الكتاب: المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية المؤلف: أبو أحمد محمد أمان بن علي جامي علي (المتوفى: 1415هـ) الناشر: دار الأصفهاني وشركائه, جدة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المحاضرة الدفاعيةعن السنة المحمدية محمد أمان الجامي الكتاب: المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية المؤلف: أبو أحمد محمد أمان بن علي جامي علي (المتوفى: 1415هـ) الناشر: دار الأصفهاني وشركائه, جدة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية تأليف: محمد أمان بن علي الجامي مقدمة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. ففي العطلة الصيفية من عام 1383 هـ، زرت الجمهورية السودانية مع بعض الشبيبة من طلاب الجامعة الإسلامية التي زارت السودان وقامت في أثناء زيارتها بالدعوة إلى الله تحت إشراف الأخ الداعية الشيخ محمد عبد الوهاب البنا المدرس بمعهد الجامعة الإسلامية، وكنت بصحبتهم من المدينة المنورة إلى بور سودان. وبعد أن أقمت معهم يوما واحدا عزمت على السفر إلى الخرطوم لإجراء اللازم في شأن السفر إلى الحبشة بواسطة السفارة الأثيوبية بالخرطوم حيث كنت على عزم لدخول الحبشة لو أراد الله. وجعلت أسأل عن أمهات المدن فيما بين بور سودان والخرطوم فوصف لي بعض من سألته مدينة عطبرة ورغبني في النزول بها إذ وصفها بطيب المناخ وجمال المنظر وكثرة الورشات حتى أنهم يسمونها عاصمة الحديد، فقطعت تذكرة السفر إليها في طريق الخرطوم، ونزلت بها فعلا صباح يوم الجمعة، وفور نزولي توجهت إلى أحد الفنادق. وفي طريقي إلى الفندق أوقفني إعلان جذاب وقد كتب بخط عريض ملون ونصه كالآتي: (دار النشاط الإسلامي) تقدم مساء يوم 1لجمعة محاضرة للأستاذ محمود محمد طه تحت عنوان: ((المستقبل للإسلام)) وراعني الإعلان وسررت به كثيرا، أولا بوجود الدار المذكورة في مدينة عطبرة. وثانيا بعنوان المحاضرة. وقلت في نفسي لعل صاحب المحاضرة قرأ لسيد قطب كتابه الفريد في بابه المستقبل للإسلام وتأثر به وأراد أن يقدم للناس مضمونه. هذا ما وقع في نفسي حين قرأت الإعلان، ولم أحط رحلي إلا وقد حانت صلاة الجمعة. وقصدت الجامع الكبير لأداء فريضة الجمعة وتذكير المصلين بعد الصلاة بما تيسر إلا أن إمام المسجد اعتذر متأسفا ولم يأذن لي في التذكير، وخرجت متأسفا أنا بدوري مع قبول عذر الإمام " ولكني علمت أن بعض الشباب لم يقتنع بعذر الإمام وجعل يتكلم بالاستنكار، بل جعل أفراد من الشباب يتعرف إلي ويظهر لي التأسف على ما حصل، وذهبوا بي إلى دار النشاط الإسلامي سابقة الذكر- إذ هم من أهلها وأخذوا يحدثوني عن المحاضرة التي قرأت عنوانها وطلبوا إلي حضورها وأجبت دعوتهم فحضرتها فإذا بمحاضرة الحادية أكثر ما فيها تمويه وتلبيس ولم أملك نفسي عن المشاركة في مناقشتها على الرغم من أني غريب في الدار بل رأيت أن الذمة لا تبرأ إلا بالمناقشة ومحاولة الدفاع حسب الإمكان وقمت بذلك فعلا بعد أن أذن لي رئيس النادي ولما طالت المناقشة بيني وبين المحاضر اقترح رئيسا النادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 إجراء المناظرة إلا أن صاحبنا أعتذر ولم يقبل، وفي آخر المحاضرة أعلنت فما محاضرة دفاعية للرد والتعقيب على بعض النقاط الحساسة التي جاءت في محاضرته وجعلت أسجل في مذكرتي بعض النصوص التي حرفها للمناقشة حولها وقبل موعد محاضرتي حضرت له محاضرة أخرى وناقشته كما ناقشه غيري. ولكن بدون جدوى لأنه لا يحاول الرجوع عن فكرته مهما كلفته الحال لأنه ليس من طلاب الحق. ولما أعلنت محاضرتي في الشوارع كالعادة المتبعة بادر بالسفر إلى أم درمان، وعلى الرغم من غيابه قمت بإلقاء المحاضرة وحضرها عدد ضخم ونوقشت كالعادة، وبعد ذلك طلب مني بعض إخواننا المخلصين من شباب السودان وغيرهم طبع هذه العجالة التي لم أقصد بها الدفاع العاجل عن عقيدة الإسلام وتصحيح بعض النصوص التي حرفها المدعو" محمود " ولما أعلمه فيهم من حب الخير والحرص على الدفاع أجبتهم إلى طبعها وتوزيعها في السودان. والله أسأل أن ينفع بها ويجعلها فاتحة خير. كما أسأله تعالى أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم بعيدا عن الرياء والسمعة إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وآله وصحبه. محمد أمان بن علي الجامي. الجامعة الإسلامية كلية الشريعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية ... بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. وبعد، فيقول الله في محكم تنزيله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة 128) تتمثل تلكم الرحمة والرأفة اللتان وصف الله بهما نبيه في تعليماته الرحيمة وتوجيهاته الحكيمة ومن تلك التعليمات إخباره ببعض المغيبات التي أطلعه الله عليها، لأنه لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. علمه شديد عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (النجم: 3- هـ) . فيقول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخبر عن مثل هذه الأوقات المظلمة التي تمر على المسلمين اليوم: " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء "1. وقال في تفسير الغرباء: "هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي "2 وفي رواية أخرى: "هم الذين يصلحون حين يفسد الناس"3 وقال في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم:" يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم "4. ووجه كون هذه الأخبار رحمة، أن الإنسان عندما يفاجأ اليوم ببعض آراء الملحدين الجريئة التي تهاجم دين الله المنزل من السماء- ومنهجه الذي ارتضاه للبشرية، تهاجمه بكل وقاحة وبمنتهى الجرأة والقادرون على قمع هذه الآراء وإيقافها عند حدها ساكتون ولا يثورون غيرة على هذا الدين الذي يدينون به في مثل هذا الموقف يتذكر الإنسان هذه الأخبار الصادقة. فلا يندهش كثيرا، بل يزداد إيمانا على إيمان، ويقينا فوق يقين بهذا الدين وبمن أنزله وبمن أنزل عليه. وقد فوجئنا في مدينتكم هذه (عطبرة) مع. الأسف بهجوم عنيف ضد تعاليم الإسلام من المدعو (محمود) تناول فيه العناصر الأولية لهذا الدين في محاضرته التي استطاع فيها أن يخرج كل ما في جعبته بكل صراحة ووقاحة، ولكثرة النقاط الإلحادية التي جاءت في محاضرته سجلت في هذه الوريقات ما استحضرته خشية النسيان ولنناقشها نقطة نقطة ونرد شبهاته شبهة شبهة، مستعينين بالله تعالى. ومن أخطر ما جاء في كلامه- هداه الله- قوله بأن العبد يترقى حتى يسمى بالاسم الفرد (الله) بدعوى أنه يسمو ويعلو روحيا بالرياضيات الروحية وبالخلوة فيترقى إلى درجة الألوهية والربوبية فيسوغ له آنذاك أن يقول هو (الله) {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وهذه النقطة هي حجر الأساس في دعوته، وهى هدفه الأول والآخر، لأنه يستطيع بمقتضاه أن يسقط عن الناس جميع التكاليف   1 أخرجه م الإيمان حديث رقم 332، ت. الإيمان (13) . جه الفتن (13) ! الدارمي الرقاق (43) . أحمد في مسنده 398/ 1، من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. 2 أخرجه ت. الفتن (3) والإيمان (3) والإمام أحمد في مسنده 73/ 4 من حديث عبد الرحمن بن سنة رضي الله تعالى عنه. 3 أخرجه ت. الفتن (3) . 4 أخرجه مسلم الإمارة (10) الفتن (83) وأحمد في مسنده 346/ 3 من حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ويصبح الإنسان حرا مطلقا لا يخضع للأوامر والنواهي وهذا ما يريده ويدعو إليه وما عدا ذلك من النقاط الكثيرة التي سوف تسمعونها فكل وسائل غير مقصودة إلا أنه سلك في دعوته إلى هذه النقطة مسلك اللف والدوران والعتمية على الناس، وكان يحلق في أجواء بعيدة لا يدركها عوام الناس وفات المسكين (محمودا) أن الإنسان إذا بلغ تلك المرحلة وسمي (الله) لا يقف عند الحرية المطلقة التي يشهدها (محمود) بسقوط تكاليف الدين فقط، بل يكون معبودا لأن الله هو المألوه المعبود وبذلك يورط نفسه في أوحال الشرك من حيث لا يشعر. النقطة الثانية: هي سقوط الصلاة عن خواص العارفين على حد عبارة الملحدين، من يسميهم (محمود) بالعارفين- وهم في الواقع هم الجاهلون- كانوا يتدرجون في هذه المسألة علي النحو التالي: يزعم الواحد منهم، أولا: أنه بلغ مرحلة استطاع أن يستأذن فيها ربه أن يصلى الصلوات بمكة أو بالمدينة فأذن له فجلس في أوقات الصلاة بدعوى أنه يصلى في أحد الحرمين، وإذا ما تأكد أن الناس آمنوا بهذه المرحلة الأولية أعلن بسقوط الصلاة عنه كليا. إلا أن محمودا لجرأته ولظنه أن الجو صاف قابل لكل ما يلقى فيه، صرح بالمرحلة النهائية من أول وهلة بدون تدرج فلا يشك طبعا من في قلبه مسكة من الإيمان ولديه أدنى معرفة أن هذه الطريقة لا صلة لها بهدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم كما يعلم الجميع يصلي بأصحابه في سفره وحضره، صلى بهم بمنى ومزدلفة وعرفة وفيما بين مكة والمدينة ولا يعلم أنه قال ذات يوم لأصحابه. " صلوا أنتم هاهنا. وأنا أصلي بمكة أو المدينة إذا كان خارجهما " وهو سيد ولد آدم. وكان صلى الله عليه وسلم كثير العناية بالصلاة وكانت قرة عينه في الصلاة وكان حكمه صلى الله عليه وآله وسلم على تارك الصلاة بأنه كافر حيث يقول صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " 1 ويقول أيضا: " إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة "2 وما ذلك إلا لأنه قطع صلته. بالسماء لأن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، ولذا سميت بالصلاة. ولو ذهبنا نسوق الآيات القرآنية التي تدل بمنطوقها: أن الصلاة والخشوع فيها من صفات المؤمنين وتدل بمفهومها أن تاركها غير مؤمن لو فعلنا ذلك لطال بنا المقام ومن تلكم الآيات الكثيرة الآية: 3 من سورة البقرة {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} والآية: 3 من سورة الأنفال {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} والآية: 2 من سورة المؤمنون {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى غير ذلك من الآيات. وقد اتفق الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد: على قتل تارك الصلاة بعد الاستتابة وإنما اختلفوا: هل يقتل حدا أو كفرا ولا يعلم خلاف بين المسلمين خلفهم وسلفهم في أن جاحد وجوبها المدعى سقوطها كافر وخارج عن الملة ومن المؤسف، بل المبكى أن يتظاهر الإنسان اليوم بسقوط الصلاة عنه وعدم وجوبها عليه ثم يتمكن من جمع الناس له في عدة مدن وعدة أندية ليبث أفكاره الإلحادية بدون مقاومة فعالة ممن بأيديهم السلطة والقوة- هداهم الله وأخذ بأيديهم إلى الحق- فإنا لله وإنا إليه راجعون ويحسن بي أن أذكر لكم بهذه المناسبة قصة الجعد بن درهم الذي قتل في عصر   1 خرجه أحمد في مسنده 346/5 من حديث بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي الإيمان (9) النسائي الصلاة (8) جه الإقامة 77. 2 أخرجه مسلم الإيمان حديث رقم 134، د السنة (15) ت. الإيمان (9) جه الإقامة (171) الدارمي في مسنده الصلاة (39) وذلك من حديث جابر بن عبد الله الأنصارى وقال الحافظ في التلخيص الجيد: رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان بألفاظ متقاربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 التابعين بعد أن أفتى علماء التابعين بكفره، وهو لم يقل: أنا الله ولم يفت بجواز ذلك ولم يترك الصلاة ولم يطعن في الزكاة إذاً ماذا فعل؟. الذي حصل بالضبط أن الرجل ادعى أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا، ومع ذلك حضر مصلى العيد ليصلى مع المسلمين، وخطب أمير البلدة خالد بن عبد الله القسري خطبة العيد، وقال في آخر خطبته: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم لأنه ادعى أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا" فنزل من على المنبر فذبحه. ذكرت لكم هذه القصة لتدركوا الفرق بين إيماننا وإيمانهم وغيرتنا وغيرتهم، بين دفاعهم الصحيح ودعوى دفاعنا الذي لا بينة عليه. النقطة الثالثة: بحث الزكاة: يرى (محمود) أن الزكاة ذات المقادير تشريع مؤقت ملائم للعصور الأولى القاصرة، ولذا لا تصلح لهذا العصر الراقي المتطور، بل يجب أن نترقى في هذا العصر إلى روح الإسلام وهى العدالة الاشتراكية، ونمنع بذلك ملكية الفرد ويشترك الناس جميعا في خيرات الأرض ... هذا خلاصة كلامه. والواقع أن (محمود) لا فرق عنده بين الأوضاع البشرية وبين المنهج السماوي الذي نزل ليسير العباد عليه دائما وأبدا والذي لا يخضع لأي تغيير أو تبديل مهما تطور الزمن وتقدمت الأفكار، وليس بغريب من مثله أن يتفوه بمثل هذا بعد أن استطاع أن يقول: يجوز للعبد أن يدعى ذات يوم: أنه هو (الله) وتسقط عنه الصلاة ونحن نؤمن أن الإسلام هو دين العدالة، ولا عدالة إلا في الإسلام، وهو دين الإنفاق والإيثار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} البقرة: 3 {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر: 9. ولا يمنع الإسلام ملكية الفرد أبدا، بل يحترمها ويوجهها توجيها حسنا، ويوجب على الملاك الإنفاق من أموالهم على المحتاجين على ما هو معلوم لدى الجميع وهؤلاء الذين يعترضون دائما على هذا الوضع الذي هو عليه الناس من أن بعضهم فقراء وبعضهم أثرياء طبقات مختلفة إنما يعترضون على الله عز وجل في أفعاله ولما اختار الله نبيه محمدا للرسالة الأخيرة اعترض كفار قريش على هذا الاختيار فرد الله عليهم ردا مسكتا لهم ولمن يأتي من بعدهم من كل من يعترض على أحكام الله وأفعاله. يحكى الله ذلك في سورة الزخرف، الآية 31: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ثم قال في تتمة الآية: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي ليسخر بعضهم بعضا ويستخدم بعضهم بعضا على اختلاف طبقاتهم وعلى ذلك يقوم نظام الحياة. الناس للناس من بدو وحاضرة ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم فالأغنياء يستخدمون الفقراء وهم خدم لهم، والفقراء يستخدمون الأغنياء وهم في حاجة دائما إلى الفقراء في إصلاح أموالهم وحفظها وتنميتها ولا يستغنون عنهم وهذه سنة الله في خلقه {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} فاطر: 43. وذكر صاحبنا الحائر عدة شبه تقضى بسقوط الزكاة في نظره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بكل جرأة ووقاحة تلكم القرون المفضلة التي شهد لها الرسول المعصوم عما أنها "خير القرون "حيث يقول: " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" 1. ولا خير فيه قطعا مع القصور في فهم الدين والعجز عن تطبيق الإسلام وهؤلاء السلف الذين يستخف بهم المذكور بما فيهم أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف. هم سند هذا الدين، فإذا طعنوا. واتهموا بالقصور فقد طعن الدين نفسه ومن طعن هذا الدين فما عليه إلا أن يلتمس له دينا آخر وملة أخرى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران 85. وقال رسول الله لا: " من رغب عن سنتي فليس مني " 2 فلندع هذا الخبط ولنفهم المعنى الصحيح للآية وهو أنك إذا أردت أن تنفق مما زاد عن حاجتك بمعنى أنك تبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم تنفق في المشاريع الأخرى. هذا هو الأصل في الإنفاق علي أساس: "اليد العليا خير من اليد السفلى " 3 "وأبدأ بنفسك" 4"وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" 5. ولا يمنع هذا أن تؤثر أخاك المسلم على نفسك إن قدرت على الصبر على ذلك، وليس بواجب أن تتصدق بكل ما زاد على حاجتك الضرورية، حيث وصف الله بالإيمان حقا من ينفق بعضا. مما رزقهم الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّا} الأنفال 3- 4. ماذا أردت أن تكون من المؤمنين فما عليك إلا أن تطبق هذه الصفات الواردة في هذه الآيات وغيرها. من آيات الكتاب المبين. والآية الثانية قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69. حاول (محمود) أن يستدل بهذه الآية على ما يسميه بعلم الحقيقة- أو علم الباطن- بدعوى أن الإنسان يبلغ بالمجاهدة والطاعة إلى مرحلة تؤهله أن يأخذ عن الله بدون واسطة وهذه من شطحات الصوفية القديمة وليست شيئا جديدا جاء به (محمود) ولا يدعى هذه الدعوى- إلا الزنديق الذي يحاول أن يخرج على رسالة المصطفى ولو كان ذلك جائزا- لكان أبو بكر رضي الله عنه أولى بذلك لأنه أفضل هذه الأمة، بعد نبيها بهذه المناسبة نحيطكم علما أن هذه الآراء الشاذة التي يدعو إليها هذا المسكين المتخبط ليست من بنات أفكاره- كما يظن بعض الناس- وإنما هي آراء بالية أخذها من بطون كتب الملاحدة إلا أنه يزركشها أحيانا زركشة ويلونها تلوينا ليظن الناس أنها من بنات أفكاره. وبعد فلنفهم الآن المعنى الصحيح للآية وهو أن العبد إذا لازم تقوى الله تعالى وبذل وسعه في طاعته وحاول فهم شريعته فهما صحيحا وفقه الله إلى الصراط المستقيم ويسر له الأسباب في تحصيل العلم ويسر له العمل الصالح، وهذا هو معنى قوله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} الطلاق: 4. وهذا أيضا معنى الأثر الذي يكرره (محمود) دائما ظنا منه أنه حديث " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم " 6 ولا يدل هذا الأثر- بعد صحته- في أكثر مما ذكر في الآية السابقة. الآية الثالثة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} الأنفال: 17.   1صحيح أخرجه خ وم وغيرهما ومضى تخريجه في ص35. 2 هذا جزء من الحديث الذي أخرجه خ النكاح (1) م النكاح (5) ن النكاح (4) الدارمي النكاح (3) والإمام أحمد في مسنده 138/ 2 وذلك من حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه. وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم 3 خ الوصايا (9) الرقاق (11) (50) النفقات (2) م. الزكاة (94) (95) (96) (97) (106) د الزكاة (28) ت الزهد 32. والإمام أحمد في مسنده ص 4 ح 2 ودلك من حديث ابن عمرو رص الله تعالى عنهما 4 د الزكاة (41) ن الزكاة (60) . 5 خ الزكاة (18) النفقات (2) . م: الزكاة (95) والزكاة (29) . ن: الزكاة (53) (60) 0أحمد في المسند 2/245 وذلك من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. 6 أورده العجلوني في الكشف 365/ 2 وقال رواه أبو نعيم عن أنس ثم سكت وقال الشوكاني في الفوائد ص 286 رواه أبو نعيم وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 حاول صاحبنا- كعادته- أن يحمل الآية ما لا تحتمل حيث أراد الاستدلال بها على تلكم العناوين الكثيرة التي يكررها دائما الظاهر والباطن والشريعة والحقيقة، ومعنى الآية واضح جدا وتوضيحه كالآتي: نفت الآية نوعا من الرمي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأثبتت له نوعا آخر. فالرمي المنفى عنه صلى الله عليه وسلم هو الرمي المقرون بالإصابة، لأن الله تعالى هو القادر وحده على إيصال التراب الذي رماه الرسول صلى اله عليه وسلم، وحذفه إلى أعين الكفار وإصابة أعينهم، كلها بذلك التراب القليل. والرمي المثبت هو الذي بمعنى الحذف ويكون معنى الآية: لم تكن أنت الذي أوصلت التراب إلى أعينهم وأصبتها به، بل أنت وظيفتك الرمي والحذف، فالله هو الموصل للتراب والمصيب به أعينهم، هذا معنى الآية لا لف ولا تلبيس ولله الحمد والمنة. الآية الرابعة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّار} التوبة: 123 هذه الآية في نظر صاحبنا من أصرح أدلته في الدلالة على ما يزعم هو وسلفه الملحدون- كابن عربي وابن الفارض- في أن للقرآن ظاهرا وباطنا: والظاهر هو الذي يفهمه المسلمون قديما وحديثا وهو ظاهر كما يدل عليه اللفظ والمعنى. والمعنى الباطن الذي يدعى معرفته بالإلهام من يسميهم بالعارفين. أن الكفار هي الجوارح من العينين والأذنين وغيرهما. وهذا الكلام الصوفي المضحك لا يستحق أن نقف عنده كثيرا لظهور بطلانه، بل نحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من عباده. الآية الخامسة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} المائدة: 3. يزعم صاحبنا- هداه الله- أن هذه الآية تخبر أن الذي تم وكمل هو إنزال القرآن إلى الأرض فقط، أما التشريع والبيان فلم يتما بعد، فهذه جرأة نادرة من (محمود) كعادته إلا أنها جرأة طائشة ووقحة وقد أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم وآله بالتبليغ والبيان {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} المائدة 67. وقال {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} النحل 44. وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسالة ربه ونصح لأمته وبين لهم البيان الشافي- بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- لم يترك شيئا يقربنا إلى الله إلا بينه لنا ودلنا عليه، كما لم يترك شيئا يبعدنا عن الله وعن دار كرامته ويقربنا إلى النار إلا بينه لنا وحذرنا منه ويقول أبو ذر رضي الله عنه لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما 1 لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي مخلب من الطير2 وعن كل ذي ناب من السباع. وقد أوتى جوامع الكلم 3، وأجمل بعض البيانات وكليات تندرج تحتها جزئ آيات كثيرة،- وكلما جدت مسألة أو مسائل فلابد أن توجد لها قاعدة كلية تندرج تحتها تلك المسألة أو المسائل، بعد التحقيق وإمعان النظر وهى التي يعبر عنها الفقهاء ب (عموم الشريعة) أو (عموم النصوص) فالناس درجات، طبعا في إيجاد المدخل للجزئيات المتجددة في عموم النصوص وكان من الإنصاف إذا عجز العالم عن إدراك ما استحدث من المسائل وما سيحدث تحت تلكم الكليات كان من الإنصاف أن يسأل من هو أعلم منه إن وجد. وإلا وكل العلم إلى عالمه قبل أن يتهم الشريعة بعدم الكمال، وقبل أن يزعم أن البيان لم يتم بعد، وبهذا ينتهي كشف الشبه   1 أخرجه أحمد في مسنده 153/ 3 162/5 بإسناده عن أبى ذر رض الله تعالى عنه من طريق المنذر الثوري عن أشياخ عن أبى ذر رضي الله تعالى عنه. 2 أخرجه م الصيد 15، (16) د. الأطعمة (23) ت. الصيد (9) (11) ن الصيد (86) وأحمد في مسنده 147/1 وذلك من حديث علي رضي الله تعالى عنه 3 أخرجه م. المساجد 5-8 الأشربة 72 خ التعبير (11) ت السيرة أحمد في مسنده173/2 قريبا من معناه وذلك من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 حول الآيات التي لبس بها (محمود) في بعض محاضراته وأرجو أن يكون قد زال الإشكال وظهر وجه الحق ولننتقل إلى الأحاديث. الحديث الأول: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " 1 يزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام عند رجوعه من بعض غزواته وهذا الحديث قد ضعفه غير واحد من أهل العلم من حيث السند، وهو غير صحيح من حيث المعنى أيضا وكل من علم مكانة الجهاد في سبيل الله وأجر من استشهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله الذين هم {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} يدرك تماما أن البون شاسع بين هذا الجهاد الذي هذه مكانته وبين الجهاد الثاني الذي هو مخالفة الهوى وحمل النفس على الطاعة، مع العلم أن من قام بجهاد الكفار وخاض المعركة لإعلاء كلمة الله فقد جمع بين الجهادين والأمر واضح ولا حاجة إلى الإطالة. الحديث الثاني: " حسنات الأبرار سيئات المقربين" 2وقد ذكرت في بعض مواقفي- مع صاحبنا أن هذا الكلام ليس بقول الرسول قد ولا قوة صحابي ولا تابعي، بل هو قول أبى سعيد الخراز- أحد الصوفية- كفى الله المسلمين شرهم. كما ذكرت أنه غير صحيح من حيث المعنى إذ لا يعقل أبدا أن تنقلب حسنة من الحسنات التي يثاب عليها زيد من الناس وهو في درجة الأبرار- سيئة في حق عمرو- وهو من المقربين- وقد حاول صاحبنا أن يجد لهذه القاعدة الخرازية مثالا في الشريعة، وأنى له ذلك؟ وقال بعد أن فكر طويلا- إلا أنه تفكير غير موفق: لو تصدق إنسان بصدقة سرية لم يطلع عليه أحد ثم حدثته نفسه، وأعجب بنفسه يكون هذا العمل حسنة بالنسبة لهذا الإنسان إلا أنه يعد سيئة إذا ارتفع إلى درجة المقربين لما دخل فيه من الإعجاب بالنفس هذا ملخص كلامه في محاولته وهى محاولة فاشلة كما ترون. والجواب عنها: إن كان لابد من الجواب أن يقال الصدقة حسنة في حق كل واحد من الأبرار والمقربين، والعجب سيئة في حق كل واحد منهما ولا إشكال في الموضوع وبالله التوفيق. الحديث الثالث: " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي فسئل عنه فقال هو الرياء " 3 ذكر صاحبنا أول هذا الحديث وسكت عن آخره، لأنه لا يتفق مع مراده وهكذا يفعل كل مغرض وصاحب هوى مع النصوص. ثم جعل يفسره على هواه بأن قال (المراد بالشرك الخفي أن يرى الإنسان نفسه) وقد علمنا المعنى الصحيح للشرك الخفي من نفس الحديث مع أن لفظ الحديث (الشرك الأصغر) لا (الشرك الخفي) ولله الحمد والمنة. الحديث الرابع: (الظواهر والباطن) جاء ذكر هذين الاسمين العظيمين في الكتاب العزيز كما جاء ذكرهما في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرا ما يكرر صاحبنا هذين الاسمين ظنا منه أنهما يدلان على أن للشريعة ظاهرا وباطنا تقليدا لبعض الصوفية الذين يذكرون الحديث بتمامه بما فيه تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للاسمين الشريفين   1 أورده العجلونى في الكشف 434/1 وقال: قال الحافظ حجر فى تسديد القوس هو مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عيلة أهـ. 2 أورده العحلونى فى الكشف.357/1 وقال هو من كلام أبى سعيد الخراز كما رواه ابن عساكر في ترجمته وهو من كبار الصوفية مات سنة 280 هـ 3 أخرجه أحمد في مسنده 30/3 من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وكذا من هذا الوجه ابن ماجه في السنن الزهد (21) بإسناد لا بأس به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وغيرهما من الأسماء الواردة في الحديث ونصه هكذا: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: " اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض العظيم خالق كل شيء، فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء اقض عنى الدين وأغنني من الفقر " 1 فهل بعد هذا التفسير من تفسير؟ فماذا بعد الحق إلا الضلال. وكان (محمود) يجهل هذا التفسير النبوي أو يتجاهل تجاهل مغرض ويقول بدون روية (كل شيء له ظاهر وباطنا فالله له ظاهر وباطن. والشريعة لها ظاهر وباطن والإنسان له ظاهر وباطن) وقد دندن صاحبنا حول هذه المسألة كثيرا ونوقش كثيرا ونقدنا الأمثلة التي أوردها إلا أنه يجيد التهرب والتملص فلم يستفد من المناقشة والنقد والردود. نسأل الله لنا وله الهداية. الحديث الخامس: (تخلقوا بأخلاق الله) ذكرت لكم سابقا في مناقشاتي مع المذكور أن هذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب السنة ولا يرف له إسناد. ومعناه غير صحيح بيان ذلك: المراد بالأخلاق الصفات قطاعا فالله موصوف بالعظمة والكبرياء، وأنه يحي ويميت ... وهل يجوز للعبد أن يتصف بهذه الصفات؟. الجواب السليم (لا) بالخط العريض وقد يقول القائل هنا: أليس العبد يوصف بالعلم والقدرة والحياة والوجود وهذه من صفات الله تعالى؟ الجواب أن يقال: إن علم الخالق تعالى غير علم المخلوق وكذلك قدرته وحياته ووجوده. وتوضيح ذلك في صفة العلم- مثلا- علم المخلوق علم مخلوق مثله، يناسب حاله فقد كان مسبوقا بجهل ويطرأ عليه النسيان فما أكثر ما نعلم شيئا ثم ننساه، فهو ناقص غير محيط بكل شيء. أما الرب سبحانه فعلمه قديم قدم ذاته- غير مسبوق بجهل قط- ولا يطرأ عليه نسيان- ولا غفلة- وهو محيط بجميع المعلومات، وهكذا يقال في سائر صفاته التي فيها الاشتراك في اللفظ- كالكرم- والجود - والرحمة- والعفو- والمحبة- والغضب ونحو ذلك- وهكذا تزول الشبهة ويظهر وجه الحق- واضحا- فلله وحده الحمد والمنة. الحديث السادس: " خلق الله آدم على صورته " هذا هو الحديث الأخير من الأحاديث التي ساقها (محمود) ليلبس بها على الناس وهو لم يذكر الحديث بتمامه، وإنما اقتصر على القدر الذي كان يظن أنه من شواهده كعادته المعروفة ولذلك فاته المعنى الصحيح للحديث، ومرجع الضمير في قوله: (على صورته) وتمام الحديث- بما فيه ذكر السبب- كالآتي: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يضرب ابنه أو غلامه، في وجهه لطما ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فقال رسوله الله " إذا ضرب أحدكم غلامه فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته "3 ومعنى الحديث جد واضح، ومرجع الضمير ظاهر من ذكر سبب الحديث وتوضيح المعنى كالآتي؟ يقول صلى الله عليه وسلم مؤدبا لأمته: إذا أراد أحدكم أن يضرب من يجوز له ضربه- ضرب تأديب طبعا- كالغلام، والولد، والزوجة، فليتق الوجه ضربا احتراما بأبي   1 أخرجه م الذكر (61) د الأدب 98، ت الدعوات (19) (67) جه الدعاة 11 وح التعبير (1) ط القرآن (27) والإمام أحمد في مسنده 381/ 22 من حديث أبى هريرة رضي الله تعالى 2 لم يوجد له ذكر في كتب الموضوعات القديمة. ربما وضعه بعض الناس في بداية القرن الحالي والعلم عند الله تعالى 3 أخرجه خ الاستئذان (1) م البر (115) الجنة (28) والإمام أحمد في مسنده 244/2 وذلك من حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12