الكتاب: النكاح والطلاق أو الزواج والفراق المؤلف: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر: مطابع الرحاب الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- النكاح والطلاق أو الزواج والفراق أبو بكر الجزائري الكتاب: النكاح والطلاق أو الزواج والفراق المؤلف: جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر: مطابع الرحاب الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] النكاح ما هو النكاح؟ إن لفظ النكاح يطلق على الوطء – الجماع – ويطلق على العقد الذي يتم بين الزوجين – الرجل والمرأة – بأربعة شروط وهي: الولي، وهو أبو الزوجة، أو الوصي، أو الأقرب فالأقرب أو القاضي إذ هو ولي من لا ولي لها، والشاهدان، وصيغة العقد، والمهر أي الصداق، فهذه الشروط الأربعة تعتبر كالأركان للنكاح متى سقط ركن منها فسد النكاح وبطل ولكل ركن من هذه الأركان الأربعة شروط وبيانها كالآتي: 1. شروط الولي وهي أن يكون أهلا للولاية وذلك بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً رشيداً حراً، وأن يستأ مرها الولي أي يطلب أمرها إن كانت ثيبا فإن وافقت فبها ونعمت وإن لم توافق فلها ذلك، ولا يتم العقد إذنها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الموطاء: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صمتها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 2. شروط الشاهدين وهي أن يكونا عدلين وأن يكون اثنين فأكثر، والعدل هو من يتجنب الكبائر، ويترك غالبا الصغائر1 لقول الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} 2 وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" 3. 3. شروط الصيغة وهي أن يقول الزوج الخاطب أو وكيله في العد زوجني ابنتك أو وصيتك فلانة، وقول الولي لقد زوجتك ابنتي أو وصيتي فلانة، ويقول الزوج أو وكيله قبلت زواجها من نفسي أو لمن وكلني بذلك ومن شروط الصيغة كفاءة الزوج للزوجة بأن لمن يكون حراً ذا خلق ودين وأمانة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" 4. 4. المهر وهو واجب لقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} 5، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "التمس ولو خاتما من حديد"، ويستحب أن يكون خفيفا لا ثقيلا كثيراً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم   1 رواه البيهقي والعمل به عند كافة الفقهاء. 2 سورة الطلاق الآية: 2. 3 رواه أبو داود والترمذي 4 متفق عليه. 5 سورة النساء الآية: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة"، ومن شروطه أن يكون متمولا تزيد قيمته على ربع دينار، ويصح تأجيله، وإن مات الزوج قبل الدخول لها المهر كاملاً والإرث وعليها العدة كاملة وهي أربع أشهر وعشر ليال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 آداب النكاح وسننه للنكاح الشرعي سنن وآداب هذا بيانها: 1. الخطبة، وهي أن يقول من يتولى العقد: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً , يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ   1 سورة آل عمران الآية: 102. 2 سورة النساء: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 1؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره فليقل الحمد لله الخ .... " 2. وليمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج: "أولم ولو بشاة" 2، ومن سنن الوليمة وآدابها: 3. وجوب حضورها عن لم يكن عذر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب" 3 ويرخص في عدم حضورها إذا كان هناك لهو ولعب وباطل. 4. إعلان النكاح بدف ونحوه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت" 4 5. الدعاء للزوجين بلفظ: "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكم في الخير".5   1 سورة الأحزاب الآيتان: 70/71. 2 رواه البخاري. 3 رواه مسلم. 4 رواه أصحاب السنن إلا أبو داود. 5 أخرجه الترمذي وصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 6. إذا دخل الزوج على زوجته أخذ بنا صيتها وقال: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" 1. 7. أن يقول الزوج عند إرادة الجماع: "بسم الله اللهم جنبنا الشطان وجنب الشطان ما رزقتنا" 2.   1 رواه ابن ماجه. 2 متفق عليه. 3 متفق عليه. 4 رواه أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الشروط في النكاح إن اشترطت المرأة أو الرجل شروطا ينظر في الشروط فإن كان مما يخل بالعقد فإنه شرط باطل لاغ، وإن كان مما لا يخل بالعقد فهو جائز لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" 3. ومن الشروط الباطلة أن تشترط المرأة على زوجها أن يطلق امرأته إن كان له امرأة غيرها، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى" 4 ولحديث الشيخين: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها".   3 متفق عليه. 4 رواه أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الخيار في بقاء النكاح أو فسخه يجوز لأحد الزوجين أن يطالب بفسخ النكاح للأسباب الآتية: 1. العيب كالجنون أو الجذام والبرص أو داء الفرج المفوت للذة، وفي حالة الرغبة في فسخ النكاح، ينظر فإن كان الفسخ قبل الوطء فإن للزوج أن يطالب به ممن غرر به من ذويها لما في الموطاء عن عمر رضي الله عنه إذ قال رضي الله عنه أيما امرأة غر بها رجل بها جنون، أو جذام، أو برص فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره. 2. الغرر كأن يتزوج مسلمة فتظهر أنها كتابية أو حرة فتظهر أنها أمة أو صحيحة فتظهر مريضة بعورة أو عرج، والدليل قول عمر الآنف الذكر. 3. الإعسار في النفقة فمن أعسر في نفقة زوجته، انتظرته ما استطاعت من الوقت فلها الحق في فسخ نكاحها من زوجها بواسطة القاضي لقول الصحابة بهذا وفعلهم له. 4. إذا غاب الزوج ولم يعرف مكان غيبته ولم يترك للزوجة نفقة ولم يوص أحداً عليها بالإنفاق ولم يكن لديها ما تنفقه على نفسها، في هذه الحال لها أن تطالب بفسخ النكاح بواسطة القضاء الشرعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 حقوق الزوج ين إن لكل من الرجل وزوجته حقوقا تجب له على صاحبه فحقوق الزوجة هي: 1. نفقتها من طعام وشراب وكساء وسكنى بالمعروف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"؛ أي لا تحولها على بيت آخر تهجرها فيه1. 2. الاستمتاع بها وهو وطؤها ولو مرة في كل أربعة أشهر عن عجز على قدر كفايتها منه، لآية الإيلاء في البقرة وهي قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. 3. المبيت عندها في كل أربع ليال ليلة إذ قضى بهذا على عهد عمر رضي الله عنه.   1 رواه أحمد وابن ماجه. 2 سورة البقرة الآية: 226. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 4. القسم لها بالعدل عن كان لزوجها نساء غيرها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتين يميل لأحدهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلاً" 1. 5. أن يقيم عندها يوم تزوجه بها سبعا إن كانت بكراً، وثلاثة إن كانت ثيباً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "البكر سبعة أيام وللثيب ثلاثاً ثم يعود على نسائه" 2. 6. استحباب إذنه لها في تمريض أحد محارمها وشهود جنازته إذا مات وزيارة لا تضر بمصالح الزوج.   1 رواه الترمذي. 2 رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 حقوق الزوج إن للزوج حقوقا على زوجته كما للزوجة حقوقا على زوجها لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3، وتقدم بيان حقوق الزوجة وهذا بيان حقوق الزوج وهي: 1. الطاعة في المعروف أما في معصية الله ورسوله فلا طاعة له عليها إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "قاعدة عامة".   3 سورة البقرة الآية: 228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 2. حفظ ماله وصون عرضه، أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، وذلك لقول الله تعالى: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} 1 وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خير النساء إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" 2. 3. السفر معه إذا شاء ذلك ولم تكن قد اشترطت عليه في العقد عدم السفر بها. 4. تسليم نفسها متى طلبه للاستمتاع بها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" 3. 5. استئذانه في الصوم إذا كان حاضراً غير مسافر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد أي حاضر إلا بإذنه" 4.   1 سورة النساء الآية: 34. 2 رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه. 3 متفق عليه. 4 متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الأنكحة المحرمة إن هناك أنكحة محرمة لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة الوقوع فيها وهذا بيانها: 1. نكاح المتعة: وهي النكاح إلى أجل مسمى قريباً أو بعيداً للحديث المتفق عليه وهو قول علي رضي الله عنه "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية". 2. نكاح الشغار: وهو أن يزوج ولي وليته من رجل على شرط أن يزوجه هو وليته، وسواء ذكر لكل صداقا أو لم يذكر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه: "لا شغار في الإسلام" 1. 3. نكاح المحلل وهو أن تطلق المرأة ثلاثا فتحرم على زوجها فيتزوجها رجل آخر بقصد أن يحلها لزوجها، لقول ابن مسعود رضي الله عنه "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له" 2. 4. نكاح المحرم بحج أو عمرة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ينكح المحرم ولا ينكح" 3.   1 متفق عليه. 2 رواه الترمذي. 3 رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 5. نكاح في العدة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة وهي في عدة من طلاق أو وفاة، وذلك لقول الله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} .1 6. النكاح بلا ولي، وهو أن يتزوج الرجل المرأة بدون إذن وليها، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي". 7. نكاح الكافرة غير الكتابية، لقول الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 2 أي تدخل في الإسلام، كما لا يحل لمسلمة أن تتزوج كافرا مشركا كان أو كتابيا لقوله تعال: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 3 تنبيه: إذا أسلمت الزوجة الكافرة قبل البناء بها فلاشيء لها من المهر، لأن الفرقة كانت منها، وغن أسلم الزوج فلها نصف المهر، وإذا أسلمت بعد البناء بها فلها المهر كاملا، وحكم ارتداد أحد الزوجين كحكم إسلام أحدهما سواء بسواء.   1 سورة البقرة الآية: 235. 2 سورة البقرة الآية: 221. 3 سورة الممتحنة الآية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المحرمات من النساء تحريما أبديا 1. المحرمات من النسب وقد ذكرت في سورة النساء في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ... الخ} .1 2. المحرمات من الرضاع وهن جميع من حرم من النسب صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"، والرضاع المحرم ما كان دون الحولين، وقد تغذى به الولد، بخلاف المصة والمصتين فلا يحرمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم المصة والمصتين". تنبيه: زوج المرضعة يعتبر أبا للرضيع فأولاده من غير المرضعة أخوة له ويحرم عليه أمهات أبيه من الرضاع وأخواته وعماته وخالاته كافة. تنبيه: النكاح كالطلاق تجري عليه أحكام الشرع الخمسة وهي الوجوب والندب والحرمة، والكراهة، والإباحة، وهذا بينها: 1. يكون النكاح واجبا على المسلم إذا كان قادرا عليه وخاف الوقوع في فاحشة الزنى. 2. يكون مندوبا إذا كان قادرا عليه ولا يخشى الزنى ويحب النسل أي الأولاد من بنين وبنات.   1 سورة النساء الآية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 3. ويكون محرما على من لا يخشى الوقوع في الفاحشة وكان عاجزا على أداء حقوق الزوجة. 4. ويكون مكروها إن كان لا يشتهيه ولا يرجو نسلاً. 5. ويكون مباحا أي جائزا على من يقدر عليه ولا يرجوا نسلا ولا يخاف الوقوع في الزنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الطلاق وأحكامه إن الطلاق شرعاً هو حل العصمة الزوجية، وهو نوعان: طلاق سني وطلاق بدعي، فالسني مجمع على حله العصمة الزوجية، وإبطال النكاح، وإفساده، البدعي مختلف فيه وليس مجمعا عليه في إبطال النكاح وإفساده، وسيأتي بيان ذلك مفصلا، والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الطلاق السني إن المراد من الطلاق السني هو أن يقع ويتم على الصورة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين لأمته ما هو خير لها، والمبعد لها عما يضرها في دينها ودنياها معا وهذا بيان الطلاق الشرعي السني وهو أن يرى الزوج رؤية حقيقية وهي أن بقاء هذه الزوجة في عصمته يضر بها ضرراً لا يجوز بقاؤه عليها، لأنها أخته في الإسلام فلا يحل إلحاق الضرر بها بحال من الأحوال، لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 1، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" 2. كما أن يرى الزوج رؤية حقيقية وهي أن بقاءه مع هذه الزوجة أضر به ضرراً كبيراً وترتب عليه فساد كبير، وأنه لا خلاص له مما أضر به وأفسده في دينه ودنياه إلا طلاق هذه الزوجة مع أنه بذل جهداً في إصلاحها وهدايتها لما فيه خيرها وخير زوجها ولكن مع طول زمن الإصلاح والهداية ما حصل شيء من إصلاحها وهدايتها، هنا تعين عليه طلاقها لرفع الضرر عنه وعنها معا.   1 سورة الحجرات الآية: 10. 2 رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 صيغة الطلاق السني الشرعي صيغة الطلاق الشرعي السني3 وهي أن ينتظرها إذا حاضت وطهرت ولم يجامعها بعد طهرها، هذا يأتي برجلين عدلين إلى منزله وامرأته وراء الحجاب ويقول لهما أشهدكما على طلاقي لزوجتي فلانة، ويقول لها الزمي بيتك يا أختاه في الإسلام حتى تنقضي عدتك فالتحقي بأهلك وإليك باقي   3 والطلاق والمرأة حامل سني وليس بدعيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 صداقك إن بقي منه وهذا متعتك ويعطيها شيئا من المال بحسب طاقته، لقول الله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 1. هذا هو الطلاق الشرعي الذي أمر الله تعالى به وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه المخالفة وهي أن تجد الزوجة ضررا في نفسها من بقائها مع زوجها، وحاولت إنهاءه فلم تقدر، وضاقت بها الحياة وأصبحت في غم وكرب لأسباب ظاهرة أو خفية هنا تطلب من زوجها أن يخلعها من عصمته وتعطيه مبلغا من المال لا يزيد على مهره الذي تزوجها به، فعلى الزوج أن يأخذ المال ويخلعها فتحمل متاعها وتلحق بأهلها، هذا هو الخلع الذي شرعه الله تعالى فيقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2 فقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} حكم ظاهر صريح في أن المخالفة تكون لدفع الضرر عن كل من الزوجين، فلذا شرعها الله عز وجل وله الحمد وله المنة، هذا هو الطلاق الشرعي السني الذي لا يحل طلاق على خلافه، وأما الطلاق البدعي المحرم فهذا بيانه:   1 سورة الأحزاب الآية: 49. 2 سورة البقرة الآية: 229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الطلاق البدعي المحرم : 1. صفته وهي أن يكون في حيض امرأته، أو في طهر مسها فيه أو يقول أنت طالق، طالق، طالق، أو أنت طالق بالثلاث، أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو إن فعلت كذا فأنت طالق، طالق، طالق، أو علي الطلاق ما قلت أو ما فعلت، أو لا أدخل أو ل أخرج مثلا هذه الصيغ الطلاق البدعي المحرم، والذي يجب على كل مؤمن أن يتقي الله فيه ولا يقول أبداً لحرمته وفساده ومخالفته للطلاق الشرعي الذي شرعه الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم. 2. أحكامه وهي أن الجمهور على وقوع الطلاق البدعي، وخلاف الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز لا يرون وقوعه، ويقول العلامة الشوكاني في عدم ترجيح وقوع طلاق الثلاث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 والحاصل أن القائلين بالتتابع1 وقد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس رضي الله عنه2، وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف، والحق أحق بالاتباع، فإن كانت تلك المحاماة لأجل المذهب السلف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة، وأن كانت لأجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأين يقع المسكين من رسول اله صلى الله عليه وسلم؟   1 نيل الأوطار: 248. 2 نص هذا الحديث في أبي داود وهو أيضا في نيل الأوطار فليرجع إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 صور الطلاق البدعي وهذه بعض صور الطلاق البدعي فلنتأملها وهي: 1. أن تكون المطلقة حائضة أي في حال حيضها قبل أن تطهر. 2. أن تطلق في طهر جامعها فيه أغتسلت أو لم تغتسل سواء 3. أن يطلقها بالثلاث بلفظ واحد كأن يقول لها أنت طالق بالثلاث أو أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق. 4. أن يطلقها بتكرار لفظ الطلاق كأن يقول لها أنت طالق طالق طالق. 5. أن يعلق الطلاق على فعل شيء أو تركه كأن يقول إن فعلت كذا فأنت طالق. 6. الحلف بالطلاق كأن يقول: علي الطلاق أو يلزمني الطلاق إن كان كذا أو كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 تفاصيل هذه الطلاق البدعي هي: 1. الطلاق في الحيض أو في طهر مسها فيه، الجمهور على وقوعه، وخلاف الجمهور لا يرى وقوع طلاق فيه، وكذلك الطلاق بالثلاث في كلمة واحدة. 2. الطلاق بتكرار لفظ كأن يقول: أنت طالق طقال طقال، الجمهور على وقوعه ثلاثا إن نوى ذلك وخلاف الجمهور على انه طلقة واحدة رجعية. 3. الطلاق في حال الغضب يقع إن كان المطلق واعيا عالما بما يقول، وإن كان لشدة غضبه غير واع ولا يدري ما يقول فلا يقع الطلاق عند كافة أهل العلم خلفا وسلفا، لحديث صحيح: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاف". 4. الحلف بالطلاق كأن يقول بالطلاق لا أفعل كذا أو لا أفعل كذا، فهذا لا يلزمه طلاق، لأن حلف بغير الله تعالى. 5. نية الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا إذا نطق أو كتب على ورقة. 6. من قال علي بالطلاق إن فعلت كذا أو إذا لم أفعل كذا، فإن حنث فالجمهور أن عليه الطلاق وتطلق زوجته، خلاف الجمهور يرى عليه كفارة يمين ولا تطلق زوجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 7. طلاق السكران إن كان فاقدا شعوره ولا وعي له، لا طلاق عليه وعند بعض أهل العلم سلفا وخلفا أن عليه الطلاق الذي طلقه. 8. طلاق الكتابة كأن يكتب في ورقة طلقت فلانة هذا يقع إن نوى الطلاق فإن لم ينو الطلاق فلا يقع طلاق. 9. الطلاق المعلق: كأن يقول لزوجته علي الطلاق إن خرجت مثلا أو يلزمني الطلاق إن فعلت كذا أو تركت كذا، فإن نوى الطلاق وحنث لزمه الطلاق عند الجمهور، وإن لم ينو الطلاق وحنث فلا طلاق يلزمه، وعليه كفارة وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من بر أو شعير أو تمر أو دقيق، والمد يعدله كيلو غرام فإن لم يجد صام ثلاثة أيام لقول الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} 1.   1 سورة المائدة: 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أحكام الطلاق إن الطلاق كالنكاح تجري عليه الأحكام الشرعية الخمسة التي هي الوجوب والندب والجواز، والحرمة، والكراهة، وهذا بيانها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 1. الوجوب وهو أن يؤالي الرجل من زوجته، أي يحلف أن لا يطأها وتمض عليه أربعة أشهر ولم يطأ في هذه الحال يجب عليه الطلاق لقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ , وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1. 2. الندب: وهو أن يشتد الخلاف بين الزوجين وتطول مدته، فيستحب الطلاق لهما. 3. الجواز: وهو أن توجد حال تقتضي الطلاق كدفع بعض الضرر أو جلب بعض النفع لأحد الزوجين، فيجوز الطلاق لهما. 4. الحرمة: وهو أن يكون الزوج غير قادر على الزواج لو طلق امرأته ويخاف بشدة على نفسه أن يقع في الزنى فيحرم عليه الطلاق. 5. الكراهة: وهي أن يكون بين الزوجين وئام وصلاح وكل وحد منهم قائم بحقوق صاحبه في هذه الحال يكره الطلاق لهما.   1 سورة البقرة الآيتان: 226/227. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الخاتمة إني أدعو كل مؤمن أن يعرف أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى، وأن لا يقدم عليه إلا إذا رأى مشروعيته له المبنية في أحكام الطلاق الخمسة الآنفة الذكر وإذا رأى ذلك فلينتظر زوجته حتى تحيض وتطهر وقبل أن يجامعها في هذا الطهر يطلقها طلقة واحدة ويشهد اثنين على ذلك، وبذلك يكون على منهج السنة النبوية ويفرج الله همه، ويعوضه خيراً، والله تعالى يقول: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} .1 هذا الذي أدعو إليه كل مؤمن شابا كان أو كهلا أو شيخا. والله ولي التوفيق وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.   1 سورة النساء الآية: 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23