الكتاب: فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية) المؤلف: أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفى: 1342هـ) المحقق: يوسف بن محمد السعيد الناشر: دار المجد للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى 1425هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية ت يوسف السعيد الألوسي، محمود شكري الكتاب: فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية) المؤلف: أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفى: 1342هـ) المحقق: يوسف بن محمد السعيد الناشر: دار المجد للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى 1425هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد: فهذه هي الطبعة الثانية من هذا الكتاب المبارك, وقد حرصت على تنقيحها وتلافي ما وقع في الطبعة الأولى من الأخطاء التي لم تكن مقصودة. ومن الطرائف أن أحد العابثين بالكتب وهو المدعو علي مصطفى خلوف قام بالسطو على الكتاب في طبعته الأولى, ونقل الأخطاء كما هي, ولم يتورع عن العبث به وإفساده. وقام الأخ الشيخ عبد الرحمن العسكر بنقده في أحد أعداد جريدة " الجزيرة" وهو العد ذو الرقم 10906 الصادر يوم الخميس 29/6/1423 فلله الأمر من قبل ومن بعد. والله المستعان, وصلى آله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. وكتبه الفقير إلى عفو ربه القدير يوسف بن محمد السعيد عصر الجمعة 26/4/1424 الرياض- حرسها الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مقدمة التحقيق إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3 أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. هذا, وإن الله- تعالى- بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وقد مقت- جل جلاله-   1 سورة آل عمران, الآية 102. 2 سورة النساء، الآية1. 3 سورة الأحزاب الآيتان 70-71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 5- خرجت الأبيات الشعرية من الدواوين وكتب التخاريج. 6- عرف بالفرق. 7- علقت على بعض المواضع التي رأيت التعليق عليها. 8- وثقت نقولات المؤلف من المصادر التي نقل عنها. 9- قمت بوضع فهارس للكتاب, وهي: فهري الآيات, والأحاديث والآثار والأبيات والأعلام والفرق والجماعات والكتب الواردة في المتن ومصادر التحقيق والمراجعة, والموضوعات. هذا وأسأل الله –تعالى- أن ينفع بهذا الكتاب وأصله من ألفه, وحققه وسعى في نشره, وقرأه. {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك تبينا محمد وعلى آله وصحبه, والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب, ففتح به أعينا عميا, وآذانا صما, وقلوبا غلفا, فحصل ببركة نبوته الخير العظيم. وكان الناس إذ بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم قد حادوا على الصراط المستقيم, وسلكوا طرق الشياطين, فكثر فيهم الفساد والشر, فكانوا أحوج ما يكونون إلى من يدلهم إلى ما أضلوا, وهو دين الله-تعالى- ووحيه. وهذا إنما حصل بسبب بعدهم عن منهج الله- تعالى- وشرعه, فأكثر ما جاء عن الله-تعالى- قد درس, وما بقي منه لا يعلم صدقه من كذبه, إذ سلك فيه المؤتمنون عليه- وهم الأحبار- مسلك التغيير والتبديل, فاشتبه حقه بباطله. ولما بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم كان غاية همه ومراده عودة الناس إلى الأمر الأول, وهو عبادة الله-تعالى- ونبذ كل ما يعارض ذلك, والقضاء على مآثر الجاهلية, فجد صلى الله عليه وسلم في ذلك واجتهد, حتى ترك الناس على البيضاء ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا هالك, وأتم الله- تعالى- به النعمة, وكمّل به الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ} 1. وقد حذر الناس من إحياء سنن الجاهلية, والتشبه بأهلها, أو موافقتهم, في شيء من ذلك, فوقع هذا موقعه من الصحابة- رضي الله عنهم- ومن تبعهم من القرون المفضلة. ولما بعد الناس من نور النبوة, واجتالتهم الشياطين, فاتبعوا أهواء الذين من قبلهم, فدبت إليهم أنواع من البدع والمحدثات التي لم تكن في أسلافهم حتى استمرأ كثير منهم ذلك, فأنكروا على من أنكر عليهم,   1 المائدة:3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وحاربوه, وغدت بينهم البدع سننا والسنن بدعا, وتشبهوا بأهل الجاهلية الأميين والكتابيين, ووقعوا فيما حذر منه صلى الله عليه وسلم. ولما رأى علماء هذه الأمة الخاتمة ما وقع فيه المسلمون من ذلك, تجردوا لمحاربته بكل ما يستطيعون, فكان من نتائج ذلك تأليف الكتب المحذرة من الوقوع في ذلك, فألفت في ذلك مؤلفات عدة, منها ما هو خاص بالتحذير من مشابهة الكفار. ومن هذه المؤلفات كتاب "المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية" وهو كتيب صغير الحجم عظيم النفع, جمع فيه مؤلفه الإمام العالم الرباني شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى- مسائل كثيرة خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية الأميين والكتابيين. ولكون هذا الكتاب ذا أهمية كبيرة, فغن العالم السلفي أبا المعالي محمود شكري الألوسي- رحمه الله- قد قام بشرحه شرحا موجزا, استدل فيه لبعض مسائله, وفسر بعض أدلته, وربط بعض مسائله بواقعه الذي يعيش فيه. ولأهمية هذا الكتاب وأصله, رغبت في تحقيقه ونشره, لعل الله –تعالى- أن ينفع به, وأن يجعله ذخرا لي يوم ألقاه. وقد قسمت العمل في هذا الكتاب قسمين: القسم الأول: قسم الدراسة وفيه فصلان: الفصل الأول: التعريف بمؤلفي الكتابين وكتابيهما, وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: ترجمة موجزة لمؤلف الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 المبحث الثاني: ترجمة موجزة للشارح. المبحث الثالث: منهجه في الشرح, ومصادره. المبحث الرابع: طبعات الشرح, وتقويمها. المبحث الخامس: التعريف بالنسخة الخطية للشارح. الفصل الثاني: في الجاهلية, وفيه المباحث الآتية: المبحث الأول: تعريف الجاهلية لغة واصطلاحا. المبحث الثاني: أنواع الجاهلية المبحث الثالث: حكم مخالفة أهل الجاهلية. القسم الثاني: قسم التحقيق, وكان عملي فيه على النحو الآتي: 1- قابلت بين النسخة الخطية والمطبوعة, واعتمدت طريقة (النص المختار) , لكون كل واحدة منها تكمل الأخرى, وأرى أن القارئ يهمه سلامة النص, وخروجه على نحو ما أراده مؤلفه, وإبقاء الخطأ في النص مع الإشارة إليه في الحاشية- على نحو ما يفعله كثير من المستشرقين وبعض المتأثرين بهم- أرى أنه مما يشتت ذهن القارئ. 2- ضبطت النص بالشكل, وما كان فيه وجهان أوضحتهما بالشكل, وكذا ما كان فيه ثلاثة وجوه. 3- عزوت الآيات إلى مواضعها من كتاب الله-تعالى-. 4- خرجت الأحاديث والآثار الواردة, واجتهدت في نقل أحكام أئمة هذا الشأن العظيم, خاصة المتقدمين منهم, ولم أذكر من المتأخرين سوى الشيخ أحمد بن شاكر-رحمه الله تعالى- والشيخ محمد ناصر الدين الألباني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 القسم الأول: الدراسة الفصل الأول: تعريف بمؤلف الكتاب المبحث الأول: ترجمة موجزة لمؤلف النص ... المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية للإمام محمد بن عبد الوهاب. 1115-1206هـ شرح العلامة أبي المعالي محمود شكري الألوسي. 1273-1343هـ درّسه وحققه: د/ يوسف بن محمد السعيد, الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب الفكرية المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض، الطبعة الأولى: 1425هـ - 2004م القسم الأول: الدراسة وفيه فصلان: التعريف بمؤلفي الكتابين وكتابيهما.، في الجاهلية الفصل الأول وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: ترجمة موجزة لمؤلف الأصل. المبحث الثاني: ترجمة موجزة للشارح. المبحث الثالث: منهجه في الشرح, ومصادره. المبحث الرابع: طبعات الشرح, وتقويمها. المبحث الخامس: التعريف بالنسخة الخطية للشارح. المبحث الأول ترجمة موجزة لمؤلف الأصل. -هو الإمام العلامة الصلح شيخ الإسلام, ومحي ما اندرس من معالمه, أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد ابن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف التميمي. - ولد -رحمه الله تعالى- في بلدة العيينة في بلاد نجد سنة خمس عشرة ومائة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت علم ودين, وقد كان والده الشيخ عبد والوهاب (ت1153) قاضي العيينة ومفتيها, وكان جده الشيخ سليمان (ت 1079) قاضي نجد عامة ومفتيها. بدأ-رحمه الله تعالى- في طلب العلم مبكرا, فقد حفظ القرآن قبل العاشرة من عمره, ثم قرأ على والده مبادئ الفقه الحنبلي, ثم استأذنه في الخروج على الحج, فحج, ثم قصد المدينة النبوية ثم عاد إلى العيينة وأكمل القراءة على والده, ثم سافر بعد إلى مكة والمدينة, وأخذ يتردد على علمائها, فكان ممن أفاد منه الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي الحنبلي نزيل المدينة النبوية, والشيخ محمد حياة السندي (ت 1165) , ثم عاد مرة أخرى إلى العيينة, وقرا فيها على والده, وبدأ دعوته, حيث دعا على التوحيد والتمسك بالكتاب والسنة, وحذر من الشرك الذي كان سائدا في أعظم ارجاء البسيطة, ثم رحل إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 العراق, وكان يتردد فيها بين البصرة والزبير, وأخذ هناك عن الشيخ محمد المجموعي, ثم لما أردا العودة إلى بلاده مر ببلدة الأحساء, ونزل هناك على الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي, وأقام عنده يتلقى عنه العلم, ثم رجع إلى نجد, ونشط في دعوته على الله تعالى آمرا بالمعروف, ناهيا عن المنكر, مجاهدا في سبيل الله بكل ما يملك فأحيا الله على يديه سننا قد درست, وترك العمل بها, وعمّ التوحيد أرجاء كثير من العالم الإسلامي. تتلمذ على يدي الشيخ طلبة نجباء, أصبحوا بعد علماء أجلاء, حملوا الدعوة بعده, نهجوا نهجه, فنفع الله تعالى بهم, من هؤلاء: أبناؤه: الشيخ عبد الله (ت 1243) والشيخ حسين (ت 1224) والشيخ علي (ت 1245) وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن (ت 1285) والشيخ حمد بن ناصر بن معمر (ت 1225) والشيخ حسين بن غنام (ت 1225) , والشيخ عبد العزيز الحصين (ت1237) . ألف الإمام رحمه الله تعالى كتبا ورسائل كثيرة, قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية جمع أكثرها, وطبعه على نفقتها, وتوزيعه فكانت كثر من عشر مجلدات. ومن هذه لكتب: - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. - مسائل الجاهلية. - كشف الشبهات. - الأصول الثلاثة. - مختصر زا المعاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 - مختصر السيرة. - مختصر المغني والشرح الكبير. ألمّ بالشيخ رحمه الله تعالى مرض شديد في أواخر شهر شوال عام 1206, واستمر معه المرض حتى توفاه الله تعالى في أواخر شهر ذي القعدة من العام نفسه, فاللهم ارفع درجته في عليين, واجعله مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المبحث الثاني ترجمة الشارح هو أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بهاء الدين بن محمد بن أبي الثناء شهاب الدين بن عبد الله بن صلاح الدين بن محمود لخطيب الألوسي. -ولد رحمه الله تعالى في اليوم التاسع عشر من شهر رمضان عام ثلاثة وسبعين ومائتين وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في بغداد من بلاد العراق. -نشأ رحمه الله تعالى, في بيت علم ودين, فقد كان كثير من أسرته علماء وأدباء, فأبوه عبد الله (ت1291) كان عالما, له مؤلفات, وجده أبو الثناء محمود بن شهاب الدين صاحب "روح المعاني" كان –أيضا- عالما, وإن كان عنده شيء من البدع , فالله يسامحه, ومن أولاء عمه نعمان خير الدين صاحب جلاء العينين, فقد كان خيرا دينا عالما وقورا. -بدأ أبو المعالي رحمه الله تعالى في طلب العلم في سن مبكرة جدا, فأخذ عن أبيه مبادئ العربية والخط, ثم بعد وفاة أبيه كفله عمه خير الدين فأخذ عنه, كما أخذ عن مشايخ بلده, ومنهم الشيخ إسماعيل بن مصطفى. -وبعد أن استوى على سوقه عقد حلقا للعلم في داره ينهل منها الطلاب, ويفيدون منها, كما درّس في جامع عادل خاتون, وجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الحيدرية, وجامع السيد سلطان علي, ومدرسة المرجان. -ألف أبو المعالي-رحمه الله تعالى- مؤلفات كثيرة نفع الله تعالى بها, ومن هذه المؤلفات: -غاية الأماني في الرد على النبهاني. -فتح المنان, وهو كتاب أتم به التأسيس في الرد على داود بن جرجيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-. -صب العذاب على من سبّ الأصحاب. -بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب. -تاريخ نجد. -شرح مسائل الجاهلية, وهو كتابنا هذا. -شرح منظومة عمود النسب. -الضرائر الشعرية. لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى على عقيدة السلف أهل السنة والجماعة, يظهر ذلك جليا في مؤلفاته, وخاصة في "بلوغ الأماني", و"شرح مسائل الجاهلية" و"فتح المنان", وكان رحمه الله تعالى شديدا على أهل البدع, محاربا لهم, متأثرا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. توفي أبو المعالي-رحمه الله تعالى- في اليوم الرابع من شهر شوال عام (1342هـ) على أثر مرض ألمّ به في أواخر شهر رمضان من العام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 نفسه, نسأل الله تعالى له الرحمة والنجاة من النار, وجزاه على ما قدم للمسلمين خير الجزاء1.   1 انظر ترجمته: "محمود شكري الألوسي-سيرته ودراساته اللغوية" لمحمد بهجة الأثري, "أعلام العراق" لمحمد بهجة الأثري (ص86-241) , مقدمة المسك الأذفر (ص13-45) مقدمة كتاب "صب العذاب على من سب الأصحاب" للألوسي, ومقدمة من وضع الشيخ عبد الله البخاري (ص37-183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المبحث الثالث منهج الشرح لقد بيّن المؤلف رحمه الله تعالى منهجه في شرحه هذا الكتاب في مقدمة كتابه حيث قال: " ... ولاشتمالها على تلك المسائل المهمة الآخذة بيد من تمسّك بها إلى منازل الرحمة, أحببت أن أعلّق عليها شرحا يفصّل مجملها, ويكشف معضلها, من غير إيجاز مخل, ولا إطناب ممل, مقتصرا فيه على أوضح الأقاويل, ومبينا ما أورده من برهان ودليل". فهذا منهجه قد أبانه بهذه السطور. وقد أخل رحمه الله تعالى بما ذكره في بعض المواضع, فتجده تارة يطيل في بعضها إطالة غير معتادة, بينما نجده تارة أخرى يذكر المسألة دون أن يتكلم فيها بشيء. في تفسيره للآيات جل اعتماده على كتاب جده أبي الثناء "روح المعاني". وفي مسائل الاعتقاد يعتمد اعتمادا كبيرا على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وهو تارة يصرح بالمصدر الذي نقل عنه, وتارة لا يصرح. كما أن الشارح رحمه الله تعالى عني كثيرا بربط هذه المسائل بما يشاهده من أهل زمانه, مما يجعل هذا الكتاب مصدرا معتبرا لمعرفة أحوال الناس وقت الشارح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 المبحث الرابع طبعات الكتاب لقد تمّ طبع هذا الكتاب أول مرة عام 1347هـ بالمطبعة السلفية للسيد محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى بمصر, أي بعد وفاة المؤلف رحمه الله تعالى بأربع سنوات, واعتمد فيها على نسخة أهداه إياها الأستاذ محمد بهجة الأثري أحد تلامذة المؤلف, ثم صُوِّر عن هذه الطبعات مرات كثيرة. وقد حرص محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى على أخراجها للناس, كي يفيدوا منها, فكان له ما أراد, فأفاد الناس من هذه الطبعة, وانتشرت بينهم فجزاه الله عنهم خير الجزاء. وفي عام 1412هـ قامت دار المجد للنشر والتوزيع بالرياض بصف حروف الكتاب صفا جيدا, معتمدة على طبعة الكتاب السابقة, بما فيها تعليقات الناشر. الملحوظات على مطبوعة السلفية ومطبوعة دار المجد: إن كل عمل بشري لا بد أن يلحقه شيء من النقص, وإنه مع حرص السيد محب الدين على إخراج الكتاب بصورة حسنة, لم تسلم هذه الطبعة من الأخطاء, فمن الأخطاء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 1- عدم وصف النسخة الخطية التي اعتمدها في إخراج الكتاب. 2- عدم تمييزه بين تعليقاته وتعليقات المؤلف, فقد كان له رحمه الله تعالى تعليقات, وللمؤلف تعليقات, فلم يميز بينهما, ولا يعرف ذلك إلا من وقف على المخطوط. 3- التدخل في نص المؤلف, فقد وضعت عناوين للمسائل ليست في النسخة الخطية التي بين أيدينا , فإن كانت موجودة في النسخة الخطية التي اعتمدها, فهذا يدلل على أهمية وصفها, وتصوير بعض أوراقها في أول الكتاب, وإن لم تكن موجودة فهذا تدخل في النص لم يشر إليه. 4- جاء على طرّة النسخة التي الخطية التي بين أيدينا ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم, إلى حضرة الإمام الهمام, إمام الأئمة, أعني به جناب الشيخ عبد الله بن خلف بن دحيّان المحترم, أعلى الله تعالى .... آمين, وبعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام, أقدم إليك هذا الكتاب, وهو شرح مسائل الجاهلية, هدية لك, فالرجاء قبولها والتحفظ عليها, لأن إبراهيم أفندي نجل السيد ثابت الألوسي وبهجة الأثري أرسلاها إلى مصر لأجل الطبع, لكن بعد ما غيرا فيها وبدّلا, وهذه صححت مرارا وتكرارا, فلذلك أوصيك بحفظها والسلام, 3 ذي القعدة 1345هـ عبد الكريم السيد عباس". وبعد المقابلة لم يظهر لي سوى ما ذكرته قبل, فلعله يشير بهذا الكلام إليه.   1 هنا كلمة لم أستبنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 المبحث الخامس وصف النسخة الخطية حصلت على هذه النسخة من صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ-وفقه الله تعالى- وهي مصورة عن مكتبة الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. وتتكون من خمس وأربعين لوحة, في كل لوحة وجهان, متوسط أسطر كل وجه عشرون سطرا, ومتوسط عدد كلمات كل سطر أربعة عشرة كلمة. وخطها جيد, وهي مكتوبة بقلم عبد الكريم السيد عباس الشيخلي عام 1344هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الفصل الثاني: في الجاهلية المبحث الثالث: حكم مخالفة أهل الجاهلية ... المبحث الثالث: حكم مخالفة أهل الجاهلية لقد تظاهرت النصوص من الكتاب والسنة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية, وتحريم التشبه بهم, سواء في عباداتهم أو في أعيادهم, وأجمع أهل العلم على ذلك1. ولكثرة النصوص الواردة في هذا, اجتهدت في حصر دلالاتها, مع الاستدلال لكل دلالة بنص أو أكثر, فكانت على النحو الآتي: أولا: الأمر الصريح بالمخالفة: جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية, مما يعني وجوب مخالفتهم, لأن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف2, ولا صارف هنا, ومن هذه الأحاديث ما يأتي: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب, وأوفوا اللحى"3.   1 انظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/82و320) 2 انظر: "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى (1/224) , "التمهيد" لأبي الخطاب الكلوذاني (1/145) , "المحصول في علم الأصول" للرازي (2/66) , روضة الناظر لا بن قدامة ص193, وغيرها من كتب الاصول 3 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب اللباس- باب تقليم الأظافر- (7/56) ومسلم في صحيحه-كتاب الطهارة- (1/122) ح259, واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة الأنصار, بيض لحاهم, فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب, قال فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرو, فقال صلى الله عليه وسلم تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب, قال فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون, قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم فتخففوا وانتعلوا, وخالفوا أهل الكتاب, قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصّون عثانينهم1 ويوفرون سبالهم2, فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم, وخالفوا أهل الكتاب"3. وقال صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود, فإنهم لا يصلون في نعالهم, ولا خفافهم"4.   1 العثانين: جمع عثنون وهو اللحية , انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (3/133) 2 السبال جمع سبلة بالتحريك, وهي الشارب, انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (3/339) 3 أخرجه أحمد في مسنده (5/264) والطبراني في الكبير (8 / 282) , قال الهيثمي في مجمه الزوائد (5 /131) : "رجال أحمد رجال الصحيح, خلا القاسم, وهو ثقة وفيه كلام لا يضر" وجسّن إسناد أحمد ابن حجر في فتح الباري (10/367) , والألباني في السلسلة الصحيحة (3/249) . 4 أخرجه أبو داود في سننه – كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعل- (1/427) ح652, وابن حبان كما في الإحسان- كتاب الصلاة-باب فرض متابعة الإمام (3/306) ح 2183, والحاكم في مستدركه –كتاب الصلاة- (1/260) , والبيهقي في السنن الكبرى-كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعلين (2/432) , والبغوي في شرح السنة-كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعال (2/443) ح 534. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ثانيا: النهي عن مشابهة أهل الجاهلية في أهوائهم بصيغته: كما جاءت الأدلة صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية, فقد جاءت أيضا صريحة في النهي عن مشابهتهم في أهوائهم بصيغة النهي الحقيقية "لا تفعل" ومن هذه الأدلة: قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} 1 وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك} 2 وقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} 3 وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 4 ففي هذه الآيات نهي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون, "وقد في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته. واهواؤهم هو ما يهوونه, وما عليه المشركون من هديهم الظاهر, الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك, فهم يهوونه, وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه"5. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} 6.   1 المائدة: 48 2 المائدة: 49 3 الشورى: 15 4 الجاثية:18 5 اقتضاء الصراط المستقيم (1/85) 6 البقرة: 104 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم"1. فهذه بعض الأدلة على النهي عن مشابهة أهل الجاهلية بصيغته. ثالثا: بيان سوء عاقبة من اتبع أهل الجاهلية: لقد جاءت الأدلة صريحة في بيان العاقبة المخزية التي أعدها الله تعالى لمن خالف أمره, وتشبه بأعدائه, مما يدل على شناعة الفعل وقبحه, ومن هذه الأدلة: قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} 2 وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} 3. ففي هاتين الآيتين تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة, والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته4, ووصف –تعالى- التابعين بأنهم ظالمون , {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 5. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ومتابعتهم فيما   1 تفسير ابن كثير (1/148) 2 البقرة:120 3 البقرة: 145 4 انظر تفسير ابن كثير (1/163) 5 الانسان: 31 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يختصون به من دينهم وتوابع دينهم, اتباع لأهوائهم, بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك"1. وقوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) } 2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ثم قوله فاستمتعتم وخضتم, خبر عن وقوع ذلك في الماضي, وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة, كسائر من أخبر الله به عن الكفار والمنافقين عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه ذم لمن حالهم كحالهم إلى يوم القيامة"3. رابعا: نعت المتشبهين بما يفيد شناعة فعلهم: كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم, وبتغ في الإسلام سنة جاهلية, ومطَّلِب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريقه"4. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر, وذراعا بذراع,   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/-8685) (التوبة:69) 3 اقتضاء الصراط المستقيم (104-105) 4 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الديات- باب من طلب دم امرئ بغير حق (8/39) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم, قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن" قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار, وكان يخاف على أمته اتباعهم, ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ: " لتتبعن سنن من كان قبلكم ... ". وقال المناوي: "وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي والكفر, ثم إن هذا لفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم, ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام". فهذه بعض الأدلة الدالة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية وحرمة التشبه بهم, وبقي كثير تركتها اختصارا , والله تعالى أعلم.   1" أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الأنبياء- باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم" - (8/151) , ومسلم في صحيحه –كتاب العلم- باب اتباع سنن اليهود والنصارى- (4/2054) ح 1669. 2"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/45) . 3"فيض القدير بشرح الجامع الصغير (5/261) 4" راجعها في مقدمة شرح المحقق لمسائل الجاهلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 المبحث الثاني أنواع الجاهلية تنوع الجاهلية أنواعا بحسب اعتبارات مختلفة, وغليك بعض أنواعها: أولا: أنواعها من حيث الإطلاق والتقييد: تتنوع الجاهلية من حيث الإطلاق والتقييد نوعين: النوع الأول: جاهلية مطلقة, وهي الجاهلية العامة, وهذه كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم, أما بعد المبعث فلا, وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: "فأما في زمان مطلق,   1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب المناقب- باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر- (4/187) , وفي كتاب التوحيد-باب قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} - (8/189) , مسلم في صحيحه- كتاب الإمارة-باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق, لا يضرهم من خالفهم"- (3/1524) من حديث معاوية. وأخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة –باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق", وهم أهل العلم- (8/149) , ومسلم في صحيحه-كتاب الإمارة- باب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ..... " (3/1425) ح 1923 من حديث المغيرة بن شعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ... "1 وذكر معنى الحديث السابق. ومن هذا النوع قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 2 وقول حذيفة رضي الله عنه: "إنا كنا أهل جاهلية وشر, فجاء الله بهذا الخير ... "3. وعلى هذا, فلا يجوز إطلاق الجاهلية على قرن من القرون منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا, وما يقع فيه بعض الكتاب من هذه الإطلاقات ينبغي أن يتفادى بالتصحيح4. النوع الثاني: جاهلية مقيدة, وهي الجاهلية التي تقوم في بعض البلدان, أو ببعض الأشخاص والجماعات. وهذا النوع يكون حتى بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية"5. ثانيا: أنواعها من حيث الفترة الزمنية: تتنوع الجاهية من حيث الفترة الزمنية نوعين:   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/227) . (الأحزاب: 33) 3 أخرج البخاري في صحيحه –كتاب المناقب- باب علامات النبوة في الإسلام (4/176) , ومسلم في صحيحه-كتاب الإمارة- باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة- (3/1474) ح 1847 ضمن حديث طويل. 4 انظر: تعليق الدكتور ناصر العقل على " اقتضاء الصراط المستقيم" (1/227) . 5 أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الإيمان- باب المعاصي من أمر الجاهلية, ومسلم في صحيحه –كتاب الإيمان- باب إطعام المملوك مما يأكل..- (3/1282-1283) ح 1661 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 النوع الأول: جاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا النوع يطلق عليه بعضهم " الجاهلية الأولى". قال قتادة في قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} : "هي ما قبل الإسلام"1 النوع الثاني: جاهلية ما بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم. ويطلق عليها بعضهم " الجاهلية الأخرى". والمراد بها: ما شابه فيه الناس بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية. قال ابن جرير-رحمه الله تعالى-: "فإن فال قائل: أو في الإسلام جاهلية حتى يقال عنى بقوله: {الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} التي قبل الإسلام, قيل: فيه أخلاق من أخلاق الجاهلية"2. وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: "ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى ما يقع في الإسلام من التشبه بأهل الجاهلية بقول أو فعل"3. ثالثا: أنواعها من حيث متعلقها: تتنوع الجاهلية من حيث متعلقها أنواعا كثيرة جدا, يصعب حصرها, فمنها جاهلية المعتقد, ومنها جاهلية الأخلاق, ومنها جاهلية الاقتصاد, ومنها جاهلية الحكم والسياسة, ومنها جاهلية الفن .... إلخ4   1 ذكره البغوي في تفسيره (4/528) 2 تفسير ابن جرير (22/4-5) 3 فتح القدير (4/278) 4 انظر بتوسع في هذا: "جاهلية القرن العشرين" لمحمد قطب, "مصطلحات إسلامية" لمحيي الدين القضماني (ص46-52) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وبالجملة, فكل أمر من الأمور خولف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أمر جاهلي1. رابعا: أنواعها من حيث الحكم تتنوع الجاهلية من حيث الحكم نوعين: النوع الأول: جاهلية كفر. ومن هذا النوع قوله-تعالى-: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} 2, وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 3. النوع الثاني: جاهلية معصية, وهي ما تكون بترك واجب أو فعل محرم دون الكفر4, وهذه لا يكفر صاحبها5. ومن هذا النوع قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية"6 وكذا الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت. هذه أهم أنواع الجاهلية حسب علمي, والله تعالى أعلم.   1 انظر: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص261. 2 آل عمران: 154 3 المائدة: 50 4 انظر: فتح الباري (1/85) . 5 انظر صحيح البخاري –كتاب الإيمان- باب المعاصي من أمر الجاهلية, ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك. 6 سبق تخريجه ص34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 المبحث الأول: تعريف الجاهلية لغة واصطلاحا ... المبحث الأول تعريف الجاهلية أولا التعريف اللغوي: الجاهلية في اللغة: مصدر صناعي مأخوذ من الجاهلي نسبة على الجاهل المشتق من الجهل. والجهل خلاف العلم ونقيضه. يقال جَهِل فلان جهلا وجهالة, وجُهِل عليه وتجاهل واستجهل. والجمع منه: جُهل, وجُهُل, وجُهَّل, وجُهَّال, وجُهلاء. قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} 1. ومنه قولهم للمفازة التي لا علم بها: "مَجهَل". ويطلق الجهل ويراد به الخفة التي هي خلاف الطمأنينة, ويراد به الطيش, ومنه قولهم للخشبة التي يحرك بها الجمر"مجهل"2, ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته:   1 البقرة: 273 2 انظر: معجم " مقاييس اللغة" لابن فارس: جهل (1/489) , وتهذيب اللغة للأزهري: جهل (6/56-57) , "المحكم" لابن سيده: "جهل" (4/119) , الصحاح للأزهري "جهل" (4/1663-1664) , "لسان العرب" لابن منظور: "جهل" (11/129) , "تاج العروس" للزبيدي: "جهل" (7/368) . ?? ?? ?? ?? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا1 والجهل ثلاثة أنواع: أحدها: بسيط, وهو خلو النفس من العلم. ثانيها: جهل مركب, وهو اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. ثالثها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل2. التعريف الاصطلاحي: اختلفت عبارات الناس في تعريف الجاهلية والمراد منها, وسأذكر هنا بعضا منها, ثم أختم ذلك بالمختار. التعريف الأول: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "المراد بالجاهلية الفترة قبل الإسلام"3 ويؤخذ على هذا التعريف كونه غير جامع, وذلك أن الجاهلية جاء إطلاقها حتى بعد البعثة, كما قال بن عباس رضي الله عنهما: "سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا كأسا دهاقا"4, وابن عباس إنما ولد بعد البعثة5.   1 " ديوان عمرو بن كلثوم" (ص78) ," جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي ص300, "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص288, "شرح القصائد المشهورات" لابن النحاس (1/2/125) 2 انظر: "المفردات في غريب القرآن" للرغاب الاصفهاني ص102, "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/224-225) . 3 شرح صحيح مسلم (2/110) 4 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب لمناقب الأنصار- باب أيام الجاهلية (4/236) . 5 انظر طبقات ابن سعد: (2/365-372) , "تهذيب الكمال" للمزي (15/154-162) , فتح الباري لابن حجر (7/183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 التعريف الثاني: قال ابن الأثير- وتبعه ابن منظور-: " هي-أي الجاهلية- الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام, من الجهل بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين, والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك"1. ويؤخذ على هذا التعريف: أ-تخصيصه العرب بذلك, مع أن غيرهم من الأمم يشركهم فيه. ب- أنه جعل نهاية هذه الحال بظهور الإسلام, وقد مرّ قبل قليل أن الجاهلية أطلقت حتى بعد الإسلام. التعريف الثالث: وهو للأستاذ محمد قطب حيث قال: " هي-أي الجاهلية- حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله, ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله"2. ويؤخذ على هذا التعريف كونه غير جامع, لأنه أخرج الحال التي تكون عليه أمة من الأمم قبل مجيئها هدى الله. وفيه قصر على الوضع التنظيمي الذي يرفض الحكم بما أنزل الله, مع أن الأمر أعظم من ذلك, فحكم الله ليس في الأمور التنظيمية فقط, بل هو أعم من ذلك كله. التعريف الرابع: وهو التعريف الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "الجاهلية:   1 "التهاية في غريب الحديث" (1/232) , لسان العرب "جهل" (11/130) . 2 جاهلية القرن العشرين ص11 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 هي الحالة التي تكون عليها الأمة قبل أن يجيئها الهدى والنبوة". ويؤخذ على هذا التعريف ما أخذ على التعريف الأول. التعريف الخامس: " الجاهلية: هي الحالة التي تكون عليها أمة قبل مجيئها هدى الله, والحالة التي تمتنع فيها أمة ما أو بعض أمة من الاستجابة لهدى الله". وهذا التعريف هو المختار عندي, والذي أراه مناسبا لهذا المقام, وذلك للآتي: 1- كون هذا التعريف أدخل أهل الفترات, وأدخل من امتنع من أتباع الهدى بعد إذ جاءه. فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في قوم أميين لا علم لهم بالكتاب, فهؤلاء يناسبهم الجزء الأول من التعريف, كما أنه صلى الله عليه وسلم لعموم رسالته بعث –أيضا لقوم أهل كتاب, وهؤلاء يناسبهم الجزء الثاني, كما أن في أمته صلى الله عليه وسلم من يمتنع من الاهتداء بهديه. 2- موافقة هذا التعريف لما ذكره العلماء من أقسام الجهل.   1 "معجم ألفاظ القرآن الكريم" الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1/220) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 القسم الثاني: النص المحقق ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للدين المبين, وأنزلنا الصراط المستقيم بأوضح البراهين, والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين, الذي أنقذ بشريعته الغراء من جهل الجاهلين, وعلى آله وأصحابه الغر الميامين, الذين جاهدوا في الله حتى أتاهم اليقين. أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى عفو الله وغفرانه, محمود شكري الألوسي البغدادي- كان الله تعالى له وأحسن عمله-, وأناله من الخير أمله1-: إني وقفت على رسالة صغيرة الحجم, كثيرة الفوائد, تشتمل على نحو مائة مسالة من المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية من الأميين والكتابيين, وهي أمور ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان, ولا أخذت عن نبي من النبيين, ألفها الإمام العلامة, والقدوة الفهامة2, محيي السنة السَّنية3, ومجدد الشريعة النبوية, محدث عصره وحافظ دهره تذكرة السلف وعمدة الخلف4, أبو عبد الله محمد بن   1 " وأناله من الخير أمله" ليست في المطبوع. 2 "العالم ... الفهامة" ليست في المطبوع. 3" السنية" ليست في المطبوع. "4 محدث .... الخلف" ليست في المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 عبد الوهاب النجدي الحنبلي-تغمده الله تعالى برحمته- وأسكنه فسيح جنته. بيد أن مسائل تلك الرسالة في غاية الإيجاز, بل كادت تعد من قبيل الألغاز, قد عبر عن كثير منها بعبارة مجملة, ,اتى بدلائل ليست مشروحة ولا مفصلة, حتى إن من ينظرها يظن أنها فهرس كتاب, قد عدت فيه المسائل من غير فصول ولا أبواب, ولاشتمالها على تلك المسائل المهمة الآخذة بيد من تمسّك بها إلى منازل الرحمة, أحببت أن أعلّق عليها شرحا يفصّل مجملها, ويكشف معضلها, من غير إيجاز مخل, ولا إطناب ممل, مقتصرا فيه على أوضح الأقاويل , ومبينا ما أورده من برهان ودليل, عسى الله أن ينفع بذلك المسلمين, ويهدي به من يشاء من عباده المتقين, فيكون سببا للثواب, والفوز يوم العرض والحساب, والأمن من أليم العذاب, وما توفيقي إلا بالله, عليه توكلت وإليه أنيب.   " وأسكنه فسيح جنته" ليست في المطبوع. في المطبوع "فرأيتها" في المطبوع " الأقوال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 قال المصنف- رحمه الله تعالى1- بسم الله الرحمن الرحيم2: هذه مسائل خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية الكتابيين والأميين، مما لا غناء للمسلم عن معرفتها. فالضد3 يضر حسنَه الضدُ ... وبضدها تتبين الأشياءُ4   1 في المطبوع " رحمة الله تعالى عليه". 2 في المطبوع قدمت البسملة على قوله: "قال المصنف ... ". 3 في المطبوع: "فالضد". 4 هذا البيت مركب من شطرين, فالشطر الأول منه عجز بيت في قصيدة طويلة, وصدره: ضدان لما استجمعا حسنا. وقد اختلف في قائلها, فقد نسبت إلى أكثر من اربعين شاعرا, فقيل إنها لشاعر جاهلي, ولم يذكر من هو, وقيل: إنها لذي الرمة, وقيل: إنها لدوقلة المنبجي, وقيل لأبي نواس, وقيل: لأبي الشيص الخزاعي, وقيل لعلي بن جبلة. انظر: " التبيان في شرح الديوان" للعكبري (1/22) , شرح الديوان للواحدي (1/197) . وأقرب هؤلاء للصحة اثنان هما: أبو الشيص الخزاعي, وهو في ديوانه الذي جمعه عبد الله الجبوري ص117 وللجبوري بحث قيم في إثبات القصيدة لأبي الشيص. والثاني هو علي بن جبلة, وهو في ديوانه الذي جمعه زكي ذاكر (96-102) , وفي ديوانه الذي جمعه د. حسين عطوان (115-119) , وفي ديوانه الذي جمعه ضيف الجنابي (108-114) ولعل القصيدة له, لأانه كندي, وقد جاء في القصيدة افتخار بكندة حيث قال: الجد كندة والبنون هم فزكا البنون وأنجب الجد وأما الشطر الثاني, فهو للمتنبي في قصيدة له, والبيت هو: ونذيمهم وبه عرفنا فضلهم وبضدها تتبين الأشياء ديوان المتنبي ص127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أهم ما فيها وأشده خطرا, عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, فإن انضاف إلى ذلك استحسان دين الجاهلية والإيمان به, ثمّت الخسارة والعياذ بالله تعالى كما قال عز ذكره: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 1.   1 العنكبوت: 52 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 المسألة الأولى أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادة1 الله تعالى، ويرون ذلك من تعظيم الصالحين الذي يحبه الله, ويريدون أيضا2 بذلك شفاعتهم3, لظنهم أنهم يحبون ذلك: كما قال تعالى: في أوائل الزمر: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 4. وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 5 وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتى بالإخلاص, وأخبرهم أنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه,   1 في المطبوع " في دعاء الله تعالى وعبادته", وهو موافق لبعض النسخ الخطية لمتن المسائل, وما أثبته موافق أيضا لنسخ أخرى. 2 " أيضا" ساقطة من المطبوع. 3 في المطبوع "شفاعتهم عند الله". 4 الزمر (2,3) 5 يونس: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وأن1 من فعل ما استحسنوا2, حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار. وهذه المسألة هي الدين كله, ولأجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر, وعندها وقعت العداوة, ولأجلها شرع الجهاد, كما قال تعالى في البقرة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 3   1 في المطبوع: "واخبر أن". 2 في المطبوع: "ما يستحسنونه فقد" 3 البقرة: 193 وفي المخطوط {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وهذه آية الأنفال وليست آية البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الثانية: أنهم متفرقون, ويرون السمع والطاعة مهانة ورذالة, فأمرهم الله بالاجتماع, ونهاهم عن التفرقة: فقال عز ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 1 يقال: أراد سبحانه بما ذكر ما كان بين الأوس2 والخزرج3 من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة, إلى أن ألف سبحانه بينهم بالإسلام, فزالت الأحقادز قاله ابن إسحاق4.   1 آل عمران:102-103 2 هم بنو الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن مزيقيا, إحدى قبائل الأنصار, وكان لهم مع الخزرج ملك يثرب, فلما جاء الإسلام, كانوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنصارا. انظر "النسب" لأبي عبيد ص270-277, "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص232-346, " نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" ص95. 3 هم بنو الخزرج أخي الأوس بن حارثة, وكانوا في يثرب كالأوس قبل الإسلام وبعده. انظر "النسب" ص 277-287, "جمهرة أنساب العرب" ص 346-366 , "نهاية الارب" ص60 4 أخرجه ابن جرير في تفسيره (4/33) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وكان يوم بعاث1 آخر الحروب التي جرت بينهم. وقد فُصّل ذلك في " الكامل"2. ومن الناس من يقول: أراد ما كان بين مشركي العرب من التنازع الطويل والقتال العريض, ومنه حرب البسوس3, كما نقل عن الحسن4 رضي الله عنه. وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} 5. إلى غير ذلك من الآيات الناصة على النهي عن الاستبداد والتفرق وعدم الانقياد والطاعة مما كان عليه أهل الجاهلية.   1 يوم بعاث من الايام التي جرت بين الأوس والخزرج, وكان في أوله للخزرج, ثم ظفرت به الأوس, فكادوا يبيدون خضراءهم. انظر "أيام العرب في الجاهلية" ص73-84 2 انظر "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (1/312) وما بعدها. 3 حرب البسوس من الحروب التي جرت بين بكر وتغلب ابني وائل, وهي أطول حروب العرب, حيث مكثت أربعين سنة, وسببها بغي كليب بن ربيعة. انظر في شانها: "أيام العرب قبل الإسلام" لأبي عبيدة معمر بن المثنى ص165-170, "الكامل في التاريخ" (1/312) , "شرح المفضيليات" لابن الأنباري ص441, "العقد الفريد" (5/312) , "مجمع الأمثال" للميداني (1/377) ,"خزانة الأدب" للبغدادي (1/301) , "أيام العرب في الجاهلية" ص143-168. 4 ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (1/433) 5 التغابن: 16 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الثالثة:أن مخالفة ولي الأمر, وعدم الانقياد له –عندهم- فضيلة, وبعضهم يجعله دينا, فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, وامرهم بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة والنصيحة لهم, وغلظ في ذلك, وأبدى وأعاد. وهذه الثلاث هي التي ورد فيها ما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: " يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا, وأن تعتصموا بحبل الله جميعا, وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم"1. وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئا, فليصبر, فإنه من خرج من السلطان شبرا, مات ميتة جاهلية"2 وروى أيضا عن جنادة بن أبي أمية, قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض, فقلنا: أصلحك الله, حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.   1 أخرجه مسلم في صحيحه –كتاب الأقضية- باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة ... (3/1340) ح 1715. 2 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الفتن- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورا تنكرونها" (8/87) , ومسلم في صحيحه –كتاب الإمارة- باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين بعد ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة- (3/1477) ح1849. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قال: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنا, فكان1 فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهات"2. والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة, ولم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا من خلال الإخلال بهذه الوصية.   1 في المخطوط "فقال". 2 أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الفتن- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون بعدي أمورا تنكرونها" (8/87) , ومسلم في صحيحه كتاب الإمارة- باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية, وتحريمها في المعصية (3/1470) ح 1709. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الرابعة: أن دينهم مبني على أصول: أعظمها التقليد, وهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار من الأولين والآخرين: كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ. قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} 1. فأمرهم الله تعالى بقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 2. وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} , قال: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} 3. إلى غير ذلك مما يدل على أن أهل الجاهلية كانوا في ربقة التقليد, لا يحكمون لهم رأيا, ولا يشغلون فكرا, فلذلك تاهوا في أودية الجهالة, وهكذا كل من سلكهم في أي عصر كان.   1 الزخرف: 23-24 2 الأعراف: 3 3 البقرة: 170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الخامسة:الاقتداء بفسقة أهل العلم وجهالهم وعبادهم: فحذرهم الله تعالى من ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 2. إلى آيات أخر تنادي ببطلان الاقتداء بالفساق وأهل الضلالة والغي, وذلك من سنن الجاهلية وطرائقهم المعوجة.   1 التوبة: 34 2 المائدة: 77 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 السادسة:الاحتجاج بما كان عليه أهل القرون السالفة, من غير تحكيم العقل, والأخذ بالدليل الصحيح. وقد أبطل الله تعالى- ذلك يقوله في "طه": {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى. قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى. قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى. قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى. كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} 1 ... إلخ. وقال تعالى في " القصص": {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ.وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} 2. وقال عز ذكره في سورة "المؤمنين": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ.فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ. إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} 3   1 طه 49-54 2 القصص: 36-37 3 المؤمنون 23-25 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وقال ـ تعالى ـ في (ص) : {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيئ يراد ما سمعنا بهذا في الملّة الأخرة إن هذا إلاّ اختلاق} . فجعلوا مدار احتجاجهم على عدم قبول ما جاءت به الرّسل: أنه لم يكن عليه أسلافهم، ولاعرفوه منهم، فانظر إلى سوء مداركهم، وجمود قرائحهم، ولو كانت لهم أعين يبصرون بها، وآذان يسمعون بها، لعرفوا الحقّ بدليله، وانقادوا لليقين من غير تعليله، وهكذا أخلافهم وورّاثهم، قد تشابهت قلوبهم.   (1) ص: (6 ـ 7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 السابعة: الاعتماد على الكثرة, والاحتجاج بالسواد الأعظم, والاحتجاج على بطلان الشيء بقلة أهله, فأنزل الله تعالى, ضد ذلك وما يبطله, فقال في " الأنعام": {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1. فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب, فالحق أحق بالاتباع, وإن قلّ أنصاره, كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} 2, فأخبر الله عن أهل الحق أنهم قليل, غير أن القلة لا تضرهم: تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل3   1 الأنعام: 116-117 2 ص: 24 3 البيت للشاعر اليهودي السموءل بن غريض بن عادياء الأزدي, كما في ديوانه ص13, وذكرها القالي في "أماليه" (1/269) , والعباسي في معاهد التنصيص (1/383) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 المقصود أن من له بصيرة ينظر إلى الدليل, ويأخذ ما يستنتجه البرهان, وإن قلّ العارفون به, المنقادون له. ومن أخذ ما عليه الأكثر وما ألفته العامة من غير نظر الدليل فهو مخطيء, سالك سبيل الجاهلية, مقدوح عند أهل البصائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الثامنة:الاستدلال على بطلان الشيء بكونه غريبا, فرد الله تعالى ذلك بقوله في "هود": {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} . ومعنى الآية: {فَلَوْلا كَانَ} تحضيض فيه معنى التفجع, أي: فهلا كان {مِنَ الْقُرُونِ} , أي: الأقوام المقتربة في زمان واحد {مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} , أي: ذوو خصلة باقية من الرأي والعقل, أو ذوو فضل, على أن يكون البقية اسما للفضل, والهاء للنقل, ومن هنا يقال: فلان من بقية القوم, أي: من خيارهم , ومنه قولهم: " في الزوايا خبايا, وفي الرجال بقايا", {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} الواقع فيما بينهم حسبما ذكر في قصصهم, وفسر الفساد بالكفر وما اقترن به من المعاصي, {إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا} استثناء منقطع, أي: ولكن قليلا ممن أنجيناهم, لكونهم كانوا ينهون.   هود: 116 انظر: روح المعاني (12/160-162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 التاسعة: الاستدلال على المطلوب, والاحتجاج بقوم أعطوا من القوة في الفهم والإدراك, وفي القدرة والملك, ظنا أن ذلك يمنعهم من الضلال. فردّ الله تعالى ذلك عليهم بقوله سبحانه, في "الأحقاف": {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} 1. ومعنى الآية: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ} أي: قوّينا2 عادا وأقدرناهم. و"ما" في قوله تعالى: {فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} موصولة أو موصوفة, و"عن" نافية, أي: في الذي, أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات, كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ3 أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} 4 , ولم يكن النفي بلفظ "ما" كراهة لتكرير اللفظ, وإن اختلف المعنى, {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} ليستمعلوها فيما خلقت له, ويعرفوا   1 الأحقاف: 24-26 2 في المخطوطة "قرونا". 3 في المخطوطة "وكم" وهو خطأ. 4 الأنعام: 6 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بكل1 منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم, ويستدل بها على شؤون منعمها عز وجل, ويداوموا على شكره جل ثناؤه. {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل, {وَلا أَبْصَارُهُمْ} حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى {مِّن شَيْءٍ} أي: شيئا من الأشياء2, و "من" مزيدة للتوكيد, وقوله: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} تعليل للنفي. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء, ويقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . فهذه الآية تبطل الاحتجاج يقوم أعطوا من القوة في الفهم والإدراك وسعة الأذهان وغير ذلك ما لم يكن مثله للعرب الذين أدركوا الإسلام, ومع ذلك ضلوا عن سواء السبيل, وكذبوا الرسل بالأباطيل, فالتوفيق للإيمان بالله ورسله, والإذعان للحق, وسلوك سبله, إنما هو فضل من الله تعالى لا لكثرة مال ولا لحسن حال, ومن يرُدّ الحق ويستدل بكون من هو أحسن حالا منه لم يقبله, ولم يحكم عقله, ويتبع ما يوصل غليه الدليل, فقد سلك سبيل الجاهلية, وحاد عن الحجة المرضية. ومثل هذه الآية: قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 3.   1 في المطبوع "لكل " 2 في المخطوطة " الأعباء" 3 البقرة: 89 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 كان اليهود يعلمون من كتبهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وأن الله سيرسل نبيا كريما من العرب, وكانوا من قبل يستفتحون على المشركين ببعثته, ويقولون: يا ربنا أرسل النبي الموعود إرساله, حتى ننتصر على الأعداء, فلما جاءهم عرفوا, وهو محمد صلى الله عليه وسلم, كفروا به, حسدا منهم أن تكون النبوة في العرب, وهم يزعمهم أحسن أثاثا ورئيا, ولم يعلموا أن النبوة والإيمان بها فضل من الله يؤتيه من يشاء. ومثلها أيضا قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} . الضمير في قوله: {يَعْرِفُونَهُ} عائد على العلم في قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} , فكتمانه الحق, وعدم جريهم على مقتضى علمهم لما فيهم من الجاهلية, والاعتقاد أن فضل الله مقصور عليهم ولا يتعداهم على غيرهم. وآية "الأنعام" موافقة لهذه الآية لفظا ومعنى, وهي قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} .   البقرة: 146-147 في المخطوط "يعرفون" وهو خطأ. الأنعام: 19-20 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 العاشرة: لاستدلال بعطاء الدنيا على محبة الله تعالى: قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ. وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ. قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} 1. وقال في سورة " القصص ": {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ. قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 2.   1 سبأ: 34-39 2 القصص: 46-50 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وفي آيات أخرى في سورة "القصص" يقول الله سبحانه: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} 1. على آخر الآية. فقد كفانا الله تعالى إبطال هذه الخصلة الجاهلية بقوله في الآية الأولى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ} , وفي الآية الأخرى بقوله: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ} ... إلخ, فعلمنا من ذلك محبة الله ورضى الله إنما يكون بطاعته والانقياد لرسله, والإذعان للحق باتباع البرهان. وأما كثرة المال, وسعة الرزق, وعيش الرخاء, فلا دليل فيه على نجاة المنعم عليه بمثل ذلك, ولو كانت الدنيا وما فيها تعادل عند الله جناح بعوضة ما سقى من عصاه شربة ماء. قال سبحانه: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} 2. وعلى ذلك قول القائل3: كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا   1 القصص: 76-78. 2 الزخرف: 33. 3 هو ابن الروندي الملحد, كما في "معاهد التنصيص" (1/147) رقم الشاهد 26, وذكره ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" (6/207) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ومما ينسب لبعض الأكابر: رضينا قسمة الجبار فينا ... لنا علم وللأعداء مال فإن المال يفنى عن قريب ... وإن العلم باق لا يزال والشواهد كثيرة. والمقصود أن ما كان عليه أهل الجاهلية من كون زخارف الدنيا من الأدلة على قرب من حازها من الله وقبوله عنده, فقول بعيد عن الحق, ومذهب باطل لا ينبغي لمن له بصيرة أن يعوّل عليه.   هذان البيتان لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه كما في "ديوانه" ص 85, وذكر ابن قتيبة البيت الأول منهما في "عيون الأخبار" (1/353) ونسبه على بن مناذر بلفظ رضينا قسمة الرحمن فينا لنا علم وللثقفي مال وانظر: "الشعر والشعراء" (2/871) , "بهجة المجالس" (1/199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الحادية عشرة: الاستدلال على بطلان الشيء بأخذ الضعفاء به, وضعف فهم من أخذ به, على ما يدل عليه قول قوم نوح له كما حكاه عنهم الكتاب الكريم. قال تعالى في سورة "الشعراء": {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) . (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) 1. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ. قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ. وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} 2. فانظر إلى قوم نوح كيف كيف استنكفوا من اتباع نبيهم لسبب اتباع الضعفاء له, وذلك لكون مطمح انظارهم في الدنيا, وغلا لو كانت الآخرة همهم, لاتبعوا الحق أينما وجدوه, ولكن لجاهليتهم اعرضوا عن الحق لاتباع شهواتهم. وانظر إلى هرقل لما كان من العقل والبصيرة على جانب عظيم, اعتقد اتباع الضعفاء دليلا على الحق, فقال في جملة ما سأل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وسألتك عن أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم, فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه, وهم اتباع الرسل"3.   1 ما بين معقوفتين ساقط من المخطوط. 2 الشعراء: 105-115 3 أخرجه البخاري في صحيحه ضمن حديث طويل-كتاب الوحي- باب كيف كان بدء الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/5-7) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ومثل ذلك قوله تعالى في سورة "هود": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ. فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} الآيات.   هود: 25-27 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الثانية عشرة: من خصال أهل الجاهلية رمي من اتبع الحق بغير الإخلاص, وطلب الدنيا, فرد الله عليهم بقول نبيهم الذي حكاه الله عن نوح في الآية الأولى المذكورة في المسألة الحادية عشرة, بقوله: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ. قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} . ومقصودهم أن أتباعك فقراء, آمنوا بك لينالوا مقصدهم من العيش, لا أن إيمانهم كان لدليل يقتضي صحة ما جئت به, ردّ عليهم بما ردّ.   الشعراء: 111-113 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الثالثة عشرة: من خصال أهل الجاهلية: الإعراض عن الدخول في الحق الذي دخل فيه الضعفاء, تكبرا وأنفة. فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله في سورة "الأنعام": {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} . ومثل ذلك قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} . وغير ذلك. وحاصل الردّ: أن من آمن من هؤلاء الضعفاء, إنما كان إيمانه عن برهان, لا كما زعم خصومهم, ولست أنت بمسؤول عنهم, ولا هم مسؤولون عن حسابك, فطردهم عن باب الإيمان من الظلم بمكان.   الأنعام: 52-53 عبس: 1-2 في المطبوع: "بمسئولين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الرابعة عشرة: لاستدلال على بطلان الشيء بكونهم أولى به لو كان حقا. قال تعالى في سورة "الأحقاف": {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} . بعد قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .   الأحقاف: 11 الأحقاف: 10 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الخامسة عشرة: لاستدلال بالقياس الفاسد, وإنكار القياس الصحيح, وجهلهم بالجامع والفارق. قال تعالى في سورة "المؤمنين": {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ. إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} 1. ومعنى2 الآية: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} : شروع في بيان إهمال الناس, وتركهم النظر والاعتبار فيما عدّد سبحانه من النعم قبل هذه الآية, وما حاقهم3 من زوالها, وفي ذلك تخويف لقريش. وتقديم قصة نوح عليه السلام على سائر القصص مما لا يخفى وجهه, فقال متعطفا عليهم, ومستميلا لهم إلى الحق: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} , أي: اعبدوه وحده. {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} : استئناف مسوق لتعليل العبادة المأمور بها. {فَلا تَتَّقُونَ} : الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه, والفاء للعطف على   1 المؤمنون: 24-25 2 في المطبوع: "وقبل". 3 في المخطوط والمطبوع "ومن خافهم", وما أثبته من "روح المعاني" (18/25) الذي نقل عنه المؤلف تفسير هذه الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 مقدّر يقتضيه المقام, أي: أتعرفون ذلك, أي: مضمون قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} , فلا تتقون عذابه تعالى الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته سبحانه وحده وإشراككم به عز وجل في العبادة ملا يستحق الوجود لولا إيجاد الله إياه, فضلا عن استحقاق العبادة, فالمنكر عدم الاتقاء, مع تحقق ما يوجبه. {فَقَالَ الْمَلأُ} أي: الأشراف الذين كانوا من قومه, وصف الملأ بالكفر مع اشتراك الكل فيه, للإيذان بكمال عراقتهم وشدة شكيمتهم فيه, وليس المراد من ذلك إلا ذمهم, دون التميز عن أشراف آخرين آمنوا بع عليه السلام, أو لم يؤمن به أحد من أشرافهم, كما يفصح عنه قوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} وهذا القول صدر منهم لعوامهم. {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي: في الجنس والوصف, من غير فرق بينكم وبينه. وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة, ووصفوه1 بقوله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} : إغضابا للمخاطبين عليه السلام وإغراء لهم على معاداته. والتفضل: طلب الفضل, وهو كناية عن السيادة, كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} : بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد, بعد تحقيق بشريته عليه السلام. أي: ولو شاء الله تعالى إرسال الرسل, لأرسل رسلا من الملائكة,   1 في المطبوع "وصفوه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وإنما قيل: لأنزل, لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال. {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} , هذا إشارة إلى الكلام المتضمن الأمر بعبادة الله عز وجل, خاصة والكلام على تقدير مضاف, أي: ما سمعنا بهذا الكلام في آبائنا الماضين قبل بعثته عليه السلام, وقدر المضاف, لأن عدم السمع بكلام1 نوح المذكور لا يصلح للرد, فإن السماع بمثله2 كاف3 في القبول. {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} , أي: ما هو إلا رجل به جنون أو جن يخبلونه, ولذلك يقول ما يقول. {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} , أي4: فاحتملوه, واصبروا عليه وانتظروا لعله يفيق مما هو فيه محمول على مرامي أحوالهم في المكابرة والعناد. وإضرابهم عما وصفوه عليه السلام به من البشرية, وإرادة التفضل إلى وصفه إلى ما ترى, وهم يعرفون أنه عليه السلام أرجح الناس عقلا وأرزنهم قولا, وهو [على ما تقدم5] محمول على تناقض مقالاتهم الفاسدة- قاتلهم الله تعالى أنا يؤفكون6. والقياس الفاسد والصحيح, والجامع والفارق, مفصل في كتب الأصوليين. فبين الرسل عليهم السلام وسائر الناس مشابهة من جهة البشرية.   1 في المطبوع " لكلام". 2 في المطبوع "لمثله". 3 في المطبوع "كان". 4 "أي": ساقطة من المطبوع. 5 ما بين المعكوفتين زيادة من "روح المعاني", حتى ينتظم بها السياق 6 "روح المعاني" (18/25-26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ولوازمها الضرورية, فيصح حين إذن قياس الرسل على غيرهم فيها, وعليه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} . وبين الرسل والأنبياء عليهم السلام وغيرهم من البشر فروق كثيرة. منها: أن الله تعالى اصطفاهم على الناس برسالاته , وبكلامه ووحيه, فلا يقاس أحد من الناس بهم حين إذ من هذه الجهة, كما لا يصح قياس غيرهم بهم في سائر خصائصهم التي فصلت في غير هذا الموضع, فالجاهلية لم يميزوا بين القياس الصحيح والفاسد, ولا عرفوا الجامع ولا الفارق, كما سمعت من قياس الرسل على غيرهم, وهكذا أتباعهم اليوم ومن هو على شاكلتهم.   الكهف: 110, وفصلت: 6 في المطبوع "برسالته" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 السادسة عشرة: الغلو في الصالحين من العلماء والأولياء, كقوله تعالى في سورة "التوبة": {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 1. فاتخاذ أحبار الناس أربابا يحللون ويحرمون, ويتصرفون في الكون, وينادون في دفع ضر أو جلب نفع من جاهلية الكتابيين, ثم سرى إلى غيرهم من جاهلية العرب, ولهم اليوم بقايا في مشارق الأرض ومغاربها, تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم ... " الحديث2, حتى نرى غالب الناس اليوم معرضين عن الله, وعن دينه   1 التوبة: 30-32 2 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الأنبياء- باب ما ذكر عن نبي إسرائيل (4/144) , وفي كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة"-باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم " (8/151) , ومسلم في صحيحه –كتاب العلم - باب اتباع اليهود والنصارى (4/2054) ح 2669. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الذي ارتضاه, متوغلين في البدع, تائهين في أودية الضلال, معادين للكتاب والسنة ومن قام بهما, فأصبح الدين منهم في أنين, والإسلام في بلاء مبين, وحسبنا الله, ونعم الوكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 السابعة عشرة: قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} 1. وفي سورة النساء: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً} 2. الغلف: جمع أغلف, كأحمر وحُمر, وهو الذي لا يقفه, وأصله ذو القلفة: الذي لبا يُختن, أو جمع غلاف, ويجمع على غُلُف بضمتين أيضا. أرادوا على الأول: قلوبنا مغشاة بأغشية خَلقية مانعة عن نفوذ ما جئت به فيها. وهكذا قولهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} 3 , قصدوا به إقناط النبي صلى الله عليه وسلم عن الإجابة, وقطع طمعه عنهم بالكلية.   1 البقرة: 87-88 2 النساء: 155 3 فصلت: 5 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ومنهم من قال: معنى غلف: مغشاة بعلوم من التوراة تحفظها أن يصل إليها ما تأتي به: أو بسلامة من الفطرة كذلك. وعلى الثاني أنها أوعية العلم, فلو كان ما تقوله حقا وصدقا لوعته. قال ابن عباس1 وقتادة والسدي2: أو مملوءة علما, فلا تسع بعد شيئا, فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره. ومنهم3 من قال: أرادوا أنها أوعية العلم, فكيف يحل لنا اتباع الأمي, ولا يخفى بعده4. وقال تعالى في سورة هود: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ. وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ. قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} 5. وهذه الىية بمعنى الأولى, وقد كذبهم الله تعالى في دعواهم هذه في آيات كثيرة, وذكر أن السبب في عدم الفهم إنما هو   1 أخرجه-بنحوه- ابن جرير في تفسيره (1/407) , وابن أبي حاتم في تفسيره (1/272) . 2 نسب هذا التفسير إليهما الألوسي في "روح المعاني" (1/319) , ولم يذكر من أخرجه. 3 وهو عطية العوفي كما في تفسير ابن جرير (1/407) , وابن أبي حاتم (1/272) . 4 "روح المعاني" (1/319) . 5 هود: 89-91 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الطبع على القلوب بكفرهم, لا القصور في البيان والتفهيم. وما أحسن قول القائل: والنجم تستصغر الأبصار صورته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر   وهو أبو العلاء المعري كما في ديوانه " سقط الزند" ص44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الثامنة عشرة: من خصال الجاهلية أنهم لا يقبلون من الحق إلا ما تقول به طائفتهم. قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1. ومعنى: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} , أي: نستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أُنزل في تقرير حكمها0 ومرادهم بضمير المتكلم إما أنبياء بني إسرائيل- وهو الظاهر فيه - إيماء إلى أن عدم إيمانهم بالقرآن كان بغيا وحسدا على نزوله على من ليس منهم, وإما أنفسهم. ومعنى الإنزال عليهم: تكليفهم في المنزل من الأحكام. وذموا على هذه المقالة, من التعريض بشأن القرآن-ودسائس اليهود مشهورة- أو لأنهم تأولوا الأمر المطلق العام, ونزلوه على الخاص, هو الإيمان بما أنول عليهم, كما هو ديدنهم في تأويل الكتاب بغير المراد منه.   1 البقرة: 91 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ} , أي: هم مقارنون لحقيّته , أي: عالمون بها. {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا, فالتصديق لازم لا ينتقل, وقد قررت مضمون الخبر , لأنها كالاستدلال عليه, ولهذا تضمنت رد قولهم: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} حيث إن من لم يصدق بما وافق التوراة, لم يصدق بها. {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتا لهم, حيث قتلوا الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة, وهي لا تسوغه.   في المطبوع "لحقيقته" وما أثبته هو الموافق لما في "روح المعاني" الذي نقل المؤلف الكلام منه. في المطبوع "الخير". انظر: "روح المعاني" (1/321-322) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 التاسعة عشرة: من خصالهم: الاعتياض عن كتاب الله تعالى بكتب السحر: كما قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ1 مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 2. والكلام على هذه الآية في التفاسير المشهورة. وهذه الخصلة الجاهلية موجودة اليوم في كثير من الناس, لا سيما من انتسب إلى الصالحين وهم عنهم بمراحل, فيتعاطى الأعمال السحرية من إمساك الحيات وضرب السلاح والدخول في النيران, وغير ذلك   1 في المخطوط "فيتعلمون" وهو خطأ 2 البقرة: 101-102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 مما وردت الشريعة بإبطاله, فأعرضوا ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم, واتبعوا ما ألقاه إليهم شيطاينهم, وادعوا أن ذلك من الكرامات, مع أن الكرامة لا تصدر من فاسق, ومن يتعاطى تلك الأعمال فسقهم ظاهر للعيان, ولذا اتخذوا دينهم لعبا ولهوا, وفي مثلهم قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .   في المخطوط: "من وردت". الكهف: 104 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 العشرون: تناقضهم في الانتساب, فينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام وإلى الإسلام, مع إظهارهم ترك ذلك, والانتساب إلى غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الحادية والعشرون: تحريف كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. ولكم في هذا العصر من هو على شاكلتهم, تراه يصرف النصوص ويؤولها إلى ما يشتهيه من الأهواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الثانية والعشرون: تحريف العلماء لكتب الدين. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} . ومن نظر إلى قضاة هذا الزمان وما تلاعبوا به من الأحكام, وصرف النصوص إلى ما تهواه أنفسهم, وتبديل الحق وإبطاله, بما ينالونه من الرشا وغير ذلك مما هم عليه اليوم, تبين له من ذلك بحر لا ساحل له. وهكذا بعض المبتدعة وغلاة القبور, وقد بُيّن خالهم في غير هذا الموضع.   البقرة: 78-79 في المخطوط "لهم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الثالثة والعشرون: وهي من أعجب المسائل والخصال: معاداة الذي انتسبوا إليه أشد العداوة, وموالاتهم لمذهب الكفار الذين فارقوهم أكمل الموالاة. كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاهم بدين موسى, واتبعوا كتب السحر, وهو من دين آل فرعون. ومثل هؤلاء في الأمة الإسلامية كثير, هجروا السنة, وعادوها, ونصروا أقوال الفلاسفة وأحكامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الرابعة والعشرون: أنهم لما افترقوا- وكل طائفة لا تقبل من الحق إلا ما قالته طائفتهم, وكفروا بما مع غيرهم من الحق-. قال تعالى في سورة البقرة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ِ [يَوْمَ الْقِيَامَة] فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . ولا شك أن هذا من خصال الجاهلية, وعليه اليوم كثير من الناس, لا يعتقد الحق إلا معه, لا سيما أرباب المذاهب, يرى كل أهل مذهب أن الدين معه لا يعدوه إلى غيره, وكل حزب بما لديهم فرحون. وكل يدعي وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا والحزم أن ينظر إلى الدليل, فما قام عليه الدليل فهو الحق الحري أن يتلقى بالقبول, وما ليس عليه برهان ولا حجة ينبذ وراء الظهور, وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا من اصطفاه الله لرسالته.   ما بين المعكوفتين ساقط من المخطوط. البقرة: 113 في المطبوع: "هذه". نسبه شيخ الإسلام إلى مجنون بني عامر, انظر مجموع الفتاوى (4/71) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الخامسة والعشرون: أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق: "وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة", ادعى كل فرقة أنها هي الناجية. كما حكي عن اليهود والنصارى في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} 1. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بين في آخر الحديث المراد من الفرقة الناجية, فقال: "وهم ما كنت عليه أنا وأصحابي"2 أو كما قال.   1 البقرة: 113 2 أخرجه بلفظ: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" الترمذي في جامعه-كتاب الإيمان- باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (5/26) ح 2641, وقال: "هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه" , وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" ص85, والآجري في الشريعة ص16, وفي كتاب الأربعين ص53-54, والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/262) , وابن نصر المروزي في السنة ص23 ح 59, والحاكم في المستدرك-كتاب العلم- (1/128-129) وسكت عنه, وسكت عنه الذهبي من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/178) , وفي المعجم الصغير (1/256) , والعقيلي في الضعفاء (2/262) , وبحشل في تاريخ واسط ص196 عن أنس, وفي إسناده عبد الله بن سفيان, وهو ضعيف.= وأخرجه الطبراني في الكبير (8/178) عن أبي الدرداء وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "وفيه كثير بن مروان, وهو ضعيف جدا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وردّ الله تعالى عليهم بقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} . والمقصود أنهم ليس لهم برهان على هذه الدعوى, بل الدليل على خلاف ذلك. وأبو العباس تقي الدين تكلم على حديث الفرق في كتابه منهاج السنة بما لا مزيد عليه, حيث استدل به الرافضي على حقيقة مذهبه وبطلان مذهب أهل السنة, فراجعه إن أردته.   البقرة: 111-112 منهاج السنة النبوية: (3/443-506) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 السادسة والعشرون: أنهم أنكروا ما أقروا أنه دينهم, كما فعلوا في حج البيت, فتعبدوا الله بإنكارهم والبراءة منه مع ذلك الإقرار. كما قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} 1. إلى أن قال: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 2. يقال: عن سبب نزول قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ ... } إلخ ما روي أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه: سلمة ومهاجرا3 إلى الإسلام, فقال: قد علمتما أن الله تعالى قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل   1 البقرة: 125 2 البقرة: 130-132 3 في المخطوط والمطبوع "مهاجر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 نبيا اسمه أحمد, فمن آمن به فقد اهتدى ورشد, ومن لم يؤمن به فهو ملعون, فأسلم سلمة, وأبى مهاجر, فنزلت. انتهى.   في المطبوع: "أبو". ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" (1/147) ونسبه لمقاتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 السابعة والعشرون: التعبّد 1 بكشف العورات. قال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 2. قال بعض المفسرين: الفاحشة هنا: الفعلة القبيحة المتناهية في القبح, والتاء إما لأنها مجراة على الوصف المؤنث, أي: فعلى فاحشة, وإما للنقل من الوصفية إلى الاسمية, والمراد بها هنا: عبادة الأصنام, وكشف العورة في الطواف, ونجو ذلك. وعن الفراء تخصيصها بكشف العورة. وفي الآية حذف, أي: وإذا فعلوا فاحشة, فنهوا عنها قالوا: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها, محتجين بأمرين: بتقليد الآباء, والافتراء على الله3.   1 في المطبوع " المجاهرة" 2 الأعراف: 28-29 3 نقل المؤلف هذا التفسير من روح المعاني (8/106) بشيء من التصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وكان من سنة الحُمس1 أنهم لا يخرجون أيام المواسم إلى عرفات, إنما يقفون بمزدلفة, وكانوا لا يسلؤون, ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة, ولا يغزلون صوفا ولا وبرا, ولا يدخلون بيتا من الشعر والمدر, وإنما يكتنون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم, ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم, وأن يتركوا ثياب الحل, ويستبدلونها بثياب الحرم, إما اشتراء وإما عارية وإما هدية, فإن وجدوا وإلا طافوا البيت عرايا. وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك, غير أن المرأة كانت تطوف في مُفرّج القوائم والمواخير. قالت امرأة2 وهي تطوف بالبيت: اليوم يبدوا بعضه أو كله ... وما بذا منه فلا أحله أختم مثل القِعب باد ظلّه ... كأن حمّى خيبر تمُلّه وكلّفوا العرب أن يفيضوا من مزدلفة, وقد كانوا يفيضون من عرفة, إلى غير ذلك من الأمور التي ابتدعوها وشرعوها3, مما لم يأذن به الله.   1 الحمس: قريش وما ولدت, ومن كان مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة وجديلة قيس وبني كنانة إلا بني بكر, سموا بذلك لأنهم تحمسوا- أي: تشددوا- في دينهم, فكانوا يرون التزهد, وقيل: بل سموا بالكعبة, لأنها حمساء: حجرها أبيض يميل إلى السواد, والأول أشهر. انظر: "المعلم بفوائد مسل" للمازري (2/58) , "الروض الأنف" (1/229) , "فتح الباري" (3/603) . 2 هي ضباعة بنت عامر بن صعصعة, كما في "الروض الأنف" (1/134) . 3 في المطبوع "وتشرعوها" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ومع ذلك كانوا يدّعون أنهم على شريعة أبيه إبراهيم عليه السلام وما ذلك إلا لجهالتهم. وغالب من ينتمي إلى الإسلام اليوم ابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله, فمنهم من اتخذ ضرب المعازف وآلات اللهو عبادة يتعبّون بها في بيوت الله ومساجده. ومنهم من اتخذ الطواف على القبور والسفر إليها والنذور وأخلص عبادته وأفضل قرباته. ومنهم من ابتدع الرهبانية والحيل الشيطانية, وزعم أنه سلك سبيل الزهاد وطريق العباد, ومقصده الأعلى نيل شهواته الحيوانية والفوز بهذه الدنيا الدنية, إلى غير ذلك مما يطول, ولا يعلم ماذا يقول. إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم   في المخطوط " والقصد", وقد أثبت ما في المخطوط, لأنه أليق, إذ ليس كل قصد للقبور منهيا عنه, بخلاف السفر. هذا البيت لأبي العتاهية كما في ديوانه ص 309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الثامنة والعشرون: التعبّد بتحريم الحلال. فردّ الله تعالى ذلك عليهم بقوله في سورة الأعراف: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 1. ومعنى الآيات: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} , أي: ثيابكم لمواراة عوراتكم عند طواف أو صلاة. وسبب النزول: أنه كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة, حتى إن كانت المرأة لتطوف البيت عريانة, فتعلق على سفلها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر والدواب وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} مما طاب لكم2. قال الكلبي: كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتا, ولا يأكلون دسما في أيام حجهم, يعظمون بذلك حجهم, فقال   1 الأعراف: 31-33 2 مما طاب لكم" ساقط من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 المسلمون: يا رسول الله, نحن أحق بذلك, فأنزل الله تعالى- الآية1. وفيه يظهر وجه الأكل والشرب2 هنا. {وَلاَ تُسْرِفُواْ} بتحريم الحلال, كما هو المناسب لسبب النزول. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} بل يبغضهم, ولا يرضى أفعالهم. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من الثياب وكل ما يتجمل به, وخلقها لنفعهم من الثياب كالقطن والكتان والحيوان والحرير والصوف. {وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} أي: المستلذات, وقيل: المحللات من المآكل والمشارب كلحم الشاة وشحمها ولبنها. {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} , أي: هي لهم بالأصالة, لمزيد كرمهم على الله تعالى والكفرة, وإن شاركوهم فيها, فبالتبع, فلا إشكال في الاختصاص. {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} , أي: لا يشاركهم فيها غيرهم. {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} , أي: مثل تفصيلنا هذا الحكم, نفصّل سائر الأحكام لمن يعلم ما في تضامينها من المعاني الرائقة. {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} , أي: ما تزايد قبحه من المعاصي, ومنه ما يتعلق بالفروج. {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} : بدل من الفواحش, أي: جهرها وسرها. وعن البعض: {مَا ظَهَرَ} الزنى العلانية, {وَمَا بَطَنَ} الزنى سرا3,   1 ذكره البغوي في تفسيره (2/157) 2 في المطبوع: "الشراب" 3 وهذا أحد أقوال ابن عباس في الآية, وبه قال سعيج بن جبير, كما في " زاد المسير" (3/34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وكانوا يكرهون الأول, ويفعلون الثاني, فنهوا عن ذلك مطلقا. وعن مجاهد, {مَا ظَهَرَ} التعري في الطواف, {وَمَا بَطَنَ} الزنى. والبعض يقول: الأول: طواف الرجال بالنهار. والثاني: طواف النساء بالليل عاريات. {وَالإِثْمَ} , أي: ما يوجب الإثم, وأصله الذم, ثم أطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب, وذكر للتعميم بعد التخصيص بناء على ما تقدم من معنى الفواحش. ومنهم من قال: إن الإثم هو الخمر, وعليه أهل اللغة , وأنشدوا له قول الشاعر: نهانا رسول الله أن نقرب الزنى ... وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا وقول الآخر: شربت الإثم حتى ضل عقلي ... كذاك الإثم يذهب بالعقول   ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (3/34) وهذا اختيار البغوي في تفسيره (2/157) أنكر بعض أهل اللغة أن يكون الإثم من أسماء الخمر, انظر "اللسان": "أثم" , "تاج العروس": "أثم". أنشد هذا الشعر أبو حيان في البحر المحيط (4/292) ولم يذكر قائله. ذكر هذا البيت الأزهري في تهذيب اللغة: "أثم" , وابن فارس في معجم مقاييس اللغة (1/61) , وابن سيده في المحكم (10/187) , والجوهري في "الصحاح": "أثم" , وأبو هلال العسكري في التلخيص في معرفة أسماء الأشياء (2/502) , والزبيدي في التاج: "أثم", وأنشده ابن العربي في أحكام القرآن (2/784) , والقرطبي في تفسيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 التاسعة والعشرون: الإلحاد في أسمائه وصفاته. قال تعالى في سورة الأعراف: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. تفسير الآية: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} : تنبيه للمؤمنين على كيفية ذكره تعالى, وكيفية المعاملة مع المخالين بذلك الغافلين عنه سبحانه, وعما يليق بشأنه, إثر بيان غفلتهم وضلالتهم الطامة. {فَادْعُوهُ بِهَا} : إما من الدعوة بمعنى التسمية, كقولهم: دعوته زيدا, أو بزيد2, أي سميته, أو الدعاء بمعنى النداء, كقولهم: دعوت زيدا, أي: ناديته. {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} , أي: يميلون وينحرفون فيها عن الحق على الباطل, يقال: ألحد, إذا مال عن القصد والاستقامة, ومنه: لحد القبر, لكونه في جانبه بخلاف الضريح, فغنه في وسطه. والإلحاد في أسمائه- سبحانه- أن يسمى بلا توقيف فيه, أو بما يوهم معنى فاسدا, كنا في قول أهل البدو, يا أب المكارم, يا أبيض الوجه,   1 الأعراف: 180 2 في المطبوع: "يزيد" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 يا سخي, ونحو ذلك, فالمراد بترك المأمور به: الاجتناب عن ذلك, وبأسمائه ما أطلقوه عليه تعالى وسمّوه به على زعمهم, لا أسماؤه تعالى حقيقة, وعلى ذلك يحمل ترك الإضمار, بأن يقال: يلحدون بها1. وقال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 2. وهذه الآية في سورة الرعد. عن قتادة وابن جريج ومقاتل أن الآية نزلت في مشركي مكة لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب فيه علي رضي الله عنه: "بسم الله الرحمن الرحيم ", فقال سهل بن عمرو: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة3. ومنهم من قال: سمع أبو جهل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ألله يا رحمن" , فقال: إن محمدا ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعوا إلهين, فنزلت4. وعن بعضهم أنه لما قيل لكفار قريش: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} , قالوا: {وَمَا الرَّحْمَنُ} , فنزلت5.   1 روح المعاني (9/121) 2 الرعد: 30 3 ذكره الواحدي في أسباب النزول ص 273, وابن الجوزي في زاد المسير (4/329) , وابن كثير في تفسيره (2/515) 4 ذكر هذا الأثر البغوي في تفسيره (3/19) , وابن الجوزي في تفسيره (4/329) 5 ذكره البغوي في تفسيره (3/19) , والواحدي في أسباب النزول ص273, وابن الجوزي في زاد المسير (4/329) . ونسبوه لابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وقيل غير ذلك مما يطول. وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ. وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} 1. وهذه الآية إخبار أن أهل الجاهلية كانوا يلحدون في صفاته, كما كانوا يلحدون في أسمائه تعالى. أخرج أحمد2 والبخاري3 ومسلم4 والترمذي5 والنسائي6 وجماعة عن ابن مسعود , قال: " كنت مستترا7 بأستار الكعبة , فجاء ثلاثة نفر: قرشي وثقفيان, أو ثقفي وقرشيان, كثير لحم بطونهم, قليل فقه8 قلوبهم, فتكلموا بكلام لم أسمعه, فقال أحدهم: أترون الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إذا رفعنا أصواتنا يسمعه, وإذا لم نرفع لم   1 فصلت: 21-23 2 في مسنده: (1/381-408-426-442-443) 3 في صحيحه –كتاب التفسير- باب {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} (6/36) , وفي كتاب التوحدي باب قول الله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} (8/207) 4 في صحيحه – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- (4/50) ح 2775 5 في جامعه- كتاب التفسير – باب ومن سورة حم السجدة (5/375 ح 3248-3249.) 6 في السنن الكبرى – كتاب التفسير- قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} (6/451 ح 11468) 7 في المطبوع " مستندا" 8 في المطبوع "عفة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 يسمع , فقال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله, قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ .... } إلى قوله: {مِنَ الْخَاسِرِينَ} . فهذا هو الإلحاد في الصفات. وأنت تعلم أن ما عليه أكثر المتكلمين المسلمين من الإلحاد في الأسماء والصفات فوق ما كان عليه أهل الجاهلية, فسموا الله بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان, ومنهم من قال: ليس لله صفات قامت به, ومنهم من قال: صفاته ليس عين ذاته ولا غيره, ومنهم من قال: إن صفاته غيره, ومنهم من قال: إن الله لم يتكلم بالكتب التي أنزلها, وأثبتوا له الكلام النفسي, وأنه لم يكلم أحدا من رسله, إلى غير ذلكمن الإلحاد الذي حشوا به كتبهم, وملؤوها من الهذيان, وطنوا أن الآية مختصة بأهل الجاهلية, وما دروا أنهم الفرد الكامل لعمومها. ومن بصره الله تعالى ونوّر قلبه, أعرض عن أخذ عقائده من كتب هؤلاء الطوائف, وتلقى معرفة إلهه من كتب السلف المشتملة على نصوص الكتاب والسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الثلاثون: نسبة النقائص إليه سبحاته كالولد والحاجة, فإن النصارى قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} 1 , وطائفة من العرب قالوا: الملائكة بنات الله, وقوم من الفلاسفة قالوا بتوليد العقول, وقوم من اليهود قالوا: العزيز ابن الله وغير ذلك. وقد نزّه الله نفسه عن كل ذلك ونفاه: بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2 وبقوله: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 3. وقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ. بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 4. وهو يعم جميع الأنواع التي تذكر في هذا الباب عن بعض الأمم, كما أن ما نفاه من اتخاذ الولد يعمّ ايضا جميع أنواع الاتخاذات, لا اصطفاؤه   1 التوبة: 30 2 الإخلاص: 1-4 3 الصافات: 151-152 4 الأنعام: 100-101 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} 1. قال السدي: قالوا: إن الله تعالى أوحى إلى إسرائيل: إن ولدك بكري من الولد, فأدخلهم النار, فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم, ثم ينادي مناد: أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل2. وقد قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ} 3 وقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} 4. وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 5. {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ6. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ   1 المائدة: 18 2 أخرجه ابن جرير بنحوه في تفسيره (6/64) , وذكره لن كثير في تفسيره (2/35) , وزاد نسبته لابن أبي حاتم, وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (2/318) , والقرطبي في تفسيره (6/120) . 3 المؤمنون:91 4 الإسراء: 111 5 الفرقان: 1-2 6 في المخطوط "يعلمون" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} 1. وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَلَهُ 2 مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} 3. إلى قوله: {وَيَجْعَلُونَ4 لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً} 5 إلى قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} 6. وقال الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً. أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً. وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً. قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 7. وقال: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ. فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ. مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ. إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} 8. وقال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ   1 الأنبياء: 26-29 2 الواو ساقطة من المخطوط, وهو خطأ 3 النحل: 51-52 4 في المطبوع "وتجعلون" وهو خطأ. 5 النحل: 56 6 النحل:57 7 الإسراء:39-43 8 الصافات: 149-163 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الْأُنثَى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى. إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} 1. إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} 2. وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} 3. قال بعض المفسرين: {جُزْءاً} , أي: نصيبا وبعضا4. وقال بعضهم: جعلوا لله نصيبا من الولد 5. وعن قتادة6 ومقاتل: عِدلا. وكلا القولين صحيح, فإنهم يجعلون له ولدا والولد يشبه أباه. ولهذا قال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّ اً} 7, أي: البنات كما قال في الآية الأخرى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى} 8. فقد جعلوها للرحمن مثلا, وجعلوا هـ من عباده جزءا, فإن الولد جزء من الوالد, فقال صلى الله عليه وسلم: "إن فاطمة بضعة مني"9.   1 النجم: 19-23 2 النجم:27 3 الزخرف: 15 4 انظر: "النكت والعيون" للماوردي (5/219) , وتفسير البغوي (4/135) 5 انظر زاد المسير (7/305) 6 أخرجه عن عبد الرزاق في تفسيره (2/195) , وابن جرير في تفسيره, وذكره السيوطي في الدر المنثور (6/15) , وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن عبد المنذر. 7 الزخرف:17 8 النحل: 58, وقد ذكر في المطبوع تما الآية. 9 جاء في اللفظ في عدة أحاديث, منها ما أخرجه مسلم في صحيحه-كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم (4/1903) ح 2449 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وقوله في الأنعام: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1. قال الكلبي: "نزلت في الزنادقة, قالوا: إن الله وإبليس شريكان, فالله خالق النور والناس والدواب والأنعام2, وإبليس خالق الظلمة والسباع والحياة والعقارب"3. وأما قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} : فقيل: هو قولهم: الملائكة بنات الله, وسمّي الملائكة جنا, لاختفائهم عن الأبصار, وهو قول مجاهد وقتادة4. وقيل: قلوا لحي من الملائكة يقال لهم: الجن, ومنهم إبليس: هم5 بنات الله6. وقال الكلبي: قالوا-لعنهم الله- بل بذور يخرج منها الملائكة. وقوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} : قال بعض المفسرين: هم كفار العرب, قالوا: الملائكة والأصنام بنات الله, واليهود قالوا: عزير ابن الله7. والذين كانوا يقولون من العرب: إن الملائكة بنات الله, وما نقل عنهم   1 الأنعام: 100 2 "والأنعام" ساقطة من المطبوع. 3 ذكر هذا الأثر البغوي في تفسيره (2/119) , والواحدي في أسباب النزول ص221, وابن الجوزي في زاد المسير (3/96) 4 ذكره البغوي في تفسيره (4/44) 5 في المخطوط "وهم". 6 ذكره البغوي في تفسيره (4/44) ونسبه لابن عباس. 7 وهذا القول السدي كما في الدر المنثور (3/73) وعزاه لابن أبي حاتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من أنه صاهر الجن, فولدت الملائكة, فقد نفاه عنه بامتناع الصاحبة, وبامتناع أن يكون منه جزء, فإنه صمد. وقوله: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} , وهذا لأن الولادة لا تكون إلا من أصلين, سواء في توالد الأعيان- وتسمى الجواهر- وتولّد الأعراض والصفات, بل لا يكون تولد الأعيان إلا بانفصال جزء من الوالد , فإذا امتنع أن تكون له صاحبة, امتنع أن يكون له ولد, وقد علموا كلهم أن لا صاحبة له, ولا من الملائكة, ولا من الجن, ولا من الإنس, فلم يقل أحد منهم: إن له صاحبة, فلهذا احتج بذلك عليهم, وما حكي عن بعض كفار العرب أنه صاهر الجن, فهذا فيه نظر, وذلك إن كان قد قيل, فهو مما يعلم انتفاؤه من وجوه كثيرة, وكذلك ما قالته النصارى من أن المسيح ابن الله, وما قاله طائفة من اليهود أن العزير ابن الله, فإنه قد نفاه سبحانه بهذا وهذا. وتمام الكلام في هذا المقام في كتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" , و" تفسير سورة الإخلاص" وغيرهما من كتب شيخ الإسلام تقي الدين-قدس الله روحه-.   في المطبوع "الولد", وما ذكرته موافق لما ذكره شيخ الإسلام في تفسير سورة الإخلاص (17/272) في المطبوع " بهذا". (3/202-212) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (17/268-276) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الحادية والثلاثون: تنزيه المخلوق عما نسبوه للخالق, مثل: تنزيه أحبارهم عن الولد والحاجة, لأنهم يقولون: إن الراغبين في استحصال الكمالات كالرهبان وأضرابهم يترفّعون عن أن يتدنسوا بدناءة التمتع بالنساء, اقتداء بالمسيح عليه السلام0 فانظر إلى سخافة العقول وما قادهم إليه ضلالهم حتى تعرضوا على سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم في زواجه. وما أحسن ما قاله الفاروقي ردا على بعض أحبار النصارى: قل للفرسنل قدوة الرهبان ... الجاثليق1 البترك الرباني أنت الذي زعم الزواج نقيصة ... ممن حماه الله عن نقصان ونسيت تزويج الإله بمريم ... في زعم كل مثلث نصراني2   1 الجاثليق- بفتح الثاء المثلثة-: رئاسة دينية للنصارى في بلاد المسلمين. انظر: "معجم المصطلحات والألقاب التاريخية" مصطفى الخطيب ص117. 2 ذكر هذه الأبيات نعمان الألوسي في "الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح" (1/512) ونسبها للفاروقي. والفسنل الذي ذكره الفروقي كان من مشهوري مدرسي النصارى, ورد بغداد عام 1269هـ, وأورد على محمد الألوسي والد نعمان أسئلة كان من ضمنها سؤاله عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم وزعمه أن ذلك ينافي الكمال, فأجابه الألوسي بأجوبة مسكتة. انظر: " الجواب الفسيح" (1/511-512) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ومن جعل من العرب الملائكة بنات الله, كان يأنف منهن, وسنّ وأدهنّ وقتلهن, ونسبوا لله ما يكرهون. والمقصود أن هذه المقالات وأشباهها منشؤها الجهل بما جاءت به الرسل, وعدم تحكيم العقل, وإلا فأهل البصائر لا يتطرق إليهم هذا الخلل, والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الثانية والثلاثون: القول بالتعطيل, كما كان يقوله آل فرعون. والتعطيل: إنكار أن يكون للعالم صانع , كما قال فرعون لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} , ونحو ذلك. ولم يخل العلم عن مثل هذه الجهالات في كل عصر من العصور. وأبناء هذا الزمان –إلا النادر- على هذه العقيدة الباطلة, ولو نظروا بعين الإنصاف والتدبر, لعلموا أن كل موجود في العالم يدل على خالقه وبارئه: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ومن أين للطليعة إيجاد مثل هذه الدقائق التي نجدها في الآفاق والأنفس, وهي عديمة الشعور لا علم لها ولا فهم؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.   انظر في التعطيل وأنواعه: الجواب الكافي لابن القيم ص 153 القصص: 38 هذا البيت لأبي العتاهية كما في ديوانه ص 62 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الثالثة والثلاثون: الشِركة في الملك, كما تقوله المجوس. والمجوس أمة تعظم الأنوار والنيران والماء والأرض, ويقرون بنبوة زرادشت, ولهم شرائع يصيرون إليها. وهم فرق شتى: منهم المزدكية أصحاب مزدك الموبَذ. والموبذ1-عندهم-: العالم القدوة, وهؤلاء يرون الاشتراك في النساء والمكاسب كما يشترك في الهواء والطرق وغيرها. ومنهم الخُرّمية: أصحاب بابك الخرمي2, وهم شر طوائفهم,   1 وهو رجل إباحي, ظهر زمان قباذ وادعى النبوة, ثم دعا الناس إلة الاشتراكية في كل شيء, وإلى الإباحية, لأنه زعم أن أكثر ما يقع بين الناس من البغضاء والمخالفة إنما سببه النساء والأموال وجعل الناس فيها شركاء, فأجابه قباذ ثم قتله أنو شروان. انظر: تاريخ اليعقوبي (1/164) , تاريخ ابن جرير (2/92-93) , الفهرست للنديم ص: 406, الفصل (2/274) , الملل والنحل (1/249) , البدء والتاريخ (3/167-168) , تلبيس إبليس ص:88, الكامل في التاريخ (1/241-242) , اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص:89, المختصر في أخبار البشر (1/51) , تاريخ ابن خلدون (2/176) , أخبار الدول وآثار الأول للقرماني (3/152) . 2 بابك الخرمي: من مجوس فارس, ادعى الإسلام, وتسمى بالحسن والحسين= وخرج في بعض الجبال بناحية أذربيجان أيام المعتصم العباسي, وتآمر معه أحد أبناء ملته وهو الإفشين قائد جند المعتصم, وخافه الناس, واشتدت وطأته على المسلمين, وطالت أيامه, حتى تمكن المعتصم من أسره ثم صلبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 لا يقرون بصانع ولا معاد ولا نبوة ولا حلال ولا حرام. وعلى مذهبهم طوائف القرامطة1 والإسماعيلية2 والنصيرية3   1 القرامطة: إحدى طوائف الباطنية, وتنسب إلى رجل اسمه "حمدان قرمط", وقيل: بل تنسب إلى رئيس لهم يلقب "قرموطية" , لهم بدع كثيرة منها: القول بنبوة عبد الله بن الحارث الكندي وعبادته, والقول بتناسخ الأرواح, وكان لهم دولة في الأحساء. انظر في شأنها: "مقالات الإسلاميين" (1/100) , " التنبيه والرد" للمطلطي ص 20, "فرق الشيعة" للتنوخي ص72, "التبصير في الدين" للإسفراييني ص141, "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" ص79, "البرهان" للسكسكي ص80, "مختصر التحفة الاثني عشرية" ص18. 2 الإسماعلية: إحدى فرق الباطنية, تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق, الذي مات في حياة والده, لهم بدع كثيرة, منها تأليه أئمتهم, والقول بالتناسخ, والحلول, وهي من الفرق الباطنية التي لا تزال موجودة. انظر في شأنها: "مقالات الإسلاميين" (1/100) , " التنبيه والرد" ص 141, "فرق الشيعة" ص 68. " الفرق بين الفرق: (1/192) , "الاعتقادات" ص54, "البرهان" ص81, مذاهب الفرق لليافعي. 3 النصيرية: إحدى فرق الباطنية, تنسب إلى نصير مولى علي بن أبي طالب, وقيل: إلى ابن نصير, وقيل: إلى أبي شعيب محمد بن نصير مولى الحسن العسكري, لهم بدع كثيرة منها: القول بالباطن, والقول بحلول الإله في علي وبنيه, وهي من الطوائف التي لا تزال موجودة. انظر في شأنها: "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم (50) , الملل والنحل (1/188) , "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" ص 61, " البرهان" ص 67, " مذاهب الفرق الثنتين والبعين فرقة" ص 122, " مختصر التحفة الاثني عشرية" ص 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 والكيسانية والزرارية والحاكمية وسائر العبيدية الذين يسمون أنفسهم "الفاطمية", فكل هؤلاء يجمعهم هذا المذهب, ويتفاوتون في التفصيل. فالمجوس شيوخ هؤلاء كلهم وأئمتهم وقدوتهم, وإن كان المجوس قد يتقيدون بأصل دينهم ومذهبهم, وهؤلاء لا يتقيدون بدين من ديانات العالم ولا شريعة من شرائعه.   الكيسانية: إحدى طوائف الرافضة الضالة, تنسب على كيسان, وقد اختلف في كيسان من يكون؟ فقيل: إنه مولى لأمير المؤمنين علي, وقيل: هو لقب للمختار بن أبي عبيد الثقفي, وقيل: لقب لمحمد بن الحنفية, لهم بدع كثيرة, منها الغلو في محمد بن الحنفية, وتأليهه, ومنها القول بالتناسخ, والحلول, والرجعة –قبل القيامة- بعد الموت, وتأويل الشريعة. انظر في شأنها: " مقالات الإسلاميين" (1/102) , "الفرق بين الفرق" ص70. " التبصير في الدين" ص 30, الملل والنحل (1/147) , " البرهان" ص 70, " مذاهب الفرق" ص 119, " خبيئة الأكوان" لصديق حسن خان ص 30. الزرارية: إحدى طوائف الروافض, ويدعون "التيمية", وهم أتباع زرارة بن أعين, لهم بدع كثيرة, منها: الغلو في الأئمة وتأليههم, والقول بحدوث صفات الله, وأنها كصفات الأجسام. انظر في شأنها: " مقالات الإسلاميين" (1/102) , "الفرق بين الفرق" ص70. " التبصير في الدين" ص 40,121 "مختصر التحفة الاثني عشرية" ص 17. في المطبوعة "الحكمية" والحاكمية: هي طوائف الدروز, وهي من الطوائف الباطنية, وتنسب إلى الحاكم العبيدي المتسمى " الحاكم بأمر الله", لهم بدع كثيرة, منها: القول بتأليه الحاكم, وأن للشريعة باطنا وظاهرا, والأخذ بدين المجوس, وهي من الطوائف التي لا تزال موجودة. انظر في شأنها: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (34/161-162) , "تاريخ المذاهب الإسلامية" لأبي زهرة, "أضواء على العقيدة الدرزية , لأحمد الفوزان, "عقيدة الدروز", دز محمد الخطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الرابعة والثلاثون: إنكار النبوات, وكانوا يقولون: ما حكى الله عنهم قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ1 كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} 2. وتفسير هذه الآية: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ} شروع في تقرير أمر النبوة, وبعد ما حكى الله –سبحانه- عن إبراهيم عليه السلام, أنه ذكر دليل التوحيد وإبطال الشرك, وقرر سبحاه ذلك بأوضح الدليل3 وبأوضح وجه. {حَقَّ قَدْرِهِ} , أي: حق معرفته4. وعن بعضهم: ما عظموا الله حق تعظيمه5, إذ قالوا منكرين لبعثه   1 قوله تعالى: {يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ} كذا في المخطوط, وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. انظر: "المبسوط في القراءات العشر" لابن مهران ص 172. 2 الأنعام: 90-91. 3 في المطبوع: "بأفصح الدليل". 4 وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنى كما في: "مجاز القرآن" (1/200) , وانظر: "النكت والعيون" (2/141) , و" زاد المسير" (3/83) . 5 وهذا قول ابن عباس كما في زاد المسير (3/83) , وأبي مالك أخرجه عنه أبو حاتم في تفسيره (4/1341) , من طريق السدي, وهو قول الحسن كما في "نكت العيون" (2/141) , و "زاد المسير" (3/83) , والفراء في معاني القرآن (1/343) , والزجاج في معاني القرآن وإعرابه (2/271) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الرسل وإنزال الكتب, كافرين بنعمة الله الجليلة فيهما: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} , أي: شيئا من شيء. واختلف في قائلي ذلك القول الشنيع: فعن مجاهد أنهم مشركو قريش. والجمهور على أنهم اليهود , ومرادهم من ذلك الطعن في رسالته صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة. فقيل لهم على سبيل الإلزام {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} , فإن المراد أنه تعالى قد أنزل التوراة على موسى عليه السلام, ولا سبيل لكم لإنكار ذلك, فلم لا تجوزون إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؟. والكلام في إثبات النبوة مفصل في غير هذا الموضع. والمقصود أن إنكارها من سنن الجاهلية ومعارفهم , وفي الناس اليوم كثير ممن هو على شاكلتهم ومعوج طريقتهم.   أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4/1341) , وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (3/39) . انظر: تفسير البغوي (1/115) " ومعارفهم" ساقط من المطبوع. "اليوم" ساقط من المخطوط. في المطبوع " طريقهم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الخامسة والثلاثون: جحود1 القدر, والاحتجاج به على الله تعالى ومعارضة شرع الله بقدر الله. وهذه المسألة من غوامض مسائل الدين, والوقوف على سرها عسر إلا على من وفقه الله تعالى. ولابن القيم كتاب جليل في هذا الباب سمّاه "شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل". وقد أبطل الله سبحانه هذه العقيدة الجاهلية بقوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ2 شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 3. تفسير هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} : حكاية لفن آخر من أباطيلهم.   1 في المخطوط "حجة" , والتصويب من النسخ الخطية لمسائل الجاهلية 2 في المخطوط "ولو" وهو خطأ. 3 الأنعام: 148-149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} : لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح, إذ لم اعتقدوا قبح أفعالهم, بل هم –كما نطقت به الآيات- يحسبون أنهم يحسنون صنعا, ,أنهم إنما يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى, وأن التحريم إنما كان من الله عز وجل, فما مرادهم بذلك إلا الاحتجاج على أن ما ارتكبوه حق مشروع ومرضي عند الله تعالى على أن المشيئة والإرادة تساوي الأمر, وتستلزم الرضى1, كما زعمت المعتزلة2, فيكون حاصل كلامهم: أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم وغيرهما تعلقت به مشيئة الله سبحانه وإرادته, فهو مشروع مرضي عند الله تعالى. وبعد أن حكى الله سبحانه وتعالى ذلك عنهم, رد عليهم بقوله عز من قائل: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} , وهم أسلافهم المشركون. وحاصله أن كلامهم يتضمن تكذيب الرسل عليهم السلام. وقد دلت المعجزة على صدقهم.   1 انظر: "المغني في أبواب العدل والتوحيد" للقاضي عبد الجبار (6/القسم الثاني/ ص 51-54) . 2 المعتزلة: فرقة ظهرت في الإسلام أوائل القرن الثاني: وسلكت منهجا عقليا متطرفا في بحث العقيدة الإسلامية, لهم بدع كثيرة, منها ما ابتدعوه من أصولعم الخمسة: التوحيد, والعدل, والوعد والوعيد, والمنزلة بين المنزلتين. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهم فرق شتى. انظر في شأنها "مقالات الإسلاميين (1/235) , والتنبيه والرد ص 35, والفرق بين الفرق ص 114, والملل والنحل للبغدادي ص 183, والفصل (5/57) , التبصير في الدين ص 63, والملل والنحل (1/43) , اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 38, البرهان ص 49, مذاهب الفرق: ص 49, خبيئة الأكوان ص 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أو نقول: حاصله: أن ما شاء الله يجب, وما لم يشأ يمتنع, وكل ما هذا شأنه فلا تكليف به, لكونه مشروطا بالاستطاعة, فينتج: أن ما ارتكبه من الشرك وغيره, لم يكلف بتركه, ولم يبعث له نبي, فرد الله تعالى عليهم بأن هذه كلمة صدق أريد به باطل, لأنهم أرادوا بها أن الرسل عليهم السلام, في دعواهم البعثة والتكليف كاذبون, وقد ثبت صدقهم بالدلائل القطعية, ولكون1 ذلك صدقا أريد به باطل, ذمهم الله تعالى بالتكذيب. ووجوب وقوع متعلق المشيئة لا ينافي صدق دعوى البعثة والتكليف, لأنهما لإظهار المحجة وإبلاغ الحجة. {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} , أي: نالوا عذابنا الذي أنزلناه عليهم بتكذيبهم, وفيه إيماء على أن لهم عذابا مدخرا عند الله تعالى, لأن الذوق أول إدراك الشيء. {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} , أي: هل لكم من علم بأن2, الإشراك وسائر ما أنتم عليه مرضي لله- فتظهروه لنا بالبرهان؟. وهذا دليل على أن المشركين أمم استوجبوا التوبيخ على قولهم ذلك, لأنهم كانوا يهزؤون بالدين, ويبغون رد دعوة الأنبياء عليهم السلام, حيث قرع مسامعهم من شرائع الرسل عليهم السلام تفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى, فحين طالبوهم بالإسلام, والتزام الأحكام, احتجوا عليهم بما أخذوه من كلامهم مستهزئين بهم-عليهم الصلاة والسلام-, ولم يكن غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم, كيف لا والإيمان بصفات   1 في المطبوع: "ولكونه" 2 في المخطوط: أي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الله تعالى فرع الإيمان به عز وجل وهو عنهم مناط العيُّوق1. {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ} , أي: تكذبون على الله تعالى. {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} , أي: البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة والإثبات, والمراد بها في المشهور: الكتاب والرسول والبيان. {فَلَوْ2 شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} : بالتوفيق إليها, والحمل عليها, ولكن شاء هداية البعض الصارفين اختيارهم إلى سلوك طريق الحق, وضلال آخرين صرفوه إلى خلاف ذلك. ومن الناس من ذكر وجها آخر في توجيه ما في الآية, وهو أن الرد عليهم إنما كان لاعتقادهم أنهم مسلمون اختيارهم وقدرتهم, وأن إشراكهم إنما صدر منهم على وجه الاضطرار, وزعموا أنهم يقيمون الحجة على الله تعالى قولهم في دعواهم عدم الاختيار لأنفسهم, وشبههم بمن اغتر قلبه بهذا الخيال, فكذب الرسل, وأشرك بالله عز وجل, واعتمد علة أنه إنما ذلك بمشيئة الله تعالى ورام إفحام الرسل بهذه الشبهة. ثم بين سبحانه أنهم لا حجة لهم في ذلك, وأن الحجة البالغة له تعالى لا لهم, ثم أوضح سبحانه أن كل واقع واقع بمشيئته, وأنه   1 العيوق: كوكب أحمر مضيء, بحيال الثريا من ناحية الشمال, ويطلع قبل الجوزاء, سمي بذلك لأنه عيوق الدبران عن لقاء الثريا. "لسان العرب" عيق. 2 في المخطوط "ولو" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لم يشأ منهم إلا ما صدر عنهم, وأنه تعالى لو شاء منهم الهداية لاهتدوا أجمهون.1 والمقصود أن يتمحض وجه الرد عليهم, وتتلخص عقيدة نفوذ المشيئة2 وعموم تعلقها3 بكل كائن عن الرد, وينصرف الرد إلى دعواهم سلب الاختيار لأنفسهم, وأن إقامتهم الحجة بذلك خاصة. وإذا تدبرت الآية وجدت صدرها دافعا لصدور الجبرية, وعجزها معجزا للمعتزلة, إذ الأول مثبت أن للعبد اختيارا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان, والثاني مثبت نفوذ مشيئة الله تعالى في العبد, وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية, وبذلك تقوم الحجة البالغة4 لأهل السنة على المعتزلة, والحمد لله رب العالمين. ومنهم من وجه الآية بأن مرادهم رد دعوة الأنبياء عليهم السلام على معنى أن الله تعالى شاء شركنا, وأراده منا؟ , وأنتم تخالفون إرادته, حيث تدعونا إلى الإيمان, فوبخهم سبحانه بوجوه عدة5: منها: قوله سبحانه: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} , فإنه بتقدير الشرط, أي: إذا كان الأمر كما زعمتم {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة}   1 في المخطوط "أجمعون" 2 في المخطوط والمطبوع " السنة" والتصويب من " روح المعاني" الذي نقل المؤلف عنه تفسير الآيات. 3 في المخطوط والمطبوع "تغلغلها", والتصويب من روح المعاني. 4 " البالغ" ليست في المطبوع. 5 في المخطوط "عد" ولعل الصواب ما في المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وقوله سبحانه {فَلَوْ1 شَاءَ} بدل2 منه على سبيل البيان, أي: لو شاء لدلّ كلا منكم ومن مخالفيكم على دينه, لو كان الأمر كما تزعمون, لكان الإسلام أيضا بالمشيئة, فيجب أن لا تمنعوا3 المسلمين من الإسلام, كما وجب بزعمكم ألا يمنعكم الأنبياء عن الشرك, فيلزمكم أن لا يكون بينكم وبين المسلمين مخالفة ومعاداة, بل موافقة وموالاة. وحاصله: أن ما خالف مذهبكم من النحل يجب أن يكون عندكم حقا, لأنه مشيئة الله تعالى , فيلزم تصحيح الأديان المتناقضة. وفي سورة النحل: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 4. الكلام على هذه الآية كالكلام على الآية السابقة, ولا تراهم يتشبتون بالمشيئة إلا عند انخزال الحجة, ألا ترى كيف ختم بنحو آخر مجادلاتهم في سورة الأنعام في الآية السابقة, وكذلك في سورة الزخرف, وهو قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ. وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ. بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} 5.   1 في المخطوط "ولو" وهو خطأ. 2 في المطبوع "بدلا" 3 في المخطوط " يمنعوا" ولعل الأقرب ما أثبته, وهو الموافق لما في روح المعاني الذي نقل عنه المؤلف. 4 النحل: 35 5 الزخرف: 19-22 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ويكفي في الانقلاب ما يشير إليه قوله سبحانه: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} , والمراد بما حرموه: السوائب والبحائر وغيرها. وفي تخصيص الاشتراك والتحريم بالنفي, لأنهما أعظم وأشهر ما هم عليه, وغرضهم من ذلك تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام, والطعن في الرسالة أصلا, فإن حاصله: أي ما شاء الله يجب, وما لم يشأ يمتنع, فلو أنه سبحانه وتعالى شاء أن نوحده ولانشرك به شيئا ونحلل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا كما تقول الرسل وينقلونه من جهته تعالى, لكان الأمر كما شاء من التوحيد ونفي الإشراك, وتحليل ما أحله, وعدم تحريم شيء من ذلك, وحيث لم يكن كذلك, ثبت أنه لم يشأ شيئا من ذلك, بل شاء ما نحن عليه, وتحقق أن ما يقوله الرسل عليهم السلام من تلقاء أنفسهم. فرد الله تعالى عليهم بقوله: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم, أي: أشركوا بالله تعالى, وحرموا من دونه ما حرموا, وجادلوا رسلهم بالباطل ليدحضوا به الحق. {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} , أي: ليست وظيفتهم إلا البلاغ للرسالة, الموضح طريق الحق, والمظهر أحكام الوحي التي منها تحتم تعلق مشيئته تعالى باهتداء من صرف قدرته واختياره إلى تحصيل الحق, لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} 1. وأما إلجاؤهم إلى ذلك, وتنفيذ قولهم عليه شاؤوا أو أبوا كما هو مقتضى استدلالهم, فليس ذلك من وظيفتهم, ولا من الحكمة التي يتوقف   1 العنكبوت: 69 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 عليها التكليف, حتى يستدل بعدم ظهور آثاره على عدم حقية الرسل عليهم السلام أو على عدم تعليق مشيئته تعالى بذلك, فإن ما يترتب عليه الثواب والعقاب من الأفعال لا بد في تعلق مشيته تعالى بوقوعه من مباشرتهم الاختيارية, وصرف اختيارهم الجزئي إلى تحصيله, إلا لكان الثواب والعقاب اضطراريين. والكلام على هذه الآية ونحوها مستوفى في تفسير " روح المعاني" وغيره. فجحود القدر, والاحتجاج به على الله, ومعارضة شرع الله بقدره, كل ذلك من ضلالات الجاهلية. والمقصود أنه لا جبر ولا تفويض, ولكن أنر بين أمرين, فمن زلت قدمه عن هذه الجادة كان على ما كان عليه أهل الجاهلية, وهي الطريقة التي رد عليها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.   في المطبوع "حقيقة" (/851-53) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 السادسة والثلاثون: مسبة الدهر, كقولهم في سورة الجاثية1: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 2. وذلك أن الله تعالى أراد بيان أحكام ضلالهم, والختم على سمعهم وقلوبهم, وجعل غشاوة على أبصارهم, فحكى عنهم ما صدر عنهم بقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} التي نحن فيها. {نَمُوتُ وَنَحْيَا} , أي: تموت طائفة, وتحيا طائفة, ولا حشر أصلا. ومنهم من قال: إن كثيرا من عباد الأصنام كان يقول بالتناسخ3, وعليه, فالمراد بالحياة: إعادة الروح لبدن آخر. {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} , أي: طول الزمان. وإسنادهم الإهلاك إلى الدهر إنكار منهم لملك الموت وقبضه الأرواح   1 في المخطوط "الأحقاف" وهو خطأ. 2 الجاثية: 24. 3 عرف الجرجاني التناسخ بقوله في التعريفات ص 72,: "هو عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر, من غير تخللزمان بين التعلقين للتعشق الذاتي بين الروح والجسد". وانظر فيما ينقل عن القول بالتناسخ لدى العرب: " المحلل والنحل" (2/273) , "في الفكر الديني الجاهلي قبل الإسلام" دز محمد الفيومي 241-242. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 بأمر الله تعالى, وكانوا يسندون الحوادث مطلقا إليه, لجهلهم أنها مقدّرة من عند الله تعالى وأشعارهم لذلك مملؤة من شكوى الدهر, مثل قولهم: أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغاداة ومر العشي1 ومثل قول الآخر: منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي2 وقول الآخر: رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبالي وكنت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال3 والشعر في ذلك قديما وحديثا كثير. وهؤلاء معترفون بوجود الله تعالى, فهم غير الدهرية, فإنهم- مع إسنادهم الحوادث إلى الدهر- لا يقولون بوجوده –سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. والكل يقول باستقلال الدهر بالتأثير.   1 هذا البيت مع أبيات أخرى ذكرها ابن قتيبة في " الشعر والشعراء" (1/502) , وأبو تمام في " الحماسة" مع شرح التبريزي, والمبرد في " الكامل" (2/156) , وابن عبد ربه في " العقد الفريد" (3/188) , والعباسي في "معاهد التنصيص" (1/73) , والبغدادي في " خزانة الأدب" (2/160) , ونسبوها إلى الصلتان العبدي, وذكرها الجاحظ في " الحيوان" 3 (477/) , ونسبها إلى الصلتان السعدي, وقال: هو غير الصلتان العبدي. 2 ذكره ابن عساكر في " تاريخ دمشق" (11/19) , والزمخشري في " ربيع الأبرار" (1/127) , ونسباه إلى تبع, وذكره أبو هلال العسكري في " الصناعتين" ص 222 ونسبه إلى بعض ملوك اليمن. 3 هذان البيتان للمتنبي وهما في ديوانه ص 265. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وقد جاء النهي عن سب الدهر. أخرج مسلم1: " لا يسب أحدكم الدهر, فإن الله هو الدهر". وفي رواية لأبي داود2 والحاكم3: "قال الله عز وجل: "يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر, فلا يقل أحدكم يا خيبة الدهر, فإني أنا الدهر, أقلب ليلة ونهاره". وروى الحاكم4 -أيضا-: " يقول عز وجل: استقرضت عبدي فلم يقرضني, وشتمني عبدي وهو لا يدري, يقول: وادهراه! وأنا الدهر". وروى البيهقي 5: " لا تسبوا الدهر, قال الله عزو جل: أنا الأيام والليالي, أجددها وأبليها, وآتي بملوك بعد ملوك". ومعنى ذلك أن الله تعالى هو الآتي بالحوادث, فإذا سببتم الدهر على أنه فاعل, وقع السب على الله عز وجل   1 في "صحيحه" كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها – باب كراهية تسمية العنب كرما- (4/1769) ح2247. 2 في سننه –كتاب الأدب- باب الرجل يسب الدهر, (5/423) ح5274, ولفظه عنده: "يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر, وأنا الدهر, بيدي الأمر, أقلب الليل والنهار". 3 في "مستدركه" –كتاب التفسير- باب تفسير سورة حم الجاثية (2/543) , وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا". 4 في "مستدركه" –كتاب التفسير- باب تفسير سورة حم الجاثية (2/543) , وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة". 5 في السنن الكبرى (3/365) , وفي شعب الإيمان (3/316) ح و (4/316) ح, وأحمد في مسنده (2/496) , قال الهيثمي في " مجمع الزوائد" (8/71) : "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح" وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري (10/565) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} , أي: ليس لهم بما ذكر من قصر الحياة على ما في الدنيا ونسبة الهلاك إلى الدهر علم مستند من عقل أو نقل. {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} , أي: ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن والتقليد من غير أن يكون لهم ما يصح أن يتمسك به في الجنلة. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما يتعلق بالدهرين. والمقصود أن كمن يقول بإسناد الحوادث إلى غير الله تعالى كالدهر, فليس له مستند عقلي ولا نقلي, بل هو محض الجهل, وقائله جاهل في أي عصر كان. ولأهل زماننا حظ وافر من هذا الاعتقاد الباطل, والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 السابعة والثلاثون: إضافة نعم الله إلى غيره. قال الله تعالى في سورة النحل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} .1 وقد عدّد الله تعالى نعمه على عباده في هذه السورة, إلى أن قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ. يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} 2. فقوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ... } إلخ, استئناف لبيان أن تولي المشركين وإعراضهم عن الإسلام, ليس لعدم معرفتهم نعمة الله سبحانه وتعالى –أصلا, فإنهم يعرفون أنها من الله تعالى, ثم ينكرونها بأفعالهم, حيث لم يفردوا منعمها بالعبادة, فكأنهم لم يعبدوه- سبحانه وتعالى- أصلا, وذلك كفران منزل منزلة الإنكار.   1 النحل: 83 2 النحل: 81-83 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه قال: "إنكارهم إياها قولهم: ورثناها من آبائنا"1. وأخرج هو وغيره أيضا عن عون بن عيد الله أنه قال: "إنكارهم إياها أن يقول الرجل: لولا فلا أصابني كذا وكذا, ولولا فلان لم أصب كذا وكذا"2. وفي لفظ " إنكارهم: إضافتها إلى الأسباب". وبعضهم يقول: إنكارهم: قولهم: هي بشفاعة آلهتهم عند الله تعالى3. ومنهم من قال: النعمة هنا محمد صلى الله عليه وسلم4, أي: يعرفون أنه عليه الصلاة والسلام نبي بالمعجزات, ثم ينكرون ذلك, ويجحدونه عنادا. {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} , أي: منكرون بقلوبهم, غير المعترفين بما ذكر, والتعبير بالأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق, لنقصان عقله, وعدم اهتدائه إليه, أو لعدم نظره في الأدلة نظرا يؤدي إلى   1 أخرجه ابن جرير في تفسيره بنحوه (14/158) , وذكره السيوطي في الدر المنثور (4/126) , وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم. 2 أخرجه ابن جرير في تفسيره بنحوه (14/158) , وذكره السيوطي في الدر المنثور (4/127) , 3 هذا قول الكلبي, كما ذكر ذلك البغوي في معالم التنزيل (3/80) , وابن الجوزي في زاد المسير (4/479) , وقول الفراء كما في معاني القرآن (2/112) , وابن قتيبة كما في زاد المسير (4/479) . 4 هذا قول الفراء كما في معاني القرآن (2/112) , وقول ابن قتيبة كما في زاد المسير (4/479) , وعزاه ابن جرير في تفسيره (14/157) إلى السدي, وذكره السيوطي في الدر المنثور (4/127) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 المطلوب, أو لأنه لم تقم عليه الحجة, لكونه لم يصل إلى حد المكلفين, لصغر أو نحوه, وإما لأنه يقام مقام الكل, فإسناد المعرفة والإنكار المتفرع عليها إلى ضمير المشركين على الإطلاق من باب إسناد حال البعض إلى الكل. ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى في سورة الواقعة: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} , أي: تقولون مطرنا بنء كذا وكذا. روى مسلم وغيره عن ابن عباس, قال: "مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عليه الصلاة والسلام: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر, قالوا هذه رحمة وضعها الله, وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا, فنزلت هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ .... } حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ". إلى غير ذلك من الآثار. وقد ذكرنا مذهب العرب في الأنواء في غير هذا الموضع , وفصلناه تفصيلا, وذكنا شعرهم الدال على مذهبهم هذا, والله الموفق   الواقعة: 81-82. الواقعة: 75-82 وذلك في كتاب " بلوغ الأرب". وانظر أيضا كتاب " القول في النجوم" للخطيب البغدادي, وكتاب: الأنواء ومواسم العرب لابن قتيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الثامنة والثلاثون: الكفر بآيات الله. والنصوص الدالة على ذلك في القرآن كثيرة. منها قوله تعالى في الكهف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً. ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً} 1, بعد قوله سبحانه: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ2 بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. أُولَئِكَ} 3 إلخ. فقوله: {أُولَئِكَ} كلام مستأنف منه مسوق لتكميل تعريف الأخسرين, وتبيين خسرانهم وضلال سعيهم وتعيينهم, بحيث ينطبق التعريف على المخاطبين, أي: أولئك المنعوتون4 بما ذكر من ضلال السعي والحسبان المذكور. {الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} : بدلائله سبحانه الداعية إلى التوحيد, الشاملة للسمعية والعقلية.   1 الكهف: 105-106. 2 في المخطوط"أنبئكم" وهو خطأ. 3 الكهف: 103-104. 4 في المخطوط "المبعثون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 {وَلِقَائِهِ} : هو كناية عن البعث والحشر وما يتبع ذلك من أمور الآخرة, أي: لم يؤمنوا بذلك على ما هو عليه. {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} , أي: فنزدري بهم, ونحتقرهم. ومن النصوص ما يدل على أن منهم من كان ينكر بعض الآيات, ومنهم من كان معرضا عنها وهاجرا لها. ولا يخفاك أن من الناس اليوم من هو أدهى وأمر مما كان عليه أهل الجاهلية في هذا الباب.   في المطبوع: " ولا يخفى عليك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 التاسعة الثلاثون: اشتراء كتب الباطل, واختيارها عليها, أي: على الآيات. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ. أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 1. إلى قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} 2. ومعنى قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ} , أي: استبدل ما تتلوا الشياطين بكتاب الله. {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} , أي: نصيب. {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ} , أي: والله لبئس شيئا شروا به   1 البقرة: 99-102 2 البقرة: 102-103 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حظوظ أنفسهم, أي: باعوها أو شروها في زعمهم ذلك الشراء. {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ} , أي: بالرسول, أو بما أنل إليه من الآيات, أو بالتوراة. {واتَّقَوْا} , أي: المعاصي التي حكيت عنهم. {لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} , أي: أن ثواب الله تعالى خير لهم. وبمعنى هذه الآية قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} . وهذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين خافوا أن تذهب رئاستهم بإبقاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم على حالها, فغيروها.   البقرة: 78-79 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الأربعون: القدح في حكمته تعالى. أقول: من خصال أهل الجاهلية: القدح في حكته تعالى, وأنه ليس بحكيم في خلقه, بمعنى أنه سبحانه يخلق ما لا حكمة له فيه, ويأمر وينهى بما لا حكمة فيه. وقد حكى الله ذلك بقوله في سورة ص: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} 1. وقال سبحانه في سورة المؤمنين: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} 2. وفي سورة الدخان: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3. وفي سورة الأنبياء: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} 4   1 ص: 27. 2 المؤمنون: 115-116 3 الدخان: 38-39 4 الأنبياء: 16-17 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وفي سورة الحجر: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 1. إلى غير ذلك من الآيات الناصة على أن الله تعالى لم يخلق شيئا من غير حكمة ولا علة, على خلاف ما يعتقده أهل الباطل من الجاهليين, ومن نحى نحوهم من هذه الأمة ممن نفى الحكمة عن أفعاله سبحانه وتعالى. وهذه المسألة طويلة الذيل, قد كثر فيها الخصام بين فرق المسلمين, والحق ما كان عليه السلف من إثبات الحكمة والتعليل. وقد أطنب الكلام عليها الحافظ ابن القيم في كتابه " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل", وعقد بابا مفصلا في طرق إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره, وإثبات الغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي فعل وأمر لأجلها. ومن جملة ما قال في هذا الباب: " إنه سبحانه وتعالى أنكر2 على من زعم أنه لم يخلق الخلق لغاية ولا بحكمة, كقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} , وقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} , وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} , والحق: هو الحكم والغايات المحمودة, التي لأجلها خلق ذلك كله, وهو أنواع كثيرة: منها: أن يعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته. ومنها: أن يحب ويعبد ويشكر ويذكر ويطاع   1 الحجر: 85 2 في شفاء العليل: "إنكاره سبحانه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ومنها أن يأمر وينهى ويشرع الشرائع. ومنها أن يدبر الأمر, ويبرم القضاء ويتصرف في المملكة بأنواع التصرفات. ومنها أن يثيب ويعاقب ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته, فيكون1 أثر عدله وفضله موجودا مشاهدا, فيحمد على ذلك ويشكر. ومنها أن يعلم خلقه أنه لا غله غيره ولا رب سواه. ومنها أن يصدق الصادق فيكرمه, ويكذب الكاذب فيهينه. ومنها ظهور آثار أسمائه وصفاته على تنوعها وكثرتها في الوجود الذهني والخارجي, فيعلم عباده ذلك علما مطابقا لما يف الواقع. ومنها شهادة مخلوقاته كلها بأنه وحده ربها وفاطرها ومالكها, وأنه وحده إلهها ومعبودها0 ومنها ظهور آثار كماله المقدس, فإن الخلق والصنع لازم كماله, فإنه حي قدير, ومن كان كذلك لم يكن إلا فاعلا مختارا. ومنها أن يظهر أثر حكمته في المخلوقات بوضع كل منها في موضعه الذي يليق به, ومجيئه على الوجه الذي تشهد العقول والفطر بحسنه. فتشهد حكمته الباهرة. ومنها أنه سبحانه يحب أن يجود وينعم ويعفو ويغفر ويسامح, ولا بد من لوازم ذلك خلقا وشرعا. ومنها أنه يحب أن يثنى عليه ويمدح ويمجد ويسبح ويعظم.   1 في شفاء العليل: "فيوجد" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 تعديل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما في مصلحة, والجميع بالنسبة إليه سواء. ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه, وينهى عن جميع ما أمر به, ولا فرق بين هذه وهذا إلا مجرد الأمر والنهي. ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين, [بل أفنى عمره في طاعته وشكره] , ويثيب من عصاه , بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور, فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول, وإلا فهو جائز عليه. وهذا من أقبح الظن وأسوئه بالرب سبحانه, وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور, بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه. والعجب العجاب أن كثيرا من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال, ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه, ولا ينزهزنه عن هذا الظلم والجور ويزعمون أنه عدل وحق, وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به, كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه, وعلوه فوق سماواته, وتكلمه وتكليمه, وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات, والله ولي التوفيق". انتهى المقصود من نقله, وتمام الكلام في هذا الباب في ذلك الكتاب, وإليه سبحانه المآب.   في شفاء العليل:" لمجرد". ما بين معكوفتين زيادة من شفاء العليل. في شفاء العليل: " وينعم على من لم يعصه طرفة عين". شفاء العليل: (198-199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الحادية والأربعون: الكفر بالملائكة والرسل والتفريق بينهم. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ. وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ. بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 1. إلى أن قال: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ. وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} 2.   1 البقرة: 87-91 2 البقرة: 97-99 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فقد تبين من هذه الآيات أن بعض الكتابيين كانوا يكفرون بالملائكة والرسل، ويفرقون بينهم، أي: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وهم طائفة من جاهلية اليهود، ولهذا أمرنا الله تعالى بالإيمان بهم وعدم التفرقه بينهم، فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} .   البقرة، آية (285) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الثانية والأربعون: الغلو في الأنبياء والرسل عليهم السلام. قال تعالى في سورة "النساء ": {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} . والغلو في المخلوق أعظم سبب لعبادة الأصنام والصالحين، كما كان في قوم نوح من عبادة نسر وسواع ويغوث ونحوهم، وكما كان من عبادة النصارى للمسيح عليه السلام. ومثل ذلك: القول على الله بغير الحق.   النساء: (171) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الثالثة والأربعون: الجدال بغير العلم، كما ترى كثيرا من أهل الجهل يجادلون أهل العلم عند نهيهم عما ألفوه من البدع والضلالات، وهي صفة جاهلية، نهانا الله تعالى عن التخلق بها. قال تعالى في سورة "آل عمران ": {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله فيهم هذه الآية" المنادية على جهلهم وعنادهم، كما لا يخفى على من راجع التفسير.   في المخطوط "تجادلون" وهو خطأ. آل عمران: (65-66) أخرجه ابن إسحاق في السيرة"سيرة ابن هشام" (2/553) ، وابن جرير في "تفسيره" (3/305) ، والبيهقي في "دلائل النبوة"-باب وفد نجران- (5/384) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الرابعة والأربعون: قال الشيخ: الرابعة والأربعون: الكلام في الدين بلا علم. أقول: أجمل الشيخ رحمه الله تعالى الكلام في هذه المسألة كل الإجمال, كما فعل مثل ذلك في كثير من مسائل, وما أحقها بالتفصيل. وذلك أن هل الجاهلية من العرب وغيرهم من الكتابيين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله: أما العرب فقد كان الكثير منهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى أن ظهر فيهم الخزاعي1 -وهو عمرو بن لحي وكان الحجازيون يتخذونه ربا في امتثال أمره وطاعته, والانتهاء عما نهى-, فغيّر وبدل, وابتدع بدعا كثيرة, وأغرى العرب على عبادة الأصنام, وبحر البحيرة, وحمى الحام, واستقسم بالأزلام, إلى غير ذلك مما فصلناه في غير هذا الموضع. وإن شئت أن تعرف جهل العرب وما ابتدعوه فاقرأ سورة الأنعام, فإن فيها كثيرا من ضلالاتهم ومبتدعاتهم2.   1 هو عمرو بن عامر الخزاعي, ولحي نعت لعامر, رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار, انظر: صحيح البخاري, كتاب التفسير- باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} (5/191) والأصنام للكلبي ص 8, الاشتقاق لابن دريد ص 468. 2 يعني فإن فيها ذكرا لكثير من ضلالتهم ومبتدعاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وأما الجاهليون من اليهود والنصارى, فقد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم, وذلك أن أحبارهم ورهبانهم ابتدعوا لهم في الدين بدعا, وحللوا وحرموا ما اشتهته أنفسهم, فقبلوا ذلك منهم وأطاعوهم عليه, مع أن الدين إنما يكون بتشريع الله ووحيه إلى أنبيائه ورسله, ولا يكون بآراء الرجال وبحسب أهوائهم, فكل ما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مردود على صاحبه. وقد ذم الله تعالى اليهود على مثل ذلك, فقال عز اسمه- في سورة آل عمران: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . فمن أول نصوص الكتاب والسنة على حسب شهواته وبمقتضى هواه فهو أيضا من قبيل الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب. وأنت تعلم ما اشتملت عليه اليوم كثير من كتب الشريعة من الآراء التي ليس لها مستند من دلائل الشريعة, فإلى الله المشتكى من صولة الباطل وخمول الحق.   آل عمران: 78. في المطبوع: "مااشتمل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الخامسة والأربعون: الكفر باليوم الآخر والتكذيب بلقاء الله وبعث الروح وببعض ما ذكرته الرسل من صفات الجنة والنار. قال تعالى في سورة الكهف: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآية, وقد مر الكلام عليها قريبا. وقال تعالى في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} إلى غير ذلك من النصوص الواردة في ذلك كله. ولقوم عصرنا من هذا الاعتقاد الجاهلي حظ وافر ونصيب كامل, ومن يضلل الله فما له من هاد, ويذرهم في طغيانهم يعمهون, نسأله تعالى التوفيق للهداية.   الكهف: 103-105. النحل: 38-39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 السادسة والأربعون: التكذيب بقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} , وهو اليوم الذي يدين الله تعالى العباد فيه أعمالهم, فيثيبهم على الخيرات, ويعاقبهم على المعاصي والسيئات. والتكذيب بهذا اليوم متفرع على إنكار البعث والحساب والجنة والنار.   الفاتحة: 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 السابعة والأربعون: التكذيب بقوله تعالى: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} من قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . والخلة: المودة والصداقة. ومعنى: {وَلا شَفَاعَةٌ} , أي: لا أحد يشفع لأحد إلا من بعد أن يأذن الرحمن لمن يشاء ويرضى. وأراد بذلك يوم القيامة. والمراد من وصفه بما ذكر: الإشارة إلى أنه لا قدرة لأحد فيه على تحصيل ما ينتفع به بوجه من الوجوه, لأن من فيه ذمته مثلا إما أن يأخذ بالبيع ما يؤديه به, وإما أن يعينه أصدقاؤه, وإما أن يلتجيء إلى من يشفع له في حظه, والكل منتف ولا مستعان إلا بالله عزوجل.   (1) البقرة: (254) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الثامنة والأربعون: التكذيب بقوله تعالى في سورة الزخرف: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . قوله: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ} , أي: ولا يملك آلهتهم الذين يعونهم من دونه الشفاعة, كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله عزو جل. {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} الذي هو التوحيد. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} , أي: يعلمونه, والمراد بهم: الملائكة وعيسى وعزير وأضرابهم. وأنت ترى الناس اليوم عاكفين على أصنام لهم يعونهم من دون الله, وعذرهم عند توبيخهم: أن هؤلاء شفعاؤهم تعالى الله عما يشركون.   في المخطوط "تدعون" الزخرف: 86. في المخطوط: "تدعون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 التاسعة والأربعون: قتل أولياء الله وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس. قال تعالى في سورة البقرة: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ1 ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} 2. وقال في سورة آل عمران: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 3. إلى آيات أخرى في هذا المعنى صرحت بما لاقاه الأنبياء والرسل عليهم السلام وأتباعهم المخلصون ودعاة الحق4, وبما كابدوه من أعداء الله والجهلة الطغاة, مما تنهد له الصياصي وتبيض منه النواصي. هؤلاء أكابر الأمة المحمدية وعلماؤها الأعلام, قد صادفوا عند   1 في المخطوط "بغير حق" وهو خطأ. 2 البقرة: 61 3 آل عمران: 183. 4 جاء في حاشية المخطوط: " ومن ذلك أن الشيخ المصنف لاقى من أبناء زمانه كبيرهم وصغيرهم, لما دعاهم إلى التوحيد التي جاءت به الرسل ما تنهد له الصياصي وتشيب له النواصي, كما لا يخفى على من طالع سيره المقدسة, تغمده الله برحمته ورضوانه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 دعوتهم إلى الحق والمحافظة عليه ما يسود منه وجه القرطاس, وتشيب منه لمم المداد. والأنبياء1 عليهم السلام وأتباعهم المؤمنون وإن كانوا يبتلون في الأول, فالعاقبة لهم: كما قال تعالى لما قص قصة نوح: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} 2. وفي الحديث المتفق على صحته لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلى ملك الروم, فطلب من يخبره بسيرته- وكان المشركون حينئذ أعداءه, لم يكونوا آمنوا به- فقال: "كيف الحرب بينكم وبينه؟ قالوا: الحرب بيننا وبينه سجال, يدال علينا مرة وندال عليه أخرى, فقال: كذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة"3. فإنه كان يوم بدر نصر الله المؤمنين ويوم أحد ابتلي المؤمنون, ثم لم ينصر الكفار بعدها, حتى أظهر الله تعالى الإسلام. فإن قيل: ففي الأنبياء من قد قتل, كما أخبر الله تعالى في الآيات السابقة أن بني إسرائيل يقتلون بغير الحق, وفي أهل الفجور من يؤتيه ملكا وسلطانا يسلطه على المتدينين كما سلط بخت نصر على بني إسرائيل, وكما سلط كفار المشركين وأهل الكتاب أحيانا على المسلمين؟.   1 من هنا يبدأ النقل من كتاب الجواب الصحيح (6/412-425) , وسأشير إلى نهايته في موضعه. 2 هود:49 3 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب بدأ الوحي –باب كيف كان بدأ الوحي إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم. (1/5-7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قيل: أما من قتل من الأنبياء فهم كمن يقتل من المؤمنين في الجهاد شهيدا. قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ1 اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2. ومعلوم أن من قتل من المؤمنين شهيدا3 في القتال, كان حاله أكمل من حال من يموت حتف أنفه. قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 4. ولهذا قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} 5 , أي: إما النصر والظفر, وإما الشهادة والجنة. ثم إن الدين الذي قاتل عليه الشهداء ينتصر ويظهر, فيكون لطائفته السعادة في الدنيا والآخرة: من قتل منهم كان شهيدا, ومن عاش منهم كان منصورا سعيدا, وهذا غاية ما يكون من النصر, إذ كان الموت لا بد منه, فالموت على الوجه الذي تحصل به سعادة الدنيا والآخرة أكمل, بخلاف من يهلك هو وطائفته, فلا يفوز لا هو ولا هم بمطلوبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة.   1 في المخطوط "فأثابهم" وهو خطأ. 2 آل عمران: 146-148. 3 في المخطوط "شهيد" والصواب ما أثبته. 4 آل عمران: 169. 5 التوبة: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 والشهداء من المؤمنين قاتلوا باختيارهم, وفعلوا الأسباب التي بها قتلوا, كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فهم احتاروا هذا الموت, إما أنهم قصدوا الشهادة, وإما أنهم قصدوا ما به يصيرون شهداء عالمين بأن لهم السعادة فب الآخرة, وفي الدنيا بانتصار طائفتهم وببقاء لسان الصدق لهم ثناء ودعاء, بخلاف من هلك من الكفار, فإنهم هلكوا بغير اختيارهم هلاكا لا يرجون معه سعادة الآخرة, ولم يحصل لهم ولا لطائفتهم شيء من سعادة الدنيا, بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين, وقيل فيهم: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} 1. وقد أخبر سبحانه أن كثيرا من الأنبياء قتل معه ربيون كثير, أي: ألوف كثيرة, وأنهم ما ضعفوا ولا استكانوا لذلك, بل استغفروا من ذنوبهم التي كانت سبب ظهور العدو, وأن الله تعالى آتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. فإذا كان هذا قتل المؤمنين, فما الظن بقتل الأنبياء؟ ففيه لهم ولأتباعهم من سعادة الدنيا والآخرة ما هو من أعظم الفلاح. وظهور الكفار على المؤمنين أحيانا هو بسبب ذنوب المسلمين, كيوم أحد, فإن تابوا انتصروا على الكفار, وكانت العاقبة لهم, كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة ملاحمهم مع الكفار. وهذا من آيات النبوة وأعلامها ودلائلها, فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاموا بعهوده ووصاياه, ونصرهم الله, وأظهرهم على   1 الدخان: 25-29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 المخالفين له, فإذا ضيعوا عهوده ظهر أولئك عليهم. فمدار النصر والظهور مع متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وجودا وعدما من غير سبب يزاحم ذلك, ودوران الحم مع الوصف وجودا وعدما من غير مزاحمة وصف آخر يوجب العلم بأن مدار علة للدائر, وقولنا: "من غير وصف آخر": يزيل النقوض الواردة. فهذا الاستقراء والتتبع يبين أن نصر الله وإظهاره هو بسبب أتباع النبي, وأنه سبحانه يريد إعلاء كلمته ونصره ونصر أتباعه على من خالفه, وأن يجعل لهم السعادة ولمن خالفهم الشقاء, وهذا يوجب العلم بنبوته, وأن من اتبعه كان سعيدا, ومن خالفه كان شقيا. ومن هذا: ظهور بخت نصر على بني إسرائيل, فإنه من دلائل نبوة موسى, إذ كان ظهور بخت نصر إنما كان لما غيروا عهود موسى, وتركوا اتباعه, فعوقبوا بذلك, وكانوا- إذ كانوا متبعين لعهود موسى- منصورين مؤيدين, كما كانوا في زمن داود وسليمان وغيرهما. قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً. فَإِذَا1 جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ2 عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً3. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ   1 في المخطوط "فلما" وهو خطأ. 2 في المخطوط "عليهم" وهو خطأ. 3 في المخطوط "أكبر" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} 1. فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة, وظهور عدوهم عليهم تارة من دلائل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم على عدوهم تارة, وظهور عدوهم تارة2, هو من دلائل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته. وكان نصر الله لموسى وقومه على عدوهم في حياته وبعد موته, كما جرى لهم من يوشع وغيره من دلائل نبوة موسى, وكذلك انتصار المؤمنين مع محمد صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته مع خلفائه من أعلام نبوته ودلائلها. وهذا بخلاف الكفار الذين ينتصرون على أهل الكتاب أحيانا, فإن أولئك لا يكون مطاعم إلى نبي, ولا يقاتلون أتباع الأنبياء على دين, ولا يطلبون من أولئك أن يتبعوهم على دينهم, بل قد يصرحون بأنا إنما نصرنا عليكم بذنوبكم, وأن لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم. وأيضا فلا عاقبة لهم, بل الله يهلك الظالم بالظالم, ثم يهلك الظالمين جميعا, ولا قتيلهم يطلب بقتله سعادة بعد الموت, ولا يختارون القتل ليسعدوا بعد الموت. فهذا وأمثاله مما يظهر الفرق بين انتصار الأنبياء وأتباعهم, وبين ظهور   1 الإسراء: 4-8. 2 في المطبوع " وظهور عدوهم عليهم تارة" وما أثبته موافق للمطبوع من الجواب الصحيح, وما في المطبوع موافق لبعض النسخ الخطية للجواب الصحيح كما بين ذلك محقق الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 بعض الكفار على المؤمنين, أو ظهور بعضهم على بعض, وبيّن1 أن ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأمته على أهل الكتاب: اليهود والنصارى, هو من جنس ظهورهم على المشركين: عباد الأوثان, وذلك من أعلام نبوته ودلائل رسالته, ليس هو كظهور بخت نصر على بني إسرائيل وظهور الكفار على المسلمين. وهذه الآية مما أخبر بها2 موسى, وبيّن أن الكذاب المدعي للنبوة لا يتم أمره, وإنما يتم أمر الصادق. فإن من أهل الكتاب من يقول: محمد وأمته سلطوا علينا بذنوبنا مع صحة ديننا الذين نحن عليه, كما سلط بخت نصر وغيره من الملوك. وهذا قياس فاسد , فإن بخت مصر لم يدع النبوة, ولا قاتل على دين, ولا طلب من بني إسرائيل أن ينتقلوا من شريعة موسى إلى شريعته, فلم يكن في ظهوره إتمام لما ادعاه من النبوة ودعا إليه من الدين, بل كان بمنزلة المحاربين قطاع الطرق الذين ظهروا على القوافل, بخلاف من ادعى نبوة ودينا, ودعا إليه ووعد أهله بسعادة الدنيا والآخرة, وتوعد مخالفيه بشقاوة الدنيا والآخرة, ثم نصره الله وأظهره وأتم دينه وأعلى كلمته وجعل له العاقبة وأذل مخالفيه. فإن هذا من جنس خرق العادات المقترن بدعوى النبوة, فإنه دليل عليها, وذاك من جنس خرق العادات التي لم تقترن بدعوى النبوة3 فإنه ليس دليلا عليها.   1 في المطبوع "ويبين" وما أثبته هو الموافق لما في الجواب الصحيح. 2 في المطبوع "به" وما أثبته هو الموافق لما في الجواب الصحيح. 3 في المطبوع "المقترن بدعوى النبوة" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وقد يغرق 1 في البحر أمم كثيرة, فلا يكون ذلك دليلا على نبوة نبي, بخلاف غرق فرعون وقومه, فإنه كان آية بينة لموسى. وهذا موافق لما أخبر به موسى عليه الصلاة والسلام من أن الكذاب لا يتم أمره, وذلك بأن الله حكيم لا يليق به تأييد الكذاب على كذبه من غير أن يبين كذبه. ولهذا أعظم الفتن: فتنة الدجال الكذاب, لما اقترن بدعواه الألوهية بعض الخوارق, كان معها ما يدل على كذبه من وجوه: منها: دعواه الألوهية, وهو أعور والله ليس بأعور2, مكتوب بين عينيه: كافر3, يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ4, والله تعالى لا يراه أحد حتى يموت5, وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلامات الثلاث في الأحاديث. الصحيحة. فأما 6 تأييد الكذاب ونصره وإظهار دعوته دائما فهذا لم يقع قط, فمن يستدل على ما يفعله الرب سبحانه بالعادة والسنة, فهذا هو   1 في المطبوع "تغرق" وما أثبته هو الموافق لما في الجواب الصحيح. 2 أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الفتن –باب ذكر الدجال- (8/102) , ومسلم في صحيحه – كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب ذكر الدجال (4/2248) ح 2933. 3 أخرجه البخاري كتاب الفتن –باب ذكر الدجال- (8/103) , ومسلم– كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب ذكر الدجال (4/2248) ح 2933. 4 أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الفتن - باب ذكر الدجال (4/2248) ح 2933. 5 أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب ذكر الدجال (4/2245) ح 169. 6 في المخطوط "فإن" وما أثبته من المطبوع, وهو الموافق لما في الجواب الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الواقع على ذلك أيضا بالحكمة, فحكمته تناقض أن يفعل ذلك, إذ الحكيم لا يفعل هذا. وقد قال تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 1. فأخبر أن سنة الله التي لا تبديل لها: نصر المؤمنين على الكافرين. والإيمان المستلزم لذلك يتضمن طاعة الله ورسوله, فإذا نقص الإيمان بالمعاصي كان الأمر بحسبه, كما جرى يوم أحد. وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ2 نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً. اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} 3. فأخبر أن الكفار لا ينظرون إلا سنة الأولين, ولا يوجد لسنة الله تبديل, لا تبدل بغيرها ولا تتحول, فكيف النصر للكفار على المؤمنين الذين يستحقون هذا الاسم؟!. وكذلك قال في المنافقين- وهم الكفار في الباطن دون الظاهر- ومن فيه شعبة من نفاق: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا   1 الفتح: 22-23 2 في المخطوط والمطبوع "جاءكم" وهو خطأ. 3 فاطر: 42-43 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 1. والسنة هي العادة, فهذه عادة الله المعلومة, فإذا نصر من ادعى النبوة وأتباعه على من خالفه, إما ظاهرا وإما باطنا نصرا مستقرا, فذلك دليل على أنه نبي صادق, إذ كانت سنة الله وعادته نصر المؤمنين بالأنبياء الصادقين على الكافرين والمنافقين, كما أن سنته تأييدهم بالآيات البينات, وهذه منها. ومن ادعى النبوة وهو كاذب, فهو من أكفر الكفار وأظلم الظالمين: قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 2. وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} 3. وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} 4. وقال تعالى: {فَمَنْ5 أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 6. ومن كان كذلك, كان الله يمقته ويبغضه ويعاقبه ولا يدوم   1 الأحزاب: 60-62 2 الأنعام: 93 3 الزمر: 32 4 العنكبوت: 68 5 في المخطوط "ومن" وهو خطأ. 6 الأنعام: 144 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أمره, بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: " إن الله يملي للظالم, فإذا أخذه لم يفلته ", ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} 1, وقال أيضا في الحديث الصحيح عن أبي موسى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع, تفيؤها الرياح, تقيمها تارة وتميلها أخرى, ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز, لا تزال ثابتة على أصلها, حتى يكون انجعافها مرة واحدة"2. فالكاذب الفجر وإن عظمت دولته, فلا بد من زوالها بالكلية, وبقاء ذمه ولسان السوء له في العالم, وهو يظهر سريعا ويزول سريعا كدولة الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب والحارث الدمشقي3, وباب الرومي4 ونحوهم.   1 لم أجده من حديث أبي هريرة, وإنما أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب التفسير- باب {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} - (5/214) , ومسلم في صحيحه – كتاب البر والصلة والآداب- باب تحريم الظلم (4/1997) ح 2583 من حديث أبي موسى. 2 لم أجده م حديث أبي موسى, وإنما أخرجه مسلم في صحيحه –كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- باب مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر كشجر الأرز- (4/2163) ح 2809 من حديث أبي هريرة, وأخرجه أيضا في نفس الكتاب والباب من حديث كعب بن مالك. 3 هو الحارث بن سعيد الدمشقي, دجال كذاب ادعى النبوة زمن عبد المك بن مروان, فطلبه فهرب إلى بيت المقدس, وفتن بعض الناس بمخاريق شيطانية كانت معه, ثم تمكن عبد الملك من القبض عليه وصلبه, وذلك عام 80هـ. انظر في شأنه: الوافي بالوفيات (11/254) , تهذيب تاريخ دمشق (3/442, تاريخ الإسلام , حوادث سنة 80 ص 386. 4 في المطبوع " وبابك الخرمي" وما أثبته من المخطوط لما في الجواب الصحيح.= وباب الرومي هذا لم أجد له ترجمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وأما الأنبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا البلاء, فإن الله تعالى إنما يمكن للعبد إذا ابتلاه, ويظهر أمره شيئا فشيئا, كالزرع. قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} , أي: فراخه {فَآزَرَهُ} , أي: قوّاه {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 1. ولهذا كان أول من يتبعهم2 ضعفاء الناس باعتبار هذه الأمور. وسنة الله في أنبياء الله وأوليائه الصادقين, وفي أعداء الله والمتنبئين الكذابين مما يوجب الفرق بين النوعين, وبين دلائل النبي الصادق ودلائل المتنبي الكاذب. وقد ذكر ابتلاء النبي والمؤمنين ثم كون العاقبة لهم في غير موضع: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} 3. وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} 4.   1 الفتح: 29. 2 فب المطبوع "اتبعهم" 3 الأنعام: 34. 4 البقرة: 214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ.حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . والمقصود أن إيذاء القائمين بالحق والناصرين له من سنن أهل الجاهلية, وكثير من أهل عصرنا على ذلك والله المستعان.   في المخطوط "يغقلون" يوسف: 109-111, وهنا انتهى النقل الذي بدأ ص 160 من كتاب الجواب الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الخمسون: الإيمان بالجبت والطاغوت, وتفضيل المشركين على المسلمين. قال تعالى في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. هذه الآية نزلت في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من يهود, وذلك أنهم خرجوا إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه, ونزلت اليهود في دور قريش, وقال أهل مكة: أنتم أهل كتاب, ومحمد صلى الله عليه وسلم صاحب كتاب, فلا يؤمن هذا أن يكون مكر منكم؟ فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما, ففعل, ثم قال كعب: يا أهل مكة! ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون, فنلزق أكبادنا بالكعبة, فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا ذلك. فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امروء تقرأ الكتاب وتعلم,   1 النساء: 51 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق: نحن أم محمد؟ قال كعب: أعرضوا علي دينكم, فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء , ونسقيهم اللبن, ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم , ومحمد فارق دين آبائه, وقطع الرحم وديننا القديم ودين محمد الحديث, فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد, فأنزل الله في ذلك الآية. والجبت في الأصل: اسم صنم, استعمل في كل معبود لغير الله. والطاغوت: يطلق على كل باطل من معبود أو غيره. ومعنى الإيمان بهما: إما التصديق بأنهما آلهة, وإشراكهما بالعبادة مع الله تعالى, وإما طاعتهما وموافقتهما على ما هما عليه من الباطل, وإما القدر المشترك بين المعنيين كالتعظيم مثلا. والمتبادر المعنى الأول, أي: أنهم يصدقون بألوهية هذين الباطلين, ويشركونهما في العبادة مع الإله الحق ويسجدون لهما.   في المطبوع "أنحن" الكوماء: ناقة عظيمة السنام, انظر: لسان العرب "كوم". في المطبوع "الآيات" والحديث أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2/59) , وابن جرير في تفسيره (5/123) , والبيهقي في دلائل النبوة (3/193) والطبراني في المعجم الكبير (11/251.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الحادية والخمسون: لبس الحق بالباطل, وكتمانه. قال تعالى في سورة آل عمران: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1. وفي المراد أقوال: أحدهما: أن المراد تحريفهم التوراة والأنجيل2. ثانيهما: أن المراد إظهارهما الإسلام, وإبطالهم النفاق3. ثالثهما: أن المراد الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد4 عليه السلام.   1 آل عمران: 71. 2 وهذا قول الحسن وابن زيد. انظر: النكت والعيون: (1/401) , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/342) , البحر المحيط (2/491) , روح المعاني (3/199) 3 وهذا قول ابن عباس وقتادة وابن جرير. انظر: تفسير ابن جرير (3/401) والبحر المحيط (2/491, وروح المعاني (3/199.)) 4 انظر: النكت والعيون: (1/401) , تفسير النسفي (1/162) , والبحر المحيط (2/491) , وروح المعاني (3/199.) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 رابعها: أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من حقيقة رسالته صلى الله عليه وسلم وما يظهرونه من تكذيبه.   وهو قول أبي علي وأبي مسلم. انظر: البحر المحيط (2/491) وروح المعاني (3/199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الثانية والخمسون: التعصب للمذهب, والإقرار بالحق للتوصل إلى دفعه. قال تعالى في سورة آل عمران: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} . وقال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار يهود خيبر وقرى عرين, وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد, اكفروا آخر النهار, وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا, فوجدنا محمدا ليس بذاك, وظهر لنا كذبه وبطلان دينه, فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم, وقالوا: إنهم أهل كتاب وهم أعلم به فيرجعون عن دينهم إلى دينكم.   في المخطوط "أو يحاجوكم به عند ربحكم" وهو خطأ. آل عمران: 72-74 في المطبوع "السعدي" أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/311) , وابن أبي حاتم في تفسيره (2/337) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الثالثة والخمسون: تسمية اتباع الإسلام شركا. قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} . أخرج ابن إسحاق بسنده: حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعاهم إلى الإسلام, قالوا: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس" أو ذاك تريد منا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن نعبد غير الله, أو نأمر بعبادة غير الله, وما بذلك بعثني, ولا بذاك أمرني" , فأنزل الله تعالى هذه الآية.   آل عمران: 79-80. أخرجه ابن إسحاق في السيرة (مختصر ابن هشام 1/544) , وابن جرير في تفسيره (3/325) , وابن أبي حاتم في تقسيره (2/369-370) . والبهقي في دلائل النبوة (5/384) , وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/46) وزاد نسبته إلى ابن منذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الرابعة والخمسون: تحريف الكلم عن مواضع ولي الألسنة بالكتاب. قال تعالى في سورة آل عمران: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1. روي أن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعا, وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل, وألحقوا بكتاب الله تعالى ما ليس منه2. واختلف الناس في أن المحرف هل كان يكتب في التوراة أم! , فذهب جمع إلى أنه ليس في التوراة سوا كلام الله تعالى, وأن تحريف اليهود لم يكن إلا تحريفا وقت القراءة, وتأويلا باطلا للنصوص, وأما أنهم يكتبون ما يرومون في التوراة على تعدد نسخها فلا. واحتجوا لذلك بما روي أن التوراة والإنجيل كما أنولهما الله تعالى, لم يغير منهما حرف, ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم, ويقولون: إن ذلك من عند الله, وما هو من عند الله, فأما كتب الله تعالى فإنها محفوظة لا تحول. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لليهود: إلزاما لهم:" ائتوا بالتوراة فاتلوها إن   1 2 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 كنتم صادقين", وهم يمتنعون عن ذلك, فلو كانت مغيرة إلى ما يوافق مرامهم ما امتنعوا, بل وما كان يقول لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنه يعود على مطلبه الشريف بالإبطال. وذهب آخرون إلى أنهم بدلوا, وكتبوا ذلك في نفس كتابهم, واحتجوا على ذلك بكثير من الظواهر. ولا يمنع من ذلك تعدد النسخ, لاحتمال التواطوء, أو فعل ذلك في البعض دون البعض, وكذلك لا يمنع منه قول الرسول لهم ذلك, لاحتمال علمه ببقاء بعض ما يفي بغرضه سالما عن التغيير, إما لجهلهم بوجه دلالته, أو لصرف الله تعالى إياهم عن تغييره. وتمام الكلام في تفسير الجد عند الكلام على هذه الآية , وكذا في الجواب الصحيح لشيخ الإسلام. وكثير من الأمة المحمدية سلكوا مسلك الكتابيين في التحريف والتأويل, واتباع شهواتهم. وقال تعالى في سورة النساء" {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً} . والكلام على هذه الآية أيضا مستوفى في التفسير.   روح المعاني " (3/206-207) (2/18-27) , وانظر: إغاثة اللهفان لا بن القيم (2/351-354) النساء: 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الخامسة والخمسون: تلقيب أهل الهدى بالصائبة والحشوية. فقد كان لأهل الجاهلية يلقبون من خرج عن دينهم بالصابيء, كما كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, كما ورد في عدة أحاديث من صحيح البخاري1 ومسلم2 وغيرهما, تنفيرا للناس عن اتباع سبيلهم. وهكذا تجد كثيرا من هذه الأمة يطلقون على من خالفهم في بدعهم وأهوائهم أسماء مكروهة للناس. والصابئة أمة قديمة على مذاهب مختلفة, قد تكلم عليها أهل المقالات بما لا مزيد عليه3. وأما الحشوية, فهم قوم كانوا يقولون بجواز ورود ما لا معنى له في الكتاب والسنة, كالحروف في أوائل السور وكذا قال بعضهم, وهم الذين   1 انظر "صحيح البخاري" –كتاب المناقب-باب قصة زمزم- (4/158-159) ، وكتاب مناقب الأنصار-باب إسلام عمر- (4/224) . 2 انظر "صحيح مسلم" –كتاب فضائل الصحابة-باب فضائل أبي ذر- (4/1919-1922) ح2473. 3انظر في شأنها: "التبصير في الدين" (ص150) ، "الملل والنحل" للشهرستاني (2/9-58) ، "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (ص90) ، "الرد على المنطقيين" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص454-456) ، "البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان" (ص92-94) ، كتب التفاسير عند تفسير الآية (62) من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 قال فيهم الحسن البصري لما وجد قولهم ساقطا, وكانوا يجلسون في حلقته أمامه: "ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة", أي جانبها. وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم, تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم, حيث يقولون في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} . وقد أخطأت استهم الحفرة1, فالسلف لا يقولون بورود ما لا معنى له لا في الكتاب ولا في السنة, بل يقولون في الاستواء مثلا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان, والجحود به كفر"2.   1 قولهم: "أخطأت استه الحفرة" مثل يضرب لمن رام شيئا، فلم ينله، ولمن توخى الصواب فجاء بالخطأ. انظر: "جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري (1/160) ، "المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (1/102) ،"مجمع الأمثال" للميداني (4/434) . 2 روي معنى هذا الأثر عن جماعة من السلف، فقد رواه للالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة". (3/397) ح664، والصابوني في "عقيدة السلف" (ص158) ح67، عن أم سلمة، وقد ضعف إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (5/365) . ورواه للالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة". (3/398) ح665، والبيهقي في " الأسماء والصفات" (2/101) ، وابن قدامة في "إثبات صفة العلو" (ص164) ح74، والذهبي في "العلو" (المختصر 132) ح11، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن. قال شيخ الإسلام بن تيمية في "مجموع الفتاوى" (5/365) : "ومثل هذا -يعني جواب مالك -ثابت عن ربيعة شيخ مالك". ورواه للالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة". (3/398) ح664، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/150-151) ، وفي "الاعتقاد" (ص43) ، والصابوني في "عقيدة السلف" (ص17-19) ح 24-25-26، وأبو نعيم في "الحلية" (6/325) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (ص55-56) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (7/138) ، وابن قدامة في "إثبات صفة العلو" - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وقد أطال الكلام في هذه المسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه1, ولخص ذلك في كتابه: جواب أهل الإيمان في التفاضل بين آيات القرآن". ومن الناس من فرق بين مذهب السلف ومذهب الحشوية, بأن مذهب الحشوية ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه المراد مطلقا, فالاستواء مثلا عندهم له معنى يتوصل إليه مجرد سماعه كل من يعرف الموضوعات اللغوية, إلا أنه غير مراد, لأنه خلاف ما يقتضيه دليل العقل والنقل, ومعنى آخر يليق به تعالى لا يعلمه إلا هو عز وجل. وكيف يكون مذهب السلف هو مذهب الحشوبة, وقد رأى الحسن البصري الذي هو من أكابر السلف سقوط قول الحشوية, ولم يرض لأن يقعد قائله تجاهه؟!. والمقصود أن أهل الباطل من المبتدعة رموا أهل السنة والحديث بمثل هذا اللقب الخبيث. قال أبو محمد عبد الله بن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: "إن أصحاب البدع سموا أهل الحديث بالحشوية والنابتة والمتجبرة والجبرية وسموهم الغثاء, وهذه كلها أنباز لم يأت بها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أتى:   (ص172-173) ، والذهبي في "العلو" (المختصر ص141) ح131و132 عن مالك بن أنس. 1ومنها "رسالة في الإكليل في المتشابه والتأويل"، "الفرقان بين الحق والباطل" ضمن "مجموع الفتاوى" (13/143-147) ، "الرسالة التدمرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 في القدرية 1 أنهم: " مجوس هذه الأمة, فإن مرضوا فلا تعودوهم, وإن ماتوا فا تشهدوا جنائزهم"2. وفي الرافضة3: " يكون قوم في آخر الزمان يسمون الرافضة, يرفضون   1 القدرية ليست طائفة بذاتها كالأشعرية مثلا، وإنما تطلق على كل من نفى القدر، كالمعتزلة ومن أنكره من الرافضة وغيرهم. 2 رواه أبو داود في "سننه"-كتاب السنة- باب في القدر- (5/66-67) ح 4691، ومن طريقه الحاكم في "مستدركه" (1/85) ، وقال الحاكم: "وهذا حديثصحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر". قال ابن حجر في "الأجوبة على أحاديث المصابيح" (3/1779) : "قلت ورجاله رجالالصحيح، لكن في سماع أبي حزم –واسمه سلمة بن دينار- من ابن عمر نظر، وجزم المنذري بأنه لم يسمع منه، وقال أبو الحسن بن قطان: قد أدركه، وكان معه بالمدينة، فهو متصل على رأي مسلم". وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (3/639) ح1150، والآجري في "الشريعة" (ص190) ، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (3/212) . والحديث حسنه بمجموع طرقه الألباني في "تخريج الطحاوية" (ص304) . 3 الرافضة: واحدة من طوائف أهل البدع والضلالة، سموا بذلك لكونهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الشيخين أبابكر وعمر، وهم الذين يعرفون اليوم بالشيعة والإمامية والاثني عشرية والجعفرية، وأصولهم أربعة: التوحيد، ويعنون به نفي الصفات، والعدل ويقصدون به نفي القدر، والنبوة، والإمامة، ويغلب عليهم الغلو في أئمتهم، حتى بلغ بهم الأمر إلى أن عبدوهم من دون الله تعالى وهم فرق شتى، يجمعهم ما ذكرت آنفا. انظر: "فرق الشيعة" للنوبختي، "مقالات الإسلاميين" (1/65-140) ، "الملل والنحل" (1/146-190) ، "الفرق بين الفرق" (ص29-72) ، "الفصل" (5/35-50) ، "التبصير في الدين" (ص27-43) ، "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (ص52-66) ، "البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان" (ص65-85) ، "الرد على الرافضة" لأبي حامد المقدسي، "ومختصر التحفة الاثني عشرية"، "تاريخ الفرق الإسلامية" لمحمد خليل الزين (108-129) ،- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الإسلام, ويلفظونه, فقاتلوهم, فإنهم مشركون"1. وفي المرجئة2: " صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي, لعنوا على سبعين نبيا: المرجئة والقدرية"3. "أصل الشيعة وأصولها" لمحمود حسين آل كاشف الغطا، تاريخ الإماممية وأسلافهم من الشيعة" د. عبد الله فياض، "الشيعة والتصحيح" د. موسى موسوي.   1أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/475) ح981، وأب يعلى في "مسنده" (4/459) ح2586، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/242) ح1299، وابن عدي في "الكامل" (5/90) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/95) وقال: "غريب تفرد به الحجاج بن ميمون"، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/548) ، من حديث ابن عباس، فال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/22) : "ورجاله وثقوا في بعضهم خلاف"، وضعفه الألباني في "ضلال الجنة" (2/476) . وأخرجه بنحوه الطبراني في "الكبير" (12/242) ح12998، قال الهيثمي (10/22) : "وإسناده حسن". وأخرجه بنحوه ابن أبي عاصم في "السنة" (4/474) ح978، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (2/547) ح1270، وفي" زوائد المسند" (1/103) عن علي مرفوعا. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/22) : "وفيه كثير بن إسماعيل النواء، وهو ضعيف". 2 المرجئة: إحدى الفرق الضالة، وإن كان الإرجاء كالقدر ليس فرقة بعينها، وإنما في طوائف متعددة، والإرجاء على معنيين: أحدهما: التأخير، بمعنى تأخير العمل عن مسمى الإيمان، ثانيهما: إعطاء الرجاء، بقولهم: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. انظر: "الملل والنحل" (1/139-146) ، "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (70-71) . 3 أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/461) ح649 من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: "صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: المرجئة والقدرية". وبمثل حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم في " الحلية" (9/254) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/156) ح249 من حديث أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وفي الخوارج1: " يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"2, و" كلاب النار"3. هذه أسماء من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتلك أسماء مصنوعة"4 انتهى. =قال ابن الجوزي: "وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأخرجه ابن أبي عاصم (2/462) ح592 من حديث معاذ مرفوعا بلفظ: "ما بعث الله نبيا قط، إلا جعل في أمته قدرية ومرجئة، وإن الله تعالى لعن على لسان سبعين نبيا القدرية والمرجئة". وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (2/643) 1159 من حديث محمد بن كعب القرظي عن عبد الله.   1الخوارج: غحدى الفرق الضالة، نشأت قديما، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنتها، وحث على قتلهم، وهم طوائف كثيرون، يجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي، وتكفير صاحب الكبيرة، والخروج على الإمام إذا فعل كبيرة. انظر في شأنها: "التنبيه والرد" (ص51) ، "مقالات الإسلاميين" (1/167) ، "الفرق بين الفرق" (ص72) ، "التبصير في الدين" (ص45) ، "الملل والنحل" (1/114) ، "الفصل" (4/51-57) ، "الاعتقادات" (ص46) ، "البرهان" (ص17) ، "خبيئة الأكوان" (ص57) . 2 أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب استبانة المرتدين- (8/52) ، ومسلم في "صحيحه"- كتاب الزكاة- باب ذكر الخوارج وصفاتهم- (2/742) وباب التحريض على قتل الخوارج- (2/746-747) ح1066 من حديث أبي سعيد وعلي. 3 أخرجه ابن ماجه في سننه-المقدمة- (1/61) ح173، وأحمد في "مسنده" (4/355) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/438) ح904، والطبراني في "الكبير" (8/324) ح8042، وفي "الصغير" (2/117) ، والخطيب في "التاريخ" (6/319) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163) ح261، وقال: "قال أحمد: لم يسمعه الأعمش من ابن أبي أوفى، قال الدارقطني: لم نر شيوخنا يقولون: إن إسحاق تفرد به عن الأعمش حتى وجدنا أهل خراسان قد رووه [عن] شيخ له عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش". 4 "تأويل مختلف الحديث" (ص55) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وفي "الغنية" أن الباطنية تسمي أهل الحديث "حشوية" لقولهم بالأخبار وتعلقهم بالآثار1. وفي كتاب "حجة الله البالغة": "واستطال هؤلاء الخائضون على معشر أهل الحديث, وسموهم مجسمة ومشبهة, وقالوا: هم المتسترون بالبلكفة, وقد وضح لدي2 وضوحا بينا أن استطالتهم هذه ليست بشيء وأنه مخطئون في مقالتهم3 رواية ودراية وخاطئون في طعنهم أئمة الهدى"4 انتهى. وقد قال العلامة ابن القيم في "كافيته الشافية": "فصل في تلقيبهم أهل السنة بالحشوية وبيان5 من أولى بالوصف المذموم66 من هذا اللقب من الطائفتين, وذكر أول من لقب به أهل السنة من أهل البدع. ومن العجائب قولهم لمن اقتدى ... بالوحي من أثر ومن قرآن حشوية يعنون حشوا في الوجو ... د وفضلة في أمة الإنسان ويظن جاهلهم بأنهم حشوا ... رب العباد بداخل الأكوان إذ قولهم فوق العباد وفي السما ... ء الرب ذو الملكوت والسلطان ظن الحمير بأن في للظرف والر ... حمن محوي بظرف مكان والله لم يسمع بذا من فرقة ... قالته في زمن من الأزمان لا تبهتوا أهل الحديث به فما ... ذا قولهم تبا لذي بهتان   1 "الغنية" لعبد القادر الجيلاني (1/85) . 2 في "حجة الله البالغة": "على". 3 في المخطوط والمطبوع"روايتهم"، وما أثيته في "حجة الله البالغة". 4 "حجة الله البالغة" لشاه ولي الله الدهلوي (1/64) . 5 في المطبوع "ويقال"،وما أثبته هو الموافق لما في "الكافية الشافية". 6 في المطبوع "في"، وما أثبته هو الموافق لما في "الكافية الشافية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 بل قولهم: إن السماوات العلى ... في كف خالق هذه الأكوان حقا كخردلة ترى في كف مم ... سكها تعالى الله ذو السلطان أترونه المحصور بعد أم السما ... يا قومنا ارتدعوا عن العدوان كم ذا مشبهة وكم1 حشوية ... فالبهت لا يخفى على الرحمن2 [يا قوم إن كان كتاب وسنة الـ ... ـمختار حشوا فاشهدوا ببيان [أنا محمد إلهنا حشوية ... صرف بما لا جحد ولا كتمان] 3 تدرون من سمّت شيوخكم بهـ ... ـذا الاسم في الماضي من الأزمان سمى به ابن عبيد عبد الله4 ذا ... ك ابن الخليفة طارد الشيطان5 فورثتم عمرا كما ورثوا لعبـ ... ـد الله أنى يستوي الإرثان تدرون من أولى بهذا الاسم وهـ ... ـو مناسب أحواله بوزان من قد حشا الأوراق والأذهان من ... بدع تخالف موجب6 القرآن هذا هو الحشوي لا أهل الحديـ ... ـث أئمة الإسلام والإيمان وردوا عذاب مناهل السنن التي ... ليست زبالة هذه الأذهان ووردتم القلوط7 مجرى كل ذي الـ ... أوساخ والأقذار والأنتان   1 في المخطوط "وذا" وما أثبته في المطبوع، وهو الموافق لما في "الكافية الشافية". 2 في المخطوط" صرف بلا جحد ولا كتمان" وما أثبته في المطبوع، وهو الموافق لما في "الكافية الشافية". 3 البيتان اللذان بين معكوفتين ليسا في المخطوط ولا في المطبوع، وإنما أضفتها من الكافية. 4 في المخطوط والمطبوع "عمرو لعبد الله" وما أثبته من الكافية. 5 انظر: "منهاج السنة النبوية" (2/520) ، حيث ذكر شيخ الإسلام أن عمرو بن عبيد سمى عبد الله بن عمر حشويا، وانظر: "شذرات الذهب" لابن العماد. 6 في المخطوط والمطبوع"مقتضى"، وما أثبته من "الكافية الشافية". 7 قال ابن عيسى في شرح "الكافية الشافية" (2/86) : "القلوط-بفتح القاف وتشديد= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وكسلتم أن تصعدوا للورد من رأس الشريعة خيبة الكسلان وحاصل هذه الأبيات أن أعداء الحق وخصوم السنة وأضداد الكتاب والسنة يلقبون سلف الأمة المتمسكين بالكتاب والسنة بلقب "الحشوية": فالخواص منهم يقصدون بهذا الاسم أن المسمى به حشو في الوجود وفضلة في الناس, لا يعبأ بهم ولا يقام لهم وزن, إذ لم يتبعوا آراءهم الكاسدة وأفكارهم الفاسدة. وأما العوام منهم فيظنون أن تسمية السلف بالحشوية لقولهم بالفوقية, وكون الإله في السماء, بمعنى أنهم اعتقدوا وحاشاهم, أن الله تعالى حشو هذا الوجود, وأنه داخل الكون – تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا- وهذا بهتان عظيم على أهل الحديث. على أن هذا القول لم يقل به أحد. وأعداء الحق في عصرنا هذا على هذا المسلك الجاهلي, فتراهم يرمون كل من تمسك بالكتاب والسنة بكل لقب مذموم بين المسلمين, والله المستعان على ما تصفون.   =اللم وبالطاء المهملة-: هو نهر بدمشق الشام يحمل أقدار البلد وأوساخه وأنتانه، ويسمى في هذا الوقت قليطا بالتصغير. في المخطوط والمطبوع "أثر الشرائع"، وما أثبته من "الكافية الشافية". "الكافية الشافية" (ص108) ، وبشرح العلامة ابن عيسى (2/79) ، وبشرح الدكتور: محمد خليل هراس (1/333-335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 السادسة والخمسون: افتراء الكذب على الله, والتكذيب بالحق. وشواهد هذه المسألة من الكتاب والسنة كثير, وهذا دأب المخالفين للدين المبين, كاليهود والنصارى يدعون أن ما هم عليه هو الحق, وأن الله أمرهم بالتمسك به, وأن الدين المبين ليس بحق, وأن الله تعالى أمرهم بتكذيبه, كل ذلك لاتباع أسلافهم, لا ينظرون إلى الدليل, وهكذا أهل البدع والضلالات يعتقدون بدعهم الحق, وأن الله أمرهم بها, وأن ما عليه أهل الحق مفترى, ولا يصدقون به. وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا   في المخطوط "أمرنا". سبق ص 96 تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 السابعة والخمسون: رمي المؤمنين بطلب العلو في الأرض. قال تعالى في سورة يونس: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا1 بِمُؤْمِنِينَ} 2. هذا كلام مسوق لبيان أن موسى عليه السلام ألقهم الحجر, فانقطعوا عن الإتيان بكلام له متعلق بكلامه عليه السلام, فضلا عن الجواب الصحيح, واضطروا إلى التشبث بذيل التقليد الذي هو دأب كل عاجز محجوج, وديدن كل معالج لجوج. على أنه استئناف وقع جوابا عما قبله من كلام موسى عليه السلام على طريقة: قال موسى, كأنه قيل: فماذا قالوا لموسى عليه السلام حين قال لهم ما قال؟ فقيل قالوا عاجزين عن المحاجة: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} , أي: الملك, كما روي عن مجاهد3, وعن الزجاج أنه إنما سمى المُلك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا4.   1 في المخطوط "وما نحن لك" وهو خطأ. 2 يونس:78. 3 أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" (3/314) . 4 معاني القرآن وإعرابه: للزجاج (3/29) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فكل من دعا إلى الحق رماه من كان على المسلك الجاهلي أن قصده من الدعوة طلب الرئاسة والجاه, من غير أن ينظروا إلى ما دعا إليه, وما قام عليه من البراهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الثامنة والخمسون: رمي المؤمنين بالفساد في الأرض. شاهد هذه المسالة آيات كثيرة, حاصلها أن المخالفين لهم من المؤمنين مفسدون في الأرض. انظر إلى قولهم في أوائل سورة البقرة, كيف ادعوا أنهم هم مصلحون, فرد الله عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} 1. وهكذا من هو على شاكلة أولئك, من الذين استحلوا غيهم, وتمكنت بدعهم من قلوبهم. ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به الماء الزلالا2 نسأله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه القويم, وأقدامنا على الصراط المستقيم.   1 البقرة: 12 2 البيت للمتنبي ضمن قصيدة له يمدح بها أبا الحسين بدر بن عمار الطبرستاني, وهو في ديوانه ص 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 التاسعة والخمسون: رمي المؤمنين بتبديل الدين. قال تعالى في سورة مؤمن1: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} 2. اعتقدوا ما هم3 عليه من الضلال هو الدين الحق, ومن أراد تحويلهم من معتقدهم الكاسد, وصرفهم عما هم عليه من الغي, فقد أراد4 إخراجهم من الدين وإفسادا في الأرض. وهكذا ديدن أعداء الدين في كل عصر.   1 في المطبوع: "غافر" وكلاهما اسم لهذه السورة. 2 غافر: 26. 3 في المطبوع: "اعتقدوا أن ما هم". 4 فقد أراد" ليست في المخطوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الستون: كونهم إذا غُلبوا بالحجة, فزعوا إلى السيف والشكوى إلى الملوك, و [دعوى] احتقار السلطان, [وتحويل] الرعية عن دينه. قال تعالى في سورة الأعراف: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} . فانظر إلى شكوى آل فرعون وقومه إليه, وتحريشهم إياه على مقاتلة موسى عليه السلام وتهييجه, وما ذكر في آخر الآية من احتقار ما كانوا عليه. ما بين حاصرتين ليس من المخطوط, وقد وضع في المطبوع بين حاصرتين, وهما علامة الإضافة إلى النص.   الأعراف: 127. في المخطوط: وتحريسهم. في المخطوط: الاحتقار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الحادية والستون: تناقض مذهبهم لما تركوا الحق. قال تعالى في سورة ق: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ. بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} 1. فقوله: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ ... } إلخ, إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم, وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات, في أول وهلة, من غير تفكر ولا تدبر. {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} مضطرب, وذلك بسبب نفيهم النبوة عن البشر بالكلية تارة, وزعمهم أن اللائق بها أهل الجاه والمال كما ينبئ عنه قولهم: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} 2 تارة أخرى, وزعمهم أن النبوة سحر مرة أخرى, وأنها كهانة أخرى, حيث قالوا في النبي صلى الله عليه وسلم مرة: ساحر, ومرة: كاهن, أو هو اختلاف حالهم ما بين تعجب من البعث واستبعاد له وتكذيب وتردد فيه, أو قولهم في القرآن: هو شعر تارة, وهو سحر أخرى. وقال تعالى في الذاريات: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ. إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ   1 ق: 4-5 2 الزخرف: 31 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مُّخْتَلِفٍ. يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ. قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} 1. {الْحُبُكِ} : جمع حبيكة, كطريقة أو حباك, كمثال ومثُل, والمراد بها إما الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب, أو المعقولة التي تدرك بالبصيرة, وهي ما يدل على وحدة الصانع وقدرته وعلمه وحكمته إذا تأملها الناظر. وقوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} , أي: متخالف متناقض في أمر الله عز وجل, حيث تقولون: إنه جل شأنه خلق السماوات والأرض, وتقولون بصحة عبادة الأصنام معه, وفي أمر الرسول فتقولون تارة: إنه مجنون وأخرى إنه ساحر, ولا يكون الساحر إلا عاقلا, وفي أمر الحشر, فتقولون تارة: لا حشر ولا حياة بعد الموت أصلا, وتزعمون أخرى أن أصنامكم شفعاؤكم عند الله تعالى يوم القيامة, إلى غير ذلك من الأقوال المتخالفة فيما كلفوا بالإيمان به2. وقوله: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي: يصرف عن الإيمان بما كلفوا الإيمان به. {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} أي: الكذابون من أصحاب القول المختلف. {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} الغمرة: الجهل العظيم يغمرهم ويشملهم شمول الماء الغامر لما فيه, والسهو: الغفلة. قال تعالى في أواخر سورة الأنعام: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 3.   1 الذاريات: 7-11 2 انظر: روح المعاني (29/5) 3 الأنعام: 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 هذه الآية استئناف لبيان أحوال أهل الكتابين إثر بيان حال المشركين, بناء على ما روي عن ابن عباس1 وقتادة2: أن الآية نزلت في اليهود والنصارى. أي: بددوا دينهم, وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم. {وَكَانُوا شِيَعاً} أي: فرقا تشايع كل فرقة إماما, وتتبعه أي تقويه وتظهر أمره. أخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة, كلهم في الهاوية إلا واحدة, وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة, كلهم في الهاوية إلا واحدة, وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة"3. واستثناء الواحدة من فرق كل من أهل الكتابين إنما هو بالنظر إلى العصر الماضي قبل النسخ, وأما بعده, فالكل في الهاوية, وإن اختلفت أسباب دخولهم. {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} , من السؤال عنهم والبحث عن تفرقهم أو من عقابهم, أو أنت بريء منهم. {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} : تعليل للنفي المذكور, أي: هو يتولى وحده أمرهم: أولاهم وأخراهم ويدبره حسب ما تقتضيه الحكمة.   1 أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (3/63) . 2 أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (ج1/ق2/ص22) , وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/63) , وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. 3 لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ عند أبي داود والترمذي, وإنما وجدته عند المروزيفي السنة ص 24, رقم 61 من حديث علي موقوفا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ومن الناس من قال: المفرقون أهل البدع من هذه الأمة: وقد أخرج الحكيم الترمذي1 وابن جرير2 والطبراني3 وغيرهم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا ... } إلخ: "هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة". فيكون الكلام حينئذ استئنافا لبيان حال المبتدعين إثر بيان حال المشركين إشارة على أنهم ليس منهم ببعيد4. والمقصود أن أهل الجاهلية سواء كانوا أميين أو كتابيين قد فرقوا دينهم, وتغايروا في الاعتقاد, فكان عباد الأصنام كل قوم لهم صنم يدينون له, ولهم شرائع مختلفة في عبادتها, ومنهم من كان يعبد كوكبا, ومنهم من كان يعبد الشمس, ومنهم , ومنهم, وكذلك الكتابيون على ما بينا. فالافتراق ناشئ عن الجهل وإلا فالشريعة الحقة في كل زمان لا تعدد فيها ولا اختلاف, ولذلك ترى القرآن يوحد الحق ويعدد الباطل: قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} 5.   1 في نوادر الأصول ص 209, لكنه من حديث عائشة. 2 في تفسيره (8/105) . 3 في الأوسط (1/207) رقم 664, وقال: " لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا موسى, تفرد به معلل" , وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/23) : رجاله رجال الصحيح, غير معلل بن نفيل وهو ثقة". وانظر: العلل للدارقطني (8/321) رقم 1592. 4 تفسير هذه الآية نقله المؤلف رحمه الله تعالى من روح المعاني (8/68) , وانظر: تفسير أبي السعود (3/206) 5 البقرة: 257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فانظر كيف أفرد النور الذي هو الحق, وجمع الظلمات التي عي الباطل والزيغ, فتفرقة الآراء والاختلاف في الاعتقاد من خصال الجاهلية وما كان عليه أهل الباطل, والاتفاق على العقيدة الحقة هو من دأب أتباع الرسل والمتمسكين يما شرعه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الثانية والستون: دعواهم العمل بالحق الذي عندهم. كما قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1. أي: نستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أنزل لتقرير حكمها. ومرادهم بضمير المتكلم إما أنبياء بني إسرائيل وهو الظاهر, وفيه إيماء إلى عدم إيمانهم بالقرآن كان بغيا وحسدا على نزوله على من ليس منهم, وإما أنفسهم, معنى الإنزال عليه: تكليفهم بما في المنزل من الأحكام. وذُمُوا2 على هذه المقالة لما فيها من التعريض بشأن القرآن, ودسائس اليهود مشهورة3 وتمام الكلام في التفسير.   1 البقرة: 91. 2 في المخطوط والمطبوع "وندموا", وما أثبته هو الموافق لما في روح المعاني. 3 تفسير هذه الآية نقله الشارح من روح المعاني (1/323) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الثالثة والستون: الزيادة في العبادة, كفعلهم يوم عشوراء.   وهذه الخصلة الجاهلية لا تزال موجود إلى يومنا هذا، فأنت ترى المستدركين على الله تعالى فيما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من زنادقة الصوفية والرافضة كل يوم يأتون بشرع جديد، وكل شيخ وآية له دينه الذي لا يشركه فيه أحد، حتى أصبح الدين بسبب هؤلاء سبة، وغدوا عائقا كبيرا أمام من يريد معرفة الإسلام على وجهه الصحيح، فالهم ياولي الإسلام وأهله أرح العباد من شرهم وكيدهم. أما بالنسبة لبدع يوم عاشوراء، فهي لا تزال، وخاصة عند الرافضة، ويكفي أن ننقل لك أحد نصوص واحد من الرافضة المعاصرين، وهو عبد الله نعمة، حيث يقول في كتابه "روح التشيع" (ص499-500) : "ومن هذه العادات السيئة: ضرب الرؤوس بالسيوف وجرحها، وإسالة الدماء، وضرب الظهور بالسلاسل ضربا مبرحا ... نحن لا ننسى ثورة العامة ومعهم بعض المشايخ على محسن الأمين العاملي حين أفتى بحرمة التمثيل (التشبيه) في عاشوراء، وحرمة ضرب الظهور بالسلاسل، وجرح الرؤوس بالسيوف ... ". وانظر وصفا دقيقا لما يجري يوم عاشوراء في كتاب "الشيعة والتصحيح" لأحد أئمة الرافضة المعاصرين وهو الدكتور موسى الموسوي (ص97-102) . كما أنه يوجد عند المنتسبين إلى السنة (أعني به ما يقابل الرافضة) كثير من البدع في ذلك اليوم بعضها مستند إلى أحاديث واهية، وأكثرها من باب: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الرابعة والستون: النقص منها, كتركهم الوقوف. قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} , أي: من عرفة لا من مزدلفة. والخطاب عام والمقصود إبطال ما كان عليه الحمس من الوقوف بجمع. فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة, وكانوا يسمون الحمس, وكان سائر العرب يقفون بعرفات, فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها, ثم يفيض منها فذلك قوله سبحانه: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} . ومعناها: ثم أفيضوا أيها الحجاج من مكان أفاض جنس الناس منهقديما وحديثا, وهو عرفة لا من مزدلفة.   البقرة: 199 في صحيحه –كتاب التفسير – تفسير سورة البقرة, باب في ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. في صحيحه كتاب الحج , باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (2/893) رقم: 1218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الخامسة والستون: تعبدهم بترك أكل الطيبات من الرزق, وترك زينة الله التي أخرج لعباده. قال تعالى في سورة الأعراف: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ1 لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 2. وسبب النزول- على ما روي عن ابن عباس- أنه كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة, حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة, فتعلق على أسفلها سيورا مثل هذه السيور التي كانت على وجه الحمر من الذباب, وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يَا بَنِي آدَمَ ... } إلخ3. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} مما طاب لكم.   1 في المخطوط والمطبوع "إن الله" وهو خطأ. 2 الأعراف: 31-32 3 أخرجه مسلم في صحيحه كتاب التفسير –باب في قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (4/2320) رقم 3028. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قال الكلبي: "كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتا, ولا يأكلون دسما في أيام حجهم يعظمون بذلك حجهم, فقال المسلمون: يا رسول الله! نحن أحق بذلك, فأنزل الله تعالى الآية". ومنه يظهر وجه ذكر الأكل والشرب هنا. {وَلا تُسْرِفُوا} بتحريم الحلال كما هو مناسب لسبب النزول أو بالتعدي إلى الحرام. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من الثياب وكل ما يتجمل به. {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} , أي: من المستلذات, وقيل: المحللات من المآكل والمشارب, كلحم الشاة وشحمها ولبنها. {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} , أي: هي لهم بالأصالة لمزيد كرامتهم على الله تعالى والكفرة – إن شاركوهم فيها- فالبتبع. {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} لا يشاركهم فيها غيرهم.   سبق تخريجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 السادسة والستون تعبدهم بالمكاء والتصدية. قال تعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} 1. تفسير هذه الآية: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ} , أي: المسجد الحرام الذي صدوا الناس عنه, والتعبير عنه بالبيت للاختصار مع الإشارة إلى أنه بيت الله, وينبغي أن يعظم بالعبادة, وهم لم يفعلوا. {إِلَّا مُكَاءً} , أي: تصفيقا, وهو ضرب اليد باليد حيث يسمع له صوت. والمراد بالصلاة إما الدعاء أو أفعال أخر كانوا يفعلونها , ويسمونها صلاة وحمل المكاء والتصدية عليها بتأويل ذلك بأنها لا فائدة منها ولا معنى لها كصفير الطيور وتصفيق اللعب. وقد يقال: المراد أنهم كانوا وضعوا المكاء والتصدية مكان الصلاة التي يليق أن تقع عند البيت.   1 الأنفال: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 يروى أنهم كانوا إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي, يخلطون عليه بالصفير والتصفيق. ويروى أنهم يصلون أيضا. ويروى أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة: الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون. وباقي الىية معلوم. والمقصود أن مثل هذه الأفعال لا تكون عبادة بل من شعائر الجاهلية. فما يفعله بعض جهلة المسلمين في المساجد من المكاء والتصدية يزعمون أنهم يذكرون الله, فهو من قبيل فعل الجاهلية, وما أحسن ما يقول القائل فيهم: أقال الله لي صفق وغني وقل كفرا وسمي الكفر ذكرا وقد جعل الشارع صوت الملاهي صوت الشيطان, قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} .   أخرجه ابن جرير في تفسيره (9/341) عن ابن عمر, وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/183) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم, وأخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد كما في الدر المنثور (3/183) . في المطبوع: "ويرون" أخرجه ابن جرير في تفسيره (9/241) عن سعيد بن جبير, وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/183) . القائل هو عبد الغفار الأخرس كما في ديوانه ص 358. الإسراء: 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 السابعة والستون: دعواهم الإيمان عند المؤمنين, فإذا خرجوا خرجوا بالكفر الذي دخلوا به1.   1 كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} المائدة: 61, وقال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة: 14, وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} المنافقون: 1-3. وهذه حال كثير من الدعاة إلى الباطل, حيث تجده ينخر في الإسلام مع ادعائه الحرص عليه وعلى أهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الثامنة والستون: دعاؤهم الناس إلى الضلال بغير علم1.   1 هذه الحال تنطبق على النصارى والأميين, فإنهم جهال, لا يعرفون شيئا, ومع ذلك كانوا يدعون إلى باطلهم, ويتعصبون له, وكأنه الحق, مع أنهم ليس لهم علم بالكتاب وليس لديهم أثارة من علم, ولئن كان النصارى قد جاءهم من ربهم على لسان نبيهم عيسى صلى الله عليه وسلم, فإنه لم يلبث أن حرف وبدل. ومن هو على شاكلتهم في هذا العصر كثير, فأنت ترى الضلال من المتصوفة ليس لهم علم بكتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك يبثون دعاتهم شرقا وغربا لنشر باطلهم والدعوة إليه وتنفق الأموال الطائلة لأجل ذلك. وتأمل حال أهل البدع من المتكلمين من الأشاعرة المخذولين والرافضة الزنادقة الملحدين وغيرهم تجدهم متحمسين لباطلهم, مدافعين عنه مع جهلهم بالكتاب والسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 التاسعة والستون: دعاؤهم الناس إلى الكفر مع العلم. وهذه حال اليهود, فإنهم يعلمون من كتبهم صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك يدعون الناس إلى مخالفته والكفر به, وتكذيبه, كما قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} البقرة: 109, وقال تعالى: {َا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} آل عمران: 71. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} آل عمران:99. ومشابهوهم في عصرنا هذا كثير, وذلك أن أغلب دعاة الضلالة بعلمون أن الحق هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويستيقنون ذلك, ومع ذلك الناس على خلافه, ويشككونهم فيه, حسدا من عند أنفسهم فغلى الله المشتكى وهو المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 السبعون: المكر الكبار كفعل قوم نوح. قال تعالى في سورة نوح عليه السلام: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً. وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} . ومعنى الكبار: الكبير. والمكر الكبار: احتيالهم في الدين, وصدهم للناس عنه, وإغراؤهم وتحريضهم على أذية نوح عليه السلام. وهكذا فعل أخلاف هؤلاء من مردة الدين وأتباع الهوى وعبدة الدنيا, يفعلون مع دعاة الحق كما فعل قوم نوح عليه السلام معه, وقد تشابهت قلوبهم, نسأله تعالى أن يعيذ رجال الحق من كيد مثل هؤلاء الفجرة ويصونهم من مكرهم. فقد جربتهم فرأيت منهم خبائث بالمهيمن نستجير   نوح: 22-24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الحادية والسبعون: أئمتهم: إما عالم فاجر, وإما عابد جاهل. قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً1 فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} 2. فذكر في الآية أن فريقا من أسلاف اليهود وهم الأحبار, كانوا يسمعون التوراة ويؤولونها تأويلا فاسدا حسب أغراضهم, بل كانوا يحرفونها بتبديل كلام من تلقائهم, كما فعلوا ذلك في نعته صلى الله عليه وسلم, فإنه روي أنه من صفاته فيها أنه أبيض ربعة, فغيروه بأسمر طويل, وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه, كما في البخاري3.   1 قوله سبحانه: {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} ساقط من المخطوط. 2 البقرة: 75-79 3 أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب التوحيد- باب ما يجوز من تفسير التوراة- (8/213-214) الآية: 6-8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 {وَمِنْهُمْ} فريق. {أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} إلا بالدعاوى الكاذبة, والمراد بهم جهلة مقلدة, لا إدراك لهم. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من التفسير. والمقصود أن تحريف الكلم, واتباع الهوى, والقول على الله من غير علم من خصال الجاهلية. وأنت تعلم حال أحبار السوء اليوم والرهبان الذين يقولون على الله ما لا يعلم قد تجاوزوا الحد في اتباع الهوى وتأويل النصوص وما أشبه ذلك مما يستحيي منه الإسلام, والأمر لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الثانية والسبعون: زعمهم أنهم أولياء لله من دون الناس. دليل هذه المسألة قوله تعالى في سورة الجمعة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} 1, أي: صاروا يهودا. {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ} , أي: أحباء له سبحانه , ولم يضف {أَوْلِيَاءُ} إليه تعالى كما في قوله سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} 2, ليؤذن بالفرق بين مدعي الولاية ومن يخصه بها. {مِنْ دُونِ النَّاسِ} أي: متجاوزين عن الناس. {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} , أي: فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في زعمكم, واثقين بأنه حق, فتمنوا الموت, فإنه من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يتخلص إليها من هذه الدار التي هي قرارة الأنكاد3 والأكدار. وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك إظهارا لكذبهم, فإنهم كانوا يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} 4 , ويدعون أن الآخرة لهم عند الله خالصة,   1 الجمعة: 6 2 يونس: 62 3 في المطبوع: "الإنكار". 4 المائدة: 18 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ويقولون: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً} , وكما أخبر تعالى: عن الكتابيين في كتابه, فقال جل شأنه: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1. وروي أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبت يهود المدينة ليهود خيبر: إن اتبعتم محمدا أطعناه, وإن خالفتموه خالفناه, فقالوا: نحن أبناء خليل الرحمن, ومنا عزير ابن الله والأنبياء, ومتى كانت النبوة في العرب؟! نحن أحق بها من محمد, ولا سبيل إلى اتباعه, فنزلت: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} الآية2. {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} : إخبار بحالهم المستقبل, وهو عدم تمنيهم الموت, وذلك خاص بأولئك المخاطبين. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم: " والذي نفسي بيده لا يقولها أحد منكم إلا غص يريقه"3. فلم يتمنه أحد منهم, وما ذلك إلا لأنهم كانوا موقنين بصدقه صلى الله عليه وسلم, فعلموا أنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم, ولحقهم الوعيد, وهذه إحدى المعجزات. {ِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بسببه, وكأنه قيل: انتفى تمنيهم بسبب ما قدمت, والمراد بما قدمته أيديهم, الكفر والمعاصي الموجبة لدخول   1 البقرة: 111-112 2 ذكره أبو حيان في البحر المحيط (7/267) ولم يعزه. 3 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (6/274) , ,اخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه عن بن عباس بلفظ: "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 النار, ولما كانت اليد من بين جوارح الإنسان مناط عامة أفعاله, عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} , أي: بهم, وإيثار الإظهار على الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بأنهم ظالمون في كل ما يأتون ويذرون من الأمور التي من جملتها ادعاء ما هم عنه بمعزل, أي: والله عليم بما صدر منهم من فنون الظلم والمعاصي, وبما سيكون منهم, فيجازيهم على ذلك. {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} ولا تجسرون على أن تمنوه مخافة أن تؤخذوا بوبال أفعالكم. {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} البتة, من غير صارف يلويه, ولا عاطف يثنيه. {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الذي لا تخفى عليه خافية. {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الكفر والمعاصي بأن يجازيكم بها. وهذا ديدن الزائغين وشأن الملحدين كما قال تعالى عن اليهود: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} . وقد ورث هذه الخصلة كثير ممن ينتمي إلى الملة الإسلامية, بل كل من الفرق يقول: نحن أولياء الله, ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الفرق في بيان الفرقة الناجية: "وهم ما أنا عليه وأصحابي   المائدة: 18 في المطبوع: "من يقول". سبق تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الثالثة والسبعون: دعواهم محبة الله مع ترك شرعه, فطالبهم سبحانه بقوله في سورة آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. قال الحسن2 وابن جريج3: "زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله, فقالوا: يا محمد! إنا نحب ربنا, فأنزل الله تعالى هذه الآية". وروى الضحاك عم ابن عباس قال: " وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشُنوف4, وهم يسجدون لها, فقال: " يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل, ولقد كانا على الإسلام", فقالت قريش: يا محمد! إنما نعبد هذه حبا لله, لتقربنا على الله   1 آل عمران: 31 2 أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/232) 3 أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/232) وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/17) , وزاد نسبته على ابن المنذر. 4 جاء في حاشية المخطوط: "الشنوف –محركة بالضم- القرط الأعلى, أو معلاق في قوف الأذن, أو ما علق في أعلاها, وأما ما علق في أسفلها فقرط, جمعه شنوف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 زلفى, فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ... } إلخ. وفي رواية أبي صالح أن اليهود لما قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} أنزل الله هذه الآية, فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود, فأبوا أن يقبلوها. وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: "نزلت في نصارى نجران, وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح, نعبده حبا لله, وتعظيما له, فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم". وبالجملة: من تلبس بالمعاصي لا ينبغي له أن يدعي محبة الله. وما أحسن قول القائل: عصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع   ذكره البغوي في تفسيره (1/293) , وابن الجوزي في زاد المسير (1/273) المائدة: 18 ذكر هذا الأثر ابن الجوزي في زاد المسير (1/273) أخرجه ابن جرير في تفسيره (3/232) بنحوه هذان البيتان ينسبان على الإمام الشافعي, وهما في ديوانه ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الرابعة والسبعون: تمنيهم على الله الأماني الكاذبة. قال تعالى في سورة آل عمران: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} 1. أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس قال: " دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيت المدارس2 على جماعة من اليهود, فقال النعمان بن عمرو والحارث بن ويد: على أي دين أنت يا محمد؟ قال: "على ملة إبراهيم ودينه", قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا, فقال بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلما إلى التوراة, فهي بيننا وبينكم, فأينا3 عليه" فأنزل الله تعالى هذه الآية"4. وفي البحر: " زنى رجل من اليهود بامرأة, ولم يكن بعد في ديننا   1 آل عمران: 24 2 بيت المداري: البيت الذي يدرس فيه اليهود. انظر النهاية في غريب الحديث (2/113) , لسان العرب: مادة درس (6/180) 3 في تفسير ابن أبي حاتم "فابيا عليه". 4 أخرجه ابن إسحاق وابن جرير في تفسيره (322/218-217) , وابن أبي حاتم في تفسيره (2/166) وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/14) وزاد نسبته إلى ابن المنذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الرجم, فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, تخفيفا على الزانيين لشرفهما, فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنما أحكم بكتابكم", فأنكروا الرجم, فجيء بالتوراة, فوضع حبرهم1 ابن صوريا يده على آية الرجم, فقال عبد الله بن سلام: جاوزها يا رسول الله, فأظهرها, فرجما, فغضبت اليهود, فنزلت"2. ومعنى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} , أي: المذكور من التولي والإعراض حاصل لهم بسبب هذا القول الذي رسخ اعتقادهم به3, وهونوا به الخطوب, ولم يبالوا معه بارتكاب المعاصي والذنوب. والمراد بالأيام المعدودات: أيام عبادتهم العجل. {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} , أي: غرهم افتراؤهم وكذبهم, أو الذي كانوا بفترونه من قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} , أو من قولهم: {َحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} , أو مما يشمل ذلك ونحوه من قولهم: إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا, وإن الله تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أبناءه إلا تحلة القسم4, فرد عليهم سبحانه بقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ .... } إلخ. روي أن أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود,   1 في المطبوع "جرهم" 2 البحر المحيط (2/416) , ونسبه أبو حيان إلى الكلبي, وذكره البغوي في تفسيره (1/389) , وابن الجوزي في زاد المسير (1/366) , ونسباه إلى ابن المنذر 3 في المخطوط "له" 4 انظر: تفسير ابن جرير (3/219) . ?? ?? ?? ?? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد, ثم يأمر بهم إلى النار. وهكذا رأينا كثيرا من أهل زماننا ما يفعلون من المنكرات, اعتمادا على الشفاعة, أو على علو الحسب وشرف النسب, والله المستعان. وفي سورة البقرة: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .   روح المعاني: (3/111-112) من قوله تعالى: {والذين آمنوا} إلى آخر الآية ليس في المطبوع. البقرة: 80-82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الخامسة والسبعون: اتخاذهم قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. هذه المسألة من خصال الكتابيين أيام جاهليتهم. وفي ذلك ورد الحديث الصحيح: "لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 1, ثم قال: " فلا تتخذوها مساجد". وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"2. وفي لفظ لمسلم: "لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس, قال: "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم, طفق يطرح خميصة على وجهه, فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه, فقال: -وهو كذلك-: "لعن الله اليهود والنصارى,   1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الجنائز- باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (2/206) ومسلم في صحيحه – كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد- (1/377) ح 530 2 أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الصلاة- باب (1/112-113) , ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب النهي عن بناء المساجد على القبور ... (1/376-377) ح 530. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد", يحذر مما صنعوا"1. وفي الصحيحين أيضا عن عائشة أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها: "مارية", وذكرتا من حسنها وتصويرها فيها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولئك إذا مات الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا, وصوروا فيه تلك الصور, أولئك شرار الخلق عند الله"2. وعن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج", رواه أهل السنن الأربعة3.   1 أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الصلاة- باب هل تنبهش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مسجد (1/112-113) , وباب الصلاة في البيعة (1/112) , ومسلم في صحيحه -كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب النهي عن بناء المساجد على القبور ... (1/376-377) ح 530. 2 أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الصلاة- باب هل تنبهش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مسجد (1/112-113) , ومسلم في صحيحه -كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب النهي عن بناء المساجد على القبور ... (1/376-377) ح 530. 3 أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجنائز- باب في زيارة النساء القبور (3/558) ح 3236, والنسائي في السنن الكبرى- كتاب الجنائز- باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (1/657) ح 2170, وفي المجتبى – كتاب الجنائز – باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور- (4/95-96) , والترمذي في جامعه –أبواب الصلوات- باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا (2/136-137) ح 320, والطيالسي في مسنده ص 357 ح 2733, وابن أبي شيبة في مصنفه –كتاب الجنائز- باب من كره زيارة القبور, (3/344) , وأحمد في مسنده (1/229-287-327-337) , وابن حبان في صحيحه (الموارد) –كتاب الجنائز- باب زيارة القبور- ص 200 ح 788, والطبراني في المعجم الكبير (12/148) ح 12725 , والحاكم في المستدرك –كتاب= الجنائز (1/374) والبيهقي في السنن الكبرى –كتاب الجنائز- باب ما ورد في نهي النساء عن زيارة القبور (4/78) والخطيب في تاريخ بغداد (8/70-71) , والبغوي في شرح السنة –كتاب الصلاة- باب كراهية أن يتخذ القبر مسجدا (2/416-417) ح510. وقد حسن هذا الحديث الترمذي في جامعه, والبغو والسيوطي في الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص 113 وأحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي, وصححه في شرح المستد (1/323) . وقال الحاكم: "أبو صالح –أحد رجال الإسناد- هذا ليس بالسمان المحتج به, إنما هو باذان ولم يحتج به الشيخان, ولكنه متداول بين الأئمة, ووجدت له متابعا من حديث سفيان الثوري في متن الحديث فخرجته". وقال الذهبي في تلخيصه: " أبو صالح هو باذان, ولم يحتجا به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فهذا التحذير منه, واللعن عن مشابهة أهل الكتاب في بناء المسجد على قبر الرجل الصالح صريح في النهي عن المشابهة. وفي هذا دليل على الحذر من جنس أعمالهم, حيث لا يؤمن في سائر أعمالهم أن يكون من هذا الجنس. ثم من المعلوم ما قد ابتلي به كثير من هذه الأمة, من بناء القبور مساجد, واتخاذ القبور مساجد بلا بناء, وكلا الأمرين محرم, ملعون فاعله بالمستفيض من السنة, وليس هذا موضع استقصاء ما في ذلك من سائر الأحاديث والآثار, ولهذا كان السلف يبالغون في المنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 السادسة والسبعون: اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد. كما ورد عن عمر رضي الله عنه – فغن هذه المسألة –أيضا- من بدع جاهلية الكتابيين, كانوا يتخذون آثار أنبيائهم مساجد. فورثهم الجاهلون من هذه الأمة, فتراهم يبنون على موضع اختفى به النبي صلى الله عليه وسلم, أو وصل قدمه المبارك إليه, أو تعبد فيه, وهذا ليس مما يحمد في الشريعة, لجره إلى الغلو. وفي العراق مواضع كثيرة بنوا عليها مباني, كالمقام الذي زعموا أن الشيخ الكيلاني تعبد فيه, وكأثر الكف الذي زعم الشيعة أنه أثر كف الإمام علي لما وضع على الصخرة فأثر فيها, فبنوا عليها مسجدا, وكعدة أماكن زعموا أن الخضر رؤي فيها, ولا أصل له, إلى غير ذلك مما لا يستوعبه المقام. فينبغي لمن يدعي الإسلام أن يتجنبها, وينهى عن حضورها, وإن رمي بالإنكار, وعداوة والأشرار, وكيد المارقين الفجار. وفي المسألة تفصيل لا بأس بذكره. قال شيخ الإسلام: "فأما1 مقامات الأنبياء والصالحين وهي الأمكنة التي قاموا فيها وأقاموا, أو عبدوا الله سبحانه لكنهم لم يتخذوها مساجد, فالذي بغني في ذلك قولان عن العلماء مشهوران:   1 في المخطوط والمطبوع "أما" وما أثبته من الاقتضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 أحدهما: النهي عن ذلك وكراهته, وأنه لا يستحب قصد بقعة للعبادة, إلا أن يكون قصدها للعبادة مما جاء به الشرع, ومثل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصدها للعبادة, كما قصد الصلاة في مقام إبراهيم, وكما كان يتحرى الصلاة عند الإسطوانة1, وكما تقصد المساجد للصلاة, ويقصد الصف الأول, ونحو ذلك. والقول الثاني: أن لا بأس باليسير من ذلك, كما نقل عن ابن عمر أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم [قد] 2 سلكها اتفاقا لا قصدا. وسئل الإمام أحمد عن الرجل يأتي المشاهد, ويذهب إليها, ترى ذلك3: قال: أما على حديث ابن أم مكثوم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته حتى يتخذ ذلك مصلى4, وعلى ما كان يفعله ابن عمر, يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره, فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد, إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا وأكثروا فيه. وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم أنه سئل عن الرجل يأتي المشاهد   1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الصلاة- باب الصلاة إلى الإسطوانة (1/127) من حديث سلمة بن الأكوع. 2 الزيادة من الاقتضاء. 3 الذي في الاقتضاء: "قال سندي الخواتيمي: سألنا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد, ويذهب غليها, ترى ذلك؟ " 4 لم أجده من حديث ابن أم مكثوم, وإنما وجدته من حديث عتبان بن مالك عند البخاري في "صحيحه" –كتاب الصلاة- باب المساجد في البيوت (1/109) , ومسلم –كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب الرخصة عن التخلف عن الجماعة بعذر (1/455) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 التي بالمدينة وغيرها يذهب إليها؟ فقال: أما حديث على حديث ابن أم مكثوم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته حتى يتخذه مسجدا, وعلى ما كان يفعل ابن عمر, كان يتتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم, حتى رؤي يصب1 في موضع ماء, فسئل عن ذلك, فقال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصب ههنا2 ماء"3, وقال: أما على هذا فلا بأس, قال: ورخص فيه, ثم قال: ولكن قد أفرط الناس جدا, وأكثروا في هذا المعنى, فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده. رواه الخلال في كتاب الأدب. فقد فصل أبو عبد الله في المشاهد- وهي الأماكن التي فيها آثار الأنبياء والصالحين من غير أن تكون مساجد لهم كمواضع بالمدينة- بين القليل الذي لا يتخذونه عيدا, والكثير4 الذي يتخذونه عيدا كما تقدم. فإنه قد روى البخاري في صحيحه عن موسى بن عقبة قال: "رأيت سالم5 بن عبد الله يتحرى أما كن الطريق, ويصلي فيها, ويحدث أن أباه كان يصلي فيها, وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة"6.   1 في الاقتضاء: "حتى رئي أن يصب". 2 في المخطوط والمطبوع "هنا" , وما أثبته من الاقتضاء. 3 ذكر هذا الأثر ابن الأثير في أسد الغابة (3/237) والذهبي في سير أعلام النبلاء" (3/213) . 4 في المطبوع "أو الكثير" , وما أثبته هو الموافق لما في الاقتضاء. 5 في المطبوع "سالما". 6 صحيح البخاري –كتاب الصلاة- باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم (1/89) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فهذا كما رخص الإمام أحمد. وأما كراهته1, فروى سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن عمر قال: خرجنا معه في حجة حجها, فقرأ بنا في الفجربـ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} 2, و {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 3 في الثانية, فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد, فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى الله عليه وسلم فيه, فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم, اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا, من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل, ومن لم تعرض له الصلاة فليمض4"5. فقد كره عمر اتخاذ مصلى النبي صلى الله عليه وسلم عيدا, وبيّن أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا, وكانوا يتبعون آثار أنبيائهم, ويتخذونها كنائس وبيعا. وروى محمد بن وضاح وغيره: "أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم, لأن الناس   1 في الاقتضاء: "وأما ما كرهه". 2 الفيل: 1 3 قريش: 1 4 في الاقتضاء: "فليمض ولا يتعمدها". 5 لم أجد هذا الأثر في المطبوع من سنن سعيد بن منصور, وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه- كتاب الصلاة- باب الصلاة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإتيانه (2/376-377) , وعبد الرزاق في مصنفه –كتاب الصلاة- باب ما يقرأ في الصبح في السفر (1/118-119) ح 2734 , وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" ص 41-42 , وصحح شيخ الإسلام إسناده في التوسل والوسيلة ص 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 كانوا يذهبون تحتها, فخاف عمر الفتنة عليهم ". وما ذكره عمر هو الحري بالقبول, وهو مذهب جمهور الصحابة, غير ابنه , وهو الذي يجب العمل به, ويعول عليه.   رواه ابن سعيد في الطبقات (2/100) , وابن وضاح في البدع والنهي عنها ص 42-43. اقتضاء الصراط المستقيم (2/742-744) . الظاهر من حال ابن عمر رضي الله عنهما ا، هـ إنما أراد بفعله ذلك الاقتداء لا التبرك, بدليل ما ذكره أهل العلم من تشدده في الاقتداء هـ صلى الله عليه وسلم, حتى قال نافع فيما أخرجه عنه أبو نعيم في الحلية: (1/310) : "لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 المسألة1 السابعة والسبعون: اتخاذ السرج على القبور. دليل حرمة ذلك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي سبق ذكره من لعن من يفعل ذلك. وليتك رأيت ما يوقد في ترب أئمة أهل البيت ونحوها من الشموع, ولا سيما في ليالي رمضان والليالي المباركة, وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا2.   1 " المسألة" ليست في المطبوع. 2 ذكره الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى- في كتابه "السنة والشيعة أو الرافضة والوهابية" أنه رأى من وسائل الإنارة على قبور الروافض –أذلهم الله وأخزاهم- ما يكفي لتنوير مدينة عظيمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الثامنة والسبعون: اتخاذها أعيادا1. اعلم أن العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائدا ما تعود السنة أو يعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك. فالعيد يجمع أمورا: منها: يوم عائد, كيوم الفطر, ويوم الجمعة. ومنها: أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات. وقد يختص العيد بمكان بعينه, وقد يكون مطلقا. هؤلاء مسلمو أهل العراق, لكل تربة وليّ يوم مخصوص يجتمعون فيه للزيارة, كزيارة الغدير, ومرد الرأس. ومنهم من خص له يوم من أيام الأسبوع, فالجمعة لفلان, والسبت لفلان2, والثلاثاء لفلان, وهكذا. ومن ذلك بعض الأيام والليالي المباركة, كليلة القدر, وأيام   1 انظر بتوسع في هذه المسالة: اقتضاء الصراط المستقيم (2/613) وما بعدها , إغاثة اللهفان (1/190) وما بعدها. 2 "والسبت لفلان" ساقط من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الأعياد, وليلة النصف من شعبان, وغير ذلك, كل ذلك مما لم ينزل الله به سلطان, ومن مكايد الشيطان.   "كل ذلك" ساقط من المطبوع. " ومن مكايد الشيطان" ساقط من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 التاسعة والسبعون: الذبح عند القبور. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 1. أمره الله تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله, ويذبحون له. أي: أنه أخلص لله صلاته وذبيحته, لأن المشركين يعبدون الأصنام ويذبحون لها, فأمر الله تعالى بمخالفتهم, والانحراف عما هم فيه والانقياد بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى, فمن تقرب لغير الله تعالى ليدفع عنه ضيرا, أو يجلب له خيرا, تعظيما له, من الكفر الاعتقادي والشرك الذي كان عليه الأولون. وسبب مشروعية التسمية وتخصيص مثل هذه الأمور العظام بالإله الحق المعبود العلام, فإذا قصد بالذبح غيره كان أولى بالمنع. وصح نهيه صلى الله عليه وسلم عن الذبح عمن استأذنه بالذبح ببوانة, وأنه قد نذر ذلك, فقال صلى الله عليه وسلم: " أكان فيها صنم؟ قال: لا, قال: هل كان فيها عيد من أعياد المشركين؟ ",   1 الأنعام: 162-163 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 قال: لا, قال: أوف بنذرك", أخرج ذلك أبو داود في سننه1. وهذا السائل موحد مقرب لله سبحانه وتعالى وحده, لكن المكان الذي فيه معبود غير الله, وقد عدم, أو محل لاجتماعهم يصلح مانعا, فلما علم صلى الله عليه وسلم أن ليس هناك شيء من ذلك , أجازه, ولو علم شيئا مما سأل عنه, لمنعه صيانة لحمى التوحيد وقطعا لذريعة الشرك. وصح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دخل الجنة رجل في ذباب, ودخل النار رجل في ذباب", قالوا: "كيف ذلك يا رسول الله؟! , قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا, قالوا له: قرب ولو ذبابا, فقرب ذبابا, فخلوا سبيله, فدخل النار, وقالوا للآخر قرب, قال: ما كنت أقرب شيئا لأحد دون الله عز وجل, فضربوا عنقه, فدخل الجنة"2. ففي هذا الحديث من الفوائد: كون المقرب دخل النار بالسبب الذي لم يقصده, بل فعله تخلصا من شرهم, وأنه كان مسلما, وإلا لم يقل: دخل النار.   1 كتاب الإيمان والنذور- باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر- (3/607) ح 3313 والبيهقي في السنن الكبرى-كتاب النذور- باب من نذر أن ينحر بغيرها –مكة- ليتصدق (10/83) والطبراني في الكبير (2/75) ح 1341, وصححه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/180) . 2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه – كتاب الجهاد- باب ما قالوا في المشركين يدعون المسلمين إلى غير ما ينبغي يجيبونهم أم لا ويكرهون عليه- (12/358) , وأحمد في الزهد ص 22, وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/203) موقوفا على سلمان الفارسي, ولم أجده مرفوعا, غير أنه لا يمكن أن يقال بالرأي, فله حكم الرفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وفيه ما ينبغي الاهتمام به من أعمال القلوب التي هي المقصود الأعظم والركن الأكبر. فتأمل في ذلك, وانظر إلى فؤادك في جميع ما قالوه, وألق سمعك لما ذكروه, وانظر الحق, فإن الحق أبلج والباطل لجلج, فبالنظر التام إلى ما كان عليه المشركون من تقريبهم لأوثانهم, لتقربهم إلى الله, لكونهم شفعاء لهم عند الله, وشفاعتهم بسبب أنهم رسل الله أو ملائكته أو أولياء الله, يتبين لك ما عليه الناس الآن, والله المستعان.   في المطبوع: "من تقربهم" في المطبوع: "لتقريبهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الثمانون: التبرك بآثار المعظمين, كدار الندوة1, وافتخار من كانت تحت يده بذلك, كما قيل لحكيم بن حزام: بعت مكرمة قريش؟! , فقال: "ذهبت2 المكارم إلا التقوى"3. هذه الخصلة قد امتدت عروق ضلالها في أودية قلوب الجهلة مسلمين, وزادوا على ما كان عليه أهل جاهلية العرب والكتابيين. ولا بدع من حكيم بن حزام القرشي الأسدي إذا ما رد على من قال له:   1 دار الندوة: دار بنها قصي بن كلاب, وكانت قريش تأمر فيها, حيث كانوا يتيامنون بأمره, "فما تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش وما يتشاورون في أمر نزل بهم ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره, يشق عليها من درعها ثم تدرعه ثم ينطلق بها إلى أهلها, فكان أمره من قريش في حياته ومن بعد موته كالدين المتبع". "مختصر سيرة ابن إسحاق" لا بن هشام (1/125) , وانظر: تاريخ مكة للأزرقي (2/252-253) , "أخبار مكة" للفاكهي (3/310-311) , "المنمق في أخبار قريش" لا بن حبيب ص 32-34, "جمهرة نسب قريش" للزبير بن بكار (3/354) 2 في المخطوط "ذهب". 3 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/186) ح 3073, قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/384) : رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بعت مكرمة قريش, وقد باعها من معاوية بمائة ألف درهم: "ذهبت المكارم إلا التقوى". كيف لا وقد كان عاقلا سريا فاضلا تقيا سيدا بماله غنيا, أعتق في الجاهلية مائة رقبة, وحمل على مائة بعير, وحج ومعه مائة بدنة قد جللها بالحبرة, وكفها عن أعجازها وأهداها ووقف بمائة وصيف بعرفة في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها: "عتقاء الله عن حكيم بن حزام", وأهدى ألف شاة, وهو الذي عاش في الجاهلية ستين سنة, وفي الإسلام ستين سنة, وولد في الكعبة "   انظر: تهذيب الكمال (7/170-192) , وسير أعلام النبلاء (3/44-51) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الحادية والثمانون الفخر بالأحساب. الثانية والثمانون الاستسقاء بالأنواء. الثالثة والثمانون الطعن في الأنساب. الرابعة والثمانون النياحة. أقول: هذه المسائل الأربع دليل بطلانها حديث واحد, وهو ما رواه البخاري ومسلم1, بسنده إلى أبي مالك الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثه قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب, والطعن في الأنساب, والاستسقاء   1 كتاب الجنائز –باب التشديد والنياحة- (2/644) ح 934 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 بالنجوم والنياحة" وقال: "النائحة1 إذا لم تتب قبل موتها, تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران, ودرع من جرب". الفخر في الأحساب: افتخارهم بمفاخر الآباء. والطعن في الأنساب: إدخالهم العيب في أنساب الناس, تحقيرا لآبائهم, وتفضيلا آباء أنفسهم على آباء غيرهم. والاستسقاء بالنجوم: اعتقادهم نزول المطر, بسقوط نجم في الغرب مع الفجر, وطلوع آخر يقابله من المشرق, فقد كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا, وقال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 2. وهذا مفصل في كتب الأنواء3 بما لا مزيد عليه. ومعنى قوله في النائحة: " وعليها سربال من قطران": أن الله تعالى يجازيها بلباس من قطران, لأنها كانت تلبس الثياب السود". وقوله: "درع من جرب": يعني يسلط على أعضائها الجرب والحكة, بحيث يغطي بدنها تغطية الدرع –وهو القميص- لأنها كانت تجرح بكلماتها المحرقة قلوب ذوي المصيبات. فهذا حديث دل على بطلان ما كان عليه أهل الجاهلية من هذه الخصال الرديئة.   1 في المطبوع: "والناحية أو قال: النائحة". 2 الواقعة: 82. 3 انظر: "الأنواء في مواسم العرب" لابن قتيبة, "القول في علم النجوم" للخطيب البغدادي, "الأنواء والأزمنة" لعبد الله بن الحسين الثقفي, "الأزمنة وتلبية الجاهلية" لقطرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وورثتهم اليوم من هذه الأمة, تجاوزوا فيها أسلافهم, وزادوا في الطنبور نغمات, فتراهم يفتخرون بمزايا آبائهم وهم بمراحل عنهم, فهذا يقول: كان جدي السيخ الفلاني, وهذا يقول: جدي العالم الرباني, إلى غير ذلك. وكذلك الطعن في الأنساب, وهذا يقول: إن آباء فلان لم يكونوا من العترة الطاهرة, وذاك يقول: إن آباء فلان لم يكونوا من ذوي الأحساب الباهرة. وكذلك الاستسقاء بالأنواء, ولم يعتقد كثير من الناس أن ما كان من فعل رب الأرض والسماء. وهكذا النوح على الأموات, فقد اتخذه كثير من الناس من أفضل الأعمال, وسبب الوصول إلى مرضاة ذي الجلال, لا سيما من اتخذ المآتم الحسينية في كل عام, فهناك من البدع ما تكل عن نقله ألسنة الأقلام, والويل كل الويل, لمن أنكر شيئا من ذلك, فإنهم يوردونهم موارد العطب والمهالك, والأمر لله, ولا حول ولا قوة إلا بالله.   في المطبوع " وورثهم اليوم طائفة" في المطبوع " أن ما كان إنما هو من فعل رب الأرض والسماء" وقد وُضعت "إنما هو " بين حاصرتين, علامة على أنها زيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الخامسة والثمانون: تعيير الرجل بفعل غيره, لا سيما أبوه وأمه. فخالفهم صلى الله عليه وسلم, وقال: "أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ". والحديث في صحيح الإمام البخاري في باب المعاصي من أمر الجاهلية, ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤ فيك جاهلية" , وقال الله تعالى في النساء: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . وهذا الباب في كتاب الإيمان من صحيحه, ثم قال: "حدثنا سليمان ابن حرب, قال: حدثنا شعبة عن واصل عن معرور, قال: لقيت أبا ذر بالربذة1, وعليه حلة وعلى غلامه حلة, فسألته عن ذلك, فقال إني ساببت رجلا, فعيرته بأمه, فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أعيرته بأمه؟! , إنك امرؤ فيك جاهلية, إخوانكم خولكم, جعلهم الله تعالى تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده, فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم فأعينوهم"2.   1 الربذة: بفتح الراء والياء, قرية من قرى المدينة, قريبة من ذات عرق انظر:"معجم البلدان" لياقوت الحموي (3/24) . 2 سبق تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وقد أطنب شراح الحديث في شرحه, وليس هذا موضع استقصائه, والمقصود منه أن تعيير الرجل بفعل غيره ليس من شأن كامل الإيمان والمعرفة, فإن أبا ذر رضي الله تعالى عنه, قبل بلوغه المرتبة القصوى من المعرفة تساب هو وبلال الحبشي المؤذن, فقال له: يا ابن السوداء, فلما شكا بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: شتمت بلالا, وعيرته بسواد أمه, قال: نعم, قال: حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية" فألقى أبو ذر خده على التراب, ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه". والناس اليوم-والأمر لله- قد كثرت فيهم خصال الجاهلية, فتراهم يعيرون أهل البلد كلهم بما صدر عن واحد منهم, فأين ذلك من خصال الجاهلية؟!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 السادسة والثمانون: الافتخار بولاية البيت. فذمهم الله تعالى بقوله: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} . وهذه الآية من سورة المؤمنين, وهي من بتمامها قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ. مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} 1. ومعنى الآية على ما في التفسير: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} : تعليل لقوله قبل: {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} , أي: دعوا الصراخ فإنه لا يمنعكم منا, ولا ينفعكم عندنا, فقد ارتكبتم أمرا عظيما وإثما كبيرا, وهو التكذيب بالآيات, فلا يدفعه الصراخ, فكنتم عند تلاوتها: {عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} , أي: معرضون عن سماعها أشد الإعراض, فضلا عن تصديقها والعمل بها, النكوص: الرجوع, والأعقاب: جمع عقب: وهو مؤخر الرجل, ورجوع الشخص على عقبه: رجوعه في طريق الأول, كما يقال: رجع عوده على بدئه.   1 المؤمنون: 66-67 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} , أي: بالبيت الحرام, والباء للسببية, وسوغ بها الإضمار مع أنه لم يجر اشتهار استكبارهم وافتخارهم بأنهم خدام البيت وقوامه. {سَامِراً} , أي: تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه, وذلك أنهم كانوا يجتمعون حول البيت يسمرون, وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن, وتسميته سحرا أو شعرا. و {تَهْجُرُونَ} من الهجر –بفتح السكون- بمعنى القطع والترك, والجملة في موضع الحال, أي: تاركين الحق والقرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير عود الضمير {بِهِ} له, وجاء الهجر بمعنى الهذيان, وجوز أن يكون المعنى عليه, أي: تهذون في شأن القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه, أو ما يعم جميع ذلك, ويجوز أن يكون من الهجر –بضم السكون- وهو الكلام القبيح. فأنكر الله تعالى عليهم بقوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ليعلموا –بما فيه من وجوه الإعجاز- أنه الحق من ربهم, فيؤمنوا به, {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} , أي: بل جاءهم .... إلخ. والمقصود أن من خصال الجاهلية التكبر بسبب الرئاسة على المواضع المقدسة, كما هو –اليوم- حال كثير ممن يدعي الشرف بسبب ذلك, فمنهم من ادعى الشرف على المسلمين بسبب رئاسته على مكة والمدينة, ومنهم من ادعاه بسبب الرئاسة على المشاهد ومقامات الصالحين, وهؤلاء الذين يدعون انتسابهم إلى عبد القادر الجيلي في بغداد يدعون الشرف بسبب رئاستهم على قبر عبد القادر, واستيلائهم على النذور والصدقات والذبائح والقرابين الشركية, التي يتعبدها جهلة المسلمين من الهنود والأكراد ونحوهم, وهم أفسق خلق الله, وأدنؤهم نفسا, وأرذل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 خلق الله مسلكا, فما يفيدهم ذلك عند الله شيئا, وما ينجيهم من مقت الله وعذابه, وإن ظن بهم العوام ما ظنوا, فهم عند الله وعند عباده الصالحين, أحقر من الذر, وأبعد من رحمته يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 السابعة والثمانون: الافتخار بكونهم من ذرية الأنبياء عليهم السلام. فرد الله عليهم بقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. وهذه الآية في أواخر الجزء الأول من سورة البقرة, وتفسيرها: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} : الإشارة إلى إبراهيم عليه السلام وأولاده في قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ... } 2 إلخ. والأمة أتت لمعان, والمراد بها هنا الجماعة, مت "أمّ", بمعنى قصد, وسميت كل جماعة يجمعهم أمر ما: إما دين واحد, أو زمان واحد, أو مكان, بذلك لأنهم يؤم بعضهم بعضا, ويقصده. والخلو: المضي, وأصله الانفراد. {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} , والمعنى: إن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم, وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم, كما قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش! إن أولى الناس بالنبي:   1 البقرة: 141 2 البقرة: 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 المتقون, فكونوا بسبيل من ذلك, فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال, وتلقوني بالدنيا, فأصد عنكم بوجهي"1 وهذا الحديث بمعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2. ومعنى قوله: {وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم. وهذه الخصلة موجودة اليوم في كثير من المسلمين, ورأس مالهم الافتخار بالآباء, فمنهم من يقول: أنا من ذرية عبد القادر الكيلاني, ومنهم من يقول: أنا من ذرية أحمد الرفاعي, ومنهم من يقول: أنا بكري, ومنهم من يقول: أنا عمري, ومنهم من يقول: أنا علوي أو حسني أو حسيني, ولا فضيلة لهم ولا تقوى, وكل ذلك لا ينفعهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اله بقلب سليم, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة: " يا فاطمة بنت محمد, لا أغني عنك من الله شيئا"3. وما قصد أولئك المفتخرين بآبائهم- وهم عارون عن كل فضيلة- إلا أكل أموال الناس بالباطل, وفي المثل: "كن عصاميا, ولا تكن عظاميا" إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي4   1 أخرجه أبو يعلى في المفاريد ص 92 وابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء كما في الدر المنثور (2/42) . 2 الحجرات: 13 3 أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الوصايا- باب هل يدخل النساء والأولاد في الأقارب- (3/190-191) ومسلم في صحيحه –كتاب الإيمان- باب قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1/192-193) ح 206. 4 البيت في ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 37, وذكره الحموي في = خزانة الأدب (2/360) , وابن كثير في البداية والنهاية (11/104) , والأبشيهي في المستظرف من كل فن مستطرف (1/57) , والجريري في الجليس الصالح (1/525) وابن مفلح في الآداب الشرعية (1/215) والشريسي في شرح مقامات الحريري (3/43) واليوسي في المحاضرات في الآداب واللغة" ولم يعزوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ولله در من قال يرد على المفتخر بذلك: أقول لمن غدا في كل يوم ... يباهينا بأسلاف عظام أتقنع بالعظام وأنت تدري ... بأن الكلب يقنع بالعظام وقال آخر: وما الفخر بالعظم الرميم وإنما فخار الذي يبغي الفخار بنفسه   هو البحتري, كما في شرح ديوان المتنبي المنسوب للعكبري (3/325) , ولم أجده في ديوانه والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الثامنة والثمانون: الافتخار بالصنائع, كما افتخر أهل الرحلتين على أهل الحرث. يريد بالرحلتين: رحلة الشتاء إلى اليمن, ورحلة الصيف إلى الشام, وهي عادة كانت لقريش, كما ذكر في سورة الإيلاف. والمقصود أنه لا ينبغي للتاجر أن يفتخر بتجارته على أهل الحرث, ولا أهل كل حرفة على المحترفين بحرفة أخرى, فإن كل ذلك من المكاسب الدنيوية التي يتوصل بها إلى عبادة الله وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ليتوصل بذلك إلى النجاة الأبدية, وهي مدار الفخر, وأما ما سوى ذلك كله فظل زائل ونعيم غير مقيم, فلا ينبغي للعاقل أن يفخر بزخارف الدنيا الدنيئة, ولا يعلم متى يفارقها, نسأله تعالى التوفيق والعمل الصالح الذي يرضيه.   في المخطوط "والاجتناب عن نواهيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 التاسعة والثمانون: عظمة الدنيا في قلوبهم. كقولهم: {لَوْلا نُزِّلَ1 هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} . أي: من خصال الجاهلية مراعاة الدنيا, وعظمتها في قلوبهم, كما حكى الله عنهم: {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ2 هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} 3. هذه الىية من سورة الزخرف, وموضع الاستشهاد فيها قوله: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ4 هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} . المراد من القريتين: مكة والطائف. قال ابن عباس: "الذي من مكة: الوليد بن المغيرة المخزومي, والذي من الطائف, حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي, وكل منهما كان عظيما, ذا   1 في المخطوط والمطبوع " أنول" وهو خطأ. 2 في المخطوط والمطبوع " أنول" وهو خطأ. 3 الزخرف: 30-32. 4 في المخطوط والمطبوع " أنول" وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 جاه ومال, وكان الوليد بن المغيرة يسمى "ريحانة قريش", وكان يقول: لو كان ما يقول محمد حقا لنزل علي أو على أبي مسعود, يعني عروة بن مسعود, وكان يكنى بذلك"1. وهذا باب آخر من إنكارهم للنبوة. وذلك أنهم أنكروا أولا أن يكون النبي بشرا, ثم لما بكتوا بتكرير الحجج, ولم يبق عندهم تصور رواج لذلك, جاؤوا بالإنكار من وجه آخر, فحكموا على الله سبحانه أن يكون الرسول أحد هذين. وقولهم: {هَذَا الْقُرْآنُ} ذكر على وجه الاستهانة, لأنهم لم يقولوا هذه المقالة تسليما, بل إنكارا, كأنه قيل: هذا الكذب الذي يدعيه, لو كان حقا لكان الحقيق به رجل من القريتين عظيم. وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة, إنما تستدعي عظيم النفس بالتخلي عن الرذائل الدنية, والتحلي بالفضائل والكمالات القدسية, دون التزخرف بالزخارف الدنيوية. فأنكر سبحانه عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} , وفيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم بنزول2 القرآن العظيم على من أرادوا. {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح, ولم نفوض أمرها إليهم, وعلما منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية. {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} في الرزق وسائر مبادئ العيش.   1 2 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 {دَرَجَاتٍ} متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة, فمن ضعيف وقوي وغني وفقير وخادم ومخدوم, وحاكم ومحكوم. {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} : ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم, ويستخدموهم في مهنهم, ويسخروهم في أشغالهم, حتى يتعايشوا, ويترادفوا, ويصلوا إلى مرافقهم, لا لكمال في الموسع عليه, ولا لنقص في المقتر عليه, ولو فرضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا, فإذا كانوا في تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنية وهو على طرف الثمام1 بهذه الحالة, فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أنفسهم2, وفي تدبير أمر الدين, وهو أبعد من مناط العيوق, ومن أين لهم البحث عن أمر النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بأمرها. وفي قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا ... } إلخ ما يزهد3 في الانكباب على طلب الدنيا, ويعين على التوكل على الله عز وجل والانقطاع إليه جل جلاله. فاعتبر "نحن قسمنا بينهم" ... تلقه حقا وبالحق نزل4 {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} , أي: النبوة وما يتبعها من سعادة الدارين خير مما يجمعونه من حطام الدنيا الدنية, فالعظيم من رزق تلك الرحمة دون الحطام الدنيء الفاني.   1 الثمام: جمع ثمامة وثُمة, وهي شجرة ضعيفة, فهو يقصد هنا أنه مع سهولة هذا الأمر الذي يشابه في ضعفه هذه الشجرة, فإنهم لا يستطيعونه, فكيف بما هو أشد منه وهو أمر النبوة؟!. 2 في المخطوط "بأنفسهم". 3 في المطبوع " ما يزيد". 4 هذا البيت أحد أبيات لامية ابن الوردي, وهي في ديوانه ص 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وأنت تعلم أن كثيرا من الناس اليوم على ما كان عليه أهل الجاهلية في هذه الخصلة, فتراهم لا يعتبرون العلم إذا كان صاحبه فقير الحال, وينظرون على الغني, ويعتبرون أقواله. ولله در القائل: رب حلم أضاعه عدم الما ل وجهل غطى عليه النعيم   في المطبوع "من قال". البيت لحسان بن ثابت رضي الله عنه كما في ديوانه ص 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 التسعون: ازدراء الفقراء. فأنزل الله سبحانه قوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} . أقول: هذه الآية في أوائل سورة الأنعام, وبيان معناها متعلق بما, وهو قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} 1. فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار المذكورين لعلهم ينتظمون في سلك المتقين, نهي عن كون ذلك بحيث يؤدي إلى طردهم. ويفهم في بعض الروايات أن الآيتين نزلتا معا, ولا يفهم ذلك من البعض الآخر. فقد أخرج الإمام أحمد2 والطبراني3 وغيرهما عن ابن مسعود   1 الأنعام: 50-52 2 في " مسنده" (1/420) . 3 في المعجم الكبير (10/268) , وأخرجه ابن جرير في تفسيره (5/200-201) , وأبو نعيم في الحلية (1/143) , وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/21) : "ورجاله رجال الصحيح غير كردوس وهو ثقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 رضي الله عنه قال: "مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد, رضيت هؤلاء من قومك! أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا! أنحن نكون تبعا لهؤلاء! أطردهم عنك, فلعلك إن طردتهم أن نتبعك –فأنزل الله تعالى- فيهم القرآن: {وَأَنْذِرْ بِهِ} إ لى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} ". واخرج ابن جرير1 وابو الشيخ والبيهقي في الدلائل وغيرهم عن خباب قال: " جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري. فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في أناس ضعفاء من المؤمنين, فلما رأوهم حوله حقروهم, فأتوه, فخلوا به, فقالوا: نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا, فإن وفود العرب تأتيك, فنستحي أن ترانا قعودا مع هؤلاء الأعبد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت, قال: نعم, قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابا, فدعا بالصحيفة, ودعا عليا ليكتب – ونحن قعود في ناحية- إذ نزل جبريل بهذه الآية: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ ... } غلخ. ثم دعانا, فأتيناه وهو يقول: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} 2. فكنا نقعد معه, فغذا اراد أن يقوم قام وتركنا, فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ   1 في تفسيره (7/201) قال ابن كثير في تفسيره (2/136) : "وهذا حديث غريب فغن هذه الىية مكية, والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر" 2 الأنعام: 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ1 وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} 2. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا, فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم". وأخرج ابن المنذر3 وغيره عن عكرمة قال: بة وشيبة ابنا ربيعة وقرظة بن عبد عمرو بن نفيل, والحارث بن عامر بن نفيل, ومطعم ابن عدي في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب, فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد والحلفاء, كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه, فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت يا رسول الله حتى ننظر ما يردون بقولهم, وما يصيرون إليه من أمرهم, فأنزل الله سبحانه: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ} إلى قوله سبحانه: {َلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} , وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما4 مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد, والحلفاء: ابن مسعود, والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو وبن عبد عمرو, ومرثد بن أبي مرثد, وأشباههم, ونزل في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} 5, فلما نزلت أقبل عمر, فاعتذر من مقالته, فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} 6.   1 {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} ليست في المخطوط. 2 الكهف: 28 3 انظر الدر المنثور: (3/13) , وأخرجه أيضا ابن جرير في تفسيره (7/202) 4 في المخطوط "سالم" 5 الأنعام: 53 6 الأنعام: 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} : جملة معترضة بين النهي وجوابه, تقريرا له, ودفعا لما عسى أن يتوهم كونه مسوغا لطرد المتقين من أقاويل الطاعنين في دينهم, كدأب قوم نوح حيث قالوا: {وَمَا نَرَاكَ1 اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} 2, والمعنى: ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة, كما يقوله المشركون حتى تتصدى له, وتبني على ذلك ما تراه من الأحكام, وإنما وظيفتك- حسب ما هو شأن منصب الرسالة- النظر إلى ظواهر الأمور وإجراء الأحكام على موجبها, وتفويض البواطن وحسابها إلى اللطيف الخبير, وظواهر هؤلاء دعاء ربهم بالغداة والعشي. وروي عن ابن زيد أن المعنى: ما عليك شيء من حساب رزقهم3, أي: من فقرهم, والمراد: لا يضرك فقرهم شيء ليصح لك الإقدام على ما أراده المشركون منك فيهم. وقوله: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} عطف على ما قبله, وجيء به – مع أن الجواب قد تم بذلك- مبالغة في بيان كون انتفاء حسابهم عليه ينظمه4, في سلك ما لا شبهة له أصلا, وهو كون انتفاء حسابه صلى الله عليه وسلم عليهم, فهو على طريقة قوله سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} 5 في راي.   1 في المخطوط "مانراك". 2 هود: 27. 3 "روح المعاني" (7/160) . 4 في المخطوط "بنظمه" وما أثبته من المطبوع، وهو الموافق لما في "روح المعاني" الذي نقل عنه المؤلف. 5 الأعراف: 34، النحل:61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وقال الزمخشري: "إن الجملتين في معنى جملة واحدة تؤدي مؤدى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} , كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه, وحينئذ لا بد من الجملتين , وتعقب بأنه غير حقيق بجلالة التنزيل. وقوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} جواب للنهي.   الأنعام: 164، الإسراء: 115، فاطر:18، الزمر:7. " الكشاف" للزمخشري 2/17. انظر: "البحر المحيط" (4/137-138) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الحادية والتسعون: عدم الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر. والكلام على ذلك مفصل في التفسير وكتب الحديث والعقائد. والآيات في ذلك كثيرة منها, قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 1. ومن الشعر الجاهلي في إنكار البعث والنشور. وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تزين بالسنام وماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام تحيينا السلامة أم بكر ... فهل لي بعد قومي من سلام يحدثنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام2 وقال آخر3:   1 التغابن: 7 2 أخرج هذه الأبيات البخاري في صحيحه –كتاب المناقب- باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (4/263) , وقائلها كما في الصحيح- رجل من كلب, وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (7/303) أن اسمه: أبو بكر بن الأسود بن عبد شمس بن مالك ين جعونة, ويقال: ابن الشعوب, وذكر أنها تنسب لغيره, لكن بأخبار لا تثبت 3 هو عبد الله بن الزبعرى السهمي, كما في " شعر عبد الله بن الزعبرى", ونسبه ابن الجوزيفي" تلبيس إبليس" ص 91, إلى أبي العلاء المعري, وهو في ديوان= ديك الجن الحمصي" ص 79, وعزاه الجرجاني في الوساطة بين المتنبي وخصومه" ص 64 لأبي نواس, ثم بصيغة التمريض نسبها لديك الجن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 حياة ثم موت ثم نشر حديث خرافة يا أم عمرو ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} . وقد تكلمنا على معتقدات الجاهلية وأديانهم في غير هذا الموضع.   الصافات: 16-17 , والواقعة: 47-48 وذلك في كتابه " بلوغ الأرب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الثانية والتسعون: الإيمان بالجبت والطاغوت, وتفضيل دين المشركين على دين المسلمين. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. وقد تقدم الكلام على ذلك مفصلا. والمقصود هنا أن جهلة الكتابيين كانوا يقولون للمشركين: أنتم أهدى من المسلمين, وما عندكم خير مما عليه مجمد وأصحابه. وترى المتصوفة والغلاة اليوم على هذا المنهج, يقولون: إن دعاة أهل القبور والغلاة خير ممن يمنع عن ذلك من أهل التوحيد وحفاظ السنة.   1 النساء: 51 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الثالثة والتسعون: كتمان الحق مع العلم به. كما حكى الله ذلك عن أحبار بني إسرائيل من اليهود والنصارى, فقد كتموا ما ورد في كتبهم من البشائر المحمدية, وهم يعلمون بورودها وذكرها في كتبهم. والكلام في هذا الباب مفصل في: "الجواب الصحيح1" لشيخ الإسلام فعليك به فإنه كتاب لم يؤلف مثله.   (3/ 263-322) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الرابعة والتسعون: القول على الله بلا علم. وهو أساس كل فساد وأصل الضلال. وأكثر الناس حظا من هذه الخصلة الجاهلية مبتدعة المتكلمين, فقد تكلموا في الصفات الإلهية بما لم ينزل الله بها1 من سلطان, وأولوا نصوص الشريعة بما تهواه أنفسهم كما فعله الرازي في كتابه أساس التقديس2. وجزى الله شيخ الإسلام خيرا, فقد رد عليه, ونقض أساسه، وسجل ضلاله وجهله، وضيق أنفاسه3، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} 4.   1 في المطبوع: "به". 2 وهو أحد كتب الأشاعرة المعتمد، في مخالفة الرازي الواضحة لأصول أبي الحسن الأشعري، وسلوكه فيه مسلك الجهمية، وقد طبع مرات عديدة. 3 وذلك في كتابه "بيان تلبيس الجهمية" أو "نقض تأسيس الجهمية"، وقد طبع منه مجلدان بتحقيق فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله تعالى، وحقق أخيرا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من قبل بعض طلاب الدراسات العليا. 4 البقرة: (251) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الخامسة والتسعون: التناقض الواضح. قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} 1. وهكذا أهل البدع من الغلاة وغيرهم يدّعون الإسلام, ويعملون أعمالا تناقض ما هم عليه من الدين.   1 ق: 5 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 والسادسة والتسعون, والسابعة والتسعون, والثامنة والتسعون, والتاسعة والتسعون, والمائة. العيافة والطرق والطيرة والكهانة والتحاكم إلى الطاغوت, ونحو ذلك: وقد تكلمنا على هذه الأمور في كتابنا "بلوغ الأرب في أحوال العرب1"2 بما لا مزيد عليه, وذكرنا هناك أوابدهم وخرافاتهم وسائر ضلالاتهم. وكل ذلك من أعمال جهلة المسلمين اليوم, وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وغالب مسائل الأصل رؤوس3 مسائل في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم" ومن أراد التفصيل فليراجع إليه. وهذه آخر ما أردنا شرحه من المسائل التي أبطلها الإسلام, والحمد لله ولي الإنعام, والصلاة والسلام على خير الأنام ومصباح الظلام وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان على قيام الساعة وساعة القيام.   1 اسم الكتاب " بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" وهو من أنفع الكتب في هذا الباب. (3/269-326) 3 في المطبوع زيادة كلمة "مباحث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وكان ذلك في اليوم الخامس من ذي الحجة الحرام, وهو يوم الخميس بعد الظهر من سنة خمس وعشرين من هجرة النبي عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام. 5 ذي الحجة 1325هـ وقد فرغت من كتابته صباح الجمعة في اليوم السابع والعشرين من شهر شعبان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف من هجرة خير الأنام – عليه الصلاة والسلام- في بغداد دار السلام, في جامع الحيدر خانة, وأنا الفقير إليه عز شأنه عبد الكريم بن السيد عباس الشيخلي – غفر الله لهما ولجميع المسلمين. 27 شعبان سنة 1344   من قوله: "إلى قيام الساعة" إلى آخره ليس موجودا في المطبوعة, وإنما جاء فيه آخر المطبوعة ما نصه: " في 5 ذي الحجة, وهو يوم الخميس بعد الظهر من سنة 1325هـ" هذا وقد تم الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه في آخر ساعة من نهار يوم الاثنين 12/2/1416هـ, متضرعا بين يدي الله ألا يفضحني يوم تبلى السرائر, وأن يغفر لي ولوالدي ولإخواني ولجميع المسلمين, والحمد لله أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ثم كان الفراغ من النظر فيه للطبعة الثانية الساعة الثامنة من صبيحة يوم السبت الموافق للسادس من شهر ربيع الآخر عام 1427هـ. والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 مصادر ومراجع ... فهرس المراجع 1- إثبات صفة العلو، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، حققه وعلق عليه د/ أحمد بن عطية الغامدي، مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمينة النبوية، ط1/1409هـ. 2- الأجوبة على أحاديث المصابيح، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. 3- أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، لأبي العباس أحمد بن يوسف بن أحمد المعروف بالقرماني، تحقيق فهمي سعد، عالم الكتب ببيروت، ط1/1412هـ. 4- أخبار المدينة النبوية، لعمر بن شبة، تحقيق عبد الله الدويش، دار العليان ببريدة. 5- الأخبار النجدية، لمحمد بن عمر الفاخري، تحقيق د/عبد الله بن يوسف الشبل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 6- الأربعون حديثا، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، حققه وخرج أحاديثه بدر البدر، مكتبة المعلا بالكويت، ط1/1408هـ. 7- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكيرم –تفسير أبي السعود، للقاضي أبي السعود بن محمد العمادي الحنفي، مكتبة الرياض الحديثة 1401هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 1- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1/1399هـ. 2- الأزمنة وتلبية الجاهلية، لأبي علي محمد بن المستنير قطرب، حققه وقدم له د/حنا جميل حداد، مكتبة المنار بالزرقاء في الأردن، ط1/1405. 3- الأسماء والصفات، لأبي بكر محمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عماد الدين حيدر، دار الكتاب العربي ببيروت، ط1/1405. 4- الاشتقاق، لمحمد بن الحسن الأزدي المعروف بابن دريد، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بمصر1958. 5- أصل الشيعة وأصولها، لمحمد حسين آل كاشف الغطا، قدم له مرتضى العسكري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط4/1402. 6- أضواء على العقيدة الدرزية، لأحمد الفوزان، دار الوثائق بالكويت، ط3/1410. 7- الاعتقاد، لأبي أحمد بن الحسين البيهقيـ تحقيق أحمد مرسي، حديث أكادمي باكستان. 8- اعتفادات فرق المسلمين والمشركين، للرازي، مراجعة علي سامي النشار، دار الكتب العلمية ببيروت، 1402. 9- أعلام العراق، لمحمد بهجت الأثري، المطبعة السلفية بمصر1345. 10- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لأبي عبد الله بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المشهور بابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة ببيروت. 11- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لأبي العباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني, تحقيق ناصر العقل, ط1/1404. 1- الأمالي في لغة العرب، لأبي علي بن إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي، دار الكتب العلمية ببيروت. 2- الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، عبد الله بن سعد الرويشد، رابطة الأدب الحديث، ط2/1404. 3- الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، لسماحة الشيخ عبد العزيو بن عبد الله بن باز، الرئاسة العامة لإدراة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1403. 4- الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الدعوة، رسالة ماجستير بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بالرياض، للباحث محمد السكاكر. 5- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، لأبي بكر جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق د/ذيب القحطاني، 1409. 6- الأنواء في مواسم العرب، لأبي محمد بن مسلم بن قتيبة الدنيوري. 7- الأنواء والأزمنة ومعرفة أعيان الكواكب في النجوم، لعبد الله بن حسين بن عاصم الثقفي، تحقيق د/نوري حمود القيسي ومحمد نايف الديلمي، دار الجيل ببيروت ط1/1416. 8- أيام العرب قبل الإسلام، لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي، جمع وتحقيق ودراسة د/عادل جاسم البياتي، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، ط1/1407. 9- البحر المحيط، لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي، دار الفكر ببيروت، ط2/1403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 1- بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، جمع من الباحثين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 2- البدء والتاريخ، المنسوب إلى المطهر ابن طاهر المقدسي، مكتبة الثقافة الدينية بمصر. 3- البدع والنهي عنها، لابن وضاح، تحقيق محمد دهمان، دار البصائر بمشق، ط2/1400. 4- البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، لأبي الفضل السكسكي، تحقيق د/ بسام العموش، مكتبة المنار ط1/1408 5- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي، عنى بشرحه وتصحيحه وضبطه محمد بهجت الأثري، دار الكتب العلمية، ط2. 6- بهجة المجالس وأنس المجالس وشحد الذهن والهاجس، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلمية ببيروت، ط2/1987. 7- البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، دار الفكر للجميع. 8- تاج العروس في شرح القاموس، لمحب الدين أبي الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار الكتاب العربي، مصور عن الطبعة الأولى. 9- تاريخ الإسلام، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد التركماني المعروف بالذهبي، تحقيق د/ عمرعبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي ببيروت. 10- تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، د/ عبد الله فياض، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط3/1406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 1- تفسير القرآن، لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق د/ مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، ط1/1410. 2- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمرو بن كثير القرشي الدمشقي، دار إحياء الكتب العربية. 3- تفسير القرآن العظيم، للإمام عبد الرحمن محمد بن إدريس الرازي المشهور بابن أبي حاتم، تحقيق د/ أحمد العماري، مكتبة الدار بالمدينة النبوية، ط1/1408. 4- تلبيس إبليس، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/1403. 5- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد، الشهير بابن حجر العسقلاني، تحقيق د/ شعبان إسماعيل، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة. 6- التمهيد في أصول الفقه، لأبي الخطاب الكلوذاني، دراسة وتحقيق مفيد أبو عمشة، جامعة أم القرى، ط1/1406. 7- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمدبن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي وآخرين، مؤسسة قرطبة. 8- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لأبي الحسن محمد بن أحمد الملطي، قدم له وعلق عليه محمد زاهد الكوثري، مكتب نشر الثقافة الإسلامية1368. 9- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لجمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة ببيروت، ط2/1403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 1- تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، حققه وقدم له عبد السلام هارون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباءوالنشر. 2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر 1405. 3- الجامع الصحيح، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المكتبة الإسلامية بإستانبول1981. 4- الجامع الصحيح، للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة. 5- الجامع الصحيح، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2/1398. 6- الجامع لأحكام القرآن، لمحمد بن أحمد القرطبي، دار إحياء التراث العربي. 7- الجامع لشعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/1410. 8- جاهلية القرن العشرين، لمحمد قطب، دار الشروط 1409. 9- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، لأبي زيد القرشي، حققه وضبطه وزاد في شرحه علي البجاوي. 10- جمهرة الأمثال، لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري، ضبطه وكتب هوامشه ونسقه د/أحمد عبد السلام، وخرج أحاديثه أبو هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/1408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 1- جمهرة أنساب العرب, لأبي محمد علي بن حزم الأندلسي, ط 1/1974هـ. 2- الجواب الصحيح لم بدل دين المسيح: لأبي العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني, تحقيق علي بن حسن بن ناصر وزملائه, دار الوطن, ط1/1414. 3- الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح, لمحمد الألوسي, تحقيق أحمد حجازي سقا, دار الجيل ببيروت ط1. 4- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي, لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي, الشعير بابن قيم الجوزية, دار الندوة الجديدة , ط3/1400. 5- حجة الله البالغة, لأحمد شاه ولي الله الدهلوي, دار الكتاب الإسلامي. 6- الحركات الباطنية في العالم الإسلامي, د/ محمد الخطيب, مكتبة الأقصى بعمان الأردن, ط2/1406. 7- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء, لأبي أحمد بن عبد الله الأصفهاني, دار الكتاب العربي, ط4/1405. 8- حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, لحسين خزعل, دار الكتب ببيروت, ط 1/1968. 9- الحيوان, لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ, تحقيق عبد السلام هارون, شركة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي وأولاده بمصر ط2. 10- خبيئة الأكوان في معرفة المذاهب والأديان, لصديق حسن خان, دار الكتب العلمية ببيروت, ط1/1405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 1- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب, لعبد القادر البغدادي, دار صادر. 2- داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب, لعبد العزيز سيد الأهل, دار العلم للملايين, ط1/1974. 3- الدر المنثور في التفسير بالمأثور, لأبي بكر جلال الدين عبد الرحمن السيوطي, دار الفكر ببيروت. 4- درء تعارض العقل والنقل, لشيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية الحراني, تحقيق د/ محمد رشاد سالم, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, ط1/1399. 5- دعاوى المناوئين لدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض, لعبد العزيز العبد اللطيف, مكتبة طيبة بالرياض, ط1. 6- دلائل النبوة ومعرفة أصحاب الشريعة. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي, تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي, دار الكتب العلمية ببيروت, ط1/1404. 7- ديوان أبي الشيص الخزاعي وأخباره, لعبد الله الجبوري, المكتب الإسلامي ببيروت. ط1/1404. 8- ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان, ضبطه وصححه ووضع فهارسه: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي, دار المعرفة ببيروت. 9- ديوان أبي العتاهية, دار صادر ببيروت. 10- ديوان الأخرس. لعبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب الموصلي البغدادي البصري, حققه وعلق عليه وليد الأعظمي, عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية, ط1/1406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 1- ديوان الإمام الشافعي, جمع محمد عفيف زعبي, مؤسسة الزعبي ببيروت, ط2/1392. 2- ديوان الإمام علي بن أبي طالب, شرح الدكتور يوسف فرحات, دار الكتاب العربي, ط6/1420. 3- ديوان السموءل بن عاديا, المكتبة الشعبية. 4- ديوان حسان بن ثابت, دار صادر ببيروت. 5- ديوان ديك الجن الحمصي, تحقيق وشرح أنطوان محسن القوال, دار الكتاب العربي, ط1/1407. 6- ديوان طرفة بن العبد, شرحه وقدم له مهدي محمد بن ناصر الدين, دار الكتب العلمية ببيروت, ط1/1407. 7- ديوان عمرو بن كلثوم, جمعه وحققه وشرحه, د/إميل بديع يعقوب, دار الكتاب العربي, ط1/1411. 8- ذكر مذاهب الفرق الثنتين والسبعين المخالفة للسنة والمبتدعين, لسعد اليافعي, تحقيق د/ موسى الدويش, دار البخاري بالمدينة النبوية, ط1/1410. 9- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار, لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي, تحقيق د/ سليمان النعيمي. 10- الرد على الجهمية, لعثمان بن سعيد الدارمي, قدم له وخرج أحاديثه وعلق عليه, بدر البدر, الدار السلفية بالكويت, ط1/1405. 11- الرد على الرافضة, لأبي حامد محمد المقدسي, تحقيق عبد الوهاب خليل الرحمن, الدار السلفية بالهند. ط1/1403. 12- الرد على المنطقيين, لأبي العباس شيخ الإسلام أحمد بن تيمية, إدارة ترجمان السنة بباكستان, ط1/1396. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 1- رسائل العدل والتوحيد, للحسن البصري, والقاضي عبد الجبار, والقاسم الرسي, والشريف المرتضى, ويحي بن الحسين, تحقيق د/محمد عمارة, دار الشروق 1407. 2- روح التشيع, لعبد الله نعمة, دار البلاغة ببيروت 1413. 3- الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لا بن هشام, لأبي القاسم السهيلي, قدم له وعلق عليه وضبطه طه عبد الرؤوف سعد, دار الفكر ببيروت. 4- روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام, للشيخ حسين بن غنام, حرره وحققه ناصر الدين الأسد, وقابله على أصله الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ, ط3/1403. 5- روضة الناظر وجنة المناظر في علم أصول الفقه, لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي, راجعه سيف الدين الكاتب, دار الكتاب العربي, ط1/1401. 6- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين, للشيخ محمد بن عثمان القاضي, مطبعة الحلبي, ط3/1410. 7- زاد المسير في علم التفسير, لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي, المكتب الإسلامي. 8- سقط الزند, لأبي العلاء المعري, شرحه احمد شمس الدين, دار الكتب العلمية ببيروت, ط1/1408. 9- السنة لابن أبي عاصم, ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة, للشيخ ناصر الدين الألباني, المكتب الإسلامي ببيروت, ط1/1400. 10- السنة, أحمد بن نصر المروزي, خرج أحاديثه وعلق عليه سالم السلفي, مؤسسة الكتب الثقافية, ط1/1408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 1- السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة, لمحمد رشيد رضا, المنار 1347. 2- السنن, لأبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني, إعداد عبيد الدعاس وصاحبه, دار الحديث, مصورة عن الطبعة الأولى 1388. 3- السنن, لعلي بن عمر الدارقطني, عني به عبد الله هاشم المدني, دار المحاسن بالقاهرة. 4- السنن, لمحمد بن زيد الربعي, أبي عبد الله ابن ماجة القزويني, حقق نصوصه, ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمود فؤاد عبد الباقي. 5- سنن الدارمي: دار الفكر ببيروت. 6- السنن الصغرى "المجتبى" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي, اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه: عبد الفتاح أبو غدة, مكتب المطبوعات الإسلامية ط2. 7- السنن الكبرى, لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي, دار الفكر ببيروت. 8- السنن الكبرى, لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي, تحقيق د/عبد الغفار بن سليمان البنداري, وسيد كسروي حسن, دار الكتب العلمية بيروت ط1/1411. 9- سير أعلام النبلاء, لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي, أشرف على تحقيقه شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة ببيروت ط2/1402. 10- سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب, لأمين سعيد, دار الملك عبد العزيز بالرياض. 1395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 1- السيرة النبوية لابن هشام, حققها مصطفى السقا وآخرون, شركة مكتبة ومطبعة, مصطفى البابي الحلب وأولاده بمصر, ط2. 2- شذرات الذهب في أخبار من ذهب, لأبي الفلاح عبد الحي بن عماد الحنبلي, دار إحياء التراث العربي. 3- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة, لأبي القاسم هبة الله ابن الحسن ابن منصور الطبري اللالكائي, تحقيق د/أحمد سعد حمدان, دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض. 4- شرح الأصول الخمسة, للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني, تحقيق د/ عبد الكريم عثمان, مكتبة وهبة بمصر, ط2/1408. 5- شرح السنة, للحسين بن مسعود البغوي, حققه وعلق عليه, وخرج أحاديثه شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير شاويش, المكتب الإسلامي ط2/1403. 6- شرح القصائد العشر, للخطيب أبي زكريا يحي بن علي التبريزي, ضبطه وصححه عبد السلام الحوفي, دار الكتب العلمية ببيروت ط1/1405. 7- شرح القصائد المشهورات, الموسومة بالمعلقات, لأبي جعفر النحاس, دار الكتب العلمية ببيروت. 8- شرح المعلقات السبع, للحسين بن أحمد الزوزني, صححه وراجعه لجنة من الأدباء, دار الكتب العلمية ببيروت, 1398. 9- شرح المفضليات, لأبي زكريا يحي بن علي التبريزي, المعروف بالخطيب التبريزي, تحقيق علي البجاوي, دار نهضة مصر للطباعة 1977. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 1- شرح ديوان الحماسة: لأبي زكريا يحي بن علي التبريزي, المعروف بالخطيب التبريزي, عالم الكتب ببيروت. 2- شرح ديوان المتنبي, المنسوب لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي, برلين. 3- شرح صحيح مسلم, لأبي زكريا يحي النووي, دار الفكر. 4- شرح مقامات الحريري, للشريسي, تحقيق محمد حجي وأحمد الشرقاوي, دار الغرب الإسلامي. 5- الشريعة, لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري, تحقيق محمد حامد الفقي, أنصار السنة المحمدية. 6- شعر علي بن جبلة, جمعه وحققه د/حسين عطوان, دار المعارف بالقاهرة ط3. 7- الشعر والشعراء, لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري, تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر, دار المعارف بمصر. 8- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل. لأبي عبد الله محمد بن ابي بكر ابن أيوب الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية, دار المعرفة ببيروت. 9- الشيخ محمد بن عبد الوهاب, لأحمد بن حجر آل بوطامي. 10- الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره, د/ عبد الله العثيمين, دار العلوم بالرياض. 11- الشيعة والتصحيح, د/موسى الموسي 1408. 12- صب العذاب على من سب الأصحاب, محمود شكري الألوسي, تحقيق عبد الله البخاري ط1/1417. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 1- الصحاح لإسماعيل الجوهري, تحقيق أحمد عبد الغفور عطار, ط2/دار العلم للملايين ببيروت. 2- الصناعتين الكتابة والشعر, لأبي هلال الحسن, بن عبد الله, بن سهل العسكري, حققه وضبط نصه د/مفيد قميحة, دار المنار للطباعة والنشر ط1/1401. 3- الضعفاء الكبير, لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي المكي, تحقيق د/عبد المعطي قلعجي, دار الكتب العلمية ببيروت ط1/1404.طبعة أخرى قدم لها وأشرف على طبعها علي المدني , مكتبة المدني ومطبعتها. 4- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع الزهري البصري, دار صادر ببيروت. 5- العبر وديوان المبتدا والخبر, لعبد الرحمن بن خلدون, مؤسسة جمال للطباعة والنشر 1399. 6- العدة في أصول الفقه, لأبي يعلى الفراء الحنبلي, حققه وعلق عليه وخرج نصوصه د/أحمد بن علي سير مباركي, مؤسسة الرسالة ببيروت ط1/1400. 7- عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر, لإبراهيم بن عيسى دار اليمامة بالرياض. 8- العقد الفريد لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي, شرحه وضبطه وصححه وعنون موضوعاته ورتب فهارسه أحمد أمين وآخرون, دار الكتاب العربي ببيروت 1403. 9- عقيدة الدروز عرض ونقد, لأحمد بن محمد الخطيب, عالم الكتب ط3/1409. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 1- عقيدة السلف أصحاب الحديث، لأبي عثمان الصابوني، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية بالكويت، ط1/1404. 2- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، د/ صالح العبود، مكتبة الغرباء الأثرية، ط3/1417. 3- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية بباكستان، ط2/1401. 4- العلل الواردة في الأحاديث النبوية، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة بالرياض، ط1/1405. 5- علماء نجد خلال ستة قرون، عبد الله بن عبد الرحمن البسام، مكتبة النهضة الحديث بمكة المكرمة، ط1/1398. 6- عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن بشر، مكتبة الرياض الحديثة. 7- عيون الأخبار، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، شرحه وضبطه وعلق عليه د/يوسف طويل، دار الكتب العلمية ببيروت. 8- الغنية لطالبي طريق الحق، لعبد القادر الجيلاني، مصطفى البابي الحلبي، ط2/1375. 9- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد، الشهير بابن حجر العسقلاني (ت852) ، قرأ أصله تصحيحا وتحقيقا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، قام بإخراجه وتحقيقه محب الدين الخطيب، رقمه محمود فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية، ط3/1407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 1- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد, للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ, الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودي ط2/1411. 2- فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختي, دار الأضواء ط2/1404. 3- الفرق بين الفرق, لعبد القاهر البغدادي, تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد, دار المعرفة ببيروت. 4- الفصل في الملل والأهواء والنحل, لأبي محمد علي بن حزم الأندلسي, تحقيق د/ محمد إبراهيم نصر وصاحبه, دار الجيل ببيروت. 5- فهرس الفهارس والأثبات, عبد الحي الكتاني, اعتناء د/ إحسان عباس, دار الغرب. ط2/1402. 6- الفهرست لأبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق الوراق المعروف بابن النديم، تحقيق رضا تجدد، دار المسيرة، ط 3/ 1988. 7- في الفكر الديني الجاهلي قبل الإسلام, د/محمد إبراهيم فيومي, عالم الكتب بالقاهرة 1979. 8- فيض القدير شرح الجامع الصغير, لزين الدين عبد الرؤوف بن علي المناوي, دار المعرفة ببيروت. 9- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة, لأبي العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني, تحقيق د/السيد الجميلي, دار الكتاب العربي ببيروت ط1/1405. 10- القول في علم النجوم, لأبي بكر بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي, درسه وحققه د/ يوسف بن محمد السعيد, دار أطلس للنشر والتوزيع بالرياض. ط1/1420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 1- الكافية الشافية في الانتصار للفرق الناجية, لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن أيوب الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية, دار المعرفة ببيروت. 2- الكامل في التاريخ لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري, دار الكتاب العربي. ط4/1403. 3- الكامل في اللغة والأدب, لأبي العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد النحوي, كتب هوامشه نعيم زرزور, تغاريد بيضون, دار الكتب العلمية ببيروت. ط1/1407. 4- الكامل في ضعفاء الرجال, لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني, قرأها ودققها على المخطوطات يحي مختار غزاوي, دار الفكر, ط3/1409. 5- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي, دار المعرفة ببيروت. 6- لسان العرب, لجمال الدين ابن منظور, دار صادر. 7- لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب, لمؤلف مجهول, تحقيق وتعليق عبد الرحمن آل الشيخ, دارة الملك عبد العزيز بالرياض. 8- المبسوط في القراءات العشر, لأبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني, تحقيق السبيع حمزة حاكمي, دار القبلة للثقافة الإسلامية بجدة ومؤسسة علوم القرآن ببيروت ط2/1408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 1- مجاز القرآن, صتعة أبي عبيدة معمر بن المثنى, عارضه بأصوله وعلق عليه د/ محمد فؤاد سزكين, مؤسسة الرسالة ببيروت, ط2/1401. 2- مجمع الأمثال لأبي الفضل محمد بن أحمد الميداني, تحقيق محمد أبو الفل إبراهيم, مكتبة الحلبي. 3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي, دار الكتاب العربي ط3/1403. 4- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن القاسم وابنه محمد، شؤون الحرمين. 5- مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 6- المحاضرات في الآداب واللغة, للحسن اليوسي, تحقيق وشرح محمد حجي وأحمد الشرقاوي, دار الغرب الإسلامي ببيروت. 7- المحصول في علم الأصول, لفخر الدين محمد بن عمر الرازي, دراسة وتحقيق طه جابر فياض العلواني, مؤسسة الرسالة ط2/1412. 8- المحكم والمحيط الأعظم في اللغة, لعلي بن إسماعيل بن سيده, تحقيق عبد الستار فراج. دار الكتاب الإسلامي بمصر. 9- محمد بن عبد الوهاب, لأحمد عبد الغفور عطا, ط1. 10- مختصر التحفة الاثني عشرية, لمحمود شكري الألوسي, تحقيق محب الدين الخطيب, المكتبة السلفية بمصر. 11- مختصر العلو, لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد تحقيق التركماني المعروف بالذهبي, اختصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, المكتب الإسلامي ببيروت, ط1/1401. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 1- المختصر في أخبار البشر, لعناد الدين إسماعيل أبي الفداء, مكتبة المتنبي بالقاهرة. 2- المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية, للشيخ محمد بن عبد الوهاب, حققه ودرسه وشرحه يوسف بن محمد السعيد, دار المؤيد للنشر والتوزيع بالرياض, ط1/1415. 3- المستدرك على الصحيحين, للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري, دار الكتاب العربي. 4- المستقصى من أمثال العرب, لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي, دار الكتب العلمية ببيروت, ط2/1408. 5- المسك الأذفر في نشر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر, لمحمود شكري الألوسي, تحقيق د/ عبد الله الجبوري , دار العلوم للطباعة والنشر 1402. 6- المسند، للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المكتب الإسلامي، ط5/1405. 7- المسند, لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي, تحقيق حسين سليم أسد, دار المأمون للتراث بدمشق وبيروت, ط1/1401. 8- مسند الطياليسي, لأبي داود سليمان بن الجارود الفارسي البصري, دار المعرفة ببيروت. 9- مشاهير علماء نجد وغيرهم, عبد الرحمن آل الشيخ, دار اليمامة بالرياض ط1/1392. 10- مشكاة المصابيح, لأبي زكريا يحي بن علي التبريزي, المعروف بالخطيب التبريزي, تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 المكتب الإسلامي ببيروت, ط3/1405. 1- مصطلحات إسلامية, لمحيي الدين القضماني, المكتب الإسلامي ببيروت, ط1/1410. 2- المصنف, لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني, تحقيق وتخريج وتعليق حبيب الرحمن الأعظمي, المكتب الإسلامي, ط2/1403. 3- مصنف في أحاديث والآثار, لأبي بكر بن محمد بن أبي شيبة العبسي, حققه وصححه عامر العمري الأعظمي, الدار السلفية. 4- معالم التنزيل= تفسير البغوي, للحسين بن مسعود البغوي, إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار, دار المعرفة ببيروت, ط1/1406. 5- معاني القرآن, لأبي زكريا يحي بن زياد الفراء, عالم الكتب, ط2/1401. 6- معاني القرآن وإعرابه, لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج, شرح وتحقيق د/ عبد الجليل عبده شلبي, عالم الكتب, ط1/1408. 7- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص, لعبد الرحيم بن أحمد العباسي, حققه وعلق حواشيه وصنع فهارسه محمد محيي الدين عبد الحميد, عالم الكتب ببيروت, 1367. 8- معجم الأدباء, لأبي عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي, دار إحياء التراث العربي. 9- المعجم الأوسط, لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن الحسيني, دار الحرمين بالقاهرة, ط1/1415. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 1- معجم البلدان, لأبي عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي, دار إحياء التراث العربي ببيروت. 2- المعجم الصغير, لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, تحقيق عبد الرحمن محمد بن عثمان, دار الفكر, ط2. 3- معجم ألفاظ القرآن الكريم, وضع مجمع اللغة بالقاهرة. 4- المعجم الكبير, لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي, ط 2. 5- معجم مقاييس اللغة, لأبي الحسن احمد بن فارس زكريا الرازي, حققه وضبطه عبد السلام محمد هارون دار الفكر 1399. 6- المعلم بفوائد مسلم, لأبي عبد الله المازري, تحقيق وتعليق محمد الشاذلي النيفر, دار الغرب الإسلامي ببيروت, ط2/1992. 7- المغني في أبواب العدل والتوحيد، القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، حققه جماعة من الباحثين، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر. 8- المفردات في غريب القرآن لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني, تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني, دار المعرفة ببيروت. 9- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية. 10- الملل والنحل، لأبي الفتح الشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة. 11- الملل والنحل لأبي منصور عبد القاهر البغدادي, تحقيق ألبير نصر, دار المشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 1- المنمق في أخبار قريش, لابن حبيب البغدادي, صححه وعلق عليه, خرشيد أحمد فاروق, عالم الكتب, ط1/1405. 2- منهاج السنة النبوية لأبي العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني, تحقيق د/ محمد رشاد سالم, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ط1/1406. 3- الموطأ للإمام مالك بن أنس, صححه ورقمه محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وشركائه. 4- النسب, لأبي عبيد القاسم بن سلام, تحقيق ودراسة مريم محمد خير الدرع, دار الفكر, ط1/1410. 5- نقائض جرير والفرزدق, لأبي عبيدة معمر بن المثنى, وضع حواشيه خليل منصور, دار الكتب العلمية ببيروت ط1/1419. 6- النكت والعيون= تفسير الماوردي, لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري, راجعه وعلق عليه السيد بن عبد المقصود عبد الرحيم, مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت ودار الكتب العلمية, ط1/1412. 7- نهاية الأرب في فنون الأدب, للنويري, المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. 8- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب, لأحمد بن علي القلقشندي, دار الكتب العلمية ببيروت. 9- النهاية في غريب الحديث, لأبي السعادات المبارك بن محمد مجد الدين بن الأثير, تحقيق محمد طاهر محمد الزاوي ود/ محمود الطناحي, المكتبة العلمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 1- الوافي بالوفيات, لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي, اعتناء هلموت ريتر, ستوتغارت 1411. 2- الوساطة بين المتنبي وخصومه, لعلي بن عبد العزيز الجرجاني, تحقيق علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم, القاهرة 1954. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 1- تاريخ الدولة السعودية، لأمين سعيد، دارة الملك عبد العزيز بالرياض. 2- تاريخ الرسل والملوك، لمحمد بن جرير الطبري (ت310) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعاريف. 3- تاريخ الفرق الإسلامية، لمحمد خليل الزين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2/1985. 4- تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية، لمحمد أبي زهرة، دار الفكر العربي 1987. 5- تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن يعقوب بن جعفر العباسي المعروف باليعقوبي، دار صادر، 1412. 6- تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية ببيروت. 7- تاريخ دمشق، لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي، تحقيق عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر ببيروت. 8- تاريخ واسط، لبحشل، تحقيق كوركيس عواد، عالم الكتب ببيروت، ط1/1406. 9- التبصير في الدين وتمييز الفرق الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني (ت471) ، تحقيق كمال يوسف الحوت، عالم الكتب ببيروت، ط1/1403. 10- التدمرية، لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية الحراني، تحقيق محمد السعوي، ط1/1405. 11- التعريفات، لعلي بن محمد الشريف الجرجاني، مكتبة لبنان،1985. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397