؛ ولكن ذكر أنه أعني صاحب التهذيب رأى أنه يبطل به لوجوب الحد عليه. قلت: وقد حكى القاضي الحسين في باب الشهادة على الحدود وجهين في ذلك. قاعدة: من وجب عليه القصاص في النفس إذا فات لموت وله تركة انتقل جميع الدية إلى تركته. قال الجرجاني: إلا في مسألتين. لا يجب في إحداهما شيء، ويجب في الأخرى نصف الدية؛ فأما الأولى فهي إذا قطع يدي رجل فسرى إلى النفس فقطعه [ولي المقتول ولم يمت فإن] 1 له قتله، وإن مات فلا شيء في تركته؛ لأنه لما مات فإن المحل ثبت له دية واحدة، وقد أخذ يدين بقيمتهما. والثانية إذا قطع يد رجل؛ فاقتص منه فسرى القطع إلى نفس المقطوع أولًا، ثم سرى إلى نفس الجاني؛ فإنه لو كان باقيًا لكان يقتص منه وقد ثبت في [تركته] 2 نصف الدية؛ لأنه قد استوفى منه يدا بقيمة نصف الدية. فائدة: كل ولي القصاص إذا عفا وثبت له المال كان المال له دون غيره.   1 سقط في "ب". 2 في "أ" يده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 قال الجرجاني إلا في مسألة واحدة. وهي أن يجني رجل على عبد ويعتق العبد بعد الجناية، ثم تسري إلى نفسه وأرش الجناية مثل دية حر أو أكثر؛ فإن ولي العبد بالخيار بين أن يقتص أو يعفو وإذا اختار المال كان لسيده دونه؛ لأن الجناية وجدت في ملكه ووجب الأرش حال الجناية، ثم لما سرت إلى النفس، وكان له من الأرش مثل دية النفس لم يجب على القاتل أكثر من دية واحدة؛ فكان ذلك للسيد. فائدة: كسر العظم موجب الحكومة قال الجرجاني في المعاياة والروياني في الفروق إلا في ثلاث مسائل؛ فإنه يجب فيها أرش [مقدار] 1 مقدر. أحدها: كسر الترقوة أو الضلع؛ فإنه يجب فيه جمل على قول. والثانية كسر ظاهر السن دون سنخة ففيه خمس من الإبل والثالثة من هشم ولم يوضح؛ فعليه عشر من الإبل على أحد الوجهين؛ لأن دية الهاشمة إنما زيدت على دية الموضحة للهشم، وقد وجد فيه مثل هذين الوجهين والذي أعتقد أن لفظ عشر من الإبل وفي الوجه الثاني تجب الحكومة. قلت: وجه الحكومة معروف ووجه عشر من الإبل. [لا أعرفه والصحيح المنصوص أن في الهاشمة بلا إيضاح خمسا من الإبل] 2؛ وإنما القول فيما3 إذا نقل العظم من غير إيضاح؛ فالواجب الحكومة أو عشر من الإبل في كتاب المعاياة والفروق غلط من الناسخ صوابه خمس والكلام يستقيم معه. فائدة: لا يجب قذف الزوجة إلا في مسألة واحدة إذا ولدت ولدا اعتقده من الزنا. قاعدة: فيما ينقض فيه قضاء القاضي وما لا ينقض، وقد تكلم فيها الأصوليون والفقهاء بما لا نطيل شرحه وحلول الإمام في النهاية ضبطه بضابط غير معروف تفاصيله في غاية العسر؛ فقال: كل مسألة يتعلق القول فيها بالقطع؛ فمن حاد عن مدرك الصواب نقض عليه حكمه، وكل مسألة لا مستند لها من قاطع؛ فإذا جرى حكم الحاكم فيها بمذهب وهو في محل التحري ومساق الظن؛ فلا نقض قال: ثم حقيقة القول في هذا يستدعي الإحاطة بمدارك القطع ولا مطمع في الخوض فيها إلا على قدر الحاجة. وذكر ما لا   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" وإنما القول بالعشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 تطيل به ونقتصر على كلام نفيس تلقفناه من أنفاس ذلك الحبر العالم الشيخ الإمام رضي الله عن وأرضاه، وجمعنا في الجنة وإياه على موائد فضله بمحضر من نبيه صلى الله عليه وسلم ومرأى ومسمع، وقد ذكرناه1 في شرح المنهاج البيضاوي؛ وحاصله أن العلم بعد الحكم بمقارنة ما يقطع بتقديمه على مستند الحكم موجب لنقضه والعلم بمقارنة ما يظن تقديمه فيه وجهان: ومقارنة ما يمنع الحكم بالشيء ومقابلة يوجب التوقف فيه للشيخ الإمام رحمه الله فيه احتمالان، وبيان هذا القول أن الحاكم إذا حكم، ثم انقدح له ما لو كان مقارنا لمنع الحكم؛ فهو على أقسام أحدها أن يكون أمرًا متجددًا لم يكن حالة الحكم مثاله أن يباع مال يتيم بقيمته لحاجة ويحكم بصحة البيع، ثم تغلوا فترتفع قيمته فلا اعتبار لهذا؛ لأن الشرط البيع بالقيمة ذلك الوقت لا بعده. قلت: فما قولكم فيمن أجر على يتيم أو آخر وقفًا بمقتضى قيمته في الحالة الراهنة وحكم بها الحاكم، ثم ارتفعت في أثناء المدة هل ينقض وينفسخ، وإن قلتم بذلك فقد نقضتم بأمر متجدد؛ وذلك هو مقتضى فتيا ابن الصلاح فيمن استأجر شابًا بأجره مثله، ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل أنه يتبين بطلان العقد. قلت: الصواب أنه لا ينقض، وقد أفتى النووي بخلاف ما أفتى به ابن الصلاح وكلامه في المنهاج صريح في ذلك؛ حيث قال: وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة وأظهر طالب الزيادة لم يفسخ العقد في الأصح. فإن قلت: قد استدل ابن الصلاح بأن الشاهد لم يصب في شهادته؛ لأن تقويم المنافع في مدة ممتدة إنما يصح إذا استمرت الحال الموجودة حالة التقويم. أما إذا لم يستمر فيتبين أن المقوم لها لم يطابق تقويمه المقوم قال وليس هذا التقويم السلع الحاضرة. قلت التحقيق أن القيمة إن لم تتغير ولكن ظهر طالب بالزيادة؛ فلم يتبين بطلان شهادة الشاهد والقول بانفساخ العقد ضعيف لا وجه له إلا قول من يقول: إن القيمة ما تنتهي إليه الرغبات وهو شيء حكاه ابن أبي الدم وجهًا ليس في كلام ابن الصلاح في هذه الحالة وإن تغيرت، وفيها تكلم ابن الصلاح فالإجارة صحيحة إلى وقت التغير، وكذا بعد التغير فيما أعتقده، ويحتمل على بعد أن يقال طرآن الارتفاع كأمر حادث في العين   1 في "ب" ذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 المستأجرة؛ فوجب الفسخ أو الانفساخ، ثم في انعطافه على ما مضى ما في الفسخ بعروض خلل في المعقود عليه، وبتقدير أن يعتقد ما قاله ابن الصلاح؛ فليس هذا أمرًا متجددًا؛ بل عنده أنه يتبين خطأ الشهود. الثاني أن يحكم باجتهاده لدليل أو أمارة ثم يظهر له دليل وأمارة أرجح من الأول، ولا ينتهي ظهوره إلى ظهور النص فلا اعتبار به أيضًا وإن كان لو قارن لوجب الحكم به لأن الحكم بالراجح وإن كان واجبًا لكن الرجحان حاصل الآن، ولا ندري لو حصل ذلك الاحتمال عنده حالة الحكم هل كان يكون عنده راجحًا أو مرجوحًا، والاعتبار إنما هو بالرجحان حال الحكم ولا يلزم من الرجحان في وقت الرجحان في غيره لتفاوت الظنون بحسب الأوقات وأما اعتقاد الرجحان؛ فقد يكون في وقت قطعا رجحان أمر عنده في الماضي وهو من الأمور الوجدانية ليس مما نحن فيه نعم سيأتي قسم منه. الثالث أن يظهر دليل أو أمارة تساوي الأول فبطريق [الأولى] 1 لا اعتبار به، وإن كان لو قارن لمنع الحكم. الرابع أن يظهر أمر لو قارن لمنع ظنًا لا قطعًا كبينة الداخل؛ فإن في تقديمها على بينة الخارج خلافًا؛ فهو أمر مظنون مجتهد فيه ولكن الحاكم الذي يراه اجتهادًا أو تقليدًا قاطع بظنه ووجوب العمل به؛ فلو قارن لوجب الحكم به وهو يعلم من نفسه أنه؛ إنما يحكم به فإذا حكم للخارج معتقدا أنه لا بينة للداخل، ثم حلت البينة؛ فقد ظهر أمر لو قارن لمنع ظنا والظن السابق معلوم الآن، وهذا هو اعتقاد الصواب الذي أشرنا إليه من من قبل، وقد اختلف أصحابنا ها هنا في النقض على أوجه أصحها عند الرافعي والنووي والوالد رحمهم الله النقض؛ لأن هذا الحاكم الذي عنده أن بينة الداخل مقدمة لما حكم للخارج لعدم علمه ببينة الداخل كان كالحاكم بالاجتهاد مع وجود النص فكما ينقض بظهور النص ينقض بذلك؛ لأنه عالم بظنه وبأنه إنما حكم معتقدا عدم بينة الخارج؛ فهو قاطع بما كان يمنعه من الحكم لو قارن ووجه عدم النقض أن تقديم بينة ذي اليد ليس مقطوعا به كالنص؛ وإنما هو أمر اجتهادي فالنقض به كنقض الاجتهاد بالاجتهاد وهذا هو الذي قال القاضي الحسين إنه الذي استقر عليه رأيه بعدما أشكلت عليه المسألة وتردد فيها نيفًا وعشرين سنة. والوجه الثالث في المسألة التفصيل بين ما قبل التسليم وبعده لتأكد الحكم   1 في "ب" الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 بالتسليم وصورة المسألة كما بيناه إذا علم أنه إنما حكم للخارج بناء على عدم بينة الداخل؛ فإن احتمل أنه حكم بها بناء على تقديم بينة الخارج، وكان من أهل الترجيح، أو أشكل الحال فالأصح لا ينقض. الخامس أن يظهر معارض محض من غير مرجح كما إذا حكم للخارج ببينة، ثم جاءت بينة لخارج آخر فهذه البينة لو قارنت لمنعت الحكم للتعارض؛ فإذا ظهرت بعد الحكم فلوالدي رحمه الله احتمالان: أحدهما: أن يقال إنه لظهور الأمارة المساوية فلا ينقض به قطعًا ومال إلى ترجيحه قال كما لا يحكم إلا بمستند؛ [فلا] 1 ينقض إلا بمستند. والثاني: وذكرت في شرح المنهاج أنه الأرجح عندي أنها ليست كالأمارة المساوية لأن مساواة تلك مظنونة، ويجوز أن تضعف في وقت آخر ويستمر رجحان الأمارة المحكوم بها لعدم الوثوق بالظن، ويجوز أنها لو ظهرت له وقت الحكم لكانت مرجوحة غير مساوية. وأما البينة إذا عارضت أخرى بمساواتها معلومة مأنوس منها من الترجيح؛ فلا يبقى لاحتمال استمرار ذلك الحكم أو غيره فيرد الأمر إلى ما كان عليه قبل ظهور الحكم، ونقف لقطعنا [باستواء] الجانبين بخلاف الأمارات التي لا يوثق بحال الظنون فيها فإنه لو لم يمض الحكم فيها [أدى] 3 إلى عدم استمرار الأحكام وأن لا يحكم بشيء قلت: وقد وجدت هذين الاحتمالين قولين من مخرجات ابن سريج؛ إذ نقل الرافعي في أواخر باب الدعاوى والبينات فيما إذا قال السيد لعبده إن قتلت فأنت حر وتنازع [بعده] 4 العبد والوارث هل مات مقتولا أو حتف أنفه وأقام العبد بينة أنه قتل في رمضان فحكم القاضي بها، ثم شهد شهود أنه مات في شوال عن ابن سريج تخريج قولين في نقض الحكم وتنزيله منزلة ما لو شهدت البينات معًا، وشبه ذلك ما إذا بان فسق الشهود وقد يرى هذا التشبيه إلى ترجيح النقض ويصير الأمر على ما كان عليه قبل الحكم واقتضى ظاهر كلامه أن المسألة فيها نزاع بين ابن الصلاح والوالد رحمهما الله وهي ملك، واحتيج إلى بيعه على يتيم فقامت بينة بأن قيمته مائة وخمسون فبيع بها وحكم بصحة البيع ثم قامت بينة أخرى أن قيمته حينئذ مائتان [فقال] 5 ابن الصلاح بعد التمهل أياما إنه ينقض   1 في "ب" لا. 2 في "ب" غير واضحة. 3 في "ب" وأتى. 4 سقط في "ب". 5 في "ب" قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الحكم ويشبهه بما قطع به صاحب المهذب من أنه لو حكم للخارج على صاحب اليد ببينة. فإن الحكم ينقض، وقال الوالد رحمه الله لا ينقض وصنف في المسألة كتابًا سماه المعارضة في البينة المتعارضة، وذكر أن هذا ليس كمسألة صاحب المهذب؛ فإن النقض هناك لمعارضة بينة راجحة ولا يلزم من النقض بالأرجح النقض بالمثل وبينة ذي اليد فيها احتمال أن يكون النقض بها لترجحها باليد أو باليد لترجحها بها أو بمجموعها، وعلى كل من التقادير الثلاثة لا تكون العلة موجودة في المسألة التي قاسها ابن الصلاح فقياسها عليها غير صحيح لعدم الاشتراك في العلة على هذه التقدير الثلاثة وهذا فرق صحيح، وقد قدمنا في ومسألة صاحب المهذب ثلاثة أوجه: ولا شك فيما ذكره الشيخ الإمام؛ غير أني أعجب من عدم إلمامه بهذين القولين اللذين خرجهما ابن سريج وهما عين مسألته، ومسألة ابن الصلاح وأعجب من ابن الصلاح أيضًا في ذلك وهما نص مسألته؛ فليعجب من حبرين كبيرين بين وفاتهما فوق المائة سنة ترددت بينهما مسألة وأداراها في دوريتهما وتمهلا فيها أيامًا وهي مسطورة في الرافعي لم يقنع فيها بوجهين؛ بل بقولين خرجهما شيخ المذهب فلهما دائران في الوجود بقريب من خمسمائة سنة الأمر السادس أن يظهر نص أو إجماع أو قياس بخلافه فينقض الحكم؛ لأن ذلك مقطوع به فلم ينقضه بظن؛ وإنما نقضه بالدليل القاطع على تقديم النص والإجماع والقياس الجلي على الاجتهاد؛ فهو أمر لو قارن العلم به لوجب تقديمه قطعًا فلذلك نقض به وما ذكرناه من النقض عند مخالفة القياس الجلي ذكره الفقهاء وعزاه الغزالي في المستصفى إليهم، ثم قال: فإن أرادوا به ما هو في معنى الأصل مما يقطع به؛ فهو صحيح وإن أرادوا به قياسًا مظنونًا مع كونه جليًا فلا وجه له؛ إذ لا فرق بين ظن وظن وهذا في تبين خطأ سنذكرها. قلت: وجزم الشيخ الإمام في مخالف ليس على الإطلاق بل لا بد أن يكون الظن المستند إليه ظنا محكمًا كذا صرح به الرافعي، ولعله أشار بالظن المحكم إلى ما قاله الإمام في النهاية أنه إذا خالف خبرًا صحيحًا نقله الآحاد أو قياسًا جليًا؛ فقد يفضي الأمر إلى النقض وذكر ما حاصله فيما فهمته عنه أن خبر الواحد إن لم يقبل التأويل أو كان تأويله في مقام التأويلات البعيدة التي لا مبالاة بها؛ فالحاكم بخلافه ينقض حكمه ومثل لذلك مخالف حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه وخيار المجلس والمصراة والعرايا. قلت: والذي أقوله أن مخالف خبر الواحد إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 كان ممن يرى تقديمه على القياس فالنقض عليه ظاهر؛ وإلا فينبغي أن ينظر في القياس الذي حكم به فإن كان بحيث لا يقدم هو عليه خبر الواحد فلا وجه للنقض، وقد يجمع هذا كله قول الشيخ الإمام النص، ويقال: لا نص إلا فيما لا يقبل التأويل ولا يعارضه قياس يكون مقدمًا عليه عند من حكم به، وأما مخالف القياس الجلي؛ فإن كان ممن يعتقده حجة، وكان الظن المستتار منه أقوى مما حكم به؛ فلا شك في النقض ولعل هذه الصورة هي مراد من ينقض في القياس الجلي، ولذلك شرط الرافعي أن يكون الظن المستتار منه محكمًا، وإن كان ممن ينكر القياس رأسًا فأتكلم عليه في فصل يخصه. فائدة: كان الشيخ الإمام رحمه الله يقول وذكره في كتاب المعارضة إنما ينقض لتبين خطأ به والحاكم منصوب؛ لأن يحكم بحكم الشرع وأحكام الشرع منوطة بأسباب تتعلق بوجودها ووجودها يثبت عند الحاكم بطريق شرعي والخطأ لا يعدو هذه المواطن الثلاثة: أحدها: أن يكون في الحكم الشرعي بأن يكون حكم بخلاف النص أو الإجماع أو القياس الجلي فينقض لتحقق الخلل في الحكم، وليس معنى النقض الحل بعد العقد بل الحكم ببطلان الحكم المتقدم وبيان أنه لم يقع صحيحًا؛ لأنه ليس بحكم الشرع والحاكم ثابت الشرع؛ فلا يصح منه الحكم بغير حكمه ولفظة نقض الحكم هنا متمكنة؛ لأن المقصود إبطال ذات الحكم الذي وقع. الثاني: أن يحصل الحكم على سبب غير موجود، ويظن القاضي وجوده بينة زور ونحوها؛ فإذا انكشف ذلك ينقض في بعض المواضع بالإجماع وفي بعضها وفي بعضها بخلاف فيه والخطأ هنا في السبب ووضع الحكم في غير متمكنة؛ فإنا لم ننقض الحكم في ذاته لخطأ به؛ وإنما نقضناه عن ذلك المحل وأخرجنا المحل عنه فالخطأ في السبب لا في الحكم والمخطئ هنا هو الشاهد لا الحاكم، وللحاكم نوع من الخطأ وهو ظنه وجود السبب الحاصل بالبينة. الثالث: أن يكون الخلل في الطريق كما إذا حكم بشهادة كافرين؛ فإذا تبين ذلك ينقض سواء كان المشهود به صحيحا أم لا؛ لأن المعتبر من الحكم ما كان بطريقه الشرعي؛ فإذا كان بغير طريقه فقد حصل الخطأ في الطريق فينقضه والخطأ هنا من القاضي في اعتقاد عدالة الشهود، وقد يكون ذلك مرتبًا على بينة التزكية، وقد يكون على ظنه إذا عدلهم بعلمه ولفظة النقض هنا [كهي] 1 قبله وإن كان الفقهاء أطلقوا النقض على الجميع وهو الصحيح ولو حكم   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 بشهادة فاسقين اعتقد عدالتهما نقض على الصحيح كالكافرين، وقيل: لأنه إنما يتبين بطريق ظني فيصير كنقض الاجتهاد بالاجتهاد وقريب منه ما ذكرناه في النقض ببينة الداخل، ولو بان دليل ظني معارض لدليل حكمه؛ فلا التفات إليه قطعًا؛ لأنه اجتهاد غير مستقر بل يجوز أن يصير الراجح مرجوحًا والمرجوح راجحًا، ولو بان تعارض بينتين من غير ترجيح فيحتمل أن يقال هو معارض الدليلين، ويحتمل أن يقال تعارضهما مستقر عند من لا يرى الترجيح في البينات وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه فيقطع بالاستواء المانع من ابتداء الحكم، وقد تلخص أنه متى بان الخطأ قطعا نقض قطعًا أو ظنا؛ ففي بينة الداخل مع الخارج ينقض في الأصح وفي الدليلين لا ينقض والفرق أن الظن في اليد مقطوع به فهو اعتقاد رجحان، وفي الدليلين رجحان اعتقاد وليس مقطوعًا به ولو لم يتبين الخطأ؛ بل التعارض المجرد عن القطع والظن كقيام بينة بعد الحكم بخلاف البينة التي ترتب عليها الحكم؛ فقد تقدم أن الراجح عند الشيخ الإمام من احتمالين وجدناهما قولين عدم النقض لعدم تبين الخطأ قال: وكيف ينقض حكم محتمل الصواب وحين صدر كان عن مستند. تنبيه: كل هذا إذا قضى بمستند ثم ظهر له الخلل إما في المستند أو في المقضي به أو الطريق أما إذا قضى على جهل؛ فالخلل هنا في الحاكم لا في الحكم. قال الشيخ الإمام رضي الله عنه: فمن حكم بغير علم نقض حكمه وإن صادف الحق وهو أحد القاضيين اللذين في النار بشهادة الحديث؛ كذا ذكره في شرح المنهاج قبيل باب ما يحرم من النكاح عند الكلام فيما إذا أعتق أمته في مرض موته ثم تزوجها واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ورجل حكم للناس على جهل، وذكره أيضًا في كتاب المعارضة، وقال لفظة النقض هنا متمكنة أيضًا كما هي فيما إذا ظهر الخلل في نفس الحكم؛ لأن المقصود إبطال فعل الحاكم وتبقية الأمر في الحكم على ما كان عليه حتى يصدر ذلك الحكم من أهله كما يبطل تصرف من ليس بوكيل. قلت: بل أبلغ فإن تصرف من ليس بوكيل ربما جاء فيه قولي الفضولي؛ [فهذا] 1 لا يطرقه خلاف الفضولي؛ فإنه إنما حكم على أنه ثابت الشرع ولسانه لسان الشرع فإذا لم يكن كذلك لم يكن من الشرع في شيء فلا نفاذ له، وقد قال في التنبيه وإن كان القاضي قبله لا يصلح للقضاء تنقض أحكامه كلها أصاب فيها أو أخطأ. فإن قلت فقد اختلف الأصحاب فيمن اشتبه عليه ماء طاهر بنجس فتوضأ   1 في "ب" وهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 بأحدهما من غير اجتهاد، ثم بان أن ما توضأ به هو الطاهر فاختيار الشيخ أبي إسحاق وجماعة منهم النووي أنه لا يصح وضوءه لتلاعبه، وهذا يوافق ما ذكرتم من النقض وإن صادف الحق لكن اختيار ابن الصباغ والغزالي أنه يصح، كما لو أدى دينه بما يشك فيه ثم تبين أنه ملكه وهذا يخدش في النقض. قلت: كلا فإن حكم الحاكم لا يناسب تصرف الإنسان في نفسه؛ لأن ذلك يسنده إلى الشرع وهذا كاذب مخطئ حيث أقدم على جهل فما كل من حكم بحق محقا؛ بل إنما يكون محقا إذا كان قد حكم عن علم كما شهد به الحديث، ومن ثم ينقض قضاء من لا يصلح، وإن صادف الحق والصور ثلاث تصرف الشخص على غيره، وينبغي أن يكون عن علم وأحق الناس بذلك الحكام، ثم الأولياء على درجاتهم وسيأتي من كلام الغزالي فيمن زوج بناء؛ على أنه حاكم فبان أنه أب أنه لا يصح والصورة الثانية تصرفه على نفسه في مكان يضر فيه الشك وهو الأول ومن ثم أنه على هذين الوجهين اللذين حكينا فيهما خلاف الشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ لو صلى قبل البيان، ثم تبين بعد الصلاة لم تصح الصلاة للشك. والثالثة تصرفه على نفسه لا في مكان يضر فيه الشك كمن باع مال أبيه على ظن أنه حي؛ فإذا هو ميت فلا يضر ومن الخلل في الحاكم أيضًا ما لو وليت القضاء امرأة ففي قضائها وجهان حكاهما الروياني في البحر عن حكاية جده، وأن الإصطخري ذهب إلى النقض. فائدة: كل ما ذكرناه فيما إذا بان له بعد الحكم ما لو كان مقارنًا لمنع وأوقف عن الحكم بما حكم أو أوجب1 الحكم بضد ما حكم؛ فإن بان له دليل آخر موافق للدليل الأول [لفقدانه النص ثم وجد النص كما حكم به، وإما أن لا يكون كذلك كما إذا بان له بعد الحكم بقياس صحيح؛ بحيث لو كان موجودًا عنده عن الحكم بالأول لاستند إليه لا إلى ذلك الدليل، وهذا كما إذا حكم بقياس صحيح] 2؛ فينبغي أن يقال إنه لم يظهر معه خطأ الأول؛ فإما أنه يكون الثاني قياس آخر فإن كان الأول فهي المسألة التي وقعت بمدينة أصبهان في حدود السبعين وأربعمائة حكم حاكم في حادثة باجتهاده ولم يعلم بالنص فيها، ثم ألقاه كما حكم به فاستفتى شيخ الشافعية بأصبهان في ذلك الزمان وهو أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي فأفتى بأن الحكم نافذ واستفتى أبا نصر بن الصباغ فأفتى بأنه ينفذ من حين وجود النص كذا نقل ولد أخيه أبو منصور في الفتاوي التي جمعها من كلام عمه المعروفة بفتاوي صاحب الشامل ابن الصباغ وهي مسألة غريبة لم أجدها في   1 في "ب" إذا وجب. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 غير هذه الفتاوي والذي يترجح عندي ما قاله الخجندي؛ فإنه لما أعياه النص جاز له العمل باجتهاده؛ فإذا صادف الصواب كان نافذا وكان وجود النص سعادة وتوفيقا، ويحتمل أن يقال لا ينفذ أصلًا [لأنه يتبين] 1 أن القياس فاسد الاعتبار؛ إذ لا قياس مع النص لكن هذا ضعيف؛ فإن فساد اعتبار القياس إنما يكون لو كان على خلاف النص، أما إذا كان على وفاته، وكان ارتكابه لفقدان النص وقت الاحتياج إليه فلا محذور فيه ولا يظهر في هذه المسألة غير هذين الاحتمالين قول الخجندي وهو الأرجح وهذا الاحتمال، وأما قول ابن الصباغ ينفذ من حين وجود النص؛ فإن أراد أن الحاكم إذا وجد النص جدد الحكم بمقتضاه ليكون مستندا إليه؛ فهو قريب وإن أراد أنه ينفذ من غير حكم متجدد ويكون قبله فاسدا فلا وجه له، والذي أراه في مثل هذا ما قاله الخجندي، وأن الحاكم يجدد حكما بمثل الحكم الأول ولا ينقض الأول وسيأتي من كلام الوالد رحمه الله ما يؤيد هذا، وإن كان الثاني؛ فهذا لا ضرر فيه وسواء كان القياس الذي ظهر له ثانيًا أجلى وأوضح من الأول أم لم يكن؛ فإنه لا يزيد الحال إلا تأكيدًا والفرق بين هذا وما قبله أن هناك ظهر ما لو علمه وقت الحكم لما استند إليه، وأما هنا وإن كان أجلى فليس بلازم أن يكون استناده إليه ولا هو بمتيقن أنه يكون أجلى وقت الحكم؛ لأن الجلاء قد يختلف باختلاف الأوقات هذا كله إذا لم يظهر خطأ الأول وإن ظهر أن الأول خطأ فهذه الحادثة وقعت في زمان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله، وسأذكر كلامه فيها بعد ما أقول قد يقال إن هذا لم يقض على جهل؛ لأنه إنما قضى حين قضى به بما ظنه مستندًا، ولم يقض بباطل لأن هذا الذي ظهر له نفي عنده اعتقاد أن الحق كما قضى به وإن لم يكن بالدليل الذي قضى به ورأيت لابن الرفعة ترددًا في ذلك قال لأنه ليس من باب العقود التي يعتمد الظنون وإن بان الأمر بخلافه قال وهذا بخلاف ما إذا أذنت لحاكم في تزويجها بناء على أنه لا ولي لها إلا الحاكم فبان أنها ابنته لصلبه؛ فإنه يصح لوجوده من أهله من ظن الصحة هذا كلام ابن الرفعة وأقول الأرجح النقض؛ لأن هذا المستند إذا لم يكن عند الحكم حاضرا وقد بان بطلان ذلك المستند فما كان أقدم إلا بغير مستند وكأنه أقدم على جهل أو بغير علم وبهذا صرح الشيخ الإمام رحمه الله في كتاب النكاح من شرح المنهاج عند الكلام على مسألة ابن الحداد في الأمة المعتقة في المرض هل لوليها تزويجها بعد تردد كان منه في ذلك ذكره في المسألة المعروفة بوقف الطيفاء وهي حادثة من حوادث باب الوقف استفتى فيها قديما وأطال   1 في "ب" لأتبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 عليها الكلام وكان فيها حاكم حنبلي حكم مستندا إلى ما ظنه مستندا في مذهبه فبين الشيخ الإمام أنه أخطأ على مذهبه، وأنه لا مستند فيما ذكره ثم تبين له مستندًا غير ما ذكره يصح التمسك به قال بعد فراغ التقرير منه ما نصه بقي نظر آخر وهو أن الحاكم الحنبلي إذا لم يستند إلى ذلك؛ ولكن استند إلى ما ذكره أصحابه وقد ذكرنا أنه لا دليل فيه هل يكون موافقة حكمه لما ذكرناه من الدليل مانعًا من نقضه أو لا هذا محتمل والأقرب أنه لا يصلح أن يكون مانعا؛ فإن من شرط صحة الحكم الاستناد إلى دليل صحيح فإن وجدنا اسجال الحاكم مطلقا غير مستند إلى سبب ووجدنا دليلًا صحيحًا لم يكن لنا نقضه ويحسن الظن به، ونعتقد أنه استند إلى ما ظهر لنا من الدليل أو إلى دليل مثله وإن بين المستند ورأيناه غير صالح ولا تشهد [قواعد] 1 الشريعة [بصحته] 2؛ فينبغي أن ينقض ويحكم حكما مستندا إلى دليل صحيح لكن أرى من باب المصلحة أن لا ينقض، وينفذ لئلا يجسر الناس على نقض أحكام الحكام ويجعل التنفيذ كأنه حكم منشئ مستقل ولو حكم الحاكم المنفذ بحكم مبتدأ موافق لحكم الأول وبقي الأول على حاله كان أولى وأجمع للمصالح والله أعلم. انتهى. نقلته من خطه. وأما من ظهر ابنه الحاكم؛ فقد قال الغزالي في الفتاوى الأظهر فيها البطلان؛ لأن الرضا معتبر في هذه التصرفات والألفاظ تراد للدلالة على الرضا ولا يدل اللفظ على الرضا في هذه الصورة. انتهى. ولك أن تمنع كون اللفظ يدل على الرضا في هذه الصورة؛ فإن الجهل بها لا ينافي الرضا بمطلق النكاح من هذا الزوج بهذا العاقد وما ذكره شبيه بقوله فيما إذا قال الغاصب لمالك العبد المغصوب اعتقه؛ فاعتقه جاهلًا وما ذكره فيما إذا قال لامرأته أنت طالق وهو يجهل أنها امرأته؛ فإن له بحثًا في أن الطلاق لا يقع بنزع إلى هذا المأخذ والأصح فيهما النفوذ ويقرب من المسائل ما لو خطب زيد إلى قوم وعمرو إلى آخرين، ثم جاء زيد إلى الآخرين وعمرو إلى الأولين وزوج كل فريق من جاءه، وقد قال ابن القطان فيما نقله الرافعي: أن المسألة وقعت في أيام ابن الشايب ببغداد فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين؛ فإن قلت: فليكن الأرجح في [مسألة] 3 الغزالي صحة النكاح لما ذكرتم من المسائل. قلت: قد خطر لي هذا ثم توقفت لأن العاقد في مسألة الغزالي القاضي وهو مطلوب بالاحتياط فوق ما يطلب في سائر الأولياء. [مأمور أن لا يقدم على   1 سقط في "ب". 2 في "ب" لصحته. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 عقد إلا عن بصيرة بينة، وكذلك لا يعقد بمستورين بخلاف سائر الأولياء] 1 على كلام في ذلك؛ فيقول ينبغي البطلان فيه، كما قاله الغزالي؛ لأن لسانه لسان الشرع بخلاف سائر الأولياء. تنبيه: قدمنا أنه لا نقض في المسائل الاجتهادية المختلف فيها؛ فهل يلحق بها ما يقع للناس من حوادث ليس فيها خلاف للمتقدمين؛ وإنما فيها آراء تتجاذب قد كان يقع في الذهن أنها مثل الأول فلا ينقض [فيه] 2؛ ولكن قال الشيخ الإمام رضي الله عنه ومن خطه نقلت في المسألة التي أشرت إليها؛ إنما يطلق المختلف فيه على ما فيه خلاف لمن تقدم، وأما ما يقع لنا من صور المسائل وتتجاذب الآراء فيها فلا يقال: إنها من المختلف فيه؛ بل ينبغي أن ينظر فيها فإن اتضح دليل عليها اتبع؛ وإلا فلا وإن حكم حاكم منها بحكم ولم يكن عليه دليل ينبغي جواز بعضه، وإن كان عليه دليل لم ينقض. انتهى. ومن خطه نقلت وقد تستغرب هذا ولا غرابة فيه؛ بل الأمر إن شاء الله كما قال، وعليه تحمل أقضية صدرت من شريح وغيره نقضها علي وغيره في مسائل لم يكن يقدم فيها خلاف ولا عليها دلالة قاطعة. فائدة: إذا استثنيت ما به ينقض الحكم قيبادر إلى تدارك ما كان من حقوق الله تعالى، وأما حقوق الآدميين فهل عليه تعريف الخصمين ليترافعا إليه فينقض الحكم عن ابن سريج: لا وعن سائر الأصحاب الوجوب قلت: ويشبه أن يقال إن بان الخطأ في الحكم نفسه وجب رفعا لليد العادية، ولا يكون فيه خلاف وإن بان في الطريق؛ فهو موضع النزاع وهذا كله إذا بان ما يوقف عن الحكم أو يوجب الحكم بالضد؛ فإن بان خطأ دليل الأول مع ظهور دليل يوافقه ونفي اعتقاد إلى محكوم3؛ حتى وإن بان بطلان الطريق فلا ينبغي أن يجب الإعلام لعدم فائدته، ولو ترك الخلاف على هذه الأحوال لم يكن به بأس. تنبيه: الصور التي اختلف فيها الأصحاب في النقض فيها قيل إنها تقرب من ستين صورة ونحن نعد ما حصرنا منها. فمنها: لو قضى قاض بصحة نكاح المفقود زوجها قال الرافعي: فالأشهر وهو ظاهر النص أنه ينقض [والثاني المنع] 4، قال القاضي الروياني وهو الصحيح [وقرب] 5 من   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" محكوم به. 4 سقط في "ب". 5 في "ب" قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 هذا الخلاف الخلاف في نقض حكم من قضى بحصول الفرقة في اللعان بأكثر الكلمات الخمس أو سقوط الحد عمن نكح أمة ووطئها. قلت: وقرب من هذا الخلاف يعني الروياني، وقد وقفت على كلامه في البحر، وعزا ذلك إلى القفال؛ فقال: قال القفال: عد أصحابنا مسائل ينقض الحكم فيها. منها: حكم من قال أكثر اللعان يقوم مقام الكل وإن زوج الأمة لا يلاعن لنفي الولد، وأن لا قصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف، وأن من تزوج بأمة ووطئها مع العلم بتحريمها لا بحد، وأن النكاح بغير ولي جائر والحكم شهادة الفاسق والحكم بجواز بيع أم الولد والحكم بأن لا تقبل شهادة القاذف [العاصي] 1 بعد التوبة؛ لأن الخطأ ظاهر في هذه المسائل بدليل قاطع ونص الشافعي رضي الله عنه على نقض الحكم في مسألة واحدة، وهي الحكم بصحة نكاح المفقود ومن أصحابنا من قال لا ينفذ حكمه في شيء من هذه المسائل؛ لأن الخطأ فيها ظهر بقياس الشبه، وهذا هو الصحيح والنص في مسألة المفقود غريب، ولعله ذكره تعليقا للقول فيه لا اعتقادًا. انتهى. كلام البحر ملخصًا قال الرافعي: ومنها: قضاء الحنفي ببطلان خيار المجلس والعرايا بالتنفيذ الذي يجوزه، وفي ذكاة الجنين قيل: إنه منقوض لظهور الأخبار وبعدها عن التأويلات التي يدعونها، وكذلك في القتل بالمثقل؛ لأنه على خلاف القياس الجلي في عصمة النفوس، وهذا ما أورده الإمام الغزالي وبمثله أجاب محققون في الحكم بصحة النكاح بلا ولي وفي بيع أم الولد. وثبوت حرمة الرضاع بعد الحولين وصحة النكاح بشهادة الفاسقين من غير إعلان ونكاح الشغار ونكاح المتعة، وفي الحكم بقتل المسلم بالذمي وبأنه لا قصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف وبحرمان التوارث بين المسلم والكافر وترد الزوائد مع الأصل في الرد بالعيب على ما ذهب إليه ابن أبي ليلى ومن الأصحاب من منع [البعض] 2، وقال: هي مسائل اجتهادية والأدلة فيها متقاربة، قال القاضي الروياني وهو الصحيح، وكذلك ذكره القاضي ابن كج في الحكم ببطلان خيار المجلس وينقض قضاء من حكم بالاستحسان الفاسد. انتهى كلام الرافعي [ملخصًا. وفي الروضة نظيره وأنت تراه لم يجزم بغير النقض بالحكم لنقض بالاستحسان الفاسد] 3، ولا أدري ماذا يعني به فإن كل   1 سقط في "ب". 2 في "ب" النقض. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 استحسان عندنا فاسد وليس كل استحسان ينقض فيه القضاء؛ فيحتاج هذا إلى [تحرير] 1، ولعله يشير إلى مبالغاتهم في الاستحسان، وليس للرافعي تصريح بتصحيح النقض أو عدمه ولا للنووي ولا للشيخ الإمام في شيء من هذه المسائل؛ غير أن الشيخ الإمام صحح في مسألة النكاح بلا ولي النقض، وقال أنا أستحي أن يدفع إلى نكاح صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله، ثم أقره على الصحة وهذا يتعدى إلى ما كانت الأخبار واردة فيه وورودها في النكاح بلا ولي، وقال الرافعي في القصاص في قتل المسلم بالذمي أن الوجه عدم النقض، وقد رأيت السمائل التي ذكرها الرافعي وعزا إلى الروياني فصحح عدم النقض فيها ولس في كلام الروياني منها إلا ما حكيته لك، ولا يلزم من النقض في بعض النقض في بعض آخر؛ بل لا بد من النظر في كل فرع بخصوصه ومن المسائل المختلف في البعض فيها [أيضا] 2، لو قضى القاضي بأن يقاد الولد بولده قال ابن كج ينقض حكمه؛ قال الرافعي: وليكن هذا في الموضع الذي يساعد فيه ذلك، قال ابن الرفعة يعني لأنه خلاف الإجماع قال ولو كان كذلك لم يحتج ابن كج إلى التنبيه عليه. قلت: كيف لا يحتاج إلى التنبيه عليه وقد عمم ابن كج وعزاه، ثم ليس انتفاء خلاف مال موجبًا لثبوت الإجماع؛ ففي ذهني أن من العلماء من يقتل الوالد بالولد مطلقا فليحرر ذلك ويحتمل أنه ينقض من قضى به، وعندي أن ابن كج إنما أراد القضاء بالموضع الذي يحالف فيه مالك؛ فإنه ذكر قبله مسألة أبي حنيفة في قتل الحر بالعبد، وذكر أنه لا ينقض ثم ذكر أن القضاء بقتل الوالد بالولد ينقض فما أرى إلا أنه رأى قوة خلاف أبي حنيفة وضعف خلاف مالك في هاتين المسألتين فلم ينقض في تلك ونقض في هذه وفي هذا وأعود إلى ما قاله ابن الرفعة والأرجح عندي عدم النقض فيهما، وإليه أشار الرافعي بل لم يقم عندي إلى الآن دليل على النقض في شيء من صور الخلاف القوي الجائزة وغاية الأمر أنها خالفت صريح3 الآحاد؛ بل وفيها ما خالف مستفيض الأخبار وإنما قلت الخلاف القوي الجائز لأحترز عن الضعف الذي لا يجوز الإقدام عليه؛ فإنه لا اعتبار به ولا مقابلة وذلك مثل من قضى بأن الطلاق الثلاث لا يقع كما هو محكي عن الشيعة أو بعضهم؛ فإن هذا الحكم ينقض على الصحيح عند أصحابنا كما ذكره الروياني في البحر في أوائل كتاب الطلاق، وحكى أن بعض أصحابنا [كما ذكره الروياني في البحر] 4 قال لا ينقض وهذا ضعيف لأن   1 في "ب" التحرير. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" صريح أخبار. 4 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 المسألة إجماع ولا اعتبار بالخلاف الحادث قال الروياني وعلى النقيض؛ فإذا وطئها لزمه الحد ولم يثبت نسب ولا عدة وهو اختيار الإمام والذي انتهى كلام الروياني وما اختاره والده هو الحق، وحكى الروياني في كتاب القصاص عن حكاية والده وجهين فيما لو وليت القضاء امرأة هل تنقض أحكامها، وأن الإصطخري قال بالنقض وهذا خلل في القاضي لا في المقضي به فإن قلت فلم قلتم بنقض حكم من حكم بخلاف خبر الواحد. قلت: الذي أعتقده وعليه دل كلام الغزالي في الأصول أن ذلك مخصوص بمن لم يطلع عليه وقضى بقياس لا يقوى على معارضته، وأما من اطلع على خبر الواحد وزعم له معارضًا ولو قياسًا وزعم أن القياس مقدم على خبر الواحد كما هو شهير في الأصور؛ فكيف ينقض قضاؤه وإن كنا لا نصوبه ابتداء لكن تخطئتنا له [ليست] 1 إلا بالاجتهاد والقول بنقض الحكم بخلاف خبر الواحد؛ [إنما هو في خبر الواحد] 2 المثير ظنًّا محكمًا [فالمنقوض في أخبار الآحاد ما خالف ظنا محكما] 3 ناشئا عنها لا ما خالفها مطلقا؛ كذا اقتضاه كلام الرافعي وهو الظاهر، ويلزم من نقض فيما ذكرناه من الصور أن ينقض الحكم ببطلان الأوقاف لشهرة صحتها بين الصحابة والعصر الأول وإن نقض الحكم ببطلان بيع المدبر لمخالفته الحديث الصحيح في بيع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرًا في دين كان على صاحبه؛ فلينقض في هذه الصورة وبيع الخمر من الذمي لمنابذته الأحاديث الصحيحة في النهي عن بيع الخمر، وإن قال النهي يوجب الصحة أو لا يقتضي الفساد؛ فلم لا صححه من مسلم وإن حاول فرقًا فهو على ضعفه زاد بصحيح الحديث، ومن ثم قال الربا لا يجري في دار الحرب بين مسلمين لم يهاجرا ولا في الحفنة والحفنتين من الطعام وأدلة الكتاب والسنة تردهما، وأن النبيذ يحل منه ما لا يسكر وإن البائع ليس أحق بسلعته عند الفلس وبيع المصراة ومنع الفسخ بعيوب النكاح وإسقاط الحد في إباحة الجواري، وأن الجماع من غير إنزال لا يوجب الغسل، وأن الحامل المتوفي عنها زوجها لا تنقضي عدتها بوضع الحمل، وأن ربا الفضل مع القبض [في التصرف4 جائز، وأن الوقف يباع إذا تخرب وأنه يناقل به وإن كان عامرًا إلى غير ذلك من مسائل عن أبي حنيفة أكثرها والبقية عن غيره   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 من قوله في التصرف جائز إلى قوله فإن قوله فإن قلنا لا يحل ولم يجز الطلب: سقط في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 من العلماء لا أقول بالنقض فيها؛ وإنما أقول تلزم من نقض في تلك أن ينقض فيها ولعله يلتزمه فإني لم أجد عنه خلافه كما لم أجد وفاقه. فائدة: إنما ذكر القفال وغيره من أصحابنا هذه المسائل التي قيل بالنقض فيها عندما بلغهم أن الحنفية قالوا ينقض قضاء الشافعي في الحكم بشاهد ويمين وبالقرعة بين العبيد في العتق وبحل متروك التسمية عمدًا وبالبداية في القسامة بيمين المدعي؛ فقال أصحابنا قلتم فيما حكي عنكم لا ينقض حكم مخالف نص الكتاب والسنة والقياس الحق إذا لم يكن مجمعًا عليه، ثم نقضتم موافق السنن الصريحة والأقيسة الصحيحة؛ فمن عد بربا ممن ينقض الحم بشاهد ويمين والقرعة بين العبيد ونحوهما مع صفة الحديث فيه، ثم يحكم بالنكاح بلا ولي ونحوه منابذة لصريح نطق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن العجائب إنكار ما وردت به السنة من القرعة من إثبات حل الوطء بشاهدي زور يعلم الزوج الثاني أنهما شاهدا زور. ومنها: قول الخصوم إذا منع الذمي دينارا من الجزية انتقض عهده، ولو جاهر بسب الله أو بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه أو حرق المصاحف وخرب المساجد أنه لا ينتقض. ومنها قولهم يباح القرآن بالعجمية ولا يروى الحديث بالمعنى على ما ذكر بعضهم. ومنها: إسقاطهم الحد عن من استأجر امرأة لرضاع ولده فزنا بها أو استأجرها ليزني بها وإيجابهم الحد على من وطئ امرأة في الظلمة يظنها امرأته فظهرت أجنبية. ومنها: منعهم السنة الثابتة في إلحاق النسب بالعتاقة مع إلحاقهم نسب ولد امرأة تزوجها وهي بالمشرق ممن هو بأقصى المغرب وبينهما من المسافة ما لا يقطعها النسر، وقال: تزوجت فلانة وهي طالق ثلاثًا عقب القبول، ثم جاءت بولد فقالت هو منه. ومنها: إلحاقهم الولد في هذه الصورة مع قولهم ما ذكرناه فائدة قولنا ينقض القضاء المخالف للظن المحكم من خبر الواحد وحمل قياس ونحوهما يشمل كل ما كانت بشبهة الحاكم فيه ضعيفة، وفيه مسائل لم يصرح بها الأصحاب فنذكرها. منها: جزم الشيخ في باب الإجازة من شرح المنهاج بنقض حكم من حكم ببيع الموقوف إذا انهدم، كما هو قول الحنابلة أو عوده إلى ورثة الواقف كما هو قول محمد بن الحسن بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 تنبيه: ما لا ينقض هل يمضي وينفذ أم يعرض عنه فيه خلاف حكاه المحاملي وجماعة قولين وطائفة أخرون منهم الرافعي وجهين، والعمل على التنفيذ وهو ما رجحه الرافعي، وكان الشيخ الإمام يتوقف فيه ثم استقر رأيه على ما حكيناه عنه في كتاب ترشيح التوشيح. خاتمة: ما لا ينقض قضاء القاضي فيه إذا حكم به لمن لا يعتقده هل يحل باطنًا وجهان حكاهما الأصحاب فيما إذا قضى الحنفي بشفعة الإمام رحمهم الله فيها تصريح بتصحيح في كتبهم المشهورة، وقد ذكرها الرافعي في كتاب الشفعة وفي كتاب القضاء وفي باب الدعاوى، وفي باب دعوى الدم والقسامة وفي كتاب موجبات الضمان، وعزا الشيخ الإمام في باب الشفعة من شرح المنهاج تصحيح الحل إلى القفال وأبي عاصم والبغوي وأكثر الفقهاء وتصحيح التحريم إلى الأستاذ أبي إسحاق والإمام الغزالي والأصوليين؛ قلت: والرافعي لم ينسب صريحا إلى الأكثر شيئًا؛ حتى يقال: إنه عليه بل نسب الحل إلى جماعة والتحريم إلى ما ذكرنا وقال في باب القسامة ميل الأئمة إلى ثبوت الحل باطنا، وكذلك قال في أثناء كتاب الدعاوي ميل الأكثرين إلى الحل باطنا وغاية ما يؤخذ من ذلك ميل الرافعي إلى الحل، وقد يؤخذ منق قوله من باب موجبات الضمان ميله إلى التحريم؛ فإنه قال وصرحوا بأن خلاف جار في كل ما اتصل بحكم من المسائل الاجتهادية؛ فإن قلنا لا يحل لم يجز الطلب] ؛ وإلا فلا بأس بالتخيير بين البيع عليه وإجباره على البيع وهو حينئذ إكراه بحق، وقد سكت الشيخ الإمام في كتاب البيع على قول القاضي أبي الطيب وغيره إن شاء القاضي باع وإن شاء عزر وحبس إلى أن يبيع وذهب ابن الرفعة إلى أنه إذا لم يثبت عند القاضي ملك [المفلس] 1 للأعيان بالبينة؛ وإلا اكتفينا باليد فيظهر أن يجبره على البيع بنفسه أو بوكيله لتعينه طريقًا إلى إيصال الحقوق [إلى أربابها] 2 ورده الشيخ الإمام بأنه [إن] 3 لم يجز للقاضي البيع؛ فكيف يجوز له الإجبار والإجبار حكم صريح بخلاف الفعل، وليس المفلس مطلق التصرف حتى نقول نجبره على وفاء الدين من حيث الجملة وهو يبيع بل هو محجور. فائدة: ذكرها الإمام في باب التفليس حاصلها أنه ليس كل ما يجوز للشاهد أن يشهد به يجوز للحاكم أن يحكم به؛ فإن الشاهد قد بني على ظن لا يبني على مثله   1 في "ب" الفلس. 2 في "ب" لأربابها. 3 في "ب" إذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الحاكم صونا لمنصبه عن التهمة، ولأن الحكم لما فيه من الإلزام وإنهاء الأمر أشد الشهادة؛ هذا أقوله تفقها من عندي، والذي ذكره الإمام رحمه الله في الشهادة بالإعسار والأملاك والتعديل وحصر الميراث أنها أمور لا يمكن استنادها إلى اليقين؛ فإن في الإعسار [هنا] 1 لا سبيل معه إلى العلم اليقيني وغاية التعديل [هي] 2 الأسباب الخارجة والأملاك بناء الأمر على ظواهر يضعها العلماء من اليد والتصرف، ثم قال فكأنا نشترط استناد الشهادة إلى اليقين فيما يمكن اليقين [منه] 3 كالأقوال والأفعال التي تتعلق بها الحواس، ثم قال ومن لطيف الكلام في ذلك أن كل ما تستند الشهادة فيه إلى اليقين لو علمه القاضي بنفسه اختلف القول في جواز قضائه بعلمه، ولو انتهى القاضي فيما [أعلم] 4 فيه إلى منتهى يشهد فيه كالأصول التي ذكرناها؛ فلا يحل له القضاء، وإن كان يحل له أن يشهد بما أحاط به وظهر عنده فليتأمل الناظر هذا؛ فإنه من أسرار القضاء انتهى وتكلم عليه الشيخ الإمام رحمه الله في شرح المهذب كلامًا طويلًا حاصله بعد ما استشكله، وقال لم لا يحكم القاضي في الإعسار والملك والميراث بعلمه كما يحكم بالتعديل، وأجاب بأن التعديل حكم بأن المعدل مقبول القول على كل أحد فأشبه الرواية: أما [الإعسار والميراث] 5 والملك فأحكام على أشخاص معينين بما لا ينتهي إلى اليقين؛ فقويت التهمة فيه فلو فرضنا انتهاءه إلى اليقين خرج على القضاء بالعلم، ولا أظن الإمام يخالف في ذلك؛ وإنما كلامه فيما لا ينتهي إلى اليقين قلت: بل بذلك صرح حيث قال: هذه أمور لا يمكن استنادها إلى اليقين؛ وإنما الشيخ الإمام ينازعه في امتناع استنادها إلى اليقين، ويقول قد يتفق ذلك قال: والصواب ما ذكره الإمام من عدم تخريج الإعسار ونحوه على القضاء بالعلم؛ فإن ذلك [في] 6 العلم المقطوع، ولا يلزم أن يطرق الظن واستدل عليه بعكسه قال؛ فإنهم قالوا إذا منعنا القضاء بالعل؛ فكان سبب العلم تواترًا جاز على أحد الوجهين لعدم التهمة، ثم قال في أخر كلامه بعد ما ذكر أن قضية كلام الرافعي تخريج القضاء بالعم في الإعسار والملك والميراث على الخلاف أنه المختار عنده، وقد يقال بين تصويب الشيخ الإمام كلام الإمام7 واختياره كلام الرافعي ثانيا [مباينة] 8 فالجواب أنه لا يمنع طروق الخلاف؛ وإنما عند أن الخلاف في القضاء   1 في "ب" سقط. 2 في "ب" ففي. 3 في "ب" فيه. 4 في "ب" لا علم. 5 في "ب" الميراث والإعسار. 6 في "ب" من. 7 في "ب" الإمام أولا. 8 في "ب" مناقاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 باليقين أقوى من الخلاف في القضاء بالإعسار فليتأمل كلامه. تنبيه: فيما حكيناه من كلام الإمام إشارة إلى أن المعنى بالعلم في قول الأصحاب هل يقتضي1 بعلمه اليقين لا الظن المؤكد؛ وذلك يرد على الرافعي؛ حيث قال إن الأئمة مثلوا القضاء بالعلم الذي هو محل القولين مما إذا ادعى عليه مالا، وقد رآه أقرضه أو سمعه أقر بمال ومعلوم أن رؤية الإقراض وسماع الإقرار لا يفيد اليقين بثبوت المحكوم به وقت الحكم؛ فيدل على أن ليس المراد بالعلم اليقين بل الظن المؤكد، وقد رد الشيخ الإمام رحمه الله2 على الرافعي، وقال: ليس كذلك بل المراد باليقين يقين السبب الذي به الحكم وهو الإقراض أو الإقرار، ولو ظنهما ظنا مؤكدا لم يحكم بلا خلاف. وأما استصحاب حكم السبب إلى وقت القضاء [قضى] 3 في جميع الحجج، ولا يقال فيه ظن، وإن كان ظنًّا في الحقيقة بالمحكوم به وقت القضاء؛ إلا أن الفقهاء لا يريدون ذلك. قلت: ولذلك يقولون في اليقين لا [يرتفع] 4 بالشك ومعلوم أنه لا شك مع اليقين القاطع؛ فلو عنوا باليقين القاطع لم صح أن يعتقدوا مجامعته للشك قال الشيخ الإمام ومتى أخذنا بعموم كلام الرافعي في الاكتفاء بالظن المؤكد ورد عليه قول الإمام: إنه لا يحكم بذلك في الإعسار والميراث والملك والصواب ما قاله الإمام؛ فإنه لا يلزم من اختلاف القول في القضاء بالعلم المقطوع أن يختلف في الظن لأنه ينضم إلى التهمة ضعف المدرك وقد ذكروا في عكسه إذا قلنا يمتنع القضاء بالعلم؛ فكان سبب العلم تواترًا يجوز على أحد الوجهين لعدم التهمة وما ذاك إلا؛ لأنه إذا قوي المدرك وانتشر ضعفت التهمة وعكسه إذا ضعف المدرك قويت التهمة؛ فلا يحكم به ثم ذكر قضاء القاضي في التقويم ببصره [في] 5 نفسه وميل الرافعي إلى جريان الخلاف فيه، وإن الإمام قال فيه بالمنع على خلاف ما ظن به الرافعي، ثم قال [انتظم] 6 كلام الإمام على قاعدة واحدة يعني في منع القضاء بالظن في الإعسار والميراث والملك والتقويم [ثم] 7 قال: والرافعي رجح في التقويم الحكم بالعلم ولم يتعرض للإعسار، ويلزمه أن يقول بذلك فيه وإذا قال به فيه؛ ففي الملك وحصر الورثة أولى. أما الملك فلاعتماده أسبابا ظاهرة ولهذا لا يشترط   1 في "ب" يقضي القاضي. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" فصحيح. 4 في "ب" يرفع. 5 سقط في "ب". 6 في "ب" انتظر. 7 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فيه الخبرة الباطنة. وأما حصر الورثة لأن الحكم للوارث المعين لا ظن فيه وبقي غيره معتضدا بالأصل فعضد ذلك ما عند الحاكم، وقد صرح الماوردي في الملك بأنه يجوز للقاضي وتردد في الشاهد وفرق بأن الشاهد؛ إنما يعتمد العلم والقاضي يبني على الحجة وهذا مخالف لكلام الإمام ومساعد [لكلام] 1 الرافعي، وقد ينحل من ذلك صورا أحدها [الحكم] 2 بالعلم اليقيني المحسوس الحاصل وقت القضاء. والثانية: علم سبب متقدم كإقراض وسماع إقرار لم يعلم ارتفاعه وهاتان فيهما القولان. الصورة الثالثة: الحكم بالعلم الحاصل بالتواتر قيل على القولين وقيل يقطع بالجواز. والرابعة: الحكم بالتعديل المذهب الجواز، وقيل على الخلاف. والخامسة: الإعسار، قال الإمام: لا يحكم بالعلم فيه وقياس قول الرافعي وهو المختار. السادسة: الملك وحصر الورثة كلام الإمام يقتضي أنه كالإعسار قال الشيخ الإمام، وينبغي أن يكون أولى منه بإجراء القولين. السابعة: التقويم الأشبه عند الرافعي أنه على القولين، والذي يظهر من اختيار الإمام أنه كالإعسار. الثامنة: يعتمد العلم3 فيه [به] 4، وليس من القضاء بالعلم في شيء التاسعة الجرح يعتمد العلم فيه قطعًا. انتهى كلام الشيخ مختصرا. وأقول: إذا كان سياق الرافعي يقتضي أن الإعسار على الخلاف، وهو الذي صرح [به] 5 الشيخ الإمام باختياره أخيرًا؛ فقد [انضم] 6 كلامه على قاعدة واحدة غير أن المعنى بالعلم عند الإمام اليقين؛ فمن ثم منع الإعسار والتقويم والميراث والملك وعند الرافعي غلبة الظن؛ فمن ثم جوزها والشيخ الإمام وافق الإمام في أن المعنى بالعلم اليقين ونازعه في كون هذه الأمور لا تفضي إليه، وقال [وإن] أفضت إليه فهي من مسائل القضاء بالعلم هذا كلامه أولا ثم مال آخرا إلى   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" اللون يعتمد. 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". 6 في "ب" انتظم. 7 في "ب" إن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 ترجيح الحكم فيها بالعلم فلا يتبين [في] 1 جريان كلامه على قاعدة واحدة فليتأمل ذلك. قاعدة: الأموال الضائعة يقبضها القاضي حفظًا لها على أربابها قال الأصحاب، ثم إما أن يبقيها، وأما أن يبيعها ويحفظ ثمنها وله حفظها معزولة عن أمثالها في بيت المال، [وله] 2 أن يخلطها بمثلها فإذا ظهر المالك غرم له من بيت المال، وهذه القاعدة هي مأخذ الأصحاب في إيجابهم على القاضي قبول اللقطة إذا دفعها إليه الملتقط وإن كان قد اختار التملك ثم بدا له، وقد يورد على هذه القاعدة ما رواه البخاري تعليقًا ومسلم متصلا من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق مطروحة؛ فقال: لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها. فسمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول سمعت شيخنا الدمياطي يقول: سمعت قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز يقول كيف يقولون الإمام يأخذ المال الضائع للحفظ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذهما وأجاب بعض الناس بأنه إنما نفى في الحديث الأكل، وقد يكون أخذها قال الشيخ الإمام. وأنا أقول: إنما يأخذ الإمام المال الضائع الذي صاحبه متطلع له أما ما يعرض عنه فيترك لكل من يريد أخذه فاندفع السؤال. قلت: ومن ثم لم يجب في اللقطة تعريف ما انتهى [إليه] 3 في القلة إلى حد يسقط تموله كحبة حنطة وحاول الرافعي تخريج وجه فيه ونازعه ابن الرفعة والشيخ الإمام، وقد عرفت أن هذه المسألة التي نبه عليها الشيخ الإمام في الحديث مستثناة من القاعدة؛ فإن قلت فقد أوجبوا على الملتقط تعريف القليل وبالغ الشيخ الإمام؛ فأوجب تعريفه سنة ولم يكتف بزمان يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا، وذكر أن اكتفاء الرافعي والنووي به مخالف لمشهور المذهب؛ فكيف استثنى من القاعدة ما لا يوافق أصله. قلت: الحقير الذي أوجب الشيخ الإمام تعريفه سنة والرافعي والنووي زمنًا يظن إعراض صاحبه عنه هو ما لم ينته في القلة إلى حد يسقط تموله كما عرفناك ليس في المنتهى إلى ذلك إلا محاولة الرافعي لتخريج وجه فيه لم يوافقه عليه لا ابن الرفعة ولا الشيخ الإمام، وانظر إلى قول الرافعي والنووي يظن إعراض صاحبه؛ فإن فيه إشارة إلى أن ما كان الظن حاصلًا فيه قبل التعريف لا فائدة في تعريفه ولا يعرف؛ فقد ظهر استثناء الحقير الذي يغلب على الظن إعراض صاحبه عنه من   1 في "ب" لي. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 القاعدة فلا يأخذه القاضي للحفظ ولا يعرفه الملتقط إذا التقطه؛ بل لو أخذه للاستبداد به، ثم تردد الشيخ في أنه [هل] 1 يملك بمجرد الأخذ كالاحتطاب أو بقصد [التمليك] 2، قال والظاهر الثاني وفي أنه إذا لم يقصده هل يخرج عن ملك مالكه، قال: والظاهر بقاؤه حينئذ يدخل في معنى اللقطة؛ لكنها لا تعرف، قلت: وبقيت مسائل أخر تستثنى من3 القاعدة. منها: إذا أقر لمنكر فأصح الأوجه أنه يترك في يد المقر كما كان، ثم اختلف في وجهه؛ فقيل: لأن يده تشعر بالملك ظاهرًا وقد عارض الإقرار الظاهري إنكار المنكر فسقط، وقيل: لأنا لا نعرف مالكه، ونراه في يد المقر فهو أولى الناس بحفظه وجمع الرافعي في الشرح بين العلتين والأظهر منهما العلة الثانية ويتخرج عليهما أن يد المقر بعد ذلك عليه هل هي يد ملك أو يد استحفاظ [والأول] 4 قضية كلام صاحب المهذب، قال ابن الرفعة: والأشبه الثاني لأن المقر ادعاه لنفسه لم يقبل عند الإمام والغزالي فعدم الحكم له [به] 5 عند عدم الدعوى أولى قلت: نحن لم نقل أنه يحكم له به؛ وإنما قلنا يبقى في يده يد ملك وفرق بين ذلك والحكم به فتأمله، ثم على وجه الاستحفاظ يكون مستثنى من القاعدة؛ فإنه مال لم يعرف مالكه ولم يقبضه القاضي بل تركه في يد المقر وفي المسألة تتمة نذكرها قريبا في أخر الفرع عقيبها. ومنها: على وجه قال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف فيمن أقر لمنكر ما إذا قال صاحب اليد هذا لفلان وكذبه، أما إذا قال صاحب اليد للقاضي في يدي مال لا أعرف مالكه؛ فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه هنا أيضًا كذا نقل الرافعي هنا وقال في باب دعوى الدم فيمن في يده مال حكم له به؛ فقال إنه مغصوب إن عين صاحبه انتزع منه، وإن لم يعين فهو مال ضائع وفي مثله خلاف مشهور، وقال في باب الدعاوي أن من في يده مال لو قال هو لرجل لا أعرفه ولا أسميه أن الأصح أنه لا ينتزع من يده، وقال في باب الكتابة فيما إذا أتى المكاتب بالنجوم؛ فقال السيد هذا حرام وحلف المكاتب أجبرنا السيد [القول] 6 إنه إن لم يكن عين مالكها7 لم   1 سقط في "ب". 2 في "ب" التملك. 3 في "ب" من هذه القاعدة. 4 في "ب" والأولى. 5 سقط في "ب". 6 في "ب" القبول. 7 في "ب" مالكا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 ينتزع من يده على الصحيح؛ فانظر هذه المواضع وتلقف منها ما يستثنى من هذه القاعدة والجمع بين ما قيل في الأبواب الثلاثة وما حكي عن الشيخ [أبي] 1 محمد في الإقرار أن المقر في الأبواب الثلاثة محكوم عليه؛ فإقراره بمجهول على خلاف الحكم مع تهمته فيه لا يسمع بخلاف مسألة الشيخ أبي محمد؛ فإنه ليس متهما هناك. ومنها: إذا كان المال الضائع في ذمة إنسان بأن جاء إلى القاضي، وقال في ذمتي مال لا أعرف مالكه فقياس المذهب أنه لا ينزع ولا ينقل من الذمة إلى الضمان نعم يجيء على طريقة الشيخ الإمام التي نقلها عن النص وصححها وهي أن للآحاد انتزاع المغصوب أنه ينزع، والحالة هذه والذي أراه في المغصوب ومن في يده مال ضائع أنه إن خشي من بقائه في يده أو ذمته هلاكه انتزع، ولا يضر انقلابه من الضمان إلى الأمانة لهذا الغرض وإلا فلا ويبقى على الحكم الضمان؛ فليجتهد الحاكم فيما هذا شأنه وأقول هذا أيضًا فيما إذا أقر لمنكر، وقلنا يبقى في يد المقر استحفاظًا؛ فأقول إنما يبقى في يد المأمون على مثله والمشهور في مسألة [الإنذار] 2 للمنكر أن محل الخلاف إذا كان المقر به عينًا، أما إذا كان دينًا؛ فلا يؤخذ بلا خلاف وذكر ابن يونس في شرح التنبيه أنه لا فرق بين العين والدين، وقد تحرر ما ذكرناه مسألة مستثناة من القاعدة على المذهب وهي الدين وعلى وجه، وهي مسألة الشيخ أبي محمد وهو الوجه الذي أشار إليه الرافعي3 وأبعد بعضهم، وعلى الأرجح وهي العين المقر بها لمنكر إذا قلنا يترك في يده الاستحفاظ، وقد ذكرنا أن طريقة الاستحفاظ هي الأرجح؛ فإن قلت: رجحان طريقة الاستحفاظ على رأي الإمام والغزالي واضح؛ فإنهما يقولان لو رجع المقر له عن الإنكار وصدق المقر قبل وسلم المال إليه؛ ولكن الأصح عند الرافعي والنووي عدم تسليمه إليه، وأنه إنما يسلم إليه على الوجه البعيد القائل بأنه يجبر المقر له على القبول، وعلى هذا فكيف يرجح قول الاستحفاظ قلت: أما قول الرافعي والنووي أنه إنما يسلم إليه على الوجه البعيد؛ فقال الشيخ الإمام فيه نظر؛ إذ لا حاجة إلى الرجوع حينئذ قال، وينبغي أن يقال: إن قلنا يترك في يده ملكا؛ فهو إبطال الإقرار فلا يسلم إليه، وإن قلنا استحفاظًا فلا يمتنع تسليمه للمقر له إذا رجع، ولا يختص ذلك بالتفريع على الوجه البعيد، قال: والصحيح أن الخلاف في قبول رجوع المقر له مطلق من غير بناء، والأظهر منه عند الرافعي عدم القبول   1 في "ب" أبو. 2 في "ب" الإقرار. 3 في "ب" الرافعي بقوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 هذا ملخص كلام الشيخ الإمام وهو حق، وليس [له] 1 فيه كما ترى موافقة الرافعي على تصحيح عدم القبول ولا تصريح بمخالفة، وأقول إذا كان الأرجح التبقية استحفاظًا؛ فالذي يظهر ترجيح القبول لا سيما إذا ادعى أنه كان غالطا وبين للغلط وجهًا محتملًا ولا يؤاخذ بتكذيبه السابق، كما أنه يقبل رجوع المقر نفسه على الأصح إذا قال كنت غالطًا كما في الوسيط والمحرر والمنهاج؛ بل وإن لم يقل كنت غالطًا كما في الشرح الكبير والشرح الصغير [ورجح] 2 الشيخ الإمام، وقال: ينبغي إسقاط قيد الغلط من المحرر والمنهاج أو يقال: إنه لا مفهوم له؛ فقد ظهر أن الأرجح على قول الاستحفاظ القبول هذا إذا صدق المقر له بعد ما كذب. أما عكسه إذا كذب بعد ما صدق؛ فلم أجده مسطورًا، وقد يقال فيه إن تكذيبه بعد انفصال الخصومة غير معتبر لكنه بمنزلة الإقرار بما في يده لمجهول؛ فيأخذه القاضي على ما [قال] 3 الشيخ أبو محمد أو تبقيته في يده هذا إن أنكر كونه لنفسه، ولم يقر بأنه لمعين؛ فإن أقر به للذي أقر له فهو إقرار لمنكر فيبقى في يده على الأصح، وقد يقال لا يبقى في يده هنا قطعًا سواء أقر به لمن أقر له أولا أو لمجهول؛ لأنا عرفنا سبب وضع يده وقد زال بإقراره؛ فأما أن يعيده إلى من أقر أولا أو [ينزعه] 4 القاضي قطعًا، وأقول الذي يظهر هنا أن القاضي [ينزعه] 5 قطعًا ولا يبقيه في يده لما ذكرت من أنه عرف سبب وضع يده، وهو إقرار الأول له مع تصديقه وقد زال تصديقه ولا يعيده إلى الأول؛ لأنا إنما نبقيه في يده عند الإنكار أما بعد الاعتراف ورفع يده؛ فلا نعيده إليه لأن في الإعادة إليه حكما بثبوت يده، ولا وجه للحكم بذلك مع كونه مقرًّا للغير، وهذا بخلاف التبقية عنده ابتداء؛ فإنها ليست بحكم له، وإن قلنا اليد يد ملك كما بيناه آنفًا ورددنا به [كلام] 6 ابن الرفعة فتأمله، وكل هذا إذا لم أجده مسطورًا أو أخص منه ما وقع عندي في المحاكمات شخص أقر بعقار لآخر ملكًا، وصدقه المقر له، ثم مات فعاد المقر يدعي على وارثه بذلك العقار، ويقول: إنما أقررت به لمورثك مكرها، ولم يثبت الإكراه لكن كان من جواب الوارث أنه وقف؛ فقلت: إن كان المورث قد أحدث الوقفية بعدما ثبت له [المالكية] 7 فذاك؛ وإلا فهل هذا من الوارث تكذيب للمقر لأنه يقول هي   1 سقط في "ب". 2 في "ب" ورجحه. 3 في "ب" قاله. 4 في "ب" ينتزعه. 5 في "ب" ينتزعه. 6 في "ب" بحث. 7 في "ب" الملكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ملك مورثك، [ونقول] 1 بل وقف وكلام الوارث منزلة منزلة2 المورث؛ فيصير مكذبًا بعد التصديق فيعود المقر، ويقول قد أكذبتني في إقراري لك بالمليكة فلتبق يدي على ما أقررت به، ولا تنزع كمن كذب المقر ابتداء [وليس] 3 بتكذيب؛ لأن المورث قد صدقه وانفصلت الخصومة؛ فلا يعود [يدعي] 4 الوارث الوقفية هذا موضع نظر واحتمال5 قاعدة ليس كلما لا [معه] 6 الحالكم إذا وقع يجيب إليه أو بإذن فيه إذا طلب، ومن ثم فروع منها الأصح أنه لا يجيب الشركاء إذا طلبوا قسمة ما لا تبطل منفعته بالكلية إذا كسر فروع منها الأصح أنه لا يجيب الشركاء إذا طلبوا قسمة ما لا تبطل منفعته بالكلية إذا كسر كالسيف؛ ولكن إذا اقتسموا بأنفسهم لم يمنعهم بخلاف ما تبطل منفعته بالكلية كالجوهرة النفسية. ومنها: قال الشيخ الإمام الوالد [رحمه الله لا] 7 يجوز للحاكم الإجابة إلى بناء ما استهدم من الكنائس ولا الإذن فيه، وكاد يدعي الإجماع على ذلك وإن كان لا يمنع عند إعادة ما استهدم من كنيسة قديمة على الخلاف فيه. ومنها: على القول بأن المشرك إذا انتقل إلى دين يقر أهله عليه لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه قال الأصحاب لا يقال له: أسلم أو عد إلى ما كنت8؛ بل يقال: له أسلم؛ فإن عاد إلى غيره تركناه أصل يرد إليه قاعدة الكفارات من العبادات جابر [وزاجر] 9 والمعنى بالجابر ما يجبر مصلحة فاتت ويستدركها؛ فهو داخل في جلب المصالح والمعنى بالزاجر ما يمنع من ارتكاب مفسدة. أما محرمة أو مكرهة أو مصورة10 بصورة المحرم؛ فإنه رب مفسدة انتفى التكليف فيها لعدم العلم ونحوه ولم يخرجها انتفاء التكليف عن كونها مفسدة كما إن قتل غير المستحق دمه مفسدة، وإن جاء من قبل [الخاطيء] الذي لا تكليف عليه؛ فإذا الزواجر من [قبيل] 12 درء المفاسد فيكون الزاجر أعم من الجابر؛ لأن درء [الفساد] 13 أعم من جلب المصالح كما ذكرنا في   1 في "ب" وهو يقول. 2 في "ب" منزل منزلة كلام المورث. 3 في "ب" أو ليس. 4 في "ب" بدعوى. 5 في "ب" واحتمال منها. 6 في "ب" يمنعه. 7 سقط في "ب". 8 في "ب" ما كنت عليه. 9 في "ب" وزادوا. 10 في "ب" مقصورة. 11 في "ب" الحناطي. 12 في "ب" قبل. 13 في "ب" المفاسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 أول الكتاب؛ غير أنا إذا قابلنا درء [الفاسد] 1 بجلب المصالح أو الرواجر بالجوابر؛ فإنما يعني به ما هو من الزواجر مقصور على درء المفسدة، وليس بجالب للمصلحة إذا عرفت هذا؛ فقد اختلف في الكفارات أهي من الجوابر أو الزواجر؛ فقال كثيرون: إنها جوابر لما فات من حق الله [تعالى بدليل] 2 وجوبها على حافر البئر والنائم ونحوهما، ولأنها عبادات للنية فيها مدخل؛ فلا تشبه الحدود والتعزيرات التي هي زواجر محضة وقال أخرون بل هي زواجر عن الفعل التي وضعت بإزائه، أما لفاعله أن يقع في مثله أو لغيره أن يفعل [مثل] 3 فعله، وإذا جريت على هذا الأصل وصح لك أن إيجاب الكفارة في قتل العمد واليمين الغموس أحق منه في إيجابها في قتل الخطأ وغير الغموس؛ سواء قلنا الكفارات زواجر أم جوابر؛ لأن [الزجر والجبر] 4 فيهما أولى منه في غيرهما غير أن الخصوم يتعلقون بشيئين أحدهما: أن المعصية ربما ترقت على حد التكفير لغلظها في نفسها، ولو استدل لهم مستدل بقوله تعالى: قاعدة [كل ما] 5 شرط في الراوي والشاهد؛ فهو معتبر عند الأداء لا عند التحمل إلا في مسائل: منها: الشهادة في النكاح؛ فإن الشروط معتبرة عند التحمل أيضًا لتوقف انعقاد العقد على حضور عدلين فإن قلت أليس يكفي حضور مستورين على الأصح. قلت: لأن [ظاهرهما] 6 العدالة ولو تبين خلافها فالنكاح باطل على المذهب. ومنها: على قول ضعيف الصبي إذا تحمل الرواية فبلغ؛ فأدى لا يقبل وهذا في الرواية، أما لو تحمل الشهادة فبلغ؛ فأدى فلا نعرف خلافًا في قبول شهادته بل لو أداها في الصبا فرد، ثم أعادها بعد البلوغ قبلت قطعًا. ومنها: إذا وكله في البيع واشترط عليه الإشهاد. ومنها: إذا وكله في قضاء دين فقضاه في غيبة الموكل، وجب عليه الإشهاد؛ ولكن الأصح الاكتفاء بشاهدين ظاهرهما العدالة أو بشاهد واحد فالاستثناء على وجه. وكذا إذا وكله في الإيداع. فأودع ولم يشهد لم يضمن على الصحيح. ومنها .... قاعدة: مستند الشاهد إن كان إخفاؤه يورث ريبة تعين ذكره، فلا تقبل الشهادة إلا   1 في "ب" المفاسد. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" مثله. 4 تقديم وتأخير. 5 في "ب" كلما. 6 في "ب" ظاهرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 بذكره، وإن كان ذكره يورث ريبة تعين إخفاؤه فتردد الشهادة عند ذكره. وإن لم يتعلق ريبة [لا] 1 يذكره ولا بإخفائه لم يضر واحد منهما، وإن تردد النظر في أنه هل يورث ريبة؟ اختلف فيه، وقد تطلب قرينة تدفع الريبة من موافقة مذاهب الشاهد للحاكم وفقهه ونحو ذلك. فما يورث إخفاؤه ريبة؛ الجرح فلا يخفي اختلفا المجتهدين في أسبابه، ثم اشتباه كثير منها على كثير من الناس، فمن ثم لم يقبل إلا مفسرا2. ومنها: إذا أخبره ثقة بنجاسة الماء أو شهد به شاهدان لم يقبل ما لم يتبين السبب؛ إلا إذا كان المخبر أو الشاهد فقيها موافقًا في المذهب. ومنها: الشهادة باستحقاق الشفعة لا بد فيها من بيان السبب. ومنها: الشهادة بأنه وارثه. ومنها: الشهادة بالردة على ما صححه الشيخ الإمام الوالد وهو الصحيح الذي اقتضى بصحته كلام الرافعي والنووي -وإن كانا رجحًا الاكتفاء لإطلاق تصحيحه في باب الردة. ومنها: الشهادة بانتقال الملك أصح الأوجه لا بد من بيان سبب الانتقال. والثالث: الفرق بين الفقيهين الموافقين وغيرهما. ومنها: لو شهد أن بينهما رضاعًا محرمًا. ضابط الاستفاضة: اقتضى كلام أقوام أنها خبر جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب. وعليه دل كلام الرافعي في بعض المواضع؛ فعلى هذا هل هي التواتر بعينه. واقتضى كلام قوم أنها دونه، مع القطع بأنها فوق الظن المجرد، وهذا ما اقتضاه كلام الرافعي في كتاب الشهادات في مستند علم الشاهد؛ إذ حكى فيها أوجها أصحها "أنه خبر جمع كثير مع العلم أو الظن القوي بقولهم ويؤمن   1 سقط في "ب". 2 وأجاز أهل العلم التخريج صونا للشريعة ودفعا عنها. 3 قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 تواطؤهم على الكذب؛ غير أن لك أن تقول: إنما يؤمن التواطؤ على الكذب عند اليقين، وهذا نحو كلامه في كتاب القضاء؛ إذ جعل فيه المستفيض دون المعلوم. والذي يظهر أن المستفيض قد يكون معلومًا وقد يكون مظنونًا قويًا؛ غير أنه إذا انتهى إلى العلم كان متواترًا، فإذا هو أعم من التواتر، وإذا لم ينته إلى العلم فقد يعمل به وقد لا يعمل به؛ لأنا نتطلب في بعض الأماكن مستفيضًا انتهى إلى درجة العلم، وسيظهر لك ذلك. وإذا عرفت هذا فنقول: قال أصحابنا: لا تقبل الشهادة بالاستفاضة إلا في مسائل الموت والنسب. ولو من الأم، على الأصح، والوقف والنكاح والولاء وولاية الوالي وعزلة الرضاع، وتضرر الزوجة، والصدقات والإسلام والكفر والرشد والسفه، والحمل، والولادة والوصايا، والحرية، وشراب قديم معروف بقوم، واللوث وكذا الغصب -ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية وهو ظاهر، والدين وهو على وجه حكاه الهروي في الأشراف. ومنها: التعديل والجرح. وهنا فوائد: أحدها: نقل الرافعي عن العدة أنه لو استفاض فسق الشاهد بين الناس؛ فلا حاجة إلى البحث والسؤال وينزل المستفيض منزلة المعلوم. وسكت على هذا في الفصل الرابع في التزكية في كتاب القضاء، ثم بعد ورقتين -ذكر أنه إذا استفاض الفسق وانتشر جاز الجرح به، فيما حكى ابن الصباغ وصاحب التهذيب وغيرهما. قلت: وليست هذه مسألة العدة؛ فتلك في أن الاستفاضة بفسقه تدفع بها شهادته، أما إنشاء الحكم به: فهو مسألة ابن الصباغ وصاحب التهذيب وليتنبه فيها لأمرين. أحدهما: أنهما وغيرهما لم يجوزوا -ولا واحد منهم- الجرح بمجرد الشياع والانتشار؛ بل لا بد -معهما- من حصول العلم، وبذلك صرح الماوردي والبندنيجي، وإليه أشار -أيضا- ابن الصباغ وصاحب التهذيب. أما إذا لم يفد العلم اليقين؛ فلا يجوز اعتماده وهتك أعراض الناس به، قال ابن الرفعة: وبهذا صرح الغزالي تبعًا للإمام في مكان آخر قال: وهو الحق، لأنه مما يمكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الوقوف عليه، وليس من شأنه -إذا وقع- أن تتناوله الألسن على مرور الزمان؛ فلا يقنع فيه بما لا يحصل العلم من الاستفاضة، قال: ولهذا حكي عن الشيخ أبي حامد أنه قال: السماع من الواحد والعشرة لا يجوز الشهادة به؛ لأنه لا يصير به علما، وإن كان من مذهبه الاكتفاء في الاستفاضة بالسماع من عدلين. قلت: وكذلك قال صاحب البحر: وإنما لم يقيده الرافعي بالعلم؛ لأنه ذكر عقيبه أنه لا يجوز الجرح بناء على خبر الواحد والعدد اليسير، وملعوم أنه لو اكتفى بالظن لاكتفى بالواحد، أو بالظن القوي لاكتفى بالعدد اليسير. وفي المهذب أنا اكتفينا بقول أصحاب المسائل جاز للواحد منهم أن يعتمد فيما يشهد عند القاضي من الجرح والتعديل على قول واحد إذا سكنت نفسه إليه. وهو مأخوذ من الماوردي؛ لكنه مفروض في أصحاب المسائل، ثم هو غير موافق عليه وما ذكره الشيخ أبو حامد وغيره في غير أصحاب المسائل؛ فهذا أحد الأمرين. والثاني: أنه مخصوص بالشاهد إذا استفاض عنه فسقه. أما الحاكم لو استفاض فسقه؛ فهل للشاهد أن يشهد به؛ فهذا لم أره مسطورًا، والذي أعتقده أنه لا يجوز؛ لأن الكلام بالبهتان في أرباب الولايات كثير، وتقضي العادة بأنه لا يستفاد منه علم؛ بل ولا ظن قوي. الفائدة الثانية: هذا كله في استفاضة لها أصل؛ لأن هذا في معنى المتسفيض، ونعني بما له أصل ما ينتهي الحال فيه إلى عدول معينين يخبرون عن مشاهدة أدنى عددهم -كما علمت- أحد عشر، ولا يكتفي بمجرد شياع لا يعرف أصله، وإليه الإشارة بقول الرافعي: لا يجوز الجرح بناء على خبر الواحد والعدد اليسير، نعم له أن يشهد على شهادته بشرط الشهادة على الشهادة. انتهى. وهو صحيح، ذكره أكثر الأصحاب؛ غير أن الرافعي لم يعين مقدار العدد اليسير، وقد قدمنا عن الشيخ أبي حامد وصاحب البحر أنهما قالا: لا تكفي العشرة؛ فحينئذ [أقل ما يكفي] 1 أقل جموع الكثرة وهو أحد عشر فليتنبه لذلك؛ فمن زعم استفاضة بدون هذا العدد فهو جاهل. الثالثة: الاستفاضة -على ما فهمت عن الأصحاب- غير السماع، والسماع هو   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الذي وقع في لفظ الشافعي رضي الله عنه، والمراد به التواتر. الرابعة: شرط العمل بالاستفاضة أن لا تعارض باستفاضة مثلها؛ فإن عورض بطل حكمه لأنا إن شرطنا العلم في الاستفاضة فالمعارضة تدل على أنه لا استفاضة من الجانبين؛ لأن القاطعين لا يتعارضان. وإن قلنا: يكتفي فيها بالظن الغالب؛ فعند المعارضة ليس الظن المستفاد من إحدى الاستفاضتين بأولى من مقابهما، وهذا مما لا يتصور فيه خلاف. قاعدة: [من قبلت روايته أو شهادة في شيء] 1؛ فهل يكتفي بإطلاقه القول في ذلك أو يكلف بيان السبب؟ التحقيق أنه لا يكلف [بيان السبب] 2 فيما لا تشتبه طرقه، ويختلف فيه المجتهدون3، وهل يكلف فيما اشتبهت طرقه واختلف المجتهدون فيها طلبًا للاحتياط ودرءًا لاحتمال يخالف اجتهاد الشاهد والمشهود عنده واحتمال بناء الشاهد شهادته على ظن ليس هو عند المشهود عنده كما هو عنده أو لا يكلف اكتفاء بأن الجاهل بما هذا شأنه لا يقبل خبره، ولا شهادته في ذلك؟ وإذا كان عالما فهو يدري أين يضع قوله أو يكلف عدم ذكره لئلا يورث ذكره إياه ريبة. هذه احتمالات ثلاثة، والتحقيق فيها الاختلاف باختلاف الصور. فمنها: الشهادة بالجرح والتعديل، والصحيح لا بد من بيان سبب الجرح دون التعديل. ومنها: ما إذا أخبره ثقة بنجاسة الماء أو شهد به شاهدان لم يقبل ما لم يبين السبب؛ إلا إذا كان المخبر أو الشاهد فقيها موافقًا في المذهب. ومنها: لو شهد باستحقاقه الشفعة فلا بد من بيان السبب. [ومنها لو شهد بأنه وارثه لا بد من بيان السبب] 4. ومنها: لو شهد بالردة. رجح الرافعي والنووي القبول مع الإطلاق، واقتضى كلامهما -في مواضع- أنه لا بد من بيان السبب، وهو الصحيح عند الشيخ الإمام وإياه يصحح ويستشكل ما وراءه.   1 تقديم وتأخير. 2 سقط في "ب". 3 في "أ" ويختلف فيه المجتهدين والمثبت من "ب". 4 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ومنها: لو شهد بالموضحة الأصح القبول، وقال القاضي الحسين: "لا بد من التعرض لإيضاح العظم"، وتردد فيما إذا كان الشاهد فقيهًا وعلم القاضي أنه لا يطلق لفظ الموضحة إلا على ما يوضح العظم. ومنها: إذا شهدا بانتقال الملك إلى زيد ولم يبينا سبب الانتقال؛ فأصح الأوجه عدم القبول، والثالث: إن كانا فقيهين موافقين فلا حاجة إلى بيان السبب. ومنها: إذا شهدا أن حاكمًا حكم بكذا ولم يعيناه فالأصح القبول. ومنها: إذا شهدا أن بينهما رضاعًا محرمًا؛ ففي الاحتياج إلى السبب وجهان: الأكثر لا يحتاج، وتوسط الرافعي .... قاعدة: الشيء الذي لا ينضبط أسباب الاطلاع عليه إذا أثارت أسباب معرفته لبعض العارفين بها ظنًّا يسوغ له الشهادة بمقتضى ذلك الظن -لم يجز أن يصرح به في شهادته؛ لأن ذكرى إياه بين يدي الحاكم قد يورث الحاكم ريبة؛ إذ من الجائز أن لا يتبين عند الحاكم الظن الذي أثاره عند الشاهد، لا سيما وقد يقوم عند الشاهد إشارات تقصر عنها العبارات، ومن ثم قالوا فيما يشهد فيه بالاستفاضة: أن الشاهد [لو] 1 صرح بأن مستندة الاستفاضة لم يقبل؛ لأنه أضعف قوله بذكر مستنده. وفي القاعدة مسائل: منها: ما ذكرناه من أن الشاهد فيما يشه به فيه بالاستفاضة لا يذكر مستنده. قاعدة: ذكر بعضهم أن أصل قاعدة مذهبنا "أن اللهو واللعب أصلهما على الإباحة خلافًا لمالك". وهذه العبارة لا أعرف أحدًا -من الأصحاب- قالها؛ ولكنها قضية أن أصول الأشياء على عدم التحريم. فائدة: قال الجرجاني في "المعاياة" والروياني في "الفروق": ليس أم ولد يمتنع السيد من وطئها من غير تعلق حق زوج بها إلا في مسألتين. إحداهما: أن يشتري أخته من الرضاع ويطأها جاهلًا بالتحريم ويحبلها؛ فإنها تصير أم ولد، ويمنع من وطئها للتحريم القائم بينهما بالرضاع. قلت: ولا حاجة إلى تقييد التصوير بأخوة الرضاع؛ بل لو اشترى أخته من النسب   1 في "ب" إذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 ووطئها بشبهة صارت أم ولد، وحرمة الوطء قائمة بل وطئها لا بشبهة صارت أم ولد أيضًا، وصار الولد حرًّا نسيبا، وإن وجب التعزير على الأظهر والحد على قول، وصيرورتها أم ولد وولدها نسيبًّا على كل من القولين. كذا جزم به الرافعي في [عتق] 1 أمهات الأولاد؛ ولكنه في باب حد الزنا- جعل ذلك طريقة مرجوحة؛ فقال: فإن قلنا: لا حد ثبت النسب والمصاهرة؛ وإلا فلا، وقيل يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد بلا خلاف. انتهى. قالا: والثانية: أن يكون لكافر أم ولد فتسلم؛ فإنه يمنع من وطئها إلى أن يسلم. قلت: وبقيت ثالثة: إذا وطئ الأب أم ولد ابنه بشبهة حرمت على الابن على التأبيد ولم تحل للأب بحال. فائدة: ليس من لا يضمن شخصًا؛ ولكن يضمن طرفه إلا السيد مع مكاتبه إن قتله لم يضمنه، وإن قطع طرفه ضمنه .... قاعدة: قال صاحب التنبيه: "لا يصح الدعوى بمجهول إلا في الوصية". وهذه القاعدة صحيحة، وقد طردها القاضي الحسين، ومنع الدعوى بالمجهول في الوصية أيضًا؛ ولكن الصحيح خلافه، لئلا يضيع حقه؛ إذ لا طريق له غيرها وقول القاضي: يعين قدرًا ويدعي أن الموصي أراده -كيف يستقيم ... والغرض أنه أوصى بمجهول. وقد تورد -أيضا- الشعفة؛ فإن الشيخ الإمام رجح الدعوى بحقها، وإن لم يعين للثمن قدرًا ولا ادعى المشتري به علما، وذكرا أن قضية كلامهم تأباه. قلت: وصرح بمنعه القاضي أبو سعد في "الأشراف"، وبتقدير جوازه -على [مثال] 2 الشيخ الإمام- فالمدعي به ليس بمجهول لأنه حق الشفعة؛ إنما المجهول شرطه وهو الوقوع بثمن معين. وكذلك قد يورد ما إذا ادعى رب المال في المساقاة -على العامل- خيانة لا لقصد تغريمه بل لرفع يده؛ ففي سماعها مجهولة وجهان في "الحاوي" قال الشيخ الإمام -في باب المساقاة: "أصحهما سماعها" قال: "وليس ذلك من مواضع المستثناة في سماع الدعوى بالمجهول؛ لأن هذا إنما هو دعوى خيانة، [وهو] 3 أمر معلوم، فيختلف   1 في "ب" غير. 2 في "ب" على ما قال. 3 في "ب" وهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 عليه، أو تقام به البينة. وإن شارك الدعوى بالمجهول في الصورة. وضم بعضهم -إلى الوصية- الإقرار؛ فإن الدعوى -بالإقرار بمجهول- صحيحة على الصحيح. ولك أن تقول: المجهول في الإقرار ليس مجهولًا من كل وجه، ومن ثم يقول: "التحرير" في هذا الضابط "إن المجهول من الحقوق- ضربان"؛ ضرب لا يكون ثابتا؛ وإنما يطلب ثبوته، وبعبارة أخرى نقول: يكون ثبوته موقوفا على تعيينه، والمطلوب من الحاكم [تعيينه] 1 وبعبارة ثالثة: نقول: يطلب من الحاكم إنشاء تقديره فتسمع الدعوى به -مع الجهالة- بلا خلاف. وليس مما نحن فيه؛ وذلك كالمتعة والحكومة والمفروض للزوجة. وضرب يكون [ناشئًا] 2 -لا يحتاج إلى إنشاء الحاكم إثباته ولا في تعيينه وهو ثلاثة: الأول: المجهول في نفس الأمر وهو المبهم كالوصية بمجهول. الثاني: المجهول عند المدعي؛ ولكنه [معلوم] 3 في نفس الأمر. وهو الإقرار بالمجهول والصحيح التحاقه بالأول. الثالث: أن يكون معلوما عند المدعي؛ غير أنه يجهله على الحاكم ولا يبينه له؛ فهذا هو الذي لا تصح الدعوى به، ولا يستثنى منه شيء. قاعدة: "لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف" ... قاعدة: "قال الشيخ أبو علي رضي الله عنه: "كل ما صحت إقامة البينة به صحت الدعوى به". ونقضها ابن أبي الدم بصور تكلم عليها الشيخ الإمام في باب الإقرار من شرح المنهاج. قاعدة: "كل دعوى يشترط فيها أن يكون متعلقة بشخص معين". وفي وجه يستثنى الدم فإذا قال: قتله أحدهم -وهم جمع يمكن اجتماعهم على قتله- حلفهم الحاكم. وصححه الغزالي في الوجيز. والأصح -في المنهاج والروضة المعزو في الشرح الكبير إلى تصحيح صاحب   1 سقط في "ب". 2 في "أ" ناشئًا والمثبت من "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 التهذيب -أن القاضي لا يجيبه. قال الرافعي: ولم يورد جماعة من الأصحاب غيره. وحاول ابن الرفعة موافقة الغزالي على تصحيح الأول؛ فقال في "المطلب": ومأخذ الخلاف يشبه الخلاف في الدعوى المردودة للحاجة كما إذا دفع ثوبًا قيمته خمسة ليبيعه بعشرة، ولم يدر هل باعه [أو تلف] 1 أو هو باق، وقد نقل الغزالي عن القاضي أن القضاة اصطلحوا على قبول هذه الدعوى، وقضية التشبيه أن يكون الأمر هنا كذلك فلا جزم. قال في الوجيز: "إنه الصحيح"، وهو يوافق قول ابن الحداد إذا أبهم الإيلاء بين امرأتين وحضرتا طالبتين للفيئة أو الطلاق تسمع منهما -مع إبهام المستحقة -ويعضده اتفاق الأصحاب- على سماع الدعوى-مجهولة- بالوصية؛ لأنه لو لم تصح الدعوى مع الجهالة لأدى ذلك -في الغالب- إلى ضياع حقه؛ وذلك موجود في القتل. قلت: ولا يخفى على ابن الرفعة أن الإبهام فيما ذكره من الصور ليس هو في المدعى عليه حتى يشابه ما نحن فيه؛ وإنما هو في مسألة الثوب في المدعى به وكذلك في مسألة الوصية -الدعوى بمجهول لا على مجهول، وفي مسألة الإيلاء الإبهام في المدعي نفسه؛ فإن الدعوى -في الحقيقة- من أحدهما وهو مبهمة- لا منهما ولا من معينة. ولكن كأنه يشير إلى أنه لا فرق بين الجهل بالمدعي -كالمرأتين- والمدعى به كالثوب، والمجهول الموصى به والفيئة أو [الطلاق] 2 -اللتين يطلب في الإيلاء إحداهما -والمدعى عليه كمسألة الدم. وكان أوضح من استشهاد ابن الرفعة -التصحيح مع الإبهام بما ذكره- أن يستشهد بقول الرافعي في طرق اللوث: "لو قال: القاتل أحدهم -ولا أعرفه- لم يمكن الولي من القسامة، وله أن يحلفهم؛ فإن نكلوا بأجمعهم فأراد أن يحلف واحد منهم .... المسألة. فإن جزمه بأن له تحليفهم يقتضي صحة الدعوى؛ لأن التحليف فرعها ومن هذا يؤخذ أن الرافعي -في مسألتنا هذه؛ إما أن يكون موافقًا للغزالي على ما صححه، أو لا تصحيح له في المسألة. وإن في إطلاق النووي التصحيح -في أصل الروضة- نظر [ولم يحمل] 3   1 في "ب" باعه وتلف. 2 في "ب" الإطلاق. 3 في "ب" أو لم يحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 النووي على ذلك إلا قول الرافعي: "إنه لم يورد جماعة من الأصحاب غيره"، عزوا تصحيحه إلى صاحب التهذيب. في هذه المسألة نتبيهات: أحدها: أن الغزالي جعل -في الوسيط- محل الوجهين في أنه هل تسمع الدعوى على واحد منهم -من أحد العشر مثلًا؟ وجعل الإمام رحمه الله محلها في التحليف؛ إذ قال: "ولو أشار إلى جمع محصورين، وقال: أعلم أن قاتل أبي فيكم وأحلفكم واحدًا [واحد] 1، هل له ذلك؟ على وجهين مشهورين. أحدهما: ليس له ذلك؛ فإن اليمين [مرتب] 2 على الدعوى، وإذا لم تتعلق الدعوى -الجارية- بالتحليف، لم ينتظم تحليفه. والثاني: يحلفهم؛ لأنه يتطرق به إلى إظهار غرضه. قال ابن الرفعة. وهذا الإيراد قد يفهم أن الدعوى لا تسمع جزمًا؛ وإنما الخلاف في طلب اليمين؛ وذلك أمر لا يعقل؛ فلذلك نصب الغزالي الخلاف في الدعوى. قلت: وإيراد الرافعي ومن بعده -إلى منهاج النووي- جار على قضية ما أورده الإمام؛ فليتأمل. وهذه عبارة المنهاج: فلو قال: قتله أحدهم لم يحلفهم القاضي في الأصح، وقول ابن الرفعة: إن اليمين من غير دعوى لا يعقل، يعني في الخصومات؛ وإلا فالشافعي يحلف رب المال إذا اتهمه في الزكاة، ومسائل كثيرة يقع التحليف فيها من غير دعوى؛ ولكن ابن الرفعة إنما أراد التحليف في الخصومة عند الحكام، ولا يرد عليه ما قدمناه فيما إذا قال: "القاتل أحدهم"، ولا أعرفه حيث ذكرنا أن له التحليف؛ فإن ذلك التحليف ليس إلا بعد الدعوى. نعم لو كان الرافعي صحح أن الدعوى غير مسموعة، ثم قال: إن له التحليف لأورد على ابن الرفعة لو أشكل على الرافعي، والحق أنه لا يورد [اليمين] 3، وأن اليمين من غير دعوى في الخصومة غير معقولة -كما ذكر ابن الرفعة. لكن ذلك أن تقول: سلمنا أن التحليف من غير دعوى غير معقول؛ لكن الدعوى من غير تحليف معقولة، كالدعوى على قيم اليتيم، وسائر المسائل التي يقبل قول المرء   1 في "ب" واحدًا فواحدًا. 2 في "ب" تترتب. 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 من غير يمين؛ فإن يدعي عليه، ثم لا تؤول تلك الدعوى إلى يمين، فما مستند الغزالي في وضعه الوجهين في سماع الدعوى. الثاني: قال الغزالي -في الوسيط- لكنهم لو نكلوا جميعًا أشكل اليمين المردودة على الدعوى المبهمة. انتهى. ولم يذكره الرافعي في "الشرح" ولم يبين ابن الرفعة في "المطلب" حال هذا الكلام، وكان ذلك لوضوحه عنده. وحاصله: أن النكول يقتضي اليمين المردودة، ولا سبيل إليها هنا؛ لأنه لم يعرف عين القاتل ليحلف أنه هو؛ فأورد الغزالي هذا الإشكال على ما يصحح سماع الدعوى المبهمة -ولعله- من أجله- لم يفصح في "الوسيط" بتصحيحها، وإن كان في "الوجيز" صححها. وأنا أقول: هذا الإشكال مندفع. أما إن قلنا: بأن النكول في القسامة لا يقتضي رد اليمين -وهو وجه مفرغ على القول باقتضاء القسامة في القصاص [فواضح] 1؛ إذ ليس كل نكول -والحالة هذه- مقتضيًا لرد اليمين. وإما إن قلنا بالرد -وهو الصحيح- فأقول: لا رد هنا ولا إشكال؛ فرب ناكل لا ترتد اليمين -بعد نكوله- على المدعي؛ ألا ترى أن ولي الصبي إذا ادعى له بشيء، وطلب يمين المدعي به ونكل؛ فإن الولي لا يحلف. فإن قلت: لأنا ننتظر بلوغ الصبي فنحلفه، ولا كذلك فيما نحن فيه. قلت: بل ننتظر أيضًا أنه يعين القاتل ثم يحلف، ونقول له: عين من اتهمت واحلف. فإن قلت: لو عينه [كان] 2 مجددًا دعوى غير تلك الدعوى، والتحليف -حينئذ- فيها لا في تلك. قلت: بل يحلف في تلك الدعوى بعينهما، ولا يكلف دعوى مجددة؛ لأن التعيين لا ينافي الإبهام، كما أن الإطلاق لا ينافي التفصيل. والصحيح المنصوص أنه إذا أطلق الدعوى يستفصله القاضي ولا يعرض عنه بل   1 في "ب" واضح. 2 في "ب" لكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 يقول: أعمدًا قتلته أم خطأً؟ أمنفردًا أم يشاركا لغيره؛ فدل أنه لا منافاة، ولو نافى التعيين والتفصيل الإبهام والإطلاق. لم يسمعها لمناقضة الدعوى الثانية للأولى. الثالث: الخلاف في الدعوى المبهمة يجري في دعوى -الغصب والإتلاف والسرقة وأخذ الضالة- على أحد الرجلين أو الثلاثة، ولا يجري في دعوى القرض والبيع وسائر المعاملات، وقيل: يجري فيها أيضًا، وقيل: بل هو مقصور على دعوى الدم؛ [فهي] 1 ثلاث طرق. قاعدة: ذكرها الإمام في "النهاية" في باب القسامة: كل يمين لا يمين بعدها في مراتب الخصومات فالنكول عنها هل يبطل حق الناكل؟ فيه خلاف، ومن ثم إذا ردت اليمين على المدعي فامتنع؛ فيسأله القاضي عن سبب امتناعه؛ فإن لم يتعلل بشيء، أو قال: لا أريد أن أحلف فهذا النكول يسقط حقه في اليمين، وهل يتمكن من استئناف الدعوى وتحليفه في مجلس آخر حتى إذا نكل حلف المدعي أو لا يتمكن من ذلك ولا ينفعه إلا البينة؟ فيه وجهان: قال العراقيون والهروي أبو سعد والروياني بالأول، وقال الإمام والغزالي والبغوي بالثاني؛ قال الرافعي: وهو أحسن وأصح لئلا تتكر الدعوى في القضية الواحدة. قاعدة: ذكرها الإمام في باب الدعوى والقسامة قال الأصحاب: الأصل أن من نكل عن يمين في خصومته لا يحلف تلك اليمين -بعينها- في ذلك المقام من تلك الخصومة. وهل يحلف في مقام آخر من تلك الخصومة مع اتحاد المقصود؟ فيه خلاف، ومن ثم لو علل المدعي امتناعه عن اليمين بعذر، ثم عاد بعد مدة ليحلف، مكن منه وإن [تعلل] 2 أو صرح بالنكول؛ فقال الغزالي والبغوي: يبطل حقه من الحلف. وليس له العود واستمر العراقيون على أن له العود. فلو أقام شاهدًا واحدًا في دعوى مال ولم يحلف معه؛ فحلفنا المدعي عليه فنكل؛ فهل ترد اليمين على المدعي وقد امتنع عن اليمين مع الشاهد؟ فيه قولان: وكذلك إذا لم يكن -في دعوى المال- شاهد فرددنا اليمين على المدعي بعد نكول المدعى عليه فنكل عن يمين الرد، ثم أقام شاهدًا وأراد أن يحلف مع شاهد فهل له ذلك؟ فيه قولان:   1 في "ب" فهو. 2 في "ب" وإن لم يعلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 قاعدة: ذكرها الإمام [في النهاية] 1 في باب دعوى الدم، وقال: إنها ضابط تمس الحاجة إلى ذكره "كل نكول يتعلق به حق حلف حالف بعد النكول إذا طهر فلا عود من الناكل". ومن ثم إذا أراد المدعي عليه -بعد الامتناع- أن يعود فيحلف؛ فإن كان بعد أن حكم القاضي بأنه ناكل أو قال المدعي: احلف لم يكن له الحلف، وإن أقبل عليه ليحلفه ولم يقل له -بعد- احلف، فوجهان. وإن لم يكن "شيء من ذلك؛ فله الحلف؛ حتى لو هرب المدعي عليه قبل أن يحكم القاضي بأنه ناكل وقبل عرض اليمين على المدعي، لم يكن للمدعي أن يحلف اليمين المردودة، وكان للمدعي عليه أن يحلف إذا عاد. قاعدة: لا يقضي بالنكول واستثنى مسائل: منها: الصبي يستأسر ويوجد قد أنبت ويدعي الاستعجال بالدواء، ونقول الإنبات علامة البلوغ؛ فيحلف، فإن نكل جاز قتله. منها: الذمي يسلم ويدعي أن إسلامه قبل السنة فلا جزية فيحلف فإن نكل أخذت منه ومن مات من غير وارث فادعى له الإمام بدين فنكل المديون، لزمه الدين. ومنها: إذا ادعى رب المال أنه لا زكاة عليه ونكل، لزمته. ومنها: إذا ادعى ولد المرتزق البلوغ لينزل في الديوان وحلف فنكل لم ينزل. واعلم أنه لا يصح استثناء شيء من هذه الصور، وقد عد الجرجاني -في المعاياة- سبع مسائل وقال في أولها: "يحكم على الناكل بأصل الوجوب لا بالنكول؛ فأشار إلى أنه لم يقع بنكول. وهو الصواب. قاعدة: قال الرافعي رحمه الله في باب الدعوى والبينات: "الحالف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة". وقل قيل: من توجهت عليه دعوى لو أقر بمطلوبها ألزم به؛ فإذا أنكر حلف عليه وقبل منه، ولا بد من استثناء صور عن هذا الضابط. انتهى. والعبارة الثانية -وهي قوله: "وقد قيل" إلى آخره- يحتمل شرحا للعبارة الأولى؛ لأن الدعوى الصحيحة هي التي لو أقر بمطلوبها ألزم به، وهذا ما فهمه الوالد رحمه الله، واستدل عليه بثلاثة أمور.   1 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 أحدها: قوله "وقد"؛ فإنها ليست العبارة المألوفة في ذكر الخلاف. والثاني: قوله: "عن هذا الضابط" وما قال الضبطين. والثالث: اقتصاره -في "المحرر" قلتك وكذلك في الشرح الصغير- على العبارة الثانية؛ فلو كانت عنده ضعيفة لما اقتصر عليها. ويحتمل أن يكون خلافا، وهذا ما فهمه النووي -إن كان في المنهاج اتبع المحرر، ويدل على أنه فهم ذلك قوله -في الروضة- وقيل: "كل من توجهت" إلى آخره؛ فحذف لفظ "قد" تصريحًا بالخلاف، ويؤيده أن الإمام ذكر -عن القاضي الحسين ضابطًا فيما يجري فيه التحليف، وحاصله أنه حكى وجهين: أحدهما: أن حده أن يدعي حقا. والثاني: أن ينفي دعوى ما لو أقر به ليقع إذا كان لا يؤدي إلى فساد احترازًا عن منع تحليف الشاهد والقاضي. فلعل قول الرافعي: "وقد قيل" -إشارة إلى هذا الوجه الثاني. ثم يستثنى مسائل لا تحليف فيها مع صحة الدعوى وكونها لو أقر بمطلوبها ألزم .... قاعدة: قال الرافعي: "كل مكلف حنث في يمينه لزمته الكفارة حرًّا كان أو عبدا". قال ابن الرفعة -في المطلب- وكذا قاله الغزالي قلت: والرافعي أيضًا. قال ابن الرفعة: ويطرقه سؤال؛ فإنه يقتضي اعتبار التكليف -حالة الحنث- في إيجاب الكفارة، ولا نعلم خلافًا فيمن خلف على عبده لا يدخل الدار فجن الحالف ثم دخل العبد، أنه يحنث، كما لو قال لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق فجن ثم دخلت، ثم لو كان ذلك معتبرًا لكان مخالفًا لقوله -أول الباب- "إن سبب وجوب الكفارة اليمين"؛ فإن السبب إذا وجد في حالة التكليف لا يقدح في العمل به وجود شرطه حال عدم التكليف. والأصحاب حكوا قولين أو وجهين في أن الاعتبار في تعليق الطلاق والعتق بحالة التعليق -كما هو الصحيح- أو بحالة وجود الصفة، ولم يختلفوا فيما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر في حال جنون السيد، أنه يعتق -كما ستعرفه في التدبير، وما نحن فيه مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 نعم [يتجه] 1 ذلك على قول أبي حنيفة -الذي حكيناه وجهًا لبعض الأصحاب أن السبب الحنث"؛ فإذا وجد حال الجنون أمكن أن لا يؤثر، وكذلك إذا قلنا السبب اليمين والحنث. والذي يظهر -أنا وإن قلنا وبذلك- فلا أثر له أيضًا؛ لأن إيجاب الكفارة- على هذا -من باب الوضع والإجبار كغرامة المتلفات وأروش الجنايات". انتهى. قاعدة: "من حلف على فعل نفسه حلف من البت، وإن حلف على فعل غيره فإن كان على إثبات فكذلك، وإن كان على نفي حلف على نفي العلم. قال الرافعي: وقد يختصر فيقال: اليمين على البت إلا أن يحلف على نفي فعل غيره. ويستثنى مسائل ليس منها شيء -عند التأمل- يستثنى؛ وإنما ذكرناها لما يقع في الذهن من كونها مستثناة. منها: لو ادعى على رجل أن عبدك جنى علي بما يوجب كذا؛ فأنكر فالأصح يحلف على البت؛ لأن عبده ماله، وفعله كفعله. ولو ادعى أن بهيمتك أتلفت لي زرعًا أو غيره -حيث يجب الضمان- فأنكر حلف على البت؛ لأنه لا ذمة لها والمالك لا يضمن بفعل البهيمة؛ بل بتقصيره في فعلها، وهو أمر يتعلق بفعل الحالف. ومنها: لو نصب البائع وكيلًا ليقبض الثمن ويسلم المبيع فقال له المشترى: إن موكلك أذن لي في تسليم المبيع، وترك حق الحبس -وأنت تعلم- فأحد القولين: إنه يحلف على البت، واختاره أبو زيد؛ لأنه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المبيع. وأقواهما -عند النووي- أنه يحلف على نفي العلم جريًا على القاعدة. ومنها: لو مات عن ابن -في الظاهر- فقال آخر: أنا أخوك والميراث بيننا؛ فأنكر حلف على البت؛ لأن الأخوة رابطة بينهما؛ فهو حلف [لنفسه] 2. ولو طالب البائع بتسليم المبيع -فادعى حدوث عجز عنه وقال- للمشتري: أنت أعلم به؛ فأنكر، حلف على البت؛ لأنه يستبقي بيمينه وجوب تسليم المبيع إليه. هكذا ذكر الصورتين ابن القاص ونازعه آخرون وقالوا: يحلف على نفي العلم وصححه النووي.   1 في "ب" يتحدد. 2 في "ب" في نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ومنها: ادعى -على الوارث- دينا على الميت؛ فأنكر الوارث العلم به، فأوجه أصحها: يحلف على نفي العلم جريًا على القاعدة. والثاني: على البت؛ لأن الظاهر اطلاعه عليه. والثالث: الفرق بين تعهده حاضر أو غائبًا. ومنها: إذا علق طلاقها على كون الطائر غرابًا؛ فادعت أنه كان غرابًا، وأنها طلقت؛ فعليه أن يحلف على البت، أنه لم يكن غرابًا، ولا يكفي أن يقول: لا أعلم كونه غرابًا أو نسيت الحال. قال الرافعي: "ذكره الإمام، وفرق بينه وبين ما إذا علق طلاقها على دخولها ودخول غيرها، وأنكر حصوله؛ حيث يكون الحلف على نفي العلم بالدخول بأن الدخول -هناك- فعل الغير [والحلف على نفي الغير] 1 يكون على [نفي] 2 العلم، ونفي الغرابية ليس كذلك بل هو نفي صفة في الغير، ونفي الصفة كثبوتها في إمكان الاطلاع، وإذا كان الشيء مما يطلع عليه -في الجملة-[لم] 3 تغير القاعدة بأن يفرض بعذر أو عسر. ولم يحك الغزالي -في الوسيط- وجه الفرق بل ذكر الحلف -على البت- في مسألة الغراب، وعلى نفي العلم في مسألة الدخول ثم قال: "هكذا قال إمامي وليس يتبين لي فرق بينهما أصلًا؛ بل ينبغي أن يقال -عليه- يمين جازمة، أو نكول في المسألتين جميعا. ولم يحك الرافعي كلام الغزالي هذا كأنه اكتفى بما ذكره من الفرق. وتكلم ابن أبي الدم -في كتاب أدب القضاء- على كلام الغزالي، وقال: من العجب توجه بالعجز عن الفرق بين المسألتين، وعندي الفرق بينهما ظاهرًا جدًّا، وذكر ما حاصله أن الدخول فعل الغير؛ فيحلف نافية على نفي العلم، وكون الطائر غرابًا ليس فعل الغير، بل هو تعليق على كون هذا الطائر المشاهد موصوفا بصفة كونه غرابا وإذا لم يكن تعليقا على فعل الغير، بل تحقق حقيقة كونه غرابًا حلف على من نفي تلك الصفة الحقيقية على البت بأن هذه الصفة لم توجد قال: "ونظير قوله: إن كان هذا الطائر غرابًا بعد مشاهدته والجهل بحقيقته تحقق دخول أحد.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 رجلين إلى الدار والجهل بعينه؛ فيقول: إن كان هذا الرجل الكائن في الدار زيدا فأنت طالق، فنافى كونه زيدًا -بخصوصه- يحلف على البت كنظيره في مسألة الغراب، ونظير مسألة الدخول من الغراب أن يعرف كون الواقف غرابًا، ثم يفقده ويجهل هل طار أو مات، وكان قد حلف على طيرانه؛ فالنافي لطيرانه هنا يحلف على نفي العلم "انتهى ملخصًا، [وهو حاصل ما ذكره الرافعي] 1. واعلم أن هذا الإمام الغزالي أجل قدرًا من أن يخفي عليه مثل هذا الفرق والإمام أبو المعالي أرفع مقدار من أن يفرق حيث لا فرق، والتمهل في النظر بين كلام هذين الحبرين أولى من المبادرة، وأرى أن .... 2. قاعدة: قال ابن القاص تجب اليمين في كل حق لابن آدم إلا في أربعة مواضع. قلت: ومراده أن من قبل قوله في شيء كان عليه اليمين إذا طلبت منه إلا في مسائل، ولعل تعبيره -بحق لابن آدم- أصح لما سنبينه. ولنفتتح بالأربع التي ذكرها ابن القاص. منها: القاضي إذا ادعى عليه -بعد العزل- الحكم بباطل، وادعى عليه بقيمة المتلف؛ فأنكر؛ فلا يمين عليه، قاله الشافعي رضي الله عنه أيضًا. والشاهد إذا ادعى عليه أنه شهدًا زورًا. وادعى عليه قيمة المتلف؛ قاله ابن القاص تخريجًا. ولو ادعى رجلان زوجية امرأة فأقرت لأحدهما ولم تحلف للآخر. ولو ادعى عليه بشيء فقال: هو لولدي الصغير. هذه الأربع التي ذكرها ابن القاص، وحكى في الثالثة والرابعة قولًا قديمًا. ومنها: لو قال: له شيء، ثم فسره بما لا يتمول -كقشر فستقة؛ فالصحيح يقبل قوله؛ ولكن بيمينه على القاعدة، ونص عليه الشافعي رضي الله عنه هنا وصرح به الشيخ الإمام، وحاول ابن الرفعة إثبات وجهين، ولم يتعرض الرافعي لذكر اليمين رأسًا. ومنها: لو اختلف البائع والمشتري في عيب لا يمكن القول بقدمه كجراحة طرية، وقد جرى البيع والقبض من سنة؛ فالقول قول البائع في أنه حدث عنه عند المشتري بلا يمين.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 2 بياض الأصل في أ، ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ولو كان مما لا يمكن حدوثه -كأصبع زائدة وقد جرى البيع أمس- فالقول قول المشتري في قدمه. كذا أطلقوه، وينبغي أن يكون بلا يمين على قياس الجراحة الطرية. قلت: وكان عدم اليمين هنا؛ لأن التكليف بها عبث للعلم بمضمون الحال فكأنه لا حق للمدعي فيما ادعاه لا ظاهرًا ولا احتمالًا، ومن هنا استحسن قول ابن القاص: "يجب اليمين في كل حق لابن آدم"؛ فلا ينبغي أن يستثنى إلا [ما هو] 1 خارج من حق، ولو في الظاهر" .... قاعدة: كل يمين قصد بها الدفع لا يستفاد بها الجلب، "وقد يقال": كل يمين كانت لدفع شيء [لا تكون] 2 لإثبات غيره. وفي القاعدة مسائل: منها: إذا ادعى العنين أو المولى الوطء، وأنكرت المرأة فهو المصدق بيمينه؛ فإذا طلقها -بعد ذلك- وقال: هذا طلاق بعد المسيس؛ فإنكم صدقتموني أني وطئتها، وأراد الرجعة وهي على إنكار الوطء، قال ابن الحداد وأكثر الأصحاب. لا يمكن من الرجعة والقول قولها فإن يمينه في الوطء كانت لدفع الفسخ فلا يستجلب به الرجعة. ومنها: إذا ادعى المودع تلف الوديعة عنده، وأنكر المودع التلف فصدقنا المودع المودع، وقال: قد صدقتموني في التلف عندي وهو الذي أوقعني في هذا الغرم؛ فإنا لا نمكنه من الرجوع، بل إذا حلف المودع على أن الوديعة لم تتلف عنده وهو خائن يستقر الضمان على المودع، ولا يلزم من تصديقه لدفع الضمان عن نفسه تصديقه لإثبات الغرم على غيره. ومنها: لو وجدنا دارًا في يد اثنين ادعى أحدهما أنها له، والآخر أنها بينهما نصفين وصدقنا الثاني بيمينه؛ لأن اليد تشهد له، ثم باع مدعي الكل نصيبه من ثالث؛ فإن أراد الآخر أخذ بالشفعة وأنكر المشتري ملكه؛ فإنه يحتاج إلى البينة، ويمينه، في الخصومة مع الشريك، أفادت دفع ما يدعيه الشريك لا إثبات الملك له. قد جمع الرافعي هذه النظائر في باب الإيلاء، وذكرها الشيخ أبو علي في شرح الفروع في باب الوكالة وزاد نظائر أخرى، ونحن نوردها فنقول: ومنها: وكل رجلًا في البيع وقبض الثمن؛ فادعى الوكيل الإقباض وأنكره الموكل صدق الموكل بيمينه.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ولو خرج المبيع بعد ذلك مستحقًا ورجع الوكيل على المشتري بالثمن لم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل بنظير الثمن بناء على مالك الثمن؛ لأن يمينه -تلك- كانت لدفع الغرم عنه؛ فلا تصلح لشغل ذمة الموكل، بل القول -الآن- قول الموكل في عدم القبض مع يمينه. وهذا الفرع من مولدات ابن الحداد، وقد فرع عليه ما- نذكره عقيبه. ومنها: إذا قال المشتري: العيب قديم وقال البائع: حادث؛ فصدقنا البائع بيمينه ثم جرى بعده الفسخ بتحالف وأخذ البائع يطالب المشتري بأرش العيب الذي أثبت حدوثه بيمينه، لم يكن له؛ لأن يمينه صلحت للدفع فلا تصلح لشغل ذمة الغير؛ بل للمشتري الحلف بأنه ليس بحادث الآن لدفع الأرش. هذا تمام ما ذكره الشيخ الإمام أبو علي، وهذان الفرعان ذكرهما ابن الحداد، وكذلك الفرع الأول. ومنها: قذف رجلًا فطالبه بحد القذف فطلب [القاذف] 1 يمينه على نفي كونه زانيًا فنكل ورد اليمين على القاذف؛ فحلف القاذف أنه زنى اندفع عند حد القذف ولم يجب على المقذوف حد الزنا سواء قلنا: يمين الرد كالإقرار أو كالبينة؛ لأن اليمين كانت لدفع حد القذف عنه لا لإثبات الزنا على المقذوف. ومنها: ما في الرافعي عن فتاوى البغوي من أنه لو تزوجها بشرط البكارة فوجدها ثيبًا ثم اختلفا فقالت: كنت بكرا فاقتضني وقال: بل كنت ثيبًا؛ فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ وقوله لدفع كمال المهر. ومنها: في مسألة الخياط الذي دفع إليه ثوبًا ليخيطه فخاطه قباء وقال للمالك؛ كذا أمرتني، وقال المالك: بل أمرتك بقميص. إذا فرعنا أن القول قول الخياط فحلف فلا أرش عليه قطعًا ولا أجرة له على الأصح، وفي الوجه الآخر له الأجرة إتمامًا لتصديقه. فإن قلت: لكن قالوا -تفريعًا على المذهب وهو أن القول قول المالك "أنه إذا حلف لا تلزمه الأجرة ويلزم الخياط أرش النقص على المذهب وقضية ما ذكرتموه أن لا يلزم الخياط أرش النقص.   1 زيادة يتم بها الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 قلت: فرق الأصحاب بأن القطع يوجب الضمان ما لم يكن بإذن وهو غير موجب للأجرة إلا بإذن. قاعدة: "كل ما جاز للإنسان أن يشهد به جاز له أن يحلف عليه ولا ينعكس". قاله الجرجاني والروياني، واستدلا بأن [باب] 1 اليمين أوسع إذ يحلف الفاسق والعبد ومن لا تقبل شهادته ثم لا يشهدون. وفيه مسائل: منها: إذا أخبره صادقان أن فلانًا قتل أباه أو غصب ماله جاز له أن يحلف ولا يشهد. ومنها: لو رأى بخطه أن له دينًا على رجل أو أنه قضاه حقه؛ فله الحلف إذا قوي عنده ولا يشهد. قاعدة: "كل حر يقبل خبره تقبل شهادته". قال الجرجاني: "إلا واحدا، وهو من أخرج القذف مخرج الشهادة ولم يتم العدد؛ فإنه ترد شهادته ويقبل خبره" وتبعه الروياني في كتاب الفروق وهو غريب لم أجده في غير كلامهما. وقضية رد شهادته أنه يرد خبره أيضًا إلا أن يتوب. نعم المذهب أنه لا يشترط مدة الاستبراء ثم قولهما: "كل حر" إلى آخره لا ينتقض بالصبي؛ فإن الأصح أنه لا يقبل خبره كما لا تقبل شهادته. فصل: من الكلمات الدائرة -في الفقه والأصول- أن الجرح مقدم على التعديل. لم يستثن أكثر الأصحاب من هذا إلا إذا قال المعدل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح؛ لكنه تاب منه وحسنت حالته. قالوا: فتقدم بينة التعديل لأن معها زيادة علم؛ لكنهم، وإن لم يصرحوا باستثناء عين هذه الصورة؛ فقد صرحوا بمأخذ المسألة [التي] 2 يدور معه حكم تقديم الجرح على التعديل، والتعديل على الجرح فإنهم قالوا -على اختلاف طبقاتهم: إن الجارح إنما قدم لما عنده من الزيادة على ما خفي على المعدل؛ وذلك لأن المعدل بيني على ما هو الأصل الظاهر من حال المسلم، والجارح اطلع على ما نسخ ذلك الأصل ونقل عنه.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" الذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وشبه ذلك جماعات -من متقدميهم القاضي الحسين ومن متأخريهم الرافعي- بما لو قامت بينة على الحق وبينة على الإبراء تقدم بينة الإبراء. واستثنى القاضي الروياني -في البحر- من تقديم الجرح مسألة زعم أنه لا يستثنى سواها [وهي] 1 إذا جرحه اثنان في بلد، ثم انتقل إلى بلد آخر وزكاة اثنان، أو جرحه اثنان في سنة، ثم زكاه آخر في سنة فيقدم التعديل لزيادة العلم. وهذه الصورة إن ضممتها إلى المسألة السابقة وجريت على ظواهر الفقه دون دقائقه بادرت إلى القول بأن الجرح مقدم إلا في مسألتين. ثم لمانع أن يمنع كون الانتقال إلى بلد آخر يزيد علما؛ بل إن حصلت زيادة فهي بالمدة التي تخللت بين بلدي الجرح والتعديل فيحتمل صلاح حاله بعدها. ولم يكن غرضنا من ذكر هذه [الصور] 2 إلا تعريفك أن المأخذ هو الذي عليه المعول، وكذلك اعتقاد الروياني، ولا بد أن يكون له قدوة في هذه المسألة أن مع التعديل في هذه المسألة زيادة علم قدم التعديل؛ فدل على أن الحكم دائر مع زيادة العلم. وعند هذا نسمح بذكر ما اقتضاه النظر من تدقيق الفقه؛ فإن هذه المسألة مهمة كثيرة الوقوع -أعني تعارض الجرح والتعديل. فأقول: فهما عن الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم واعتقاد أنه الصواب، وأسأل الله أن يحميني من الغلط فيه والوهم عليهم: لا يقدم إلا ما فيه زيادة علم فكل ما تضمن زيادة علم قدم -سواء الجرح والتعديل غير أنه لما كان الغالب على الجرح أنه ناقل وعلى التعديل أنه استصحاب أطلق القول بتقديم الجرح لذلك، ثم لم يطلق إطلاقا بل أشير فيه إلى العلة التي يدور معهما الحكم كما عرفت. وصح باستثناء الصورتين اللتين نقلناهما. وليس الأمر مقصورا عليهما، ولا قول المعدل: "عرفت السبب الذي ذكره الجارح؛ لكنه تاب منه" بشرط؛ بل يكفي المعدل أن يخصم قول الجارح بعد اطلاعه عليه بأن يقول: هو عدل ولا يقدح فيه قول هذا الجارح، ويقبل هذا منه ويندفع به الجرح إذا كان ممن يعلم أن الجرح -عند الإطلاق- يقدم على التعديل ويحمل على واحد من أمور التوبة بما جرح به أو عداوة الجارح له   1 في "ب" قال وهي. 2 سقط في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 المانعة من قبول قول عليه، أو اعتقاد أن الجارح واهم عليه أو كاذب وغير ذلك من الاحتمالات وهي كثيرة جدا. والحاصل: أنه متى عرفنا أن المعدل لم يبين على الأصل بل على غيره قدمناه، فالدوران على الناقل وليس لخصوصية الجرح، ولا يستطيع أحد أن يقول -فيمن بجرح زيد لكونه سكر في اليوم الفلاني بدمشق وعارضهما شاهدان بأنه في اليوم المذكور كان بمصر: أن بينة الجرح تقدم، وهذا أوضح من أن يخفى. وهنا ثلاث مسائل يضطر الناس إليها: أحدها: لو شهد شاهدان أن هذا الجارح شهد زورا وكاذب فيما شهد به من الجرح، فالظاهر -عندي- أنه يكتفي بهذا ويندفع به الجرح، ولكن لا يتجرح به الجارح، وهذا توسط بين كلامين مطلقين لطائفتين من الأصحاب. فإن قلت: فقد ذكر الرافعي -في جوامع أدب القضاء- أن شهادة الزور إنما تثبت بإقرار الشاهد، أو بيقين القاضي، بأن شهد أنه زنى بيوم كذا بالكوفة والقاضي رآه ذلك اليوم ببغداد، ولا يغني قيام البينة على أنه شهد زورا، فقد تكون هذه البينة بينة زور. قلت: هذا موافق لما قلت من أنه لا ينجرح به الجارح، ولم يقل الرافعي ولا أحد -فيما علمت- أن الجرح يستمر، ولا يلتفت إلى الشاهد بأن الجارح شاهد زور، بل نص الشافعي رضي الله عنه يدل على أنه تثبت شهادة الزور بالبينة، إذ قال رضي الله عنه: "وإذا علم من رجل -بإقراره أو بينة- أنه شهد عنده بزور عزره" وعليه جرى جماهير المتقدمين من الأصحاب، وهي الطائفة التي أشرنا إلى أن إطلاقها يقتضي الاكتفاء بقوله: هذا شاهد زور ويجرح به الجارح، وتبعهم صاحب البيان. لكن قال القاضي الحسين [في تعليقه] 1 في باب ما على القاضي في الخصوم والشهود "ولو شهد بأن ذينك الرجلين شهدا بالزور فالقاضي لا يسمع شهادتهما إلا أن يقولا يشهد أنهما أقرا أنهما شهدا بالزور". وهذا القاضي رأس الطائفة التي قلنا: إن إطلاقها يقتضي رد هذا الكلام ولعل الرافعي جرى مع هذه الفرقة لكنهم لم يصرحوا بأن حكم الجرح يثبت معها وإنما أرادوا أن الشهادة لا تسمع لإثبات كون الشاهدين شهدا بالزور، ولعلها تحمل النص على ما إذا   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 شهدت البينة على إقراره بالتزوير كما ذكره القاضي الحسين. أو على بينة كشفت الحال كشفًا، ولم تطلق القول إطلاقًا، وأما أنها لا تدرأ عن الشهود عليه ما شهد عليه به -ولا ينبغي أن يرتاب في ذلك. الثانية: وهي مما يؤيد التوسط الذي قلناه -قول الأصحاب: "الجرح لا يقبل إلا مفسرًا" يعنون لا يقبل لإثباته؛ وإلا فإذا أطلق الجارح جرحه، ولم يبين السبب توقفنا لأجله ولم نحكم بمقابله. صرح به النووي في شرح مسلم وغيره، وهو دليل على قولنا فيمن شهد أنه شاهد زور أنه يتوقف في شهادته لأجلها ولم نحكم بأنه شاهد زور. ورأيت في الإشراف -للقاضي أبي سعد الهروي: "أن الشاهد إذا قال أنا مجروح قبل قوله، وإن لم يفسر"؛ فهذه تستثنى من قولهم: "لا يقبل الجرح إلا مفسرا، وفيها -عندي- وقفة". الثالثة: ليس كل عدل يقبل قوله في الجرح، وإن فسره بل ينبغي التفحص في أمره والكشف عما لعله بينه وبين المشهود عليه من عدواة أو منافسة تحمل إما على شهادة الزور أو على الظن بمجرد السماع -مع حب أذى المشهود عليه- أو غير ذلك من الأغراض التي كثرت في هذا الزمان. وقد تكلمنا في كتابات الطبقات الكبرى في الطبقة الثانية في ترجمة أحمد بن صالح المصري1 -على هذا كلامًا حسنًا. والحاصل: أن كلام النظير في النظير أو من يقاربه، وكذا من ينتمي إلى النظير يجب التوقف فيه جدًّا إلى أن يتضح غاية الاتضاح. وقد قال شيخ الإسلام تقي الدين   1 أحمد بن صالح المصري أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري، كان أبوه من أهل طبرستان، وروى عن عبد الله بن وهب وعنبسة بن خالد وابن عيينة وعبد الرزاق وغيرهم، روى عنه البخاري وأبو داود والترمذي بواسطة، قال أبو نعيم: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز منه، وقال أبو زرعة: سألني أحمد من خلفت بمصر، قلت أحمد بن صالح فسر بذكره وكان جامعًا يعرف الفقه والحديث والنحو، وقال: العجلي ثقة صاحب سنة، وقال أبو سعيد بن يونس ذكر النسائي فرماه وأساء الثناء عليه, وقال الخطيب احتج بأحمد جميع الأئمة إلا النسائي، ويقال: كان آفة أحمد الكبر ونال النسائي منه حفاء في مجلسه؛ فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما، قال أبو سعيد بن يونس: ولد بمصر سنة 175، وقال البخاري توفي في ذي القعدة سنة 248. انظر: تهذيب التهذيب 1/ 39-40 ابن السبكي 2/ 6 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ابن دقيق العيد1 أعراض الناس حفرة من حفر النار وقف عليها طائفتان من الناس -المحدثون والحكام". واشترط الوالد رحمه الله في العدل أن يكون بريئًا عن الأغراض بحيث لا يحمله الهوى. ومن أهم ما يتعين الاعتناء به أمور العقائد؛ فلقد حملت كثيرًا من الناس على الوقيعة في كثير منهم؛ فإن اختلافها أوجب العداوة بين أهلها، لتعصب أرباب كل عقيدة لها، وفي أرباب الأهواء من يرى الكذب لنصر مذهبه؛ فليتق الله حاكم نصبه الله بين المسلمين في طائفة هذه عقيدتها. وقد شهد حاكم -من كبار من يخالف عقائد الأشعرية- على أشعري بقضية يضحك السفهاء منها ويكذبها من يسمعها، وسئل الحاكم -سرًّا- أتعتقد صحة هذا؟ فقال: لا؛ ولكنه أشعري -[بتعصب على طائفتنا] 2-أردت أن أريح المسلمين منه. وهذا الحاكم -بين تلك الطائفة- موصوف بالديانة، ومعنى الديانة -عندهم- التصلب في معتقدهم والتعصب له بأي طريق فرض من حق وباطل، وكل ما آل إلى نصره فهو حق عندهم، ولا مبالاة بسفك دماء المخالفين فضلًا عن أغراضهم وأموالهم. والحاكم الغر إذا رأى أن المبتدع إذا لم يكفره تقبل شهادته على الأصح بين أن تقبل مطلقًا أو ترد مطلقًا على الخلاف. وأنا أقول: محل التردد في شهادته على [أن] 3 لا يتوسم فيه أن له عليه غرضًا، وذلك يختلف باختلاف المشهود به وعليه؛ فليس المجسم أو الرافضي -مثلًا- إذا شهدا   1 محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح ابن الشيخ القدوة العالم مجد الدين المنفلوطي المصري ابن دقيق العيد، ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة تفقه على والده بقوص ثم على سلطان العلماء العز بن عبد السلام، قال الذهبي في معجمه، وقال قاضي القضاة بالديار المصرية وشيخها وعالمها الإمام العلامة الحافظ القدوة الورع شيخ العصر، كان علامة في المذهبين "الشافعي والمالكي" عارفًا بالحديث وفنوه سارت بمصنفاته الركبان، وقال السبكي: لم ندرك أحدًا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة، وأنه أستاذ زمانه علمًا ودينًا، توفي في صغر سنة اثنتين وسبعمائة. ابن قاضي شهبة 2/ 229 - مرآة الجنان 4/ 236 - النجوم الزاهرة 8/ 206 - البدر الطالع 2/ 229 - شذرات الذهب 6/ 5 - الطالع السعيد 333. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" من بدل أن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 بدرهم في ذمة بقال من عرض الخلق بمنزلتهما إذا شهدا على كبير من العلماء معروف بالرد على هاتين الطائفتين مثلًا ... أنه شرب أو قذف1؛ إذ لا يستريب مجرب في أن هذه الشهادة -منهما- مردودة. فإن كانت الشهادة -في مثل هذا- لم تقبل جزمًا، وليس هذا من تحري العدالة؛ بل هو رد لشهادة تحصل بمثلها الريبة. ومن المهم أن أكثر المبتدعة لا يفحصون ببدعتهم ولا يتظاهرون، ولو واجههم الإنسان أكذبوه وعاداهم، ولكن الحاكم البصير لا يخفي عليه أهل العقائد فإن سيماهم في وجوههم. فلا تحسب أني -إذا رددت شهادة المخالف في العقيدة على مخالفة بما يشبنه- أتوقف على أن يثبت عندي عقيدة الشاهد فهذا عسر جدًّا؛ بل اكتفى بغلبة الظن التي أجدها من نفسي، ثم الله يطلع على ضميري إذ ذاك، وهو المسؤول في التوفيق والهداية. ومتى شهد -مثلًا حنبلي المذهب على شافعي معروف بنصرة مذهب الأشعري بأمر يشتبه في دينه، وأخذ الحاكم يتعلل ويقول من أي لي اختلافهما في العقيدة، وبتقديره من أين لي أنه تحمل عليه في الشهادة، وبتقديره فكيف -إذا رددته- أقبله في مكان آخر"؛ فهو أخر بعيد عن شريعة الإسلام لا يصلح أن يكون حاكمًا بين اثنين -بمجرد كونه حنبليًّا يغلب على الظن مخالفته لعقيدة الأشاعرة- لكثرة ذلك في الحنابلة. ومجرد ذلك -مع ما يعهد من بعضهم- يغلب على الظن تحمله. ولا يلزم -من ردنا قوله من ظننا تحمله عليه- أنا نخرجه بالكلية ونرده مطلقًا؛ بل ندفعه حيث نتهمه كما ندفع الشاهد بالتهمة. قاعدة في تحقيق العدالة: اعلم أن بين التقوى والعدالة عمومًا وخصوصًا. والتقوى: أن يطاع الله ولا يعصى. وحقيقتها: التحرز بطاعة الله من عقوبته. وأصلها: اتقاء الشرك ثم اتقاء المعاصي ثم اتقاء الشبهات ثم اتقاء الفضلات.   1 في "ب" زيادة مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وقد يكون الصبي متقيًّا إذا وفقه الله؛ فليس من شرط التحرز عن العقوبة أن يكون الشخص بحيث يقع فيها، وقد يتحرز الأمن. ثم قد يكون المتقي عدلًا وقد لا يكون. قال الشيخ الإمام: "لأن اتقاء المعاصي -كبيرها وصغيرها- هو التقوى؛ فإذا اتقى الكبائر -وكان عدلًا- لم يقدح فيه إتيان الصغيرة؛ ولكنها تقدح في تقواه؛ فهذا عدل غير متق. وقد يتقي ولا يكون عدلًا إذا لم يكن ذا هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة. قال الشيخ الإمام رحمه الله: "وكل من العدالة والتقوى قد تكون للصبي -وإن لم نقبل شهادته؛ فالبلوغ شرط في قبول قوله لا في عدالته". فإن قلت: ما المرضي في حد العدالة؟ فإنكم عقدتم القاعدة له. قلت: قد قبل: إنها هيئة راسخة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة. ونقضه الشيخ الإمام بأن "إن أريد -بالتقوى- تقوى المعاصي دخلت الصغائر وخرج مرتكبها -وإن لم يصر على العدالة. وإن أريد مطلق التقوى دخل من اتقى الشرك وارتكب الكبائر في العدالة وكلاهما غير صحيح". قال: إلا أن يقال: إن الصغائر لا تقدح في إطلاق اسم التقوى لعسر التحرز عنها وكون المؤمن لا يسلم من الذنب الفينة بعد الفينة. ثم قال الشيخ الإمام: لا بد عندي في العدالة من وصف آخر لم يتعرضوا إليه، وهو الاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه. قال: فإن المتقي للكبائر والصغائر الملازم لطاعة الله وللمروءة قد يستمر على ذلك ما دام سالمًا من الهوى؛ فإذا غلبه هواه خرج عن الاعتدال وانحل عصام التقوى؛ فقال ما يهواه، وإبقاء هذا الوصف هو المقصود من العدل، -كما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} 1، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} 2؛ فكم من صالح لا شك في صلاحه من عصمته أن لا يحد، وفي نفسه أن لا يعصي؛ فإذا جرت عليه المقادير وغلب هواه قامت نفسه فانبعث منها ما لا يبقى مع الصلاح.   1 سورة الأنعام "152". 2 سورة البقرة "143". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 فلا بد أن يمتحن الصالح حتى يعرف حاله في الرضا والغضب وعند الأغراض؛ فإذا استوى كلامه فهو العدل، وإلا؛ فليس بعدل وإن كان صالحًا قبل حصول ما يغيره. فالعدالة: هيئة راسخة في النفس تحمل على الصدق في القول في الرضا والغضب، ويعرف ذلك باجتناب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، وملازمة المروءة والاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه. فقد رأيت من لا يقدم على ذنب فيما يعتقد، ثم يستر هواه على عقله أعاذنا الله من ذلك". انتهى كلام الشيخ الإمام بنصه. وأقول: يشترط -مع ذلك- أن لا يكون متلبسا -حال الشهادة- بمعصية، وإن كانت صغيرة تغتفر إذا لم يكن متلبسًا بها حال الشهادة. وهذا لأن المعاصي -من حيث هي- منافية للعدالة؛ إلا أنا اغتفرنا الصغائر لقلة الصون عنها، ولا يقبل ذلك عند أداء الشهادة فلمنصب الشهادة أهبة تنافي المعاصي عنده. وكان هذا للمحافظة على هذا المنصب؛ فإن من يتلبس بالمعصية حالة الشهادة كأنه لا مروءة له. وهذا الشرط قاله بعض أصحابنا بدليل. مسائل: منها: لو ادعى واحد على اثنين أنهما رهنا عنده عبدهما فزعم كل أنه لم يرهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه؛ ففي قبول شهادته وجهان في الرافعي في باب الاختلاف في الرهن. قال الشيخ أبو حامد: لا تقبل لأن المدعي يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم في الجحود وطعن المشهود في الشاهد مانع من قبول شهادته، وقال الأكثرون تقبل لأنهما ربما نسيا وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق كذا علله الرافعي واحتمال النسيان معنى صحيح، وأما قوله: لأن الكذبة الواحدة لا توجب الفسق فيقال له: هب أنها لا توجب فسقا لكنها توجب رد الشهادة لكونها معصية وقت الشهادة كما عرفت على أن صاحب البحر جزم في باب من تجوز شهادته، ومن لا تجوز بأنه لو كذب عن قصد ردت شهادته وإن لم يكن فيها بقوله ضرر. قيل: أو بهتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 قال: لأن الكذب حرام بكل حال كان. وقال القفال: إلا أن يقول ذلك على مذهب الكتاب والشعراء في المبالغة في الكلام. ومنها قال: القاضي الحسين في كتاب الطهارة في الأواني إذا جلس شهود النكاح على حرير لم ينعقد النكاح بهم فقيل؛ لأنهم فسقة واعترض بأنهم لا يفسقون به لأنه ليس بكبيرة والأشبه أن يعلل بأنهم حال الشهادة ظهر منهم ما يضعف الوثوق بهم، وعلى هذا لا تقبل شهادة برشد لابس الحرير؛ إذ حاله يقتضي أنه ليس برشيد فليتجنب عن ذلك كله. تنبيه: إذا تم هذا الشرط وهو عدم التلبس بالمعصية حال أداء الشهادة؛ فقد يقال إنه داخل في عدم المروءة وليس بشرط جديد. تنبيه: قد يستأنس بهذا الشرط بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" فجعل لحالة الزنى رفعًا ليس لها عند الانفصال وأوضح. هذا في حديث آخر فقال صلى الله عليه وسلم ... 1 الحديث. فصل: إذا عرفت هذا علمت أن المعصية حال وقوعها من الفحش والوقع ما ليس لها عند الانفصال عنها ومن ثم يجيء الشرط الذي ذكرناه ولأجله أيضا مسائل. منها: أن الكافر إذا صال يجب دفعه، ولا يجوز الاستسلام له ولو كان ذميًّا. قال الإمام: في الذمي الوجه القطع بذلك؛ لأنه بصياله ناقد لعهده. فإن قلت: أليس من الأصحاب من يقول الذمة لا تنتقض بالقيل قلنا: ذاك وجه ضعيف، ثم لا حرمة بالذمة القتال والصيال. انتهى. ففي قوله: لا حرمة للذمة حالة القتال ما ينبيء عن شدة رفع المعصية حال وقوعها. ومنها: لو وجد رجلًا يزني بامرأته جاز له التعجيل بقتله، وقد قدمنا المسألة القواعد المطلقة عن الخاوي والبحر وغرضنا منها أن صاحبي الحاوي والبحر قالا يحوز التغليظ حال وقوع المعصية. انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله: أصول كلامية ينبني عليها فروع فقهية   1 بياض في الأصل "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فهرس الموضوعات الجزء الأول أمقدمة التحقيق ب منهج المؤلف في كتابه ج ترجمة المؤلف 3 مقدمة المصنف 10 الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية 11 تعريف القاعدة والفرق بينها وبين المدرك والضابط 12 القواعد الخمس 13 القاعدة الأولى: اليقين لا يرفع الشك 14 الحكم في تعارض الأصل والظاهر 14 فصل في المواطن التي يرجح فيها الأصل جرما 16 فصل: في المواطن التي يرجح فيها الأصل على الأصح 19 فصل: في المواطن التي يرجح فيها الظاهر جزما 19 فصل: في المواطن التي يرجح فيها الظاهر على الصحيح 21 فصل: ما يثبت في الشيء على خلاف الظاهر 29 فصل: في المستثنى من قاعدة اليقين لا يرفع بالشك 32 فصل: فيما لو تعارض أصلان 36 فصل: فيما إذا اعتضد أحد الأصلين بظاهر 37 القول في أصلين تعارضا وجزم بأحدهما 38 فصل: في تعارض الظاهرين 38 فائدة: فيما إذا اختلف الزوجان في الإصابة 39 فصل: في الاستصحاب المقلوب 41 القاعدة الثانية: الضر يزال 45 ما يستثنى من القاعدة 45 القواعد المنبثقة من قاعدة الضرر 46 مسائل مستثناة 47 فصل: في حكم من تقلب بين محظورين 48 القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير 50 القاعدة الرابعة: الرجوع إلى العادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 51 فصل: فيما يرجع فيه إلى العرف 52 فصل في عادات الحيض 53 فصل: فيما تثبت به العادة 54 القاعدة الخامسة: الأمور بمقاصدها 56 فصل: في تعلق اللفظ بالنية 57 فصل: في خصائص النية 58 فصل: في مقارنة النية لأول العمل 58 المقارن المقوي للنية 58 المقارن المضعف للنية 59 فصل: في منع تعلق النية بأكثر من فرض 59 فصل: فيما لا يحتاج إلى نية 60 مباحثات تتعلق بالنية 60 المباحثة الأولى: في اشتراط قدرة الناوي على المنوي 62 المباحثة الثانية: في اشتراط قابلية المحل للمنوي 62 المباحثة في الثالثة: في اشتراط الجزم بمتعلق النية 64 المباحثة الرابعة: في حكم ما لو عين نوعا من المتعلقات النية 65 المباحثة الخامسة: في اعتراض النية لصراع الألفاظ وتحتها فروع 67 الفرع الأول: فيما إذا طلق ثم قال: أردت إن دخلت الدار 68 الفرع الثاني: فيما إذا قال أردت طلاقا لا يقع عليك 69 الفرع الثالث: في تخصيص العام 70 الفرع الرابع: في تقييد المطلق 72 الفرع الخامس: فيما لو قال أردت طلاقًا عن وثاق 72 الفرع السادس: فيما لو طلق ثلاثا للسنة ثم قال نويت تفريقها على الإقراء 74 الفرع السابع: فيما لو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق 76 الفرع الثامن: فيما لو كان له امرأة اسمها عمرة ثم قال عمرة طالق ثم قال أردت الأجنبية المسماة بهذا الاسم 76 الفرع التاسع: فيما إذا كان اسم امرأته طالقًا واسم عبده حرًّا وناداهما باسمهما 76 الفرع العاشر: فيما إذا لو تلفظ بالطلاق ثم ادعى أنه لم يقصده 76 الفرع الحادي عشر: لو قال أنت طالق ثم قال أردت غيرها وسبق لساني إليها 76 الفرع الثاني عشر: فيما لو قال يا زينب فأجابته حفصة فقال أنت طالق 78 المباحثة السادسة: في موارد النية في العقود والفسوخ وفيها فصول 81 فصل: في معنى الصريح 82 فصل: في قرائن تخرج الصريح عن الصراحة 83 فصل: في حاجة الكتابة إلى النية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 85 الإشارة: ومنزلها من الصريح والكناية 85 مباحث تتعلق بالكناية 85 المبحث الأول: في موضع الكناية من العقود وأشباهها 88 المبحث الثاني: في معنى الكناية 88 المبحث الثالث: في الكناية 92 المبحث الرابع: هي يكون للكناية كناية 93 فصل: في بيان أنواع العبادات من حيث تعلقها بالنية 93 مضمون كتاب تاج الدين 94 "القول في القواعد العامة" 94 قاعدة: ما أوجب أعظم الأمرين 95 تنبيه: ما تنقض به القاعدة 95 فصل: فيما إذا اجتمع أمران من جنس واحد 96 فصل: إذا بطل الخصوص بقي العموم 97 قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده 99 فصل: في الفعل المعلق على وقوعه أمر آخر 100 فصل: فيما عرف تطرق البطلان إليه 102 فصل: ما لا قرار لوجوبه إذا حضر سبب وجوده 103 القول في أنه هل الاعتبار بالحال أو المآل 104 ما جزم فيه بأن الاعتبار بالحال 104 ما جزم فيه بأن الاعتبار بالمآل 104 القول فيما اختلف فيه 105 قاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح 105قاعدة: ما لا يقبل التبعيض يكون اختياره بعضه كاختيار كله 106 فصل: فيما خرج عن القاعدة 107 فصل: في بيان حقيقة اختيار بعض ما لا يتجزأ 107 تنبيه: في نماذج مختلفة من ورد العجز على الصدر 109 فصل: في الحكم على بعض ما لا يتجزأ بنفي أو إثبات 110 قاعدة: الاحتياط أن نجعل المعدوم كالموجود 111 تنبيه: في كون الخروج من الخلاف أولى وأفضل 113 تنبيه: في قوة المدرك وضعفه 114 فصل: في بيان متى يستحب الخروج من الخلاف 116 فصل: في بيان متى يكون الوقوع في الخلاف مكروها 117 فصل: في ما إذا اجتمع الحلال والحرام 118 "القول فيما شذ عن هذا الأصل" 119قاعدة: اشتهر عن المالكية سد الذرائع 123 قاعدة: كل إنشاء سد تصرف الشرع فهو باطل 123 قاعدة: من ارتكب محرمًا يمكن تداركه بعد ارتكابه وجب عليه 124 قاعدة: ما تعتبر فيه فالتخلل القاطع لها مضر 127 قاعدة: الدفع أسهل من الرفع 127 "القول في المشرف على الزوال" 128 الخلاف في كون العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 129 قاعدة: القادر على اليقين لا يعمل بالظن 131 قاعدة: الموجود المقترن بالمانع الحسي أو الشرعي كالعدم 135 قاعدة: الرخص لا تناط بالشك 135 فائدة: الرخص لا تناط بالشك 136 أصل مستنبط: إذا قوبل مجموع أمرين فصاعدا بشيء 140 فصل: فيما إذا تعقب شيء جملة مركبة من أشياء 143 فصل: فيما إذا تعقب أمورا هو غني عن مجموعها 148 فصل: فيما إذا تولد الشيء بين مضمون وغير مضمون 149 قاعدة: ما ثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط 150 قاعدة: الإكراه يسقط أثر التصرف 151 قاعدة: ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالإكراه 151 قاعدة: الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود 152 قاعدة: الرضا بالشيء رضا بما يتولد عنه 152 قاعدة: لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال 153 فصل: في جواز استنباط معنى يعم 154 فصل: في جواز استنباط معنى يخصص 155 قاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور ويستثنى من القاعدة مسائل 158 159 قاعدة: إذا تضمن الشيء الخروج من أمر فلا يتضمن الدخول في مثله 162 قاعدة: النظر إلى الظاهر أو إلى ما في نفس الأمر 166 قاعدة: فيمن أخطأ الطريق وأصاب المطروق 167 قاعدة: الظن ملغي إلا ما قام الدليل على إعماله 168 قاعدة: ما ربط به الشارع حكما فعمد المكلف إلى استعجاله 171 قاعدة: إعمال الكلام أولى من إهماله 174 فصل: إذا تعذر إعمال لفظ دار الأمر فيه بين إعمال وإلغائه 185 قاعدة: الفرض أفضل من النفل 186 فصل: الفرض أفضل من أصل مطرد 192 فصل: في تحديد ماهية الفرض الذي يفضل النفل 193 خاتمة: ما لا بد منه لا يترك إلا بما لا بد منه 197 معيار نافع: في مسائل تردد النظر في مأخذها بين الأئمة 198 فائدة: في عد مسائل أمهات شك في تصورها 200 الكلام في القواعد الخاصة 200 القول في ربع العبادات 200 كتاب الطهارة إلى الزكاة 200 قاعدة: كل ميتة نجسة إلا السمك 201 قاعدة: لا يعرف ماء طاهر في إناء نجس 202 قاعدة: لا يجوز تنكيس الوضوء عمدا إلا في مسألة واحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 205 قاعدة: لا تنقض الطهارة إلا في مسألة واحدة 205 قاعدة: لا يجب المسح على الخف إلا في مسألة واحدة 206 قاعدة: لا عبرة برؤية المتيم المسافر الماء 206 قاعدة: فاقد الطهورين يعيد الصلاة 206 قاعدة: فاقد الطهورين يعيد الصلاة 207 قاعدة: إذا انقطع دم الحيض ارتفع تحريم الصوم والطلاق وكذا عبور المسجد 207 قاعدة: لا تؤخر المستحاضة الاشتغال بأسباب الصلاة بعد الطهارة 207 قاعدة: تكره الصلاة في قارعة الطريق 207 قاعدة: صلاة الرجل في الثوب الحرير محرمة 207 قاعدة: استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة 207 قاعدة: لا يتعين استقبال عين القبلة إلا في مسألة 208 قاعدة: كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى 208 قاعدة: كل جنب يمنع من القرآن ولبث المسجد إلا واحدًا 208 فائدة: لا وضوء يبيح النقل دون الفرض إلى في واحدة 209 أصل مستنبط: هل الأولى تعجيل العبادة وإن وقع فيها خلل أو نقص؟ 210 قاعدة: لا يعذر مكلف في تأخير الصلاة عن وقتها 211 قاعدة: لا تجوز الصلاة من النجاسة إلا في مسائل 211 قاعدة: يستثنى من قول الأصحاب: يسن للصبح والظهر طوال المفصل صورتان 212 فائدة: في بيان من لا يسن في حقه سجود التلاوة 213 قاعدة: من نوى في أثناء العبادة أبطالها أو الخروج منها بطلت 213 قاعدة: النفل لا يقتضي واجبا 214 قاعدة: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة 216 قاعدة: ما لا يدخل الشيء ركنًا لا يدخله جبرانًا 216 قاعدة: كل عبادة واجبة إذا تركها الإنسان لزمه القضاء والكفارة إلا واحدة 218 قاعدة: كل ما حرم في الإحرام ففيه الكفارة 218 قاعدة: الأصل براءة الذمة 218 قاعدة: الأصل في الميتات النجاسة 218 قاعدة: الأصل في الحيوانات الطهارة 218 قاعدة: الجمادات طاهرة إلا المستحيل إلى نتن أو إسكار 218 قاعدة: ما اقتضى عمده البطلان اقتضى سهوه السجود إذا لم يبطل 220 قاعدة: إذا سهى الإمام في صلاته لحق سهوه المأموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 222 قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين يختصان به فإنه جائز تعجيله بعد وجود أحدهما 223 القول في ذي السببين أو السبب والشرط 223 القول في ذي الأسباب 224 القول في ذي السبب الواحد 224 قاعدة: المبادلة توجب استئناف الحول في الوكاة إلا في أربع مسائل 225 قاعدة: لا يجب في عين واحدة زكاتان 225 قاعدة: يعتبر الحول في الزكاة إلا في مسائل 226 فائدة: تكون الأرض خراجية في صورتين 226 قاعدة: من وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة كل من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم 227 قاعدة: من وجبت نفقته على غيره وجبت عليه فطرته وإلا فلا 227 قاعدة: لا تؤخذ القيمة في الزكاة إلا في أربع مسائل 228 قاعدة: الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب 232 فائدة: من أتى بأفعال العمرة سقطت عنه عمرة الإسلام 232 قاعدة: كل دم يتعلق الإحرام يجب إراقته في الحرم 232 قاعدة: كل جملة مضمونة بالمثل يكون النقص الداخل عليها بالجناية مضمونًا بالأرض من القيمة دون المثل 232 "القول في قواعد ربع البيع" 233 فصل: في بيان ألفاظ معينة يكثر ورودها في البيوع 234 فائدة: الإيجاب والقبول هل هما أصلان في العقد 235 قاعدة: مستنبطة: كل قبول جائز أن يكون بلفظ قبلت 236 القول في شرائط المبيع 236 فصل: لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط 237 فصل: قد يجوز البيع ولكن من شخص دون شخص 237 فصل: في وقف العقود 242 فصل: في بيان وقف التبين 245 فصل: في الإقدام على العقود الفاسدة 245 قاعدة: كل عين ثبت لمن هي تحت يده 246 أصل مستنبط: إذا تعلق بشيء واحد حتى اثنين فصاعدًا 248 قاعدة: كل تصرف يستقل به الشخص ينعقد بالكناية مع النية 249 قاعدة: كل ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 252 قاعدة: إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب 253 قاعدة: القول قول مدعي صحة العقد دون فساده 257 قاعدة: كل دين ثابت في الذمة ليس بمثمن يجوز الاعتياض عنه أن كان ثمنًا في الأصح وإن لم يكن ثمنًا قطعًا 258 تنبيه: الثمن يجوز الاعتياض عنه 259 قاعدة: كل عقد تقاعد عنه مقصوده بطل من أصله 259 قاعدة: الفعل والفاعل والمفعول أشياء متباينة لا يمكن اتحادها، وكذلك الخطاب والمخاطب والمخاطب 259 قاعدة: لا يتحد القابض والمقبوض 259 التنبيه الأول: فيما يستثنى من القاعدة 260 التنبيه الثاني: في المانع من اتحاد القابض والمقبوض ونظائره 265 قاعدة: الاستثناء الشرعي قد يلحق بالاستثناء اللفظي والحسي وقد لا يلحق 267 قاعدتان: الأجل لا يلحق ولا يسقط 269 فصل: وأما قولهم: ولا يسقط فإشارة إلى القاعدة الثانية وهي أن المؤجل لا يصير حالا 270 قاعدة: الشرط الذي يقتضيه العقد لا يضر 272 فصل: في الشرط الذي لا يقتضيه العقد 274 فائدة: الكلام على شرط مقتضى العرض 274 تنبيه: في حكم ما يتردد فيه مقتضى العقد 274 قاعدة: الاعتقاد في تصرفات الكفار باعتقادنا لا باعتقادهم خلافا لمالك 274 قاعدة: حمل اللفظ إلى ما يتبادر إلى الذهن أولى 275 قاعدة: اللفظ موضوع عندي لأنهم من الصحيح والفاسد 275 قاعدة: اللفظ إذا أطلق اسمًا على شيئين وجود أحدهما يعقب وجود الآخر؛ فإنه يحمل على الأول 275 قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده 276 قاعدة: الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد 277 قاعدة: لا فرق في ضمان المتلف بين العلم والجهل 278 قاعدة: كل ما لا يعلم إلا من وجهة الشخص يقبل قوله فيه 279 قاعدة: لا يقتص من نفسه لغيره إلا في مسألتين 280 قاعدة: كل ما أنقص العين أن القيمة نقصا يفوت به فرض صحيح ويغلب في أمثاله عدمه؛ فهو عيب يرد به المبيع 282 قاعدة: كل عيب يوجب الرد على البائع يمنع الرد إذا حدث عند المشتري 282 قاعدة: الحمل يندرج في كم عقد معاوضة صدر بالاختبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 282 قاعدة: ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح 283 قاعدة: كل خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فهو على الفور 284 قاعدة: من علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه أو سعى في تدليس فيه فقد فعل محرمًا 286 قاعدة: من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفته 289 قاعدة: كل عقد فيه عوض علق بصفة لا يقتضي إطلاق العقد تلك الصفة فسد بالتعليق؛ إلا في مسألة واحدة 289 قاعدة: لا احتكام للسادة على ذمم العبيد 290 قاعدة: لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر أبدًا 294 قاعدة: كل ما صح الرهن به صح ضمانه وما لا فلا 294 قاعدة: من لم يجن لا يطالب بجناية من جنى 294 قاعدة: كل تصرف يقع من المشتري شراء فاسدًا؛ فهو كتصرف الغاصب والعين في يده كالعين في يد الغاصب قاعدة: ما يفيد الاستحقاق إذا وقع لا على وجه التعدي 297 هل يفيده إذا وقع على وجه التعدي؟ 298 قاعدة: من اشترى شيئا شراء صحيحا لزمه الثمن إلا في مسألة واحدة 300 قاعدة: لا يتوالى ضمان عقدين في شيء واحد 303 قاعدة: المثلي مضمون بمثله والمتقوم بالقيمة 305 فصل: فيما يستثنى من المتقوم 305 قاعدة: كل ما جاز بيعه فعلى متلفه القيمة 305 فصل: وما لا يجوز بيعه لا قيمة على متلفه 306 قاعدة: الرهن أمانة في يد المرتهن غير مضمون 307 قاعدة: فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه 308 قاعدة: المفلس لا يلزم بتحصيل ما ليس بحاصل 308 قاعدة: كل موضع أزال مكله باختياره على سبيل العوض تبع الطلع وكل موضع أزال ملكه بغير اختياره؛ فهل يتبع؟ 308 فائدة: كل دين ثابت في الذمة تجوز الحوالة عليه إلا الإبل الثابتة في الذمة بالجناية 308 قاعدة: أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض لا سفه ولا رهن 309 قاعدة: كل ما لو صرح به أبطل؛ فإذا أضمره كره 309 تنبيه: ينبغي أن لا تؤخذ القاعدة على إطلاقها 310 قاعدة: كل خيار يرجع إلى الحظ والمصلحة يجوز التوكيل فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 310 قاعدة: كل متصرف عن الغير فعليه أن يتصرف بالمصلحة 311 قاعدة: ما لا يستحق بالشيء لا يستحق به ذلك الشيء 311 قاعدة: كل ما لا يؤخذ في مقابلة الدين إلا معاوضة؛ فلا تجوز الحوالة عليه 312 قاعدة: كل ما لو قارن لمنح فإذا طرأ فعلى قولين 312 فصل: فيما تنقض به القاعدة وما يندرج فيها 318 قاعدة: كل من وجب عليه الحبس بدين فقال صاحب الدين لا يحبس وأنا ألازمه كانت الملازمة أحق 320 قاعدة: كل من غصب شيئًا لزمه رده أو رد قيمته إلا في مسألة واحدة 322 قاعدة: كل يد ترتيب على يد الغاصب فهي يد ضمان 322 تنبيهات على هذه القاعدة 323 قاعدة: من أثبت رده على يد الغاصب جاهلا فإن دخل على أن يضمنه لم يرجع 323 قاعدة: من صح تصرفه في شيء تدخله النيابة صحت وكالته فيه 324 مأخذ: هل الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف؟ 324 فائدة: لا يفارق الصلح البيع إلا في مسائل 325 فائدة: ما تبدل العوض بسببه أن كان مالا فهو البيع وإلا فالافتداء.. 325 قاعدة: من لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله ولا وكالته 325 فصل: استثناءات الوكالة 326 أصل مستنبط: ما لا تدخله النيابة من التصرفات هل يكون التوكيل فيه فعلًا لم يؤاخذ به الموكل 326 فصل: القادر على رفع الشيء هل يكون جحوده إياه رفعًا له؟ 327 قاعدة: هل الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف؟ 327 قاعدة: ما لا يستحق بالشفعة لا تستحق به الشفعة 328 قاعدة: ما يبذله له الشفيع من الثمن للمشتري مقابل لما يبذله المشتري 329 قاعدة: كل يد كانت يد ضمان وجب على صاحبها مؤنة الرد، وإن كانت يد أمانة فلا قواعد باب الإقرار 330 قاعدة: كل سكران يص إقراره إلا اثنين 334 قاعدة: ما لا يدخل في البيع لا يدخل في الإقرار وما يدخل في البيع يدخل في الإقرار 334 قاعدة: ضمني كل إقرار مثل صريحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 338 قاعدة: كل قول في عقد إيجاب أو إقرار 338 قاعدة: إذا أقر بالشيء صريحًا ثم أنكر ما صرح به 344 أصل: من باشر عقدا أو باشره عنه من له ذلك ثم ادعى ما ينقضه لم يقبل 344 قاعدة: هل النظر إلى أول الكلام أو إلى آخره 347 قاعدة: من أنكر حقا لغيره ثم أقر به قبل 347 قاعدة: من ملك الإنشاء ملك الإقرار ومن لا فلا 347 قاعدة: كل لفظة كانت خالصة لعقد حمل إطلاقها عليه؛ فإن وصل بها ما ينافي مقتضاه بطل 348 قاعدة: كل لفظة وضعت لعقدين فأكثر لم تتصرف بإطلاقها إلى شيء قاعدة: كل ما ضمن كله 349 بالقيمة ضمن بعضه ببعضها إلا في مسألة واحدة 351 ضابط يضبط العين التي يرد عليها عقد الإجارة 352 قاعدة: الحر لا يدخل تحت اليد 354 فائدة: تسمية الفوات منعًا والتفويت تناولا 355 فائدة: اليد تستعمل لمعان 357 قاعدة: لا يجتمع على عين واحدة عقدان لازمان 358 قاعدة: الصحيح من القولين أن العارية مضمونة 359 فائدة: الوقف منزلة بين العتق والبيع 360 فائدة: هل الصدقة مثل الوقف لأنه صدقة أو دونه؟ 360 أصل: اختلف الأصحاب في أن الوديعة عقد أو إذن مجرد 361 في الرد على من ائتمنه 362 قاعدة: كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط في الحفظ 362 قاعدة: كل إيجاب يفتقر إلى القبول لا يجوز وقوع القبول فيه بعد الموت 362 قاعدة: كل ما كان ينتمي من صغار السباع؛ فليس لواحد أن يتعرض لها 362 فائدة: في أسباب الملك 363 فصل: في حقيقة الذمة 364 قاعدة: فيما ينتقل من الحقوق إلى الوارث وما لا ينتقل 365 فائدة: كل حق لازم متعلق بالمال يورث بوراثة المال 366 فائدة: إذا تعدد الوارث؛ فهل يتعدد الحق المنتقل عن مورثهم 366 فائدة: يورث بالقرابة من الطرفين إلا في أربع مسائل 367 فائدة: الحقوق ثلاثة أضرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 367 القول في المناكحات 367 قاعدة: النكاح يفسد بفساد الصداق 367 قاعدة: كل عضو حرم النظر إليه حرم مسه بطريق أولى 367 قاعدة: من حرم نكاحها على التأييد بسبب مباح لحرمتها؛ فهي محرم يجوز النظر إليها ويختلي بها ولا تنقض الوضوء 368 قاعدة: داعية الطبع تجزئ عن تكليف الشرع 369 قاعدة: لا يزوج مسلم كافرة إلا في مسائل 369 قاعدة: ليس في الشرع إباحة تقضي إلى اللزوم إلا في النكاح 370 قاعدة: إتيان القبل والدبر سواء في الأحكام 371 قاعدة: في فرقة النكاح قبل الدخول 372 قاعدة: في الرق والحرية إذا تبدل أحدهما بالآخر 374 فائدة: كل من وطأ أمة بغير ملك يمين عالمًا بأنها أمة فولده منها رقيق 374 فائدة: كل امرأة تدعي عنة زوجها تسمع دعواها إلا الأمة إذا كان زوجها حرًّا 374 فائدة: كل امرأة علق زوجها طلاقها بصفة؛ فلها أن تحاكمه في وجود تلك الصفة ووقوع الطلاق بها 374 قاعدة: كل موضع حكمنا فيه بالفرقة بين الزوجين فذاك فسخ لا طلاق 374 قاعدة: كل زوجة جمعها مع زوجها في الشرك الإسلام 374 قاعدة: كل من بها عذر طبيعي أو شرعي لا تستحق القسم 375 قاعدة: الزيادة المتصلة تتبع الأصل إلا في الصداق 375 قاعدة: الوطء لا يخلو من عقر أو عقوبة 376 قاعدة: كل حيض يحرم الطلاق 377 فائدة: في اجتماع الحرة والأمة 377 قاعدة: في الطلاق لا يقبل الإيقاع بالشرط 379 فائدة: تتعلق بتقسيم الأفعال 379 قاعدة: في حكم تعليق الطلاق بالصفة 379 فائدة: كل رجعية يجوز رجعتها في عدتها 380 قاعدة: ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام 381 قاعدة: من جهل حرمة شيء مما يجب فيه الحد أو العقوبة وفعله لم يحد 382 ضابط مسائل الخلع 383 قاعدتان: ما يقبل التعليق من التصرفات يصح إضافته إلى بعض محل التصرف وما لا يقبله لا يصح إضافته إلى بعض المحل 385 قاعدة: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 386 قاعدة: لا يجوز للمسلم أن يدفع مالًا إلى الكفار المحاربين 387 قاعدة: ما يصير المسلم به كافرًا إذا جحده يصير الكافر به مسلمًا إذا اعتقده 387 فائدة: من ملك العفو عن القصاص في النفس ملك العفو عن المال؛ إلا أن يثبت القصاص دون المال 389 قاعدة: في من تملك إسقاط العوض سلط على إتلاف المعوض 390 قاعدة: الاعتبار في تصرفات الكفار باعتقادنا لا باعتقادهم 391 قاعدة: المماثلة في القصاص مرعية 392 قاعدة: من لا مدخل له في الجناية لا يطالب بجناية جانيها إلا في فرعين 394 قاعدة: كل جهة صححها بعض العلماء وحكم بحل الوطء؛ فالظاهر أنه لا حد على الواطيء بتلك الجهة 396 قاعدة: من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عذر 398 تنبيه: في تعريف التعذير 399 قاعدة: من يحد يقذف الغير يقتل بقتله ومن لا فلا 399 قاعدة: أن سقوط حد القذف عن القاذف وعد حد الزنا على المقذوف لا يجتمعان 400 قاعدة: كل وطء يعصي الله تعالى به يبطل الحصانة وما لا فلا 400 قاعدة: من وجب القصاص عليه في النفس إذا فات بموت وله تركه انتقلت جميع الدية إلى التركة 400 فائدة: كل ولي في القصاص إذا عفي وثبت له المال كان المال له دون غيره 401 فائدة: كسر العظم يوجب الحكومة 401 فائدة: لا يجب قذف الزوجة إلا في مسألة واحدة 401 قاعدة: فيما ينقض فيه قضاء القاضي وما لا ينقض 406 فائدة: أسباب نقض الحكم 411 تنبيه: في الصور التي اختلف الأصحاب في النقض فيها 416 فائدة: في حكم قضاء القاضي بما كانت شبهة الحاكم فيه ضعيفة 416 تنبيه: ما لا ينقض هل يمضي وينفذ أم يعرض عنه 416 تنبيه: ما لا ينقضي قضاء القاضي في إذا حكم به لمن لا يعتقده هل يحل باطنا 416 فائدة: ليس كل ما يجوز للشاهد أن يشهد به 420 قاعدة: الأموال الضائعة يقبضها القاضي حفظا لها على أربابها 425 قاعدة: في مستند الشاهد 426 ضابط الاستفاضة 427 المواطن التي تقبل الشهادة فيها بالاستفاضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 427 حكم ما لو استفاض فسق الشاهدين 427 الجرح بمجرد الشياع والانتشار 428 حكم ما لو استفاض فسق الحاكم 428 حكم الاستفاضة التي لا أصل لها 428 الفرق بين الاستفاضة والسماع 429 شرط العمل بالاستفاضة 429 قاعدة: من قبلت روايته أو شهادته في شيء فهل يكتفي بإطلاقه القول في ذلك أو يكلف بين السبب 430 قاعدة: في الشيء الذي لا ينضبط أسباب الاطلاع عليه 430 قاعدة: اللهو واللعب أصلهما على الإباحة عندنا خلافًا لمالك 430 فائدة: ليس أم ولد يمتنع السيد من وطئها من غير تعلق حق الزوج بها إلا في مسألتين 431 فائدة: ليس من لا يضمن شخصًا؛ ولكن يضمن طرفة إلا السيد مع مكاتبه 432 قاعدة: لا تصح الدعوى بمجهول ولا في الوصية 432 قاعدة: لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف 432 قاعدة: كل ما صحت إقامة البينة به صحت إقامة الدعوى به 432 قاعدة: كل دعوى يشترط فيها أن تكون متلقة بشخص معين 436 قاعدة: كل يمين لا يمين بعدها في مراتب الخصومات؛ فالنكول عنها هل يبطل حق الناكل؟ 436 قاعدة: الأصل أن من نكل عن يمين في خصومة لا يحلف تلك اليمين بعينها في ذلك المقام من تلك الخصومة 437 قاعدة: كل نكول يتعلق به حق حلف حالف بعد النكول؛ فذلك النكول إذا ظهر فلا عود من الناكل 437 قاعدة: الحالف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة 438 قاعدة: كل مكلف حنث في يمينه لزمته الكفارة حرًّا كان أو عبدًا 439 قاعدة: كل حلف على فعل نفسه حلف على البت 441 قاعدة: تجب اليمين في كل حق لابن آدم إلا في أربعة مواضع 442 قاعدة: كل يمين قصد بها الدفع لا يستفاد بها الجلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 444 قاعدة: كل ما جاز للإنسان أن يشهد به جاز له أن يحلف عليه، ولا ينعكس 444 قاعدة: كل حر يقبل خبره تقبل شهادته 444 فصل: في حكم تقديم الجرح على التعديل 450 قاعدة: في تحقيق العدالة وبيان الفرق بينها وبين التقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 المجلد الثاني أصول كلامية ينبني عليها فروع فقهية أصول وسائل متنوعة ... بسم الله الرحمن الرحيم أصول كلامية ينبني عليها فروع فقهية: أصول وسائل متنوعة: أصل: قال الشيخ أبو الحسن1 رضي الله عنه: السعادة والشقاوة لا يتبدلان. ومعنى ذلك أن الاعتبار في الأعمال بالخواتيم2. فلا ينفع من مات على الكفر تقدم قناطير من إيمان ولا يضر من مات على إيمان قناطير من كفران. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يتبادلان، وتحرير المسألة في كتب الكلام وقد ذكرناها محررة في كتاب منع الموانع. وألفاظ الشافعي رضي الله عنه وفروعه تدل على القول، بما قاله أبو الحسن.   1 علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن دين الله عز وجل والمصحح لعقائد المسلمين مولده سنة ستين ومائتين وقبل سنة سبعين قال أبو بكر الصيرفي وهو في نظراء الشيخ أبي الحسن كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم في اقماع السمسم توفي في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقيل سنة عشرين وقيل سنة ثلاثين. - ابن قاضي شهبة 1/ 113، تاريخ بغداد 11/ 346، تبيين كذب المفتري ص 128، شذرات الذهب 2/ 303، النجوم الزاهرة 3/ 259. 2 فالإيمان في الخاتمة يدل على أن صاحبه قدر له السعادة أزلا والكفر في الخاتمة يدل على ما سبق في علم الله من شقاوته ويدل على هذا وصف الله تعالى من مات على الإيمان بالسعادة ومن مات على الكفر بالشقاوة في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . ويترتب على السعادة الخلود في الجنة ونوابعه وعلى الشقاوة الخلود في النار ونوابعه فمقصود الأشاعرة السعادة والشقاوة من حيث ترتب آثارهما في الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 أما ألفاظه. فقد قال رضي الله عنه في خطبة الرسالة، وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه. وأما فروعه فقد قال في الحج ... 1 أصل: العلم: "الاعتقاد الجازم المطابق لموجب" فما لا مطابقة فيه -من الاعتقادات الجازمة ليس بعلم، فلا علوم لأرباب الضلالات وذوي الجهالات. وهو بخلاف الظن؛ إذ لا تشترط المطابقة فيه2. فلو قال لآخر: أنت تعلم أن هذا الإنسان -الذي في يدي- حر حكم بعتقه. بخلاف ما لو قال: أنت تظن. نقله الرافعي عن الروياني عن بعض الأئمة. ولو قيل [أطلقت] 3 امرأتك؟ فقال: اعلم أن الأمر على ما تقوله. ففي كونه إقرار بالطلاق وجهان. حكاهما الرافعي في فروع الطلاق من حكاية الروياني عن جده أصحهما: ليس بإقرار، لأنه أمره أن يعلم ولم يحصل هذا العلم. قلت: ويمكن تخريج هذا الفرع على أن الأمر لا يستلزم الإرادة، فإنه طلب منه أن يعلم هذا الأمر ولم يرده؛ إذ لو أراده لأنشأ إيقاع الطلاق. ثم أقول: أمره أن يعلم ولم يحصل هذا العلم. فيه نظر، لأنه لما أمره أن الأمر على ما يقول، ومراده بما يقول قوله: الآن طلقت امرأتك، لأن يقول: "فعل مضارع حقيقة في الحال" وأيضًا فلا قول له إلا ذلك؛ وإنما يكون الأمر [على] 4 ما قال الآن إذا كانت الآن طالقًا. فظاهر العبارة أن هذا إقرار. وقد يقال: ليس قوله إلا الاستفهام عن أنه هل طلق امرأته؟ فكأنه قال: اعلم أن الأمر على الاستفهام الذي نقوله على أنه لو قال: له على ألف - فيما أعلم [أو أشهد] 5 لزمه الألف، بخلاف ما لو قال: فيما أحسب أو أظن. ذكره أبو سعد الهروي وشريح الروياني في "أدب القضاء" قال أبو سعد: "لا انفصال للعلم عن الظن عند علماء الأصول". وذكر الرافعي المسألة الولى في آخر الباب الأول من الإقرار.   1 بياض في آوب. 2 سقط في ب. 3 في حاشية "أ" أطلقتك. 4 سقط في "ب". 5 في ب وأشهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وأما الثانية: وهي فيما أظن أو أحسب؛ فلم يذكرها غير أنه ذكر قبل ذلك بنحو ورقة فيما لو قال: لي عليك ألف، فقال: أظن أو أحسب أنه ليس بإقرار. وسبقه إليه البغوي في التهذيب. وهي غير هذه المسألة، لأنها فيمن اقتصر على قوله في الجواب: أظن، ومسألتنا فيمن قال: علي فيما أظن، فالمؤاخذة في مسألة أبي سعد وشريح أقرب منها في مسألة البغوي والرافعي. أصل: اختلف في الاسم -هل هو المسمى؟ اختلافًا حررناه في كتاب "منع الموانع" وحرره الشيخ الإمام رحمه الله في تفسيره في آخر سورة الرحمن، ولا خلاف أنه غير التسمية وهنا فروع: منها. قال صاحب التتمة: لو قال لها: اسمك طالق لم تطلق إلا أن يريد الذات. وأعلم أن الصحيح. الذي عليه الأشعري في الأصول. أن الاسم المسمى على تفصيل في أسماء الله تعالى مذكور في موضوعه. وقضيته أن يطلق هنا. فإما أن يكون صاحب التتمه فرعه على أنه غيره، وأما ما قاله فلذلك1. ومنها قال الرافعي -في فتاوى أبي الليث2- إن بعضهم قال: لو قال: بسم الله لا أفعل كذا فهو يمين- ولو قال: بصفة الله، فلا، لأن الأول من إيمان الناس". قال الرافعي: ولك أن تقول: إذا قلنا: الاسم هو المسمى؛ فالحلف بالله تعالى، وكذا إن جعل الاسم تسمية، وإن أراد بالاسم التسمية لم يكن يمينًا، وقوله: بصفة اللهز يشبه أن يكون يمينًا إلا أن يريد الوصف. قلت: وفيه نظر. فلا قائل بأن الاسم التسمية، إنما الخلاف أنه هل هو المسمى؟ وإذا كان هو المسسمى فلا فرق بين أن تقول: بالله أو باسم الله. فليكن يمينًا، وإلى ذلك [الإشارة] 3 بقوله: إذا قلنا: الاسم هو المسمى "فالحلف بالله" وتلك موافقة لمنقول أبي الليث فكيف أخرجها مخرج الاعتراض عليه فالذي [يحمل] 4 من كلامه   1 بياض في أ "ب". 2 نصر بن حاتم بن بكير الفقيه أبو الليث الشالوسي. قال الحاكم: أقام بنيسابور لسماع المبسوط كتبًا عنه في مجسد أبي العباس الأصم سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال المطوعي: هو من أوائل أصحاب أبي العباس وأفاضلهم. ابن قاضي شهبة 1/ 119. 3 سقط في ب. 4 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 موافقة منقول أبي الليث إلا أن يريد بالاسم التسمية، وقد يقال: لا يصح هذا الاستعمال، فلا نسمع إرادته إياه، وقوله "بصفة الله" يشبه أن يكون يمينًا إلا أن يريد وصف كلام لا يتبين لي معناه، ولا أدري ما وصفه غير صفته؛ فلينظر ذلك. أصل: اختلف أئمتنا في الكلام فقال قدماؤهم: "حقيقة في النفساني مجاز في اللساني". وهو عن أبي الحسن نصًا، وقيل مشترك بينهما. ولا قائل منا بأنه مجاز في النفساني حقيقة في اللساني؛ إنما ذلك من أقوال القدرية. ومن أدلة أئمتنا قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 1 وقوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} 2. قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} وقول عمر يوم السقيفة "كنت زورت في نفسي كلامًا" وقوله الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد ... البيت، وقوله: قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة ... حتى ألمت بنا يومًا ملمات وهذا من مستنبطاتي وهو وبعض ما قبله؛ فلم أجدني سبقت إليه، ومع هذا فالكلام في عرف الناس اللساني، وعليه يحمل يمين الحالف. نعم ينبني على الكلام النفساني مسائل. منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم" 3 فهل يقوله بلسانه أو بقلبه؟ فيه وجهان. قال الرافعي: نقلًا عن الأئمة4. "يقوله بقلبه". وقال الشيخ الإمام: "تيويب الشافعي يدل على أنه يقوله بلسانه". وقال النووي في الذكار: "ولغات التنبيه أنه الأظهر". وقال في شرح المهذب. "إن جمع بينهما فحسن".   1 المجادلة "8". 2 سورة يوسف "77". 3 متفق عليه من رواية أبي هريرة أخرجه البخاري 4/ 188 في الصوم باب فضل الصيام "164/ 1151" "163/ 1151". 4 انظر تصحيح التنبيه ص 47، نهاية المحتاج 2/ 331، شرح المهذب 69/ 356، تحفة المحتاج 1/ 690. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 قلت: وهذه العبارة توهم أن القائل بذلك يقتصر على اللساني ولا يجعل قوله: "في النفس" مطلوبًا. ولا أرى بذلك قائلًا. بل الخلاف عندي [مردود] 1 إلى أنه هل يقتصر على النفسي فيكون أبعد عن الرياء والسمعة. أو يضم إليه اللساني؟ فمن قال: يقوله بلسانه لا يمكنه أن يقول: لا يقوله بقلبه، بخلاف من عكس وحكى الروياني في البحر وجهًا ثالثًا: إن كان في صوم رمضان فبلسانه، أو النقل فبقلبه، واستحسنه، والمسألة محذوفة من الروضة. ومنها: الغيبة: وهي ذكر الشخص بما يكرهه. قال الغزالي: في الإحياء، وتبعه النووي في الأذكار: إنها تحصل بالقلب كما تحصل باللفظ". تنبيه: ليس مما نحن فيه اختلاف أصحابنا في صحة النذر. بالنية مجردًا عن لفظ وما2 إذا نوى بقلبه التتابع في صوم منذور. مسألة: اتفق أئمتنا على أن المضطر إلى فعل ينسب إليه الفعل الذي اضطر إليه. ثم اختلفوا في تعريفه. فقال شيخنا أبو الحسن كرم الله وجهه: "المضطر الملجأ إلى مقدوره لدفع ضرر متوقع بتقدير عدم المقدور الملجأ إليه". وقال القاضي أبو بكر3: المضطر هو المحمول على ما عليه فيه ضرر من مقدوراته لدفع ما هو أشر منه. وزعمت المعتزلة أن المضطر لا ينسب إليه الفعل. وأنه هو الذي يفعل فيه الغير فعلًا هو من قبيل مقدوراته. ثم اختلفوا:   1 سقط في "ب". 2 وفي "ب" ما. 3 محمد أبو بكر بن الطيب بن محمد القاضي المعروف بالباقلاني الملقب بشيخ السنة ولسان الأمة المتكلم على مذهب أهل السنة وأهل الحديث وطريقة أبي الحسن الأشعري إمام وقته من أهل البصرة وسكن بغداد وإليه رياسة المالكيين في وقته توفي في يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة. الديباج المذهب 2/ 228، وفيات الأعيان 4/ 269، تاريخ بغداد 5/ 379، العبر 3/ 76، شذرات الذهب 3/ 168، شجرة النور 1/ 97، ترتيب المدارك 4/ 585- 603. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 فقال أبو علي الجبائي1: لا يشترط أن يكون المفعول فيه غير قادر على مدافعة الفاعل. وقال ابنه أبو هاشم2: "بل يشترط ذلك". إذا عرفت هذا فقد اتفقوا على أن الملجأ قادر على ما ألجئ إليه، وأنه لم يفعل غيره فيه فعلًا، لا خلاف بين الأشعرية والمعتزلة في ذلك. وإن اختلفت عباراتهم في تعريفه بما هو مذكور في كتب المتكلمين. فالملجأ دون المضطر المعتزلة، ومثله عند الأشاعرة، ودونهما المكره المذكور في كتب الفقهاء. وعلى هذه الأصول من عدم اختياره بالكلية وصار كالآلة المحضة فلا يتعلق به إثم، وهو المضطر عند المعتزلة كمن شد وثاقه وألقى على شخص فقتله بثقله، أو كان على دابة فمات وسقط على شيء فإنه لايضمن، وليس كالمكره، ولا كالمضطر. ومن مسائل القاعدة: المضطر لأكل الميتة يجب عليه أكلها على الصحيح، وفي وجه لا يجب، وقد يوجه بأصول المعتزلة فيقال: "لا فعل للمضطر ولا اختيار حتى يتعلق به إيجاب ويكتفي بضرورة الداعية عنده. وقد أورد بعضهم على تعريف القاضي متناول الميتة حالة المخمصة فإنه مضطر بنص الكتاب. ولا ضرر عليه في تناولها. وهو إيراد منقدح عندي، وإن كان بعض المعنيين بالقاضي. قال:   1 محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره وإليه نسبة الطائفة الجبائية له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب نسبته إلى حبى من قرى البصرة اشتهر في البصرة ودفن بجبى سنة ثلاث وثلاثمائة. له تفسير حافل مطول رد عليه الأشعري. وفيات الأعيان 1/ 4180، البداية والنهاية 11/ 125، مفتاح السعادة 2/ 35، الأعلام للزركلي 6/ 256. 2 عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من أبناء أبان مولى عثمان عالم بعلم الكلام من كبار المعتزلة له آراء انفرد به وتبعته فرقة سميت بالهاشمية نسبة إلى كنيته أبي هاشم وله مصنفات الشامل في الفقه وتذكرة العالم والعدة في أصول الفقه، وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. وفيات الأعيان 1/ 292، البداية والنهاية 11/ 176، تاريخ بغداد 11/ 55، الأعلام 4/ 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 إن كان المضطر نفسه تائقة للميتة فما خلا أكله عن ضرر، وإلا فلا أسلم تسميته بالمضطر. فهذا عندي ضعيف، فإنه مضطر بوضع اللسان ونص الكتاب وشهادة الحس وإن لم يكن [تائقًا] 1. وهذه القاعدة إذا ضم إلى فروعها فروع الإكراه تكاثرت جدًاز والقول الفصل: إن الإكراه لا ينافي التكليف. ولذلك يأثم المكره على القتل بالإجماع، ويجب عليه القصاص على الأصح. وأما المضطر، فلا ريب أنه عند المعتزلة غير مكلف لانتفاء الفعل منه، وأما عندنا فإنه مكلف، ثم ناحية التكليف فيه وفي المكره قررناها في كتابنا "جمع الجوامع" وفيما علقنا عليه من شرح إشكالاته المسمى "منع الموانع" فلا نعيده. غير أني صححت في "جمع الجوامع" امتناع تكليف المكره كالملجأ والغافل والمختار عندي الآن. الجريان مع الجماعة الأشعرية على أنه يجوز تكليفه. وإن كان غير واقع. لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" 2.   1 في ب سقط. 2 قال السخاوي في المقاصد ص 228، حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقع بهذا اللفظ في كتب كثيرين من الفقهاء والأصوليين حتى إنه وقع كذلك في ثلاثة أماكن من الشرح الكبيرن وقال غير واحد من مخرجه وغيرهم: إنه لم يظفر به، ولكن قد قال محمد بن نصر المروزي في باب طلاق المكره من كتاب الاختلاف، يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان، وما أكرهوا؛ غير أنه لم يسق له إسنادًا ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان: وابن عدي في الكامل من حديث ابن فرقد، عن أبيه عن الحسن عن ابي بكرة مرفوعًا بلفظ: رفع الله عن هذه الأمة ثلاثًا: الخطأ والنسيان، والأمر يكرهون عليهن جعفر وأبوه ضعيفان، لكن له شاهد جيد أخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي المعروف بأخي عاصم في فوائده، عن الحسن بن أحمد أو الحسين بن محمد على ما يحرر، وكلاهما ثقة عن محمد بن المصفى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس بلفظ: رفع الله والباقي كلفظ الترجمة ورواه ابن ماجه وابن أبي عاصم ومن طريقه الضياء في المختارة كلاهما عن محمد بن المصفى به لكن بلفظ: وضع بدل رفع ورجاله ثقات، ولذا صححه ابن حبان ورواه البيهقي وغيره إلا أنه فيه تسوية الوليد فقد رواه بثر بن بكر عن الأوزاعي فأدخل بين عطاء وابن عباس عبيد بن عمير أخرجه الطبراني والدارقطني والحاكم في صحيحه من طريقه بلفظ: تجاوز بدل وضع، قال البيهقي: جوده بشر بن بكر، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن الأوزاعي يعني مجودًا إلا بشر تفرد به الربيع بن سليمان وله طرق عن ابن عباس، = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ومن قواعد الفقهاء ما قدمناه في القواعد العامة وأحلنا فيه على هذا المكان "والإكراه يسقط أثر التصرف" وهذا موضع تحقيقه. فأقول: من صدر على يديه شيء. ولا أقول: فعل، لأن الفعل يستدعي فاعلًا وسنذكر ما لا نسميه فعلًا بالجملة الكافية كحركة المرتعش. إذا عرفت هذا فذلك الشيء إما أن يصدر باختيار منه وإرادة له فهو المختار؛ سواء أكان حبه واختياره -بصدوره عنه- ناشئًا من قبل نفسه وداعية قلبه. أو دعاء إلى ذلك داع- من سائل أو غيره، فرب من يفعل ما يكره حياء من السائلين وإسعافًا للطالبين. أو حبًا لأن يقال فعل. وهذه أمور لا تخرجه عن كونه مختارًا. وأما أن يصدر لا باختيار؛ فإما أن يكون بكراهة حملته على إصدار ذلك الفعل أو لا. إن لم يكن فإما أن يكون له شعور بما صدر أو لا، إن لم يكن فهو الغافل من نائم.   = بل للوليد فيه إسنان آخران رواه محمد بن المصفى عنه عن مالك عن نافع عن ابن عمرو عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر، وقد قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عنها فقال: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة، وقال في موضع آخر: لم يسمعه الأوزاعي من عطاء؛ إنما سمعه من رجل لم يسمعه، أتوهم أنه عدب الله بن عامر الأسلمي، أو إسماعيل بن مسلم، وقال: ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده، وقال عبد الله بن أحمد في العلل، سألت أبي عنه فأنكره جدًا وقال: ليس يروي هذا إلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل الخلال عن أحمد قال: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع؛ فقد خالف كتاب الله، وسنة رسول الله؛ فإن الله أوجب في قتل النفس الخطأ الكفارة، يعني من زعم ارتفاعها عن العموم في خطاب الوضع والتكليف، وقال محمد بن نصر -عقب إيراده له كما تقدم: إلا أنه ليس له إسناد يحتج بمثله، ورواه العقيلي في الضعفاء في حديث الوليد عن مالك، ورواه البيهقي، وقال: قال الحاكم، هو صحيح غريب تفرد به الوليد عن مالك، وقال البيهقي من موضع آخر: إنه ليس بمحفوظ عن مالك، ورواه الخطيب في ترجمة سوادة بن إبراهيم من كتاب الرواة عن مالك، وقال بعد سياقه: من جهة سوادة عنه: سوادة مجهول والخير منكر عن مالك. انتهى، والحديث يروي عن ثوبان وأبي الدرداء، وأبي ذر، ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلًا، لا سيما وأصل الباب حديث أبي هريرة في الصحيح من طريق زاررة بن أوفى عنه بلفظ: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، وزاد في آخره، وما استكرهوا عليه ويقال إنه مدرجة فيه وقد صحح ابن حبان والحاكم وغيرها هذا الخبر كما أشرت إليه، وقال النووي في الروضة وفي الأربعين إنه حسن وبسط الكلام عليه في تخريج الأربعين وكذا تكلم عليه شيخنا في تخريج المختصر وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 ونحوه. وإن كان له شعور. ولكن لا ينسب إليه ذلك الشيء فذلك كالمرتعش بتحريك يده. ولا يقال: إنه حركها. وإن كان بكراهة وحمل حامل له على أن يفعل؛ فإن كان لا يجد مندوحة عن الفعل البتة ولا مخلصًا منه فهو الملجأ. والفرق بينه وبين المرتعش عسير. فليجعلا قسمًا واحدًا. ومن صوره من ألقى من شاهق فوقع على إنسان فقتله؛ فهو لا يجد بدًا من الوقوع ولا اختيار له فيه؛ وإنما هو آلة محضة كالسكين، فهذا لا يقول أحد: إنه مكلف ولا ينسب إليه فعل. نعم تردد الذهن فيمن ألقى من شاهق وعلى الأرض طريحان، ولم يدهشه الإلقاء، وطرح بنفسه في حالة الإلقاء من ناحية أحدهما إلى ناحية الآخر، فسقط عليه فقتله، هل يكون قائلًا بهذا العذر، والأقرب أن هذا إن تصور فهذا كالمكره على أحد شيئين ففعل أحدهما وسنتكلم فيه. وإن وجد مندوحة عن الفعل، ولكن بالصبر على إيقاع ما أكره به؛ فالضابط في هذا أن ينظر إلى تلك المندوحة، فإن كانت في نظر العقلاء أشد مما أكره عليه فهذا مكره. وذلك كمن قال له قادر على ما يتوعد به: طلق زوجتك وإلا قتلتك. ففي نظر العقلاء تقديم طلاق الزوجات على زهوق ألأرواح وإن لم يكن في نظر العقلاء أشد، كمن قيل له اقتل زيدًا وإلا منعتك الطعام والشراب يومًا واحدًا، لا تقتل بين ما يتحقق الإكراه فيه وما لا يتحقق. وقد بان بهذا أن الملجأ لا فعل له ولا يقبل التكليف والمكره له فعل واختيارية قدم بها على ما أكره عليه على ما توعد به؛ فهو كالمختار فلا يمتنع في العقول تكليفه؛ غير أن الشارع رفقًا بنا ونظرًا إلينا وشفقة علينا رفع هذه المشقة عنا، وقال ما حاصله: "إن كل مندوحة تكون أشد من المكره عليه لا أكلف الصبر عليه وارفع معها آثار ذلك الفعل، وأصيره كلا فعل البتة" وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "وما استكرهوا عليه". فإن قلت: إذا كان المكره والمختار سواء في الاختيار فما الفرق بينهما. فإن قلت: قال القاضي في كتاب التقريب: "والفرق بينهما أن المختار مطلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الدواعي والإرادات، والمكره مقصور الدواعي والإرادة على فعل ما أكره عليه. لا يختار غيره"؛ فإن قيل: ولم صارت هذه حاله؟ قلنا: لما يخافه من عظيم الضرر، فهذا يدفع [أعظم] 1 الضررين بأدونهما، ودواعيه مقصورة عليه لأجل ذلك. انتهى وهو صحيح ولا فرق إلا هذا. وكون الشارع لم يكلفه الشطط بالصبر على ما هدد به. ثم قال له: "ولئن فعلت المكره عليه كان فعلك كلا فعل، لمكان الإكراه". فللشارع في المكره لطفان خفيان -إسقاط حكم الفعل الناشئ عنه، وعدم التكليف بالصبر على ما توعد المكره عليه- وهذه من خصائص هذه الأمة المشرفة بنبيها الكريم على الله. محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي إنه لرؤوف رحيم. ونبي كريم. ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ورفع عن أمتي الخطأ". ولو كانت حقيقة الإكراه تنافي التكليف لما افترق الحال فيه بني أمه وأمه. وهنا تنبيهات: أحدها: هذا الإكراه الذي أسقط الشارع حكمه لا بد من بقاء حقيقته ليتحقق في نفسه، وقد ينضم إليه ما لا يزيل حقيقته؛ فلا اعتبار به، أو ما يزيل الحقيقة فلا يسقط حكمه، إذ ليس هناك إكراه. وهذا كمن قيل له: طلق زوجتك، فقال: طلقت زوجاتي كلهن [فيقع] 2 عليهن، لأنه مختار لا مكره. وقد ينضم إليه ما يتردد الذهن في أنه مزيل لكونه إكراهًا أو غير مزيل، فيقع الخلاف في أنه هل يسقط أثر التصرف به أو لا يسقط؟ وأمثلته فيالفئقه كثيرة، ونحن نذكر هنا فرعًا واحدًا، وهو المكره على أحد شيئين. كمن قيل له: طلق إحدى زوجتيك وإلا قتلتك، وحمل على تعيين إحداهما لا على إبهام الطلاق، إما هذه أو هذه. وإلا قتلتك، فقال: طلقت هذه، فهل هذا اختيار، لأن إيثاره لهذه على تلك. وقد كان قادرًا على العكس، يدل على أنه مختار لفراقها، وليس باختيار؛ لأنه لا يجد مندوحة عن واحدة منهما، ولو عين الأخرى لجاء فيها هذا القول بعينه.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" ليقع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 فيه وجهان: أولهما: هو الأصح عند الرافعي والنووي. والثاني: هو الأرجح في نظري، ولا فرق عندي بينه وبين المكره على قتل معينة إلا أن هذا يجد محيصًا عمن طلقها برفيقتها، وذاك لا يجد إلا بنفسه، وليس هذا الفرق بطائل؛ فإن القول في المختص بها مقول في رفيقتها، وكل قول انعكس بنفسه بطل من أصله. وقول من ادعى أنه مختار. إن إقدامه على هذا دليل على اختياره لفراقها دون تلك مختل. ولكنا نقول في جوابه: لم قلتم: إن الداعي إلى تعيينها ترجيح فراقها، وقد يكون هجم على ذكرها هجمًا، وهذا يتفق كثيرًا لمن حمل على شيء من شيئين، وقد أعوزه الفكر والذعر عن الميز بينهما. وإن سلمنا أن الداعي إيثار فرؤاقها، فالذي آثره إنما هو ذكرها على ذكر تلك، لا حب فراقها على حب فراق تلك. وإن سلمنا أن فراقها عنده بتقدير التعارض راجح على فراق تلك؛ فهذا موضع نظر لا أتذمم فيه ترجيحًا. التنبيه الثاني: وقد عرفت أن شرط الإكراه مرفوع الحكم أن يكون المتوعد فيه. في نظر العقلاء أشد من المكره عليه، والمعنى بنظر العقلاء ما شهد له الشرع بالاعتبار. فعرف من هذا أن الإكراه لا يرفع حكم القصاص، ولا يرفع الإثم عن المكره. بيانه: أن نفسه ونفس من أكره على أن يقتله مستويان في نظر الشارع؛ فإيثاره نفسه ناشئ عن شهوات الأنفس وحظوظها ومحبتها للبقاء في هذه الدار أزيد من بقاء غيرها، وهذا القدر ليس من نظر العقلاء، أعني عقلاء الشرع الذين يتقيدون به فيما يأتون ويذرون. وبهذا خرج كثير من المسائل التي سنذكرها فيما استثنى من قول "الإكراه يسقط أثر التصرف". فإذا قيل لنا: يستثنى الإكراه على القتل؛ فإنه لا يسقط أثر التصرف بدليل الإثم إجماعًا والقصاص على الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 قلنا: ليس هو من حيث إيثار نفسه مكرهًا بل مختارًا، ومن ثم أثم وأقتص منه، ولا هذا النظر الذي نظره وآل به إلى تقديم نفسه على غير [لمشهود] 1 له من الشعر بالاعتبار، فإن الكفاءة في القصاص شرعًا منحصرة في الإسلام والحرية والبعضية، والله أعلم. التنبيه الثالث: شرط كون الإكراه مرفوع الحكم أن يكون مرتبًا على فعل المكلف، فإن الشارع جعل فعله حينئذ. كلا فعل. فإن كان الحكم مترتبًا على أمر حسي غير فعل المكلف ولو كان ناشئًا عن فعله، فلا يرفع حكم الإكراه. بل الإكراه حينئذ لأن موضع الإكراه الفعل ولم يترتب عليه شيء، وموضع الحكم الانفعال. ولم يقع2 عليه الإكراه. وإن كان هو أثر الفعل فالشارع قد يرتب الحكم على الفعل، وقد يرتبه على الانفعال، وهو في الأول. من خطاب التكليف الذي رفع شفقة علينا عند الإكراه. وفي الثاني من خطاب الوضع والأسباب والعلامات. فكيف يرتفع؟ وبهذا خرج الإكراه على الرضاع وعلى الحديث. فإذا أكره امرأة حتى أرضعت خمس رضعات حرم ذلك الإرضاع، لأن الحرمة منوطة بوصول اللبن إلى الجوف حتى لو حلبت قبل موتها وأسقى الصبي بعد موتها، حرم. التنبيه الرابع: شرط كون الإكراه مرفوع الحكم أن يكون بغير حق، فهو موضع الرخصة والتخفيف من الشارع، أما إذا كان بحق. فقد كان من حق هذا المكره أن يفعل، فإذا لم يفعل أكره ولم يسقط أثر فعله وكان آثمًا -على كونه أحوج [على] 3 أن يكره. وهذا كالمرتد والحربي يكرهان على الإسلام فإسلامهما صحيح وهما آثمان بكونما أحوجًا إلى الإكراه عليه، ثم الإسلام إن وقع فيهما -عند الإكراه باطلًا كما وقع ظاهرًا، فهو يجب ما قبله. وإلا فحكمهما في الظاهر حكم المسلمين، وفي الباطن هما كافران لما أضمراه من خبث الطوية. ووقع النظر فيمن [لم يكن كفره] 4 بفساد العقيدة بالامتناع عن التلفظ [بكلمة الشهادة مع القدرة عليها إذا تصور مثل هذا وأكره على التلفظ] 5 بكلمة الحق فهل   1 في "ب" مشهود. 2 في "ب" ليقع. 3 في "ب" إلى. 4 في "ب" فمن لم يكره كفره. 5 سقط في أوالمثبت من ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 يصح باطنًا كما يصح ظاهرًا لأن اللفظ وافق العقيدة، ولا اعتبار بما توسط من الإكراه أولًا. لأن الإكراه أسقط حكم هذا التلفظ. والتلفظ إما شرط في الإيمان أو شرط منه فكأنه غير متلفظ. والأقرب عندي هذا الثاني، لكن يكاد يكون فرض مثل هذا فرض بمستحيل. والمسألة قريبة الشبه بما إذا أراد المكره على الطلاق إيقاع الطلاق، والأصح أنه يقع لحصول اللفظ والإرادة. ويقرب منها ما إذا قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك فطلق، فقد صحح الشيخان وقوع الطلاق. قالا لأنه أبلغ في الأذن، وفيه وجه أنه لا يقع، لأن الإكراه يسقط حكم اللفظ. وفي الوكيل بالطلاق إذا أكره عليه احتمالان للروياني أبي العباس؛ غير أن الانصراف عن التلفظ بكلمتي الشهادة من غير عذر ينبغي أن يكون كفر أقطعًا. التنبيه الخامس: كذا وقع في عبارة الفقهاء. والإكراه بحق ولم يقولوا: الإكراه على حق. وبينهما فرق. فإن [كل] 1 مكره بحق مكره على حق وليس كل مكره على حق مكرهًا بحق، ألا ترى أن الذمي الذي أكره على الإسلام أكره على حق، ولكن ما أكره بحق؛ إذ ليس من الحق إكراه مثل هذا، ولهذا كان الصحيح أنه لا يصح إسلامه؛ فكأن الأصحاب عدلوا عن التعبير بالإكراه على حق إلى الإكراه بحق لأنه أعم. فإن قلت: لو قال ولي الدم لمن عليه القصاص: طلق امرأتك وإلا اقتصصت منك، لم يحصل الإكراه، على ما جزم به الرافعي في كتاب الطلاق، وهذا إكلاه بحق وليس إكراهًا على حق، وأما كونه إكراهًا بحق فلأن القصاص حق المكره. وأما كونه ليس على حق فلأن الطلاق ليس حق المكره حتى يحمل عليه. فبان بهذا الفرع أن شرط الإكراه أن لا يكون حلالًا؛ وإلا فلا يحصل إكراه، وخرج منه أنه ينبغي أن يقال: الإكراه على حق. ولا يقال: الإكراه بحق. قلت: ليس الإكراه -حيث المتوعد به حلال. واقعًا بحق، بل هو واقع بباطل. فإن مستحق القصاص ليس له أن يكره به على الطلاق؛ إذ ليس الطلاق من حقه، فالجار   1 في "ب" فكل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 والمجرور في قولنا: الإكراه بحق ليس معناه أن يكون المكره به حقًا؛ بل أن يكون الإكراه نفسه حقًا، ولا يكون الإكراه حقًا إلا على حق كإكراه القاضي المفلس على بيع ماله عند من يرى ذلك وهو الرافعي والنووي، أما الشيخ الإمام فعنده أن القاضي يتولى البيع بنفسه، فليصور في غير ذلك. واعلم أن ما جزم به الرافعي من أن الإكراه بالقصاص ليس بإكراه فيه نظر. والذي ينبغي أن يكون هنا إكراهًا. التنبيه السادس: قد تقدم الكلام على المستنى من قولهم، "الإكراه يسقط أثر التصرف" في أوائل الكتاب، ومن هنا يتحقق الجواب عن سبب ما استثنى. أصل: اتفق أئمتنا على امتناع مقدورين قادرين خالفين أو مكتسبين -أما بين قادرين- خالق ومكتسب فلا يمتنع. ووافقهم أبو الحسن البصري من المعتزلة1، وأطبقت المعتزلة سواء على جواز ذلك وعليه أكثر الحنفية، وهي من آثار مسألة خلق الأفعال. وقد تخرج عليه مسألة فقهية تعاكس فيه التخريج وهي قطع الأيدي باليد الواحدة؛ فمن منع ذلك. وهم الحنفية- قالوا: كل واحد من الفاعلين فاعل بمقدور نفسه فيختص كل منهم بالقطع الذي مقدوره دون مقدور صاحبه، فكان قطع كل جزء قطعًا على سبيل الانفراد؛ فلم يكن قطعًا لليد بكمالها -فكيف تقطع يده [في] 2 مقابلها. فيقال للحنفية: هذا كلام من يمنع مقدورين "بين" قادرين وأثرًا عن [مأثورين] 3 وأنتم لا تمنعونه، فلم يكن اللائق بكم القول بذلك. وإذا قيل لهم هذا. قالوا هم: "معاشر الشافعية أنتم تمنعون مقدورًا بين   1 هو الحسين بن علي بن إبراهيم أبو عبد الله البصري الحنفي المعتزلي كان مقدمًا في الفقه والكلام، ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين "هـ" وقيل سنة ثمان وثمانين وصنف التصانيف الكثيرة منها المعرفة، والرد على ابن الراوندي وغير ذلك وتوفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة هـ. - تاريخ بغداد 8/ 73، شذرات الذهب 3/ 68، الفوائد البهية ص 31. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" مؤثرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 مكتسبين؛ فلم قطعتم الأيدي باليد الواحدة وأصولكم تأباه". والجواب عن هذا قد قررناه في شرح المختصر في تضاعيف الكلام على مسألة التعليل بعلتين. والحنفية يوافقون على [قتل] 1 النفوس بالنفس الواحدة ويعتقدون بين النفوس والأيدي فرقًا وليس الأمر عندنا على ما يزعمون. فرع: قال: من حملت منكن هذه الخشبة فهي طالق -وهي خفيفة تستقل كل واحدة بحملها، فحملتها [منهن واحدة- طلقت] 2. مسألة: المأثور عن شيخنا أبي الحسن [رحمه الله] 3 أن العقل العلم، وعن القاضي أنه بعض العلوم الضرورية، وقال قوم: العلم الضروري. وعن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: هو آلة التمييز. وقال إمام الحرمين في البرهان: ما جزم عليه أحد من علمائنا غير الحارث المحاسبي4. فإنه قال: العقل غريزة يتأتى بها درك العلوم وليست [منها] 5، وقد اختلف كلام الإمام في تعريف الحارث المحاسبي هذا. فإنه ارتضاه في البرهان. وفي الشامل حكاه. ثم قال: إنه لا يرضاه، وإنه يتهم النقلة عنه فيه وأطال في رده بما لسنا له الآن. والمختار عندنا في تعريف العقل، أنه ملكة يتأتى بها درك المعلومات. ثم اختلف أئمتنا في محله: فالمعروف عن الشافعية أن محله القلب. وهو الصحيح الذي دلت عليه صرائح الكتاب والسنة، قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} 6 وقال تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وقال تعالى: {قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" كرم الله وجهه. 4 الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي أحد مشايخ الصوفية وشيخ الجنيد إمام الطريقة، ويقال إنما سمي المحاسبي لكثرة محاسبته لنفسه ذكره أبو منصور التيمي وقال هو إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث والكلام وكتبه في هذه العلوم أصول من ينصف فيها توفي ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين. ابن قاضي شهبة 1/ 59، تهذيب التهذيب 2/ 134، مرآة الجنان 2/ 142، شذرات الذهب 2/ 103، النجوم الزاهرة 2/ 316، تاريخ بغداد 8/ 211. 5 سقط في "ب". 6 الحج 46. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 بِهَا} 1 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة" 3، الحديث. وذكر إمام الحرمين، في النهاية في باب أسنان إبل الخطأ أنه لم يتعين للشافعي. رضي الله عنه محله. وذهب قوم إلى أن محله الدماغ "وهو المعروف عن أبي حنيفة رضي الله عنه". وقيل: "لكل حاسة منه نصيب" قال الأستاذ أبو إسحاق: هو أحد قولي أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه. قلت: وفي كلام الإمام في باب أسنان إبل الخطأ، ما يقطع بأن العقل ليس محل اليدين. إذا عرفت هذا ... 4. مسألة: قال أئمتنا من طوائف أهل السنة. إن الحل والحرمة والطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية ليست من صفات الأعيان. فإذا قلنا: هذا حلال أو حرام، طاهر أو نجس؛ فليس ذلك راجعًا إلى نفس الذات ولا إلى صفة نفسية قائمة بها، بل هو من صفات التعليق، وصفة التعليق لا تعود إلى وصف في الذات. فليس معنى قولنا: الخمر حرام ذاتها ولا تجرع الشارب إياها؛ وإنما التحريم راجع إلى قول الشارع في النهي عن شربها، وذاتها لم تتغير، وهذا كمن علم زيدًا قاعدًا بين يديه؛ فإن علمه. وإن تعلق بزيد، لم يغير من صفات زيد شيئًا، ولا أحدث لزيد صفة ذاتز وذهب من ينتمي إلى أبي حنيفة رضي الله عنه -من علماء الكلام- إلى أن الأحكام الشرعية صفات للمحل، ورأوا أن التحريم والوجوب راجعان إلى ذات الفعل المحرم والواجب. والمسألة مقررة في أصول الديانات وينبني عليها فروع.   1 الأعراف 179. 2 ق "37". 3 متفق عليه من رواية النعمان بن بشير البخاري 1/ 126 في الإيمان/ باب فضل من استبرأ لدينه "52" وفي 4/ 290 "2051" ومسلم 3/ 1219 في المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات "107/ 1599". 4 بياض في الأصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 منها: أن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة} 1 و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم} 2 ونحوه. هل هو مجمل. فمن قال: [بإضافة الحل والحرمة إلى الأعيان نفي الإجمال ويلزمه الوقوع فيه] 3. لأن الذات إذا كانت محرمة فينبغي أن يصادف التحريف ما لاقاها من الأفعال، حتى يحرم النظر إلى الأم، وغير ذلك مما لم يقل به أحد. ومن لم يقل بذلك أثبت الإجمال غير أنه يدعي في اللفظ عرفصا عامًا يقضي بأن المراد العفل المقصود من الذات لا نفسها. فانظر كيف تأدى مذهبنا -الذي مقتضاه في الآية الإجمال- إلى عدم الإجمال بما طرأ من العرف العام؟ وكيف تأدى مذهبهم الذي مقتضاه عدم الإجمال- إلى الإجمال بما أدى إليه القول بعدم الإجمال من أمور فجمع على أنها غير مقصودة. فصار المراد عندنا تحريم أكل الميتة. وترحيم نكاح الأمهات، وهو معقول من العرف وسياق الكلام يدرأ عنه الإجمال. وإذا كان المحرم أكل الميتة فقط فيجوز التزود من الميتة لمن لم يرج الوصول إلى الحلال من المضطرين، وكذا لمن رجاه على الأصح إذ المتزود غير آكل. ومنها: أن المعقود عليه في النكاح عندنا منفعة البضع. ولا نقول: أنها في حكم الأجزاء. وقال أبو حنيفة: بل هو عين المرأة بوصف الحل، وهو وجه ضعيف عندنا، ومعناه أنها منافع جعلت في حكم الأجزاء، وحرف المسألة أن منافع البضع عندهم أجزاء حكمًا، وعندنا بل منافع حكمًا كما هي منافع حسًا، والمسألة مقررة في الخلافيات، ومن ثم نقول: يقبل النكاح الفسخ بالعيوب كما يقبله عقد الإجارة. ونقول: وطء المشتري الجارية المشتراه مثل استخدامها لا يمنع الرد بالعيب. ونقول: الخلوة لا تقرر المهر، لأن المعقود عليه المنفعة ولم يتسوفها، ومجرد الخلوة لا يقتضيها والحر لا يدخل تحت اليد. وهم لما قالوا: المعقود عليه عينها. جعلوا تسليمها نفسها مع التمكن بالخلوة -   1 المائدة 30. 2 النساء 23. 3 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 كافيًا. والأصل في المسائل كلها: أن قولنا: "هذه المسألة حلال" ليس معناه كون الحل صفة عين عندنا، حتى تكون عينها معقودًا عليها؛ بل إن الانتفاع بها حلال. وعندهم بل معناه أن العين حلال بناء على أن الحل من صفات الأعيان. مسألة: الحسن والقبح بمعنى ترتب المدح أو الذم عاجلًا، والثواب أو العقاب آجلًا -شرعي ولا عقلي، خلافًا للمعتزلة ومن وافقهم من فقهاء الفرق. وفيه مسائل: منها: النجش حرام على الناجش وإن لم يعرف بالخبر الوارد فيه. قال بعض أصحابنا: لأن تحريم الخداع يعرف بالعقل، واعترضه الرافعي بأن ذلك ليس معتقدنا، وأجبنا عنه في شرح المختصر بأنه لم يقل: "إن العقل حرم" حتى يقال له: ليس ذلك معتقدنا؛ بل إنه أدرك التحريم وعرفه، والعقل إدراك لا محالة واعلم أن ما عزاه الرافعي إلى المختصر من أن الشافعي رضي الله عنه أطلق القول فيه بتعصية الناجش، وشرط في البيع على البيع للتأثيم العلم بالنهي- لعله تبع فيها الإمام فإنه عزال إلى الشافعي ذلك لكنه لم ينص على ذكر المختصر، والذي في المختصر والأم اشتراط العلم بالنهي في الموضعين. ومنها: من لم تبلغه الدعوة مضمون بالدية والكفارة ولا يجب القصاص على قاتله على الصحيح؛ إذ ليس هو مسلمًا. ومنها: إسلام الصبي الصحيح عندنا أنه لا يصح، لأن صحته فرع تقدم الإلزام به، ولا إلزام مع الصبي شرعًا. وقال أبو حنيفة رحمه الله" يصح بناء على أن العقل يوجب على الصبي والبالغ العاقلين". ومنها: لا ينعقد نذر صوم يوم العيد وأيام التشريق ولا يصح صومه للنهي عنه. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: "يصح" لأن مطلق الصوم عبادة، فيكون حسنًا، فيستحيل أن ينهي عنه لعينه، فيجب صرف النهي إلى أمر وراءه كترك إجابة الداعي مثلًا. قال: ولا يلزم على هذا الصوم في الحيض والنفاس، فإن ذلك من باب النفي لا من باب النهي، ومعنى النفي إخبار الشرع بانعدام هذه العبادة شرعًا زمان الحيض، لقيام المنافي وهو حدث الحيض والنفاس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وأطال الحنفية في هذا، ولا يصح لهم فرق، وما بالهم يعقلون كون الحيض مانعًا، ولا يعقلون كون العيد مانعًا ولا احتجاج على الشرع فله أن يجعلهما مانعين. ومنها: شهادة بعض أهل الذمة على بعض لا تقبل، وقال أبو حنيفة رحمه الله: تقبل، لأن المانع من القبول تهمة الكذب، وقبح الكذب، ثابت عقلًا فكل متمسك بدين يجتنبه. أصل: ذهب الإمام فخر الدين إلى أن الحياة "قوة النفس والحركة واعتدال المزاج" وهذا رأي لبعض الفلاسفة. والذي عليه أئمتنا. أنها معنى زائد على ذلك به، يستعد العضو لقبول الحس والحركة؛ فهي عرض على كل قول -ومن ثم لو قال لها "حياتك طالق" لا تطلق وهو الصحيح. أصل: الصحيح احتياج الممكن -في حالة بقائه- إلى المؤثر. مسألة: اختلاف الصفة هو كاختلاف العين؟ فيه نظر واحتمال يتخرج عليه أنه هل يكفر منكرو صفات الباري سبحانه وتعالى؟ وقد أخذ ابن الرفعة الخلاف في التكفير من اختلاف قول الشافعي رضي الله عنه في من نكح امرأة على أنها مسلمة فلم تكن؛ فإن القول بالصحة -وهو الصحيح الجديد- مأخذه أن المعقود عليه معنى لا يتبدل بالخلف كاختلاف العين ولو اختلفت العين كما لو قالت: زوجني من زيد، فزوجها من عمرو، لم يصح. ووافقه الشيخ الإمام على هذا التخريج إلا أنه استشكله -فإن الأصح فيما إذا قال: بعتك هذا الفرس وكان بغلًا، عدم الصحة. ولقائل أن يقول في قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} 1 الآية دالة على أن الجهل بالصفة جهل بالموصوف؛ وإلا فهم يؤمنون باليوم الآخر وإن كذبوا الرسل، وفي القرآن آيات صريحة   1 التوبة 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 في أن أهل الكتاب يكذبون باليوم الآخر مع أنهم يقولون: إنهم يؤمنون به. أصل: اختلف أئمتنا في أن الأفعال المحكمة هل تدل على كون فاعلها عالمًا بها؟ كذا عبارتهم فاعلها، ولو قالوا: من صدرت على يديه كان خيرًا؛ فإن تسميته فاعلها -مع اختلافهم في أنه هل فعلها- مما لا ينبغي. إذا عرفت هذا فقد آل بهم خلافهم إلى اختلافهم في أن النائم هل يفعل؟ قال إمام الحرمين في الشامل: إن من سلك مسلك الأدلة -وزعم أن الإتقان يدل على علم المتقن. منع صدور أفعال محكمة من النائم. إلى أن قال: ومن أبطل طريق الاستدلال وأسند العلم إلى الضرورة لم يمتنع عنده صدور أفعال محكمة من النائم. ثم قال: وهذا في الأفعال الكثيرة المتقنة؛ فأما القليل من الأفعال فلم يمنع أحد من أصحابنا أن يتصور من النائم ذكره بعد ما نقل أن المعتزلة أجمعوا على النائم يفعل القليل وأن القول فيمن استمرت به الغفلة كالقول في المغمور في النوم. ثم قال: وذهب القاضي -في جميع المحققين- إلى أنا نجوز وقوع القليل، ولا نقطع بأن الصادر من النائم مقدور له، بل يجوز أن تكون حركاته ضرورية وأن تكون اختيارية، وأطال الإمام في هذا -وعليه مسائل منها: لو دبت صغيرة فارتضعت من كبيرة نائمة أخيل انفساح النكاح على الصغيرة خلافًا للداركي. أصل: نبحث فيه عن معنى السبب والعلة. قد كثر تداول هاتين اللفظتين على لسان حملة الشريعة. من المتكلمين والأصوليين والفقهاء واللغويين والنحاة، وربما وقع في بعض الأذهان أن السبب هو العلة، وليس كذلك؛ بل الفرق بينهما كامن عند أهل اللسان وأهل الشرع، أما أهل اللسان، فقال اللغويون: السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره، ومن ثم سموا الحبل سببًا. وذكروا أن العلة المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه. واعتل عليه بعلة [إذا] 1 إعاقته عن أمر، وكلمات يدور معناها على أمر يكون عنه أمر آخر.   1 في "ب" أن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 ولا حرج عليك إذا قلت: أمر يؤثر في أمر آخر لأنك هنا متكلم على المعنى اللغوي، ولأنا لا نعنى بالتأثير الاختراع بل ما عنه عادة الأثر بلا تخلف. وذكر النحاة ما يؤخذ منه أنهم يفرقون بينهما حيث ذكروا أن اللام للتعليل، ولم يقولوا للسببية، وقال أكثرهم: الباء للسببية ولم يقولوا للتعليل، [وهذا تصريح بأنهما غيران] 1. وقال ابن مالك: الباء للسببية والتعليل، ومثل للسببية بقوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} 2 وللعلة بقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} 3. وذكروا أيضًا الاستعانة، ومعنى الاستعانة غير معنى السب والعلة. فإن قلت: اكتشف لي الغطاء عن ذلك، لينفع في فهم ما أنت بصدده. قلت: الباء الداخلة على الاسم، الذي لوجوده أثر في وجود متعلقها- ثلاثة أقسام. باء الاستعانة، وباء السبب. وباء العلة. وذلك لأنها إن صح نسبة العامل إلى مصحوبها مجازًا فهي باء الاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وتعرف أيضًا بأنها الداخلة على أسماء الآلات. وإلا فإن كان المعلق إنما وجد لأجل وجود مجرورها فهي باء العلة نحو "فبظلم" ألا ترى أن وجود التحريم ليس إلا لوجود الظلم وتعرف بأنها الصالحة غالبًا. لحلول اللام محلها. وذكر غالبًا ليخرج نحو غضبت له، وغضب له. وإلا يكن المتعلق كذلك فهي باء السببية نحو {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} ألا ترى أن إخراج الثمرات مسبب عن وجود الماء ولم يكن لأجل الماء بل لأجل مصلحة العباد. وبهذا التقسيم علمت أن باء الاستعانة لا تصح في الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى؛ فهذا منتهى قول الناقلين عن العرب.   1 وفي "ب" قال ابن مالك: الباء للسببية والتعليل وهذا تصريح بأنهما غيران. 2 إبراهيم "32". 3 النساء "60". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وأما أهل الشرع فالسبب والعلة يشتركان عندهم في ترتيب السبب والمعلول عليهما، ويفترقان من وجهين. أحدهما: أن السبب ما يصلح الشيء عنده. لا به والعلة ما يحصل به. وأنشد ابن السمعاني في كتاب القواطع على ذلك قول الشاعر1: ألم تر أن الشيء للشيء علة ... يكون به كالنار تقدح بالزند ولكنه اختار في تعريف السبب أنه ما يوصل إلى المسبب مع جواز المفارقة بينهما. قال: وقيل إنه مقدمة يعقبها مقصود لا يوجد إلا بتقدمها ولا أثر لها فيه ولا في تحصيله، [قال] 1: وهذا كالحبل سبب إلى [الوصول] 2 إلى الماء ثم الوصول بقوة النازح لا بالحبل، وكذلك الطريق سبب إلى الوصول إلى المكان المقصود ثم الوصول بقوة الماشي لا بالطريق. وحل القيد سبب لفرار المقيد، والفرار بقوته لا بالحبل. قال: ويمكن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3 فجعل ضرب القتيل بلحم بعض البقرة سبب الحياة؛ فلا أثر لذلك في الحياة، وكذلك ضرب موسى البحر بالعصا. فدل هذا على أن السبب هو الموصل مع جواز المفارقة. وأطال ابن السمعاني في تعريف السبب والعلة والشرط وعقد لذلك بابًا مستقلًا. والثاني، بأن المعلول يتأثر عن علته بلا واسطة بينهما والشرط يتوقف الحكم على وجوده، والسبب إنما يفضي إلى الحكم بواسطة أو وسائط. ولذلك يتراخى الحكم عنها حتى تؤخذ الشرائط وتنتفي الموانع. وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها. إذا لا شرط لها، بل متى وجدت أوجبت معلولها بالاتفاق حكى الاتفاق أمام الحرمين والآمدي4 وغيرهما، ووجهوه بدلائل كثيرة.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" للوصول. 3 البقرة 73. 4 علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي شيخ المتكلمين في زمانه ومصنف الأحكام ولد بآمد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال: ما تعلمنا قواعد البحث إلا منه، وقال أبو المظفر بن الجوزي لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام توفي رحمه الله في صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة. قبان قاضي شهبة 2/ 79، وفيات الأعيان 2/ 445، شذرات الذهب 5/ 144. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 فإن قلت: هذا إنما هو في العلة العقلية. قلت: الشرعية تحاكي العقلية أبدًا لا يفترقان إلا في أن تلك موجبة بنفسها، وهذه ليست موجبة- فإن قلت: فما معنى قولكم العلة الموجبة إذا كان الإيجاب للعلل على أصولكم. قلت: قال إمام الحرمين في الشامل ما نصه: ليس المراد بقولنا العلة توجب المعلول، أنها تثبته كما تقتضي القدرة حدوث المقدور؛ ولكنا أردنا بالإيجاب تلازم العلة والمعلول، واستحالة ثبوت أحدهما دون الثاني. انتهى. وهذا في الحقيقة هو الفرق الأول الذي أشرنا إليه بين العلة والسبب؛ فإن المسبب لا يلزم السبب لجواز تخلفه لمانع أو فقد شرط، والعلة سالمة من ذلك، فالملازمة فيها موجودة أبدًا. وأما الفرق الثاني: فقد ذكره الإمام في الشامل أيضصا قبل ذلك، وحكى عن المعتزلة أنهم قالوا [جميعهم] 1 "يجوز وجود السبب وانتفاء المسبب إذا تحقق مانع من وجود السبب". وأنهم قالوا: الحكم تحب مقارنته للعلة، ولا يجب مقارنة السبب للمسبب؛ بل يجب استنجازه عنه. انتهى. وهو المعنى بقولنا: "إن السبب لا يفضي إلى الحكم إلا بواسطة" إذا عرفت هذا فقول النافذ طلاقه: "أنت طالق"؛ فإنه يستعقب ووقع الطلاق من غير توقف على شرط. وقوله: "إن دخلت الدار فأنت طالق" سبب؛ فإنه لا يفضي إلى الحكم إلا بواسطة دخول الدار. وترى السبب منصوبًا، والمسبب مفقودًا، ولا كذلك العلة.   1 في "ب" بأجمعهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وأعلم أن الأصوليين لم يعتنوا بتحقيق الفرق بين العلة والسبب، وربما وقع في كلامهم أنهما سواء، لأن مقصدهم الوصف الذي ترتب بعده الحكم وله مدخل فيه، وليس ذلك إنكارًا منهم للفرق، بل لما لم يحتاجوا إليه لم يذكروه، وهو واقع لا محالة. واستعمله الغزالي رحمه الله في الفقيات على نحو ما أيدناها، فقال في الجراح. الفعل الذي له مدخل في الزهوق إن لم يؤثر في الزهوق ولا فيما يؤثر فيه فهو الشرط وإن أثر فيه وحصله فهو العلة كالقد والجزء وإن لم يؤثر في الزهوق ولكن أثر في حصوله فهو السبب كالإكراه، ولا يتعلق القصاص بالشرط، ويتعلق بالعلة وكذا بالسبب على تفصيل فيه. واعترضه الرافعي بأنه لم يف بهذا الاصطلاح في الشرط والسبب لكونه سمى الحفر سببًا في الغصب وشرطًا في الجراح. وأجاب عنه ابن الرفعة بأنه إنما جعل الحفر شرطًا في الجراح وسببًا في الغصب؛ لأن الضمان ترتب على الحفر إذا انعدمت التردية، وفي الجراح لا يجب القصاص به إذا انعدمت، ويؤيده أنه في باب الديات جعل الحفر سببًا لتعلق الدية به. وهو جواب صحيح، حاصله أن الحفر صالح للسببية وللشرطية، فإذا ترتب عليه المسبب كان سببًا وإلا كان شرطًا، والقصاص لا يترتب فلا يكون بالنسبة إليه. سببًا بل شرطًا، والضمان ترتب فيكون بالنسبة إليه سببًا وهذا حسن، وعند هذا نقول: أعلم أن الوسائط بين الأسباب والأحكام تنقسم إلى مستقلة وغير مستقلة. فالمستقلة بضاف الحكم إليها ولا يتخلف عنها وهي العلل. وغير المستقلة: منها ما له مدخل في التأثير ومناسبة إن كان في قياس المناسبات وهو السبب، ومنها ما لا مدخل له، ولكن إذا انعدم ينعدم الحكم وهو الشرط بهذا يتبين لك ترقي رتبة العلة عن رتبة السبب، ومن ثم يقولون: إن المباشرة تقدم على السبب، ووجهه أن المباشرة علة، والعلة أقوى من السبب، ومن ثم لو فتح زقًا بمحضر من مالكه فخرج ما فيه والمالك يمكنه التدارك فلم يفعل فوجهان. أحدهما: يضمن كما لو رآه يقتل عبده أو يحرق ثوبه فلم يمنعه. والثاني: لا، والفرق أن القتل والتحريق مباشرة، وفتح الزق سبب. والسبب يسقط حكمه مع القدرة على منعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 ونظير المسألة: إذا صالت عليه البهيمة، وأمكنه الهرب ولم يهرب ففي الضمان وجهان، وقد يكون الضمان في مسألة البهيمة أرجح منه في الزق؛ لأن الإنسان قد تحصل له عند الصيال -دهشة تشغله عن الدفع. تنبيه: لا يسحب أن الشرط أضعف حالًا وأنزل رتبة من السبب، بل الشرط يلزم من عدمه العدم، وهو من هذه الجهة أقوى من السبب، إذا السبب لا ملازمة بينه وبين المسبب. انتفاء وثبوتًا، بخلاف الشرط. ومن ثم قال القفال الكبير. فيما نقله ابن السمعاني عنه: "الطريق في التمييز بين العلة والسبب والشرط أنا ننظر إلى الشيء؛ فإن جرى مقارنًا للشيء أو غير مقارن ولا تأثير للشيء فيه دل على أنه سببه، وأما الشرط فهو ما يختلف الحكم بوجوده وعدمه، هو مقارن غير مقارن للحكم كالعلة سواء -إلا أنه لا تأثير له فيه؛ وإنما هو علامة على الحكم من غير تأثير أصلًا. وقال ابن السمعاني: "الشرط ما يتعين الحكم بوجوده". قال: والسبب لا يوجب تغيير الحكم، بل يوجب مصادفته وموافقته. ثم ذكر كلام القفال الذي ذكرناه. وليس مرادهما أنه يوجب الحكم. مسألة: قال علماؤنا: الشرط إذا دخل على السبب ولم يكن مبطلًا كان تأثيره في تأخير حكم السبب إلى حين وجوده، ولا في منع السببية. مثاله: إذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو أنت طالق [إن] 1 دخلت الدار فالسبب قوله: أنت طالق، والشرط الداخل عليه. وهو قوله: إن دخلت، مقدمًا كان أو مؤخرًا. لا يؤثر شيئًا في قوله: "أنت طالق" بل في حكمه. وإنما قلنا: ِإنه لا يؤثر في "أنت طالق" لأن "أنت ط الق" ثابت مع الشرط كما هو ثابت بدونه، ولكن الشرط أوقف حكمه ومنعه؛ فكان أثر الشرط في منع حكم العلة لا في نفس العلة، بدليل أنه لو لم يقترن به الشرط ثبت حكم العلة. وربما عبروا عن هذا بأن الشرط لا يبطل السببية ولكن يؤخر حكمها فالسبب ينعقد ولكن الشرط يوقفه. ويؤخر حكمه فإذا ارتفع الشرط عمل السبب عمله. ومن ثم يقولون: الصفة وقوع لا إيقاع   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 ويقول الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: إن دخلت الدار فأنت طالق، إنشاء للتعليق لا تعليق للإنشاء، ومعنى هذا أن السببية انعقدت في الحال، وحكمها تأخر بمقتضى الشرط إلى وجود الصفة. وأقول أنا: إذا دخلت الدار طلقت، لكونه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، لا لكونها دخلت. فأفهم هذا فلقد ذهل عنه ذاهلون، وأعلم أن أحدًا منا لا يقول: إنها طلقت لدخولها؛ بل إنما طلقت بالتعليق وحده لما انتفت عنه الموانع. فإن قلت: فقد قال الفقهاء: التعليق مع الصفة تطليق. قلت: ليس معناه أن الصفة جزء من التطليق، بل إنها شرط يوقف الحكم ويؤخر من أجلها وليس كل ما توقف عليه الحكم علة ولا جزء علة. هذا هو الحق: فالعلة فعل الزوج فقط. الذي يتصرف تارة بالتنجيز وتارة بالتعليق وليس لفعل الزوج أثر. وربما يقولو: الموقوف على دخول الدار، الطلاق لا التطليق. وربما قالوا أيضًا: المعلق الطالقية نزولًا لا الطالقية سببًا. وقد عرفت ما يعنون بهذه العبارات كلها. والحاصل أن تعليق الطلاق عندهم بمنزلة من يتخير الوكالة ويعلق التصرف على شرط لا بمنزلة من يعلق أصل الوكالة. فإن قلت: حاصل هذا الكلام أن التعليق إيقاع وتطليق، والمجزوم به -في كلام الإمام والغزالي والرافعي والنووي ما نصه ومن لفظ الروضة نقلته "إن مجرد التعليق ليس بتلطليق ولا إيقاع ولا وقوع". قلت: قد أطال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في كتاب التحقيق: في مسألة التعليق الذي رد به على ابن تيمية1 وهو من نفائس كتبه.   1 أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي أبو العباس تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام ولد بحران كان كثير البحث في فنون الحكمة داعية إصلاح في الدين آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان له مصنفات عديدة انتفع بها أهل العلم على مختلف منحاهم: الدرر الكامنة 1/ 144، البداية والنهاية 4/ 135، النجوم الزاهرة 9/ 271، الأعلام 1/ 144. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الكلام على جواب هذا بما حاصله أن ذلك لا يدفع كون التعليق سببًا وهو المدعي هنا. وصرح به الأصحاب عند كلامهم على أن العزم عند الرجوع -هل هو على شهود التعليق أو الصفة؟ فقالوا: التعليق موقع والصفة محل. قال: والشافعية قد يمنعون إطلاق الإيقاع على التعليق، لاعتقاد أن الإيقاع، يستعقب الوقوع، لا لإنكار كون التعليق سببًا. قال: وللمسألة التفات على مسألة التكوين والمكون. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: "الشرط إذا دخل على السبب منع انعقاده سببًا في الحال". وربما قالوا: الشرط داخل على نفس العلة وأصلها، لا على حكمها. قالوا: والشرط يحول بين العلة ومحلها؛ فلا تصير علة معه. فحرف المسألة بيننا وبينهم أن الشرط هل يمنع انعقاد سبب الحكم حتى يكون الحكم عند انتفاء الشرط مستندًا إلى البقاء على الأصل لا إلى انتفاء الشرط أو لا يمنع انعقاد العلة بل يمنع وجود حكمها حتى يكون الدال على انتفاء الحكم صيغة الشرط. وهذا أصل عظيم في الخلافيات. عظم فيه تشاجر الفريقين، وعليه مسائل. منها: تعليق الطلاق أو العتق بالملك باطل عندنا؛ لأن التطليق المعلق سبب وقوع الطلاق، والتعليق أثر في تأخير حكمه مع بقاء سببه. وإذا بقيت السببية لزم أن يكون المحل مملوكًا، فإن اتصال السبب بالمحل المملوك شرط لانعقاده، ليكون السبب مفضيًا إلى الحكم عند وجود الشرط. ولهذا لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق لم يصح، لأن السبب لا يفضي إلى حكمه وإن وجد الشرط. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصح، لأن التطليق معلق بالشرط، فلم يكن سببًا لوقوع الطلاق فلا يشترط له ملك المحل، بل ينقعد التطليق يمينًا، لأنه إن قصد بها لمنع فهو موجود بوقوع الطلاق عند وجود الشرط، وكذا إن قصد الطلاق، لأنه أضاف الطلاق إلى الملك وكان كلامه مقيدًا فانعقد صحيحًا. هذا حاصل كلامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 فإن قلت: قرر لي وجه اشتراط كون السبب لا ينعقد حتى يتصل بالمحل المملوك؛ فإنه مما يتوقف فيه النظر، إذ قد يقول قائل: ينعقد السبب وإن لم يتصل بمملوك. قلت: لا حاجة بك هنا إلى تقرير هذا، بل يكفيك اتفاق الفريقين عليه؛ فإن الإمامين متفقان عليه، ولذلك اتفقا فيما ول قال لأجنبية: "إن دخلت الدار فأنت طالق" على أنها لا تطلق، وإن دخلت وهي زوجة؛ وإنما اختلفا في أنه هل وجد السبب في صورة النزاع أو لم يوجد؟ وبهذا يعلم أن من يحتج على الخصوم، بما رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك"1 لا تتم له الحجة حتى يثبت أن التعليق قبل الملك كائن فيما لا يملك، وإلا فأبو حنيفة رضي الله عنه يقول له: "أنا قائل بموجب الحديث، وأنا لا أجعل عملية الطلاق فيما يملك لأني لا أعقد السبب في الحال. فتأمل ذلك -فيه- تعرف مقدار معرفة مأخذ الأئمة. فلو اتفق الإمامان على انعقاد السبب لاتفقا على عدم الصحة، أو على عدم انعقاده لاتفقا على الصحة، ولكنهما اختلفا، فالشأن في تثبيت أحد القولين قبل الاستدلال بالحديث. نعم: أصحابنا يروون من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: قال لي عمل لي: أعمل لي عملًا حتى أزوجك ابنتي فقلت: إن تزوجها فهي طالق ثلاثًا، ثم بدا لي أن أتزوجها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال لي: "تزوجها؛ فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح"، فتزوجتها. فولدت لي أسعد وسعيد2..   1 أخرج أحمد في المسند 2/ 190، وأبو داود في السنن في كتاب الطلاق/ باب في الطلاق قبل، النكاح حديث "2190"، والترمذي 3/ 486 في الطلاق باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح "1181"، والنسائي في السنن 7/ 12 في الإيمان والنذور، والحاكم في المستدرك 2/ 204- 205 في كتاب الطلاق. 2 الدارقطني في السنن 4/ 36 في كتاب الطلاق "97". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 ومن حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك1. وهذان: لا سيما الحديث الثاني -صريحان في مذهبنا، وقد رواهما الدارقطني؛ غير أن في سندهما مقال. ولقد تأملت هذه المسألة وأعملت فيها فكري واختبرت قريحتي وتلوت ما عندي من العلم. فلم أنته إلى ما يثلج له الصدر من ظن غالب؛ بل إن مذهب الشافعي رضي الله عنه، في هذه المسألة عندي راجح رجحانًا [لست] 2 معه على ثقة من التزحزح بما يحدث من الشبهات. أما رجحانه: فلأني أظن أن حديث "ليس على الرجل طلاق فيما لا يملك". ظاهر فيما يتبادر إلى الفهم منه من أنه لا يعلق إلا من يطلق. ومعتضد بهذين الحديثين وإن كانا غير صحيحين وبما يؤيدهما من أحاديث آخر، ولأني أظن أن الشرط لا يمنع انعقاد السببية. غير أن ظني هذا، دون ما ظننته من الحديث، فلو ترقت دلالة الحديث عندي على مرامي، إلى درجات غلبة الظن لترقي بسببها ظني أن الشرط لا يمنع انعقاد السببية استدلالًا بالفرع على الأصل، لكن لم يترق، وللبحث مجال في منع الشرط انعقاد السببية؛ فهذه المسألة مما استخير الله فيه وأسأله التوفيق لوجه الصواب، وأعرف رجحان مذهب الشافعي رضي الله عنه، لكنه كما علمت رجحانًا لا أستطيع معه على الفتيا به. ويتلوه مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه في إحدى الروايتين "عنه" أنه يجوز تعليق العتق قبل الملك، ولا يجوز تعليق الطلاق فهو عندي أرجح من مذهب أبي حنيفة، لما عرف من التشوف إلى العتق، ومن وقوعه في غير مملوك بالسراية. ويتلوه مذهب أبي حنيفة فيجواز تعليق الأمرين، ولولا الأحاديث الظاهرة في خلافه لكان عندي أرجح المذاهب، ولولا أن صحيحها غير صريح في مرامنا، وضعيفها لا تنهض به الحجة لكان أضعف المذاهب.   1 الدارقطني في السنن 4/ 16 في الطلاق حديث "47"، قال صاحب التنقيح: حديث باطل فيه أبو خالد الواسطي هو عمرو بن خالد وهو وضاع، وقال أحمد ويحيى هو كذاب. 2 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وأضعفها مذهب مالك رحمه الله، فإنه فرق بين التعميم والتخصيص، ولا وجه له فيما يتبين لي. وأضعف من مذهب مالك مذهب ابن حزم1؛ فإنه وافق أبا حنيفة على أن الشرط يمنع انعقاد السبب، ثم زاد فقال: "يمنعه مطلقًا"، ومن قال: "لا يقع الطلاق المعلق رأسًا" وعليه أبو عبد الرحمن الشافعي المعتزلي2 ولعلهما خرقًا إجماع الأمة. وقد حاول الشيخ الإمام القضاء عليهما بذلك في كتابه التحقيق، وذكر أن هذا الذي عليه ابن حزم ليس هو مذهب إمامه داود، وذكر أن مذهب شريح فيمن قال: "أنت طالق إن دخلت الدار" أنه يلزمه الطلاق دخلت أم لم تدخل. قلت: وتلخص من هذا أن الشرط الداخل على السبب قاطع له عند ابن حزم وأبي عبد الرحمن أحدهما يصير الكلام لغوًا، ويقابله قول شريح: "إنه يفسد في نفسه ولا يعترض السبب فيعمل عمله". ولكن شريح يقصر على ما إذا بدأ بالسبب قبل الشرط، ولا بقوله فيما إذا عكس فقال: "إن دخلت فأنت طالق". وفقهاء الفرق لا يلغون الشرط. ثم اختلفوا، فأشدهم إعمالًا [له] 3 الشافعي رضي الله عنه، حيث قال: "إنه منتصب سببًا في الحال". وأبو حنيفة يقول: "سيصير سببًا في ثاني الحال، وأما في الحال فلا هو سبب ولا هو منهي".   1 الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي ولد الإمام أبو محمد في آخر يوم في رمضان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بقرطبة. قال الذهبي: كان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل ويحسن النظم والنثر وفيه دين وخير ومقاصده جميلة ومصنفاته مفيدة. سير أعلام النبلاء 18/ 194، البداية والنهاية 12/ 98، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 254، وفيات الأعيان 3/ 325. 2 أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي. حدث عن الشافعي والوليد بن مسلم الثقفي، ابن السبكي 2/ 64. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ومنها: الصحيح عندنا، في رجوع الشهود -أن العزم على شهود التعليق دون شهود، الصفة في الطلاق والعتق لأن السبب. وفي وجه، رآه مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه عليهم جميعًا، ولعل قائل هذا من مذهبنا يجعل الصفة جزء علة، وهو احتمال للوالد رحمه الله ذكره في كتاب "التحقيق" ثم صرح بأن الأرجح أنه شرط فليس جزء علة، وهو الحق كما قدمناه. ومنها قال ابن الحداد: إذا قال أحد الشريكين للعبد: إذا دخلت الدار فنصيبي حر، وقال الآخر مثل ذلك فدخل عنق "عليهما" ولم يحك صاحب البحر سواه، ولو لم يكن التعليق ينعقد سببًا في الحال لكان الوجه التفصيل بين أن يقول الشريك بعد شريكه أولًا؛ فإن قالا معًا فالأمر كذلك، وإلا فتأخر قول أحدهما يوجب سبق انعقاد قول صاحبه سببًا لنصيبه. فيشبه أن يقال: إذا دخل عتق على الأول، لأن السبب انعقد له قبل صاحبه، فيسري عليه إذا كان موسرًا. ومنها خيار الشرط يورث خلافًا لأبي حنيفة رضي الله عنه أن الخيار لا يمنع نقل الملك؛ بل الملك حاصل وينتقل إلى الوارث، والثابت بالخيار، حق الفسخ والإمضاء؛ وذلك حق شرعي أمكن انتقاله إلى الوارث كما في الرد بالعيب. وعندهم خيار الشرط صفة حسية تقوم بالمختار والثابت به يشبه نقل الملك واستيفائه وهي صفة من صفاته تفوت بفواته. ومنها: أن كلًا من المتعاقدين مستبد بالفسخ في خيار الشرط، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: غير مستبد، بل لا بد من حضور شريكه في العقد. وحرف المسألة أن الخيار عندنا عبارة عن ملك فسخ العقد، وليس بمانع من انعقاد البيع، سببًا للملك. وعندهم عبارة عن استيفاء أحد الجانبين. ومنها: البيع بشرط الخيار ينعقد سببًا لنقل الملك في الحال؛ وإنما يظهر تأثير الشرط في تأثير حكم السبب، وهو اللزوم الذي لولا دخول الشرط لثبت -وهذا على القول المنصور في الخلاف. وهو انتقال الملك إذا كان الخيار لهما. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا ينعقد سببًا لنقل الملك. بل دخول الشرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 منع كونه سببنًا في مدة الخيار؛ فإذا سقط الخيار وزال الشرط انعقد حينئذ سببًا. وحرف المسألة ما ذكرناه من أن حقيقة الخيار عندنا ملك فسخ ما ثبت، وعنده استيفاء ما كان. ومنها: التكفير قبل الحنث يجوز عندنا لانعقاد السبب، ولا يجوز عندهم لا بالمال ولا بالصوم، لأن اليمين معلقة بالشرط، وهو الحنث. فلا ينعقد سببًا في حق الكفارة حتى يوجد الحنث. وإذا تأملت هذه المسائل عرفت أنا غفلنا سببًا تخلف عنه مسببه لقيام مانع أو تخلف شرط؛ فلم يمنع انعقاد الأسباب، وإن تأخرت المسببات. والخصوم لم يعقلوا ذلك فمنعوه، ولعلهم لا يفرقون بين العلة والسبب؛ فمن ثم يقولون: "لا يتأخر السبب عن مسببه، ولا يتوقف على شرط [فإن المعلوم لا يتأخر علته ولا يتوقف على شرط] 1 صحيح. وقد ذكر أئمتنا أن العلة الموجبة على القول بها -لا يجوز أن يكون إيجابها لمعلولها مشروطًا بشرط، قال إمام الحرمين في الشامل: والخائضون في العلل متفقون على ذلك. وأما قولهم: إن السبب والعلة سواء. فلسنا نوافقهم عليه؛ بل هما مفترقان، وسنعقد لذلك مسألة على الأثر ونبين وجود السبب وانتفاء المسبب لمانع، ولا كذلك العلة. فائدة: علمت الأصل العظيم الذي عظم فيه تشاجر الفريقين في الخلافيات وتبين لكل رأينا فيه، وقد حاد الإمام عنه في الفرع الشهير -وهو تعليق الوقف بالموت، ونحن نذكره ملخصًا. فنقول: استفتي في زمن الأستاذ أبي إسحاق في رجل قال: وقفت داري على المساكين بعد موتي، فأفتى الأستاذ بوقوع الوقف بعد الموت وقوع العتق في المدير وساعده أئمة الزمان. قال الإمام: وهذا تعليق على التحقيق، بل هو زائد عليه؛ فإنه إيقاع تصرف بعد الموت. [قال الرافعي: وهذا كأنه وصية] 2 يدل عليه أن في فتاوي   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 2 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 القفال أنه: لو عرض الدار على البيع صار راجعًا عنه. قال الشيخ الإمام: وقول الإمام: إنه تعليق على التحقيق صحيح؛ غير أن التعليق بالموت في التمليكات يصح وصية [بالوقف] 1 فالوقف أولى، وقوله: إنه زائد عليه؛ فإنه إيقاع تصرف بعد الموت، يقال له: الوصية والتدبير كذلك، والحق أنه ليس واحد منهما إيقاع تصرف بعد الموت، وذلك أن التعليق عندنا تصرف ناجز الآن، وأثره يقع عند وجود الصفة، وعند الحفية يقدر كالنازل عند وجود الصفة ويرد عليهم التدبير. فالذي قاله الإمام: من أنه إيقاع تصرف بعد الموت، يشبه ما يقوله الحنفية، والذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وذكره الأصحاب صحة الوقف كما أفتى به الأستاذ. وكاد الشيخ الإمام يدعي الإجماع عليه، قال: وإن كان ابن الرفعة حاول إثبات خلاف فيه فذلك غير صحيح، قال: وينبغي أن تجعل هذه المسألة أصلًا من الأصول أعني تعليق الوقف بالموت، قال: "ولا يخالف فيها حنفي ولا غيره".. فروع: قد يتخيل أنها ترد نقضًا على أصلنا: منها: لو علق الراهن [على] 2 عتق المرهون بفكاك الرهن، نفذ عند الفكاك، وإن لم ينفذ عتق الراهن المنجز، لأن مجرد التعليق لا يضر بالمرتهن وحين يترك لا يبقى له حق. وقد يقال: كيف سوغتم تعليق من لا يملك التنجيز فإن الراهن المعسر لا ينفذ عنقه على الصحيح وكذا الموسر على قول. والجواب: أن عدم نفاذه ليس إلا لتعلق حق المرتهن، ولذلك لو أذن المرتهن نفذ، فالمقتضى قائم، ولكن منع منه مانع لم يوجد في صورة التعليق؛ فليس كالتعليق بل الملك إذ لا مقتضى هناك، ولو علق الراهن العتق بصفة أخرى وحدت بعد فكاك الرهن، فالأصح النفوذ. ومنها: إذا قال العبد لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثًا ثم عتق ثم فعلته، فالأصح وقوع الثالثة، والخلاف جار. ولو علق فقال: إن عتقت فأنت طالق ثلاثًا. والأصلح أيضًا وقوع الثالثة.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 ولا خلاف في تعليق عتق الراهن بالفكاك أنه ينفذ -وفرق الإمام بفرق خدش فيه الرافعي بما لا يخدشه، وقد أطال الشيخ الإمام رحمه الله في شرح المهذب- الكلام عليه بما لا نطيل به. وحاصل الفرق أن التعليق في الرهن مع قيام المقتضى وفي الطلاق قبله والشيخ الإمام وشيخه ابن الرفعة متفقان على صحة هذا الفرق مخالفان الرافعي في قوله: لعلك لا تنقاد إليه. ومنها: الإيلاء لا يصح إلا من زوج؛ فلو حلف على ترك وطء أجنبية كان يمينًا محضة. فإن نكحها فلا إيلاء- وهذا جار على القاعدة في أن التصرف قبل الملك لاغ. غير أن لنا وجهًا أنه إذا نكحها صار موليًا وعليه السؤال فمن قائل: إن منزعه جواز التعليق في النكاح قبل الملك وهو قول حكاه صاحب التقريب يوافق الحنفية، وهذه طريق الإمام الغزالي. وعلى هذا سقط السؤال. ومن قائل: إنه جار مع القول بأن التعليق قبل الملك باطل، وهو قضية طريقة الرافعي لأنه احتج بأن اليمين باقية وهي المانعة من الوطء، وعليها صاحب التتمة وكلام القاضي أبي الطيب في التعليقة -دال لها- فإنه جزم بها الوجه في الإيلاء مع تضعيفه للقول بالتعليق قبل الملك. غير أن الرافعي ذكر هذا الوجه الذي في الإيلاء -نسبة ناسبون إلى رواية صاحب التقريب، وصاحب التقريب إنما روى التعليق قبل الملك فيما يظهر؛ فالجمع بين أنه رواه صاحب التقريب وأنه مفرع على المذهب جمع بين ما في النهاية وما في التتمة ولا يجتمعان فيما يظهر. فرع: لقاعدة الشروط الداخلة على الأسباب هو في نفسه أصل من الأصول الفقهية، الشروط المعلق عليها كلها، عند الإطلاق تحمل على حياة الشخص المعلق -ولك أن تقولك الحياة شرط للشروط المعلق عليها؛ فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر. فلا يعتق حتى يدخل الدار في حياة السيد، وإن مات انقطع حكم التعليق. وقال مالك: لا ينقطع بل يعتق بدخوله بعد موت السيد، ولعل هذا منه مخالفة لهذا الأصل على الإطلاق أو في باب العتق بخصوصه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وهذه القاعدة ذكرها الوالد رحمه الله استطرادًا في كتاب اعتراض الشرط على الشرط. وقد يعترض عليها بما إذا قال: إن مت فأنت حر بعد موتي بشهر؛ فإن حكم التعليق لا ينقطع بالموت بل يتوقف العتق على انقضاء الشهر، وكذا إذا قال إن مت فأنت حر إن شئت، الصحيح يوقف العتق على مشيئة العبد بعد موت مولاه. أصل قاطع 1: لا يجوز عقلًا اجتماع علتين على معلول واحد. وهذا الأصل مهدنًا له في شرح المختصر، وناضلنا عنه وادعينا قيام القاطع عليه، وحكمنا عليه بأن مخالفه محجوج ببراهين العقول، ونزلنا عليه من الفروع الفقهية، ما يرتفع عن همم الزمان. وحظ هذا الكتاب أن يقول: "هذه قاعدة مضطردة منعكسة لا سبيل إلى انتقضاها بشيء من الصور سواء عرفت هذه العلة بالمؤثر أم بالعرف أم بالباعث، وكلام العقلاء في جميع العلوم من المتكلمين والأصوليين والنحاة والفقهاء متطابق على هذا، وما هي عندي إلا قاعدة كامنة في أفئدة العقلاء. أما المتكلمون فواضح تطابق آرائهم عليها. وأما النحاة؛ فلو عددت لك ما يدل على ذلك لأكثرت وخرجت عن مسائل الفقه، ويكفيك قولهم: "لا يجتمع عاملات على معمول واحد". وأما الفقهاء فقد أكثرت في شرح المختصر من كلامهم، وسأتحفك هنا بمقدار نافع. وأما الأصوليون، فاختلافهم فيه إنما نجده عند نظرهم في المسألة بخصوصها ثم إذا خاضوا بعيدًا عنها وجدت أفئدتهم تحوم حول المنع. فإن قلت: فقد وضح اختلافهم الشديد فيها وأكثر المتأخرين -منهم- على الجواز. قلت: [علم] 2 أنه رب قاعدة مستقرة في الأذهان، غائبة عند المناظرة عليها عن العيانن بل يحاول الإنسان -إذ ذاك، دليلًا عليها فلا يجده، فيجنح، إلى إنكارها، وحسه وعقله يكذبانه ولو أعطي التأمل حقه ورزق من التوفيق ما يؤيده لوجد الدليل، على ما هو مركوز في طباعه إذا كان حقًا، أو لحما الله ذلك من قبله إذا كان باطلًا.   1 هذا الأصل سقط من ب. 2 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 ولست بالمطيل هنا في الكلام على ذلك بعد ما أطلت في الشرح والعرض الآن، إنه لا يوجد، وصفان -فصاعدًا- يحسن أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو انفرد إلا والحال إذا ذاك على وجهين. أحدهما: أن يتعاقبا: وحينئذ فقد يضاف الحكم إلى الول منهما كما في السببين إذا اجتمعا؛ فقد قال الأصحاب في الجراح: "يعول على الأول منهما". وتكلمنا على ذلك في قاعدة الأسباب. ونظيره في العبادات أنا نقول: من أحدث ثم أحدث حدثًا على حدث لم يتخللهما طهارة أن الحديث الثاني لم يفعل شيئًا. ويظهر أثر ذلك -إذا فرعنا على القديم في أن سبق الحدث لا يبطل الصلاة، أنه لو أخرج باقي الحدث عمدًا لم تبطل صلاته؛ بخلاف ما لو ابتدأ عمدًا حدثًا ثانيًا فإنها تبطل على الصحيح فيهما في تفاريع القديم. وقد يضاف إلى الثاني فقط كما في اجتماع السبب والمباشرة وقد يضاف إلى أخيلهما وأنسبهما سواء كان الأول أو الثاني. فعلى التقارير كلها لا يضاف إليهما جميعًا، ولئن أضيف إليهما جميعًا فالإضافة إلى المجموع منهما، وكل منهما جزء غلة لا علة مستقلة، فلا اجتماع لعلتين على معلول واحد. ولئن أضيف إلى كل منهما على سبيل الاستقلال ولن ترى ذلك إن شاء الله في صورة من الصور عن إمام من أئمة الهدى، فالصادر حكمان لا حكم واحد، كل مضاف إلى علته؛ فلا اجتماع لعلتين على معلول واحد الوجه الثاني: أنه يوجد الوصفان معًا -وهو غمرة هذا البحر وموضع التحقيق من هذه المسألة- فإما أن يبطل علمهما بالكلية، أو يعمل أنسبهما وأخيلهما إن كان فيهما أنسب وأخيل أو يعمل واحد منهما لا بعينه أو يعمل مجموعهما، أو يعمل كل منهما، ولكن يكون الناشئ حكمان لا حكم واحد. فهذه خمس طرق لا سادس لها، وليس في شيء منها إعمال علتين مستقلتين؛ بل إما [لا أعمال] 1 فلا حكم فرارًا من العمل بعلتين، وإما إعمال ولكن حكمان فلا يعود   1 في ب الإعمال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 على معلول واحد، وإما [إعمال] 1 ولكن العلة واحدة لا لعلل، والشريعة على هذا جارية قادرة، وفروع الفقه عليه دائرة داره. وأنا أضرب لك من الأمثلة ما يوضح الفرض، ويكشف الصدى عن القلب، وآتيك بصور لم تتهيأ إلا لمن طوف متون الفقهيات وخاض لججها. وها أنا أفرد الطرق طريقًا طريقًا، وهو [صنع] 2 ليس من صنعي في شرح المختصر، وإن كان ذلك أفحل. [القول3 في أحكام تتأخر عن أسبابها. ولا يمكن القول بمقارنتها لها. منها: بيع الخيار يتأخر فيه نقض الملك إلى انقضاء الخيار على أحد الأقوال. ومنها: الطلاق الرجعي مع البينونة. ومنها: الوصية يتأخر نقلها في الملك في الموصي به إلى بعد الموت. ومنها: السلم والبيع إلى أجل تتأخر عنه المطالبة إلى انتهاء الأجل] . فصل: فيما ازدحم عليه علتان فكان ازدحامهما سبب دمارهما وإهمالهما ولو على وجه. وفيه مسائل: منها: لو اتحد الخاطب وأوجب كل واحد من الوليين النكاح له معًا صح على الصحيح، ويتقوى كل واحد من [الإيجابين] 4 بالآخر. وحكى العبادي عن القاضي وغيره أنه لا يصح؛ لأنه ليس أحدهما أولى بالاعتبار من الآخر فتدافعا. ومنها: الخنثى إذا أمنى من ذكره وحاض من فرجه؛ فقد نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لايبلغ، وأنه لابلوغ له إلا باستكمال خمس عشرة سنة. ولكم تأول الأكثرون هذا النص، وكاد الشيخ الإمام [الوالد] 5 يجنح إلى ظاهر   1 في ب الإعمال. 2 في ب صنيع. 3 من قوله القول في أحكام يتأخر فيه إلى قوله انتهاء الأجل. 4 في ب الجانبين. 5 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 النص فقال في باب الحجر: "وقفت على النص، وتأويله صعب، وقال في باب الإقرار: تأويله [مشكل] 1. ومنها: وكل اثنين في خلع امرأته -هذا على ألف وهذا على ألفين فأوقعها الخلع معًا. بأن صدر خطابهما لها معًا؛ فقالت: قبلت منكما أو كانت وكلت وكيلين فطلق كل واحد من وكيلي الزوج [مع واحد من وكيلي الزوجة] 2 قال البغوي في الفتاوي، لا يقع شيء لأن الخلع من جانب الرجل معارضة، فهو كما لو وكل وكيلًا ببيع عبد بألف وآخر ببيعة بألفين فباعًا معًا لا يصح. ومها: إذا قال لشريكه الموسر: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر في حال إعتاقك. فسنذكر هذا الفرع في مسائل العلة هل تفارق المعلول، وتذكر فيه احتمال اندفاع اللفظ. ويمكن توجيه اندفاعه بتزاحم العلتين اللتين تقتضي [كل منهما ما] 3 تقتضيه الأخرى؛ فإنا لا ندري حينئذ عمن يقع العتق ولا لمن الولاء. ويمكن توجيه أعمال السراية بأنها أقوى لكونها قهرية فتكون من قسم أعمال الأصل، وإلى هذا ذهب القفال والشيخ أبو علي؛ ولكن عللاه بعلة أخرى سنذكرها في تفارق العلة والمعلول. ويمكن عكسه بأن اللفظ أقوى من الحكم، وهو أيضًا من أعمال [أخيل] 4 العلتين، وهو المنقول عن القاضي أبي الطيب في هذا الفرع كما سيأتي في موضعه، ونقله الروياني عن عامة الأصحاب.   1 في ب شكل معًا. 2 سقط في ب. 3 في ب منهما مثل ما. 4 في ب أحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل فأعملناها : ولنبتدئ في ذلك بحديث "الخراج بالضمان" فأقول: قد علل سيد الأولين والآخرين وأعلم الخلق أجمعين -محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بأنسب العلتين عند ازدحامهما. وفي ذلك دلالة على أنه لا يعلل بهما حينئذ؛ وإنما قلت: إنه علل بالأخيل، لأنه لما قال له الرجل المردود عليه بعده بعيب، بعد ما شاء الله أن يقيم عند المشتري. يا رسول الله: قد استعمل غلامي، قال صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان1، يعني. ما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغلة؛ فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك؛ فإنه لو تلف المبيع كان بضمانه؛ فالغلة له لتكون الغنم له في مقابلة الغرم. فإن قيل: لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع، ثم العقد أو الفسخ؛ إذ لا ضمان حينئذ، ولم يقل بذلك أحد؛ وإنما يكون له إذا تم العقد. فالجواب: أن الشيخ الإمام رحمه الله ذكر في شرح المنهاج أن الحكم قد يعلل بعلتين، فالخراج يعلل قبل القبض بالملك وبعده بالضمان والملك جميعًا. قال: واقتصر صلى الله عليه وسلم على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده أن الخراج للمشتري؛ فقيل له: إن الغنم في مقابلة الغرم. قلت: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة بعد القبض الضمان وإن كانت قبل القبض الملك، لأنه لما ازدحم بعد القبض علتان -وهما الملك والغرم علل بأنسبهما وهو الغرم بخلاف ما قبل القبض فإنه لم يكن إلا واحدة فاحتيج إلى أعمالها. وهذا ما أوردناه للتنبيه عليه. فإن قيل: لو كانت العلة الضمان لزم أن تكون الزوائد للغاصب، لأن ضمانه أشد من ضمان غيره، وما كانت العلة أنسب وأشد إلا وكان الحكم فيها أولى، وهذا بحر إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله. قلنا: المعنى بالضمان ها هنا ضمان الملك لا مطلق الضمان؛ وذلك مقرر في مكانه، وهذا وضع المذهب وعلى أرباب الخلاف تقريره، وكان الغرض منه التطرف إلى أنه لا ينبغي -عند اجتماع وصفين أحدهما أنسب- أن يقال هما علتان؛ بل العلة الأنسب فإن طلب منا دليل شرعي؛ فحسبنا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا عمل الفقهاء وإليه أشار الرافعي في كتاب الطهار في الكلام على تكفير الكافر بالإعتاق لما تكلم على قول   1 الشافعي في المسند 2/ 144 في البيوع باب فيما نهى عنه من البيوع "481" وأحمد في المسند 6/ 49- 80- 116 وأبو داود في البيوع/ باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا "3508/ 3510" والترمذي 3/ 581- 852 في البيوع باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا "1285/ 1286" وقال حسن صحيح، النسائي 7/ 254 في البيوت/ باب الخراج بالضمان "2243"، الحاكم 2/ 15 وصححه وأقره الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الغزالي: "يصح الإعتاق والإطعام من الذمي تغليبًا لجهة الغرامات؛ فقال: قوله تغليبًا لجهة الغرامات -أشار به إلى ما ذكره الإمام: إن الكفارة فيها معنى العبادات لما يتعلق بها من الإرفاق، وفيها معنى المؤاخذات والعقوبات، وغرضها الأظهر الإرفاق، وما يناط بسببين الأظهر منهما يستقل، كالحد فإنه ممحص وزاجر ويجب على الكافر زاجرًا، وإن لم يكن ممحصًا انتهى. وما نقله عن الإمام كذلك -رأيته في النهاية، وعزاه إلى الأصحاب [فقال] 1: قال الأصحاب: العبادات المالية يتعلق بها غرض الإرفاق وسد الحاجات والتقرب إلى الله تعالى والغرض الأظهر منها الإرفاق، وما نيط بسببين قد يستقل بأظهرهما، كالحد يمحص ويزجر ثم يثبت على الكافر زاجرًا وإن لم يكن ممحصًا. انتهى. ولك أن تقول هذا- من الإمام [يحسن] 2 لكونه يمنع شرط اجتماع علتين؛ فإذا اجتمع وصفان أحدهما أظهر تعلق به لا محالة. أما الغزالي والرافعي فيما يظهر فلا يمنعان ذلك؛ فقد جرى الإمام على أصله، وجرهما استباعه فاقتفيا أثره وغفلا عن أصلهما، وكثيرًا ما يقع مثل ذلك للمقتفين آثار مشايخهم يخالفونهم في أصل ثم يغلبهم الألف على ما تلقفوه منه فيجرون معه في التفريع. فإذا قلت: فحينئذ لا متعلق لك، إذ هذا الصنيع صنيع الإمام [وحده] 3 فمن أين يثبت لك أنه إذا اجتمع وصفان تعلق بأظهرهما. قلت: قد نقله عن الأصحاب وعزوه إلى الأصحاب. فائدة: لم يذكرها الرافعي، وأقول: إن نص الشافعي يؤيد ذلك؛ إذ قال رضي الله عنه في الأم بعدما ذكر أن الذي إذا زنى يحد ما نصه: والحدود كفارة للمسلمين، ونحن نحده إذا زنى انتهت. وسيأتي مبسوطًا في أصول الفقه، فانظر كيف جعل العلة في حد المسلم. التكفير، ولا كذلك حق الكافر. [فإن قلت إذا نقله] 4 عن الأصحاب   1 في ب فقد قال. 2 سقط في ب. 3 في ب معه. 4 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فما جر الغزالي والرافعي على استتباعه بل تبعًا للأصحاب. قلت: الأصحاب لما ظهر من صنيعهم التعليق بأنسب الوصفين دلنا ذلك منهم على أن العلتين لا يعملان جملة، وإن ذلك مركوز في طباعهم السليمة كما قدمناه؛ فمن منع اجتماع علتين نفعة ذلك ولم يحتج إلى اعتذار عنه بخلاف المجوز كالغزالي. فصل: ثم ما ادعيته من التعليل بأخيل الوصفين هو صنيع أصحابنا قاطبة، عراقيين وخراسانيين؛ وذلك في مسائل: منها: القاتل المرتد ازدحم على قتله علتان: القتل فنأخذ قصاصًا، والردة فنأخذه تطهير للأرض من المفسدين -ولا يمكن إعمالهما لضيق المحل عنهما، ولو ارتفع أحدهما بأن يتوب عن ردته أو يعفو عنه ولي الدم- لعملت الأخرى عملها. غير أن الغرض ازدحام العلتين، فنعمل علة القصاص ونسلمه إلى ولي الدم، والسر في ذلك أن غرض الشارع من تطهير الأرض من المفسدين حاصل بإزهاق روحه بأي طريق فرض، وغرض ولي الدم من التشفي لا يحصل إلا بمباشرة القتل، فيسلم إليه. ولم يقل أحد بأعمال العلتين وأن القتل يقع عن الأمرين. ونظيره لو قطعت يمناه ووجب فيها القصاص ثم سرق سرقة توجب القطع، قال الإمام في النهاية قبيل كتاب الأشربة؛ فقد ازدحم على يمناه الحد والقصاص، ولكن القصاص يقدم وهذا متفق عليه. انتهى. ومنها لو اجتمع عليه قطع السرقة وقطع المحاربة، فقد ازدحم عليه علتان، وهما حقان لله تعالى. فقد يقول القائل فيمن قدمناه -من القاتل المرتد والسارق الذي وجب عليه القصاص في اليد- إنما قدم القصاص لتغليب حق الآدمي، فإن حق الله في العقوبات يتعرض للسقوط بالشبهات. فنقول: أولًا: هذا لا يضرنا، فإن غرضنا أن لا يعمل العلتان ولنقدم أحدهما بأي طريق اتجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ثانيًا: قد أتيناك بصورة ألحقنا فيها من جنس واحد، وقد قال الأصحاب: تقطع يده اليمنى للسرقة. وربما قالوا: للمحاربة. وهذا برهان واضح لدرء العلتين وتبين أثره في قطع الرجل مع اليد فاختلفوا فيه على وجهين. أحدهما: يؤخر إلى أن تندمل اليد، لأنها مقطوعة للسرقة والرجل للمحاربة، ولا موالاة بين حدين، قال إمام الحرمين: وكان لا يستحق في الحد إلا الرجل. وأصحهما -وهو المنصوص- يقطع ولا مبالاة بالموالاة كما لو لم يوجد إلا المحاربة، قال الرافعي: والقطعان قد نجعلهما عن المحاربة إدارجًا لقطع السرقة في قطع المحاربة. وقد نقول: هذا عن السرقة، وهذا عن المحاربة، لكن العضوين مقطوعان كما لو لم يوجد إلا المحاربة، فزيادة الجناية لا تمنع من الموالاة. انتهى. فانظر كيف كان كلامه بين احتمالات ليس منها إعمال العلتين، ولم أجد لأحد من أصحابنا تشبثًا بإعمال العلتين غير صاحب التنبيه؛ فإن عبارته: "قطعت يده اليمنى للسرقة والمحاربة" وهي محمولة على ما ذكره في المهذب حيث قال: وهل تجوز الموالاة؟ فيه وجهان. أحدهما: الجواز، لأن قطع الرجل مع قطع اليد حد واحد فجاز الموالاة بينهما. الثاني: لا يجوز قطع الرجل حتى تندمل اليد فإن قطع الرجل لقطع الطريق وقطع اليد للسرقة وهما سببان مختلفان؛ فلا توالي بين حديهما. فانظر كلامه رحمه الله ما أحسنه قد بين فيه أنه لم تعمل العلتان، وتحصلنا منه على اختلاف بين أصحابنا في أن اليد تقطع للسرقة أو المحاربة وعليه ينبني قطع الرجل معها- قبل الاندمال، فمن قال: تقطع للمحاربة لم يرتب في قطع الرجل معها. وأما من قال: "تقطع للسرقة" فيحتمل أن تؤخر لئلا يقع توالي بين حدين، ويحتمل أن يقال: لا تؤخر؛ لأنه لو لم يقطع للسرقة لقطع للمحاربة وقطعت الرجل، وزيادة الجناية لا تمنع الموالاة. ومنها: إذا اشترط المتبايعان الخيار ثلاثًا فقد يتخيل -ما لم يفترقا- اجتماع خيار المجلس وخيار الشرط وفي المسألة وجهان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 أحدهما: قال الإمام في آخر باب الشرط: الذي يفسد البيع وإليه ميل النص أكثر وقال الماوردي: إنه ظاهر المذهب أن ابتداء خيار الشرط في حين التفرق. وعلى هذا فقد قدم خيار المجلس عند الازدحام، وما ذلك إلا لأنه أنسب، لأنه ثابت بالشرع، وما يثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط وهذه قاعدة [سنذكرها إن شاء الله تعالى] 1. ومنها: إذا اشترى المستأجر العين المستأجرة ففي انفساخ إجارته وجهان: قال ابن الحداد: تنفسخ -قال الرافعي: ويعبر عن هذا بأن الإجارة والملك لا يجتمعان. قلت: وليس كذلك. فإن هذا التعبير يستدعي أن يمتنع طريان الإجارة على الملك كما امتنع عكسه عند ابن الحداد، وابن الحداد لا يقول به كما بينته في كتاب [لي] 2 في هذه المسألة سميته "رفع المشاجرة في بيع العين المستأجرة" وبينت أن المحذور عند ابن الحداد أن اجتماعهما على وجه خاص وهو أن يملك ثم يكتري، ولا عكسه. وفيه مباحث تتعلق بما نحن فيه لا بأس بالوقوف عليها، فلتقع الإحالة عليها، والاكتفاء بالإشارة هنا إليه. ومنها: لو استولد مدبرته، فالذي أورده أكطثر سلف الأصحاب وخلفهم أنه يبطل التدبير، لأن الاستيلاء أقوى، فيرتفع به الأضعف كما يرتفع النكاح بملك اليمين. ومنها تدبير المستولدة، فإنهلا يصح، لأن الاستيلاد أقوى من التدبير، وقد ذكرنا هذا في أوائل الكتاب في قاعدة "أن الثاتب بالشرع أولى من الثابت بالشرط" وشبهناه [من نذر] 3 أن يأتي بالفرائض. وقد قال الأصحاب قاطبة لا يصح. ومنها: إذا قالت المرأة لزوجها طلقني بكذا، وارتدت عقب سؤالها فأجابها على الاتصال بحيث تقارن زمان الردة وزمان الجواب، فقد وجد سببان للبينونة في زمان واحد.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب"، وبعد ذلك بياض في ب. 2 في كتاب لي صنفته. 3 في ب شبهناه بالمرتد وأن يأتي بالفرائض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 قال الوالد رحمه الله تعالى في باب الخلع: "الذي يظهر ثبوتها بالانفساخ في زمن الردة واندفاع الطلاق والمال". قال: ولم أر للأصحاب كلامًا في ذلك؛ وإنما أطلقوا أنه إذا أجابها على الاتصال وكان قبل الدخول، تعجلت الفرقة بالردة، ولا يقع الطلاق، ولا يلزم المال. وقيد الشيخ الإمام الوالد رحمه الله هذا بما إذا سبقت الردة الجواب. قال: وإن سبقها الجواب فلا شك في وقوع الطلاق ولزوم المال، ولا أثر للردة لتأخرها، ولو تقارنا فقد ذكرناه. ومنها: شرط مقتضى العقد لا ينفع ولا يضر، وذكر المحاملي أنه صحيح؛ فإن عنى أن ذكره لا يفسد العقد فحق، وإن عنى أنه يؤثر شيئًا فغير مسلم. وقد تكلمنا عليه في شرح المختصر. ومنها: عبد مشترك بين مالكين وكل أحدهما صاحبه في عتق نصيبه؛ فقال نصفك حر، ولم يرد نصيبه ولا نصيب شركيه، بل أطلق؛ فقد ازدحم على [عتق] 1 نصف مبهم علتان متى عملت إحداهما بطلت الأخرى فعلى أي النصفين يحمل؟ فيه وجهان: قال النووي لعل أقواهما الحمل على النصف المملوك لا الموكل فيه. قلت: وقد يوجه بأن تصرفه فيما هو ملكه أتم؛ فكانت علته أنسب وأخيل، ولا يتصور في هذه المسألة، جعلهما جزء علة، ولا أن العلة أحدهما. ونظير المسألة -وكل المرأة في الخلع إذا أطلق ولم يضف إليها ولا إلى نفسه ولا نوى شيئًا، قال الغزالي: يحمل على الوكالة، وللرافعي فيه بحث. وأقول: الحمل على الوكالة هنا أرجح منه في مسألة العتق، لأن خلع الأجنبي نادر بخلاف الوكيل، ولا كذلك عتق المالك، لأن عتق المالك أسرع إلى النفوذ، إذ لا مدفع له، بخلاف الوكيل، لاحتمال أن يكون عزل، والعتق منسوب إيه شرعًا فيحمل على المالك. ومنها: إذا كان للوارث دين على الميت وليفرض في حائز ليتضح ولا يتوقف معه الفهم.   1 في ب غير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فنقول: من له دين من الحائزين في ذمة موروثه قد يتخيل ازدحام ملكه لما ورثه الميت بسببين الإرث والدين -والحق أنه إنما يرثه بالإرث لا بالدين؛ لأنه جهة الإرث أقوى، ولا تتوقف على شيء، وجهة الدين تتوقف على إقباض وتعويض، وهما متعذران لأن التركة ملكه. وهنا واقعة: وهي أنه يسقط من دين الوارث أبدًا ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين ولو كان لأجنبي وهو نسبة إرثه من الدين إن لم تزد على التركة، وما يلزم الورثة أداؤه منه [إذا] 1 زاد ويستقر له نظيره من الميراث، ويقدر أنه أخذه ثم أعيد إليه عن الدين، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه منه على قدر حصصهم، وقد يفضي الأمر إلى [التفاضل] 2 إذا كان الدين لوارثين؛ فإذا كان الوارث حائزًا ولا يدين لغيره ودينه مساو للتركة أو أقل سقط، وإن زاد سقط مقداره وبقي الزائد. هكذا حققه الشيخ الإمام -رحمه الله- في تصينف له في الواقعة سماه "منية الباحث عن دين الوارث". قال: ويأخذ التركة في الأحوال إرثًا [وقيل] 3 يقدر أنه أخذها دينًا، لأن الدين مقدم، ويسقط لدخول التركة في ملكه، فإن الدين لا يمنع الإرث -ويستحيل ثبوت الشخص على نفسه، فأحوجنا ملكه لها- ومن جملتها الدين، لأنه يرث الدين كما يرث العين، إلى تقدير الانتقال، وهو تقدير محض لا حقيقة له. هكذا قرره الشيخ الإمام وغلط فيه فقفهاء زمانه قاطبة واستشهد عليه بقول ابن الحداد وغيره. تنبيه: فيما يظن فيه ازدحام علتين أعمل أضعفهما. قال الأصحاب: من ختن الصبي -من ولي أو أجنبي- في سن لا يحتمله لزمه القصاص إلا الأب والجد، قال الرافعي: للبعضية، ولك أن تقول: لو كان انتفاء القصاص هنا للبعضية للزمك استثناء الحر يختن العبد للحرية والمسلم يختن الكافر، وإن كان الكافر لا يطلب ختانه -للإسلام فكان ينبغي إما أن يستنثي الثلاث أو يترك ذكرها اكتفاء بما علم- في أوائل الجراح- من انتفاء القصاص عند هذه الأمور. فإن قلت: فما العلة الموجبة لتخصيص ذكر الأب والجد؟   1 في ب إن. 2 في بب التقاص. 3 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 قلت: قوة الولاية أو مطلق الولاية على ما سنحرره. فإن قلت: لم عدلتم عن التعليل بالبعضية؟ قلت: لوجهين -أصولي وفقهي. أما الأصولي: فلأن الأبوة مانع من [ثبوت] 1 القصاص ولا ينبغي أن يعلل بالمانع ما أمكن التعليل بالمقتضى فإن قلت: لم قلت: أن الأبوة مانع من ثبوت القصاص. وهلا قلت أنها مقتضى لعدمه. قلت لوجهين. تحقيقي وجدلي. أما التحقيقي: فلأن الأبوة لو كانت مقتضيًا عدم القصاص لعارضها القتل المحض العمد العدوان المقتضى للقصاص ولتكافأ، أو احتيج انتفاء القصاص، إلى مرجح -وهذا بخلاف ما إذا جعلته مانعًا، فإن لا تحتاج إلى مرجح من خارج. فافهم هذا السر، فهو دقيق يظهر [لك] 2 به جعل الأصوليين الأبوة مانعًا للثبوت لا مقتضيًا للانتفاء، وربما زلت أقدم أقوام في هذا المقام لذهولهم عن هذا السر، وحاولوا جعل الابن مكافئ، ليتوصلوا إلى انتفاء القصاص. والتحقيق وبه صرح الغزالي -أن الأب مكافئ للولد- لأنه مكافئ لأخيه الذي هو عم الولد. وكافئ المكافئ مكافئ. فلا احتياج إلى دعوى عدم المكافأة؛ فإنه لم يتعارض هنا علتان، وليس إلا علة قام معها مامع من أن تعمل عمله. ومن فوائد ذلك أن لا نحتاج في إثبات الضمان على الوالد إلى دليل يتجدد؛ بل نقول: وجوب الدية ثابت ثبوت القصاص، فإن منع مانع من ثبوت القصاص لم يمنع من ثبوت الدية، وتكون مستفادة، من المقتضى للقصاص الذي لم يعارضه فيها مانع. وهذا بخلاف ما إذا جعلنا الأبوة علة لانتفاء القصاص، فإنها لا تدل على ثبوت الدية، ولا على نفيها، ولا يمكن أخذ ثبوتها حينئذ من علة ثبوت القصاص، لأنه قد عارضها معارض أبطل عملها. لا يقال: إنما أبطل عملها في القصاص، لأنا نقول: إن قلنا: الدية متأصلة فيحتاج إلى دليل يخصها. وإن قلنا بدل عن القصاص، فالقصاص ها هنا لم يجب   1 سقط في "ب". 2 في "ب" ولكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 أصلًا، فلا يطلب له بدل. وفي الكتاب مباحث كثيرة أضربت عنها طلبًا للاختصار. وأما الجدل: فلأنا لو جعلناها مقتضية للعدم، لعللنا الحكم العدمي بالوصف الوجودي، ولئن جاز ذلك، على خلاف فيه فإنما يحسن حيث لا يمكن سواه، أما إذا أمكن تعليل الوجودي بالوجودي فهو أولى. فهذا إتمام الكلام على الوجه الأصولي من الوجهين المقتضيين لعدولنا عن التعليل بالبغضية. وأما الفقهي: فلأنا لو عللنا بالبعضية لما فرقنا في الضمان - إذا كان ختان الصبي في سن [لا يحتمله] 1 بين أن يكون الخاتن أصلًا من أصوله أو وليًا غيره، لكنا فرقنا قطعًا، فإن القول بأن الأصل لا يضمن -في السن المحتمل- هو الصحيح. وأما غير الأصل: فإن كان سلطانًا ففيه وجهان، رجح الإمام منهما عدم الضمان أيضًا، ولم يرجح الرافعي في الشرح شيئًا- لكن في المحرر تبع الإمام. ولا يخفى أن تضمين الإمام أقرب من تضمين الأب والجد، وبذلك صرح الإمام في النهاية، وإن كان فيه غير ما ذكرناه فهي مسألة لم أجدها مصرحًا بها في غير الحاوي للماوردي، وهو وإن قال فيها بعدم الضمان فلا ينكر أن تضمينه أقرب من تضمين الإمام. فاختلاف هذه المراتب، مع اتفاقها في الحكم على الأصح. دليل على أن التعليل بالولاية أولى. فإن قلت: أبو لاية الأبوبة تقللون أم بمطلق الولاية؟ قلت: إن ألحقنا غير الأب به فبمطلق الولاية وإلا فبولاية الأبوة لقوتها. وقد نظرنا إليها في باب الحجر، حيث فرقنا بين دعوى الصبي بعد بلوغه على الأصل ودعواه على الوصي. وقد يقال: يعلل في الأب بولاية الأبوة ثم يلحق به غيره لمطلق الولاية. ولكن يلزم على هذا أن يقال: إلحاق غير الأب به قياس أدون كإلحاق التفاح بالبر في الربا ولا محظور في ذلك. وإذا وضح لك ما أبديت من التقرير علمت أنه ليس لقائل أن يقول: إذا كانت   1 في ب يحتمله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الأبوة علة والولاية علة فالتعليل بالولاية عند الازدحام -إعمال للأضعف. لأنا قد بينا أن الأبوة ليست بعلة، فضلأا عن أن تكون أولى من الولاية. وبتقدير أن تكون علة فقد ازدحم على الأب الولي ثلاثة أوصاف، أعمها كونه وليًا، وأخص منه كونه وليًا بالأبوة، وأخص من هذا الأخص منه كونه أبًا، فيلتحق ذلك بما ازدحم عليه علتان -عامة وخاصة- وتظهر فائدة ذلك بما إذا كان الأب غير ولي -بأن كان فاسقًا- فأقدم على الختان، فلا قصاص عليه حينئذ لكونه أبا، لا لكونه وليًا، إذ لا ولاية حينئذ، بل لمانع الأبوة، وهنا يحتاج إلى التعليل بالبعضية ولا في الأب الولي. فصل: فيما ازدحم عليه علتان لا يترجح إحداهما على الأخرى وظهر الحكم بعدهما، فحكمنا بأنهما جزءًا علة واحدة، والعلة حينئذ المجموع، أو أن العلة إحداهما لا بعينها، أو نقول: بأن كلا منهما علة مستقلة؛ غير أن الواقع حكمان لا حكم واحد، فلا اجتماع لعلتين على معلول واحد أبد الآباد وغوص الغائصين ودهر الداهرين. ومن أمثلة هذا الفصل: من مس ذكره وأجنبية في وقت واحد، ولا أقول: من مس وبال؛ فإنه يختلج في الذهن تقديم علة البول. ومنها: عتق الراهن والموسر واقع، لكونه مالكًا موسرًا وبهذه خرج المعسر، والذي يظهر أن العلة في هذه الصروة مجموع المالكية مع اليسار. فإن قلت: يعارض وصف المالكية تعلق حق المرتهن. قلت: معارضة جزء العلة لا ينهض بدفع العلة عن عملها؛ فإن المالكية في الأصل علة مستقلة وإنما صارت جزءًا بانضمام وصف اليسار إليها، فنشأ عنه أن عتق المعسر عنه لا يجوز، فإذا عورض هذا الجزء لم يتدفع. وفقه المسألة: أن حق المرتهن وإن تعلق بالعين فغرضه الأعظم التوصل إلى ماله، وعو عند ذي اليسار حاصله فاضمحلت معارضته. وليس هذا منا نظرًا إلى معنى المالكية كما يقوله مالك. وإن كنا نختاره -ولكنه أمر وراء ذلك وهو جرار لم أذكره في شرح المختصر بل اقتصرت أنا حينئذ بقسط وصف المالكية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 والمختار عندنا في الجواب الآن ما ذكرناه في شرح المختصر من الفقه، وتحققنا به ما تطول إعادته هنا، فعلى من أراد البسط في هذه المسألة أن ينظر فيه. ومنها: لو قال لنسائه الأربع من حملت منكن هذه الخشبة فهي طالق فحملها ثلاث منهن، وهي خفيفة تستقل كل منهم بحملها- في فروع الطلاق من الرافعي لم تطلق واحدة منهن، وقيل: يطلقن. قلت: فأما القول بأنه لا تطلق واحدة منهن ففيه دمار للعلتين عند ازدحامهما، وهو يؤيد منع اجتماع العلتين. وأما القول بأنهن يطلقن. جميعًا فلا وجه له إلا أن كل واحدة [منهن] 1 حملت، وهو مكابرة في المحسوس، لأن [المجموع] 2 حاصل بقوى كلهن، وإن كانت كل واحدة لو انفردت لأثرت، فالوجه بعدم الطلاق البتة، وإن كانت ثقيلة لا تستقل كل واحدة بحملها، كذا في الرافعي، وينبغي أن يقول: ولا اثنين، قال: طلقن. وأقول: وينبغي أن لا تطلق واحدة منهن لأن الحامل مجموعهن لا كل واحدة منهن، والمحلوف عليه كل واحدة لا المجموع. فصل: فيما ازدحم عليه علتان - عامة وخاصة. وقد يقال فيما هذا شأنه: إن العلة العامة لعمومها، وتسقط الخاصة عن درجة الاعتبار مطلقًا وقد يقال: العلة في موضع الخصوص الخاصة، وفيما عداه العامة. وفي هذا إجحاف وإخراج لوصف العموم عن صلاحية العلة في موضع الخصوص بلا داع. ومن يجمع بين العلتين لم يبال بهذا، ويقول كلا الوصفين علة، ولهذا أمثلة: منها: عتق الراهن عند من ينفذ إذا كان موسرًا أو عند من لا ينفذ إذا كان معسرًا، وقد تكلمنا على هذا في شرح المختصر؛ فلينظر. ومنها: منفعة الدار والعبد ونحوهما تضمن بالتفويت والفوات تحت يد عادية، كذا قالوا. وأنا أرى أن العلة الفوات لا التفويت، وأن خصوص التفويت [يلغى] 3 وإلى   1 سقط في "ب". 2 في ب المحمول. 3 في ب ملغي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 هذا أشار الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الغضب من "شرح المنهاج" ويدل له قول الأصحاب: "لو نقص المغضوب بغير استعمال وجب الأرض مع الأجرة، ولو نقص بالاستعمال كما لو بلي الثوب باللبس؛ فكذلك على الصحيح لأن الأجرة للفوات، والأرض للنقص، وهما سببان مختلفان فيثبت موجبهما. والثاني: لا يجب إلا أكثر الأمرين -من الأجرة والأرض لأن الأرض بسبب الاستعمال فيتداخلان فهذا الوجه يشهد لأن العلة الفوات دون التفويت؛ وإلا فكيف يكون التفويت غير مضمن والفوات مضمنًا، لترددهم في التفويت، وجزمهم في الفوات شاهد لما قلته، ثم علة الفوات مضطردة سالمة من النقص بخلاف التفويت؛ ألا ترى أنه لو غصب عبدًا مرتدًا فقتله لم يجب عليه ضمانه، لو مات في يده ضمنه، والفرق أن يقيم في الأول حد الله، وإن كان مفتاتًا على نائب المسلمين -بخلاف الثاني. ومثله لو لم يكن مرتدًا بل قال مولاه للغاصب أقتله فلو قتله لم يضمنه، لو تلف في يده ضمنه صرح به الإمام في النهاية في باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب قبل باب إظهار دين الله. ومنها: علة وجوب نفقة القريب على قريبه يتحصل من كلام الأصحاب فيه وجهان: أحدهما: أنه منزل منزلة نفسه للبغضية. والثاني: يسار القريب المنفق. واليسار أخص من الأول، والأرجح التعليل بالأعم، ويتخرج عليها أنه هل يجب على القادر على الكسب الاكتساب لنفقة القريب؟ والأصح الوجوب لذلك. واتفاق الأصحاب أو أكثرهم، على وجوب نفقة القريب على المفلس المحجور، يدل على أن العلة ليست اليسار؛ بل مطلق الملك، وبه صرح القاضي الحسين قال: ولا شك أن المفلس معسر، وإن أنفق على قريبه فذلك لعلة المالكية. فصل: فيما ازدحم عليه علتان بينهما عموم وخصوص من وجه، العمل منهما لما هو الأقوى في كل صورة بخصوصها. وله نظائر منها: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 منها: إذا كان القاضي وصيًا على يتيم فهو يتصرف له من حيث أنه قاض، وتلك صفة تعم هذا اليتيم وغيره من اليتامى، ومن حيث أنه وصي، وتلك صفة تبقى وإن زالت صفة القضاء؛ فهي أعم من القضاء من هذا الوجه، لأنه إذا زال خصوص كونه قاضيًا، بالنسبة إلى هذا اليتيم، بقي عموم كونه وصيًا لا يختص تصرفه بزمن القضاء، والأقوى ما دام قاضيًا تصرفه بالوصية فإنه تصرف بالخصوص. فإن قلت: ماذا ينبني على هذا؟ قلت: إذا كان لليتيم حق ورثه من أبيه فهل له الحكم به؟ فيما ذكرناه يظهر أنه لا يحكم؛ لأنه إنما يتصرف بالوصاية ولا قضاء فيها، ولو تصرف بالقضاء لكان حاكمًا والخصم هو الوصي "وهو الوصي" فيكون خصم نفسه وهذا لا يضر. فمن ثم رجح قول ابن الحداد في وصي على يتيم ولي الحكم فشهد عند بمال لأبي الطفل على منكر أنه ليس له أن يحكم عليه؛ لأن من كان خصمًا في حكومة لم يجز أن يكون حاكمًا فيها. كما لا يحكم على غيره لنفسه، ولأنه لو شهد للصبي، الذي هو قيمه -بمال [لم يقبل] 1 ومن لا يشهد لشخص لا يحكم له. وصحح الرافعي أن له الحكم، وذكر أن قول القفال، والقفال لم يفصح به في شرح الفروع؛ وإنما الشيخ أبو علي نقله عنه في شرح الفروع سماعًا، واحتج بأن القاضي يلي أمر الأيتام كلهم وإن لم يكن وصيًا فلا تهمة. قال ابن الرفعة: والصواب قول ابن لحداد. قلت: والأمر كذلك، وقد بينته في الطبقات الكبرى في ترجمة ابن الحداد. فصل: نختم به الكلام على التعليل بعلتين، قد يتعقب المحل علتان مقتضى كل واحدة منهما مقتضى أختها، ونعلم أنهما غير مجتمعتين، ونعلم أن إحداهما واقعة، والأخرى زائلة؛ غير أنا لا ندري عين الذاهبة، ولا نميز بين الحاضرة والغائبة. وهذا قد يقول من ينتهي إليه: هو من باب التعليل بأحدهما لا بعينه. وليس   1 سقط في ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 كذلك لأن التعليل بالمبهمة فيما قدماه، هو في مبهمة بين شيئين. قال قائل باجتماعهما وتأثيرهما، وقائل بتأثير المجموع منهما، إلى غير ذلك مما قدمناه، وليس كلامنا هنا فيه، بل في وصفين أجمع على انتفاء أحدهما ولم يعلم عينه؛ فهل يضر ذلك ويبطل الحكم للجهل بالمأخذ. أو لا؛ لأن مثل هذا الجهل لا يضر، إذ كل منهما كافية في إقامة الحكم؟ هذا موضع تردد، وهذا يشهب القياس المركب، فإن المختلفين من الأئمة من مأخذ إذا اجتمعت في صورة أجمعوا على حكمها -وإن أسند كل الحكم إلى ما يعتقده، كما نقول: أجمع الإمامان على أن البكر الصغيرة تجبر؛ فالشافعي لبكارتها، وأبو حنيفة لصغرها، ولكن القياس المركب لا خلاف فيه بين الفقهاء، وهذا فيه تردد تلقفناه من مسائل. منها: لو اشترى زوجته بشرط الخيار فهل له وطؤها في مدة الخيار لأنها لا تخرج عن كونها منكوحة أو مملوكة أولًا: لأنه لا يدري بأي الأمرين يطأ؟ فيه وجهان: المنصوص منهما الثاني. ومنها: لو أقر بحرية بعده في يد غيره زاعمًا أن ذلك الغير أعتقه ثم اشتراه ومات العبد، وقد ترك مالًا وأولادًا ولا وارث له بغير الولاء والمشتري مصمم على إقراره، فظاهر النص أن المال يوقف فإن ولاءه لا يكون للمشتري لاعترافه بأنه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه أنه رقيق، وعليه جماعة من الأصحاب. واعترض المزني فقال: للمشتري أخذ قدر الثمن. مما تركه، فإن فضل شيء كان الموقوف هو الفاضل فقط؛ وإنما يأخذ قدر الثمن لأنه مستحق له بكل حال، لأن المشتري إما كاذب، فالميت رقيق وما يتركه فهو ملك مولاه أو صادق فللبائع إرثًا بالولاء وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظهر بماله كان له أن يأخذ قدر حقه. وافترق الأصحاب فرقتين: فرقة خطأت المزني، ومن توجيهاتها أنه لا يردي بأي جهة يأخذ، بجهة الملك أو بجهة الظفر، فمن ثم يمنع من الأخذ إلى ظهور جهته، وفرقة: منها ابن سريج وأكثر مشايخ المذهب قالوا: الأمر كما ذكره المزني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وقد نص عليه الشافعي في موضع آخر، والفتيا على هذا، فإن اختلاف الجهة لا ينبغي أن تمنع الأخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق. ومنها: قال لي عليك ألف ضمنته، فقال: ما ضمنت شيئًا، ولكن لك على ألف من ثمن متلف ففيه خلاف، قال الرافعي في باب الإقرار الأصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة. ومنها: قال: زوجتنيها [وقال] 1 بل بعتكها، قال الغزالي: إن كان صادقًا حلت له باطنًا، وفي الظاهره وجهان لاختلاف الجهة. قلت: قوله: إن كان صادقًا قيد لم يذكره الرافعي، ولقد أجاد، فما لكونه صادقًا مدخل، هب أنه كاذب، فهي ملكه فتحل. ومنها: قطع رجل ذكر خنثى وشفريه ولم يعف عن القصاص، بل قال: سلموا إلي المستيقن منه؛ ففي وجه لا يسمل إليه شيء، قال الغزالي في البسط: إذ لا تعرف جهته -أهو من دية أو حكومة، وهو ظاهر كلام المزني. قال: وهو يلتفت على ما لو أدعى عليه. تنبيه: ما قدمناه هو فيما إذا ما تعاقب على المحل وصفان عرفنا أن أحدهما زائل، وقد يتعاقب وصفان لا يعرف زوال واحد منهما ولكن يتردد فيه -وبيانه بصور. منها: لو لم يكن له إلا وارث واحد وأوصى له بماله؛ [فوجهان] 2 أصحهما أنه يأخذ التركة إرثًا، والثاني يأخذه وصية. وذكر صاحب التتمة: إن فائدة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر دين. فإن قلنا، يأخذها إرثًا فله إمساكها وقضاء الدين في موضع آخر، وإن قلنا: وصية قضاء منها ولصاحب الدين الامتناع لو قضى من غيرها، ووافقه الرافعي والنووي، وأطال ابن الرفعة والوالد رحمهما الله الكلام على ذلك بما لا غرض لي الآن في حكايته. قال النووي "ومن فوائده لو حدث في عين التركة، زوائد إن قلنا: وصية لم يملكها، وإن قلنا: إرث ملكها على الصحيح.   1 في ب فقال. 2 في ب وجهان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 واعترضه الوالد رحمه الله تعالى بأنا وإن قلنا وصية فهو إذا قبل يتبين أنه ملك بالموت [على الصحيح] 1 الأصح فيستوي هو والوارث، وحيث قلنا: لا يملك الموصي له الزوائد، فهي للوارث على الأصح، وعلى وجه تركه، والتركة للوارث، فأيا ما كان فهي له. ثم قال [فلعل] 2 مراد الشيخ محيي الدين رضي الله عنه أنه إذا قلنا: بالإرث، فالزوائد محكوم بملكه لها من حين الموت، وإن قلنا: وصية، فلا يحكم بملكها حتى يقبل، فإن قبل انبنى على الخلاف في وقت الملك. [قال] 3 لكن يرد عليه ما أشرنا إليه من أنه إذا لم يملك بالوصية ملك بالإرث. فلعل مراده إن قلنا: وصية. لم يملكها بالوصية حتى يقبل فيتبين قلت وجرت بيني وبين الوالد رحمه الله مباحثه في هذه المسألة عند كتابته لها في باب الوصية وقرأتها عليه في درس الغزالية، وقلت قد تظهر فائدة الخلاف فيما لو كانت جارية وانقضت مدة الاستبراء، قبل قبوله الوصية، فإن قلنا تملكها "إرثًا" جاز له الوطء -وإن قلنا: "وصية" فهو ما لم يقبل غير مالك بالوصية؛ فينبغي أن لا يجوز له الوطء حتى يرد، فيعلم أنه حينئذ يطأ يملك الإرث، وإلا فما لم يرد لا ندري بأن الملكين يطأ فيمتنع وطؤه على الوجه القائل بنظيره فيمن اشترى زوجته بشرط الخيار. ثم ذكر الوالد رحمه الله ما إذا أوصى لكل وارث بقدر حصته على الإشاعة وأن الوصية تلغو وأن الرافعي قال: يجيء فيه، قال: وفقه الرافعي صحيح، والحق في المسألتين أن الوصية لاغية لمخالفة أمر الشرع. قال: ومن يقول بالصحة لعله يقول: إن ذلك موافق لحكم الشرع في الوارث، الواحد الجميع، فهو بالوصية مقرر لحكم الشرع [لا مخالف] 4. [قال] 5 ويجتمع على ملك الوارث سببان، الميراث بأمر الله، والوصية بأمر الموصى الذي لم يقم دليل على منع الشرع له في هذه الصورة لعدم اختلاف الأحكام، فيستند الحكم إليهما أو إلى أحدهما على الخلاف في اجتماع علتين. قال: وعلى هذا [ينزل] 6 الوجهان.   1 سقط في ب. 2 في ب لعل. 3 سقط في أوالمثبت من ب. 4 في ب مخالفًا. 5 سقط في ب. 6 في ب يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 قلت: وهذا فقه صحيح، وهو مقصودي بذكر هذا الفرع، فإن هذه حينئذ صورة يتعاقب عليها وصفان لا يعلم هل هما مجتمعان فيعمل فيهما ما يعمل في اجتماع علتين أو إنما الموجود أحدهما؟ ووددت لو قال قائل: يملك الوارث الثلث بالوصية والثلثين بالإرث، لأنه ليس للميت سلطان في الوصية إلا بالثلث، ثم هذا الثلث إذا رده يحتمل أن يقال: إنه يرد إلى الوارث فيعمل فيه ما تقدم. ووددت لو قيل: إنه لا يعود إليه لأن الميت حجزه عن أن يرثه بإيصائه به إليه ويكون كمن أوصى بالثلث ولم يبين الجهة مع إخراجه الوارث. فليتأمل فيها حركت من البحث؛ فإني لا أذكر أن مثله وقع بين يدي الشيخ الإمام رحمه الله. أصل: العلة تسبق المعلول زمانًا عند أقوام من الفقهاء، وعليه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله، وتقاربه عند آخرين، ولعلهم الأكثر، وهو المنقول عن الشيخ أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه وسمعت الشيخ الإمام يستدل له بقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} 1. وهو استنباط حسن. وفصل قوم فقالوا: [العقلية لا تسبق الوضعية والوضعية تسبق] 2. وربما قال بعضهم: الوضعية تسبق إجماعًا. وإنما الخلاف في العقلية وعليه يدل كلام القفال والشيخ أبي علي حيث قالا: فيما حكاه عنهما الرافعي في باب العتق "المعلق لا يقارب المعلق عليه، بل يتأخر بلا شك"، وسنحكي ذلك في مسألة، إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر معه -ولكن هذا فيه نظر، والخلاف واقع. وقد صرح به ابن الرفعة في كتاب الطلاق، ثم ألحق استواء العقلية والوضعية، وإليه أشار الغزالي في الوسيط، في الطلاق. فإن الوضعية أبدًا تحاكي العقل، لا فرق إلا أن تلك مؤثرة بذاتها، ولذلك لا نقول بها، إذ لا مؤثر عندنا إلا الله تعالى. وقال الغزالي في الوسيط في فصل التعليق بالتطليق ونفيه، وقد تكلم على مسائل3 من العلة والمعلول سيأتي بعضها: "هذا كلام دقيق عقلي، وربما يقصر نظر الفقيه عنه". قلت ورأيت في كلام بعضهم أن أزمنة الأحكام المضافة إلى الأسباب أربعة أقسام: مقارن ومتقدم ومتأخر ومختلف فيه، وهأنا أذكر ما ذكره ثم أتكلم عليه.   1 الزمر "42". 2 في أالعقلية لا تسبق الوضعية وقيل تسبق والمثبت من "ب". 3 ما بين القوسين سقط من "آ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها : منها: الأسباب الفعلية بأسرها كالاحتطاب والاختشاش والاصطياد لحياة المباح وكالشرب والزنا والسرقة للحدود، كذا قال بعض المتأخرين. قال: وكذلك التعاليق اللغوية؛ فإنها أسباب وهذا في التعاليق يقابل دعوى القفال، والشيخ أبي علي أن المعلق يتأخر قطعًا، والذي يظهر التوسط بين هذين المتقابلين والقول بأن التعاليق من محل الخلاف -أتقارن أو تسبق العلة فيه المعلول، وكذلك الذي يظهر في الأسباب الفعلية. غير أن هذا شيئًا وجدته في كلام الذي كان يقال: إنه شافعي زماننا، الشيخ شمس الدين بن عدلان، رحمه الله، ولعله من كلام [القرافي] 1 أخذه، وأنا لا أسلم ذلك، ووجدت في كتاب "البحر" للروياني قبل باب الرجعة بنحو ورقة ما نصه. فرع: اختلف أصحابنا في الطلاق الواقع بالقول، هل هو واقع معه أو عقيبه؛ فقال بعضهم: يقع مع القول، وقال بعضهم: يقع عقيبه، لأن تعلق الطلاق به [كتعلق] 2 الملك بالبيع، فكما يقع الملك عقيب3 كذلك الطلاق "انتهى". وفي هذا دلالة على أن الملك يقع عقيب البيع لا معه وفاقًا، وكذلك [يقاس] 4 عليه، ولا يظهر عند التحقيق فرق بين البيع والطلاق. وقد يقال: لما تركب البيع من إيجاب وقبول توقف تحققه على تمام الصيغتين بخلاف الطلاق. ولا تحقيق في هذا؛ فإن حقيقة البيع متى تحققت كان الخلاف فيها، أقاربها الملك أم تعقبها.   1 في "ب" العراق. 2 في ب لتعليق. 3 في "ب" عقيب البيع. 4 في "ب" قاس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 ثم قال صاحب البحر عقيب هذا: وعلى هذا فلو قال: أنت طالق في حال لفظي بهذه اللفظة هل يقع الطلاق؟ على الوجه الأول يقع: ولا تأثير لهذا القيد لثبوت مقتضاه دونه، وعلى الثاني: لا يقع حال اللفظ، وهل يقع عقيبه؟ يحتمل اعتبارًا بقوله لامرأته: أنت طالق في الشهر الماضي، وفيه خلاف. - القول في أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها على أسبابها وإن كان ذلك، عند اللمتكلم -مستنكرًا في بادئ الرأي. منها: إتلاف البيع قبل القبض؛ فإنك تقدر الانفساخ قبل تلفه ليقبل المحل الفسخ، إذ [المعدوم] 1 لا يقبل انقلابه لملك البائع. ومنها: قتل الخطأ فإن له حكمين: أحدهما: يتقدم عليه وهو وجوب الدية؛ فإنها موروثة، والإرث لا يعقل إلا ما تقدم فيه ملك الميت، وقدر ملكه لها قبل الزهوق- وعلى هذا قول من لا يقول بأن الدية تجب للورثة ابتداء، وهو الصحيح الظاهر. وثانيهما: يقترن به، وهو وجوب الكفارة إذ لا ضرورة لتقدمها على القتل، بخلاف تقدم الدية. ومنها: إذ قال لغيره أعتق عبدك عني. القول في المختلف [ففيه] 2 أيقارن العلة أم يتعقبها؟ وهو الأسباب القولية: كالبيع والعتق والإبراء والطلاق والأمر والنهي، وأمثلته تكثر. وإذا نظرت ما قلناه عرفت أن محل الخلاف إما مقصور على هذا أو مستتبع قليلًا من غيره. ومن الفوائد هنا -شيء قيمه ابن الرفعة وفيه نظر؛ وذلك أن الأصحاب قالوا: إذا قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفًا، فقالت: طلقت وضمنت، أو ضمنت وطلقت، بانت بالألف، وتكون البينونة ولزوم الألف مقترنين في زمان واحد سواء قدمت لفظ الطلاق على الضمان أو عكست، ولا يضر تعاقب اللفظين.   1 في "ب" المعدم. 2 في "ب" فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 قال ابن الرفعة: ولا فرق بين أن يقول: المشروط ترتب على الشرط، والمعلول على العلة أو لا. فكِأنه فهم أن الخلاف في تقارن المعلول لا يطرق هذه الصورة من مجرد قولهم "زمان البينونية والضمان واحد". قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله -وفيما قاله نظر: وإنما أراد الأصحاب أنه لا يتأخر أحدهما، ثم زمانهما مبني على الخلاف في العلة مع المعلول والشرط مع المشروط؛ فعلى قول الترتيب يكون عقب الثاني منهما، وعلى قول العية يكون مع آخر الثاني، قال: ولعل هذا مراد ابن الرفعة. قلت: وهذا هو الصواب، وقد ذهب الماوردي إلى أنها لا بد أن تقدم الضمان على الطلاق لكونه جعله شرطًا فيه، والشرط متقدم على المشروط، وفي هذا وفاء بالقاعدة. غير أنا نقول: تقدم الشرط رتبة وزمانًا لا يقتضي ما ذكر من تقديمها إياه في اللفظ لما عرفت. فرع: نكح الكافر، لابنه الصغير، بالغة وأسلم أبو الطفل والمرأة معًا، قال البغوي: يبطل النكاح لأن إسلام الولد حصل عقب إسلام الأب؛ فتقدم إسلامها إسلام الزوج. قال الرافعي: لكن ترتب إسلام الولد على الأب، لا يقتضي تقدمًا ولا تأخرًا بالزمان؛ فلا يظهر تقدم إسلامها على إسلام الزوج. قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: وينبغي بناؤه على أن العلة الشرعية متقدمة أو مقارنة. قال: والصحيح عندهم المقارنة، وعليه يتجه قول البغوي. انتهى. فرع: قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق، وهي مدخول بها وقع الثلاث، قاله الأصحاب وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله كل هذا إن قلنا: العلة تتأخر عن المعلول، وإن قلنا معه فإن جعلنا "ما" مصدرية غير ظرفية، فكذلك. وإن جعلناها ظرفية لم يقع إلا طلقتان؛ لأنها إذا كانت ظرفية فالمعنى كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وقت؛ فإذا قال: أنت طالق، وقع الطلاق المنجز، وواحدة من المعلق كلاهما في وقت واحد ثم لا يقع في ذلك الوقت ثالثة، لأنه لم يجعل في كل وقت غير طلقة واحدة، وبعد انقضاء الوقت الأول لم يقع الطلاق؛ إذ لا تكرار في كل، وإنما لها عموم فقط، فافهمه؛ فلقد اختلفت فيه نسخ "أحكام كل" وقد أوضحته. هذا إن قلنا: "المعلول مع العلة" وإن قلنا "متأخر" لم يقع إلا طلقتان إذ جعلنا "ما" في "كلما" ظرفية -وسيعود للمسألة ذكر في قسم أصول الفقه في باب العموم والخصوص. فرع: قال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر، ثم أعتق غانمًا في مرض موته، ولم يخرج من الثلث إلا أحدهما فالمذهب المجزوم به في المحرر والمنهاج في باب الوصية تعين [غانم] 1 للعتق ولا فرعه؛ لأنها لو خرجت على سالم ورق غانم لم يحصل شرط [عتق سالم] 2. وبعضهم يقول في التوجيه: عتق سالم مرتب على عتق غانم والأسبق أولى بالنفود. قال الرافعي في [باب] 3 الوصية: ولكن سيأتي في الطلاق أن مثل هذا الترتيب لا يقتضي سبقًا زمانيًا4؛ وإنما ثبتت الأولوية لما هو الأسبق في الزمان. فالتوجيه الأول أصح، وذكر أن الحكم فيما [قال] 5 فسالم حر في حال إعتاق غانم كالحكم في المسألة، قال ابن الرفعة وسنعرف في الطلاق وفي العتق في الفرع المذكور، خلافه، قال: وعجيب ذلك منه، وفي الشامل أن القاضي أبا الطيب قال في تعليقه: إذا قال: إذا أعتقت سالمًا فغانم حر في حال إعتاقي سالمًا، أن هذا لا يصح لأن إعتاق سالم جعله شرطًا والمشروط لا يصح وجوده مع الشرط ولا قبله. وعن الشيخ أبي حامد نحوه إذا قال: ليس هذا بصحيح؛ لأن الإعتاق هو الإيقاع، ولا بد من ترتيب الوقوع عليه، فيؤادي ذلك إلى أن يسبق عتق غانم عتق سالم.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" بزماننا. 5 في "ب" فيما لو قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وقال الشيخ الإمام رحمه الله في باب الوصية من شرح المنهاج: اعتراض الرافعي إنما هو على لفظ الأسبق؛ ولكن تأويله [يرجع] 1 إلى معنى التعليل الأول، قال وأيضًا فكثيرًا وأكثر الأصحاب على الترتيب الزماني على خلاف ما قال. قلت الذي يظهر في مسألة إذا أعتقت غانمًا فسالم حر -التخريج على أن العلة مع المعلول أو سابقة؟ فإن قلنا سابقة فقد يقال: يتعين عتق غانم، وقد يقال -وهو الأظهر: لا يتعين لأن علة عتق سالم ليس عتق غانم؛ بل إعتاقه، وفرق بين الإعتاق والعتق، فإن الإعتاق إيقاع والعتق وقوع، والإعتاق سابق، وزمن عتق سالم وغانم واحد، وإن قلنا بالمعية فلا يخفي أنها سابقة بالتربة، وقد يقال: إنه كاف في تعيين غانم، وأما مسألة التقييد بحال إعتاق غانم فيظهر أن يقال: إن قلنا: يسبق العلة المعلول؛ فهذا اللفظ متدافع إذ شرط عتق هذا هو سبق عتق هذا، فكيف يكون مع؟ [فيفسد] 2 اللفظ ويخرج عن كونه علة، أو يخرج على ما إذا قال "أنت طالق أمس" كما قدمناه عن صاحب البحر. وإن قلنا: بالمعية؛ فقد يقال بالتدافع أيضًا، لأنه عتق سالم معلل بعتق غانم لا بعتق بعضه، وعتقه جميعًا لا يمكن؛ لأن فيه دفعًا لعتق غانم، والتبعيض يؤدي إلى أن لا توجد الصفة في سالم. وإذا لم توجد لم يسبق لعتق غانم معارض؛ فيؤدي عتقه إلى عتقه، وهو دور كما ترى، ولعل القاضي والشيخ إلى هذا التقرير أشارا. وقد يقال: بتعيين عتق غانم لكونه علة وهي وإن لم تسبق المعلول زمانًا سبقته رتبة فكانت أجدر، وقد توجد العلة بدون المعلول لمانع، أما معلول بلا علة فمحال. وبهذا يتبين لك أن المسألتين ليسا سواء؛ إذ لا يحتمل في الأول بطلان اللفظ البتة. وهذا الاحتمال، في المسألة الثانية، يعضده أن القاضي أبا الطيب نفسه قال هو وغيره كما نقل الرافعي في كتاب العتق: إذا قال أحد الشريكين لشريكه الموسر: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر حال إعتاق نصيبك، وقلنا: السراية تحصل بالإعتاق. أنه يعتق على الشريكين معًا. قلت: ولا تدافع هنا، لأن هذا النصف يعتق بكل تقدير.   1 في "ب" فيرجع. 2 في "ب" فليغسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وذهب القفال والشيخ أبو علي إلى أنه يعتق على المقول له. قالا: لأن المعلق لا يقارن المعلق عليه؛ بل يتأخر بلا شك. وهذا غير مسلم لهما، ولا فرق بين المعلول وغيره، ولو قال: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر، فأعتق، سرى، لأن السراية قهرية ولا مدفع لها وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه، وقد بان لك بهذا أن المسألتين ليسا سواء، وإن تعجب ان الرفعة من الرافعي، لأجل المنقول عن القاضي يوجب تعجبًا منه لأجل المنقول ثانيًا عن القاضي. فرع: قال لعبده: إن تزوجت فأنت حر ثم تزوج في مرض الموت بأكثر من مهر المثل، ولم يمكن أن [ينفذ] 1 من الثلث كل من الزيادة على المهر وقيمة العبد -بل أحدهما- فيقدم المهر؛ كذا قاله الأصحاب وحاول الرافعي تخريجه على ترتيب المعلول على العلة، فإن قلنا "بالمعية" وزع على الزيادة وقيمة العبد، وذكر أن الأصحاب صرحوا بالتوزيع فيما لو قال: فأنت حر في حال تزويجي. قلت: فأما تصريح بالفرق عن الأصحاب فهو شاهد للفرق في المسألة قبلها على خلاف ما ادعاه هو، وأما ما حول تخريجه ففيه نظر؛ لأن المعلق على التزويج لا المهر، والمهر معلول [التزويج] 2 كما أن العتق معلوله، فزمانهما واحد، فإن كان المعلول مع علته فهما مع [التزويج] 3 وإلا فهما بعده إلا أن نجعل نسبة المهر إلى التزويج نسبة السراية إلى العتق لأنه قهري فيسبق العتق؛ لأن معلق قابل للدفع كما تقدم في الفرع قبله. [فرع4: قال للمدخول بها؛ كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال: أنت طالق، وقع الثلاث. كذا قالوه وقال الشيخ الإمام: هذا على قول الترتيب وكذا على المعية إن جعلنا ما مصدرية غير ظرفية وإن جعلناها ظرفية لم يقع إلا طلقتان لأنل المعنى "كل وقت" فإذا قال: أنت طالق وقع المنجز وواحدة من المعلق كلاهما في وقت واحد، به لا يقع في ذلك الوقت بالبينة لأنه لم يجعل في كل وقت غير طلقة واحدة، وبعد انقضاء الوقت الأول لم يقع طلاق إذا لا تكرار في كل وإنما لها عموم فقط] .   1 في "أ" يتقدر والمثبت من "ب". 2 في ب التزوج. 3 في ب التزوج. 4 هذا الفرع سقط في "أ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 تنبيه: إنما اختلفوا في تقدم الشرط مشروطه أو مقارنته أما تقدم المشروط فمحال -لا يقوله عاقل- وظن التأدية إليه أحدنا فحصلت به المسألة السريحية وهي: "إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا". وقد كثرت التصانيف فيها -واشتهر إشكالها- قبل من زمن زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقيل: بل من زمن الشافعي رضي الله عنه، وقيل المزني، وقيل ابن سريج. وأخطأ من ظنها من مولدات ابن الحداد -وإن كانت في فروعه؛ فليس كل ما في فروعه من مولداته، ومن العجيب قول ابن عبد السلام. فيما نقله القرافي في أوائل الفروق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 أصول خمسة : الدور، والجمع بين النقيضين، وتحصيل الحاصل محال، ونفي النفي إثبات، ولازم النقيضين واقع. من نازع في شيء من هذه القواطع فهو مصاب في عقله، ولكن الحال قد يضطر الفقيه إلى تقدير غير الواقع واقعًا وعكسه. الدور: أفرده من أصحابنا بالتصنيف، الأستاذ أبو إسحاق وأبو علي الزجاجي، وافتتح كتابه بقوله تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} 1 قال: والآية أصل دفع الدور. وللأصحاب أعماله في قطعة يرجع حاصلها إلى قطعه من أوله، كمن زوج عبده بحرة بصداق ضمنه في ذمته، ثم باعه منها بذلك الصداق قبل الدخول، فلا يصح البيع. ومن وسطه: كمن زوج أمته بعبد في مرض موته وقبض صداقها ثم أعتقها والصداق باق في ملكه، وهو ثلث ماله، عتقت ولا تنجيز. ومن آخره: كمن أعتق أمته في مرض موته -وهي ثلث ماله. ونكاحها، لم يكن لها طلب المهر، ولا ميراث لها سواء أخرجت من الثلث أم لم تخرج؛ لأن عتقها حينئذ وصية، والإرث والوصية لا يجتمعان. أصل: الصحيح - عند أئمتنا وعليه أكثر المسلمين وجمهور المتكلمين- أن المشار إليه بإنسان الهيكل المخصوص، ونعني به: هذا البدن المتقوم بالروح.   1 النحل "92". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وعبارة الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه في كتاب "الإيجاز" الإنسان هو هذه الجملة المصورة ذات الأبعاض والصور، وحكى عليه إجماع المسلمين وأهل اللغة. كذا في "شرح الإيجاز" للقاضي أبي بكر، وعزاه الأستاذ أبو منصور البغدادي، في كتاب معيار الجدل -إلى أهل الحق وبدع من خالفه. قال: وهؤلاء إذا سئلوا عن تعريف الإنسان قالوا: هو الجسد المخصوص بهذه الصورة المخصوصة فإن سئلوا عن جبريل عليه السلام -حين جاء في صورة دحية الكلبي- أجابوا بأن الظاهر منه كان على صورة ظاهر الإنسان، ولم يكن باطنة حينئذ كباطن الإنسان -فلم يكن إنسانًا. قلت: ويمكن الجواب بأن نقول لم نعن بالإنسان -البدن بمجرده- بل البدن المقوم بهذه الروح البشرية، وبهذا خرج جبريل في صورة دحية الكلبي؛ فإن الصورة لدحية، ومقومها جبريل [حالة] 1 تشكله بها، وهذا شيء يقع، ولم أجد في كلام الأئمة ما يؤيده، بل كلهم لا يزيدون على أن الإنسان "الهيكل فقط" ويحكون القول -بأنه مجموع الهيكل مع الروح، عن حسين النجار وهشام بن الحكم- وأنهما قالا: ليس أحدهما إذا [انفرد] 2 عن صاحبه بإنسان. كذا في شرح الإيجاز وغيره من كتب قدماء أصحابنا وهذا ظاهره أن أصحابنا لا يجعلون للروح مدخلًا في مسمى الإنسان البتة لا تفاقهم على رد هذه المقالة. وذهب أبو حامد الغزالي إلى تضعيف القول بأن المشار إليه [بإنسان] 3 الهيكل المخصوص، وتبعه الإمام فخر الدين ومتابعوه، ثم اختلفت آراؤهم -بما لا غرض لنا في شرحه، مع اتفاقهم على أن المشار إليه "الإنسانية المقولة لهذا الهيكل، وحلولها في الهيكل كحلول الهيكل في الدار، لا يوجب دخوله في مسماها. وهذا المذهب معزو إلى الحنفية، ولهذا أكثر أئمتنا في التغليظ على من قال به. واعلم أن هذا ليس هو مسألة الروح، وإن ظن كثير من الناس ذلك، ولنا في تحقيق ذلك شرح لسنا له الآن، وقد اختلف الفقهاء في مسائل تخرج على هذا الأصل.   1 في "ب" حين. 2 في "ب" أراد. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 منها: قال علماؤنا -بناء على أصل أئمتهم: الحل في النكاح يتناول هذا الهيكل بأجزائه المتصلة اتصال خلقه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أضاف النكاح إلى ذواتهن والمعنى بالذات جميع الأعضاء الموجودة لدى العقد. فإن قلت: قدمتم أن الحل والحرمة ليسا من صفات الأعيان. قلت: المعنى ذلك أن المحل ليس صفة قائمة بها؛ وإنما المراد به الانتفاع، والمعنى هنا أن الانتفاع مضاف إلى البدن لا إلى مقومه. وقالت الحنفية على أصولهم: مورد الحل في النكاح، إنسانية المرأة دون الأجزاء والأعضاء واحتجوا بأن الأجزاء الموجودة عند العقد تتحلل وتتجدد، قالوا: ومن البعيد أن يقال: ورد النكاح على شعورها، ثم كل شعره نبتت بعد النكاح يتعلق بها نكاح جديد حتى يتجدد كل يوم منكوحة لم تكن حالة العقد، وهذا من منزهات الكلم، ولو اعتبرنا في قضايا الشرع هذه الحالات، لقلنا: كل يوم يتجدد نكاح جديد- وإن كان المعقود عليه الإنسانية، لأن النكاح عرض وهو لا يبقى زمانين. فإن قلت: سيأتي في مسائل الفقه، أن أبا حنيفة رضي الله عنه -يرى أن المعقود عليه في النكاح- البضع فما باله لا يضيف الحل إليه، بل إلى الإنسانية؟ قلت: المعنى هناك أن الموضع موضع البدل العوض مع عدم قطع النظر عن الإنسانية، والمعنى هنا أن الإنسانية مورد الحل، وإن ورد العقد على جسم متقوم بها، ومنها: للزوج غسل زوجته إذا ماتت، لأنه عقد على بدنها، وبدنها باق فيمكن من غسله. وقالت الحنفية: ليس له ذلك؛ لأن مورد العقد المعنى الزائل بالموت المفارق للبدن، وإذا تجرد البدن عن مورد العقد فلا يعطي حكمه إذا كان مورده قائمًا به وحالًا فيه. ووافقوا على أن لها غسله إذا مات -مع قولهم أن الزوج غير معقود عليه البتة، فما أكثر مناقضتهم لأصولهم. ومنها: إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة صحيح من حيث إنه محل الطلاق كما أنه محل النكاح، ثم الأصح أنه يقع عليه ويسري إلى سائر البدن -لا أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وقالت الحنفية: فيما نقل عنهم بعض الخلافيين، لا يصح إضافة الطلاق إلى جزء المرأة لأنا لمعقود عليه إنسانيتها، والخلاف جار في العتق. ومنها: أن مستحق القصاص في النفس إذا قطع اليد وعفا عن النفس، لم يلزمه أرش اليد سواء أوقف القطع أم سرى؛ لأنه استحق جملة البدن فصارت الأطراف مهدرة بالنسبة إليه. ولا يقال على هذا فامنحوا له قطع أطرافه لأن القصاص لما كان مقابلة لم يجز له أن يفعل إلا ما فعل به، أو أن يزهق الروح بطريق سهل، وليس له التعذيب من غير سبب. وقال أبو حنيفة: "مورد استحقاق القصاص الروح لا الهيكل المخصوص"؛ غير أنه يقع في بعض البدن توصلًا إلى إزهاقها؛ إذ لا يمكن إزهاقها إلا كذلك، فإن وقف هذا الجرح ضمن، لأنه لما عفا كان ظالمًا بقطع اليد، وإن سرى -لأنه تبين أن العفو وقع بعد الاستيفاء- فلا أثر له. ومنها إذا قال: إن رأيت زيدًا فأنت طالق، فرأته حيًا أو ميتًا طلقت لأن موته لم يخرجه عن كونه زيدًا لأنه هذا الهيكل. ومنها: لو قال روحك طالق، طلقت على المذهب، وحكى أبو الفرج الزاز، فيه خلافًا مبنيًا على أن الروح جسم أو عرض. ومنها: إذا وجد بعض الميت صلى عليه، وهل ينوي الصلاة على جملة الميت أو على ما وجد منه؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي والأول هو المجزوم به في الروضة، والثاني: قضية كلام أبي الطيب وجوز الجيلي -شارح التنبيه- بناء الخلاف على أصل آخر حكى فيه [خلافًا] 1 بين المتكلمين، وهو أن العضو البائن هل يحشر معه ويدخل الجنة إن كان من أهلها. تنبيه: قد يقول قائل: كلام أصحابنا في الفقه يدل على ما ذهب إليه الغزالي والحنفية من أن الإنسان المعنى القائم بهذا البدن، ولا مدخل للبدن في مسماه؛ لأنهم ذكروا أن نقصان اليد ونحوها نقصان وصف لا جزء كما ذكروه في حكم البيع قبل   1 في "ب" حكى هو فيه اختلافًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 القبض، صرح بذلك الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج" أعني بأنه ليس نقصان جزء، وكل الأصحاب مصرحون بأنه نقصان وصف. فالجواب: أن المعنى بالوصف في كلامهم ما لا يتقسط الثمن عليهن لا ما نحن فيه. على أني لم أجد في كلام الرافعي التصريح بأن نقصان اليد ليس نقصان جزء، بل ظاهر كلامهم أنه نقصان جزء ذلك الجزء وصف، لأنه قسم الجزء إلى وصف، وهو ما لا يفرد بالقيمة، والمالية كيد العبد. قال: وهو في معنى أن لا تباع الأوصاف، وإلى ما يفرد كأحد العبدين وأحد الصاعين أصل: لازم النقيضين واقع لا محالة، وهذا أمر عقلي لا يقبل المكابرة؛ غير أن الحال قد يضطر الفقيه إلى الإعراض عن هذا الواقع، فيجعله كأنه غير واقع، لما يترتب على الحكم بوقوعه من الخلل. ونحن نذكر فروعًا من هذا النوع يتهذب بها النظر. فنقول: إذا قال أحد الشريكين في عبد: إن لم تدخل الدار غدًا فنصيبي حر، ومضى الغد ولم يعلم حالة واتفق الشريكان على الجهل به، فيعتق النصف بتقدير واقع على التقديرين، وكذلك عتق الكل إن كانا موسرين، وقلنا السراية لا تتوقف على أداء القيمة. وهذه مسألة كبيرة، ومع ذلك ليست في شرح الرافعي؛ وإنما الذي في الرافعي في مسألة الغراب ما قد يقالك إنه نظيرها، وليس بنظير، والمنقول في مسألتنا هذه فيما إذا كانا موسرين عن أبي العباس ابن سريج أن العبد يعتق والولاء موقوف ولا قيمة في الحال. وعن أبي علي الثقفي أنه يعتق على الذي علق العتق بالعدم، وله الولاء، ويغرم الثاني من نصيبه؛ لأن الأصل عدم الدخول. وإن كانا معسرين فثلاثة أقوال: أحدها: يعتق نصيب من علق بالعدم. والثاني: يعتق نصيب العبد على الشيوع؛ لأنه معلوم يقينًا، والنصف الثاني يبقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 بينهما على الرق، وهو يشبه قول القسمة في تعارض البيتين. الثالث: لا يعتق نصيب واحد منهما بناء على الأصل، كما لو طار طائر فقال أحدهما إن كان غرابًا فنصيبي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فنصيبي حر- وهما معسران فلا يحكم بعتق نصيب واحد منهما كما جزم به الرافعي ومن بعده. قلت: وما أحسب قوله: لا يحكم بالعتق، ولم يقل لا يعتق لأن العتق واقع لا محالة إذ هو لازم النقيضين، وبذلك صرح الإمام في النهاية؛ فقال: لا يحكم بالعتق في ظاهر الحكم، ولكن يعلم باطنًا أنه قد عتق نصيب أحدهما انتهى. وفائدته: فيما لو اجتمعا في ملك أحدهما بعد ذلك كما صرح به الأصحاب. ومن عين العتق في نصيب المعلق بالعدم أو قال يعتق نصف نصيب كل منهما فقد قرر المحال؛ ولكن القائل بقسمة المعتق عليهما فقد وقع في محال آخر، فإنه أعتق من لم يعتق قطعًا. ودعواه أنه يشبه القول بالقسمة، في تعارض البيتين، ممنوعة فإن القسمة هناك قد توافق الحكم في نفس الأمر، وهنا لا يمكن؛ إذ نحن على قطع بأن نصيب أحدهما غير مشمول بالعتق، وليس فرضنا الآن في ذلك؛ وإنما الكلام على القول بأنه لا يحكم بنصيب واحد منهما، فإنه قد يتخيل أن هذا مناقض للقاعدة الكلامية في أن لازم النقيضين واجب الوقوع، فنقول: هو واقع باطنًا غير أن الضرورة الجأت إلى الحكم بعدم وقوعه ما دام الشك قائمًا، ألا ترى أنه إذا زال واجتمعا في مسلك واحد يحكم عليه بعتق النصف. إذا عرفت هذا فالكلام بعده في فائدته حسنة، وهي: أن هذه المسألة التي حكينا فيها التفصيل والخلاف هل هي مسألة ما إذا قال أحدا لشريكين إن كان هذا الطائر غرابًا فنصيبي حر، وقال الآخر، إن لم يكن غرابًا فنصيبي حر، أو غيرها. فإن لم تكن هي، فتلك في شرح الرافعي في باب العتق وفي كتاب الطلاق، وحاصل ما ذكره فيها من المعسرين أنه لا يحكم بعتق نصيب واحد منهما؛ فلو اشترى نصيب صاحبه حكم بعتق النصفين، لأنه جمعهما مسلك واحد، ولو باعا النصفين من ثالث فكذلك، ولا رجوع له على واحد منهما، لأن كلا منهما يزعم أن نصيبه مملوك. وحكى الشيخ أبو علي أن بعض الأصحاب [قالوا] 1 إن أقدم على الشراء عالمًا   1 في "ب" قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 بالتعليقين فلا رجوع له، وإلا فله الرد بالعيب كما لو اشترى عبدًا ثم بان أن نصفه حر، وعلى هذا فيرد العبد كله. وأطال الرافعي في تفريع هذا، وقال في الموسرين: إن قلنا بتعجيل السراية عتق العبد، لتحقيق حنث أحدهما، والسراية عليه، والولاء موقوف، وإن قلنا: بتوقف السراية على أداء القيمة لم يحكم بعتق شيء منه والحكم كما في المعسرين. انتهى ملخصًا. وعلى تقدير كونها هي بكون الرافعي قد فاته فيها ما حكيناه من الخلاف، وإن تكن غيرها فتكون قد فاتت الرافعي بالكلية. والجواب: أن من الأصحاب من زعم أنها هي كما ذكر القاضي ٍأبو سعد الهروي في الإشراف ومنهم من فرق بينهما، وهو الصواب. ووجه الفرق أن احتمال كون الطائر غرابًا وكونه طائرًا آخر غير غراب سواء ليس لأحدهما على الآخر رجحان؛ فلا يصح التمسك فيه بالأصل، إذ ما من نوع من الطائر إلا ويقال فيه. الأصل أنه ليس هذا، فيكون استعمال الأصل في هذا الأصل منعكسًا في نفسه؛ لأنك إن قلت: الأصل أنه غير غراب؛ فكذلك الأصل أنه غير حمام وأنه غير باز وأنه غير هدهد، وهكذا إلى أن ينتهي عدد كل طائر، وكل شيء انعكس بنفسه لم يصح التمسك به. فوضح أنه لا اعتماد على الأصل في مسألة الغراب، بخلاف عدم دخول الدار، فإن التمسك فيها بالأصل مستقيم، ومن ثم عينه بعض الأصحاب، وذهب إلى إلغاء العتق عليه حذرًَا من نفي النقيضين أو إثباتهما. ووضح بهذا أن مسألة الدخول ليست في الرافعي؛ بل لم أقف عليها في شيء من تصنيف الرافعي والنووي، وابن الرفعة في المطلب، لم يذكر مسألة الدخول ولا مسألة الغراب هذه. ومن فوائد هذا الرفع أن الإمام لما حكى الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي -أنه يرد بالعيب- قال: هذا هو بين لا ينبغي أن يعد مثله من المذهب؛ لأنه لو جوزنا له الرد لعاد كل واحد من الشريكين إلى نصيبه وزال العتق المحكوم به. قلت: وقد يستضعف عدم الرد ويقال: كيف يلزم بتوفير الثمن على ما لم يسلم بسبب سابق موجود في يد البائع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وعند هذا أقول: الحكم بالعتق إذا اشتراه ثالث يحتمل أن يقال: إنه مستند إلى الزمان السابق، لكونه كان الواقع [فيه] 1 باطنًا؛ غير أن معرفة [من يعتق2 عليه] أوجبت أن لا يحكم به، وهذا يشبه القول بأن الوقوع فيما إذا قال: إحداكما طالق [عند التعيين من حين قوله، إحداكما طالق] 3 لا من حين التعيين، وعلى هذا قالوا: لا موقوف بين الشريكين، لتردد العتق بينهما، وعلى هذا يتجه القول بالرد؛ لأنه تبين وجود الحرية في يد البائعين، وإن كان الشراء سببًا للحكم بها، فالشراء وقع منه بعد إيجابهما، ويحتمل أن يقال: إنه يستند إلى زمان المشتري، ويكون العتق عليه والولاء له كما قيل في الطلاق المبهم، إنه من حين التعيين، وهذا يؤيده أنه لو كان مستندًا إلى الزمان السابق لعاد الإشكال الذي بسببه لم يحكم بالعتق فيما مضى؛ فإنه يؤدي كما عرفت إلى وقت الولاء وغيره ويضعفه أنه لا مقتضى للعتق الآن فإنه لم يصدر من المشرتي ما يوجبه وإنما صدر من البائعين، فإن وقع عتق فليستند إلى سببه. وبالجملة إذا استند إلى زمان المشتري اتجه أن لا يرد بالعيب لأنه المعتق -في ظاهر الحكم- بهذا الشراء، وقد عادت إليه فائدة الولاء. فإن قلت: هل هذا كما إذا ارتد العبد في يد البائع وقتل عند المشتري فيتخرج على الخلاف فيه. قلت: الردة سبب وجد عند البائع مقتضية للقتل وإن لم يصدر بيع، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنه لو لم يصدر بيع لم يحكم بالعتق. فالقول بالرد في الردة أوضح من هذا. فرع: قال شيخ الإسلام أبو الفتح بن دقيق العيد في كتاب "اقتناص السوانح"، ذكر بعضهم أن المسألة السريجية إذا عكست انجلت، وطريقه أن يقول: "متى طلقت فلم يقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا"؛ فإنه حينئذ متى طلقها وجب أن يقع الثلاث القبلية؛ لأن الطلاق القبلي ثابت -حينئذ على النقيضين وقوع المنجز وعدم وقوعه، وما ثبت على النقيضين فهو ثابت في الواقع قطعًا؛ لأن أحدهما واقع قطعًا، فالمعلق به واقع قطعًا، وهذه مقدمة ضرورية عقلية لا تقبل المنع بوجه من الوجوه، أصل المسألة في الوكالة "انتهى". وكتبت أنا -هذا في وقت في ورقة- وتركت بعض الأسطر بياضًا كثيرًا، وألقيت   1 في "ب" به. 2 في "ب" عين من يعتق. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 الورقة على فراش الشيخ الإمام -تغمده الله برحمته ورضوانه- ثم عدت ثاني يوم فوجدته قد كتب بخطه عقيب خطي ما نصه. ومنه نقلته "وهذا فيه نظر" وإنما يلزم وقوع الطلاق المعلق، بالنقيضين المذكورين. لو قال: إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع فأنت طالق قبله ثلاثًا ثم يقول لها: أنت طالق؛ فحينئذ يحكم بأنها طلقت قبل ذلك التطليق عملًا بالشرط الثاني، وهو عدم الوقوع، لأن الطلاق المعلق مشروط بأحد أمرين: إما الوقوع، وإما عدمه في زمن واحد مستند إلى زمن واحد قبلي- ولا يمكن الحكم بالوقوع القبلي استنادًا إلى الشرط الأول، وهو الوقوع، للزم الدور. وأما الوقوع في ذلك الزمان القبلي مستندًا إلى عدم الوقوع؛ فلا محال فيه؛ إذ لا يمكن أن يقال: لو وقع فيه لوقع قبله، لأن إنما يحمل القبيلة على القبلية المتسعة، التي أولها عقب التعليق، أو على القبلية التي تستعقب الطلاق؟ فإن كان الأول: لم يمكن وقوع الطلاق قبله؛ لأنه يكون سابقًا على التعليق، وحكم التعليق لا يسبقه وهذه فائدة فرضنا التعليق على التطليق ونفيه بكلمة واحدة. وإن كان الثاني: لم يكن أيضًا القول بالوقوع قبله استنادًا إلى الشرط الأول؛ لأنه كما تتقيد القبلية القريبة بالنسبة إلى الشرط الثاني كذلك تتقيد بالنسبة إلى الشرط الأول، فلا يكون على تقدم الوقوع، على ذلك الزمان دليل، ولا له موجب، هذا كله إذا كان التعليق بالنقيضين، وأن ما تعلق بالنقيضين واقع كما توهمه القائل؛ بل لأن التعليق بالعدم وأنه لا مانع منه ولا استحالة فيه حتى لو انفرد التعليق بالعدم كان كذلك فلا أثر للتعليق معه على الموجود، وإن وقع في فرض المسألة، فافهم ذلك "انتهى". وذكر بعده كلامًا طويلًا إلا أنه لم يتمه، فتركت كتابته، واقتصرت على هذا لحصول الغرض منه، وكتبته في الطبقات الوسطى في ترجمة ابن دقيق العيد. والشيخ الإمام وقف على هذه الطبقات، وعلى ترجمة ابن دقيق العيد نفسها، وقرأ ما كتبته من خطه هنا، وسكت عليه، ثم رأيته بعد موته رحمه الله ذكر المسألة في باب الوكالة من "شرح المنهاج"، وقال هو جعله لازمًا للنقيضين وليس كل ما جعله لازمًا [للنقيضين] 1 يصير لازمًا؛ لأن المانع من وقوعه يمنع اللزوم.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وإذا صححنا الدور فهو مانع من وقوع الطلاق معلقًا ومنجزًا؛ لأنه يؤدي إثباته إلى نفيه. ثم اندفع في نحو ما ذكره، هنا- من الفرق بين اتحاد الزمان وتعدده وتراخي أحد التعليقين عن الآخر، واتساع القبيلة. وذكرها أيضًا -في كتاب النكاح ونسبها إلى ابن دقيق العيد نفسه، ولم يزد في تعقبه على أن قال: "وفيما قاله نظر لأنا نمنع صحة التعليق الثاني إذا صححنا الأول؛ وإنما يكون الطلاق لازمًا للنقيضين إذا علقه على كل منهما بكلمة واحدة "انتهى". وحاصله: أن ما قاله الشيخ تقي الدين لا يندفع به الدور؛ لأنه لو وقع الطلاق بما أخذ به من التعليق لزم وقوع الثلاث قبله بالتعليق الأول، ومتى وقعت لم يقع بالثاني شيء، فالدور باق بحاله، بخلاف ما لو جمع بكلمة واحدة فقال: إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع؛ فأنت طالق فإنه يقع، ولا يمكن أن يقال فيه: إنه لو وقع لوقع قبله". لما قرره، ثم قال: إن الحكم بالوقوع فيما فرضه هو، ليس لكون الطلاق معلقًا بالنقيضين؛ بل لأجل التعليق بالعدم، حتى لو تجرد التعليق بالعدم فقال: إن طلقتك فلم يقع فأنت طالق ثلاثًا وقع الثلاث. هذا وجه كلامه ذكرته لتعقده على بعض الناس وليس بعده في النفاسة شيء. وقد وقفت على كلام لبعض الناس حسبته هو الأمر المستسهل عند الشيخ الإمام، وما وراءه لا يستحق أن يذكر؛ فلم أحب أن أذكره، ففي كلام الوالد كفاية، ثم قلت: لا بأس بذكره ليستفاد. قال الشيخ [الإمام] 1 برهان الدين بن الفركاح -في الجواب عما ذكره ابن دقيق العيد بعد الاعتراف بأنه دار بين الفقهاء ولم يذكر فيه شيء مفيد، لا نسلم أن التعليق الأول مقتضاه وقوع القبلي، وكيف يكون ذلك مقتضاه وهو مستحيل؛ فإنه لو وقع القبلي لم يقع المنجز، وحينئذ يكون قد وقع المعلق بدون وجود المعلق عليه، فوقوع المنجز يستلزم عدم وقوع القبلي لا وقوعه. فإن قلت: لفظ التعليق اقتضى ما ذكرناه من استدعاء [وقوع المنجز لعدم] 2 وقوع القبلي. قلت لا وذلك لأن "هذا" العكس إنما هو كلام تقدير تصحيح الدور، ومتى قلنا   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 بصحته فمعناه أن لو وقع هذا المنجز للزم منه المحال وما لزم منه المحال محال. فحينئذ التعليق الأول -على تقدير تصحيح الدور- يلزم منه امتناع وقوع المنجز والمعلق جميعًا، لا أنه يستلزم وقوع القبلي على تقدير وقوع المنجز. وأما التعليق الثاني: فمقتضاه وقوع القبلي على تقدير وقوع المنجز، وهذا ليس بمستحيل بمجرده ولكن وقوع القبلي على تقدير عدم وقوع مستحيل للدور الصحيح المتقدم؛ فإن الكلام إنما هو على تقدير تصحيح الدور المتقدم، وحينئذ يستحيل وقوع القبلي على تقدير عدم وقوع المنجز لأنه لو وقع قبله الثلاث، ولو وقع الثلاث لم يقع. فرع: قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم فعند ابن سريج [أنه] 1 لا يقع الطلاق؛ لأنه إنما يتحقق ما جعله شرطًا للطلاق بمضي اليوم، وإذا مضى اليوم لم يبق وقت الوقوع؛ فلا يقع وقال الشيخ أبو حامد: يقع في آخر لحظة من اليوم، لأن الشرط عدم التطليق في اليوم، والتطليق لفظ يقع في زمان يحتمله، فإذا لم يبق من الزمان ما يتسع للتطليق فقد تحقق الشرط حينئذ فيقع الطلاق، والوقوع حكم الشرع ولا يستدعي زمانًا يستدعيه التطليق، [والشرط والجزاء] 2 لا يتصور اجتماعهما. قلت: لفظ اليوم اسم زمان ممتد من الفجر إلى الغروب، وهو صادق على كل جزء من أجزاءه؛ ففي الإثبات إذا قال: أنت طالق اليوم، ولنفرض ذلك فيمن قال: أنت طالق اليوم، كذا يقع في أول جزء منه. وفي النفي إذا قال: إن لم أطلقك يوم كذا لا يصدق -لكونه نكرة في سياق النفي، حتى تغرب شمس ذات اليوم، فلما جعل عدم الطلاق في ذلك اليوم موقعًا للطلاق فيه آل ذلك إلى التناقض؛ فإما أن يقال: هذا منه3 متدافع فلا يقع شيء [وهو] 4 رأي ابن سريج أو يقال أمكن أن يحمل قوله قوله إن لم أطلقك على العموم الذي لا يتم إلا بتمام اليوم وقوله فأنت طالق على الوقوع في جزء منه لكون اطلاق، في الإثبات -يصدق بجزء منه كما قلنا، بخلافه في النفي، فالمعلق الطلاق في جزء من أجزاء هذا اليوم إذا انقرض جميع اليوم بغير طلاق [وانقراض جميع اليوم   1 سقط في "ب". 2 في "ب" تقديم وتأخير. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" وهذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 بغير طلاق] 1 يوجب أن لا يقع طلاق، وعدم وقوع الطلاق يوجب أن يقع لوجود الصفة. فجمع بينهما الشيخ أبو حامد وما فعله نظير ما يقال في تارك الصلاة أنه يقتل إذا خرج وقتها عن صلاحية الأداء، وقيل: دخوله في القضاء؛ لأنه في ذلك الوقت محقق أنه أخرجها عن وقتها، "إذا" لم يبق منه ما يسعها أداء كما لم يبق من هذا اليوم ما يسعها تطليقًا، فوسعها طلاقًا، فأمكن أن يحمل قوله: "إن لم أطلقك في هذا الزمان فأنت طالق فيه، ويعني بزمان الطلاق غير زمن عدمه، فلا تناقض، ويتجه الوقوع كما قال الشيخ أبو حامد. إلا أني أقول [لكن] 2 أن يقال: يقع بعد مضي لحظة من أول اليوم فإن اللحظة الأولى صدق فيه أنه لم يطلقها اليوم. فإن قلت: عدم الطلاق اليوم يستدعي جميعه. قلت: لا نسلم، ألا ترى أنه لو علق الطلاق على اليوم لاكتفى بأوله. فإن قلت: ذلك لأنه إذا وقع في أوله كان واقعًا في جميعه. قلت: لعل الضرورة تلجئ -هنا إلى حمل اليوم على بعضه خشية على الكلام من التهافت؛ فلا يكون وقوع الطلاق، في هذا الفرع، لازم النقيضين. ولو قال: إن تركت طلاقك [فأنت طالق] 3 ومضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق -طلقت. ومثله: لو قال: إن سكت عن طلاقك ذكرهما الرافعي ولا إشكال فيهما -وإن تخيل أن كيف يقع الطلاق مع تركه والسكوت عنه. فالجواب: أن زمن السكوت والترك لا طلاق فيه؛ وإنما هو صفة لطلاق يقع عقيبه فهو كما لو قال [إن] 4 لم أطلقك فأنت طالق، ومضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق "فإنا تطلق" ويكون زمان الطلاق عقب زمان عدمه.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" يمكن. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" إذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 فإن قلت: أي فرق بين هذه الصور الثلاث. قلت: يظهر لي أن المعلق عليه -في إن لم أطلقك- عدم الطلاق، وفي -إن سكت أخص منه وهو استحضار الطلاق، مسكوتًا عنه فكأنه أحضره في ذهنه وأعرض عنه. وفي -إن تركت- أخص من السكوت، وهو استحضاره ثم فعل الكف عنه كذا يتبادر إلى فهمي. ولك أن تقول: المعلق عليه، في إذا لم أطلقك وصف عدمي، وفي إن تركت وإن سكت، وصف وجودي، ويوضحه أنه إذا مضت لحظة وهو تارك أو ساكت تطلق، وإن كان قد علق بصيغة "إن". وجاء هذا من كون الوصف وجوديًا مطلقًا، يصدق بصوره، بدليل أنه لو قال، "إن لم أطلقك" امتد مدة العمر؛ فلو قال: تركت أو سكت -وصفًا عديمًا لكان "إن لم أطلقك" وإن تركت طلاقك سواء؛ فلما افترقا حكمًا دل على الفرق معنى. وكذلك في "إذا لم أطلقك" [تقول] 1 إن الفور مستفاد من صيغة إذا، وإذا ظهر هذا الفرق فأقول: ومما يوضح لك الفرق بين "إذا لم أطلقك وإن تكرت طلاقك" أنه لو يكن تركت، ينبغي أن يقع في الأول إذا لم يطلق. كما قالوه [فلا] 2 نظر. وأما في السكوت والترك فينبغي أن [يتوجه] 3 منه في زمن عدم التطليق ما ذكرناه من الإعراض عن الطلاق وفعل الكف عنه لتوجد الصفة. وكأنهم إنما لم يذكروا ذلك لأنه لما نصب [تسبب] الطلاق لم يسمع منه إرادة دفعه المخالفة للظاهر لأن الظاهر أنه لو أعرض أو كف تطلق لأن الإعراض عن الطلاق قد صار سببًا للطلاق. ولكن في هذا نظر؛ لأن الطلاق إذا كان واقعًا على التقديرين فلا فائدة في الطلاق عند الإعراض وإنما يظهر هذا لو قال: إن تركت أو سكت عن طلاقك فأنت طالق ثلاثًا أو ثنتين؛ فإنه يكون الإعراض عن أصل الطلاق موقوعًا لأكثر من طلقة، فيقال: هلا. طلقت لما عرضت لتدفع عنك الزائد عن الواحدة؟ ولكن في هذا نظر؛ ألا ترى أنه لو قال عقب هذا التعليق أنت طالق طلقت المنجز لا ذاك المعلق فدل أن المعلق عليه ما ذكرناه فليتأمل ما حررته من البحث وبه ظهر أنه ليس   1 في "ب" لقول. 2 في "ب" بلا. 3 في "ب" يوجد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الطلاق في شيء مما ذكرناه لازم النقيضين؛ إنما الأشكال ويسببه سيقت هذه المسائل إذا قال: إن لم يقع عليك طلاقي الآن فأنت طالق الآن بهذا أقول: ينبغي أن لا يقع، وإن كان طلاقها لازم النقيضين. وقد يعارضني معارض بما نقله الرافعي عن إسماعيل اليوشنجي أنه لو قال: أنت طالق حين لا أطلقك ولم يطلقها عقيبه. يقع الطلاق في الحال. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين قال مصنفه، سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية مدخل ... مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية: أعلم أنا لنا في أصول الفقه مصنفات اشتملت على قدر كبير من الفروع المخرجة على الأصول، من نظره عرف أنا لم نسبق إليه، ومن أحاط بما في كتبنا الأربعة وهي: "شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح منهاج البيضاوي" و"المختصر المسمى" و"جمع الجوامع" والأجوبة على الأسئلة التي أوردت عليه المسمى "منع الموانع" من الفروع المخرجة على الأصول أحاط بسفر كامل "من ذلك" ونحن نذكر هنا مشيرًا بما ينبغي أن يدخل في الأشباه والنظائر ومما بعضه غير مذكور في كتبنا المشار إليها ونورده على ترتيب جمع الجوامع مستعينين بالله متوكلين مصلين على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أصل: التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة ومن ثم يختض بالواجب والمحرم، وقيل: طلبه، فيشمل معهما المندوب والمكروه وهذان القولان لأئمتنا وسكلت الحنفية طريق سبيل آخر فقالوا: التكليف ينقسم إلى وجوب أداء وهو المطالبة بالفعل إيجادًا أو إعدامًا سواء خصصنا تلك المطالبة بالحكمين أم قلنا بدخول الأربعة، وإلى وجوب في الذمة سابق عليه، وعنوا بهذا القسم من الوجوب اشتغال الذمة بالواجب وإن لم يصلح صاحب الذمة للإلزام كالصبي إذا أتلف مال إنسان فإن ذمته تشتغل بالعوض ثم إنما يجب الأداء على الولي، وزعموا أن استدعاء التكليف الأول عقلًا وفهمًا للخطاب الأول، بخلاف الثاني. قالوا: والأول يتلقى من الخطاب والثاني من الأسباب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 قالوا: فمستغرق الوقت بالنوم يقضي الصلاة مع ارتفاع فلم التكليف عن النيام. قالوا: ولكن لما كان الوجوب مضافًا إلى أسباب شرعية دون الخطاب وجب القضاء، كذلك فطردوا ذلك طردًا عامًا في العبادات والعقوبات وزعموا أن سبب وجوب الصلاة الوقت والصوم الشهر، وهلم جرًا. فليت شعري من هذه سبيله لم يمنع وجوب زكاة مال الصبي وأما علماؤنا فقالوا: لا يجب على المجنون إذا أفاق القضاء لأن الوجوب بالخطاب لا بالأسباب. فإن قالوا لنا؛ فأنتم حينئذ أحق منا بعدم وجوب زكاة مال الصبي قلنا: لم نوجب على الصبي شيئًا وإنما أوجبنا في ماله والشارع نظر في الزكاة إلى الأموال لا إلى أصحابها، ومن أمعن نظرة في السنة وجد الأحاديث مشحونة بذلك كقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وقوله عليه الصلاة والسلام إن في المال حقًا سوى الزكاة1. وللمسألة مآخذ غير ما ذكرناه. فائدة: الصحيح عندي أن الأحكام سنة الواجب والمندوب والحرام والمكروه [والمباح] 2 وخلاف الأولى. وافترق خلاف الأولى مع المكروه اختلاف الخاصين، فالمكروه ما ورد فيه نهي مخصوص مثل: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"3. وخلاف الأولى ما لا نهي فيه مخصوص كترك سنة الظهر، فالنهي عنه ليس بمخصوص ورد فيه؛ بل من عموم أن الأمر بالشيء نهى عن ضده أو مستلزم للنهي عن ضده، وعند من يقول: ليسا نهيًا عن الضد ولا مستلزمًا، لعموم النهي عن ترك الطاعات. وقد فرق   1 أخرجه الترمذي 3/ 48- 49 كتاب الزكاة حديث "659- 660"، وقال هذا حديث إسناده ليس بذاك وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح وأخرجه البيهقي في السنن 4/ 84 وابن ماجه 1/ 570، كتاب الزكاة حديث "1789". 2 سقط في "ب". 3 متفق عليه من رواية أبي قتادة السملي. البخاري 1/ 537 الصلاة/ باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين "444" ومسلم 1/ 495 في صلاة المسافرين / باب استحباب تحية المسجد بركعتين "69/ 714"، وابن ماجة في السنن 1/ 323 واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 الأصحاب بين خلاف الأولى والمكروه [في مسائل] 1. منها: [صوم يوم عرفة للحجاج خلاف الأولى] 2 وقيل مكروه. ومنها: الخروج من صوم التطوع أو صلاته بعد التلبس "بغير عذر". مكروه، وقيل خلاف الأولى ومنها: نفض اليد في الوضوء مباح وقيل مكروه وقيل خلاف الأولى. ومنها: حجامة الصائم إن لم نقل تفطر خلاف الأولى، وقيل مكروه3. ومنها: تفصيل أعضاء العقيقة خلاف الأولى، وقيل: مكروه4. ومها: عمارة [الدور] 5 ونحوها خلاف الأولى، وربما قيل: تكره. ومنها: غسل المعتكف يده في المسجد [من] 6 غير طست قال في البحر: مكروه وقيل خلاف الأحسن. ومنها: يكره أن يقال لواحد غير الأنبياء: صلوات الله عليه، وقيل خلاف الأولى. ومنها: إذا كان موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين ولم يرد تعليمهم أفعال الصلاة فخلاف الأولى، وقيل مكروه. ومنها: لا ينظر غاسل الميت من بدن الميت إلا قدر الحاجة من غير العورة، أما العورة فحرام، وأما غيرها بلا حاجة فمكروه وقيل خلاف الأولى. ومنها: الأصح يستحب ترت التنشيف في الوضوء، وقيل التنشيف مستحب وقيل مباح، وقيل مكروه، وقيل مطلقًا وقيل في [زمن] 7 الصيف. ومنها: النثر الأصح خلاف الأولى، وقيل يكره، وقيل يستحب. ومها: الشرب قائمًا بلا عذر، قال الشيخ الإمام: مكروه، وقال النووي خلاف الأولى، وأتقضى كلام الرافعي أنه مباح. مسألة: "المعنى بصحة العقود ترتب آثارها عليها" ولا أقول: إن الصحة هي نفس   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" مكروهة. 4 في "ب" مكروهة. 5 في "ب" الندور. 6 في "ب" في. 7 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 ترتب الأثر كما قال غيري: لما قررته في منع الموانع وتكلمنا هناك على المبيع في زمن الخيار وبحثنا مع الشيخ الإمام بما لا نطيل بإعادته فرحمه الله وجزاه عنا خيرًا، فهو الذي فتح لنا باب مجادلته بفتح مغلق أذهاننا. ونتكلم هنا على فرع عجيب: لو أقر بحرية امرأة في يد الغير ثم قبل نكاحها ممن هم في يده، وهي تدعي رقها قال الرافعي: لم يحل له وطؤها ولصاحبها المطالبة بالمهر. قلت: فهذا عقد صحيح لم يترتب عليه أثره، وهو على من جعل الصحة ترتب الآثار [أشكل منه علي لأني أنا أجلعه علة ترتب الأثر] 1 وقد يختلف المعلول عن علته لمانع، وأما من يجعله نفس الترتيب فقد لزمه إن وافق على هذا الفرع -أن يكون هذا العقد صحيحًا غير صحيح، وهو محال غير أن في الفرع [نفسه] 2 إشكالًا، ومن ثم ذهب الشيخ الإمام رحمه الله إلى أهه لا يصح، قال: [لأنه] 3 الحل، وليس فيه افتداء، والمهر غير مقصود في النكاح؛ بخلاف الأجرة في الإجارة، وفصل النووي بين أن يقر بأن التي هي في يده أعتقها ولم يكن لها عصبة فيصح تزويجه؛ لأنه إما مالك وإما مولى حرة أو لا فلا يصح. وقال الشيخ الإمام ينبغي أن لا يصح أيضًا إلا أن يكون ممن يحل له نكاح الأمة لأن أولادها يسترقون كأمهم، وأقول قد يقال لا يصح وإن حل له نكاح الأمة لأنه لا يدري أيطؤها بعقد نكاح الحرائر أو الإماء تخريجًا من نظيره في الأمة إذا اشتراها زوجها هل تحتاج إلى استبراء؟ وقال الماوردي: في هذا الفرع: يحل له نكاح هذه الأمة وإن كان غير خائف العنت وواجد طول حرة. فرع آخر: لو اتفق الغاصب والمغصوب منه على أن المالك يأخذ عن قيمة الحيلولة جارية وعضوها الغاصب له، جاز، وهل يجوز وطؤها؟ قال ابن أبي الدم "تفقهًا من عند نفسه" إن قلنا: لا يملك القيمة لم يجز، وإلا؛ ففيه تردد هل يكون ملكًا تامًا مسلطًا على الوطء؟ وحكى الشيخ الإمام هذا التفقه في شرح المنهاج وسكت عليه، وهذا الفرع ليس كالذي قبله؛ لأنه4 من لازم الملك حل الوطء، بخلاف عقد النكاح، فإن مقصوده   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" لأنه ليس من .... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 الوطء، ثم ما ادعاه ابن أبي الدم من أنه لم يصادف هذا الفرع منقولًا لعله كلام من لم يقف على كلام الماوردي فيما إذا كان موضع المغصوب معلومًا أن المالك يملك القيمة ملكًا مستقرًا، وحكى في استقرار الملك إذا كان الموضع مجهولًا وجهين. وقضية استقرار الملك حل الوطء؛ غير أن في قول القاضي الحسين أن المالك يملك القيمة ملك فرض، لأنه ينتفع [به] 1 على حكم رد العين ما قد ينبي على أنه لا يجوز الوطء كما في الفرض. مسألة 2: اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وسائر الأسماء والمشتقة "كفعيل ونحوه" حقيقة في الحال. ونعنى بالحال حال تلبس الفاعل ونحوه واتصاله بالمعنى المشتق منه، فإذا قلت: زيد ضارب أو مضروب، فهو حقيقة في حال اتصاف زيد بالضاربية أو المضروبية سواء كان متصفًا به في وقت إطلاقك اللفظ أم لم يكن بل سواء كان يزيد موجودًا وقت إطلاقك أم لم يكن ألا ترى أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} 3 حقيقة في كل متصف بالزنا وإن كانت الآية قديمة موجودة من قبل أن يخلق الله الزناة، ونزولها سابق على الزناة المحكوم عليهم بحكمها. وهذا فصل معروف بالإشكال أطال الشيخ الإمام في تقديره وتحريره في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 4 وذكر ما شذ به أبو العباس القرافي وذهب إليه من أن المؤمن إنما هو بحسب إطلاق اللفظ وما أورده على نفسه من لزوم أن تكون الآية ونظائرها مجازًا فيمن اتصف بالصفة قبل نزولها، وما أجاب به، ولم نرفض كلامه رأسًا؛ فمن أراد من أهل الفهم والتحقيق أن يهذب نفسه ويروضها حتى تصغر عنده، فلينظر هذا الفصل من كلام ذلك الحبر ليرى النجم كيف يسير في سماء التحقيق، وحاصل اختباره ما ذكرته من أن الاعتبار بحال الاتصال، وأنه لا يعرض له الزمان البتة؛ وإنما يقع الزمان تبعًا، فلا يدل ضارب على غير شخص متصف بالمصدر   1 في "ب" بها. 2 من قوله: مسألة اسم الفاعل إلى قوله: وجزم به الماوردي في الحاوي. سقط من "ب". 3 النور "2". 4 الطور "17". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 المشتق منه؛ وذلك هو مدلول الأسماء كلها، فإذا لم يدل على الزمان الأعم لم يدل على الأخص بطريق الأولى. فإن قلت: فمن يفهم من قولنا: "زيد ضارب" أنه ضارب في الحال"؟، ولولا الدلالة على الزمان لما فهم هذا. قلت: ليس ذلك لدلالته على الزمن؛ ألا ترى أنك تقول: هذا حجر، ففهم منه الحال أيضًا مع كون الحجر لا يدل على الزمن، بل لما سنذكره. فإن قلت: اسم الفاعل يدل على الفعل، والفعل يدل على الزمان، والدال على الدال دال. قلت: يكفيك أولًا قول النحاة: إن اسم الفاعل يسلب الدلالة على الزمان، ونقول: المعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني، وهو ممنوع هنا، وبتقدير تسليمه لا يضر، لأن المعنى مطلق الزمان لا خصوص زمان معين من ماض أو حال أو استقبال، والفعل يدل على خصوص الزمان؛ فليس كالاسم. فإن قلت: أخبرتم أنه حقيقة في الحال، والحال [زمن ماض] 1. قلت: إنما مدلوله متصف بالفعل كما قدمناه حاضرًا كان أو ماضيًا أو مستقبلًا بالنسبة إلى زمن الخطاب وهذا المدلول مركب يفيد الاتصاف بالفعل؛ فمتى لم يكن لذلك الفعل وجود فلا يصح إطلاق اللفظ عليه لعدم مدلوله، ومتى اتصف بالفعل في زمان بقي ذلك الزمن المدلول حاصلًا، وإطلاق اسم الفاعل عليه حقيقة، لأنه استعمال اللفظ في مدلوله وإطلاقه قبل حصوله باعتبار توقع حصوله مجاز، لأنه في غير موضوعه، لأنه لما وضع المركب من جزأين موجودين أحدهما الفعل، وليس هنا ذكر إطلاقه بعد حصوله على المختار. وهذا التقسمي ليس بالنسبة إلى وقت الخطاب، بل إلى وقت المعنى المقتضي للاشتقاق؛ وإنما تطرقت للحقيقة والمجاز البتة من جهة الإطلاق على الموضوع وعلى غير الموضوع، فموضعه هو المركب وقت التركيب؛ فإن أريد كان حقيقة وإن لم نتكلم به في ذلك الوقت وإلا فمجاز فإن تكلم به في ذلك الوقت قال الشيخ الإمام: "والخلاف   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 راجع إلى أن حالة اقتران الفعل بالشخص هل هي شرط من المدلول؟ ولا صحيح اشتراطها بضرورة التركيب، فلذلك اعتبر الحال، وليس ذلك معتبرًا، لكون الزمان مأخوذًا في موضعه، ولكن لأن اللفظ موضوع للمركب، وحقيقة المركب عقلًا تستدعي وقت التركيب؛ فكان ذلك الزمان شرطًا لوجود المدلول المصحح للاستعمال الحقيقين فهذا معنى قولنا: إطلاق اسم الفاعل باعتار الحال حقيقة أي أنه مقصود به الحال التي وجد مدلوله فيها وهي حال قيام المعنى به إذا عرفت هذا فعلى الخلاف في أن اسم الفاعل حقيقة في الحال مجاز في الماضي أو مجاز فيهما مسائل منها: إذا قال القاضي المعزول امرأة القاضي طالق ففي وقوع الطلاق عليه وجهان في فروع الطلاق عن أبي العباس الورياني ومنها: لو قال أنا مقر بما يدعيه كان إقرارًا بخلاف أنا أقر لصاحبه أقر للاستقبال. ومنها: قال العبادي: "لو وقف على سكان هراة نغاب واحد سنة ولم يبع داره ولا استبدل بها لم يسقط حقه" وسكت عليه الرافعي والنووي. فإن قلت سكان جمع ساكنن وهو اسم فاعل وحقيقيته الحال، والغائب غير ساكن، بدليل قول الأصحاب: "لو حلف لا يسكنها فخرج في الحال لم يحنث ولو بغير نية التحول" قلت: بل هو عنده ساكن وإن غاب والمسكن يستند إليه؛ فيقال مسكن فلان، ولذلك قال: ولا باع ولا استبدل وحلف لا يسكن فخرج في الحال. ومنها: إذا حلف لا يدخل مسكن فلان فدخل ملكًا له لا يسكنه، فأوجه؛ ثالثها. إن كان سكن في المضاي ساعة حنيث، وإلا فلا. ومنها: في فتاوى القاضي الحسين أنا أبا عاصم العبادي سئل عن رجل له ثلاثة عبيد، ولا عبيد له وساهم -فقال: أحد عبيدي حر، ثم قال: أحد عبيدي حر ثم قال أحد عبيدي حر؛ فأفتى بعتق الكل، ولو قال أحد هؤلاء، لم يعتق إلا واحد. فرق بأن لفظ العبيد يختص بالمملوك، بخلاف "بهؤلاء". وأن القاضي الحسين قال في المسألتين: "لا يعتق إلا واحد، لأن قوله ثانيًا: "أحد عبيدي حر" يقتضي أن يكون له عبيد وليس له إلا عبدان. قلت: ونظر القاضي دقيق؛ غير أن العبادي لعله نظر إلى إطلاق فعيل، وهو لفظ "عبيد" بمعنى الماضي، فيكون استعماله مجازًا، لأن أقل الجمع ثلاثة، ولا بد أن تكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 صورة المسألة أن يتراخى الزمان بين الكلامين كل جملة للتأسيس، وعلى ذلك دل لفظ "ثم" فإن تعاقبت الجمل لفظصا وقد التأكيد تعين أن لا يعتق إلا واحد. ولو كان له أكثر من ثلاثة أعبد، فإن أطلق فيتخرج الكلام فيه فيما إذا قال: "ثلاث مرات": أنت طالق. مسألة: ظهر لك بما حققناه في المسألة قبلها أن الفاعل لا بد أن يكون بحيث يقوم به الفعل ثم إطلاقه حالة القيام حقيقة قبلها مجاز، وكذا بعدها على الصحيح، فلا بد في كل حال أن يكون بحيث يتصل بالفعل، ومن ثم "لا يشتق اسم الفاعل من شيء وافعل قائم بغيره". وخالفت المعتزلة في ذلك فراغمت اللسان وخالفت صريح القرآن، وأتت في مسألة الكلام بعظيمة في الأديان، والمسألة تذكر في أصول الدين وأصول الفقه، وعليها مسائل: منها: حلف لا يبيع أو لا يحلق رأسه فأمر غيره، فالأصح لا يحنث؛ إذ ليس ببائع ولا بحالق، وقيل: يحنث فيهما، وقيل في الحلاق فقط للعادة. تنبيه: إذ ثبت أن اسم الفاعل حقيقي في الحال وتعذر الحمل على الحقيقية؛ فقد يدور الأمر بين الماضي والمستقبل "فيكون الحمل على الماضي أرجح ما لم يتعين المستقبل بدليل، لأن استعماله بمعنى الماضي أقوى منه بمعنى المستقبل". فصل: وقد يدور بين ماضيين، فعلى أيهما يحمل؟ أعلى أقربهما زمانًا؟ أم على أبعدهما؟ أم يستويان، لأن كلا منهما ماض؟ لم أر لأحد "في هذا" كلامًا، والذي يترجح عندي الحمل على أقربهما إلى حال الحقيقية زمانًا. ويظهر أثر هذا في مسألة حسنة إذا قررتها لك نظرات هنا إلى أمثالها. فأقول: قال صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعة إذا وجد بعينه" هذا اللفظ رواية الشافعي1، والحديث عمل به في رجوع البائع إلى عين ماله عند إفلاس المشتري حيًا كان أو ميتًا، ومن بينة الحنفية عليه قولهم: "صاحب المتاع   1 متفق عليه البخاري 5/ 62 في الاستقراض / باب إذا وجد ماله عند مفلس "2405" ومسلم 3/ 1194 في المساقاة/ باب من أدرك ما باعه عند المشتري 24/ 1559. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 حقيقة في الحال" فليحمل على المفلس عنده عارية أو وديعة أو غصب، فصاحبه أحق به. قالوا: "وإلا فصاحب المتاع حقيقة هو المفلس، لأنه المالك الآن، فلا يرد إلى بائعه إلا بدليل". وهذه شبهة ضعيفة من وجوه. منها: في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إذا وجده" هذه قرينة أن مراده بصاحب المتاع البائع لا المشتري، وقد شهد لهذا لفظ صحيح مسلم في الرجل يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يعرفه أنه لصاحبه الذي باعه، ووردت ألفاظ أخرى صريحة في أن المراد بصاحب المتاع الذي كان صاحبه لا المفلس. وقد رد الشيخ أبو حامد في "التعليقة" عليهم في حملهم صاحب المتاع على المعير والمودع وصاحب العين المغصوبة بثلاثة أوجه. أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم جعل الإفلاس شرطًا في كونه أحق، قال: "والإفلاس فيما حمل الخبر عليه ليس شرطًا في الاستحقاق، لأن "في الأحوال كلها" المغصوب منه والمودع والمعير أحق بعين ماله أفلس من في يده أو لم يفلس. والثاني: أنه قال: "إذا وجده بعينه" وفيما ذكروه من الصور هو أحق به وجده بعينه أو متعيرًا بنقصان أو زيادة. والثالث: لفظ "أحق" أفعل تفضيل يقتضي الاشتراك في الأصل، وليس للمفلس فيما ذكروه في الصول حق بالجملة الكافية. ولسنا الآن للمسألة الخلافية، إنما غرضنا أنه إذا ثبت من أصولنا أن صاحب المتاع المعنى به هنا البائع، فلو أن المشتري باع العين ثم اشتراها ولم يوف واحدًا من البائعين ثمنه وأفلس فأي البائعين أحق؟ الأول لسبق حقه، أم الثاني لقربه، أم يشتركان نصفين؟ فيه وجوه لأصحابنا أرجحها عندي الثاني وهو ما ذكره الإمام في النهاية أنه القياس، وجزم به الماوردي في "الحاوي"] . مسألة: الفرض والواجب مترادفان خلافًا لأبي حنيفة "حيث" أنزل رتبة الواجب عن الفرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وهنا كلمتان: إحداهما: لولا دعوى أبي حنيفة التغاير لمالت نفسي إلى وجوب صلاة الكسوف، لأن الأحاديث آمرة بها؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم ذلك فصلوا" 1 وظاهر الأمر الوجوب، وعليه دل قول الشافعي رضي الله عنه في "الأم": ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا لمقيم ولا لأحد جاز له أن يصلي بحال. وفي مختصر المزني: "ولا يجوز تركها لمسافر ولا لمقيم" والعبارتان صريحتان في الوجوب، وإليه ذهب بعض الحنفية، وحكاه القاضي السروجي2 -منهم- عن صاحب الأسرار؛ غير أن تفرقتهم بين الوجوب والفرض منعت من موافقتهم، لأنا على قطع بأن الشافعي رضي الله عنه إن أراد حقيقة الوجوب فلا يعني به الوجوب الذي تعنيه الحنفية؛ إنما يعني به الفرض، ثم الفرض لا نعلم أحدًا قال به، فلم يمكن الإقدام عليه، واحتج إلى ركوب الشطط في تأويل عبارة الشافعي- فمن قائل: "أراد يكره تركها لتأكدها" واعتصم هذا القائل بقوله: ولا أحد جاز له أن يصلي بحال- قال لأن هذه العبارة يدخل فيها العبد والمرأة والمسافر، وهم لا تلزمهم الجمعة فكيف نوجب عليهم الكسوف؟ قلت: ولو ذهب ذاهب إلى وجوب الكسوف عليهم دون الجمعة مفرقًا بتكررها والحرج في وجوبها عليهم بخلاف الكسوف لم يكن مبعدًا، ومن ثم لا يتجه هذا التأويل. ومن قائل: قد أوضح الشافعي في "البويطي" مراده فقال في الكسوفين ما نصه: "لأنهما ليسا نافلتين ولكنهما واجبان وجوب سنة. انتهى. قال هذا القائل: فأراد تأكد الأمر بهما، وقوله "وجوب سنة" كقوله: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم".   1 البخاري 1/ 569 في الكسوف / باب الصدقة في الكسوف "1044" ومسلم 2/ 618 في الكسوف / باب الصلاة الكسوف "1/ 901". 2 أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي أبو العباس شمس الدين كان حنبليًا ثم تحول إلى المذهب الحنفي وأشخص من دمشق إلى مصر فولي الحكم الشرعي فيها ونعت بقاضي القضاة، وسروج نسبته إلى سروج بنواحي حران من بلاد الجزيرة، توفي في ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. الطبقات الكبرى 1/ 300، الدرر الكامنة 1/ 91. رفع الأصر 1/ 50، الأعلام 1/ 86. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 قلت: وهذا أبعد من الأول. وظاهر وجوب السنة أن الوجوب ثابت بالسنة، وفي قوله "ليسا نافلتين" ما [يؤيده] 1؛ إلا أن يقال: إن [أمر] 2 الله للوجوب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم للندب، وهو مذهب في الأصول ضعيف، فلا أعلم في كلام الشافعي أشكل من هذه العبارة، وفي كلامه في الأم غير موضع يشبه الكسوف بالمكتوبات وذلك مما يؤيد الوجوب، ويؤيد الوجوب أيضًا القاعدة التي قدمناها في أوائل هذا الكتاب أن ما كان ممنوعًا لو لم يشرع دلت مشروعيته على وجوبه. وركوعان في كرعة ممنوعان لو لم يشرعا فليدل ذلك على وجوبه، فلو ذهب إليه ذاهب بحيث أكون آمنًا من خرق الإجماع لقلت به ولكني لا أعرف قائلًا به غير ما حكيته عن الحنفية، وليس "فيهم"3 معتصم؛ لأنهم يفسرون الوجوب بغير ما نفسره، ثم لا يوافقون على تغيير هيئة صلاة الكسوف عن بقية الصلوات الثابتة. [تنبيه] 4: فرض العين لا يؤخذ عليه أجرة ومن ثم مسائل: منها: لو قال: صل الظهر لنفسك [ولك] 5 دينار فصلى أجزأته صلاته قاله الرافعي في كتاب الظهار وكلامه كالصريح في أنه لا يستحق الدينار، وهو الحق. ومنها: الأصح وجوب بذل فضل الماء للماشية، وأنه لا يجوز أخذ عوض عنه، وتردد الشيخ الإمام الوالد في الآدمي، وقال: "ينغبي أن يجب العوض، لأن المعنى في الماشية تتبع الكلأ، وهو مفقود فيه" قال: "وفيه نظر". ومنها: لا يجوز استئجار مسلم للجهاد، لأنه بحضور الصف يتعين، وعن الصيدلاني أنه يجوز ويعطي الأجرة من سهم المصالح. ومنها: على قول [الإجبار] 6 في وضع الجذوع لو صالح على مال لم يجز، قالوا: لأن من ثبت له حق لا يجوز أخذ عوض منه عليه. ومنها: من تعين عليه قبول الوديعة، كمن لم يكن هناك غيره وخاف إن لم يقبل   1 في "ب" يريده. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" فيه. 4 في "ب" قلت. 5 في "ب" ولك علي. 6 في "أ" الاحتمال، والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 هلاكها، قال صاحب المرشد: لا يجوز له أخذ أجرة الحفظ، لتعينه عليه، ويجوز أخذ أجرة مكانها". قلت: ويشهد له ما نقله الرافعي عن أبي الفرج أن الواجب أصل القبول دون إتلاف منفعة نفسه، وجوزه في الحفظ [من] 1 غير عوض؛ غير أن صاحب المرشد يصرح بأن نفس الحفظ لا تؤخذ عليه أجرة وأبو الفرج يقول: تؤخذ، وإلهي يميل بحث الرافعي. وخرج ابن الرفعة في المسألة في أن من تعين عليه تعليم امرأة الفاتحة هل يجوز أن يجعل [ذلك] 2 صداقها؟ ومن أنقذ غريقًا مع اتساع الزمان لطلب الأجرة، هل يستحقها؟ ونظائرهما. قلت: أما أصل القبول فليس عملًا يقابل حتى يقال: هل تؤخذ عليه أجرة؟ وإنما العمل الحفظ. والأشبه جواز الأخذ فيه، وإن تغير كما مال إليه الرافعي. تنبيه: يستثنى من هذه القاعدة مسائل منها: الأصح جواز أخذ العوض عن تعليم الفاتحة وإن تعين. ومنها: الأصح جاز أخذ عوض الطعام الذي يأكله المضطر. ومنها: قال القاضي الحسين: إذا دعت الضرورة إلى إعارة الدلو والرشاء وجب بالعوض. [قاعدة] 4: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". ومن [ثم] 5 مسائل: منها: إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن غسله كله، ولو خفي عليه   1 في "ب" في. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 موضع النجاسة من الدار فوجهان "في الروضة"1 أصحهما أنه كذلك يغسلها كلها، والثاني: أنه يتحرى ويصلي فيما يظن طهارته ولا يلزمه غسلها كما لو تيقن أن موضعًا من الصحراء نجس؛ فإنه يصلي إلى [أي] 2 موضع شاء. ومنها: إذا نسي صلاة من الخمس لزمه أن يصليها. ومنها: إذا اختلطت زوجته بأجنبيات محظورات وجب الكف عن الجميع. ومنها: إذا اكترى3 دابة للركوب فقال الأكثر: على المكري4 الإكاف والبردعة والحزام وما ناسب ذلك؛ لأنه لا يتمكن من الركوب دونها. ومنها: مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة إحضار المبيع الغائب، ومؤنة وزن الثمن على المشتري، وفي أجرة نقد الثمن وجهان. ومنها: إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل أن يختار وجب على جميعهن العدة، وتعتد الحامل منهن بالوضع والصغيرة والآيسة أربعة أشهر وعشرات، وذات الأقراء بأقصى الأجلين. مسألة: فرض الكفاية مهم من مهمات الوجود سواء كانت دينية أو دنيوية قصد الشارع وقوعه ولم يقصد بالذات عين من يتولاه. ولكن بالفرض إذ لا بد للفعل من فاعل. وهذا المهم منه ما لا يمكن تكرره لحصول تمام المقصود منه بالفعل الأول كإنقاذ الغريق فلا يمكن إنقاذ من أنقذ، ومنه ما يمكن تكرره ويتجدد بتكرره مصلحة كصلاة الجنازة والاشتغال بالعلم، وهو ضربان. أحدهما: مجدد منضبط لا ينفصل بعضه عن بعض ولا يحصل الغرض منه إلا بجملته، فتكرر هذا معناه الإتيان بالشيء مرة بعد أخرى وذلك كصلاة الجنازة، فإن بعضها لا ينفصل عن بعض، ولو انفصل بطل ولم تكن صلاة. والثاني: منتشر لا يمكن انفصال بعضه عن بعض ويحصل بكل بعض منه مقصود من مقاصد الشرع.   1 في "ب" في الروضة وغيرها. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" أكرى. 4 في "ب" والإكاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 فما لا يمكن تكرره لا نتكلم على الثاني منه إذ لا ثاني له، وما يمكن تكرره وهو منضبط فمريد فعله ثانيًا إن كان غير الذي فعله أولًا1 يمنع؛ بل يستحب له ذلك، ثم نصف فعله بالفرضية وهذا كمن قصد الصلاة على الجنازة بعدما صلى عليه غيره، فإن الفرض منها وإن كان هو ففيه تردد وخلاف شهير والأصح عندنا أن من صلى لا يعيد وسنذكر سره. وأما القسم الثالث: فيطلب من كل واحد، وقد يقول المحقق: إنه لا تكرر فيه البتة؛ لأن الذي يحصله [هذا] 2 غير الذي يحصله هذا، والذي يحصله أولًا غير الذي مهمات. أحدهما: تعين هذا الفرض على من شرع فيه، وذلك في القسم الأول ظاهر، وأما القسمان الآخران: فمنهم من أطلق القول بتعينه، ومنهم من أطلق القول بعدم تعينه، والصحيح أنه لا يلزم بالشروع إلا الجهاد وصلاة الجنازة، وإذا تأملت الأقسام التي ذكرتها عرفت الفرق. وادعى ابن الرفعة في باب الوديعة من المطلب أن المشهور أنه يلزم بالشروع، واستدرك بذلك على الرافعي قوله: متى أراد المودع أن يمتنع من القبول؛ لأنه متبرع بالحفظ فقال: هذا إذا لم يكن في وقت يخاف عليها الهلاك فيه فإن كان فيظهر أن لا يجاب إلى ذلك إن كان يجب عليه القبول في تلك الحالة ابتداء، لانفراده بالصيانة قال: بل ينبغي أن يكون كذلك وإن كان لو أخذها غيره لحفظت عن الهلاك، لأن الأخذ في هذه الحالة فرض كفاية، وهو قد أخذها فكان كما لو شرع في فرض الكفاية لا يجوز له الخروج منه على المشهور. انتهى. وأقول: هذا صحيح إذا تعين عليه أخذها، أما إذا كان هناك غيره فهو فرض كفاية، لا يلزم بالشروع نعم قد يقال بجريان الخلاف فيه. ومن مسائل الفصل قطع المأموم القدوة. أطلقوا فيه أقوالًا ثلاثة أصحها أن له ذلك بعذر وبغير عذر كذا أطلق الأكثرون الخلاف منهم الرافعي وهو على طريقهم واضح، لأن الجماعة سنة، ولذلك علل الرافعي الجواز بأن الجماعة سنة، والتطوعات لا تلزم   1 في "ب" لا يمنع. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 بالشروع، وتابعهم النووي في إطلاق الخلاف؛ فهو يرى أنها فرض كفاية فكان من حقه أن يخرج فيها الخلاف في لزوم فرض الكفاية بالشروع، ومن أجل ذلك قال الوالد رحمه الله: "إن قلنا فرض كفاية فقد يقال: إنها تلزم بالشروع" قلت: لا بد أن يطرقها الخلاف في لزوم هذا الفرض بالشروع ولعل الأرجح هنا اللزوم لفحش المفارقة، وقد يعتذر عن النووي بأنه لعله رأي عدم لزومه بالشروع فأطلق على الأصح. الثاني: إذا طلب فرض الكفاية من واحد فهل يتعين عليه؟ فيه خلاف لا على الإطلاق بل في صور. منها: إذا طلب أداء الشهادة من بعض المتحملين وفي القوم أكثر من اثنين. ومنها: إذا دعي للقضاء من هناك غيره. ومنها: إذا طلبت المرأة من أحد الإخوة تزويجها. ومنها: إذا طلبت الفتيا ممن هناك غيره. سؤال: القادر على حفظ الوديعة الواثق بأمانة نفسه. قال الأصحاب: يستحب له قبولها "وقد قدمنا عن ابن الرفعة أن قبولها والحالة هذه من فروض الكفايات فقد يقال: هلا جرى في تعيينه الخلاف في الصوف التي عددناها؟ والجواب: أنا لا نعرف عد هذا فرض كفاية لغير ابن الرفعة، والفرق بينه وبين ما عددناه من الصور ظاهر، أما طلب الأداء من بعض المتحملين فإنما يتعين لأنه بالتحمل ربط نفسه وعلق بها حقًا للغير؛ وإنما نظير مسألتنا أصل التحمل ولا يجب على من طلب منه التحمل وهناك غيره أن يتحمل. فإن قلت: حكى الأصحاب وجهين فيما إذا كان هناك غير المفتي هل يأثم بالرد؟ قلت: أصحهما عدم الإثم، والفرق بينه وبين الواقعة فيها شهود ما ذكرناه من توريطه نفسه [بالتحمل1. فإن قلت فهلا جرى الوجهان وإن كان أصحهما عدم الإثم فيمن طلب منه التحمل وهناك غيره وإن جوزتم جريانهما فالمسألة نظير الوديعة وإن أبيتم فهل من فارق.   1 سقط في "أ" من قوله: بالتحمل ... إلى قوله: في تعيين الفتيا على من. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 قلت: وذكرت في باب الاجتهاد من شرح المختصر أن في الفرق عمومًا وأنا أبين الفرق الآن. فأقول: إنما لم يجز لأن أمر الفتيا أهم في نظر الشارع من تحمل الشهادة، لتعلق الفتيا بأمر الدين وبعموم الخلق، وأما الشهادة فغالب متعلقها أمور الدنيا، وهي خاصة بالآحاد، وشأن فرض الكفاية أن يكون مهمًا من مهمات الشارع؛ وذلك في الفتيا، لأن في عدم التعيين جر إلى التواكل المفضي إلى ضياع الدين وجهل المكلفين بأحكام رب العالمين، ولا كذلك أداء الشهادة، فإن غايته ضياع حق دنيوي لبعض الآحاد، فأنى يستويان. ونظير الشهادة قبول الوديعة؛ فليس يؤول عدم قبولها لأكثر من ضياعها، وليس ضياع مال حقير أو جليل لواحد من الآحاد في نظر الشارع بمنزلة ضياع الدين. فإن قلت: هذا يجر إلى أن تحمل الشهادة ليس فرض كفاية، ولا قائل به. قلت: الفروض على الكفاية أصل التحمل، وهذا لا يقدح فيه، ثم فروض الكفاية متفاوتة المراتب فلا يلزم من تعين أعلاها بالطلب تعين أدناها. ونظير الفتيا إذا دعي للقضاء من هناك غيره فإن ولايات القضاء ضرورية في نظر الشارع، ومن حيث إنها أهم من الفتيا بل هي فتيا وزيادة كان الخلاف في تعينه على من طلب منه أقوى من الخلاف في تعين الفتيا على من] طلبت منه فيما يظهر وإن اشتركا في أن الصحيح فيها عدم التعيين ويدل على أن أقوى أن الأصح إجبار واحد على القضاء إذا أبى الصالحون جميعًا. وأما أحد الأولياء يطلب منه تزويج المرأة [فواضح] 1. مسألة: السنة والنافلة والتطوع والمستحب والمندوب والمرغب فيه والمرشد إليه والحسن والأدب ألفاظ مترادفة عند فقهائنا. ومنهم من قال: السنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمستحب ما فعله أحيانًا، والتطوع ما ينشئه الإنسان ابتداء مما فعله أرجح من تركه مثل [الشروع] 2 في ألفاظ المعاملات، وهنا أقاويل مختلفة والحاصل: أن ما رجح جانب فعله على جانب تركه ترجحًا   1 سقط في "ب". 2 في "ب" التبرع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ليس معه المنع من النقيض فهذه الأسامي تطلق عليه، ثم إن بعض الترجحات أكد من بعض فخص الآكد ببعض الألفاظ. وما دونه بلفظ آخر اصطلاحًا وأنزل الدرجات الأدب فإنه ما ترجح ترجحًا يسيرًا ومصلحته دنيوية وأعلاها السنة. وقد صرح الشافعي رضي الله عنه بالتفرقة بين الأدب والسنة؛ حيث قال: فيما رواه الربيع: "في الأكل أربعة أشياء فرض [وأربعة سنة] 1 وأربعة أدب. فالفرض: غسل اليدين والقصعة والسكين والمغرفة. والسنة: الجلوس على الرجل اليسرى، وتصغير اللقم، والمضغ الشديد، ولعق الأصابع. والأدب: أن لا تمد يدك حتى لا يمد من هو أكبر منك، وتأكل مما يليك، وتقل النظر في وجوه الناس، وتقل الكلام. وقد يختلف [الأصحاب] 2 في الشيء أسنة أم أدب؛ وذلك في مسائل. منها: [مسح الرقبة في الوضوء، وفي الشيء أسنة هو أم مستحب وذلك في مسائل] 3 منها: غسل العينين في الوضوء سنةن وقبل مستحب والأصح لا يفعل. مسألة: الأمر بواحد من أمور معينة كأهل الشورى الذين جعل عمر الفاروق رضي الله عنه الأمر فيهم مستقيم، ومتعلق الوجوب لا تخيير فيه، ومتعلق التخيير لا وجوب فيه. هذا هو التحقيق، ومثل له، أيضًا بخصال الكفارة، وادعى المعتزلة وجوب الجميع، وخرج الماوردي على الخلاف من مات وعليه كفارة مخيرة لم يوص بإخراجها فعدل الوارث إلى أعلى الخصال وهو العتق فأعتق فهل يجزئ؟ وزعم أنه لا يجزئ إلا على قول تعلق الوجوب بالجميع، أما إن علق بالبعض قال فلا يجزئ؛ لأنه لم يتعين في الوجوب، وهذا فيه نظر، لأنا نقول مثله [عند] 4 فعلى أدناها إذا لم يتعين أيضًا، فإن كان وجه عدم الأجزاء عدم التعيين لم يختص بالعتق، وإن كان العدول إلى الأعلى مع   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 من قوله: مسح الرقبة. إلى وذلك في مسائل. سقط في "ب". 4 في "ب" قد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 إمكان براءة الذمة بالأدنى فهذا مأخذ سوى ما نحن فيه ثم [إنه] 1 لا يتجه إذا كان المخرج هو الوارث. وسلك الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في رجوع المعير للبناء على القول بأنه يخير بين الخصال الثلاث مسلك وجوب واحد لا بعينه [فقال] 2 في باب الصلح: الثابت للمعير حق الرجوع في العارية على وجه لا يضر، وهو حاصل في كل خصلة منها؛ فلا تتعين واحدة، كالقول في خصال الكفارة، وهل يقال: كل منها واجب أن الواجب أحدهما، فيه ما في خصال الكفارة. قلت وإذا تم هذا فقد يقال: إن قلنا: الواجب كل واحدة أجبر المستعير على ما يعينه المعير من الخصال؛ فإن عين البيع أجر على البيع أو التبقية بأجرة فكذلك عند من يقول بهما. وإن قلنا: الواجب أحدها لم يجبر المستعير، وله أن يقول للمعير: أنت متمكن من القلع بالأرض فلا ترهقني بيعًا ولا إجارة وهي قضية كلام البغوي وغيره ممن ذكر أن كلا من البيع والإجارة يستدعي إسعاف المستعير به، وإذا تم هذا نتجت لنا فائدة الخلاف الأصولي؛ فإن الواجب أحدها أو كلها. مسألة: يجوز أن يحرم واحد مبهم من أشياء معينة خلافًا للمعتزلة وهي كالواجب المخير خلافًا وحجاجًا؛ غير أن الأمر المخير يتعلق بمفهوم أحدها، والخصوصيات بمتعلق التخيير ولا يلزم من إيجاب القدر المشترك إيجاب الخصوصيات، والنهي المشترك يلزم منه تحريم الخصوصيات، إذ بحل واحد يلزم وقوع المحذور. وهذا شيء ذكره القرافي، وقد حكيته عنه في شرح المختصر، وقد أخذه من قولهم: إن النهي عن نوع يستلزم النهي عن كل أفراده؛ إذ في كل فرد المنهي، مثل: لا تزن فلا شيء من الزنا بحلال، [وإلا] 3 لصدق أنه زنا، والأمر على هذا الوجه. غير أن قومًا يتلقفون ذلك من كون أن النكرة في سياق النفي للعموم وآخرون يتلقفون من أن النهي عن الكلي يستلزم تتبع أفراده، وهي مسألة الخلا ف بيننا وبين الحنفية هل عموم النكرة في سياق النفي لذاتها أو لنفي المشترك بينهما.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" قال. 3 في "ب" ولا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وهذا بخلاف الأمر مثل: صل فإنه صادق بصورة؛ فمن ثم افترقا ومنه ذكر القرافي [في] 1 هذا الكلام. وأقول: هذا كلام واضح إذا كان المنهي مبهمًا من أمور معينة لا واجب فيها، فإذا كان أمران [حرم] 2 أحدهما مبهمًا وأوجب الآخر مبهمًا ويفرض ذلك في مضطر وجد سمكًا ولبنًا فقال له قائل: كل السمك أو أشرب اللبن فقد منعتك عن أحدهما مبهمًا وأمرتك بالآخر مبهمًا فإن أنت جمعت بينهما تركًا أو فعلًا كنت آثمًا. فها [هنا] 3 كيف يقال: النهي عن أحدهما نهي عن كل منهما فالصواب أن ما ذكره القرافي إنما هو في نحو: لا تزن، وما أشبه من نهي على قدر مشترك بين [الأشياء] 4 لا تعلق للخصوصيات به ذاتًا، وكلامنا في المبهم الذي يقصد شخصه من حيث إنه مبهم. وتحرير هذا أن مورد النهي قد يكون واحدًا معينًا وهو وضاح أو مبهمًا أي مقصود الشخص يفيد الإبهام [وهو] 5 الذي نتكلم عليه أو واحدًا من آحاد قصد إلى القدر المشترك بينهما من غير غرض في خصوص الفرد المسمى مبهمًا؛ وذلك هو الذي ذكره القرافي، ولا ريب في عمومه، والفرق بينه وبين المبهم أن تحريمه يوجب تحريم كل فرد لا محالة وأما المبهم فلا يوجب تحريمه تحريم كل فرد بل قد يكون معه إيجاب فرد آخر وقد رأيت له في الفقه مثالًا: وهو جماعة لهم ثوب يصلون فيه ولا يكفي الثوب غير واجد والباقون عراة وإن صلوا فيه واحدًا بعد واحد خرج الوقت، فالمذهب أنهم يصلون كذلك. والمسألة من صور مسألة النصوص في البئر ونحوه المذكورة في باب التيمم. وذهب ابن خيران فيما حكاه وصاحب الاستذكار في باب صفة الصلاة إلى أنه إن خشوا فوات الوقت صلوا كلهم عراة قال وكذلك في الوضوء إذا لم يصل جميعهم إلى الماء إلا واحدًا بعد واحد" انتهى. و [هذا] 6 نقل غريب لم أجده في غير الاستذكار والذي يظهر أنه إذ كان اثنان وليس هناك إلا ثوب7 وقد خشي خروج الوقت يصلي أحدهما فيه قطعًا ويصلي الآخر   1 سقط في "ب". 2 في "ب" حر. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" أشياء. 5 في "ب" وهي. 6 في "ب" وهو. 7 في "ب" إلا ثوب واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 عاريًا ثم ذلك الذي يصلي فيه إما بقرعة أو بغيرها. ويمكن أن يقال يشق بينهما كما هو احتمال للإمام فيما إذا لم يجد إلا كافيًا لعورة أحدهما؛ فإن الإمام قال: يحتمل أن يشق بينهما. وأن أراد الإنصاف أقرع. وأما قول ابن خيران فإنه في مبدئه آيل إلى صلاة العاري مع القدرة على السترة وفي منتهاه ظاهر المأخذ من جهة أن ترجيح أحدهما على الآخر لا وجه له وقد لا يسع الوقت القرعة. ومحل غرضنا من هذا كله أن الصلاة بالسترة على [أحدهما] 1 واجبة وعلى أحدهما حرام حينئذ إذ يجب عليه تمكين صاحبه من السترة الواجبة عليه. فروع يتعلق التحريم فيما بمبهم: أحدهما: كلام أربعين من الحضارين لسماع الخطبة على طريقة الغزالي وهي اختيار الشيخ الإمام. الثاني: وطء واحدة من الأختين المملوكتين على احتمال للشيخ الإمام أن التحريم مبهم، والأرجح أن الحرام الجمع. الثالث: إذا عتق إحدى أمتيه وقلنا: الوطء تعين توضيح [ما] 2 يوضح لك الفرق بين أحدها من حيث هو أحدها، وأحدها من حيث [هو] 3 مبهم، وإن شئت قلت: بين المبهم والمطلق قول الأصحاب في باب العتق إذا قال: إذا جاء الغد فأحدكما حر فجاء [الغد] 4 [عتق أحدهما] 5 وعليه التعيين؛ فلو باع أحدهما أو مات قبل مجيء الغد والآخر في ملكه لم يتعين للعتق؛ لأنه لا يملك حينئذ إعتاقهما فلا يملك إعتاق أحدهما. وتحرير هذا أن السبب انعقد لمبهم وقد زال الإبهام بزوال أحدهما ولم يصر بين مملوكين بل صار كأنه بين مملوك وأجنبي، فهو لو قال لمملوكه وأجنبي: أحد كما حر لم يعتق عبده.   1 سقط في "ب". 2 في "ب"مما. 3 في "ب" أنه. 4 في "ب" العتق". 5 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 مسألة: الرخصة حكم شرعي اقتطع لعذر تسهيلًا عن أصل قائم السبب: أن المقتضى بخلاف حكمها موجود ولكن لم يعمل عمله فكأنها مانع خاص. وإذا تأملت هذا التعريف عرفت أنه لا يمتنع كون الواجب رخصة، وفي كلام الإمام في النهاية وغيره تردد في أن الواجبات هل يوصف شيء منها بالرخصة. وأنا أقول: الرخصة ما ذكرناه؛ فإن كان هناك وجوب فالقدر الزائد على الحل ليس هو مسمى الرخصة ولكنه شيء جائز مجامعته لها، وقد ذكرت هذا في شرح المختصر، جامعًا به بين كلام الفقهاء والأصوليين رادًا به على من يعتقد أن شيئًا من الرخص لا يكون واجبًا بل اعتقد بعضهم أن الرخصة لا تكون سنة، ومن ثم قال أبو الطيب بن سلمة: الصلح مندوب إليه وليس رخصة" وخالفه ابن أبي هريرة. وأنا أقول في السنة ما أقول في الواجب من أنها قدر زائد على الرخصة تجوز تجوز مجامعته له، وقد صرح الأصحاب ومنهم الرافعي في آخر باب صلاة المسافر أن جميع الرخص يستحب ارتكابها ويكره تركها لمن وجد من نفسه كراهتها حتى تزول الكراهة. تنبيه: علمت ما ذكرناه في الرخصة وتبين لك به أن الوجوب أو الاستحباب قد يجامعها ولا يكون داخلًا في مسماها، ولو قيل: الرخصة هي ما لا تغير شيئًا من ثواب الأصل؛ إن كان ذا ثواب لكان حسنًا، فإذا قلنا: الإبراد رخصة فمعناه أن فضيلة التقديم تحصل به وإن أخر الصلاة عن أول الوقت ثم إذا حصلت [منه] 1 كان سنة ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل الصلاة في أول الوقت بل غايته المساواة وعلى هذا دلت عبارة الرافعي، ومن تبعه فإن حاصلها أن الإبراد وأن فيه [وجها] 2 أنه رخصة فلو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت كان أفضل. وصرح القاضي الحسين بحكاية وجهين في أنه هل الأفضل الإبراد أو التعجيل؟ بعد حكايته الاتفاق على أن الإبراد سنة. قلت: والحاصل أن التعجيل سنة والإبراد رخصة لا تنقض ثواب السنة. هذا غاية ما يؤخذ من كونه رخصة وهل انضم إليها أنه أفضل من الإبراد فيكون مع كونه رخصة مطلوبًا لنفسه أو لا؟   1 في "ب" به. 2 في "ب" وجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 فيه تردد فإن قلنا: لا فهل الأفضل فعله أو تحمل المشقة أو التعجيل؟ فيه تردد. مسألة: يصح التكليف مع علم الآمر وكذا المأمور في الأظهر انتفاء شرط وقوعه عند وقته؛ خلافًا للإمام والمعتزلة. مسألة: قال علماؤنا: الباطل والفاسد مترادفان وهما نقيضا الصحة، وفرقت الحنفية بينهما بما عرف في الأصول وفرق أصحابنا بين الباطل والفاسد فرقًا ليس على أصول الحنفية ومع ذلك قد حرر الشيخ الإمام رحمه الله في باب القراض من شرح المنهاج أنه لا فرق أصلًات وحكيت كلامه في شرح المختصر، وحظ هذا الكتاب أن يعد تلك المسائل التي تخيل فيها الفرق. فمنها: الخلع والكتابة [الباطل] 1 فيهما ما كان على غير عوض مقصود كالميتة، أو رجع إلى خلل كالصغير والسفيه والفاسد خلافه. وحكم الباطل أن لا يترتب عليه شيء والفساد يترتب عليه العتق والطلاق، ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة. ومنها: الحج يبطل بالردة ويفسد بالجماع. ومنها: إعارة النقود إن أبطلناها فقيل مضمونة لأنها إعارة فاسدة وقيل غير مضمونة لأنها غير قابلة للإعارة، ولك أن تقول: لأنها باطلة. ومنها: الإجارة الفاسدة فيها أجرة المثل. ولو استأجر [صبي] 2 بالغًا فهل لم يستحق شيئًا؛ لأنه الذي فوت على نفسه، فالإجارة باطلة. ومنها: لو قال: بعتك ولم يذكر ثمنًا وسلم وتلفت العين في يد المشتري هل عليه قيمتها؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم لأنه بيع فاسد، والثاني: لا؛ لأنه ليس بيعًا أصلًا. ومنها: لو قاال للمديون: اعزل قدر حقي فعزله ثم قارضه عليه فإذا تصرفه المأمور؛ ولكنه اشترى في الذمة و [نفذ] 3 ذلك القدر، فيه [وجهان] 4 أحدهما: الشراء للقراض والقراض فاسد، وله الأجرة والربح لبيت المال.   1 في "ب" الباطلة. 2 في "ب" صبيًا. 3 في "ب" بعد. 4 في "ب" فوجهان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 والثاني: لا يكون [قراضًا] 1 فاسدًا ولا صحيحًا بل هو باطل ورجحه الشيخ الإمام رحمه الله وهو قول ابن سريج. ومنها: إذا فسد القراض بالنسبة إلى العوض بقي أصل الإذن ونفذ تصرف العامل؛ كذا أطلقه الرافعي والنووي والأكثرون. وقيده الشيخ الإمام بما إذا كان الفساد الأمر خارج مع وجود حقيقة القراض محكومًا عليها بالفساد أما إذا انعدمت حقيقة القراض بالكلية كالقراض على المغصوب -قال: فيتجه عندنا أنه يبطل كله ولا يصح التصرف. ومنها: إذا قالت المرأة: وقع العقد بلا ولي ولا شهود، وقال الزوج: بل بهما -قال القاضي مجلى: فالقول قولها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد وصوبه الشيخ الإمام بعدما جوز تحريجه على الاختلاف في الصحة والفساد، ووجه تصويبه بأن إنكارها للولي إنكار للعقد بالكلية. قلت: فأشبه طريقة في مسألة الفراض، وتقدم ذكر الفرع في قواعد البيع. ومنها: إذا دفع إليه ثوبًا وقال: بع بكذا وما زدت فهو لك فهو جائز على سبيل المراضاة، لا على سبل المعاقدة. نقله الشيخ الإمام في كتاب الإجارة عن البيهقي: ثم قال الشيخ الإمام: فهل نقول إذا باع بأزيد وامتنع المالك من دفع الثوب [فهل] 2 يجب له أجرة المثل أو لا يجب شيء؛ لأنه ليس بعقد فاسد ولا صحيح فيه نظر قال: والأقرب الثاني. ومنها: قال الشيخ الإمام رحمه الله في جواب فتيا وردت عليه [من] 3 مدينة صفد: لو كان على المسلمين ضرر في الأمان كان الأمان باطلًا ولا يثبت به حق التبليغ إلى المأمن؛ بل يجوز الاغتيال في هذه الحالة وإن حصل التأمين لأنه تأمين باطل بخلاف التأمين الفاسد حيث يثبت له حكم التأمين الصحيح كأمان الصبي والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه. انتهى. ونقلته من خطه، وقد جرى في [هذه المسألة] 4 كلها على مأخذ واحد، وهو أن   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" في. 4 هذه سقط من "ب" وفي ب المسائل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 ما جرى هل هو عقد فاسد أو غير عقد البتة؟ -وهو ما قد يعبر عنه بالباطل. ومنها: إذا عقد الإمام الجزية على وجه الفساد أخذنا في كل سنة دينارًا ولم نسامح بالتقرير مجانًا. ولو عقد الجزية بعض الآحاد وأقام بها سنة؛ ففي أخذ الجزوية وجهان: أحدهما: تؤخذ لعقد الإمام إذا فسد. والثاني: [لا] 1 لأن قبوله لا يؤثر إذا لم يكن هو من أهل الإيجاب. قلت: وقد يعبر عن الوجهين بأن الأول فسادها والثاني بطلانها. مسألة: اختلف في وجوب القضاء هل هو بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ وأنا أميل إلى هذا الثاني وعليه فروع. منها: قضاء الفوائت قيل: لا يجب على الفور لأن القضاء بأمر جديد ولا دليل على الفور، وقيل يجب لأنه بالأمر الأول، والصحيح الفرق بين المتروكة بعذر فلا تجب على الفور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناموا [عن] 2 صلاة الصبح واستيقظوا بعد طلوع الشمس لم يصلها حتى خرج من الوادي، ومن اعتذر بأنه كان في ذلك الوادي شيطان فقد أجابه الشافعي رضي الله عنه بأن ذلك لا يمنع الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو يدعت الشيطان. والمتروكة بلا عذر تجب3 على الفور أما عند القائل بأن القضاء بالأمر الأول فواضح وأما عند القائل بأمر جديد فقد أشكل على كثير من الناس وقالوا التعدي وقع في الأداء لا في القضاء. وجوابه أن مطلق الصلاة مأمور بها وخصوص الوقت ليس بشرط بدليل الأمر بالقضاء ولا ينافي هذا قولنا: أنه بأمر جديد لأنا نعني به [أنا] 4 نتبين قصد الشارع إلى العبادة، وإن فات الوقت، فإذا ضاق الوقت صارت على الفور، فيستصحب هذا الحكم في القضاء. ومنها: إذا تعذر على الغاصب المثل إلا بالأكثر من ثمن المثل فهل يعدل إلى القيمة أو يتعين تحصيله بالغًا ما بلغ؟ فيه وجهان:   1 سقط في "ب". 2 في "ب" بعد. 3 في "ب" على الفور. 4 في "ب" أنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 أحدهما: أن يكلف تحصيله قياسيًا على العين؛ فإنه يجب ردها ولو غرم بسبب الرد أضعاف ثمنها وأنفاس الشيخ الإمام رحمه الله تدل على ترجيح هذا الوجه. والثاني: وبه جزم صاحب التنبيه يعدل إلى القيمة وصححه النووي، قال الشيخ الإمام: وفي تصحيحه نظر. وهذا الوجه يرد القياس بالفرق بأن التعدي في العين لا في المثل فلا يلزم أن يثبت له حكمها. قال الشيخ الإمام: ولك أن تقول: قد أوجبنا الفور في قضاء تارك الصلاة بغير عذر بمثل الطريقة التي تمسك بها القائل الأول والتعدي في الأداء لا في القضاء. مسألة: الكافر مكلف بالفروع وسيأتي من نصوص الشافعي رضي الله عنه ما يثلج به الصدر، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: غير مكلف بها [ودق حررنا موضع النزاع في أصول الفقه] 1. وعلى الأصل فروع: منها: أن قبض ثمن الخمر لا يصح ومن ثم ليس لنا أن نقبض منه ما علمنا أنه من ثمن خمر عن دين لنا أو جزية عليه. وقد ذكرنا المسألة في قواعد النكاح ووجدنا للشافعي رضي الله عنه فيها نصًا؛ فقال رضي الله عنه في باب الضحايا قبيل باب ذبائح بني إسرائيل [في] 2 كتاب الأم: إذا كان على نصراني حق من أي وجه كان ثم قضى له من ثمن خمر أو خنزير يعلمه لم يحر له أن يأخذه وكذلك لو وهبه لك أو أطعمك إياه ثم قال: فإن قال قائل: فلم لا تقول في الخمر والخنزير إنهما حلال لأهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به قيل: قد أعلمنا الله تعالى أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله. قال الشافعي رضي الله عنه: كيف يجوز لأحد عقل عن الله عز وجل أن يزعم أنه حلال لهم وقد أخبر الله أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله؛ فإن قال قائل: أنت تقرهم عليه، قلت: نعم، وعلى الشرك بالله - انتهى. وإنما حكيته لما فيه من النص على تكليف الكافر بالفروع، وكذلك قال في باب ذبائح بني إسرائيل: لم يزل ما حرم الله على بني إسرائيل اليهود خاصة وغيرهم عامة -محرمًا من حين حرمه حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففرض الإيمان به وأتباعه وطاعة أمره،   1 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 2 في "ب" من. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وأعلم خلقه أن طاعته [طاعته] 1، وأن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين وجعل من أدركه وعلم دينه؛ فلم يتبعه كافرًا إلى أن قال: فلم يبق [خلق] 2 يعقل منذ بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثنى ولا حي ذو روح من جن ولا إنس بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت [عليه] 3 حجة الله بأتباع دينه وكان مؤمنًا بأتباعه وكافرًا بترك أتباعه ولزم كل منهم آمن به أو كفر تحريم ما حرم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم "انتهى". وقد حكى كثيرًا منه الشيخ الإمام الوالد في [كتاب] 4 كشف الغمة وقال: [يحسن] 5 بناء الخلاف في أنا هل نقبض منه ما علمنا أنه ثمن خمر على أنه هل هو [مكلف] 6 بالفروع؟ قلت: وفي هذا النص دلالة على أن من غصب خمرًا من ذمي لم يجب ردها عليه؛ بل يكون الواجب التخلية بينه وبينها، وهو الأرجح وإياه صحح الشيخ الإمام رحمه الله خلافًا للرافعي والنووي. ومنها هذا الفرع إذا غصب خمرًا من ذمي؛ فعلى القول بتكليفهم لا يرد عليهم لأنها حرام عليهم؛ وإنما نخلي بينهم وبينها كما نقرهم على ما نقرهم عليه من المحرمات وعلى القول بعدم تكليفهم يتجه ما [قاله] 7 الشيخان من وجوب الرد إلا أنه ليس من أصولنا أعني عدم تكليفهم فلا يتجه ما رجحاه8. ومنها: [إذا] 9 أتلف خمرًا على ذمي لم يضمنها خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله وقد جمع المتولي مسائل الخمر وخرجها على الأصل فقال التصرف في الخمر حرام عليهم عندنا لتكليفهم بالفروع وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحرم لعدم تكليفهم. ومنها: إيلاؤه صحيح: قال الشافعي -رضي الله عنه- في الأم بعد أن نص على صحة إيلائه وعلى أن عتقه صحيح وإن لم يؤجر عليه فرض الله على العباد واحد؛ فإن قيل: وهو إن تصدق على المساكين لم يكفر عنه، قيل: وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود للمسلمين كفارة للذنوب ونحن نجده إذا زنا وأتانا راضيًا بحكمنا، إذ   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". 6 في "ب" مفرع. 7 في "ب" صححه. 8 في "ب" زيادة إذا. 9 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 حكم الله على العباد واحد؛ وإنما حددناه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين1 زنيا بما أمره الله أن يحكم بينهم بما أنزل الله. "انتهى". وفيه فائدتان: النص على تكليف الكافر بالفروع وعلى أن الذمي إذا زنى يحد ومنها: ظهاره صحيح؛ نص عليه الشافعي "رضي الله عنهط ويكفر بالعتق وإن لم يؤجر عليه. قال الرافعي: ويتصور منه إعتاق المسلم و [لا] 2 يتصور ملكه له. ومنها: إذا زنى حد خلافًا لمالك وأبي حنيفة "رضي الله عنهما". ومنها: التعامل على وجه الربا، قاعدة مذهبنا أنه حرام عليهم كالمسلمين وينبغي على أصل أبي حنيفة إن يحلله لهم لكنه قال أن الربا حرام عليهم وأنهم يمنعون منه كما يمنع منه المسلم لقوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} فخص الربا من بين سائر الفروع ووافقه الوالد رحمه الله على ذلك فذهب إلى أن نمنعهم من عقود الربا ولا نقرهم عليها. ومذهب الشافعي "رضي الله عنه أنا لا نتعرض لهم وإن كنا نحرمه عليهم وأنه كسائر المحرمات التي نقرهم عليها. مسألة: معروفة بالإشكال موصوفة بمغالبة الرجال، مشهورة بالفرسان مذكورة بتصحيح الأذهان اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي باعتبار وقوعها على الأفراد، وعلم الجنس الموضوع لها مقصود به تمييز الجنس من غيره من غير نظر إلى الأفراد. هذا هو الذي كان الشيخ الإمام يختاره في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس وقد ذكرت ذلك مبسوطًا في منع الموانع وأنا قائل بما قاله الوالد رحمه الله غير أن لي فيه زيادة ونقصًا ومعه مباحثة. أما الزيادة: فإني لا أشترط في اسم الجنس اعتبار وقوعه على الأفراد؛ وإنما أكتفى بملاحظ الواضع عند الوضع للأفراد   1 البخاري 13/ 516 في كتاب التوحيد/ باب ما يجوز من تفسير التوراة. حديث "7543". 2 في "ب" ولأنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 فأقول: اسم الجنس موضوع للقدر المشترك بين الصورة الذهنية والخارجية ملاحظًا فيه [الصورة] 1 الخارجية؛ فلك أن تجعل معنى قول الشيخ الإمام: باعتبار وقوعها على الأفراد ما ذكرناه فلا يكون فيما ذكرناه زيادة ولك أن تجعل معنى اسم الجنس مشروطًا فيه الصور الخارجية؛ فلا يكون ما في الذهن موضوعًا له، وهو الظاهر من كلامه غير أنا لا نراه. وأما النقص: [فقوله] 2 في علم الجنس: إنه الموضوع للماهية مقصودًا به التمييز إن عنى بقصد التمييز مطلق التميز فكل موضوع هكذا قصد تميزه عن غيره وإن عنى أمرًا آخر فلا بد من بيانه. فأنا أنقض هذا القيد وأقول: علم الجنس الموضوع للماهية غير معتبر فيه الأفراد. ثم قال الشيخ الإمام تفريعًا على الفرق الذي أبداه: إذا أدخلت [أل] 3 الجنسية [على] 4 اسم الجنس ساوى علم الجنس. وأقول ينبغي على هذا أن لا يدخل على اسم الجنس الألف واللام الجنسية إلا إذا صحبها [العموم] 5، أما إذا اقتصرت على [أصل] 6 الحقيقة فالمعنى مستفاد قبل7 دخول "أل" فلا فائدة لها. ونظير ذلك قول الشيخ الإمام في "كل": أنها لا تدخل على [الفرد] 8 المعرف باللام إذا أريد بكل منهما العموم لعدم الفائدة. ثم قال: ويستنتج من هذا أن علم الجنس لا يثنى ولا يجمع لأن التثنية والجمع إنما يكونان للأفراد. قلت: وهذا صحيح، فلا ينبغي تثنيته وجمعه إلى على تأويل. وتحصل من هذا أن الواضع يستحضر الماهية ثم قد يضع لها من حيث هي، وقد   1 في "ب" الصور. 2 في "ب" يقوله. 3 في "ب" إلى. 4 في "ب" علم. 5 سقط في "ب". 6 في "ب" أهل. 7 في "ب" قبل من. 8 في "ب" المفرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 يضع لها بقيد يعينها في الخارج، وقد يضع منها الصورة الحاضرة في ذهنه، وقد يضع لها صورة في الذهن غير مخصص لها بالوضع وقد يضع لها [ملاحظًا] 1 الأفراد الخارجية غير مخصص لها بالوضع؛ فهذه خمسة أقسام: اسم الجنس عندي منها الخامس وعلما لجنس الرابع. وكان الخسر وشاهي2 يقول: علم الجنس الموضوع لها بدون ذلك القيد فجعل علم الجنس الصورة الثالثة مما ذكرناه واسم الجنس الصورة الأولى، وكان يتحجج بهذا الفرق. واعترض عليه الشيخ الإمام بأنه ينبغي أن يشترط أن يكون الوضع لصورة ذهنية واحدة؛ لأن العلم إنما يكون كذلك وحينئذ لا يصدق على غيرها من الصور. قال: وبهذا يفسد فرقه لأن أسامة ونحوه من أعلام الأجناس لا يختص بواحد. قال: فإن أخذ في وضعه للصورة الذهنية ما يشبهها من الصور أو المنتزع من بينها ساوي الوضع الخارجي فكيف يجعل أحدهما [معرفة] 3 والآخر نكرة. قال: فالحق أن العلم إنما يكون موضوعًا لشخص واحد لا تعدد فيها وإنما العرب أجرت على أسامة ونحوه حكم الأعلام ولعلهم شبهوا الصورة الذهنية وإن اختلفت بالصورة الواحدة فيتم ويصح ما قاله الخسر وشاهي. قلت: إن تم بهذا الوجه فلا يتم من جهة [قوله] 4: بقيد الشخص الذهبي فإنه صريح في أن الوضع لصورة مشخصة في الذهن أخص من سائر الصور، وقول الشيخ الإمام: العام إنما يكون لواحد لا تعدد فيه. أقول: ذلك العلم التحقيقي، وهو علم الشخص وهو الموضوع للماهية يفيد تعيينها وتشخصها في الخارج بالنسبة إلى واحد معين وليس الكلام فيه إنما الكلام في علم الجنس؛ فلم قال: إنما يكون لواحد؟.   1 سقط في "ب". 2 شمس الدين الخسر وشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمرية بن يوسف بن خليل أبو محمد التبريزي الشافعي، ولد سنة ثمانين وخمسمائة وتوفي في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة النجوم الزاهرة 7/ 32، شذرات الذهب 5/ 225. 3 في "ب" علمًا. 4 في "ب" قبوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 فإن قلبت: [وهل] 1 يكون العلم المتعدد؟ قلت: قال النحاة في باب غير المنصرف: العدل تحقيقي وتقديري، وفسروا التقديري بأنه الذي اضطررنا إليه حين وجدناهم يعاملونه معاملة المعدول بأن منعوه من الصرف. وأقول على مساق هذا شيئًا رأيت معناه لنحوي عصرنا عبد الله بن هشام رحمه الله قد يقال على ذلك: العلم علمان: علم تحقيقي كزيد وعلم تقديري كأسامة فإنا إنما حكمنا بكونه علمًا حين وجدناهم عاملوه معاملة الأعلام فمنعوه من الصرف أو من دخول أل والإضافة وصححوا الابتداء في قولهم: أسامة أجرأ من ثعالة وجوزوا مجيء الحال منه في قولهم: هذا أسامة مقبلًا ونعته بالمعرفة دون النكرة ولولا ذلك لقضينا بأنه نكرة في أفراد جنس الأسد فهذا من باب الاستدلال بالأثر على المؤثر. وكذلك مسألة العدل سوى مسألة: يقوم كل من المترادفين2 مقام صاحبه. وثالثها: إن كان من لغته وهذا في شيء لم يتعبد بلفظه فإن وقع التعبد بلفظ شيء لم يقم آخر مقامه. وجعل الإمام رحمه الله في النهاية الألفاظ مراتب. [الأولى] 3 قراءة القرآن فلفظه متعين. الثاني: ما يتعبد بلفظه وإن كان العوض الأكثر معناه كالتشهد والتكبر. قلت: [فهذا] 4 لا يضر فيه أدنى تغيير مثل قول المصلي: الله أكبر؛ فإنه يجزئ على المشهور في المذهب وكذا الله العزيز أكبر على الصحيح عندهم. وإن كنت أنا أختار [أنه] 5 لا يجزئ شيء غير "الله أكبر" لقوله صلى الله عليه وسلم $"صلوا كما رأيتموني أصلي"6 ولقوله صلى الله عليه وسلم:   1 سقط في "ب". 2 في "ب" الردفين. 3 في "قب" الأول. 4 في "ب" فهذا قد. 5 في "ب" أن. 6 البخاري 2/ 111 في الأذان/ باب الأذان للمسافر حديث "631" في 10/ 438 حديث "6008". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه1 ويستقبل القبلة فيقول "الله أكبر". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: مفتاحها التكبير2: فاللام فيه للعهد والمعهود صيغته الله أكبر لا الأكبر، ثم أنا أعتقد أن الأكبر أبعد عن الإجزاء من الله العزيز أكبر. والأصحاب مطبقون على العكس من هذا؛ وإنما خالفتهم لأن الله العزيز أكبر ليس فيها شيء من التغيير، وإنما هو فصل يسير قد يغتفر بخلاف الأكبر: ثم أعتقد أن الأكبر لا يؤدي معنى أكبر وإن أدى معنى آخر فهو أتم وإذا لم يؤد ذلك المعنى سواء أدى أتم منه أم لا كيف يجزئه؟ الثالثة: لفظ النكاح، وقد ترددوا في أن المرعى فيه التعبد أو إنما تعينت الألفاظ لأجل الإشهاد وعلى الخلاف ينبين تواطؤ أهل قرية على لفظ في تأدية معنى النكاح. الرابعة: الطلاق. الخامسة: العقود سوى النكاح. السادسة: ما لا يحتاج إلى قبول كالإبراء والفسخ. قلت: وقد جمع الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب صفة الصلاة من شرح المنهاج كثيرًا من مسائل الترجمة لغير العربية ونحن نوردها مع زيادات فمنها: ترجمة التكبير ولا تجوز إلا للعاجز ثم اللغات سواء وقيل أولاها الفارسية وقيل: السريانية والعبرانية. منها: التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأول إذا أوجبناها تجوز الترجمة بغير العربية فيها للعاجز دون القادر. ومنها: القرآن لا يجوز ترجمته لقادر ولا لعاجز. ومنها [الدعاء] 3 الذي ليس بمأثور لا يجوز أن يدعو به بغير العربية في الصلاة بلا خلاف، وتبطل به.   1 قال الحافظ في التلخيص 1/ 70 لم أجده بهذا اللفظ وذكره ابن السمعاني في الاصطلام وقال النووي إنه ضعيف غير معروف، وقال الدرامي في جمع الجوامع: ليس بمعروف ولا يصح. 2 لم أجده بهذا اللفظ وإنما قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة. مسلم 1/ 357- 358 باب ما يجمع صفة الصلاة 240/ 498، وأخرجه الشافعي والدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن علي، مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 ومنها: الأدعية المأثورة الأصح جواز ترجمتها للعاجز دون القادر. وقيل: يجوز لهما، وقيل: لا يجوز لهما فحيث قلنا لا يجوز فترجم بطلت صلاته. ومنها: سائر الأذكار كالتشهد الأول، وغيرهما مما ليس بواجب الصحيح جوازه للعاجز، وقيل كالدعاء المأثور، وقيل: يترجم العاجز لما يجبر بالسجود. ومنها: كلمة الإسلامن يصح إسلام العاجز بها قطعًا وكذا القادر في الأصح. ومنها: لفظ التزويج والإنكاح، الأصح الانعقاد بالترجمة لكل من العاجز والقادر والثالث التفصيل. ومنها: الأذان، قال الشيخ أبو حامد: لا يجوز بغير العربية وقال الماوردي: إن أذن لنفسه جاز للعاجز، أو للجماعة فلا؛ قال البغوي1 أي جماعة فيهم عربي، وقال الشيخ الإمام: إن قلنا الأذان سنة فهو كأذكار الصلاة فليجر فيه الخلاف الذي فيها أو فرض كفاية وقام به غيره فكذلك وإلا فينبغي أن يجوز للعاجز قطعًا كالتكبير. قلت أي يتعين حينئذ على القادر فإن امتنع جاز للعاجز. ومنها: البيع وسائر العقود تجوز بالترجمة للعاجز والقادر. ومنها: السلام فيه أوجه. ثالثها: إن كان قادرًا على العربية لم يجز. قال النووي: والصواب صحته بالعجمية إن فهم المخاطب ولو قدر على العربية. قلت: وهذا متعين ولعل مراد المانع أن السنة لا تتم بالسلام بالعجمية حتى لا يجب الجواب وهذا محتمل وإن كان الأرجح خلافه. ومنها: خطبة الجمعة الأصح اشتراط كونها بالعربية ومحل الخلاف فيما عدا القرآن المشترط فيها، أما القرآن فقد عرف أنه لا يجوز ترجمته مطلقًا. ومنها: الصحيح صراحة الطلاق بالترجمة قال الرافعي ولم [يتعرضوا] 2 للفرق بين القادر وغيره كما في النكاح.   1 في "ب" النووي. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 قلت: لأن التعبد في النكاح أظهر [منه] 1 في الطلاق ومن ثم كان القول بامتناع ترجمة الطلاق في غاية الضعف. ومنها: الخلع لم أره مسطورصا وقد يلحق بالبيع لما فيه من معنى المعاوضة أو بالطلاق فيجري فيه الخلاف. ومنها: الرجعة، والصحيح صحتها بالترجمة، وثالثها: الفرق بين العاجز والقادر. ومنها: اللعان جائز للعاجز بالعجمية وفي القادر وجهان.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 كتاب الكتاب : مسألة: اللغات توفيقية وقيل اصطلاحية1. والصحيح عندي أنه لا فائدة لهذه المسألة في الفروع، وقيل فائدتها النظر في   1واحتج القائلون بالاصطلاح بوجهين: أحدهما -لو كانت اللغات توقيفية لتقدمت بواسطة البعثة على التوقيف والتقدم باطل وبيان الملازمة أنها إذ كانت توقيفية فلا بد من واسطة بين الله والبشر وهوالنبي لاستحالة خطاب الله تعالى مع كل أحد وبيان بطلان التقدم قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} وهذا يقتضي تقدم اللغة على البعثة. والثاني: -لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلقه الله تعالى علمًا ضروريصا فيا لعاقل أنه وضع الألفاظ لكذا أو في غير العاقل أو بالأ يخلقه علمًا ضروريًا أصلًا، والأول باطل، وإلا لكان عالمًا بالله بالضرورة يكون الله وضع كذا لكذا كان غير العاقل لا يمكنه إنهاء تمام هذه الألفاظ والثالث باطل لأن العلم بها إذ لم يكن ضروريًا احتيج إلى توقيف آخر ولزمه التسلسل. والجواب عن الأولى من حجج أصحاب التوقيف لم لا يجوز أن يكون المراد منه تعلم الأسماء الإلهام إلى وضعها ولا يقال التعليم إيجاد العلم فإنا لا نسلم ذلك بل التعليم فعل يترتب عليه العلم ولأجله يقال علمته فلم يتعلم. سلمنا أن التعليم إيجاد العلم لكن قد تقرر في الكلام أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فعلى هذا العلم الحاصل بها فوجد لله سلمناه لكن الأسماء هي سمات الأشياء وعلاماتها مثل أن يعلم آدم صلاح الخيل للعدو والجمال للحمل والثيران للحرث فلم قلتم أن المراد ليس ذلك وتخصيص الأسماء بالألفاظ عرف جديد سلمنا أن المراد هو الألفاظ ولكن لم يجوز أن هذه الألفاظ وضمها قوم آخرون قبل آدم وعلمها الله آدم. وعن الثانية: إنه تعالى ذمهم لأنهم سموا الأصنام آلهة واعتقدوها كذلك. وعن الثالثة: أن اللسان هو الجارحة المخصوصة وهي غير مرادة بالاتفاق والمجاز الذي ذكر نحوه يعارضه مجازات آخر نحو مخارج الحروف أو القدرة عليها. فلم يثبت التريجيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 جواز قلب اللغة والتواضع على خلاف مقتضاها، وعلى الخلاف بنى بعضهم مسألة صداق السر والعلانية، وألحقنا نحن بها في شرح المختصر ما إذا استعمل لفظ شركة المفاوضة وأراد شركة العنان وقد نص الشافعي رضي الله عنه فيها على الجواز وفي النهاية في باب من يعتق بالملك فيمن قال: أنا أريد أن أسمي أمتي هذه حرة تلقيبًا أن حصول العتق ينشأ من أن الرجل إذا غير موجب اللغة بمواطنه ومواضعه فهل يؤاخذ بموجب اللغة؟ قال: فيه كلام استقصيته في مسألة السر والعلانية، وذكرت طرفًا منه في [مسائل] 1 الطلاق. قلت: وحاصل ما ذكره فيما أشار إليه الخلاف في أنه هل يعتبر التواضع أو مقتضى   = وعن الرابعة: أن الاصطلاح لا يستدعي تقدم اصطلاح آخر بدليل تعلم الوالدين الطفل دون سابقه ثمة ثمة ثمة. والجواب عن الأولى من حجتي أصحاب الاصطلاح لا نسلم توقف التوقيف على البعثة اصطلاح الجواز أن يخلق الله منهم العلم الضروري بأن الألفاظ وضعت لكذا وكذا، وعن الثانية لا يجوز أن يخلق الله يخلق العلم الضروري في العقلاء أن واضعًا وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني وعلى هذا لا يكون العلم بالله ضروريًا سلمناه لكن لم لا يجوز أن يكون إلا له معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء قوله " ... " قلنا بالمعرفة أما بسائر التكاليف فلا. انتهى. وقال أبو الفتح بن برهان في كتاب الوصول إلى الأصول اختلف العلماء في اللغة هل تثبت توقيفًا واصطلاحًا فذهبت المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحًا وذهبت طائفة إنها تثبت توفيقًا، وزعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع يثبت توفيقًا، وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحد من الطرفين. وقال إمام الحرمين في البرهان: اختلف أرباب الأصول في مأخذ اللغات مذهب ذهبوه أيضًا توفيقية من الله تعالى وصار صائرون إلى أنها تثبت اصطلاحًا وطوطًا وذهب الأستاذ أبو إسحاق في طائفة من الأصحاب إلى أن القدر الذي يفهم منه مصدر التواطؤ لا بد أن يفرض فيه التوقيف. والمختار عندنا أن العقل يفوق ذلك كله فأما تجوز التوقيف؛ فلا حاجة إلى تكليف دليل فيه ومعناه أن يثبت الله تعالى في الصدور علومًا بديهية بصيغ مخصوصة بمعاني فتتبين العقلاء الصيغ ومعانيها ومعنى التوقيف فيها أن يلقواى وضع الصيغ على حكم الإرادة والاختيار وأما الدليل على تجويز وقوعها اصطلاحًا؛ فهو إنه بعد أن يحرك الله تعالى. نفوس العقلاء لذلك ويعلم بعضهم مراد بعض ثم ينشئون على اختيارهم صيغًا وتقترن بما يريدون أحوال لهم وإشارات إلى مسميات وهذا غير مستنكر وبهذا المسلك ينطق الطفل على طوال ترديد المسمع عليه ما يريد تلقينه وإفهامه؛ فإذا ثبت الجواز في الوجهين لم يبق لما تخيله الأستاذ وجه والتعويل في التوقيف وفرض الاصطلاح على علوم تثبت في النفوس فإذا لم يمنع ثبوتها لم يبق لمنع التوقيف والاصطلاح بعدها معنى ولا أحد يمنع جواز ثبوت العلوم الضرورية على النحو المبين. 1 في "ب" مسألة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 اللغة، وذكر في مسألة الصداق ما إذا قال الزوج: إذا قلت: أنت طالق ثلاثًا لم أرد به الطلاق؛ وإنما غرضي أن تقومي أو تقعدي أو غرضي بالثلاث الواحدة. قال: وظاهر المذهب أن ذلك، لا يقبل منه، وفي المسألة الوجه البعيد الذي ذكرناه في مسألة الصداق. وسنبسط القول في هذا في مسائل الصريح والكناية في الطلاق وحكى الرافعي هذا عنه في الصداق. وأقول في تسمية الأمة حرة آخر؛ فإن الأسامي ليس فيها تغيير لوضع اللسان، بخلاف تسمية الألف ألفين؛ فالمتجه فيها أنه لا يعتق ولا يجري فيه خلاف كما لو كان اسمها من الأصل حرة فناداها به قاصدًا1 النداء فإنها لا تعتق، وكذا [لو] 2 أطلق على الأصح، وينبغي حمل كلام الإمام على ما إذا لم يجعل لفظ حرة علمًا عليها، ولعله أشار إلى ذلك بقوله تلقيبًا ويكون مراده باللقب غير العلم فيصير كما لو قال: إذا قلت فأنت طالق فإنما أعني به قومي أو اقعدي. ونظير المسألة التي نقلها الرافعي مسألة: المفاهيم -إلا اللقب- حجة خلافًا لأبي حنيفة رضي الله عنه. وعليه مسائل: منها: إذا باع نخلة قبل أن تؤبر فثمرتها للمشتري مندرجة تحت البيع؛ بخلاف ما إذا كانت مؤبرة لمكا ثبت في الصحيحين3 من قوله صلى الله عليه وسلم "من باع نخلًا مؤبرة فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع"؛ فإن مفهومه أن غير المؤبر للمشتري، وهو مفهوم صفة. -وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يكون للمشتري فيا لحالتين إذ لا اعتبار بالمفهوم عنده. ومنها: الواجد لطول حرة لا يجوز له نكاح الأمة، لمفهوم قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 4. ومنها: لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لمفهوم {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} . ومنها: لا نفقة للمبتوتة الحابل، لأن الله خص الحامل بالذكر بقوله: {وَإِنْ كُنَّ   1 في "أ" فناداها يا حرة. 2 سقط في "ب". 3 أخرجه البخاري 5/ 49 في المساقاة/ باب الرجل يكون له ممر أو مشرب. حديث "2379" ومسلم 3/ 1173 في البيوع باب من باع نخلًا عليها ثمر. حديث 80/ 1543". 4 النساء "25". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1، ومنها: لا يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لمفهوم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} 2. ومنها: لا يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء؛ لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم "قم فأتنا بدلو من الماء فصبه عليه" 3 وحديث المرأة التي قالت لرسول الله. يا رسول الله: المرأة يصيبها من دم حيضها؟ فقال لتحته ثم لتقرصه بماء4. والحديثان في الصحيحين، ومفهومهما أن غير الماء منهي عنه، فلا يزيل النجاسة. ومنها لو قالت: رضيت بفلان زوجًا، أو قالت: رضيت أن أزوج، فأظهر الوجهين أن هذا يسوغ لكل من الأولياء تزويجها؛ لأنهم معينون للتصرف، والمشروط الرضا من جهتها وقد وجد، فلو عينت بعد ذلك واحدًا ففي انعزال الآخرين وجهان. قال الرافعي: رأي بعض المتأخرين بناءها على أن المفهوم حجة. قلت: وهو مفهوم لقب فلا يعتبر. ومنهاك نقل الرافعي عن فتاوي القاضي الحسين أنه إذا ادعى على إنسان عشرة فقال: لا يلزمني تسليم هذا المال، لا يجعل مقرًا؛ لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم. قلت: وهذا يقوله من يقصر المفاهيم على أقوال الشارع، وما ذكره من التفرقة وأشار إليه من القاعدة صحيح. وأنا أوضحه فأقول: إذا قال: والله لا آكل إلا هذا فلذلك على مذهبنا قضيتان: الحلف على أن لا يأكل غيره أو معناه الامتناع عن أكل غير هذا وعلى مقابله، ومقابل الامتناع عدم الامتناع؛ فكأنه قال: أمنع نفس غير وأخرج من هذا من المنع، أو كأنه   1 الطلاق 6. 2 التوبة 29. 3 الخباري 1/ 321 في الضوء/ باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتى فرغ حديث "219" ومسلم 1/ 237 في الصلاة/ باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات "100/ 285". 4 البخاري 1/ 410 في الحيض/ باب غسل دم الحيض "307"، ومسلم 1/ 240 في الطهارة/ باب نجاسة الدم وكيفية غسله "110/ 291" والنسائي 1/ 195 في الحيض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 قال: أمنع نفس غيري وأحملها عليه فيه هذا الخلاف، وكل منهما مقابل لمنعها من الغير؛ فمقابل الامتناع من غير عدم الامتناع من هذا، وعدم الامتناع من هذا أعم من الإقدام عليه، وهذا لا يتأتى في ليس له إلا مائة؛ فلا مقابل لنفي المائة إلا ثبوتها. إذ لا وساطة، وبهذا تتعين المائة، ويتوقف في تعين أكل هذا، وفي مجامعتها تلك السنة وهذا كله حسن؛ لكنه أخذه من قاعدة عامة في كل حالف على مستقبل، وفيه نظر، بل قد لا يعم المستقبلات كلها؛ فلو قال: لا يقوم غدًا أحد إلا زيد فزيد لا بد أن يكون قائمًا. هذا إذا كانت الجملة خبرية، أما [إذا] 1 كانت إنشائية أو قسمية فلا يتعين قيام زيد؛ بل يبقى التخيير كما [أشار] 2 إليه فإذا ما ذكره ليس من عموم الاستقبال بل من خصوص3 الحث والمنع. وقولنا: الاستنثاء من النفي إثبات [صحيح] 4 باق بحاله؛ غير أنه هل هو إثبات لنقيض الملفوظ أو النقيض ما دل عليه اللفظ؟ هذه عبارة الوالد رحمه الله، وأوضح منها أن يقال هو إثبات [لنقيض] 5 المنفي بإثبات. مسألة: النيابة تدخل المأمور إلا لمانع "وعكست الحنفية فقالوا: لا تدخل إلا لمقتض". ويظهر أثر ذلك في مسائل لا ينهض دليل دخول النيابة فيها؛ فنحن [نقول] 6: تجوز النيابة لأنه الأصل، وهم يقفون على ورود دليل هناك بخصوصه لأن الأصل أن لا نيابة. وفيه مسائل: منها: المستطيع للحج إذا زمن وصار معضوبًا [يلزمه أن يستنيب] 7 من يحج عنه ويقع عن المستنيب خلافًا لهم. ومنها: من عجز عن الحج بعدما وجب عليه؛ إذ بدل الابن الطاعة ليحج عنه. ومنها: من بلغ معضوبًا يلزمه أن يستنيب من يحج عنه خلافًا لهم.   1 في "ب" إن. 2 في "ب" سقط. 3 في "ب" خصوص الأمر. 4 سقط في "ب". 5 في "ب" باق. 6 سقط في "ب". 7 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 ومنها: المستطيع إذا مات أخرج [من] 1 تركته مال يحج به عنه. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يفعل ذلك إلا إذا أوصي به. مسألة: قال علماؤنا: الأمر لا يقتضي الفور وخالفت الحنفية. ومن ثم مسائل منها: لا يجب الحج على الفور. ومنها: لو قال: بع ونحوه لم يشترط2 القبول. مسألة: الأمر بعد الحظر3. مسألة: الأمر لا يقتضي التكرار. ومن فروعها: إجابة المؤذن هل تختص بالمؤذن الأول؟ وفيه خلاف للعلماء، وذكر الرافعي في كتابه "أخطار الحجاز" أنه لا يجيبه. ومنها: لو وكله بيع شيء فرد عليه بالعيب فهل له البيع ثانيًا؟ فيه وجهان؛ حكاهما الرافعي قبيل باب حكم المبيع قبل القبض أصحهما أنه ليس له وبه جزم في الوكالة، [ويحسن] 4 بناء الوجهين إذا كانت الصيغة بع على مسألة الأمر هل يقتضي التكرار. مسألة الأمر بالشيء نهي عن ضده؛ مسألة النهي إذا رجع إلى لازم اقتضى الفساد عند علمائنا قاطبة وهي من أمهات مسائل الخلاف وقد اعتاضت على قوم من المحققين منهم الغزوالي فذهبوا إلى [آراء] 5 مفصلة تداني مذهب أبي حنيفة والذي استقر عليه   1 سقط في "ب". 2 في "ب" تعجيل القبول. إذا علمت أن الأمر بعد الحظر للوجوب فمن فروعها ما إذا عزم على نكاح امرأة؛ فإنه ينظر إليها لقوله عليه الصلاة والسلام فانظر إليها -لكن هل يستحب أو يباح. على وجهين أصحهما الأول وهما مبنيان على ذلك، كما أشار إليه الإمام في النهاية وخرج به غيره؛ فإن قيل فلم لا حملناه على الوجوب قلت القرينة صرفته، وأيضًا فلقاعدة أخرى وهي الداعية الحاملة على الفعل. وفيها الإمام بالكتابة في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُم} [النور 33] ؛ فإنه وأراد بعد التحريم كما قاله القاضي الحسين في باب الكتابة ووجه ما قاله: إن الكتابة بيع مال الشخص بماله كما قاله الأصحاب وهو ممتنع بلا شك. 4 سقط في "ب". 5 في "ب" سقط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 [الرأي] 1 أن النهي عن الشيء يقتضي [عدم] 2 صحته وعدم الاعتداد به في نظر الشارع فإن كان في العبادات اقتضى صحته وعدم إجزائه وإن كان في المعاملات اقتضى صحته وعدم استقراره وسلط الفسخ عليه هذا ما رأيناه مذهبًا، وإن كنا قصدنا في شرح المختصر وغيره من مصنفاتنا الأصولية خلافه؛ وإنما نبهنا عليه هنا لأنا لم نذكره فيها [بل] 3 نحن هنا لا نفرع عليه لكونه حائدًا عن مذهب الإمام المطلبي؛ بل تجري4 قاعدة المذهب فنقول ومن ثم مسائل منها: لا يصح بيع السلاح للحربي.   1 في "ب" رأيي. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" ثم. 4 في "ب" بل تجري على. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 كتاب العموم والخصوص : القول في الصيغ للشيخ الإمام1 كتاب أحكام "كل" كاد يستوعب فيها الكلام على صيغ العموم بها [لا نزيد] 2 على نفاسة وحظ هذا الكتاب مسائل نوردها واحدة واحدة. مسألة: الألف واللام تكون اسمًا موصولًا بمعنى الذي وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين وهذه عامة عموم الموصولات بأسرها وليست هي المعقودة لها المسألة. وتكون هي حرف تعريف -وإياه نعني- وللنحاة3 اختلاف في أن التعريف باللام أو مجموع الألف واللام واختلاف في أن "أل" حرف ثنائي همزته وصل؛ وذلك مذهب سيبويه أو همزته قطع وهو رأي ابن مالك، ومن أجل هذا الخلاف يقال: الألف واللام ويقال: أل وهو قول من جعله ثنائيًا همزته أصلية؛ [فإنه] 4 يقول: أل ولا يقول: الألف واللام، كما لا نقول في قد: الدال والقاف: ويقال اللام وهو قول من جعل التعريف بها. والشأن في هذا سهل. والحاصل أن أل تكون عهدية وتكون جنسية. القسم الأول: العهدية وهي أنواع: الأول: العهدي الذكري.   1 نفي "ب" الوالد رحمه الله. 2 في طب" مزيد. 3 في "أب" في النحاة. 4 في "ب" فإن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وهي التي يعهد مصحوبها بتقدم ذكر نحو {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ومن ثم إذا قالت: طلقني على ألف درهم فقال: أنت طالق على الألف وقع بالدراهم. والثاني: الذهني؛ نحو {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ، {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} . والثالث: الحضوري كقولك لمن سدد سهمًا لغزال: الغزال حاضر1. القسم الثاني: الجنسية وهي نوعان: أحدهما: ما جاء لتعريف الحقيقة: وهي التي تقصد [الحقيقة] 2 من حيث هي [هي] 3 نحو: الرجل خير من المرأة وقولك: والله لا آكل الخبز، ومن ثم يحنث بالقليل وكذلك لو حلف لا يكلم الناس ذكر ابن الصباغ وغيره فيما نقله الرافعي في كتاب الإيمان أنه يحنث إذا كلم واحدًا قال بخلاف ما إذا قال: أناسًا فإنه يحمل على نيته4. قلت: وما ذكره في الناس المعرف يخالف ما نقله الرافعي في فروع الطلاق فيما إذا قال: إن تزوجت النساء فأنت طالق أنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة وكذا [إذا] 5 قال: لا أشتري العبيد لا يحنث إلا بشراء ثلاثة أبعد. والذي يظهر لي أن الجنسية إن دخلت على جميع فأفراده ثلاث مثل لا أشتري العبيد؛ فلا يحنث إلا بثلاث كما ذكر، لأنه الجنس. [فإن] 6 دخلت على مفرد مثل: الرجل خير من المرأة فأفراده كل حقيقة من حيث هي؛ بل أفراد له عند التحقيق؛ إنما هي الحقيقة فحسب تشخص في جزئياتها، وإن دخلت على اسم الجمع كالناس والنساء فهل أفراده آحاد أو جموع؟ فيه نظر واحتمال، ثم النحوي لا يسمى هذا النوع جنسية؛ بل يجعله جنسًا مستقلًا. والثاني: الاستغراقية. وهي التي يقصر عليها النحاة اسم الجنسية وهي ضربان: أحدهما حقيقي، وهي التي   1 في أمن الغزال: الغزال حاضر. 2 في "ب" الماهية. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" ثلاثة. 5 في "ب" لو. 6 في "ب" وإن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 تشمل الأفراد نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا} 1. والثاني: مجازي وهي التي تشمل خصائص الجنس مبالغة، نحو: أنت الرجل علمًا، أي الكامل في هذه الصفة. مسألة: كل للعموم وقد يضاف لفظًا إلى نكرة نحو {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} ومعناها كل فرد لا المجموع وقد يثبت المجموع معه مثل كل مسكر حرام لكن [ليس] 2 لك من وصفها بل من خارج وقد لا يثبت مثل كل رجل يشبعه رغيف ومن ثم منع الشيخ الإمام رحمه الله "كل رجل يحمل الصخرة العظيمة" لاقتضائه أن كل فرد يشيلها وأوجب اعتبار فيما لها من ضميره وغيره إلى أن يكون على حسب المضاف إليه إن مفرد فمفرد وإن مثنى فمثنى؛ وهكذا فلا يجوز عنده كل رجل قائمون وادعى إطباق النحاة عليه وأنكر على شيخنا أبي حيان تجويزه ذلك. وقد يضاف إلى معرفة نحو: وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا3. وحينئذ فهل معناها كل فرد- كالمضافة إلى نكرة أو المجموع؟ فيه تردد، والراجح عند الشيخ الإمام رضي الله عنه، أنها على بابها من الدلالة على كل فرد أيضًا؛ غير أنه إن كان مفردًا لزم من استغراق أجزائه المجموع، ولذلك يصدق كل رمان مأكول، ولا يصدق [كل] 4 الرمان مأكول، لدخول قشره. وإن كان جمعًا احتمل أن يراد المجموع كما في قول القائل: كلكم بينكم درهم، وقول بعض المتكلمين: كل أعضاء البدن حيوان. وأن يراد كل فرد لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع" 5؛ ولذلك فصله بعد ذلك فقال "السلطان راع، والرجل راع، والمرأة راعية" والاحتمال [الثاني] 6 أكثر.   1 العصر "2- 3". 2 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 3 مريم 95. 4 سقط في "ب". 5 البخاري 13/ 111 في الأحكام/ باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} "7138" ومسلم 3/ 1459 في الإمارة باب فضيلة الإمام 20/ 1829. 6 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وهنا بحث وهو أن "كلا" إذا دخلت على ما فيه الإلف واللام وأريد الحكم على كل فرد فهل اللام، للعموم و "كل" تأكيد لها أو لبيان الجنس وكل تأسيس؟ فيه نظر وجوز الوالد رحمه الله تعالى أن تفيد اللام العموم في مراتب ما دخلت عليه. وكل للعموم في أجزاء كل من المراتب، فإذا قلت: كل الرجال، أفادت اللام استغراق كل مرتبة من مراتب جمع الرجال، وأفادت كل استغراق الآحاد. قال: ومن هنا يظهر أنها لا تدخل المفرد المعرف إذا أريد بكل منهما العموم والله تعالى أعلم. مسألة: متى للعموم في الأوقات فإذا قال: متى دخلت الدار فأنت طالق طلقت بأي دخول وقع. فإذا قلت: لو قالت: متى طلقتني فلك ألف فالشروط وقوع التطليق في المجلس. قلت: ذكروا أن الفور هنا مأخوذ من قرينة العوضية. وكذلك إذا صرح بخلاف القرينة عملت الصيغة عملها؛ فلو قالت: طلقني في هذا الشهر متى شئت ولا تؤخر تطليقي عنه على ألف لم يشترط الفور، بل كل جزء من أجزاء الشهر كاف، عملًا بعموم متى. قال الأصحاب: والفرق بينها وبين الصورة قبلها أن الصورة قبلها لم تعارض قرينة العوضية شيء، وهنا عارضها صريح التخيير فتقاعدت القرينة عن مقاومة الصريح. ومن الأصحاب من خرج خلافًا في كل صورة من الأخرى. مسألة: "أي" تكون شرطًا واستفهامًا وموصولًا فتفيد عموم كل فرد، لكن على سبيل الإحاطة. ومن هنا خالفت "كلما". ولم يكن فيها تكرار؛ فإذا قال: أي وقت دخلت الدار فأنت طالق فدخلت مرة بعد أخرى لم يتكرر الطلاق. وفي كلما "يتكرر". وللشيخ الإمام رحمه الله في كتاب أحكام "كل" كلام نفيس على أكثر صيغ العموم فعليك به. وحظنا من "أي" هنا أن نقول قد قرر ذلك الحبر رضي الله عنه أن عموم "أي" معناه إناطة الحكم بالأفراد [لخصوصها] 1 من حيث دخولها في المسمى لا من حيث هي، وهو العموم البدلي، ثم هو لا ينافي الشمول، وقد يصحبه الشمول باعتبار عود الضمير على   1 في "ب" بخصوصها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 "أي" نحو: أيما إهاب دبغ فقد طهر1؛ لأن طهارة هذا الإهاب غير طهارة الإهاب الآخر. والحاصل أن ثبوت الحكم للأفراد قد يكون في حالتي اجتماع كل فرد مع الآخر وحالة انفراده؛ وذلك لعموم الشمول، وهو عموم كلي. وقد يكون حالة الانفراد من غير تعرض لحالة الجمع؛ وذلك عموم "أي" وما في معناها، وهو العموم البدلي. وقد يثبت للماهية من غير تعرض للأفراد، وهو المطلق، وقد يسمى أيضًا عمومًا بدليًا. ومما يدل على الفرق بين "كل" و"أي" أنك تقول: كل الثلاثة ضربك وضربوك. ولا تقول "أي" الثلاثة ضربوك، بل ضربك؛ فدل على أن معناها: أحد الأشياء لا جميعها ومن ثم إذا قال: أي عبيدي حج فهو حر فحجوا كلهم يعتقون خلافًا للغزالي حيث قال لا يعتق إلا واحدًا". ومن مسائل "أي" المشهورة مسألة محمد بن الحسن رضي الله عنه قال إذا قال أي عبيد ضربك فهو حر [فضربوه عتقوا جميعًا وإن قال أي عبيدي ضربته فهو حر] 2 فضربهم لا يعتق إلا واحدًا وفي تعليق القاضي الحسين ما يقتضيه ونازع فيه الوالد رحمه الله، وأطال في المسألة في كتابه [المشهور] 3 فلينظر فيه. وقد أجاب فخر الإسلام الشاشي بالتعميم في المسألة حتى يعتق جميع الضاربين في المثال الأول. وجميع المضروبين في الثاني. وقد يستدل بقول الأصحاب: لو قال لنسائه: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق وقع بحيض كل واحدة منهن على البواقي طلقة -كذا ذكره الشيخ في التنبيه وغيره والرافعي لم يذكر المسألة إلا بصيغة "كلما". وحاصل ما فرق به محمد بن الحسين رضي الله عنه أن فاعل الفعل في الكلام الأول وهو الضمير في ضربك عام لأنه ضمير أي، وحينئذ فيكون الفعل الصادر عنه عامًا.   1 مسلم 1/ 277 في الحيض/ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ "105- 366". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 لأنه يستحيل تعدد الفاعل مع انفراد الفعل؛ لأن الفعل يختلف باختلاف فاعليه، فإن فعل زيد غير فعل عمرو فمن ثم قال: يعتق الجميع. وأما الصيغة الثانية: وهي "أي عبيدي ضربته فالفاعل فيه وهو تاء المخاطب خاص والعام فيه إنما هو ضمير المفعول أعني الهاء" واتحاد الفعل مع تعدد المفعول غير محال؛ فإن الفاعل الواحد قد يوقع في وقت واحد فعلًا واحدًا لمفعولين أو أكثر. مسألة: أقل الجمع ثلاثة، وقيل: اثنان وفيه مسائل: منها: قيل يكتفي بالصلاة على الميت باثنين حكاه الرافعي عن صاحب التهذيبو قيل إنه بناء على أن أقل الجمع اثنان. ومنها: لو أوصى لأقاربه ولم يوجد إلا قريب واحد، وستأتي المسألة وحظنا منها هنا أن الرافعي حكى فيها وجهًا عن الأستاذ أبي منصور أن له التصرف ولم يعلله. قال ابن الرفعة1: ولم أفهم له معنى، وإن تخيل أنه بناه على أن أقل الجمع اثنان لزمه جواز الاقتصار على اثنين في الوصية للفقراء، ولم نر من قال به. ومنها: إذا اقر بدراهم لزمه ثلاثة دراهم، وفي وجه اثنان لعل توجيهه البناء على أقل الجمع؛ غير أن الشيخ الإمام الوالد رحمه الله نازع في ذلك في كتاب الحلبيات. ومنها [إذا] 2 أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد جزم الأصحاب بأنه لا بد من الصرف إلى ثلاثة؛ حتى لو كانوا دون ثلاثة؛ حتى لو كانوا دون ثلاثة تممنا الثلاثة ممن يليهم. ومنها: لو حلف لا يكلم بني آدم قال الرافعي في فروع الطلاق المنقولة عن إسماعيل البوشنجي القياس أنه لا يحنث بكلام الواحد والاثنين إلا أعطيناهما حكم الجمع. قد ثبت في إطلاق اسم الجمع على الواحد تجوزًا خلاف. أما حقيقة فلا إجماعًا ومن ثم لو قال من ليس له إلا عبد واحد: عبيدي أحرار "لا يعتق" ذكره القاضي الحسين في فتاويه في أثناء مسألة. فإن قلت: الصحيح فيمن أوصى لأقاربه ولم يوجد له إلا قريب واحد أنه يتناول   1 في "ب" في المطلب. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 جميع الموصفي به وقيل: نصفه، وقيل: ثلثه، ولا قائل: بأنه يحرم مع أن الأقارب جمع. قلت: المرعي في الوصية الجهة؛ فصار كما لو وقف على أولاده يستحق الواحد منهم والجمع، ثم مدلول الأقارب ليس منحصرًا في واحد لاحتمال أن يكونوا وقت الإيصاء جمعًا -ولذلك قالوا [ولم] 1 يوجد إلا واحد ولاحتمال حدوثهم بعد الإيصاء؛ فليس [مما] 2 نحن فيه. مسألة: في دخول المخاطب بكسر الطاء -تحت عموم خطابه خلاف عليه مسائل: منها: لو قال: نساء العالمين طوالق؛ ففي وقوع الطلاق على امرأته خلاف أشار الرافعي إلى أن بعضهم بناء على هذا، وقد تكلمنا على المسألة في "شرح المختصر". ومنها: لو وقف على الفقراء وهو فقير. قال الوالد رحمه الله: ينبغي أن يكون فيه وجهان -أصحهما الجواز- قال: والمسألة التفات على هذا الأصل" ونقل من كلام الخوارزمي3 صاحب الكافي ما يدل للجواز. ولو لم يكن هناك فقير غيره؛ فأشار إلى ترجيح الجواز أيضًا؛ لكونه قصد الجهة بخلاف مسألة ابن يونس في حيلة الإنسان في الوقف على نفسه، حيث صورها فيما إذا وقف على أولاد أبيه الذين صفتهم كذا وذكر صفات نفسه قال الوالد رحمه الله: لأن قصد الجهة العامة فيها بعيد. قلت: وإن روعي اللفظ وقطع النظر عن القصد فله التفات على دخول المخاطب في الخطاب. ومنها إذا قال: أوصيت لعبدي بثلث مالي فالأصح وبه قال ابن الحداد أن رقبته تدخل، والثاني: لا، لإشعاره بغيره.   1 في "ب" ولو لم. 2 في "ب" ما. 3 محمود بن محمد بن العباس بن رسلان ظهير الدين أبو محمد الخوارزمي العباسي تفقه على البغوي، قال ابن السمعاني: كان فقيهًا فاضلًا عارفًا بالمتفق والمختلف حسن الظاهر والباطن جامعًا بين الفقه والتصوف ولد بخوارزم في رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وتوفي في رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة ابن قاضي شهبة 2/ 419 هداية العارفين 20/ 403. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 قال القاضي أبو الطيب في شرح الفروع: [وبهذا نقول] 1: إن الأمر لا يدخل في الأمر؛ لأن الظاهر أن المأمور غير الآمر. قلت: والرافعي حكى الوجهين وصحح قول ابن الحداد، لكن لم يذكر هذا المأخذ وهو تردد في دخول المخاطب -بفتح الطاء. ومنها: نقل الرافعي في فروع الطلاق عن إسماعيل البوشنجي أنه لو قال لزوجته: إن فعلت مع أحد حرامًا فأنت طالق فطلقها طلقة رجعية وجامعها في عدتها فيحتمل أن يبنى وقوع الطلاق على أن المخاطب هي يندرج تحت الخطاب ويحتمل أن يقال: لا يقع لأن الغرض منعها عن الغير لما يلحقه بذلك من الغضاضة والمعرة. كذا: في الرافعي؛ لكنه فيه بالعجمية وأنا عربته. فإن عبارته لو قال لزوجته أكذبوا وليس حرام كنى وهذا معناه. مسألة: خطاب الشارع بالمسلمين والمؤمنين يتناول العبيد [عند] 2 الأكثر، وقال به الرازي من الحنفية كان لحق الله دخل وإن كان لحق العباد فلا وفي المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا حكاها الماوردي في كتاب القضاء من الحاوي. أحدها: الدخول إلا أن يخرجها الدليل. والثاني: عدمه إلا أن يدخله الدليل. والثالث: إن كان بعيدًا أدخل وإن تضمن ملكًا أو عقدًا أو ولاية فلا. وهذا الثالث هو مذهب الرازي فيما أحسب، وهو ما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه بقوله: إن العبد يدخل في الضرورات دون غيرها. كما أشرت إليه في شرح المختصر. ويتخرج على الأصل مسائل: منها: أمان العبد صحيح [عندنا] 3 خلافًا لأبي حنيفة رضي الله عنه -لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ ويسعى بذمتهم أدناهم" 4.   1 في "ب" ولهذا نقول. 2 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 3 سقط في "ب". 4 أخرجه أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن ابن حبرة 2/ 192 وكذا أبو داود 3/ 80 في الجهاد باب في السرية "2751"، ابن ماجه 2/ 895 في الديات باب المسلمون تتكافأ دماؤهم "2685" ومن رواية ابن عباس ابن ماجه في المصدر السابق حديث 2683 ومن طريق معقل بن يسار ابن ماجه في المصدر السابق حديث "2684" ومن طريق علي بن أبي طالب أحمد في المسند 1/ 119 وأبو داود 4/ 180 الديات باب إيقاد المسلم بالكافر "4530" والنسائي 8/ 19 في القسامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 ومنها: إذا انتفت الموانع بأن يأذن السيد له فيما لم يوجب عليه من أجله فهل يجب؟ فيه تردد في مسائل: منها: لو أذن له السيد في حضور الجمعة، والصحيح لا يجب عليه. ومنها: في وجوب إحرامه بحج أو عمرة إذا أذن له السيد في دخول الحرم خلاف؛ أصله قول ابن عباس رضي الله عنه: لا يدخل أحد مكة محرمًا. مسألة: الصحيح دخول الصورة النادرة تحت العموم وكحذا الصورة غير المقصودة. وفرق بين النادرة وغير المقصودة؛ فالنادرة هي التي تندر بالنسبة إلى القضية التي اشتمل عليها لفظ العموم، وغير المقصودة هيا لتي تدخل في مدلول اللفظ؛ إلا أنا نعلم أن الألفاظ لم يقصدها. وقد تكون نادرة وقد لا تكون، كما أن النادرة قد تكون مقصودة وقد لا تكون. مثال النادرة: المسابقة على الفيل وغيرها. ومثال غير المقصودة: ما وقع في "المحاكمات" واقف وقف على زوجاته ما دمن باقيات في عصية نكاحه؛ [فمن] 1 تزوجت منهن سقط نصيبها وعاد على ضراتها فطلق واحدة منهن طلاقًا بائنًا ثم عادت إليه بعقد جديد فقال ضارتها: إنه لا عود لك إلى النصيب الذي خرج عنك عند انقطاع العصمة؛ فقد صدق انقطاع العصمة والتزوج، وقالت هي: لم يكن قصد الواقف إلا أن أتزوج بغيره والقرائن تشهد لها وتفضي إلى القطع بما تدعيه؛ ولكن قد ينازع منازع في التصوير بهذه الصورة لقوله: ما دمن في عصمة نكاحه تعلقًا بأن الدوام انقطع ببينونتها [ألا] 2 ترى إلى ما نقله الرافعي من فروع الطلاق عن إسماعيل البوشنجي فيمن حلف إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول ثم عاد لا يقع لأن الإدامة انقطعت.   1 في "ب" فيمن. 2 في "ب" إلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 ثم ذكره في أواخر كتاب الإيمان أيضًا فيمن حلف لا يصطاد ما دام الأمير في البلد لا سيما وقد قال الواقف باقيات فليتصور بخلو اللفظ عن قوله: ما دمن باقيات وقد وقع وكذلك وقع في "المحاكمات" أيضًا واقف وقف على الفقراء والمساكين وقال قدموا اعتقائي على غيرهم فافتقر أقرابه وطلبوا أن يقدموا على العتقاء لأن الإحسان إليهم أولى. والقرائن [تقتضي] 1 بأن الواقف لو استحضر افتقارهم لرجحهم على عتقائه، وقال العتقاء: اللفظ لا يدل إلا على تقديمنا ولستم إيانًا، والمعروف في مذهبنا عدم اعتبار المقاصد والاقتصار على مدلول الألفاظ. وللغزالي كلام أخذ منه ابن الرفعة ميله إلى أن المقصود يعتبر. وأقول المقصود بالنسبة إلى اللفظ ثلاثة أقسام: قسم ينافي اللفظ ويعارضه: فلا وجه لاعتباره. وقسم يعاضد اللفظ ويساعده: فلا يقول [أحد] 2 بإهداره؛ ولكنه معتبر غير أن اللفظ هو الموجب لاعتباره دون القصد. وقد يقول من يعتبر المقاصد [أنهما] 3 "هنا" علتان على معلول واحد. قسم لا ينبو عنه اللفظ ولا يدل له؛ فهذا يشبه الزيادة على اللفظ، فإن توفرت عليه القرائن وأفضت إلى القطع أو ظن غالب فلا بأس باعتباره، إذا [عرفت] 4 هذا فلنعد إلى الكلام في النادرة فنقول: فما دار في عبارات الأصحاب النادر لا حكم له. ومن ثم مسائل: قيل: خروج المني من النساء ليس ببلوغ لأنه نادر فلا حكم له ولكن الصحيح خلافه، ومنها: العدد النادر الذي لا يدوم يوجب القضاء وإن كان مع الخلل الحاصل يدل على الصحيح. وقد يستشهد لقولهم: النادر لا حكم له؛ مما نقله الكيا الهراسي في أحكام القرآن عن الشافعي رضي الله عنه في نكاح الأمة لمن تحته حرة -أنه رضي الله عنه كان يقول: الظاهر من وجود النكاح الطول والأمن من العنت، ولا مبالاة بنكاح نادر لا يفضي إلى ذلك؛ بل نحسم الباب حسمًا.   1 في "ب" تقضي. 2 في "ب" أحدنا. 3 في "ب" أنها. 4 في "ب" عرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ويقول أصحابنا جميعًا وذكره الرافعي في أوائل الطلاق -أن الفسوخ لا تنقسم إلى سنة وبدعة؛ لأنها أسباب نادرة- بخلاف العقود. وربما قيل "النادر يحفظ ولا يقاس عليه. وهذا قولهم: الشاذ الخارج عن المنهاج يحمل على شذوذه ولا يقضي به على غيره. وليس كلامنا في هذا إذا ذاك هو مسألة "أن الخارج عن القياس هل يقاس عليه؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه في مسائل القياس؛ إنما الكلام في الصورة النادرة هل تدخل تحت العموم؟ المشهور أنها تدخل وهو المختار. وفي كلام الإمام والغزالي والرافعي رحمهم الله ما يقتضي عدم دخولها. أشار إليه الغزالي في كتب الخلافيات وتوصل به إلى إخراج الكلب من عموم أيما إهاب دبغ فقد طهر فقال: الكلب لا يعتاد في العرف دباغ جلده؛ فتنفك الأذهان عن ذكره إذا جرى ذكر الدباغ واللفظ ينزل على الاعتياد فيما يدبغ ذكره في مآخذ الخلاف وفي شفاء العليل وذكر [في] 1 المآخذ أن هذا الفرق ينتهي إلى القطع. ومثل كلام الغزالي قول الرافعي في الحج في صوم المتمتع ثلاثة أيام بعد التشريق لا يكون أداء لأن تأخره عن أيام التشريق مما يبعد ويندر؛ فلا يقع مرادًا من قوله تعالى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} 2 بل هو محمول على الغالب المعتاد. قال الرافعي: هكذا حكاه الإمام وغيره. قلت: وعبارة الإمام في النهاية المفهوم من القرآن تفييد صوم الثلاثة بأيام الحج، وهو مضبوطة، وأيام التشريق ملحقة بأيام الحج على بعد؛ فأما النظر إلى البقاء في الإحرام لامتداد زمان طواف الزيارة فليس مراد الكتاب. فإن تأخر الطواف عن أيام التشريق يبعد وقوعه. فليفهم النظر حقيقة ذلك؛ فإني لم [أقله] 3 رأيًا واستنباطًا وإنما نقلته من فحوى كلامه الأئمة. انتهى. ونظير كلام الرافعي هنا قوله -فيما إذا مات المكفول ببدنه: أنه يبرأ الكفيل حملًا للإحضار الملتزم على الحياة؛ فإنه الذي يخطر بالبال غالبًا. قلت: لكن هذا في تقييد   1 سقط في "ب". 2 البقرة "196". 3 في "أ" لم أقلد والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 المطلق، وكلامنا في تخصيص العام؛ فلا يلزم من الأول والثاني. وقد شكك الشيخ صدر الدين بن المرحل رحمه الله على قولهم النادر لا يخطر بالبال؛ فلا يدخل تحت العموم بأن هذا لا تبين له في كلام الله تعالى؛ فإنه لا يخفى عليه خافية. وبلغني أن تلميذه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة1 رحمه الله -من أجل ذلك يقول: إن كان العموم في الكتاب فلا شك في دخول النادرة، وإن كان بالسنة وقلنا: إنها بالوحي فكذلك، وإن كانت بالاجتهاد فهو موضع الخلاف. قلت: وكل هذا بمعزل عن مراد الأصوليين إذا مرادهم أن الصورة النادرة التي لا تخطر ببال العربي عند الإطلاق لا يردها الشارع الذي جاء بالقرآن المتلو بلسانهم وما يتخاطبون به في محاوراتهم. هذا موضع النظر، وما ذكره ابن جملة من التفصيل في النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر. والصواب عندنا أنه صلى الله عليه وسلم لا تذهب عن خاطره النادرة كيف وهو يقول: والله لقد رأيت ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم. ويقول: ما من شيء توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذه حتى الجنة والنار2. ولا يمكن أن يعمم لفظًا إلا وقد أتى على مدلوله استحضارًا؛ غير أنه يستحضر النادرة ويعلم أن قومه لا يعنونها بهذا اللفظ فينطق على لسان قومه، فلا تقع مرادة بحكمه ولا مشمولة بلفظه. إذا عرفت هذا ففي القاعدة مسائل من آيات وأحاديث. منها: قوله تعالى في المتمتع: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} 3. الآية كما عرفت -ومنها حديث: أيما إهاب دبغ فقد طهر فلا يخفي ندرة دباغ جلد الكلب وجلد الآدمي.   1 أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف المحجي الشافعي الحوراني ثم الصالحي توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. الدرر الكامنة 5/ 219. 2 مسلم 2/ 623 في الكسوف باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف حديث "10/ 904". 3 البقرة: "196". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وقد قال الأصحاب: لا يطهر جلد الكلب بالدباغ اتفاقًا، وفي الآدمي وجهان بناء على أنه ينجس بالموت أصحهما أنه يظهر. قال ابن دقيق العيد: ويدخل في العموم بعض جلود الحيوانات التي لم تطرق الأسماع أسماؤها ولا رأت العيون أشخاصها فتظهر بالدباغ مع أنها ليست مما يمكن أن تدخل تحت القصد. قلت: إن كانت نادرة فتكون في هذا الحديث غريبة وهي نادرة دخلت قطعًا وهي هذه ونادرة لم تدخل قطعًا [وهو] 1 إهاب الكلب ونادرة فيها وجهان وهي إهاب الآدمي ولكن [ليس هذا] 2 مراد الشيخ تقي الدين فيما أعتقد فإن ما لم تره الأشخاص لا يندر بالنسبة إلى العام؛ لأنه لم يعهد دباغه ولا عدم دباغه وإنما عدم دباغه لعدم العهد به وكلامنا فيما عرف ولم يعهد دباغه كالكلب وجلد الآدمي لا فيما يعد بنفسه. وقوله: إنما ذكره لم يدخل تحت القصد يعني مفصلًا وأما دخوله وحضوره في الذهن مجملًا فهو الواقع، ولذلك كان محكومصا فيه وإلا فكيف يحكم على ما لم يقصد. ومنها: إخراج الخنثى من عموم الجمعة حق واجب على كل مسلم في جما عة إلا أربعة: عند مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض- إذا قلنا إنه لا جمعة على الخنثى وهو ما ادعى النووي الاتفاق عليه، وحكى صاحب الذخائر فيه وجهًا. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" 3. منع بعض أصحابنا المسابقة على الفيل لمثل ذلك. ومنها: حديث4 البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فيدخل فيه بلا خلاف التولية والإشراك مع ندرتها جدًا. واختلف فيمن طال مكثهما في المجلس، والصحيح ثبوت الخيار.   1 وفي "ب" وهي. 2 في "ب" هذا ليس. 3 أحمد في المسند 2/ 474 وأبو داود والنسائي 6/ 226 في الخيل / باب السبق وابن ماجه 2/ 960 في الجهاد/ باب السبق والرهان "2878". 4 البخاري 4/ 309 في البيوع/ باب إذا بين البيعان ولم يكتما وفضحا "2079"، ومسلم 3/ 1164 في البيوع/ باب الصدق في البيع والبيان حديث "47/ 1532". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 ومنها قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} 1 فلمس العضو الأشل والزائد كالصحيح والأصلي على الصحيح مع ندرتهما. ومنها قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 2 فلو خلق له وجهان وجب غسلهما ولو خلق له رأسان كفى مسح أحدهما ولينظر هنا اليدين المتساويتين، والمتميز منهما الزائد، والشعور الخارجة عن العادة وغير ذلك. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في التشهد "وليتخير من المسألة ما شاء"3؛ فهل يجوز الدعاء في الصلاة بجارية حسناء؟ منعه الشيخ أبو محمد مدعيًا عدم دخول هذه الصورة في العموم لندرتها. ومنها: حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ... فلو تكلم في الصلاة ناسيًا كثيرًا ففيه وجهان أصحهما البطلان، ونظائره أكل الصائم ناسيًا كثيرًا، وكثير من مسائل الإكراه التي لا عذر فيها معه. ومنها حديث "من مس ذكره فليتوضأ" 4 منع بعض أصحابنا انتقاض الوضوء بمس الذكر المقطوع بمثل ذلك. ومنها: حديث "في كل موضحة خمس من الإبل" 5 قال بعض أصحابنا: "إذا زادت الموضحات على دية النفس فلا يجب أكثر من دية النفس ولا تدخل هذه الصورة في الحديث لندرتهان وقاسه على قول الشافعي رضي الله عنه في الأسنان أنه لا يجب في قلع جميعها إلا دية النفس.   1 النساء "43". 2 المائدة "6". 3 البخاري 2/ 320 في كتاب الأذان/ باب ما يتجد من الدعاء "835" ومسلم 1/ 301- 302 في الصلاة/ باب التشهد في الصلاة حديث "55/ 402". 4 مالك في الموطأ 1/42 في الطهارة/ باب الوضوء من مس الفرج، حديث "58" والشافعي في الأم 1/ 19 في الطهارة/ باب الوضوء من مس الذكر وأحمد في المسند 6/ 406 من مسند يسرة بنت صفوان والدارمي 1/ 184 في باب الوضوء باب الوضوء من مس الذكر "181" والترمذي 1/ 126 في الطهارة باب الوضوء من مس الذكر "82" وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه 1/ 161 في الطهارة باب الوضوء من مس الذكر "479". 5 أحمد في المسند 2/ 215 وأبو داود 4/ 190 في الديات باب ديات الأعضاء "4566" والترمذي 4/ 13 في الديات باب ما جاء في الموضحة "1390" والنسائي 8/ 57 في القسامة وابن ماجه 2/ 886 في الديات "2655". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وفرق ابن كج بضبط الأسنان بخلاف الموضحات، وعكس الإمام في النهاية صنيع ابن كج وادعى أن الأسنان بالزيادة أولى مشيرًا إلى تعميم إطلاق الشارع مع العلم بعدد الأسنان، ولا كذلك الموضحات. ومنها: ثبت في الحديث النهي عن التصوير1؛ فلو دعت إلى ذلك ضرورة المسلمين كما روى الواقدي في فتوح الشام "أن النصارى صوروا صورة هرقل على حائط فوقف بعض المسلمين متعجبًا منها، فانقلبت قناة طويلة من أحدهم فأصابت عين الصورة فقلعتها، فعلم به الحرس من قبل لوقا عظيم الروم فجهز رسوله في مائة فارس إلى أبي عبيدة إنكم غدرتم الأمان بقلع عين هذه الصورة وهو عندنا عظيم، فسأل أبو عبيدة من فعل هذا فقيل فلان خاطئًا، فقال أبو عبيدة: إن صاحبنا إنما فعل ما فعل غير متعمد، فقالوا لا نرضى حتى نفقأ عين صاحبكم -يعنون عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان القوم يمتحنون بهذا أمان المسلمين وأنهم هل هم موفون بعهودهم فقال أبو عبيدة أنا أمير هذه الطائفة فافعلوا بي ما فعلوه بتمثالكم؛ فقالوا: لا نرضى إلا بفقء عين ملككم الأكبر، فقال أبو عبيدة ملكنا أمنع من ذلك، وغضب المسلمون وكادت تقوم ملحمة عظيمة فنهاهم أبو عبيدة وقال على رسلكم، فقال منهم قائل: لا عين أميركم ولا عين خليفتكم؛ ولكن نصنع تمثالًا فيه صورة أبي عبيدة ثم نفقأ إحدى عيني ذلك التمثال. فقال المسلمون إن صاحبنا فقأ عين ذلك التمثال غير قاصد وأنتم تتعمدون، فقال أبو عبيدة: يا معشر المسلمين إن هؤلاء ليس لهم عقول -فإنهم رضوا أن يصوروا صورتي ويفعوا بها ما أرادوا، فدعوهم وقلة عقولهم، فرضوا وسكنت الفتنة. فلو [كانت] 2 المسألة بحالها وأبوا إلا أن يصور المسلمون تلك الصورة وعلمنا أن ذلك إن [لم] 3 يفعل كانت فتنة هائلة تؤدي إلى ضرر عظيم بالمسلمين فالذي يظهر جواز ذلك حينئذ.   1 فعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". البخاري 10/ 386 في اللباس/ باب من التصاوير/ "4954"، ومسلم 3/ 1668 في اللباس "92/ 2107". وعن عبد الله بن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أشد الناس عذابًا عند الله المصورون" البخاري 10/ 382 "5950"، ومسلم 3/ 1670 "98/ 2109". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ومنها: قد علم أن لبس زي الكفار وذكر كلمة الكفر من غير إكراه كفر؛ فلو مصلحة المسلمين إلى ذلك واشتدت حاجتهم إلى من يفعله فالذي يظهر أنه يصير كالإكراه. وقد اتفق مثل ذلك للسلطان صلاح الدين؛ فإنه لما صعب عليه أمر ملك صيدا وحصل للمسلمين به من الضرر الزائد ما ذكره المؤرخون ألبس السلطان صلاح الدين اثنين من المسلمين لبس النصارى وأذن لهما في التوجه إلى صيدا على أنهما راهبان وكانا في الباطن مجهزان لقتل ذلك اللعين غيلة؛ ففعلا ذلك وتوجها إليه وأقاما عنده على أنهما راهبان، ولا بد أن يتلفظا عنده بكلمة الكفر وما برحا حتى اغتالاه وأراحا المسلمين منه ولو لم يفعلا ذلك لتعب المسلمون تعبًا مفرطًا ولم يكونوا على يقين من النصرة عليه. ومما يدل على هذا قصة محمد بن مسلمة في كعب بن الأشرف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لكعب بن الأشراف فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: [نعم. قال] 1: فأذن لي -فأذن له: فأقول: قال: قد فعلت2. ومنها: حديث3 لا يخرج في الصدقة هرمة يقتضي أن لا تؤخذ مريضة من المراض، وإليه ذهب مالك، واعتذر أصحابنا عنه بأنه خرج مخرج الغالب فإن مرض الماشية كلها نادر، واتفقوا على جواز أخذ المريضة من المراض. ومنها: لا يجب الاستنجاء من خروج حصاة لا رطوبة معها على الأصح. ومنها: لو ندر الخارج كالدم والقيح فالأظهر جكزاء الحجر، والثاني: يتعين الماء؛ لأن الاقتصار على الحجر وقع فيما نعم به البلوى. وقال القفال: إن تمحض النادر تعين الماء. وإن خالط المعتاد جاز الحجر. ومنها: الراجح دخول الأكساب النادرة في المهايأة في العبد المشترك.   1 سقط في "ب". 2 أخرجه مسلم 3/ 1425 في الجهاد والسير/ باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود "119/ 180". 3 أخرجه البخاري 3/ 321 في الزكاة/ باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة "1455". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 ومنها: [أنه] 1 يجب غسل ما يندر كثافته وإن [كثرت] 2 كالحاجب والعذار والشارب. ومنها: [يجب] 3 على المرأة غسل باطن اللحية الكثيفة لندرتها فيح قها. ومنها: أنه يجب قضاء الصلاة على المقيم المتيمم لفقد الماء وللبرد على الأظهر فيهما، وفي نحوهما من ذوي الأعذار النادرة. كالمربوط على خشبة ومن شد وثاقه بالأرض وصلى بالإيماء. والغريق يصلي على خشبة بالإيماء. ومنها: إشراع الجناح في الطريق النافذ لا يجوز إلا إذا لم يضر. قالوا: وإن كان ضيقًا بحيث لا تمر فيه القوافل والفوارس؛ فينبغي أن يرتفع؛ بحيث يمر تحته المار منتصبًا وإن كانوا يمرون فيه فليكن ارتفاعه إلى حد يمر المحمل مع الكنيسة فوقه على البعير، قالوا لأنه وإن كان نادرًا فقد يتفق. ومنها: الأصح أنه لا يدخل في لفظ قام على [في] 4 البيع [فداء] 5 العبد إذا جنى ففداه بخلاف مكس السلطان فإنه يدخل لعمومه. ومنها: لو جلس من الغزاة رقيب يرقب العدو فأدركته الصلاة ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا أبصرهم العدو فلهم الصلاة قعودًا وتلزمهم الإعادة، لندور ذلك. ومنها: أصح الأوجه أنه يباح للغانمين الفانيد والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها قبل قسمة الغنيمة، فإن احتاج مريض أخذ قدر حاجته: ومنها: يجوز ترك القبلة في النوافل مما يكثر ويتكرر كالوتر وركعتي الفجر ولا يجوز فيما يندر كالعيدين والاستسقاء. ومنها: لو علفت السائمة في الحول قدرًا يسيرًا لا يتمول في نقد الحول فلا أثر له في قطع السوم قطعًا. ومنها: حلف لا يطأ فلانة فوطئها بعد الموت فأصح الأوجه لا يحنث لأن اسم   1 في "ب" أنها. 2 في "ب" كثفت. 3 سقط في "ب". 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الوطء يطلق على ما يقع في الحياة. وثالثها: الفرق بين ما قبل الدفن وبعده. والمسألة في الرافعي في باب الإيلاء وكان من حقها أن تذكر في باب الإيمان. ومنها: قال الإمام: لو تصور شخص لا يضره أكل السموم الطاهرة لم تحرم عليه. فائدة: تذكر إذا انتهيت لما ذكرناه في النادر، وكلام الأصحاب في التيمم في النادر الذي لا يسقط القضاء؛ فهو محط قولهم: النادر لا حكم له. وفي دخول الأكساب النادرة في المهايأة والسلم فيما يندر وجوده، ويتحرز ذلك بما ذكرناه، أنها قواعد ثلاث: "دخول النادرة في اللفظ العام وكون النادر لا حكم له" أي لا يعطي حكم الغالب؛ بل يسقط الاعتبار به ويصير وجوده كعدمه. والثالثة أن النادر إذا حكم فيه بشيء لم يلحق به غيره ويدل على شذوذ، وهذه الثالثة هي مسألة الخارج عن القياس الآتية إن شاء الله تعالى في باب القياس. خاتمة: نحن وإن قلنا بدخول النادرة في العموم فلسنا نقصر العموم عليها. ومن ثم يتميز عن غير النادرة؛ فإن النادرة تحتمل أن تكون هي تمام المراد بالعموم. أما النادرة: فالحمل عليها بمفردها بعيد ولأجل ذلك الحنفية قولهم: أيما امرأة نكحت نفسها1 على الأمة والمكاتبة. قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذكر الإمام أن الذي صح عنده من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن العبرة بخصوص السبب، واستدل بكلام له على قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية2. والإمام منازع نقلًا وحجاجًا. أما النقل3. تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم" في حديث البراء بن عازب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فاتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، فتناولها علي كرم الله وجهه فأخذ بيدها   1 أبو داود 2/ 229 في النكاح/ باب في الولي "2083"، الترمذي 3/ 407 في النكاح/ باب ما جاء لا نكاح إلا بولي "1102" ابن ماجه 1/ 605 النكاح باب لا نكاح إلا بولي "1879"، الحاكم 2/ 168 وقال صحيح على شرط الشيخين. 2 الأنعام "145". 3 بياض في الأصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها على وزيد وجعفر فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" 1 الحديث. وهو عمدة باب الحضانة، وقد استدل بإطلاقه أصحاب التنزيل على تنزيلها منزلة الأم في الميراث. وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد: إنما هي بمنزلتها في الحضانة، لأن السياق طريق إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات وتنزيل الكلام على المقصود منه. قال: وفهم ذلك قاعدة كبيرة من2 أصول الفقه لم أر من تعرض لها في الأصول إلا بعض المتأخرين ممن أدركنا أصحابهم، وهي قاعدة متعينة على النار وإن كانت ذات تشعب على المناظر. ولذلك ذكر في حديث أنس: ليس من البر الصيام في السفر3. فذكر أن الظارهية تنزله على العموم اعتبارًا بعموم اللفظ -وإن ورد في رجل كان يجهده الصوم فقال: يجب أن يتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين ورود العام على سبب، ولا تجري مجرى واحد فإن مجرد ورود العام على سبب لا يخصصه، وأما السياق والقرائن [فإنها] 4 الدالة على المراد، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعين المحتملات. قال: فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصي وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: $ "ليس من البر الصيام في السفر من أي [من] 5 القبيلين هو منزله عليه". قلت: ومن [نظر إلي] 6 السياق ما في فروع الطلاق من الرافعي أنه لو قال   1 البخاري مجزأ 5/ 304 الصلح/ باب الصلح مع المشركين "2700" في 7/ 499 "4251"، ومسلم 30/ 1409 في كتاب الجهاد/ باب صلح الحديبية حديث "90/ 1783". 2 في "ب" من قواعد أصول الفقه. 3 أخرجه البخاري 4/ 183 في الصوم "1946" ومسلم 2/ 786 في الصيام /92/ 1115". 4 في "ب" فإنه. 5 سقط في "ب". 6 في "ب" النظر في. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 لزوجته: إن علمت من أختي شيئًا ولم تقوليه فأنت طالق فتنصرف إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشراب. فائدة: إذا عرفت أن الأرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب فلا نعتقد أن يسنحب العموم في كل ما ورد وصدر؛ بل إنما نعمم حيث لا معارض وفي المعارض أمثلة: منها: حديث النهي عن قتل النساء والصبيان1 أخذ أبو حنيفة بعمومه وقال: المرأة المرتدة لا تقتل، وخصصناه نحن بسببه؛ فإنه ورد في امرأة مقتولة مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان لحديث: "من بدل دينه فاقتلوه" 2 وغيره من الأدلة. ومنها: حديث أنس "ليس من البر الصيام في السفر" ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد، وقد تقدم الكلام فيه. تنبيه: قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والخلاف في ذلك إذا لم تكن هناك قرينة تعميم فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف. وهذا كان الشيخ الوالد ينبه عليه ويقول: من القرائن العدول عن صيغة الإفراد إلى الجمع ويمثل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 3 نزلت في أمانة واحدة وهي مفتاح الكعبة فعدل عن الإفراد إلى الجمع ليعم كل أمانة، وأمثلة هذا تكثر وإليه الإشارة بقوله في جمع الجوامع؛ فإن كانت قرينة تعميم فاحذر فمتى عدل عن لفظ الإفراد إلى الجمع أو عن لفظ لا حصر فيه إلى ما فيه حصر مثل هو الطهور ماؤه4 أو ضم إلى المسؤول عنه في الجواب عنه غيره مثل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} فذكر   1 البخاري 6/ 148 في الجهاد/ باب الصبيان "3015"، ومسلم 3/ 1364 في الجهاد والسير / باب تحريم قتل النساء "25/ 1744". 2 البخاري 12/ 267 في كتاب استتابة المرتدين/ باب حكم المرتد "6922". 3 النساء "58". 4 أخرجه مالك في الموطأ 1/ 22 في الطهارة/ باب الظهور للوضوء حديث "12"، الشافعي في الأم 1/ 3 في الطهارة وأحمد في المسند 2/ 361 في مسند أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود 1/ 21 في الطهارة/ بابا لوضوء بماء حديث "83" والترمذي 1/ 100 في الطهارة/ باب في ماء البحر أنه طهور حديث "69" وقال حسن صحيح والنسائي 1/ 50 وابن ماجه 1/ 136 "386". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 السارقة قرينة في أنه ليس المراد بالسارق خصوص سارق رداء1 صفوان بل عموم كل سارق أو غير ذلك [مما] 2 دل على إرادة العموم، ومن فروع هذا ما ذكره الرافعي في فروع الطلاق "أنه لو اتهمته امرأته بالغلمان فحلف أنه لا يأتي حرامًا ثم قبل غلامًا أو لمسه يحنث، لعموم اللفظ، بخلاف ما لو قالت فعلت كذا حرامًا فقال إن فعلت حرامًا. قال لأن هناك قرينة ترتب كلامه على كلامها وها هنا اختلف اللفظ فحمل كلامه على الابتداء؛ فانظر كيف جعل عدوله عن لفظ المسؤول قرينة إرادة التعميم؛ لكن في قوله: أو لمسه" نظر، فما اللثم بحرام إلا أن يكون بشهوة. مسألة: اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وهذا وإن لم أجده مسطورًا في نصوصه فقد نقله [عنه] 3 لسان مذهبه. بل لسان الشريعة على الحقيقة أبو المعالي رضي الله عنه ومعناه صحيح؛ فقد كانت من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستفصل ويستقصي بحيث لا يدع غاية في البيان ولا إشكالًا في الإيضاح؛ ففي قصة ماعز قوله صلى الله عليه وسلم: "أبك جنون؟ " قال: لا، قال: "فهل أحصنت؟ " فقال نعم كذا في الصحيحين4. وفي صحيح البخاري "لعلك قبلت أو غمزت؟ " قال: لا، قال: "أنكتها؟ " قال: نعم5. وفي صحيح ابن حبان: قال: "أنكتها؟ " قال: نعم، قال: "حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ " قال: نعم، قال: "كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ " قال: نعم، قال: "فهل تدري ما الزنا؟ " قال: نعم -أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من [أهله] 6. وفي صحيح مسلم من حديث علقمة بن وائل حدثه قال: إني لقاعد عند رسول   1 مالك في الموطأ 2/ 834 في الحدود/ باب ترك الشفاعة للسارق "28" والشافعي في المسند "2/ 84 "278"، ومن طريق آخر ابن ماجه في السنن 2/ 865 "2595" ومن طريق ابن عباس النسائي في 8/ 69، والحاكم في المستدرك 4/ 380 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 البخاري 12/ 136 في الحدود/ باب سؤال الإمام المقر "2825" ومسلم 3/ 1318 في الحدود/ باب من اعترف على نفسه بالزنى "16/ 1692". 5 البخاري 12/ 135 في كتاب الحدود/ باب هل يقول الإمام للمقر "6824". 6 في "ب" امرأته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل يقود آخر بنسعة1 فقال: يا رسول الله: هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته؟ " فقال: إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته، قال: "كيف قتلته؟ " قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني وأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟ " قال: ما لي إلا كسائي وفأسي، قال: فترى قومك يشترونك؟ قال: أنا أهون على قومي من ذلك، فرمى إليه بنسعته وقال: "دونك صاحبك" الحديث2. فانظر كيف كان يستفصل صلى الله عليه وسلم ليتوضح الحال ويحق الحق وما ذلك منه مختًا بأبواب الاحيتاط من الحد والقصاص؛ بل عامًا في الأبواب ألا ترى إلى قصة المجامع3 وقوله صلى الله عليه وسلم هل تجد هل تجد ومثل حديث "أينقص الرطب إذا جف" 4 وغير ذلك من الاستفصال الواقع في كثير من أحاديث الأحكام دل ذلك على أن ترك الاستفصال إشارة إلى التعميم فكان منزلًا منزلة العموم وإن لم يكن حقيقة العموم ما أنبأت عنه الصيغة. وهذا كما قال في المشترك: يحمل على معانيه كالعام وإن5 لم يقل إنه عام ونظير تعميم المطلق من الجواب ينزل الاستفصال تخصيص العام في الجواب بخصوص الأسباب. فإن قلت: فمساق هذا أن يكون حق من عمم ترك الاستفصال أن يقول العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ قلت: أجل، ومن ثم نقل [ذلك] 6 عن   1 هي جل من جلود مضفورة جعلها كالزمام له يقوده بها. 2 مسلم 3/ 1307 في القسامة/ باب حجة الإقرار بالقتل وتمكين ولي القتل من القصاص "34/ 1680". 3 البخاري 4/ 163 في كتاب الصوم/ باب إذا جامع في رمضان "1936" 10/ 503 "6087" وفي 11/ 595 "6709" "6710" "6711" ومسلم 2/ 781 في الصيام/ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان "81/ 1111". 4 أبو داود 3/ 251 في البيوع: باب في التمر بالتمر "3359"، والترمذي 3/ 528 في البيوع "1225" وقال حسن صحيح والنسائي 7/ 268 في البيوع باب اشتراء التمر بالرطب وابن ماجه 2/ 761 في التجارات "2264" والحاكم 2/ 38- 39، ومالك في الموطأ 2/ 624 في البيوع "22"، والشافعي في المسند 2/ 159 "551". 5 في "ب" وإن ذلك. 6 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الشافعي ناقل هذه عنه وهو إمام الحرمين؛ فإن قلت: ألستم على أن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب؟ فهل أنتم على أن العبرة بمطلق الجواب دون التعميم؟ فلت: أعلم أن تخصيص العام أصعب من تعميم الخاص لأن فيه اقتطاعًا من اللفظ وليتنبه من ذلك إلى أنه لا يلزم من القول بأن الاعتبار بعموم اللفظ القول بأن ترك الاستفصال لا ينزل منزلة العموم؛ فمن هنا أنا أقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وينزل الاستفصال بمنزلة العموم. فإن قلت: هذا عود بالنقض على قولكم: حق من عمم ترك الاستفصال أن يخصص بالسبب. قلت: نعم. ولم يكن القصد فيما تقدم إلا أن الناقل عن الشافعي رضي الله عنه أن العبرة بتخصيص السبب هو الناقل عنه أن ترك الاستفصال للعلموم وإن كانا غير متلازمين ولذلك لا يثبت المتأخرون من أصحابنا أن العبرة بخصوص السبب وإن أثبتوا التعميم بترك الاستفصال. [إذا عرفت هذه فليترك الاستفصال] 1 أمثلة: منها: وإياه ذكر إمام الحرمين: قصة غيلان لما أسلم على عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" 2. ولم يسأله عن كيفية وقوع العقد عليهن معًا أو مرتبًا؛ فكان إطلاق الجواب دليلًا على أنه لا فرق بين أن تترتب العقود أو تقع معًا. وقد أشبعنا الكلام على هذا في شرح المختصر والمخالف فيه أبو حنيفة رضي الله عنه. ومنها: حديث المجامع في رمضان لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم له كان عامدًا أو ناسيًا. قال ابن دقيق العيد: فيدل على العموم في الحالتين. قلت: قوله: هلكت وأهكلت "صريح في أنه كان عامدًا، وفي أنه لم يكن مسافرًا ترخص ومن ثم لا يجب على الناسي كفارة ولا على المسافر الترخص ولكن لم يسأله [النبي] 3 صلى الله عليه وسلم: هل أنزل أو لم ينزل؛ فدل على شمول الحكم للحالتين وهو كذلك. ومنها: طلاق ابن عمر امرأته في الحيض4.   1 سقط في "ب". 2 الترمذي 3/ 435 في النكاح "1128" وابن ماجه 1/ 628 في النكاح "1953" الشافعي في المسند 2/ 16 والحاكم 2/ 192- 193 والبيهقي 7/ 181. 3 سقط في "ب". 4 البخاري 9/ 367 في الطلاق "5262" ومسلم 2/ 1103 في الطلاق "24/ 1477". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 ومنها: في حديث فيروز الديلمي في نكاح الأختين "اختر أيهما شئت" 1، ولم يسأل عن كيفية النكاحين، فدل على قطع النظر عن حالة الشرك وجعلهما الآن كأنهما أختان يريد العقد على إحداهما. وهذا المثال ذكره جماعة من المحققين منهم الوالد رحمه الله، وقد يقال: إنه غير مطابق لأن فيه لفظة أي وهي من ألفاظ العموم الصريحة؛ فلا يحتاج معها إلى تنزيل اللفظ منزلة العموم إلا أن يكون بالنسبة إلى أحوال الناكحين فليتأمل فيه. ومنها: إطلاقه صلى الله عليه وسلم الإذن لثابت بن قيس بن شماس2 في الخلع من غير استفصال عن [حالة] 3 الزوجة هل هي حائض أو طاهر طهرًا جامعها فيه أو لم يجامعها مع أن الحيض ليس بنادر في النساء ولا في الطهر الذي جامعها فيه. ومن ثم استدل الأصحاب على جواز خلع الحائض والطاهر طهرًا جامعها فيه وهو الصحيح في المسألتين؛ لهذا الحديث. ومنها: حديث عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم: إني استحاض فلا أطهر أفادع الصلاة؟ 4. قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: المستحاضة إما مبتدأة أو معتادة وكل منهما إما مميزة أو غير مميزة والحديث فيه دلالة على أن هذه المرأة كانت معتادة لقوله صلى الله عليه وسلم "دعي الصلاة قدر الأيام التي كانت [تحيضين] 5 فيها" وليس في هذا دليل على أنها مميزة أو غير مميزة فإن ثبتت رواية أخرى تدل على التمييز لا معارض لها؛ وإلا فقد يستدل بهذه الرواية من يرى الرد إلى أيام العادة وإن كانت غير مميزة وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه والتمسك به ينبني على أن ترك الاستفاصل ينزل منزلة العموم،   1 أحمد في المسند 2/ 447، البيهقي في السنن 8/ 3، شكل الآثار ص176- 178. 2 البخاري 9/ 395 في الطلاق/ باب الخلع "5273". 3 في "ب" حال. 4 البخاري 1/ 331 في الوضوء/ باب غسل الدم "228"، و "306" ومسلم 1/ 262 في الحيض باب المستحاضة "12/ 333". 5 سقط في "ب" والحديث أبو داود في السنن 1/ 80 في الطهارة "297" والترمذي 1/ 220 في الطهارة "126" "127" وابن ماجه 1/ 204 في الطهارة "625" والدارمي 1/ 202. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وما يقال1 إنه صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون علم الواقعة فيه نظر ظاهر في إنه صلى الله عليه وسلم أول علم حالها بحكمها قبل أن يسأل فإن لها حكمًا خاصًا؛ فلما لم يأمرها قبل سؤالها دل على أن علمه صلى الله عليه وسلم بها إنما كان بعد سؤالها. قلت: إنما يأمرها بحكمها قبل السؤال عند الحاجة إلى البيان؛ ولعل علمه سابق [قيل] 2 سؤالها بزمن لا امتداد له بحيث لا يحاج إلى البيان فالدليل على عدم العلم بحالها ليس ما ذكر؛ إنها قالت: "إني أستحاض فلا أطهر" أخبرته بشأنها، ولو كان يعلمه لقالت: "إني كما علمت أفأدع الصلاة" وهذا ظاهر وليس بقاطع. فوائد: أحدها شكك الإمام رحمه الله في البرهان على تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم [فإنه] 3 لا يمتنع أن يكون صلى الله عليه وسلم علم الواقعة فترك جوابه على ما علم ولأجل كلام الإمام هذا قال بعض المتأخرين: حكم الشارع في واقعة سئل عنها ولم يقع بعد عام في أحوالها ولذلك إن وقعت ولم يعلم كيف وقعت وإن علم فلا عموم. وإن جهلنا نحن هل علمت [بالوقف] 4 والظاهر العموم. قال ابن دقيق العيد: ولقائل أن يدفع الاعتراض المذكور الموجب للتوقف بأن الأصل عدم العلم بالحالة المخصوصة فيعود إلى الحالة التي لم يعلم كيفية وقوعها إلا أن يكون المراد القطع. الثانية: إذا كان بعض صور الواقعة نادرًا؛ فهل يجعل ترك الاستفصال عامًا فيه على القول بالعموم؟ وبأن الصورة النادرة [هل] 5 تدخل في العموم؟ أو يقال: تدخل [الصورة] 6 النادرة قطعًا لاحتمال أن تكون هي الواقعة أو لا تدخل قطعًا لأن دخولها أضعف من دخول غيرها وهذا عموم حكمي فلا يقوى على الاستدخال قوة صرائح الألفاظ فيه نظر واحتمال والأرجح الأول وإن كان للرافعي [قول] 7 في اختلاع الحائض لما استدل بقضية امرأة ثابت أن الحيض ليس بأمر نادر ومن أمثلة ذلك ما في الصحيحين عن سبيعة الأسلمية أن زوجها سعد بن خولة توفي عنها وهي حامل فلم تلبث أن وضعت   1 في "ب" وما يقال من أنه. 2 في "ب" علي. 3 في "ب" بأنه. 4 سقط في "ب". 5 سقط في "ب". 6 سقط في "ب". 7 سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 حملها بعد وفاته؛ فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال: ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا، قالت سبعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي1. قال ابن دقيق العيد: استدل به بعضهم على انقضاء العدة بوضع الحمل على أي وجه كان مضغة أو علقة استبان فيه الخلق أم لا من حيث أنه رتب حل النكاح على وضع الحمل من غير استفصال. قال: وهذا ضعيف [لأن] 2 الغالب هو الحمل التام المتخلق ووضع المضغة والعلة نادر وحمل الجواب على الغالب ظاهر؛ وإنما يقوي تلك القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات على بعض. قلت: وفيه نظر فإن الظاهر دخول النادرة وقوله: "إنما يقوي تلك القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات" جوابه أنه لا تعارض بين الاحتمالات حتى يطلب [مرجح] 3. الثالثة: إذا سئل صلى الله عليه وسلم عن واقعة فاستفصل عن حاله كان [عموم] 4 فيما لم يستفصل باقيًا؛ بل هو أبلغ من العموم فيها إذا لم يستفصل مطلقًا لأن استفصاله عن حالة وسكوته أدل على التعميم في السكوت ويدل استفصاله في موضع الاستفصال على أن ما استفصل به قيد في الحكم ومن ثم قال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم للنعمان بن بشير لما طلب منه أن يشهد على هبته لبعض أودلاه أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال: "إني لا أشهد على جور" 5 أنه يشترط في هبة الأولاد المساواة. مسألة: من حقها أن تذكر في مسائل المجمل والمبين غير أن شدة ارتباطها بالمسألة قبلها يوجب أن تذكر عقبها.   1 البخاري 9/ 470 في الطلاق "5318". 2 في "ب" لا. 3 في "ب" ترجيح. 4 في "ب" عمومه. 5 أخرجه البخاري 5/ 258 في الهبة/ باب لا يشهد على شهادة جور "2650" ومسلم 3/ 1243 في الهبات/ باب كراهة تفضيل بعض الأولاد "16/ 1623". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فقط بها الاستدلال. وربما عزبت هذه العبارة إلى الشافعي رضي الله عنه وهي لائقة بفصاحته فما أحسن قوله: كساها ثوب الإجمال؛ إذ الثوب من شأنه أن يغطي ويستر فلا يكشف ما هو ضمنه. وهذا هو شأن الإجمال يستر المراد فلا يهتدي إليه طالبه. وقد زعم بعضهم أن هذا يعارض قوله: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال ينزل منزلة العموم من قبل أنه قضي بالعموم هناك على ذي محتملات والإجمال هنا على ذي محتملات. والصواب أن الكلامين لم يتواردا على محل واحد؛ فذلك في صغية مطلقة ترد على ذي أحوال فيعلم أنه لولا عمومها لما أطلقها إطلاقًا فإن شأنه أجل من أن يطلق في موضع التقييد. وهذه في واقعة حكم فيها بحكم ولم نعلم نحن على أي الوجهين وقعت؛ فكيف يقضي بأنها وقعت على كلا الوجهين، والقضاء بذلك خطأ قطعي [لأنها] 1 وإن احتملت الوجهين إلا أنا على قطع بأنها لم تقع إلا على وجه واحد والحكم صادف ذلك الوجه فإذا لم نعلمه نقف ونقضي بالإجمال. [كما] 2 أن ذلك عموم حكمي غير مكتسب من صيغة [وهذا] 3 إجمال حكمي غير مكتسب من صيغة. فالصيغة لم تقع إلا مبينة؛ لأنها صادفت إحدى الحالتين المعروفة عند ورود الصيغة عليها فلم يقع فيها إشكال إلا في ثاني الحال بالنسبة إليها حيث لم يطلع عليها فصار الإجمال فيها لا في صيغتها. وسمعت الوالد رحمه الله يذكر في الجمع بين العبارتين بعدما عزاها إلى الشافعي أن القاعدة الأولى [الاستدلال] 4 فيها بقول الشارع وعمومه ومثل لها بقوله صلى الله عليه وسلم لفيروز وقد قال: إني أسلمت وتحتي أختان: اختر أيتهما شئت. قال: والثانية: سقوط الاستدلال بالواقعة نفسها لا بكلام الشارع والواقعة نفسها   1 في "ب" إليها. 2 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" للاستدلال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 ليست بحجة وكلام الشارع حجة وكلام الشارع لا إجمال فيه. والواقعة فيها إجمال عند تطرق الاحتمال؛ انتهى. وذكره [في] 1 باب ما يحرم من النكاح في شرح المنهاج وهو حق إلا أنه وقف على فهمي منه قوله: إن القاعدة الأولى الاستدلال فيها بعموم لفظ الشارع مع أن شرطها أن لا يكون هناك لفظ عام لكن يؤيده [استدلاله] 2 بحديث فيروز وفيه لفظ أي وكذلك استشهد به غيره ولذلك أمثلة. منها: أنه صلى الله عليه وسلم صلى [العشاء] 3 بعد غيبوبة الشفق4، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة5 فلا يعم الشفقين ولا الفرض والنقل وهي مسألة أن الفعل لا عموم له خلافًا لقوم. ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه رضي الله عنهن [في] 6 إناء واحد تختلف أيديهما فيه7؛ فيحتمل حصول رشاش ويكون حينئذ دليلًا على أن مثل هذا لا يضر ولا يقدر مخالفًا للماء ولا يستدل به على الطهارة بفضل المرأة لجواز أنها استعملت بعده. وقوله: تختلف أيديهما فيه لا عموم له إذ لا يصدق مع تأخره عنه ولهذا جاء في الحديث أنها قالت: أبق لي أبق لي8 ولم يقل هو صلى الله عليه وسلم لها: "أبقي لي". قال: ابن دقيق العيد: لما احتمل اللفظ اغترافهما معًا واغترافها بعده لم يكن فيه عموم فكفى العمل به من وجه.   1 في "ب" عند. 2 في "ب" استشهاده. 3 سقط في "ب". 4 الشافعي في الأم 1/ 71، وأحمد في المسند 1/ 333، وأبو داود 1/ 107 في الصلاة "393" والترمذي 1/ 278 "149" وابن خزيمة 1/ 168 "325". البخاري 1/ 578 في الصلاة "505" ومسلم 2/ 966 في الحج/ باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره "388/ 1329". 6 في "ب" من. 7 أخرجه مسلم 1/ 256 في الحيض/ باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة "45/ 321". 8 في رواية مسلم دع لي دع لي "46/ 321". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 ومنها: ذهبت الحنفية إلى أن القلتين ينجسان بملاقاة النجاسة، لقلتها عندهم إذا الكثير عندهم هو المستبحر، واحتجوا بأن زنجيًا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن عباس رضي الله عنها بمائها أن ينزح الأثر. قالوا: وزمزم ماؤها أكثر من قلتين ولم ينقل تغييرها؛ فدل على تنجسها بمجرد الملاقاة. وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأجوبة. منها: أن الدم قد يكون ظهر [فيها] 1 فنزحها ربما كان تنظيفًا لا وجوبًا. أشار رضي الله عنه بهذا إلى أنها واقعة عين احتمل أن يكون نزحها تنظيفًا، وأن يكون احتياطًا لاحتمال التغيير، وأن يكون [لاحتمال] 2 النجاسة فيما إذا لم تتعين النجاسة. مسألة خلافية بيننا وبين الحنفية: ففي المساواة بين الشيئين أو الأشياء يقتضي العموم لكن بالطريقة التي قررناها في الأصول. وقد مثل له الفريقان بما دعاهم إلى ذكره في مسألة قتل المسلم بالكافر وهو قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 3؛ فمن حيث تعميمه لكونه نكرة في سياق النفي. قالت الشافعية: انتفت المساواة بين المسلم والكافر فلا يقتل به. وعندي أن التمسك بهذه الآية غير متوجه؛ فإن فيها إشارة إلى تخصيص المساواة [بالقول] 4 حيث قال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون} أشار إلى أن المعنى نفي المساواة من هذه الحيثية لا مطلقًا فالصواب التمثيل بغير هذه الآية. ورأيت الماوردي لما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما منع الوضوء بماء البحر استدل لهما بقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} 5. قال: وهذا يدل على أن البحر المالح لا يجوز الوضوء به؛ إذ لو جاز لا يستويان ولك أن تقول: هذا كالأول وأزيد؛ وإنما قلت إنه كالأول لقوله عقيبه وما يستوي البحران هذا   1 سقط في ب. 2 سقط في ب. 3 الحشر 20. 4 في "ب" القود. 5 فاطر 12. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج؛ وإنما قلت: إنه أزيد لقوله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} الآية؛ فقد سوى بينهما في أكل اللحم واستخراج الحلية بعدما نفي المساواة فدل على أن المراد ليس نفيها مطلقًا بل نفيها خاصًا وهو ما سيقت له من الامتنان بما أنعم الله عليهم من البحرين كما قلنا في الآية قبلها. إذا عرفت هذا فأقول: أوضح من الآيتين في التمثيل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} 1؛ فإنه تعالى وإن قال عقب ذلك: {أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا} الآيتين؛ فليس قوي الدلالة في أنه إنما أراد هذه الحيثية لوقوعه في آيتين، ومن ثم لم أمثل في جمع الجوامع إلا بهذه الآية حيث قلت: وتعميم نحو: {لَا يَسْتَوُونَ} وإن كان فيها هذا الاحتمال إلا أنه ليس بظاهر فيها لأنها في قوة قولك: "لا يستوي المؤمن والكافر ومن ثم للمؤمن كذا وللكافر كذا" فتدل الآية على أن الفاسق لا يلي النكاح. ولست أدعي الصراحة ولا الظهور الذي تطهر به القلوب؛ بل إنه في الآية أوضح منه في الآيتين السابقتين. وكذلك في قوله تعالى في غافر2 {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ} ؛ ففيه دلالة على أن البصير أولى في إمامة الصلاة من الأعمى وهو رأي الشيخ أبي إسحاق، ورجحه الوالد رحمهما الله. وكذلك قوله تعالى في سورة النحل3: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . وقوله تعالى في سورة الجاثية4: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً} على قراءة النصب وبها قرأ حمزة والكسائي وحفص. وقوله في سورة آل عمران5: {لَيْسُوا سَوَاء} اي ليس أهل الكتاب مستويين أي سواء أوقفنا على سواء وقلنا: الواو ضمير لأهل الكتاب، و"ليس" اسم خبرها سواء و"من أهل الكتاب" خبر مقدم وأنه رفع بالابتداء، و"قائمة" نعت لها، والجملة مستأنفة   1 السجدة 18. 2 58. 3 76. 4 21. 5 113. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 لبيان انتفاء التسوية أو قلنا: "أمة" مرتفعة بسواء أي ليس أهل الكتاب مستويان من أهل الكتاب أمة قائمة موصوفة بما ذكر واخمة كافرة وحذفا لعامل لدلالة المذكورعليها كقوله: دعاني إليها القلب إني لأمرها ... سميع فما أدري أرشد طلابها أي: "أم غي". وقوله تعالى في سورة الحديد1: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ... فرع: دفع المكاتب من الزكاة فهل له صرفه إلى غير النجوم؟ نقل الإمام أن له ذلك، وأن يؤدي النجوم من كسبه، وقطع صاحب الشامل بأنه ليس له ذلك، قال النووي، "وهو أقيس" قال الرافعي: ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب. قلت: ويمكن رد الخلاف إلى الخلاف فيما لو استغنى المكاتب أو الغارم بما أعطيه ويفي مال الزكاة في يده هل يسترد منه؟ والأصح أنه لا يسترد؛ فإن قلت: قد رجح تعين الصرف في جهة الكتابة والدين مع كون المدفوع واجبًا، وقد قلتم: إن مع الوجوب لا تتعين الجهة المدفوع بسببها. قلت: لا يجب في الزكاة الدفع لهذا الغارم وهذا المكاتب بعينه [وبتقدير تعينه] 2؛ فالفرق أن مال الزكاة موزع بقسمة الله تعالى بين أصناف لا بد من استيعابها لمقصد الشارع. ومنها: الطعام والكسوة في الكفارات لا خلاف أنه لا يتعين ويجوز صرفه في غير جهة الكسوة والطعام. الفصل الثاني: في سرد شيء من فروع حمل المطلق على المقيد. فمنها: ما لو قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق لم تتعين الزوجة على الصحيح؛ بل له أن يقول: إني أردت الأجنبية، ولا يلزمه طلاق. فلو قال: ما عينت واحدة بقلبي حكم بقووع الطلاق؛ وإنما ينصرف الطلاق عن الزوجة عند إرادة الأجنبية لا عند الإطلاق. ذكره الرافعي قبل الباب السادس من التعليقات.   1 10. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 مسألة: المقيد بمتنافيين يستغنى عنهما ويرجع إلى أصل الإطلاق، وفيه صور. فمنها: لو قال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو نحوه فيما يجمع فيه بين صفتي المدح والذم والمخاطبة من ذوات الأقراء وقع الطلاق في الحال، كما لو قال للسنة والبدعة وفي توجيهه خلاف الأظهر عند الرافعي أن وجهه أنه وصف الطلاق بمتضادين فيلغوان ويبقى أصل الطلاق. فإن قلت: لو شهد اثنان أنه زنا بها مكرهة وآخر أنه زنا بها طائعة لم يجب عليها حد الزنا قطعًا، ولا عليه على الصحيح مع أن الطواعية والكراهية متقابلان فهل لا يثبت أصل الزنا. قلت: لأن تقييده بالكراهية لا يقدح في أصله، وعلى شاهدي الطواعية حد القذف للمرأة فامتنع قبول قولهما لنفسهما. تنبيه: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ كلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب" 1 وفي رواية: أولاهن بالتراب2، وفي رواية: "فعفروه الثامنة بالتراب" 3. فسال سائل: لم لا تتعين الولى حملصا للمطلق في إحداهن على المقيد فيها فأجبت: إن رواية "إحداهن" تعارضها "فعفروه الثامنة". وضعف هذا الجواب بأنه لا معارضة بينهما ويمكن العمل بهما أوالتخيير بين الأولى والأخيرة، وقيل: إن الشافعي نص على هذا في مختصر البويطي. كحل ذلك ذكرته في شرحي "المختصر" ... و"المنهاج" والذي أفنده هنا أن سماعي من الوالد رحمه الله في درس الغزالية مرة وخارج الدرس غير مرة أن الشافعي رضي الله عنه روى "أولاهن أو أخراهن" قال الوالد رحمه الله: فإن ثبت هذا في الحديث فهو للتخيير فينبغي أن يجب في إحداهما لا بعينها ولا يجزئ في غيرهما ولا أعرف قائلًا به وإن لم يكن في الحديث بل كان شكًا من الراوي فيحتمل أمرين:   1 الدارقطني في السنن 1/ 65. 2 مسلم 1/ 34 في الطهارة "91/ 279". 3 مسلم في المصدر السابق "93/ 280". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 أن يكون الحكم كذلك أيضًا؛ لأنه إذا حصل التراب في غيرهما يقطع بعدم حصول المرتين. وإذا استعمله في إحداهما احتمل حصول المقصود، ويبقى غيرها محتملًا والأصل عدمه، وهذا كما يقول: فيمن شك "هل" الخارج من ذكره مني أو مذي [أنه يتحرى ويحتمل أن يقال: يجيئان جميعًا ولا يجزئ غيرهما "وهذا مأخذه مأخذ القول بوجوب الاحتياط في مسألة إذا شك هل الخارج من ذكره مذي أو مني] 1 ولا أعرف من قال بهذا الوجه. ويحتمل احتمالًا ثالثًا: وهو أن الشك لما وقع من الراوي لم يثبت واحدًا منهما ولا يجب واحد منهما وهذا يشبه تساقط البيتين؛ بل هو أولى لأن كلا من البيتين جازمة بما قالت، والشاك لم يجزم بشيء؛ فلم تثبت الأولى ولا الأخيرة وعلى هذا لا يثبت من هذه الرواية وجوب التراب أصلًا لكنا نأخذه من الرواية الأخرى وهي مطلقة فنقيها على إطلاقها لعدم ثبوت المقيد أعني بالنسبة إلى هذه الرواية. نعم وردت رواية أخرى جازمة فيها "أولاهن"؛ فإن يرجح على رواية الشك كان التساقط لأجل شك الراوي حينئذ لا يبقى بها وإن ترجحت يبقى النظر بينهما وبين المطلقة. فإن كان اختلافًا من الرواة "فينبغي النظر والترجيح فإن ترجحت المطلقة عمل بها وإن ترجحت المقيدة تعين في الأولى. وإن لم يكن اختلافًا من الرواة؛ بل يكون النبي صلى الله عليه وسلم نطق بهما في مرتين كان من حمل المطلق على المقيد فيتعين في الأولى إلا أن يعارض بقوله: الثامنة بالتراب "إذا لم نجعل الثامنة ثامنة العدد ويحنئذ يكون مقيدًا بقيدين فيبقى على إطلاقه" انتهى كلام الوالد رحمه الله. وأقول: سلمنا أنه مقيد بقيدين، ولكن لم قلتم: يبقى على إطلاقه ولا تنافي بين القيدين؟ فائدة: أعرب القاضي الماوردي في كتاب "الحاوي" وفي كتاب "أدب القضاء"   1 من قول إنه يتخير إلى أو مني سقط من "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 أولى المذاهب عندي في المطلق والمقيد أن يعتبر أغلظهما؛ فإن كان المطلق حمل المقيد عليه وإن كان المقيد حمل المطلق عليه؛ لئلا يؤدي إلى إسقاط ما تيقنًا وجوبه بالاحتمال، وحكاه عنه صاحب البحر ساكتًا عليه. وهو كلام عجيب فإن المقيد أبدًا أغلظ من المطلق لاشتماله عليه، فأي شيء هو غير مذهب الشافعي "رضي الله عنه"، فإن قال في "أعتق رقبة" مثلًا إنه مطلق و"أعتق معينة" أنه مقيد، وإن قال: أجوز غير المعينة حملًا للفظ على إطلاقه؛ فيقال له إن كان ذلك لقياس فإن إجزاء المعينة يقتضي إجزاء غيرها بطريق الأولى. فنحن لا ننكره وليس مما نحن فيه. وإن كان لا قياس فهو إسقاط للفظ الشارع بلا موجب؛ بل متى أمكن تعين المعينة تعينت وكنا قد علمنا بالمطلق والمقيد جميعًا، لأن المطلق لا ينافيها. مسألة: "المختار إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع". ومعنى ذلك أنه إذا ثبت حكم من الأحكام في مسألة مثلًا بنص ثم استنبطنا منه علة، أو كانت منصوصة وألحقنا بالحكم المنصوص ما ليس بمنصوص قياسًا ثم نسخ الأ صل الذي استنبطنا منه القياس تداعي ذلك إلى ارتفاع القياس المستنبط عنه وخالفت الحنفية في ذلك. وعليه مسائل: منها: قالوا: لا يجوز التوضؤ بالنبيذ المسكر النيء ويجوز بالمطبوخ وقالوا: قد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنيء1 وألحق به المطبوخ قياسًا ثم نسخ الوضوء بالنيء وبقي التوضؤ بالمطبوخ. ومنها: ادعوا أن صوم يوم عاشورا كان واجبًا ويجوز إيقاع النية فيه نهارًا بالإجماع. قالوا: وألحق به رمضان قياسًا. قلنا لهم: قد نسخ صوم [يوم] 2 عاشوراء إن اتفق إيجابه، قالوا: قد ينسخ الأصل ويبقى حكم القياس في الفرع. ومنها: قال علماؤنا: يكره شرب المنصف والخليط وسببه أن الشدة والإسكار   1 روى من حديث ابن مسعود وابن عباس فحديث ابن مسعود رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحديث ابن عباس رواه ابن ماجه في السنن. وانظر الكلام على هذين الطريقتين مفصلًا في نصب الراية للزيلعي 137- 148. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 يتسارع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير الطعم فيظن الشارب أنه ليس بمسكر وهو مسكر. قال الرافعي: وهذا كالنهي عن الظروف التي كانوا ينبذون فيها واعترضه ابن الرفعة بأنه لو صح هذا التشبيه لا نتفت الكراهة لأن النهي عن اتخاذ الظروف نسخ. قلت: وفيه نظر لأنه -أعني- ابن الرفعة -حاول أن يكون الرافعي قد قاس على أصل منسوخ كما فعلت الحنفية فيما قدمنا وليس كذلك؛ وٍإنما شبه حكمًا بحكم من غير أن يجعل وجه الشبه أصل القياس. وإنما يرد هذا على الرافعي لو قال: "إنما"1 كرهنا شرب الخليط2 [لأن النهي عن اتخاذ الظروف نسخ] 3 وليس ذلك في كلامه. مسألة: إذا تعارض القول والفعل فالقول أقوى على الأقوى. وعندي تنقيح [لهذا] 4 القول الأقوى وهو أن القول إذا دل على الحكم من تحليل وتحريم ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف والفعل أدل على الكيفية ولذلك لما أراد "الصحابي"5 أن يثبت في الأذهان كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بحضرتهم ليريهم ذلك غير قانع بوصفه باللسان ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ولولا تصريح كثير بما ظاهره خلاف ما أقول لتركيب [الخلاف] 6 في أن الفعل مقدم أو القول على هذين الحالين وإذا عرفت أن القول مقدم؛ فنحن نذكر أمثلة من تعارض الأقوال والأفعال ثم ما اخترنا فيه قضاء الفعل على القول سببه وما جرينا فيه على الأصل في تقديم القول سكتنا عنه. فمنها: الساجد. قال الشافعي رضي الله عنه: يضع ركبتيه قبل يديه لما روى أبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر "رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"7 وهذا صريح وهو على شرط مسلم، وقال الترمذي: إنه حديث حسن.   1 في "ب" إنا. 2 في "ب" بالقياس على الظروف. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" بهذا. 5 في "أ" الفحال. 6 في "ب" الاختلاف. 7 أبو داود 1/ 222 في الصلاة/ باب كيف يضع ركبتيه "838" والترمذي 2/ 56 في أبواب الصلاة "268" والنسائي 2/ 205 في كتاب التطبيق وابن ماجه 1/ 286 في إقامة الصلاة "882" وابن خزيمة 1/ 319 "629" وابن حبان 1/ 291 "1903". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 ويعارضه حديث رواه أبو داود أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" 1 وإسناده جيد وبه أخذ مالك رحمه الله. قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: ويترجح بأنه قول وأمر وهو أقوى من الفعل وكاد يقدم على ترجيح مذهب مالك. وتوقف النووي في شرح المهذب بين المذهبين [قال] 2 ولم يرجح أحدهما من حيث السنة. قلت: وفي صحيح ابن خزيمة من حديث سعد بن أبي وقاص: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين في اليدين ... " وهذا عمدة في النسخ غير أن الشيخ الإمام توقف فيه ذاكرًا أن في إسناده ضعفًا. ومنها: سجود السهو. وروي عن الزهري: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام وبعد السلام3، وأخر الأمرين قبل السلام وهذا من تعارض الفعلين "لا القول والفعل"4 وقد بين فيه الأخير من الأمرين فأمره واضح. ومنها القيام للجنازة. قال علي كرم الله وجهه: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه ثم قعد فقعدنا" رواه مسلم5 وهو كالذي قبله.   1 أبو داود 1/ 222 في الصلاة "840" والترمذي 2/ 57 أبواب الصلاة "269" والنسائي 2/ 207، وأحمد في المسند 2/ 381 الدارقطني في السنن 1/ 344 "3"، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 99. 2 سقط في "ب". 3 1/ 319 باب ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود "منسوخ "628". 4 قال الزيلعي: اختلف الناس في هذه المسألة على أربعة أقوال فطائفة رأت السجدة بعد السلام عملًا بحديث ذي اليدين وهو مذهب الحنفية، وقال به من الصحابة علي وسعد وعبد الله بن الزبير ومن التابعين الحسن وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن بن صالح وأهل الكوفة، وذهبت طائفة إلى أن السجود قبل السلام أخذًا بحديث ابن بحينة رواه البخاري وأخذ بحديث الخدري رواه مسلم. وانظر مزيد تفصيل في نصب الراية 2/ 170. 5 2/ 262 في الجنائز/ باب نسخ القيام للجنازة "84/ 962". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر1 ثم صلاته2 الركعتين بعدها قضاء لسنة الظهر، وهو فعل خاص عارض [قولًا وفعلًا] 3 عامًا. ومنها: النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة4. ورواه ابن عمر مستدبر الكعبة ومستقبل بيت المقدس بين البيوت5 بالمدينة فخصص الشافعي وجمهور العلماء "رضي الله عنهم" القول بهذا الفعل، وقالوا: النهي عن الصلاة بعد العصر مخصوص بما له سبب كقضاء الفائتة، وعن الاستقبال والاستدبار مخصوص بالبنيان. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: "كل مما يليك" 6 وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء من جوانب الصفحة7. ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب9 قائمًا وثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك10 فحمل النهي على كراهة التنزيع، وشربه صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز، وإذا فعل لهذا الغرض لم يكن مكروهًا في حقه وقت فعله إياه.   1 البخاري 2/ 61 في كتاب مواقيت الصلاة "586"، ومسلم 4/ 567 في صلاة المسافرين "288/ 827". 2 انظر البخاري 3/ 105 حديث "1233" ومسلم 1/ 571 "297- 834". 3 سقط في "ب". 4 انظر البخاري 1/ 498 "394" ومسلم 1/ 224 في الطهارة باب الاستطابة "59/ 264". 5 انظر البخاري 1/ 250 "148" ومسلم 1/ 225 "62/ 266". 6 البخاري 9/ 521 في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام "5376" ومسلم 3/ 1599 في الأشربة/ باب آداب الطعام "108/ 2022". 7 البخاري 4/ 318 في البيوع: باب الخياط "2092" وفي الأشربة "144/ 2041". 8 مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في اللباس/ باب في منع الاستلقاء على الظهر "72/ 2099". 9 انظر صحيح مسلم في الأشربة/ باب كراهية الشرب قائمًا 3/ 1600 في المصدر نفسه حديث "116/ 2026". 10 انظر البخاري 3/ 492 "1637" وحديث "5617" ومسلم 3/ 162 "120/ 2027". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 ومنها: قال صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا مما مست النار" 1، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة وصل ولم يتوضأ2 وقال جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن القول منسوخ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم"3. وقال ابن عباس: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم4 ... قال الشافعي والجمهور الفعل ناسخ؛ لأن شدادًا قال في حديث: كنت مع رسول الله زمان الفتح لثمان عشرة خلت من رمضان فرأى رجلًا يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم5. قال الشافعي رضي الله عنه: ولم يصحب ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا قبل حجة الوداع فكان فعله سنة عشر وقوله: عام الفتح سنة ثمان؛ فالفعل ناسخ، وقيل: الفعل من خصائصه وقيل: القول مقدم. ومنها: [حديث] 6 يعلى بن أمية7 أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة -كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك" وقالت عائشة رضي الله عنها: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم أصبح محرمًا يتضمخ طيبًا. وفي رواية عنها: لقد رأيت وبيص المسك في مفرق رسول الله بعد ثلاث وهو محرم7 فرأى الشافعي وأحمد رحمهما الله وطوائف أن هذا الفعل في حجة الوداع كما جاء   1 مسلم 1/ 273 في الحيض: باب الوضوء مما مست النار "90/ 352". 2 البخاري 1/ 310 في الوضوء "207" ومسلم 1/ 273 الحيض "91/ 354". 3 أخرجه أبو داود 2/ 308 في الصوم باب في الصائم يحتجم "2369" وابن ماجه 1/ 537 في الصيام "1681" والشافعي في المسند 1/ 255 "685" وأحمد في المسند 4/ 123 والدارمي في السنن 2/ 14 والبيع في 4/ 265 والحام 1/ 428. 4 البخاري 3/ 50 في جزاء الصيد "1835" ومسلم 2/ 862 في الحج باب جواز الحجامة للمحرم "87/ 1202" وابن ماجه 1/ 537 في الصام/ باب ما جاء في الحجامة للصائم "1682". 5 ابن ماجه المصدر السابق "1681". 6 سقط في "ب". 7 البخاري 4/ 393 في الحج "1536" وفي 9/ 9 في فضائل القرآن "4985" ومسلم 2/ 836 حديث "6/ 1180" "847". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 مصرحًا في روايات كثيرة؛ فهو ناسخ لحديث الجعرانة، ورأى مالك وأبو حنيفة تخصيص الخطاب بالأمة. ومنها: قال صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر: "فإن شرب الرابعة فاقتلوه" 1 مع رواية ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسكران في الرابعة فجلده ولم يقتله وكذلك روى ابن المنذر عنه صلى الله عليه وسلم، فاعتضد كل من الإرسالين بالآخر، وحكم بنسخ الأمر بالقتل. ومنها: حديث بريدة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أوصاه بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال2. ذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ بإقدامه صلى الله عليه وسلم على القتال قبل الدعوة غير مرة. وذكر ابن عون أن نافعًا ذكر أن الدعاء إنما كان في أول الإسلام. وقيل الدعاء قبل القتل ندب. وقيل: يختص بمن لم تبلغه الدعوة. ومنها: قطعه صلى الله عليه وسلم أيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أعينهم3 ... الحديث، ثم نهى عن المثلة؛ فكان النهي ناسخًا. وهذه الصور كلها عرف فيها المتقدم. ومنها: حديث $"من أصبح جنبًا فلا صوم له"4.   1 أخرجه الترمذي معلقًا 4/ 49 في الحدود/ باب 15 عقب حديث "1444"؛ فقال روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله. وعزاه المزي في التحفة للنسائي 2/ 373 "3073" والحاكم في المستدرك 4/ 373 في الحدود باب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا. 2 مسلم 3/ 1357 في الجهاد والسير حديث "3/ 1731". 3 انظر البخاري 12/ 109 في الحدود/ باب في المحاربين من أهل الكفر "6803" ومسلم 3/ 1296 في القسامة/ باب حكم المحاربين "9/ 1671". 4 ابن ماجه 1/ 543 في باب ما جاء في الرجل يصبح جنبًا وفي البوصيري في الزوائد إسناده صحيح رواه من هذا الوجه وذكره البخاري تعليقًا في الصحيحين أن أبا هريرة سمعه في الفضل وزاد مسلم ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 مع حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام1. فالذين ذهبوا إلى العمل بالقول، وقالوا: من أصبح جنبًا فلا صوم له. شذوذ من الناس والجماهير عملوا بالحديث الآخر مفنهم من ادعى النسخ في الأول كالخطابي ولعله قامت عنده الدلالة على تقدم تاريخه، ومنهم من ترجح عنده حديث الفعل لموافقة دلالة الآية وبمرجحات أخرى. ونحن إذا قلنا بعدم القول فذلك من حيث أنه قول وقد يعضد الفعل أمور تصيره أرجح. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" 2؛ قول عارضه أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده3، وقد ذهب أحمد رضي الله عنه وإسحاق وداود وابن المنذر إلى العمل بالقول فجمعوا على الثيبت بين الجلد والرجم. وذهب الجمهور إلى العمل بالفعل وذكروا أن الجمع بينهما منسوخ، ويمكن أن يقال: إن هذا الفعل عضده قول آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" 4. الحديث ليس فيه ذكر جلد. ولو كان لبينة فيتساقط القولان ولا يخفي أن الفعل إنما يكون مرجوحًا بالنسبة إلى القول إذا لم يعضده قول، أما إذا عضده فالفعل أرجح. وهذا واضح وبه صرح أبو الحسن السهيلي في كتاب أدب الحديث. تنبيه: التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل المستقبل. فالمراتب ثلاث قول ثم فعل غير تقرير ثم تقرير؛ وإنما لم يذكر الأصوليون التقرير في مسألة تعارض الأقوال والأفعال لدخوله في الفعل وفي باب التراجيح عند التمييز بينهما. قالوا: الفعل أرجح من التقرير ومن أمثلة تعارض التقرير مع القول قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: "إذا صلى   1 البخاري 4/ 153 في الصوم حديث "1930" ومسلم 2/ 780 في الصيام حديث "76/ 1109". 2 مسلم 3/ 1316 في الحدود "12/ 1690". 3 مسلم 3/ 13231 في الحدود حديث "23/ 1695". 4 انظر البخاري 11/ 523 في الإيمان والنذور "6633"، ومسلم 3/ 13247 في الحدود "25/ 1697- 1698". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" 1 مع كونه صلى الله عليه وسلم جالسًا في آخر مرض موته والناس خلفه قيام2 وأقرهم على ذلك. فذهب قوم إلى تقديم القول جريًا على الأصل وزعموا أن فرض القيام قد يسقط بالصلاة خلف الجالس وإن عذره كالعذر لهم وعلى هذا من أصحابنا ابن خزيمة وابن حبان، وقال الجمهور منهم الشافعي رضي الله عنه هذا التقرير آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم وهو ناسخ للقول المتقدم؛ فهذا مثال لتقرير رفع حكمًا سابقًا عليه ثابتًا بالقول، وقد يرفع القول حكمًا ثابتًا بالتقرير، وهذا أولى من القسم فإنه إذا ارتفع القول [بالتقرير] 3 فإن يرتفع التقرير بالقول أولى وأحرى. ومثاله: ما في صحيح مسلم4 عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب فصنع الناس خواتيم الذهب ثم جلس على المنبر فنزعه فرمى به ثم قال: "والله لا ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيمهم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب5. وقضى العلماء بأن هذا التحريم ناسخ للإباحة التي استفيدت من تقريره الناس على متابعته في اتخاذ خواتيم الذهب. وهذا عندي موقوف على أن يكونوا لبسوه، وأن يكون جواز لبسهم كان مأخوذًا من التقرير لا من فعله صلى الله عليه وسلم المجرد؛ وإلا فهو قول نسخ فعلًا غير تقرير لا تقريرًا. ومن مشكل هذا الباب أمر تحريم الخمر فسماعي من الوالد رحمه الله أنه لم يكن نسخًا لأن شربهم إياها قبل التحريم ما كان بحكم شرعي بل بالبراءة الأصلية. وقصة حمزة تدل على وجود تقرير، وفي هذا بحث بيني وبين الشيخ الإمام ذكرته في "شرح المختصر" في مسألة التقرير وليس هو قصدي بالإشكال هنا؛ وإنما قصدي حديث رواه مسلم عن أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس إن الله   1 البخاري 2/ 173 في الأذان "389" ومسلم 1/ 308 في الصلاة "77/ 411". 2 البخاري 2/ 172- 173 في الأذان "687" ومسلم 1/ 311- 312 في الصلاة "90/ 418". 3 في "بط بالتقرير بالقول. 4 أخرجه البخاري 10/ 325 في اللباس "5876"، ومسلم 3/ 1655 في اللباس "53/ 2091". 5 انظر صحيح مسلم 3/ 1648 في كتاب اللباس حديث "3366". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرًا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه أو لينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال: صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع" 1. ظاهره يدل على أنها أبيح بيعها والانتفاع بها قبل التحريم بإذن شرعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرد على من يدعي أنها لم تحل قط، ثم هذا البيع المأذون فيه لعله من كافر لا ينتهي بالنهي حال نزول التحريم وإلا فالبائع والمشتري واحد وإذا كان من كافر ففيه دليل على أن الكافر يبيع الخمر وهو حرام عليه لا سيما عند من نكلفه بالفروع، [وقد قدمنا في مسألة تكليفه بالفروع] 2 من نص الشافعي رضي الله عنه ما ينازع في ذلك؛ ففي الحديث إشكال لعل الله ييسر حله، فما إشكاله من وجه واحد، بل من وجوه متعددة. تنبيه ثان: "الكف فعل على المختار"، وأقول على هذا أنها مرتبة بين التقرير والسكوت، فالمراتب إذًا أربع: قول، ففعل مستقبل، فتقرير، فكف -وإليه الإشارة "بقولي" في كتاب التراجيح من جمع الجوامع والقول، فالفعل غير التقرير، فالتقرير، فالكف، فالسكوت، ولنمثل لتعارض الكف والتقرير بكفه صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وتقريره إياهم على أكله لما أكلوه بين يديه وإن كان صلى الله عليه وسلم نبه على سبب امتناعه وهو العيافة لما لم يكن بأرضه قومه3. وكذلك ما كان الناس يزيدون في تلبيتهم عام حجة الوداع على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: "لبيك ذا المعارج" ونحوه من الكلام فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقول لهم شيئًا؛ كذا رواه أبو داود4، وروى مسلم5 معناه فقد كف عن قول أقرهم عليه وما ذلك فيما يعتقد إلا بجوازه ومرجوحيته بالنسبة إلى ما كان هو صلى الله عليه وسلم يقول: أو لأن كلًا من الألفاظ شائع، ثم الأفضل لنا التأسي أو لا حجر أصلًا؟ كل ذلك محتمل: تنبيه ثالث: "قد علم أن أفعاله عليه الصلاة السلام حجة وأن التقرير فعل وكذلك   1 مسلم 3/ 1205 في المساقاة "67/ 1578". 2 سقط من "ب". 3 البخاري 9/ 662 حديث "5537" ومسلم 3/ 1542 "44/ 1946". 4 2/ 162 في كتاب المناسك/ باب كيفية التلبية "1813". 5 انظر صحيح مسلم 2/ 842- 843. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 السكوت" وأقول ينبغي أن يكون الفعل مراتب أعلاها ما هو مستقل في نفسه كإقدامه علي1. "والثانية: ما هو تقرير". والثالثة: ما هو كف. والكف دون التقرير؛ فإن المفهوم من الكف الإحجام عن الفعل، وفي التقرير زيادة أفهمها على الأحجام2. والرابعة: مجرد السكوت، وهو فيما أفهم من مدلوله دون الكف؛ فإن الكف منع النفس أن تقدم على قول أو فعل، والسكوت كأنه دون هذا القدر؛ غير أن السكوت قسمان: سكوت معه استبشار بفعل الفاعل، وسكوت لا استبشار معه وكلاهما دليل الجواز؛ فإنه لا يسكت على باطل أبدًا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. ثم الاستبشار فوق التبسم فيما يظهر؛ فإني أفهم من الاستبشار محبة ما أبصر من الفعل ولا أفهم من التبسم هذا المبلغ. فإذا المراتب ست: أولها: الفعل المستقل. الثانية: التقرير. الثالثة: الكف. الرابعة: السكوت مع الاستبشار. [الخامسة: السكوت مع ما أدعي من الاستبشار] 3 كالتبسم، ولنمثل له بتحريم الغلول وإيجاب [تخميس] 4 مال الكفار مع أن عبد الله بن معقل قال: أصبت جراب شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسمًا رواه مسلم5 وبه احتج أصحابنا على جواز أكل الغانمين قدر الحاجة من الطعام وإن لم يأذن الإمام. السادسة: السكوت المجرد.   1 بياض في النسختين. 2 في "ب" الأحكام. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" تخليس. 5 متفق عليه 6/ 255 في فرض الخمس "3153" ومسلم 30/ 1393 في الجهاد "72/ 1772" واللفظ له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 تنبيه رابع: "ما ذكرناه من دلالة السكوت [عليه] 1 مخصوص بسكوت يلزم منه مفسدة لو لم يكن [السكوت] 2 عليه مخصوص بسكوت يلزم منه مفسدة لو حلالًا، أو عام في ذلك. وفي ما لا يلزم من السكوت عليه وقوع مفسدته فيه نظر للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. ومثاله: طلاق الملاعن زوجته ثلاثًا بعد فراغ اللعان، وسكت عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهل يكون سكوته دليلًا على جواز إرسال الثلاث حيث يعتبر ذلك في المنكوحة -أولًا دليل فيه هنا لأن المطلق [إرسال] 3 الثلاث ظانًا بقاء النكاح والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنها بانت منه باللعان وأن هذا الكلام لغو. تنبيه خامس: "لا فرق بين السكوت على فعل وعلى قول" فإذا قيل بحضرته صلى الله عليه وسلم هذا حلال أو هذا حرام وسكت دل على أنه كذلك. وليقع النظر هنا في واقعة ابن صياد وأن عمر4 كان يحلف "بحضرة" صلى الله عليه وسلم أنه الدجال5. وقد روى مسلم في صحيحه أن محمد بن "المنكدر" قال: رأيت جابرًا يحلف أن ابن صياد هو الدجال؛ فقلت: تحلف بالله تعالى فقال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند رسول الله فلم ينكره6. لكن هذا محمول على أنه لم ينكره إنكار من نفي كونه الدجال؛ بدليل أنه أيضًا لم يسكت على ذلك؛ بل أشار [إليه] 7 أنه متردد؛ ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قلته"؛ فردده في أمره؛ فلما صار ابن عمر يحلف على ذلك صار حالفًا على غلبة ظنه، والبيان قد تقدم من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم   1 سقط في "ب". 2 في "ب" المسكوت. 3 في "ب" أرسل. 4 في سنن أبو داود وابن عمر. 5 أبو داود 4/ 506 في الملاحم/ باب في خبر ابن صائد "4330". 6 البخاري 13/ 323 في الاعتصام حديث "7355" ومسلم 4/ 2243 في الفتن "94/ 2929". 7 في "ب" إلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 هذا سكوت عن حلف على أمر غيب لا على حكم شرعي، ولعل مسألة السكوت والتقرير مختصة بالأحكام الشرعية لا الأمور الغيبة التي قد يكون طلب الجهل بها واقعًا؛ فليتأمل ذلك والله أعلم. تنبيه [سادس] 1: قدمنا لك ما يعرفك أن قولنا: "القول مقدم على الفعل" معناه عند التعارض في حكم ما دل على حكمه قول وفعل متعارضان مطلقًا. [ولا] 2 ينقض بقوة الفعل على القول في أمور آخر لمأخذ آخر؛ ألا ترى إلى قولنا "نقل الركن الفعلي في الصلاة مبطل، وفي القول خلاف" وما ذاك إلا لأن الفعل أفحش؛ فليس ذلك من قبيل ما نحن فيه بل الفعل هناك أشد؛ فلذلك يجعل أصلًا للقول. ويقول الأصحاب في نظائره مسألة نقل الركن الفعلي والقولي: "هل يلحق القولي بالفعلي أو لا؟ فيه خلاف يظهر في مسائل. منها مسألة نقل الركن هذه. ومنها: إذا قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو أو غصبتها من زيد بل من عمرو [و] 3 سلمت لزيد، وأظهر القولين أن المقر يغرم قيمتها لعمرو؛ لأنه حال بينه وبين داره بإقراره الأول والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف إلحاقًا للحيلولة التقولية بالحيلولة الفعلية. ويعبر بعضهم عن القولين بأن الحيلولة القولية هي كالحيلولة الفعلية. ولقائل أن يقول: القول ما حال وإنما كان سببًا للحيولة؛ بل قد يقال: لم يكن شيء في يد عمرو حتى تصدق الحيلولة؛ فإن المقر به في يد المقر ولم يصدر منه غير إقرار ثان لعمرو يقتضي أنه كان يستحق قبض ما أقر به لغيره؛ فينزل اعترافه بهذا الاستحقاق منزلة تسمليه العين له ثم انتزاعه إياها من يده. وقد نبه على نحو هذا الوالد في "شرح المنهاج" في باب الإقرار. ومنها: الخلاف فيما إذا رفعت صوتها في الصلاة؛ بحيث يسمعها الرجال هل تبطل صلاتها لأن صوتها عورة قولية على رأي؛ ففي إلحاقها بالعورة الفعلية الخلاف. ومنها: شهود المال إذا رجعوا؛ فالأصح يغرمون، تنزيلًا لحالتهم القولية منزلة الغصب الذي هو حالة فعلية.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" فلا. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وهذا مثال صحيح فإن شهود المال إنما أحالوا بالقول لا بالفعل بخلاف هذا الدار لزيد بل لعمو، والله تعالى أعلم بالصواب. فصل: قدمنا أن القول أدل على الحكم والفعل أدل على الصفة، وبه علمت أنه لا ينبغي إطلاق القول بأن القول أقوى ويوضح لك هذا أيضًا أن تأثير الفعل في مفعوله أقوى من تأثير. القول في مقبولة بدليل مسائل: منها: سراية استيلاد أحد الشريكين قيل: [إنه] 1 أولى بأن يتعجل من سراية عتق الشريك. قال الغزالي في الوسيط: لأنه فعل، وهو أقوى من القول". ومنها: إذا زوج الغاصب المغصوب من المالك فأولد نفذ الاستيلاد قطعًا. ولو قال للمالك: أعتق فأعتق نفذ على الصحيح، وفي وجه لا ينفذ وإن كان الاستيلاد يثبت لأن الاستيلاد فعل وهو أقوى. ومنها: إحبال المجنون نافذ دون إعتاقه. ومنها: كثير الفعل في الصلاة سهوًا مبطل عند الرافعي والنووي كعمده، وفرق بينه وبين الكلام؛ حيث فرقنا في قليله بين العمد والسهو بأن الفعل أقوى من القول. ورجع المتولي أن الفعل في الصلاة ناسيًا -وإن كان كثيرًا لا يبطل بخلاف الكلام الكثير، وفي هذا تقوية للقول على الفعل. وعليه كلام ذكرته في التوشيخ. مسألة: الإخبار عن أمر عام قال أبو عبيد الله المازري: إنه الرواية وأن الإخبار عن أمر خاص هو الشهادة. قلت: والذي يظهر أن يقال: الخبر إن تضمن إثبات حق على المخبر فهو الإقرار، أو للمخبر على غيره فهو الدعوى، أو لغيره على غيره فهو الشهادة. [و] 2 هذا كله إذا كان خاصًا؛ فإن اقتضى شرعًا عامًا فإن كان من حكم شرعي؛ فهو الفتيا وإن كان عن3 أمر محسوس، فإن كان مما لا يتخاصم فيه الناس ويترافعون   1 في "ب" بأنه. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" غير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 إلى الحكام فهو الرواية، نحو: "الشفعة فيما لم يقسم 1 وركعتان قبل الصبح خير من الدنيا وما فيها" 2؛ فإن الناس لا يترافعون إلى الحكام في أن الشفعة هل هي فيما لم يقسم، ولا في أن ركعتي الصبح سنة بل يستفتون في ذلك وإن كان ترافع فيما هذا شأنه فإنما هو حسبة فيمن تخيلنا كذبه على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فما رواه. وليس الترافع حينئذ في المروي بل في الراوي. وإن كان مما يرتافع الناس فيه ففيه تردد والأرجح أنه شهادة. وبهذا يتبين لك أن العام ذا الترافع فيه شائبتان؛ شائبة الشهادة وشائبة الرواية، ويظهر أثره في صور: منها: هلال رمضان ومن ثم كان شهادة واكتفى فيه بواحد على الصحيح لشائبة الرواية. ومنها: عيب المبيع، قال صاحب التهذيب: إن قال واحد من أهل العلم: "إنه عيب" ثبت الرد به واعتبر المتولي شهادة اثنين. ومنها: نجاسة الماء يكفي فيه إخبار مقبول الرواية ولو عبد أو امرأة. ومنها: المرض المرخص للتيمم يكفي طبيب، وقيل لا بد من اثنين. ومنها: دخول وقت الصلاة بكفي فيه خبر الثقة عن مشهادة لا عن اجتهاد. ومنها الخارص يكفي واحد، وثالثها: إن خرص على محجوز فلا بد من اثنين. منها: كون المرض مخوفًا لا بد من اثنين، وقيل: يكفي واحد. ومنها: لو أخبر الصائم بغروب الشمس عدل واحد. قال الوالد لم أر من تعرض للمسألة إلا الروياني فقال في "البحر" إنه لا بد في الشهادة على غروب الشمس من اثنين كالشهادة على هلال شوال ثم استشكله الوالد رحمه الله في شرح المنهاج. ومنها: إذا شهد عدل واحد بطلوع الفجر في رمضان هل يلزم الإمساك أم لا بد من اثنين؟ قال الروياني: يحتمل وجهين.   1 البخاري 4/ 407 في البيوع "2213" و 4/ 408 "2214" و 4/ 436 في الشفعة "2257". 2 مسلم 1/ 5014 في صلاة المسافرين "96/ 725". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 قلت: ومال الوالد رحمه الله إلى ترجيح قبول الواحد كما في المسألة قبلها وهو الغروب. مسألة: خبر الواحد وإن خالف قياس الأصول مقدم على القياس: وعليه مسائل: منها: ذكاة الجنين ذكاة أمه: لحديث أبي سعيد الخدري: سألنا رسول الله عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة1. وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" أخرجه ابن حبان. وروي الدراقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجنين: "ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" 2 قال الدارقطني: الصواب أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما. قلت: وخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن نصر الأنطاكي عن أسامة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، ثم قال: لم يروه مرفوعًا عن عبد الله إلا أبو أسامة تفرد به عبد الله بن نصر الأنطاكي. وقال أبو حنيفة: لا يذكي الجنين بذكاة أمه. وأصل المسألة أن الجنين يجري مجرى جزء من أجزاء الأم، ومن ثم يمنعهم كون الخبر مخالفًا لقياس الأصول وعندهم هو شخص مستقل ومن ثم يدعونه مخالفًا لقياس الأصول فلا يقبلونه. ومنها: إذا أعتق في مرض موته عبيدًا لا مال له سواهم ولم يجز [الورثة] 3. جميعهم [بالعتق] 4 فالعتق في الثلث بالقرعة.   1 أحمد في المسند 3/ 31 - 53 وأبو داود 3/ 103 في الأضاحي "2827" وابن ماجه 2/ 1067 في الذبائح حديث "3199" ومن حديث جابر عند الدارمي 2/ 84 وأبو داود 3/ 103 في الأضاحي حديث "2826" والحاكم 4/ 114 في الأطعمة وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهب. 2 4/ 271 "24". 3 سقط في "ب". 4 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وقال أبو حنيفة: يعتق من كل واحد بالحصة ويستبقي في الباقي. ومعتمدنا ما في صحيح مسلم1 من حديث عمران بن حصين أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكنله مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولًا سديدًا. مسألة: خبر الكافر مردود ويستثنى مسائل: منها: إذا أم بقوم ثم أعلمهم أنه غير مسلم يجب عليهم الإعادة كما إذا تبين من غير إعلامه، نص عليه الشافعي رضي الله عنه في باب صلاة الرجل بأقوام لا يعرفونه فقال: وإذا صلوا مع رجل صلاة كثيرة ثم أعلمهم أنه غير مسلم أو علموه من غيره أعادوا كل صلاة صلوها خلفه. قال الوالد رحمه الله: ولولا هذا النص لكان يظهر أن. يقال: لا يقبل قوله إلا أن يسلم بعد ذلك ويخبر بإحالة التي تقدمت. ومنها: لو شهد جماعة ذميون بأن هذا قتل فلانًا فهو لوث على الأصح. ومنها: قال الماوردي: إذا أخبر كافر الشفيع بالبيع ووقع في قلبه صدقه لم يغدر في تأخير الطلب وكان تأخيره مسقطًا للشفعة. والأصحاب أطلقوا أنه يعذر إذا أخبره كافر؛ فإما أن يكونوا مخالفين لهذا وإما أن يحمل إطلاقهم على ما إذا لم يقع في نفسه صدقه. قال الولد وعلى هذا ينبغي أن يكون القول قوله في أنه لم يقع في نفسه صدقه. ومنها: وجه حكاه الرافعي في باب الوصية عن أبي سلميان الخطابي أنه يجوز العتدول من الوضوء إلى التيمم بقول الطبيب الكافر كما يجوز شرب الدواء من يده ولا يدري أهو دواء أم داء، ولم يستبعد الرافعي طرده فيما أخبر بأن المرض مخوف. مسألة: خبر الصبي وإن لم يجرب عليه الكذب مردود في الأصح إلا مع القرينة كالإذن في دخول الدار وحمل الهداية على الأصح.   1 3/ 1288 في الإيمان/ باب من أعتق شركًا له "56/ 1668". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 هذا هو الأصل ويستثنى صور فيقبل فيها خبره وفي غير ما ذكر وهي فيما طريقه المشاهدة كما دل أعمى على القبلة، نقله النووي عن الجمهور في شرح المهذب في باب الأذان عند الكلام على أذن الصبي. مسألة: خبر الفاسق مردود وقد يستثنى من هذا من أخرج القذف مخرج الشهادة ولكن لم يتم العدد؛ فإنه فاسق [إن] 1 أوجبنا عليه الحد كما صرح به الماوردي والروياني في باب شهادة القاذف والرافعي في باب حد الزنا. وصريح كلام الشيخ أبي حامد في التعليقة أنه فاسق مطلقًا أوجبنا عليه الحد أو لم نوجبه مع اتفاقهم على قبول خبره دون شهادته، وفرقهم بغلظ أمر الشهادة. وهو مشكل كيف يحكمون بفسق من يقبلون روايته وقد صرح بقبول روايته الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي الحسين والمارودي والروياني. مسألة: الصحيح عندي أن تكذيب الشيخ للراوي عنه لا يسقط المروي. فما ظنك بما إذا لم يكذبه ولكن تردد وشك، وفيه مسائل: منها: حديث لا نكاح إلا بولي. الذي رواه سليمان بن موسى عن الزهري2. زعم الخصوم أن الزهري ذكر له سليمان بن موسى فقال: لا أعرفه وتسلطوا بهذا على رد الحديث.   1 سقط في "ب". 2 أحمد في المسند 4/ 394، الدارمي في السنن 2/ 137، وأبو داود 2/ في النكاح "2085" والترمذي 3/ 407 "1101"، وابن ماجة 1/ 605 "1881" وابن حبان ذكره الهيثمي ص 304، الحاكم 2/ 169. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 كتاب الإجماع : مسألة: الإجماع السكوتي حجة وليس بإجماع خلافًا للخصوم ولسنا نورث المبتوتة في المرضى على الجديد وإن ورث عثمان تماضر بنت الأصبغ من زوجها عبد الرحمن بن عوف وقد طلقها آخر تطليقاتها الثلاث وتوفي وهي في العدة لأنه لم يحصل إجماع سكوتي بل صرح ابن الزبير وغيره بمخالفته. ولا يستوفي القصاص الثابت للصغير والكبير حتى يبلغ الصغير وإن قتل ابن ملجم قاتل علي كرم الله وجهه ولم ينتظر بلوغ صغار الورثة ولا أنكر ذلك صحابي لأنا لا نسلم أن ابن ملجم قتل قصاصًا بل كفرًا لاستحلاله قتل علي كرم الله وجهه أو حدًا لكونه قتل الإمام الأعظم، وقد قال بعض أصحابنا: إن القتل حد قاتل الإمام الأعظم. فإن قلت: إن [استثبت] 1 لكم الجواب عن هاتين المسألتين فلم يثبت عن قول الإمام الشافعي رضي الله عنه [المشهور عنه] 2: لا ينسب لساكت قول فإنه صريح في مخالفتكم في قولكم أن السكوتي ليس بحجة. قلنا: قد تكلمنا عن هذه العبارة في شرح المختصر بما لا نطيل بإعادته وحظ الفقيه منها أن نقول هنا: في القاعدة مسائل عد كثيرًا منها أبو سعد الهروي في أواخر الأشراف وأنا أذكر ما ذكره مع زيادات. فمما ذكره: سكوت النبي صلى الله عليه وسلم وسكوت المجتمعين وهذا من مسائل الأصول. وسكوت البكر مع الأب والجد استثناه من قولنا: السكوت لا يكون رضي.   1 في "ب" اشقيت. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وهو صحيح لكنه لا يستثنى من قولنا: لا ينسب إلى ساكت قول لأنا لم ننسب إلى البكر بالصمات قولًا وإنما نسب إليها رضي دل عليه الصمات ولا يلزم من عدم نسبه القول عدم نسبة الرضا بل يقول لا ينسب الرضا أيضًا بال الشارع اكتفى بالصمات لدلالته على الرضى؛ حيث قال [في البكر] 1: إذنا صماتها2 كما أكتفي بلفظ البيع لدلالته على الرضا. وإذا حفظت هذا الجواب اعتبرت به أكثر ما سنعده من مسائل قد يتخيل ورودها نقضًا. ومنها: سكوت الولي بين يدي الحاكم وقد طلبت منه التزويج فإنه عضل والكلام فيه كالكلام في صمات البكر، ومنها سكوت المضمون له وقد شرطنا رضاه؛ حيث يكتفي به على خلاف فيه. ومنها: سكوت المجهول الذي قذفه قاذف مدعيًا أنه عبد؛ فإذا سكت بعد القذف ولم يدع الحرية وطالب بالحد لا يجب، ولا يجري فيه القولان فيما إذا قال القاذف: هو عبد، وقال المقذوف: بل أنا حر كما صرح به الماوردي. ومنها: إذا بلغ اللقيط وسكت ولم يصف الإسلام ولا الكفر ففي وجوب القصاص على قائله خلاف. ومنها: الخطبة حرام إن صرح بالإجابة دون من إذا سكت على ما قال الرافعي في المحرر ولكن في الشرح خلافه كلاهما في كتاب البيع. ومنها؛ إذا أراد الأب تزويجها بغير كفء؛ ففي الاكتفاء بالسكوت وجهان. ومنها: إذا استأذن الولي البكر في تزويجها بغير نقد البلد أو بأقل من مهر المثل ففي آخر النكاح عن القاضي الحسين تنزيل سكوتها منزلة إذنها وفي الفصل الثامن في اجتماع الأولياء عن البغوي فيه طريقان. ومنها: نص الشافعي "رضي الله عنه" في الإيلاء على أن الرجل إذا. قال: هذه زوجتي فسكتت ومات ورثته، وإن ماتت هي لم يرثها. ومنها: إذا علم البائع أن المشتري يطأ الجارية مدة الخيار وسكتـ فالأصح لا   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 2 مسلم 2/ 1037 في النكاح "66/ 1421". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 يكون سكوته إجازة، وكذا لو سكت على وطء أمته لا يثبت المهر أو على إتلاف ماله لا يسقط الضمان. ومنها: لو حلق الحلال رأس المحرم وهو ساكت فالأصح أنه كما لو حلق بأمره، فلتلزمه الفدية. ومنها: لو حمل أحد المتعاقدين من مجلس الخيار وأخرج وهوساكت فالأصح لا يبطل خياره. ومنها: لو طعن الصائم بغير أمره طعنة وصلت إلى جوفه ولم يدفع عن نفسه فأقيس الوجهين عند النووي أنه لا يفطر. ومنها: إذا سمع رجل يقول عن مراهق أو بالغ: هذا ابني جاز أن يشهد له بالنسب وإن لم يتكرر على الأصح. ومنها: إذا التقط العبد وسكت عليه السيد فالأظهر أن الضمان برقبته وسائر أموال سيده. ومنها: لو حلف لا يدخل الدار فأدخل ساكتًا. قال الرافعي: الظاهر لا يحنث ومنهم من جعل دخوله بمثابة الإذن في الدخول. ومنها: إذا اشترطنا قبول الوكيل ففي نطقه خلاف. ومنها: السوم على السوم إذا حصل الرضا حرام وهل السكوت من أدلة الرضا؟ قال الأكثرون: نعم، وقيل: على الخلاف في الخطبة. ومنها: لا يحرم البيع على البيع إذا أذن البائع أن يباع على بيعه ولو استأذنه البائع الثاني فسكت ففيه نظر. ومنها: قال أبو سعد الهروي: إذا نقض واحد الهدنة فسكت الباقون انتقض أن عقد السيد الهدنة وسكت الباقون انعقدت. قال أبو سعد: وكل حق على الفور إذا سكت عنه مع الإمكان بطل كالشفعة ورد المعيب والقبول والاستثناء. ومنها: رأيت فيما علقه شبيب الرحبي من مسائل ومشكلات سئل عنها أبو نصر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الصباغ رحمه الله أن أبا نصر سئل عن من رأى رجلًا يكلم امرأة هل له أن ينكر عليه؟ فقال بمجرد الكلام ليس له الإنكار إلا أن تكون مكشوفة الوجه وهي ممن يخاف بها الافتتان ورآه ينظر إليها. قيل له: فإن أدعي أنها زوجته؟ قال: إن صدقته فلا ينكر، وإن سكتت فلم تصدفه ولم تكذبه- قال ينبغي أن يسقط الإنكار. انتهى. والذي نقله الرافعي عن المارودي وسكت عليه فيمن رأى رجلًا واقفًا مع امرأة في شارع مطروق أنه لا ينكر عليه وإن كان في طريق خال؛ فهو موضع ريبة فينكر ويقول: هب أنها محرم لك فصنها عن مواقف الريب. ومنها: حلف لا يدخل الدار فحمل بإذنه فدخل حنث وإن حمل ساكتًا فوجهان أو قهرًا فلا. ومنها: من قصد قطع يد الغير ظلمًا فسكت المقصود حتى قطع فالأصح عند الرافعي في باب استيفاء القود أن سكوته لا يكون إهدارًا والوجهان مأخوذان من تردد الأصحاب في أن الزانية لا تستحق المهر؛ فقيل: لأن الوطء غير محترم، وقيل: لأن التمكين رضا في العرف وعليه فالتمكين من القطع إباجة. ومنها: السكوت في جواب الدعوى كالإنكار. ومنها: باع بالغًا وهو ساكت جاز الإقدام على شرائه لأنه لو كان حر التكلم فسكوته كالتصديق خلافًا للشيخ أبي محمد فيما حكاه الرافعي عنه في أوائل باب الدعوى. ومنها: الأمان يرتد برد الكافر؛ فلو سكت ففي كونه قبولًا تردد للإمام. قال: والظاهر أنه لا بد من القبول وهو المذكور في الوجيز واكتفى في التهذيب بالسكوت. قلت: وهو الأرجح. ومنها: المودع والمستعير إذا سكتا عن إتلافهما مع القدرة على الدفع ضمنًا. تنبيه: إذا تأملت هذه الفروع عرفت أنا لم ننسب إلى ساكت قولًا في شيء منها وإن ألمزمناه غرمًا أو علقنا به ضمانًا أو نسبنا إليه رضنا أو نزلنا سكوته منزلة منكر فكل ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 غير وارد على عبارة الصاحب المطلي رضي الله عنه ورب سكوت يوقع في الإثم كسكوت القادر على إنكار المنكر؛ حيث يجب الكلام ورب سكوت هو طاعة وهو عما لا خير في النطق به، وينقسم إلى واجب ومندوب. مسألة: إذا اختلفت الأمة على قولين ثم ماتت إحدى الطائفتين؛ ففي صيرورة قول الباقين إجماعًا خلاف جزم الإمام فخر الدين بأنه يصير، وعزا ابن الحاجب إلى الأكثر أنه لا يصير، والمختار الأول لكن هو دون الاتفاق المجرد على أحد قولي الأولين. إذا عرفت هذا فقد ذكر المتولي أن في المسألة قولين وخرج عليهما ما إذا قال أحد الاثنين الحائزين: هذا أخونا وأنكر الآخر فمات المنكر فهل يثبت نسه عند موته؟ وهذه عبارته قال في "التتمة" في باب الإقرار: الثامن لو مات عن ابنين فأقر أحدهما بابن لأبيه وأنكر الآخر ثم مات المنكر ولا وارث له غير الأخ المقر فهل يحكم بثبوت النسب؟ فعلى وجهين. أحدهما: يحكم لأن الحق صار له على الخصوص. والثاني: لا يثبت، لأن النسب ما كان ثابتًا في حياته؛ فموته لا يجوز أن يكون سببًا في ثبوت النسب. وعلى هذا لو مات الابن المنكر عن ابن ثم إن ابن المنكر وافق عمه في الإقرار بالنسب فهل يحكم بثبوته أن لا؟ فعلى هذين الوجهين. وأصل هذه المسألة مسألة في الأصول وهي إذا وقع بين أهل العصر خلف في مسألة وصاروا فرقتين ثم مات فريق منهم فهل تصير المسألة مسألة إجماع، والمسألة مشهورة بالقولين، فإذا قلنا: ينقطع خلافهم بموتهم فهاهنا يسقط حكم الإنكار بالموت وإن قلنا: لا تصير المسألة إجماعًا ويبقى حكم خلافهم بعد موتهم فلا يثبت النسب هاهنا لاعتبار إنكار الميت. انتهى. والذي صححه المشايخ الرافعي والنووي والوالد أنه يثبت النسب. مسألة: كثر من الصحابة رضي الله عنهم نحو قوله: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. واضطرب أرباب الأصول في أنه هل يعم الفعول إذا كانت صيغته صيغة عموم نظرًا إلى الصيغة أو لا تعم نظرًا إلى أن صيغة فعل تقتضي تقدم معهود خاص فيكون مقدمًا على العموم؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وهذا الثاني هو المختار عندنا في الأصول وعليه من أئمتنا الشيخ أبو حامد وابن السمعاني والغزالي والإمام فخر الدين. وقد وقعت هذه الصيغة التي نبحث عنها في أحاديث كثيرة. منها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر؛ رواه مسلم1. "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن". رواه الشيخان2. "نهى ر سول الله صلى الله عليه وسلم وثمن الدم وكسب الأمة ... " رواه البخاري3 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة رواه مسلم4. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام وعما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شرءا الصدقات حتى تقبض وعن ضربة [الغامض] 1 رواه ابن ماجة5 والدارقطني. "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة وعن الثنيا رواه مسلم6. وروى أيضًا: "نهى عن بيع الثمر بالتمر" 7. "نهى عن بيع الصبرة من التمر لا يعرف مكيلها بالكيل المسمى من التمر" 8. "نهى عن بيع حبل الحبلة" 9.   1 3/ 1153 في البيوع باب بطلان بيع الحصاة "4/ 1513". 2 البخاري في البيوع باب ثمن الكلب حديث "2237" "2282" "5346" "5761" ومسلم 3/ 1198 في المساقاة باب تحريم ثمن الكلب رقم 39/ 1567. 3 4/ 497 في البيوع باب ثمن الكلب "2238". 4 تقرر ضمن حديث بيع الغرر. 5 ابن ماجه 2/ 740 "2196" والدارقطني في السنن 3/ 15. 6 3/ 1175 في البيوع "85/ 1536". 7 البخاري 4/ 387 في البيوع "2191" ومسلم 3/ 1170 "67/ 1540". 8 مسلم 3/ 1162 في البيوع حديث "42/ 1530". 9 البخاري 4/ 356 في البيوع "2143" ومسلم 3/ 1153 كتاب البيوع حديث "5/ 1514/ 6/ 1514". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 "نهى عن بيعتين في بيعة"1. " نهى عن بيع ضراب "الجمل" وعن بيع الماء والأرض" 2. وفي البخاري "نهى عن عسب الفحل" 3. وفيهما "نهى عن الملامسة والمنابذة" 4. ومن مشهور الأحاديث: "نهى عن بيع العربان5. "نهى عن بيع المضطر"6. "نهى عن بيع الثمرة قبل أن تدرك"7. "نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان -صاع البائع وصاع المشتري"8. " نهى عن بيع الكالي بالكالي" 9 أي الدين بالدين. "نهى عن بيع المجر"10 أي بيع الحمل أو جعله ثمنًا. "نهى عن بيع وشرط"11. "نهى عن بيع فضل الماء" 12.   1 الترمذي 3/ 533 في البيوع "1231" وقال حسن صحيح والنسائي 7/ 295 في البيوع وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة الحاكم 2/ 17 والبيهقي 5/ 343. 2 مسلم 3/ 1197 في المساقاة "35/ 1565". 3 البخاري 4/ 461 حديث "2284". 4 البخاري 10/ 278 في اللباس "5820" ومسلم 3/ 1152 في البيوع "3/ 1512". 5 مالك في الموطأ 2/ 609 "1" وأبو داود 3/ في البيوع حديث 3502 وابن ماجه 2/ 738 "2192" "2193". 6 أبو داود 3/ في البيوع حديث "3382" وأحمد في المسند 1/ 116. 7 أخرجه أحمد في المسند المصدر السابق. 8 الدارقطني في السنن 3/ 8 "24". 9 الدارقطني 3/ 71- 72 في البيوع حديث "269"- 270" والحاكم 2/ 57 وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي 5/ 290. 10 البيهقي عن ابن عمرو الفتح الكبير 3/ 276. 11 أخرجه الطبراني في الأوسط نصب الراية 4/ 17. 12 مسلم 3/ 1197 في المساقاة حديث "34/ 1565". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 كتاب القياس : مسألة: استعمل علماؤنا قياس العكس في مسائل شتى ولنفتتح بما يحضرنا من منصوصاتها: منها: قال الشيخ الإمام "رحمه الله" في كتاب نور الربيع من كتاب الربيع [وهذا] 1 المصنف الذي وضعه على كتاب الأم قاس الشافعي رضي الله عنه المدبر في جواز بيعه مديونًا كان سيده أو لا على المكاتب والمستولدة في امتناع بيعها مديونًا كان سيدها أولًا. ومنها: إذا كان في بلد الكفار أو قلعتهم مسلم ففي جواز قصدها بالمنجنيق والنار مع إمكان أنه يصيب ذلك المسلم. قولان. أصحهما الجواز؛ علله الشافعي رضي الله عنه بأن الدار دار إباحة فلا يحرم القتال بكون المسلم فيها كما أ، دارنا لا تحل بكون المشترك فيها. مسألة: في إثبات اللغة بالقياس خلاف مشهور. والقول به هو ما عليه كثير من الشافعية أو أكثرهم وكان أبو العباس بن سريج يناظر عليه ويكثر استعماله، وكان إذا سئل عن حد اللوطي يقول: أنا أدل على أنه زان فإذا ثبت لي ذلك ثبت أنه محدود بنص الكتاب. وإذا سئل عن مسألة النبيذ قال: أنا أدل على أنه خمر وإذا ثبت فحذ الخمر منصوص. وكذلك يقال في النباش فإنه يقطع عندنا بسرقة الكفن من قبر ليس في مفازة فيثبت أنه سارق، ثم يقول: قطع السارق منصوص. وقد كنت لا أرى استعمال هذه   1 وفي "ب" وهو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 الطريقة زمنًا وقلت في شرح المختصر: لو كان قطع النباش بالقياس اللغوي وهو تسميته نباشًا لقطع سارق ما عدا الكفن من القبر والأصح خلافه. والآن يرتجح عندي استعمالها. وأقول في جواب ما ذكرته في الشرح: أن سارق ما عدا الكفن لا يسمى في العرف نباشًا ولا في اللغة؛ فإنهم لم يضعوا اسم النباش إلا لما يتبادر إلى الذهن مما يفعله النباش وهو سرقة الكفن لأنه الغالب وسرقة ما عداه نادر لندرة وضع ما عدا الكفن في القبر، ولأنه ليس حرزًا بالنسبة إلى غير الكفن كما أنه ليس حرزًا لكفن في المفازة، فافهم هذا الجواب فهو حسن. مسألة: القياس يجري في الكفارات خلافًا لأبي حنيفة. وعليه مسائل: منها: إذا جامع في يومين من رمضان واحد يلزمه كفارتان لتماثل السببين. وقال أبو حنيفة: كفارة واحدة لتعذر الإلحاق عنده هاهنا. ومنها: تجب الكفارة على صائم أفسد صومه باللواط أو إتيان البهيمة وإن كان النص إنا ورد في مجامع امرأته كما يجب على الزاني ومن جامع امرأته إن لم يرد النص فيهما، وفي البهيمة والإتيان في الدبر وجه. ومنها: إذا تعمد الجماع حتى طلع الفجر ولم ينزع فعليه الكفارة قياسًا لدفع الانعقاد على قطع المنعقد، وهو في الحقيقة قياس لدافع على دافع، فهو قياس الأدون، وعند أبي حنيفة لا يجب. ومنها: قتل العمد يوجب الكفارة قياسًا على الخطأ وهو قياس أولى لأنه إذا وجب في الخطأ فالعمد أولى. وقال أبو حنيفة: لا يجب إذ لا قياس في الكفارات. ومنها: اليمين الغموس كذلك. ومنها: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فأصح القولين وجوب الكفارة إذا لم ينو شيئًا، كما إذا قال ذلك لأمته، إذ فيه الكفارة على الأصح أيضًا. قال الشافعي رضي الله عنه: لأنه تحريم فرجين حلين بما لم يحرمانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 مسألة: جهد أصحاب الرأي من حيث لا يشعرون فعمموا القول بأن صور الأسباب الشرعية هي المعتبرة في الأحكام دون معانيها وإن وضحت وضوح الشمس. وخصص الإمام المطلبي رضي الله عنه ذلك بالصور التي تضطرب معانيها أو تخفي أو تدق عن الأفهام وتوجب مزيد الخبط رفعًا للتشاجر كيلا يتسع الخرق بزوال الضبط، وحملًا للحنفية السمحة فيما هذا شأنه واسنحابًا على المعاني وإظهارًا للحكم فيما يلوح وجهه. ومن ثم تقول: ترخص المسافر دائر مع السفر وجودًا وعدمًا لا مع المشقة لعدم انضباطها وهذا فيما لا ينضبط أو يتعسر الاطلاع على مضمونه. وأما المنضبط الذي يمكن ظهور معناه؛ فلا سبيل إلى طرحه بالوراء وربما يعبر عن هذا بأنه يجوز التعليل بالحكمة إذا انضبطت كما يجوز بالمظنة. وعلى الأصل مسائل: منها: أن المشرقي إذا تزوج بمغربية ثم أتت بولد لمدة ممكنة وهي ستة أشهر فصاعدًا قال الشافعي "رضي الله عنه"1 لا يلحق به لاطلاعنا على مضمون السبب، إذا من بالمشرق لا يحبل من بالمغرب، فلتلغ صورة السبب ويتعلق بمضمونه. وهذا بخلاف من يراه يدخل على زوجته ويخرج فإنا نلحق به ولدها حيث يمكن كونه منه وإن لم نعلم أنه وطئها إحالة على صورة الفراش لتعذر الاطلاع على المضمون. أما المشرقي مع المغربية فقد أمكننا الوقوف على مضمون السبب وعلمنا قطعًا أن الولد ليس منه؛ فلم تعتبر صورة للسبب. وقال أبو حنيفة "رحمه الله": يلحق لوجود صورة السبب وهو الفراش وجعل الإلحاق أمرًا شرعيًا غير منظور فيه إلى الإمكان العقلي. وقال بعض المتأخرين: إن مأخذه احتمال قرب المسافة بينهما على وجه الكرامة؛ فإنه لا يمتنع في مقدور الله أن يطوي الأرض لولي من أوليائه فيخطو خطوة تعم ما بين المشرقين. وهذا زلل وحيد عن صورة المسألة فلسنا نعني بصورة المشرقي مع المغربية إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 صورة نعلم فيها انتفاء الوطء، فلو قدر وجوده "استحالت صورة المسألة". ونظير المسألة أن يتزوج امرأة حاضرة ثم يطلقها من ساعته في مجلس العقد وقد شاهده الحاضرون غير مختل بها ثم تجيء بولد فإنه لا يثبت نسبه منه خلافًا لهم. ومنها: لو نكح أمه أو أخته أو محرمًا من محارمه أو المطلقة ثلاثة أو المعتدة أو المجوسية ثم وطأها بمقتضى هذا العقد؛ فإنه يحد ولا مبالاة بصورة العقد الخالية عن مضمونه، ولا يصلح شبهة دارئة للحد. خلافًا لأبي حنيفة حيث اعتقد أن صورة العقد هي السبب المبيح في موضع الوفاق ثم تطرق بذلك إلى جعله شبهة هنا في ردء الحد وإن لم يبح. ومنها: إذا استأجر امرأة للزنا فزنا بها حد خلافًا لهم أيضًا والمأخذ ما ذكرناه. مسألة: قال علماؤنا: حكم الأصل مضاف إلى العلة وعليه المالكية، وقالت الحنفية: مضاف إلى النص، واتفق الكل على أن حكم الفرع مضاف إلى العلة. ومن ثم مسائل: منها: التعليل بالقاصرة جائز عندنا لكونها تعرف الحكم المنصوص، ولغير ذلك. وقالوا: لا يجوز، لأن المنصوص معروف بالنص، ولا فرع فلا فائدة. ومنها: من شرط العلة أن لا يكون ثبوتها متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل؛ فإنه لو تأخر كان الحكم في الأصل ثابتًا بلا مثبت لأن مثبته العلة أو يلزم أن يكون تعبدًا ثم انقلب معقول المعنى، وذلك لا يضر كما قررت في شرح المختصر. والخصوم لا يشترطون ذلك؛ لإضافتهم الحكم إلى النص وهو موجود وإن لم توجد العلة، ومن ثم يلزمهم إيجاب النية في الوضوء بالقياس على التيمم وإن كان بعد الوضوء. ومنها: يحرم قليل النبيذ وكثيره كالخمر. وقالوا: لا يحرم بخلاف الخمر فإن حرمة الخمر ثابتة بالنص وهو نص عام فشمل قليله وكثيرة بعلة الإسكار وحرمة النبيذ وهو الفرع ثابتة بعلة الأصل وهو الإسكار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فلا بد من وجودها فلا يحرم مه قدر لا يسكر. وقد ذكر ابن الانباري في أول كتاب القياس من شرح البرهان هذه الفائدة لهذا الخلاف مع أن تلميذه ابن الحاجب ذكر في المختصر أن الخلاف لفظي وتعقبناه في شرح المختصر. مسألة: العلة القاصرة صحيحة عند الشافعي ومالك وأحمد باطلة عند أبي حنيفة "رحمه الله". وقد ذكرنا أنها من فروع أن الحكم في الأصل يضاف إلى العلة أو إلى النص؟ ومن فروعها مسائل: منها: تعليل الربا في النقدين بجوهريتهما أو بتثمينهما. ومنها: تعيين الماء لرفع الحدث وإزالة الخبث لاختصاصه بنوع لا يشاكره سائر المائعات. ومنها: أن الخارج من غير السبيلين لا نيقض الوضوء؛ لأن العلة قاصرة على محل النص وهو الخروج من المسلك المعتاد. واعتقد أبو حنيفة أن العلة في الأصل خروج النجاسة من بدن الآدمي فقال: ينقض بالقصد والحجامة ونحوهما. ومنها: لا يوجب فطر في نهار رمضان كفارة إلا الفطر بالجماع الوارد في الحديث والعلة مقصورة على الوقاع. وأعتقد أبو حنيفة عموم الإفساد فعدى الحكم إلى الإفطار بالأكل والشرب. ومنها: علة وجوب نفقة الأقارب البعضية. وقال أبو حنيفة: عموم الرحم. ومنها: من ملك واحدًا من فروعه أو أصوله عتق عليه، وقال مالك: يعتق الوالدان والمولودون والإخوة والأخوات، وقال أبو حنيفة وأحمد: يعتق كل ذي رحم محرم. فالعلة عندنا البعضية كما في النفقات، والخصوم يحتجون بحديث: من ملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 ذا رحم فهو عتيق وفي لفظ: من ملك ذا رحم فهو حر1 ولوصح الحديث لما كان عنه مخلص، ولوجب الرجوع إليه ولكنه وإن رواه أصحاب السنن الأربعة متكلم في إسناده من قبل أن راويه حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب والكلام في سماع الحسن عن سمرة شهير ومن قبل أن حماد انفرد به وشك فيه عن الحسن عن سمرة فيما يحسب حماد ثم إن غير حماد خالفه فيه وروي موقوفًا بإسناد آخر، وقال البيهقي: الحديث إذا انفرد به حماد ثم شك فيه ثم خالفه من هو أحفظ منه وجب التوقف فيه. مسألة: التماثل في العلة قد يمنع تأثيرها في عليتها. وهذا أصل لم أجد للأصوليين فيه كلامًا ولكن تلقفته من كلام الفقهاء. ويتضح بأمثلة: منها: يجوز اقتداء الأمي بمثله واللاحن لحنًا يغير المعنى بمثله. ومنها: لو جلل الكلب والخنزير بجلد كلب أو خنزير جاز في الأصح لاستوائهما في غلظة النجاسة. ومنها: في العيوب المثبتة للخيار إذا كان بكل واحد من الزوجين مثل ما بصاحبه ثبت لكل منهما الخيار على الأصح. ومنها: لو تحاكم إليه أبوه وابنه فالأصح لا يحكم بينهما. ومنها: لا يجوز اقتداء من لم يجد ماء ولا ترابًا بمثله على الأصح. مسألة: في القياس على الخارج من القياس لمعنى خلاف ذكرته في شرح المختصر. والذي أراه الآن جزم القول بالقياس عليه بشرط أن يكون عليه أشبه به من غيره؛ فإنه في الحقيقة فرع اجتذبه أصلان فيلحق بأشبههما. ورأى إمام الحرمين عدم القياس عليه وصمم على ذلك في كتبه الفقهية والأصولية. ثم قال: وقد حكى الوجهين فيمن تنفئل مضطجعًا مع العجز عن القعود ومن يجوز   1 أخرجه أحمد في المسند 5/ 20 وأبو داود 4/ 26 في العتق "3949" والترمذي 3/ 646 في الأحكام "1365" وابن ماجة 2/ 843 في العتق "2524" والحاكم 2/ 214 وصححه وأقره الذهبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الاضطجاع يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتحكبير وغيرهما على ذكر القلب. قال الإمام: وهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وإن ارتكبه من صار إليه كان طاردًا للقياس؛ لكنه يكون خارجًا عن الضبط مقتحمًا. قلت: ووجه خروجه واقتحامه قياسه على صورة خارجة عن القواعد وهي تجويز صلاة القادر على القعود مضطجعًا لكن ذلك هو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن صل نائمًا فله نصف أجر القاعد" 1. فإن قلت: فيلزمك ما التزم به الإمام من تجويز ذكر القلب. قلت: لا يلزمني ذلك لا على رأي ولا على رأيه أما على رأيه فلأنه قياس على صورة مستثناة، وأما على رأيي فلما قاله الرافعي من أنه لا يلزم من جواز الاقتصار على الإيماء في الأفعال جواز الاقتصار على ذكر القلب فإن الأفعال أشق من الأذكار فهي بالمسامحة أولى. فإن قلت: الإمام قد بين أن العكس أولى فإن ذكر القلب إلى قراءة اللسان أقرب من إجراء إرسال الأفعال في ذكر مجرى صورتها فعلًا لأن من الناس من يقول إن حقيقة الكلام الفكر القائم في النفس. قلت: كذا اعترض به ابن الرفعة على الرافعي، ولكن عندي [فيه] 2 نظر فإن ذكر اللسان مطلوب في الصلاة كالأفعال، ومن لم يذكر لسانه لم يأت بذلك المطلوب كمن لم يفعل بجوارحه ففواتهما واحد وذكر اللسان أخص فكان الفعل بالتسامح أولى، وإن كان ذكر القلب أقرب إليه. إذا عرفت هذا فاعلم أن كثيرًا من الحنفية على هذا الرأي وهو عدم القياس على معقول المعنى الخارج عن القياس. ومنشأ [الخلاف] 3 بيننا وبينهم من أجل ذلك في مسائل:   1 البخاري 2/ 586 في تقصير الصلاة حديث "1116". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" النزاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 منها: تخالف المتبايعين والسعلة هالكة فجوزناه قياسًا على القائمة مع أن فيه حديثًا. ومنعوه زاعمين أن الحديث إنما ورد في القائمة وأن التخالف من أصله على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص. ومنها: تتحمل العاقلة ما دون أرش الموضحة؛ لأن المقادير متساوية بالنسبة إلى الجناية والنسبة إلى العاقلة بالتحكم بالتخصيص محال. وعندهم لا يضرب على العاقلة لأن الضرب على العاقلة خارج عن القياس فلا يقاس عليه. وقد ذكرنا في شرح المختصر مسألة العرايا فلا نعيدها. ومن المسائل المختلف فيها بين أصحابنا المبنية على هذا الأصل أن من أفطر لإنقاذ مشرف على الهلاك بالغرق ونحوه ولم يمكنه تخليصه إلا بالفطر فالأصح أنه يلحق بالمرضع؛ لأنه قطر ارتفق به اثنان فكان كالحامل والمرضع. والثاني: لا، لأن الفدية مع القضاء خلاف القياس فيقتصر على ما ورد. ومنها: للمالك في الجيران في الزكاة صعود درجتين وأخذ جبرانين ونزول درجتين ودفع جبرانين بشرط تعذر درجة. وقال ابن المنذر: لا تجوز الزيادة على جبران واحد كما ثبت في الحديث؛ فلا يتعداه فإنه خارج عن القياس. ورد عليه الأصحاب بأن هذا في معنى الخارج مع اتفاقهم على أنه لا مدخل للجبران في البقر والغنم؛ لأنه إنما ورد في الإبل [وهو] 1 على خلاف القياس. قالوا: فيقتصر فيه على مورد النص. ومنها: قطع نبات الحرم إلا الأذخر لا يجوز والعلة في تجويز الأذخر حاجتهم لتسقيف بيوتهم وقبورهم؛ فلو احتيج إلى قطع غير الأذخر للدواء قال الرافعي: فوجهان ورجح الجواز.   1 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 واعلم أن الرافعي جعل محل الوجهين في جواز القطع وحكاهما عن الشيخ أبي علي في شرح التلخيص. وقد أتبع في ذلك الإمام الغزالي والذي في شرح التلخيص للشيخ أبي علي الجزم بجواز القطع؛ وإنما حكى الوجهين في وجوب الجزاء. مسألة: اعتبر الشافعي رضي الله عنه قياس علية الأشباه وهو أن يجتذب الفرع أصلان ويتنازعه مأخذان فينظر إلى أولاهما به وأكثرهما شبهًا فيلحق به وعليه نص في الأم، وقد حكيت نصه في شرح المنهاج وعليه فروع. منها: لفظ الظهار دار بين أصلين القذف والطلاق فلو قال: عينك طالق طلقت كيدك وجسمك، فلو قال: زنت عينك فالمذهب أنه كناية وقيل صريح. ولو قال: أنت على كعين أمي ولم يرد الكرامة ولا الظهار بل أطلق فالأصح يحمل على الإكرام تغليبًا. ومنها: الخلع من جانب الزوج معاوضة فيه شوب التعليق وقد يغلب التعليق. قال القاضي الحسين: وذلك في ثلاث مسائل ومن جانب الزوجة معاوضة فيها شوب الجمعالة. ومنها: زكاة الفطر تتردد بين المؤنة والقرابة والكفارة تتردد بين العبادة والعقوبة والحوالة بين الاستيفاء والاعتياض، واللعان بين اليمين والشهادة والجنين بين أعضاء الأم وإنسان منفرد، وقطع الطريق بين حق الله تعالى وحق الآدمي والمسابقة بين الإجارة والجعالة، والإقالة بين الفسخ والبيع و [الرجعية] 1 بين الزوجة والبائن وغير ذلك. وعليه ينبني مسائل خلافية ومذهبية. ومن المذهبية غير ما ذكرناه عنفقة الرجل الكثيفة تتردد بين نادر الكثافة كالشارب وغالبه كلحية الرجل، والأصح إلحاقها بالنادر. ومها: قيام الصابون والأشنان في الغسل من الولوغ مقام التراب متردد بين   1 في "أ" الرجعة والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 إلحاقه بالتيمم فلايقوم وهو الأظهر أو بالدباغ والاستنجاء فيقوم. ومنها: الخلاف في استيعاب الجبيرة بالماء ووجوب التيمم وتأقيت مسحها فإن منشأه أن المسح أخذ شبهًا من أصلين. أحدهما: المسح على الخفين؛ لأن ما تحت الجبيرة صحيح يمكن غسله. والثاني: الجرح إذا خاف من غسله التلف لوجود الخوف عند نزع الجبيرة فمنهم من غلب شبه المسح على الخفين ومنهم من غلب شبه الجرح. ومنها: المكاتب من حيث استحقاقه للعتاقة أشبه المستولدة فيمتنع بيعه وهو الجديد ومن حيث توقف عتقه على صفة أقامها السيد المعلق عتقه فيجوز بيعه وهو القديم. ومنها: لحوم الحيوانات من حيث الاشتراك في الاسم جنس والاختلاف يشبه اختلاف أنواع الرطب والعنب. ومن جهة أنها فروع أصول مختلفة أجناس كما في الأدقة وهو الأظهر والفروع في هذا الباب كثيرة، ولو قال: إن غالب المسائل المقيسة منه لما كان مبعدًا. تنبيه: هذا الذي ذكرناه في فرع تنازعه أصلان هو بأحدهما أشبه فإن لم يترجح أحدهما على الآخر فلا طريق إلا التخيير إذ لا يمكن الجمع بينهما، وليس أحدهما بأولى من صاحبه. وهذا مثل نذر اللجاج والغصب فإنه أخذ شبهًا من أصلين من نذر المجازاة لأنه التزم طاعة ومن اليمن لكونه منعًا للنفس من فعل أو ترك -فخير بين موجبهما وهو الوفاء بما نذر أو كفارة يمين وهذا هو الأصح. تنبيه آخر: هذا الذي ذكرناه في فرع يتجاذبه أصلان يتنازعانه ورب فرع سالب يصنعه أصلان يتعاضدانه، وهذا هو القياس المركب وهو أن تجتمع العلتان المتنازع فيهما في الأصل على فرع فيتفق الخصمان على القول به هذا لعلة وهذا لعلة. كما يتفق [الإمامان] 1 على أن البكر الصغيرة لا تجبر لكن الشافعي "رضي الله   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 عنه"2 يقول: لا تجبر لكونها بكرًا وأبو حنيفة يقول: لكونها صغيرة "وهو من أعقد أبواب القياس وأحسن أقسام الجدل". تنبيه ثالث: قدمنا الخلع وهو من جانب الزوجة معاوضة فيها شوب الجعالة بأي صيغة أوردته. وأما من جانب الزوج إن جعل فسخًا فمعاوضة محضة وإن جعل طلاقًا فقال: خالعتك بألف أو كانت الصيغة "طلقتك بألف" فمعاوضة فيها شائبة التعليق؛ فله الرجوع قبل قبولها، خلافًا لأبي عاصم العبادي، وتقبل باللفظ على الفور بكل العوض. فهذه أربع مسائل غلب فيها جانب المعاوضة. قال القاضي الحسين: ولم يغلب جانب المعاوضة إلا فيها. فلو قبلت به بعض العوض كواحدة من ثلاث فيقع كله به على الأصح، وقيل: لا يقع شيء، وقيل: يقع المقبول بمهر المثل. وإن كانت متى أو أي وقت أعطيتني ألفًا فأنت طالق، فتعليق فيه شوب العوض فلا رجوع ولا قبول ولا فور. وهذه هي الثلاث مسائل التي غلب فيها جانب التعليق وإن زاد مثل متى وأي. غير أن صاحب التتمة قال: تعجل الحرة العوض وكذا الأمة إذا كان التعليق في التعجيل بنحو زق خمر، وأما إذا كان بنحو ألف فالأمة لا تملك فلا تعجيل. وحكاه الرافعي ساكتًا عليه ونازع فيه ابن الرفعة وصوب الشيخ الإمام كلام صاحب التتمة. إذا علمت هذا فقد ظهر لك أن للزوج الرجوع؛ حيث كان معاوضة لا حيث يكون تعليقًا وهو واضح. وقضيته أن للزوجة الرجوع قبل قبول الزوج بكل صيغة يأتي بها لأنه من جهتها معاوضة بكل حال، وبذلك صرح الرافعي تبعًا للغزالي. قال ابن الرفعة: وقد رأيت في الأم ما ينازع في جواز الرجوع إذ قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا كانت لرجل فقالتا له: طلقنا بألف لك علينا فطلقهما في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ذلك المجلس لزمهما الطلاق وهو بائن وساق الكلام إلى أن قال: وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما. وكذلك لو قال لهما: إن أعطيتماني ألفًا فأنتما طالقتان ثم أراد أن يجرع لم يكن له ذلك في وقت الخيار. قال الشيخ الإمام: وقد رأيت ذلك في الأم والرافعي والغزالي جزمًا بالرجوع، فلينظر ما يقتضيه كلام بقية الأصحاب، ولا أجسر أقول: الفقه ما قالاه.. لعظمة كلام الشافعي رضي الله عنه. قلت لم يستوف الشيخ الإمام رحمه الله النظر في هذا النص؛ لأنا كنا نستحثه في آخر الوقت على تكملة شرح المنهاج خشية اخترام المنية، وكان يقتصر على ما يراد منه مما لا يوجد إلا عنده من المباحث التي تثيرها فكرته الظاهرة. وأقول: هذا مكان مبهم ونص مشكل، والذي ذكره الغزالي والرافعي هو الذي ذكره الروياني في البحر والمتولي في التتمة وغيرهما وصرح به الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر النهاية وقال: هذا أسوأ. طلقني غدًا بألف، أو إن طلقتني غدًا فلك ألف، ولعله أوضح من أن ينبه عليه. وهذا النص وإن كان كما نقله ابن الرفعة والوالد فيجب تأويله غير أني لست على ثقة منه؛ فإني وقفت عليه في كتاب المبسوط للبيهقي رحمه الله فوجدته قد حكاه فقال: مسألة في خلع امرأتين: قال الشافعي في كتاب الخلع والنشوز: وإذا كانت لرجل امرأتان إلى أن قال بعد أن ذكر أن له أن يطلق الواحدة في وقت الخيار دون الأخرى، قال: وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد إن أراد الرجوع فيما جعلنا له وقت الخاير ولم يكن لهما قال البيهقي وفي نسخة أخرى ولم يجعل لهما انتهى. قلت فاختلاف النسخ مع عدم انتظام الكلام مما يوجب الحيد عن هذا النص ولم أره في عيون المسائل لأبي بكر الفارسي؛ فلعله تركه قصدًا للاضطراب فيه وإلا فهو يستوعب روايات الربيع، وهذا منها لأنه من الأم، وهي رواية الربيع. ومن العجب أني رأيت المرعشي فيترتيب الأقسام قد أتى بكلام يشابه هذا النص ظاهره أنه ليس لها الرجوع ما هو ظاهر النص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 فصل: مما دار بين أصلين الحمل أشبه بعض الأم وأشبه آدميًا مستقلًا". ولك أن تقول: أشبه المعدوم وأشبه الموجود ومن ثم اختلف في أنه هل يعلم أولًا؟ ومما قيل: هل له حكم أم لا؟ والعبارة الأولى أكثر تحريرًا؛ فإنه يرث إجماعًا فكيف لا يكون له حكم! ومن ثم قال أبو علي فيما نقل صاحب العدة فيما إذا أوصى للحمل بشيء هل يقبله الأب "جرت هذه المسألة بيني وبين القفال: فقال: لا يصح ويجب قبوله بعد خروجه من البطن لأنه لا حكم له ما لم يخرج فقبوله في وقت لا ندري أله حكم لا يقع كما لو أوصى لرجل بشيء والموصي له غائب فقبل الوصية ولم يعلم هل مات الموصي لم يصح، وإن كان مات فقبلت فيها قولان، كما لو باع مال أبيه ولم يعلم أنه ميت فكان ميتًا ولو جعلت المسألة على وجهين بناء على أن الحمل هل يعرف [أم لا] 1 لم يبعد. ولو ثبتت الشفعة في شيء فأخذه الأب ثم خرج حيًا صح الأخذ على أحد الوجهين؛ فإن صحت الشفعة فالوصية أولى. وحكي عن ابن سريج أنه لا يجوز أخذ الشفعة للحمل حتى يولد. قلت: إن تم ما قاله أبو علي وكان طريقه قاطعة بأن قبول الأب لا يصح ولا يخرج على العلم لزم أن يقال: قد يعلم ولحكن لا حكم له؛ فتكون مسألة هل له حكم غير مسألة هل يعلم. ومن المباحث في الحمل أيضًا أنه هل يقابله قسط من الثمن إذا باع حاملًا مثلًا. وفيها خلاف معروف ذكره الرافعي في مسائل بيع وشرط فيما إذا شرط أن تكون حاملًا وخرج على أنه هل يعلم وهل هو عيب ونقص. وقد قالوا في الزكاة ليس بعييب، وفي الأضحية عيب؛ لأنه يهزل اللحم وقال الرافعي في البيع: إنه عيب يرد به المبيع. وفي هذه المواضع إشكالات في المنقول لسنا لها الآن وهل يتبع أمه فيما يتجدد لها من الأحكام فيتبع قطعًا في البيع والعتق، ثم هو في العتق تابع ولا يعتق بالسراية.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 قال الرافعي: لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص ولا يتبع قطعًا فيما إذا كان الحمل لواحد والأم لآخر. ومن ثم مسائل اختلف فيها هل يتبع؟ منها: [لو اشترى] 1 المعيبة ثم اطلع المشتري على عيبها ولم ينقص بالحمل أو كان الحمل في يد البائع فردها المشتري؛ فإن قلنا: الحمل يعرف ويأخذ قسطًا بقي للمشتري فيأخذه إذا انفصل وإلا فهو للبائع ويكون تبعًا للأم عند الفسخ كما يكون عند الرد. ومنها: لو وقف للحامل مملوك. قال ابن الصباغ إن قلنا: للحمل حكم كان الولد وقفًا؛ وإلا فوجهان. ومسائل كثيرة: هل النفقة للحمل أو للحامل؟ فيه قولان. وهل يتصور للجنين ملك؟ الظاهر ذلك، ويدل عليه قولهم في باب الغرة أنها لورثة الجنين. وهل يتصرف الحاكم في مال الأجنة؟ نقل الغزالي عن القفال أنه ليس له ذلك، قال: والصحيح أن له ذلك ذكره في ميراث الحمل. وجزم ابن الرفعة في كتاب الزكاة بأن القضاة لا ينصبون القوام للتصرف في أموال الأجنة بل هو موقوف، ولا مخالقة بين الكلامين. وهل على الجنين نفقة أمه؟ قال الرافعي في النفقات في الفروع المبنية على أن النفقة للحمل أو للحامل: قال ابن كج: إذا كان الحمل موسرًا وقلنا: النفقة له فيؤخر إلى أن تضع، فإذا وضعت سلمت من ماله إلى الأم كما ينفق عليه. قال: ويحتمل عندي أنها على الأب، وإن قلنا: يجب التعجيل فلا يؤخذ من مال الحمل المسألة فلينظر. وكل هذه الأصول راجعة إلى أن الحمل هل يعلم ويعطي حكمًا؟ فصل: في مسائل من الشبه الصوري والحكمي؛ منها في جزاء العبيد، ومنها في الأطعمة إذا لم يعلم من العرب استطابة شيء ولا استخباثه اعتبر بأقرب الأشياء شبهًا به قال الأصحاب والشبه تارة في الصورة وأخرى في طبع الحيوان وأخرى في طعم اللحم   1 في "ب" إذا حملت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 قلت: واعتبار طعم اللحم موقوف على ذوقه الموقوف على حله إلا أن يراد ذوقه وإن عرف لا بطريق حلال ومنها: وجوب رد المثل الصوري في الفرض على وجه صححه ومنها: في باب الربا المماثلة كيلًا ووزنًا فما لم تكن مكيلًا ولا موزونًا يعتبر فيه عادة الحجاز؛ فإن لم يكن فيه عادة ففي وجه يعتبر أشبه الأشياء به في الحجاز ومنها: اعتبار دواب البحر بالبر ففي وجه ما أشبه حرام البركان حرامًا ومنها أعطاء العصير أو الخل عن الخمر في الصداق والخلع ونكاح المشركات ومها على وجه فيمن قتل بخمر أو لواط أنه يسقي ماء ويخسر خشبة رعاية المماثلة ومنها إلحاق الحر بالعبد في الحكومات، ومنها أبعاض العبد التي لا تتقدر أرشها من الحر بما نقص من قيمته كنحول الجسد وكذا في الغصب إن أتلفت فكذا في القديم إلحاقًا له بالبهيمة؛ لأنه يضمن باليد ولا يحمله العاقلة وعلى الجديد يتقدر من الرقيق والقيمة فيه كالدية في الحر من حيث أنه يضمن بالقصاص وتجب فيه الكفارة ويحلف وتقام عليه الحدود وإذا دار فرع بين أصلين أجرى عليه حكم أكثرهما شبهًا به وهو الحر فيما نحن فيه فلم نقدم هنا الشبه الصوري لمجرده بل لاعتضاده بأكثر الأحكام. قال الشافعي رضي الله عنه: يقول سعيد بن المسيب: جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من دينه. مسألة: الصحيح أنه يشترط كون العلة ضابطًا لحكمة وقيل: يجوز كونها نفس الحكمة، وقيل إن انضبطت كانت هي العلة أو علة العلة؛ فهذا القول خارج عن محل النزاع، إذا عرفت هذا فمن محاسن الشرع ضبط الأحكام بالأسباب الظاهرة وإقامتها عللًا يدور الحكم معها وجودًا وعدمًا، والعدول عن الأسباب الخفية وإن كانت هي الحكم ولها مناط الحكم بالأصالة لعسر انضباطها وما تؤدي إليه محاولته إليه من المنازعة. وقد تكلم الرافعي على هذه القاعدة في أول باب العدد؛ فقال: قال الأئمة لما كانت عدة الطلاق لطلب البراءة لم يجب بالفراق عن مطلق النكاح؛ بل اعتبر جريان سبب شغل الرحم ليحتاج إلى معرفة براءته، ثم لا يعتبر تحقق الشغل ولا توهمه؛ فإن الإنزال خفي يختلف في حق الأشخاص، وفي الشخص الواحد باعتبار ما يعرف له من الأحوال فيعسر تتبعه ويقبح، فأعرض الشرع عنه واكتفى بسبب الشغل وهو الوطء ومن الوطء بتغيب قدر الحشفة وهذا صيغة في تعليق الأسباب بالمعاني الخفية ألا ترى أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الاعتقاد الصحيح الذي هو مطلوب وبه تحصل النجاة لما كان أمرًا خفيًا لكونه في الضمير علقت الأحكام بالكلمة الظاهرة حتى لو توفرت القرائن الدالة على أن الباطن مخالف للظاهر كما إذا أكره على الإسلام بالسيف لا ينال بها وندير الحكم على الكلمة وإن مناط التكليف وهو العقل والتمييز لما كان خفيًا يحصل على التدريج ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال أعرضنا عن تتبعه وعلقنا البلوغ بالسن والاحتلام. انتهى. ومراده بالذي يصح إسلامه وإن أكره بالسيف الحربي أما الذمي فالصحيح عنده أنه لا يصح إسلامه مكرهًا. وإذا ظهر لك أن التعليق بالظاهر المنضبط دأب الشرع دون الخفي المضطرب. ولك أن تقول: التعليق بالظاهر لانضباطه أولى من الخفي لاضطرابه. ثم يختلف الظهور والخفاء؛ فقد يطلب من الظهور في حق شخصين ما لا يطلب في حق شخص واحد لكونه أخبر بنفسه، وفي حق أشخاص ما لا يطلب في حق شخصين. ألا ترى إلى منع انعقاد النكاح بالكنايات لجريانه بين موجب وقابل وشاهدين، وثبوت الطلاق والعتاق والإبراء بالكناية لاستقالال المرء بها والتردد في البيع على وجهين لاحتياجه إلى شخصين موجب وقابل. ومن ثم ظهر لك أن الأب إذا اشترى مال ابنه من نفسه أو بالعكس انعقد بالكناية ولا يطرقه الخلاف فيما يظهر، ولأجله قيل: تكفي فيه النية ولا يحتاج إلى لفظ مطلقًا وهو وجه حكاه الماوردي. ومن الأمور المتعلقة بالظواهر المنضبطة كلمة الإسلام والبلوغ ومطلق تغيب الحشفة حيث يطلب الوطء كما ذكر الرافعي فكل حكم تعلق بالوطء كفى فيه تغييب الحشفة من الغسل والزنا والتحليل والعنة واستقرار المهر؛ وهكذا إلى نحو من مائة حكم ومنها: البيع مناطه الرضا، ولما كان أمرًا باطنًا لا يطلع عليه نيط بالإيجاب والقبول. ومن ثم تبين لك ضعف القول بانعقاد البيع بالمعاطاة على أنه بيع، والقائل به يعتذر بتوفر القرائن فيه؛ وإنما بيع، لأني أميل إلى أنه مسامحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 ومنها: رخص السفر حكمتها المشقة وهي مضطربة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فنيطت بالسفر وضبطت به إما بطويلة وقصيرة على الخلاف فيه، وأمثلته تكثر. وإذا تقرر هذا الأصل ظهرت قوة الوجه الذي حكاه صاحب التتمة في أن استدخال المرأة ماء من تظنه زوجها لا يوجب العدة إعراضًا عن النظر في العدة1 إلى شغل الرحم وإدارة الحكم على الإيلاج، غير أنا نجيب عنه بأن استدخال الماء ظاهر في شغل الرحم فيحتاط فيه للإبضاع. فإن قلت: فيلزمكم إقامة الخلوة مقام الدخول في تقرير الصداق كما هو القديم. قلت: أين الخلوة من استدخال الماء! فائدة: ما ذكرناه من التعليق بالمنضبط هو فيما إذا أمكن؛ فإن المصالح والمفاسد التي هي حكم الأحكام -ضربان: محدد منضبط كالقتل والقطع وغير منضبط وفي هذا القسم لا يمكن أن يتعلق بمنضبط. وذلك كالتعزيرات، والمشاق المبيحة للتيمم والانتقال من قيام الصلاة إلى قعودها إلى الاضطجاع إلى الإيماء والأعذار المبيحة لمحظورات الإحرام. وقدر الغضب المانع من الإقدام على الأحكام، والمرض المبيح للإفطار في الصيام. فهذه ومثلها أمور يشرق فيها نور الله على المجتهدين ولا يمكنهن ضبطها وإنما يحاولون قدرًا من التعريف. وعندها تتبين مقادير الرجال ودرجات المتورعين وأحوال المحتاطين لدينهم. والظاهرية في هذا الباب يتعلقون بمجرد الاسم ويكتفون بأقل ما ينطبق عليه. قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده الصغرى: خلصت الظاهرية من هذا الإشكال.   1 في هامش "أ" ما لم يطلب في حق شخص واحد لكونه أخبر بنفسه في حق أشخاص ما لم يطلب في حق شخصين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 قلت: وفاتهم به من دقائق الفقه4 وفهم مقاصد الشريعة أمر عظيم. مسألة: إذا قطع بانتفاء الحكمة في صورة من الصور ففي ثبوت الحكم خلاف. قال الغزالي وتليمذه محمد بن يحيى: يثبت الحكم للمنضبطة فإن الحكم قد صار معلقًا بها ولا نظر بعدها إلى الحكمة. وقال الجدليون: لا يثبت لانتفاء الحكمة فإنها أصل العلة وعلى هذا مسائل. منها: قول الرجل لامرأته: أنت طالق مع آخر جزء من أجزاء حيضك فالأصح أنه سني نظرًا إلى الحكمة في تحريم طلاق الحائض وهي تطويل العدة فقد قطعنا بانتفائها في هذه الصورة إذ لا طول. ومن نظر إلى العلة وهي الحيض جعلها بدعيًا، لوقوعه في الحيض والناظرون إلى أن العلة في هذا المحل ظاهرية أهل القياس. وقد أشار إلى هذا البناء ظاهرية أهل القياس. ونظير المسألة: عكسها وهي ما إذا قال: أنت طالق مع آخر طهر لم أطأك فيه. فإن قلنا: الانتقال من الطهر إلى الحيض قرء؛ فهي سني لمصادقة الطهر والشروع في العدة. وإن قلنا: ليس قرءًا فعلى الوجهين السابقين من نظر إلى الحكمة وجعله في الصورة السابقة سنيًا جعله هنا بدعيًا لتطويل العدة ومن عكس فهو يعكس هنا. وحكم ابن سريج بأنه يدعي في الصورتين عملًا بالأغلظ وكأنه يجعل الحكم دائرًا مع أي الأمرين وجد من حكمة ومظنة. ومنها: طلاق الحامل إذا كانت حائضًا جائز كما لو لم تكن حائضًا لأن تطويل العدة منتف؛ فإن عدتها بالوضع. قال أبو إسحاق: لو كانت ترى الدم وجعلناه حيضًا فقال لها: أنت طالق للسنة لا يقع عليها طلاق حتى تطهر. قال الرافعي: وعلى هذا فللحامل حال بدعة كما للحائل. ومنها: منع الراهن من وطء الجارية المرهونة خشية الحبل وإن كات ممن لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 تحبل على الصحيح؛ فلو قطع بعدم الحبل كما لو كان سنها أقل من تسع سنين -قال ابن أبي عصرون تفقهًا: لا يمنع وجوزه الولد. قلت: وفيه نظر ذكرته في ترشيح التوشيح. مسألة: اختلف في تعليل الحكم العديم بالوصف الوجودي. ويعبر عن ذلك بأن العلة لانتفاء الحكم هل يكون وجود مانع أو انتفاء شرط من غير نظر إلى وجود المقتضى. وهذا هو الراجح عند الإمام الرازي وأبي عمرو بن الحاجب. واختياري في جمع الجوامع أولًا يجوز التعليل بها عند انتفاء المقتضى؛ لأن الإحالة عليه أولى وهذا هو الراجح عند الآمدي واختياري في شرح المختصر والذي أراه الآن جواز التعليل بالمانع لمن لم يدر بانتفاء المقتضى سواء أظن وجوده أو علل بالمانع على تقدير وجود المقتضي. وعدم جوازه إن علم بانتفاء المقتضى فإن إسناد الحكم إليه أولى فإذا قتل الأب ولده قتلًا شككنا في أنه صدر عن خطأ أو عمد قلنا: لا قصاص عليه لأبوته المانعة من وجوب القصاص؛ سواء أقام المقتضى وهو قتل العمد أو لم يقم. غير أن المانع عند قيام المقتضى قاطع لعلمه وعند انتفائه لا وقع له لاستبداد المقتضى بإثارة انتفاء الحكم. ومن ثم نقول: الأب عند القتل العمدآت بما يقتضي قصاصًا؛ غير أن الشارع درأه عنه لحكمة رآها: وبه يصح قول الغزالي: الأب مكافئ للابن لأنه مكافئ للعم والعم مكافئ للابن، ومكافئ المكافئ مكافئ. وتردد الأصحاب في الشيخ الهرم هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل إلى الفدية للعجز أم يخاطب بالفدية ابتداء؟ وبنوا عليه خلافًا في أنه لو نذر في حال العجز صومًا هل ينعقد نذره؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 كتاب الاستدلال : تقدم الكلام في الاستصحاب أول الكتاب مسألة: قول الصحابي غير حجة على القول المنصور، وقال أبو حنيفة: حجة وعليه مالك وأحمد على أصح الروايتين. وفيه مسائل: منها: مسألة العينة وهي السلف وصورتها: أن يشتري ما باعه بأقل مما باعه قبل نقد الثمن قال الشافعي رضي الله عنه: يصح طردًا للقياس. وقالوا: لا يصح تمسكًا بإنكار عائشة رضي الله عنها وذلك في قضية زيد بن أرقم وقولها: إنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب رواه أحمد والدارقطني. واعلم أن القوم لا تنتهض لهم حجة بهذا الحديث، ولم يسلم لهم الاحتجاج بقول الصحابي فإن الشافعي رضي الله عنه ذكر أنه لا يثبت مثله عن عائشة رضي الله عنها. قلت: وفيه ما ينبه على عدم ثبوته وهو قولها: إنه أبطل جهاده ولم يقل أحد إن من يعمل بالعينة يحبط عمله فلم يقولوا بمقتضى ما رووا. مسألة: دلالة الاقتران غير حجة خلافًا لأبي يوسف والمزني وفيه فروع منها: قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} فمن جمع بين إيجاب الكتابة والإيتاء إثباتًا. كما هو قول مجلي عن صاحب التقريب فيما إذا طلب العبد الكتابة ونفيًا كما هو مذهب بعضهم، لم يرد عليه دلالة الاقتران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ومن قال: لا تجب الكتابة ويجب الإيتاء وهو جادة مذهب الشافعي رضي الله عنه لم يبال بدلالة الاقتران وقال: لا حجة فيها. وقال إمام الحرمين: لم أر على مذهب الشافعي رضي الله عنه مسألة أصعب مسلكًا من مسألة الإيتاء. ومنها: قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} مشهور المذهب أنه لا يجب الإطعام ولا يجب الأكل. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: [حتيه] 1 ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء. قال الشافعي رضي الله عنه: الماء متعين لإزالة النجاسة ولم يبال باقترانه بما ليس بواجب -وهو الحث والقرص. مسألة: الاستحسان قال به أبو حنيفة رضي الله عنه، واشتد النكير عليه سلفًا وخلفًا حتى قال الشافعي [رضي الله عنه] فيما نقل عنه الثقات: من استحسن فقد شرع. وأنا لم أجد إلى الآن هذا في كلامه نصًا ولكن وجد في الأم في الإقرار والاجتهاد ما يدل على أنه يطلق على القائل به أبلغ من الاستحسان فلقد قال في هذا الباب: إن من قال بالاستحسان فقد قال قولًا عظيمًا ووضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعها في أن يتبع رأيه كما ابتغاه، وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه. وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى إنما أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال رضي الله عنه ما حاصله: أن المستحن لا يتمسك بخلاف القايس، وإن القايس كان لا يأمن الخطأ إلا أنه برجوعه إلى أصل من كتاب وسنة مؤد لفرضه بخلاف المستحسن. وأطال في ذلك بحق من القول. ثم قال: فإن قال قائل: هذا ممن يعقل ما تكلم فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبيًا علم حتى يرجع. واعلم أن القوم لما اشتد عليهم النكير في الاستحسان أخذوا في تفسيره بأمور لا خلاف فيها، وقد عرفت في كتب الأصول.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 والذي اعتقده في تفسيره أن المعنى به. ما تشتهيه نفس العالم وتميل إليه من غير تعلق بأصل موجود يجده. وهو قريب من تفسير من فسره بأنه دليل ينقدح في نفسه المجتهد تقصر عنه عبارته. غير أن صواب العبارة عن هذا أن يقال: مظنون لأنه لا يتحقق كونه دليلًا إلا بعد المعرفة بعينه، فهذا هو الذي اعتقد أن القائل بالاستحسان من القدماء عناه، وإياه أنكر الشافعي رضي الله عنه وألزمه أن يستحسن كل أحد بعقله وأن يستوي العالم والجاهل إلى غير ذلك من إلزامات ذكرها في الأم في مواضع عديدة. وما تفسيره بخلاف هذا الذي أنكره الشافعي رضي الله عنه فعادتهم التفسير كما قال إمام الحرمين في باب أدب القضاء. إن التعبير حينئذ عما قامت دلالته بالاستحسان على نهاية السخافة والعباثة؛ فإن قبول الدليل حتم ولا محيد عنه. قال: والاستحسان يشعر بتردد وميل خفي إلى جانب. قال: ومعظم قواعد الاستحسان استصلاح جلي أو خفي لا أصل له في الشريعة، ومعنى قول صاحب مقالة "الاستحسان مقدم على القياس" أن القياس الجاري على وفق قواعد الشريعة يؤخر عن استصلاح لا أصل له في الشريعة. قال: وقد عبر الشافعي عن غور هذا الفصل بكلمات وجيزة إذا قال: من استحسن فئقد شرع. انتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 كتاب الترجيح : مسألة: إذا تعادلت الأمارتان فالتخيير والتساقط والوقف أقوال يتخرج مسائل منها: إذا اتفق فرضان في نصاب كالمائين فيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون اختيار الشافعي أنفعهما للمساكين، وقال ابن سريج تخريجًا: يتخير، لتعادل الإمارتين. والأولى أصح كما إذا دل دليل على إيجاب شيء، ودليل على إيجاب شيئين أخذ بالزائد، ثم على رأي ابن سريج يستحب للمالك إخراج الأغبط إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه وهنا أيضًا، تعادل شيئين لكنه رجح النظر إلى اليتيم لكونه معينًا. مسألة: "الخاص" يقضي على العام ويقدم عليه عند التعارض" ومن ثم مسائل فقهية: منها: إذا لم يجد المحرم إلا صيدًا وميتة يقدم الصيد في الاجتناب [على] 1 الميتة ويأكلها على [الاضطرار] 2 لأن تحريم الصيد [خاص بالمحرم وتحريم الميتة عام في الحاج وغيره فكان] 3 تحريم الصيد [أولى] 4 بالاجتناب لا دلائه بالخصوصية. ومنها: السفينة إذا وثبت فيها سمكة في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة، لأن حوزه إياها أخص من حوز صاحب السفينة لأن حوز صاحب السفينة يشمل هذا الرجل وغيره، وحوز هذا الرجل [لا يتعداه] 5؛ فهو أخص بالسمكة من صاحب السفينة.   1 في "ب" عن. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 سقط في "أ" والمثبت من "ب". 5 في "ب" يتعد له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 ومنها: إذا لم يجد المصلي إلا ثوبًا نجسًا وثوبًا حريرًا يصلي [في] 1 الحرير على الصحيح فيهما. مسألة: التخصيص أولى من المجاز ومن ثم مسائل: منها: لو وقف في موات وإمامه في مسجد وحال بينهما جدار لا باب فيه أو فيه باب مغلق أو مفتوح ولكن لم يقف قبالته منع لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" خرج منه ما عدا هذه الصورة بدليل يبقى فيها على مقتضى الحديث، ويترجح على حمله على نفي الكمال؛ لأن التخصيص أولى من المجاز. قاعدة: ما ثبت بالنص أولى مما ثبت بالإخبار والثابت بالخبر أرجح من الثابت بالاجتهاد. وهذه قاعدة تكرر ذكرها في كلام المتقدمين من فقهائنا، وحاصلها أن القطع مقدم على الظن وأن أقوى الظنين مقدم ومسألة الخبر والاجتهاد هي مسألة تعارض القياس وخبر الواحد وفيها الخلاف [الأصولي المشهور] 2. وفي القاعدة مسائل: منها: قطع بعضهم فيما إذا أصدقها شقصًا ثم "لقها قبل الدخول وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة بأن الزوج أولى. ومنها: قطع بعضهم بأنه لو اشترى شقصًا وأفلس ثم طلقها قبل الدخول وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة بأن الزوج أولى. ومنها: قطع بعضهم بأنه لو اشترى شقصًا وأفلس بالثمن فإن البائع أولى من الشفيع. وسر ذلك على ما ذكر القاضي الحسين أن الحق ثبت للزوج نصًا فهو أقوى من حق البائع؛ إذ لم يثبت إلا بالإخبار، فكان أضعف. ومنها: أبان أربعًا في مرض موته وتزوج أربعًا وقلنا: ترث المبتوتة. قيل: ترث الزوجات خاصة؛ إذ هو بالنص والمبتوتة بالاجتهاد وقيل يرثن كلهن، وقيل: يرث المطلقات فقط لسبق حقهن وهو الزوجية. قال الروياني في الفروق: وهو أضعفها.   1 في "ب" على. 2 في "ب" الأصول المشهورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 ومنها: القاذف إذا تاب بالقول فإن كان القذف على صورة الشهادة لم يشترط الاستبراء على المذهب، وإن كان قذف سب وإيذاء اشترط على المذهب. قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب1 والماوردي والروياني في البحر وفي الفروق: والأول يقبل خبره دون الثاني فإن فسق الأول ثبت بالاستدلال فأثر في شهادته فقط، بخلاف القاذف في حال السب فإن فسقه ثبت بالنص فردت شهادته وخبره. ومنها: إذا قال الزوج لوكيله: خالع بمائة "فنقص عنها فالنص أنه يلغو". ولو أطلق التوكيل بالخلع ولم يقدر المال فنقص عن مهر المثل فالنص أنه يقع الطلاق. فمن الأصحاب من قرر النصين وفرق بأنه في الأول مخالف للنص وفي صورة الإطلاق مخالف للاجتهاد؛ لأن إيجاب مهر المثل بالاجتهاد لا بنص [اللافظ] 2 فلم يستويا. ومنهم من نقل وخرج وهو الأصح. ومنها: إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغائب. صحيح الرافعي أنه يأكل الميتة؛ لأن إباحتها للمضطر منصوص وأكل مال الغائب متلقي من الاجتهاد. ولك أن تقول: لا أسلم وجود النص مع وجود طعام الغائب إنما النص في المضطر، والمعنى به من لا يجد طعامًا ولو لغائب. ومنها: إذا اضطر المحرم ولم يجد إلا صيدًا أو ميتة. رجع الرافعي أيضًا أنه يأكل الميتة لأنها منصوصة. قال: والصيد مستثني في حال الاضطرار بالاجتهاد. ومنها: إذا وجد المحرم لحم صيد ذبحه وهو في حالة الإحرام أو ذبحه محرم آخر ولم يجعل ما ذبحه المحرم ميتة -فلحم الصيد أولى منه وقيل الميتة أولى. قال الرافعي: وقد يوجه بما سبق من أن استثناء الميتة عند الاضطرار منصوص. فإن قلت: هلا رجحه لكونه رجح في المسألتين السابقتين أكل الميتة؟   1 في "ب" القاضي أبو الطيب والقاضي حسين. 2 في "ب" اللفظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 قلت: لأنه لم يقتصر فيهما على الاحتخجاج بتقديم النص على الاستنباط، بل به [وبلزوم] 1 الضمان. وفيه مسائل: الأولى: تترجح [لكثرة] 2 الرواة خلافًا للكرخي ومن ثم قال الشافعي رضي الله عنه: الأخذ بحديث عبادة3 في الربا أولى من حديث أسامة لأن مع عبادة عمر وعثمان وأبو سعيد وأبو هريرة والخمسة أولى من الواحد، وحديث رفع اليدين أرجح من مقابله لكثرة رواته. الثانية: ترجح بزيادة العلم والثقة، ومن ثم رجح علماؤنا ورواية مالك وسفيان في حديث. زوجتكها بما معك من القرآن4 على رواية عبد العزيز بن أبي حازم وزيادة ملكتكها لأن مالكًا وسفيان أرجح من عبد العزيز وزائدة. الثالثة: ما عمل به رواية أرجح من مقابله، ومن ثم رجحنا حديث "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" 5 لعمل رواية على حديث غورك السعدي في كل فرس مائة دينار6 لأن أبا يوسف رواه عن غورك وترك العمل به. الرابعة: رواية من كان له في الواقعة مدخل [من] 7 مباشرة أو نحوها أرجح من الأجنبي عنها، ومن ثم رجحنا رواية أبي رافع نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال على رواية ابن عباس أنه نكحها وهو حرام لكن أبا رافع كان السفير. الخامسة: كونه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجحنا رواية ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج على رواية أنس أنه قرن لأن ابن عمر كان يجر خطام ناقته.   1 وفي "ب" لزوم. 2 في "ب" يكثره. 3 وحديث عبادة الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير. إلخ الحديث انظر مسلم 3/ 1211 في المساقاة "81/ 1587". 4 البخاري 9/ 190 في النكاح "5135" ومسلم 2/ 140 في النكاح "76/ 1425". 5 البخاري 3/ 327 "1464" ومسلم 2/ 675 حديث "8/ 982". 6 انظر السنن الكبرى للبيهقي 4/ 119. 7 في "ب" في. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 السادسة: من يتحمل بالغًا أرجح ممن تحمل في الصبا ومن ثم رجحت رواية ابن عمر المذكورة على رواية أنس. السابعة: غير المبتدع أولة إلا أن تكون بدعته بذهابه إلى تغليظ معصية الكذب فلي فيه نظر واحتمال. ومن أمثلته رواية إبراهيم بن أبي يحيى من صام الدهر كله فقد وهب نفسه لله تعالى "مع رواية غيره" النهي عن صيام الدهر. وكان إبراهيم جهميًا. الثامنة: الشهرة بالعدالة1 صفة مرجحة. ومن ثم ترجحت رواية شعبة $"لا وضوء إلا من صوت أو ريح" على رواية محمد الخزاعي في الوضوء من الضحك. التاسعة: أن يكون ذكرًا فهو أولى من المرأة. قال أبو الحسن علي بن أحمد الإسفراييني السهيلي: "إلا أن يكون في حكم يختص بالنساء فتكون المرأة أولى، لأن همتها وقصدها إلى حفظه أكثر" ذكره في كتاب أدب الجدل وذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أنه لا أولوية للرجل في الرواية مطلقًا.   1 في "ب" من العدالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 كتاب الاجتهاد 1: مسألة: الصواب عندنا أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، وأنه عليه أفضل الصلاة والسلام على الصواب في حركاته وسكناته ونومه ويقظته مبرأ عن خطأ الباطل وعمده. وأعتقد ذلك أمرًا مجمعًا عليه قبل محدثات البدع وتشتت الأهواء والآراء، ووجدته منصوصًا للشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم؛ "فقال في كتاب الإقرار: والاجتهاد في الحكم بالظاهر ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله تعالى أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2 فأما من إنما رأيه خطأ أو صواب فلم يؤمر أحد بإتباعه". ثم قال رضي الله عنه بعد ذلك بنحو عشرة أسطر: "ولا يبرأ أحد من الآدميين من الخطأ إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال بين هذين النصين: "فمن أمر باتباع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يمكن منه الخطا إن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبيًا علم حتى يرجع". انتهت هذه النصوص الثلاثة، وهي دالة من هذا الإمام المطلب3 رضي الله عنه- على أن انتفاء الخطأ عن منصب النبوة أمر مفروغ منه وهو الحق والدين والمعتقد. فصل: هذا آخر ما ذكرناه من مسائل الأصول ذوات الفروع، وقد تركنا كثيرًا ذكرناه في كتبنا الأصولية، فإن فيها -وراء ما ذكرنا هنا من الفروع المخرجة على الأصول أضعاف ذلك، فليقع الاكتفاء في هذا الكتاب بما سطرناه ونذكر بعده مسائل الخلاف.   1 سقط في "ب". 2 سورة الشورى آية 52. 3 وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 " كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية ": في المفردات من الأسماء والحروف وبعض الأفعال : أعلم أن الأصوليين ذكروا حروفًا تتداول بين الفقهاء تمس حاجتهم إلى معرفتها -كالواو، والفاء، وفي زدنا عليهم في "جمع الجوامع فذكرنا من الكلمات المفردة من الأسماء والظروف والحروف قدرًا يكثر تداوله في الفقهيات. ونحن نأتي بنحو من ذلك هنا، ونرتب ما نوده من فن النحو فصولًا فصل في المفردات وهو كلمات نحوية، وآخر في المركبات والتصرفات العربية وثالث في إعراب آيات يترتب على تخريجها أحكام شرعية. "القول في المفردات من الأسماء والحروف -ونذكر فيه بعض الأفعال". مسألة: "إن" المكسورة الخفيفة ترد للشرط فيوقف الحكم على وجوده مثل إن دخلت الدار فأنت طالق؛ غير أن شرط ما يتوقئف الحكم على وجوده أن يكون شرطًا في اللفظ والمعنى. أما في اللفظ: فأردنا به أن يكون الحكم موقوفًا على لفظ المعلق عليه مثل: إن شئت فأنت طالق، فلا بد من لفظ المشيئة ثم لا يشترط معه مشيئة القلب، فلو قال: "شئت كارهًا" وقع، وقيل: لا يقع باطنًا". وأما في المعنى: فأردنا به أن يكون المعلق عليه ممكنًا، وإلا فالموجود صورة تعليق لا نفسه، مثل: إن طرت أو صعدت السماء فأنت طالق، وإلا فلا تطلق على المذهب، وفي قول: تطلق في الحال. ولا قائل بتوقف الطلاق على ما ذكر لاستحالته؛ بل إما أن يلغي ذلك المستحيل ويبقي قوله: "أنت طالق" بمفرده فيعمل عمله، وإما أن يهمل الكلام بالكلية فلا تطلق. فرع: إذا قال: إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق اشترط الإعطاء على الفوز لا لدلالة إن عليه؛ فإنه دلالة لها على الزمان وما هي إلا حرف تربط الشرط بالجزاء فقط ولكن لقرينة العوضية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 تنبيه: "لا دلالة لإن على الفور ولا تراخ؛ سواء أدخلت على إثبات أو على نفي". فإذا قال: "إن دخلت" طلقت أي وقت دخلت، وإن قال "إن لم تدخلي" فالمذهب أنها لا تطلق حتى يقع اليأس من الدخول. بخلاف التعليق بغيرها من الصيغ -كإذا ومتى، فإن المذهب فيهما اعتبار الفور، وهذه قاعدة عند الأصحاب- متى علق بأن نفي فعل لم يلزم الفوز وإن علق بغيرها لزم على المنصوص فيهما وهو الصحيح. والفرق أن كلمة "إن" شرط يتعلق بمطلق الفعل لا دلالة على الزمان فيعتبر في طرف النفي انتفاؤه لكونه نكرة في سياقه ولا يمكن معرفة انتفائه إلا بانتفاء جميع الأزمنة، والتوقف على مضي الأزمنة لتحقق انتفائه لا لكونها جزءًا من مدلوله، ومن ثم لو حلف ليكلمنه بر بمرة وإن حلف لا يكلمه لم يبر إلا بترك الكلام إلى اليأس. وأما إذا وما أشبهها فمعناه أي وقت ففي طرف الإثبات أي وقت فعلت؟ صدقت الصفة، وهنا تساوي إن. وفي النفس معناه أي وقت فعلت فإذا مضى زمن يمكن الفعل فيه فلم تعل صدقت الصفة وهنا تفارق إن. مسألة: "أن" -بفتح الهمزة- ترد حرفًا مصدريًا ناصبًا للمضارع فتفيد معنى التعليل ومن ثم قيل: "قد تكون بمعنى لئلا" في قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} والصواب أنها مصدرية، والأصل كراهة أن تضلوا. وفيه معنى التعليل، "وقضية"1 التعليل فيها أنه إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار تطلق في الحال إذا كان يعرف النحو، وهو الصحيح [إلا أن يريد وقتًا معينًا وإن بعد على ما نقله الرافعي عن البوشنجي على توقف فيه. ذكره المصنف في ترشيح التوشيح عن محمد بن يوسف] 2. وينبغي أن يجري -[على] 3 هذا -الفرق بين عارف النحو وجاهله فيما إذا قال: أنت طالق إن أعطيتني ألفًا غير أن الماوردي أطلق أنها تطلق في الحال. قال: وإن طالبته بالألف عند إنكارها الخلع لزمه ردها وسنحكي عنه في إذ مثل ذلك.   1 في "ب" أو قضية. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 مسألة: "إلى" حرف جر لانتهاء الغاية ولمعان آخر ومن مباحث الغاية أنها إن كانت من الجنس دخل، ومعنى هذا أنها إذا كانت جزءًا من المغيا تدخل. وقد يعبر عن هذا بأنها إذا كانت بيانًا لما قبلها دخل طرفاها كما تقول: قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته، ومن ثم يفرق بين بعتك من هذه النخلة إلى هذه فندخلها في البيع، ومن درهم إلى عشرة ففيه الخلاف الآتي. وإذا لم يكن قرينة تدل على دخول ما بعدها ولا على خروجه فقيل تدخل مطلقًا، وقيل: لا مطلقًا، وقيل: إن اقترنت بمن لم تدخل؛ وإلا فيحتمل. وفيها مسائل: منها. لو قال: ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة فالصحيح عند الشيخ الإمام الوالد أنه ضامن للعشرة، ورجحه الرافعي في المحرر وعند النووي [لتسعة] 1، وفي وجه ثالث لثمانية، وإليه ميل الرافعي في الشرح. ومنها إذا قال أبرأتك من درهم إلى ألف فوجهان المنصوص في البويطي الصحة وصححه الشيخ الإمام في باب الضمان من شرح المنهاج، وحكى من نصه في البويطي أيضًا ما يقتضي البراءة من الألف بتمامها، إذا حكى في نصه في البويطي. ولو أن رجلًا حلل رجلًا من كل شيء [وجب عليه] 2 فإن لم يعرف قدره حلله من كذا إلى كذا. وحكي عن النص في البويطي أيضًا فيمن قال الرجل ما عاملت غلامي من دينار إلى مائة فهو جائز أنه إن زاد على ذلك لم يجز وقضية هذا صحة ما لم يزد. ومنها لو قال أنت طالق إلى شهر. قال في التنبيه لم تطلق إلابعد شهر وهو منقول الرافعي من التتمة وغيرها، وعزي إلى النص في البويطي، وروي عن ابن عباس قيل ولا مخالف له في الصحابة ووجه بأن اللفظة كما تحتمل تأجيل الواقع تحتمل تأجيل الإيقاع، ألا ترى أن القائل إني مسافر إلى شهر يريد، بعد شهر وإذا ثبت الاحتمالان وجب الأخذ باليقين. قلت وفي هذا التوجيه نظر، وليس من معاني إلى أن تكون بمعنى بعد، وما   1 في "ب" تسعة. 2 سقط في "أ" والمثبت من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 استشهد به في المسافر غير مسلم له لغة ولا عرفًا لا جرم نقل الرافعي عن البوشنجي أنه ذكر وجهًا آخر احتمالًا أنه يقع في الحال. قلت: ولم أجد للأول مخرجًا إلا أن يحمل [على] 1 معنى عند كما قيل به في قول الشاعر: أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أحلى إلي من الرحيق السلسل2 لكن أين الدليل على هذا النادر في قولك أنت طالق [إلى] 3 شهر، وقد يقال لما أقت، بالشهر كان قضيته أنها طالق في هذا الشهر غير طالق بعده، وهذا لا يضر؛ لأنها إذا طلقت في هذا الشهر طلقت دائمًا، فاحتمل أن يحذف هذا الجار والمجرور جملة ويعمل قوله أنت طالق عمله وهو وجه البوشنجي. واحتمل أن لا يقع، ويقال لما تعذر طلاق الآن دون غد لم يتعذر عكسه فحملناه عليه ولعل هذا مراد من قاله إنه تأجيل الإيقاع إلا أن القول على العكس يحتاج إلى دليل. ويشهد لوجه البوشنجي قول الأصحاب في الخلع لو قالت طلقني بألف طلاقًا يمتد تحريمه إلى شهر ثم أكون في نكاحك حلالًا لك فطلقها لذلك، أنه يقع الطلاق في الحال مؤبدًا، والصحيح وجوب مهر المثل. فإن صح ما نقل عن ابن عباس وأنه لا مخالف فهو إجماع سكوتي، فالأولى الاقصتار في الاحتجاج عليه، وإلا فللنزاع في المسألة مجال. ومنها حلف أنه بعث فلانًا إلى بيت فلان وعلم أن المبعوث لم يمض إليه لم يقع؛ لأن المحلوف عليه البعث لا الامتثال وقد وجد وقيل يقع، لأنه يقتضي حصوله هناك.   1 في "ب" إلى. 2 والبيت من الكامل وهو لامرئ القيس انظر ديوانه 309 شرح المفصل 3/ 25 خزانة الأدب 2/ 236، همع الهوامع 2/ 51، الدر اللوامع 2/ 64، شرح الأشموني 2/ 272، مغني اللبيب 1/ 57. والشاهد فيه قوله: أحلى إلي؛ حيث جاءت إلى بمعنى عند. 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 والمسألة في آخر تعليق [الطلاق] 1 من الرافعي عن الروياني أبي العباس. ومنها حلف لا تخرج امرأته إلى العرس فخرجت من أجله ولم تصل فلا [حنث] 2 لأن الغاية لم توجد، وكذا لو انعكس الحال فخرجت لغير العرس ثم دخلت إليه بخلاف ما إذا أتى باللام؛ فقال للعرس فإنه لا يشترط وصولها متى خرجت له إما وحده وإما مع غيره طلقت؛ لأن حرف الغاية وهوإلى لم يوجد، قال القاضي أبو الطيب في كتاب الإيمان من تعليقته في فرعين متصلين. ووجه التفرقة أن أصل إلى الغاية، وأصل اللام للملك؛ فإن تعذر حمل ما يقتضيه السياق من التعليق والانتهاء. مسألة: "أو" موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء هذا موضوعها وتأتي للشك والإبهام والتخيير والإباحة والتقسيم ومطلق الجمع وغيرها وهذه المعاني ليست في الحقيقة معانيها؛ وإنما هي معاني الكلام. وفيها فروع. منها لو قال بع هذا أو هذا لم يصح عزاه في الروضة إلى أصحابنا. قال الشيخ الإمام وهو ظاهر إن حمل على التردد في التوكيل كأنه قال وكلتك إما في هذا وإما هذا إذا أراد بع أحدهما فينبغي أن يصح على الأصح، كبع من شئت منهما. قلت وهذا حق، والحمل على الترديد فيه بعد، فإن الشك والترديد إنما يظهر في شيء وقع. تنبيه: نقل الرافعي في آخر الإيمان عن كتب الحنفية أن دخول أو بين يقينين يقتضي انتفاءهما كما في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} ، وبين إثباتين فيقتضي ثبوت أحدهما فإذا قال لا أدخل هذا الدار أو لا أدخل هذه فأيتهما دخل بها حنث. ولو قال لأدخلن هذا الدار أو هذه الدار الأخرى يبر بدخول واحدة. ثم قال الرافعي ويشبه أن يقال إذا دخلت بين نفيين كفى للبر أن لا يدخل واحدة ولا يضر دخول الأخرى كما تكفي الواحدة في طرف الإثبات.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" يحنث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 قلت: وإلى مقالة الحنفية أشار المازري في شرح البرهان في مسألة تحريم واحد لا بعينه [قيل] 1 إنه قيل إنه لم ترد به اللغة وقد حكيناه في جمع الجوامع، وإليه الإشارة بقول شيخنا أبي حيان في الارتشاف وإذا نهيت عن المباح استوعب ما كان مباحًا باتفاق من النحاة، ومنه {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2 وإذا نهيت عن المخير فيه فذهب السرافي3 إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي، وذهب ابن كيسان4 إلى جواز أن يكون النهي عن واحد وعن الجميع. تنبيه: مثال الشك قام زيد أو عمرو، والإبهام قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 5 والتخيير خذ من مالي دينارًا أو درهمًا، والإباحة جالس الحسن أو ابن سيرين. والفرق بين الشك والإبهام أن الشك يكون المتكلم به مترددًا في الذي أخبر به ومن ثم يمتنع ورودها للشك في كلام الله تعالى إلا أن يصرف إلى تردد المخاطب كما قيل في {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 6 أنه باعتبار المخاطب. وأما الإبهام فإن المخبر يكون عالمًا بما أخبر به قاصدًا الإبهام على السامع.   1 سقط في "ب". 2 سورة الإنسان آية "24". 3 هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي أبو سعيد السيرافي النحوي كان يدرس ببغداد علوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض قرأ القرآن على أبي بكر بن مجاهد واللغة على ابن دريد وقرآ هما عليه النحو. قال أبو حيان التوحيدي: أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ وإمام الأئمة معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة وله تصانيف منها شرح كتاب سيبويه شرح الدريدية الإقناع في النحو لم يتم فأتمه ولده يوسف وغير ذلك. بغية الوعاة 1/ 507، البداية والنهاية 11/ 294. 4 محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن النحوي قال الخطيب: يحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر عن مجاهد يقول: إنه أنحى منهما، من تصانيفه المهذب في النحو، البرهان، غريب الحديث، معاني القرآن وغير ذلك، مات لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وتسعين ومائتين بغية الوعاة 1/ 18- 19. 5 سورة سبأ آية: "24". 6 سورة الصافات آية: "147". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 والفرق بين التخيير والإباحة أن التخيير لا يكون إلا بين ممنوعين في الأصل كالدينار والدرهم في المثال وقيل فيه تخيير؛ لأن المخير لا يأخذ غالبًا إلا خيرهما ومن ثم لا يجوز الجمع بين الشيئين المخير بينهما. والتي للإباحة لا تكون إلا بين مباحين في الأصل، ومن ثم يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه. فائدة: قدمنا أن موضوع "أو" أحد الشيئين أو الأشياء، وأن المعاني المذكورة مستفادة من مورد الكلام لا من موضع أو فلا يزيد [مدلولها] 1 على ما ذكرناه؛ فعلى هذا إنما جاز قولك جالس الحسن أو ابن سيرين وأنت تريد جالسهما باعتبار الوقت الذي يجالس فيه أحدهما غير الآخر وتقع الواو مكانها باعتبار أنك أمرته بمجالستهما، أو أنهما جميعًا أهل للمجالسة، فإن أردت هذا وجالس أحدهما لم يكن عاصيًا. وعلى هذا المعنى الأخير أخذ مالك رضي الله عنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 2 وأخذها الشافعي على معنى التشريك وهو الأصح أو الصواب، وتقول اشتر هذا بعشرة أو تسعة باعتبار أن الواقع الشراء بأحدهما، ويجوز وضع الواو مكانها باعتبارها أنك جعلتهما معًا ثمنًا، وكذا تقول خذه بما عز أو بما هان أو بما عز وهان بالاعتبارين، وإيقاع "أو" إنما يكون حيث يمكن فيه تلك الملاحظة كما ذكرنا فلا يجوز استعمالها في نحو جلست بين يدي زيد وعمرو، ولا في اختصم زيد وعمرو واشترك زيد وعمرو؛ لأن هذا كله لا يمكن فيه تلك الملاحظة. قال شيخنا أبو حيان فيما إذا لم تأت "بأو" في نحو جالس الحسن أو ابن سيرين؛ بل أثبت بالواو المعاقبة لها قال أصحابنا إنه بالواو لا يجوز له مجالسة أحدهما دون الآخر وبأو يجوز. قلت: وعليه إذا قال: مع هذا. مسألة: "إذا" ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه؛ فإذا قال: إذا أعطيتني ألفًا فأنت طالق بإعطائها لكن يشترط الإعطاء على الفور كما قلنا في إن لقرينة العوضية [ولا دلالة له] 3 على مطلق الزمان، فالفور في إذا أوضح منه في إن   1 في "ب" مدلولنا. 2 سورة التوبة "60". 3 في "ب" ولا ذا دلالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 قال الشيخ الإمام رحمه الله وقد يخطر للفطن أن إذا مضافة لما بعدها؛ فقوله إذا أعطيتني في قوة قوله: "وقت إعطائك إياي" ولو صرح بذلك لاقتضى العموم؛ لأنه مضاف إلى معرفة فكذلك صفة إذا. قال: وهذا يلتفت لي خط من النحو وهو أن العامل في إذا جوابها أو فعل الشرط وعلى كل من التقديرين لنا أن نمنع تقدير الإضافة فيها ونقدره وقتًا منونًا منكرًا في قوله وقتًا تعطيني فيه فلا يلزم العموم، وعلى تقدير الإضافة فتعميم الإضافة مختلف فيه وبتقدير ثبوته فليس في مرتبة العموم الصريح الذي هو موضوع متى. قلت الحق هو الجواب الأول؛ فإذا دلت على مطلق الزمان كان أخص الأزمنة بها الفور لقرينة العوضية، على أن أصحابنا حملوها على الفور وإذا لم يكن قرينة عوض بدليل أن الصحيح فيمن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق أنه إذا مضى زمان يمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلقها مع عدم العوض، وكان يمكن أن يقال إذا لم يكن قرينة عوض فلا يتعين الفور، كما لو قال إن لم أطلقك واقتضى كلام الغزالي في الوسيط في هذه المسألة أن إذا مثل أي إذا قال ... 1. فرع: إذا الشرطية لا تدل على التكرار خلافًا لابن عصفور؛ فإذا قال: "إذا قمت فأنت طالق" طلقت بالقيام الأول، ثم لا تطلق بالثاني كما جزم به الرافعي في أوائل تعليق الطلاق. ولا تدل على العموم أيضًا خلافًا لبعضهم كما حكاه شيخنا في باب الجوازم في الارتشاف؛ فإذا قال إذا طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر فطلق أكثر من واحدة لم يعتق إلا واحد وينحل اليمين؛ قاله الرافعي في الكلام على التعليق بالتطليق. فرع: ولا يلزم اتفاق شرطها وجزائها في الزمان. قال أبو حيان بخلاف متى فإن ذلك شرط فيها؛ تقول إذا زرتني اليوم زرتك غدًا، ولا يصح ذلك في متى. وما قاله ظاهر، وبه صرح الأصحاب في إذا جاء اليوم فأنت طالق غدًا أو عكسه ولم يذكروا متى.   1 بياض في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 مسألة: "إذا" أغلب معانيها أن تكون ظرفًا للزمن الماضي نحو: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1. واختلف هل يكون اسمًا للمستقبل فتقع موقع إذا؟ فمن قائل به استشهد بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} 2 {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} 3 وفي حديث ورقة "ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك"4. ومن منكر، وهم الجمهور، وجعلوا ما ذكر من باب ما نزل فيه المستقبل منزلة الحاضر إذ كان واقعًا لا محالة، ومن ثم إذا قال لها: أنت طالق إن أعطتني ألفًا تطلق في الحال طلاقًا بائنًا، لاعترافه بصدور خلع مقبوض فيه العوض، ولها مطالبته بالألف إذا أنكرت ذلك صرح بالمسألة الماوردي. ولك أن تقول إن استفاد الماضي من إذ فينبغي أن تجريه فيما إذا كانت الصيغة [وقت إعطائك] 4 لي ألف فإن التزمه فقد وفي بمقتضى الصيغة وإلا فما الماضي مستفاد إلا من فعل الماضي، وهو [قول] 5 أعطيت. واعلم أن إذ ترد حرف تعليل على ما قال ابن مالك ونسبه بعضهم لسيبويه وجعل منه قوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فلو حمل هنا على ذلك أو ادعى إرادته لم يقع الطلاق فيما يظهر إلا جرعيًا، والمعنى أنت طالق لكونك أعطيتني ألفًا، وليس بلازم أن يكون هذا في مقابلة الطلاق حى يكون بائنًا، وقد حملها الأصحاب على التعليل في نحو أنت طالق إذ قام زيد أو إذا فعلت كذا فقالوا يقع لأجل القيام والفعل. قال الرافعي ويمكن أن يكون الحكم فيه على التفصيل بين أن المفتوحة بين العارف بالنحو وغيره. ونقل ابن الرفعة عن صاحب الذخائر أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي قال بهذا الذي حاوله الرافعي. فائدة: "أول" الصحيح أن وزنه [أو أل] 6 على وزن أفعل فقلبت الهمزة الثانية واوًا ثم أدغمت، ومن ثم يقال هذا أولى منك وتجمع على أوائل وأوالي، وقال قوم: أصله وول فقلبت الواو الأولى همزة ووزنه فوعل وله استعمالان.   1 سورة التوبة آية: "40". 2 سورة الزلزلة آية: "4". 3 سورة المائدة آية: "116". 4 في "ب" البيت عطاؤك. 5 في "ب" قوله. 6 في "ب" أو أن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 أحدهما: أن يكون اسمًا فينصرف، ومنه قولهم: "ماله أول ولا آخر" قال شيخنا أبو حيان: وفي محفوظي أن هذا يؤنث بالتاء ويصرف؛ فتقول أوله وآخره بالتنوين. والثاني: أن يكون صفة أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق، فيعطى حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل من دخول من عليه ومنع الصرف وعدم تأنيثه بالتاء فتقول هذا أول من هذين، وما رأيته منذ أول من أمس. وقالوا ابدأ بهذا أول -مبنيًا [على] 1 الضم اتفاقًا. وهذا حظ النحاة، وفيه كلامان هل من شرط الأول أن يكون فردًا؟ والثاني هل من شرطه أن يكون له ثان؟ فيه وجهان أرجحهما عند الوالد رحمه الله وبه قال: نعم، وأرجحهما عند الرافعي والنووي لا. فإذا قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرًا فأنت طالق فإن ولدت ذكرًا ولم تلد غيره لم تطلق على الأول، وطلقت على الثاني. تنبيه: ليس من شرط "الأول" الفردية، وحكى الوالد رحمه الله في تفسيره في سورة الحشر فيه خلافًا؛ فإن كان نقل ذلك عن تحرير فسمعًا له وطاعة ومن ثقة ثبت، وإلا فلعله أخذه من قول المزني في أول من حج عني فله مائة فحج اثنان، ثم ثالث إنه لا يستحق واحد منهم قال العبادي لأن الأول اسم لمفرد، والثاني ليس بأول أو من قول الأصحاب في باب العتق إذا قال أول من دخل من عبيدي دخل أولًا فهو حر فدخل اثنان معًا ثم ثالث لم يعتق واحد أو من قول الرافعي في كتاب الطلاق قبيل التعليق بالحيض لو أخرج درهمًا للمتسابقين وقال: من جاء منكما أولًا فله كذا فجاءا معًا، لم يستحقا شيئًا وليسلهم معصم في شيء من هذا. أما مسألة المزني فلعله إنما قال لا يستحق الأولان، لامتناع حج اثنين عن واحد في عام واحد وهو وجه حكاه الماوردي في باب جزاء الصيد، أو لأن لفظ من منفرد   1 في "ب" علم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 فروعي، ومن ثم يتطرق إلى منازعة العبادي في فهمه عن المزني أن ذلك [لأجل] 1 اشتراط الفردية. وأما العتق فلما ذكرناه. وأما مسألة المسابقة فلأنه ليس أحدهما بالنسبة إلى الآخر [أول] 2. ثم يستدل على عدم اشتراط الفردية بقوله تعالى: {والسابقون الأولون} 3 ولو كان الأول الفرد لم يكن أولون، وقال صلى الله عليه وسلم "أول شيء خلق الله القلم" 4 مع قوله عليه السلام "أول ما خلق الله العقل" 5، وقال صلى الله عليه وسلم: "أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة" 6. وفي مسند أحمد "أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع". مسألة: "إلا" ترد للاستثناء، وبمعنى غير فيوصف بها ويناد بها جمع منكر أو شبهه وعاطفة، وزائدة. أما التي للاستثناء [فقد يستثني ما هو من الجنس نحو جاء القوم إلا زيدًا، فهو الاستثناء] 7 المتصل، وهو حقيقة. وفيه مسائل: منها:8 ... فصل: وقد يستثنى بإلا ما ليس من الجنس وهو الاستثناء المنقطع والصحيح أنه مجاز،   1 سقط في "ب". 2 في "ب" بأول. 3 سورة التوبة آية: "100". 4 أخرجه البيهقي 9/ 3 كتاب السير/ باب مبتدأ الخلق. 5 قال العراقي في تخريجه للإحياء أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة بإسناد من ضعيفين. وانظر إتحاف السادة 1/ 479. 6 عزاه السيوطي للقضاعي في مسند الشهاب، قال المناوي: وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو متروك فقول العامزي حسن غير حسن، فيض القدير 3/ 89- 90. 7 سقط في "ب". 8 بياض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ومذهبنا أنه صحيح، ومنعه أحمد مطلقًا، وأبو حنيفة في غير المكيل والموزون. وفيه مسائل: منها قد كثر وروده في الكتاب والسنة نحو: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس} 1 {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2. {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 3. {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} 4. {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} 5. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} 6. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 7. {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} 8. {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 9. {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} 10. {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} 11. {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} 12. {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا، إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} 13. {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 14. وآيات كثيرة على خلاف في كثير مما أوردناه ومما لم نورده هل هو فيه متصل أو منقطع أو عاطف أو زائد وكذلك في السنة، ومنها إذا قال له علي ألف درهم إلا ثوبًا صح الاستثناء؛ فإن بين بما يستغرق قيمة الألف لغًا البيان، والصحيح بطلان والاستثناء حينئذ فيلزمه الألف، وقيل يطالب بيان صحيح.   1 سورة البقرة آية 34. 2 سورة البقرة آية 150. 3 سورة النساء آية: 22. 4 سورة الدخان آية: 56. 5 سورة النساء آية: 29. 6 سورة النساء آية: 92. 7 سورة النساء آية: 157. 8 سورة الأنعام آية: 80. 9 سورة الشعراء آية: 89. 10 سورة النمل آية: 10. 11 سورة النمل آية: 65. 12 سورة يوسف آية: 68. 13 سورة الواقعة آية: 25/ 26. 14 سورة الليل آية: 19/ 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 فائدة: ذكرها ابن سراقة وهي: أنه قد يكون عليه ألف درهم لمن له عنده عبد أو ثوب مثلًا ويخاف أن أقر له بالألف جحده المقر له الثوب أو العبد فطريقه أن يستثنى العبد أو الثوب من الألف، وإن الغاصب استهلك العبد1 فللمقر أن يسقط قيمته من الألف ويقر بما بقي ويحلف صادقًا. والاستثناء من غير الجنس في الإقرار، قال الماوردي: لا يختلف أصحابنا في حصته. قال واختلفوا في غير الإقرار على وجهين. فائدة: قد يجيء لفظ يدل على معنى الاستثناء وليس هو إياه، ففي جعله مساويًا له نظر في مسائل. منها لو قال هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي قيل. قال الرافعي لأنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ فكان كالاستثناء. قلت قد يخرج فيه وجه من الوجهين في المسألة بعده، وقد ألحق الرافعي بهذه الصورة ما إذا قال: الخاتم له وفصه لي. وفيه نظر. فقد يقال ليس الفص داخلًا في مسمى الخاتم وإن دخل معه حالة الإطلاق بخلاف بيت من دار. ومنها لو قال: له علي ألف أحط منها مائة أو استثنى مائة، ففيه وجهان حكاهما الماوردي. مسألة: الباء ترد لمعان أعمها الإلصاق فقد قي إنه معنى لا يفارقها أبدًا، ومن ثم اقتصر عليه سيبويه. وتأتي للمقابلة وهي الداخلة على الأعواض كاشتريته بألف، وأحسن مثال له قوله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان"؛ غير أن الفقهاء لم يجعوا ما دخلت عليه الباء ثمنًا إلا إذا كان العوضان نقدين أو دخلت على النقد، فإن دخلت على غير النقد، ومقابلة نقد قالثمن النقد، هذا ما صححه الرافعي والنووي والوالد رحمهم الله وقيل الثمن مدخول، الباء مطلقًا وقيل النقد مطلقًا.   1 في "ب" زيادة أو الثوب من الألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 واختلف في مجيئها للتبعيض، فأثبته ابن مالك، ونفاه غيره. وعلى الإثبات يتوجه قول من أخذ الاجتزاء بأقل ما ينطق عليه الاسم من مسح الرأس من قوله تعالى: {برؤوسكم} 1 ومن ثم قيل إنه قول الشافعي رضي الله عنه، والصواب أن الشافعي لم يأخذ من حرف الباء ولكن من غيره كما قرر في مكانه. وترد الباء للسببية ومنه {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} 2 ومثل به ابن مالك لباء التعليل، وجعل باء العلة غير باء السببية. وقدمنا الكلام عليه في مباحث العلل من أصول الديانات ولا يخفي أنه أنه إذا اختلفت محاملها حملت عند القرينة على ما دلت عليه القرينة، فإن لم تدل على شيء فليس إلا الإلصاق؛ فإنه القدر المشترك ومن ثم يضرب النظر إذا تعاوضت القرائن؛ وذلك فيما إذا قال طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة، فقوله بدينار قرينة أنه خلع، وأن الباء [للعوضية] 3 لكن يدرأ هذه القرينة اشتراطه الرجعة ولا رجعة في البينونة؛ فاحتمل أن يجعل آخر الكلام دافعًا لأوله ويتساقطان، ويبقى قوله طلقتك فيقع الطلاق وتثبت الرجعة لا لكونه اشترطها؛ بل لأن الواقع طلاق غير بائن، وهو الصحيح في المسألة ومنقول المزني والربيع عن النص. أعني وقوعه رجعيًا ولا مال، ويمكن أن يقال حذف قوله بدينار عن درجة الاعتبار، أو حذفت الباء عن معنى العوضية وحملت على السببية. واعلم أن معنى السببية أعم من معنى العوضية، فبعتك بدرهم معناه بسبب درهم أخذته مقابله، ومن ثم قال بعض النحويين باء العوض هي باء السبب وهو الصحيح؛ فإذا انتفى خصوص العوض لم يبعد بقاء عموم السبب فيحمل على عموم السببقية أو غيرها. والحاصل انتفاء باء العوض هنا لما دلت القرينة اللفظية عليه وهي اشتراط الرجعة واحتمل أن لا تحذف الباء عن درجة الاعتبار، ولا اشتراط الرجعة، ولا يخفي أن المصير إلى هذا لو تم أوجه؛ لأن الأعمال خير من الإهمال. وكيف السبيل إلى ذلك. ويحتمل أن يقال دلت الباء على أن الطلاق ليس مجانًا، ولكنه بعوض. غير أن خصوص الدينار منفي، لكونه أوقفه على شرط لا يحصل معه، ودل الشرط على أنه لايكون إلا عند حصول الدينار فإذا انتفى الدينار ولم يكن شرطًا، وبقي أصل العوض، فيرجع إلى مهر المثل ويقع بيانه، وكان هذا خلع بشرط فاسد، فألغي   1 سورة المائدة آية: 6. 2 سورة البقرة آية: 54. 3 في "ب" للعوض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 الشرط، كما إذا خالعها بشرط أن لا عدة عليها وألغي تعيين العوض إذا لم يسلم له الشرط وحصلت البينونة بالعوض الشرعي وهنا دقيقة وهي أن ما ثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط ومهر المثل ثبت في الخلع بالشرع فهو أولى من العوض الذي يعينه المختلع، وكذلك الرجعة تثبت في الطلاق الرجعي بالشرع؛ فهي أولى من إثباتها بالشرط. فمن ثم قال بعض الأصحاب الاحتمال الأول يثبت في الرجعة لا بقوله، بل بالشرع، ويسقط العوض مطلقًا وقال الأصحاب هذا الاحتمال يثبت مطلق لعوض لا بقوله بل الشرع الذي أثبت في كل خلع عوضًا ويسقط شرط الرجعة، وهذا هو اختيار المزني وطائفة من الأصحاب منهم الإمام والغزالي. ويحتمل أن يصح الخلع ويثبت المسمى وتثبت الرجعة، ويكون المال عوضًا عما نقص من عدد الطلاق، وهذا مروي عن مالك رحمه الله، ولا يمكن القول به عندنا. ويحتمل أن يسقط شرطه للرجعة ويثبت المال المعين، وهو منقول عن أبي حنيفة رحمه الله وأحمد رضي الله عنه ورواية عن مالك رضي الله عنه؛ فانظر تصرف الأئمة رحمهم الله في مدلولات الألفاظ وحرصهم على أعمال الكلام ما وجدوا إليه سبيلًا. فرع: إذا قال أنت طالق برضا فلان أو بقدومه فهو تعليق؛ كقوله إذا رضي أو قدم. قاله صاحب التهذيب وحكاه عند الرافعي في فصل التعليق والسنة والبدعة. ورأيت أنا في التهذيب مع جزمه مع أكثر الأصحاب بأنه لو كان موضع الباء اللام كان للتعليل، واقتضى الوقوع وإن لم يكن فلان راضيًا، وليس لنا باء للتعليق. ولعل مراده بالعوض ونفي عنها السبب كما قدمناه. مسألة: بعد ظرف [زمان] 1 دل على تأخر سابقه عن لاحقه عكس قبل؛ فإذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنًا بعد بطن ترتب، وهو الصحيح، وفاقًا للشيخ الإمام، وخلافًا للرافعي والنووي. مسألة: بل حرف إضراب يتلوه جملة ومفرد؛ فإن تلاه جملة كان الإضراب بمعنى الانتقال من غرض إلى آخر وإما بمعنى الإبطال ومن ثم لم يسمع قوله هذا الدار لزيد بل لعمرو في إبطال إقراره لزيد؛ إذ ليس له أن يبطل ما أقر به فليسلم لزيد ويلزمه غرم قيمتها لعمرو على الصحيح وإن تلاها مفرد فهي عاطفة، ثم إن تقدمها إثبات نحو   1 في "ب" الزمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 أضرب زيدًا بل عمرًا، وقام زيد بل عمرو فقال النحاة هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء ويثبت ما بعدها. وأقول هذا في الخبر واضح، أما في الأمر نحو اضرب زيدًا بل عمرًا لو فرض وروده في كلام الشارع فالظاهر أنه نسخ قبل الفعل. وإن تقدمها نفي ولو نهيًا فهي لتقدير ما قبلها على حاله وجعل ضده لما بعدها، نحو ما قام زيد بل عمرو، ووافق المبرد على ما ذكرناه، غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها. ويتخرج على الخلاف ما الذي لك عندي دينارًا بل درهمًا، [أو] 1 بل درهم ويختلف المعنى فإن نصبت الدراهم اتجه أن لا يجب شيء، وجاز النصيب بعد بل لأن المعطوف على خير ما ليس موجبًا فلم يتعين رفعه بل وجب النصب؛ لأن التقدير: "بل ما الذي لك عندي درهمًا" وحينئذ لا يجب الدرهم لكونه نفاه ولم يتقدم منه إثباته ولا الدينار لنفيه إياه أولًا. فإن قلت: لكن مفهوم "بل" إثباته. قلت: إن سلم أن مفهوم فالأقارير لا تثبت بالمفاهيم. وإن رفعت الدرهم كنت مقرًا به؛ إذ التقرير "بل الذي عندي درهم". مسألة: بلى: حرف جواب مختص بالنفي مفيد لإبطاله سواء كان جوابًا لاسفتهام أو لخبر منفي فالأول: مثل أليس لي عليك ألف؟ فيقول: بلى. والثاني: مثل أليس لي عليك ألف؟ فيقول: بلى؛ غير أنه في هذه الثانية يكون مقرًا لمنكر؛ وإنما كانت2 كذلك لكونها ردًا للنفي الذي في كلام المستفهم أو المخبر ونفي النفي إثبات، وعلى ذلك ورد في الاستفهام التقريري قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} 3 معناه أنت ربنا ولذلك قال ابن عباس لو قالوا نعم لكفروا ووجه ذلك بأن نعم تصديق لما وقع الإخبار عنه بنفي أو إثبات هذا مقتضى اللغة ولذلك يلزم من قال "بلى" في جواب من قال: أليس لي عليك كذا.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" زيادة بلى. 3 سورة الأعراف آية: 172. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 فإن قلت: وهو الصحيح فيما لو قال: "نعم" مع أن "نعم" تقرير للمسؤول عنه فإن كان نفيًا فمقتضاها النفي، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما لو قالوا نعم لكفروا. وحينئذ فيكون الجواب بنعم معناه نفي أن له عنده فكيف حكمتم بأنه إقرار. قلت: إنما حكمنا بذلك للعرف. وإلا فموضوعه اللغوي ما ذكرت. فإن قلت: ما تقولون فيما إذا أجاب في الإثبات ببلى فإنه على خلاف وضع اللغة إذا وضعها تحقيق ما سأل عن نفيه لا ما سأل عن ثبوته. قلت: قال أصحابنا إنه إقرار لما اشتهر في العرف من استعمالها في تحقيق الجواب وإن كان إثباتًا، وهو نظير ما قلناه في "نعم" وخالفهم الشيخ الإمام وقال: لا يكون إقرارًا ومنع اطراد العرف، وبتقديره قال: ينبغي أن يطرقه الخلاف فيما تقدم. مسألة: تاء التأنيث: تدخل على اسم العدد من ثلاثة إلى عشرة إذا كان المعدود مذكرًا وتخرج إذا كان مؤنثًا؛ فعلى هذا إذا قال عشرة من الإبل كان للذكور وإن قال عشرًا كان للإناث. وهو الصحيح عند الوالد رحمه الله في باب الوصية إلا أن يكون القائل جاهلًا، ورجح الرافعي والنووي أنه لا فرق. [قلت] 1 تجيء التاء المذكورة للمبالغة كراوية لكثير الرواية، [ولتأكد] 2 المبالغة كعلامة، فإنا استفدنا المبالغة من صيغة فعال المشدد العين. ووقع كلام الإمام في النهاية في باب القذف في المسألة التي سنذكرها عن بعضهم أن علامة ونسابة كراوية، وليس كذلك إذا علمت هذا فإذا قال الرجل: يا زانية فمذهبنا أنه قاذف خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله؛ غير أن مأخذ مذهبنا في ذلك قيل فيه إن اللحن فيما نحن فيه لا يمنع وهذا هو الذي ارتضاه الإمام وغيره وقيل لأن التاء للمبالغة؛ فقد قذف وزاد. وقال الرافعي: ولم يرتض الإمام وآخرون هذا النبأ، وقالوا: ليس هذا مما يجري فيه القياس، ولا يصح أن يقال لمن يكثر القتل قاتلة وقتالة، كذا قال الإمام في النهاية وعبارته   1 في "ب" مسألة. 2 في "ب" لتأكيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 أن هذا باطل قال: "لأنه لم يتمهد قياسًا مطردًا، فلا يقال لمن كثر منه القتل "فلان قاتله". ولسان العرب ينقسم إلى ما لا قياس فيه أصلًا؛ وإنما المتبع فيه السماع المحض وإلى ما يطرد فيه القياس، وإلى ما يجري فيه قياس مقرون بالسماع، ولا حاجة إلى [التعليل1 بمثل هذه انتهى. قلت: الحاصل أنه موقوف على السماع، ويؤيد هذا أن شيخنا أبا حيان جزم في باب الحال في كلامه على صيغة "كأنه" أن -رواية شاذ وأن مثل هذا موقوف على السماع لكن في كلام أبي علي الفارسي ما نصه. [وإلحاق هذه التاء بعد ما تزيد فيه المبالغة جائز] 2. مسألة: "ثم" حرف عطف للتشريك والترتيب والمهلة خالف قوم في اقتضائها الترتيب، وآخرون في اقتضائها المهلة وذهب إليه من الفقهاء القاضي أبو عاصم؛ فقال: إذا قال وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي لا يقتضي الترتيب مع قوله إن الواو للترتيب. ولعل الجمع بين هاتين المقالتين خرق للإجماع، ولكن مأخذ أبي عاصم أن الوقف إنشاء فلا يعقل فيه ترتيب، وليس ذلك من ثم؛ كذا نبه عليه الوالد رحمه الله تعالى في كتاب الطوالع المشرقة. ونظيره ما قاله الرافعي في آخر باب القسم والنشوز لو قال: طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على الطلاق فإنه زيادة خبر انتهى. فذلك لأنه زيادة خبر كما تقدم، لا لعدم اقتضاء ثم الترتيب ولأنه أيضًا ترتيب في الإنشاء، لأن خذ إنشاء فاجتمع في هذه الصورة شيئان الإنشاء وزيادة الخبر وكان الترتيب منهما لا من ثم. مسألة: "حتى" البحث فيها كما في إلى، وقد تقدم3   1 في "ب" التعلق. 2 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 3 في "ب" زيادة دون، زها، سلخ، سنة، شطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 مسألة: "على" ذكرا لنحاة مجيئها حرفًا بمعنى الاستعلاء والمصاحبة والمجاوزة والتعليل والظرفية والاستدراك وموافقة من والباء وقد كثر استعمال الفقهاء لها في التعليل وشاهده في التنزيل {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} 1 وقوله: {اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} 2. وفي الاستدراك والإضراب: كقولهم فلان لا يدخل الجنة على أنه لا ييأس من روح الله، ومنه: بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد3 وكثر استعمالهم لها أيضًا عوضًا، مثل أنت طالق على ألف، ونحو بعتك على أن تعطيني عشرة جزم الرافعي في الصداق بأنه يصح، وحكاه الشيخ الإمام عنه في أوائل كتاب البيع وسكت عليه فليحمل على معنى الباء التي بمعنى العوض لا الباء من حيث هي ولم أجد له شاهدًا. [وكثر استعمالهم لها أيضًا شرطًا] 4، ولم أجد من ذكره من النحاة في معانيها، وأذكر أن الوالد رحمه الله بحث عن ذلك وأطال كلامه "فيه معنا لما"5 انتهى في شرح المنهاج إلى نكاح الشغار، ولا أعرف ما الذي تحصل عليه من ذلك. وقد قال الغزالي صورة الشغار [أن يقول] 5 زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يضع كل واحد منهما صداق الأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك. وقال القفال: إنه يبطل للتعليق. فانظر كيف فهم التعليق من على؟   1 سورة الحج آية: 37. 2 سورة الحج آية: 28. 3 البيت من الطويل لابن الدمينة انظر ديوانه 82، مغني اللبيب 1/ 145، شرح الأشموني 2/ 223، والشاهد في البيت استعمال .................... ... على أن قرب الدار خير من البعد فأبطل بعلى عموم قوله "لم يشف ما بنا". 4 في "أ" وكثر استعماله أيضًا شرط والمثبت من "ب". 5 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وقال بعض الأصحاب أظنه القاضي الحسين إنما يبطل إذا قصد توقيف الانعقاد فليبحث عن ذلك. ويشهد لمجيئها شرطًا قوله تعالى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج} 1 وقول بعض الصحابة لعثمان أبايعك على كتاب الله، وقد استعملها الفقهاء شرطًا في نكاح الشغار كما [عرفت] 2 وفي الخلع، وفي خالعتك على هذا الثوب على أنه هروي، وفيما لو نكحها على أن لا يطأها [إلا مرة، أو أن لا يطأها] 3 إلا نهارًا، وفي باب الصداق فيما لو نكحها على أن لأبيها ألفًا. تنبيه: تستعمل "على" بمعنى الوجوب وهو راجع إلى الاستعلاء نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس على كل ... " ونحو قول الشافعي رضي الله عنه على الآباء [والأولاد] 4 أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة وبمعنى الاستحباب. فائدة: صح قوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه5 الحديث، وليس فيه من الإثم. وفي المسألة وجهان رجح القاضي والإمام والغزالي أن كراهة المرور كراهة تنزيه، والصحيح أنه للتحريم، وعلى كافية في الدلالة عليه وإن لم يصرح بلفظ الإثم ووقع في الرافعي التصريح بلفظ الإثم، ولكن ليس هو في لفظ الحديث ولا يحتاج إليه أيضًا بلب التحريم يحصل بلفظ على. مسألة: "عند" اسم للحضور. "غير" أصل وضعه الصفة، والاستثناء به عارض، عكس إلا. وشرط غير أن يكون ما قبلها [يصدق] 6 على ما بعدها نقول مررت برجل غير   1 سورة القصص آية: 27. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" الأبناء. 5 أخرجه البخاري 1/ 584 كتاب الصلاة حديث "510" ومسلم 1/ 363- 364 كتاب الصلاة حديث "261- 507". 6 في "ب" يكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 فقيه ولا يجوز غير امرأة، بخلاف لا النافية؛ فإنها بالعكس وهذا في غير العلمين، أما العلمان فيجوز العطف بـ "لا" وبـ "غير" وفي غير مسائل. منها كل امرأة لي غيرك طالق، ولا امرأة [له] 1 سواها، قال القفال والقاضي الحسين: إن قصد الاستثناء وقع لكونه مستغرقًا وقال الشيخ الإمام لا يقع مطلقًا، وهو قضية كلام الخوارزمي في الكافي إذ قاله في سوى، ولا فرق بينها وبين غير هنا، وقد ذكرت المسألة فيترشيح التوشيح في باب العجائب والغرائب. فرع: قال الرافعي: لو قال له عليّ درهم غير دانق فقضية النحو وبه قال بعض الأصحاب أنه إن نصب غير؛ فعليه خمسة دوانق لأنه استثناء وإلا فعليه درهم تام؛ إذ المعنى فعلي درهم لا دانق. وقال الأكثرون السابق إلى فهم أهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب انتهى وأقره الوالد. فأما قوله قضية النحو في النصب خمسة دوانق فليس على إطلاقه. بل لهم حال النصب إعرابان. قال أبو علي الفارسي هو منصوب على الحال واختاره ابن مالك، وعزي إلى ظاهر كلام سيبويه؛ فعلى هذا يلزم درهم تام، وقال آخرون وهو المشهور أنه نصب على الاستثناء وعلى هذا يخرج كلام الرافعي. وأما قوله: "وإلا فعليه درهم" يعني إذا رفع غيرًا، وهو واضح؛ فإنها حينئذ صفة، والمعنى "درهم موصوف بأنه غير دانق"؛ ولكن يبقى ما إذا جر "غيرًا" ولا يخفى أنه لحن؛ غير أنه هل هو عدول عن النصب فيعطى حكمه أو عن الرفع؟ فيه نظر واحتمال. مسألة: "الفاء" للتعقيب في كل بحسبه [ومن ثم إذا مت فشئت فأنت حر اشترط لحصول العتق إيصال المشيئة بالموت، وهو الصحيح. مسألة: إذا دخلت الفاء على الخبر نحو الذي يأتيني فله درهم أو كل رجل يأتيني   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 أو من يأتيني سواء كانت من شرطية أو موصولة كان الدرهم في مقابلة الإتيان، وإن كان لم تدخل فالكلام إخبار محض، والقضية لا معارضة فيها، ومن ثم كل من عبارة الأصحاب في الجعالة] 1. مسألة: "في" للظرفية الزمانية والمكانية فلو قال أنت طالق في مكة يوقف طلاقها على الحلول بمكة كذا نقله العبادي عن البويطي، ونقل الرافعي عنه أنها تطلق في الحال؛ لأن المطلقة في بلد مطلقة في باقي البلاد ولك أن تقول حتى يصدق قبل الحلول بمكة أنها مطلقة في بلد. مسألة: قد [حرف تحقيق تدخل على الماضي المنصرف لتقريب زمانه في الحال، وعلى المضارع ولا يفيد تعليلًا فيه؛ بل التوقع فإذا قال لعبد غيره قد اعتقتك] 2. مسألة: قبل [الذي هو ضد بعد مدلوله التقديم ولا يستدعي وجود مسبوقيه المقطوع بأن سيوجد. وفي المحتمل تردد ألا ترى قول إسماعيل البوشنجي فيمن قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار أنه يحتمل وجهين أحدهما كقوله قبل موتي وأصحهما لا يقع حتى يوجد؛ فحينئذ يقع مستندًا إلى ذلك الشيء؛ لأنه الصفة تقتضي وجوده ذكره الرافعي في تعليق الطلاق] 3. مسألة: كاد من أفعال المقاربة، وأمرها في الإثبات واضح، وأما إذا نفيت فذهب الزجاجي4 أنها نفت المقاربة، قالوا ويلزم منها نفي الفعل، ومن ثم جعلوا مذهبه أنها تبقي إذا بقيت كغيرها من الأفعال، وقالوا في قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} 5 معناه: لم   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 هو الحسن بن محمد بن العباس القاضي أبو علي الطبري الزجاجي أخذ عن ابن القاص. له كتاب زيادات المفتاح وله كتاب في الدور. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 139- 140، معجم المؤلفين 3/ 284. 5 سورة النور آية: 40. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 يرها ولا قارب رؤيتها، وفي قوله: {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} 1 [أنه لا يسيغه] ولا يقارب إساغته وهذا رأي شيخنا أبي حيان. ومذهب أبي الفتح أن نفيها يدل على وقوع الفعل بعد بطء بدليل {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 3 ومن ثم قيل إذا دخل عليها نفي أثبتت، وأنشد عليه. أنجوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت بلساني جرهم وثمود4 وجرى على هذا الشيخ الفراء فقال في فتاويه: إذا قال لامرأته: ما كدت أطلقك يكون هذا إقرارًا بالطلاق فيحكم عليه بالوقوع. وهذا فيه نظر؛ إذ لم يصدر لعارف مدلول هذه اللفظة معتقد فيها هذا الاعتقاد. وجمع ابن مالك بين المذهبين فقال في التسهيل وتبقى كاد إعلامًا بوقوع الفعل غدًا ولعدمه وعدم مقارنته ولقد أجاد؛ فإن لهما هذين الاستعمالين. أما إعلامها بوقوع الفعل غدًا. وهو مذهب أبي الفتح فبدليل الآية ولإمكان ذلك رجع ذو الرمة في قوله: إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح5 أما إعلامها بعدم الفعل وعدم مقارنته وهو الاستعمال الثاني؛ فهو مذهب الزجاجي، وقد ذكرنا من شواهده وإذا ثبتت الاستعمالان في لغة العرب تعين مذهب ابن مالك؛ غير أن الأول منهما فيما [أحسب] 6 أكثر. والحاصل أن كاد معناها قارب؛ فإذا قلت ما كاد فقد نفيت المقاربة ولا يلزم من نفيها نفي الفعل؛ فإنك تقول خلص فلان وما كاد يخلص وتقول نجا وما قارب النجاة   1 سورة إبراهيم آية: 17. 2 سقط في "ب". 3 سورة البقرة آية: 71. 4 البيت من الطويل لأبي العلاء المعري انظر جمع الهوامع 1/ 132، الأشموني 1/ 132، الأشموني 1/ 268، والشاهد كما ذكر المصنف رحمه الله. 5 والبيت من الطويل لذو الرمة والبيت في شرح المفصل 7/ 124. إذا غير الهجر المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح 6 في "ب" يحسب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 كما تقول: ما نجا ولا قارب النجاة فنفيها نفي أخص، فتحته ضربان. هذا الذي أفهمه منها، وبه يظهر سداد مذاهب ابن مالك، وحمله اختلاف الزجاجي وأبي الفتح على أن لها استعمالين، ولا أرى لخلاف ذلك وجهًا، وقولهم يلزم من نفي المقاربة نفي الفعل فيه نظر؛ فقد تبقى مقاربته مع وقوعهن لكن ذلك قليل، ولا يقال كل من فعل قد سبق فعله مقاربته للفعل؛ لأنه قد يفعل ولا يكون عند فعله بحيث يفعل، بل يهجم هجمًا فيقال فعل، وما كان يفعل. مسألة: "كم" خبرية بمعنى كثير، واستفهامية بمعنى أي عدد. وليست الاستفهامية أصلًا لها؛ خلافًا للزمخشري حيث ادعى ذلك من سورة يس عند الكلام على {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} 1 وهو مقتضى كلام ابن مالك في التسهيل. وهما مشتركان في الافتقار إلى التمييز؛ إلا أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب، وفي جره مذاهب؛ ثالثها الصواب جوازه بشرط أن تجر كم بحرف جر وحينئذ فالجر أقل من النصب. وفيه مسائل: منها إذا قال بع بكم شئت قال الأصحاب له البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد، ولك أن تقول إن كان هذا العرف فيه هذا اللفظ فجيد؛ غير أنا لا نجد فيه عرفًا؛ وإلا فهذا اللفظ أولًا غير عربي، لأن كم لها الصدر فلا يتقدم عليها قوله "بعه". ومن ثم غلط شيخنا أبو حيان بن عطية2؛ إذ قال في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} 3 أبدلت "أن" وصلتها من "أل". وقال عامل البدل هو عامل المبدل منه يروا فكم لها الصدر؛ فلا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدره أهلكنا فلا تسلط له في المعنى على البدل.   1 سورة يس آية: 31. 2 عبد الحق بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي، قال ابن الزبير: كان فقيهًا جليلًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير نحويًا لغويًا أدبيًا بارعًا شاعرًا توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، بغية الوعاة "2/ 73". 3 سورة يس آية: 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وثانيًا: كم فيه لا يصلح أن تكون خبرية؛ لأن هذا الكلام لإنشاء التوكيل بالبيع بما يراه، ولو جعلت خبرية أمكن أن يتحمل لها أن لا تكون للصدر على لغة حكاها الأخفش1 وذكر أنهم يقولون ملكت كم غلام أي ملكت كثيرًا ولكن لا يمكن؛ إذ لا تصح الخبرية هنا ولا الاستفهامية، إذ المتكلم لم يقصد الاستفهام، بل عقد التوكيل على هذه الصورة. وبلغني أن أبا علي ذكر أن كم قد تشرب معنى أي. فإن أراد معنى أي مطلقًا فيتجه أن يقال هنا معنى قوله بكم شئت بأي شيء شئت. وإن أراد معنى أي في العموم مع بقاء الاستفهام كما ذلك في أي الاستفهامية فلا يتخرج هنا؛ إذ لا استفهام في التوكيل وما يتنبه له أن مدلول كم تقتضي أن لا يبيع إلا بعدد أي عدد شاء فلو باع بواحد فلا يصح؛ إذ الواحد ليس بعدد كما هو الحق الصواب. هذا موضوع كم وإطلاق الأصحاب يأباه، ونظير المسألة إذا قال الولي للوكيل زوجها بكم شئت فله تزويجها بأقل من مهر المثل برضاها ذكر الرافعي في الصداق. مسألة: "كيف" اسم يستعمل على وجهين للشرطية، وكيف استفهامًا وخبرًا للحال. فإذا قال أنت طالق كيف شئت قال أبو زيد والقفال تطلق شاءت أو لم تشأ، وقال الشيخ أبو علي يتوقف طلاقها على صدر مشيئة منها في المجلس إما مشيئة أن تطلق أو مشيئة أن لا تطلق. مسألة: كان فعل يدل على إتصاف اسمه بخبره في الماضي. واختلف الأصوليون في دلالتها على التكرار، وهي مسألة لم يذكرها النحاة، والنحاة قالوا في دلالتها على الانقطاع، وهي مسألة لم يذكرها الأصوليون. قال بعض النحاة لا تدل على الانقطاع؛ بل هي ساكنة عنه. وقال أكثرهم كما ذكر شيخنا أبو حيان تدل عليه ويتجه على هذا عدم قبول شهادة   1 سعيد بن مسعدة أبو الحسن المعروف بالأخفش الأوسط قرأ النحو على سيبويه وكان معتزليًا دخل بغداد وأقام بها مدة درس وصنف فيها من تصانيفه معاني القرآن، المقياس في النحو، إنباه الرواة 2/ 36، شذرات الذهب 2/ 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 [شاهد] 1 بأن هذه العين كانت ملك زيد، وهو الأصح. وأما قول المدعي عليه "كان ملكك أمس"؛ فإنه وإن كان إقرارًا يؤاخذ به على الأصح فلأن الإقرار لا يكون؛ إلا عن تحقيق حتى لو استندت الشهادة إلى اليقين قبلت؛ وذلك بأن يقول "هو ملكه اشتراه"؛ كذا قال الرافعي. ولك أن تفرق بين الشهادة والإقرار بأوضح من هذا فتقول: الإقرار لو قال كان له على الف فإقرار عند الشيخ الإمام، خلافًا للنووي. مسألة: كذا ترد على أنها كلمتان باقيتان على أصلهما كاف التشبيه، وذا اسم الإشارة ولا كلام فيهما، وعلى أنها أخرج جزءاها عن أصلهما واستعملا كناية. بوهي ضربان: أحدهما أن تكون كناية] 2 من غير عدد، ومنه ما في الحديث عن يوم الحساب "أتذكر يوم كذا فعلت فيه كذا وكذا" ولاك كلام في هذه أيضًا. والثاني وهو المراد، وهو غالب مواردها أن يكنى بها عن عدد مجهول الجنس والمقدار. واختلف في كذا في هذين الضربين فقيل هي حرف التشبيه ركب مع اسم الإشارة، وأزال التركيب معنى المفردين، وأحدث للمجموع معنى لم يكن. وقيل: لا تركيب، وهي كلمتان على أصلهما، والكاف للتشبيه ومعناه باق وهذا يعزي إلى سيبويه والخليل3 وقيل: الكاف اسم بمنزلة مثل. وقيل: اسم ولا تشبيه فيه. ثم قال النحاة في كيفية اللفظ بها ويميزها المكني بها عن غير عدد لفظها الإفراد والعطف؛ نحو مررت بمكان كذا، وبمكان كذا وكذا.   1 سقط من "ب" والمثبت من "أ". 2 سقط في "ب". 3 الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض، أستاد سيبويه. توفي سنة خمس وسبعين ومائة. بغية الوعاة 1/ 560. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وأما في المكنى بها عن عدد؛ فليس إلا العطف ونصيب التمييز أبدًا؛ هذا قول سيبويه، وشذ سواه، ثم قال سيبويه هي للعدد مطلقًا قليلًا كان أو كثيرًا، وقال ابن مالك للتكثير مثل كم الخبرية. ولا أدي هل يقول لا يكنى بها عما نقص عن أحد عشر لأنه عدد قليل أو لا يلزم ذلك. إذا عرفت هذا؛ فلو قال له علي كذا وكذا درهمًا بالنصب وجب درهمان على المذاهب، وهو جار على مذهب سيبويه، وقال المزني1 والوالد رحمهما الله تعالى يلزمه درهم واحد. مسألة: اللام ترد لمعان كثيرة من أشهرها الملك والاختصاص والتعليل ويكثر في كلام الفقهاء ورودها للتوقيت؛ حتى قالوا في كتاب الطلاق اللام فيما ينتظر للتوقيت فإذا قال لها أنت طالق للسنة إذا لم يكن الحال حال سنة أو للبدعة إذا لم يكن الحال حال بدعة، يحمل على التأقيت؛ لأنهما حالتان منتظرتان يتعاقبان على المرأة تعاقب الأيام والليالي، ويتكرران تكرار الأسابيع والشهور، فأشبه ما إذا قال لرمضان معناه إذا جاء رمضان. قالوا واللام فيما لا ينتظر مجيئه وذهابه للتعليل؛ وذلك مثل أن يقول أنت طالق لفلان أو لرضا فلان فيقع فيا حلال رضي أو سخط والمعنى أفعل هذا ليرضى. فعن ابن خيران أنه إنما يقع في الحال إذا نوع التعليل، أما إذا أطلق فإنما يقع إذا رضى كقوله أنت طالق للسنة والمشهور المنصوص الأول؛ حتى لو قال أردت التعليق والتأقيت لم يقبل على الأصح؛ ولكن يدين هذا كلام الأصحاب، وفرقوا بين أن يأتي بالام كما ذكرنا، أو بالباء فيقول برضاء فلان كما قدمنا في حرف الباء عن صاحب التهذيب. وأقول لم يتضح لي هذا كل الوضوح، وما قاله ابن خيران عندي قوي بل أقول ولو   1 إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق أبو إبراهيم المزني المصري الفقيه ومن تصانيفه الجامع الكبير والمختصر. - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 58، وفيات الأعيان 1/ 196. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 نووا التعليل؛ فكيف يقع في الحال إذا لم يكن قصده ليرضى، وما معنى التعليل إلا لوقوع رضاه، وليس معناه ليقع رضاه، وكأنهم أهملوا جانب الرضا واستعملوا أنت طالق معرضين عن سبب الطلاق، وهذا [مكان] 1 مشكل. مسألة: لو قال في التهذيب ما نصه ولو قال لولا لطلقتك لا يقع الطلاق؛ لأنه لم يرد الإيقاع بل أخبر أنه لولا حرمة الأب لطلقها، كما لو قال لولا أبوك لطلقتك انتهى ذكره في باب طلاق المريض. [مسألة: لعل أشهر معانيها التوقع، ومن ثم2] لو قال لي عليك ألف فقال لعل لم يكن إقرارًا. مسألة: ن لابتداء الغاية غالبًا، ولبيان الجنس وللتبعيض، وللتعليل، والبدل وغيرها. وفيها فروع: منها: لو قال: بع ما شئت من [مالي] 3 أو ما تراه من عبيدي أو طلق من نسائي من شئت؛ ففيها أربعة أوجه جمعها الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج". أحدها: بطلان الوكالة. والثاني: الصحة في العبيد والنساء دون الأموال؛ لكونها أعم وأقرب إلى الجهالة. والثالث: الصحة في الكل ولكن لا يستوعب بل يبقى بعضًا. والرابع: الصحة، وله استيعاب الكل، وهو الأقرب عند الشيخ الإمام الوالد رحمه الله. قال: ولم أجد من صرح به إلا القاضي الحسين فإنه حكاه وجهًا في صورة الطلاق. والنووي قال: في صورة بع ما شئت من [مالي] 4: "الصحيح المعروف أنه يجوز وهو ما ذكره صاحب المهذب والتهذيب".   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" مال. 4 في "ب" مال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فاحتمل أن يريد جواز الوكالة في الجملة -فلا يكون هو ما رجحه الوالد وأن يريد الجواز مع استيعاب الكل، فكون هو إياه. ومأخذ من أوجب إبقاء بعض أن من للتبعيض -كذا ذكره الإمام والروياني وغيرهما وفيه نظر؛ فإنه لا يصح أن يحل مكانها -هنا- بعض والذي يظهر أنها لبيان الجنس، وفيه يظهر أن له استيعاب الكل كما رجحه الوالد [ولو] 1 كانت للتبعيض للزم بطلان الوكالة كما ذكروه في "بع طائفة من مالي"؛ إذ لا فارق إلا التفويض إلى المشيئة، ولا يظهر له أثر ظاهر.   1 في "ب" ولمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الكلام في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع الفقهية : ونحن نوردها على أبواب النحو نختصر جدًا باب [شرح] 1 الكلمة والكلام وما يتعلق به: الكلام في اللغة: يطلق على الكلمة الواحدة -مستعملة أو مهملة- وأقل ما تكون الكلمة على حرفين. وأما عند النحاة: فالكلام ما تضمن من الكلم إسنادًا مفيدًا مقصودًا لذاته. جعلوا الكلم أعم من الكلام، وخصصوا الكلام بالمستعمل، واحترزوا بالإسناد عن النسبة التقييدية، كنسبة الإضافة نحو: غلام زيد، ونسبة النعت نحو: جاء الرجل الفقيه، واحترزوا بالمقصود لذاته عن الجمل التي تقع صلة، نحو: جاء الذي خرج أبوه، وعرف من هذا أن الجملة قد لا تكون مفيدة، بخلاف الكلام. إذا عرفت هذا فالمراد بالكلام -في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن صلاتنا لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين" 2 -هو ما يعنيه اللغوي لا النحوي؛ فإن المصلي لو نطق بحروف مهملة بطلت صلاته. وعلم من اختلاف الطريقتين أن حديث الساهي والنائم كلام عند اللغوي لا النحوي؛ فلو حلف لا يكلم زيدًا -قال الرافعي في آخر تعليق الطلاق ... مسألة 3: المضارع "حقيقة" في الحال مجاز في الاستقبال أن علته أو مشترك أقوال.   1 سقط في "ب". 2 أخرجه مسلم بلفز "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ... " الحديث 1/ 381 - 382 كتاب المساجد حديث "33- 537". 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 ومن فروعه: لو قالت: "أطلق" عقيب قوله: "طلقي نفسك" وأرادت الإنشاء -وقع فيا لحال وإن لم ترد شيئصا لم يقع شيء لأن مطلقه للاستقبال. نقله الرافعي عن البوشنجي. ولو قال: أقسم بالله لأفعلن فالأصح أنه يمين. ولو أوصى بما تحمله هذه الشجرة أعطي الحمل الحادث دون الموجود -قاله في الجعالة نقلًا عن الماوردي. مسألة: يطلق الكلام على الكتابة والإشارة وما يفهم من حال الشيء وهو إطلاق مجازي. باب النكرة والمعرفة: قدم ابن مالك في التسهيل تعريف المعرفة على النكرة ثم عرف النكرة بما سوى المعرفة وعكس في الألفية فقدم تعريف النكرة وعرفها بقابل "أل" المؤثرة كرجل أو الواقع موقع قابلها1 نحو: ذي، ومن، وما في قولك: مررت برجل ذي مال، وبمن معجب لك وبما معجب لك؛ فإنها واقعة موقع صاحب وإنسان وشيء. ووجه المتكلمون عليه تقديمه النكرة على المعرفة بأنها الأصل. والتحقيق عندي أن النكرة إن عرفت بدال على الوحدة فهي قسيمة المعرفة وينبغي تقديم المعرفة حينئذ؛ إذ ليست النكرة أصلًا، وإن عرفت بالمطلق -أعني الدال على الماهية من حيث هي- فهي الأصل وتقديمها متعين. ثم الصواب عندنا أنها الدال على الوحدة فإذا صنيع التسهيل أحسن. وقد فرق الفقهاء بين النكرة والمطلق بدليل. فرع: قال علي ألف في هذا الكيس فلم يكن فيه شيء لزمه الألف لأنه أقر بالألف ثم وصفها بصفة مستحيلة فيلغو المستحيل ولا يجري فيه خلاف بعقيب الإقرار برافع لأن ذلك عند انتظام الكلام وإن كان فيه أقل فالصحيح لزوم الإتمام.   1 قال ابن مالك: ونكرة قابل أل مؤثرًا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 ولو قال على [الألف] 1 التي في هذا الكيس فلم يكن فيه شيء لم يلزمه [الإتمام] 2 على الأصح عند النووي والوالد وإن كان فيه دون الألف لم يلزمه الإتمام على الصحيح والفرق بين التنكير والتعريف أن الإخبار عن المنكر الموصوف في قوة خبرين فأمكن قبول أحدهما وإلغاء الآخر [والإخبار] 3 عن المعرفة الموصوفة تعتمد الصفة؛ فإذا كانت مستحيلة بطل الخبر كله. تحقيق: اشتهر بين الناس أن الاسم إذا كرر ذكرًا فإن كانا معرفتين؛ فالثاني هو الأول4 كما [قلنا] 5 في القسم الأول، وإن كان الأول معرفة والثاني نكرة فخلاف فالأول والثاني كالعسر واليسر في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} واستدل على ذلك بما روي مرفوعًا عن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم "لن يغلب عسر يسرين". وخرج الحاكم هذا اللفظ في مستدركه في تفسير سورة آل عمران6. وأما الثالث: فكقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 7 وحاصل هذا جعل اللام للعهد. والرابع: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} 8. فقرآنًا نكرة بعد القرآن المعرف وهو هو، وقوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا} 9 فالثاني غير الأول. هذا حاصل كلامهم في هذه القاعدة، ولم يتحرر لي فيها قول [بت] 10 فإن قولهم في المعرفتين: أن   1 في "ب" ألف. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" زيادة: وإن كانا نكرتين فالثاني غيره وإن كان الأول نكرة والثاني معرفة فالثاني هو الأول. 5 في "ب" قلناه. 6 2/ 132 كتاب التفسير. 7 سورة المزمل آية: 15- 16. 8 سورة الزمر آية: "27- 28". 9 سورة النساء آية: 153. 10 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الثاني هو الأول يرد عليه قوله تعالى في سورة المائدة: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} 1 وكذلك في سورة العنكبوت: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} الآية2 ولا يخفي أن الكتاب في الآيتين ثانيًا غيره أولًا -وهما معرفتان- وقولهم في النكرتين: أنهما غيران قد يورد عليه نحو: قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} 3 ولا يخفى أن الضعف ثانيًا هو الأول -وهما نكرتان. وكذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} 4، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} 5. فإن قلت: قد عرف الاتحاد فيما يكون من خارج. قلت: فقيد إطلاقك أن النكرتين غيران بما يندفع عنه مثل هذا، ولا يتبين لي الآن تحريرًا لتقييده. ومما يرد أيضًا قول أصحابنا قاطبة -في أنت طالق نصف طلقة وربع سدس طلقة- إن الواقع واحدة بخلاف ما إذا عطف بالواو فقال: نصف طلقة وربع طلقة وسدس طلقة وكان قضية القاعدة أن يكون ثلاث طلقات في الصورتين، ولا أثر للعاطف. وقالوا -في عبتك نصف وثلث وسدي دينار: إنه له دفع شق من دينار، ولا يجب دفع دينار صحيح. وفيه للوالد رحمه الله منازعة لسنا لها الآن، وقد حاول الأخ سيدنا وشيخنا وبركتنا شيخ الإسلام ومحقق العلماء وبركتهم أبو حامد أحمد -أحمد الله عواقبه- في كتاب شرح التلخيص تحرير القاعدة فقال ما ملخصه: التحقيق أن يقال: إن كان الاسم عامًا في الموضعين فالثاني هو الأول؛ لأن ذلك من ضوررة العموم، وسواء كانا معرفتين [عامتين] 6 أو نكرتين حصل لهما العموم بالموقع في سياق النفي. أما إذا كانا عامين -وهما معرفة ونكرة- فسنذكره.   1 المائدة آية: 48. 2 العنكبوت آية: 47. 3 سورة الروم آية: 54. 4 سورة البقرة آية 217. 5 سورة الزخرف آية: 84. 6 في "ب" عامين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وإن كان الثاني عامًا فقط فالأول داخل فيه؛ لأنه بعض أفراده -سواء المعرف والمنكر- ويلتحق بهذا القسم في دخول الأول في الثاني إن كانا عامين والأول نكرة كقوله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} ، [أي لا يملكون شيئًا من الرزق فابتغوا عند الله كل رزق] 1، أو جنس الرزق. وإن كانا خاصين -بأن يكونا معرفتين بأداة عهدية- فكذلك بحسب القرينة الصارفة إلى المعهود. باب المضمر: مسألة: من المضمرات أنت -بفتح التاء للمذكر، وكسرها للمؤنث، وقد تعكس -بتقدير الذات أو نحوها- ويحتاج إلى ذلك عند الصلاة على ميت مجهول أذكر هو أم أنثى بقوله: اللهم اغفر له وارحمه؛ ينبغي عود الضمير على شخص الميت- رجلًا كان أو امرأة. ولو قال لرجل: زنيت -بكسر التاء- أو للمرأة بفتحها كان قذفًا -على ما قاله الرافعي- أو اللعان قال: وكذا زان للمرأة، وزانية للرجل وفيه قول قديم. مسألة: الضمير المسمى عند البصريين فصلًا وعند الكوفيين عمادًا صيغة ضمير مرفوع منفصل يتوسط بين المبتدأ والخبر نحو: هو من قولك: زيد هو القائم أو ما أصله المبتدأ أو الخبر نحو: كان زيد هو القائم وإن زيدًا هو القائم. مسألة: إذا سبق الضمير مضاف ومضاف إليه، وتعذر عوده إلا إلى واحد منهما تعين عوده إلى المضاف لأنه المتحدث عنه، دون المضاف إليه، لأنه جاء استطرادًا بطريق [التبع]- وهو تعريف المضاف أو تخصيصه، وكذا قاله شيخنا أبو حيان وجماعات، وهو معتمد أئمتنا في ردهم على الظاهرية حيث زعموا -في قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} 2 إن الضمير للخنزير لا للحمه محتجين بأنه أقرب مذكور، وجوابهم أن   1 سقط في "ب". 2 سورة الأنعام آية: 140. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الأقربية شرطها أن يكون متحدثًا عنه، وقد استدل بالآية -على نحو استدلالهم- ومن أصحابنا المارودي في تفسيره. فائدة: ذهب ابن حزم إلى أن من نسي صلاة وجب عليه - إذا تذكرها- قضاؤها في مكان غير الذي غفل فيه عنها- وهي مسألة التحول. قالت الظاهرية: "يجب التحول عن مكان الغفلة" ووافق على أن لا يتعين قضاؤها في وقتها، وعلى أنه لا يتعين أن يقضي معها مثلها، ثم ذكر حديث النسائي: "من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها "1، وقال: "إنه مشكل". ثم أجاب عنه بأن الضمير في "معها" للغداة لا للصلاة -أي فليقض مع الغداة مثل الصلاة- على حد صنعهم في "فإنه رجس". قاله فرارًا من أن يوجب ثنتين، ولكن يلزمه أن يتعين القضاء في وقت الغداة وهو لا يقول به. مسألة: إذا اشتكرت الجملتان -المعطوفة إحداهما على الأخرى- في اسم جاز أن يؤتي به في الثانية ظاهرًا، فيجوز أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، كما يجوز وأن محمدًا رسوله نحو: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه} 2؛ بل الإتيان به ظاهرًا في صيغة الشهادة خير؛ ألا ترى إلى اختلاف الأصحاب في أجزاء قول القائل في التشهد في الصلاة "وأن محمدًا رسوله" هل يقوم قمام "رسول الله" لكن المأخذ الفقهي في ذلك التعبد بالاسم المعظم لا ما يتعلق بصناعة اللسان. باب الموصول: مسألة: "من": للعقل، وقد يقع على غيره -قيل: مطلقًا- والصحيح إذا اختلط بالعاقل. "وخما" لغير العاقل، وقد يطلق على العاقل قيل: مطلقًا، وقيل: إذا اختلط ويطلق أيضًا على العاقل إذا جهل أذكر هو أم أنثى. وقد يصنع هذا في "من" ألا ترى إلى "مسألة" في حجر وقع من سطح؛ فقال الزوج: إن لم تخبريني من رماه فأنت طالق المسألة المنقولة عن القاضي الحسين وقد   1 أخرجه أبو داود 1/ 120 كتاب الصلاة حديث "838". 2 الأحزاب "71". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 تكلمنا عليها في ترشيح التوشيح؛ فالظاهر أنه إنما أتى "بمن" للجهل بالرامي [] 1 ومراده إن لم تخبرني براميه. مسألة: الموصول الحرفي: ما أول ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد، واحترزنا بقولنا: مع ما يليه عن اسم الفعل، نحو صه؛ فإنه يؤول بمصدر إن لم ينونن وينكره إن نون، والفعل المضاف إليه اسم زمان نحو: قمت حين قاموا، والضمير العائد على المصدر المفهوم من فعل قبله نحو: اعدلوا هو أقرب فإن هذه كلها مؤولة بمصادر لكن لامع ما يليها، بخلاف الموصول الحرفي، فإن تأويله بمصدر يكون مع ما يليه. ويقيد عدم احتياجه إلى عائد، الذي إذا وصف به مصدر ثم حذف المصدر وأقيم هو مقامه؛ فإنه إذا ذاك يؤول مع ما يليه بمصدر إير أنه يحتاج إلى عائد؛ فليس بموصول حرفي، ومثاله: قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 أي كالخوض الذي خاضوا. إذا عرف هذا فاعلم أن النحاة لم يزيدوا على أن الموصول الحرفي مؤول بمصدر، فيقدرون أن والفعل في نحو: يعجبني أن تقوم بالقيامٍ، أما أن دلالتهما على القيام يكون سواء فلم يتعرضوا لذلك، وللشيخ الإمام رحمه الله كلام نفيس [فيه تقدم] 3. "باب المبتدأ": مسألة: لا بد أن يطابق الخبر المبتدأ فيتحد به معنى وإن غايره لفظًا. ومن هنا نتطرق إلى جواب عن إشكال أذكره قائلًا: اختلف أصحابنا فيما إذا قال: هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو هل تجعل بينهما نصفين أو يكون مجملًا. يرجع فيه إلى إقراره ويقبل تفسيره بأن لزيد منها أكثر مما لعمرو-؟ على وجهين، نظيرهما إذا قال: أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة. وفي مسألة الطلاق هذه ثلاثة أوجه. الصحيح المنصوص: أنه يقع طلقتان في الحال الأول، وطلقة في الحال الثانية، لأن اللفظ محمول على [التشطير] 4 فتكون   1 في "أ"، "ب" أو إلى من غيرها من خلل في العبارة والصواب حذفها ليستقيم الكلام. 2 سورة التوبة آية "69". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" الشطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 [حصة] 1 الحال طلقة ونصف طلقة، وبعض الطلاق يكمل فيقع طلقتان وتتأخر الثالثة إلى الحالة الأخرى. قال الرافعي: ووجه بأن الشيء إذا أضيف إلى حهتين بلفظ البعض لزمت التسوية؛ ألا ترى أنه لو قال: هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو يحمل على التشطير. والثاني: وعليه المزني يقع [واحدة] 2 في الحال وتتأخر اثنتان إلى الاستقبال، لأن لفظ البعض يقع على القليل والكثير، والمتيقن واحدة. قال الرافعي: ومن صار إليه لا يكاد يسلم مسألة الإقرار ويقول: بأنه محل يرجع إليه فيه. والثالث: أنه يقع الثلاث في الحال حملًا على إيقاع بعض من كل طلقة. قلت: وقد عرفت أن في مسألة الإقرار أو وجهين، والرافعي حكاهما في موضعهما. وإذا عرفت هذا فقد رأيت في تكلمة شرح المنهاج -لأخي شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد أحمد أطال الله بقاءه وجمع شملي به في خير وعافية وصلى الله عليه سيدنا محمد- أن كون بعضها لزيد وبعضها لعمرو لا ينافي أن يكون بعضها لثالث؛ إذ ليس فيه ما يدل على الإخبار عن جملة الداعر، بخلاف هذا الدار لزيد وعمرو، فإن ضرورة مطابقة الخبر للمبتدأ تفضي بالحكم على جميعها، وبتقدير الحكم على الجميع فمن أين المساواة؟. هذا كلامه في كتاب الطلاق. وأقول: هذا السؤال يجيء في "أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة وبضعن للبدعة". فيقال: لم لا يقبل قوله: أردت واحدة للسنة وواحدة للبدعة وواحدة تتأخر إلى أن تصير هذه المرأة لا سنة لها ولا بدعة ولا يجيء في هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو؛ لأن مطابقة الخبر للمبتدأ يجب أن يكون زيد وعمرو مشركين في جملة الدار وهذا لأبي أعرب "هذه الدار" مبتدأ و "بعضها" بدلًا، وقوله "لزيد" ظرف في موضع الخبر، والخبر مفرد. وإذا كان كذلك تعين أن يكون البعضان مستوعبين لجملة الدار، وإلا لزم عدم المطابقة وحمل العام على الخاص.   1 في "ب" رخصته. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 مسألة: "لا يخبر عن المعنى بالحياة ولا بالعكس إلا على تأويل". "فإذا قال: "حياتك طالق" لم تطلق، لأن الحياة عرض، وهو الصحيح. وإذا قال: "أنت الطالق" لم تطلق وبه جزم في "البحر" ولنا فيه بحث نحوي ذكرناه في كتاب "منع الموانع". "باب المفعول المطلق والمفعول له وفيه": المصدر: مدلوله الحدث، واسم المصدر مدلوله لفظ دال على الحدث كذا فرق بينهما ابن يعيش، والفرق آت في الفعل "كاسكت" مع اسم الفعل "كصه". وشذ من ذهب إلى أن اسم الفع واسم المصدر كالفعل والمصدر في الدلالة. المصدر المنسبك: نحو: يعجبني صنعك إن كان المعنى الماضي أو الحال أنحل إلى ما والفعل نحو ما صنعت أو ما تصنع وإن كان بمعنى الاستقبال انحل إلى أن والفعل. غير أن هنا وقفة محتومة على طالب الغايات وهي أن المنحل هل هو في منزلة ما ينحل إليه أو أرفع منزلة فيكون. "يعجبني صنعك" -يريد الاستقبال- أبلغ من "يعجبني أن تصنع". كان الشيخ الإمام يقطع بذلك، ويخرج عليه إذا قال: "وكلتك أن تبيع" ليس له أن يوكل في بيعه بل يباشر [المبيع] 1 بنفسه، أما إذا قال: "وكلتك في بيعه" قال: فله التوكيل". قلت: ونظيره "أوصيت بأن تسكن هذه الدار" تكون إباحة لا تمليكًا؛ بخلاف "أوصيت بسكانها - نقله الرافعي في الباب الثاني من الوصية- عن القفال ساكتًا عليه وكذا لو باع بشرط العتق وبشرط أن تعتق ينظر الفرق بينهما. باب الاستثناء: لا يجوز وضع المستثنى أول الكلام؛ لأن أداة الاستثناء بمثابة العطف "بلا" النافية وتقديم المعطوف ممتنع، وعقد بعضهم الإجماع على ذلك. قال شيخنا أبو العباس الأندرشي2 -وقد وهم عفا الله عنا وعنه: فإن   1 في "البيع". 2 أحمد بن سعد بن محمد أبو العباس العسكري الأندرشي الصوفي من تصانيفه شرح واختصر تهذيب الكمال، توفي في ذي القعدة سنة خمسين وسبعمائة، شذرات الذهب 6/ 116. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الكسائي1 والزجاج2 يجيزان ذلك وعليه جاء قول الشاعر: خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالك وإليه أشار ابن مالك بالشذوذ؛ حيث قال: لا يقدم دون شذوذ المستثنى على المستثنى منه والمنسوب إليه مقابل على أحدهما. وأشار بقوله: "بل على أحدهما" إلى جواز قام إلا زيدًا القوم والقوم إلا زيدًا ذاهبون وفيه مسائل: منها: إذا قال: له علي إلا عشرة مائة فوجهان في أوائل كتاب الإيمان من الرافعي. أحدهما: الصحة فاللازم تسعون. والثاني: البطلان فيلزم المائة. باب الحال: الحال وصف من جهة المعنى وفيه مسائل: منها: إذا قال: أنت طالق مرضية -بالنصب- لا يقع الطلاق إلا إذا مرضت؛ قاله الرافعي في فروع الطلاق. قال لأن الحال كالظرف للفعل ولو رفع مريضة: قال الرافعي فقد قيل: يقع الطلاق في الحال، وقوله: "مريضة" وصف لها واختيار ابن الصباغ الحمل على الحال -أيضًا- إلا أنه لحن في الإعراب. انتهى.   1 علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان إمام الكوفيين في النحو وأحد القراء السبعة اختار لنفسه قراءة ومن تصانفه معاني القرآن والنوادر وغير ذلك. بغية الوعاة 2/ 164. 2 إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج لزم المبرد ومن تصانيفه معاني القرآن والاشتقاق وغير ذلك. بغية الوعاة 1/ 441. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وقوله: في مذهبه إشارة إلى أن البندنيجي قاله رأيًا له- لا أنه جادة المذهب- فانعكس على الرافعي وتوهم أن المراد بمذهبه مذهب الشافعي فجعله المذهب، وجعل ما هو المذهب اختيار لابن الصباغ. وقد رد ابن الصباغ على البندنيجي فإن "مريضة" نكرة، فلا تكون صفة للمعرفة -وهي أنت- قلت: والأمر كما قال، "ومريضة" إنما هو خبر ثان لأنت. ومنها: إذا قال: "أنت طالق طالقًا" قال الرافعي قبل فصل التعليق بالحمل والولادة -عن الشيخ أبي عاصم: "أنه لا يقع في الحال شيء لكن إذا طلقها يقع طلقتان؛ فيصير التقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق، وليكن هذا في المدخول بها انتهى. قلت: أما الفرع فحكى صاحب التتمة فيه عن القاضي وجهين آخرين. أحدهما: لا يقع الطلاق أصلًا لأن "طالقًا" نصب على الحال؛ فالتقدير حالة تكونين طالقًا والمرأة لا تكون طالقًا إنما تكون مطلقة، والرجل هو الطالق، والصفة لم توجد فلا يقع. قلت: هذا ضعيف بمرة، ولو تم لما وقع الطلاق بقوله أنت طالق. والثاني: يقع طلقة، وهو ما حكاه الإمام في "النهاية" قال: ويسأل عن قوله: طالقًا ونقله مجلي عن النص في "الأم"، وأما تقييد الرافعي المسألة بالمدخول بها ففيه نظر. ثم قال الرافعي: ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار طالقًا؛ فإن طلقها قبل الدخول فدخلت طالقًا وقعت الطلقة المعلقة إذا لم تحصل البينونة بذلك الطلاق، وإن دخلت غير طالق تقع تلك الطلقة. قلت: وفيه بحث سبق في مسائل أصول الفقه قال الرافعي: ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار طالقًا واقتصر عليه قال في التهذيب: أن قال: نصبت على الحال ولم أتم الكلام قبل ولم يقع شيء، وإن أراد ما يراد عند الرفع ولحن، وقع الطلاق إذا دخلت الدار. قلت بقي ما إذا أطلق ولم يرد شيئًا، والظاهر أن لا يقع شيء، لأن الكلام غير منتظم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 مسألة: الأصل كون الحال للأقرب فإذا قلت: ضربت زيدًا راكبًا، فراكبًا حال من المضروب لا من الضارب. وراعى الأصحاب في ذلك -القرينة فقالوا- واللفظ للبغوي في التهذيب: لو قال: إن قذفت فلانًا في المسجد فأنت طالق، يشترط أن يكون القاذف في المسجد. ولو قال: إن قتلت فسلانًا في المسجد يشترط أن يكون المقتول في المسجد؛ لأن مقصوده الامتناع عن هتك حرمة المسجد من القتل يكون المقتول فيه وبالقذف يكون القاذف فيه وجرى عليه الرافعي. فرع: قال شيخنا أبو حيان: "فإن تعدد ذو الحال وتفرق الحالان فيجوز أن يلي كل حال صاحبه نحو لقيت مصعدًا زيدًا منحدرًا ويجوز أن يتأخر عن صاحبهما. نحو: لقيت زيدًا مصعدًا منحدرًا، وحينئذ فالصحيح كون الأول للثاني والثاني للأول وقال ابن السراج عكسه. مسألة: يقع الحال جملة خبرية بغير واو -نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو} - أو بواو نحو: "كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين" وقد يتغير المعنى عند وضع الجملة موضع الحال؛ ألا ترى أن من نذر أن يعتكف يومًا صائمًا لزمه الجمع بين الصوم والاعتكاف المنذورين على الصحيح ولا يغنيه الاعتكاف في نهار رمضان بخلاف ما لو قال: وأنا صائم لأنه لم يلتزم الصوم وإنما نذر الاعتكاف صفة، فإذا وجدت صح إيقاع المنذور -وهو الاعتكاف فيها. باب العدد: إذا ميزت العدد المركب بمختلط -نحو: ستة عشرة دينارًا ودرهمًا، فالمجموع ستة عشر من كل صنف فإن لم يقتض العدد التمييز- كخمسة عشر كان تمييزه مجملًا نص على المسألة شيخنا في كتاب الارتشاف ويتخرج عليها- مسألة صاحب التتمة- إذا قال: علي اثنى عشر درهمًا ودانقًا، وسنذكرها في باب الألغاز في آخر الكتاب. باب حروف الجر: [باب الإضافة] 1:   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 باب التوابع: الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب خمسة -النعت والتوكيد وعطف البيان والنسق والبدل. وفي الباب مسائل. مسألة: النعت: هو التابع الذي يكمل متبوعه بدلالته على معنى فيه أو فيما يتعلق به. وخرج بقيد "التكميل" "النسق والبدل" وبالقيد الثاني البيان والتوكيد والتكميل هو الإيضاح أو التخصيص أو مجرد المدح أو الذم أو الترحم أو التوكيد والأكثر مجيء النعت للأولين ويكثر مجيئه للتوضيح في المعرفة وللتخصيص في النكرة. مسألة: عطف البيان: تابع يشبه الصفه في توضيح متبوعه إن كان معرفة وتخصيصه إن كان نكرة. والثاني أثبته الكوفيون وجماعة، نحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيد} والباقون يوجبون فيه البدلية. فرع: إذا قال من لا بنت له إلا واحدة: زوجتك بنتي فلانة وسماها بغير اسمها فالأصح الصحة. وعن شرح الهادي للريحاني أنه إن أراد عطف البيان صح لوقوع الغلط فيما ليس بمعتمد الكلام أو البدل فلا للغلط في العمدة، ولا بد في هذا من صلاحيته للإرادة بأن يكون عارفًا بالعربية. باب النداء والترخيم: يجوز ترخيم المنادي -أي حذف آخره تخفيفًا- بشرط كونه معرفة غير مستغاث ولا مندوب ولا ذي إضافة ولا ذي إسناد، ثم إن كان مختومًا بتاء التأنيث جاز ترخيمه مطلقًا وإلا فيشترط كونه علمًا زائدًا على ثلاثة، ولا يجوز ترخيم غير المنادي إلا في الضرورة بشرط صلاحية الاسم للنداء؛ فلا يجوز في نحو الغلام، ويشترط كونه إما زائدًا على الثلاثة أو بتاء التأنيث؛ فمن ثم ينبغي أنه إذا رخم طالقًا ولم ينادِ بل قال: أنت طالق لم تطلق إذ لا ترخيم في غير النداء ولا لغير الأعلام وبه صرح البوشنجي لكن قال الرافعي والنووي خلافه فإن أريد جعل ذلك كناية فغير بعيد، وإلا فالوجه ما ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 البوشنجي؛ فإن قال: "يا طال" فقد توافق البوشنجي والرافعي والنووي، على الوقوع، لوقوع ذلك في النداء. وأقول: ينبغي أن لا يقع أيضًا، لكونه غير علم. مسألة: يجب بناء العلم المفرد على ما رفع به لو كان معربًا؛ فلو كانت زوجته تسمى طالقًا فقال: يا طالق "قال الأصحاب" إن قصد النداء لا تطلق وكذا إن أطلق -في الأصح- وضبط النووي في المنهاج بخطه "طالق" بسكون القاف. قال الأخ شيخنا شيخ الإسلام أبو حامد -أطال الله بقاءه: وكأنه يشير إلى أنه إن قال: يا طالق -بالضمة- فلا يقع شيء جزمًا، وإن أطلق؛ لأن بناءه على الضم يرشد إلى إرادة العلمية وإن قال: يا طالقًا -بالنصب- تعين صرفه إلى التطليق. قال: وينبغي في الحالتين أن لا ترجع إلى خلاف ذلك. قلت: وإن لم يكن اسمها طالقًا طلقت -كذا أطلقوه ولم يقيدوه بما إذا سكن- وينبغي أن لا يتقيد؛ بل سواء أسكن أم ضم لأنه وإن ضم فغايته أن يكون لاحنًا ولا قرينة تشهد بصرف الطلاق عن معناه، لأن العلمية منتفية. مسألة: مع: أصله "معي" حذفوا ياءه للتخفيف، وهو اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على حسب ما يليق بالاسم المضاف إليه. فإذا قال: طلقة معها طلقة أو مع طلقة كانا معًا بتمام الكلام وهو الصحيح، وقيل: يتعاقبان، فلا تقع الثانيةعلى غير المدخول بها. تنبيه: حركة "مع" حركة إعراب ويجوز بناؤه على السكون على لغة لم يحفظها سيبويه وجعل ذلك من ضرورات الشعر قال: وقد جعلها الشاعر "كهل" حين اضطر فقال: منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما فرع: فانقطعت عن الإضافة نونت، نحو: قام زيد وعمرو معًا وقام الرجال معًا للجماعة كما تقع للاثنين، وغلط من خصها بالاثنين وكأنه توهم أن "ألفها" للاثنين -وذلك وهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 قال طفيل الغنوي: إن النساء كأشجار نبتن معًا ... منهن مر وبعض المر مأكول وإذا نونت فالأكثر -حينئذ أن تكون حالًا وجاءت خبرًا في قول الشاعر: أفيقوا بني حرب وأهوانًا معًا ... ....................... وقال بعضهم في "أهوانا معًا": إنه حال والخبر محذوف تقديره "كائنة معًا" ورد عليه هذا القول. ثم قال ابن مالك في باب المفعول فيه: "إن معًا تساوي جميعًا في المعنى". قال شيخنا أبو حيان: "يعني أنها لا تدل على اتحاد الوقت". ورد عليه شيخنا بقول ثعلب: "إذا قلت قام زيد وعمرو جميعًا احتمل أن يكون القيام في وقتين. وأن يكون في وقت، وإذا قلت "معًا" فلا يكون إلا في وقت واحد وقد تضمن كلام شيخنا أمرين: أحدهما الحكم على ابن مالك بأنه أراد بقوله: "تساوي جميعًا في المعنى" عدم الاتحاد في الوقت؛ وإنما يتم هذا لو سلم ابن مالك أن "جميعًا" لا تدل على اتحاد الوقت، ومن أين لنا ذلك؟ فإن أخذ أبو حيان هذا من وقوع هذه المادة في التوكيد -كقولهم- جاء القوم أجمعون- فالصحيح كما ذكره هناك أنها لا تقتضيه، وإن لم يكن له مستند- فيأخذه إلا كلام فقد يرد ابن مالك؛ فإن الله تعالى يقول: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} أي مجتمعين أو متفرقين وبالجملة ليس في كلام ابن مالك ما يدل على أن "جميعًا" للمعية فلا يلزم أن تكون "معًا" ليس للمعية حتى يوجد في كلامه ذلك "في جميعًا". نعم قد يستدل على المعية في "معًا" بقول امرئ القيس في وصف الفرس. مكر مفرمقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل فإنه لم يرد إلا اتحاد الوقت لكن مبالغة وإلى ذلك أشار ابن خالويه بقوله في "شرح الدريدية": إن هذا الوصف بالمعية من الوصف بالمستحيل. ومثه قول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا: فلما تفرقنا كأني ومالكًا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 باب أبنية الفعل ومعانيها: منها لماضيها المجرد من الزيادة ثلاثيًا مبنيًا للفاعل ثلاثة أبينة أحدها ["فعل" بفتح أوله وضم ثانيه نحو رف وشرف وثانيها "فعل" بفتح أوله وكسر ثانيه نحو علم وسلم وثالثها] 1 "فعل" بفتح أوله وثانيه نحو ضرب وذهب وإن كان رباعيًا فله بناء واحد -وهو فعلل- بفتح أوله وثالثه نحو: دحرج. فصل: عرفت أن الفعل المجرد من الزيادة ثلاثي ورباعي، وكل منهما قد يستعمل مزيدًا. فمن المزيد: "أفعل"، ويستعمل لمعان. الأول: "التعدية" نحو أدنيت زيدًا. والثاني: "الكثرة" نحو أظبي المكان: كثر ظباؤه. والثالث: "الصيرورة" أغدي البعير -صار له غدة. والرابع: "الإغانة" أحلبت فلانًا - أعنته على الحلب. والخامس: "التعريض" أقتلت فلانًا -أي عرضته للقتل. والسادس: "السلب" أشكيت فلانًا -أي أزلت شكايته. السابع: "إلفاء الشيء -بمعنى ما صنع- منه: أحمدت فلانًا بمعنى ألفيته منصفًا بما يوجب حمده. الثامن: "لجعله صاحبه بوجه ما" نحو أقبرت الرجل: أي جعلت له قبرًا. التاسع: "ذكره ابن عصفور كجعل الشيء افاعلًا نحو أخرجته وأدخلته -أي جعلته خارجًا وداخلًا. العاشر: لجعل الشيء على صفة نحو: أطردته -أي جعلته طريدًا. الحادي عشر: "بلوغ عدد" نحو: أعشرت الدراهم إذا بلغت عشرين. الثاني عشر: "بلوغ زمان" أصبحنا -بلغنا الصباح. الثالث عشر: "بلوغ مكان" أشام القوم: بلغوا الشام.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 "ومنها: فعل يفعل". ومنها: "فاعل" لأقسام الفاعلية والمفعولية لفظًا، والاشتراك فيهما معنى ولموافقة أفعل المجرد، وللإغناء عنهما. ومنها: تفاعل. ومنها: افتعل. ومنها: انفعل. ومنها: استفعل "لاثنى عشر معنى". للطلب، نحو استغفر. وللتحويل: نحو استحجر الطين أي صار حجرًا. وللاتخاذ: نحو استعبد أي اتخذ عبدًا. ولإلغاء الشيء: بمعنى ما صنع منه، نحو استعظمت الشيء أي وجدته عظيمًا وعبر أو الحسن عن هذه بالإصابة. ولعده كذلك: نحو استعظمته أيضًا -أي عددته مع العظماء. ولموافقة نحو: أكانه فاستاكن. ولموافقة نحو: أبل من المرض واستبل. ولموافقة يفعل نحو استكبر وتكبر. ولموافقة يفعل نحو استكبر وتكبر. ولموافقة افتعل نحو: استعظم واعتصم. والمجرد: نحو: استغنى وغنى والإغناء عنه نحو: استحيا وللإغناء عن فعل نحو: استرجع. فرع: استوفي المال أي توفاه وأخذه كاملًا. قال في الصحاح استوفيت وتوفيت بمعنى ... قلت: ومنه قوله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ومن ثم قال الأصحاب: لو قال الدائن للمدين: استوفيت منك كان إقرارًا بالوفاء نقله الرافعي -عن صاحب التهذيب ساكتًا عليه- في الباب الثاني من الكتابة، وهو واضح ولا يقال: لم لا يحمل "استوفيت" على طلب الوفاء؛ لأن لهذه اللفظة بمعنى الأخذ -اشتهار صيرها حقيقة عرفية، ثم هو موضوع اللغة فيها بدليل الاستعمال وما ذكرناه من قوله تعالى {يَسْتَوْفُون} ونظيرها: استولدت هذه الجارية أو هي1 مستولدتي.   1 في "ب" وهي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فإنه صريح في أنها أم ولد، لا أنه طلب منها الولد، وبه صرح الرافعي أيضًا. فرع: أما الاستخدام: فمعناه طلب الخدمة، ومن ثم إذا حلف لا يستخدم فلانًا فخدمه والحالف غير مطالب بالخدمة. لم يحنث قاله الأصحاب وهو ظاهر. باب أفعل التفضيل: لا يكون أفعل التفضيل -إذا قيدت إضافته بتضمين معنى من إلا بعض ما يضاف إليه. ومن ثم مسائل: منها: إذا قال: أعطوه أكثر [مالي] 1 "زيد على النصف شيئًا"؛ صرح به الأصحاب في باب الوصية. فإن قلت: قد صرحوا في الطلاق بأنه إذا قال: أنت طالق أكثر الطلاق "تطلق ثلاثًا" هذا مع قولهم فيما إذا أوصى بعامة ماله أنه بالأكثر مع أن العامة للجميع والأكثر للبعض فقد خالفوا مدلول اللفظ في الموضعين. قلت وجدوا أن الطلاق لسبب2. باب إعمال المصدر واسمه 3: باب إعمال اسم الفاعل والصفة المشبهة إذا أريد باسم الفاعل الحال والاستقبال عمل النصب، وإن أريد المضي تعينت إضافته إلا أن يكون معه "أل" فيجوز النصب. وقال الكسائي: يجوز أن ينصب مطلقًا؛ وحيث يجوز النصب يجوز الجر أيضًا ثم هما سواء عند سيبويه. وقال هشام: النصب أولى. وقال شيخنا أبو حيان؛ الجر أولى. ومن فروع المسألة: "أنا قاتل زيدًا" فإن نون لفظ قاتل ونصب زيدًا لم يكن   1 في "ب" مال. 2 بياض في الأصل. 3 هكذا بالأصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 [ويحنث] 1 لعدم اقتضاء اللفظ للوقوع، وإن جر فهو موضع النظر، والمنقول عن محمد بن الحسن أنه قرار، وفيه نظر، "لجواز" أن يكون المضاف بمعنى الحال أو الاستقبال. باب عوامل الجزم: مسألة: لأداة الشرط صدر الكلام، فإن تقدم عليها شبه بالجواب معنى فهو دليل عليه وليس إياه خلافًا للكوفيين والمبرد وأبي زيد. وفصل المازني -فمنع إن كان الجزاء ماضيًا فلا يجوز "قمت إن قام زيد أو إن لم يقم" وجوز إن كان مضارعًا فيجوز أقوم إن قام زيد وإن لم يقم" وحمل على هذا الشيخ تاج الدين أبا اليمن -زيد بن الحسن الكندي النحوي- على أن قال بعد أن ذكر أن قول المازني هو قول كل من يوثق بعمله في قول الرجل لامرأته طلقتك إن دخلت الدار بوقوع المازني هو قول كل من يوثق بعمله في قول الرجل لامرأته طلقتك إن دخلت الدار بوقوع الطلاق في الحال في الأولى، قال: لأن الفعل الماضي إذا وقع قبل حرف الشرط كان ثابتًا وما ثبت لا يجوز أن يوقع في جواب الشرط يعني فلا يكون للشرط جواب ولا دليل جواب فيطرح ويعمل الفعل الماضي عمله. وأطال في منع هذا التركيب في كلام له على هذه المسألة وعلى عكسها وهو قول القائل: إن دخلت الدار طلقتك؛ فإنه قال فيها إن الطلاق تعليق بدخول الدار. قرأته بجملته على ولادي الشيخ الإمام في ليلة الثلاثاء ثالث عشرين جمادي الآخرة سنة أربع وأربعين وسبعمائة [عندما] 2 أملي علي في تلك الليلة كلامًا على قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} . وكانت قراءتي لكلام الكندي تكررت على الشيخ الإمام والدي رحمه الله في الشهر المذكور من ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادي الآخرة إلى ليلة الثلاثاء ثالث عشرة منه، وهو يكرر البحث فيها نهارًا، وإذا جاء الليل طلبني قرأت عليه كلام الكندي وأنا ألخص ما سمعته من والدي شفاهًا، وما كتبته عنه وما كتبه هو أيضًا بخطه على كلام الكندي. قال رحمه الله -ومن لفظه سمعت "لم يصب الكندي في شيء من المسألتين والحق خلاف ما قاله فيهما، وأن الطلاق في الأول يقع عند دخول الدار لا قبله، وفي الثانية لا يقع أصلًا إلا أن ينوي   1 سقط في "ب". 2 في "ب" على ما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 بقوله: طلقتك معنى قوله: فأنت طالق فحينئذ يقع عند وجود الشرط. قال: "ولا يساعد الكندي نحو ولا فقه، وقد قال تعالى حكاية عن شعيب1 وقومه: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} . وقال تعالى: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وبئيس فعل ماض، وقال تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في قراءة من كسر الضاد، وقال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} والظاهر أن الشرط مرتبط في المعنى بما قبله، وقال صلى الله عليه وسلم: "خبت وخسرت إن لم أعدل". وقال حسان بن ثابت: عدمت بنتي إن لم يزورها ... ... [بني] 2 البقع [موعدها غدًا] 3 وقال الملاعن: كذبت عليها إن أمسكتها. قلت أنا: وقالت أم الفضل في ولدها عبد الله بن عباس رضي الله عنهم. ثكلت نفسي وثكلت بكري ... إن لم يسد قهرًا وغير قهر [بالحسب] 4 الجم وبذل الوفر ... حتى يوارى في ضريح القبر وقال الأشتر5 النخعي: لعنت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشن على ابن هند غارة ... لم يحل يومًا من يهاب نفوس خيلًا كأمثال السعالي سريًا ... تعد وتبيض في الكريهة سوس حمي الحديد عليهم [كأنهم] 6 ... لمعان برق أو شعاع شموس   1 في "ب" زيادة عليه السلام. 2 في "ب" بنيتي. 3 تكرير "موعدها" ويدل كلمة "غدًا" "كذا" "في ب". 4 في "ب" الحسب. 5 في "ب" الأشير. 6 في "ب" كأنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وقال الحماسي: شربت وما إن لم أرعك بدرة ... بغندة يهوى القرط طيبة النشر "انتهى" قال الشيخ الإمام رضي الله عنه: وقال الفقهاء في بعتك إن شئت إن قبل المشتري؛ ففي انعقاد البيع خلاف، وإن لم يقبل لم ينعقد بلا خلاف ولم يجعلوه إقرارًا، ومقتضى كلام الكندي أن يكون إقرارًا. ثم قال الشيخ الإمام: وهذه الشواهد كلها وكلام الكندي والنظر أيضًا يرده لأن كل ما أمكن تعليقه لا فرق من [بين] 1 أن يعبر عنه بالماضي أو بالمضارع؛ فإذا أريد بالماضي ذلك صح تعليقه، وكيف يحكم الكندي بمؤاخذته بطلقتك وإن أراد أنه إقرارؤ فليفرض في رجل لم يتقدم منه طلاق، فإنه لا يمكن حمله على الإقرار، وإن أراد إنشاء ولكن لم يصححه من جهة النحو -أعني تعليقه فيبقى إنشاء- بلى تعليق فيه الآن. والظاهر أن هذا مراده، فلا يصح تعليله بما قاله من أنه ماض وجب وثبت فإن هذا التعليل يرجع إلى المعنى الأول لا إلى الصناعة وكيف يوقع الطلاق على شخص لم يقصده. ولا دل عليه لفظه، لكونه أخطأ2 من جهة النحو على زعمه. وهو [قوله] 3: لو قال: إن دخلت الدار أنت4 طالق [فكان] 5 خطأ من جهة صناعة النحو ولا ينجر عليه الطلاق الآن؛ بل إذا دخلت: اعتبارًا بقصده لما بيناه من أنه ليس خطأ من جهة العربية، بل هو صواب. ثم ذكر الشيخ الإمام [ما] 6 حاصله: أنه إذا وقع الالتباس على الكندي من جهة أن الفعل الماضي تارة لا يصح [أن] 7 يراد به الإنشاء بوجه بل يكون خبرًا لا محالة؛ فهذا لا شك أنه لايعلق نحو: قمت أن قمت إن قصد [بالأولى] 8 الإخبار عن القيام، وتارة يصح أن يراد به الإنشاء "كطلقتك" فإنه وإن كان موضوعه الخبر فقد يراد به الإنشاء بل ذكره الفقهاء في صرائح الطلاق كقوله: "أنت طالق". ومقتضى ذلك إطلاق صريح في الإنشاء ويكون قد نقل من الخبر إلى الإنشاء فإذا   1 سقط في "ب". 2 في "ب" خطأ. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" فأنت. 5 في "ب" بغير ما كان. 6 في "ب" لما حاصله. 7 في "ب" لن. 8 في "ب" الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 كان كذلك فلا مانع من تعليقه وكذلك "قمت" إذا قصد بها الدعاء ونحوه ثم قال: الفعل الماضي ثلاثة أقسام: قسم يراد به الخير الماضي المحقق فلا تعليق أصلًا، ولا يقال: "لا يصح تعليق" لأن ما وقع لا يعلق. وقسم يظهر فيه الإنشاء "كطلقتك" فهذا [الأظهر] 1 فيه قبول التعليق حتى يصرفه صارف. وقسم بعكسه: كما في قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} . قال: "وقول من منع قمت أن قمت" محمول على القسم الأول، أو على هذا القسم إذا أريد أصل وضعه -وهو الحال الغالبة عليه. قلت: ويدل لهذا أن النحاة نقلوا أن المازني وجه تفرقته بأن تقديم الجزاء ماضيًا كره مخالفة الأصل فيخرج الماضي عن ظاهره إلى الاستقبال. ويخرج الجزاء عن أصله بالتقديم؛ فدل أن مراده بما منعه "قمت" غير المقصود بها حينئذ الماضي. ثم قال فتسوية الكندي بينه وبين القسم الثاني -الذي يظهر فيه الإنشاء- غير متجه، ثم إنه يلزم ذلك في اسم الفاعل إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار لأن أنت طالق جملة اسمية تدل على الثبوت في الحال وما كان ثابتًا لا يعلق. كما لا يصح "أنا قائم في الحال إن قمت" إلا أن يقول: إن اسم الفاعل صالح للاستقبال فبالتعليق يحمل عليه؛ فنقول: وقوله "طلقتك" كذلك لأن الماضي قد يراد به المستقبل. ذكر الشيخ الإمام تحقيقًا تكرر منه ذكره وتقريره فقال رضي الله عنه: على أنا لا نقول: إن هذا الماضي أريد به المستقبل بل أريد به الإنشاء الناجز الواقع فيا حلال والمعق هو أثره - وهو وقوع الطلاق المنشأ بحسب ما أنشأه [وهو الواقع في الحال والمعلق هو أثره -وهو وقوع الطلاق المنشأ بحسب ما أنشأه] 2 وهو حكم شرعي يقع عند دخول الدار -فالماضي هو التطبيق والإيقاع والمعلق هو الطلاق، والوقوع [لا شك] 3 أن في "طلقتك" أمرين أحدهما التصرف الناجز من الزوج -وهو تطليق وإيقاع لا يمكن تأخره- والثاني: أثره -وهو طلاق ووقوع- وهذا يؤخر ويعلق قال: وهذا مثل قولك: "أضرب زيدًا يوم الجمعة"؛ ففي "أضرب" شيئان -أحدهما إنشاء لأنه فعل أمر، ومن ثم لا يعلق ولا يتأخر. وليس يوم الجمعة طرفًا له، إذ لو كان طرفًا له لزم تأخره.   1 في "ب" إلا يظهر. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" ولا شك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 والثاني: المصدر الذي يضمنه -وهو المأمور به- وهذا هو المعلق المظروف في يوم الجمعة. قال: وقول النحاة- إن يوم الجمعمة معمول لا ضرب فيه تسمح، ومرادهم ما ذكرناه وإن لم تفصح عبارتهم به. مسألة: اعتراض الشرط على الشرط سائغ في كلامهم ولا احتفال [بمن] 1 منعه من النحاة لأن القرآن العزيز ناطق به في آيات. قال الشيخ الإمام رحمه الله: أوضحها {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} . وغلط من تعقب كلام الوالد من أهل هذا العصر في قوله: إن هذه الآية ليست من اعتراض الشرط على الشرط زاعمًا أن الفاء يجب تقديرها في لفظ الشرط الثاني وهو "أن"، وأنها -حينئذ تكون للشرط الثاني، وجوابه كلاهما جواب عن الشرط الأول. ووجه غلطه أنه لما اعتقد تحتم تقدير الفاء زعم أن الشرط وجوابه جواب الشرط الأول ودخول الفاء غير مسلم له إلا أن يكون الشرط الثاني مع جوابه جوابًا؛ وذلك هو محل النزاع بل الصواب أن الجواب جواب عن الأول وقد استشهد سيبويه رحمه الله على الاعتراض بهذه الآية نفسها، أفتراه خفي عليه هذا؟ وللوالد رحمه الله مصنف في اعتراض الشرط -حافل يترفع عن همم الزمان سماه بيان حكم الربط [واعتراض الشرط على الشرط] 2. وحظنا منه هنا: إذا اعترض شرط على آخر- نحو: إن أكلت إن شربت فأنت طالق -فالجواب المذكور للسابق منهما وجواب الثاني محذوف- هذا مذهب سيبويه وعليه [مذهب] 3 شيخنا أبي حيان والشيخ الإمام الوالد رحمه الله. وكلام ابن مالك يقتضي أنه مستغ عنه وأنه لا يقدر جواب أصلًا. ومذهب الأخفش أن الجواب هما "ثم سيبويه -على ما فهمه الوالد عنه واختاره- يجعل الشرط كالظرف". وعلى مذهب سيبويه هل يقدر مثل جواب السابق فقط أو مضمون الجملة التي توسط الشرط بين جزأيها؟ فيه احتمالان [للوالد ذكر] 4 أن الأول منهما قضية كلام من نقل   1 في "ب" لمن. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" "للوالد رحمه الله وذكر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 عن سيوبيه، والثاني قول أبي حيان. إذا عرفت هذا؛ فمن ثم كان الصحيح -في المثال المذكور- أنها لا تطلق حتى يقدم المؤخر ويؤخر المقدم1، ووجه هذا أن الشرط الثاني قيد في الأول -كما نقلناه عن سيبويه فلا بد من تقدمه عليه؛ إذ لو تأخر لم يشبه الظرف. فائدة حسنة: قال القاضي أبو الطيب -بعد ذكر مسألة اعتراض الشرط على الشرط [وتقدم] 2 المؤخر. "قال أصحابنا: هذا في حق العالم العارف؛ فإن كان عاميًا فعل ما جرت به عادتهم" هذا كلام القاضي -وهو الصحيح- ولم أجده في كلام غيره، لكن قواعدهم تقتضيه. [والله الموفق] 3.   1 في "ب" زيادة والمقارنة كالتقدم. 2 في "ب" وتقديم. 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 المآخذ المختلف فيها بين الأئمة التي يبني عليها فروع فقهية مدخل ... المآخذ المختلف فيها بين الأئمة التي يبني عليها فروع [فقهية] 1: وهذا في الحقيقة -كتاب في الخلافيات على نمط غريب وأسلوب عجيب، وقسم أخذ من جملة التحقيق بأوفر نصيب، ما هو إلا تحصين المآخذ وتحسين القواعد التي يعض عليها بالنواجذ، وعائد بالنفع على من هو بالله من الضر عائذ. وقد رأينا أن نقدم -قبل افتتاح مسائله- مقدمة نافعة يعم نفعها على ما تقدم وما تأخر، وتشمل فائدتها من تبصر وتذكر وتعود عائدتها على من تأمل وتفكر، فنقول: القول في سبب اختلاف العلماء: الخلاف إما في مسائل مستقلة، أو في فروع مبنية على أصول، والأول ينشأ من أحد أمور. الأول: كون اللفظ مشتركًا وذلك في مسائل: منها القرء عند الشافعي رضي الله عنه أنه الطهر على "حد" قول الشاعر: أفي كل عام أنت حاسر عروة ... تشد لأقصاها عريم عرابكا مورثة لما لا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكًا   1 في "ب" خلافية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 وعند أبي حنيفة [رضي الله عنه] 1 أنه الحيض لقول الشاعر: يا رب ذي طعن على قارض ... له قرء كقرء الحائض وهي مسألة واسعة النظر. ومنها [أول] في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} . قال مالك رضي الله عنه: "أو للتخيير فيفعل السلطان بقاطع الطريق- ما يراه من هذه الأمور وقال الشافعي وأبو حنيفة [رضي الله عنهما] 2: للتفصيل والتقسيم؛ فمن حارب وقتل وأخذ المال صلب وقتل ومن قتل ولم يأخذ قتل ومن أخذ ولم يقتل، قطع. ومنها: الخلاف في عود الضمير نحو: الخلاف في قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن} هل يقدر "عن" أو "في"، نحو الخلاف في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} . وفي قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [أَوْ فِسْقًا] } 3؛ فإن داود أعاد الضمير -في فتاويه- على الخنزير لا على لحمه المتحدث عنه، وخالف الجماعير والحق عود الضمير إلى المضاف إليه لكونه أقرب. وترك المتحدث عنه سبيلًا سلكها أصحابه في مواضع شتى فقال ابن حزم في "المحلي" في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها" إن الضمير في "معها"راجع إلى الغداة- أي فليقض مع الغداة مثل هذه الصلاة التي تصلي بلا زيادة وأطال في ذلك ذكره في المسألة التي انفرد بها؛ حيث يوجبون التحول من المكان الذي نسيت فيه الصلاة إلى مكان آخر. ومن الخلاف في عود الضمير الخلاف في قوله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره". الثاني: الحقيقة كحديث: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل". قال علماؤنا: لا صيام صحيح الصيام المفترض تنتفي بانتفاء نية الليل.   1 سقط من "ب". 2 سقط من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وقالت الحنفية: "لا صيام كامل فعدلوا إلى المجاز". ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي". وأمثله كثرة: الثالث: "الخلاف الناشئ عن دعوى ارتباط إحدى الآيتين بالأخرى لا الحديثين بالآخر. نحو: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} مع قوله صلى الله عليه وسلم: "قد جعل لهن سبيلًا -البكر بالبكر- جلد مائة وتغريب عام ... " الحديث. وذلك نحو: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} . ونظيرهما: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ظاهرها أن مريد حرث الآخرة يؤتي منها؛ وإنما يؤتي منها من يشاء الله أتاه لا كل من أرادها، لقوله في الآية الأخرى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} . الرابع: وقد يدعي دخوله في الثالث ... "الغفلة عن أحد الدليلين المتقابلين -ولو بالعموم والخصوص -فينسحب على العموم من لم يبلغه دليل الخصوص". ويمثل لهذا القسم بما روى عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فلقيت أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعًا وشرط شرطًا فقال: البيع باطل والشرط باطل، فأتيت ابن أبي ليلى فقال: البيع جائز والشرط باطل، فأتيت ابن شبرمة فقال: جائزان، فقلت سبحان الله؟ فقهاء القرآن لا يتفقهون على مسألة واحدة. فعدت إلى أبي حنيفة [رضي الله عنه] 1 فأخبرته بقولهما فقال: ما أدري ما قالا حدثني عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط.   1 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 فعدت إلى ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها" البيع جائز والشرط باطل. فعدت [إلى ابن أبي] 1 شبرمة فأخبرته فقال: حدثني معد بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جملًا وشرطت حملاته إلى المدينة. البيع جائز والشرط جائز. ولهذا يترجح المتقدم على المتأخر ويكون أولى بالإتباع، لاجتماع المتقابلات عنده وهو أحد أسباب تقدم الشافعي على [السابقين] 2، لأنه تأخر عنهم وحصل على ما حصلوا - واجتمع عنده ما تفرق بينهم فتصرف فيه، فكان مذهبه أقرب إلى الصواب. الخامس: الناشئ عن دعوى العموم والخصوص وهو قريب من الرابع. نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قيل عامة وقيل مخصوصة فقيل لحديث: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل". وقالت عائشة رضي الله عنها: "بل الكافر يؤاخذ بإسراره وإعلانه". وقد يطرأ الخلاف من منكره ولكن ينكره في ذلك المقام لتخصيص الكتاب السنة عند من ينكره إما مطلقًا أو إذا كانت آحادًا، أو لا ينكر جوازه ولكنه يدعي أنه ارتفع فيه، وهذا المسلك يسلك بعينه في النسخ. السادس: الناشئ من جهة الراوي ضعفًا، أو إرسالًا ونحوه، أو نقله بما يظنه المعنى، أو جهله بالإعراب، أو بسبب الحديث، أو تصحيفه أو إسقاطه شيئًا به تمام المعنى -إما لعدم سماعه القدر الزائد، أو لظنه عدم ارتباطه بما اقتصر عليه، أو لنقله من الصحف. وقد كثرت أمثلة هذه الأقسام، وربما أدى الحال فيها إلى إخلال عظيم، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب لعلي عمامة تسمى السحاب، فاجتاز علي متعممًا بها، فقال النبي   1 سقط من "ب". 2 في "ب" التابعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 صلى الله عليه وسلم لمن معه: "أما رأيتم عليًا في السحاب" أو نحو هذا اللفظ؛ فبلغ ذلك بعض المتشيعين فاعتقدوا أنه يريد سحاب السماء، وفيه يقول القائل: برأت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم والرباب ومن قوم إذا ذكروا عليًا ... يردون السلام على السحاب والغزال -بالغين المعجمة- واصل بن عطاء كان يتصدق بالغزل على النساء، والرباب هو عمرو بن عبد والرباب بباءين موحدتين. ومن ذلك حديث "إن الله خلق آدم على صورته " ورد في رجل لطم رجلًا فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال ذلك، فالضمير في صورته عائد على الملطوم لا على الله عز وجل تعالى عن قول المشبهة. السابع: الناشئ من قبل الاجتهاد وذلك يختلف باختلاف الفرائح والأذهان وما لها من استعداد، وفيه يتنافس المتنافسون ويتبين مقدار الأفهام في الفهم عن الله. وهو باب القياس، وهو مديان الفحول وميزان الأصول ومناط الآراء ورياضة العلماء؛ وإنما يفزع إليه عند فقدان النصوص كما قيل: إذا أعيى الفقيه وجود نص ... تعلق لا محالة بالقياس وقد ينشأ الخلاف من اشتباه العلة بالمحل. ونحن نتحفك بضابط في ذلك نأمن معه الخطأ إن شاء الله تعالى. فنقول: المحل ما تعين لعمل العلة ولم يؤثر في الحكم شيئًا، والعلة وصف يحسن أن ينسب الحكم إليه ويترتب عليه. وإن شئت فقل ما أثر في الحكم ونعني بالتأثير ما يعنيه الفقيه لا أنه موجب فقد عرف من أصلنا اندفاع ذلك، والشرط ما لا يفهم منه تأثير ولكن وضع لينتفي الحكم عند انتفائه من غير معنى فيه. مثاله: علة ربوية الأشياء الأربعة المنصوصة عندنا الطعم وحده، والجنسية محل التحريم، وعدم التساوي في معيار الشرع شرط والمعلول فساد العقد قال القاضي الحسين: "فكأن الشارع يقول: الطعم في الجنس الواحد مع انعدام التساوي -يوجب فساد العقد وزعم الأودني أن الجنس هو العلة والطعم شرط. هذا تحرير النقل عنه -صريح بها لقاضي الحسين وغيره- وكان الأودني جليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 القدر فعجيب منه جعل المحل علة والشرط محلًا ولا يتبين في الجنسية أثر بخلاف الطعم؛ فكيف يعلل بغير الوصف المؤثر ويعرض عن التعليل به؟ ومن ثم رد عليه القاضي الحسين بأن الله1 لم يخلق هذه الأشياء للجنسية وإنما [خلقها] 2 للطعم وأخذه صاحب التمة فبسطه وأوضحه كما قررناه؛ فقال: "فإن قال قائل: لماذا جعل الطعم علة؟ وهلا قلت: الجنسية علة والطعم شرط. قلنا: الفرق بين العلة والشرط يظهر بأن يكون أحدهما صالحًا -بأن يجعل أمارة دالة على الحكم- والثاني- غير صالح كما وقع في الزنا مع الإحصان؛ فإن الزنا جناية ومعصية، والإحصان صفة كما تجتمع في الشخص، والجناية تصلح أن تكون سببًا للعقوبة، وأما وجود صفة الكمال فلا تصلح، فجعل الإحصان علة والزنا شرطًا هنا وكذلك الأموال ما خلقت للتجانس؛ وإنما خلق كل جنس ليكون منفعة "انتهى". وهو صحيح فإن الإحصان خصال محمودة، ومعظمها لا يحصل باختيار المحصن كالبلوغ والحرية والعقل والكمال لا يناسب العقوبة ولا يشعر، ولذلك قال علماؤنا تعليق العتق عليه ووجود صفة محل لنفوذه فإذا قال السيد لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فدخلها عتق، [وعلة] 3 العتق التعليق ومحل نفوذه الصفة. ومن ثم الأصح عندنا -وبه قال أبو حنيفة- أنه إذا شهد بالزنا قوم وبالإحصان آخرون أو بالتعليق قوم وبالصفة آخرون وحكم بمقتضى شهادتهم ثم رجع [بالشهود] 4 كان الغرم على شهود الزنا والتعليق، دون شهود الإحصان والصفة. وزعم بعض أصحابنا أن الجنسية شرط، واختاره الشريف المراغي والقطب النيسابوري زعيرهما من النظار المتأخرين من أصحابنا. وأعرب صاحب التتمة فقال: "الجنسية شرط ومحل" وزعم الرافعي في باب الزنا أنه ليس تحت5 الخلاف أمر طائل وسبقه صاحب التتمة [فقال] 6 في باب الغسل عند ذلك الخلاف في موجب الطهارة ما هو ليس يظهر لهذا الخلاف تأثير في الأحكام. وأقول: ليس الأمر كذلك، وقد بنى الخلافيون من الفريقين على قولنا: "الطعم   1 في "ب" زيادة تعالى. 2 في "ب" أحدثها. 3 في "ب" وعليه. 4 في "ب" والشهود. 5 في "ب" زيادة هذا. 6 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 علة والجنس محل"، وقول أبي حنيفة جزء من العلة، والكيل جزؤها الآخر. مسألة: وهي أن الجنس بانفراده لا يحرم النساء عند الشافعي؛ حيث يجوز إسلام الثوب في جنسه من حيث إنه لا يحرم إلا العلة ولا علة للأحكام الثلاثة إلا الطعم نعم كانت الجنسية معتبرة محلًا للعلة في ربا الفضل، والمحل بانفراده لا يؤثر. وقال أبو حنيفة: "الجنسية تحرم ربا النساء؛ لأنها إحدى وصفي العلة كما أن الكيل أحدهما" ثم الكيل يقتضي عنده تحريم النساء؛ فكذلك الجنسية. ونحن وإن ضايقناه في هذا المقام وقلنا: كيف يعمل الجزء بمفرده والتأثير إنما هو للمجموع -فلسنا ننكر تفريع الرجل على أصله. مثال آخر: الإحصان شرط للرجم، والزنا علة، والمحصن محل كما عرفت. مثال ثالث: ذكره الإمام في باب صلاة العيدين -في التكبير المقتضي له الوقت، ولذلك إذا فاتت فريضة فقضاها في غير أيام التشريق لا يكبر جزمًا، ومحل العلة هو الصلاة واختلفوا فيها -فقيل: مطلق الصلاة، وقيل: بل الراتبة، وقيل: بل الفريضة. مثال رابع: خروج الحدث هو الموجب للطهارة بشرط القيام للصلاة؛ فليس القيام علة [ولا جزء علة] 1. وفي المسألة خلاف شهير. قال بعضهم: الموجب دخول الوقت، وصحح الوالد في تفسيره في صورة المجادلة في آية النجوى وذكر أن الشيخ أبا حامد قال: إنه ظاهر المذهب. وقال آخرون: الموجب أحد الأمرين من الحدث ودخول الوقت. قال صاحب التتمة: ليس يظهر لهذا الاختلاف تأثير في الأحكام؛ ولكن المقصود نفس علة الحكم "انتهى". وفيه نظر: بل للخلاف فوائد؛ منها إذا نوى بدخوله قبل دخول الوقت فريضة الوقت فالأصح الصحة. وبناء الخلاف على هذا الأصل متجه، إن قلنا. وجب بالحدث. صح بنية الفريضة، وإن قلنا: بالوقت فلا. ومنها: إذا مات بعد وجوب الصلاة وقبل فعلها في الوقت وقلنا: "إنه يعصي" فهل يحكم بعصيانه- لأجل ترك الوضوء من حين الحدث أو من أول الوقت؟   1 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 [وهاتان الفائدتان] 1 نبه عليهما بعض الشارحين - كما ذكره ابن الرفعة. ومنها: ما نبه عليه ابن الرفعة- إذا قلنا يجب بدخول الوقت "يصح وصفه بالأداء والقضاء كالصلاة فيقع عبد خروج الوقت قضاء. ومنها: الخلاف في ثمن ماء الاغتسال من الجنابة هل يجب على الزوج؟ يمكن أن يقال: إن أوجبنا الطهارة بالحديث وجبت عليه، لكونه سببه، أو بدخول الوقت فلا. ومنها: إذا صب الماء بعد دخول الوقت وصلى بالتيمم فهل يجب عليه القضاء؟ إن قلنا: يجب بدخول الوقت وجب أو بالقيام إلى الصلاة فلا؛ وإنما ذكرت هاتين الصورتين لمساواتهما لما قبلهما. وفي بناء كل من الصور نظر، إذا من أوجبه بالحدث جعل دخول الوقت شرطًا وكذا من أوجبه بالقيام جعل الحدث شرطًا وغذا اشترط أحدهما في الآخر لم يتجه البناء. ويوضح هذا أنه في الصورة الخامسة لو صح البناء لاقتضى أنه إذا صبه قبل دخول الوقت -وقلنا: يجب بالحدث يجب القضاء ولا قائل به فيما أحسب. وهذا الخلاف في الطهارة يجب بما إذا جاز في غسل الحائض؟ أيجب بخروج الدم؟ وعليه العراقيون من أصحابنا، أم بإنقطاعه؟ وعليه الخرسانيون، أم بالخروج عند الانقطاع فيكون الانقطاع شرطًا؟ وهو التحقيق. وفي الثاني الذي قال به الخراسانيون نظر؛ فإن الانقطاع لا يناسب وجوب الغسل، فلعل شرط العلة اشتبه بها. قال الوالد رحمه الله في كتاب الجنائز: لهذا الخلاف فائدة حسنة، هي إذا استشهدت الحائض في قتال الكفار فإن قلنا بالانقطاع لم تغسل، أو بالخروج ففيه الوجهان فيغسل الجنب الشهيد. وذكر صاحب العدة فائدة أخرى: إذا أجنبت الحائض وقلنا بالقول الضعيف: إن الحائض تقرأ القرآن. فلها أن تغتسل من الجنابة لاستباحة قراءة القرآن وإن قلنا بالخروج فلا يمكن ارتفاع الجنابة وبقاء الحيض، كمن أحدث بنوم ثم شرع في البول وتوضأ في حال بوله عند النوم لا يصح.   1 في "ب" وهذان الفائدان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الخلاف في فروع بعد الاتفاق على أصولها ذلك أما بعد تعيين العلة أو قبلها : الأول: مثاله في الأصول رفع حكم المجمع عليه باطل، ومن يجوز إحداث ثالث يدعي أنه غير رافع، ومن يمنعه يدعي أنه رافع. فلو اتفقوا على أنه رافع لاتفقوا على بطلانه أو على أنه غير رافع لاتفقوا على جوازه. وفي الفقه: الغرر مجتنب في البيع، لحديث "نهي عن بيع الغرر" والإجماع والخلاف في بيع الغائب ناشئ عن أنه غرر أو لايعود ذلك إلى الخلاف في معنى الغرر. وقد قال صاحب الحاوي: إنه ما [تردد] 1 بين جائزين "متضادين الأغلب منهما أخوفهما" وقال صاحب البحر: الغرر ما [تردد] 2 بين جائزين "لا يرجح أحدهما صاحبه، أما إذا رجحت السلامة لم يكن غررًا". ومن الغريب وجه حكاه الفوراني في "الإبانة" أن المبيع [إن] 3 كان [منضبط] 4 الأوصاف -بخبر [التواتر] 5 -فهو كالمرئي، ولا يخرج على قول [الغائب] 6. وفي [البحر] 7 أنه لا يخبر بصري أن يرفع اسم "إن" بعد العاطف قبل مجيء ذا   1 في "ب" يردد. 2 في "ب" يردد. 3 في "ب" "لو". 4 في "ب" مضبوط. 5 سقط في "ب". 6 في "ب" للغائب. 7 في "ب" النحو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الخبر نحو: أن زيدًا وعمرًا قائمان لئلا يتوارد عاملان -وهما "أن" و"الابتداء" على معمول واحد، وهو الخبر. ولا يمنعه كوفي؛ لأنهم يرون الخبر مرفوعًا، بما كان مرفوعًا به قبل دخول "إن" وأخواتها، ولم تعمل فيه "إن" شيئًا. فلو اتفقوا على أنه مرفوع بأن لاتفقوا على منع المسألة، أو على أنه غير مرفوع بها لا تفقوا على تجويزها. وما من علم من العلوم إلا وفيه [نظائر] 1 هذه [الأمثلة] 2 ما لا ينحصر لكثرته. الثاني: أن يكون قبل الاتفاق على عين العلة وهو ضربان. أحدهما: أن يحصل التردد قبل البحث عن العلة رأسًا، ويكون منشأ التردد في قرب الفرع من الأصل [أما] 3 في أمر كلي أو شبه معنوي أو صوري كنظرنا في أن الخنزير هل يلتحق سؤره بالكلب قبل البحث عن العلة؟ وهذا الضرب صنفان. أحدهما: ما يكون [جلبًا] 4 فيندره [الذهن] 5 ويتسارع إليه الفهم من غير تأمل كإلحاق الأمة بالعبد في السراية. وثانيهما: أن يكون خفيًا. وهنا يضيق مجال النظر، وربما قامت في بعض الصور إشارات لا تنهض بها العبارات. [الضرب الثاني] 6: أن يثور الخلاف [بين] 7 تعيين العلة وضبط الوصف، كالنظر في الماء المستعمل في الحدث هل يمنع التوضؤ به؛ لأنه أديت به عبادة فيحلق به المستعمل في تجديد الوضوء، أو لأنه أدي به فرض، أو انتقل المنع إليه فلا يلتحق به المستعمل في التجديد. وقس على هذا؛ فإنه كثير "تقدم"8 منه الكثير، وسنذكر عقيبه من مسائل الخلاف ونظيره.   1 في "ب" من نظائر. 2 سقط من "ب". 3 في "ب" إلا. 4 في "ب" كليًا. 5 سقط من "ب". 6 سقط من "ب". 7 في "ب" من. 8 يعدم في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 مأخذ: قال علماؤنا: لا رابطة بين الإمام والمأموم، وكل منهما يصلي لنفسه؛ فلا يلزم من فساد صلاته فساد صلاة صاحبه، ولا من صحة صحتها وإنما صحة كل منهما وفساده بفعله لا بفعل غيره1. واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم $"يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم" أخرجه البخاري وفي ابن ماجه والبيهقي: "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم من [انتقض] 2 من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم. وقال أبو3 حنيفة: "بينهما رابطة؛ فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري غلى صلاة المأموم لأنه فرع عليه. [واحتج] 4 بقوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن"، ولا حجة لهم فيه إذا لا يلزم من كونه ضامنًا أن تفسد صلاة المأموم بفساد [صلاته] 5، لا سيما وقد فسر الضامن بخلاف هذا؛ فإن في ابن ماجه "الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم وإن أساء يعني فعليه ولا عليهم"6 وقال [مالك] 7 وأحمد: يسري النقص إلي المأموم عند عدم العذر لا مع العذر [فإذا] 8 اعتقد الإمتام طهارته كان [الإمام] 9 معذورًا في الاقتداء وزعمًا أن هذا توسط بين المذهبين. لا بد من تحرير المذهب؛ فإنه غير منصوص ولا [نعني] 10 بانتفاء الرابطة انتفاء العلاقة رأسًا؛ فإن بينهما علاقة بلا شك وإنخما نعني بالرابطة أنه لا يلزم من فساد واحدة أو كونها مؤداة فساد الأخرى ولا كونها مؤداة؛ بل قد تكون صحيحة أو مقضية، وسر الجماعة [عندنا ليس] 11 تعليق المأموم صلاة بصلاة الإمام وربطها به بل إبعاد الصلاة عن [السهر] 12، بالإجماع وشيوع أمر الدين، وبعث الهمم على إقامة هذا الفرض، فإن الهمم تنبعث بالمشاركة وتحصيل أجر الجماعة، [وما] 13 يدعو إليه الإجماع من   1 في "ب" ولا من. 2 في "ب" نقص. 3 في "ب" زيادة أبو. 4 في "ب" واحتج. 5 في "ب" صلاة. 6 في "ب" زيادة ولا عليهم. 7 في "ب" ملك. 8 في "ب" فإذا. 9 في "ب" الإمام. 10 في "ب" يعني. 11 في "ب" عندنا ليس. 12 في "ب" الرتق. 13 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 حضور القلب، لارتباط فعل المأموم بفعل الإمام. خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: مأخذ صلاة المأموم تابعة لصلاة الإمام. صحة وفسادًا لا [أداء] 1 وعملًا، وهي كالمندرجة في ضمن صلاة الإمام. وقد أنشأ اختلافًا في هذا المأخذ "الخلاف" في مسائل: ومنها: أن القدوة لا تسقط قراءة الفاتحة عن المأموم. ومنها: أن اختلاف نية الإمام والمأموم لا تمنع القدورة مع التساوي في الأفعال حتى يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، والقاضي بالمؤدي والمتم بالقاصر، [وبالعكس] 2. ومنها: وقوف المرأة بجنب الإمام لا يفسد صلاتها، وعند أبي حنيفة تنعقد ثم تفسد صلاة الإمام ثم تفسد صلاتها وصلاة المقتدين. ومنها: إذا أرتج على الإمام في القراءة ورد عليه المأموم قاصدًا الرد فقط بطلت صلاة المأموم دون الإمام: وقال أبو حنيفة "تبطل صلاتهما جميعًا" وقال أحمد "لا تبطل صلاة واحد منهما". ومنها: إذا اقتدى قارئ بأمي بطلت صلاة القارئس وحده، وقال أبو حنيفة: "تبطل صلاتهما جميعًا" لأنه ألزمه تحمل القراءة وليس أهلًا فكأنه ترك ركنًا، وبالغ بعضهم فقال لو وجد الأمي قارئًا يقتدي به لم تجز صلاته منفردًا؛ لأنه وجد من يتحمل عنه. ومنها: إذا بان بعد فراغ الصلاة كون الإمام جنبًا أو ذا نجاسة خفية لم تجب الإعادة. والحنفية أوجبوها بناء على قاعدة الاندراج وتنزيل حدث الإمام تنزيل حدث المأموم، ثم ادعوا أنا نقضنا قاعدتنا؛ حيث قلنا: إذا بان كونه كافرًا أو امرأة وجبت الإعادة. فقالوا: إن دعواكم إن كل مصلى يصلي لنفسه ولا ارتباط بين الإمام3 وبينهم في غير.   1 في "ب" الأداء. 2 في "ب" وبالعارس. 3 في "ب" زيادة والمأموم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 الجمعة وأجاب علماؤنا: بأن الكفر والأنوثة كالنجاسة الظاهرة -لا يخفى حالها- فإنما بطلت صلاة القوم لتقصيرهم وتفريطهم، إذا الغالب1 يكون للكافر والمرأة علامة يتميزان بها؛ فإن فرض انتفاء العلامة فهو نادر لا حكم له؛ [فكان] 2 من حق المأموم [أن] 3 يعرف حال إمامه مما يغلب ظهوره؛ فإذا لم يتعرف وصلى كان التفريط من قبله؛ فكان كمن اقتدى بمن يعمله محدثًا أو امرأة. وهذا جواب من [يلتزم] 4 أن يتبين حال الكفر إذا كان الكافر معلنًا فإن كان مستترًا لم تبطل، إذا لا تفريط -وهو ما صححه الرافعي. وصحح النووي والوالد رحمهما الله أن مخفي الكفر كمعلنه ويجب الإعادة فيهما وهو المعزو إلى النص. وعلى هذا فالجواب: أن الكافر ليس من أهل الصلاة بخلاف المؤمن المحدث فإنه من أهلها على الجملة. وقال المزني: لا تجب الإعادة وإن بان معلنًا بكفره، وهذا فيه وفاء بالقاعدة فلا سؤال عليه. واعترض الخصوم أيضًا بما إذا علم حدث الإمام قبل الاقتداء به وهذا [تناقض] 5 فبطلان الصلاة -هنا إنما هو لبطلان النية؛ فإنه علم أن الإمام لاعب وإتباع اللاعب لعب حقيقة، فبطلت نية الصلاة. بخلاف ما إذا ظنه يصلي حقيقة. فإن نيته لا تبطل، وهو مصل لنفسه كما بيناه. ولا ننكر أن بينه وبين الإمام علاقة لكنها لا تنتهي إلى الحد الذي قالوه ومن ثم لا يلحق المأموم سهو الإمام إذا كان محدثًا ويلحقه إذا كان غير محدث. أما ثانيًا فللعلاقة، وأما أولًا فلعدم6 الرابطة. ومنها: لو ظن المسافر إمامه مسافرًا فبان مقيمًا عد ما لزمه الإتمام مطلقًا -على ما   1 في "ب" زيادة أن. 2 في "ب" زيادة من حق. 3 سقط من "ب". 4 في "ب" يلزم. 5 في "ب" ساقط. 6 في "ب" فانعدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 رجحه [الإمام] 1 الوالد [رحمه الله] 2 -لكونه صلى خلف مقيم ولا مبالاة بكونه- في نفس الأمر محدثًا وبناء على أصلنا في صحة القدوة [بمحدث] 3 لا نعلم حدثه. ورجح النووي أنه4 لم يسبق تبين الإقامة؛ بل سبق تبين الحدث أو بانا معًا لم يلزمه الإتمام، لأنه في الظاهر مسافر وفي الباطن غير إمام، لعدم صحة القدوة [لحدثه] 5. كذا علل به ولا يخفي منعه؛ لأن المحدث الذي ليس بإمام هو المعروف حدثه فمن ثم جنح الوالد إلى مخالفة النووي في هذا الترجيح. مسألة: "المغلب عند الشافعي رضي الله عنه -في الزكاة معنى المواساة ومعنى العبادة تبع له". ومعنى هذا أنها مؤنة مالية وجبت للفقراء على الأغنياء فجانب الفقراء وهم المعطون هم المقصود بالذات سدًا لخلتهم، وجانب الأغنياء مغلوب. وقال أبو حنيفة رحمه الله: المغلب فيها معنى العبادة والمواساة تبع، وجانب الأغنياء غالب، وهو المقصود بالذات رياضة للنفس، لئلا تطغى بالمال وتجرها كثرته إلى ما لا ينبغي. فإن قلت: قضية أصل الشافعي [رضي الله عنه] 6 إجزاء القيمة في الزكاة؛ لأنه إذا غلب جانب الفقير فسد خلته واقع بالقيمة. قلت: لا يلزم من تغليب جانب الفقير إهمال جانب المالك، بل هو منظور إليه أيضًا لتطهير ماله؛ وذلك إنما يكون بإخراج العين. واعلم أن ما ذكرناه من خلاف بين الإمامين -في هذا الأصل تبعنا فيه الخلافين. وقد حكى الوالد رحمه الله: في المسألة أوجهًا وقال: إنها تخرج من كلام أصحابنا في أن الزكاة عبادة محضة أو مواساة أو فيها شائبة من هذا وشائبة من هذا تركبت منهما.   1 في "ب" زيادة الإمام. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" محدث. 4 في "ب" زيادة أن. 5 في "ب" لحدثه. 6 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 قال: والمشهور عن مذهبنا أنها إما مواساة وإما مركبة وعن الحنفية أنها عبادة محضة، وبنوا عليه الزكاة في مال الصبي. ثم نص الوالد -رحمه الله [على] 1 كونها عبادة وأطنب في ذلك مع تضعيفه قول من نفي زكاة الصبي وقطعه بأن الحق وجوب الزكاة. ونحن نجري مع الخلافيين على ما قرروه، ثم [نلخص] 2 كلام الوالد. [فنقول] 3 وهذا أصل بين الإمامين يتخرج عليه مسائل. منها: يجب عندنا الزكاة في مال الصبي والمجنون كنفقة القريب وسائر المؤن. وعندهم: لا يجب لأنه ليس من أهل إيجاب العبادة ولا يخشى وقوعه في محذور لعدم التكليف. ونحن ننازعه في مقامات ثلاثة: تفلا نسلم "له" أنها عبادة ولأن الصبي ليس أهلًا لها؛ بل هو أهل وينبغي أن يمرن عليها، لئلا يدمن على خلافها فيجره -عند التكليف إلى ما لا ينبغي ومن ثم أمرناه بالصلاة والصوم. ثم بتقدير تسليم المقامين لا نقول: وجبت عليه بل إنما تجب في ماله -والمسألة تحرر في الخلافيات. ومنها: لا تجب الزكاة في الحلي المباح في أصح القولين -لأنه متعلق حاجة المالك، ولا مواساة مع الحاجة. وعندهم تجب؛ لأن حاجة التحلي لا تمنع من الوقوع في الطغيان والقول الموافق له ليس مأخذه ومأخذهم بل مأخذه أن الحاجة إلى التحلي لا ينظر إلى مثلها الشارع. ومنها: تجب الزكاة في المال المغصوب والضال والدين على مماطل على أصح القولين بعد عود المال. وقالوا: لا تجب لأن هذا المال لا يصلح سببًا للطغيان؛ لأنه ليس في يده.   1 سقط من "ب". 2 في "ب" يلخص. 3 في "ب" يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 ومنها: تجب الزكاة على المديون على الأصح، لاستغنائه بما في يده وتعلق الدين بذمته. وقالوا: لا تجب؛ لكونه مقهورًا بالدين ممتنعًا عن الطغيان. ومنها: لا تسقط الزكاة بالموت؛ بل تخرج من التركة. وقالوا: لا تؤخذ، لامتناع حصول الابتلاء في حقه بوقوع العقاب. ومنها: أن الخلطة مؤثرة في الزكاة فتجعل [المسالكين كمالك واحد والمالين كمال واحد] 1 حتى لو [خلط] 2 عشرين من الغنم بعشرين وجبت عليهما شاة، لأن هذا نصاب، والنظر إلى المال دون المالك. وعندهم: لا تجب لأنها عبادة والركن فيها الشخص المتعبؤد فلا بد أن يكون غنيًا بنصاب تام. ومنها: أكثر مسائل الخلاف في باب الزكاة. تنبيه: قدمنا أ، الوالد رحمه الله نازع في كون الزكاة غير عبادة وقد أطنب في ذلك، وأبى أن يسلم للخلافيين ما نقلوه عن الشافعية وقال: لقد ألجأتهم المبالغة في البحث في زكاة الصبي إلى أن أخرجوا الزكاة عن العبادة وفسروا العبادة بما يتعبد الله به [عادة] 3 من حيث كونهم عبيدًا مملوكين له وهورب لهم، لا لأمر آخر، ولا [بسبب] 4 منهم خرج من ذلك سائر الواجبات التي بالتزامهم فكالثمن والأجرة والمهر وغير ذلك، والتي بسبب منهم كالحدود والتعاذير وغير ذلك والتي لوصله بينهم وبين العباد كنفقة الأقارب، وجعلوا الزكاة من هذا القبيل لأنها وجبت للفقراء على الأغنياء لأخوة الدين، وهي قرابة عامة، كما وجبت نفقة الوالدين الفقيرين العاجزين على الولد الغني بالإجماع، للقرابة الخاصة. وإن افترقت القرابتان في أن الأول لا يثبت محرمية ولا عتقًا وأن الثانية لا توجب استقرار النفقة في الذمة، لتجدها بحسب الحاجة يومًا بيوم ولا تتقرر بنصاب ولا حول بخلاف [الأولى] 5؛ لأنها لغير معين أو على غير معين، فدعت الحاجة إلى استقرارها وتقديرها.   1 في "ب" المالكين كمال واحد والمالكين كمال واحد. 2 في "ب" خلطا. 3 في "ب" عبادة. 4 في "ب" سبب. 5 في "ب" الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 قال الوالد رحمه الله: وهذا كله صحيح لكنه لا يخرج الزكاة عن حيز العبادات والله تعالى يتعبد عباده بما يشاء -في قلوبهم وأبدانهم وأموالهم- كما [تعبدهم] 1 في قلوبهم بالإيمان، وفي أبدانهم بالأقوال والأعمال كذلك تعبدهم في أموالهم بالزكاة -وأطال في ذلك. وتقرير حديث: "بني الإسلام على خمس" وغيره مما يدل على أنها عبادة، وأنها -مع ذلك حق المال وأن معناها القدر المفروض في المال لا إخراج ذلك القدر، وأن حقيقة الأمر الإيجابي موجود في حق الصبي وأن تخلفه حقيقة الوجوب لعدم قبول المحل وأن الصبي مساوٍ للبالغ في المقصود "في"2 إيجاب الزكاة. وتوصل بذلك كله إلى تقرير الوجوب في مال الصبي وعقد بابًا كبيرًا جمع فيه الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والقياس وأطاب ذكره في كتاب "النظر الجلي في زكاة الصبي" وهو تصنيفه الكبير في زكاة أموال الصبي. مأخذ: علة ربوية الأشياء الأربعة المنصوصة عندنا الطعم وحده، والجنسية محل لتحريم الربا، وعدم التساوي في معيار الشرع شرط، والمعمول فساد العقد. قال القاضي الحسين: وكان الشارع يقول: "الطعم في الجنس الواحد -مع انعدام التساوي- بوجوب فساد العقد". وزعم الأودني -من أصحابنا: أن الجنس هو العلة والطعم شرط. هذا تحرير النقل عنه -صرح به القاضي الحسين وغيره فأحفظه. مأخذ: الأصل عندنا أن كلا من الثمن والمثمن مقصود بنفسه ومتعلق قصد البائع بالثمن كمتعلق قصد المشتري بالثمن، وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه وعلى المأخذ تتخرج مسألة النقود. فعندنا أنها تتعين بالتعيين. وقالوا: "لا تتعين". [ووافقوا] 3 على التعيين في الوديعة والغصب والوصية والإرث والصداق والوكاة وأن النقد إذا كان حليًا تعين.   1 في "ب" ينعقد. 2 في "ب" من. 3 في "ب" وزعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وفائدة التعيين: أنه ليس له1 أن يعطي غير ما عين في العقد، ومتى تلف قبل القبض انفسخ العقد، وإذا خرج مستحقًا بأن بطلان العقد. وحيث استحق الرجوع بمقابلة أو رد بعيب وغيرهما يجب رد تلك العين إن كانت قائمة، ولم يكن له أن يرد بدلها؛ سواء كان العيب بكل المبيع أو بعضه وسواء كان قبل التفرق أو بعده. صرح به الشيخ أبو حامد وغيره. وفيه وجه عن صاحب التقريب وأنه يجوز قبل التفرق أخذ البدل، ويرجع في عينه عند الفلس [ويعمل] 2 به النصاب من حين ملكه، ويترتب عليها أحكام الملك. وإذا كانت الدراهم المبذولة للحيلولة في الغضب باقية بعد وجود المغصوب تردد الشيخ أبو محمد في أنه هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها؟ قال النووي وتبعه الوالد: والأقوى أن لا يجوز. قلت: ولا وجه للجواز إلا أن النقود لا تتعين وليس هو مذهبنا. وإذا كاتب عبده على نقد للغير فسدت الكتابة، كما إذا كاتبه على مال الغير غير نقد. وفرق أبو حنيفة بناء على أصله في أن النقد لا يتعين بالتعيين -ذكره عنه الرافعي في باب الكتابة. مأخذ: هو أم باب الربا الأصل في بيع الربوبات -بجنسها أو بما يشاركها في علة الربا- "التحريم". وحيث ثبت جوازه: فمستثنى من قاعدة التحريم مقتطع من أصله مقيد بشرط المساواة والحلول والتقابض عند [اتحاد الجنس وبشرط الحلول والتقابض] 3 عند اختلافها. "فكل ربويين على التحريم إلا ما قام الدليل على إباحته" وهذا الأصل مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" الحديث إلى قوله: "إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل سواء بسواء" هذا حديث أبي سعيد عند مسلم رحمه الله، وفي حديث عبادة سمعت رسول الله   1 زيادة له في "ب". 2 في "ب" يتكمل. 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب الحديث إلى قوله: "إلا سواء بسواء عينًا بعين فمن زاد فقد أربى" لفظ مسلم أيضًا. ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم صدر بالنهي فانسحب على جميع [المبايعات] 1 ثم استثنى بالنهي، نعم ما لا يتحقق خروجه بالمستثنى2 فتمسك بالمستثنى منه أبدًا. في كل مشكوك في خروجه. وقال أبو حنيفة الأصل الحل لاندراجه في جملة البيع وزعم أن المقصود من الحديث آخره وإن صدر أوله بالنهي. فهو يتمسك بالحل -أخذ بأصل البياعات وبآخر الكلام- ما لم يتحقق التحريم، عكس ما نعمله نحن. ولا يخفي أنا تمسكنا بالأصل القريب -وهو تحريم الربا- وهو الأصل البعيد- وهو تحليل البيع. وفائدة الخلاف تظهر في مسائل القول الجامع فيها ما عرفناك في أنا نحكم في مظان الاشتباه ويعارض المأخذ بالتحريم وهو يحكم بالحل؛ منها مسألة: هي قاعدة من قواعد الربا أن نقول الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فلا يجوز بيع حفنة بحفنتين ولا جوزة "بجوزتين ولا بطيخة ببطيختين"3 ونحو ذلك. ومنها: أنا نشترط التقايض في بيع الطعام بالطعام وسواء اتخذ الجنس أو اختلف؛ لأن الجواز إنما يثبت بشروط. منها: التقابض المدلول عليه بقوله صلى الله عليه وسلم يدًا بيد وهو صريح فيه، والعرف يقضي بأن ذلك إنما يكون في المجلس وحمل أبو حنيفة "رحمه الله" يدًا بيد على الحلول المنافي للتساوي. وقوله عينًا بعين على التأكيد والتكرير زاعمًا أن القياس الجلي يؤيده وهو أن أصل البيع الجواز.   1 في "ب" البياعات. 2 في "ب" زيادة فتمسك بالمستثنى. 3 في "ب" سقط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 ومنها: بيع الرطب بالتمر باطل لأن التحريم الثابت بالحديث لا يرتفع إلا عند تحقق شرط الإباحة؛ فمتى لم نعلم وجود الشرط حكمنا بالبطلان وهو غير متحقق الوجود هنا، وقال أبو حنيفة: تصح المساواة في الكيل وهو باطل بيع الحنطة بالدقيق والسويق وبيع الحنطة المقلية بالنية أو المقلية. ومنها: إذا باع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة ونظائرها لا تصح خلافًا لهم. ومنها: بيع اللحم بالحيوان باطل للجهالة بالمماثلة وهي كبيع السمسم بالدهن وقالوا صحيح. مأخذ: لا معنى لانعقاد العقود إلا بثبوت أحكامها التي وضعت لها؛ فإذا انعقد البيع بالإيجاب والقبول لم يكن معناه إلا حصول الملك لأنه سبب منصوب للملك ولا سبيل إلى قطع المسبب عن السبب ما أمكن ولا ضرورة إليه، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الإيجاب والقبول له حكمان: أحدهما: الانعقاد، وهو مقترن بهما ومعناه لارتباط الحاصل بين الخطاب والجواب. والثاني: زوال الملك وهو حكم منفصل عن الانعقاد محتجًا بأن الانعقاد في نفسه معقول على تجرده كالهبة قبل القبض فإنها منعقدة ولم يتأثر المحل بها ولا معنى لانعقادها إلا تعلق الإيجاب بالقبول على نهج الخطاب والجواب وانتهاض ذلك سببًا للملك إذا وجد شرطه، قال: وإذا ثبت أنهما حكمان منفصلان فلا يعتبر في الانعقاد إلا أهلية الخطاب والجواب؛ فمتى صدر الإيجاب والقبول من أصلهما وصادفًا محلًا قابلًا لحكمهما ثبت الانعقاد، وأما زوال الملك فينبغي على الولاية على المحل، والضابط عندهم أن كل عقد له مجيز حالة وقوعه ينعقد موقوفًا على إجازته ويخرج على هذا إذا طلق الولي امرأة الصبي موقوفًا على إجارته بعد بلوغه أو طلق الصبي موقوفًا على إجارته بعد البلوغ؛ فإنه لا ينعقد لعدم المجبر حالة العقد؛ إذا عرفت هذا يتبين لك أن البيع سبب إفادة الملك بالإجماع، أما عندنا فواضح وأما عندهم فلأنهم لا ينكرون سببيته بل يقولون هو سبب لملك متراخ لا لملك ناجز والناجز الانعقاد فقط ومن ثم قال الغزالي في الوسيط أجمعت الأمة على كونه يعني البيع لإفادة الملك وهو من عقد الوسيط التي ذهل عنها كثيرون وقالوا كيف قال سببًا لإفادة الملك ولم يقل مفيدًا للملك ثم أجاب منهم مجيبون بأنه احترز عن البيع في مدة الخيار؛ فإن الملك لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 على قول فلم يكن البيع مفيدًا لملك بل سببًا للإفادة وهذا ما جرى عليه ابن الرفعة وجهان على وجه آخر فقال قوله أجمعت الأمة على كونه سببًا لإفادة الملك لا يرد عليه أحد قولي الشافعي رضي الله عنه أن الملك لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار لأنا على هذا القول نقول الانتقال سببان البيع وانقضاء الخيار، وعلى خلافه نقول ليس إلا على سبب واحد وهو البيع، انتهى. وأقول إنما ادعى الغزالي إجماع الأمة ولم يدع وفاق المذهب حتى يحاول رد هذا القول إليه وإنما قال أجمعوا على كونه سببًا ولم يقل مفيدًا ليخرج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه الذي حكاه هو وغيره في الخلافيات من أن البيع في مدة الخيار لا ينقل الملك وإن كان البيع سببًا فأراد أن ينبه على أن شبيه البيع مجمع عليها كما عرفناك ثم عندنا المسبب متصل بالسبب وعندهم لا يلزم كونه متصلًا وهو قول لنا في البيع في مدة الخيار؛ لكن ليس على منهج أصلهم بل على منهج آخر وإذا تبين لك هذا الأصل المنازع فيه بين الإمامين، فعليه مسائل: منها: تصرفات الصبي باطلة عندنا وعندهم تصح، ويتوقف نفوذها على إجازة الولي. ومنها: بيع الفضولي فإنه باطل على الجديد وعندهم أنه منعقد موقوفًا على إجارة المالك وهو قول قديم عندنا. ومنها: البيع في مدة الخيار صحيح ناقل للملك على القول المنصوص في الخلاف وهو الصحيح إذا انفرد المشتري بالخيار وعندهم منعقد غير ناقل للملك كما عرفت؛ فإن قلت نزل لي مراتب هذا في الخلاف على جادة مذهبك فإنك قطعت القول ببطلان تصرفات الصبي إلا في بيع الاختيار على وجه ساقط وحكيت قولًا مرجوحًا قديمًا في بيع الفضولي. وأما القول بأن الملك لا ينتقل في زمن الخيار فقوي وهو الصحيح إذا انفرد البائع بالخيار، قلت أما القطع ببطلان تصرف الصبي فلأنا ننازع الحنفية فيه في مقامين فلا يسلم لهم أن أهلية الخطاب معه، والجواب موجودة لا بالجملة ولا بالتفضيل ولا أن الانعقاد معنى غير حصول الملك، وأما الفضولي فإنا نسلم أن أهلية الخطاب موجودة ولكن على الجملة ولكن دون هذا المحل المنع إذ لا ولاية له عليه، وأما البيع المقيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 بالخيار فالأهلية موجودة جملة وتفصيلًا فلا نزاع لنا معهم إلا في أنه هل الانعقاد معنى غير حصول الملك فإذا المنفرد بالترتيب والتفريع على هذا الأصل إنما هو هذه المسألة وحدها. أما المسألتان الأولتان فلهما أصل آخر وعند هذا أقول إن هذا الأصل عندي في موضع النظر لانتفاضه بالهبة وبالقرض فإن المفترض لا يملك المال من القرض بعقد القرض بل إما بالقبض وهو الأصح أو بالتصرف والمتهب لا يملك بعقد الهبة بل بالقبض وهذا هو الأصح، وفي قول بالقعد وهو جار على وفق هذا الأصل. مأخذ: الأصل عندنا أن الفعل إذا طابق بظاهره الشرع حكم بصحته ولا ينظر إلى التهمة في الأحكام لعدم انضباطها والأحكام ببيع الأسباب الجلية ولا يوكل إلى المعاني الخفية فالأصل إذًا الصحة حتى يثبت مقابلها، وقال أبو حنيفة كل فعل تطرقت التهمة إليه حكم بفساده لتعارض دليل الصحة والفساد؛ فإذا الأصل الفساد حتى يثبت مقابله، وعلى هذا الأصل مسائل: منها: إذا أقر مدين في حال الصحة وبآخر في حال المرض تساوي الغريمان وتخاصما في التركة لأن الإقرار مشروع في الحالتين، وأبطل أبو حنيفة رحمه الله تارة إقرار المريض محتجبًا بتعلق غرماء الصحة بعين المال وقدم تارة غرماء الصحة محتجًا بأنه أقوى من حيث إنه صادق حال الإطلاق. والثاني: صادق حال الحجر فيكون فيه متهمًا من حيث أن الشرع سلبه قدرة التبرع فلا يؤمن عدوله عن التبرع إلى الإقرار. ومنها: إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على الصحيح خلافًا لهم. ومنها: إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على الصحيح خلافًا لهم. ومنها: أمان العبد المحجور عليه صحيح في دار الحرب فيؤثرهم على المسلمين فإن نقض بما إذا أعتق ثم أسلم، قالوا لما زالت يد المولى عنه بالعتق واختار المقام في دار الإسلام مع قدرته على العود إلى دار الحرب زالت التهمة فيه؛ فإن نقض عليهم ما إذا أذن له مولاه في الأماه قالوا لم يأذن له مولاه إلا بعد أن يتبين منه أن العبد لا يؤثر الكفار على المسلمين. ومنها: لو ادعت البكارة أو الثيوبة، قطع الصميري والماوردي بأن القول قولها ولا يكشف حالها لأنها أعلم ولا مبالاة بتهمة إظهار شرف البكارة في الأول ولا بتهمة دفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 الإجبار، وفي الثاني قال الماوردي ولا يسأل عن الوطء، ولا يشرط أن يكون لها زوج، وقال الشاشي في هذا انظر لأن بكارتها ربما ذهبت بأصبعها فله إن يسألها وإن اتهمها حلفها. ومنها: وهو ما يغلب في بادئ الرأي على أصلنا عن الشافعي رضي الله عنه أن من ادعت غيبة وليها لا يزوجها السلطان حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر وأنها خالية عن الموانع ولم لا يصح أن هذا على سبيل الاستحباب لا الوجوب. مأخذ: حكم الرهن تعلق الدين بالعين بمعنى ضرورة المرتهن أحق بيعها واستيفاء دينه منها لابمعنى انحصار حقوقها ويعبر عن هذا بأن لحقه تعلقًا بالعين. وقالت الحنفية حكمه إثبات يد المرتهن فتبقى العين مملوكة للراهن عينًا وللمرتهن يدًا ثم هي من حيث عينها خالصة للراهن غير مثبوتة بحق الغير ويعبرون عن هذا بأن موجبه ملك السيد على سبيل الدوام حسًا؛ لأن الرهن الحبس فهم يحملونه على الحبس الحسي وهو دوام اليد ونحن نحمله على الحبس الشرعي وهو منع المالك من التصرف وذهب مالك رحمه الله إلى مذهب أنا أراه وأناظر عليه ذلك عندهم، كالهالك حتى يتمكن الغاصب أن يعطيه قدر حقه من غير [المخلوط] 1 لا جرم قال الوالد رحه الله: القول بالهلاك باطل بعيد من الشريعة وقواعد الشافعي [رضي الله عنه] 2. قلت: ونظيره جعل جارية الابن إذا أحبلها الأب أم ولد له ولكن ذلك لقوة الإيلاد وشبهة الإعفاف والله تعالى أعلم. مسألة: قال علماؤنا: الغصب إثبات اليد على حق الغير عدوانًا. وقال الحنفية: تفويت اليد المستحقة بإثبات يده عليه بعدوان أو تفويت مال الغير بتحصيله لنفسه. وأعلم أن [لا مشاقة] 3 في التسمية غير أنا نقول لهم شرطتم في كون الغاصب غاصبًا بتفويت يد [المالك] 4.   1 في "ب" المحفوظ. 2 ساقط من "ب". 3 في "ب" الأمشاقة. 4 في "ب" المالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فإن قالوا: لأن الضمان ضمان جبر لما فات فلا بد من التفويق "قلنا" يلزمكم [أن] 1 يكون الغاصب غاصبًا، لأنه لم يفوت يد المالك وغن أثبت يده على [مالك] 2 ولا قائل به ويلزمكم أن من سلب المالك قلنسوته واحتوت يده عليها لا يضمنها لعدم استيلائه ويلزمكم أن المودع إذا جحد الوديعة لا يضمنها؛ لأنه لم يفوت يد المالك ولم يقولوا به. إذا عرفت هذا فمنهم من يعبر عن هذا الأصل بأن اليد الناقلة غير معتبرة في وجوب الضمان العدواني عندنا، بل يكفي إثبات اليد بصفة التعدي خلافًا لهم فإنهم قالوا: "الزائد من النقل لتحقق صورة التعدي". وعلى الأصل مسائل: منها: [زوائد] 3 المغصوب مضمونة لوجود حقيقة الغصب وهو إثبات اليد فإن الولد كان بصدد أن يحدث في [يد] 4 المالك فحدث في يد الغاصب بسبب غصبه السابق، فكان منع الحصول في يده كالقطع ولذلك وجب الضمان على المغرور بزوجته إذا امتنع حصول الرق في الولد كما إذا قطعه ومن ثم ضمن الولد. قال علماؤنا: وما كان ذلك إلا لأنه تسبب إلى حصول الولد في يده حيث أثبت يده على الأم. وقال أبو حنيفة: لا يضمن الزيادة إلا عند منع الملك منها، وهو [عند] 5 ذلك أمانة، وينقض عليه بولد صيد الحرم. ومنها: [أن] 6 غصب العقار مقصور فإن قصر يد المالك عنه مع إثبات اليد عليه عدوانًا يوجد فيه فيوجب الضمان ومن رشيق عبارات الغزالي: المغصوب مضمون، والعقار مغصوب فكان مضمونًا. وقال أبو حنيفة: لا يتصور لأنه لا نتقل عن مكان ولا يتحول ولا بد من النقل لتمام الغصب "واحتج بأن من جلس على [بساط7 غيره بغير إذنه لا يعد غاصبًا مع كونه مستوليًا.   1 في "ب" إلا. 2 في "ب" مال. 3 سقط من "ب". 4 سقط من "ب". 5 في "ب" قبل. 6 في "ب" إذا. 7 في "ب" فراش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 قال: وإنما ذلك لأنه لم ينتقل ولم يحول. قال: وكذلك الداخل إلى دار غيره لينظر هل تصلح لسكناه. قال أسعد المهيني: ومن أصحابنا من وافقهم على أن غصب العقار لا يتصور، وقال: يجب الضمان بطريق آخر قلت: وهذا ضعيف ومصادم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين" متفق على صحته والأصح عندنا أن الجالس على [بساط] 1 غيره ضامن. وعلى الوجه الآخر فالجواب أن المنقول بنقله بخلاف ما ليس بمنقول؛ فإن غصب مثله [فإنما] 2 هو بقصد "الاستيلاء"3 وبهذا خرج [الداخل] 4 إلى دار لينظر هل تصلح له فإنه لا يكون غاصبًا لكن لو انهدمت في تلك الحال ففي الضمان وجهان -حكاهما الرافعي عن "صاحب التتمة" أصحهما: لا. مسألة: قال علماؤنا: المالية قائمة بمنافع الأعيان كقيامها بالأعيان وليس من قيام العرض بالعرض في شيء يعني بهذا أن منافع الأعيان أموال كالأعيان. قالوا: بل المنافع أحق باسم الأموال من الأعيان، إذ الأعيان لا تسمى أموالًا إلا لاشتمالها على المنافع، ألا ترى أنها لا يصح بيعها بدونها. وربما قال علماؤنا: المنافع منزلة منزلة الأعيان واستدلوا بقول الشافعي رضي الله عنه "الإجارة صنف من البيع" فأشار إلى إعطائها حكم الأعيان [بكونها] 5 تباع، وإلى أنها بمنزلة العين وليست عينًا بنفسها بقوله: "صنف من البيع" ولم يقل أنها نفس البيع. وقالت الحنفية: لا مالية للمنافع. وعلى الأصل مسائل: منها: منافع المغصوب تضمن بالفوات تحت اليد العادية خلافًا لهم. ومنها: يجوز أن تكون منفعة الحر أو الدار صداقًا، وقالوا لا يجوز محتجين بقوله   1 في "ب" فراش. 2 في "بط" إنما. 3 في "ب" الاستيلاء. 4 في "ب" بالداخل. 5 في "ب" كونها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} 1 قالوا: شرط في الإباحة الانتفاع بالأموال، والمنافع غير المال. ومنها: يؤخذ الشقص الشقص بالشفعة بقيمة البضع، [وكذلك] 2 إذا جعل بدل الخلع خلافًا لهم، قالوا: لأن منافع العضو ليست بمال. ومنها: أن المعقود عليه في الإجارة المنفعة دون العين ثم المنافع المعقود عليها تملك مقترنة بالعقد وإن ترتب شيئًا فشيئًا [هذا هو الصحيح] 4. وقالت الحنفية والشيخ أبو حامد منا -تملك شيئًا فشيئًا. وقالا أبو إسحاق المعقود عليه العين نفسها. ومنها: أن الأجرة تملك بنفس العقد في الأجرة المطلقة كالثمن في بيع الأعيان وعندهم تملك ساعة فساعة بحسب وجود المنافع. ومنها: أن إجارة المبتاع جائزة تنزيلًا لبيع المنافع منزلة بيع الأعيان. وعندهم: لا يجوز قالوا: لأن قبض المنافع إنما تملك بالفعل وهو استيفاؤها -قالوا واستيفاء منفعة سابقة ممتنع؛ فإن السكنى فعل لا يتبعض وكذلك اللبس بخلاف بيع المنافع. ومنها: أن الإجارة لا تنفسخ بموت المستأجر لأنه ملك المنافع بالعقد دفعة فتورث عنه. وعندهم تنفسخ لأن ملك المنافع مرتب على الوجود وقد فات قبل الملك. ونقض عليهم علماؤنا بمن نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته فإن وارثه يملك بالوراثة بجريان السبب من حال الحياة والسبب هنا هو العقد وقد جرى في الحياة وموت المؤجر كموت المستأجر.   1 سورة النساء "24". 2 في "ب" كذا. 3 سقط من "ب". 4 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ومنها: إيجار1 المدة المستقبلة باطل عندنا من غير المستأجر للمدة الحاضرة المتصلة بها. وعندهم [صحيحة] 2 لأنهم لما قدروا عقودًا متجددة بحسب تجدد المنافع. قالوا: فإيجار المدة المستقبلة لا تضر، لأنه مقتضى الإجارة. ومنها: أن [الموصى له] 3 بالسكنى إذا مات ورث عنه -خلافًا لهم بناء على الأصل المذكور والله أعلم. فائدة نختم بها مسائل الغصب: "إذا تعذر مثلا ملغصوب المثلي وجبت القيمة". وهي عند صاحب التنبيه والوالد، وعليها حمل كلام النووي: قيمة المثل لا قيمة المغصوب لأنه الواجب عند التلف وفي وجه قيمة المغصوب لأنه الذي تلف على المالك وأجدني أميل إليه وهو الذي رجحه ابن الرفعة. أصل: وهو أن المغصوب إذا كان مثليًا ففيه ثلاثة أشياء أحدها: شخصه والوجوب متعلق به ما دام باقيًا، ولا يضر اختلاف القيم بالنسبة إليه [كمن] 4 غصب صاعًا من البر وقيمته درهمان يوم الغصب لا تلزم [زيادة] 5 معه إذا رده بعينه وقيمته درهم؛ لأن اختلاف السعر ليس إليه. والثاني: نوعه وهو أهم من الشخص، والوجوب يتعلق به عند التلف لأنه بعض الواجب فلذلك وجب المثل عند إمكانه. والثالث: جنسه وهو "أعم من المالية" وهو "أعم" من النوع، ولذلك وجبت القيمة عند أعواز المثل وهي عبارة عن المالية المحفوظة في العين -أو في مثل العين- ذكره الوالد رحمه الله وقال: من ها هنا تنبيه لأن الصحيح قيمة المثل، ولأن الصحيح اعتبار أقصى القيم من الغصب إلى الإعواز والتأدية، ولوجوب قيمة الحيلولة عند بقاء   1 في "ب" زيادة أن. 2 سقط من "ب". 3 سقط من "ب". 4 في "ب" فمن. 5 في "ب" بزيادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 المغصوب وتعذره إلى غير ذلك من المسائل المتفرعة عن هذا الأصل. فإن قلت: قيمة المغصوب هي قيمة مثله؛ ألا ترانا نقول: "قيمة المثل" ونعني بها قيمة الشيء. قلت: لا وصواب العبارة إذا قومنا شيئًا أن نقول "قيمته لا قيمة مثله"؛ وإنما اختلفنا ها هنا في الغصب وفائدة تظهر فيما بعد "هذا كلام الوالد رحمه الله" ثم ذكر بعد ذلك بأوراق فيما إذا فقد المثل وظفر بالغاصب في غير بلد التلف فيأخذ القيمة، أما لأن المثلى لتلفه مؤنة على ما صححه الرافعي والنووي أو لأن قيمة تلك البلد تزيد على قيمة بلد التلف على ما ذهب إليه ابن الصباغ والوالد رحمهما الله -أنهما إذا اجتمعا في بلد التلف ففي ردها وساتردادها الوجهان فيما لو غرم القيمة لإعواز المثل. وجزم الغزالي: في الوجيز -بأن عليه المثل وأخذ القيمة مع أنه جعل الأظهر في مسألة الإعواز والمنع وأن الرافعي رحمه الله قال: هذا لا وجه له" بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فإما أن تختار فيهما النفي أو الإثبات وأن ابن الرفعة وافقه نقلًا وخالفه فيها فقال: لعل الغزالي لاحظ في إثبات الخلاف -في حال تعذر المثل بناؤه على الواجب قيمة المغصوب أو قيمة المثل، ورجع أن الواجب قيمة المغصوب فلا يكون لوجود المثل -بعد أخذها- معنى وما نحن فيه القيمة مأخوذة بدلًا عن المثل اتفاقًا فلذلك قال: إن له استرجاعها وبذل المثل. قال ابن الرفعة: "وهذا بحث دقيق فليتأمل، فإن به يندفع اعتراضي عنه". قال الوالد: وما يتبين لك ذلك أن الغزالي في "الوسيط" هنا قال: إن القيمة في الحيلولة، وفي الأعوازلم يذكر أنها للحيلولة. قال: [وهي] 1 إشارة إلى ما قاله ابن الرفعة. قلت: قوله للوجوب متعلق عند التلف بالمثل، لأن في ضمنه النوع الذي هو بعض الواجب. مسألة: قوله: فيلزم عند تعذره أن يكون الواجب قيمته لا قيمة المغصوب "هذا لم يظهر لي ويمكن أن يقال الواجب حينئذ قيمة المغصوب لأن الغرض الأصلي كان متعلقًا   1 في "ب" وهو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 به؛ فلما أدت الضرورة بتعذره -إلى مثله وقفنا عنده فلما تعذر المثل ينبغي أن يعود إلى [عوض] 1 ما وردت الجنابة عليه لا لى عوض مثله من هذا الأصل الذي أصله هذا الفرع الذي [فرعه] 2 واستدل ابن الرفعة -لأن الوجوب قيمة المغضوب لا قيمة مثله- يقول الجمهور فيما إذا جامع في الحج: إنه يجب عليه بدنة فإن لم يجد فبقرة- فإن لم يجد فسبعة من الغنم فإن لم يجد قوم البدنة دون ما عداها". وما ذلك إلا لأنها الواجب المتأصل. وكانت أولى بالاعتبار دون ما عداها؛ فكذا نقول هنا: الواجب المتأصل رد العين المغصوبة فاتفاق فإذا تعذر وجب الرجوع إلى قيمة الأصل دون المجعول بدلًا عنها. وابن سريج يقول: تقوم البقرة لأن الحال استقر على إيجابها، وهذا نظير من اعتبر قيمة المثل فيما نحن فيه وهذا استدلال جيد إلا أن الولد رحمه الله يدعي أن المثل حينئذ نفس الواجب لاشتماله عليه -وهو تعسف وقد يقال: لو نظر ابن سريج إلى ما استقر الحال عليه لقوم السبعة من الغنم لا البقرة على أني لم أجد ما ذكره عن ابن سريج إنما طريقه المذكورة في كتاب الحج التخيير بين البدنة والبقرة والشاة والطعام والصيام. فإن قلت: هل يناظر هذا في الأضحية - إذا عين عن الضالة واحدة ثم وجدها قبل ذبح البدل فأربعة أوجه. أحدها: يلزم ذبحهما معًا. والثاني: ذبح البدل فقط. والثالث: ذبح الأول. والرابع: يتخير. وصحح النووي الثالث وهو يشهد لما قلته من قيمة الم غصوب لا قيمة مثله. قلت: لا فإن للوالد رحمه الله أن يفرق [بأن الموجود هنا بعد الضلال نفس العين، فنظيره وجود نفس المغصوب لا مثله. لكنا] 3 عند هذا نقول: إذا كنا نرجع إلى نفس المغصوب فليكن عند مثله -إلى قيمته- لكونه أقرب إليه ومن فوائد الخلاف في أن الواجب قيمة المثل أو قيمة المغصوب "أنه عند تعذر المثل إن قلنا "قيمة   1 سقط من "ب". 2 في "ب" فرفعه. 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 المثل" [اعتبرنا] 1 أقصى القيم من وقت تلف المغصوب". وإن قلنا: "قيمة المغصوب" فمن وقت الغصب إلى وقت التلف وتصحيح الرافعي والنووي أن المعتبر الأقصى من الغصب إلى تعذر المثل -معتلين بأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب؛ لأنه واجب وجوب العين، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمة [المدتين] 2 يعرفك أن الصحيح عندهما قيمة المثل. مسألة: الصحيح أن علة ثبوت الشفعة دفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى أفراد الحصة الصائرة له بالمرافق الواقعة في حصة صاحبه [كالمصعد] 3 والبالوعة ونحوها. وقال [أبو حنيفة] 4 رحمه الله: "بل دفع ضرر الشركة فيما يدوم من تضييق المداخل والتأذي [بحريم] 5 الشركة أو [خلاؤه] 6 أو كثرة الداخلين عليه وما أشبه ذلك. وبه قال: من أصحابنا ابن سريج [وجماعة] 7- فتعلقوا بالمعنى الأعم وتعلقنا بالمعنى الأخص فنحن على ثقة من ثبوت الشفعة فيما يصير إليه [لوقوع] 8 الاتفاق عليه وليسوا [كذلك] 9 فيما ينفردون فيه، وهذا شأن كل علتين إحداهما أعم من الأخرى أبدًا المتمسك بالأخص أجدر بالسلامة. وعلى العلتين مسائل: منها: لا شفعة للجار عندنا؛ لإمكان دفع الضرر بالسلطان، وخالف أبو حنيفة رحمه الله10 فقال: "تثبت الشفعة للشريك والجار الملاصق دون المقابل". ومنها: الشفعة تثبت بين الشفعاء على قدر الأنصباء على أصح القولين -لأن مناط الاستحقاق الملك المتصل بجميع الأجزاء فاتصال كل جزء من أجزاء ملكه سبب لأخذ ما يتصل به؛ فمن ازدادت أجزاء ملكه اداد ما يتصل به من الشقص. والحاصل: أن   1 في "ب" أقضي. 2 في "ب" المبتدين. 3 في "ب" كالمصفر. 4 سقط في "ب". 5 في "ب" بحركة. 6 في "ب" إخلافه. 7 سقط في "ب". 8 زويادة في "ب" من. 9 في "ب" ذلك. 10 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الاستحقاق بقدر الملك فيختلف باختلافه قلة وكثرة والقول الآخر التوزيع على عدد الرؤوس بالتسوية. وبه قال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 1؛ لأن مناط الاستحقاق عموم الملك لا خصوصه، فليس للقدر قلة ولا كثرة فيه مدخل وهكذا القولان في أجر القسام. مسألة: "العبد محجور عليه بحق السيد لا لنقص في ذاته"؛ فإذا أذن له تصرف بحكم الإذن نيابة عن مولاه مقيدًا تصرفه بما أذن له فيه، والتصرف لمولاه للا له كالوكيل فإن أذن له في نوع من التجارة لم يستفد غيره. وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 2: "الإذن له في نوع يستلزم فك الحجر عنه كالمكاتب، ويكون تصرفه لنفسه بمقضتى إنسانيته ثم ينتقل إلى السيد فلا يتقيد بالمأذون فيه". وحرف المسألة: أن العبد يتصرف لغيره، فالتصرف مقيد بما أذن فيه غيره وعندهم بتصرف لنفسه بأهليته؛ وإنما احتيج إلى إذن السيد ليعرف رضاه. وعلى هذا الأصل مسائل: منها: المأذون له في التجارة لا يصير مأذونًا له فيما عداه خلافًا له. ومنها: إذا استغرقت ديون التجارة أكسابه لم يتعلق بقيتها برقبته -ولا يباع- بل بذمته يتبع به إذا عتق؛ لأن تصرفه نيابة عن سيده فيتقيد بمحل إذن وهو الاكتساب دون الرقبة. وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 3 تباع رقبته فيه لأن التصرف حق العبد والإذن يقتضي تعلق الديون بحقه، والرقبة حقه فيتعلق بها. ومنها: إذا رأى السيد يبيع ويشتري فسكت لم يكن سكوته إذنًا له في التجارة خلافًا لأبي حنيفة. وحرف المسألة أن السكوت عندهم دليل على الرضا، بنوع يرفع الحجر بجملته. ومنها: المأذون في التجارة له لا يؤجر نفسه خلافًا لهم، وربما عبروا عن هذا الأصل بأن الإذن ولاية والولاية لا تتجزأ وما لا يتجزأ فإثبات بعضه إثبات لكله.   1 سقط من "ب". 2 سقط من "ب". 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وتطرقوا بهذا إلى قولهم: إن الموصى إليه بنوع من التصرف لا يصير وصيًا مطلقًا. ونحن لا نسلم هذا وننازعهم في المقدمات الثلاث، فما الإذن ولاية، ولا الولاية يمتنع عليها التجزؤ، ولا إثبات بعض ما يتجزأ إثبات كله؛ بل قد يكون باطلًا. ومنها: لا يعامل المأذون سيده ولا يبيع منه ولا يشتري لأن تصرفه لسيده بخلاف المكاتب. وقال أبو حنيفة [رحمه الله] 1 له أن يعامله، لأن تصرفه لنفسه، وأغرب أبو حامد فحكى فيما إذا كان عليه دين يستغرق ذمته وجهًا أن له أن يشتري منه؛ لأن ما في يده حق الغرماء. قال الوالد رحمه الله: ويحتمل أن يريد هذا القائل أن السيد يأخذه بقيمته كما يدفع قيمة العبد الجاني ولا يكون تبعًا قال: ويجب تأويله على هذا فلا يكون غلطًا. تنبيه: لما أثبت الحنفية للمأذون استقلًا كالمكاتب [وبني] 2 عليه ما ذكر من مسائل ألزموا أصحابنا أن سيده لا يطالب بثمن ما اشتراه بخلاف الوكيل، وأن العبد إذا باع سلعة خرجت مستحقة وتلف الثمن في يده رجع عليه. قال الإمام: وأعتقد ذلك مسلمًا لهم ثم أخذ يمانعهم وفي المسألة كلام طويل ووقع فيها للرافعي بسبب جمعه من كلام الإمام والأصحاب ما فيه مناقشة وقد بين الشيخ الإمام ذلك في شرح المنهاج فلا أطيل به. وحاصله: أن الأرجح أن السيد لا يطالب بثمن ما اشتراه العبد ولا بالبدل إذا خرج المبيع مستحقًا، وأن الديون لا تلزم السيد. وعلى هذا يجيء سؤال الحنفية فيقولون: إذا كان لا استقلال له وما هو إلا واسطة والتصرف في الحقيقة من السيد -فهلا طولب؟ والجواب أنه لما أذن له صار العبد هو المقصود بالمعاملة -فعلى من يعامله أن يحتاط لنفسه ويقصر الأمر عليه من غير نظر إلى سيده والله أعلم. مسألة: النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف بالفتيا والسلطنة، وكل من الأمرين ناشئ عن الله تعالى، فإنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.   1 سقط من "ب". 2 في "ب" وبنوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 ويظهر أثر الفرق في التصرفين من العموم والخصوص فالتصرفات بالفتيا شرع عام أبد الآبدين ودهر الداهرين، وبالسلطنة قد يختص في كل زمان بحسب المصالح1؛ فإذا قال صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعل فعلًا ظهر من أي التصرفين هو فلا إشكال وإن لم يظهر فالأغلب عند علمائنا لا يحمل على التصرف بالفتيا، وعند الحنفية بالعكس. وفيه مسائل: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتًا فهي له" قال الشافعي رضي الله عنه "هذا تصرف بالفتيا فلا يتوقف الإحياء على إذن الإمام. وقال أبو حنيفة: "بالسلطنة فلا يحيى أحد بدون إذن إمام الوقت" فنحن نجري الموات مجرى سائر المباحات بإذن إمام الأئمة عليه أفضل الصلاة والسلام، وهم يجرونها مجرى مال بيت المال والغنيمة والفيء؛ ففي كل زمان يجتهد إمام الوقت فيما يراه أصلح ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت أبي عتبة: خذي لك ولودك ما يكفيك بالمعروف. قال الشافعي [رضي الله عنه] 2 هذا تصرف بالفتيا فمن تعذر عليه أخذ حقه من غريمه فظفر بجنس حقه أو بغير جنسه إذا لم يظفر بالجنس، وقيل مطلقًا جاز له استيفاء حقه منه. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه". قال الشافعي رضي الله عنه: "السلب للقاتل مطلقًا" وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 3: لا يكون له حتى يشترط له بأن يقول الإمام في الغزاة: من قتل قتيلًا فله سلبه. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم" يحتمل قوله: "هي لكم" أن يكون ذلك تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم بالملك، فملك الموات بمشارق الأرض ومغاربها ثم ملكها لأمته هذا ما أشار إليه الجوري من أصحابنا. ويحتمل أن يكون تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم [بالفتيا] 4 فشرع لنا الموات ويكون مالك الموات ملكه ملكًا ابتداء، وبدل لذلك قول من قال من أصحابنا: إن الموات ما لم يجر عليه ملك:   1 في "ب" [آخر زيادة] . 2 سقط من "ب". 3 سقط من "ب". 4 ساقط من "أ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 مسألة: النكاح يتناول كل واحد من الزوجين تناولًا واحدًا ونسبته إليهما واحدة والحل الثابت من الجهتين بالسوية. ولا يلزم من اختلافهما في الأحكام اختلافهما في مؤترية الأحكام؛ فقد يكون المؤثر في الشيئين واحدًا ويختلف تأثيره بحسب محاله ويعبر علماؤنا من هذا بأن الرجل محل النكاح كالمرأة مستدلين على ذلك بأن الله أضاف النكاح إلى كل من الزوجين إضافة الفعل إلى الفاعل بدليل قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 1 وقوله [تعالى] 2 {يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن} 3، وقال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِن} 4 وقال {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ؛ وبهذا سميا متناكحين. ووجهه أن النكاح عقد ازدواج وانضمام فإن التزويج من الازدواج، والنكاح من الانضمام، وحظ كل واحد من الزوجين مما يقع به الازدواج كحظ الآخر، وكذلك في الانضمام، وهما كمصراعي باب وزوجي خف، ولهذا المعنى تساويًا في الحل؛ فكان الحل في جانبها كالحل في جانبه وإذا تبين أنهما منزلان من العقد منزلة واحدة صار كل منهما محلًا للنكاح ثم اختلف علماؤنا على وجهين حكاهما الرافعي قبيل كتاب الصداق عن صاحب التتمة. أحدهما: أنه معقود عليه في حقها كما أنها معقود عليها في حقه وعلى هذا أكثر الخلافين، ووجهه أن بقاء كل منهما شرط لبقاء العقد فينزلان منزلة العوضين [في البيع] 5 وفي هذا الوجه وفاء عظيم بكون الزوج محلًا للنكاح. والثاني: أنه ليس معقودًا عليها في حقه وعلى هذا أكثر الخلافيين ووجه أن بقاء كل منهما شرط لبقاء العقد فينزلان منزلة العوضين [في البيع] 5 وفي هذا الوجه وفاء عظيم بكون الزوج محلًا للنكاح. والثاني: أنه ليس معقودًا عليه لأن العوض المهر لا نفسه، ولهذا لو كان تحته ثلاث نسوة جاز له نكاح رابعة ولو كان منكوحًا لما جاز كما ان المنكوحة لا تنكح زوجًا آخر قلت: وهذا توجيه ضعيف؛ فليس معنى كونه معقودًا عليه بهذا الاعتبار ولو كان كذلك لكان الرد "نكاح ثانية أولى من الرد" بأن له نكاح رابعة غير أن هذا ليس المعنى المقصود بكونه معقودًا عليه إذا لا ريب في أن لكل من الزوجين أحكامًا تخصه وقد قدمنا أنها يلزم من الاشتراك في العلة الاشتراك في الحكم. واقتصر الرافعي على عزو هذين الوجهين إلى نقل المتولي وهما مشهوران ولم يبين الأرجح منهما في هذا الموضع، ولكنه في كتاب الطلاق في مسألة "أنا منك   1 سورة البقرة "230". 2 سقط من "ب". 3 سورة البقرة "232". 4 سورة النساء "25". 5 سقط من "أ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 طالق" أن القول بأن معقود عليه غير مرض عند الأكثرين؛ لأنه لو كان كذلك لما احتاج إلى إضافة الطلاق إليه ولأنها لا تستحق من بدن زوجها ومنافعه شيئًا "انتهى". ولا أدري من أين له أن الأكثرين لم يرتضوا كونه معقودًا عليه، والذي لم يرتض ذلك فيما علمت إمام الحرمين ومن تبعه. ووجه الإمام في "الأساليب" و"النهاية" كونه غير معقود عليه لعدم استحقاقها لمنافعه، ولم يذكر سؤالًا البتة، وهو سؤال قوي1 للخصوم سنذكره ونذكر وجه الانفصال عنه في التفريع فنقول: إذا عرف من أصلنا أن الزوج محل النكاح؛ فقد خالفنا أبو حنيفة رحمه الله وأثر هذا الخلاف في التنازع في مسائل. منها: "إذا قال أنا منك طالق" ونوى به طلاقها وقع لأنه أضاف الطلاق إلى محله "وهو الزوج- فإنه محل الطلاق، وبدليل أنه محل للنكاح ومتى أضيف إلى محله وقع" وقالت الحنفية: لا يقع لأن الزوج غير محله وساعدونا على ما إذا قال لها أنا منك بائن فقالوا: إذا نوى به الطلاق صح ووقع. وهذا إلزام عظيم يلزمهم؛ فمتى كان الرجل محل إضافة الكنابة إليه كان محل إضافة الصريح. ولهم علينا سؤال تلقوه من تفاريعنا حيث قلنا لا بد من النية في أنا منك طالق. ثم اختلفنا- هل تكفي نية أصل الطلاق أو يشترط مع ذلك إيقاعه عليها؟ وإضافته إليها على وجهين. أحدهما: وهو رأي أبي إسحاق والقاضي الحسين لا يشترك مع نية أصل الطلاق نية أخرى. وأظهرها: عند الرافعي والنووي أنه لا بد من إضافته إليها وعزاه الرافعي تبعًا للإمام -إلى الجمهور- ووجهه بأن محل الطلاق المرأة دون الرجل- فلا بد من نية صادقة تجعل الإضافة إليه إضافة إليها. وهذا مأخوذ من كلام الغزالي تبعًا لإمامه، فإن الإمام كاد يصرح بأن الرجل ليس   1 في "ب" زيادة شذ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 محلًا للطلاق، وتبعه الغزالي ولكنهما مع ذلك لم يصرحا به، وكلامهما في الخلافيات وغيرها من كتبهما صريح في أنهما لا يحتجان إلى مسألة "أنا منك طالق" إلى تقرير كون الزوج معقودًا عليه؛ بل يصلح الغرض بدون ذلك بأسلوبين قررهما الإمام وأسلوب ثالث اقتصر عليه الغزالي في التحصين. وأنا أقول: لا يخفي أن من يجعل الزوج معقودًا عليه ينكر كونه محلًا للطلاق وأما من لا يجعله ففيه نظر احتمال إذ لا يلزم من كونه غير معقود عليه أن لا يكون محلًا للطلاق فمن أين يصح للرافعي إنكار كون الزوج محلًا للنكاح وهي مسألة شهيرة معروفة بالخلاف بيننا وبين الحنفية إذا عرفت ذلك فتقرير سؤالهم أنكم اشترطتم النية على الأصح بنيتين -نية أصل الطلاق ونية وقوع الطلاق عليها- ولو كان الرجل محلًا للطلاق لوقوع الاستغناء عن النيتين. ويزيد من يحيط بفروع المذهب على هذا أن يقول: بل كان ينبغي أن يقع الطلاق وإن جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على أصل الطلاق، وقد قال الإمام: "الوجه عندي أنه لا يقع". وهذا السؤال أخذه الرافعي ورضيه ورد به على من يجعل الزوج معقودًا عليه كما رأيت -وقد أجابهم الإمام أبو المظفر السمعاني في "الاصطلام"؛ فقال: "إنما احتيج إلى أصل النية لأن لفظ الطلاق محتمل أن يراد به الطلاق عن نكاح أو وثاق، بخلاف أنت طالق فإن هذا الاحتمال وإن تطرق إليه إلا أن العرف يدرؤه ويعين احتمال الفراق عن النكاح ولا اعرف فيه "أنا منك طالق" فرجعنا إلى أصل حقيقة المعنى فوجدناه محتملًا، فاعتبرنا فيه النية كما اعتبروها في "أنا منك بائن". وهذا جواب صحيح، وفي كلام الإمام إشارة إليه فإنه قال في النهاية: شبه مشبهون هذا بما إذا قال لأمراته أنا منك طالق من حيث أن اللفظ جرى على صيغة مستبشعة حائدة عن جهة العرف في الاستعمال "انتهى". وأنا أزيد هذا الجواب إيضاحًا: فأقول: لفظ طالق وإن كان صريحًا إلا أن الصريح إذا انضم إلى ما يخرجه عن صراحته بطل حكمه ألا ترى أنه لو ضم إلى قوله "أنت طالق طلاقًا من وثاق" لم يكن صريحًا وقوله: أنا منك طالق لفظ ضم إليه ما يستشنع فأخرجه عن الصراحة، فإن الرجل لا يخرج عن المرأة إلا على تأويل؛ وإنما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 المرأة تطلق منه فالطلاق يقع منه عليها وهذا معنى كونه محلًا للطلاق وعليها منه، وهذا معنى كونها محلًا للنكاح؛ فلما خرج عن الصراحة لهذه الضميمة افتقر إلى نية. وهذا الجواب بهذا الإيضاح الذي أوضحته يحق له أن يقال عنده: ما قاله ابن السمعاني ما ذهب إليه أبو إسحاق والقاضي الحسين من عدم اشتراطها عليه يدل نص الشافعي رضي الله عنه بل أقول: لو جرد القصد إلى تطليق نفسه فالأوجه خلاف ما قاله الإمام، وأنه يقع إذا نوى الطلاق عن نكاحها وبه صرح القاضي الحسين، وفي النص رمز إليه. بل نقل الإمام في النهاية عن بعض الخلافيين -أن اللفظ صريح وإن قصد تطليق نفسه. وهذا عندي قوي وإن كان الإمام لا احتفال له به وأقول: إنه ظاهر كل الظهور عند من يجعل الزوج معقودًا عليه، وقد وضح بما قررته اندفاع ما اعترض به الرافعي من النية. وأما قوله: ولأنها لا تستحق من بدن الزوج شيئًا فقد يرد عليه الوجه المقابل بأنها تستحق عليه وطأة واحدة؛ سواء علل بتقرير طلب المهر أم بطلب التحقيق. وأما من لا يقول بهذا الوجه أن يقول: نحن لا نعني بكون الزوج معقودًا عليه أو محلًا للنكاح أنها لا تستحق شيئًا من بدنه ولا من منافعه بل نعني أمرًا وراء ذلك. وعجيب ذكر البدن هنا والمرأة معقود عليها قطعًا، ومن ذلك لا يقول أحد: إن الزوج لا يستحق شيئًا من بدنها؛ سواء قلنا: المعقود عليه في النكاح المنفعة وهو المقصود في الخلاف أو حل لازم، أو عين المرأة بوصف الحل، وهي وجوه حكاها ابن السمعاني. ومنها: لو قال لها" "طلقي نفسك" فقالت: طلقت قاصدة تطليق نفسها فإنه يقع، وكذا لو قصدت أصل الطلاق خلافًا لأبي عبيد بن حربويه وبمسألة أبي عبيد صرح الرافعي. أما إذا قصدت تطليق نفسها فمصرح بها في النهاية. ومنها: بني المتولي كما نقله عنه الرافعي في كتاب الطلاق وابن الرفعة في مسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 أنا منك طالق على الخلاف في كون الزوج معقودًا عليه ما لو قال الرجل لولي المرأة: "زوجت نفسي من ابنتك" فقال الولي: قبلت النكاح هل ينعقد وفيه وجهان. ومنها: لا ينعقد النكاح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح، وقالت الحنفية: ينعقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك لأنهم لما جعلوا "الحل" فقط والرجل كمشتر تملك البيع جوزوه بهذه الألفاظ الناقلة للأملاك. ومنها: الزوج يغسل زوجته إذا ماتت كما يجوز لها غسله إذا مات وكما اشتركا في حل اللمس والنظر، وقال الحنفية: لا يجوز لها غسله ويجوز له تغسيلها لانقطاع المالكية بفوات مالك المحل. ومنها: اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية، ونسبته إليهما واحدة خلافًا لهم وستأتي المسألة في مسائل الزنا إن شاء الله تعالى. خاتمة: إذا تأملت هذه الفروع ورأيت اختلاف الأصحاب فيمن بناها على أن الزوج معقود عليه أو لا واتفاقهم على ما لم يبن على ذلك بل على أنه محل النكاح؛ بحيث لا يخالفهم حينئذ إلا الحنفية عرفت ما قدمناه لك من أنه يلزم من كونه غير معقود عليه -وهو ما ارتضاه الإمام الغزالي لا يكون محلًا للنكاح. وحاصل كلام الإمام الغزوالي أنه لا يحتاج في إيقاع الطلاق في قوله: أنا منك طالق إلا أن يكون معقودًا عليه بل ولا أن يكون محلًا للنكاح بل الطلاق واقع بهذه اللفظة إذا نوى -وإن لم يكن معقودًا عليه ولا محلًا للنكاح. وهذا صحيح نوافقهما عليه فإن في مسألة "أنا منك طالق" غنية عن هذا الأصل، وإنما ذكرها الخلافيون لأنه يلزم من إثبات هذا الأصل تصحيح المسألة وإن لم يلزم من إبتطاله إبطالها -فقرروا صحته ليثبت مرادهم فيها. وقرر الإمام والغزالي صحتها غير متعلقين بالأصل إما لضعفه عندهما أو لأن التشكيك عليه أظهر منه -على الأسلوب الذي ذكرناه، ولا شك في ذلك. مسألة: معتقد الشافعي رضي الله عنه أن أثر الشيء لا يتنزل منزلته في وجوده وعدمه وأن من فعل ذلك فقد قلب الحقائق وجعل التابع متبوعًا والمتبوع تابعًا وخالف الحس فإن الأحكام والآثار تبع الحقائق حسًا وحقيقة وخالف في ذلك الحنفية فذهبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 إلى أن حكم الشيء يدور مع أثره وجودًا وعدمًا فينزل وجود أثر الشيء منزلة وجوده وعدمه منزلة عدمه كما يستدل بوجود الأثر على وجود المؤثر وبانتفائه على انتفائه. وعلى هذا الأصل مسائل: المصابة بالفجور والمعنى بها من زالت بكارتها بالزنا تستنطق على القول الجديد عندنا لوجود الثيوبة ويكتفي عندهم بسكوتها -قالوا: لأنه وطء لم يتعلق به حكم من أحكام الملك ولا خاصة من خواصه فأشبه من زالت بكارتها بسقطة أو أصبع أو حدة الطمث أو طول التعنيس أو بالوطء في الدير؛ فإنها بكر -قلنا لأصحابنا وجه أن التي زالت بكارتها بالسقطة ونحوها أو من وطئت في دبرها تكون ثيبًا وعلى هذا يسقط السؤال وعلى الصحيح وهو بقاء حكم البكارة في هذه الصور فالجواب أن المناط بالوطء يترتب عليه التقرير وليس ذلك فيما ذكرتم وسره أن الشارع علق الاستيدان بالثيوية والمتبادر إلى الذهن عند إطلاق الثيوبة -ثيوبة حاصلة بوطء لا يصور نادرة من ثم قال الصيمري: "لو خلقت بلا بكارة فهي بكر". فليفهم الفاهم ذلك؛ فإنا لم نر من الخلافيين من رمز إليه، ومنه سقط أسئلة للخصوم كثيرة. ومنها: لو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فهي ثيب على الصحيح عندنا، وسره ما أبديناه من حصول الثيوبة من وطء. فإن قلت: بين لي أوجه الفقه في اشتراط ثيوبة عن وطء؛ فإنك لم تتعلق بمطلق الثيوبة، بدليل الثيب عن وثبة ونحوها، ولا بخصوص الثيوبة عن وطء حلال. قلت: وجه اشتراط زوال المجامعة بخلاف الوثبة ونحوها ووجه تعميم الحلال والحرام، أن زواله مع الحرام أبين وأوضح من زواله في الحلال ولا حقًا بذلك. ومنها: يجوز لمن طلق الأربع أن ينكح في عدتهن خلافًا لهم. ومنها: يجوز نكاح أخت المطلقة طلاقًا بائنًا لمن طلقها لأن المحرم هو الجمع في السبب المتعين في الوطء وقد انعدم ذلك حقيقة، فلا مبالاة ببقاء أثره وهو العدة خلافًا لهم حيث قالوا: بقاء لا عدة بمنزلة بقاء أصلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 ومنها: المختلعة لا يلحقها صريح الطلاق لزوال حقيقة النكاح وقالوا يلحقها ما دامت العدة لبقاء الأثر. ومنها: المبتوتة في مرض الموت لا ترث، وقالوا: إنها ترث ما دامت العدة باقية كل هذا يفعلونه تنزيلًا للأثر منزلة المؤثر واستدلالًا به عليه. مسألة: قال علماؤنا: الصداق محض حق المرأة ثبوتًا واستيفاء تستقل بإسقاطه وتعود فوائده إليها. وقال أبو حنيفة رحمه الله: الصداق حق الله ابتداء، وربما قال: الوجوب لله والواجب لها محتجًا بأن اتفاق الزوجين على استقاطه لا يوجب سقوطه؛ بل يجب بالعقد عند أبي حنيفة وبالدخول عند الشافعي رضي الله عنهما. وعلى الأصل مسائل: منها: لا يتقدر الصداق عندنا بل ما جاز أن يكون ثمنًا جائز أن يكون صداقًا قل أم كثير. وقدره أبو حنيفة بعشرة دراهم فلا ينقص عنها حتى لو ذكر أقل منها وجبت هي محتجًا بأنه حق الله فلا يؤدي إلا بمال مقدر، ثم إنه ورد على البضع وهو محل محرتم ذو خطر وشرف شرع المال فيه إظهارًا لخطره وشرفه لأنه لو توصيل إليه بغير شيء لهان عند الناس وما لا يتوصل إليه إلا بالمال يعز عند النفوس وإذا كان المال مشروعًا لهذا المعنى فلايظهر المحل إلا بمال له خطر وشرف وأقله عشرة دراهم؛ لأنه الذي تقطع به يد السارق. والجواب أن هذه المقدمات كلها عندنا ممنوعة فلا نسلم أنه حق الله تعالى ومستند المنع أنه لو كان لكان يصرف في مصارف حقوق الله تعالى. وما يذكرون في الفرق بين الوجوب والواجب لا طائل فيه؛ فإن الوجوب نسبة بين المنتسبين. وإن سلمنا أنه حق الله تعالى فلم قلتم أنه لا يؤدي إلا بمال، ولم قلتم: إنه لايكون إلا بمال له خطر، ولم قلتم: إن الناقص عن العشرة ليس كذلك، ولم قلتم: إن يد السارق لا تقطع في أقل منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 ومنها: المفوضة لا تستحق المهر بنفس العقد بل بالوطء أو الموت على الجديد الصحيح، وعندهم تستحق. ومنها: إذا خطبها كفء بدون مهر المثل ورضيت به وجل على الولي تزويجها. وقالوا: لا يجب كما لو دعت إلى غير كفء. وهذه من مسائل الخلاف المشهورة وليست في الرافعي ولكن في زيادة الروضة لو زوجها بعض الأولياء بكفء بدون مهر المثل برضاها دون رضاء بقية الأولياء قطعًا؛ إذ لا حق لهم في المهر ولا عار انتهى -وظاهر وجوب الإجابة على الولي إذ لا حق ولا عار والله أعلم. مسألة: قال علماؤنا: اختلاف الدارين -دار الإسلام ودار الحرب لا يقتضي اختلاف سائر الأحكام، ودعوة الحق على الكفار سواء كانوا في أملاكهم أو في غيرها. وقال أبو حنيفة رحمه الله: اختلاف الدارين يوجب تباين الأحكام وينزل منزلة الموت القاطع للأملاك لأنه لا استيلاء للمالك -وهو في دار الحرب على المملوك وهو في دار الإسلام وبالعكس. وعلى الأصل مسائل: منها: لا ينقطع النكاح بهجرة أحد الزوجين إلينا مسلمًا أو ذميًا خلافًا لهم. ومنها: إذا أسلم الحربي وجاءنا وترك ماله في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على دارهم لم يملك ماله بل هو له، وقالوا: يملك ويكون من جملة الغنائم. ومنها: من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر معصوم الدم والمال على قاتله القصاص وعلى متلف ماله الضمان كما في دار الإسلام. وقال أبو حنيفة: "يحرم قتله وأخذ ماله ولكن لا يجب الضمان" وزعم أن العصمة المقومة تثبت بالدار والمؤتمنة تثبت بالإسلام. مسألة: معتقد الشافعي رضي الله عنه أن الحل الثاتب بالنكاح في حق الأمة كالحل الثابت في حق الحرة والحقوق واحدة غير أن حق الزوج للأمة مزاحم لحق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 السيد، وإذا ترك السيد حقه من الخدمة تسلط الزوج بحكم النكاح على زوجته الأمة تسلطه على زوجته الحرة؛ فهي بمثابة الحرة المحبوسة في حق إذا كانت تحت زوج ومعتقد أبي حنيفة أن حل الأمة دون حل الحرة. واختلاف الإمامين في هذا الأصل منشأ للخلاف في مسائل. منها: قال علماؤنا: طلاق الأمة كطلاق الحرة إذا كان الزوج حرًا من حيث أن النكاح اقتضى لزوج الأمة ما اقتضاه لزوج الحرة. وقالت الحنفية: تطليق الأمة طلقتين سواء كان الزوج حرًا أو عبدًا، لنقصان حق الزوج منها. مسألة: قال أبو حنيفة رحمه الله: الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح بوجه والرجعة باقية على الزوجة لم يؤثر طلاقها إلا في نقص العدد وتحريم الخلوة والمسافر. قال الشافعي: يزيله من وجه دون وجه، وإن شئت قلت: يضعفه ويزلزله. ومن رشيق العبارات يقول: يزلزله ولا يزيله ويحله ولا يحيله. وعلى الأصل مسائل: منها: يحرم وطء الرجعية عندا لزوال الملك -ولو من وجه أو يزلزله، والوطء يحتاط له فلا يكون في ملك مزلزل. وقال الحنفية: "لا يحرم لبقاء الملك عندهم". ومنها: لا تحصل الرجعة إلا بالقول خلافًا لهم حيث قالوا تحصل بالوطء، ولو نزول المرأة على ذكر الزوج بل وكل فعل يوجب حرمة المصاهرة كاللمس. ومنها: وطء الرجعية يوجب المهر خلافًا لهم. مسألة: قال علماؤنا: سبيل نفقات الزوجات سبيل معاوضات، وقالت الحنفية: سبيل الصلات كنفقة [القريب] 1. وعلى الأصلين مسائل: منها: أنها معلومة وأن الإعسار بها يثبت حق الفسخ وأنها مقدرة، ولا تسقط بمضي الزمان خلافًا للحنفية في الكل.   1 في "ب" القرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وقد وافق الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أبا حنيفة على أنها كنفقة القريب، وخالفه في أن الإعسار لا يثبت الفسخ محتجًا بحديث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل ما يجد ما ينفق على زوجته قال: "يفرق بينهما" وهو حديث منكر لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ولم يثبت إلا أن سعيد بن المسيب قاله وقيل له: سنة؟ قال: سنة. فإن قلت: ما دليلك على الفسخ بالإعسار؟ قلت: ما مهدناه من الأصل، وهو أن سبيلها سبيل المعاوضات التي تقتضي تراد العوضين. ثم للشافعي رضي الله عنه -على الخصوم إلزام عظيم، قال رضي الله عنه: توافقنا على أن لها طلب الخلاص بعنة الزوج إذا انقضى أجله، ولا نص فيه؛ وإنما الوارد فيه قضاء عمر رضي الله عنه ثم إنكم زعمتم أن عليًا كرم الله وجه خالفهم فإن كان قول عمر حجة فالرواية عنه في النفقة أثبت، ثم روى الشافعي رضي الله عنه الفسخ بالإعسار عن عمر رضي الله عنه من طرق. مسألة: قال علماؤنا: معنى القصاص مقابلة محل الجنابة بالمحل الفائت جبرًا لما فات ودفعًا للآفات. واحتجوا بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 1 الآية دلت على أن النفس تقابل النفس ولذلك يسلم إلى ولي الدم وما ذاك إلا لمعنى استحقاقه. وقالت الحنفية: "معنى القصاص مقابلة الفعل بالفعل جزاء [وزاجرًا] 2. واحتجوا بقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} 3 قالوا: أشار به إلى أن الزجر يحصل به. وعلى الأصل مسائل: منها: إذا قتل الواحد جماعة قتل بواحد وللباقين الدية حتى لا تضيع حقوقهم فإن الاتسحقاق تعدد بتعدد المحال. وقالت الحنفية: يقتل بهم اكتفاء بمقابلة الفعل "بالفعل".   1 سورة المائدة "45". 2 في "ب" زجرًا. 3 سورة البقرة "179". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 ومنها: إذا قطع رجلي رجلين قطع بالأول وللآخر الدية بدلًا من المحل الفائت، وعندهم يقطع بهما اكتفاء. ومنها: شريك الأب يلزمه القصاص تحقيقًا لمقابلة المحل بالمحل كشريك الأجنبي، وقالوا لا قصاص عليه لأن القصاص مقابلة الفعل بالفعل، وفعل شريك الأب قاصر من حيث أنه شارك من لا قود عليه فصار كشريك الخاطئ. ومها: إذا مات من وجب عليه القصاص أخذت الدية من تركته بدلًا عن المحل وعندهم لا تؤخذ؛ لأن المستحق له فعل القتل وقد فات. ومنها: إذا كان في الورثة صغير ينتظر بلوغه ليقتص من الجاني لأن الورثة يستحقون المحل والصبي لا ينال هذا الاستحقاق بدليل ما لو كان الصبي هو الوارث وحده. وعند أبي حنفية رضي الله عنه يستبد الكبير باستيفائه في المحل لأن القصاص استحقاق فعل القتل جزاء والصغير ليس أهلًا لاستحقاقه؛ فلا ينتظر. مأخذ: قال علماؤنا: المأذون في فعله من قبل الله فيما تمحض حقًا لله كالمأذون في فعله من قبل العبد فيما هو من حقوق العباد. وقالت الحنفية: المفعول بإذن الشرع إما واجب الفعل أو مخبر فيه بين الفعل والترك. فالأول: ينزل منزلة المستوفي بإذن المستحق حتى لا يشترط فيه سلامة العاقبة كالإمام إذا قطع يد السارق فسرت إلى نفسه. والثاني: وهو ما خير المستوفي له بين فعله وتركه لا ينزل منزلة المأذون، من جهة المستحق. قالوا: والفرق أن التكليف بالشيء ينفي اشتراط السلامة فيما يتولد منه لأن الاحتراز عنه غير ممكن، أما التخيير بين فعله وتركه فلا ينفي اشتراط السلامة لإمكان الاحتراز عنه. وهذا الأصل خرج عليه مسألة سراية القصاص، وصورتها أنه يجب القصاص على رجل في عضو من أعضائه فيقطع قصاصًا فيموت المقتص منه بالسراية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 قال الشافعي رضي الله عنه: لا يضمن لأن الشرع أذن له في القطع فصار كأن الجاني أذن له بنفسه ولو أذن له بنفسه في القطع ثم سرى إلى النفس لم تضمن وفاقًا. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: تضمن لأن الشرع أذن له بشرط سلامة العاقبة وهو مخير فيه بخلاف الإمام إذا قطع يد السارق فسرت إلى نفسه؛ فإنه لا يضمن لكونه مكلفًا بفعله. واعلم أن هذا الأصل الذي بنيت هذه المسألة عليه مخصص بالعقوبات المقدرة ليخرج التعزير؛ فإنه مشروط بسلامة العاقبة. وينبغي أن يقال: المأذون شرعًا من العقوبات إما واجب الفعل أو جائره والأول إما لحق الآدمي أو لمحض حق الله تعالى والأول، إما لمصلحة المعاقب بكسر القاف أو المعاقب بفتحها أو لأعم من ذلك وهو ما كان للمصالح العامة. مأخذ: اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية، ويسمى اللفظ متحدًا والتعدد إنما هو في محاله، وتناول الزنا لكل واحد منهما على حد سواء بدليل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 1 ولذلك استويا في العقوبة؛ بل نسبة الوطء إلى النساء أنسب من نسبته إلى الرجال فلقد عهدنا من فصاحة العرب العرباء إضافته إلى النساء -لأنه أبلغ المعاني المقصودة منهن- أكثر من إضافته إلى الرجال ومن ثم قدم الله لفظة الزانية على الزاني. وكان تعبير الغزالي وغيره من أصحابنا -باب نكاح المشركات أحسن من أن يعبر بنكاح المشركين على خلاف ما قال الرافعي حيث زعم أن أحد اللفظين ليس أولى من الآخر. ونظير المسألة ما قدمناه من تناول النكاح لكل من الرجل والمرأة تناولًا واحدًا. وقال أبو حنيفة رحمه الله: "الاسم يطلق على الرجل حقيقة وعلى المرأة مجازًا؛ لأن الزنا عبارة عن الفعل ولا فعل لها، بل هي محل الفعل وممكنة فيه". ومن ثم اختلف الإمامان في البالغة العاقلة تمكن صبيًا أن ينزل على رجل مكره مضبوط فيستدخل ذكره فقال الشافعي رحمه الله: "يلزمها الحد لأنها زانية".   1 سورة النور "2". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يلزمها؛ لأنها لا فعل لها وربما قال بعض مشايخهم: المرأة تابعة للرجل في فعل الزنا فإذا لم يكن فعل الرجل زنا لم يكن للتبعية فيه حكم. والأولى: وهي نفي الفعل عنها طريقة أبي زيد، والثانية عندي أقوى منها فإن نفي الفعل عنها وقد فعلت مكابرة، والله تعالى أعلم. مأخذ: قال علماؤنا: "الغنائم تملك بمجرد الإصابة والاستيلاء". وقالت الحنفية: لا تملك بمجرد ذلك، بل لا بد معه من الإحراز في دار الإسلام. وذلك من آثار جعلهم اختلاف الدارين يوجب اختلاف الأحكام. فجعلوا الإحراز في دار الإسلام شرط العلة أو أحد وصفيها. وعلى الأصل مسائل: منها: أن المرتد إذا لحق بالغزاة بعدما استولى المسلمون على الأموال لا يشاركهم عندنا خلافًا لهم. ومنها: إذا مات أحد الغانمين بعد الاستيلاء وقبل الإحراز في دار الإسلام انتقل حقه إلى وارثه خلافًا لهم. ومنها: أن الغنائم تقسم عندنا في دار الحرب وهل تحب القسمة أو تستحب أو تجوز فقط؟ وكيف الحال؟ اقتصر الرافعي على أنها تجوز من غير كراهة، وقال النووي: الصواب أنها تستحب، وقال صاحب المهذب: يكره تأخيرها إلى بلاد الإسلام [من] 1 غير عذر، وقال الوالد رحمه الله: المستحب التعجيل بقدر الإمكان ويؤخر عند العذر -قال- وعليه نص الشافعي رضي الله عنه وقال الماوردي والبغوي "تجب القسمة عند الإمكان". وأقول: أنه لا يظهر لاسيما على القول بأن الدين الحال يجب وفاؤه على الفور وإن لم يطلب صاحبه. وقال أبو حنيفة: يجوز ما لم تحرزو بدارنا. ومنها: أن الإمام إذا فتح مدينة لم يجز له أن يمن علهيم لأن الغانمين ملكوا بنفس الأخذ فكيف يبطل [عليهم] 1 ملكهم.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وقال أبو حنيفة: له ذلك؛ إذ لم يملكوا بعد. مسألة: قال علماؤنا: حقيقة القضاء إظهار لحكم الله [وإخبار] 1 لإثبات حق على سبيل الابتداء. وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي لا يغير الأحكام الشرعية عن حقائقها الموضوعة عند الله، وبأن القضاء يتبنى على الحجة؛ فإن كانت حجة حقيقة ظاهرًا وباطنًا، نفذ ظاهرًا وباطنًا، وإن كانت حجة في الظاهر فقط لم ينفذ إلا في الظاهر فقط. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن حكم القضاء إثبات الحكم المدعي وإنشاء له. وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي يغير الحكم عند الله وقصروا ذلك على الأحكام التي للقاضي فيها مدخل كالمعقود والفسوخ والنكاح والطلاق. وعلى الأصل مسائل: منها: إذا ادعى زوجية امرأة، وليست في نفس الأمر زوجته وأقام شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية لم تحل له في الباطن عندنا، ويحرم عليها تمكينه من نفسها. وقال الحنفية: قضاء القاضي بشهادة الزور تبيح المحذور، وتحلل هذه المرأة. ومنها: إذا رد الحاكم شهادة المنفرد برؤية هلال رمضان؛ إما لكونه لا يرى قبول الواحد أو لغير ذلك فجامع في ذلك النهار لزمته الكفارة كما إذا قيل شهادته وقال أبو حنيفة: لا يلزمه. مسألة: [قال علماؤنا] 2 المعقود عليه في عقد الكتابة رقبة المكاتب وقالت الحنفية: بل اكتساب العبد، وفك الحجر عنه. وعلى الأصل مسائل: منها: إذا مات المكاتب عن وفاء انفسخت الكتابة عند الشافعي رضي الله عنه: ومات رقيقًا لأن المعقود عليه الرقبة وقد فاتت بالموت فينزل منزلة فوات المبيع قبل القبض وقال أبو حنيفة: يموت حرًا في آخر جزء من حياته. ومنها: الكتابة الحالة الباطلة؛ لأن المعقود عليه الرقبة وعتقها غير مستحق في   1 في "ب" واختيار. 2 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الحال، بل عند أداء النجوم، وعندهم يصح؛ لأن العوض مقابله فك الحجر والقدرة على الاكتساب وقد تحقق في الحال. ومنها: إذا زوج ابنته من مكاتب ثم مات انفسخ النكاح لانتقال الملك في الرقبة إليها، وعندهم لا ينفسخ بل يؤدي نجومه فيعتق والله أعلم. وهذه الطريقة لم يذكرها الرافعي في فصل اختلاف الجاني ومستحق الدم، بل قبل كتاب البغاة. ونقل النووي: في زيادة الروضة عن البغوي تعريفًا على تصديق الولي -أن الواجب الدية دون القصاص وأن المتولي قال: هو على الخلاف في استحقاق الوقد بالقسامة. قلت: وقد حكى الرافعي في القصاص وجهين ذكرهما قبيل كتاب الإمامة. وإذا [اطلعنا] 1 على كافر في دارنا فقال: دخلت بأمان مسلم؛ ففي مطالبته بالبينة وجهان لأن الأصل عدم الأمان، ويعضده أن الغالب على من يستأمن أن [يستوثق] 2 بإشهاد والأصل حقن الدماء، ويعضده أن الظاهر أن الحربي لا يقدم على هذا إلا بأمان. ومنها: مما لم أجده مسطورًا -إذا ضربها الزوج وادعى نشوزها وادعت هي أن الضرب ظلم. قال ابن الرفعة: لم أر فيها نقلًا؛ قال: والذي يقوي في ظني أن القول قوله لأن الشارع تجعله وليًا في ذلك. قلت: قد يعارض في المسألة أصلان -عدم ظلمة وعدن نشوزها. الحادية والعشرون بعد المائة من قواعد الربا: أن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. أخرى: قال الغزالي: في الوسيط في كتاب الصداق في الباب الثاني في أحكام الصداق الفاسد: قاعدة الباب أن النكاح لا يفسد بفساد الصداق.   1 في "ب" أطلقنا. 2 في "أ" يسترق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 أخرى: الأصل في الربويات عندنا التحريم خلافًا لأبي حنيفة. الثانية والعشرون بعد المائة: "أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض لا سفه ولا رهن". ولا نعني بقولنا: "إنه حجر مرض" أنه يثبت للأحكام حجر المرض كلها كذلك إذا غلبنا أحد الجانبين على الآخر في مثل الظهار [طلاق] 1 أو يمين. يوضح هذا بأن المريض يسوغ له الأقدام على التصرف ويحكم بصحتها ظاهرًا ولا خلاف أن المفلس ممنوع من التصرف وإن قبل بتنفيذه فيما بعد. فإن قلت: فإذا كان كذلك فلا فائدة في هذه القاعدة وأمثالها، إذ لا فائدة غير إجراء الأحكام على قضية قاعدتها. قلت: قال الوالد رحمه الله في "شرح المهذب": بل فائدة معرفة حقيقة ذلك الشيء وسره المقصود به قال: والفقيه يعلم أن الشيئين المتساويين في الحقيقة وأصل المعنى قد يعرف لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه وإن لم تغير حقيقته الأصلية فالفقيه الحاذق يحتاج إلى تيقن القاعدة الكلية في كل باب ثم ينظر خاصًا في كل مسألة، ولا يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتى يعلم هل تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها أو تمتاز بما ثبت له تخصيص حكم من زيادة أو نقص؟ ومن هذا يتفاوت رتب الفقهاء فكم من واحد متمسك بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومأخذها يزل في أدنى المسائل وكم من آخر مستكثر من الفروع ومداركها قد أفرغ صمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية فتخبطت عليه تلك المدارك صار حيران، ومن وفقه الله لمزيد العناية جمع بين الأمرين فيرى الأمر رأي عين انتهى كلامه في باب التفليس من تكملة شرح المهذب. فهذه القواعد التي سردناها هي التي تكثر فروعها وتتشعب مواقع الأنظار إذا كان إليها نزوعها، ومن حققها صار بعلوم الشريعة حقيقًا، وبالفتيا في مصاردها ومواردها خليقًا.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 والمستثني منها: إما بعيد فلا يقاس عليه، وهو خارج عن المنهاج يجري مجرى الشذوذ، والخطب فيه يسير وهو كوجوب الثمن في المصراة المستثني من قولنا "المثلى مضمون بمثله". وإما معقول المعنى فلا بد من لحاقه بأصل آخر ويكون قد اجتذبه في الحقيقة أصلان تعلق بأقربهما شبهًا واستمسك بأقواهما وأوفقهما بالنسبة إليه؛ [لكن] 1 عزوه وفهم هذا من كل فرع [مبتدر] 2 [والتكيف به] 3 في كل ورد وصدر يدفع عن همم من ركن إلى الهوينا واجب الدعوة ولا يحيط به إلا من حوم على مخيم الاجتهاد بدأب دائم في العلم وخطى متسعة؛ فإن ترد الفروع إلى أصولها وعرضها على معانيها [وأجلاسها] 4 على منصة الجلاء للاعتبار إنما ينهض به أهل البصائر الشافية، وهو لعمري والله خلاصة لااجتهاد، وثمرة الأكباد. والكافل به وحصر المستثنيات وعدها كتابنا الكبير في الأشباه والنظائر. والقول الجملي [عندنا] 5 أن الضابط إما أن يطرد وينعكس وذلك الغاية وإما أن يخرج عنه صورًا طردًا وعكسًا والخارج إما معقول المعنى وإما تعبد. وقد تجمع شيئان: أحدهما: لمعنى. والثاني: تعبد. ونحن نضرب لذلك مثالًا: وهو العاقلة عند من يرى تحملها للدية تعبدًا، وتضمن الولي جزاء صيد أتلفه الصبي فإنه لمعنى وهما خارجان عن قاعدة من لم يجن لا يطالب بجناية من جنى. ثم الخارج تعبدًا يهون الأمر فيه، وأما الخارج لمعنى فذاك المعنى هو أصله الآخر الذي اجتذبه. فلاح بهذا أنه لا يخرج لمعنى إلا وقد حق بأصل آخر خرج من هذا فدخل في هذا ولم يكن ضائعًا   1 سقط في "أ". 2 سقط في "أ". 3 سقط في "أ" والتكليف به. 4 في "ب" وأجلائها. 5 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 فالفقيه من يرده إلى أصله ويعيده إلى وكره لا من يحفظه حفظ ضائع لا يدري مالكه، ومجهول لا يعرف صاحبه. ثم قد يتقاوم الأصلان؛ فيتجاذب الفحلان، ويتناجز الخصمان، ويقع التردد ويقف الأمر في الإلحاق. وقد يرى أحد المجتهدين أصلًا راجحًا ويراه الآخر مرجوحًا أو مساويًا، وفي مثل هذه المداخل نزل الأقدام وتتبين فرسان الكلام، ويتنافس المتنافسون ويتراد المخلصون ثم وراء ذلك بحر عميق، ومنظر دقيق وهو أن الخارج لمعنى هل يقاس عليه وقد بينا ذلك. فصل: وراء هذه القواعد ضوابط يذكرها الفقهاء. منها: المطرد والمنعكس وغيره أحاط بها تلخيص ابن القاص، و"خصال" أبي بكر الخفاف و"أعداد" أبي الحسن بن سراقة1 و"رونق" الشيخ أبي حامد و"لباب" المحاملي و"مناقضات" أبي الحسن العناني الداركي و"حيل" أبي حاتم القزويني و"مطارحات" ابن القطان وليست عندنا من القواعد الكلية بل من الضوابط الجزئية الموضوعة لتدريب المتبدئين لا لخوض المنتهين، ولتمرين الطالبين لا لتحقيق الراسخين. والذي يكثر من التشاجر فيه ويعظم الخطب ما أوردناه وأما هذه الضوابط فالخطب فيها يسير. وهي مثل قولنا: العصبة: كل ذكر ليس بينه وين الميت أنثى. الولد يتبع أباه في النسب وأمه في   1 محمد بن يحيى بن سراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء أبو الحسن العامري البصري الفقيه الفرضي المحدث صاحب التصانيف في الفقه والفرائض وأسماء الضعفاء والمتروكين رحل في الحديث وأقام بآمد مدة وله مصنف حسن في الشهادات وأخذ الضعفاء عن أبي الفتح الأزدي ثم نقحه وراجع فيه الدارقطني ذكره ابن الصلاح، وذكر أنه كانت له رحلة في الحديث وعنايةبه ومعرفة بعلم الفرائض والضعفاء من الرجال، وقال: كان حيًا سنة أربعمائة وذكره الذهبي في المتوفين في حدود سنة عشر وأربعمائة. انظر ترجمته في الأعلام 8/ 5، وطبقات الشافعية لابن هداية ص 43- طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 196. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 الرق والحرية وأشرفهما في الدين وأحسبهما في الريح والنكاح وأشرفهما في الحرية. الحجر على الصبي لنقصه وعلى العبد لحق سيده وعلى السفيه يتردد. ومن ثم يصح نكاح العبد بالإذن بخلاف الصبي وفي السفيه تردد. وتفاريع القولين في الجمعة أظهرهما مقصورة أم صلاة على حيالها والوضوء أواجبه الترتيب أو عدم [التنكيس] 1، والمغلب في قتل قاطع الطريق حق الله أو حق الآدمي وإذا باع مال أبيه على ظن أنه حي؛ فإذا هو ميت وسبيل الاستعارة للرهن سبيل العارية أو الضمان، والخلاف في حقيقة الثمن ما هو؟ وحجر الفلس هل هو حجر مرض أو رهن أو سفه إجازة الورثة تنفيذًًا أو ابتداء عطية، تزويج السيد أمته بالملك أو بالولاية، الوديعة عقد أو إذن، المغلب في المسابقة شائبة الإجازة أو الجعالة، حرمة استعمال آنية الذهب والفضة لعينهما أو لمعنى فيهما، فطرة من يؤدي فطرة غيره ثم تجب عليه ثم يتحملها أو تجب على المؤدي ابتداء؛ القسمة بيع أو إفراز، الإقالة بيع أو فسخ، الحوالة استيفاء أو اعتياض، النذر محمول على واجب الشرع أو جائزه، موجب القتل العمد القصاص أو أحد الأمرين منه، ومن الدية الصداق مضمون ضمان عقد أو يد، الظهار طلاق أو يمين، الإبراء إسقاط أو تمليك، عمد المميز عمد أو خطأ، اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة، ارتفاع العقد من أصله أو من حينه، النفقة للحمل أو للحامل، مجلس العقد لهل له حكم ابتداء العقد؟ تعارض حق الخالق والمخلوق، ومسائل الإشارة والعبارة باللفظ أو بالمعنى ومسائل المسكن والخادم -هل يباعان في الفلس والكفارة والفطرة والحج ونظائرها؟ وفي كم تعطي الرجعية حكم الزوجية، ومفارقة الأب للجد في الأحكام وما يتعدى حكمه إلى الولد الحادث، وتعليق الإنسان فعل نفسه على فعل غيره -مثل بعت بما باع به فلان فرسه، وزوجت بما زوج به، وطلقت كما طلق، وقارضتك ولك مثل ما شترطه فلان لفلان، وأحرمت بما أحرم به فلان -ما فضل لبيت المال هل هو على سبيل الإرث أو المصلحة وفيه خلاف يظهر أثره في مسائل منها: قاتل أبيه إذا لم يخلف الأب سواه فما له لبيت المال ثم إن قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منها: قاتل أبيه إذا لم يخلف الأب سواه فما له البيت المال، ثم إن قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منه شيء أو مصلحة جاز الدفع ومنها: المكاتب إذا مات أبوه لم يرثه وماله لبيت المال؛ فإذا أدى النجوم وعتق فإن قلنا: ميراثًا لم يأخذ شيئًا، وإن قلنا: مصلحة أخذ.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 ومنها: إذا مات مسلم وخلف قريبًا له كافرًا فأسلم انبنى على الخلاف. [وأنحاء] 1 ذلك. وعندي أن إدخالها في القواعد خروج عن التحقيق، ولو فتح الكاتب بابها لاستوعب الفقه وكرره وردده وجاء به على غير الغالب المعهود والترتيب المقصود فحير الأذهان، وخبط الأفكار، وإذا استحسن ضم الشيء إلى نظيره فبعض مسائل الباب أشبه ببعضها من غير ذلك، والترتيب على الأبواب هو الصواب. فصل: ومن الناس من يدخل في القواعد تقاسيم تقع في الفروع يذكرها أصحابنا؛ حيث يتردد الذهن فهي ذات أقسام كثيرة ولا تعلق لهذ بالقواعد رأسًا فقد أكثر منه الشيخ أبو حامد في الرونق ومتابعوهن ولكن أولئك لم يكن قصدهم ذكر القواعد؛ بل هذا النوع بخصوصه، فلا لوم عليهم وإنما اللوم على من يدخل ذلك في القواعد. وأنا أذكر لك يسيرًا من ذلك لتعرف ما أشير إليه. فأقول: تقسيم آخر. قال الإمام في كتاب الصلح: العقود بالنسبة إلى قبول التأييد أو التوقيت مراتب. أحدها: البيع والتأبيد فيه غير مستحق، فإنه يتضمن التمليك واستئصال حق المتقدم بالكلية؛ فلا يعود إلا بإعادة طريق آخر. الثاني: الإجارة: وضعها على بقاء الملك للمكري والأصل أن يضبط بالنهاية إذ لا حاجة إلى إثباتها دون الضبط. ويظهر في هذا [القسم] 2 ما يظهر فيه قصد التأبيد كبيع حق البناء والممر وسبيل الماء -ولا يمتنع تأقيته أيضًا. الثالث: ما يقصد منه المنفعة ولكن لا ينتظم إثباته على نعت التأقيت؛ فإن الغرض منه التواصل، والتوصل إلى النسك وهو النكاح وكان يؤقت في ابتداء الإسلام إشارة إلى اكتفاء بعض الناس بقضاء الأوطار، ثم استقر الشرع على استحقاق التأييد   1 في "أ" وإنما. 2 في "ب" التقسيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 ليقع النكاح على وضعه، وقدره الزوج على الطلاق يفيده، التمكن من الخلاص. تقسيم آخر: إذا وقع في الماء شيء طاهر فإن لم يكن [مغيرًا] 1 فلا أثر له وإن كان، فإن كان التغيير لقلته فكذلك وإن كان لموافقته في صفاته فوجهان، وإن لم يفت بل غير فإن قل التغيير؛ حيث لم يزل اسم الماء المطلق ففيه خلاف، وإن فحش فإن لم يمكن الصون عنه لم يسلب، وإن أمكن؛ فإن كان ترابًا لم يؤثر على الأصح وإن كان غيره فإن كان مخالطًا لجميعه سلب أو لبعضه فوجهان وإن كان مجاورًا متصلًا به فقولان، أو غير متصل لم يؤثر. تقسيم آخر: قال القاضي أبو الطيب الطبري: ومن تعليقه نقلت: الطلاق واجب ومحرم ومكروه ومستحب. فالواجب: طلاق المولي إذا انقضت المدة وطولب بالفيئة أو الطلاق وطلق فإنه يكون قد فعل واجبًا كما في خصال الكفارة أنها فعل وقع واجبًا، وإيقاع طلاق الحكمين في الشقاق واجب إذا قلنا: هما حكمان ورأيي الطلاق. والمحرم: طلاق الحائض والموطوءة في طهرها. والمكروه: طلاق زوجة حسنة الخلق والخلق يأمنها فيغيبته ويسر بها في حضوره. والمستحب: طلاق زوجه قبيحة الخلق سيئة الخلق لا يأمنها غائبًا ولا تسره حاضرًا أو لا يقوم واحدًا منهما بحق صاحبه انتهى مختصر. تقسيم آخر: المقدرات الشرعية إما تحديد قطعًا: كطهارة الأعضاء ومسح المقيم والمسافر، وغسل ولوغ الكلب سبعًا، واشتراط أربعين لانعقاد الجمعة وتكبيرات العيدين، ونصب الزكوات وهو كثير جدًا. وإما تقريب قطعًا: كسن الرقيق المسلم فيه والموكل في شرائه.   1 في "ب" متغيرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وإما مختلف فيه: كالقلتين وسن الحيض والمسافة بين الصفين بثلاثمائة ذراع ومسافة القصر بثمانية وأربعين ميلًا وهو كثير. فهذه أمثلة التقاسيم كل مثال منها لنوع ولا مدخل لها من القواعد ويقرب منها تعديد فرق النكاح وأقسام البياعات. فصل: ومنهم من يدخل المآخذ والعلل التي يشترك فيها أحكام طلبًا لجمع المشتركات في قدر مشترك وليس ذلك أيضًا من القواعد في شيء. وقد رأيت للشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه" مصنفًا في ذلك مختصرًا سماه "مسائل الارتباط". وهذا النوع كثير الفائدة للخلافيين الناظرين في المسائل التي اختلف فيها الإمامان -الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى. وأنا أذكر مسألة لتعرف ماذا أعني بكلامي [والله تعالى أعلم] 1. علة يتعلق بها إحدى وعشرون حكمًا. مسألة: يجب القطع بسرقة الثمار الرطبة والطعام الرطب وسائر ما يتمول وإن كان أصله على الإباحة وكذا إذا اشتركا في النقب فدخل أحدهما [فأخذ] 2 وناول الآخر فالقطع على الداخل. إذا سرق ما [فيه] 3 نصاب ثم نقصت قيمته قبل القطع لم يسقط القطع. إذا رمي المسروق إلى خارج فالقطع على الرامي. إذا ترك المتاع بقرب النقب وأدخل الآخر يده فالقطع على الثاني، والضمان عليهما في المسائل الثلاث. إذا سرق نصابًا ثم ملكه بحكم الإرث أو الهبة لم يسقط القطع. إذا سرق مصحفًا يساوي نصابًا قطع.   1 سقط في "ب". 2 في "ب" فأخذ إحداهما. 3 في "ب" قيمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 إذا سرق الآبق قطع، وكذا الضيف والنباش وسارق ثياب الكعبة. إذا سرق العين مرة بعد مرة قطع ثانيًا فتقطع يمناه وإذا سرق ثانيًا قطعت يسراه. إذا سرق ناقص اليمين أو مفقودها قطعت يسراه. إذا تلف في يده المسروق فعليه الغرم والقطع. يقطع أحد الزوجين بسرقة مال صاحبه. يقطع المعير والمكري إذا سرق من المستعير والمكتري. يقطع سارق العبد الصغير وكذا إذا سرق المستأمن في أحد القولين. والعلة فيها كلها أنه أخرج نصابًا كاملًا من حرز مثله لا شبهة له فيه وهو من أهل القطع - أصل موضع الوفاق. علة يتعلق "بها سبع مسائل". في عبد التجارة الزكاة والفطرة. وعلى الجد عن ولد ولده الصغير المعسر الفطرة. وعلى الولد فطرة الأب والجد والزوج وعبد الشريكين عليهما فطرته. والسيد عليه فطرة عبده، خلافًا "لداود بن علي"1 والعلة في الجميع شخص من أهل الطهرة يلزمه فطرته مع القدرة أصل موضع الوفاق. فصل: ومنهم: من يعقد فصلًا لأحكام الأعمى، وآخر لأحكام الأخرس، وآخر لأحكام المبعض، وهكذا وفصلًا للأحكام التي اختص بها حرم مكة شرفها الله تعالى، وهذا أيضًا ليس من القواعد في شيء. فصل: ومنهم من ذكر الفقه المختص ببعض الناس أو بعض الأماكن وسبيله سبيل من   1 داود بن علي بن خلف أبو سليمان البغدادي الأصبهاني إمام أهل الظاهر، هو أول من نفى القياس في الأحكام الشرعية وتمسك وبظواهر النصوص، وكان زاهدًا ورعًا. أخذ العلم عن إسحاق بن راهية وأبي ثور وغيرهما، وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية. نشأ بأصبهان ثم رحل إلى بغداد فأقام بها وتوفي سنة سبعين ومائتين. انظر طبقات الشافعية الكبرى 2/ 284، شذرات الذهب 2/ 258. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 يفرد بابًا من أبواب الفقه بالتصنيف فلا فرق بين إفراد باب وإفراد مكلف من المكلفين. وذكر الإمام في آخر "النهاية" أنه عزم على جمع أحكام المبعض ثم اجتزأ بسبقها في الأبواب. فصل: ومنهم من يشتغل بتقرير كونه مذهب الصحابي والاستحسان مثلًا غير حجة وهذا رجل عمد إلى باب من أبواب أصول الفقه فأحب النظر فيه. فصل: ومنهم من يعقد فصلًا للمسائل التي يفتي فيها على التقديم وهذا أيضًا رجل أحب أن يجمع مسائل لا ارتباط لها في أنفسها. وأغراض الناس تختلف ولكل مقصد، ولسنا ننكر على أحد مقصده؛ وإنما ننكر إدخال شيء في شيء لا يليق به [ويكبر] 1 حجم الكتب بما لا حاجة إليه. فصل: ومنهم من يدخل مسائل الأحاجي والألغاز، وهذا باب مليح أفرده بعضهم بالتصنيف. كالجرجاني صاحب المعاياة وأبي حاتم القزويني قبله وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين. "وللقاضي تقي الدين ابن رزين2 فيه مصنف حسن رأيت بعضهم ينسبه لابن الرفعة وهو خطأ وابن الرفعة أعلى مقامًا وأرسخ قدمًا من أن يشتغل بهذا النوع، ولكل فن رجال وإذا اشتغل الناس في الفقه عشواء سار ابن الرفعة في بياض المحجة وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة وإذا قنع الناس بالصدف لم يرض هو إلا بنفيس الجواهر وإذا وقفوا عند غاية لم يتطلب هو غاية يحاط لها بأول ولا آخر. هذا وقد عرفناك أن فن الألغاز -في نفسه حسن؛ إلا أنه لا مدخل له في القواعد وقد كنت وضعت فيه مجموعًا ها أنا أتحفك منه بباب مفيد فأقول.   1 في "ب" ويكثر. 2 هو شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي، ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة وبرع في الفقه والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وأفتى وله ثمان عشرة سنة. توفي في ثالث من رجب سنة ثمانين وستمائة. الطبقات الكبرى 8/ 46، الشذرات 5/ 368، النجوم الزاهرة 7/ 123. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 باب في الألغاز : والأصل في هذا الباب حديث ابن عمر الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم حدثوني ما هي؟ ". قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا يا رسول الله ما هي؟ قال: هي النخلة قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع، قال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا. وقد خرجه البخاري في موضعين -بوب على أحدهما باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم وبوب على الآخر "الحياء في العلم". وأقول: ومن ثم والله أعلم بحث العلماء في هذا الباب، ومن أقدم ما سمعت فيه ما رواه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رضي الله عنه في التاريخ الشامي إلى حماد بن حميد قال: "كتب رجل من أهل العلم إلى ابن عباس يسأله عن هذه المسائل -أخبرني عن رجل دخل الجنة ونهى الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يعمل بعمله، وعن شيء تكلم ليس له لحم ولا دم، وعن شيء له لحم ولم تلده أنثى ولا ذكر ولا من الملائكة، وعن نفس أوحى الله إليها ليست من الأنبياء، وعن منذر ليس من الجن ولا من الإنس، وعن شيء حرم بعضه وحل بعضه، وعن شيء تنفس ليس له لحم ولا دم، وعن نفس ماتت وأحييت بنفس غيرها، وعن نفس خرجت من جوف ليس بينهما نسب ولا رحم، وعن اثنين تكلما ليس لهما لحم ولا دم، وعن الرجل الذي [مر] 1 في قرية وهي خاوية على عروشها، وعن شيء إن فعلته كان حرامًا وإن تركته كان حرامًا وعن موسى عليه السلام كم أرضعته أمه قبل أن تلقيه في البحر وفي أي بحر قذفته، وعن الاثنين اللذين كانا في بيت فرعون   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 حين لطم موسى فرعون، وعن موسى حين كلمه الله من حمل التوراة إليه، وكم كانت الملائكة الذين حملوا التوراة إلى موسى، وأخبرني عن آدم كم كان طوله وكم عاش ومن كان وصيه، وأخبرني من كان بعد آدم من الرسل، ومن كان بعد نوح، ومن كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وعن الأنبياء عليهم السلام كم كانوا، وكم كان فيهم من الرسل، وكم في القرآن منهم، وعن رجل ولد من غير ذكر ولا أنثى ولم يمت، وعن أرض لم تصبها الشمس إلا يومًا واحدًا، وعن الطير الذي لا يبيض ولا يحضن عليه طير. فلما قدمت هذه المسائل إلى ابن عباس رضي الله عنهما كتب. أما الرجل الذي دخل الجنة ونهى محمد صلى الله عليه وسلم أن يعمل بعمله فهو يونس النبي عليه السلام الذي يقول الله فيه: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} 1. وأما الشيء الذي تكلم ليس له لحم ولا دم فهي النار إذا تقول {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} . وأما الرسول الذي بعثه الله ليس من الجنة ولا من الإنس ولا من الملائكة فهو الغراب الذي بعثه الله إلى ابن آدم ليريه كيف يواري سوأة أخيه. وأما الشيء الذي له لحم ودم ولم تلده أنثى فهو كبش إبراهيم الذي فدى به ولده. وأما الشيء الذي تنفس ليس له لحم ودم فهو الصبح؛ إذ يقول عز وجل: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 2. وأما النفس التي ماتت وأحييت بنفس غيرها فهي البقرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن في قوله: {اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} 3. وأما الطير لم يبض ولم يحضن عليه فهو الطير الذي نفخ فيه عيسى ابن مريم عليه السلام فكان طائرًا بإذن الله. وأما الشيء الذي قليله حلال وكثيره حرام فنهر طالوت الذي ابتلاهم الله به. وأما النفس التي أوحى الله إليها ليست من الأنبياء فأم موسى. وأما النفس التي خرجت من جوف نفس ليس بينهما نسب ولا رحم فهو يونس النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بطن الحوت.   1 سورة ق 30. 2 سورة التكوير 18. 3 سورة البقرة 73 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وأما الاثنان اللذان تكلمتا ليس لهما لحم ولا دم فهما السماء والأرض قال تعالى: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 1. وأما الشيء الذي مشى ليس له لحم ولا دم فعصا موسى التي تلقف ما يأكفون. [وأما الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فهو أرميا] 2. وأما الشيء الذي إن فعلته كان حرامًا وإن تركته كان حرامًا فهي صلاة السكران، إن صليت وأنت سكران فحرام وإن تركت فحرام. وأما أم موسى فأرضعته ثلاثة أشهر3 قبل أن تقذفه في البحر ثم ألقته في بحر القلزم. وأما الاثنان اللذان كانا [في بيت] 4 فرعون فالرجل الذي كانت يكتم إيمانه. وسألت عن موسى يوم كلمه الله وحملت التوراة إليه فإن الله كلمه يوم الجمعة وأعطي التوراة ونزلت بها الملائكة إلى موسى يوم الجمعة وأمر الله بكل حرف5 فحمله ملك من السماء لا6 يعلم عدد ذلك إلا الله. وأما الأرض التي لم تنظر إليها الشمس إلا يومًا فهي أرض البحر الذي فلقه الله لموسى. وأما المنذر الذي ليس [من الإنس7 ولا من الجن] فالنملة القائلة {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} . وسألت عن آدم فهو أول الأنبياء خلقه الله من طين وسواه ونفخ فيه من روحه، وكان طوله -فيما بلغنا والله أعلم- ستين ذراعًا، وكان نبيًا وخليفة وعاش ألف سنة إلا خمسين عامًا، وكان وصيه شيث وإن بعد شيث من الأنبياء إدريس وهو أول الرسل   1 سورة فصلت "11". 2 سقط من "أ" والمثبت من "ب". 3 في "ب" زيادة ونصف. 4 في "ب" زيادة حين لطمه موسى فهي آسيا امرأة فرعون. 5 في "ب" زيادة من التوراة. 6 في "ب" فلا. 7 في "ب" من الجن أولًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وبعد إدريس نوح وبعد نوح هود ثم صالح ثم إبراهيم ثم لوط -ابن أخي إبراهيم - ثم إسماعيل ثم إسحاق ثم يعقوب ثم يوسف ثم موسى ثم عيسى فأنزل الله الإنجيل ثم كان بعده نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. وكان عدد الأنبياء -فيما بلغنا- ألف نبي ومائتي نبي وخمسة وسبعين نبيًا، وكان منهم ثلاثة وخمسة عشر رسولًا نجد في القرآن منهم ثلاثة وثلاثين نبيًا يقول الله عز وجل: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 1 انتهى مختصرًا. قلت وأنا أستفتح السؤال الأول من مسائله فإن إطلاق القول بأن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى بأن يعمل بعمل يونس لا ينبغي لما فيه من الإساءة على يونس. وكذا2 [أقول] 3 في الرسول ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة -[روى] 4 الحافظ أبو القاسم أيضًا بسنده إلى ابن أبي مليكة قال: كتب ابن هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاث خلال ما مكان إذا كنت [فيه] 5 لم تدر أين قبلتك؟ وما مكان طلعت فيه الشمس ولم [تطلع] 6 فيه قبل ولا بعد؟ وعن المحو الذي في القمر؟ -فقال معاوية من لهذه؟ 7 فقيل ابن عباس، فكتب إليه. فأجاب ابن عباس [رضي الله عنهما] 8. أما المكان الذي إذا كنت فيه لم تدر أين قبلتك فإذا كنت على ظهر الكعبة وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس ولم تطلع [فيه] 9 قبل ولا بعد فالبحر الذي انفلق لموسى. وأما محو القمر فهو آية الليل قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ} 10. فكتب معاوية إلى ابن هرقل، فكتب إليه ما هذا من كنزك ولا كنز أبيك، [وما] 11. خرج هذا إلا من [أهل] 12 بيت نبوة.   1 سورة النساء "164". 2 في "ب" كذلك. 3 سقط في "ب". 4 في "ب" وروى. 5 سقط من "ب". 6 في "ب" تظله. 7 في "ب" زيادة المسائل. 8 سقط في "ب". 9 سقط من "ب". 10 الإسراء "12". 11 في "ب" ولا. 12 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وروى الحافظ أيضًا بأسانيد مختلفة هذا الأثر بزيادات أخر اجتمعت على بعضها واختلفت [في] 1 بعضها وأنا ألحق تلك الطرق وأجمع ما اجتمعت وما افترقت فيه؛ فكان مذكورًا في بعضها دون بعض فأقول: روي أن قيصر ملك الروم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فأي كلمة أحب إلى الله؟ وما الثانية والثالثة والرابعة والخامسة؟ ومن أكرم عباد الله وإمائه عليه؟ وما خمسة فيها الروح لم تركض في رحم؟ وقبر سار بصاحبه؟ ومكان لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة لم تطلع فيه قبل ذلك ولا تطلع بعده؟ ومجرة السماء ما هي؟ وقوس قزح وما بدأ مرة؟ وقبله من لا قبلة له، ومن لا أب له، ومن لا عشيرة له؟ وعن شيء نصف شيء ولا شيء؟ وابعث إلي في هذه القارورة2. فلما قرأ معاوية كتابه قال: ما له أخزاه الله؟! وما علمي بها ها هنا؟ فقيل له: اكتب إلى ابن عباس، فكتب يسأله عن ذلك. فكتب إليه ابن عباس: "إن أفضل الكلام لا إله إلا الله -كلمة الإخلاص، وما يقبل عمل إلا بها، والتي تليها سبحان الله وبحمده والثالثة كلمة الشكر الله أكبر وفاتحة الكتاب والركوع والسجود، والخامسة لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكرم الخلق آدم، وأكرم الإماء مريم، والخمسة الذين لم يركضوا في رحم: آدم وحواء الكبش الذي فدي به إسماعيل وعصا موسى حين ألقاها فصارت ثعبانًا وناقة صالح، والقبر الذي سار بصاحبه [فالحوت] 3 الذي التقم يونس، والمكان الذي انفرج لموسى من البحر لما ضربه بعصاه فانفلق والمجرة باب السماء، وقوس قزح أمان لأهل الأرض من الغرض بعد قوم نوح، ومن لا قبله له الكعبة، ومن لا أب له عيسى، ومن لا عشيرة له آدم، وأما شيء فالرجل له عقل يعمل بعقله، وأما نصف شيء فالرجل لا عقل له يعمل بعقل ذوي العقل، وأما لا شيء فالذي ليس له عقل يعمل برأي نفسه. ثم ملأ القارورة ماء وقال: هذا أبرز كل شيء: قال [الله] 4: تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} 5. فلما وصل الكتاب إلى ملك الروم قال: لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم، وما خرج هذا إلا من أهل بيت نبوة.   1سقط من "ب". 2 في "ب" زيادة ببدر كل شيء. 3 في "ب" الحوت. 4 سقط من "ب". 5 سورة الأنبياء "30". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 قلت: في الأثر مواضع لا بأس بالتنبيه عليها. قوله: "أكرم الخلق آدم" ليس على ظاهره، وإن1 أكرم الخلق عند أهل الحق سيدنا2 محمد صلى الله عليه وسلم. وقد خطر [لي] 3 فيما وقع في هذا الأثر أحد أمرين: إما أن يكون زيادة [لم] 4 يثبت عن ابن عباس وهو الأقرب، وإما أن يكون عني بأكرمية الخلق أصل الخلقة والأرومة5 والطينة التي آدم وذريته فيها سواء، والمراد أن خلق البشرية أفضل من بقية الخلائق ويؤخذ منها أن البشر أفصل من الملك -وهو مذهب أهل السنة. ولا يقال: [إن] 6 ابن عباس ذكر ذلك على معتقد المكتوب إليه لأنا -أولًا- لا نعرف ما يعتقدون في ذلك، وثانيًا لا نعتقد أن ابن عباس يجيب إلا بما هو الحق -في نفس الأمر ولذلك قال: "أفضل الكلام لا إله إلا الله" وهم يعتقدون التثليث. وقوله: "من لا قبلة له الكعبة" لعله يعني به منصلى على ظهرها -كما أشير إليه في الأثر قبله - إلا أنه لو استقبل سترة متصلة جاز فلم تخرج عن كونها قبلة. وقوله: "من لا أب له عيسى" يعني من لا أب له ممن يركض في رحم؛ وإلا فكذلك آدم عليه السلام. وقوله: "من لا عشيرة له آدم" لعله قبل أن يولد له ويكون في ذلك من ابن عباس دلالة على ما قال المتولي صاحب "التتمة": "إنه إذا وقف على عشيرة لم يدخل فيه إلا قرابة الأب". ووجه الاستنباط أن آدم لم يكن له أب فلم يكن له قرابة أب؛ فمن ثم لم يجعل ابن عباس له عشيرة فدل أن من لا أب له لا عشيرة له، ودل أن العشيرة من قبل الأب. وهذا قول المتولي رحمه الله. ومما يلتحق بهذه المسائل مسائل [دارت] 7 بين الشافعي رضي الله عنه ومحمد ابن الحسن رحمه الله نقلها النقلة لمحنة الشافعي [رحمه الله] 8، وكثير من الناس يذكر   1 في "ب" فإن. 2 في "ب" زيادة المصطفى. 3 سقط من "ب". 4 في "ب" لا. 5 سقط من "ب". 6 سقط من "ب". 7 في "ب" وارت. 8 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 أن أبا يوسف القاضي كان مع محمد، ولكن لم يثبت عندنا ذلك، والصحيح أن محنة الشافعي [رحمه الله] 1 ودخوله بسببها بغداد إنما كان بعد وفاة أبي يوسف، ولم تكن هذه المسائل إلا بينه وبين محمد بن الحسن، غير أن نوردها كما أوردها الناقلون لها إذا كان القصد معانيها لا عزوها إلى قائلها. فنقول: ذكر الإمام إسماعيل البوشنجي أحد الجلة من علمائنا وغيره: أن الشافعي [رحمه الله] 2 دخل بعض الأيام على هارون الرشثيد فامتحنه أبو يوسف ومحمد بمسائل أثبتناها في درج ودفعًا الدرج إليه في ذلك المجلس، فأجاب عنها بأسرها في الحال، وسألهما عن مسألتين فعجزا عن الجواب، وها هي: سألاه عن رجل ذبح شاة ثم خرج [لحاجته] 3 وعاد، فقال لأهله كلوها فقد حرمت علي، فقال له أهله: [ونحن] 4 قد حرمت علينا. فأجاب أنه مشرك ذبح الشاة على اسم الأنصاب، ثم أسلم بعد خروجه، وعاد فقال لهم هذه المقالة، فأسلموا فحرمت عليهم الذبيحة. وسألاه عن رجل أبق له غلام فقال: هو حر إن طعمت طعامًا حتى آخذه، كيف المخرج؟ فأجاب -يهب الغلام لبعض أولاده- ويأكل ثم يرجع وسألاه عن امرأتين لقيا غلامين فقلنا: مرحبًا بابنينا وابني زوجينا وهما زوجانا. فأجاب: بأن الرجلين كانا ابني [المرأتين] 5، فتزوجت كل واحدة منهما بابن صاحبتها، وكان الغلامان ابنيهما وابني زوجيهما وهما زوجان لهما6.   1 سقط من "ب". 2 سقط من "ب". 3 في "ب" لحاجة. 4 سقط من "ب". 5 في المرأتين. 6 في "ب" زيادة ومسألاه عن مخلوقين سجدوا لغير الله عز وجل وهما غير عاصين بذلك فأجاب الملائكة سجدوا لآدم عليه السلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وسألاه عن رجل قال لولد: إن ست فلك ألف درهم ولو كنت ابن ابني كان لك عشرة آلاف درهم1. فأجاب: كان الرجل يملك ثلاثين ألف درهم، وكان له ثمانية وعشرون بنتًا فخص كل بنت ألف درهم وخص الابن ألفين لو كان له ابن ابن كان للبنات [الثلثين] 2 والباقي له -وهو عشرة آلاف درهم. وسألاه عن رجل أخذ قدح ماء [يشربه] 3 فشرب بعضه حلالًا وصار باقي ماء القدح محرمًا عليه. فأجاب: بأنه شرب نصفه ورعف في بقيته فحرم الماء لامتزاجه بالدم. وسألاه عن امراة ادعت أن زوجها ما قاربها منذ تزويجها وأنها بكر كما خلقت. فأجاب: يدعي بقابلة وتؤمر أن تحمل بيضة فإن غابت فقد كذبت؛ وإلا فقد صدقت. وسألاه عن خمسة زنوا بامرأة وجب على أحدهم القتل والثاني الرجم والثالث الحد، والرابع نصف الحد، والخامس لا شيء. فأجاب: الأول استحل الزنا فكفر، والثاني زان محصن والثالث غير محصن وهو حر، والرابع عبد، والخامس مجنون لا شيء عليه. قلت: أو واطى بشبهة وتسمية وطء الشبهة زنا أقرب من تسمية وطء المجنون. وسألاه عن امرأة قهرت مملوكها على وطئها. فأجاب: إن خاف على نفسه القتل أو الضرب الوجيع إن لم يفعل فلا شيء عليه، وإلا نصف الحد، وعلى [المرأة] 4 -إن كانت محصنة- الرجم، وإلا فالحد. قلت: فالمكره لا شيء عليه يعني لا حد عليه؛ وإلا قال فالإثم عليه بالإجماع. وسألاه عن رجل صلى بقوم فسلم عن يمينه فطلقت امرأته، وعن يساره فبطلت   1 سقط من "ب". 2 في "ب" الثلثان. 3 في "ب" ليشربه. 4 في "ب" الامرأة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 صلاته ونظر إلى السماء فوجب عليه ألفًا درهم [يزنها] 1 في الغد. أجابٍ: إنه لما سلم نظر إلى رجل قد تزوج بامرأته عند غيبته فلما حضر طلقت، ولما سلم ثانيًا رأى عليه دمًا فوجبت الإعادة، "ولما أبصر السماء" أبصر الهلال فكان عليه دين فوجب عليه أداؤه. فإن قيل: النكاح في غيبة الزوج لا يكون نكاحًا حتى يقال: وقع الطلاق برؤية الزوج، وكذلك الصلاة مع النجاسة لا تكون صلاة حتى يقال بطلت. قلنا: هذا الجواب محمول على الظاهر، فإن تلك المرأة كانت محللة له في الظاهر فلما رأى الزوج حيًا زال ذلك الظن وتبعه زوال الحل. وسألاه عن إمام كان يصلي بأربعة نفر فدخل المسجد رجل آخر فصلى معهم عن يمين الإمام وأبصره وجب على الإمام القتل ووجب تسليم امرأته إلى ذلك الرجل ووجب على الأربعة الجلد، ووجب هدم المسجد بالكلية إلى أساسه. فأجاب: أن الرجل [الداخل كان سافر] 2، وخلف امرأته عند أخ له واتفق أن الإمام قتله وأخذ امرأة أخيه وادعى أنها كانت امرأة له وشهد له الأربعة الذين صلوا معه وأخذ دار ذلك المقتول وجعلها مسجدًا؛ فوجب القتل عليه قصاصًا، ووجب أن ترد [المرأة] 3 إلى زوجها، ووجب جلد الأربعة بشهادة الزور، ووجب تخريب المسجد وإعادته دارًا. وسألاته عن رجل دفع إلى امرأته كيسًا ممتلئًا مربوطًا وقال أنت طالق إن فتحتيه أو فتقتيه أو كسرت ختمي أو [أحرقتيه] 4 أو لم5 تفرغيه وتعطيني الكيس. فقال: إن كان ما فيه ما يذوب كالسكر تضعه في الماء حتى يذوب. وسألاه: عن رجل وامرأة لقيا غلامين فقال الرجل: أنا ابن جدهما وأخي عمهما وقالت المرأة: أنا بنت جدتهما وأختي خالتهما وخالة أبيهما. فقال: الرجل أبوهما [والمرأة] 6 جدتهما.   1 في "ب" مكررة. 2 في "ب" قد سافر. 3 في "ب" الامرأة. 4 في "ب" حرقيته. 5 في "ب" ولم. 6 في "ب" الامرأة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وسألاه: عن امرأة ولدت ثلاثة أولاد -الأول مملوك والثاني ولد زنا، والثالث خليفة يدعي له على المنابر، والأب والأم واحد. فقال: هذه المرأة كانت مملوكة لقوم فوطئها رجل هاشمي بنكاح فخرج ولده مملوكًا لقوم ثم إنه طلقها وزنا بها بعد الطلاق فكان ولد الزنا، ثم إنه اشتراها، فجاء له منها ولد فصار خليفة يدعي له على المنابر. فسألاه عن رجل ضرب رأس رجل بعصا؛ فادعى المضروب أن ضاربه قد أذهب بضربته إحدى عينيه وأذهب بضربته خيشومه وأخرس لسانه. فقال: يقام هذا الرجل في الشمس فإن فتح عينيه التي تقابل1 عين الشمس ولم تطرف فهو صادق، ويشم رائحة دخال الحريق فإن لم ينزل من أنفه شيء من الرطوبات فهو صادق ويغرز في لسانه بإبرة فإن خرج منها دم أسود فهو صادق. وسألاه عن رجلين فوق سطح سقط أحدهما فمات فحرمت على الآخر امرأته. فقال: هو رجل زوج ابنته من غلامه فمات فورثته فملكته فحرمت عليه لملكها إياه. قال الراوي: فعجب الرشيد من علم الشافعي وقال: لله در بني عبد مناف. فقال: [الشافعي رضي الله عنه] 2 إني سائلهما مسألتين موجزتين. ما تقول يا أبا يوسف في رجل مات وخلف ستمائة درهم وفي الورثة أخت لم يصبها إلا درهم، وما تقول يا أبا محمد في رجل تزوج بامرأة وتزوج ابنه بأمها فجاءت كل واحدة بابن ما يكون هذا من ذلك؛ وذلك من هذا فاطرقا وطال فكرهما ولم يجيبا بشيء. فقال الرشيد: أجب أنت يا شافعي فقال الشافعي رحمه الله: أما المسألة الأولى فقد بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فسألته عن ذلك فقال رضي الله عنه: مات أخوك وخلف بنتين فلهما الثلثان -أربعمائة، وخلف أما فلها السدس مائة- وزوجة فلها الثمن -خمسة وسبعون- بقي   1 في "ب" زيادة بها. 2 في "ب" قال الإمام الشافعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 خمسة وعشرون وخلف من الإخوة اثني عشر واحدًا درهمين درهمين ولم يبق من الستمائة غير درهم فهو لك. وأما الثانية: فإن ابن الأم خال ابن البنت، وابن البنت عم ابن الأم. فتبسم هارون الرشيد وأعظم قدره رضي الله عنه وحيث نجزت هذه المسائل فلنورد من المجموع الذي أشرنا إليه ما بقي اختيارنا -ها هنا عليه وهو مجموع أودعته من هذا النوع عددًا [وهبته] 1 جانبًا من الفقه ولا أقول: أعرته، ووضعت فيه نحو مائة من مطارحات المسائل ومستطرفاتها منها ما نقلته ومنها ما ولدته، ولقد جاوزت في مولداتي حد الأربعين وأخرجتها ولا أثر بعد عين، ولا ظن بعد اليقين، وعرضتها وهي أمانة لا يشفق الإنسان [منها] 2، وليس لمن خان الأمانة دين. وما ولدته ما شرحته فتبلج وجه صبحه، ومنها ما تركته ليستعمل الفطن ذهنه في شرحه ويفرد له النظر وينشد. فالقلب منزلك القديم فإن تجد ... فيه سواك من الأنام فنحه وإن هو لم يحتط لقفله غاية الاحتياط ولم يفرد له قلبًا حاضرًا غلط [غلطة] 3 لا كالأغلاط ولم يفتح مغلقه حتى يلج الجمل في سم الخياط، وحتى يؤوب4 الفارطان كلاهما وينشر في الموتى كليب وائل فلعسرها فني الكهول بلسان سؤول وقلب [عقول] 5. مسألة: رجل قال لامرأته: إن كان ما في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فأنت طالق فكان في كمه أربعة. الجواب: هذه المسألة سئل عنها الشافعي رضي الله عنه -فيما نقله أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي عن الربيع بن سليمان- فقال: لا يقع عليه طلاق لأنه ليس في كمه دراهم هو أكثر من ثلاثة؛ إذ ليس في كمه زائد على الثلاثة إلا درهم واحد والمعلق عليه دراهم موصوفة بأنها أكثر من ثلاثة ولم يوجد.   1 في "ب" وفيه. 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". 4 في "ب" ثوب. 5 في "ب" عقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قال البوشنجي: قال الربيع: فقال السائل: آمنت بمن فوهك هذا العلم؛ فأنشأ الشافعي1: إذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بالنظر وإن ترقت في محل السحاب ... عميا لا تحتلها الفكر مقنعة [بغيوب] 2 الغيوم ... وضعت عليها جسام البصر لساني كشقشقة الأرحبي ... أو كالحسام اليماني الذكر ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني بذي الأصغرين ... أقيس بما قد مضى ما عبر وسباق قومي إلى المكرمات ... وجلاب خير ودفاع شر قلت: وصورة المسألة كما ترى -فيمن قال إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة. أما لو لم يقل: دراهم بل اقتصر على قوله إن كان في كمي أكثر من ثلاثة المسألة التي أشار إليها الأصحاب بقولهم فيمن قالت له زوجته: إنه يملك أكثر من مائة. فقال: إن كنت أملك أكثر من مائة فأنت طالق؛ فكان يملك خمسين أنه إن كان مراده لا يملك زيادة عن المائة لا تطلق وإن إراد أنه يملك مائة بلا زيادة طلقت، وإن أطلق فالأصح لا تطلق. وقالوا في باب الإقرار: لو قال لزيد علي أكثر من مال فلان يقبل تفسيره بأقل متمول وإن كثر مال فلان؛ لأنه يحتمل أنه أكثر لكونه حلال وهذا حرام أو نحوه، وسواء علم مال فلان أو لم يعلم. وهذا المأخذ الذي انتزعه الشافعي رضي الله عنه أخذه ابن سريج وغلط محمد ابن الحسن في قوله فيمن أوصى بمثل نصيب أحد ابنية الحائزين إلا ثلث جميع المال: أن الوصية باطلة لأنها الخارج علن الثلث.   1 في "ب" رضي الله عنه يقول. 2 في "ب" بعيون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وقال أبو العباس: بل هي صحيحة، وهي بالقدر الزائد من نصيب أحدهما عن ثلث الأصل". وهذا يشبه مأخذ الشافعي رضي الله عنه لأنه جعل قوله: - إلا ثلث جميع المال قيدًا في مثل النصيب يعني مثل النصيب خارجًا [منه] 1 مثل ثلث الأصل كما جعل الشافعي رضي الله عنه دراهم قيدًا في الزائد عن ثلاثة. قال ابن سريج: والمسألة تصح من تسعة -لكل ابن أربعة وللموصي له سهم واحد. قلت: ويمكن أن يقال: هو استثناء مستغرق وكأنه استثنى ثلثًا من ثلث فيصبح من ثلاثة لكل واحد سهم [والله سبحانه] 2 وتعالى أعلم. مسألة: روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة في فمها لقمة قال زوجها: إن بلعتها فأنت طالق وإن أخرجتها فأنت طالق ما حيلته. فقال: تبلغ نصفها وتخرج نصفها. ذكره الرافعي في "الشرح" وهو منصوص نقله الحاكم نصًا عن أبي الوليد النيسابوري عن الحسن بن سفيان عن حرملة عن الشافعي رضي الله عنه. مسألة: رجل قال لصاحبه: إن بدأتك [بالكلام] 3 فامرأتي طالق، فقال له صاحبه وإن بدأتك بالكلام فأمرأتي طالق كيف يصنع؟ الجواب: قيل إن أبا حنيفة رحمه الله سئل عن ذلك فقال: اذهبا فعاشرًا زوجتيكما ولا حنث عليكما -أنه لما قال لك "إن بدأتك بالكلام"4 فامرأتي طالق، شافهك بالكلام وانحلت اليمين. قلت: وهذا ذكره أصحابنا أيضًا وزادوا -فيما نقله الرافعي عن الإمام أنه لو قال: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر وقال الآخر نظريه وسلم كل واحد منهما على الآخر دفعة لم يعتق عبد واحد منهما وتنحل اليمين، فإذا سلم أحدهما على الآخر بعد ذلك لم يعتق واحد من عبديهما.   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 في "ب" السلام. 4 في "ب" بالسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 مسألة: عن أبي يوسف القاضي قال: طلبني هارون الرشيد ليلًا فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جفر فقال: إن عند عيسى جارية وسألته أن يهبها لي فامتنع وسألته أن يبيعها فامتنع محتجًا بيمين حلفها -أن لا يبيعها ولا يهبها [ويتعذر] 1 عليه الحنث فيها فهل في ذلك من مخرج؟ فقلت نعم: يهب [لك] 2 نصفها و [يبيعك] 3 نصفها ففعل، فقال الرشيد أيها القاضي: بقيت واحدة إنها أمة ولا بد من استبرائها ولا بد لي أن أطأها في هذه الليلة فقلت له: اعتقها وتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ ففعل ذلك. مسألة: حكى أبو عبد اللهالبوشنجي عن ابن جابر قال: "رأيت في دمشق صنمًا من نحاس إذا عطش نزل فشرب". وقد ذكرنا ذلك في كتابنا "طبقات الفقهاء" وقلنا أن البوشنجي كان يستمحن الطلبة ثم يحله لهم بأن الصنم لا يعطش ولو عطش لنزل فشرب. قلت: لكن لفظ "إذا" ينازع في هذا، لأنه لا يدخل إلا على المحقق، ولعل العبارة "إن". والحاصل: أن الممتنع إذا فرض جائزًا ترتب عليه جواز ممتنع آخر لأن ذلك قد يرى وقد ظرف القائل. ولو أن ما بي من ضنا وصبابة ... على جمل لم يدخل النار كافر ولو أن ما بي من صبابة بالجمل لضعف ورق بحيث صار يلج في سم الخياط ولو ولج في سم الخياط لدخل الكافر الجنة -على ما قال تعالى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} 4، ولو دخل الجنة لم يدخل النار فظهر أن ما بي من الحب لو كان بالجمل لم يدخل النار كافر. مسألة: رجل قال: أنا لا أرجو الجنة، ولا أخاف من النار وآكل الميتة والدم، وأصدق اليهود والنصارى، وأبغض الحق وأهرب من رحمة الله، وأشرب الخمر، وأشهد   1 في "ب" ينعقد. 2 سقط من "ب". 3 في "ب" ويبيع. 4 سورة الأعراف "40". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بما لم أر وأحب الفتنة وأصلي بغير وضوء ولا تيمم، وأترك الغسل من الجنابة، وأقتل الناس، هل يكفر؟ الجواب: قيل أن أبا حنيفة سئل عن هذا فقال: لا يكفر. أما قوله: "لا أرجو الجنة ولا أخاف النار" فيعني إنما أرجو وأخاف خالقهما. وأراد "بالميتة والدم" الكبد والطحال والسمك والجراد. وبقوله: أصدق اليهود والنصارى في قول كل منهم: إن أصحابه ليسوا على شيء كما قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} 1. والهروب من رحمة الله فرار من المطر، والحق الذي يبغضه الموت لأنه حق ولكنا يكره الموت، ويشرب الخمر شربها في حال الاضطرار كما إذا غص بلقمة ولم يجد إلا الخمر. ويحب الفتنة الأموال والأولاد على ما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} 2. وبالشهادة بما لم ير الشهادة بالله وملائكته وأنبيائه ورسله وهو الإيمان بالغيب وبالصلاة بغير وضوء ولا يتمم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وبالناس الذين يقتلهم الكفار. انتهى. قلت: وكان في السؤال والجواب ما ينبغي تركه وتركته. وأقول: في إطلاق هذا القائل وجمعه بين هذه الأقوال المهمة ما ينبغي أن يعزر عليه ولا شك في تحريم إطلاق مثل هذا الكلام لاسيما بحضرة من لا يفهم هذه الدقائق. [و] 3 قد أفتى شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام بأنه لا يجوز إيراد الإشكالات القوية بحضرة العوام، لأنه سبب إلى إضلالهم وتشكيكهم.   1 سورة البقرة "113". 2 سورة الأنفال "28". 3 سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 قال: وكذلك لا يتفوه بهذه العلوم الدقيقية عند من يقصر فهمه عنها فيؤدي ذلك إلى [ضلالته] 1. مسألة: رجل قال لامرأته: حالفًا بالطلاق: كل ما تقولين لي في هذا المجلس أقول لك فيه مثله فقالت له أنت طالق فما حيلته؟ الجواب: هذه المسألة اتفقت في زمان الإمام الكبير محمد بن جرير الطبري في حدود الثلاثمائة فأفتى بأنه يقول لها: أنت طالق ثلاثًا إن طلقتك، أي يعلق طلاقها إيتاء بمثل صيغتها على شرط -والمسألة تدور في الوجود نيف وأربعمائة سنة. وذكر أبو حاتم القزويني في كتاب "الحيل" أنه يقول لها: أنت تقولين لي أنت طالق وتبعه الرافعي في "الشرح " وذكر الجرجاني في "المعاياة" أنه يقول لها: أنت طالق إن شاء الله. وكل واحد من هذه الطرق سائغ، وقد رأيت في بعض المجاميع أن المسألة اتفقت بمصر في زمان القاضي شرف الدين بن عين الدولة فقال للزوج: خذ بعقيصتها وقل لها: أنت طالق إن وكلتك إلى نيتك وقد خلصت من ذلك. فإن قلت لم لا يقول لها أنت طالق: بفتح التاء كما قالت له ثم لا يقع طلاق لأنه خاطب المؤنث بخطاب المذكر. قلت كذا قال ابن عقيل [من] 2 الحنابلة وقد يقال: إن أصول أصحابنا تأباه، لأنهم ذكروا في العتق والقذف أن العدول عن التأنيث إلى التذكير لا يمنع الوقوع. وصرح الغزالي في "الفتاوي" بنظيره في النكاح لكني أقول: لعل هذا فيما [إذا أطلق اللفظ] 3 إطلاقًا، أما إذا ذكر في موضع التأنيث أو عكس قاصدًا حكاية قول غيره فهو قصد مخرج للفظ عن صراحته معتضد بالقرينة السابقة القاضية بأن مراده حاية القول فقط وكان هذا لم يقصد لفظ الطلاق بل قصده لمعنى حكاية قول غيره.   1 في "ب" ضلالة. 2 في "ب" في. 3 من أول "إذا أطلق اللفظ إطلاقًا .... إلى إذا قال لزوجته التي خرجت" سقط من "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 مسألة: سئل القفال عن بالغ عاقل مسلم هتك حرزًا وسرق منه نصابًا لا شبهة له فيه ولا قطع عليه. فأجاب أنه دخل فلم يجد في الدار شيئًا؛ فقعد في دن فجاء صاحب الدار بمال ووضعه، فخرج السارق وأخذ وخرج؛ فلا قطع، لأن المال حصل بعد هتك الحرز. مسألة: سئل القاضي أبو الطيب رحمه الله وروي عنه. أني عجبت لامرأة ما طلقت ... في طول ما عاشت من الأعوام إلا طلاقًا بائنًا من واحد ... وحوت من الصدقات والأقسام مهرا ونصفًا ثم مهرًا كل ذا ... حازته في يوم من الأيام من غير أن تعتد يومًا عدة ... فأعجب لهذا الحكم في الأحكام فأجاب: لا تعجبوا منه فإن بيانه ... سهل على الفقهاء بالأحكام رجل تزوج ثم طلق بعده ... قبل الدخول بما صدر حسام وأصابها من بعد ذاك بشبهة ... دخلت عليه وظن غير حرام فأعاد خطبتها وطيب نفسها ... فاستأنفا عقدًا على الإتمام وجبت عليه عدة فأزالها ... عقد يصح له بغير أثام في بعض يوم كان هذا كله ... والمال أقبضها بغير خصام نصفًا ومهرًا ثم مهرًا كلهاد ... سلمت لها عفوًا بلا إبرام فازت كما قال الفقيه بسعده ... في يومها لشريعة الإسلام وبه أقول واستحق ثوابه ... أجرين منصوصين للحكام مسألة: رجل قال لامرأته إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة فأنت طالق. فقال آخر: إن لم يكن أبو حنيفة أفضل فامرأتي طالق فمن الذي تطلق امرأته. الجواب: قيل: لا تطلق امرأة واحد منهما، لأن الأمر في ذلك ظني والأصل بقاء النكاح. وقال القفال: لا نجيب في هذه المسألة -كذا نقله الرافعي ونجيب بالنون والجيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وهذا من محاسن القفال؛ فإن الدخول بين أئمة الدين والتفضيل بينهم لمن لم يبلغ رتبتهم لا يحسن، ويخشى من غائلته في الدنيا والآخرة، وقل استعمله فأفلح. ولا يخفى أن القفال يعتقد رجحان الشافعي؛ ولكنه ليس أمرًا ينبغي له ذكره وإشاعته، وأنه آيل إلى التعصب المذموم، وربما كان سببًا إلى الوقيعة في العلماء الموجبة لخراب الديار. وربما عارض حنفي شافعيًا بمثل مقالته فانتهى إلى الوقيعة في الشافعي وأهل مذهبه، وكان ذلك سبب هلاكه؛ فإن أهل العلم بالتجارب ذكروا أن من خواص الشافعي رحمه الله من بين الأئمة أن من تعرض إليه أو إلى أهل مذهبه بسوء أو تنقيص هلك قريبًا، وأخذوا ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أهان قريشًا أهانه الله" قالوا: وليس في الأئمة المتبوعين في الفروع قرشي غيره. وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه". وغير ذلك من الأحاديث وغيرها. فلعل القفال رحمه الله أراد بهذا الباب خشية الوقوع في المحذور؛ وإلا فقد ذكر البغوي في الفتاوي التي جمعها عن شيخه القاضي الحسين: سئل عن شافعي حلف بالطلاق أن من صلى ولم يقرأ الفاتحة لم يسقط فرض الصلاة عنه، وحنفيًا حلف أنه يسقط. فأجاب: نقول في هذه المسألة ما يقولون في شافعي اقتصد ولم يتوضأ وصلى ثم حلف بطلاق زوجته أن الفرض سقط عنه -كل ما يقولون هناك فنحن به هنا قائلون- وإلا فالاعتقاد أن يحكم بوقوع الطلاق على زوجة الحنفي "انتهى". وقوله: يقولون في هذه المسألة ما يقولون في كذا "هو نظير قول القفال ثم أفصح آخر بالمعتقد". مسألة: مسلم قال: إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق. الجواب: وقعت هذه لهارون الرشيد. فاحتجبت عنه زوجته فاستفتت علماء عصره؛ فقالوا: لا يقع الطلاق عليك فأبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 زوجته أن تسمع إلا فتيا الليث بن سعد؛ فاستحضره من مصر إلى العراق، فقال: يا أمير المؤمنين: هل هممت بمعصة فذكرت الله وختفه وتركتها؟ قال: نعم فقال يا أمير المؤمنين: ليس لك جنة واحدة؛ بل جنتان قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} 1. والمسألة مشار إليها في شرح الرافعي؛ إذ في فروع الطلاق أنها لو قالت لزوجها أنت من أهل النار فقال: إن كنت من أهل النار فأنت طالق لم يحكم بوقوع الطلاق إن كان الزوج مسلمًا؛ لأنه من أهل الجنة ظاهرًا. مسألة: وقع حجر من سطح فقال الزوج: إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق وهي لا تدري من رماه، كيف الخلاص؟ الجواب: قال القاضي الحسين: تقول: رماه مخلوق ولا تطلق قال: فإن قالت: رماه آدمي طلقت لجواز أن يكون رماه كلب أو ريح كذا نقله في الرافعي. قلت: وقد لا يكون رماه مخلوق بل وقع بنفسه. بإرادة الله تعالى: فينبغي أن يقال: لا يتخلص إلا إذا قالت رماه الله، ولا يمنتنع إطلاق هذا اللفظ قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ولعل وقوعه بمجرد الإرادة القديمة بإذنه؛ فلم تحمل عليه الأحكام. ثم أقول: ينبغي أن لا يخلص بكل تقدير إلا إذا لم يقصد التعيين والتعريف؛ فقد قال الأصحاب فيما إذا قال: إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة فأنت طالق: أنها تتخلص بأن تبتدئ من عدد مستيقن أن الحبات لا تنقص عنه، وتذكر الأعداد بعدة متوالية بأن تقول: وواحدة هكذا إلى أن تنتهي إلى عدد تستيقن أن الحال لا يزيد عليه -فتكون مخبرة عن ذلك العدد. ثم قالوا: وهذا إذا لم يقصد التعيين والتعريف؛ وإلا فلا يحصل. ثم أقول: كل هذا بناء على الخبر شرطه الصدق، وليس كذلك فالخبر ينقسم إلى صدق وكذب؛ فلم لا يكتفي بقولها: رماه فلان -وإن كانت كاذبة كما قال الأصحاب في "من أخبرني بقدوم فلان فهي طالق وأخبرته وهي كاذبة تطلق" ذكره في التنبيه وغيره. فإن قيل: المقصود التعيين والتعريف ومع الكذب لا يتأتى.   1 سورة الأنفال "18". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 قلنا: ينبغي أن لا يلتقي بمثل: "رماه مخولق" كما ذكرناه. إيفاء جميع ما ذكرنا "يجري فيما إذا قال إن لم تخبريني هل سرقت؟ فأنت طالق. فإن أصحابنا قالوا: نقول سرقت ما سرقت، وهذا إذا لم يقصد التعيين والتعريف. وحكى الصيمري في كتاب "أدب الفتيا" أن المنصور حلف على خادمه ليصدقنه عن حال جوهرة فقدها وإلا ضرب عنقه فاستفتى أبا حنيفة، فقال يخبره الخادم بأنه أخذها وبأنه ما أخذها فيكون قد صدق لا محالة. قلت: قد يقال في هذا أنه صدق ولا يقال: أخبره ثم يستشكل ويقال الصدق أخص من الخبر فكيف يثبت الأخص ولا يثبت الأعم. وحكى الصيمري أيضًا ان امرأة بدوية لقيها بعض فقهاء الشافعية فقالت: إن زوجي أسر إلى رجل من أهل الحي سرًا فأبداه إلي فأخبرته، فحلف أن أخبره بالذي أخبرني، فعلمت أني إن أخبرته بذلك قلته، فجمعت أهل الحي عن آخرهم - والذي أخبرني في جملتهم- فقلت: أخبرني هذا أخبرني هذا حتى أتين على جميعهم، أيخرج من يمينه؟ فقال: لها نعم. ومثله حكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه في رجل وزوجته أكلا رطبًا وألقيا النوى في طست بحضرتهما، ثم حلف بالطلاق لتخبرنه بعدد ما أكل من الرطب، قال: فالمخرج من ذلك أن تقول: أكلت رطبة، أكلت رطبتين، وهكذا إلى أن تنتهي إلى القطع بالعدد المأكول. قلت: وكل هذا ذكره أصحابنا، والأمر فيه على ما وصفت، وبه يتضح تقييد كلام الجدليين؛ حيث قالوا -ومنهم الرقاني في تهذيب اسم الجدل في باب المغالطات: "إن الرجل إذا قال لزوجته التي خرجت] لغرض فاسد: إن لم تصدقيني في الخبر عما خرجت إليه فأنت طالق، فتقول الزوجة: ما هذا التشديد وسوء الظن! ومن أين لك التحكم علي مع تقصيرك في حقي! خرجت للزنا وزيارة الشباب ومعاشرة المفسدين سآمة1 منك وفرارًا عنك؟! ما هذه التهمة وعلى ماذا خرجت! إن خرجت إلا لزيارة أخت لي.   1 في "ب" متضايقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 قالوا: فلا يقع طلاق، لأنها أخبرته بما خرجت إليه من الزنا، وصدقته وإن أوهمته بدلالة اللسان وكثرة التشعيث أنها إنما خرجت لزيارة أخت لها؛ فهذه من حيل النساء. لكن إذا كان القصد التعيين والتعريف فأقول: لا ينجيها هذا. والله أعلم. مسألة: إذا قال: له علي اثنا عشر درهمًا ودانقًا -بالنصب في دانق- ما يلزمه؟ وما الذي يلزمه عند الرفع والخفض؟ الجواب: "قال صاحب التتتمة: يلزمه بالرفع والخفض اثنا عشر درهمًا وزيادة دانق واحد، ويكون الدانق معروفًا على الاثني عشر". قلت: والعطف في الخفض غير متضح إلا أنه يغتفر اللحن. قال: "وفي النصب إذا فسر كلامه بثمانية إلا دانقًا يقبل تفسيره ولا يلزمه الزيادة. قال: وإنما قلنا ذلك؛ لأن قوله: ودانقًا يجوز أن يكون عطفًا وأن يكون تفسيرًا؛ فإذا كان عطفًا اقتضى وجوب زيادة على الانثي عشر من الدراهم والدوانيق، وغاية ما ينطلق عليه اسم الدوانيق خمسة؛ لأن ما زاد عليه يسمى درهمًان فيجعل خمسة من العدد دوانيق ويبقى سبعة دراهم، فيكون المبلغ ثمانية إلا دانقًا، فهذا التقرير يقين، وما زاد مشكوك فلا يلزمه بالشك شيء" انتهى. وقوله: "إن ما زاد على خمسة دوانيق يسمى درهمًا" يعني في العرف ستة دوانيق بكل درهم هذا شأن لغة العرب لأن درهمًا أخصر من قولك: ستة دوانيق، والاختصار مع البيان شأن العرب. قلت: ويؤيد هذا قول أصحابنا: لو باع بنصف وثلث وسدس دينار لم يلزمه دينار صحيح، بل له دفع شق من كل وزن؛ فهذا ما وجدته -من كلام الأصحاب- مؤيدًا لصاحب التتمة وإن كان الوالد رحمه الله ذكر في "شرح المنهاج" في مسألة البيع: إن هذا إذا صرح بالدينار المضاف في الجميع أما إذا حذفه كما في الصورة المذكورة فيلزمه دينار. قلت: وهذا وإن خالف إطلاق الأصحاب يشهد له نظيره من الطلاق إذا قال: أنت طالق نصف وثلث طلقة لا يقع إلا طلقة واحدة، ولو كرر لفظ طلقة تكرر لفظ الطلاق على الأصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 مسألة: إذا قال: قارضتك على أن لك سدس تسع عشر الريح هل يصح؟ الجواب: إن كان حيسويًا يفهم معناه في الحال [صح] 1. وكذا إن لم يكن في الأصح؛ لأنه معلوم من الصيغة يسهل الاطلاع عليه وهو جزء من خمسمائة وأربعين جزوءًا قال الماوردي في "الحاوي": "غير أنا نستحب لهما أن لا يعدلا عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف عن البديهة من أول وهلة، لأن هذه العبارة قد توضع2 للإخفاء والإغماض. قال الشاعر: لك الثلثان من قلبي ... وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقى ... وثلث الثلث للساقي ويبقى أسهم ستة ... فتقسم بين عشاقي فانظر إلى هذا الشاعر وبلاغته وتحسين عبارته، كيف أغمض كلامه، وقسم قلبه، وجعله مجزأ على أحد وثمانين جزءًا -هي مضروب ثلاثة في ثلاثة ليصح منها مخرج ثلث الثلث، فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين جزءًا من قلبه، وجعل للساقي جزءًا، وبقي ستة أجزاء ففرقها فيمن يجب. وليس للإغماض فيعقود المعاوضات [وجه] 3 يرضي ولا حال يستحب؛ غير أن العقد لا يخرج عنه به عن حكم الصحة إلى الفساد، ولا عن حال الجواز إلى المنع، لأنه قد يؤول منهما إلى العلم، ولا يجهل عند الحكم". انتهى كلام الماوردي وقوله: "جزأ قلبه على أحد وثمانين جزءًا" وجهه ظاهر، وقد أعطاه في الأول ستة وخمسين -وهي ثلثا القدر المذكور ثم ثلثي الثلث الثالث الباقي للساقي، وستة مقسومة. وقوله: ليس [في الأغماض] 4 في المعاوضات حال يرضي -فممنوع؛ فقد يقصد المتعاقدان إخفاء ما يتعاقدان عليه عن سامعه لغرض ما. ونظير هذه الأبيات ما كان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ينشده فيقول: أنت خلاف بخلاف الذي ... فيه خلاف بخلاف الجميل   1 في "ب" يصح. 2 في "ب" توضح. 3 سقط من "ب". 4 في "ب" للإغماض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وغير ما أنت سوى غيره غيـ ... ـر سوى غيرك غير البخيل مسألة: رجل فاتته صلاة يومين وليلتين فصلى عشر صلوات -واحدة بعد أخرى- على ترتيب الخمس؛ فلما فرغ من جميعها قال: أعلم أني تركت سجدة من إحدى هذه الصلوات، [فلا] 2 أدري من أبيها، وقد وقع بين كلا صلاتين [منهما] 3 فصل طويل؟ الجواب: قيل يلزمه إعادة يوم وليلة. قال أبو عبد الله القطان في "المطارحات": "والصحيح أنه يلزمه إعادة صلاة واحدة من هذه العشر -أيها شاء- فإذا أعادها سقطت البواقي، وهذا؛ لأن الصحيح أن من شك -بعد الفراغ من الصلاة- في ترك شيء منها لا يلزمه إعادته ما لم يتيقن وجوب الإعادة؛ فإذا أعاد صلاة واحدة صار شاكًا في وجوب إعادة البواقي إذا السجدة المتروكة [سجدة] 4 واحدة ويستحيل أن يكون تركها من صلاتين أو ثلاث صلوات فوجب إعادة واحدة بيقين فإذا أعادها دخل الشك في وجوب البواقي فلم يجب ويفارق هذا تارك واحدة من الخمس، فلا يكفي الاقتصار على واحدة، بل يلزمه الخمس؛ لأنه إذا صلى واحدة احتمل أن يكون المتروك غيرها؛ فلا بد له من الخمس صلوات حتى يستيقن استدراك المتروكة منها؛ لأنه يشك في الفعل، والأصل أنه لم يفعل، فعليه فعلها، وهذا الشك واقع في كل صلاة فاحتاج إلى إزالة الشك باليقين، وذلك لا يكون إلا بفعلها، وليس كذلك في مسألتنا؛ لأن الشك في وجوب إعادة ما قد فعل لا في ابتداء الفعل. وقد فرق5 الشافعي رضي الله عنه بين الشك في الفعل والشك بعده، فلم يوجب إعادة المفعول بعد الشك. ووجه الفرق أن أحدهما يؤدي إلى المشقة -وهو الشك بعد الفعل- فإن المصلي لو كلف أن يكون ذاكرًا لما صلى تعذر ذلك عليه ولم يطقه أحد من الناس، وإن لم يقع بين الصلوات إلا فعل يسير، فعلى الوجه الأول يلزمه إعادة صلوات يوم وليلة، وعلى الثاني يلزمه إعادة صلاتين متواليتين -فإما أن يعيد الفجر والظهر أو الظهر والعصر أو العصر والمغرب أو المغرب والعشاء -   1 سقط من "ب". 2 في "ب" ولا. 3 في "ب" منها. 4 زيادة في "ب". 5 زيادة في "ب" الإمام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 لأنه إذا لم يفصل بين الصلاتين المتواليتين فصلًا طويلًا فإحرامه [بالثانية] 1 لا يصح صرفه إلى الأولى؛ لأنه قد غير النية إلى صلاة أخرى، وما يفعله بنية الظهر لا ينوب عن الفجر؛ فلهذا أوجبنا عليه إعادة صلاتين متواليتين، ثم لا [نوجب] 2 عليه إعادة البواقي من هذه الصلوات؛ لأنه على غير يقين من وجوب الإعادة. قلت: وهذا الذي ذكره ابن القطان حسن، وحاصله: الفرق بين الشك بعد الفعل والشك فيالفعل. مسألة: سئل بعض المتقدمين بهذين البيتين: أتعرف من قد باع في مهر أمه ... أباه فوفاها بحق صداقها وكانت قديمًا أشهدت كل من رأت ... بأن أباها قد أبت طلاقها فأجاب: إذا أنت عقدت المسائل ملغزًا ... أتتك جوابات [تحل] 3 وثاقها تزوج عبد حرة أنجبت هل ... فتى وأبوه قد أبان فراقها فأنكحها مولاه من بعد رغبة ... لما قد رأى فيها وأساء صداقها فوكلت ابن العبد في قبض مهرها ... وفلس مولاه وأبدى اعتياقها فباع الغلام العبد بالحكم إذا رأى ... هوى أمه فيبيعه واعتياقها وشرحه: أن امرأة "حرة" تزوجت عبدًا أولدها ابنًا ثم طلقها، فنكحها مولاه بصداق مسمى؛ فوكلت ابنها من العبد في قبض مهرها من المولى، وفلس المولى، وبيع العبد في الواجب لها من مهر المثل، فوكلت ابنها في بيعه لاستيفاء صداقها. كذا صور هذا الناظم، ولا يحتاج إلى توسط الفلس؛ بل لو عوض الزوج الزوجة العبد الذي كان زوجًا لها -جاز؛ ثم إن لها أن توكل ابنه هو ابنها منه ببيعه. مسألة: رجل مات عن زوجة فلم ترثه بغير مانع من الموانع المذكورة في الإرث. الجواب: صور بعض المتقدمين هذا فيمن أعتق أمته في مرض موته ثم تزوجها   1 في "ب" بالثالثة. 2 في "ب" يجب. 3 في "ب" على. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وكانت ثلث ماله عند موته؛ فليس لها طلب المهر؛ لأنه يوجب رد عتقها، فإن عتقها وصية لها، فلا ميراث لها ولا صداق، فطلب المهر يؤدي إلى إبطال المهر. قلت: ولا يحتاج إلى التقييد بكونها ثلث ماله، فإنها لا ترث وإن خرجت من الثلث -كما صرح به الأصحاب في كتاب النكاح في مسائل الدور- وقالوا: لأن عتقها وصية، والوصية والإرث لا يجتمعان، وإنما نحتاج إلى التقييد بالثلث بالنسبة إلى نفوذ العتق وثبوت المهر. مسألة: روى الخطيب في ترجمة الكسائي من تاريخ بغداد أنه كتب إلى محمد بن الحسن. فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تحرقي يا هند فالحرق أشأم وأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يحرق أحق وأظلم وبعض الناس يحكي أن هارون [الرشيد] 1 كتب إلى القاضي أبي يوسف بهذين البيتين وسأله -ماذا يلزمه إذا رفع ثلاثًا، وما يلزمه إذا نصب- وأن أبا يوسف سأل الكسائي فقال: يلزمه بالرفع واحدة، لأنه قال: أنت طالق، ثم أخبر أن الطلاق التام [ثلاث] 2، وبالنصب ثلاث؛ لأن معناه: أنت طالق ثلاثًا. وما بينهما جملة معترضة" وقد اعترض على الكسائي بأنه لا يتعين على النصب وقوع الثلاث؛ لجواز أن يكون "ثلاثًا" حالًا من الضمير المستتر في عزيمة إذا كان ثلاثًا. ولا على الرفع الاقتصار على واحدة؛ بل يحتمل وقوع الثلاث وجعل "ألـ" في قوله: "والطلاق للعهد" -أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة. قلت: قال شيخنا أخي الإمام شيخ الإسلام الشيخ بهاء الدين أبو حامد أحمد السبكي أطال الله عمره في شرحه لعى التلخيص: "بل هذا هو الظاهر؛ لكون النكرة أعيدت معرفة فتكون هي الأولى كما قرره علماء البيان، ويؤيده أن الشاعر إنما أراد الثلاث؛ لقوله -بعد. فبيني بها إن كنت غير رقيقة ... وما لام بعد الثلاث مقدم   1 سقط من "ب". 2 في "ب" ثلث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 قلت: الصحيح أن قوله: "أنت طالق" كناية؛ فلا يقع واحدة ولا أكثر -سواء رفع ثلاثًا أم نصب- إلا بالنية، ومع النية لا يحتاج البحث عن النصب والرفع. مسألة: رجل خرج إلى السوق وترك امرأته في البيت ثم رجع فوجد عندها رجلًا فقال: من هذا؟ قالت: هذا زوجي، وأنت عبدي، وقد بعتك له. الجواب: هذا عبد زوجه سيده بابنته ودخل العبد بها ثم مات السيد ووقعت الفرقة لأنها ملكت زوجها بالإرث، وإذا ملكت المرأة زوجها انفسخ النكاح، ثم أنها كانت حاملًا فولدت فانقضت العدة، فتزوجت وباعت ذلك الزوج؛ لأنه صار عبدها. مسألة: ثلاثة تداعوا وتساووا في الحجة، فقبلت حجة أحدهم وأسقطت الحجتان، وحصل لأحد اللذين سقطت حجتهما مقصوده الذي كان يدعي به، ولما حصل من قبلت حجته على مقصوده بل على ضده. الجواب: هؤلاء رجلان وامرأة ادعى أحد الرجلين أن المرأة مملوكته، وادعى الآخر أنها زوجته، وادعت هي أنهما عبداها، وأقام كل ببينته. [فمدعي] 1 الزوجية يكون مملوكًا لها وتسقط البينتان؛ لأن بينة المرأة مع بينة مدعي الملك. متنافيان فسقطا. والذي ادعى التزويج بينته لا تنافي بينة المرأة إلا أن النكاح يبطل؛ لأن الملك يبطل التزويج إذا تقدمه التزويج وبعد الملك لا يصح التزويج. فإن قلت: كيف صورة المسألة؟ قلت: صورتها أن حرًا تزوج بأمة فيولدها بنتًا تكون مملوكة لمالك أمها، ثم يشتري الرجل عبدين ويأذن لهما في التجارة والتزوج، ويقول من يشتري منكما ابنتي فهو [حر] 2 فجاء أحد العبدين ببنت مولاه ولم يعلم أنها ابنته، وجاء الآخر فاشتراها ولم يعلم أنها ابنته، ومات أبوها وعلمت بموته، وبأن زوجها وسيدها [عبدان لأبيها] 3 وقد ورثتهما، ولم يعلم العبدان بذلك، فقد عتقت البنت بنفس الشراء، وعتق مشتريها أيضًا   1 في "ب" لمدعي. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" لأبيها عبدان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وبقي زوجها مملوكًا لها، فادعت المرأة ملكها وشهد لها بذلك شاهدان وأتى أحد العبدين بشاهدين أن اشتراها، والعبد الآخر بشاهدين أنه تزوجها، فالشهود كلهم صادقون في شهادتهم وتلخيص ما ذكرناه .................... 1 مسألة: امرأة لها زوجان ويجوز أن تتزوج بثالث؟ الجواب: هذه امرأة لها عبد وجارية زوجت أحدهما بالآخر، ويجوز أن تتزوج هي ويكون زواجها ثالثًا. وقريب من هذه المسألة: أخوان لأب وأم حران مسلمان ورث أحدهما مال المتوفي [من] 2 دون الآخر. الجواب: هذا رجل مات عن أب وعم، فالمال للأب ولا شيء للعم والأب والعم أخوان. مسألة: رجل مات بالمغرب فوجب على آخر بالمشرق صلاة غير سنين. الجواب: هذه أم ولد كانت تصلي مكشوفة الرأس فتوفي مستولدها ولم تعلم بموته عشر حجج، وكذا لو كانت أمة وعلق عتقها ولم يبلغها إلا بعد صلوات كثيرة صلتها وهي مكشوفة الرأس. مسألة: رجل جرح جرحًا واحدًا فضمنه، فجرح ثانيًا فضمنه، فجرح ثالثًا فسقط أحد الضمانين ولم يجب في الثلاثة إلا ضمان واحد. الجواب: هذا رجل أوضح رأس رجل فوجب عليه خمس من الإبل وأوضحه ثانيًا فصار الواجب عشرة ثم رفع الحاجز بينهما قبل الاندمال [فيعود الوجوب] 3 إلى خمسة ولا يجب أكثر منها. مسألة: رجل نظر إلى امرأة أول النهار حرمت عليه ثم حلت له ضحوة، وحرمت الظهر، وحلت العصر، وحرمت المغرب، وحلت العشاء، وحرمت الفجر وحلت ضحوة، وحرمت الظهر ثم حلت العصر، ثم حرمت المغرب ثم حرمت مؤبدة. الجواب: هذا رجل نظر إلى أمة غيره وقلنا بتحريم النظر، واشتراها ضحوة   1 بياض. 2 سقط من "ب". 3 في "ب" يعود الوجد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فأسقط الاستبراء لحيلة حلت له، وأعتقها الظهر، وتزوجها العصر وظاهر منها المغرب، وكفر العشاء، وطلقها عند الفجر، وراجعها ضحوة وارتدت الظهر، وأسلمت العصر، ولاعنها المغرب. مسألة: رجل يجوز أي يصلي إمامًا ومنفردًا لا مأمومًا. الجواب: هذا رجل أعمى أصم لا يدرك انتقالات الإمام. مسألة: في أي صورة يضمن الشيء بالمثل والقيمة معًا. الجواب: هذا في الصيد إذا اشتراه المحرم فهلك في يده؛ فإنه يلزمه الجزاء [لله] 1، والقيمة للبائع، لكن المعنى بالمثل الصوري لا مقابل القيمة فلمنازع أن يشاحح فيه. وقد يضمن الشيء بقيمته ونصف قيمته في مسألة جناية العبد المغصوب والجناية عليه في فرع ابن الحداد المشهور. مسألة: امرأة طلقها زوجها فوجبت عليها أربع عدد. الجواب: هذه أمة صغيرة تحت حر طلقها فعليها الاعتداد بشهر ونصف؛ فلما دنت مدة انقضاء العدة بلغت بالحيض فانتقلت [في] 2 الحيض، فلما قرب فراغها مات عنها فانتقلت إلى عدة الوفاة. مسألة: رجل إذا احتوى على المسروق لم يقطع وإن لم يحتو عليه قطع. الجواب: هذا سارق دخل دارًا محرزة فابتلع جوهرة أو دينارًا وخرج، فالأصح أنها إن خرجت منه بعد ذلك قطع وإلا فلا. مسألة: خمسة عشر ذكورًا ورثوا مال ميت بالنسب [خمسة منهم ورثوا نصفه، وخمسة ورثوا ثلثه وخمسة سدسه] 3. الجواب: هذه المسألة سئل عنها الشيخ محي الدين النووي رحمه الله فقال: "هؤلاء خمسة منهم أولاد عم الميت ليسوا بإخوة لأم، وخمسة إخوة لأم ليسوا أولاد عم   1 سقط لفظ الجلالة. من "ب". 2 في "ب" إلى. 3 في "ب" "خمسة منهم ورثوا ثلثه وخمسة ورثوا سدسه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وخمسة أولاد عم وإخوة لأم هم أولاد عم فعشرة من الجملة إخوة لأم لهم الثلث -لكل خمسة سدس -فهو للخمسة الإخوة الذين ليسوا بأولاد عم ليس لهم غيره، [وبقي] 1 سدس لاخوة الأم الذين هم أولاد عم، والثلثان لأولاد العم وهم عشرة لكل خمسة ثلث، فلإخوة الأم الذين هم أولاد عم ثلث، ولهم سدس بكونهم إخوة لأم صار المجموع نصفًا"، ولأولاد العم الخلص الثلث. مسألة: أي نجس يتنجس؟ الجواب: إذا وقعت في الخمر نجاسة -عظم ميتة ونحوها؛ فإنها تنجسه ويظهر أثره ذلك فيما إذا خرجت منها ثم انقلبت خلًا، فلا تطهر بانقلابها -ذكره صاحب التتمة في باب الاستطابة- ونقل عنه النووي موافقًا له في رؤوس المسائل. ونظيره إذا ولغ الكلب في إناء متنجس بالبول فلا يطهر -وإن زالت نجاسة البول حتى [يعفر] 2 لأجل الولوغ، وكذلك إذا استنجى بروث فيتعين استعمال الماء. ولك بعد اللغز أن تقول: أي طاهر [يتطهر] 3 وذلك في المستعمل إذا ضم إلى مثله فبلغ قلتين فإنه يعود طهورًا في الأصح، وإن كوثر بالطهور صار طهورًا قطعًا؛ فقد يقال هذا طاهر يطهر بهذا المعنى. مسألة: شيئان في الصلاة أحدهما يشترط ستره من أعلى لا من أسفل والثاني يشترط استره من أسفل لا من [أعلى] 4. الجواب: قال أصحابنا يشترط في ستر العورة في الصلاة الستر من [أعلى] 5. ومن الجوانب ولا يشترط الستر من أسفل، فتصبح صلاة من لا سراويل عليه وثوبه قصير". وقالوا في الخف "يشترط ستر أسفل القدم وجوانبه ولا يشترط من أعلى حتى إذا ستر كل الفرض وكان يرى ظهر القدم من أعلى الخف فيصح المسح عليه خلافًا لنصر المقدسي حيث شرط في تهذيبه ستره من [أعلى] 6 أيضًا.   1 في "ب" بقي. 2 في "ب" بغيره. 3 في "ب" يطهر. 4 في "ب" الأعلى. 5 في "ب" أعلاه. 6 في "ب" أعلاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 مسألة: ما هو ألف قلة وهو نجس من غير أن يتغير بنجاسة. الجواب: صور الرافعي هذا في ماء الأنهار المعتدلة إذا بلغ قلتين في الطول ووقعت فيه نجاسة فالأصح -وبه قال ابن سريج- أنه نجس وإن امتدت الجداول فراسخ، لأن أجزاء الماء الجاري متفاضلة، فكل جرية هاربة عما قبلها طالبة [لما بعدها] 1، فلا يتقوى البعض منها بالبعض، وهذا هو القول الجديد. ولو كان جري الماء أقوى من جري النجاسة فهو كالنجاسة الواقعة أيضًا قاله الغزالي في كتاب عقود المختصر. مسألة: شيء إن وقع كله على شخص ضمن بعضه، وإن وقع بعضه ضمن كله. الجواب: هذا في الميزاب فإن الخارج منه إذا وقع على شخص فقتله وجبت الدية بتمامها وإن وقع الجميع لم يجب إلا النصف على الصحيح. مسألة: في أي موضع [يزيد] 2 البعض عن الكل؟ الجواب: قال الشيخ صدر الدين بن [المرحل] 3: "لا يكون ذلك إلا في مسألة واحدة، وهي إذا قال: أنت علي كظهر أمي كان صريحًا ولم يدين، ولو قال: كأمي لم يكن صريحًا ويدين. قلت: بل يكون في مسائل آخر كثيرة. منها مسألة الميزاب -هذه التي قدماها. ومنها: من له جدار في درب غير نافذ -له رفعه بالكلية وليس له فتح باب فيه. ومنها: على القديم -المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته ثم إن زادت صارت على النصف؛ ففي أصبعين عشرون، وفي ثلاثة ثلاثون، وفي أربعة عشرون. وقد يقال في هذا وفي مسألة الظهار أنهما ليستا من باب زيادة البعض على الكل بل من باب زيادة القليل على الكثير، وهو أيضًا [لغز] 4، ونظير قول القديم في العقل   1 في "ب" إلى بعد. 2 في "ب" يرد. 3 في "ب" الرحال. 4 في "ب" لغو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 قول البغوي من أصحابنا: أنه لا يجزئ تبيعان في الزكاة عن أربعين مع أنهما يحزئان عن ستين وخالفه الأصحاب. مسألة: رجل ترك صلاة واحدة من الخمس ونسي عينها فأعاد الخمس ثم قال: أني أتيقن أني تركت سجدة واحدة من هذه الخمس ولا أدري من أيها الجواب: لا شيء عليه لأن الواجب عليه بالأصالة صلاة واحدة غير أنه لم يصل إليها إلا بالخمس فألزم بها؛ فإذا صلاها واحتمل أن تكون السجدة المتروكة من إحدى الصلوات التي لم تكن واجبة عليه في الأصل فقد دخل الشك في وجوب إعادة ما قد فعله مرة؛ فلا [تلزمه] 1 الإعادة بالشك. مسألة: رجلان ثبتت عدالتهما ثم شهدا لأجنبي بدين من غير أن يجرأ لأنفسهما نفعًا أو يدفعا ضررًا، وردت شهادتهما، كيف يتصور ذلك؟. الجواب: هذان عبدان أعتقهما سيدهما في مرض موته فأخرجها من الثلث، ثم ادعى رجل على الميت دينًا يستغرق جميع التركة، فشهدا له فلا تقبل [شهادتهما] 2 للدور، فإذًا لو قبلناها ثبت الدين، ولو ثبت لم يثبت عتقهما، ولو لم يثبت لم تصح شهادتهما. مسألة: رجل قتل آخر [ظملًا] 3، ولم يجب عليه قصاص ولا دية، بل يستحق جميع ما في يد المقتول. الجواب: هذا سيد قتل مكاتبه فبطلت الكتابة، ويستحق جميع ما في يده ملكًا لا إرثًا، ولا يقاد به، ولا دية عليه. مسألة: عبد تزوج أمة غيره بإذن سيدها نكاحًا صحيحًا -مع علمه بأنها أمة- فولدت أولدًا أحرارًا. الجواب: هذا رجل ابنه مملوك لآخر، فزوج أمته لأبنه بإذن سيده؛ فإذا ولدت كان ولدها حرًا، لأنه [يعتق] 4 على جده بالملك وإن شئت ألغزتها على آخر فتقول: عبد تزوج أمه غيره ولا تلد ولدًا منه في حياة سيدها إلا وهو حر، ولا تلد ولدًا تحبل به بعد موت سيدها إلا وهو عبد.   1 في "ب" يلزم. 2 في "ب: شهادتها. 3 سقط من "ب". 4 غير واضحة في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 ونجيب: بأنه رجل زوج أمته بابنه وهو عبد لغيره؛ فإذا مات السيد يرث ابن عمه ففي حياته يعتق ولدها، لأنه ولد ابنه، وبعد موته يصير ملكًا لابن عمه فلا يعتق عليه ولدها. مسألة: ماء إن يصح الوضوء بكل منهما منفردًا، ولا يصح بهما مختلطين. الجواب: هذا يتصور في المتغير المخالط الذي لا يستغني الماء عنه -كالطحلب المتفتت والنورة وغيرهما مما في مقر الماء و [ممره] 1 -فإنه يجوز استعماله لعدم إمكان الاحتراز منه فإذا صب على ما لا تغير فيه بالكلية فتغير فيعترض لأنه تغير بما يمكن الاحتراز منه [وهو] 2 الخليط ذكره ابن أبي الصيف اليمني من أصحابنا وهو واضح. مسألة: جماد يملك ما هو؟ وهذا سؤال كان الشيخ زين الدين بن الكناني يمتحن [الطلبة] 3. الجواب: هو النطفة؛ ألا ترى أن الكافر إذا مات عن زوجة حامل ووقفنا الميراث للحمل فأسلمت ثم ولدت يرث الولد وإن كان محكومًا بإسلامه لأنه كان محكومًا بكفره يوم الموت وملك إذا ذاك، ولولا ذلك لما ورث، إذا كان يلزم أن يرث مسلم من كافر، ولا يرث مسلم كافرًا، كما لا يرث كافر مسلمًا. مسألة: صلاة [مفروضة] 4 وقعت في السفر بالتيمم لغلبة عدم الماء ثم تجب إعادتها عند القدرة. الجواب: هذا يتصور في سفر الميت، إذا يمم وصلي عليه ثم وجد الماء؛ فقد قال البغوي في الفتاوي: "أنه يجب غسله والصلاة عليه". قال: "ويحتمل أن لا يجب". قلت: وبهذا الاحتمال جزم ابن سراقة في [التلقين] 5. قلت: محل الجواب عند القول به ما قبل إدراج الميت إذ لا يتجه بعده ولعل هذا موضع قول من أوجب ومحل من لم يوجب ما بعد الإدراج. مسألة: امرأة لها ولد من ماء زوجها، وهي فراشه [ثم] 6 لا يثبت نسبه.   1 في "ب" ممرها. 2 في "ب" فهو. 3 في "ب" الطلبة به. 4 في "ب" المفروضة. 5 في "ب" القلتين. 6 سقط من "ب". الجزء: 2 خاتمة : تشتمل على ثلاث مسائل: المسألة الأولى: في رجل قال لامرأته: إن لم يكن ما في هذا الدرس متضمنًا حقًا فأنت طالق، فقالت: إن كان ما هو متضمنًا حقًا فعبدي حر فهل تطلق امرأته أو يعتق عبدها؟ الجواب: لا تطلق امرأته. ولا يعتق عبدها، وكان -في لفظهما للأمر والشأن، "وما" نافية حجازية نصب "متضمنًا"، "فمتضمنًا" منصوب بما لا بأنه خبر كان، والجملة في موضع نصب على أنها خبر كان، و"حقًا معمول "متضمنًا". وتقدير كلام الزوج: إن لم يكن الأمر والشأن ليس متضمنًا حقًا هذا المجموع فالمعنى: إن لم يكن فيه حق فأنت طالق، ولا شك أن فيه حقًا فلا تطلق لأن طلاقها معلق على أنه لا يكون فيه حق لأن حرف السلب وهو لم إذا سلط على سلب وهو لا فيه حق كأنه للإثبات؛ لأن نفي النفي إثبات؛ فكأنه قال: إن انتفى عنه الحق فأنت طالق، والحق [لم] 1 ينتف عنه فلا تطلق، وهي قالت: إن كان [الشأن] 2 ليس فيه حق فعبدي حر، وهو لم يكن كذلك لاشتماله على حق فلا يعتق لأن المعلق عليه -وهو أن [موجد] 3 هذا المجموع لا حق فيه غير موجود. المسألة الثانية: فلو قال: إن لم يكن ما هو مضمون هذا الدرس الحق فأنت طالق؛ فقالت: إن كان ما هو مضمون هذا الدرس الحق فعبدي حر كيف الحال؟   1 في "ب" أمر. 2 في "ب": الثاني. 3 في "ب" هو حق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 الجواب: تطلق امرأته ولا يعتق عبدها، وهذا لأن "كان" ناقصة، و"ما" موصولة، و"الحق" معرف بالألف والسلام المقتضية للاستغراق منصوب على أنه خبر كان، والمعنى: إن لم يكن الذي في هذا المجموع هو الحق بل بعض الحق وبعض الشيء غيره؛ فتطلق لوجود الصفة، وهي أنه ليس كل الحق -فهو كما قال الشافعي رضي الله عنه في رجل قال لزوجته- وفي فمها لقمة إن بلعتيها فأنت طالق وإن أخرجتيها فأنت طالق، قال: تبلغ بعضها ولا [تكون] 1 بلعتها. وأما عبدها فلا يعتق؛ لأن الذي في الدرس ليس الحق بتمامه بل بعضه؛ إذ من الحق كثير ليس فيه فلم توجد الصفة فلا يعتق. وهذا في القسمين إن جعلنا الألف واللام في "الحق" للاستغراق ولاحظنا قاعدة حصر المبتدأ في الخبر؛ فإن جعلناها جنسية أو أراد الزوجان الجنس انعكس الحال -فيعتق عبدها ولا تطلق امرأته. المسألة الثالثة: جميع ما قلته في هذا الدرس صواب، ولا أقول جميع الصواب فيما قلته، وإنما قلنا: جميع [ما قلناه] 2 في هذا الدرس صواب؛ لأنه [إن] 3 لم يكن صوابًا [فإما] 4 أن يكون كله خطأ أو بعضه خطأ [أو بعضه] 5 صواب. فالبعض الذي هو خطأ إما أن يتميز عن البعض الذي هو صواب أو لا يتميز، والمتميز إما أن يكون متميزًا في نفسه غير منظور فيه إلى الغير، وإما أن يكون متميزًا في نفسه منبه فيه على أن غيره على الضد منه. فهذه أقسام سبعة6 أن يكون كله صوابًا، كله خطأ بعض منه يتميز عن البعض الآخر، صواب [منبه فيه على أن البعض الآخر خطأ بعض منه متميز عن البعض الآخر] 7، صواب مسكوت فيه عن البعض الآخر، بعض منه مجهول صواب والآخر خطأ، بعض منه مجهول صواب والآخر مسكوت، بعض مجهول خطأ والآخر مسكوت لكن إثبات الخطأ في كله خطأ للقطع باستعمال بعضه على الحق وإثبات الخطأ في   1 في "ب" يكون. 2 في "ب": ما قلنا. 3 سقط في "ب". 4 في "ب": أما. 5 في "ب" وبعضه. 6 في "ب" زيادة: إما. 7 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 بعض مجهول خطأ؛ لأن الحكم على الشيء فرع تصوره والمجهول غير متصور وإثبات الخطأ في بعض معين يستدعي معرفته، ولا بد من ذكره ليبحث عنه، "فما"1 لم يذكر لا يثبت ولا يسمع فلم [يبق] 2 إلا إثبات الصواب إما لكله أو لبعضه مع السكوت عن الآخر؛ فإن كان الأول حصل المدعي، وإن كان الثاني فنقول ذلك البعض المسكوت عن الحكم بكونه صوابًا أو خطأ؛ إما أن يكون [أقل] 3 من البعض المحكوم بكونه صوابًا أو مساويًا له أو أكثر، فإن كان أقل فإلحاق القليل بالكثير والفرد النادر بالأعم الأغلب طريق من طرق الصواب، فليحكم على الكل بأنه صواب إلحاقًا للمفرد النادر بالأعم الغالب، وإن كان مساويًا أو أكثر فنقول: لما احتمل هذا الخطأ والصواب مع ثبوت الصواب لما وراه فالحكم بأنه صواب أرجح من الحكم بأنه خطأ بوجوه [ثلاثة] 4. أحدها: أن الحكم بأنه خطأ [لا مستند] 5 له ظاهر [والحكم بأنه صواب مستنده ظاهر وهو اشتراك الأبعاض فيما لكل منهما -والحكم الذي له مستند أقرب إلى الصواب من الحكم الذي] 6 لا مستند له يظهر. والثاني: إن عدم ظهور الخطأ يوجب عدم الحكم به وعدم ظهور الصواب لا يوجب عدم الحكم بالصواب لأن الحكم به [يستند] 7 إلى أصل البراءة ولو ثبت الخطأ لكانه فتحًا لباب الملام، لكن استصحاب البراءة الأصلية يسد باب الملام ما لم يثبت بوجه شرعي فكان الحكم بالخطأ مرتفعًا. والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ" فإن المراد إما نفسه أو إثمه أو حكمه، لكن حكمه وإثمه ينتفيان في [موضع] 8 لا يمكن أن يحمل عليه نفسه أما موضع يمكن حمله فيه على ظاهر فلا ينتفيان، بل يتعين إبقاؤه على ظاهره إذ لا صارف له وهنا لم يتعين الخطأ، والأصل عدمه، فيثبت الصواب لثبوت ارتفاعه. فتأمل هذه النكتة البديعة، وما قبلها من المسألتين ونكتة الآية وخرج بعد ذلك عليه ما تشاء؛ فقد فتح الباب ورفع الحجاب وإلى الله المرجع والمآب، وصلى الله على محمد وآله والأصحاب.   1 في "ب" ما. 2 سقط في "ب". 3 في "ب" فأقل. 4 في "ب" ثلاث. 5 في "ب" المستند. 6 سقط في "ب". 7 في "ب" يستدل. 8 في "ب" مواضع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 ولنختم هذا الكتاب بأدعية مأثورة وأذكار من السنة الشريفة مجموعة أنا جمعت كلًا من الأدعية والآثار وجهدت في استخراجها من كتب الأخبار حتى جمعت متفرقاتها على هذا الوجه الذي أبديه [فينبغي] 1 المحافظة عليه لمن خلا له وقت واجتمع عليه قلب وصفًا له سر. فأقول: الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحان ربي الأعلى الوهاب، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، الله الله ربي لا أشرك به شيئًا، الله الله ربي لا أشرك به شيئًا، حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن ولي من الذل، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، مما أخاف وأحذر، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، سبحان الله العظيم وبحمده سبحان الله العظيم. اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم. بسم الله الذي لا إليه إلا هو الحي الحليم، سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين، اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، في قبضتك، ناصيتي بيدك -ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم عظيم هو لك، أسألك بكل اسم عظيم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، اللهم إني أسألت بأني أشهد أنك الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدً، اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت أحدًا صمدًا لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوًا أحد. اللهم إن أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم وباسمك العظيم الأعظم، وباسمك الكبير الأكبر، وباسمك الأعلى الأعز الأجل الأكرم، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث يا حي يا قيوم.   1 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 يا حي يا قيوم يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. يا محمد أتوجه بك إلى ربي في حاجتي، اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي تضمنته هاتان الآيتان {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} {الم، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ياذا الجلال والإكرام ياذا الجلال والإكرام ياذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين رب المستضعفين يا غياث المستغيثين يا إليه العالمين يا نور السماوات والأرض وياذا الجلال والإكرام، يا غوث المستغيثين ومنتهى رغبة الراغبين ومتنفس المكروبين ومفرح المغمومين وصريخ المستصرخين ومجيب دعوة المضطرين كاشف كل سوء، ياذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا ولا يحصيه غيرك يا شاهدًا غير غائب، ويا قريبًا غير بعيد ويا غالبًا غير مغلوب يا من لا يعلم كيف هو إلا هو ويا من لا يبلغ كنه قدرته غيره، يا كثير الخير، يا دائم المعروف، يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر يا عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة ويا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتتنا، أسألك يا الله اللهم رب جبريل ورب ميكائيل ورب إسرافيل اللهم رب السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه اللهم رب كل شيء وخالق كل شيء ناصية كل شيء بيدك، أسألك بجميع محامدك على جميع نعمك، أسألك يا الله القريب الرقيب الحافظ الرؤوف الرحيم يا الله الحي القيوم القائم على كل نفس بما كسبت أن تصلي على نبيك وحبيبك وصفيك ورسولك خاتم أنبيائك ومقدم أصفيائك وأشرف خلقك سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة أجمعين وأهل طاعتك المقربين من سائر المخلوقين وأسألك الرضى بالقدر وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقًا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة. اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلاة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 اللهم إني أسألك رضاك والجنة وما قرب إليهما، وأعوذ بك من سخطك والنار وما قرب إليهما. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. اللهم إني أسألك نفسًا مطمئنًا وقلبًا راضيًا وصدرًا منشرحًا. اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعل ذلك الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، ولا تجعل اللهم مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا يا ارحم الراحمين. اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله، ما علمت به وما لم أعلم1 اللهم اكفنا شر خلقك بما شئت. الله اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وأرزقني. اللهم اغفر لي خطئي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي. اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وبرضاك من سخطك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم إني أعوذ بك من صاحب يرديني. اللهم إني أعوذ بك من أمل يلهيني. اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والذل والصغائر والفواحش ما ظهر منها وما بطن. اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك.   1 في "ب" زيادة: أعوذ بك من الشرك عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 الله أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي ديناي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة لي زيادة في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. اللهم إني أسألك من كل خير سالكه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم. رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي. رب اجعلني لك ذاكرًا، لك شاكرًا، لك خائفًا، لك مطاوعًا، إليك [مخبتًا ومنيبًا] 1. رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي. اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي اللهم إني أسالك الهدى والتقى، والعفاف والغنى. اللهم أسألك أن تستجيب دعوتي، وأن تغفر زلتي، وأن تمحو خطيئتي، وأن تستر عورتي، وأن تؤمن روعتي، وأن تسكن لوعتي، وأن تبرد حرقتي، وأن تكثر بكائي على زلتي، وأن تقلل اقترافي لمعصيتي، وأن تصلي على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون صلاة تصل مني إليك وتفد مني عليك يسر بها قلبه الطاهر المسرور وينشرح لها صدره الذي صدر الصدور وتكون من أسباب محبته في. اللهم صلى على سيدنا محمد و [على] 2 آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد [وعلى آل محمد] 3،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. اللهم صل عليه عودًا على بدء، وارض عن أصحابه أجمعين واخصص اللهم   1 سقط في "ب". 2 سقط في "ب". 3 سقط في "ب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الصديق والفارق وذا النورين والمرتضى برضاء تام لا يختلف عن بقية الصحابة مع تخصيصه، ولا يتوقف في إطلاق مع تقييده وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. قال مؤلفه رحمه الله: نجز الفراغ من هذا الكتاب -نفع الله به في السابع من شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وسبعمائة على يد مؤلفه عبد الوهاب بن السبكي غفر الله له وكان نجازه بدار الخطابة بالجامع الأموي1 بدمشق [وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا] 2. [انتهى]   1 في "ب" زيادة: الكبير. 2 زيادة في "ب": "والله الموفق في الصواب وله المرجع والمآب والحمد لله على كل حال". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 فهرس الموضوعات الجزء الثاني ... فهرس موضوعات الجزء الثاني: 3 أصول كلامية ينبني عليها فروع فقهية 3 أصول: السعادة والشقاوة لا يتبدلان، أصل: العلم الاعتقاد الجازم المطابق. 4 الموجب 5 أصل: في الفرق بين الاسم والمسمى 6 اصل: في حقيقة الكلام 7 مسألة: في الفرق بين الملجأ والمضطر وما يتعلق بهما 12 تنبيهات: تتعلق بشروط تحقق الإكراه 16 أصل: اتفق أئمتنا على اجتماع مقودورين خالفين أو مكتسبين 18 مسألة: في حقيقة العقل، مسألة: الحل والحرية والطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية ليست من صفات الأعيان 20 مسألة: الحسن والقبح شرعي لا عقلي خلافًا للمعتزلة 20 أصل: في حقيقة الحياة 21 أصل: الصحيح احتياج الممكن في حال بقائه إلى المؤثر، مسائلة اختلاف الصفة هل هو كالاختلاف العين؟ 22 أصل: في دلالة الأفعال المحكمة على علم فاعلها بها، أصل: يبحث فيه عن معنى السبب والصلة والفرق بينهما 27 تنبيه: في الفرق بين السبب والشرط 27 مسألة: في حكم الشرط إذا دخل على السبب، فرع: الشروط المعلق عليها ضد الإطلاق 36 تحمل على حياة الشخص المعلق، أصل قاطع: لا يجوز عقد اجتماع 37 علتين على معلول واحد 39 فصل: فيما ازدحم عليه علتان فكان ازدحامهما سهبب دمارهما وإهمالهما القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما 40 أنسب وأخيل فأعملتاها 43 فصل: مسائل فيما سبق أفصل: مسائل فيما سبق، تنبيه: فيما يظن فيه ازدحام علتين 47 اعمل أضعفهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 50 فصل: فيما ازدحم عليه علتان لا يترجح إحداهما على الأخرى وظهر الحكم بعدهما 51 فصل: فيما ازدحم عليه علتان عامة وخاصة 52 فصل: فيما ازدحم عليه علتان بينهما عموم وخصوص من وجه. 53 فصل: قد يتعب المحل علتان مقتضى كل منهما مقتضى أختها مع كونها غير مجتمعين 55 تنبيه: فيما لو تعاقب على المحل وصفان لا يعرف زوال واحد منهما 57 أصل: الصلة تسبق المعلول زمانًا عند أقوام من الفقهاء 58 القول في أحكام تقارن في الزمان لسببها 59 القول في أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها على أسبابها 64 تنبيه: في منع تقدم المشروط على الشرط 64 أصول خمسة: الدور والجمع بين النقيضين وتحصيل الحاصل محال ونفي النفي لإثبات ولازم النقيضين واقع 64 أصل: في بيان حقيقة الإنسان 68 أصل: لازم النقيضين واقع لا محالة 71 فرع: في المسألة السريحة وطريقة حلها 77 مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية 77 أصل: التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة 78 فائدة: في أنواع الأحكام 79 مسألة: المعنى بصحة العقود ترتب أحكامها عليها 81 مسألة: السم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وسائر الأسماء المشتقة 84 مسألة: لا يشتق اسم الفاعل من شيء والفعل قائم بغيره 84 تنبيه: في بيان متى يحمل اسم الفاعل على الماضي 85 مسألة: الغرض والواجب مترادفان 87 تنبيه: فرض العين لا يؤخذ عليه أجرة 88 قاعدة: ما لا يتم الوجب إلا به فهو واجب 89 مسألة: فرض الكفاية مهم من مهمات الوجود 92 مسألة: السنة والنافلة والتطوع والمستحب والمندوب والمرغب فيه والمرشد إليه والحسن والأدب ألفاظ مترادفة عند فقهائنا 93 مسألة: في الأمر بواحد من أمور معينة 94 مسألة: يجوز أن يحرم شيء واحد مبهم من أشياء معينة خلافًا للمعتزلة 96 فروع يتعلق التحريم فيها بمبهم 97 مسألة: في حقيقة الرخصة 98 مسالة: يصح التكليف مع علم الأمر والمأمور انتفاء شرط وقوعه عند وقته 98 مسألة: التبادل والفاسد مترادفان 100 مسألة: في حكم وجوب القضاء 101 مسألة: الكافر مكلف بالفروع 103 مسألة: في اسم الجنس وعلم الجنس 110 كتاب الكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 110 مسألة: في اللغات 114 مسألة: النيابة تدخل المأمور إلا لمانع 115 مسألة: الأمر لا يقضتي الفور 115 مسألة: في الأمر بعد الحظر 115 مسألة: الأمر لا يقتضي التكرار 115 مسألة: الأمر بالشيء نهي عن ضده 115 مسألة: النهي إذا رجع إلى لازم اقتضى الفساد 117 كتاب العموم والخصوص 117 مسألة: في معاني الألف واللام 119 مسألة: "كل" للعموم 120 مسألة: "متى" للعموم في الأوقات 120 مسألة: أي تكون شرطًا أو استفهامًا وموصولًا 122 مسألة: أقل الجمع ثلاثة وقيل: اثنان 123 مسألة: في دخول المخاطب تحت عموم خطابه 124 مسألة: خطاب الشارع -بالمسلمين والمؤمنين- بتناول الصيد 134 مساعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب 134 تنبيه: الخالة بمنزلة الأم 134 137 مسألة: اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال 141 فوائد: في ترك الاستفصال 142 مسألة: وقائع الأعيان إذا تطوى إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فسقط بها الاستدلال 145 مسألة خلافية: في المساواة بين الشيئين والأشياء يقتضي العموم 148 مسألة: المقيد بمتنافين يستغني عنهما ويرجع إلى أصل الإطلاق 148 تنبيه: إذا ولغ كلب في إناء أحدكم 150 مسألة: المختار إذا نسي حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع 151 فالقول أقوى 156 تنبيه: التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل في المستقبل 158 تنبيه ثان: الكف فعل على المختار 158 تنبيه ثالث: في مراتب الفعل 160 تنبيه رابع: في بيان المراد من السكوت 160 فعل وعلى قول 161 تنبيه سادس: في حكم إلحاق القولي بالفعلي 162 فصل: في الفرق بين تأثير كل من القول والفعل في مفعوله 162 مسألة: لفي الفرق بين الرواية والشهادة 164 مسألة: خبر الواحد وإن خالف قياس الأصول مقدم على القياس 164 165 مسألة: خير الكافر مردود 165 مسألة: في خبر الصبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 166 مسألة: في خبر الفاسق 166 مسألة: في حكم تكذيب الشيخ للراوي عنه 167 كتاب الإجماع 167 مسألة: في الإجماع السكوتي 171 مسألة: إذا اختلفت الأمة على قولين ثم ماتت إحدى الطائفتين ففي صيرورة قول الباقين إجماعًا خلاف 174 كتاب القياس 174 مسألة: في اشتعمال قياس العكس 174 مسألة: في إثبات اللغة بالقياس خلاف مشهور 175 مسألة: القياس يجري في الكفارات خلافًا لأبي حنيفة 176 مسألة: في صلة الأسباب الشرعية بالأحكام 177 وحكم الأصل 178 مسألة: في حكم العلة القاصرة 179 مسألة: التماثل في العلة قد يمنع تأثيرها في علتيها 179 مسألة: في القياس الخارج عن القياس 182 مسألة: في قياس علية الأشياء 183 تنبيه: فيما إذا تنازع الفرع أصلان ولم يترجح أحدهما على الآخر 183 تنبيه آخر: في حكم القياس المركب 184 تنبيه ثالث: في أحكام تتعلق بالخلع 186 فصل: ما دار بين أصلين أكمل 187 فصل: في مسألة من الشبه الصوري 188 مسألة: في ضبط الأحكام بالأسباب الظاهرة 190 فائدة: في تعلق الأحكام بغير المنضبط 192 مسألة: اختلف في تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي 193 كتاب الاستدلال 193 مسألة: في حجية قول الصحابي وعدم حجيته 193 مسألة: في دلالة الاقتران 194 مسألة: في الاستحسان 196 كتاب الترجيح 196 مسألة: فيما إذا تعادلت الأمارتان 196 مسألة: في تقدم الخاص على العام عند التعارض 197 مسألة: في كون التخصيص أولى من المجاز 197 قاعدة: ما ثبت بالنص أولى بما ثبت بالأخبار 201 كتاب الاجتهاد 201 مسألة: في كون اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم غير قابل للخطأ 202 كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية 202 مسألة: "إن" الخفيفة المكسورة ترد للشرط 203 مسألة: "إن" -بفتح الهمزة- ترد حرفًا مصدريًا ناصبًا للمضارع 204 مسألة: "إلى" حرف جر لانتهاء الغاية 206 مسألة: "أو" موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 206 تنبيه: في حكم ما إذا دخلت "أو" بين يقينين أو بين إثباتين 207 تنبيه: في الفرق بين الشك والإبهام، وبين التخيير والإباحة 208 مسألة: في معنى "إذا" وما يترتب عليه 210 مسألة: "إذا" أغلب معانيها أن تكون ظرفًا للزمان الماضي 210 فائدة: "أول" أصلها واستعمالاتها 212 مسألة: "إلا" ترد للاستثناء وبمعنى غير 212 فصل: قد يستثنى بالإ ما ليس من الجنس 214 مسألة: في معاني "الباء" 216 مسألة: بعد ظرف زمان دال على تقدم سابقه على لاحقه 216 مسألة: "بل" حرف إضراب يتلوه جملة ومفرد 217 مسألة: "بلى" حرف جواب مختص بالنفي 218 مسألة: في معاني تاء التأنيث 219 مسألة: "ثم" حرف عطف للتشريك والترتيب والمهلة 219 مسألة "حتى" 221 مسألة: "غير" أصل وضعه الصفة 222 مسألة: "الفاء" للتعقيب في كل شيء بحسبه 223 مسألة: "في" للظرفية الزمانية والمكانية 223 مسألة: في مدلول "قبل" 223 مسألة: في مدلول "كاد" 225 مسألة: في "مدلول "كم" 226 مسألة: في مدلول "كيف" 226 مسألة: في مدلول "كان" 227 مسألة: في مدلول "كذا" 228 مسألة: "اللام" ترد لمعان كثيرة 229 مسألة: في مدلول "لولا" 229 مسألة: في مدلول "لعل" 229 مسألة: في معاني "من" 231 مسألة: في إطلاق الكلام على الكناية والإشارة 232 باب النكرة والمعرفة 235 باب المضمر 235 مسألة: من المضمرات "أنت" 235 مسألة: في ضمير الفصل 236 مسألة: فيما إذا اشتركت الجملتان المعطوفة إحداهما على الأخرى في اسم 236 باب الموصول 236 مسألة: في مدلول "من" 237 مسألة: في الموصول الحرفي 237 باب المبتدأ 237 مسألة: في مطابقة الخبر للمبتدأ 239 مسألة: في حكم الإخبار بالحياة 239 باب المفعول المطلق 239 ما يدل عليه المصدر 239 باب الاستثناء 239 مسألة: في حكم وضع المستثنى أول الكلام 240 باب الحال 240 الحال وصف من جهة المعنى، بيان ما يترتب على ذلك من أحكام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 242 مسألة: الأصل كون الحال للأقرب 242 مسألة: في مجيء الحال جملة 242 باب العدد 243 باب التوابع 243 مسألة: في معنى النعت 243 مسألة: في عطف البيان 243 باب النداء والترخيم 243 مسألة: في المنادي المفرد 244 مسألة: "مع" أصله معي، حذفت ياؤه للتخفيف 244 تنبيه: حركة مع حركة إعراب 244 فرع: في حكم "مع" إذا قطعت عن الإضافة 246 باب أبنية الفعل ومعانيها 246 فعل: في المجرد والمزيد من الأفعال 248 باب أفعل التفضيل 248 باب إعمال اسم الفاعل والصفة المشبهة 249 باب عوامل الجزم 249 مسألة: لأداة الشرط صدر الكلام 253 مسألة: في حكم اعتراض الشرط على الشرط 254 المآخذ المختلف فيها بين الأئمة التي ينبني عليها فروع فقهية 254 القول في "سبب الختلاف الفقهاء" 262 القسم الثاني: الخلاف في فروع بعد الاتفاق على أصولها 264 مأخذ: في العلاقة بين الإمام والمأموم 267 مسألة: في بيان المغلب في الزكاة من كونه العبادة أو المواساة 270 مأخذ: في علة ربوية الأشياء المنصوصة 270 مأخذ: الأصل عندنا أن كلًا من الثمن والمثمن مقصود بنفسه 271 مأخذ: الأصل في بيع الربويات التحريم 273 مأخذ: لا معنى لانعقاد العقود إلا ثبوت أحكامها 276 مأخذ: في حكم الفعل إذا طابق بظاهره الشرع 276 مأخذ: في حكم الرهن 276 مسألة: في ضمان العين المغصوبة 277 مسألة: في معنى الغصب 278 مسألة: في بيان ما إذا كانت المالية قائمة بالأعيان أو بالمنافع 280 أصل: فيما إذا كان المغصوب مثليًا 281 مسألة: في حكم ما إذا تعذر المثل 283 مسألة: في علة ثبوت الشفعة 284 مسألة: العبد محجور عليه بحق سيده 285 مسألة: في بيان ماذا كان تصرف النبي صلى الله عليه وسلم بالفتيا أو السلطنة وبيان ما يترتب عليه الخلافات في ذلك 287 مسألة: فيما إذا كان النكاح يتناول كل واحد من الزوجين تناولًا واحدًا أم لا، وبيان ما يترتب على الخلاف في ذلك 291 مسألة: يفيما إذا كان أثر الشيء يتنزل منزلته أم لا وبيان ما يترتب على كلا الحالين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 293 مسألة: في كون الصداق حق المرأة أو حق الله 294 مسألة: اختلاف الدارين هل يؤثر في اختلاف الأحكام أم لا؟ 295 مسألة: في بيان الخلاف في كون حل الأمة بالنكاح كحل الحرة أو دونه؟ 295 مسألة: في بيان ما إذا كانت نفقات الزوجات على سبيل المعاوضات أو على سبيل الصلات 296 مسألة: في بيان الخلاف في معنى القصاص 297 مأخذ: في بيان الخلاف في المأذون في فعله من قبل الله 298 مأخذ: في بيان الخلاف في كون اسم الزنا يطلق على الرجل والمرأة حقيقة أو هو حقيقة في الرجل مجاز في المرأة 299 مأخذ: في بيان متى تملك الغنائم والخلاف في ذلك وبيان ما يترتب على ذاك الخلاف 300 مسألة: في بيان ما إذا كان القضاء إظهار لحكم الله أو هو إثبات لحكم المدعي به وإنشاء له؟ 300 مسألة: في بيان ما إذا كان المعقود عليه في الكتابة رقبة المكاتب أو اكتساب العبد 304 يذكرها الفقهاء 306 فصل: في تقاسيم أدرجها بعض الفقهاء في القواعد خطأ وليست من القواعد في شيء 308 فصل: في عدم اعتبار المأخذ والعلل التي يشترك فيها من القواعد 309 فصل: ومنهم من يعقد فضلًا لأحكام الأعمى 309 فصل: ومنهم من يذكر الفقه المختص ببعض الأماكن أو بعض الناس 310 فصل: ومنهم من يشتغل بتقرير كون مذهب الصحابي غير حجة 310 فصل: ومنهم من يعقد فصلًا للمسائل التي يفتي فيها على القديم 310 فصل: ومنهم من يدخل مسائل الأحاجي والألغاز 311 باب في الألغاز: 321 مسألة: رجل قال لامرأته: إن كان ما في كمي من دراهم 323 مسألة: امرأة في فمها لقمة 323 مسألة: رجل قال لصاحبه: إن بدأتك في الكلام فامرأتك طالق 324 مسألة: رجل قال: أنا لأرجو الجنة 326 مسألة رجل قال لامرأته -حالفًا بالطلاق: كلما تقولين في هذا المجلس أقول لك فيه مثله، فقالت له: أنت طالق 337 مسألة: سئل القفال عن بالغ عاقل مسلم هتك حرزًا وسرق نصابًا لا شبهة له فيه ولا قطع عليه 327 مسألة: الألغاز التي وجهت إلى القاضي أبي الطيب، وإجابته عنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 327 مسألة: رجل قال لامرأته: إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة فأنت طالق، فقال آخر: إن لم يكن أبو حنيفة أفضل فامراتي طالق، فمن الذي تطلق امرأته؟ 328 مسألة: مسلم قال: إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق 329 مسألة: وقع حجر من سطح فقال الزوج: إن لم تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق، وهي لا تدري من رماه 331 مسألة: إذا قال له: علي اثنا عشر درهمًا ودانقًا -بالنصب في دانق- ما يلزمه، وما الذي يلزمه عند الرفع والخفض 332 مسألة: إذا قال: قارضتك على أن لك سدس تسع عشر الربع، هل يصح؟ 333 مسألة: رجل فاتته صلاة يومين وليلتين فصلى عشر صلوات واحدة بعد أخرى على ترتيب الخمس، فلما فرغ من جميعها قال 334 مسألة: سئل بعض المتقدمين بهذين البيتين 334 أتعرف من قد باع في مهر أمه أباه فوفاها بحق صداقها وكانت قديمًا أشهدت كل من رأت بأن أباها قد أبت طلاقها 334 مسألة: رجل مات عن زوجة، فلم ترثه بغير مانع من الموانع المذكورة في الإرث 335 مسألة: تتعلق بما رواه الخطيب 336 مسألة: رجل خرج إلى السوق وترك امرأته في البيت، ثم رجع فوجد عندها رجلًا، فقال من هذا؟ قالت: هذا زوجي، وأنت عبدي، وقد بعتك له 336 مسألة: ثلاثة تداعوا وتساووا في الحجة فغلبت حجة أحدهم وأسقطت الحجتان، وحصل لأحد الذين سقطت حجتهما مقصوده الذي كان يدعي به، ولم يحصل من قبلت 336 حجته على مقصوده بل على ضده 337 مسألة: امرأة لها زوجان ويجوز أن تتزوج بثالث؟ 337 مسألة: شخص مات بالمغرب فوجب على آخر بالمشرق صلاة عشرين سنة 337 مسألة: رجل جرح جرحًا واحدًا فضمنه، فجرح ثانيًا فضمنه فجرح ثالثًا فسقط أحد الضمانين، ولم يجب في الثلاثة إلا ضمان واحد 337 مسألة: رجل نظر إلى امرأة أول النهار حرمت عليه، ثم حلت له ضحوة وحرمت الظهر، وحلت العصر، وحرمت المغرب، وحلت العشاء، وحرمت الفجر، وحلت ضحوة، وحرمت الظهر ثم حلت العصر، ثم حرمت المغرب ثم حرمت مؤبدة؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 338 مسألة: رجل يجوز أن يصلي إماما ومنفردًا، لا مأمومًا 338 مسألة: امرأة طلقها زوجها فوجبت عليها أربع عدد 338 مسألة: رجل إذا احتوى على المسروق لم يقطع، وإن لم يحتو عليه قطع 338 مسألة: خمسة عشر ذكورًا ورثوا مال ميت بالنسب، خمسة منهم ورثوا نصف وخمسة ثلثه، وخمسة سدسه 339 مسألة: أي نجس يتنجس مسألة: شيئان من في الصلاة أحدهما يشترك ستره من أعلى لا من أسفل والثاني ستره من أسفل لا من أعلى 340 مسألة: ما هو ألف قلة وهو نجس من غير أن يتغير بنجاسة 340 مسألة: شيء إن وقع كله كان على شخص ضمن بعضه، وإن وقع بعضه ضمن كله 340 مسألة: في أي موضع يزيد البعض عن الكل 341 مسألة: رجل ترك صلاة واحدة من الخمس 341 مسألة: رجلان ثبتت عدالتهما 341 مسألة: رجل قتل آخر ظلمًا 341 مسألة: عبد تزوج أمة غيره بإذن سيدها 342 مسألة: ماءان يصح الوضوء بكل منهما منفردًا 342 مسألة: جماد يملك ما هو مسألة: امرأة لا مانع فيها من حضانة ولدها 243 مسألة: رجلان أديا ما أمرا به 383 خاتمة 383 المسألة الأولى 383 المسألة الثانية 384 المسألة الثالثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399