الكتاب: المقومات الشخصية لمعلم القرآن الكريم المؤلف: د. حازم سعيد حيدر الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الطبعة: - عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المقومات الشخصية لمعلم القرآن الكريم حازم حيدر الكتاب: المقومات الشخصية لمعلم القرآن الكريم المؤلف: د. حازم سعيد حيدر الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الطبعة: - عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ال مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيعدُّ المدرس هو الأداة الفاعلة والعنصر الرئيس في نطاق التعليم والتربية، ومعرفة الصفات التي ينبغي أن يتحقق بها ويرتقي إليها، تمكننا من الوقوف على الدور الهام والحساس الذي يمكن له أن يصنعه. ونجد أن من بواكير الاهتمام بمعلم القرآن الكريم بعث عثمان - رضي الله عنه - قراء مع المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار، لتكون المصاحف قدوة لأهل تلك الديار، يأتمون بها في قراءتهم وصلواتهم، وليكون القارئ المبعوث معلماً لعامة أهل كل مصر القراءة وَفق مصحفهم. وإن جاز أن تؤخذ بعض العلوم بلا معلِّم، فإن هذا الأمر لا يمكن حصوله أبداً في تعلّم قراءة القرآن الكريم، لأن تعلمه متوقف على العرض والتلقي والمشافهة والإسناد، فلا بدَّ فيه من معلِّم يرجع إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 (قيل لأبي حنيفة - رحمه الله - في المسجد حلقة ينظرون في الفقه، فقال: ألهم رأس؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبداً!) (1) ، هذا مع الفقه فكيف مع القرآن؟! ويتناول هذا البحث قِوامة معلم القرآن الكريم، وصفاته الذاتية، والعلمية، والتربوية، التي تؤهله للمشاركة بمقومات شخصية تميزه في درب خيرية تعلّم القرآن وتعليمه، دون التطرق لأهداف التعليم القرآني، أو طرائقه، أو أخلاق طلاب الحلق (2) القرآنية، وغيرها من الآداب التي ينبغي توافرها في عملية التعليم. والصفات التي يتحدث عنها البحث، هي بعض من صفات لازمة، ينبغي تحققها في معلم القرآن الكريم، وهي غير مقصورة على المتصدي للتعليم في الحلقات، بل هي متأكدة في حق كل متعاط لهذه العملية الشريفة، بصورة جماعية، أو فردية. وذلك أن المعلم هو محور التعليم والدرس والتربية، فمهما وضعت من مناهج متقنة، وهيئت من ظروف ملائمة، ووفرت من وسائل معينة، كل ذلك لا يغني عن الأداة الفاعلة في العملية التعليمية، وهو المدرس الكفء في الموقع المناسب، لأن عناصر التعليم قد تكون في غاية المواصفات المتقنة، لكنها تنحدر وتهبط على يد المدرس غير المؤهل، أو توجَّه من قبله توجيهاً نافراً، أو تهمل ولا يفاد منها.   (1) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: 46. (2) كانت تسمى إلى وقت قريب بالكتاتيب، ويطلق عليها في معظم البلدان الإفريقية (خلاوي) ، وفي بعض بلدان المغرب (حذقات) ، وفي موريتانيا (محاظر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 فلا غرو أن تكون دراسات جادة في تأصيل شخصية المعلم، وبيان دوره الفعَّال. ولقد حرَص الخلفاء وعلية القوم ووعاة الناس - قديماً - على اختيار المدرس الناجح لأبنائهم، ونجد - اليوم - في عالم الناس من يحرص على التحاق ولده في المدرسة النموذجية، التي فيها نخبة من المدرسين الأكفاء، لأن ثمرة التعليم وجناه مترتبة على تأهل المدرس بالصفات اللائقة، وأخذه بها في مسيرته المباركة. إن تأهيل المدرس بالمقومات التي تصل به إلى المستوى المناسب من إقامة الدين - وهو أحد حملته ونقلته - فالطلاب عيونهم مفتوحة على هذا الموجه، فيحسِّنون ما حسَّن، ويعيبون ما قبَّح، وقد يتأثر التلميذ - أحياناً - بمدرِّسه أكثر مما يتأثر بوالده، والطبع - كما يقال - سرَّاق؛ لذلك ربط بعض السلف بين العلم والدين، وكانوا يتعلمون من معلميهم - أيضاً - الدلَّ والسمت والخلق. ويسهم هذا البحث إسهاماً متواضعاً في بيان بعض الصفات الأساسية لمعلِّم القرآن الكريم، ويشير إلى وسائل مفيدة - أيضاً - لمدرس القراءات القرآنية من باب التتميم والإفادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 تمهيد : 1 - فضل تعلم القرآن وتعليمه، وعناية السلف به: إن الاشتغال بكتاب الله العظيم حفظاً، وفهماً، وعملاً، وتعليماً من أفضل القربات وأزكاها عند الله، وقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً يتلو آيات الله، معلماً ومزكياً لنفوس الصحب الكرام، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2) . وحث عليه الصلاة والسلام على الوصاة بكتاب الله (1) ، وقال: " خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه" (2) . قال أبو عبد الرحمن السلمي - راوي الحديث عن عثمان رضي الله عنه: (فذلك الذي أقعدني مقعدي هذا) ، فكان يعلِّم من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج (3) .   (1) كما في حديث طلحة بن مصرِّف قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟، قال: أوصى بكتاب الله) رواه البخاري (5022) (فتح الباري: 8 / 685) . (2) رواه البخاري (5027) (الفتح: 8 / 692) ، وأبو داود (1452) سنن أبي داود: 2 / 147، والترمذي (تحفة الأحوذي: 8 / 222) والنسائي في فضائل القرآن: 87، وغيرهم. (3) أخلاق حملة القرآن للآجري: 19. ويرى ابن كثير أن مدة تعليمه القرآن استمرت سبعين سنة، وذهب ابن الجزري إلى أنها أكثر من أربعين سنة. انظر فضائل القرآن لابن كثير: 64، والنشر في القراءات العشر: 1 / 3. وقال الحافظ ابن حجر: (بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة، ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبي عبد الرحمن وآخره، فالله أعلم بمقدار ذلك) . فتح الباري: 8 / 695. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان (1) ، أو إلى العقيق (2) ، فيأتي منه بناقتين كوماوين (3) ، في غير إثم ولا قطع رحم؟ "، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل" (4) . ومما يدل على حرص السلف على تعلم القرآن وعنايتهم به ما ذكره أبو هريرة - رضي الله عنه - لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر، وسرقة الشيطان منها ثلاث ليال، من قول الشيطان له: (دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها) يقصد آية الكرسي، قال الراوي: (وكانوا أحرص شيء على الخير) (5) . وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن) (6) .   (1) من أودية المدينة الرئيسة، يسيل من جنوبها، ويلتقي مع وادي العقيق شمالاً. انظر المعالم الأثيرة في السنة والسيرة: 49 - 50. (2) أشهر أودية المدينة الشريفة، وهو واد مبارك. (3) الناقة الكوماء: مشرفة السنام عاليته، (النهاية لابن الأثير: 4 / 211) . (4) رواه مسلم (803) صحيح مسلم: 1 / 552 - 553. (5) فتح الباري: 4 / 568. (6) رواه أحمد (الفتح الرباني: 18 / 9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 قال أبو الفضل الرازي: (وعلى الحفظ والتحفظ (1) كان الصدر الأول ومن بعدهم، فربما قرأ الأكبر منهم على الأصغر سناً وسابقة، فلم يكن الفقهاء منهم، ولا المحدِّثون، والوعَّاظ يتخلفون عن حفظ القرآن والاجتهاد على استظهاره، ولا المقرَّبون منهم عن العلم بما لم يسعهم جهله منه) (2) . 2 - نشأة التخصص في الإقراء: ظهر التخصص في القراءة من عصر النبوة، بقوله صلى الله عيه وسلم: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب" (3) ، وقال عن أبي رضي الله عنه: (أقرؤهم أبي بن كعب) (4) ، وقال عمر: (أقضانا علي، وأقرؤنا أبي) (5) . وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى رِعل وذكوان وعصية وبني لحيان سبعين رجلاً من الأنصار، قال أنس - رضي الله عنه - (كنا نسميهم القراء في زمانهم) (6) .   (1) وهو بذل الجهد في حفظ القرآن، طائفة بعد طائفة. (2) فضائل القرآن وتلاوته وخصائص تلاته وحملته: 33. (3) رواه البخاري (3758) (الفتح: 7 / 127) ، والحاكم في المستدرك: 3 / 225، وصححه ووافقه الذهبي، وغيرهما. (4) رواه الترمذي (تحفة الأحوذي: 10 / 294) ، وابن ماجه (154) في السنن: 1 / 55. (5) رواه البخاري (4481) (الفتح: 8 / 17) ، وأحمد في المسند: 5 / 113. (6) رواه البخاري (4090) (الفتح: 7 / 445) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قال الحافظ ابن حجر: (قد بيَّن قتادة في روايته (أي عن أنس) أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، وفي رواية ثابت: ويشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون) (1) . وكان أخذ الصحابة القرآن الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم على طبقتين: أ - طبقة أخذت عنه مباشرة كابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأُبيّ، وزيد، وغيرهم من المكثرين. ب - طبقة أخذت عن الصحابة كابن عباس، وعبد الله بن السائب، وغيرهم من صغار الصحابة رضي الله عن الجميع. ومضى الأمر في المئة الأولى الهجرية على أن عامة الناس يقرؤون بما في المصاحف الموجهة إليهم، وَفق ما أقرأهم الصحابة والتابعون. ثم اشتهر بعد ذلك طائفة من القراء تجردوا للقراءة، واعتنوا بضبطها أتم عناية، وداوموا عليها فنسبت لهم، وأضيفت إليهم، قال الداني: (وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد) (2) . ثم كان عمل أبي بكر أحمد بن موسى المعروف بابن مجاهد البغدادي (ت: 324 هـ) ، معلماً بارزاً في تاريخ الإقراء، إذ انتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار - وهي مكة والمدينة، والكوفة والبصرة، والشام - وهي   (1) فتح الباري: 7 / 447. (2) مقدمة (جامع البيان في القراءات السبع) : 61، ونحوه في النشر لابن الجزري: 1 / 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الأمصار التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث، والفقه كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (1) . وقد استقلت بعض البلدان بكتب خاصة في علم القراءة، فبعد المائة الخامسة الهجرية، اشتهرت الشاطبية في الشام، واشتهر كتاب (العنوان في القراءات السبع) لأبي طاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري (ت: 455 هـ) ، بمصر، وانتشر كتاب (الإرشاد) للقلانسي (ت: 521 هـ) في العراق، ونظمه كثير من أهل بغداد وواسط (2) . ويظهر أن أهل المغرب والأندلس لم يعتنوا إلا بالقراءات السبع تأليفاً، وتعليماً. وتنوع مستوى حلقات تعليم القرآن على مر العصور، فمنها ما كان خاصاً بتعليم أولاد الخلفاء والأمراء، والخاصة (3) . ومنها ما كان خاصاً بتعليم عموم الصبيان (4) . ومنها حلق جمعت بين أصناف المتعلمين من فقهاء، ومتأدبين من أهل التجارة (5) .   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 13 / 390. (2) انظر منجد المقرئين ومرشد الطالبين: 178. (3) ، (3) انظر القراءات القرآنية في بلاد الشام: 18، 23. (4) انظر منجد المقرئين: 62 - 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الفصل الأول: المقومات الذاتية التمسك بمنهج السلف في الإعتقاد ... الفصل الأول المقومات الذاتية تعتبر الصفات الذاتية لمدرس القرآن الكريم عماد شخصيته - بعد توفيق الله له -، لأنها تشير إلى مكنون ضميره، ومسلكه بوجه عام. وسوف أقتصر في هذا الفصل على ذكر أربع منها، لما لها من دور مهم في صقل شخصية المدرس. 1 - التمسك بمنهج السلف في الاعتقاد: يعد الالتزام بأصل الاعتقاد الذي كان عليه السلف الصالح، وبراءة المرء من المحدثات والبدع من أكبر منن الله عليه. وسلامة الاعتقاد مطلب شرعي، ومن أول المهام التي ينبغي أن يتحقق بها المعلم، ومدرس القرآن الكريم. ذلك أن رجل العقيدة سهم يندفع في تحقيق أهدافه، وهو إنسان ملأت عقيدته نفسه، فهو يعيش من أجلها، ويرضى بكل أذى في سبيلها، ويبذل جهده وكل غال ورخيص في ظلها، فرجل العقيدة أعظم ذخر نقدمه للعقيدة، وأكبر رصيد نعده في سبيل نصرتها (1) .   (1) انظر المسؤولية للدكتور محمد أمين المصري: 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 إن سلامة الاعتقاد من المقوِّمات الأساسية للمعلم، الذي يتصدَّى للتعليم والتربية في حلقات القرآن، لأن ذلك يثمر الاستقرار القلبي، فيصبح اعتقاده القلبي متوافقاً مع قوله اللفظي، وسلوكه العملي (1) ، ومن كانت هذه سيرته فإنه يستطيع أن يحقق أبرز أهداف الحلقات القرآنية، بغرس بذرة الإيمان في نفوس الناشئة، وبناء لبنة عقيدة التوحيد الباسقة المظللة، بحيث يقع القرآن على أصل الإيمان مع نقاء الفطرة، فتنمو الثمرة، وتأتي أكلها، فيحصل النفع بإذن الله. ولا يفوتني وأنا أتحدّث عن هذه الصفة، والسمة البارزة لمعلمي الخير أن أشير إلى أن أئمة القراءة الأوائل كانوا على هذا المنهج الواضح الذي لم يتكدر ولم يرنُق. فنجد الإمام الحافظ المقرئ أحمد بن محمد بن عبد الله، أبا عمر الطلمنكي (ت: 429 هـ) - وهو أول من أدخل القراءات إلى الأندلس كما يرى ابن الجزري (2) - على هذه الطريقة التالدة، وألَّف في هذا المهيع كتابه (أصول السنة) (3) ، وقد نقل عنه ابن تيمية وابن القيم نقولاً وافرة في كتبهما. ونجد الإمام المقرئ عثمان بن سعيد، أبا عمرو الداني: (ت: 444هـ) ، ألَّف (الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات) ،   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية (بتصرف) : 68. (2) غاية النهاية: 1 / 120، والنشر: 1 / 34. (3) يعتبر هذا الكتاب من المفقود من مؤلفات الطلمنكي. والمراد بكتب (السنة) : الكتب الحاضَّة على اتباعها والعمل بها، وترك ما حدث بعد الصدر الأول من البدع والأهواء. انظر الرسالة المستطرفة للكتاني: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 التي تنضح بمعتقد أهل السنة والجماعة، وتمتاز بسبك الأدلة في مواضعها، كما أنها خلت من مصطلحات علم الكلام (1) . كما أنه - رحمه الله - مزج في منظومته الموسومة بـ (الأرجوزة المنبِّهة) - وهي قصيدة رجزية تقع في نحو (1300) بيت - بين أصول القراءة ومتعلقاتها، وبين أصول الدين، فذكر من صفات الشيوخ الذين يؤخذ عنهم العلم ما يلي (2) : فاقصد شيوخ العلم والرواية ... ومن سما بالفهم والدراية واتَّبع السنة والجماعة ... وقام لله بحسن الطاعة وقال (3) : وجانبِ الأراذِل المبتدعة ... واعمَلْ بقول الفرقة المتَّبِعة وقال في بيان بعض مسائل العقيدة (4) : ومن عقود السنة الإيمان ... بكل ما جاء به القرآن وبالحديث المسند المرويِّ ... عن الأيمَّة عن النبيِّ فمن صحيح ما أتى به الأثر ... وشاع في الناس قديماً وانتشر نزول ربنا بلا امتراءِ ... في كل ليلة إلى السماء من غير ما حدٍّ ولا تكييف ... سبحانه من قادر لطيف ونجد الإمام المقرئ الحسن بن أحمد بن عبد الله، أبا علي البغدادي الحنبلي (ت: 477 هـ) ، - صاحب كتاب (بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها   (1) انظر من مقدمة المحقق: ص 8. (2) الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات: 168. (3) المصدر السابق: 174. (4) المصدر السابق: 178، 194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 القراء وإيضاح الأدوات التي بني عليها الإقراء) - ألف كتابه (المختار في أصول السنة) (1) الذي اختصر فيه كتاب (الشريعة) للآجري، وكتاب التوحيد من صحيح البخاري. ونجد الإمام الحافظ المقرئ الحسن بن أحمد بن الحسن، أبا العلاء الهمذاني العطار (ت: 569 هـ) ، صاحب كتاب (غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار) - ألَّف (فتيا في الاعتقاد وذم الاختلاف) (2) . ولا أطيل بذكر الأمثلة في هذا، وإنما قصدت الإلماع إلى منهج هؤلاء الأئمة، ليكونوا نبراساً على الطريق لمعلم القرآن الكريم، فيتبع آثارهم.   (1) حققه الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، وصدر عن مكتبة العلوم والحكم بالمدينة في طبعته الأولى عام (1413 هـ) . (2) حققه عبد الله بن يوسف الجديع، وصدر عن دارالعاصمة بالرياض عام (1409 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 2 - إخلاص النية : إن أهم الأمور التي يجب على كل مكلف أن يأخذ نفسه بها، ويقيم أعماله عليها، هو إخلاص القصد لله في سائر أحواله الظاهرة والباطنة، فكيف بمن انتصب لتعليم كتاب الله العزيز؟ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (3) .   (3) رواه البخاري (1) (الفتح: 1 / 15) ، ومسلم (1907) صحيح مسلم: 3 / 1515 بلفظ: (إنما الأعمال بالنية) ، وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وقد ابتلى الله تعالى العباد بالشريعة، ليظهر منهم حسن العمل، فقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك: 2) وفسر الفضيل بن عياض حسن العمل بقوله: (أخلصه وأصوبه) ، وقال: العمل لايقبل حتى يكون خالصاً صواباً، الخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة (1) . لذلك يعد العمل الخالي من النية الصالحة كالجثة الهامدة، التي لا روح فيها، وقد فرض الله تعالى عبودية على المسلم في كل عمل يعمله، ومما لامراء فيه أن تعليم القرآن الكريم من أجل القرب وأعظمها أجراً، حتى فضله بعض السلف على الجهاد في سبيل الله (2) ، فمن مقتضى هذه العبودية في هذا العمل أن تُجرد النية لله في تعليمه، ويُفرد بحسن الطاعة والقصد، ويُصفَّى عن ملاحظة المخلوقين، كما قال القشيري: (الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين) (3) . وكلما أخلص المرء لله لم يتعثر في سيره، وأُعطي توفيقاً بقدر ما في قلبه من الصدق والإخلاص، قال الإمام الرباني محمد بن واسع البصري: (إذا أقبل العبد بقلبه على الله، أقبل الله بقلوب العباد عليه) (4) . وهذه معلمة مهمة لمدرس القرآن الكريم، ينبغي له ترسمها والحرص عليها، ليمسِّك الناس بالكتاب، ويحببهم إليه، ويحملهم على حسن الأدب معه، وجودة تلاوته.   (1) معالم التنزيل للبغوي: 8 / 176. (2) انظر النشر: 1 / 4. (3) التبيان في آداب حملة القرآن: 24. (4) سير أعلام النبلاء: 6 / 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وقد رأيت من بعض مشايخي في تعليمهم القرآن صدقاً وإخلاصاً ظاهراً؛ بحيث بورك لهم في أعمالهم وأعمارهم، وصرف الله قلوب الناس إليهم، وازدحم عليهم الطلاب من كل أفق، لأنهم عاملوا ربَّهم بهذه الخصلة، فأعطاهم بحسن قصدهم وطهارة نفوسهم أفضل عطاء، وجعلهم بحق من أهل الخيرية التي أشار لها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه" (1) . ولعظم هذا الأمر وأهميته في مقاصد المكلفين، وفيما يتعبدون به ربهم، تمنّى ابن أبي جمرة الأندلسي (ت: 695 هـ) على أهل العلم أن يتفرغ بعضهم لهذا الموضوع، كي يعلم الناس مقاصدهم، فقال: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتي على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك) (2) . ومما ينبغي التنبيه عليه في هذه الصفة لمعلم القرآن الكريم، أن بعض القراء يكره قراءة طلابه على غيره من القراء ممن ينتفع بهم. قال النووي - رحمه الله - (وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته، وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله تعالى بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وهو قصد بقراءته على غيري زيادة علم، فلا عتب عليه.   (1) سبق تخريجه ص: 5. (2) المدخل لابن الحاج: 1 / 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قال: وقد صحَّ عن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه قال: وددت أن الخلق تعلَّموا هذا العلم - يعني علمه وكتبه - على أن لا ينسب إليَّ حرف منه) (1) . وتأتي أهمية تصفية النية من الشوائب، وإخلاصها لله تعالى في فاعلية العملية التعليمية والتربوية من كونها أساساً لقبول عمل المدرس ورفع عمله الصالح، ومن الجانب الآخر أن المدرس قدوة لطلابه، فإذا كان خالي الوفاض أو مكدَّر المورد في هذه الصفة، فكيف يستطيع أن يؤثر في تلاميذه، ويحقق أهدافه التعليمية والتربوية؟.   (1) التبيان في آداب حملة القرآن: 28، ونحوه في المجموع شرح المهذب: 1 / 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 3 - التدين الصادق : يعتبر الالتزام بأحكام الشرع الحنيف علامة فارقة ومميزة بين المسلم الصادق وبين مدعي الإسلام. وينبغي لمن فضَّله الله تعالى وشرَّفه بحمل كتابه، أو شيء منه أن يكون من أهل القرآن بحق، الذين هم أهل الله وخاصته، وممن قال الله عز وجل فيهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} (البقرة: 121) أي يعملون به حق عمله (2) . وقال عكرمة: يتبعونه حق اتباعه من قولهم: تلا، أي: تبع، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} (3) .   (2) أخلاق حملة القرآن: 24. (3) تفسير القرآن للسمعاني: 1 / 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وذكر العلماء أن من شرط مقرئ القرآن وصفته أن يكون ثقة مأموناً، ضابطاً، متنزهاً من أسباب الفسق ومسقطات المروءة (1) . قالوا: وليتمسك بالكتاب والسنة في جميع تصرفاته الظاهرة والباطنة، فهذا أصل كل خير، ومنبع كل فضيلة (2) . فينبغي لحامل القرآن ومعلمه أن يكون ملتزماً بالفرائض والواجبات، ومحافظاً على المندوبات بحسب الاستطاعة، مجتنباً للمحرمات، مبتعداً عن المكروهات بقدر الطاقة، سواء ما كان من ذلك بالقول أو الفعل، ظاهراً وباطناً. وأن يكون مراقباً لربه في سره وعلانيته، راجياً ثوابه، خائفاً من عقابه، متأملاً في تصرفاته، محاسباً نفسه على هفواته وزلاته، حريصاً على ما يصلح دينه، ويسدد نقصه، ويصلح خطأه قدر الإمكان (3) . ذكر الآجري بسنده عن ابن مسعود أنه قال: (ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون) (4) . قال الآجري - رحمه الله - (هذه الأخبار كلها تدل على ما تقدَّم ذكرنا له من أن أهل القرآن ينبغي أن تكون أخلاقهم مباينة لأخلاق من   (1) انظر منجد المقرئين: 58، وغيث النفع في القراءات السبع: 19. (2) غيث النفع: 24. (3) المدارس والكتاتيب القرآنية وقفات تربوية وإدارية: 13. (4) أخلاق حملة القرآن: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 سواهم ممن لم يعلم كعلمهم، إذا نزلت بهم الشدائد لجؤوا إلى الله فيها، ولم يلجؤوا فيها إلى مخلوق، وكان الله أسبق إلى قلوبهم، وقد تأدبوا بأدب القرآن والسنة، فهم أعلام يقتدى بفعالهم) (1) . ومما ينبغي لمعلم القرآن الاعتناء به، المحافظة على تلاوة القرآن ومداومتها، دون الاكتفاء بالتسميع للطلبة عن المراجعة، وهذا من المواطن التي قد تقع فيها غفلة بعض المدرسين، بحيث يجتزئ بسماعه القرآن دون تلاوته هو له؛ مما يوقعه بشيء من هجر القرآن، ويترتب عليه ضعف محفوظه. ذكر عبد الصمد بن يزيد البغدادي - خادم الفضيل بن عياض - أنه سمع الفضيل يقول: (أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً) (2) . وقال الحسن - رحمه الله - (إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه، وإن لم يكن يقرؤه) (3) . ومما يجب على المعلم أن يأخذ نفسه به، وينشِّئ طلبته عليه، البعد عن الأساليب المبتدعة في القراءة، التي أحدثت بعد القرون المفضلة، نحو قراءة القرآن بأصوات الغناء، أو بطريقة الترعيد، أو الترقيص، أو التطريب، أو باللحون الخاصة بالأعاجم، لأن القرآن عربي، فيسلك به مذاهب العرب في لحونهم ونغماتهم، أو التشبه بإيقاعات التراتيل الكنائسية، والأنغام اليهودية والنصرانية، فإن مطلق التشبه بهم حرام، فكيف به في هذا المقام؟   (1) المصدر السابق: 42 - 43. (2) المصدر السابق: 43. (3) فضائل القرآن لأبي عبيد: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ويحذر من الانزلاق إلى النُّواح حتى لا يتشبه بأهل النوح من الذين لا يؤمنون بقدر الله. ويدخل في هذا النوع من الطرق المبتدعة مشابهة ألحان الروافض في نياحاتهم التي يقيمونها في عاشوراء، فإنها يجتمع فيها وصفان من الأوصاف المعتبرة في التحريم: أنها ألحان أعجمية، وأنها من ألحان أهل النوح (1) . فإذا رُئي معلم القرآن يعتاد هذه الطرائق ويرغب فيها، فهو دليل على عدم اتباعه للقرآن، وانتفاعه به. روى زياد بن لبيد الأنصاري قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال: "وذاك عند أوان ذهاب العلم"، قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمّك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء؟ " (2) . والمقصود من ذكر صفة التدين الصادق لمعلم القرآن، التنبيه على أن يواطئ قوله وعمله ما يحمل من كلام الله، ليكون القرآن العظيم حجة له، لا عليه، وليرفعه الله به، وينفع بتعليمه.   (1) انظر جمال القراء وكمال الإقراء: 2 / 528 - 529، والتمهيد في علم التجويد لابن الجزري: 55 - 57 ، ولطائف الإشارات لفنون القراءات: 1 / 218، وسنن القراء ومناهج المجودين: 94، 99. (2) رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم (52) : 15 - 16، وأحمد في المسند: 4 / 160، وابن ماجه (4048) في السنن: 2 / 1344. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 4 - حسن الخلق إن من المبادئ المهمة التي ينبغي لمعلم القرآن أن يعتني بها، ويعرف حدودها وثمراتها الأخروية والدنيوية هو حسن الخلق، ويتأكد هذا الخلق في حقه من جانبين: (أ) أنه من حملة كتاب الله، فهو حائز لهذا الإرث الشرعي، الذي كان خلقُ من نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - القرآن، وأثنى عليه ربه تعالى بأعظم خلة يتحلى بها بشر، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم:4) . (ب) أنه متصدر لتعليم الناس ومخالطتهم، وسينتج عن هذا التعليم وتلك المخالطة أمور ينبغي أن يقابلها بحسن المسايسة وتدبير الأمر لأن كل من خالط الناس وجد منهم ما يكره. فلذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن معلماً لهم ومفقهاً وقاضياً، أوصاه بقوله: (وخالق الناس بخلق حسن) (1) ، (فإنه يحتاج إلى مخالقة الناس بخلق حسن، ما لا يحتاج إليه غيره ممن لا حاجة للناس به، ولا يخالطهم، وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق العباد بالكلية، أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً، لا يقوى عليه إلاّ الكمّل من الأنبياء والصدقيين) (2) .   (1) رواه أحمد: 5 / 153، والترمذي عن أبي ذر (تحفة الأحوذي: 6 / 122) ، وغيرهما. (2) جامع العلوم والحكم لابن رجب: 1 / 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وقد نبه العلماء المعلِّم على بعض الأخلاق التي ينبغي التحلي بها، ومنها: (ينبغي للمعلِّم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخلال الحميدة، والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من الزهادة في الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر والتنزه عن دنيء الاكتساب، والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك، والإكثار من المزح) (1) . وذكر ابن جماعة من الآداب التي ينبغي للعالم أن يأخذ بها نفسه: (معاملة الناس بمكارم الأخلاق من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، واحتماله منهم، والإيثار وترك الاستئثار، والإنصاف وترك الاستنصاف، وشكر التفضل (2) ، وإيجاد الراحة (3) ، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه في الشفاعات، والتلطف بالفقراء، والتحبب إلى الجيران والأقرباء، والرفق بالطلبة، وإعانتهم وبرهم) (4) . وبهذه الخصال المحمودة، والصفات الجميلة يظهر أن لفظ (حسن الخلق) واسع المدلول، متعدد الجوانب والمظاهر. وهذا الشمول الذي يحويه (الخلق الحسن) يعد من أبرز وسائل تقوية الروابط الاجتماعية بين المعلم والمتعلم، في حين أن سوء الخلق يؤثر في هذه   (1) التبيان في آداب حملة القرآن: 29. (2) أي: شكر صاحب الفضل والمعروف. (3) للمتعلم في تحصيله ودرسه، وفي مسكنه. (4) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 العلاقة التي هي شرط في التأثر والاستجابة، وقد أثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: (يكون في الرجل عشر خصلات تسعة منها أخلاق حسنة، وخلق سيئ، فيغلب السيئُ التسعة الحسنة) (1) . ولقد سمعت من بعض الطلاب الذين انتظموا في حلقات حفظ القرآن الكريم، أنهم كانوا يرون مدرس القرآن الذي يلقنهم عدوَّهم اللدود، ويسارقونه نظرات الغضب والحنق، ومرد ذلك اجتهاد المدرس في وسائل التعليم والتأديب، فتجده يسلك سبيل العنف والشدة، والتهديد والضرب في غالب الأحيان؛ مما يؤدي إلى زرع بذور الكراهية بين المعلم والطالب، وهو مؤشر على فقد المدرس لصفة (حسن الخلق) ، الذي له تداعياته العلمية والتربوية على النشء.   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الفصل الثاني: المقومات العلمية التأهل بأساسيات العلم الشرعي ... الفصل الثاني المقومات العلمية إن معرفة الصفات والخصائص التي ينبغي للمعلِّم أن يُلم بها في جانب مهمته ومهنته التعليمية أمر لا مناص منه، لإيجاد المدرس الكفء القادر على تحمل أعباء رسالته، وأدائها على الوجه الصحيح المثمر. ولأهمية دور المعلم في تهيئة الجو العلمي المناسب للمتعلم، كان لزاماً عليه أن يتسلح بالعلوم الأساسية والتخصصية، ليقوم بدوره الفعّال دون هبوط أو آثار سلبية. وسأعرض في هذا الفصل، لأهم المواصفات العلمية التي ينبغي توافرها في معلم القرآن الكريم. 1 - التأهل بأساسيات العلم الشرعي: ينبغي لمعلم القرآن الكريم أن يطلب العلم الشرعي، ويتفقه في الدين، ولا يقتصر على حفظ اللفظ المجرد للقرآن الكريم، وليكن له قدوة في أسلافه من الحفاظ والقراء الذين كانوا أئمة في فنون عدة، بجانب علمهم وضبطهم لكتاب الله. وقد ذكر العلماء عدة علوم يلزم المقرئ أو معلم القرآن أن يتخلَّق ويتحقق بها قبل أن يتصدر، وهي: (أ) علم العقيدة: وهو أول العلوم التي ينبغي أن يتحقق بها، ليعبد ربه على بصيرة، وينال السعادة في الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 قالوا: ولا يجوز لأحد أن يتصدر للإقراء حتى يتقن عقائد الدين، ويتعلمها على أكمل وجه (1) . وليستطيع أن يدفع بعض الشبه التي تثار حول بعض القراءات (2) ، أو مسألة خلق القرآن، أو نزول القرآن وكيفيته، ونحو ذلك. ويحسن به أن يدرس ويستشرح كتاباً في معتقد أهل السنة، نحو (صريح السنة) لابن جرير الطبري (ت: 310هـ) ، أو (العقيدة الطحاوية) لأبي جعفر الطحاوي (ت: 328هـ) ، أو (العقيدة الواسطية) لابن تيمية (ت: 728 هـ) ، أو (الوجيز في منهج السلف الصالح) للشيخ عبد القادر الأرناؤوط الدمشقي. وذكر الداني هذا العلم في شروط الشيخ المتلقَّى عنه علم القرآن، فقال (3) : فإن رغبت العرض للحروف ... والضبط للصحيح والمعروف فاقصد شيوخ العلم والرواية ... ومن سما بالفهم والدراية إلى أن قال: واتبع السنة والجماعة ... وقام لله بحسن الطاعة (ب) علم التفسير: وهذا العلم هو قلب علوم القرآن، وقد نعى الله على الذين يقرؤون القرآن ولا يفهمونه، فقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ   (1) غيث النفع: 21. (2) منجد المقرئين: 50. (3) الأرجوزة المنبهة: 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أَقْفَالُهَا} (محمد: 24) ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29) . وقال الحسن - رحمه الله – "ما أنزل الله عز وجل آية، إلاّ وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت، وما أراد بها" (1) . وقال عمرو بن مُرَّة: "إني لأمر بالمثل من كتاب الله عز وجل ولا أعرفه، فأغتمُّ به"، لقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (2) } (العنكبوت:43) . وقد ذم العلماء من يحفظ اللفظ من القرآن، ولا يعلم معناه ولا يطلب تفسيره (3) . وقال الراغب الأصفهاني: "أول ما يُحتاج أن يشتغل به من (علوم القرآن) العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللَّبِن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم" (4) .   (1) فضائل القرآن لأبي عبيد: 42. (2) المصدر السابق: 42. (3) انظر الرعاية لمكي بن أبي طالب: 86، والمرشد الوجيز لأبي شامة: 193، وتفسير القرطبي: 1 / 26، ولطائف الإشارات لفنون القراءات: 1: 327. (4) مفردات ألفاظ القرآن: 54 - 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لذلك كان من شرط المقرئ ومعلم القرآن أن يتعلم من التفسير والغريب ما يستعين به على فهم القرآن، ولا تكون همته دنيئة، فيقتصر على سماع لفظ القرآن دون فهم معانيه (1) . وإذا نظرنا لمنهج الصحابة والتابعين في تعلم القرآن، وجدناهم أخذوه برفق وفهم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لا يجاوزونها حتى يعلموا ما فيها، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً (2) . وذكر الداني - رحمه الله - من شروط الشيخ المتصدر للإقراء (3) : وجمع التفسير والأحكاما ولازم الحذاق والأعلاما (ج) علم الفقه: وهو من العلوم الأساسية التي يحتاجها معلم القرآن؛ ليصلح به أمر دينه، من طهارة وعبادات، وما يحتاج إليه من معاملات (4) . وليحرص في طلبه للفقه في الأحكام أن يقرأه من كتاب مختصر جامع، وعلى شيخ متقن؛ ليحقق له ألفاظه، ويقرب عليه مسافة الفهم، وليعتاد على ألفاظ الفقهاء. وقال الداني - في شروط معلم القراءة - (5) : وجمع التفسير والأحكاما .........................   (1) غيث النفع: 21، وانظر منجد المقرئين: 52. (2) انظر تفسير الطبري: 1 / 36، والبيان في عد آي القرآن للداني: 33، والمستدرك للحاكم: 1 / 557. (3) الأرجوزة المنبهة: 168. (4) انظر منجد المقرئين: 50، وغيث النفع: 21. (5) الأرجوزة المنبهة: 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ويحسن به أن يقرأ الأحكام الفقهية من كتاب في (أحكام القرآن) ؛ لأنه في هذا يجمع بين التفقه، وبين التفسير. (د) الناسخ والمنسوخ: اشترطه للمقرئ الداني، فقال (1) : وشاهد الأكابر الشيوخا ... ودوَّن الناسخ والمنسوخا وكذلك الجعبري (2) : إبراهيم بن عمر (ت: 732 هـ) . وردّه ابن الجزري، فقال: "ولا يشترط أن يعلم الناسخ والمنسوخ، كما اشترطه الإمام الجعبري" (3) . والصواب أنه لا يشترط لمعلم القرآن ومقرئه معرفته، بل هو شرط من شروط المفسِّر (4) ، والمجتهد (5) . ومما يلتحق بالعلوم الشرعية التي ينبغي لمعلم القرآن ومقرئه أن ينال منها بنصيب، ما يلي: الحديث وعلم السنن: ينبغي لقارئ القرآن ومقرئه أن لا يخلي صدره من حفظ شيء من حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ومن النظر في بعض كتب السنن، وبخاصة   (1) الأرجوزة المنبهة: 168. (2) منجد المقرئين: 52. (3) منجد المقرئين: 52. (4) انظر مقدمة (جامع التفاسير) للراغب: 95، والتيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي: 146. (5) انظر قواعد الأصول ومعاقد الفصول: 101، والبحر المحيط للزركشي: 6 / 203. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 المختصرات الجامعة كـ (عمدة الأحكام) لعبد الغني المقدسي (ت: 600 هـ) ، و (رياض الصالحين) للنووي، ونحوهما. قال أبو عمر بن عبد البر – رحمه الله - (القرآن أصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب، كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه، ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحاً) (1) . الرقائق وفضائل الأعمال: وهذا الباب ذخيرة ثمينة، وستر رقيق يكشف للمرء عيوب نفسه، ويعالج به عوجها ومرضها، ويفتح له أبواباً من الخير والعمل، والجد والاجتهاد في العبادة والطاعة. النظر في تراجم الصالحين: وهو علم مفيد يترسم به المرء سير أولئك القوم ويتشبه بهم، وبه يعرف أحوالهم وتجاربهم في الحياة، كسير الصحابة، والتابعين، وعلماء الأمة، كمالك والشافعي وأحمد، وغيرهم ممن سار على طريقهم. جاء عن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قال: (الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحبُّ إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم) (2) .   (1) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1130. (2) جامع بيان العلم وفضله: 1 / 509 - 510. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 2 - الإلمام بعلوم التخصص : إن الدراية الكافية، والمعرفة الجيدة بالعلوم التي يتخصص بها المدرس، تعدُّ مطلباً مهماً من مطالب التأهل للتعليم؛ لأن إيصال العلم بأمانة للآخرين متوقف على التأسيس المتين، والفهم السليم لأسس ومبادئ العلم المتخصص فيه. وأهل كل علم وأرباب كل صنعة أدرى بها من غيرها، وقديماً قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - (كل علم يسأل عنه أهله) (1) ، لذلك إذا تكلم الإنسان في علم لا يحسنه، ولا يعرف حدوده ومصطلحاته أتى بالعجائب والغرائب. ويعد التمكن في علم التخصص مهماً - أيضاً - لإبراز شخصية المدرس، ودورها الفعال في التأثير والتوجيه، لأن المعلم الضعيف في هذا الجانب، يعطي صورة مهزوزة عنه أمام تلاميذه، مما يضعف تأثيره فيهم. وسأتناول أهم العلوم المساعدة التي تؤهل مدرس القرآن الكريم إلى المستوى المنشود منه. (أ) إتقان علم التجويد: وهذا العلم هو الصفة الشرعية التي يُتَعَبَّد بها في تلاوة كلام ربنا، ويعتبر كذلك - إن صحَّ تعبيري - البنية التحتية لعلم القراءات؛ لأن كثيراً من قواعده وأصوله مشتركة بين القراء، فإتقانه على المستوى العلمي النظري، والمستوى العملي التطبيقي وسيلة ضرورية للمعلم.   (1) النشر: 1 / 271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وإلا فكيف يستطيع المدرس شرح بعض المصطلحات الدقيقة في هذا العلم، نحو: الهمس، والشدة، إن لم يفهمها فهماً واضحاً دقيقاً، ويتلقها تلقياً جيداً متقناً؟، أو كيف يستطيع نطق بعض الكلمات القرآنية التي تحتاج إلى معرفة تامة بطريقة نطقها كوجهي الاختلاس، والإشمام مع الإدغام في قوله تعالى: {لا تَأْمَنَّا} (يوسف: 11) ، أو التسهيل في قوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: 44) ، ونحوها؟ وقد يؤدي الأمر في بعض المتصدرين لتعليم القرآن إلى هُوَّة بعيدة، بسبب عدم فهم حدود التعريفات والمصطلحات، فيفسرها تفسيراً شاذاً أو بعيداً، كما حصل لبعض المؤلفين في أحكام التجويد، فذكر أن المد المنفصل يجوز قصره من طريق (الطيبة) ، قال: (أهل المدينة المنورة) (1) . ففسَّر طريق (الطيبة) ، وهو متن في القراءات العشر لابن الجزري نظم فيه كتابه (النشر) ، بأحد أسماء مدينة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو فهم عجيب!!. ويمكننا اعتبار بواكير الاهتمام بالناحية العملية في جانب التجويد، هو قراءة الصحابة رضوان الله عليهم على النبي عليه الصلاة والسلام، وقراءة بعضهم على بعض. وثبت عن جمع من الصحابة والتابعين قولهم: (القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول) (2) . ومن مظاهر هذا الاهتمام أن عثمان - رضي الله عنه - لما بعث المصاحف إلى الأمصار، أرفق مع كل مصحف مقرئاً ضابطاً يقرئ عامة الناس   (1) انظر هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: 303. (2) انظر طرق الأثر في السبعة لابن مجاهد: 49 - 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بما في هذا المصحف وَفق ما قرأ وروى؛ لأن في القراءة كيفيات وصفات لا تؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة. ومما ينبغي تأكيده - ونحن نتكلم على إتقان التجويد - أمران: الأول: أن يُتَخيَّر للقراءة شيخ متقن ضابط، استكمل الأهلية في هذا الأمر، فإذا حصَّل المرء مثله فليحرص على طول ملازمته والأخذ عنه. قال مكي بن أبي طالب: (يجب على طالب القرآن أن يتخير لقراءته ونقله وضبطه أهل الديانة والصيانة، والفهم في علوم القرآن، والنفاذ في علم العربية، والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن، وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم) (1) . الثاني: العناية بمخارج الحروف وصفاتها، وهو من أهم مباحث التجويد، وإتقانه يعد إتقاناً لثلاثة أرباع التجويد. وعرَّف الإمام الداني التجويد بقوله: (فتجويد القرآن، هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ومراتبها، وردّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف) (2) . وجعل الصفاقسي التجويدَ: معرفة مخارج الحروف وصفاتها (3) . وأرى أن من أفضل ما يدرسه المعلم في باب التجويد - ويحسن به حفظه - هو منظومة ابن الجزري (المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه) المعروفة بالجزرية؛ لأنها تمثل واسطة العقد في مؤلفات هذا الفن، ولاقت   (1) الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: 89. (2) التحديد في الإتقان والتجويد: 70. (3) غيث النفع: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 احتفاء واهتماماً من أهل العلم، لكون ناظمها إماماً مقدَّماً في هذا العلم، ولأنها جمعت أمهات المسائل وأطر علم التجويد. وإن أراد الارتقاء إلى علم القراءات، فليحفظ كتاباً جامعاً مشتملاً على ما ينبغي أن يقرأ به من أصول القراءات وفرشها (1) . وينبغي له معرفة حكم تركيب القراءات بعضها مع بعض (2) ، ومعرفة طريقة جمعها؛ لأن معظم شيوخ هذا العلم المتأخرين يأخذون بطريقة الجمع (3) . وأنبه في خاتمة حديثي عن التجويد أن بعض من لم يتلق هذا العلم عن شيوخه الأثبات أهل الورع والرواية، والعلم والدراية، يقع في تكلُّف وتزيُّد من غير أصل، وهذا بسبب تعاطيه هذا العلم من غير أن يقتبسه من عالم مُجيد. قال الداني - رحمه الله – "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من أهل الأداء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات وتلخيص السواكن، إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة، والمذاهب المكروهة، فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك، وبكيفية حقيقته" (4) .   (1) انظر منجد المقرئين: 52، ولطائف الإشارات: 1 / 334. (2) انظر منجد المقرئين: 77 - 78، والنشر: 1 / 18 - 19. (3) انظر منجد المقرئين: 72 - 74، والنشر: 2 / 194 - 206. (4) التحديد: 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 (ب) الاهتمام بالسند: وهو من أهم وسائل علم القراءة؛ لأن القراءة قائمة على الرواية والنقل، فلا بد من إثباتها، وطريق ذلك الإسناد. وقد نبه العلماء على أهمية الاعتناء بهذا العلم، وعدوه من العلوم اللازم معرفتها لطالب القراءة، كابن الجزري (1) ، والبقاعي (2) ، والقسطلاني (3) ، والصفاقسي (4) . وقد قال الإمام عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" (5) . ويعتبر حصول الطالب على إسناد في القراءة متصلاً سنده بالنبي صلى الله عليه وسلم شهادة على أهليته وصلاحه للتدريس وتعليم القرآن الكريم، وتزكية له وتوثيقاً في دخوله في السلسلة المباركة لتحمُّل القرآن ونقله، بحيث أصبح عدلاً ضابطاً في نقل الرواية أو الروايات التي قرأها وتلقاها. ولما كان القرآن لا يؤخذ من المصحف، اشتدت العناية بالتلقي والإسناد، وكان هذا الأمر دأب العلماء، وطلبة العلم الجادين.   (1) انظر منجد المقرئين: 57، والنشر: 1 / 193. (2) انظر الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات: 20. (3) انظر لطائف الإشارات: 1 / 172 - 173. (4) انظر غيث النفع: 21. (5) رواه مسلم في مقدمة صحيحه: 1 / 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ومن طريف ما يذكر ما حكاه ابن الجوزي، قال: سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها، فأقام عنده أياماً، فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم، وقد أشكل عليَّ في القرآن بعض مواضع. قال: سلني عنها، قال: منها في (الحمد لله) ، قال: (إياك نعبد وإياك) أي شيء: تسعين أو سبعين؟ أشكلت عليَّ هذه، فأنا أقولها (تسعين) آخذ بالاحتياط (1) . وقد ذكر العلماء أن مقرئ القرآن لا بدَّ له من أنسة بحال الرجال والأسانيد، وهو من أهم ما يحتاج إليه (2) ، وما وقعت أخطاء عدد من القراء في أسانيدهم، إلا بسبب غفلتهم عن هذا الجانب (3) . وذكر ابن الجزري - رحمه الله - أنه لا بدَّ من سماع الأسانيد على الشيخ، والأعلى أن يحدثه الشيخ بها من لفظه، فأما من لم يسمع الأسانيد على شيخه، فأسانيده من طريقة منقطعة (4) . ومما ينبغي تأكيده ما يحصل من إعطاء الإجازات المبهمة، أي التي لا تعيين فيها لنوع المقروء، ومقداره، وكيفيته، سواء من جانب الشيخ المجيز، أو   (1) أخبار الحمقى والمغفلين: 71. (2) انظر منجد المقرئين: 57، ولطائف الإشارات: 1 / 173 - 174. (3) انظر كلام ابن الجزري في الأوهام التي وقعت في أسانيد (الكامل) للهذلي في غاية النهاية: 2 / 400. (4) منجد المقرئين: 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 في جانب الطالب المجاز، وهو تدليس، بل يرى ابن الجزري أنه تدليس فاحش، يلزم منه مفاسد كثيرة (1) . فينبغي للمجيز أن ينص على الرواية أو الروايات التي قرأها الطالب عليه، ومن أي كتاب، ومن أي طريق، وهل ختم ختمة كاملة أو لا؟. وأرى أنه يحسن ذكر أن الطالب قرأ القرآن الكريم حفظاً من صدره - وهو الأصل في تلقي القرآن (2) - بسبب تساهل بعض من يجيز بالقراءة نظراً، وحتى يتميز الحافظ عن غيره. (ج) العناية باللغة العربية: يعد الاعتناء بلغة القرآن الكريم من شعائر الدين؛ لأنها السبيل للنطق الصحيح، والبيان الواضح، والفهم السليم. وقد وردت آثار عديدة في الحث على تعلمها والحرص على طلبها، فمن ذلك ما ثبت عن عمر - رضي الله عنه - في كتابه لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: (تعلموا العربية، وتفقهوا في العربية) (3) . وعد أئمة القراءة الاعتناء بها من الوسائل المهمة لعلم القراءة، كابن الجزري (4) ، والبقاعي (5) ، والقسطلاني (6) ، والصفاقسي (7) .   (1) انظر منجد المقرئين: 54. (2) انظر هذا الأصل عند: ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13 / 400، وابن الجزري في النشر 1 / 6. (3) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1132 - 1133. (4) منجد المقرئين: 50 - 51. (5) الضوابط والإشارات: 20. (6) لطائف الإشارات: 1 / 172، 182. (7) غيث النفع: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 واعتبر ابن مجاهد حامل القرآن الذي لا يعرف الإعراب، وهو غير مطبوع عليه، حافظاً لا يلبث أن ينسى؛ لتشابه الحركات عليه، ولأنه لا يعتمد على علم بالعربية، ولا بصر بالمعاني يرجع إليه (1) . قال ابن عبد البر - رحمه الله - (القرآن أصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب، كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه) (2) . ويرى ابن الجزري أن النحو والصرف من أهم ما يحتاج إليهما قارئ القرآن ومعلمه؛ لأنه محتاج إليهما في توجيه القراءات، وفي باب وقف حمزة على الهمز، وفي أبواب الإمالة، وفي الوقف والابتداء (3) . وقال أبو الحسن علي بن عبد الغني الحُصْري (ت: 488 هـ) (4) : وأحسِنْ كلام العُرْب إن كنت مقرئاً ... وإلا فتخطي حين تقرأ أو تُقري لقد يدَّعي علم القراءة معشر ... وباعهم في النحو أقصر من شبر فإن قيل: ما إعراب هذا ووزنه رأيت طويل الباع يقصر عن فتر وقال الداني: - في صفات من يُؤخذ عنهم العلم - (5) : وفَهِم اللغاتِ والإعرابا ... وعلم الخطأ والصَّوابا   (1) انظر السبعة في القراءات: 45. (2) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1130. (3) انظر منجد المقرئين: 50 - 51. (4) شرح القصيدة الحصرية لابن عظيمة الإشبيلي: 2 / 26. (5) الأرجوزة المنبهة: 168، 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقال: وكل من لا يعرف الإعرابا ... فربَّما قد يترك الصوابا وربما قد قوَّل الأيمَّهْ ... ما لا يجوز وينال إثمه لذلك ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يكتب إلى عماله: "لا يقرئ القرآن إلا من يعرف الإعراب" (1) . فحري بمعلم القرآن أن يتقن هذا العلم، ويدرب طلابه عليه، ويحببه إليهم. وإذا نظرنا إلى أئمة القرآن نجد أن معظمهم جمعوا بين علمي القراءة والعربية، ولهم تراجم في طبقات القراء، وفي طبقات النحاة واللغويين، ونراهم قد زاوجوا في تآليفهم بين العلمين، فصنفوا فيهما. (د) معرفة الوقف والابتداء: معرفة هذا العلم من المقاصد الجليلة، والمطالب النبيلة لقارئ القرآن ومعلمه؛ كي يعرف كيف يقف، وأين يقف، ومن أين يبتدئ وكيف يبدأ القراءة. لذلك اعتنى به السلف، وتعلّمه الصحابة رضوان الله عليهم، فقال ابن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها) (2) .   (1) ذكره الشهرزوري في (المصباح الزاهر) : 1522. (2) رواه أبو جعفر النحاس في القطع والائتناف: 87، والحاكم في المستدرك: 1 / 35 وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال النحاس: "فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن، وقول ابن عمر: (لقد عشنا برهة من الدهر) ، يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة" (1) . وقال ابن الجزري: "وصحَّ بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع - إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين -، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم من الأئمة، وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب" (2) . أليس يقبح بالقارئ أن يقف - مثلاً - على قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} (3) ، أو على قوله: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ} (4) ، أو على قوله: {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ، وَأَخِي هَارُونُ} (5) ، فيفسد المعنى في هذا كله، ويقشعر جلد من سمعه؟ وأليس يستبشع من القارئ ألا يعلم كيف يبدأ بنحو قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (الأحقاف: 4) أو قوله: {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ … } (ص الآية: 6) ؟   (1) القطع والائتناف: 87. (2) النشر: 1 / 225. (3) النساء، الآية: 11. (4) يوسف، الآية: 17. (5) القصص، الآية: 33، 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ولهذا اشترط كثير من أئمة القراءة على المجيز أن لا يجيز الطالب في القرآن إلا بعد معرفة الوقف والابتداء (1) . وقد ألَّف العلماء في هذا العلم مؤلفات كثيرة قديماً وحديثاً، ما بين مختصرات كالمقدمة للعلم، نحو (نظام الأداء في الوقف والابتداء) لابن الطحان السماتي (ت بعد: 560 هـ) ، وهي مقدمة مفيدة، وما بين مطوَّلات ككتاب (المرشد) للعماني (ت بعد: 500 هـ) . ومن أحسن الكتب المتأخرة في هذا العلم كتاب (منار الهدى في بيان الوقف والابتدا) لأحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشموني (ت بعد: 1099 هـ) ، فقد جمع فيه خلاصات كثير من الكتب السابقة. وتعتبر علامات الوقوف الست المرموز لها في المصحف برموز خاصة، علامات هادية لأماكن الوقف والابتداء، فيحسن بمعلم القرآن العناية بها، وأخذ الطلاب لاعتبارها والاهتمام بها أثناء قراءتهم وحفظهم. (هـ) الدراية برسم القرآن: كتب القرآن الكريم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بصورة معينة، أضْفَتْ عليه صبغة خاصة تناقلها رواة وكتبة المصاحف، ثم دونها علماء القراءة في مصنفات وصفوا فيها هيئات تلك الكتابة على نحو أمين ومتقن، صار بعد ذلك عِلْماً قائماً بذاته، هو علم (رسم القرآن) ، فغدا هذا العلم عِلْماً مميزاً لا يخضع لقواعد الإملاء، لا من حيث النطق، ولا من حيث الرسم، في الكثير منه.   (1) انظر النشر: 1 / 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وتعدُّ معرفة قواعد الرسم العثماني من الوسائل المهمة لمعرفة القراءة، نصَّ على ذلك عدد من أهل العلم، منهم: البقاعي (1) ، والقسطلاني (2) ، والصفاقسي (3) . وتنحصر معرفة الرسم القرآني في ست قواعد (4) : - الحذف: وهو مطرد في الألف، والياء، والواو، واللام، وأحياناً في النون. - الزيادة: وهي مطردة في الألف، والياء، والواو. - الهمزات: ولها أوضاع خاصة في أول الكلمة، ووسطها، وآخرها. - الإبدال: وهو مطرد في إبدال الألف واواً أو ياء، أو تاء التأنيث المربوطة تاء مفتوحة، أو إبدال الثلاثي الواوي ألفاً، أو نون التوكيد الخفيفة ألفاً، وورد في موضعين (5) . - المقطوع والموصول: نحو قطع (أن لا) أو وصلها (6) .   (1) الضوابط والإشارات: 20. (2) لطائف الإشارات: 1 / 172. (3) غيث النفع: 21. (4) انظر تفصيل هذه القواعد في: الإتقان 4 / 147 - 158، ولطائف الإشارات: 1 / 288 - 306، وإيقاظ الأعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الإمام: 41 - 61. (5) في قوله تعالى: {وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} يوسف، الآية: 32، وقوله: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} العلق، الآية: 15. (6) ورد قطعها في القرآن الكريم في عشرة مواضع باتفاق وفي بقيتها موصولة. انظر الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 - ما فيه قراءاتان فكتب على إحداهما: نحو {َتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (الكهف: 77) ، تغليباً لقراءة {لَتَّخَذْتَ} بالتخفيف وكسرالخاء (1) . وقد اهتمت كتب التجويد بقاعدتي الموصول والمقطوع، والإبدال (وبخاصة إبدال التاء المربوطة تاء مفتوحة) ، وحصرت المواضع المتعلقة فيهما. وتزداد أهمية علم مرسوم خط المصحف الشريف، لمن أراد أن يرتقي في علم القراءة، فيأخذ أكثر من رواية من روايات القرآن الكريم، وبخاصة فيما يترتب عليه إمالة، أو في وقف حمزة وهشام على الهمز. (و) نصَّ بعض أهل العلم أنه لا بد لطالب علم القراءة من معرفة الاستعاذة ومشروعيتها، وصيغتها، ومن معرفة التكبير، وهو قول (الله أكبر) في خاتمة كل سورة من الضحى حتى الناس، وما يترتب عليه وصلاً ووقفاً، ومن معرفة علم الفواصل، وهو رؤوس الآي في القرآن الكريم؛ ليعرف الوقف عليها، وليأتي بالإمالة أو التقليل لمن مذهبه ذلك من القراء عند الوقف عليها (2) . وهذه العلوم يحسن بمعلم القرآن الإحاطة بها، أو الإلمام بشيء منها؛ ليكون كامل الأهلية في علمه وتخصصه.   (1) وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ويعقوب. انظر النشر: 2 / 314. (2) انظر الضوابط والإشارات: 20، ولطائف الإشارات: 1 / 306، 317، 264، والقول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز: 90 - 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (3) الاستمرار في طلب العلم: يعد مبدأ الثبات والمواظبة على طلب العلم، والتزود منه من صفات المعلم الكفء الناجح؛ لأن سلَّم التعلم لا منتهى له، فلا يحد بمرحلة دراسية، ولا بشهادة علمية، ولا بسنوات عمرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ثبت عن الإمام مالك - رحمه الله - أنه قال: "لا ينبغي لأحد أن يكون عنده العلم أن يترك التعلُّم" (1) . وقال ابن عبد البر: "ورأيت في كتاب (جامع القراءات) لأبي بكر بن مجاهد - رحمه الله -[عن] ابن مناذر قال: سألت أبا عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تحسن به الحياة" (2) . ومما يلحظ في جانب التعليم أن المدرس لا يكون مؤثراً إلا إذا كان مليّاً بالعلم، مجدداً في عطائه لطلابه، ولا غرو أن التعليم المتين بعدها سينتج طلاباً أكفاء.   (1) جامع بيان العلم وفضله: 1 / 401. (2) المصدر السابق: 1 / 407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الفصل الثالث: المقومات التربوية مدخل ... الفصل الثالث المقومات التربوية تعد الصفات التربوية التي ينبغي للمدرس اكتسابها الميدان العملي لتطبيق أسس التعليم ومراحله، ويستطيع من خلالها قطف ثمرة جهده بتوفيق الله تعالى. فاكتساب المعلم للمهارات التربوية، بحيث تكون له خلقاً وسجية، عامل مهم لتطويع رسالته، وأداء مهمته على النحو السليم المرضي، وهذا يتطلب منه أن يكون ملماً ببعض الصفات والخصائص التربوية؛ لكي يمتلك ناصية التوجيه والتربية. كما لا ريب أن نبذ المعلم للآداب الحميدة والوسائل الناجحة في التعليم، أو جهله بها، واستبداده برأية الشخصي وما ورثه من أساليب منفرة، سبب مباشر في تعويق العملية التربوية. وقد أسهم علماء القراءة في إيراد بعض الآداب والصفات في مقدمات أو ثنايا كتبهم، لتكون أنموذحاً يحتذى في الآداب والسلوك والتربية، مثلما فعل أبو مزاحم الخاقاني (ت: 325 هـ) - وهو أول من ألَّف في علم التجويد - في قصيدته الرائية في التجويد؛ إذْ ضمنها عشرين بيتاً في الآداب، ومثل مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437 هـ) ؛ إذ جعل في مقدمة كتابه (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة) عدة أبواب في الآداب الحميدة، وكالشاطبي (ت: 590 هـ) ؛ إذ طعَّم مقدمة وخاتمة قصيدته اللامية في القراءات السبع (حرز الأماني) ببعض الصفات التربوية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وكابن الجزري (ت: 833 هـ) الذي ذكر في مطالع كتابه (منجد المقرئين ومرشد الطالبين) جملة من الآداب والصفات التي تلزم مدرس القراءة، وكذلك فعل الصفاقسي (ت: 1117 هـ) في مقدمة كتابه (غيث النفع في القراءات السبع) . وسوف أتناول بالحديث بعض الصفات التربوية لمدرس القرآن، التي أراها حرية بالإيراد في هذا المقام؛ لما لها من أهمية في فاعلية الدور الذي يؤديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 1 - وضوح الغاية من التعليم : إن وضوح الغاية لدى حامل مشعل التوجيه والقيادة (المدرس) ، يعد محور ارتكاز رسالته التربوية؛ لأنه إذا اتضح أمام ناظريه هدفه الذي يريد تحقيقه، استطاع أن يوجِّه نفسه مع الأحوال التي تمر به، وتحمَّل لأجل غايته النبيلة المصاعب والمتاعب التي تواجهه. لذلك نجد أن القرآن الكريم جلَّى هذه الحقيقة وأفصح عنها في قول الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} ((الأعراف: 2) ، فقوله تعالى: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ، أي ضيق، واضح في تقرير وتأكيد وضوح الغاية من التبليغ، فالنهي في قوله: {فَلا يَكُنْ} متوجه إلى الحرج للمبالغة في التكليف، باقتلاع الضيق من أصله، وذلك على طريقة العرب في قولهم: (لا أرينَّك ههنا) ، أي لا تحضر فأراك (1) .   (1) انظر تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور: 8 / 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فوضوح الهدف يعتبر القوة الدافعة لتحقيق الغاية التي يصبو إليها كل صاحب مبدأ. لهذا نجد ابن جماعة حدَّد أول غايات العالم مع طلبته بقوله: "أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه من بعضهم، وبركة دعائهم له وترحمهم عليه، ودخوله في سلسلة العلم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم، وعداده في جملة مبلغي وحي الله تعالى وأحكامه؛ فإن تعليم العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين" (1) . ومن غايات مدرس القرآن الكريم أن يكون مقصوده من التدريس: أ - نشر القرآن الكريم، وتحصيل الأجور العظيمة التي رتبها الشارع على تعليم القرآن الكريم، وتلاوته، والاستماع إليه، تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (2) . ب - التأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، ومن جاء بعدهم من سلف الأمة وأئمتها الذين قاموا بهذا الدور؛ تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية (3) " (6) .   (1) تذكرة السامع والمتكلم: 47. (2) سبق تخريجه ص: 5. (3) رواه البخاري (3461) (فتح الباري: 6 / 572) ، وأحمد في المسند: 2 / 159، والترمذي (تحفة الأحوذي: 7 / 431) ، وغيرهم. (6) انظر المدارس والكتاتيب القرآنية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ج - تقوية صلة التلميذ بكتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. د - حفظ الطالب لأكبر عدد ممكن من سور القرآن الكريم. هـ - ربط التلميذ بصلاة الجماعة في المسجد، وإفادته من الدروس وحلق العلم المنعقدة فيه، وبخاصة فيما يخص القرآن الكريم. و حفظ التلميذ وصيانته من الآفات والمفاسد الاجتماعية (1) . وكما أن وضوح الهدف التعليمي لدى المدرس هو عون له في قيامه بوظيفته المناطة به، كذلك وضوحه لدى التلميذ يثير فيه دوافع التلقي اليقظ، والاستعداد الجيد، لذا يرى بعض التربويين أنه يجب على المدرس أن يُذكِّر الطلاب بأهداف التعلم في الأسبوع الأول من كل عام دراسي (2) . وحتى يحقق المدرس غايته ومراده من التعليم، ينبغي أن يكون قدوة لطلابه في جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته في العمل بتعاليم القرآن، وتعظيمه، وتقدير حملته، وإبراز محاسنهم، وغض الطرف عن هفواتهم وزلاتهم، والتزام الصدق، والتلفظ بالألفاظ الحسنة، وترك الألفاظ البذيئة، والقيام بواجب النصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع الالتزام والتقيد بالمواعيد، والحرص على مطابقة الفعل للقول. وقد أدرك السلف - رحمهم الله تعالى - هذا الأمر، فهذا عمر بن عتبة يقول لمعلم ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن   (1) انظر التقييم الذاتي لمعلّم التربية الإسلامية: 97، 98. (2) انظر طرق تدريس القرآن الكريم للزعبلاوي: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت" (1) .   (1) المدارس والكتاتيب القرآنية: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 2 - التدرج في التعليم : لا ريب أن البداءة بتعليم الأصول والكليات قبل الفروع والجزئيات، يعد السلَّم السوي في مراتب التعليم، وأدعى لثبات العلم ورسوخه لدى المتعلم. وقد قرر المنهج النبوي هذه الطريقة في التعليم، فعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن فتيان حَزاوِرة (2) ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيماناً" (3) . ودلَّ حديث ابن عمر - وهو من صغار الصحابة - أن هذا المنهج سرى على الصحابة عموماً، فقال - رضي الله عنه -: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها" (4) ، ثم بيَّن أن هذا المنهج طرأ عليه تغيير في جيل التابعين، فيقول عن بعض من شاهد طريقة تعلمهم القرآن:   (2) جمع حَزْور وحَزوَّر، وهو الفتى الذي قارب البلوغ، (النهاية لابن الأثير: 1 / 380) . (3) رواه ابن ماجه في مقدمة سننه: 1 / 23. (4) سبق تخريجه ص: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 "ولقد رأيت اليوم رجالاً، يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدَّقَل" (1) . وهذا الذي يتحدث عنه - رضي الله عنه - حقيقة مرة نلحظها اليوم في بعض روَّاد حلق القرآن، فتجد الواحد منهم من أبعد الناس خلقاً وأدباً وسلوكاً عما يدعو إليه القرآن، وما ذلك إلا لتحوُّل المنهج الصحيح في الأخذ والتلقي، فأصبح الأمر مجرد ألفاظ يرددها ويحفظها، فلا تجد لها مسلكاً إلى القلب، فلا ينتفع بهذا الكلام المبارك. ومن هذا المبدأ يجب على كل معلم لكتاب الله أن يكون حكيماً في تعليمه، متفهماً لما يعطيه، فقد جاء عن الضحاك في معنى قوله تعالى: {ِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79) ، قال: "حق على من تعلَّم القرآن أن يكون فقيهاً" (2) . وقال البخاري: "ويقال: الرباني الذي يربّي الناس بصغار العلم قبل كباره" (3) ، أي يبدأ بالقضايا الواضحة السهلة، قبل المسائل الدقيقة والكبيرة (4) . لذلك على المعلم أن يراعي مدارك الطلاب، ومستوياتهم، وأعمارهم، ويعطي كلاً بما يقدر عليه.   (1) تتمة الحديث السابق، والدَّقَل: رديء التمر. (2) تفسير ابن كثير: 1 / 385. (3) كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل (فتح الباري: 1 / 192) . (4) انظر فتح الباري: 1 / 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وقد أشار الإمام النووي لهذا المسلك التربوي، فقال: "وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية" (1) . وفي ضوء ما سبق يتعين على معلم كتاب الله استخدام أسلوب التدرج التربوي في التعليم والتأديب، وذلك أن الوصول بالمتعلم إلى الكمال التربوي لا يتم إلا بالتدرج، وأي استعجال في التعليم، أو التربية في الحلقات القرآنية، دون مراعاة هذه القاعدة، فإنه يعني الفشل التربوي، والإخفاق في تحقيق الأهداف التربوية (2) .   (1) التبيان: 33. (2) انظر مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 3 - مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب : تحتاج العملية التربوية إلى اهتمام بالغ في مراعاة تمايز الطلاب في القدرة على الاستيعاب، والتلقي، والفهم، والحفظ. وهذا الأصل التربوي له امتداده من السنة العطرة، ومن هدي معلم البشرية صلى الله عليه وسلم، فكان شديد المراعاة له بين المتعلِّمين من المخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على قلوب المبتدئين، فلا يعلمهم ما يعلِّم المنتهين، ويجيب كل سائل عن سؤاله يما يهمه ويناسب حاله، ويوصي كل واحد - ممن طلبوا منه الوصية - بغير ما أوصى به الآخر، لاختلاف أحوالهم، وأعطى أجوبة حول أفضل الأعمال أو أحبها إلى الله تعالى، بحسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ما رآه من السائل أنه أفضل وأهم له؛ نظراً لحاجاته وأحواله، ولهذا كله أمثلة عديدة وشهيرة في السنة النبوية (1) . وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: "إنك غليِّم معلَّم" (2) ، والذي قال عن نفسه: "ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه"، قال شقيق: فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما سمعت أحداً يرد ذلك عليه، ولا يعيبه (3) - يسير على هذا المبدأ، فيقول: "ما أنت بمحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة" (4) . والممارس لمهنة التعليم يلحظ فروقاً بارزة بين الطلاب، ومن مهام المدرس أن يستطيع معرفة نفسية واستعداد كل طالب، وما يقدر عليه، وهي خصيصة من خصائص المدرس الناجح. وقد قرر الآجري هذه القاعدة بقوله - عن مقرئ القرآن -: "وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه القرآن ما يصلح لمثله" (5) . ففي جانب حفظ القرآن الكريم تجد بعض الطلاب لديه قدرة على حفظ خمس آيات في اليوم، وبعضهم لديه قدرة على حفظ صفحة، وبعضهم   (1) انظر الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم، والأمثلة المذكورة فيه: 81 - 91. (2) رواه أحمد: 1 / 379، والفسوي في المعرفة والتاريخ: 2 / 537 بلفظ (إنك غلام معلَّم) ، وحسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط (سير أعلام النبلاء: 1 / 465) . (3) رواه مسلم: 4 / 1912. (4) رواه مسلم في مقدمة صحيحة: 1 / 11. (5) أخلاق حملة القرآن: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 لديه قابلية لحفظ ثلاثين آية أو أكثر، ولنا شاهد في عز الدين بن جماعة (ت: 819 هـ) ، الذي كان يحفظ كل يوم حزبين من القرآن الكريم، فحفظه في شهر واحد (1) . وفي جانب الفهم، تجد بعض المتعلمين يفهم بتقرير يسير من المدرس، وبعضهم يحتاج لبسط وتوضيح وإعادة، وبعضهم يحتاج لأمثلة بيانية. وفي جانب علم التجويد تواجه بعض المتلقنين من يكتفي بما يلقى إليه من تقويم وتصحيح، وبعضهم عنده قابلية لحفظ القاعدة والأمثلة عليها، وبعضهم لديه قدرة على حفظ المتون المساعدة، كحفظ متن الجزرية، أو (تحفة الأطفال) للجمزوري، أو (لآلئ البيان في تجويد القرآن) للشيخ إبراهيم بن علي بن علي شحاتة السمنودي المعاصر، أو ما شابهها من المتون السائرة الشهيرة في هذا العلم. فعلى المعلِّم ملاحظة هذا التباين الواضح، ومراعاة الفروق البارزة بين المتعلمين، ومن الخطأ الجلي لدى بعض معلمي القرآن، المساواة بين الطلاب، وحمل الضعيف - حملاً عنيفاً - ليبلغ إلى مستوى الطالب اليقظ النبيه، وهذا لا يعني ترك التحفيز أو رفع الهمم، أو مكافأة المحسن، وعقاب المقصر، بل المقصود أن ترك الأخذ بمبدأ مراعاة الفروق في التعليم والتوجيه، يوجد نشئاً متفسخاً، ويبرز نوعيات من الطلبة نافرة، أو يؤدي إلى ظهور طبقة تحملت فوق ما تستوعب.   (1) انظر طبقات المفسرين للداودي: 2 / 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 4 - الرفق في التعليم : يعد الرفق من الأصول المهمة في التعليم والتربية، ومما يباركه الله تعالى ويحبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه" (1) . وتزاد أهمية هذا الأسلوب الرقيق الرفيع، لدى ضعاف العقول، كالصغار الذين يحملون في حناياهم أحاسيس مرهفة، وشخصيات لمَّاحة، أو لدى غلاظ الطباع الذين لم يتأدبوا بعلم، أو تحضر، أو مجالسة، كأهل البادية ونحوهم، مما يحمِّل المدرس عبئاً كبيراً ومسؤولية زائدة، يحتسب أجرها عند الله تعالى. ويعتبر التواضع وخفض الجناح للمتعلِّم من أعظم صور الرفق به، لما يولده في نفسه من امتزاج العلم والأدب في هذه المظهرية العالية، فيدنو له علم أستاذه، وتنشأ بينهما علاقة دافئة، توصل له هذا العلم. "إن التواضع كالأرض المنخفضة تجتمع فيها خيرات السماء، على حين تغادر القمم والسفوح، ولو لم يكن في التواضع سوى جعل صاحبه قادراً على جذب من هم أكثر منه تفوقاً، لكان مكسباً كبيراً، وعلى كل حال، فإن المتكبر يظل هو الخاسر؛ حيث يفقد دفء الألفة وحرارة الالتحام بالآخرين، وبذلك فإن ما يزهو به، يكون عامل إقصاء له عن الناس، وحرمان مما تمسّ حاجته إليه" (2) .   (1) رواه البخاري (6024) (فتح الباري: 10 / 463) ، ومسلم (2593) في الصحيح: 4 / 2003 - 2004. (2) العيش في الزمان الصعب: العلاقات الاجتماعية: 25 - 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ومن صور الرفق بالطالب ألا يردَّ لكونه غير صحيح النية بطلبه القرآن، قال النووي - رحمه الله -: "قال العلماء - رضي الله عنهم -: ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فقد قال سفيان وغيره: طلبهم للعلم نية. وقالوا: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله، معناه: كانت عاقبته أن صار لله تعالى" (1) . وقال الذهبي - في ترجمة معمر بن راشد -: "نعم يطلبه أولاً والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك. ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم، وعلامة ذلك أنه يُقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قَصْد التكثر بعلمه ويزري على نفسه" (2) . ومن صور الرفق بالطالب أن يتخول الرد اللطيف عليه حين خطئه، قال الآجري - في أخلاق المقرئ -: "وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ فيه، أو غلط ألا يعنفه، وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، ويصبر عليه؛ فإني لا آمن أن يجفو عليه فينفر عنه، وبالحري ألا يعود إلى المسجد" (3) . نعم؛ لأن العنف من أسباب النفور والهجر، فيحرص المدرس أن يكون ردّه على الطالب بطريقة لطيفة، لا تعنيف فيها ولا زجر، ولا استعجال،   (1) التبيان: 34 - 35، ونحوه في تذكرة السامع: 47، ومنجد المقرئين: 63. (2) سير أعلام النبلاء: 7 / 17 (قاله الذهبي تعليقاً على قول معمر بن راشد: كان يقال: إن الرجل يطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله) . (3) أخلاق حملة القرآن: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ويتمنى بقلبه أن يأتي الطالب بالصواب، فإن عجز أرشده بأن يأتي بآية قبلها، فهو أدعى لاستذكاره واستحضاره، فإن كثر خطؤه أمره بالتوبة إلى الله بقلبه عند تكرار الآية، ثم أرشده للمراجعة المتقنة، والبعد عن كل سبب يؤدي لضعف الحفظ. وكان من عبارة بعض مشايخنا في الرد أنه كان يقول: "السَّندة تُكَرِّم، والرَّدة تُحطِّم"، أي أن سَنْد الطالب ليتحرى الإجابة الصحيحة، فيه تكريم له واحترام، لأنه يفرح بحسن إجابته، وأن الرد المباشر على الطالب دون تمكين له من الاستحضار، وإنشاء الإجابة السليمة، فيه تحطيم لمشاعره ونفسيته، وهو مأخذ تربوي سديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 5 - الصبر على المتعلِّم: إن خلق الصبر من الأخلاق العظيمة التي من تحلّى بها نال العلا، وقد تردد ذكره في القرآن العظيم أكثر من مائة مرة، مما يدل على أهميته، وعظم التذكير به. وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء" (1) ، والضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس، بخلاف القمر فإنه نور خالص لا حرارة فيه، ولما كان الصبر شاقاً على النفوس، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها، وكفها عما تهواه، كان ضياء (2) .   (1) رواه مسلم (223) في الصحيح: 1 / 203، وأحمد: 5 / 342، والنسائي (2437) في السنن: 5 / 5 - 6 ، وغيرهم. (2) انظر جامع العلوم والحكم: 2 / 24، 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فمدرس القرآن يحتاج له دائماً، فهو يصبر على نفسه ويجاهدها، ويصبر على الجلوس الطويل للتعليم والقراءة، ويصبر في شرحه وتوضيحه للمتعلمين، ويصبر على أخلاق الطلاب وما يصدر عنهم - أحياناً - من نقائص. قال النووي - رحمه الله -: "وينبغي أن يحنو على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه ومصالح ولده، ويجري المتعلِّم مجرى ولده في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه، وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان؛ فإن الإنسان معرض للنقائص، لا سيما إن كان صغير السن" (1) . ويعتبر معلم القرآن من الهداة إلى الله الممسِّكين بكتابه، فهو من أئمة الدين الذين يحتاجون للصبر المستمر، واليقين، وهما ركنا الإمامة، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24) . ومما يؤكد ضرورة الصبر على المتعلمين في الحلقات القرآنية في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، ما أفرزه التقدم المعرفي، والتقني، وانتشار وسائل الاتصال التي جعلت العالم كقرية واحدة، فأدى ذلك إلى اتساع ثقافة التلاميذ، وزيادة حجم التناقض السلوكي عند الجماعات المرجعية للمتعلم، كل هذا أوجد عنده مشكلات وسلوكيات متنوعة غير التي كانت بالأمس. وهذا يتطلب جهداً من المعلم في الحلقات القرآنية، ويحتاج إلى الحلم، والصبر، والتدرج؛ لينجح في معالجة تلك المشكلات، ويغرس في نفوسهم الأخلاق   (1) التبيان: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الحسنة، ويحقق أهداف الحلقات التربوية، وبدون هذا الخلق قد يتسرب التلاميذ من الحلقات، فلا يعودون إليها؛ لأن المعلم إذا لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح (1) .   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 75 - 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 6 - استخدام الوسائل التوضيحية : يعتبر استخدام الأساليب الموضحة والشارحة من أساليب التربية الشيقة والمؤثرة، وهو أسلوب نبوي كريم، استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشكال، فكان يوضح المعاني التي يريد بيانها بالرسم على الأرض والتراب، أو بالتشبيه وضرب الأمثال، أو بالجمع بين القول والإشارة في التعليم. فمن ذلك: ما رواه عبد الله بن مسعود قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ... } (الأنعام: 153) ، فخط خطاً، فقال: "هذا الصراط"، ثم خط حوله خططاً، فقال: "وهذه السبل، فما منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه" (2) .   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 75 - 76. (2) رواه الآجري في الشريعة: 1 / 290 - 291، والحاكم في المستدرك: 2 / 318، وبنحوه الإمام أحمد في المسند: 3 / 397، وابن ماجه في مقدمة السنن: 1 / 6، كلاهما عن جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وقد نبه علماء التربية الأوائل على هذا الأسلوب، فقال ابن جماعة: (ويبدأ بتصوير المسائل، ثم يوضحها بالأمثلة) (1) ، وهو أسلوب توظيفي؛ لتقرير المعلومة وتأكيدها. وللوسائل التعليمية فوائد عديدة، فهي تثير تفكير المستمع، وترهف الحواس، وتبعث روح النشاط؛ إذ تكسر الطريقة الرتيبة في الإلقاء، وتربي في المتعلم دقة الملاحظة والتأمل وحصر الانتباه، وتساعد على تثبيت المعلومات، وتعمل على توفير الوقت والجهد على المعلِّم والمتعلِّم (2) . وترد أهمية الوسائل التوضيحية في تعليم القرآن الكريم وتلاوته، وبخاصة لصغار السن، لما يعتور بعض المباحث من تشعب، أو دقة. وأرى أن استخدام هذا الأسلوب في التدريس مهم لمدرس التجويد والقراءات - أيضاً –، لأن ربط المسألة المتحدث عنها بالصورة المنظورة أو الخيالية، له دور فعَّال في تقريرها وتثبيتها في عقل المتعلم. فمثلاً: إذا أراد المعلِّم تقرير أهمية الاعتناء بصفة القراءة الشرعية، وأنها يجب أن تكون وَفق أحكام التجويد التي قررها العلماء، ونقلت إلينا في ثنايا قراءات القرآن المتواترة بهذه الكيفية، وأن التحرر منها - أحياناً - يخل بالصبغة العملية للتلاوة؛ بحيث تظهر معايب أدائية لدى المتعلم، سببها إخلاله بعدم الالتزام بتلك الأحكام التي ينبغي له اصطحابها في كل مرة يقرأ بها القرآن، فضرب المعلِّم مثلاً لهذه الحالة بمتعلم قيادة السيارة المبتدئ، الذي   (1) تذكرة السامع والمتكلم: 52. (2) انظر طرق تدريس التجويد: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يكون منشغلاً بكثير من المهارات القيادية عن التركيز المحكم عما أمامه، ومع الزمن وارتياض التدرب على القيادة بمهارة، والتزام قوانين القيادة، تصبح قيادة السيارة له طبيعة متأصلة في تعامله مع هذا المركب الجامد، فيغدو يتعامل مع آليات القيادة بلا تفكير بعدما تطبَّع بها، وصارت عنده أمراً اعتيادياً. وهكذا الأمر مع تالي القرآن الكريم بأحكام التجويد، سيرى - بداية - أنه محكوم بقيود أدائية لم يعتد عليها، فإذا مارسها ومرن لسانه عليها، وداوم القراءة بهذه الصفة زمناً، أصبحت هذه الصفة له سجية وعادة، يأتي بها بلا تكلف، ولا تفكير أو تمعّن. وقد تفتقت في هذا العصر وسائل تعليمية لم تعرف من قبل، فيمكن للمدرس أن ينتقي منها ما يلائم البيئة التي يدرِّس فيها، وأعمار طلابه، ومستوياتهم، والإمكانات المادية المتاحة في ذلك. فيمكنه استخدام المقاطع الرسمية الملونة؛ لإظهار مواضع مخارج الحروف، أو استخدام الموضح العلوي (Over Head) ؛ لشرح ما يحتاجه من أحكام، أو الاستعانة ببرنامج تعليم التجويد الذي أنتجته شركة (صخر) ؛ لما له من مزايا وإمكانات متعددة، وقد استُخدم مؤخراً في معامل تعليم القرآن الكريم في كلية إعداد المعلمين بالمدينة، وهي تجربة رائدة وناجحة. ومن المحاولات الناجحة في هذا المضمار ما ظهر مؤخراً باسم (مصحف التجويد) ، الذي استخدمت فيه أحكام التجويد بصورة الألوان؛ لضبط مواضع بعض مسائله الشهيرة، كالمد، والقلقلة، وأحكام النون الساكنة، ونحوها، وظهر بصورة كتابية، وبصورة رسمية صوتية مسجلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 7 - العدل بين الطلاب : لا بد للمعلِّم والمربي أن يأخذ بمبدأ العدل والمساواة بين طلابه، لأنهم أبناؤه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " (1) ، فالعدل بين الطلاب لازم، كما هو الحال بين أبناء الصلب. ويحتاج تطبيق مبدأ العدل بين المتعلمين إلى مهارة ودربة، لأنهم قدموا من بيئات مختلفة، وتلقوا تربيات متباينة، فمن ثم مراعاة نفسياتهم ونظراتهم لمعاني التصرفات مهم للغاية، حتى في أيسر الأمور وأسهلها، نحو التحية، والنظرة، والكلمة، والابتسامة، ووضع اليد على الكتف تشجيعاً، ونحوها من الأقوال والأفعال التي تثير حفائظ الشببة المتقاربين، أو تدعو لوهي العلاقات الاجتماعية فيما بينهم؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم "يعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه" (2) ، وهو أمر لا يقدر عليه إلا من أخلص النية، وصدق في تعامله مع الناس، وراعى نفسياتهم. وكما أن ترك العدل بين الطلاب يثير بينهم كمائن النفوس، كذلك قد ينتج عنه الكره والبغض للمعلِّم؛ لذا يتوجب عليه أن يكون حصيفاً في تعامله فلا " يُظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض في مودة، أو اعتناء مع تساويهم في الصفات، من سن، أو فضيلة، أو تحصيل، أو ديانة؛ فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر، وينفر القلب" (3) .   (1) رواه مسلم (1623) في صحيحه: 3 / 1243 - 1244، وفي رواية (قاربوا بين أولادكم) . (2) رواه الترمذي في الشمائل: 168 عن علي رضي الله عنه، وبنحوه أبو الشيخ الأصبهاني (18) في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه: 22. (3) تذكرة السامع والمتكلم: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أما إن كان لبعض الطلاب مزية تقدم في الاجتهاد وطلب العلم، أو حسن الخلق والأدب، فلا حرج على المدرس أن يبرز هذه المزية بتلطف؛ لأنه مما يدعو النظراء إلى الاتصاف بتلك المزية (1) . ومن صور العدل التي ينبغي لمدرس القرآن مراعاتها، أن يقدم في القراءة الأول فالأول؛ لأنه من جانب راعى العدل بين الطلاب، وفي المقابل شجع المتأخر على البكور، لينال القراءة الأولى. ومن لطيف ما يذكر في هذه الصورة التعليمية "أن الشاطبي كان يصلي الصبح بغلس (2) بالفاضلية (3) ، ثم يجلس للإقراء، فكان الناس يتسابقون السُّرى (4) إليه ليلاً، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله: من جاء أولاً فليقرأ، ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق، فاتفق في بعض الأيام أن بعض أصحابه سبق أولاً، فلما استوى الشيخ قاعداً قال: من جاء ثانياً فليقرأ، فشرع الثاني في القراءة، وبقي الأول لا يدري حاله؟ وأخذ يتفكر ما وقع منه بعد مفارقة الشيخ من ذنب أوجب حرمان الشيخ له، ففطن أنه أجنب تلك الليلة، ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك لما انتبه، فبادر إلى الشيخ، فاطلع الشيخ على ذلك، فأشار للثاني بالقراءة، ثم إن ذلك الرجل بادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل به، ثم رجع قبل فراغ الثاني، والشيخ قاعد أعمى على حاله، فلما فرغ الثاني، قال الشيخ: من جاء أولاً فليقرأ، فقرأ" (5) .   (1) انظر المصدر السابق: 59. (2) وهو ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، (المعجم الوسيط (غلس) : 658) . (3) وهي مدرسة بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني بدرب الملوخية في القاهرة، وجعل الشاطبي شيخها، (غاية النهاية: 2 / 20) . (4) وهو سير عامة الليل، (المعجم الوسيط (سرى) : 428) . (5) غاية النهاية: 2 / 21 - 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قال ابن الجزري - معقباً -: "وهذا من أحسن ما نعلمه وقع لشيوخ هذه الطائفة (1) ، بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا" (2) ، وهذا إن صح فمن قبيل الكرامة.   (1) أي: علماء القراءة. (2) غاية النهاية: 2 / 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 8 - القدرة على إدارة الحلقة القرآنية : إن القدرة على إدارة الحلقة تتمثل في شخصية المدرس المتزنة، المتمكنة من توجيه الطلاب، واتخاذ القرارات المناسبة للظروف الطارئة، مع التحلي بمكارم الأخلاق وجميل السجايا. ولا شك أن تأهل المدرس العلمي الجيد، ومراعاته للصفات الذاتية في شخصيته من الإخلاص والصدق، والتقوى، وحسن الخلق، والشعور بالمسؤولية، وأداء واجبه بأمانة، ثم مراعاته لمواصفات مهنته التربوية من التدرج في التعليم، ومراعاة الفروق الفردية، والرفق، والصبر. كلها عناصر أكيدة لنجاح إدارته للحلقة القرآنية. أما إذا سلك سبل الطرق العنجهيَّة كضرب الجدار، أو الطاولة، أو رفع الصوت بطريقة مؤذية، ونحوها من الممارسات الخاطئة، فإن هذا المسلك مؤشر على ضعف شخصيته "ومثل هذا المدرس لا يصلح للعمل في مجال التربية والتعليم، فضلاً عن الحلقات القرآنية؛ لأنه يعيق التلاميذ على الاستمرار في تعلم القرآن الكريم، وحفظه، وفهم آدابه، ومعرفة أحكامه، والعمل بها" (3) .   (3) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 109 - 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ومما يلتحق بقدرة المدرس على إدارة الحلقة ونجاحه فيها، أن يكون ملماً بأحوال المجتمع الذي يعيش فيه، وبعادات الناس وتقاليدهم، وأن يكون له بصر بمصادر التوجيه والتأثير في الناس. كما ينبغي له الاطلاع على طرق التدريس، والدراسات التربوية والبحوث النفسية والاجتماعية التي تتحدث عن الطفل، والمراهق والتغيرات النفسية والجسدية التي يمر بها كل منهما؛ لكي يتمكن من إيصال المعلومة بأفضل أسلوب، وأنجح طريقة (1) . ويحسن به أن يعتني بأسس العلاقات الاجتماعية، ومهارات فن التعامل مع الآخرين، وأن ينقل مفردات هذه المهارات الاجتماعية من معجم التعلم إلى قاموس التربية العملي. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات   (1) انظر المدارس والكتاتيب القرآنية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ال مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيعدُّ المدرس هو الأداة الفاعلة والعنصر الرئيس في نطاق التعليم والتربية، ومعرفة الصفات التي ينبغي أن يتحقق بها ويرتقي إليها، تمكننا من الوقوف على الدور الهام والحساس الذي يمكن له أن يصنعه. ونجد أن من بواكير الاهتمام بمعلم القرآن الكريم بعث عثمان - رضي الله عنه - قراء مع المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار، لتكون المصاحف قدوة لأهل تلك الديار، يأتمون بها في قراءتهم وصلواتهم، وليكون القارئ المبعوث معلماً لعامة أهل كل مصر القراءة وَفق مصحفهم. وإن جاز أن تؤخذ بعض العلوم بلا معلِّم، فإن هذا الأمر لا يمكن حصوله أبداً في تعلّم قراءة القرآن الكريم، لأن تعلمه متوقف على العرض والتلقي والمشافهة والإسناد، فلا بدَّ فيه من معلِّم يرجع إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 (قيل لأبي حنيفة - رحمه الله - في المسجد حلقة ينظرون في الفقه، فقال: ألهم رأس؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبداً!) (1) ، هذا مع الفقه فكيف مع القرآن؟! ويتناول هذا البحث قِوامة معلم القرآن الكريم، وصفاته الذاتية، والعلمية، والتربوية، التي تؤهله للمشاركة بمقومات شخصية تميزه في درب خيرية تعلّم القرآن وتعليمه، دون التطرق لأهداف التعليم القرآني، أو طرائقه، أو أخلاق طلاب الحلق (2) القرآنية، وغيرها من الآداب التي ينبغي توافرها في عملية التعليم. والصفات التي يتحدث عنها البحث، هي بعض من صفات لازمة، ينبغي تحققها في معلم القرآن الكريم، وهي غير مقصورة على المتصدي للتعليم في الحلقات، بل هي متأكدة في حق كل متعاط لهذه العملية الشريفة، بصورة جماعية، أو فردية. وذلك أن المعلم هو محور التعليم والدرس والتربية، فمهما وضعت من مناهج متقنة، وهيئت من ظروف ملائمة، ووفرت من وسائل معينة، كل ذلك لا يغني عن الأداة الفاعلة في العملية التعليمية، وهو المدرس الكفء في الموقع المناسب، لأن عناصر التعليم قد تكون في غاية المواصفات المتقنة، لكنها تنحدر وتهبط على يد المدرس غير المؤهل، أو توجَّه من قبله توجيهاً نافراً، أو تهمل ولا يفاد منها.   (1) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: 46. (2) كانت تسمى إلى وقت قريب بالكتاتيب، ويطلق عليها في معظم البلدان الإفريقية (خلاوي) ، وفي بعض بلدان المغرب (حذقات) ، وفي موريتانيا (محاظر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 فلا غرو أن تكون دراسات جادة في تأصيل شخصية المعلم، وبيان دوره الفعَّال. ولقد حرَص الخلفاء وعلية القوم ووعاة الناس - قديماً - على اختيار المدرس الناجح لأبنائهم، ونجد - اليوم - في عالم الناس من يحرص على التحاق ولده في المدرسة النموذجية، التي فيها نخبة من المدرسين الأكفاء، لأن ثمرة التعليم وجناه مترتبة على تأهل المدرس بالصفات اللائقة، وأخذه بها في مسيرته المباركة. إن تأهيل المدرس بالمقومات التي تصل به إلى المستوى المناسب من إقامة الدين - وهو أحد حملته ونقلته - فالطلاب عيونهم مفتوحة على هذا الموجه، فيحسِّنون ما حسَّن، ويعيبون ما قبَّح، وقد يتأثر التلميذ - أحياناً - بمدرِّسه أكثر مما يتأثر بوالده، والطبع - كما يقال - سرَّاق؛ لذلك ربط بعض السلف بين العلم والدين، وكانوا يتعلمون من معلميهم - أيضاً - الدلَّ والسمت والخلق. ويسهم هذا البحث إسهاماً متواضعاً في بيان بعض الصفات الأساسية لمعلِّم القرآن الكريم، ويشير إلى وسائل مفيدة - أيضاً - لمدرس القراءات القرآنية من باب التتميم والإفادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 تمهيد : 1 - فضل تعلم القرآن وتعليمه، وعناية السلف به: إن الاشتغال بكتاب الله العظيم حفظاً، وفهماً، وعملاً، وتعليماً من أفضل القربات وأزكاها عند الله، وقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً يتلو آيات الله، معلماً ومزكياً لنفوس الصحب الكرام، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2) . وحث عليه الصلاة والسلام على الوصاة بكتاب الله (1) ، وقال: (خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه) (2) . قال أبو عبد الرحمن السلمي - راوي الحديث عن عثمان رضي الله عنه: (فذلك الذي أقعدني مقعدي هذا) ، فكان يعلِّم من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج (3) .   (1) كما في حديث طلحة بن مصرِّف قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أُمروا بها ولم يوص؟، قال: أوصى بكتاب الله) رواه البخاري (5022) (فتح الباري: 8 / 685) . (2) رواه البخاري (5027) (الفتح: 8 / 692) ، وأبو داود (1452) سنن أبي داود: 2 / 147، والترمذي (تحفة الأحوذي: 8 / 222) والنسائي في فضائل القرآن: 87، وغيرهم. (3) أخلاق حملة القرآن للآجري: 19. ويرى ابن كثير أن مدة تعليمه القرآن استمرت سبعين سنة، وذهب ابن الجزري إلى أنها أكثر من أربعين سنة. انظر فضائل القرآن لابن كثير: 64، والنشر في القراءات العشر: 1 / 3. وقال الحافظ ابن حجر: (بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة، ولم أقف على تعيين ابتداء إقراء أبي عبد الرحمن وآخره، فالله أعلم بمقدار ذلك) . فتح الباري: 8 / 695. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان (1) ، أو إلى العقيق (2) ، فيأتي منه بناقتين كوماوين (3) ، في غير إثم ولا قطع رحم؟ "، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل" (4) . ومما يدل على حرص السلف على تعلم القرآن وعنايتهم به ما ذكره أبو هريرة - رضي الله عنه - لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر، وسرقة الشيطان منها ثلاث ليال، من قول الشيطان له: (دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها) يقصد آية الكرسي، قال الراوي: (وكانوا أحرص شيء على الخير) (5) . وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن) (6) .   (1) من أودية المدينة الرئيسة، يسيل من جنوبها، ويلتقي مع وادي العقيق شمالاً. انظر المعالم الأثيرة في السنة والسيرة: 49 - 50. (2) أشهر أودية المدينة الشريفة، وهو واد مبارك. (3) الناقة الكوماء: مشرفة السنام عاليته، (النهاية لابن الأثير: 4 / 211) . (4) رواه مسلم (803) صحيح مسلم: 1 / 552 - 553. (5) فتح الباري: 4 / 568. (6) رواه أحمد (الفتح الرباني: 18 / 9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 قال أبو الفضل الرازي: (وعلى الحفظ والتحفظ (1) كان الصدر الأول ومن بعدهم، فربما قرأ الأكبر منهم على الأصغر سناً وسابقة، فلم يكن الفقهاء منهم، ولا المحدِّثون، والوعَّاظ يتخلفون عن حفظ القرآن والاجتهاد على استظهاره، ولا المقرَّبون منهم عن العلم بما لم يسعهم جهله منه) (2) . 2 - نشأة التخصص في الإقراء: ظهر التخصص في القراءة من عصر النبوة، بقوله صلى الله عيه وسلم: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب" (3) ، وقال عن أبي رضي الله عنه: (أقرؤهم أبي بن كعب) (4) ، وقال عمر: (أقضانا علي، وأقرؤنا أبي) (5) . وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى رِعل وذكوان وعصية وبني لحيان سبعين رجلاً من الأنصار، قال أنس - رضي الله عنه - (كنا نسميهم القراء في زمانهم) (6) .   (1) وهو بذل الجهد في حفظ القرآن، طائفة بعد طائفة. (2) فضائل القرآن وتلاوته وخصائص تلاته وحملته: 33. (3) رواه البخاري (3758) (الفتح: 7 / 127) ، والحاكم في المستدرك: 3 / 225، وصححه ووافقه الذهبي، وغيرهما. (4) رواه الترمذي (تحفة الأحوذي: 10 / 294) ، وابن ماجه (154) في السنن: 1 / 55. (5) رواه البخاري (4481) (الفتح: 8 / 17) ، وأحمد في المسند: 5 / 113. (6) رواه البخاري (4090) (الفتح: 7 / 445) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قال الحافظ ابن حجر: (قد بيَّن قتادة في روايته (أي عن أنس) أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، وفي رواية ثابت: ويشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون) (1) . وكان أخذ الصحابة القرآن الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم على طبقتين: أ - طبقة أخذت عنه مباشرة كابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأُبيّ، وزيد، وغيرهم من المكثرين. ب - طبقة أخذت عن الصحابة كابن عباس، وعبد الله بن السائب، وغيرهم من صغار الصحابة رضي الله عن الجميع. ومضى الأمر في المئة الأولى الهجرية على أن عامة الناس يقرؤون بما في المصاحف الموجهة إليهم، وَفق ما أقرأهم الصحابة والتابعون. ثم اشتهر بعد ذلك طائفة من القراء تجردوا للقراءة، واعتنوا بضبطها أتم عناية، وداوموا عليها فنسبت لهم، وأضيفت إليهم، قال الداني: (وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد) (2) . ثم كان عمل أبي بكر أحمد بن موسى المعروف بابن مجاهد البغدادي (ت: 324 هـ) ، معلماً بارزاً في تاريخ الإقراء، إذ انتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار - وهي مكة والمدينة، والكوفة والبصرة، والشام - وهي   (1) فتح الباري: 7 / 447. (2) مقدمة (جامع البيان في القراءات السبع) : 61، ونحوه في النشر لابن الجزري: 1 / 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الأمصار التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث، والفقه كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (1) . وقد استقلت بعض البلدان بكتب خاصة في علم القراءة، فبعد المائة الخامسة الهجرية، اشتهرت الشاطبية في الشام، واشتهر كتاب (العنوان في القراءات السبع) لأبي طاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري (ت: 455 هـ) ، بمصر، وانتشر كتاب (الإرشاد) للقلانسي (ت: 521 هـ) في العراق، ونظمه كثير من أهل بغداد وواسط (2) . ويظهر أن أهل المغرب والأندلس لم يعتنوا إلا بالقراءات السبع تأليفاً، وتعليماً. وتنوع مستوى حلقات تعليم القرآن على مر العصور، فمنها ما كان خاصاً بتعليم أولاد الخلفاء والأمراء، والخاصة (3) . ومنها ما كان خاصاً بتعليم عموم الصبيان (4) . ومنها حلق جمعت بين أصناف المتعلمين من فقهاء، ومتأدبين من أهل التجارة (5) .   (1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 13 / 390. (2) انظر منجد المقرئين ومرشد الطالبين: 178. (3) ، (3) انظر القراءات القرآنية في بلاد الشام: 18، 23. (4) انظر منجد المقرئين: 62 - 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الفصل الأول: المقومات الذاتية التمسك بمنهج السلف في الإعتقاد ... الفصل الأول المقومات الذاتية تعتبر الصفات الذاتية لمدرس القرآن الكريم عماد شخصيته - بعد توفيق الله له -، لأنها تشير إلى مكنون ضميره، ومسلكه بوجه عام. وسوف أقتصر في هذا الفصل على ذكر أربع منها، لما لها من دور مهم في صقل شخصية المدرس. 1 - التمسك بمنهج السلف في الاعتقاد: يعد الالتزام بأصل الاعتقاد الذي كان عليه السلف الصالح، وبراءة المرء من المحدثات والبدع من أكبر منن الله عليه. وسلامة الاعتقاد مطلب شرعي، ومن أول المهام التي ينبغي أن يتحقق بها المعلم، ومدرس القرآن الكريم. ذلك أن رجل العقيدة سهم يندفع في تحقيق أهدافه، وهو إنسان ملأت عقيدته نفسه، فهو يعيش من أجلها، ويرضى بكل أذى في سبيلها، ويبذل جهده وكل غال ورخيص في ظلها، فرجل العقيدة أعظم ذخر نقدمه للعقيدة، وأكبر رصيد نعده في سبيل نصرتها (1) .   (1) انظر المسؤولية للدكتور محمد أمين المصري: 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 إن سلامة الاعتقاد من المقوِّمات الأساسية للمعلم، الذي يتصدَّى للتعليم والتربية في حلقات القرآن، لأن ذلك يثمر الاستقرار القلبي، فيصبح اعتقاده القلبي متوافقاً مع قوله اللفظي، وسلوكه العملي (1) ، ومن كانت هذه سيرته فإنه يستطيع أن يحقق أبرز أهداف الحلقات القرآنية، بغرس بذرة الإيمان في نفوس الناشئة، وبناء لبنة عقيدة التوحيد الباسقة المظللة، بحيث يقع القرآن على أصل الإيمان مع نقاء الفطرة، فتنمو الثمرة، وتأتي أكلها، فيحصل النفع بإذن الله. ولا يفوتني وأنا أتحدّث عن هذه الصفة، والسمة البارزة لمعلمي الخير أن أشير إلى أن أئمة القراءة الأوائل كانوا على هذا المنهج الواضح الذي لم يتكدر ولم يرنُق. فنجد الإمام الحافظ المقرئ أحمد بن محمد بن عبد الله، أبا عمر الطلمنكي (ت: 429 هـ) - وهو أول من أدخل القراءات إلى الأندلس كما يرى ابن الجزري (2) - على هذه الطريقة التالدة، وألَّف في هذا المهيع كتابه (أصول السنة) (3) ، وقد نقل عنه ابن تيمية وابن القيم نقولاً وافرة في كتبهما. ونجد الإمام المقرئ عثمان بن سعيد، أبا عمرو الداني: (ت: 444هـ) ، ألَّف (الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات) ،   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية (بتصرف) : 68. (2) غاية النهاية: 1 / 120، والنشر: 1 / 34. (3) يعتبر هذا الكتاب من المفقود من مؤلفات الطلمنكي. والمراد بكتب (السنة) : الكتب الحاضَّة على اتباعها والعمل بها، وترك ما حدث بعد الصدر الأول من البدع والأهواء. انظر الرسالة المستطرفة للكتاني: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 التي تنضح بمعتقد أهل السنة والجماعة، وتمتاز بسبك الأدلة في مواضعها، كما أنها خلت من مصطلحات علم الكلام (1) . كما أنه - رحمه الله - مزج في منظومته الموسومة بـ (الأرجوزة المنبِّهة) - وهي قصيدة رجزية تقع في نحو (1300) بيت - بين أصول القراءة ومتعلقاتها، وبين أصول الدين، فذكر من صفات الشيوخ الذين يؤخذ عنهم العلم ما يلي (2) : فاقصد شيوخ العلم والرواية ... ومن سما بالفهم والدراية واتَّبع السنة والجماعة ... وقام لله بحسن الطاعة وقال (3) : وجانبِ الأراذِل المبتدعة ... واعمَلْ بقول الفرقة المتَّبِعة وقال في بيان بعض مسائل العقيدة (4) : ومن عقود السنة الإيمان ... بكل ما جاء به القرآن وبالحديث المسند المرويِّ ... عن الأيمَّة عن النبيِّ فمن صحيح ما أتى به الأثر ... وشاع في الناس قديماً وانتشر نزول ربنا بلا امتراءِ ... في كل ليلة إلى السماء من غير ما حدٍّ ولا تكييف ... سبحانه من قادر لطيف ونجد الإمام المقرئ الحسن بن أحمد بن عبد الله، أبا علي البغدادي الحنبلي (ت: 477 هـ) ، - صاحب كتاب (بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها   (1) انظر من مقدمة المحقق: ص 8. (2) الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات: 168. (3) المصدر السابق: 174. (4) المصدر السابق: 178، 194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 القراء وإيضاح الأدوات التي بني عليها الإقراء) - ألف كتابه (المختار في أصول السنة) (1) الذي اختصر فيه كتاب (الشريعة) للآجري، وكتاب التوحيد من صحيح البخاري. ونجد الإمام الحافظ المقرئ الحسن بن أحمد بن الحسن، أبا العلاء الهمذاني العطار (ت: 569 هـ) ، صاحب كتاب (غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار) - ألَّف (فتيا في الاعتقاد وذم الاختلاف) (2) . ولا أطيل بذكر الأمثلة في هذا، وإنما قصدت الإلماع إلى منهج هؤلاء الأئمة، ليكونوا نبراساً على الطريق لمعلم القرآن الكريم، فيتبع آثارهم.   (1) حققه الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، وصدر عن مكتبة العلوم والحكم بالمدينة في طبعته الأولى عام (1413 هـ) . (2) حققه عبد الله بن يوسف الجديع، وصدر عن دارالعاصمة بالرياض عام (1409 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 2 - إخلاص النية : إن أهم الأمور التي يجب على كل مكلف أن يأخذ نفسه بها، ويقيم أعماله عليها، هو إخلاص القصد لله في سائر أحواله الظاهرة والباطنة، فكيف بمن انتصب لتعليم كتاب الله العزيز؟ قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (3) .   (3) رواه البخاري (1) (الفتح: 1 / 15) ، ومسلم (1907) صحيح مسلم: 3 / 1515 بلفظ: (إنما الأعمال بالنية) ، وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وقد ابتلى الله تعالى العباد بالشريعة، ليظهر منهم حسن العمل، فقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك: 2) وفسر الفضيل بن عياض حسن العمل بقوله: (أخلصه وأصوبه) ، وقال: العمل لايقبل حتى يكون خالصاً صواباً، الخالص: إذا كان لله، والصواب: إذا كان على السنة (1) . لذلك يعد العمل الخالي من النية الصالحة كالجثة الهامدة، التي لا روح فيها، وقد فرض الله تعالى عبودية على المسلم في كل عمل يعمله، ومما لامراء فيه أن تعليم القرآن الكريم من أجل القرب وأعظمها أجراً، حتى فضله بعض السلف على الجهاد في سبيل الله (2) ، فمن مقتضى هذه العبودية في هذا العمل أن تُجرد النية لله في تعليمه، ويُفرد بحسن الطاعة والقصد، ويُصفَّى عن ملاحظة المخلوقين، كما قال القشيري: (الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين) (3) . وكلما أخلص المرء لله لم يتعثر في سيره، وأُعطي توفيقاً بقدر ما في قلبه من الصدق والإخلاص، قال الإمام الرباني محمد بن واسع البصري: (إذا أقبل العبد بقلبه على الله، أقبل الله بقلوب العباد عليه) (4) . وهذه معلمة مهمة لمدرس القرآن الكريم، ينبغي له ترسمها والحرص عليها، ليمسِّك الناس بالكتاب، ويحببهم إليه، ويحملهم على حسن الأدب معه، وجودة تلاوته.   (1) معالم التنزيل للبغوي: 8 / 176. (2) انظر النشر: 1 / 4. (3) التبيان في آداب حملة القرآن: 24. (4) سير أعلام النبلاء: 6 / 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وقد رأيت من بعض مشايخي في تعليمهم القرآن صدقاً وإخلاصاً ظاهراً؛ بحيث بورك لهم في أعمالهم وأعمارهم، وصرف الله قلوب الناس إليهم، وازدحم عليهم الطلاب من كل أفق، لأنهم عاملوا ربَّهم بهذه الخصلة، فأعطاهم بحسن قصدهم وطهارة نفوسهم أفضل عطاء، وجعلهم بحق من أهل الخيرية التي أشار لها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه" (1) . ولعظم هذا الأمر وأهميته في مقاصد المكلفين، وفيما يتعبدون به ربهم، تمنّى ابن أبي جمرة الأندلسي (ت: 695 هـ) على أهل العلم أن يتفرغ بعضهم لهذا الموضوع، كي يعلم الناس مقاصدهم، فقال: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتي على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك) (2) . ومما ينبغي التنبيه عليه في هذه الصفة لمعلم القرآن الكريم، أن بعض القراء يكره قراءة طلابه على غيره من القراء ممن ينتفع بهم. قال النووي - رحمه الله - (وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته، وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى الكريم، فإنه لو أراد الله تعالى بتعليمه لما كره ذلك، بل قال لنفسه: أنا أردت الطاعة بتعليمه وقد حصلت، وهو قصد بقراءته على غيري زيادة علم، فلا عتب عليه.   (1) سبق تخريجه ص: 5. (2) المدخل لابن الحاج: 1 / 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قال: وقد صحَّ عن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه قال: وددت أن الخلق تعلَّموا هذا العلم - يعني علمه وكتبه - على أن لا ينسب إليَّ حرف منه) (1) . وتأتي أهمية تصفية النية من الشوائب، وإخلاصها لله تعالى في فاعلية العملية التعليمية والتربوية من كونها أساساً لقبول عمل المدرس ورفع عمله الصالح، ومن الجانب الآخر أن المدرس قدوة لطلابه، فإذا كان خالي الوفاض أو مكدَّر المورد في هذه الصفة، فكيف يستطيع أن يؤثر في تلاميذه، ويحقق أهدافه التعليمية والتربوية؟.   (1) التبيان في آداب حملة القرآن: 28، ونحوه في المجموع شرح المهذب: 1 / 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 3 - التدين الصادق : يعتبر الالتزام بأحكام الشرع الحنيف علامة فارقة ومميزة بين المسلم الصادق وبين مدعي الإسلام. وينبغي لمن فضَّله الله تعالى وشرَّفه بحمل كتابه، أو شيء منه أن يكون من أهل القرآن بحق، الذين هم أهل الله وخاصته، وممن قال الله عز وجل فيهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} (البقرة: 121) أي يعملون به حق عمله (2) . وقال عكرمة: يتبعونه حق اتباعه من قولهم: تلا، أي: تبع، ومنه قوله تعالى {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} (3) .   (2) أخلاق حملة القرآن: 24. (3) تفسير القرآن للسمعاني: 1 / 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وذكر العلماء أن من شرط مقرئ القرآن وصفته أن يكون ثقة مأموناً، ضابطاً، متنزهاً من أسباب الفسق ومسقطات المروءة (1) . قالوا: وليتمسك بالكتاب والسنة في جميع تصرفاته الظاهرة والباطنة، فهذا أصل كل خير، ومنبع كل فضيلة (2) . فينبغي لحامل القرآن ومعلمه أن يكون ملتزماً بالفرائض والواجبات، ومحافظاً على المندوبات بحسب الاستطاعة، مجتنباً للمحرمات، مبتعداً عن المكروهات بقدر الطاقة، سواء ما كان من ذلك بالقول أو الفعل، ظاهراً وباطناً. وأن يكون مراقباً لربه في سره وعلانيته، راجياً ثوابه، خائفاً من عقابه، متأملاً في تصرفاته، محاسباً نفسه على هفواته وزلاته، حريصاً على ما يصلح دينه، ويسدد نقصه، ويصلح خطأه قدر الإمكان (3) . ذكر الآجري بسنده عن ابن مسعود أنه قال: (ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون) (4) . قال الآجري - رحمه الله - (هذه الأخبار كلها تدل على ما تقدَّم ذكرنا له من أن أهل القرآن ينبغي أن تكون أخلاقهم مباينة لأخلاق من   (1) انظر منجد المقرئين: 58، وغيث النفع في القراءات السبع: 19. (2) غيث النفع: 24. (3) المدارس والكتاتيب القرآنية وقفات تربوية وإدارية: 13. (4) أخلاق حملة القرآن: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 سواهم ممن لم يعلم كعلمهم، إذا نزلت بهم الشدائد لجؤوا إلى الله فيها، ولم يلجؤوا فيها إلى مخلوق، وكان الله أسبق إلى قلوبهم، وقد تأدبوا بأدب القرآن والسنة، فهم أعلام يقتدى بفعالهم) (1) . ومما ينبغي لمعلم القرآن الاعتناء به، المحافظة على تلاوة القرآن ومداومتها، دون الاكتفاء بالتسميع للطلبة عن المراجعة، وهذا من المواطن التي قد تقع فيها غفلة بعض المدرسين، بحيث يجتزئ بسماعه القرآن دون تلاوته هو له؛ مما يوقعه بشيء من هجر القرآن، ويترتب عليه ضعف محفوظه. ذكر عبد الصمد بن يزيد البغدادي - خادم الفضيل بن عياض - أنه سمع الفضيل يقول: (أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً) (2) . وقال الحسن - رحمه الله - (إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه، وإن لم يكن يقرؤه) (3) . ومما يجب على المعلم أن يأخذ نفسه به، وينشِّئ طلبته عليه، البعد عن الأساليب المبتدعة في القراءة، التي أحدثت بعد القرون المفضلة، نحو قراءة القرآن بأصوات الغناء، أو بطريقة الترعيد، أو الترقيص، أو التطريب، أو باللحون الخاصة بالأعاجم، لأن القرآن عربي، فيسلك به مذاهب العرب في لحونهم ونغماتهم، أو التشبه بإيقاعات التراتيل الكنائسية، والأنغام اليهودية والنصرانية، فإن مطلق التشبه بهم حرام، فكيف به في هذا المقام؟   (1) المصدر السابق: 42 - 43. (2) المصدر السابق: 43. (3) فضائل القرآن لأبي عبيد: 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ويحذر من الانزلاق إلى النُّواح حتى لا يتشبه بأهل النوح من الذين لا يؤمنون بقدر الله. ويدخل في هذا النوع من الطرق المبتدعة مشابهة ألحان الروافض في نياحاتهم التي يقيمونها في عاشوراء، فإنها يجتمع فيها وصفان من الأوصاف المعتبرة في التحريم: أنها ألحان أعجمية، وأنها من ألحان أهل النوح (1) . فإذا رُئي معلم القرآن يعتاد هذه الطرائق ويرغب فيها، فهو دليل على عدم اتباعه للقرآن، وانتفاعه به. روى زياد بن لبيد الأنصاري قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال: "وذاك عند أوان ذهاب العلم"، قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمّك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء؟ " (2) . والمقصود من ذكر صفة التدين الصادق لمعلم القرآن، التنبيه على أن يواطئ قوله وعمله ما يحمل من كلام الله، ليكون القرآن العظيم حجة له، لا عليه، وليرفعه الله به، وينفع بتعليمه.   (1) انظر جمال القراء وكمال الإقراء: 2 / 528 - 529، والتمهيد في علم التجويد لابن الجزري: 55 - 57 ، ولطائف الإشارات لفنون القراءات: 1 / 218، وسنن القراء ومناهج المجودين: 94، 99. (2) رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم (52) : 15 - 16، وأحمد في المسند: 4 / 160، وابن ماجه (4048) في السنن: 2 / 1344. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 4 - حسن الخلق إن من المبادئ المهمة التي ينبغي لمعلم القرآن أن يعتني بها، ويعرف حدودها وثمراتها الأخروية والدنيوية هو حسن الخلق، ويتأكد هذا الخلق في حقه من جانبين: (أ) أنه من حملة كتاب الله، فهو حائز لهذا الإرث الشرعي، الذي كان خلقُ من نزل عليه - صلى الله عليه وسلم - القرآن، وأثنى عليه ربه تعالى بأعظم خلة يتحلى بها بشر، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم:4) . (ب) أنه متصدر لتعليم الناس ومخالطتهم، وسينتج عن هذا التعليم وتلك المخالطة أمور ينبغي أن يقابلها بحسن المسايسة وتدبير الأمر لأن كل من خالط الناس وجد منهم ما يكره. فلذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن معلماً لهم ومفقهاً وقاضياً، أوصاه بقوله: (وخالق الناس بخلق حسن) (1) ، (فإنه يحتاج إلى مخالقة الناس بخلق حسن، ما لا يحتاج إليه غيره ممن لا حاجة للناس به، ولا يخالطهم، وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق العباد بالكلية، أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً، لا يقوى عليه إلاّ الكمّل من الأنبياء والصدقيين) (2) .   (1) رواه أحمد: 5 / 153، والترمذي عن أبي ذر (تحفة الأحوذي: 6 / 122) ، وغيرهما. (2) جامع العلوم والحكم لابن رجب: 1 / 454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وقد نبه العلماء المعلِّم على بعض الأخلاق التي ينبغي التحلي بها، ومنها: (ينبغي للمعلِّم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخلال الحميدة، والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من الزهادة في الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر والتنزه عن دنيء الاكتساب، والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك، والإكثار من المزح) (1) . وذكر ابن جماعة من الآداب التي ينبغي للعالم أن يأخذ بها نفسه: (معاملة الناس بمكارم الأخلاق من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، واحتماله منهم، والإيثار وترك الاستئثار، والإنصاف وترك الاستنصاف، وشكر التفضل (2) ، وإيجاد الراحة (3) ، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه في الشفاعات، والتلطف بالفقراء، والتحبب إلى الجيران والأقرباء، والرفق بالطلبة، وإعانتهم وبرهم) (4) . وبهذه الخصال المحمودة، والصفات الجميلة يظهر أن لفظ (حسن الخلق) واسع المدلول، متعدد الجوانب والمظاهر. وهذا الشمول الذي يحويه (الخلق الحسن) يعد من أبرز وسائل تقوية الروابط الاجتماعية بين المعلم والمتعلم، في حين أن سوء الخلق يؤثر في هذه   (1) التبيان في آداب حملة القرآن: 29. (2) أي: شكر صاحب الفضل والمعروف. (3) للمتعلم في تحصيله ودرسه، وفي مسكنه. (4) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 العلاقة التي هي شرط في التأثر والاستجابة، وقد أثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: (يكون في الرجل عشر خصلات تسعة منها أخلاق حسنة، وخلق سيئ، فيغلب السيئُ التسعة الحسنة) (1) . ولقد سمعت من بعض الطلاب الذين انتظموا في حلقات حفظ القرآن الكريم، أنهم كانوا يرون مدرس القرآن الذي يلقنهم عدوَّهم اللدود، ويسارقونه نظرات الغضب والحنق، ومرد ذلك اجتهاد المدرس في وسائل التعليم والتأديب، فتجده يسلك سبيل العنف والشدة، والتهديد والضرب في غالب الأحيان؛ مما يؤدي إلى زرع بذور الكراهية بين المعلم والطالب، وهو مؤشر على فقد المدرس لصفة (حسن الخلق) ، الذي له تداعياته العلمية والتربوية على النشء.   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الفصل الثاني: المقومات العلمية التأهل بأساسيات العلم الشرعي ... الفصل الثاني المقومات العلمية إن معرفة الصفات والخصائص التي ينبغي للمعلِّم أن يُلم بها في جانب مهمته ومهنته التعليمية أمر لا مناص منه، لإيجاد المدرس الكفء القادر على تحمل أعباء رسالته، وأدائها على الوجه الصحيح المثمر. ولأهمية دور المعلم في تهيئة الجو العلمي المناسب للمتعلم، كان لزاماً عليه أن يتسلح بالعلوم الأساسية والتخصصية، ليقوم بدوره الفعّال دون هبوط أو آثار سلبية. وسأعرض في هذا الفصل، لأهم المواصفات العلمية التي ينبغي توافرها في معلم القرآن الكريم. 1 - التأهل بأساسيات العلم الشرعي: ينبغي لمعلم القرآن الكريم أن يطلب العلم الشرعي، ويتفقه في الدين، ولا يقتصر على حفظ اللفظ المجرد للقرآن الكريم، وليكن له قدوة في أسلافه من الحفاظ والقراء الذين كانوا أئمة في فنون عدة، بجانب علمهم وضبطهم لكتاب الله. وقد ذكر العلماء عدة علوم يلزم المقرئ أو معلم القرآن أن يتخلَّق ويتحقق بها قبل أن يتصدر، وهي: (أ) علم العقيدة: وهو أول العلوم التي ينبغي أن يتحقق بها، ليعبد ربه على بصيرة، وينال السعادة في الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 قالوا: ولا يجوز لأحد أن يتصدر للإقراء حتى يتقن عقائد الدين، ويتعلمها على أكمل وجه (1) . وليستطيع أن يدفع بعض الشبه التي تثار حول بعض القراءات (2) ، أو مسألة خلق القرآن، أو نزول القرآن وكيفيته، ونحو ذلك. ويحسن به أن يدرس ويستشرح كتاباً في معتقد أهل السنة، نحو (صريح السنة) لابن جرير الطبري (ت: 310هـ) ، أو (العقيدة الطحاوية) لأبي جعفر الطحاوي (ت: 328هـ) ، أو (العقيدة الواسطية) لابن تيمية (ت: 728 هـ) ، أو (الوجيز في منهج السلف الصالح) للشيخ عبد القادر الأرناؤوط الدمشقي. وذكر الداني هذا العلم في شروط الشيخ المتلقَّى عنه علم القرآن، فقال (3) : فإن رغبت العرض للحروف ... والضبط للصحيح والمعروف فاقصد شيوخ العلم والرواية ... ومن سما بالفهم والدراية إلى أن قال: واتبع السنة والجماعة ... وقام لله بحسن الطاعة (ب) علم التفسير: وهذا العلم هو قلب علوم القرآن، وقد نعى الله على الذين يقرؤون القرآن ولا يفهمونه، فقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ   (1) غيث النفع: 21. (2) منجد المقرئين: 50. (3) الأرجوزة المنبهة: 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أَقْفَالُهَا} (محمد: 24) ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29) . وقال الحسن - رحمه الله – "ما أنزل الله عز وجل آية، إلاّ وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت، وما أراد بها" (1) . وقال عمرو بن مُرَّة: "إني لأمر بالمثل من كتاب الله عز وجل ولا أعرفه، فأغتمُّ به"، لقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (2) } (العنكبوت:43) . وقد ذم العلماء من يحفظ اللفظ من القرآن، ولا يعلم معناه ولا يطلب تفسيره (3) . وقال الراغب الأصفهاني: "أول ما يُحتاج أن يشتغل به من (علوم القرآن) العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللَّبِن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم" (4) .   (1) فضائل القرآن لأبي عبيد: 42. (2) المصدر السابق: 42. (3) انظر الرعاية لمكي بن أبي طالب: 86، والمرشد الوجيز لأبي شامة: 193، وتفسير القرطبي: 1 / 26، ولطائف الإشارات لفنون القراءات: 1: 327. (4) مفردات ألفاظ القرآن: 54 - 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لذلك كان من شرط المقرئ ومعلم القرآن أن يتعلم من التفسير والغريب ما يستعين به على فهم القرآن، ولا تكون همته دنيئة، فيقتصر على سماع لفظ القرآن دون فهم معانيه (1) . وإذا نظرنا لمنهج الصحابة والتابعين في تعلم القرآن، وجدناهم أخذوه برفق وفهم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لا يجاوزونها حتى يعلموا ما فيها، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً (2) . وذكر الداني - رحمه الله - من شروط الشيخ المتصدر للإقراء (3) : وجمع التفسير والأحكاما ولازم الحذاق والأعلاما (ج) علم الفقه: وهو من العلوم الأساسية التي يحتاجها معلم القرآن؛ ليصلح به أمر دينه، من طهارة وعبادات، وما يحتاج إليه من معاملات (4) . وليحرص في طلبه للفقه في الأحكام أن يقرأه من كتاب مختصر جامع، وعلى شيخ متقن؛ ليحقق له ألفاظه، ويقرب عليه مسافة الفهم، وليعتاد على ألفاظ الفقهاء. وقال الداني - في شروط معلم القراءة - (5) : وجمع التفسير والأحكاما .........................   (1) غيث النفع: 21، وانظر منجد المقرئين: 52. (2) انظر تفسير الطبري: 1 / 36، والبيان في عد آي القرآن للداني: 33، والمستدرك للحاكم: 1 / 557. (3) الأرجوزة المنبهة: 168. (4) انظر منجد المقرئين: 50، وغيث النفع: 21. (5) الأرجوزة المنبهة: 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ويحسن به أن يقرأ الأحكام الفقهية من كتاب في (أحكام القرآن) ؛ لأنه في هذا يجمع بين التفقه، وبين التفسير. (د) الناسخ والمنسوخ: اشترطه للمقرئ الداني، فقال (1) : وشاهد الأكابر الشيوخا ... ودوَّن الناسخ والمنسوخا وكذلك الجعبري (2) : إبراهيم بن عمر (ت: 732 هـ) . وردّه ابن الجزري، فقال: "ولا يشترط أن يعلم الناسخ والمنسوخ، كما اشترطه الإمام الجعبري" (3) . والصواب أنه لا يشترط لمعلم القرآن ومقرئه معرفته، بل هو شرط من شروط المفسِّر (4) ، والمجتهد (5) . ومما يلتحق بالعلوم الشرعية التي ينبغي لمعلم القرآن ومقرئه أن ينال منها بنصيب، ما يلي: الحديث وعلم السنن: ينبغي لقارئ القرآن ومقرئه أن لا يخلي صدره من حفظ شيء من حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ومن النظر في بعض كتب السنن، وبخاصة   (1) الأرجوزة المنبهة: 168. (2) منجد المقرئين: 52. (3) منجد المقرئين: 52. (4) انظر مقدمة (جامع التفاسير) للراغب: 95، والتيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي: 146. (5) انظر قواعد الأصول ومعاقد الفصول: 101، والبحر المحيط للزركشي: 6 / 203. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 المختصرات الجامعة كـ (عمدة الأحكام) لعبد الغني المقدسي (ت: 600 هـ) ، و (رياض الصالحين) للنووي، ونحوهما. قال أبو عمر بن عبد البر – رحمه الله - (القرآن أصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب، كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه، ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحاً) (1) . الرقائق وفضائل الأعمال: وهذا الباب ذخيرة ثمينة، وستر رقيق يكشف للمرء عيوب نفسه، ويعالج به عوجها ومرضها، ويفتح له أبواباً من الخير والعمل، والجد والاجتهاد في العبادة والطاعة. النظر في تراجم الصالحين: وهو علم مفيد يترسم به المرء سير أولئك القوم ويتشبه بهم، وبه يعرف أحوالهم وتجاربهم في الحياة، كسير الصحابة، والتابعين، وعلماء الأمة، كمالك والشافعي وأحمد، وغيرهم ممن سار على طريقهم. جاء عن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قال: (الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحبُّ إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم) (2) .   (1) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1130. (2) جامع بيان العلم وفضله: 1 / 509 - 510. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 2 - الإلمام بعلوم التخصص : إن الدراية الكافية، والمعرفة الجيدة بالعلوم التي يتخصص بها المدرس، تعدُّ مطلباً مهماً من مطالب التأهل للتعليم؛ لأن إيصال العلم بأمانة للآخرين متوقف على التأسيس المتين، والفهم السليم لأسس ومبادئ العلم المتخصص فيه. وأهل كل علم وأرباب كل صنعة أدرى بها من غيرها، وقديماً قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - (كل علم يسأل عنه أهله) (1) ، لذلك إذا تكلم الإنسان في علم لا يحسنه، ولا يعرف حدوده ومصطلحاته أتى بالعجائب والغرائب. ويعد التمكن في علم التخصص مهماً - أيضاً - لإبراز شخصية المدرس، ودورها الفعال في التأثير والتوجيه، لأن المعلم الضعيف في هذا الجانب، يعطي صورة مهزوزة عنه أمام تلاميذه، مما يضعف تأثيره فيهم. وسأتناول أهم العلوم المساعدة التي تؤهل مدرس القرآن الكريم إلى المستوى المنشود منه. (أ) إتقان علم التجويد: وهذا العلم هو الصفة الشرعية التي يُتَعَبَّد بها في تلاوة كلام ربنا، ويعتبر كذلك - إن صحَّ تعبيري - البنية التحتية لعلم القراءات؛ لأن كثيراً من قواعده وأصوله مشتركة بين القراء، فإتقانه على المستوى العلمي النظري، والمستوى العملي التطبيقي وسيلة ضرورية للمعلم.   (1) النشر: 1 / 271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وإلا فكيف يستطيع المدرس شرح بعض المصطلحات الدقيقة في هذا العلم، نحو: الهمس، والشدة، إن لم يفهمها فهماً واضحاً دقيقاً، ويتلقها تلقياً جيداً متقناً؟، أو كيف يستطيع نطق بعض الكلمات القرآنية التي تحتاج إلى معرفة تامة بطريقة نطقها كوجهي الاختلاس، والإشمام مع الإدغام في قوله تعالى: {لا تَأْمَنَّا} (يوسف: 11) ، أو التسهيل في قوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (فصلت: 44) ، ونحوها؟ وقد يؤدي الأمر في بعض المتصدرين لتعليم القرآن إلى هُوَّة بعيدة، بسبب عدم فهم حدود التعريفات والمصطلحات، فيفسرها تفسيراً شاذاً أو بعيداً، كما حصل لبعض المؤلفين في أحكام التجويد، فذكر أن المد المنفصل يجوز قصره من طريق (الطيبة) ، قال: (أهل المدينة المنورة) (1) . ففسَّر طريق (الطيبة) ، وهو متن في القراءات العشر لابن الجزري نظم فيه كتابه (النشر) ، بأحد أسماء مدينة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو فهم عجيب!!. ويمكننا اعتبار بواكير الاهتمام بالناحية العملية في جانب التجويد، هو قراءة الصحابة رضوان الله عليهم على النبي عليه الصلاة والسلام، وقراءة بعضهم على بعض. وثبت عن جمع من الصحابة والتابعين قولهم: (القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول) (2) . ومن مظاهر هذا الاهتمام أن عثمان - رضي الله عنه - لما بعث المصاحف إلى الأمصار، أرفق مع كل مصحف مقرئاً ضابطاً يقرئ عامة الناس   (1) انظر هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: 303. (2) انظر طرق الأثر في السبعة لابن مجاهد: 49 - 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بما في هذا المصحف وَفق ما قرأ وروى؛ لأن في القراءة كيفيات وصفات لا تؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة. ومما ينبغي تأكيده - ونحن نتكلم على إتقان التجويد - أمران: الأول: أن يُتَخيَّر للقراءة شيخ متقن ضابط، استكمل الأهلية في هذا الأمر، فإذا حصَّل المرء مثله فليحرص على طول ملازمته والأخذ عنه. قال مكي بن أبي طالب: (يجب على طالب القرآن أن يتخير لقراءته ونقله وضبطه أهل الديانة والصيانة، والفهم في علوم القرآن، والنفاذ في علم العربية، والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن، وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم) (1) . الثاني: العناية بمخارج الحروف وصفاتها، وهو من أهم مباحث التجويد، وإتقانه يعد إتقاناً لثلاثة أرباع التجويد. وعرَّف الإمام الداني التجويد بقوله: (فتجويد القرآن، هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ومراتبها، وردّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف) (2) . وجعل الصفاقسي التجويدَ: معرفة مخارج الحروف وصفاتها (3) . وأرى أن من أفضل ما يدرسه المعلم في باب التجويد - ويحسن به حفظه - هو منظومة ابن الجزري (المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه) المعروفة بالجزرية؛ لأنها تمثل واسطة العقد في مؤلفات هذا الفن، ولاقت   (1) الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: 89. (2) التحديد في الإتقان والتجويد: 70. (3) غيث النفع: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 احتفاء واهتماماً من أهل العلم، لكون ناظمها إماماً مقدَّماً في هذا العلم، ولأنها جمعت أمهات المسائل وأطر علم التجويد. وإن أراد الارتقاء إلى علم القراءات، فليحفظ كتاباً جامعاً مشتملاً على ما ينبغي أن يقرأ به من أصول القراءات وفرشها (1) . وينبغي له معرفة حكم تركيب القراءات بعضها مع بعض (2) ، ومعرفة طريقة جمعها؛ لأن معظم شيوخ هذا العلم المتأخرين يأخذون بطريقة الجمع (3) . وأنبه في خاتمة حديثي عن التجويد أن بعض من لم يتلق هذا العلم عن شيوخه الأثبات أهل الورع والرواية، والعلم والدراية، يقع في تكلُّف وتزيُّد من غير أصل، وهذا بسبب تعاطيه هذا العلم من غير أن يقتبسه من عالم مُجيد. قال الداني - رحمه الله – "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من أهل الأداء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات وتلخيص السواكن، إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة، والمذاهب المكروهة، فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك، وبكيفية حقيقته" (4) .   (1) انظر منجد المقرئين: 52، ولطائف الإشارات: 1 / 334. (2) انظر منجد المقرئين: 77 - 78، والنشر: 1 / 18 - 19. (3) انظر منجد المقرئين: 72 - 74، والنشر: 2 / 194 - 206. (4) التحديد: 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 (ب) الاهتمام بالسند: وهو من أهم وسائل علم القراءة؛ لأن القراءة قائمة على الرواية والنقل، فلا بد من إثباتها، وطريق ذلك الإسناد. وقد نبه العلماء على أهمية الاعتناء بهذا العلم، وعدوه من العلوم اللازم معرفتها لطالب القراءة، كابن الجزري (1) ، والبقاعي (2) ، والقسطلاني (3) ، والصفاقسي (4) . وقد قال الإمام عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" (5) . ويعتبر حصول الطالب على إسناد في القراءة متصلاً سنده بالنبي صلى الله عليه وسلم شهادة على أهليته وصلاحه للتدريس وتعليم القرآن الكريم، وتزكية له وتوثيقاً في دخوله في السلسلة المباركة لتحمُّل القرآن ونقله، بحيث أصبح عدلاً ضابطاً في نقل الرواية أو الروايات التي قرأها وتلقاها. ولما كان القرآن لا يؤخذ من المصحف، اشتدت العناية بالتلقي والإسناد، وكان هذا الأمر دأب العلماء، وطلبة العلم الجادين.   (1) انظر منجد المقرئين: 57، والنشر: 1 / 193. (2) انظر الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات: 20. (3) انظر لطائف الإشارات: 1 / 172 - 173. (4) انظر غيث النفع: 21. (5) رواه مسلم في مقدمة صحيحه: 1 / 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ومن طريف ما يذكر ما حكاه ابن الجوزي، قال: سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها، فأقام عنده أياماً، فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم، وقد أشكل عليَّ في القرآن بعض مواضع. قال: سلني عنها، قال: منها في (الحمد لله) ، قال: (إياك نعبد وإياك) أي شيء: تسعين أو سبعين؟ أشكلت عليَّ هذه، فأنا أقولها (تسعين) آخذ بالاحتياط (1) . وقد ذكر العلماء أن مقرئ القرآن لا بدَّ له من أنسة بحال الرجال والأسانيد، وهو من أهم ما يحتاج إليه (2) ، وما وقعت أخطاء عدد من القراء في أسانيدهم، إلا بسبب غفلتهم عن هذا الجانب (3) . وذكر ابن الجزري - رحمه الله - أنه لا بدَّ من سماع الأسانيد على الشيخ، والأعلى أن يحدثه الشيخ بها من لفظه، فأما من لم يسمع الأسانيد على شيخه، فأسانيده من طريقة منقطعة (4) . ومما ينبغي تأكيده ما يحصل من إعطاء الإجازات المبهمة، أي التي لا تعيين فيها لنوع المقروء، ومقداره، وكيفيته، سواء من جانب الشيخ المجيز، أو   (1) أخبار الحمقى والمغفلين: 71. (2) انظر منجد المقرئين: 57، ولطائف الإشارات: 1 / 173 - 174. (3) انظر كلام ابن الجزري في الأوهام التي وقعت في أسانيد (الكامل) للهذلي في غاية النهاية: 2 / 400. (4) منجد المقرئين: 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 في جانب الطالب المجاز، وهو تدليس، بل يرى ابن الجزري أنه تدليس فاحش، يلزم منه مفاسد كثيرة (1) . فينبغي للمجيز أن ينص على الرواية أو الروايات التي قرأها الطالب عليه، ومن أي كتاب، ومن أي طريق، وهل ختم ختمة كاملة أو لا؟. وأرى أنه يحسن ذكر أن الطالب قرأ القرآن الكريم حفظاً من صدره - وهو الأصل في تلقي القرآن (2) - بسبب تساهل بعض من يجيز بالقراءة نظراً، وحتى يتميز الحافظ عن غيره. (ج) العناية باللغة العربية: يعد الاعتناء بلغة القرآن الكريم من شعائر الدين؛ لأنها السبيل للنطق الصحيح، والبيان الواضح، والفهم السليم. وقد وردت آثار عديدة في الحث على تعلمها والحرص على طلبها، فمن ذلك ما ثبت عن عمر - رضي الله عنه - في كتابه لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: (تعلموا العربية، وتفقهوا في العربية) (3) . وعد أئمة القراءة الاعتناء بها من الوسائل المهمة لعلم القراءة، كابن الجزري (4) ، والبقاعي (5) ، والقسطلاني (6) ، والصفاقسي (7) .   (1) انظر منجد المقرئين: 54. (2) انظر هذا الأصل عند: ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13 / 400، وابن الجزري في النشر 1 / 6. (3) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1132 - 1133. (4) منجد المقرئين: 50 - 51. (5) الضوابط والإشارات: 20. (6) لطائف الإشارات: 1 / 172، 182. (7) غيث النفع: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 واعتبر ابن مجاهد حامل القرآن الذي لا يعرف الإعراب، وهو غير مطبوع عليه، حافظاً لا يلبث أن ينسى؛ لتشابه الحركات عليه، ولأنه لا يعتمد على علم بالعربية، ولا بصر بالمعاني يرجع إليه (1) . قال ابن عبد البر - رحمه الله - (القرآن أصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب، كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه) (2) . ويرى ابن الجزري أن النحو والصرف من أهم ما يحتاج إليهما قارئ القرآن ومعلمه؛ لأنه محتاج إليهما في توجيه القراءات، وفي باب وقف حمزة على الهمز، وفي أبواب الإمالة، وفي الوقف والابتداء (3) . وقال أبو الحسن علي بن عبد الغني الحُصْري (ت: 488 هـ) (4) : وأحسِنْ كلام العُرْب إن كنت مقرئاً ... وإلا فتخطي حين تقرأ أو تُقري لقد يدَّعي علم القراءة معشر ... وباعهم في النحو أقصر من شبر فإن قيل: ما إعراب هذا ووزنه رأيت طويل الباع يقصر عن فتر وقال الداني: - في صفات من يُؤخذ عنهم العلم - (5) : وفَهِم اللغاتِ والإعرابا ... وعلم الخطأ والصَّوابا   (1) انظر السبعة في القراءات: 45. (2) جامع بيان العلم وفضله: 2 / 1130. (3) انظر منجد المقرئين: 50 - 51. (4) شرح القصيدة الحصرية لابن عظيمة الإشبيلي: 2 / 26. (5) الأرجوزة المنبهة: 168، 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقال: وكل من لا يعرف الإعرابا ... فربَّما قد يترك الصوابا وربما قد قوَّل الأيمَّهْ ... ما لا يجوز وينال إثمه لذلك ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يكتب إلى عماله: "لا يقرئ القرآن إلا من يعرف الإعراب" (1) . فحري بمعلم القرآن أن يتقن هذا العلم، ويدرب طلابه عليه، ويحببه إليهم. وإذا نظرنا إلى أئمة القرآن نجد أن معظمهم جمعوا بين علمي القراءة والعربية، ولهم تراجم في طبقات القراء، وفي طبقات النحاة واللغويين، ونراهم قد زاوجوا في تآليفهم بين العلمين، فصنفوا فيهما. (د) معرفة الوقف والابتداء: معرفة هذا العلم من المقاصد الجليلة، والمطالب النبيلة لقارئ القرآن ومعلمه؛ كي يعرف كيف يقف، وأين يقف، ومن أين يبتدئ وكيف يبدأ القراءة. لذلك اعتنى به السلف، وتعلّمه الصحابة رضوان الله عليهم، فقال ابن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها) (2) .   (1) ذكره الشهرزوري في (المصباح الزاهر) : 1522. (2) رواه أبو جعفر النحاس في القطع والائتناف: 87، والحاكم في المستدرك: 1 / 35 وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال النحاس: "فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن، وقول ابن عمر: (لقد عشنا برهة من الدهر) ، يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة" (1) . وقال ابن الجزري: "وصحَّ بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع - إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين -، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم من الأئمة، وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب" (2) . أليس يقبح بالقارئ أن يقف - مثلاً - على قوله تعالى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} (3) ، أو على قوله {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ} (4) ، أو على قوله {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ، وَأَخِي هَارُونُ} (5) ، فيفسد المعنى في هذا كله، ويقشعر جلد من سمعه؟ وأليس يستبشع من القارئ ألا يعلم كيف يبدأ بنحو قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (الأحقاف: 4) أو قوله: {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ … } (ص الآية: 6) ؟   (1) القطع والائتناف: 87. (2) النشر: 1 / 225. (3) النساء، الآية: 11. (4) يوسف، الآية: 17. (5) القصص، الآية: 33، 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ولهذا اشترط كثير من أئمة القراءة على المجيز أن لا يجيز الطالب في القرآن إلا بعد معرفة الوقف والابتداء (1) . وقد ألَّف العلماء في هذا العلم مؤلفات كثيرة قديماً وحديثاً، ما بين مختصرات كالمقدمة للعلم، نحو (نظام الأداء في الوقف والابتداء) لابن الطحان السماتي (ت بعد: 560 هـ) ، وهي مقدمة مفيدة، وما بين مطوَّلات ككتاب (المرشد) للعماني (ت بعد: 500 هـ) . ومن أحسن الكتب المتأخرة في هذا العلم كتاب (منار الهدى في بيان الوقف والابتدا) لأحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشموني (ت بعد: 1099 هـ) ، فقد جمع فيه خلاصات كثير من الكتب السابقة. وتعتبر علامات الوقوف الست المرموز لها في المصحف برموز خاصة، علامات هادية لأماكن الوقف والابتداء، فيحسن بمعلم القرآن العناية بها، وأخذ الطلاب لاعتبارها والاهتمام بها أثناء قراءتهم وحفظهم. (هـ) الدراية برسم القرآن: كتب القرآن الكريم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بصورة معينة، أضْفَتْ عليه صبغة خاصة تناقلها رواة وكتبة المصاحف، ثم دونها علماء القراءة في مصنفات وصفوا فيها هيئات تلك الكتابة على نحو أمين ومتقن، صار بعد ذلك عِلْماً قائماً بذاته، هو علم (رسم القرآن) ، فغدا هذا العلم عِلْماً مميزاً لا يخضع لقواعد الإملاء، لا من حيث النطق، ولا من حيث الرسم، في الكثير منه.   (1) انظر النشر: 1 / 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وتعدُّ معرفة قواعد الرسم العثماني من الوسائل المهمة لمعرفة القراءة، نصَّ على ذلك عدد من أهل العلم، منهم: البقاعي (1) ، والقسطلاني (2) ، والصفاقسي (3) . وتنحصر معرفة الرسم القرآني في ست قواعد (4) : - الحذف: وهو مطرد في الألف، والياء، والواو، واللام، وأحياناً في النون. - الزيادة: وهي مطردة في الألف، والياء، والواو. - الهمزات: ولها أوضاع خاصة في أول الكلمة، ووسطها، وآخرها. - الإبدال: وهو مطرد في إبدال الألف واواً أو ياء، أو تاء التأنيث المربوطة تاء مفتوحة، أو إبدال الثلاثي الواوي ألفاً، أو نون التوكيد الخفيفة ألفاً، وورد في موضعين (5) . - المقطوع والموصول: نحو قطع (أن لا) أو وصلها (6) .   (1) الضوابط والإشارات: 20. (2) لطائف الإشارات: 1 / 172. (3) غيث النفع: 21. (4) انظر تفصيل هذه القواعد في: الإتقان 4 / 147 - 158، ولطائف الإشارات: 1 / 288 - 306، وإيقاظ الأعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الإمام: 41 - 61. (5) في قوله تعالى (وليكوناً من الصاغرين) يوسف، الآية: 32، وقوله (لنسفعاً بالناصية) العلق، الآية: 15. (6) ورد قطعها في القرآن الكريم في عشرة مواضع باتفاق وفي بقيتها موصولة. انظر الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 - ما فيه قراءاتان فكتب على إحداهما: نحو {َتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (الكهف: 77) ، تغليباً لقراءة {لَتَّخَذْتَ} بالتخفيف وكسرالخاء (1) . وقد اهتمت كتب التجويد بقاعدتي الموصول والمقطوع، والإبدال (وبخاصة إبدال التاء المربوطة تاء مفتوحة) ، وحصرت المواضع المتعلقة فيهما. وتزداد أهمية علم مرسوم خط المصحف الشريف، لمن أراد أن يرتقي في علم القراءة، فيأخذ أكثر من رواية من روايات القرآن الكريم، وبخاصة فيما يترتب عليه إمالة، أو في وقف حمزة وهشام على الهمز. (و) نصَّ بعض أهل العلم أنه لا بد لطالب علم القراءة من معرفة الاستعاذة ومشروعيتها، وصيغتها، ومن معرفة التكبير، وهو قول (الله أكبر) في خاتمة كل سورة من الضحى حتى الناس، وما يترتب عليه وصلاً ووقفاً، ومن معرفة علم الفواصل، وهو رؤوس الآي في القرآن الكريم؛ ليعرف الوقف عليها، وليأتي بالإمالة أو التقليل لمن مذهبه ذلك من القراء عند الوقف عليها (2) . وهذه العلوم يحسن بمعلم القرآن الإحاطة بها، أو الإلمام بشيء منها؛ ليكون كامل الأهلية في علمه وتخصصه.   (1) وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ويعقوب. انظر النشر: 2 / 314. (2) انظر الضوابط والإشارات: 20، ولطائف الإشارات: 1 / 306، 317، 264، والقول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز: 90 - 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (3) الاستمرار في طلب العلم: يعد مبدأ الثبات والمواظبة على طلب العلم، والتزود منه من صفات المعلم الكفء الناجح؛ لأن سلَّم التعلم لا منتهى له، فلا يحد بمرحلة دراسية، ولا بشهادة علمية، ولا بسنوات عمرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ثبت عن الإمام مالك - رحمه الله - أنه قال: "لا ينبغي لأحد أن يكون عنده العلم أن يترك التعلُّم" (1) . وقال ابن عبد البر: "ورأيت في كتاب (جامع القراءات) لأبي بكر بن مجاهد - رحمه الله -[عن] ابن مناذر قال: سألت أبا عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تحسن به الحياة" (2) . ومما يلحظ في جانب التعليم أن المدرس لا يكون مؤثراً إلا إذا كان مليّاً بالعلم، مجدداً في عطائه لطلابه، ولا غرو أن التعليم المتين بعدها سينتج طلاباً أكفاء.   (1) جامع بيان العلم وفضله: 1 / 401. (2) المصدر السابق: 1 / 407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الفصل الثالث المقومات التربوية تعد الصفات التربوية التي ينبغي للمدرس اكتسابها الميدان العملي لتطبيق أسس التعليم ومراحله، ويستطيع من خلالها قطف ثمرة جهده بتوفيق الله تعالى. فاكتساب المعلم للمهارات التربوية، بحيث تكون له خلقاً وسجية، عامل مهم لتطويع رسالته، وأداء مهمته على النحو السليم المرضي، وهذا يتطلب منه أن يكون ملماً ببعض الصفات والخصائص التربوية؛ لكي يمتلك ناصية التوجيه والتربية. كما لا ريب أن نبذ المعلم للآداب الحميدة والوسائل الناجحة في التعليم، أو جهله بها، واستبداده برأية الشخصي وما ورثه من أساليب منفرة، سبب مباشر في تعويق العملية التربوية. وقد أسهم علماء القراءة في إيراد بعض الآداب والصفات في مقدمات أو ثنايا كتبهم، لتكون أنموذحاً يحتذى في الآداب والسلوك والتربية، مثلما فعل أبو مزاحم الخاقاني (ت: 325 هـ) - وهو أول من ألَّف في علم التجويد - في قصيدته الرائية في التجويد؛ إذْ ضمنها عشرين بيتاً في الآداب، ومثل مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437 هـ) ؛ إذ جعل في مقدمة كتابه (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة) عدة أبواب في الآداب الحميدة، وكالشاطبي (ت: 590 هـ) ؛ إذ طعَّم مقدمة وخاتمة قصيدته اللامية في القراءات السبع (حرز الأماني) ببعض الصفات التربوية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وكابن الجزري (ت: 833 هـ) الذي ذكر في مطالع كتابه (منجد المقرئين ومرشد الطالبين) جملة من الآداب والصفات التي تلزم مدرس القراءة، وكذلك فعل الصفاقسي (ت: 1117 هـ) في مقدمة كتابه (غيث النفع في القراءات السبع) . وسوف أتناول بالحديث بعض الصفات التربوية لمدرس القرآن، التي أراها حرية بالإيراد في هذا المقام؛ لما لها من أهمية في فاعلية الدور الذي يؤديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 1 - وضوح الغاية من التعليم : إن وضوح الغاية لدى حامل مشعل التوجيه والقيادة (المدرس) ، يعد محور ارتكاز رسالته التربوية؛ لأنه إذا اتضح أمام ناظريه هدفه الذي يريد تحقيقه، استطاع أن يوجِّه نفسه مع الأحوال التي تمر به، وتحمَّل لأجل غايته النبيلة المصاعب والمتاعب التي تواجهه. لذلك نجد أن القرآن الكريم جلَّى هذه الحقيقة وأفصح عنها في قول الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} ((الأعراف: 2) ، فقوله تعالى: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ، أي ضيق، واضح في تقرير وتأكيد وضوح الغاية من التبليغ، فالنهي في قوله: {فَلا يَكُنْ} متوجه إلى الحرج للمبالغة في التكليف، باقتلاع الضيق من أصله، وذلك على طريقة العرب في قولهم: (لا أرينَّك ههنا) ، أي لا تحضر فأراك (1) .   (1) انظر تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور: 8 / 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فوضوح الهدف يعتبر القوة الدافعة لتحقيق الغاية التي يصبو إليها كل صاحب مبدأ. لهذا نجد ابن جماعة حدَّد أول غايات العالم مع طلبته بقوله: "أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه من بعضهم، وبركة دعائهم له وترحمهم عليه، ودخوله في سلسلة العلم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم، وعداده في جملة مبلغي وحي الله تعالى وأحكامه؛ فإن تعليم العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين" (1) . ومن غايات مدرس القرآن الكريم أن يكون مقصوده من التدريس: أ - نشر القرآن الكريم، وتحصيل الأجور العظيمة التي رتبها الشارع على تعليم القرآن الكريم، وتلاوته، والاستماع إليه، تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (2) . ب - التأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، ومن جاء بعدهم من سلف الأمة وأئمتها الذين قاموا بهذا الدور؛ تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية (3) " (6) .   (1) تذكرة السامع والمتكلم: 47. (2) سبق تخريجه ص: 5. (3) رواه البخاري (3461) (فتح الباري: 6 / 572) ، وأحمد في المسند: 2 / 159، والترمذي (تحفة الأحوذي: 7 / 431) ، وغيرهم. (6) انظر المدارس والكتاتيب القرآنية: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ج - تقوية صلة التلميذ بكتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. د - حفظ الطالب لأكبر عدد ممكن من سور القرآن الكريم. هـ - ربط التلميذ بصلاة الجماعة في المسجد، وإفادته من الدروس وحلق العلم المنعقدة فيه، وبخاصة فيما يخص القرآن الكريم. و حفظ التلميذ وصيانته من الآفات والمفاسد الاجتماعية (1) . وكما أن وضوح الهدف التعليمي لدى المدرس هو عون له في قيامه بوظيفته المناطة به، كذلك وضوحه لدى التلميذ يثير فيه دوافع التلقي اليقظ، والاستعداد الجيد، لذا يرى بعض التربويين أنه يجب على المدرس أن يُذكِّر الطلاب بأهداف التعلم في الأسبوع الأول من كل عام دراسي (2) . وحتى يحقق المدرس غايته ومراده من التعليم، ينبغي أن يكون قدوة لطلابه في جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته في العمل بتعاليم القرآن، وتعظيمه، وتقدير حملته، وإبراز محاسنهم، وغض الطرف عن هفواتهم وزلاتهم، والتزام الصدق، والتلفظ بالألفاظ الحسنة، وترك الألفاظ البذيئة، والقيام بواجب النصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع الالتزام والتقيد بالمواعيد، والحرص على مطابقة الفعل للقول. وقد أدرك السلف - رحمهم الله تعالى - هذا الأمر، فهذا عمر بن عتبة يقول لمعلم ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن   (1) انظر التقييم الذاتي لمعلّم التربية الإسلامية: 97، 98. (2) انظر طرق تدريس القرآن الكريم للزعبلاوي: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت" (1) .   (1) المدارس والكتاتيب القرآنية: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 2 - التدرج في التعليم : لا ريب أن البداءة بتعليم الأصول والكليات قبل الفروع والجزئيات، يعد السلَّم السوي في مراتب التعليم، وأدعى لثبات العلم ورسوخه لدى المتعلم. وقد قرر المنهج النبوي هذه الطريقة في التعليم، فعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن فتيان حَزاوِرة (2) ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيماناً" (3) . ودلَّ حديث ابن عمر - وهو من صغار الصحابة - أن هذا المنهج سرى على الصحابة عموماً، فقال - رضي الله عنه -: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها" (4) ، ثم بيَّن أن هذا المنهج طرأ عليه تغيير في جيل التابعين، فيقول عن بعض من شاهد طريقة تعلمهم القرآن:   (2) جمع حَزْور وحَزوَّر، وهو الفتى الذي قارب البلوغ، (النهاية لابن الأثير: 1 / 380) . (3) رواه ابن ماجه في مقدمة سننه: 1 / 23. (4) سبق تخريجه ص: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 "ولقد رأيت اليوم رجالاً، يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدَّقَل" (1) . وهذا الذي يتحدث عنه - رضي الله عنه - حقيقة مرة نلحظها اليوم في بعض روَّاد حلق القرآن، فتجد الواحد منهم من أبعد الناس خلقاً وأدباً وسلوكاً عما يدعو إليه القرآن، وما ذلك إلا لتحوُّل المنهج الصحيح في الأخذ والتلقي، فأصبح الأمر مجرد ألفاظ يرددها ويحفظها، فلا تجد لها مسلكاً إلى القلب، فلا ينتفع بهذا الكلام المبارك. ومن هذا المبدأ يجب على كل معلم لكتاب الله أن يكون حكيماً في تعليمه، متفهماً لما يعطيه، فقد جاء عن الضحاك في معنى قوله تعالى {ِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79) ، قال: "حق على من تعلَّم القرآن أن يكون فقيهاً" (2) . وقال البخاري: "ويقال: الرباني الذي يربّي الناس بصغار العلم قبل كباره" (3) ، أي يبدأ بالقضايا الواضحة السهلة، قبل المسائل الدقيقة والكبيرة (4) . لذلك على المعلم أن يراعي مدارك الطلاب، ومستوياتهم، وأعمارهم، ويعطي كلاً بما يقدر عليه.   (1) تتمة الحديث السابق، والدَّقَل: رديء التمر. (2) تفسير ابن كثير: 1 / 385. (3) كتاب العلم: باب العلم قبل القول والعمل (فتح الباري: 1 / 192) . (4) انظر فتح الباري: 1 / 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وقد أشار الإمام النووي لهذا المسلك التربوي، فقال: "وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية" (1) . وفي ضوء ما سبق يتعين على معلم كتاب الله استخدام أسلوب التدرج التربوي في التعليم والتأديب، وذلك أن الوصول بالمتعلم إلى الكمال التربوي لا يتم إلا بالتدرج، وأي استعجال في التعليم، أو التربية في الحلقات القرآنية، دون مراعاة هذه القاعدة، فإنه يعني الفشل التربوي، والإخفاق في تحقيق الأهداف التربوية (2) .   (1) التبيان: 33. (2) انظر مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 3 - مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب : تحتاج العملية التربوية إلى اهتمام بالغ في مراعاة تمايز الطلاب في القدرة على الاستيعاب، والتلقي، والفهم، والحفظ. وهذا الأصل التربوي له امتداده من السنة العطرة، ومن هدي معلم البشرية صلى الله عليه وسلم، فكان شديد المراعاة له بين المتعلِّمين من المخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على قلوب المبتدئين، فلا يعلمهم ما يعلِّم المنتهين، ويجيب كل سائل عن سؤاله يما يهمه ويناسب حاله، ويوصي كل واحد - ممن طلبوا منه الوصية - بغير ما أوصى به الآخر، لاختلاف أحوالهم، وأعطى أجوبة حول أفضل الأعمال أو أحبها إلى الله تعالى، بحسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ما رآه من السائل أنه أفضل وأهم له؛ نظراً لحاجاته وأحواله، ولهذا كله أمثلة عديدة وشهيرة في السنة النبوية (1) . وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: "إنك غليِّم معلَّم" (2) ، والذي قال عن نفسه: "ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه"، قال شقيق: فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما سمعت أحداً يرد ذلك عليه، ولا يعيبه (3) - يسير على هذا المبدأ، فيقول: "ما أنت بمحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة" (4) . والممارس لمهنة التعليم يلحظ فروقاً بارزة بين الطلاب، ومن مهام المدرس أن يستطيع معرفة نفسية واستعداد كل طالب، وما يقدر عليه، وهي خصيصة من خصائص المدرس الناجح. وقد قرر الآجري هذه القاعدة بقوله - عن مقرئ القرآن -: "وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه القرآن ما يصلح لمثله" (5) . ففي جانب حفظ القرآن الكريم تجد بعض الطلاب لديه قدرة على حفظ خمس آيات في اليوم، وبعضهم لديه قدرة على حفظ صفحة، وبعضهم   (1) انظر الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم، والأمثلة المذكورة فيه: 81 - 91. (2) رواه أحمد: 1 / 379، والفسوي في المعرفة والتاريخ: 2 / 537 بلفظ (إنك غلام معلَّم) ، وحسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط (سير أعلام النبلاء: 1 / 465) . (3) رواه مسلم: 4 / 1912. (4) رواه مسلم في مقدمة صحيحة: 1 / 11. (5) أخلاق حملة القرآن: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 لديه قابلية لحفظ ثلاثين آية أو أكثر، ولنا شاهد في عز الدين بن جماعة (ت: 819 هـ) ، الذي كان يحفظ كل يوم حزبين من القرآن الكريم، فحفظه في شهر واحد (1) . وفي جانب الفهم، تجد بعض المتعلمين يفهم بتقرير يسير من المدرس، وبعضهم يحتاج لبسط وتوضيح وإعادة، وبعضهم يحتاج لأمثلة بيانية. وفي جانب علم التجويد تواجه بعض المتلقنين من يكتفي بما يلقى إليه من تقويم وتصحيح، وبعضهم عنده قابلية لحفظ القاعدة والأمثلة عليها، وبعضهم لديه قدرة على حفظ المتون المساعدة، كحفظ متن الجزرية، أو (تحفة الأطفال) للجمزوري، أو (لآلئ البيان في تجويد القرآن) للشيخ إبراهيم بن علي بن علي شحاتة السمنودي المعاصر، أو ما شابهها من المتون السائرة الشهيرة في هذا العلم. فعلى المعلِّم ملاحظة هذا التباين الواضح، ومراعاة الفروق البارزة بين المتعلمين، ومن الخطأ الجلي لدى بعض معلمي القرآن، المساواة بين الطلاب، وحمل الضعيف - حملاً عنيفاً - ليبلغ إلى مستوى الطالب اليقظ النبيه، وهذا لا يعني ترك التحفيز أو رفع الهمم، أو مكافأة المحسن، وعقاب المقصر، بل المقصود أن ترك الأخذ بمبدأ مراعاة الفروق في التعليم والتوجيه، يوجد نشئاً متفسخاً، ويبرز نوعيات من الطلبة نافرة، أو يؤدي إلى ظهور طبقة تحملت فوق ما تستوعب.   (1) انظر طبقات المفسرين للداودي: 2 / 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 4 - الرفق في التعليم : يعد الرفق من الأصول المهمة في التعليم والتربية، ومما يباركه الله تعالى ويحبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه" (1) . وتزاد أهمية هذا الأسلوب الرقيق الرفيع، لدى ضعاف العقول، كالصغار الذين يحملون في حناياهم أحاسيس مرهفة، وشخصيات لمَّاحة، أو لدى غلاظ الطباع الذين لم يتأدبوا بعلم، أو تحضر، أو مجالسة، كأهل البادية ونحوهم، مما يحمِّل المدرس عبئاً كبيراً ومسؤولية زائدة، يحتسب أجرها عند الله تعالى. ويعتبر التواضع وخفض الجناح للمتعلِّم من أعظم صور الرفق به، لما يولده في نفسه من امتزاج العلم والأدب في هذه المظهرية العالية، فيدنو له علم أستاذه، وتنشأ بينهما علاقة دافئة، توصل له هذا العلم. "إن التواضع كالأرض المنخفضة تجتمع فيها خيرات السماء، على حين تغادر القمم والسفوح، ولو لم يكن في التواضع سوى جعل صاحبه قادراً على جذب من هم أكثر منه تفوقاً، لكان مكسباً كبيراً، وعلى كل حال، فإن المتكبر يظل هو الخاسر؛ حيث يفقد دفء الألفة وحرارة الالتحام بالآخرين، وبذلك فإن ما يزهو به، يكون عامل إقصاء له عن الناس، وحرمان مما تمسّ حاجته إليه" (2) .   (1) رواه البخاري (6024) (فتح الباري: 10 / 463) ، ومسلم (2593) في الصحيح: 4 / 2003 - 2004. (2) العيش في الزمان الصعب: العلاقات الاجتماعية: 25 - 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ومن صور الرفق بالطالب ألا يردَّ لكونه غير صحيح النية بطلبه القرآن، قال النووي - رحمه الله -: "قال العلماء - رضي الله عنهم -: ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فقد قال سفيان وغيره: طلبهم للعلم نية. وقالوا: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله، معناه: كانت عاقبته أن صار لله تعالى" (1) . وقال الذهبي - في ترجمة معمر بن راشد -: "نعم يطلبه أولاً والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك. ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم، وعلامة ذلك أنه يُقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قَصْد التكثر بعلمه ويزري على نفسه" (2) . ومن صور الرفق بالطالب أن يتخول الرد اللطيف عليه حين خطئه، قال الآجري - في أخلاق المقرئ -: "وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ فيه، أو غلط ألا يعنفه، وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، ويصبر عليه؛ فإني لا آمن أن يجفو عليه فينفر عنه، وبالحري ألا يعود إلى المسجد" (3) . نعم؛ لأن العنف من أسباب النفور والهجر، فيحرص المدرس أن يكون ردّه على الطالب بطريقة لطيفة، لا تعنيف فيها ولا زجر، ولا استعجال،   (1) التبيان: 34 - 35، ونحوه في تذكرة السامع: 47، ومنجد المقرئين: 63. (2) سير أعلام النبلاء: 7 / 17 (قاله الذهبي تعليقاً على قول معمر بن راشد: كان يقال: إن الرجل يطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله) . (3) أخلاق حملة القرآن: 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ويتمنى بقلبه أن يأتي الطالب بالصواب، فإن عجز أرشده بأن يأتي بآية قبلها، فهو أدعى لاستذكاره واستحضاره، فإن كثر خطؤه أمره بالتوبة إلى الله بقلبه عند تكرار الآية، ثم أرشده للمراجعة المتقنة، والبعد عن كل سبب يؤدي لضعف الحفظ. وكان من عبارة بعض مشايخنا في الرد أنه كان يقول: "السَّندة تُكَرِّم، والرَّدة تُحطِّم"، أي أن سَنْد الطالب ليتحرى الإجابة الصحيحة، فيه تكريم له واحترام، لأنه يفرح بحسن إجابته، وأن الرد المباشر على الطالب دون تمكين له من الاستحضار، وإنشاء الإجابة السليمة، فيه تحطيم لمشاعره ونفسيته، وهو مأخذ تربوي سديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 5 - الصبر على المتعلِّم: إن خلق الصبر من الأخلاق العظيمة التي من تحلّى بها نال العلا، وقد تردد ذكره في القرآن العظيم أكثر من مائة مرة، مما يدل على أهميته، وعظم التذكير به. وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء" (1) ، والضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس، بخلاف القمر فإنه نور خالص لا حرارة فيه، ولما كان الصبر شاقاً على النفوس، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها، وكفها عما تهواه، كان ضياء (2) .   (1) رواه مسلم (223) في الصحيح: 1 / 203، وأحمد: 5 / 342، والنسائي (2437) في السنن: 5 / 5 - 6 ، وغيرهم. (2) انظر جامع العلوم والحكم: 2 / 24، 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فمدرس القرآن يحتاج له دائماً، فهو يصبر على نفسه ويجاهدها، ويصبر على الجلوس الطويل للتعليم والقراءة، ويصبر في شرحه وتوضيحه للمتعلمين، ويصبر على أخلاق الطلاب وما يصدر عنهم - أحياناً - من نقائص. قال النووي - رحمه الله -: "وينبغي أن يحنو على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه ومصالح ولده، ويجري المتعلِّم مجرى ولده في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه، وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان؛ فإن الإنسان معرض للنقائص، لا سيما إن كان صغير السن" (1) . ويعتبر معلم القرآن من الهداة إلى الله الممسِّكين بكتابه، فهو من أئمة الدين الذين يحتاجون للصبر المستمر، واليقين، وهما ركنا الإمامة، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24) . ومما يؤكد ضرورة الصبر على المتعلمين في الحلقات القرآنية في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، ما أفرزه التقدم المعرفي، والتقني، وانتشار وسائل الاتصال التي جعلت العالم كقرية واحدة، فأدى ذلك إلى اتساع ثقافة التلاميذ، وزيادة حجم التناقض السلوكي عند الجماعات المرجعية للمتعلم، كل هذا أوجد عنده مشكلات وسلوكيات متنوعة غير التي كانت بالأمس. وهذا يتطلب جهداً من المعلم في الحلقات القرآنية، ويحتاج إلى الحلم، والصبر، والتدرج؛ لينجح في معالجة تلك المشكلات، ويغرس في نفوسهم الأخلاق   (1) التبيان: 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الحسنة، ويحقق أهداف الحلقات التربوية، وبدون هذا الخلق قد يتسرب التلاميذ من الحلقات، فلا يعودون إليها؛ لأن المعلم إذا لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح (1) .   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 75 - 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 6 - استخدام الوسائل التوضيحية : يعتبر استخدام الأساليب الموضحة والشارحة من أساليب التربية الشيقة والمؤثرة، وهو أسلوب نبوي كريم، استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشكال، فكان يوضح المعاني التي يريد بيانها بالرسم على الأرض والتراب، أو بالتشبيه وضرب الأمثال، أو بالجمع بين القول والإشارة في التعليم. فمن ذلك: ما رواه عبد الله بن مسعود قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ... } (الأنعام: 153) ، فخط خطاً، فقال: "هذا الصراط"، ثم خط حوله خططاً، فقال: "وهذه السبل، فما منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه" (2) .   (1) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 75 - 76. (2) رواه الآجري في الشريعة: 1 / 290 - 291، والحاكم في المستدرك: 2 / 318، وبنحوه الإمام أحمد في المسند: 3 / 397، وابن ماجه في مقدمة السنن: 1 / 6، كلاهما عن جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وقد نبه علماء التربية الأوائل على هذا الأسلوب، فقال ابن جماعة: (ويبدأ بتصوير المسائل، ثم يوضحها بالأمثلة) (1) ، وهو أسلوب توظيفي؛ لتقرير المعلومة وتأكيدها. وللوسائل التعليمية فوائد عديدة، فهي تثير تفكير المستمع، وترهف الحواس، وتبعث روح النشاط؛ إذ تكسر الطريقة الرتيبة في الإلقاء، وتربي في المتعلم دقة الملاحظة والتأمل وحصر الانتباه، وتساعد على تثبيت المعلومات، وتعمل على توفير الوقت والجهد على المعلِّم والمتعلِّم (2) . وترد أهمية الوسائل التوضيحية في تعليم القرآن الكريم وتلاوته، وبخاصة لصغار السن، لما يعتور بعض المباحث من تشعب، أو دقة. وأرى أن استخدام هذا الأسلوب في التدريس مهم لمدرس التجويد والقراءات - أيضاً –، لأن ربط المسألة المتحدث عنها بالصورة المنظورة أو الخيالية، له دور فعَّال في تقريرها وتثبيتها في عقل المتعلم. فمثلاً: إذا أراد المعلِّم تقرير أهمية الاعتناء بصفة القراءة الشرعية، وأنها يجب أن تكون وَفق أحكام التجويد التي قررها العلماء، ونقلت إلينا في ثنايا قراءات القرآن المتواترة بهذه الكيفية، وأن التحرر منها - أحياناً - يخل بالصبغة العملية للتلاوة؛ بحيث تظهر معايب أدائية لدى المتعلم، سببها إخلاله بعدم الالتزام بتلك الأحكام التي ينبغي له اصطحابها في كل مرة يقرأ بها القرآن، فضرب المعلِّم مثلاً لهذه الحالة بمتعلم قيادة السيارة المبتدئ، الذي   (1) تذكرة السامع والمتكلم: 52. (2) انظر طرق تدريس التجويد: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يكون منشغلاً بكثير من المهارات القيادية عن التركيز المحكم عما أمامه، ومع الزمن وارتياض التدرب على القيادة بمهارة، والتزام قوانين القيادة، تصبح قيادة السيارة له طبيعة متأصلة في تعامله مع هذا المركب الجامد، فيغدو يتعامل مع آليات القيادة بلا تفكير بعدما تطبَّع بها، وصارت عنده أمراً اعتيادياً. وهكذا الأمر مع تالي القرآن الكريم بأحكام التجويد، سيرى - بداية - أنه محكوم بقيود أدائية لم يعتد عليها، فإذا مارسها ومرن لسانه عليها، وداوم القراءة بهذه الصفة زمناً، أصبحت هذه الصفة له سجية وعادة، يأتي بها بلا تكلف، ولا تفكير أو تمعّن. وقد تفتقت في هذا العصر وسائل تعليمية لم تعرف من قبل، فيمكن للمدرس أن ينتقي منها ما يلائم البيئة التي يدرِّس فيها، وأعمار طلابه، ومستوياتهم، والإمكانات المادية المتاحة في ذلك. فيمكنه استخدام المقاطع الرسمية الملونة؛ لإظهار مواضع مخارج الحروف، أو استخدام الموضح العلوي (Over Head) ؛ لشرح ما يحتاجه من أحكام، أو الاستعانة ببرنامج تعليم التجويد الذي أنتجته شركة (صخر) ؛ لما له من مزايا وإمكانات متعددة، وقد استُخدم مؤخراً في معامل تعليم القرآن الكريم في كلية إعداد المعلمين بالمدينة، وهي تجربة رائدة وناجحة. ومن المحاولات الناجحة في هذا المضمار ما ظهر مؤخراً باسم (مصحف التجويد) ، الذي استخدمت فيه أحكام التجويد بصورة الألوان؛ لضبط مواضع بعض مسائله الشهيرة، كالمد، والقلقلة، وأحكام النون الساكنة، ونحوها، وظهر بصورة كتابية، وبصورة رسمية صوتية مسجلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 7 - العدل بين الطلاب : لا بد للمعلِّم والمربي أن يأخذ بمبدأ العدل والمساواة بين طلابه، لأنهم أبناؤه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " (1) ، فالعدل بين الطلاب لازم، كما هو الحال بين أبناء الصلب. ويحتاج تطبيق مبدأ العدل بين المتعلمين إلى مهارة ودربة، لأنهم قدموا من بيئات مختلفة، وتلقوا تربيات متباينة، فمن ثم مراعاة نفسياتهم ونظراتهم لمعاني التصرفات مهم للغاية، حتى في أيسر الأمور وأسهلها، نحو التحية، والنظرة، والكلمة، والابتسامة، ووضع اليد على الكتف تشجيعاً، ونحوها من الأقوال والأفعال التي تثير حفائظ الشببة المتقاربين، أو تدعو لوهي العلاقات الاجتماعية فيما بينهم؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم "يعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه" (2) ، وهو أمر لا يقدر عليه إلا من أخلص النية، وصدق في تعامله مع الناس، وراعى نفسياتهم. وكما أن ترك العدل بين الطلاب يثير بينهم كمائن النفوس، كذلك قد ينتج عنه الكره والبغض للمعلِّم؛ لذا يتوجب عليه أن يكون حصيفاً في تعامله فلا " يُظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض في مودة، أو اعتناء مع تساويهم في الصفات، من سن، أو فضيلة، أو تحصيل، أو ديانة؛ فإن ذلك ربما يوحش منه الصدر، وينفر القلب" (3) .   (1) رواه مسلم (1623) في صحيحه: 3 / 1243 - 1244، وفي رواية (قاربوا بين أولادكم) . (2) رواه الترمذي في الشمائل: 168 عن علي رضي الله عنه، وبنحوه أبو الشيخ الأصبهاني (18) في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه: 22. (3) تذكرة السامع والمتكلم: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أما إن كان لبعض الطلاب مزية تقدم في الاجتهاد وطلب العلم، أو حسن الخلق والأدب، فلا حرج على المدرس أن يبرز هذه المزية بتلطف؛ لأنه مما يدعو النظراء إلى الاتصاف بتلك المزية (1) . ومن صور العدل التي ينبغي لمدرس القرآن مراعاتها، أن يقدم في القراءة الأول فالأول؛ لأنه من جانب راعى العدل بين الطلاب، وفي المقابل شجع المتأخر على البكور، لينال القراءة الأولى. ومن لطيف ما يذكر في هذه الصورة التعليمية "أن الشاطبي كان يصلي الصبح بغلس (2) بالفاضلية (3) ، ثم يجلس للإقراء، فكان الناس يتسابقون السُّرى (4) إليه ليلاً، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله: من جاء أولاً فليقرأ، ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق، فاتفق في بعض الأيام أن بعض أصحابه سبق أولاً، فلما استوى الشيخ قاعداً قال: من جاء ثانياً فليقرأ، فشرع الثاني في القراءة، وبقي الأول لا يدري حاله؟ وأخذ يتفكر ما وقع منه بعد مفارقة الشيخ من ذنب أوجب حرمان الشيخ له، ففطن أنه أجنب تلك الليلة، ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك لما انتبه، فبادر إلى الشيخ، فاطلع الشيخ على ذلك، فأشار للثاني بالقراءة، ثم إن ذلك الرجل بادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل به، ثم رجع قبل فراغ الثاني، والشيخ قاعد أعمى على حاله، فلما فرغ الثاني، قال الشيخ: من جاء أولاً فليقرأ، فقرأ" (5) .   (1) انظر المصدر السابق: 59. (2) وهو ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، (المعجم الوسيط (غلس) : 658) . (3) وهي مدرسة بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني بدرب الملوخية في القاهرة، وجعل الشاطبي شيخها، (غاية النهاية: 2 / 20) . (4) وهو سير عامة الليل، (المعجم الوسيط (سرى) : 428) . (5) غاية النهاية: 2 / 21 - 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قال ابن الجزري - معقباً -: "وهذا من أحسن ما نعلمه وقع لشيوخ هذه الطائفة (1) ، بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا" (2) ، وهذا إن صح فمن قبيل الكرامة.   (1) أي: علماء القراءة. (2) غاية النهاية: 2 / 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 8 - القدرة على إدارة الحلقة القرآنية : إن القدرة على إدارة الحلقة تتمثل في شخصية المدرس المتزنة، المتمكنة من توجيه الطلاب، واتخاذ القرارات المناسبة للظروف الطارئة، مع التحلي بمكارم الأخلاق وجميل السجايا. ولا شك أن تأهل المدرس العلمي الجيد، ومراعاته للصفات الذاتية في شخصيته من الإخلاص والصدق، والتقوى، وحسن الخلق، والشعور بالمسؤولية، وأداء واجبه بأمانة، ثم مراعاته لمواصفات مهنته التربوية من التدرج في التعليم، ومراعاة الفروق الفردية، والرفق، والصبر. كلها عناصر أكيدة لنجاح إدارته للحلقة القرآنية. أما إذا سلك سبل الطرق العنجهيَّة كضرب الجدار، أو الطاولة، أو رفع الصوت بطريقة مؤذية، ونحوها من الممارسات الخاطئة، فإن هذا المسلك مؤشر على ضعف شخصيته "ومثل هذا المدرس لا يصلح للعمل في مجال التربية والتعليم، فضلاً عن الحلقات القرآنية؛ لأنه يعيق التلاميذ على الاستمرار في تعلم القرآن الكريم، وحفظه، وفهم آدابه، ومعرفة أحكامه، والعمل بها" (3) .   (3) مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: 109 - 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ومما يلتحق بقدرة المدرس على إدارة الحلقة ونجاحه فيها، أن يكون ملماً بأحوال المجتمع الذي يعيش فيه، وبعادات الناس وتقاليدهم، وأن يكون له بصر بمصادر التوجيه والتأثير في الناس. كما ينبغي له الاطلاع على طرق التدريس، والدراسات التربوية والبحوث النفسية والاجتماعية التي تتحدث عن الطفل، والمراهق والتغيرات النفسية والجسدية التي يمر بها كل منهما؛ لكي يتمكن من إيصال المعلومة بأفضل أسلوب، وأنجح طريقة (1) . ويحسن به أن يعتني بأسس العلاقات الاجتماعية، ومهارات فن التعامل مع الآخرين، وأن ينقل مفردات هذه المهارات الاجتماعية من معجم التعلم إلى قاموس التربية العملي. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات   (1) انظر المدارس والكتاتيب القرآنية: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 مصادر ومراجع ... مسرد المصادر والمراجع - الإتقان في علوم القرآن: لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث – القاهرة، ط (3) ، 1405 هـ. - أخبار الحمقى والمغفلين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت: 597 هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت، (بدون تاريخ) . - أخلاق حملة القرآن: لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت: 360 هـ) ، تحقيق: الدكتور عبد العزيز القاري، مكتبة الدار - المدينة المنورة، ط (1) ، 1408 هـ. - أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ الأصفهاني (ت: 369 هـ) ، دراسة وتحقيق: عصام الدين سيد الصبابطي، الدار المصرية اللبنانية - القاهرة، ط (3) ، 1417 هـ. - الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات: لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444 هـ) ، حققه وعلق عليه: محمد ابن مجقان الجزائري، دار المغني - الرياض، ط (1) ، 1420 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 - إيقاظ الأعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الإمام: لمحمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (ت: 1363 هـ) ، مكتبة المعرفة - حمص، ط (2) ، 1392 هـ. - البحر المحيط في أصول الفقه: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي (ت: 794 هـ) ، تحقيق ومراجعة مجموعة من العلماء، مطبوعات وزارة الأوقاف الكويتية، ط (2) ، 1413 هـ. - البيان في عد آي القرآن: لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444 هـ) ، تحقيق: الدكتور غانم قدوري الحمد، مطبوعات جمعية إحياء التراث - الكويت، ط (1) ، 1414 هـ. - التبيان في آداب حملة القرآن: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ) ، حققه وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، مطبوعات جمعية القرآن الكريم - جدة، ط (2) ، 1408 هـ. - التحديد في الإتقان والتجويد: لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444 هـ) ، تحقيق: الدكتور غانم قدوري الحمد، مكتبة دارالأنبار - بغداد، ط (1) ، 1407 هـ. - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لأبي العُلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت: 1353 هـ) تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، دارالفكر - بيروت، ط (1) ، 1399 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 - تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: لبدر الدين بن إبراهيم بن جماعة الكناني (ت: 733 هـ) ، مصوَّرة دار الكتب العلمية، (بدون تاريخ) . - تفسير التحرير والتنوير: لمحمد الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ‍) ، الدارالتونسية – تونس، 1404هـ‍. - تفسير القرآن: لأبي المظفر منصور بن محمد السمعاني (ت: 489 هـ) ، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم وأبي بلال غنيم بن عباس غنيم، دار الوطن - الرياض، ط (1) ، 1418هـ. - تفسير القرآن العظيم - تفسير ابن كثير: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت: 774 هـ) ، نشر مكتبة المعارف - الرياض، ط (1) ، 1406 هـ. - التقييم الذاتي لمعلِّم التربية الإسلامية: للدكتور أمين أبولاوي، دار ابن الجوزي - الدمام، ط (1) ، 1420 هـ. - التمهيد في علم التجويد: لأبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت: 833 هـ) ، تحقيق: الدكتور غانم قدوري الحمد، مؤسسة الرسالة - بيروت، (ط) ، 1407 هـ. - التيسير في قواعد علم التفسير: لمحمد بن سليمان الكافيجي (ت: 879 هـ) ، دراسة وتحقيق: ناصر بن محمد المطرودي، دارالقلم - دمشق ودار الرفاعي - الرياض، ط (1) ، 1410هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 - جامع بيان العلم وفضله: لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي (ت: 463 هـ) ، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دارابن الجوزي - الدمام، ط (2) ، 1416 هـ. - جامع البيان عن تأويل آي القرآن - تفسير الطبري: لأبي جعفر محمد بن جريرالطبري (ت: 310 هـ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي - القاهرة، ط (3) ، 1388 هـ. - جامع البيان في القراءات السبع: لأبي عمرو عثمان بن سعيدالداني (ت: 444 هـ) ، (قطعة منه استلَّها ونشرها الدكتور عبد المهيمن الطحان، بعنوان (الأحرف السبعة للقرآن) ، مكتبة المنارة - مكة المكرمة، ط (1) ، 1408 هـ. - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (ت: 795 هـ) ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط (5) ، 1414 هـ. - الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت: 672 هـ) ، دار إحياء التراث العربي - بيروت، (بدون تاريخ) . - جمال القراء وكمال الإقراء: لأبي الحسن محمد بن علي بن عبد الصمد السخاوي (ت: 643 هـ) ، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، مكتبة التراث - مكة المكرمة، ط (1) ، 1408 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: لمحمد بن جعفر الكتاني (ت: 1345 هـ) ، كتب مقدمتها ووضع فهارسها: محمد المنتصر بن محمد الزمزمي، دار البشائر الإسلامية - بيروت، ط (4) ، 1406هـ. - الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات: لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444 هـ) ، تحقيق: الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، دار ابن الجوزي - الدمام، ط (1) ، 1419 هـ. - الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم: لعبد الفتاح أبي غدة (ت: 1417 هـ) ، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، ط (1) ، 1417 هـ. - الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437 هـ) ، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات، دار عمار - الأردن، ط (2) ، 1404 هـ. - سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت: 275 هـ) ، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط (1) ، 1388 هـ. - سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت: 275 هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر - بيروت، (بدون تاريخ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 - سنن القراء ومناهج المجودين: للدكتور أبي مجاهد عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، مكتبة الدار - المدينة المنورة، ط (1) ، 1414 هـ. - سنن النسائي: لأحمد بن شعيب النسائي (ت: 303 هـ) ، اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، ط (1) ، 1406هـ‍. - سير أعلام النبلاء: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ) ، تحقيق مجموعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط (2) ، 1402 هـ. - شرح القصيدة الحصرية: لأبي الحسن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن عظيمة الإشبيلي (ت: 543 هـ) ، رسالة دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية مقدمة من توفيق العبقري، جامعة سيدي محمد عبد الله - فاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بعنوان: (القصيدة الحصرية في قراءة نافع وشرحها) ، عام 1414هـ. - الشمائل المحمدية: لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت: 279 هـ) ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة، ط (3) ، 1375 هـ (على حاشية المواهب اللدنية للبيجوري) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 - صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت: 261 هـ) ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، (بدون تاريخ) . - الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات: لإبراهيم بن عمر البقاعي (ت: 885 هـ) تحقيق: الدكتور محمد مطيع الحافظ، دار الفكر - دمشق، ط (1) ، 1416 هـ. - طبقات المفسِّرين: لمحمد بن علي الداودي (ت: 945 هـ) ، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة - القاهرة، ط (1) ، 1392 هـ. - طرق تدريس التجويد وأحكام تعلمه وتعليمه: للدكتورين فهد عبد الرحمن الرومي ومحمد السيد الزعبلاوي، مكتبة التوبة - الرياض، ط (1) ، 1417 هـ. - طرق تدريس القرآن الكريم: للدكتور محمد السيد الزعبلاوي، مكتبة التوبة - الرياض، ط (1) ، 1417هـ‍. - العيش في الزمان الصعب: العلاقات الاجتماعية: للدكتور عبد الكريم بكار، دار القلم - دمشق، ط (1) ، 1420 هـ، (ضمن سلسلة آفاق حضارية) . - غاية النهاية في طبقات القراء: لأبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت: 833 هـ) ، عني بنشره: ج. برجستراسر، دار الكتب العلمية - بيروت، ط (3) ، 1402هـ‍. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 - غيث النفع في القراءات السبع: لعلي النوري الصفاقسي (ت: 1117 هـ) ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة، ط (3) ، 1373 هـ، (بهامش سراج القارئ) . - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) ، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار الريان - القاهرة، ط (1) ، 1407 هـ. - الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: لأحمد بن عبد الرحمن الساعاتي (ت بعد: 1371 هـ) ، دار الشهاب - القاهرة، (بدون تاريخ) . - فضائل القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت: 224 هـ) ، تحقيق: وهبي سليمان غاوجي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط (1) ، 1411 هـ. - فضائل القرآن: لأحمد بن شعيب النسائي (ت: 303 هـ) ، تحقيق: الدكتور فاروق حمادة، دار الثقافة - الدار البيضاء، ط (1) ، 1400 هـ. - فضائل القرآن: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت: 774 هـ) ، دار الأندلس - بيروت، ط (4) ، 1399 هـ. - الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة: للحاج محمد بن علي يالوشة الشريف (ت: 1314 هـ) ، (بدون تاريخ ومكان للطبع) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 - القراءات القرآنية في بلاد الشام: للدكتور حسين عطوان، دار الجيل - بيروت، ط (1) ، 1402 هـ. - القطع والائتناف: لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس (ت: 338 هـ) ، تحقيق: الدكتور أحمد خطاب العمر، مطبوعات وزارة الأوقاف العراقية، ط (1) ، 1398 هـ. - قواعد الأصول ومعاقد الفصول مختصر تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل: لصفي الدين بن كمال الدين البغدادي الحنبلي (ت: 739 هـ) ، تحقيق وتعليق: الدكتور علي عباس الحكمي، مطبوعات جامعة أم القرى - مكة المكرمة، ط (1) ، 1409 هـ. - القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز: لأبي عيد رضوان بن محمد المخللاتي (ت: 1311 هـ) ، تحقيق: عبد الرازق بن علي موسى، مطابع الرشيد - المدينة المنورة، ط (1) ، 1412 هـ. - كتاب السبعة في القراءات: لأبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد البغدادي (ت: 324 هـ) ، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط (2) ، (بدون تاريخ) . - كتاب الشريعة: لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت: 360 هـ) ، دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الله الدميجي، دار الوطن - الرياض، ط (1) ، 1418 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 - كتاب العلم: لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي (ت: 234 هـ) ، حققه وقدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط (2) 1403 هـ. - كتاب فضائل القرآن وتلاوته وخصائص تلاته وحملته: لأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي (ت: 454 هـ) ، تحقيق وتخريج: للدكتور عامر حسن صبري، دارا لبشائر الإسلامية - بيروت، ط (1) ، 1415 هـ. - كتاب المعرفة والتاريخ: لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (ت: 277هـ) ، حققه وعلق عليه: الدكتور أكرم ضياء العمري، مكتبة الدار - المدينة المنورة، ط (1) ، 1410هـ‍. - لطائف الإشارات لفنون القراءات: لأبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني (ت: 923 هـ) ، تحقيق: الشيخ عامر السيد عثمان والدكتور عبد الصبور شاهين، مطبوعات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة، 1392 هـ، (الجزء الأول) . - المجموع شرح المهذب للشيرازي: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ) ، تحقيق وإكمال: محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد - جدة (بدون تاريخ) . - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم النجدي وابنه محمد، توزيع: رئاسة شؤون الحرمين - مكة المكرمة، مصورة عن الطبعة الأولى، 1398 هـ. - المدارس والكتاتيب القرآنية وقفات تربوية وإدارية: كتاب المنتدى، سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي - لندن، ط (1) ، 1417هـ‍. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 - المدخل: لابن الحاج محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي (ت: 737هـ) ، دار الكتاب العربي - بيروت، ط (2) ، 1392 هـ. - المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (ت: 665 هـ) ، تحقيق: طيار آلتي قولاج، دار صادر - بيروت، 1395 هـ. - المسؤولية: للدكتور محمد أمين المصري (ت: 1397 هـ) ، دار الأرقم - الكويت، ط (2) ، 1400 هـ. - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت: 405 هـ) ، دار الكتب العلمية - بيروت، (بدون تاريخ) . - مسند الإمام أحمد: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت: 241 هـ) ، دار صادر - بيروت، (بدون تاريخ) . - المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر: لأبي الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري (ت: 550 هـ) ، رسالة دكتوراه مقدمة من الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري من أول الكتاب إلى نهاية أبواب الأصول، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض، قسم القرآن وعلومه، 1414 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 - المعالم الأثيرة في السنة والسيرة: لمحمود محمد حسن شراب، دار القلم - دمشق والدار الشامية - بيروت، ط (1) ، 1411 هـ. - معالم التنزيل: لأبي محمد الحسين بن مسعود لبغوي (ت: 516 هـ) تحقيق: محمد عبد الله النمر وزميليه، دار طيبة - الرياض، ط (1) ، 1409 هـ. - المعجم الوسيط: لأحمد حسن الزيات وزملائه، دار الدعوة - إستانبول (بدون تاريخ) . - مفردات ألفاظ القرآن: لأبي القاسم الحسين بن الفضل المعروف بالراغب الأصفهاني (ت نحو: 425 هـ) ، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم - دمشق، والدار الشامية - بيروت، ط (1) ، 1412 هـ. - مقدمة جامع التفاسير مع تفسير سورة الفاتحة ومطالع سورة البقرة: لأبي القاسم الحسين بن الفضل المعروف بالراغب الأصفهاني (ت نحو: 425 هـ) ، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات دار الدعوة - الكويت، ط (1) ، 1405هـ. - منجد المقرئين ومرشد الطالبين: لأبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت: 833 هـ) ، اعتنى به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع - مكة المكرمة، ط (1) ، 1419 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 - مهارات التدريس في الحلقات القرآنية: للدكتور علي بن إبراهيم الزهراني، دار ابن عفان للنشر والتوزيع - الخبر، ط (1) ، 1418 هـ. - النشر في القراءات العشر: لأبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت: 833 هـ) ، أشرف على تصحيحه: علي محمد الضباع، مصورة دار الكتب العلمية - بيروت، (بدون تاريخ) . - النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606 هـ) ، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بيروت، (بدون تاريخ) . - هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: لعبد الفتاح السيد عجمي المرصفي (ت: 1409 هـ) ، طبع على نفقة محمد بن عوض بن لادن، ط (1) ، 1402 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74