الكتاب: القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية المؤلف: ابن اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 803هـ) المحقق: عبد الكريم الفضيلي الناشر: المكتبة العصرية الطبعة: 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية ابن اللحام الكتاب: القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية المؤلف: ابن اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 803هـ) المحقق: عبد الكريم الفضيلي الناشر: المكتبة العصرية الطبعة: 1420 هـ - 1999 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم. قال الشيخ الأمام العالم العلامة قدوة الأنام رحلة الطالبين الأعلام أبو الحسن علاء الدين علي بن عباس البعلي الحنبلي رحمه الله تعالى:. الحمد لله الذي مهد قواعد الدين بكتابه المنزل وجعلنا من عباده المؤمنين بأتباع نبيه المرسل الذي اظهر به الحق بعد أن كان خفيا واختاره على كافة خلقه وكان به حفيا. واشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له شهادة تبوى قائلها أعلى المقامات وتحله من دار كرامته أعلى الغرف في الجنات. واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد السادات صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه أولى المناقب السنية والكرامات. أما بعد: فإن علم أصول الفقه لما كان في علم الشريعة كواسطة النظام متوسطا بين رتبتي الفروع وعلم الكلام وهو علم عظيم شأنه وقدره وعلا في العالم شرفه ومخبره. إذ ثمرته ما تضمنته الشريعة المطهرة من الأحكام وبه تحكم الأئمة الفضلاء مباحثهم غاية الإحكام؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 استخرت الله تعالى في تأليف كتاب أذكر فيه قواعد وفوائد أصولية وأردف كل قاعدة بمسائل تتعلق بها من الأحكام الفروعية. والله تعالى اسأل النفع المتعدى به واللازم وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم الدائم فإنه مجيب دعوة المضطرين وهو خير موفق ومعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 القاعدة 1 . الفقه له حدود:. أحدها: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال. خرج بـ "العلم بالإحكام" العلم بالذات كزيد وبالصفات كسواده وبالأفعال كقيامه وعبر الآمدي1 بقوله: هو العلم بجملة غالبة من الأحكام وهو تعبير حسن لكن شأن الحد الإيضاح والتحقيق. وقول الآمدي: "العلم بجملة غالبة" فيه إجمال لأن غلبة هذه الجملة لا يعلم حدها "أي منتهاها" فلذلك قال بعض المتأخرين: "هو ظن جملة غالبة عرفا". وخرج بـ "الشرعية" العقلية كالحسابيات ـ أي الهندسية ـ واللغوية كرفع الفاعل وكذلك نسبة الشيء إلى غيره إيجابا كقام زيد أو سلبا نحو لم يقم. وفي ذلك نظر لأن ذلك ينتفي بالفرعية إذ الأحكام العقلية المذكورة لا تسمى فرعية. وبـ الفرعية الأحكام الأصولية كأصول الدين وأصول الفقه. وبـ أدلتها التفصيلية الأحكام الحاصلة عن أدلة إجمالية نحو ثبت الحكم بالمقتضى وامتنع بالنافي.   1 هو الفقيه الأصولي المقريء المتكلم سيف الدين علية بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي "551 – 631" "انظر البداية والنهاية "13/140". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وبـ الاستدلال علم المقلد. وعلى هذا الحد أسئلة ومؤاخذات كثيرة جدا ليس هذا موضع ذكرها وإنما نذكر ههنا سؤالا واحدا وجوابه لما يترتب عليه من المسائل الفقهية وتقرير السؤال أن غالب الفقه مظنون لكونه مبنيا على العمومات وأخبار الآحاد والأقيسة وغيرها من المظنونات فكيف يعبرون عنه بالعلم. وأجيب عنه بأنه لما كان المظنون يجب العمل به كما في المقطوع رجع إلى العلم بجامع وجوب العمل. إذ تقرر هذا فيتفرع على العمل بالظن فروع كثيرة ولم يطرد أصل أصحابنا في ذلك ففي بعض الأماكن قالوا: يعمل بالظن وفي بعضها قالوا: لابد من اليقين وطرد أبو العباس1 أصله وقال: يعمل بالظن في عامة أمور الشرع والله أعلم. مسائل من ذلك. منها: إذا أجزنا له التحري في الماء والثياب المشتبهة على مقالة ضعيفة أو في القبلة على الصحيح فانه يعمل بما غلب على ظنه. ومنها: إذا غلب على ظن المصلى دخول الوقت فله العمل به إذا لم يكن له سبيل إلى العلم لغيم ونحوه وقال في المغنى2 والأولى تأخيرها احتياطا إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فإنه   1 هو تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني [661 -721هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب "2/387" والبداية والنهاية لابن كثير "14/135". 2 هو كتاب المغني في شرح مختصر الخرقي لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة وهو من أجل الكتب التي صنفت في الفقه الحنبلي طبع في خمسة عشر مجلدا سنة "1990" بتحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يستحب التبكير بها وقال ابن تميم1 ومن غلب على ظنه دخول الوقت استحب له التأخير حتى يتيقن وقال الآمدي يستحب له تعجيل المغرب إذا تيقن غروب الشمس أو غلب على ظنه وقال ابن حامد2 وغيره لا يجوز الاجتهاد في دخول وقت الصلاة وقد أومأ إليه أحمد3 فقال: لا يصلى حتى يستقين الزوال. ومنها: الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر تحرى فصام على غالب ظنه ولم أقف على خلاف في ذلك لأصحابنا أنه لابد من اليقين كما ذكرنا في الصلاة. ومنها: إذا شك في طهارة الماء أو نجاسته قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين ولا عبرة بغلبة الظن. ومنها: إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده. ومنها: المستجمر إذا أتى بالعدد المعتبر فانه يكتفي بغلبة الظن في زوال النجاسة ذكره في المذهب4 وجزم به جماعة من الأصحاب وفي النهاية5 لا بد من العلم.   1 هو أبو عبد الله محمد بن تميم الحراني [ت حوالي 675هـ] انظر ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة "2/290" وهو صاحب المختصر المشهور في الفقه وصل فيه إلى باب الزكاة انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن لابن بدران "319". 2 ابن حامد: هو أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق [ت 403هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى "2/169 – 171" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/17". 3 هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني [154 – 241هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة" تح محمد حامد الفقي القاهرة/1952" 1/4 – 20" وشذرات الذهب "القاهرة/ 1350هـ 3/185 – 189". 4 "المذهب الأحمد في مذهب أحمد" للفقيه الأصولي: محي الدين أبو محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي [580 – 556هـ] وهو ابن أبي الفرج بن الجوزي. 5 لأبي المعالي أسعد بن المنجا [519 – 606هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/49" ............. == ==النهاية في شرح الهداية قال ابن رجب: وفيه فروع ومسائل كثيرة غير معروفة في المذهب والظاهر أنه كان ينقلها من كتب غير الأصحاب ويخرجها على ما يقتضيه المذهب عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ومنها: الغسل من الجنابة أو الحيض أو غيرهما من الأغسال. فالمذهب أنه يكفي فيه الظن في الإسباغ وقال بعض أصحابنا يحرك المغتسل خاتمه ليتحقق وصول الماء. ومنها: ما لو كان معه مال حلال وحرام وجهل قدر الحرام تصدق بما يراه حراما نقله فوزان1 وهذا النص يدل على انه يكفي الظن وقاله ابن الجوزي2. ومنها: إذا خفيت عليه نجاسته غسل حتى يتيقن غسلها نص عليه الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم3 ومحمد بن أبى حرب4 وكذلك قال الخرقي5 وابن أبى موسى6 والقاضي7 والأصحاب. ونقل عن أحمد رحمه الله تعالى رواية في المذي أنه يكفي فيه الظن   1 كذا في الأصل: والصواب: فوران وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن المهاجر [ت: 256هـ] أحد الرواة عن الإمام أحمد بن حنبل. 2 هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله [511 – 597هـ] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي بيروت "1983" "21/365" والكامل لابن الأثير "12/71". 3 هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانيء النيسابوري [218 – 275هـ] نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/108". 4 هو محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي ممن روى عن الإمام أحمد وكان يكاتبه انظر طبقات الحنابلة "1/331". 5 هو أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد [ت 334هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/75 – 118" وشذرات الذهب "4/186". 6 هو أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي القاضي [345 – 428هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182 - 186" وشذرات الذهب "5/138". 7 المقصود هو: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء [386 – 458هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "2/193" وشذرات الذهب "5/252" وحيثما أطلق القاضي في هذا الكتاب فهو المقصود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فيحتمل أن يخرج رواية في بقية النجاسات أنه يكفي فيها الظن وذكره أبو الخطاب1 في الانتصار2 في الجلالة ويحتمل أن يختص ذلك بالمذي خاصة لأنه من النجاسات المعفو عن يسيرها على رواية لكن لازم ذلك أنه يتعدى إلى كل نجاسة يعفى عن يسيرها وهو غير ملتزم. ومنها: لو تيقن سبق الوجوب وشك في مقدار ما عليه أبرأ ذمته يقينا نص عليه الإمام أحمد. وقد ذكر أبو المعالي3 لا يخرج عن العهدة إلا بيقين أو ظن وفي الغنية إن شك في ترك الصوم أو النية فليتحر أو ليقض ما ظن أنه تركه فقط وإن احتاط فقضى الجميع كان حسنا وكذا قال في الكفارة والنذر مخالف لقوله في الصوم. ومنها: لو شك المصلي في عدد الركعات فعن أحمد رحمه الله تعالى في ذلك ثلاث روايات. إحداهن: اختارها القاضي وأكثر أصحابنا منهم أبو بكر عبد العزيز الأخذ باليقين كالطهارة والطواف ذكره ابن شهاب4 وغيره وذكره صاحب المحرر5 مع أنه ذكر هو وغيره أنه يكفي الظن في وصول الماء إلى ما يجب   1 هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني [432 – 510هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "2/258" وذيل طبقات الحنابلة "1/116 – 127" شذرات الذهب "6/45 – 46". 2 تمامه: "الانتصار في المسائل الكبار" ويسمى "الخلاف الكبير" مصنف في الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني طبع منه المجلد الأول في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. 3 هو القاضي وجيه الدين أبو المعالي أسعد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي المعري ثم الدمشقي [519 – 606هـ] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء "21/436 وشذرات الذهب "7/36". 4 هو أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن شهاب العكبري [335 – 420هـ] الأديب المقرئ المحدث والفقيه الحنبلي كان من أصحاب أبي عبد الله بن بطة العكبري انظر طبقات الحنابلة "2/186 – 187" شذرات الذهب "5/143". 5 هو كتاب "المحرر في الفقه" لأبي بركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية [ت 652هـ] طبع سنة "1950" بالقاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 غسله فيكون المراد بالطهارة إذا شك هل تطهر أم لا فلا بد من اليقين. والرواية الثانية: الأخذ بالظن. والرواية الثالثة: يأخذ الإمام بالظن والمنفرد باليقين اختارها أبو محمد المقدسي1 وذكرها المذهب. وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما سواء غلب على ظنه صدقهما أو لا جزم به أبو محمد وذكره بعضهم نص أحمد ما لم يتيقن صواب نفسه على الروايات كلها. وقال ابن عقيل2 إذا لم يرجع إليهما إذا قلنا يعمل بغلبة ظنه وإذا جوزنا له العمل بالظن الغالب فانه يجوز له تركه والعمل باليقين ذكره القاضي في الأحكام3 وغيره. وان شك في ركن فالمذهب العمل باليقين وقال أبو الفرج4 التحري سائغ في الأقوال والأفعال ولا أثر لشك من مسلم نص عليه الإمام أحمد وفيه وجه بلى مع قصر الزمن. ومنها: إذا شك المتوضىء في عدد الغسلات فالمذهب الأخذ باليقين وهو الأقل وفي النهاية بالأكثر. ومنها: إذا شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى   1 المقصود: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي [541 – 620هـ] انظر شذرات الذهب "7/155" وسير أعلام النبلاء "22/165" وحيثما أطلق: أبو محمد المقدسي في هذا الكتاب فهو المقصود أو "أبو محمد. 2 هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن أحمد البغدادي الظفري [431 – 513هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/259" وسير أعلام النبلاء "19/443". 3 هو أحكام القرآن للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205". 4 المقصود هو: جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب [ت 795 هـ] انظر شذرات الذهب "6/578 – 580" وحيثما ذكر في هذا الكتاب "أبو الفرج" أو "شيخنا" فهو المقصود والآراء التي يعزوها المصنف إليه مأخوذة من كتابه "القواعد الفقهية" والمطبوع بعنوان: "القواعد في الفقه الإسلامي" القاهرة "1933". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 يستقين طلوعه نص عليه أحمد في رواية عبد الله1 ولا عبرة في ذلك بغلبة. الظن حتى يتيقن طلوعه نص عليه بالقرائن ونحوها ما لم يكن مستندا إلى خبر ثقة بالطلوع. ومنها: الشك في غروب الشمس والمذهب يباح له الفطر بغلبة الظن. وفي التلخيص2 يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم ولا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل ولم يتيقن لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الأول انتهى وهو ضعيف. ومنها: إذا رأى منيا في ثوب لا ينام فيه غيره قال أبو المعالي والأزجي3 لا بطاهر فاغتسل له ويعمل في الإعارة باليقين وقيل بظنه. ومنها: من أراد الصدقة بماله كله وكان وحده وعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة جاز له ذلك بل يستحب له جزم به في منتهى الغاية4 وغيرها وإن لم يعلم لم يجز له قال أبو الخطاب وغيره قاله أصحابنا. قلت: وصرح كل من وقفت على كلامه بالعلم في الصورتين. ومنها: إذا شك الطائف في عدد الطواف فالمنصوص عن الإمام أحمد   1 المقصود هم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل [213 – 290هـ] ابن الإمام أحمد وممن أكثر عنه الرواية لا سيما المسند انظر طبقات الحنابلة "1/180" الشذرات "3/377". 2 العنوان بأكمله:" تخليص المطلب في تلخيص المذهب" وهو من تصنيف فخر الدين بن تيمية الخطيب. 3 هو يحيى بن يحيى الأزجي [ت بعد سنة 600هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/120" صاحب كتاب "نهاية المطلب في علم المذهب" وهو كتاب كبير جدا وعبارته جزلة حذا فيه حذو نهاية المطلب لإمام الحرمين الجويني الشافعي وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل في الفصول ومن المجرد لأبي يعلى. 4 العنوان بأكمله: "منتهى الغاية في شرح الهداية" لأبي بركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية وهو شرح لكتاب الهداية في الفقه لأبي الخطاب محفوظ الكلوذاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الأخذ باليقين وذكر أبو بكر عبد العزيز1 وغيره الأخذ بالظن وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وما قاله أبو بكر هنا من الأخذ بالظن مخالف له لما قاله في الشك في عدد الركعات وأنه يبنى على اليقين. ومنها: إذا شك رامي حصاة الجمار في حصاة من أي الجمار تركها قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين. ومنها: أن حصى الرمي لا بد أن يحصل في المرمى وهل يشترط علمه بحصوله في المرمى أو ظنه في المسألة قولان الأصح العلم. ومنها: أن المذهب المنصوص عن أحمد الذي نقله الجماعة أنه لا يصح بيع ما قصد به الحرام كالعصير لم يتخذه خمرا ونحوه قال غير واحد من الأصحاب إذا علم ذلك ولنا قول آخر أو ظنه. قال أبو العباس مؤيدا لأصله معارضا لما قاله الأصحاب في هذه المسألة لأنهم قالوا: يعنى الأصحاب لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوه لم يجز له أن يؤجره تلك الدار ولم تصح والإجارة والبيع سواء والله أعلم. ومنها: أن التوكيل في الخصومة جائز وهو المنصوص عن الإمام أحمد وقاله الأصحاب ويروى عن على نقله حرب2. لكن قال ابن عقيل في فنونه3 لا يصح التوكيل ممن علم ظلم موكله في   1 هو أبو بكر عبد عزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف المعروف بـ غلام الخلال [ت 363هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/119" وشذرات الذهب "4/335". 2 هو أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني [ت 180هـ] وهو ممن أكثر الرواية عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/145". 3 كتاب الفنون لأبي الوفاء بن عقيل وهو كتاب متعدد الأغراض جمع فيه الفقه وأصول الفقه وأصول الدين والتفسير وغيره. قال عنه الذهبي: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب طبع منه جزءان بتحقيق جورج مقدسي بيروت "1969". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الخصومة وقال القاضى قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105] يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره وكذا في المغنى في الصلح عن المنكر يشترط أن يعلم صدق المدعى فلا يحل دعوى ما لا يعلم ثبوته. ومنها: المكره الذي لا يترتب على أقواله وأفعاله شيء هل يشترط فيه أن يمسه بشيء من العذاب أم يكفي في كونه مكرها التهديد بالضرب والحبس وأخذ مال يضره من قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به؟ في المسألة روايتان الأصح غلبة الظن وقال أبو العباس ولو ظن أنه يضره بلا تهديد في نفسه أو ماله أو أهله فإنه يكون مكرها. ومنها: لو أريدت نفس إنسان أو ماله أو حرمته دفع عن تلك بأسهل ما يعلم أنه يندفع به قاله أبو محمد المقدسي والسامري1 وغيرهما وقال في الترغيب2 والمحرر يدفع بأسهل ما يظن أنه يندفع به واختار أبو محمد المقدسي وغيره أن له دفعه بالأسهل إن خاف أن يبدره3. ومنها: لو أدخل إلى جوفه شيئا وقلنا يفطر به فيعتبر العلم بالواصل إلى جوفه وجزم أبو البركات في منتهى الغاية بأنه يكفي الظن. ومنها: لو رمى صيدا قال غير واحد وتحقق الإصابة وقال بعضهم وعلم الإصابة وكلاهما بمعنى فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به لغير السهم فهل يحل أم لا؟ في المسألة ثلاث روايات ثالثها إن غاب نهارا حل وإن غاب ليلا لم يحل وإن وجد فيه غير أثر سهمه مما يحتمل أنه أعان على قتله حرم قاله غير   1 هو نصر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفرضي القاضي ويعرف بـ ابن سنينة [535 – 616هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/121" شذرات الذهبب "7/126" ومن تصانيفه المستوعب في الفقه وكتاب الفروق. 2 العنوان بأكمله: "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" لفخر الدين بن تيمية الخطيب صنفه على منهج الوسيط في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي. 3 "إن خاف أن يبدره" أي أن يعاجله لسان العرب "1/228". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 واحد من الأصحاب وعزى إلى نص أحمد. ولم يقولوا ووجد فيه أثرا يغلب على الظن أنه أعان على قتله كما قالوا في السهم المسموم قال بعض المتأخرين من أصحابنا ويتوجه التسوية بين السهم والأثر لعدم الفرق وأن المراد بالظن في السهم المسموم الاحتمال. ومنها: لو قال له على ألف في علمي أو في ظني لزمه في الأول لا الثاني والله أعلم. ومنها: الصائم إذا غلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل حرم عليه التقبيل ذكره الأصحاب محل وفاق. ومنها: لو غاب عن مطلقته المحرمة عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم أتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها قاله الأصحاب وفي الترغيب وقيل لا يقبل قولها إلا أن تكون معروفة بالثقة والديانة ولو كذبها الزوج الثاني في الوطء فالقول قوله في تنصيف المهر والقول قولها في إباحتها للأول لأن قولها في الوطء مقبول ولو ادعت نكاح حاضر وأصابته وأنكرها أصل النكاح والإصابة حلت للأول في الأصح وهذان الفرعان مشكلان جدا. ومنها: إذا شك في عدد الطلاق أو عدد الرضعات بني على اليقين. ومنها: ما نقل عن الإمام أحمد رضي الله عنه فيمن تعرض عليه آنية مشتبهة فقال إن علم أنه حرام بعينه فلا يأكل منها. ومنها: الشهادة هل تجوز بغلبة الظن أم لا بد من اليقين. قال القاضي أبو يعلى ما أمكن تحمله مطلقا لا يجوز بغلبة الظن وما لا يمكن جاز بغلبة الظن وهو الاستفاضة ومنع في شهادة الأعمى أن الشهادة طريقها غلبة الظن قال بل القطع واليقين وكذلك قال الشيخ أبو محمد في شهادة الأخرس وقال الشيخ أبو محمد في شهادة الملكية يجوز بغلبة الظن لأن الظن يسمى علما قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ولا سبيل إلى العلم اليقيني فجاز بالظن فيؤخذ من هذا أن شهادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الاستفاضة تجوز بغلبة الظن وفي غيرها قولان أخذا من قول الشيخ أبى محمد إن الظن يسمى علما. يؤيده أن لنا قولا في جواز الشهادة في غير الاستفاضة بغلبة الظن أن الشاهد إذا رأى خطه متيقنا له ولم يذكر الشهادة هل له أن يشهد أم لا في المسألة ثلاث روايات ثالثها يشهد إن كان في حفظه وحرزه وكذلك الخلاف في الحاكم. ومنها: إذا وجد سماعه بخط يثق به وغلب على ظنه أنه سمعه جاز له أن يرويه قاله أكثر أصحابنا وغيرهم قال الإمام أحمد في رواية الحسين بن حسان1 في الرجل يكون له السماع مع الرجل فلا بأس أن يأخذ به بعد سنين إذا عرف الخط وقيل له فإذا عرف كتابة من يثق به فقال كل ذلك أرجو فإن الزيادة في الحديث لا تكاد تخفى لأن الأخبار مبنية على حسن الظن وغلبته. ومنها: هل للوصي أن يوصى إذا لم يجعل إليه ذلك أم لا؟ في المسألة روايتان أشهرهما عدم الجواز قال الحارثي2 ولو غلب على الظن أن القاضي يستند إلى من ليس أهلا أو أنه ظالم اتجه جواز الإيصاء قولا واحدا بل يجب لما فيه من حفظ الأمانة وصون المال عن التلف والضياع. ومن المسائل التي يعمل فيها بغلبة الظن الحكم بالقرائن كاللقطة3 والركاز4 والبيع بالمعاطاة5 والوقف بالفعل الدال عليه ودفع الثوب إلى القصار والخياط والدخول إلى الحمام من غير تقدير أجرة ولهم عادة بأجرة معينة وغير ذلك من الأفعال الدالة على الأقوال وهي كثيرة جدا.   1 لعله الحسين بن إسحاق التستري انظر طبقات الحنابلة "1/142". 2 هو شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري قاضي القضاة [671 – 732هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/420" شذرات الذهب "8/177". 3 اللقطة: هو المال الضائع من صاحبه يلتقطه غيره المغني "6/328". 4 الركاز: هو ما عثر عليه مدفونا في الأرض انظر المغني "2/612 – 614". 5 البيع بالمعاطاة: أن يقول الرجل لآخر: أعطني بهذا الدينار ختزا" فيعطيه ما يرضيه أو "خذ هذا الثوب بدينار" فيأخذه وهو بيع صحيح المغني "4/453". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ومن الحكم بالقرائن دفع ما يصلح للزوج أو للزوجة إذا تنازعا فيه ودفع ما يصلح لكل صانع. وفي بعض هذه الصور خلاف ضعيف. ومسائل كثيرة من هذا النمط في الدعاوى. ومن المسائل التي يعمل فيها بغلبة الظن أيضا الحكم بالشاهدين أو بالشاهد واليمين أو الأربعة والحكم بالشاهد حيث قلنا به وبالمرأة الواحدة حيث قلنا بها والعمل بخبر الواحد حيث قلنا به والمجتهد والحاكم إذا حدثت له واقعة فإنه يجب عليه العمل بما يغلب على ظنه. ومنها: المستحاضة إذا قلنا بالمذهب المشهور أنها تجلس ستا أو سبعا فالمذهب أنها تفعل ذلك بما تغلب على ظنها لا بالتشهى. ومنها: إذا أعتق عبدا وغلب على ظنه أنه يزنى أو يلحق بدار الحرب فإنه يحرم عليه إعتاقه ويصح ذكره صاحب المغنى. ومنها: ما قاله صاحب التلخيص والرعاية1 يجوز للرجل دخول الحمام مع ظن السلامة ولكن قال أحمد لرجل أراد دخول الحمام إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخله. ومنها: أن فرض الكفاية واجب على الجميع على المشهور ويسقط بفعل البعض فان غلب على ظن جماعة أن غيرهم يقوم بذلك سقط عنهم ذكره القاضي وغيره. ومنها: أن النوم المستثقل ينقض الوضوء لأنه مظنة خروج الحدث. وان كان الأصل عدم خروجه وبقاء الطهارة هذا المذهب المشهور وحكى ابن أبى موسى في شرح الخرقى2 وجها أن النوم نفسه حدث لكن يعفى عن   1 هو عنوان لكتابين في الفقه صنفهما القاضي نجم الدين أبو عبد الله بن أحمد بن حمدان بن شيب بن محمود بن شيب بن غياث بن سابق النميري الحراني المعروف بـ "ابن أبي الثناء" [603 – 695هـ] وهما الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى قال ابن رجب وفيهما نقول كثيرة جدا لكنها غير محررة انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/329". 2 للقاضي أبي علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي وهو شرح لـ مختصر الخرقي ........................................ == == الذي صنفه أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي [ت 334هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182" والكتاب طبع سنة "1964" وقد حظي بانتشار واسع وعناية خاصة من الفقهاء إذ خصصت له عدة شروح كان أوسعها المغني لابن قدامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 يسيره كالدم ونحوه. واختار أبو العباس أن النائم لا ينتقض وضوؤه إذا غلب على ظنه أنه لم يحدث. ومنها: لو استأجر أرضا للزراعة وكان يعلم بوجود الماء وقت الحاجة إليه صح وان غلب على الظن وجوده بالأمطار أو زيادة الأنهار جزم في المغنى وغيره بالصحة وفي التلخيص وجهان. ومنها: أن المصلى إذا غلب على ظنه وجود الماء إما في رحلة أو رأى ركبا أو موضعا قريبا عليه طير وجب الطلب رواية واحدة ولو قطع أن لا ماء فلا طلب رواية واحدة ولو ظن عدمه وقلنا بوجوب الطلب فأشهر الروايتين يجب وذكر في التبصرة1 رواية لا يجب وهي أظهر فان تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء أو ما يدل على الماء وقلنا بوجوب الطلب بطل تيممه ذكره أبو محمد وأبدى احتمالا آخر لا يبطل تيممه وعبر أبو البركات2 في شرحه3 إذا رأى ركبا يعلم أنه لا يخلو عن ماء لزمه الطلب فإن حصل له وإلا استأنف التيمم. ومنها: ما ذكره أبو الخطاب في التمهيد4 في مسألة التعبد بالقياس   1 مصنف في الفقه الحنبلي وصاحبه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي ابن تيمية الحراني [490 – 652هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/221". 2 هو مجد الدين أبو بركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضري بن محمد بن علي ابن تيمية الحراني [590"652هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/349" وشذرات الذهب "7/443" ومن تصانيفه المنتقى من أحاديث الأحكام والمحرر في الفقه ومنتهى الغاية في شرح الهداية والمسودة في أصول الفقه. 3 المقصود هو منتهى الغاية في شرح الهداية لأبي البركات بن تيمية. 4 هو التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب محفوظ الكلوذاني طبع في جامعة أم القرى في أربعة أجزاء "1985" تحقيق: محمد بن علي بن إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أن من أخبره بلصوص في طريقه وظن صدق المخبر لزمه ترك المسير. ومنها: إذا قلنا على رواية اختارها أبو الخطاب وغيره يمنع العمل بالعام قبل البحث عن المخصص فهل يشترط حصول اعتقاد جازم بأنه لا مخصص أو يكفي غلبة الظن بعدمه فيه خلاف اختار القاضي أبو بكر1 الأول وابن سريج2 وإمام الحرمين3 والغزالي4 الثاني. ومنها: ما ذكره شيخنا تقي الدين ابن تيمية في تعليقه5 على المحرر أنه يتعين تقييد إباحة النظر إلى المخطوبة بمن إذا خطبها غلب على ظنه إجابته ومتى غلب على ظنه عدم الإجابة لم يجز. ومنها: للإمام عزل القاضي إذا رابه أمره ويكفي غلبة الظن ذكره في الترغيب.   1 هو الفقيه الأصولي المتكلم الأشعري القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم ابن الباقلاني البصري ثم البغدادي [338 – 403هـ] ومن تصانيفه "الإنصاف التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والخوارج والمعتزلة" و"نمهيد الدلائل" و"إعجاز القرآن". 2 هو الفقيه الشافعي القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريح البغدادي الشافعي [249 – 306هـ] من كتبه: "الأقسام والخصال" والودائع لمنصوص الشرائع". 3 هو إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني الشافعي الأشعري [419 – 478هـ] ومن تصانيفه "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الإعتقاد" و"الورقات" و"البرهان" في أصول الفقه و" الشامل في أصول الدين" و"نهاية المطلب في دراية المذهب" في فروع الشافعية و"غنية المسترشدين" في الخلاف. 4 هو حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي [450 – 505هـ] صاحب التصانيف التي لا تحصى ومن بينها: في الفقه الشافعي "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز" و"منهاج العابدين" و"الخلاصة" وفي أصول الفقه "المستصفى من علم الأصول" و"المنخول من علم الأصول و"اللباب" و"شفاء العليل". 5 كذا ولعل الصواب "تعليقته" وتعليقة الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد الحليم بن تيمية على "المحرر" في الفقه لجده أبي البركات بن تيمية ذكره ابن رجب في قائمة مصنفات ابن تيمية في الترجمة المخصصة له في ذيل طبقات الحنابلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ومنها: إنكار المنكر لا يسقط بظنه أنه لا يفيد هذا هو الصحيح من الروايتين وجزم به القاضي في الجامع الكبير1 والرواية الأخرى يسقط كإياسه على الصحيح من الروايتين. ومنها: لو خاف المصلي هدم سور أو طم خندق إن صلى آمنا فله أن يصلى صلاة خائف ما لم يعلم خلافه ذكره القاضي وقال ابن عقيل يصلى آمنا ما لم يظن ذلك. ومنها: ما ذكره ابن عقيل وغيره أنه لا يجوز الإقدام على فعل لا يعلم جوازه وذكر بعض المالكية عدم الجواز إجماعا ويتوجه يجوز له الإقدام إذا ظن جوازه. ومنها: أنه لا يتابع الإمام في تكبير الجنازة إذا زاد على أربع إذا علم أو ظن بدعته ورفضه لإظهار شعارهم ذكره أبو الوفاء ابن عقيل محل وفاق. ومنها: إذا علم المزكى أن المدفوع له أهلا للزكاة وقال ابن تميم إذا ظن كره إعلامه بها نص عليه أحمد وقال بعض أصحابنا لا يستحب نص عليه ولنا قول باستحبابه وفي الروضة2 لا بد من إعلامه وقال ابن تميم وعن أحمد نحوه وان علمه أهلا لها ولكن من عادته أنه لا يأخذ زكاة فأعطاه ولم يعلمه لم يجزه في قياس المذهب لأنه لم يقبل زكاة ظاهرا ولهذا لو دفع المغصوب إلى مالكه ولم يعلمه أنه دفعه لم يبرأ ذكره أبو البركات وحكى ابن تميم هذا القول ولم يحك غيره وقال فيه بعد. ومنها: إذا تبع الجنازة منكر فهل يتبعها وينكره بحبسه أو يحرم عليه أن يتبعها في المسألة روايتان وصحح جماعة الثاني وأبو العباس صحح الاول.   1 الجامع الكبير: مصنف في الفقه الحنبلي للقاضي أبي يعلى بن الفراء وله أيضا "الجامع الصغير" انظر طبقات الحنابلة "2/205 – 206". 2 الروضة: هو كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" لموفق الدين بن قدامة طبع في القاهرة سنة 1397هـ ثم طبع عدة مرات وحظي بعدة شروح كما اختصره نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي وطبع هذا المختصر في الرياض "1963". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قال صاحب المحرر ولو ظن أنه إن تبعها أزيل المنكر لزمه إتباعها على الروايتين ويعايى بها. ومنها: من دفن في مقبرة مسبلة1 ثم أريد حفر قبره ليدفن معه غيره قال الآمدي ظاهر المذهب أنه لا يجوز وقال القاضي وغيره لا بأس به إذا كان الميت قد بلى ومراده إذا غلب على ظنه ولهذا ذكر غير واحد يعمل بقول أهل الخبرة وبعضهم عبر إذا علم أن الميت قد بلى ومراده الظن والله أعلم. ومنها: أن الميت غير الشهيد يجوز نقله إلى مكان آخر لغرض صحيح هذا المذهب عندنا قال صاحب المحرر محل هذا إذا لم يظن تغيره. ومنها: ما ذكره صاحب المحرر محل وفاق أن المرأة يحرم عليها زيارة القبور إذا علمت أنه يقع منها محرم لكن قال تأثم بظن وقوع النوح ولا فرق بين النوح وغيره من المحرمات فإما أن يعمل بالظن مطلقا أو بالعلم مطلقا فالتفرقة لا وجه لها مع أنه هو وغيره لم يحرم دخول الحمام إلا مع العلم بالمحرم.   1 مسبلة: ما كان وقفا في سبيل الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 القاعدة 2 شرط التكليف العقل وفهم الخطاب. ذكره الآمدي اتفاق العقلاء فلا تكليف على صبي ولا مجنون لا عقل له وقال أبو البركات في المسودة1 واختار قوم تكليفهما. قلت: من اختار تكليفهما إن أراد أنه يترتب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع2 فلا نزاع في ترتبه وان أراد خطاب التكليف3 فإنه لا يلزمهما بلا نزاع وان اختلف في مسائل هل هي من خطاب الوضع أم من خطاب التكليف أو بعض مسائل من مسائل التكليف وقد حكى حنبل4 عن أحمد رواية في المجنون أنه يقضي الصلاة والصوم وعنه إن أفاق بعد الشهر لم يقض الصوم وان أفاق فيه قضى والمذهب الصحيح خلاف ذلك. والظاهر والله أعلم أن من قال بتكليفهما إنما قاله بناء على التكليف   1 المسودة: هي "المسودة في أصول الفقه" من تأليف أبي البركات عبد السلام بن تيمية زاد فيها ولده شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ثم حفيده أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية طبعت بتحقيق محي الدين عبد الحميد "القاهرة: 1964". 2 خطاب الوضع: هو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء أو شرطا له أو مانعا منه أو صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة. 3 خطاب التكليف: هو ما اقتضى طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل أو تخييره بين الفعل والكف عنه. 4 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل ابن أخي الإمام أحمد روى عنه الكثير ونقل عنه المسند انظر طبقات الحنابلة "1/224". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بالمحال على ما سيأتي في تكليف الغافل إن شاء الله تعالى. وأما الصبي المميز فالجمهور على أنه ليس بمكلف وحكي عن أحمد رواية بتكليفه لفهمه الخطاب ذكرها في الروضة وعنه يكلف المراهق واختار ذلك ابن عقيل في مناظراته1. واختلف أصحابنا في سن التمييز فالأكثر على أنه سبع سنين لتخييره بين أبويه وقيل ست اختاره في الرعاية وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه عشر. وقال في المطلع2 المميز الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الإفهام والصحيح في المذهب عدم تكليفه وما ثبت من أحكام تكليفه فبدليل خارجي. إذا تقرر هذا فلنتكلم على مسائل تتعلق بالتمييز. ومنها: إذا خلت المميزة بماء يسير في طهارتها وقلنا لا يجوز للرجل التطهر بما خلت به المرأة فهل يجوز للرجل التطهر بما خلت به المميزة حكي في الرعاية في المسألة احتمالين. ومنها: إذا جامع أو جومع وكان مثله يطأ أو يوطأ لزمه الغسل على المنصوص وفيه وجه يستحب اختاره القاضي. ومنها: وجوب الصلاة عليه. ظاهر المذهب أنها لا تجب عليه وعنه3 تجب عليه وعنه تجب على   1 لعله المجالس "النظريات في الفقه" لأبي الوفاء علي بن عقيل. 2 العنوان بأكمله: "المطلع على أبواب المقنع" من تأليف زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن محمود بن عبيدان البعلي [675 – 734هـ] وهو كتاب في الفقه الحنبلي رتبه على أبواب "المقنع" لموفق الدين بن قدامة توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الجامع الأزهر. وللمؤلف نفسه كتاب "زوائد الكافي" و"المحرر على المقنع" طبع بعناية: محمد زهير الشاويش "منشورات المكتب الإسلامي: بدون تاريخ" وهو كتاب جمع فيه صاحبه زيادات "الكافي" لابن قدامة و"المحرر" لأبي البركات بن تيمية على "المقنع" انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/423". 3 أي عن الإمام أحمد بن حنبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 من بلغ عشرا اختارها القاضي أبو بكر1 وظاهر كلامه في الجارية إذا بلغت تسعا يجب عليها وعنه يجب على المراهق اختارها أبو الحسن التميمي2 قال أبو المعالي ونقل عن أحمد في ابن أربع عشر سنة إذا ترك الصلاة قتل. وإذا أوجبنا الصلاة عليه فهل الوجوب مختص بما عدا الجمعة أو يعم الجمعة وغيرها في المسألة وجهان لأصحابنا أصحهما لا تلزمه الجمعة وان قلنا بتكليفه بالصلاة قال صاحب المحرر هو كالإجماع للخبر وإذا قلنا بعدم الوجوب عليه فإنه يجب على وليه تعليمه الصلاة والطهارة وشروطها نص عليه أحمد خلافا لابن عقيل في مناظراته. ومنها: أذانه أنه للبلغ هل يجزئ؟ في المسألة روايتان الرواية التي نصرها القاضي الصحة وعدم الصحة علله طائفة من الأصحاب بأن الأذان فرض كفاية وفعل الصبي نفل وعلله صاحب المغنى والمحرر بأنه لا يقبل خبره وذكره جماعة في أصول الفقه. وقال أبو العباس ويتخرج في أذانه روايتان كشهادته وولايته. أما صحة أذانه في الجملة وكونه جائزا إذا أذن غيره فلا خلاف في جوازه قال ومن الأصحاب من أطلق الخلاف لأن أحمد قال في رواية حنبل لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم إذا كان قد راهق وقال في رواية على ابن سعيد3 وقد سئل عن الغلام يؤذن قبل أن يحتلم فلم يعجبه قال والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولا واحدا ولا يسقط الفرض ولا يعتمد في مواقيت العبادات وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي   1 المقصود هو القاضي أبو بكر الباقلاني وحيثما أطلقت هذه العبارة في هذا الكتاب فهو المقصود. 2 هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي [317 – 371هـ] صحب أبا القاسم الخرقي وغلام الخلال وصنف في الأصول والفروع والفرائض انظر طبقات الحنابلة "2/139". 3 هو أبو الحسن علي بن سعيد بن جرير النسوي ممن روى عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/224". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 في المصر ونحو ذلك فهذا فيه روايتان والصحيح جوازه. ومنها: عورة الحرة المراهقة قال بعض أصحابنا المميزة كالأمة؟ نقل أبو طالب1 في شعر وساق وساعد لا يجب ستره حتى تحيض وقال أبو المعالي هي بعد التسع والصبي بعد العشر كالبالغ ثم ذكر عن أصحابنا إلا في كشف الرأس وقبلهما وبعد السبع الفرجان. ومنها: وجوب الصوم عليه والمذهب لا يجب عليه حتى يبلغ. وعن أحمد رواية يجب عليه إن أطاقه اختارها أبو بكر2 وابن أبي موسى. وحد ابن أبي موسى طاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره لخبر مرسل وعنه يلزم من بلغ عشرا وأطاقه. وإن قلنا بعدم الوجوب عليه فإنه يجب على وليه ضربه عليه ليعتاده ذكره جماعة قال صاحب المحرر وغيره لا يؤخذ به ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة. ومنها: إحرامه بإذن وليه صحيح وبغير إذنه لا يصح اختاره الأكثر. ولنا قول واختاره أبو البركات أنه يصح كصلاته وصومه. فعلى هذا يحلله الولي منه إن رآه ضررا عليه في الأصح كالعبد. تنبيه: وإذا لم نوجب عليه العبادة فما فعله فإنه يثاب عليه وثوابه له. ذكره الشيخ أبو محمد3 في موضع والإمام أبو العباس وكذا قال ابن عقيل في فنونه في أوائل المجلد التاسع عشر.   1 المقصود هو أبو طالب أحمد بن حميد المشكاني [ت 244هـ] كان متخصصا بصحية الإمام أحمد وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/39". 2 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي [ت275هـ] كان من أصحاب الإمام أحمد ومن المقدمين عنده روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/56" وشذرات الذهب "3/313". 3 المقصود هو الشيخ أبو محمد المقدسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وعندي انه يثاب على طاعات بدنه وما يخرج من العبادات المالية من ماله قال ابن هبيرة1 في الحج معنى قولهم يصح منه أي يكتب له قال وكذا أعمال البر كلها فهي له ولا تكتب عليه. وعلله ابن عقيل في الجنائز بتقديم النساء على الصبيان بالتكليف ففضلهن بالثواب والصبي ليس من أهل الثواب والعقاب. وطريقة بعض أصحابنا في مسألة تصرفه ثوابه لوالديه. ولأحمد وغيره بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعا " أن حسنات الصبي لوالديه أو أحدهما" وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. ومنها: بيعه بإذن وليه للكثير صحيح على الصحيح وبغير إذن صحيح في الشيء اليسير وجزم به طائفة. وقال القاضي في الجامع قال أبو بكر اختلف قوله2 في صحة بيعه فروى عنه صحة ذلك في اليسير وروى عنه لا يصح. ويجب أن يكون موضع الروايتين في اليسير إذا لم يكن مأذونا له فأما إذا كان مأذونا له فيصح بيعه وشراؤه في اليسير والكثير وفي الكثير لا يصح على الصحيح. وعن أحمد رواية يصح موقوفا على إجازة وليه. وعنه يصح من غير إجازة ذكرها الفخر إسماعيل3.   1 هو الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة [499 – 562هـ] من تصانيفه "الإفصاح عن معاني الصحاح" والعبادات الخمس. انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/251 – 289" وشذرات الذهب "6/319 – 327" والبداية والنهاية "12/252". 2 اختلف قوله: الهاء تعود على الإمام أحمد بن حنبل. 3 هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي المعروف أيضا بـ "ابن الوفاء" و"ابن الماشطة" كما اشتهر تعريفه بـ "غلام ابن المني" [549 – 610هـ] من مصنفاته "التعليقة" و"المفردات" و"جنة الناظر وجنة المناظر" انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/66" وشذرات الذهب "7/76". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وقال ابن عقيل الصحيح عن أحمد لا تصح عقوده وان شنحه1 وقال الصحيح عندي في عقوده كلها روايتان وفي الانتصار2 وعيون المسائل3 ذكر أبو بكر صحة بيعه ونكاحه. ومنها: إذا أوجبنا على البالغ الكفارة في وطء الحائض فهل تجب على الصبي إذا وطىء في المسألة وجهان. ومنها: إمامته بالبالغ هل تصح أم لا؟ في المسألة ثلاث روايات ثالثها تصح في النفل دون الفرض واختارها أكثر أصحابنا وظاهر المسألة لو قلنا تلزمه الصلاة وصرح به ابن البنا4 في العقود5 وبناؤهم المسألة على أن صلاته نافلة تقتضى صحة إمامته إن لزمته قاله صاحب النظم6 وهو ظاهر متجه. وقال ابن عقيل يخرج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجه بناء على القول بوجوب الصلاة عليه. وقال بعض أصحابنا تصح في التراويح إذا لم يكن غيره قارئا وجها   1 شنحه كذا في الأصل ولعلها سمح له. 2 هو الإنتصار للشيخ أبي بكر للقاضي أبي يعلى بن الفراء ألفه لترجيح المسائل التي خالف فيها أبو بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال أبا القاسم الخرقي وهي تتجاوز التسعين مسألة ذكرها ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة "2/120". 3 "عيون المسائل" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205". 4 هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي [396 – 471هـ] مما صنفه "شرح مختصر الخرقي" "الكامل في الفقه" "الكافي المجدد في شرح المجرد" و"الخصال والأقسام" و"نزهة الطالب في تجريد المذاهب" انظر طبقات الحنابلة "2/243" وذيل طبقات الحنابلة "1/32" وشذرات الذهب "5/305". 5 العقود: كذا في ولا يوجد كتاب بهذا الاسم في قائمة مصنفات أبي علي بن البناء التي أوردها ابن رجب ذيل طبقات الحنابلة "1/46" ولعل المسألة وردت في باب العقود في أحد كتبه التي صنفها في الفقه والتي أوردناها أعلاه. 6 النظم: كذا في الأصل ولعل الصواب "النظام" وتمامه: "النظام بخصال الأقسام" للقاضي أبي الفتح عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة الحراني [ت 476هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/43". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 واحدا وتصح إمامته بمثله قطع به غير واحد وفي المنتخب1 لا تصح. ومنها: مصافته للبالغ فإن كان في النافلة صح لحديث أنس وذكر أبو الخطاب رواية لا تصح كإمامته. وان كان في الفريضة فروى عن أحمد أنه توقف في هذه المسألة وقال ما أدري فذكر له حديث أنس2 فقال ذلك في التطوع. واختلف أصحابنا في ذلك فقال بعضهم لا تصح كإمامته وعلله أبو حفص3 بأنه يخشى أن لا يكون متطهرا فيصير البالغ فذا. وقال ابن عقيل تصح لأنه يصح أن يصاف الرجل في النفل فصح في الفرض كالمتنفل ولا يشترط لصحة مصافته صلاحية الإمامة بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة وما قاله أصوب. ومنها: جواز غسل صبي له سبع للمرأة هل يجوز أم لا؟ وفي المسألة روايتان والمنع قول أبى بكر وابن حامد وحكى بعضهم الجواز قول أبى بكر ويغسل صبيا دون سبع مجردا بغير سترة ويجوز لمس عورته والنظر إليها نص عليه الإمام أحمد وفيما زاد على السبع قبل البلوغ وجهان وحكى أبو الخطاب فيمن بلغ السبع ولم يبلغ روايتين قال ابن تميم   1 تمامه: "المنتخب في الفقه" لشرف الإسلام أبو القاسم عبد الوهاب بن أبي الفرج عبد الواحد السيرازي ثم الدمشقي المعروف بـ "ابن الحنبلي" [ت 536هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/199". 2 حديث أنس حول صلاة غير البالغ بقرب البالغ. إشارة إلى حديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فأكل منه ثم قال: "قوموا فلنصل بكم" قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما بسط فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت عليه أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف. رواه الترمذي وقال: وقد روى عن موسى بن أنس عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه باب الصلاة رقم: "334" ومسند المصنف هنا ليس الرواية الأولى وإنما الثانية والتي رواها أحمد المسند رقم: "13997, 13003, 13693, 13729, 13609, 13493, 13530". 3 هو أبو حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البرمكي [ت 387هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 والصحيح أنها لا تغسله إذا بلغ عشرا وجها واحدا. وأما الجارية إذا لم تبلغ سبعا فقال القاضي وأبو الخطاب يجوز للرجال غسلها وحكى ابن تميم وجها له غسل بنت خمس فقط وعنه لا يغسل الجارية رجل إلا أن يكون أبا يغسل ابنته الصغيرة. وقال الخلال يكره للرجل الغريب أن يغسل ابنة ثلاث سنين وينظر إليها. وقال الخلال1 أيضا القياس التسوية بينهما قياسا لكل واحد منهما على الآخر لولا أن التابعين فرقوا بينهما. فعلى قولنا حكمها حكم الغلام لا يغسل الرجل من بلغت عشرا لما ذكرنا في الصبي ويحتمل أن يحد ذلك في الجارية بتسع وفيما قبل ذلك الوجهان واختار أبو محمد المنع. ومنها: جواز كونه غاسلا للميت ويسقط به الفرض حكى طائفة من أصحابنا روايتين وطائفة وجهين والصحيح السقوط. ولنا وجهان أيضا في سقوط فرض الصلاة بفعله وقدم أبو البركات السقوط لغسله وجزم أبو المعالى بالثانى. ومنها: لو التقط لقطة وعرفها فظاهر كلامه في المغنى عدم الإجزاء قال الحارثي والأظهر خلافه لأنه يعقل التعريف فالمقصود حاصل. ومنها: إذا وجدناه ضائعا لا كافل له هل يكون لقيطا أم لا؟ تردد صاحب التلخيص2 وقال ويحتمل أنه ليس بلقيط فإنه قريب   1 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف "بالخلال" [ت 311هـ] من تصانيفه "الجامع لعلوم الإمام أحمد" "العلل" "السنة" "العلم" انظر طبقات الحنابلة "2/12 – 15" شذرات الذهب "40/55". 2 صاحب التلخيص هو فخر الدين أبو عبد الله محمد بن الخضر بن محمد بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني [542 – 622هـ] و"التلخيص" اختصار لعنوان مصنف كبير له في الفقه وهو: "تلخيص المطلب في تلخيص المذهب" ومن تصانيفه أيضا: "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" و"شرح الهداية لأبي الخطاب" انظر طبقات الحنابلة "2/151" وشذرات الذهب "7/179". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الشبه بالممتنع من الضوال في اللقطة فإن له نوع استقلال قال والمختار عند أصحابنا أنه يكون لقيطا لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر من سبع سنين أقرع ولم يجبر بخلاف الأبوين. ومنها: إذا قلنا للولد المنازع فيه أن ينتسب إلى من شاء من المدعين إذا بلغ فهل المميز كذلك أم لا المذهب أنه لا يقبل الانتساب وقاله غير واحد من الأصحاب وأبدى الحارثى احتمالا بالقبول. ومنها: هبته هل تصح أم لا. والمنصوص عن أحمد عدم الصحة أذن الولى أم لا؟ قال أبو داود1 سمعت أحمد سئل متى يجوز هبة الغلام قال ليس فيه اختلاف إذا احتلم أو يصير ابن خمس عشرة سنة وذكر بعض أصحابنا رواية في صحة إبرائه فالهبة مثله. ومنها: هل هو أهل لقبض الهبة وقبولها أم لا؟ في المسألة روايتان أشهرهما ليس هو أهلا نص على ذلك في رواية ابن منصور2 وعليه معظم الأصحاب والثانية هو أهل قال المروذى3 قلت لأحمد نعطى يتيما من الزكاة قال نعم يدفعها إلى الغلام قلت: فإني أخاف أن يضيعه قال يدفع إلى من يقوم بأمره وهذا اختيار صاحب المغنى والحارثى وأبدى في المغنى احتمالا أن صحة. قبضه تقف على إذن الولى دون القبول لأن القبض يحصل به مستوليا على المال فلا يؤمن من تضييعه له فتعين حفظه   1 هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشر بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني صاحب السنن [203 – 275هـ] انظر طبقات الحنابلة "1/159" شذرات الذهب "3/313" سير أعلام النبلاء "13/203". 2 هو أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروذي [ت 251هـ] روى عن الإمام أحمد ودون عنه المسائل الفقهية. انظر طبقات الحنابلة "1/113" شذرات الذهب "3/234". 3 هو أبو بكر أحمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي [ت 275هـ] كان من أصحاب الإمام أحمد ومن المقدمين عنده روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/56" شذرات الذهب "3/313". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 عن ذلك توقفه على الإذن كقبض وديعته وأما القبول فيحصل به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن كاحتشاشه واصطياده. ومنها: وصيته والمذهب المنصوص الذي نقله الجماعة صحتها ومن الأصحاب من حكى وجها أنها لا تصح حتى يبلغ. وإذا قلنا بالمذهب فالأشهر عند أحمد التحديد بعشر سنين فصاعدا نص عليه في رواية طائفة من أصحابه حتى قيل عن أبى بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته. وفيما قاله رحمه الله نظر فإن الأثرم قال في كتبه قيل لأبى عبد الله1 الصغير يوصي ولم يحتلم قال إذا أصاب الحق وكان ابن ثنتي عشرة سنة فهو جائز قلت: ابن ثنتي عشرة سنة قال نعم قلت: على حديث عمرو بن سليم عن عمر قال نعم. وفي مسائل حرب2 سألت أحمد بن حنبل هل تجوز وصية الغلام قال إذا أصاب الحق وأراه قال إذا كان ابن ثنتى عشرة سنة وفي كتاب الخلال3 قال حنبل قلت لأبى عبد الله فالصبي وصى بالوصية قال إذا بلغ ثنتى عشرة سنة أو نحوها جازت إذا وافق الحق قلت: مثل ماذا قال يوصى لوارث أو يحيف في الوصية رده الحاكم إلى الحق. وذلك نص في التحديد بثنتى عشرة سنة وحكى القاضي في المجرد وغيره عن أبى بكر عبد العزيز أنه حكى عن أحمد رواية أنها تصح وصية من له فوق سبع سنين اعتبارا بإسلامه وبتخييره قال الحارثى وهذا لم أجده منصوصا عن أحمد وأظنه مخرجا من نصه في إسلام ابن ثمان.   1 المقصود أحمد بن حنبل. 2 هي المسائل التي نقلها وجمعها حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي عن الإمام أحمد بن حنبل. 3 لعله يشير إلى كتاب "الجامع لعلوم الإمام أحمد" لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف "بالخلال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ويؤيد ذلك أن ابن أبى موسى ذكر في الإرشاد1 أن وصية الغلام الزى لم يبلغ عشرا والجارية التي لم تبلغ تسعا باطلة قولا واحدا وابن أبى موسى خبير بالمذهب جدا وإذا قيل بالأشهر عن أحمد وأن ذلك محدود بعشر فظاهر إطلاق أبى الخطاب وأبى محمد المقدسي لا فرق بين الذكر والأنثى ولكن نص أحمد في رواية صالح2 على الصحة في الأنثى لتسع سنين وفي الذكر لعشر واختاره أبو بكر عبد العزيز وابن أبى موسى. تنبيه: كثيرا ما يقيدون الصحة في وصية الصبي بأصلية الحق مع أن ذلك معتبر في كل وصية وانما قيدوه لكون المخالفة تكثر فيه لعدم وصف التكليف فاحتيج إلى التأكيد ذكره الحارثى. وقال أبو العباس قول أحمد وغيره من السلف في وصية الصبى إذا أصاب الحق يحتمل في بادى الرأي وجهين. أحدهما أن اصابة الحق إذا أوصى بما يجوز للبالغ لكن هذا فيه نظر فإن هذا الشرط ثابت في حق كل موص فلا حاجة إلى تخصيص الصبي به. والثاني: أنه إذا أوصى بما يشرع له ويستحب أن يوصى به مثل أن يوصى لأقاربه الذين لا يرثونه فعلى هذا لو أوصى لبعيد دون القريب المحتاج لم تنفذ وصيته بخلاف البالغ لأن الصبي لما كان قاصر النظر فلا بد أن ينضم نظر الشرع كما احتاج بيعه إلى إذن الولي وكذلك إحرامه بالحج على إحدى الروايتين.   1 هو الإرشاد في الفقه الحنبلي للقاضي أبي علي بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي وممن شرحه أبو محمد رزق الله التميمي [ت 488هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182". 2 المقصود هو: أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل [203 – 266هـ] أكبر أولاد الإمام أحمد روى الكثير عن والده وحدث عن علي بن المديني وغيره كما تولى القضاء بطرسوس ثم بأصبهان حيث توفي انظر طبقات الحنابلة "1/324" شذرات الذهب "3/301". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ويدل عليه أن أصحابنا عللوا ذلك بأنه إن مات كان صرف ما أوصى به إلى جهة القرب وما يحصل له به الثواب أولى من صرفه إلى ورثته وهذا إنما يتم في الوصية المستحبة فأما إن كان المال قليلا والورثة فقراء فترك المال لهم أفضل وما أظنهم والله أعلم قصدوا إلا هذا انتهى. ومنها: هل يجبر الأب الثيب والبكر المميزتين بعد التسع أم لا في المسألة روايتان. ومنها: هل يصح أن يكون وصيا في المسألة وجهان قال القاضى قياس المذهب الصحة لأن أحمد نص على صحة وكالته وعلى جواز بيعه إذا كان مأذونا له وهذا قاله كثير من الأصحاب وعدم الصحة اختيار أبى محمد في المغنى واختاره صاحب المحرر أيضا. ومنها: بنت تسع سنين حيث قلنا لا تجبر فلها إذن صحيح هذا هو المذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله وابن منصور وأبى طالب وأبى الحارث1 وابن هانى2 والميمونى3 والاثرم4 وهو الذي ذكره أبو بكر وأبن أبى موسى وابن حامد والقاضي ولم يذكروا فيه خلافا وكذلك أكثر أصحاب القاضى وذكر أبو الخطاب وغيره رواية ليس فيها إذن صحيح ولم يذكرها في رءوس المسائل5 وهي مأخوذة مما روى الاثرم عن أحمد أن غير الأب لا يزوج الصغيرة حتى تبلغ فيستأمرها   1 هو أبو الحارث أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحارث الصائغ صاحب الإمام أحمد وروى عنه كثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/74". 2 هو أبو إسحاق إبراهيم بن هانيء النيسابوري [ت265هـ] صاحب الإمام أحمد ونقل عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/97 – 98". 3 هو أبو الحسن عبد الملك بن عبد لحميد بن مهران الميموني الرقي [ت 274هـ] من كبار أصحاب الإمام أحمد وروى عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/212" شذرات الذهب "3/310". 4 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانيء الطائي الأثرم [ت 273هـ] محدث حافظ جليل القدر نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا له كتاب في العلل وكتاب في السنن انظر طبقات الحنابلة "1/66 – 74". 5 "رؤوس المسائل" في الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ويعرف أيضا بـ "الخلاف الصغير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وهذا لا يثبت فإن في سياق رواية الاثرم أن الأب يزوج الصغيرة بدون إذنها إذا كانت صغيرة حين زوجها لم تبلغ تسع سنين وهذا موافق لرواية حرب أن غاية الصغر تسع سنين. وقوله حتى تبلغ حد الإذن وقد فسر الخلال كلام أحمد في بلوغ الصغيرة وإدراكه على بلوغ سن التمييز في كتاب الجنائز1 وغيرها. وأما ابن تسع سنين فقال القاضى في الجامع الكبير ربما تجب صحة نكاح بنت تسع سنين ولا يلزم على هذا الغلام إذا بلغ هذا السن لأنه لا حاجة به إلى العقد لأنه لا شهوة له وفيه ضرر عليه من استحقاق المهر والنفقة. وقال في كتاب الطلاق في الجامع أيضا وأما نكاح الصبى المميز فالمنصوص عن أحمد أنه يصح. وقال في رواية المروذى في غلام زوجه عمه وهو صغير فقال قبلت ليس بشيء حتى يبلغ عشر سنين. وقال في موضع آخر لا يجوز قبوله حتى يبلغ عشر سنين. وقال أبو بكر يصح ويجب أن يكون هذا موقوفا على حصول الإذن من جهة الولى انتهى. وظهر من هذا أنه يصح أن يتزوج بإذن وليه وأن ذلك مقدر بعشر سنين وقد تقدم أن طائفة من الأصحاب فرقت بين الغلام والجارية في الوصية وأنه يقدر سن الغلام بعشر والجارية بتسع فكذلك ههنا. ومنها: هل يجبر الصبى المميز على النكاح قال أبو يعلى الصغير2 يحتمل أنه كالبنت وان سلمناه فلا مصلحة له وإذنه نطق لا يكفي صمته ولا ولاية عليه بعد بلوغه.   1 أي القسم الذي يتناول المسائل المتعلقة بالجنائز في كتابه. 2 هو عماد الدين محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء حفيد القاضي أبي يعلى [494 – 560هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/244" وشذرات الذهب "6/316". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ومنها: إذا أعتق فقال طائفة من الأصحاب لا يصح بغير خلاف وأثبت غير واحد الخلاف فقال في المبهج1 والترغيب في عتق ابن عشر وابنة تسع روايتان وقدم في التبصرة صحة عتق المميز وفي عيون المسائل قال أحمد يصح عتقه. قلت: ونقل أبو طالب وأبو الحارث ومحمد بن موسى بن مشيش صحة عتقه. وإذا قلنا بصحة عتقه فضبطه طائفة بعقله العتق وقاله أحمد في رواية صالح وأبى الحارث وابن مشيش2. وضبطه طائفة بعشر في الغلام وفي الجارية بتسع كما ذكرناه عن صاحب المبهج والترغيب وقال أحمد في رواية أبى طالب في الغلام الذي لم يحتلم يطلق امرأته إذ عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر سنين إلى ثنتى عشرة سنة وكذلك إذا اعتق جاز عتقه انتهى. وممن اختار من الأصحاب صحة عتقه أبو بكر عبد العزيز ذكره في آخر كتاب المدبر من الخلاف3 قال وتدبير الغلام إذا كان له عشر سنين صحيح وكذلك عتقه وطلاقه. ومنها: هل يكون وليا في النكاح أم لا فقال أبو بكر في كتاب المقنع4 اختلف قول أحمد في الصغير هل يكون وليا فالذي نقله ابن منصور في إحدى الروايتين عنه أنه لا يكون وليا حتى يبلغ وتجري عليه الحدود وظاهر كلامه تخريج المسألة على روايتين.   1 "المبهج" في الفقه الحنبلي لأبي الفرج عبد الواحد الشيرازي ثم الدمشقي [ت 486هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/72". 2 هو محمد بن موسى بن مشيش البغدادي من أصحاب الإمام أحمد كان يستملي له ونقل عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/323". 3 لعله كتاب "الخلاف مع الشافعي" لأبي بكر عبد العزيز بن جعفر المعروف "بغلام الخلال". 4 "المقنع" مصنف ضخم في الفقه الحنبلي لأبي بكر عبد العزبز بن جعفر المعروف بغلام الخلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وحكى جماعة عن أحمد روايتين تصريحا والمذهب لا يكون وليا نص عليه في رواية ابن منصور والاثرم وعلى بن سعيد وحرب. وإذا قلنا بأنه يكون وليا فمقدار سنه عشر سنين وعنه اثنتى عشرة سنة حكاهما في المستوعب1. ومنها: أنه يجوز أن ينظر إلي ما فوق السرة وتحت الركبة إن لم يكن له شهوة وعنه هو كالمحرم. وان كان له شهوة فهل هو كالمحرم أو كالأجنبي في المسألة روايتان إحداهما لا يقع حتى يبلغ نقل أبو طالب لا يجوز طلاقه حتى يحتلم والأصحاب على وقوع طلاقه وهو المنصوص عن الإمام أحمد في رواية الجماعة منهم صالح وعبد الله وابن منصور والحسن بن ثواب2 والاثرم وإسحاق ابن هانىء والفضل بن زياد3 وحرب والميمونى. وإذا قلنا بوقوع طلاقه كما هو المذهب فقال القاضى في الجامع الكبير ظاهر كلام أحمد في رواية الجماعة أن ذلك موقوف على حصول العقل والتمييز من غير تحديد بسن ونقل أبو الحارث عنه من عشر سنين إلى ثنتى عشرة سنة وكذلك قال في رواية إسحاق بن هانىء. وعندى أن هذا ليس على طريق التحديد من أحمد لأن العقل والتمييز قد يحصلان فيما دون ذلك ولهذا أجاز تخيير الولد بين أبويه لسبع سنين. وعلى هذا الأصل إذا قلنا يصح إسلامه وردته إذا كان يعقل الإسلام والردة فإنه غير محدود وانما ذكر أحمد العشر لأن الغالب أن العقل والتمييز   1 هو كتاب "المستوعب في الفقه" للقاضي نصر الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري المعروف بـ "ابن سنينة" [ت 616هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/121". 2 هو أبو علي الحسن بن ثواب الثعلبي المخرمي [ت 268هـ] كان من الأصحاب المقربين إلى الإمام أحمد وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/131". 3 هو أبو العباس الفضل بن زياد القطان كان من أصحاب الإمام أحمد المتقدمين عنه وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/251 – 253". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 لا يحصلان له فيما دون ذلك تحييرا انتهى. وفي المستوعب رواية تحده بثنتى عشرة سنة وهذا الكلام فيما إذا باشر طلاق زوجته فأما إذا وكل في طلاق زوجته رجلا أو توكل لرجل بالغ في طلاق زوجته أو رد طلاقه إلى زوجته وهى بالغة فهل يصح ذلك أم لا؟ قال القاضي في الجامع الكبير ظاهر كلام أحمد أنه يصح فقال في رواية صالح في رجل قال لصبى طلق امرأتي فقال قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه وهو لا يعقل فقيل له فان كان له زوجة وهى صبية فقالت له صير أمرى إلى فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي فقال ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق. فقد شبه أحمد توكيل الغير له في زوجته بإيقاع طلاقه لنفسه واعتبر العقل في ذلك. وكذلك اعتبر العقل إذا رد الطلاق إلى زوجته وهى صغيرة وهذا يدل على أن التوكيل كالإيقاع. واختار أبو بكر ورواه عن أحمد إذا وكل في طلاق امرأته لا يقع حتى تبلغ ولا يكون وليا حتى يبلغ المذهب على ما حكيا لان أبا بكر قال إذا طلق بنفسه صح طلاقه وكل من صح طلاقه صح أن يوكل ويتوكل فيه والتوكيل أوسع من الإيقاع وما روى عن أحمد محمول على قولنا بأنه لا يصح طلاقه. وإذا قلنا بصحة طلاقه فهل يصح ظهاره وايلاؤه أم لا؟ الأكثر من أصحابنا على صحة ذلك وقال أبو محمد المقدسي والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا ايلاء لأنه يمين مكفرة فلم تنعقد في حقه. قلت: وحكى في المذهب في صحة انعقاد يمينه وجهين. ومنها: إذا عقد لابن عشر سنين عقد نكاح وأتت امرأته بولد لستة أشهر فصاعدا فالمذهب يلحقه نسبه ولا يلحقه إذا كان سنه أقل من ذلك وقال القاضى يلحقه نسبه إذا أتت به لتسعة أعوام ونصف عام مدة الحمل. وقيل لا يلحقه إلا إذا كان له اثنتا عشرة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 واختار أبو بكر وابن عقيل لا يلحقه حتى يبلغ واختاره أبو الخطاب أيضا في تحريم الزانية وتحريم المصاهرة. وعلى المذهب إذا قلنا يلحقه لا يصير بالغا ولا يتقرر مهر ولا يلزم عدة ولا رجعة إن شككنا في بلوغه. ومنها: إذا بلغ الغلام سبع سنين وهو عاقل فعن أحمد أن أباه أحق به وعنه أمه والمذهب يخير بينهما. وان بلغت الجارية سبعا فالمذهب أنها عند الأب وعن أحمد رواية أن الأم أحق بحضانتها حتى تحيض ذكرها ابن أبى موسى قال في الهدى1 هي الأشهر عن أحمد وأصح دليلا. وقيل تخير وذكره في الهدى رواية عن أحمد وقال نص عليها. ومنها: إذا قذف هل يجب الحد على قاذفه؟ في المسألة روايتان ذكرهما غير واحد أظهرهما يجب وقال أبو بكر عبد العزيز لا يختلف قول الإمام أحمد أنه يحد قاذفه إذا كان ابن عشر أو اثنتي عشرة سنة قال في الترغيب تفريعا على وجوب الحد لا يمكن مطالبته حتى يبلغ انتهى. وضبطه طائفة من أصحابنا كصاحب الترغيب وغيره بإمكان الوطء فقط وضبطه السامرى وغيره في الغلام بعشر وفي الجارية بتسع. وقريب من هذا إذا طلب الزوج زوجته وكانت ممن يوطأ مثلها ولزم التسليم إليه فما حد السن الذي يجب التسليم معه حده الإمام أحمد في رواية. عندى على طريقة أبى الحارث بتسع سنين وقال القاضى ليس هذا للتحديد وانما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها. وتقدم قول أبى المعالى في أول القاعدة في ابن أربع عشرة سنة إذا ترك   1 المقصود هو "زاد المعاد في هدى خير العباد" لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية وقد طبع عدة مرات وأجودها الطبعة التي صدرت بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الصلاة أنه يعيد وهو محمول على البالغ بالسن أو الإنبات. وأما إذا قذف أو قتل لم يقم عليه الحد ولم يجب عليه القصاص ولم أر خلافا في ذلك بين الأصحاب ولا عن الإمام أحمد ولا يتخرج وجوب ذلك على تكليفه لأن الحدود تدرأ بالشبهات والصغر شبهة وأكثر الناس على عدم تكليفه فيكون اختلافهم شبهة مانعه من وجوب القصاص والحد ولأن الحد والقصاص حق على البدن وبدن الصبى يضعف عن ذلك. ومنها: إسلامه وردته فظاهر المذهب صحتهما وعن الإمام أحمد رواية لا يصحان وعنه يصح إسلامه دون ردته. قال في المحرر ويحال بينه وبين الكفار على الروايات كلها وإذا صححنا ردته لا يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه. وضبطه طائفة من الأصحاب من يصح إسلامه وردته بعقله وطائفة حكت روايتين إحداهما سبع سنين والأخرى عشر سنين. ومنها: لو تنازع شخصان صبيا مميزا في يديهما فقال إني حر ولم تقم بينة برقه فالمذهب الصحيح أن القول قوله. ومنها: أمانة الكافر هل تصح أم لا في المسألة روايات. ومنها: حيث حكمنا بإسلام الطفل بإسلام أحد أبويه أو تسببه منفردا عنهما أو موتهما أو أحدهما في دار الإسلام على رواية فهل المميز كالبالغ لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه أو هو كالطفل المنصوص عن أحمد هو كالطفل ولنا قول هو كالبالغ. ومنها: شهادته وأصح الروايات عنه أنها لا تقبل وروى. عنه تقبل وقال في رواية ابن هانئ تقبل شهادة ابن عشر وروى عنه تقبل في الجراح والقتل خاصة إذا أدوها وأشهدوا على شهادتهم قبل تفرقهم ولا يؤثر رجوعهم بعد ذلك ذكره القاضى في الجامع. ولنا قول تقبل شهادته على مثله وسأل عبد الله أباه1 عن شهادة الصبيان   1 أي: أحمد بن حنبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فقال على رضى الله عنه أجاز شهادة بعضهم على بعض. تنبيه: ذكر القاضى أن الخلاف عند الأصحاب في الشهادة على الجراح الموجبة للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل قال أبو العباس هذا عجب من القاضى فإن الصبيان لا قود بينهم وانما الشهادة بما يوجب المال. ومنها: إقراره والمنصوص عن أحمد أنه يصح إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد ومنع في الانتصار عدم صحة إقراره ثم سلمه لعدم مصلحته فيه وأطلق في الروضة صحة إقرار المميز قال ابن عقيل في إقراره روايتان أصحهما يصح نص عليه إذا أقر قدر إذنه وحمل القاضى إطلاق ما نقله الاثرم أنه لا يصح حتى يبلغ على غير المأذون قال الازجى ولا يمتنع أن يكون في المسألة روايتان الصحة وعدمها. وحكى لنا قول أنه يصح إقراره في الشيء اليسير دون الكثير وذكر الآدمى1 البغدادى أن السفيه والمميز إن أقرا بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم وان أقرا بمال أخذ بعد الحجر وهذا غلط وانما هذا الحكم في السفيه لا في الصبى والله أعلم.   1 هو تقي الدبن أحمد بن محمد الآدمي البغدادي صاحب "المنور في راجح المحرر" و"المنتخب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 القاعدة 3 لا تكليف على الناسى حال نسيانه واختاره الجوينى1 وأبو محمد المقدسي ومن الناس من قال: هو مكلف. قلت: يحمل قول من قال: ليس بمكلف حال نسيانه على أنه إثم عليه في تلك الحال في فعل أو ترك وأن الخطاب لم يتوجه إليه وما ثبت له من الأحكام المعلقة به فبدليل خارج ويحتمل قول من قال هو مكلف على أن الخطاب توجه إليه وتناوله وتأخر الفعل إلى حال ذكره وامتنع تأثيمه لعدم ترك قصده لهذا. ولنا خلاف في المعذور إذا قضى ما فاته هل هو بأمر جديد أم بالأمر السابق؟ وينبني على ذلك هل يكون أداء أو قضاء؟ إن قلنا: بأمر جديد فيكون أداء وان قلنا بالأمر الأول فيكون قضاء. إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالناسى. منها: إذا نسى الماء وتيمم فإنه يلزمه الإعادة إذا بان له الخطأ على أصح الروايتين كما لو نسى الرقبة2 وكفر بالصوم وخرج فيها بعض المتأخرين رواية من مسألة الماء. ومنها: إذا جامع زوجته الحائض ناسيا الحيض وقلنا يلزم الذاكر كفارة فهل تلزم الناسى في المسألة روايتان وقيل وجهان. ومنها: إذا قلنا لمس الذكر على المذهب ينقض الوضوء إذا كان عامدا   1 المقصود هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف. 2 أي: لو نسي عتق الرقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فهل ينقض وضوء الناسى في المسألة روايتان. ومنها: إذا أوجبنا الترتيب والموالاة في الوضوء كما هو الصحيح فهل يسقط بالنسيان المذهب لا يسقط وقيل يسقط الترتيب فقط. ومنها: إذا نسى الصلاة فإنه يلزمه قضاؤها لا نعلم فيه خلافا. ومنها: لو نسى الركوع والسجود والطهارة فإنها لا تجزئه الصلاة ذكره القاضي محل وفاق. ولو نسي السترة لم تجزئه الصلاة. ذكره أبو البركات في موضع محل وفاق. ومنها: لو نسى وصلى في ثوب حرير أو مغصوب ثم علم صحت صلاته ذكره القاضى وصاحب المحرر إجماعا لزوال علة الفساد وهى اللبس المحرم وحكى عن أحمد رواية لا تصح. ومنها: إذا صلى وعليه نجاسة علمها قبل الصلاة ثم نسيها وصلى وفرغت الصلاة فهل يلزمه اعادة أم لا؟ في المسألة روايتان ذكرهما طائفة من الأصحاب وذكر القاضى في المجرد وابن عقيل والآمدي أن الناسي تلزمه الإعادة رواية واحدة لتفريطه وانما الروايات في الجاهل فأما الناسى فليس عنه نص فلذلك اختلفت الطريقتان. ومنها: إذا تكلم في الصلاة ناسيا حكى ابن تميم ثلاث روايات ثالثتها لا تبطل إن كان لمصلحة وقال نص عليه في رواية جماعة. والكلام غير المبطل ما كان يسيرا فإن كثر فوجهان حكاهما ابن تميم وحكى غيره روايتين وعدم الإبطال اختيار القاضى وغيره. ومنها: إذا نسى وأكل أو شرب في الصلاة وكان يسيرا فهل تبطل صلاته أم لا؟ في المسألة روايتان ظاهر المذهب أنها لا تبطل وجزم به غير واحد وان كان كثيرا جزم غير واحد بالبطلان كالشيخ أبى محمد وابن تميم وغيرهما وظاهر كلام صاحب المستوعب والتلخيص أنها لا تبطل وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 قلنا بالبطلان فلا فرق بين الفرض والنقل على الصحيح. ومنها: لو أكل أو شرب المكلف بالصوم في نهار رمضان ناسيا فالمذهب المنصوص عن أحمد لا يفطر نقله الجماعة عنه وقال في الرعاية لا قضاء في الأصح. ولا يفطر بالاحتجام ناسيا على الصحيح من المذهب ونقله الفضل بن زياد عن أحمد, وعنه يفطر اختاره في التذكرة لظاهر الخبر ولتذكره النسيان فيها ولا يفطر بالاستقاء ناسيا على الصحيح من القولين واختار ابن عقيل الفطر. ويفطر ويكفر بالجماع ناسيا نقله الجماعة عن الإمام أحمد واختاره الأصحاب. وعنه لا يكفر واختاره أبو عبد الله بن بطة1 وعنه لا يقضى اختاره الآجرى2 وأبو محمد الجوزي وأبو العباس. ومنها: العمل المستكثر من غير جنس الصلاة إذا فعله ناسيا هل تبطل صلاته أم لا؟ في المسألة طريقان: أحدهما القطع بالإبطال. والثانى في المسألة روايتان واختار صاحب المحرر عدم الإبطال. وهل الكثير في العرف أو الثلاث أو ما ظن أن فاعله ليس في صلاة فيه أوجه. ومنها: إذا جامع الحاج ناسيا قبل التحلل الأول فسد نسكه هذا المذهب عند الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد وفي الفصول رواية لا يفدى اختارها أبو العباس.   1 هو أبو عبد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بـ "ابن بطة" [302 – 387هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/144" وشذرات الذهب "4/463" والبداية والنهاية "11/321". 2 هو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري الفقيه الحافظ [ت 360هـ] من مصنفاته: "النصيحة" في الفقه انظر سير أعلام النبلاء "16/133". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ومنها: إذا أوجبنا الدم على من قدم الحلق على الرمى في رواية فإذا فعل ذلك ناسيا فلا شئ عليه. ومنها: إذا قلنا إن السعى ركن في الحج فإنه يجب عليه أن يفعله بعد طواف الزيارة إن كان متمتعا أو مفردا أو قارنا ولم يكن سعى مع طواف القدوم فإن فعله قبله عالما لم يعتد به وأعاد رواية واحدة. وان كان ناسيا فهل يجزئه فيه روايتان منصوصتان ذكرهما في المستوعب وغيره وصحح في التلخيص عدم الاجزاء وان كان سعى عقيب طواف القدوم وقع ركنا عن الحج. ومنها: لو حلق المحرم رأسه أو قلم أظفاره أو قتل صيدا ناسيا وجبت عليه الكفارة في ظاهر المذهب واختار أبو محمد الجوزي لا كفارة في الجميع وحكى رواية عن أحمد. وان لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة عليه هذا المذهب الذي نقله الجماعة عن أحمد وذكره الشيخ أبو محمد وغيره ظاهر المذهب واختاره الخرقى وغيره. وعن أحمد رواية تجب الكفارة نصرها القاضى وأصحابه وفرقوا بين الحلق والتقليم وقتل الصيد وبين اللبس والطيب وتغطية الرأس بإمكان التلافي في الثانى دون الأول. وهذا فيه نظر إذ ما صنعه من المحظور لا يمكن رفعه في الصورتين وإزالة اللبس والطيب والتغطية إزالة لما هو في حكم الابتداء والله أعلم. ومنها: إذا أوجبنا الترتيب في قضاء الفوائت على الصحيح من الروايتين فإنه يسقط بالنسيان على الصحيح من الروايتين وقال بعضهم رواية واحدة. ومنها: إذا أوجبنا التسمية في الوضوء والحدث الأكبر والذبيحة على إحدى الروايتين فهل تسقط بالنسيان في المسألة روايتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومنها: إذا أصاب المظاهر المظاهر1 منها ناسيا فهل ينقطع تتابع صيامه في المسألة روايتان. ومنها: واجبات الصلاة إذا تركها ناسيا لم تبطل صلاته. ومنها: إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا فهل يحنث أم لا؟ في المسألة ثلاث روايات عن الإمام أحمد ثالثتها يحنث في الطلاق والعتاق دون غيرهما وهى المذهب عند الأصحاب واختار أبو العباس وغيره عدم الحنث مطلقا وقال رواتها بقدر رواة التفرقة وقال الأصحاب عليها يمينه باقية بحالها. ومنها: إذا خرج المعتكف من المسجد ناسيا لم يبطل اعتكافه كالصوم ذكره القاضى في المجرد وذكره في الخلاف وقال ابن عقيل في الفصول يبطل لمنافاته الاعتكاف كالجماع واختاره أبو البركات وذكر صاحب المحرر أحد الوجهين لا ينقطع ويبنى كمريض وحائض وجزم صاحب المحرر لا ينقطع تتابع المكره وأطلق بعضهم وجهين. ومنها: لو وطىء المعتكف ناسيا فسد اعتكافه نص عليه أحمد وخرج صاحب المحرر من الصوم أنه لا يبطل. ومنها: حيث قلنا مباشرة المعتكف تفسد الاعتكاف إذا كان عامدا فإذا كان ناسيا فهل هي كذلك أم لا قال صاحب المحرر ومباشرة الناسى كالعامد على إطلاق أصحابنا واختار هنا لا تفسده كالصوم والله أعلم.   1 الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو من تحرم عليه على التأبيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 القاعدة 4 في المغمى عليه هل هو مكلف أم لا؟ قال الإمام أحمد وقد سئل عن المجنون يفيق يقضى ما فاته من الصوم؟ فقال المجنون غير المغمى عليه فقيل له لان المجنون رفع عنه القلم قال نعم. قال القاضى فأسقط القضاء عن المجنون وجعل العلة فيه رفع القلم فاقتضى أنه غير مرفوع عن المغمى عليه وهذا أشبه بأصلنا حيث أوجبنا الصوم على الحائض مع استحالة الفعل منها بمعنى ثبوت الوجوب في الذمة انتهى. قلت: المغمى عليه يتردد بين النائم والمجنون فبالنظر إلى كون عقله لم يزل بل ستره الإغماء فهو كالنائم ولهذا قيل انه إذا شمم البنج1 أفاق وبالنظر إلى كونه إذا نبه لم ينتبه يشبه المجنون وكذلك اختلفوا في الأحكام المتعلقة به فتارة يلحقونه بالنائم وتارة بالمجنون والأظهر إلحاقه بالنائم والله أعلم. إذا تقرر هذا فهنا مسائل تتعلق به. منها: قضاء الصلاة والمنصوص عن الإمام أحمد في رواية صالح وابن منصور وأبى طالب وبكر بن محمد2 لزوم القضاء إلحاقا له بالنائم ولنا قول لا قضاء عليه إلحاقا له بالمجنون.   1 البنج: ضرب من النبات يستعمل للتخدير. 2 هو أبو أحمد بكر بن محمد بن الحكم النسائي الأصل البغدادي صحب الإمام أحمد وروى عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/119". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ومنها: إذا نوى الصوم ليلا ثم أغمى عليه جميع النهار لم يصح صومه وفي المستوعب خرج بعض أصحابنا من رواية صحة صوم رمضان بنية واحدة في أنه لا يقضى من أغمى عليه أياما بعد نيته المذكورة وإذا لم يصح الصوم لزمه قضاؤه في أصح القولين. وهذا مشكل فإنه إن الحق بالنائم فإنه يصح صومه ولا يلزمه قضاء وان ألحق بالمجنون فإنه لا يلزمه قضاء. ومنها: لو باع شيئا أو اشتراه فأغمى عليه في المجلس. قال أبو محمد المقدسي قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه وجعله كالمجنون. وقال في الرهن لو أغمى على الراهن قبل التسليم لم يكن للمرتهن قبض الرهن وليس لاحد تقبيضه لأنه لا ولاية عليه وهذا تناقض وكذلك قال الأصحاب في الفرق بينه وبين المجنون في قضاء الصلاة لأن المجنون تثبت عليه الولاية والمغمى عليه لا تثبت عليه الولاية. وجزم من وقفت على كلامه من الأصحاب بأن الوكالة لا تبطل بالإغماء وحكى مع حكاية بعضهم الخلاف في المجنون وأن المذهب أن الوكالة تبطل بالجنون. وحكى بعض المتأخرين قولا في كتاب القضاء أنه إذا أفاق المجنون أو من أغمى عليه وقلنا ينعزل بالإغماء فولايته باقية فهذا يقتضى حكاية خلاف في انعزاله عن ولاية القضاء فالوكالة كذلك. ومنها: إذا حصل بعرفة مغمى عليه هل يجزيه عن الوقوف؟ المذهب أنه لا يجزيه إلحاقا له بالمجنون وعزى إلى نص أحمد ونقل بعضهم أن أحمد توقف في هذه المسألة وقال الحسن1 يقول بطل حجه وعطاء2 رخص فيه وحكى لنا قول بالإجزاء كالنائم على الصحيح.   1 هو التابعي الجليل أبو سعيد الحسن بن يسار الأنصاري البصري [ت 110هـ] . 2 هو التابعي الإمام مفتي الحرم أبو محمد عطاء بن أسلم أبي رباح المكي [ت 115هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ومنها: إذا أوجب العقد في النكاح ثم أغمى عليه قبل أن يقبل الزواج أو وجد في عقد البيع أو في الشركة فهل يبطل حكم الإيجاب كالجنون. قال القاضى في الجامع قياس المذهب أنه لا يبطل لأن أحمد أوجب عليه قضاء الصلاة كالنائم ولم يجعله كالمجنون في إسقاط القضاء وجزم في الكافي1 بأنه يبطل حكم الإيجاب بالجنون والإغماء في النكاح وقاسه على البيع. ومنها: أن الإغماء لا يبطل به الإحرام بالحج هذا المعروف في المذهب وفي الجنون وجهان وأطلق ابن عقيل في بطلانه بجنون أو إغماء وجهين.   1 تمامه: "الكافي في فقه الإمام أحمد" لموفق الدين بن قدامة المقدسي طبع بتحقيق: سليم يوسف وسعيد محمد اللحام بيروت "1992 – 1994". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 القاعدة 5 في السكران هل هو مكلف أم لا؟ قال الجوينى وابن عقيل والمعتزلة وأكثر المتكلمين هو غير مكلف وكذا قال أبو محمد المقدسي في الروضة واختلف كلامه في المغنى. قال بعض أصحابنا وينبغى أن يخرج في لحوق المأثم له روايتان وقال ابن برهان1 مذهب الفقهاء قاطبة أنه مخاطب. قلت: قاله القاضى وغيره من أصحابنا ولأحمد نصوص في تكليفه. منها: في رواية عبد الله السكران ليس بمرفوع عنه القلم. ومنها: في رواية أبى بكر بن هانىء السكران ليس بمرفوع عنه القلم فلا يسقط عنه ما صنع. ومنها: في رواية حنبل ليس هو يعنى السكران بمنزلة المجنون المرفوع عنه القلم جناية من نفسه. وحكى الإمام أحمد عن الشافعى أنه كان يقول وجدت السكران ليس بمرفوع عنه القلم. قلت: ونص الشافعى في الأم2 على ذلك أيضا في باب طلاق السكران   1 هو أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد الوكيل الحنبلي ثم الشافعي [479 – 520هـ] من تصانيفه "البسيط" "الوجيز" "الوصول إلى الأصول" في أصول الفقه. 2 وهو مطبوع القاهرة "1968" تحقيق حسن عباس زكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فقال ما نصه بحروفه فإن قال قائل فهذا يعنى السكران مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ ونص الشافعى هذا صريح في رد ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام1 في قواعده أنه لا ثواب على حصول المصائب والآلام وانما الثواب على الصبر عليها والرضى بها فإن الشافعى حكم بأجره مع زوال عقله. إذا تقر هذا فحكى صاحب المحرر في أفعاله وأقواله خمس روايات: إحداها: أنه كالمجنون. والثانية: كالصاحى. والثالثة: كالمجنون في أقواله وكالصاحى في أفعاله. والرابعة: في الحدود كالصاحى وفي غيرها كالمجنون. والخامسة: أنه فيما يستقل به مثل قتله وعتقه وغيرهما كالصاحى وفيما لا يستقل به مثل بيعه ونكاحه ومعاوضاته كالمجنون حكاها ابن حامد. واختار طائفة من أصحابنا أنه لا يقع طلاقه منهم أبو بكر وابن عقيل وأبو محمد وأبو العباس. ونقل الميمونى عن أحمد كنت أقول يقع حتى تبينته فغلب على أنه لا يقع. ونقل أبو طالب الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة واحدة والذي أمر به أتى بثنتين حرمها عليه وأحلها لغيره. قال أبو العباس زعم طائفة من أصحاب مالك والشافعى وأحمد أن النزاع   1 أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب السلمي الدمشقي الشافعي [577 – 660هـ] من تصانيفه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" مطبوع القاهرة "1934" و"شرح منتهى السول والأمل في علم الأصول والجدل" و"اختصار النهاية" في الفقه الشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 في وقوع طلاقه إنما هو في النشوان فأما الذي تم سكره بحيث لا يقهم ما يقول فانه لا يقع به قولا واحدا قال الائمة الكبار جعلوا النزاع في الجميع. تنبيه: حد السكر الذي يمنع ترتب هذه الأحكام على رواية. قال القاضى وغيره هو إذا كان يخلط في كلامه وقراءته أو يسقط تمييزه بين الأعيان ولا يشترط فيه أن يكون بحيث لا يميز بين السماء والأرض وبين الذكر والأنثى وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية حنبل فقال السكران الذي إذا وضعت ثيابه في ثياب غيره لم يعرفها أو إذا وضع نعله في نعالهم لم يعرفه وإذا هذى فأكثر كلامه وكان معروفا بغير ذلك. وضبطه بعضهم بأنه الذي يختل في كلامه المنظوم ويبيح بسره المكتوم. وقال جماعة ولا تصح عبادته قال أحمد ولا تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب للخبر وقال أبو العباس هذا الكلام في السكران. وقال في المحرر فأما من تناول البنج فألحقه بعض أصحابنا بالسكران وفرق. الإمام أحمد بينهما بالمجنون وقال القاضى في الجامع الكبير1 إن زال عقله بالبنج نظرت فإن تداوى به فهو معذور ويكون الحكم فيه كالمجنون وان تناوله متلاعبا أو قصد ليزيل عقله ويصير مجنونا فحكمه حكم السكران وكذا قال ابن عقيل في الواضح وهو ظاهر كلام جماعة لأنهم قالوا: ومن تناول ما يزيل عقله لغير حاجة حكمه كالسكران والتداوى حاجته. ومحل الخلاف في السكران عند جمهور أصحابنا إذا كان آثما في سكره فأما إن أكره على السكر فحكمه حكم المجنون وقال القاضى في الجامع   1 مصنف في الفقه للقاضي أبي يعلى بن الفراء وظاهر كلام ابن أبي يعلى في الطبقات أن والده وصل فيه إلى باب الطلاق انظر طبقات الحنابلة "2/205". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الكبير في كتاب الطلاق فأما إن أكره على شربها احتمل أن يكون حكمه حكم المختار لما فيه من اللذة واحتمل أن لا يكون حكمه حكم المختار لسقوط المأثم عنه والحد قال وإنما يخرج هذا على الرواية التى تقول إن الإكراه يؤثر في شربها فأما إن قلنا لا يؤثر الإكراه فحكمه حكم المختار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 القاعدة 6 المكره المحمول كالآلة غير مكلف وهو تكليف بما لا يطاق ولو أكره وباشر بنفسه فمكلف عندنا وعند الشافعية لصحة الفعل منه وتركه ولهذا يأثم المكره على الفعل بلا خلاف قاله صاحب المغنى وغيره. وقالت المعتزلة لا يجوز تكليفه بعبادة لان من أصلهم وجوب إثابة المكلف والمحمول على الشيء لا يثاب وأطلق جماعة عن المعتزلة أن المكره غير مكلف وألزمهم القاضى أبو بكر على القتل. قال أبو المعالى وهى هفوة عظيمة لأنهم لم يمنعوا النهى عن الشيء مع الإكراه وإنما الذي منعوه الاضطرار إلى فعل شئ للأمر به. وهذه القاعدة مختلفة الحكم في الفروع في المذهب بالنسبة إلى الأقوال والأفعال على ما لا يخفي وضابط المذهب أن الإكراه لا يبيح الأقوال وان اختلف في بعض الأفعال واختلف الترجيح. إذا تقرر هذا فههنا مسائل: منها: إذا أكره على الوضوء فإنه لا يصح على الصحيح كذا ذكر بعض المتأخرين وحكى قول بالصحة. ومحل النزاع مشكل على ما ذكره فإنه إذا أكره على الوضوء ونوى وتوضأ بنفسه فإنه يصح بلا تردد وكذلك قال الشيخ أبو محمد وغيره إذا أكره على العبادة وفعلها لداعى الشراع لا لداعى الإكراه صحت وان توضأ ولم ينو فإنه لا يصح إلا على وجه شاذ أنه لا يعتبر لطهارة الحدث نية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وقد يقال لا يصح ولو نوى لأن الفعل ينسب إلى الغير فبقيت النية مجردة عن فعل فلا يصح وقد ذكروا أن الصحيح من الروايتين في الأيمان أن المكره بالتهديد إذا فعل المحلوف على تركه لا يحنث لأن الفعل ينسب إلى الغير. ومنها: إذا أوجبنا الكفارة في وطء الحائض على المختار فهل تجب على المكره في المسألة روايتان. ومنها: لو أكره على الكلام في الصلاة فألحقه بعض أصحابنا بالناسى فيكون فيه الروايات التى في الناسى وقال القاضى بل هو أولى بالعفو من الناسى لأن الفعل لا ينسب إليه بدليل الإتلاف واختار الشيخ أبو محمد الإبطال بكلامه بخلاف الناسى قال كما لو أكره على زيادة ركعة أو ركن. ومراد الشيخ والله أعلم بالركن الركن الفعلى لا القولى. ومنها: لو أكره على الحدث في الصلاة فإنه تفسد صلاته. أجاب به القاضى في الخلاف وذكر معه الإفساد بالإكراه على الكلام في هذا الموضع وهو مخالف لقوله الأول وقاس الأصحاب الرواية فيمن عدم الماء والتراب يعيد كما لو أكره على الحدث في الصلاة. وأجاب بعضهم بأن هذا لا يعذر فيه بدليل من سبقه الحدث فإذا كان كمن سبقه فيخرج لنا فيما إذا أكره على الحدث فأحدث الخلاف فيمن سبقه الحدث إذا تطهر هل يبنى أو يستأنف ولا يجىء لنا قول انه لا ينقض وضوءه إذا أكره على الحدث يشعر به كلام بعض المتأخرين وان كان الفعل منسوبا إلى الغير ولأن من سبقه الحدث ليس الفعل منسوبا إليه وينقض وضوءه جزما ولكن الخلاف في البناء والاستئناف. ومنها: إذا أمتنع من أداة الزكاة الواجبة عليه أخذها الإمام منه قهرا وقامت نية الإمام مقام نيته هكذا ذكر غير واحد من الأصحاب وقال أبو الخطاب وابن عقيل إنما تجزىء ظاهرا ولا تجزىء باطنا كالمصلى كرها. قلت: وهذا أصوب وصححه صاحب المستوعب والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ودل قياسهم عدم الإجزاء على أن الصلاة أصل وهو أنه إذا صلى ولم ينو لا تصح بلا خلاف وان نوى صحت ويتجه لنا خلاف في عدم الصحة إذا نوى بناء على ما ذكرناه في مسألة الوضوء وفرق الأولون بين الصلاة والزكاة بأن الزكاة تدخلها النيابة فقامت نية الإمام مقام نية الممتنع كولى اليتيم والمجنون والصلاة لا تدخلها النيابة فلا بد من نية فاعلها وفي هذا الفرق بحث. ومنها: إذا أكره الصائم على الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات خلاف الجماع فإنه لا يفطر سواء أكره على الفطر حتى فعله أو فعل به بأن صب في حلقه الماء مكرها. وفي الرعاية لا قضاء في الأصح وقيل يفطر إن فعل بنفسه كالمريض. ومنها: إذا أكره المعتكف على الخروج من المسجد فإنه لا يبطل اعتكافه ولو خرج بنفسه وجزم صاحب المحرر لا ينقطع تتابع المكره وأطلق بعضهم فيه وفي الناسى وجهين. ومنها: إذا أكره على الجماع فجامع فإنه يجب عليه القضاء والكفارة هذا ظاهر المذهب ونقل ابن القاسم1 كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة قال الأصحاب وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه قال ابن عقيل في مفرداته2 الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان فإنه أخرج في الوطء رواية من الأكل وفي الأكل رواية من الوطء انتهى. وقيل يقضى من فعل لا من فعل به من نائم وغيره. ومنها: إذا أكره الحاج على الوطء قبل التحلل الأول فانه يفسد حجه.   1 هو أحمد بن القاسم نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصاحب أبا عبيد القاسم بن سلام صاحب "الغريب" و"الأمثال" والمتوفي سنة [224هـ] . 2 هو كتاب "المفردات" في الفقه لأبي الوفاء بن عقيل انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/155". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 هذا هو المنصوص عن أحمد الذي نقله الجماعة. وحكى عن أحمد رواية لا يفسد واختارها أبو العباس. وأما المكرهة على الوطء في الحج والصيام إذا أفسدنا حجها وصيامها فهل تجب عليها الكفارة في مالها أو لا يجب عليها شىء أو يجب على الزوج أن يتحملها عنها على ثلاث روايات وتأول في منتهى الغاية الرواية الأولى على أنها ترجع بها على الزوج. والفرق بين الجماع وغيره أن الجماع ينزل منزلة الإتلاف ولهذا يستوى عمده وسهوه بخلاف غيره وفيه بحث. وقال في الروضة المكرهة على الوطء يفسد صومها ولا يلزمها كفارة ولا يفسد حجها وعليها بدنة1 وما قاله فرق بين متماثلين والله أعلم. ومنها: لو أكره المحرم على حلق رأسه فان الفدية تجب على الحالق في أشهر الوجهين قاله أبو بكر والثانى تجب على المحلوق يرجع بها على الحالق ذكره ابن أبى موسى في الإرشاد وجها وعلل بعضهم هذا الوجه بأن حلق الشعر كالإتلاف ولهذا يستوى عمده وسهوه وفيه بحث فإن حلق الشعر ليس كالإتلاف بل هو إتلاف حقيقة والمحلوق رأسه لم يتلف وانما أتلفه الحالق. ولو أكره على الحلق والتقليم وباشر بنفسه وجبت عليه الفدية وعزى إلى نص أحمد واختار أبو محمد الجوزي لا كفارة على مكره وحكى رواية عن أحمد. ومنها: إذا أكره على البيع بغير حق فإنه لا يصح البيع جزما وإن أكره على وزن مال بغير حق فباع ماله في ذلك فإنه يصح على الصحيح من الروايتين. ومنها: جميع عقود المكره وإقراره فإنها لا تصح.   1 البدنة: ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت كذلك لأنهم كانوا يسمونها لسان العرب "1/233". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ومنها: إذا ثبت خيار المجلس في صورة فأكره أحد المتعاقدين على مفارقة صاحبه أبدى الشيخ أبو محمد وغيره احتمالا ببطلان الخيار لأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه ومحل هذا الاحتمال عند صاحب التلخيص إذا كان المكره قادرا على الكلام وقال القاضى وصاحب المستوعب والتلخيص وغيرهما لا يبطل. فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار وان أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه ويبقى الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه الإكراه فيه حتى يفارقه وان أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه. وذكر ابن عقيل من صور الإكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سيل أو فرقت بينهما ريح. ومنها: لو أكره على إتلاف مال الغير فأتلف ففي الضمان وجهان أحدهما أنه على المكره بكسر الراء وحده لكن للمستحق مطالبة المتلف ويرجع به على المكره لأنه معذور في ذلك الفعل فلم يلزمه الضمان بخلاف المكره على القتل فإنه غير معذور فلهذا شاركه في الضمان. وهذا التعليل يقتضى أن الإكراه يبيح إتلاف مال الغير وبهذا جزم القاضى في كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وابن عقيل في عمد الأدلة1. والثانى عليهما الضمان كالدية صرح به في التلخيص وذكره القاضى في بعض تعاليقه احتمالا وعلل باشتراكهما في الإثم وهذا تصريح بأن الإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير. وحكى إحتمالا آخر أن الضمان على المتلف وحده كما لو اضطر إلى طعام الغير فأكله ولا يصح ما ذكره من القياس على المضطر لأن المضطر لم   1 وفي الذيل: "عمدة الأدلة" لأبي الوفاء بن عقيل انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/155". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 يلجئه إلى الإتلاف من مال الضمان عليه ذكر هذا الفرق شيخنا1. ومنها: لو أكره على تسليم الوديعة إلى غير المالك فقال القاضى لا ضمان عليه لأنه ليس بإتلاف ذكره القاضى في بعض تعاليقه وذكره في المجرد مفرقا بينه وبين الإكراه على القتل بأن القتل لا يعذر فيه بالإكراه بخلاف هذا. قال شيخنا وهذا التعليل يشمل الإتلاف أيضا انتهى. وقد يقال هو معذور في التسليم دون المباشرة لأنها أغلظ ولهذا فرق ابن عقيل والقاضى بين الإكراه على القتل والإكراه على الإتلاف كما تقدم لأن القتل أغلظ. وقد يقال انه لا يضمن إذا أكره على التسليم ويضمن إذا أكره على الإتلاف بأن هذا إكراه على سبب وذاك إكراه على مباشرة. يؤيده نص الإمام أحمد في رواية ابن ثواب2 على أن حافر البئر عدوانا إذا أكرهه السلطان على الحفر لم يضمن وتابع ابن عقيل في الفصول وصاحب المغنى والقاضى في المجرد وفي شرح الهداية3 لأبى البركات أنه لا يضمن كما لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرها. قلت: هذا القياس إنما يأتى على إحدى الروايتين في عدم الحنث فلا يصح وفي الفتاوى الرحبيات4 عن أبى الخطاب وابن عقيل الضمان مطلقا لانه افتدى بها ضرره. قلت: وهذا التعليل يطرد في كل ما أكره عليه وأجاب إليه أنه يترتب عليه مقتضاه لأنه افتدى به ضرره والله أعلم.   1 المقصود جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب وقد تقدمت ترجمته. 2 المقصود هو: الحسن بن ثواب الثعلبي [ت 268هـ] . 3 "شرح الهداية" لفخر الدين محمد بن تيمية [542 – 622هـ] وهو شرح لكتاب "الهداية في الفقه" لأبي الخطاب الكلوذاني. 4 في الذيل على طبقات الحنابلة "1/182" "الفتاوى الرحبية" لأبي الحين علي بن عبيد الله بن الزغوني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وفي الفتاوى الرحبيات أيضا عن ابن الزاغونى1 أنه إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد فعليه الضمان والاثم وان ناله العذاب فلا إثم ولا ضمان. ومنها: المحرم إذا أكره على قتل الصيد فقتله فالضمان على المكره له ذكره صاحب المغنى في الأيمان في موضوعين وجزم به ابن الجوزي. قلت: ولكن نصر القاضى وأصحابه رواية عن أحمد أن من لبس مكرها أنه تجب به عليه الفدية قالوا: كالحلق وقتل الصيد فهذا يقتضى أن الضمان على المكره دون المكره له. ومنها: إذا أكره من بيده الطلاق على الطلاق بغير حق فنطق به بقصد دفع الإكراه عن نفسه لم يقع الطلاق وكذلك نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه في العتاق2 رواية الجماعة منهم صالح وعبد الله وحنبل وابن منصور والحسن بن ثواب وإبراهيم بن هانىء3 وحرب والاثرم وأبو طالب وأبو عبد الله النيسابورى4 وأبو الحارث وعلى بن سعيد والفضل بن زياد والمروذى. ولو قصد إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه أبدى القاضى في الجامع الكبير احتمالين وصحح الوقوع وتبعه على التصحيح جماعة من المتأخرين لأنا إنما قلنا طلاق المكره لا يقع لعدم رضاه فإذا رضى وقع. ووجه عدم الوقوع أن لفظه ملغى وتبقى النية مجردة عن لفظ معتبر والنية بمجردها لا يقع بها طلاق.   1 هو أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري ابن الزغوني [455 – 567هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/180" شذرات الذهب "4/133" وسير أعلام النبلاء "19/605". 2 أي العتق وهو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق المغني "12/233". 3 هو أبو إسحاق إبراهيم بن هانيء النيسابوري [ت 265هـ] صاحب الإمام أحمد. ونقل عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/97 – 98". 4 هو أبو عبد الله محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي ممن روى عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/327 – 328". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وإن ترك التأويل بلا عذر أو أكره على طلاق مبهم فطلق معينة فوجهان. ولو أكره على طلقة فطلق ثلاثا أو على طلاق امرأة فطلقها وغيرها لزمه الطلاق. ومنها: لو أكره مكلفا على قتل إنسان يكافئه وقال طائفة معين فقتل فالقود عليهما هذا هو المذهب المشهور. وذكر القاضى في المجرد وابن عقيل في باب الرهن أن أبا بكر ذكر أن القود على المكره المباشر ولم. يذكر على المكره قودا قالا والمذهب وجوبه عليهما كما نص أحمد في الشهود الراجعين إذا اعترفوا بالعمد. وقد بين القاضى في خلافه أبى بكر وأنه قال في الأسير إذا أكره على قتل مسلم فقتله فعليه القود فان أخذ قول أبى بكر من هذا فإنه لا يصح لأن المكره ههنا ليس من أهل الضمان لأنه حربى فلذلك لم يذكر تضمينه. وذكر ابن الصيرفي1 أن أبا بكر السمرقندى2 من أصحابنا خرج وجها أنه لا قود على واحد منهما من رواية امتناع قتل الجماعة بالواحد وأولى لأن السبب هنا غير صالح في كل واحد لأن أحدهما متسبب والآخر ملجأ وفي صورة الاشتراك ههنا مباشران مختاران. قال أبو الخطاب في الانتصار لو أكره على القتل بأخذ المال فالقود وان أكره بقتل النفس فلا قود. وإن قال اقتل نفسك وإلا قتلتك فليس بإكراه واختار في الرعاية وحده أنه يكون إكراها كاحتمال في اقتل زيدا أو   1 هو جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور أبي الفتح بن رافع بن علي بن إبراهيم الحراني ويعرف بـ "ابن الحبيشي" [583 – 678هـ] أحد مشايخ تقي الدين بن تيمية. انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/295" شذرات الذهب "7/632" والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص "211" من تصانيفه: "نوادر المذهب" و"انتهاز الفرص في من أفتى بالرخص" وجزء من "عقوبات الجرائم". 2 هو النجيب بن عبد الله السمرقندي تاريخ وفاته مجهول وهو من تلاميذ ابن عقيل وهذه المسألة نفسها أوردها على أنها من تخاريجه الحسنة في المذهب انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/207 – 208". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 عمرا وإلا قتلتك. ومنها: لو حلف لا تأخذ حقك منى فأكره على دفعه إليه أو أخذه منه قهرا حنث جزم به أبو محمد المقدسي وغيره لأن المحلوف عليه فعل الأخذ مختارا وان أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الخلاف إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله مكرها خرجه الأصحاب على ذلك والله أعلم. ومنها: لو أكره على السرقة أو تناول المسكر ففعل فهل يجب عليه الحد أم لا؟ في المسألة روايتان ذكرهما القاضى أبو يعلى. قال أبو العباس يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى كأكل الميتة وشرب الخمر وهو ظاهر مذهب أحمد انتهى. واختار أبو بكر في التنبيه1 أنه يحد بشرب الخمر مكرها وذكر ابن أبى موسى إن أكره على شرب الخمر خاصة لم يحد بشربها قال وان أكره على شربها وترك العبادات ببذل دمه لم يشربها ولم يدع شيئا من العبادات كما لو أكره على ترك العبادات وحدها فإنه يبذل دمه ولا يتركها. ومنها: لو أكره المكلف بالتهديد ونحوه على الزنا ففعل فهل يجب عليه الحد أم لا؟ في المسألة ثلاث روايات: ظاهر المذهب المنصوص عن أحمد الذي اختاره الأكثر أنه يجب على الرجل دون المرأة بناء على أن الإكراه على الزنا لا يتصور في الرجل ويتصور في المرأة ولزوم الحد لهما بناء على الإكراه إنما يبيح الأقوال دون الأفعال وهو ظاهر كلامه في رواية صالح وهو مروى عن ابن عباس. ومنها: لو أكره على الرضاع فانه يثبت حكمه مع الإكراه ذكره القاضى في الجامع الكبير محل وفاق.   1 "التنبيه" لأبي بكر عبد العزيز المعروف بـ "غلام الخلال" وهو مصنف في فروع المذهب الحنبلي انظر طبقات الحنابلة "2/119". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ومنها: لو أكره المولي على وطء المولى1 منها فوطىء فقد فاء إليها قال في الترغيب إذ الإكراه على الوطء لا يتصور. ومنها: لو أكره المرتد والحربى على التلفظ بالشهادتين فتلفظ فانه يصير مسلما بذلك لانه أكره على حق فأداه ثم إن قصد التقية بلفظه ولم يقصد في الباطن الإسلام فحكمه حكم الكفار باطنا وان وافق الباطن الظاهر صار مسلما ظاهرا وباطنا. ومنها: لو أكره على الكفر فكفر مكرها غير مختار فإنه لا يكفر. ومنها: لو أكره الذمى على الإسلام فأسلم لم يصح إسلامه لانه ظلم له وفي الانتصار لأبى الخطاب احتمال أنه يصير مسلما لان الإسلام واجب عليه في الجملة. تنبيه: حيث قلنا لا يترتب على فعل المكره أو قوله شىء فما صفة الإكراه المانع من الترتيب. اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رضى الله عنه في ذلك فالذي نقله الجماعة عنه أن ذلك هو الضرب والحبس أو أخذ المال نص على. ذلك في رواية حنبل وصالح والحسن بن ثواب والاثرم وأبى طالب وأبى عبد الله النيسابورى. وعنه رواية أخرى أن التوعد بذلك إكراه إذا خاف أنه يفعل به ما توعده به نص عليه في رواية ابن منصور فقال حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضربا شديدا ونقله عن أحمد أيضا محمد بن عبد الرحمن2 من ولد أسامة بن زيد. وقال أبو العباس ابن تيمية رضى الله عنه إذا غلب على ظنه أنه يضره في   1 من الإيلاء وهو: حلف الزوج على ترك وطء زوجته. 2 لعله: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الدينوري انظر طبقات الحنابلة "1/305". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 نفسه أو أهله أو ماله فانه يكون مكرها ولا فرق بين أن يكون الإكراه من السلطان أو من لص أو من متغلب نص عليه أحمد في رواية المروذى في المتغلب ونص عليه في السلطان في رواية الحسن بن ثواب وحكى عن أحمد رواية أنه لا يكون الإكراه من غير السلطان وحكى عنه رواية إن هدده بقتل أو قطع عضو فإكراه وإلا فلا. وأما الشتم والسب فقال القاضى في الجامع الكبير لا يكون إكراها رواية واحدة في حق كل أحد ممن يتألم بالشتم أو لا يتألم. وقال في المغنى فأما السب والشتم فليس بإكراه وان كان من ذوى المروءات على وجه يكون اخراقا بصاحبه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره. إذا تقرر هذا فظاهر كلام طائفة من الأصحاب أنا إذا جعلنا الضرب ألم والحبس والقيد الطويلين إكراها فانه لا يختلف باختلاف المكره وقال القاضى في الجامع الكبير الضرب والحبس والقيد مختلف باختلاف المكره فإن من الناس الذين لا يتألمون بالضرب والحبس والقيد فالاكراه إكراه له بالقتل وأخذ المال لا غير فأما الضرب والحبس فان هؤلاء لا يعدونه إكراها بل يجدون للضرب حلاوة وان كان من أهل المروءات فالضرب والحبس والقيد إكراه في حقهم لأن هذا فيهم كالقتل والقطع وأخذ المال في العين واستحسنه ابن عقيل. قلت: ويلزم على ما فرقه القاضى في الضرب والحبس والقيد بين من لم يؤلمه من ذوى المروءات وبين غيرهم أن يفرق في الشتم كما قاله صاحب المغنى ليس إلا. وان أكرهه بتعذيب ولده فقال طائفة انه لا يكون إكراها والصحيح في المذهب أنه يكون إكراها ويتوجه بتعذيبه إلى كل من يشق عليه تعذيبه مشقة عظيمة من والد وزوجة وصديق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 خاتمة. هل الأفضل في الإكراه على شىء من المحرمات أن يجيب إلى ما أكره عليه أو يصبر. هذه المسألة فيها نزاع بين العلماء والمنصوص عن أحمد رضى الله عنه في رواية جعفر بن محمد1 في الأسير يخير بين القتل وشرب الخمر فقال إن صبر فله الشرف وان لم يصبر فله الرخصة وقال القاضى أبو يعلى في أحكام القرآن2 الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل واحتج بقصة عمار وخبيب بن عدى3 حيث لم يعط خبيب أهل مكة التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار والله أعلم.   1 هو أبو محمد بن محمد النسائي الشعراني من أجلة أصحاب الإمام أحمد روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/124". 2 "أحكام القرآن" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/105". 3 إشارة إلى صبر خبيب بن عدي واستشهاده انظر الخبر كاملا في البخاري كتاب الجهاد رقم: "3045". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 القاعدة 7 الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعا ونقله القرافي1 وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد رحمه الله تعالى وقاله الشافعى أيضا واختاره أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعى والرازى2 والكرخى3 وجماعة من الحنفية وبعض المالكية وجمهور الاشعرية والمعتزلة. وعن أحمد رواية لا يخاطبون بالأوامر ويخاطبون بالنواهى وهو الذي قاله القاضى أبو يعلى في مقدمة المجرد. وحكى بعض أصحابنا رواية أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع الأوامر والنواهى وقاله بعض الحنفية. وحكى القرافي عن الملخص للقاضى عبد الوهاب4 أن المرتد مكلف   1 هو الأصولي الفقيه المفسر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي البهنسي المالكي المشهور بالقرافي [626 – 684هـ] من تصانيفه: "شرح محصول الرازي" "أنوار البروق في أنواء الفروق" مطبوع 4 أجزاء "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" "الذخيرة" في الفقه المالكي "شرح تنقيح الفصول" "مختصر تنقيح الأصول". 2 هو المفتي والمجتهد الحنفي: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص [305 – 370هـ] من تصانيفه "أحكام القرآن" وكتابه في أصول الفقه المعروف بـ "أصول الجصاص" و"شرح الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني. 3 هو أبو الحسين عبيد الله بن الحسين بن دلال الكزخي [260 – 340هـ] شيخ حنفية العراق في عصره من مؤلفاته: "رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية" مطبوع "شرح الجامع الصغير" "شرح الجامع الكبير" و"المختصر". 4 هو الفقيه المالكي القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن حسين بن ...................... == == هارون بن مالك بن طوق التغلبي العراقي شيخ المالكية في عصره [362 – 422هـ] من مصنفاته: "التلقين" في الفقه و"المعونة" في شرح "الرسالة" لأبي زيد القيرواني و"الإشراف على مسائل الخلاف" و"شرح المدونة" و"غرر المحاشرة ورؤوس مسائل المناظرة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بالفروع دون الأصل. قال القرافي ومر في بعض الكتب التى لا استحضرها الآن أنهم مكلفون بما عدا الجهاد فلا لامتناع قتالهم أنفسهم. وذكر الآمدي وتبعه ابن الحاجب1 وغيره أن أصل القاعدة أن حصول الشرط الشرعى هل هو شرط في صحة التكليف أم لا فعندنا ليس بشرط وعندهم هو شرط. إذا تقرر هذا فهل يظهر للخلاف فائدة في الدنيا أو فائدة التكليف إذا قلنا به زيادة العقاب في الآخرة؟ قال أبو الخطاب في التمهيد وفائدة المسألة أنا نقول يعاقب على إخلاله بالتوحيد وبتصديق الأنبياء وبالشرعيات وعندهم لا يعاقب على ترك الشرعيات فالخلاف يظهر ههنا حسب فقد أجمعت الأمة على أنه لا يلزمه أن يفعل العبادة إذا أسلم في حال كفره ولا يجب عليه القضاء انتهى وكذا قال غالب الأصوليين. ومن العلماء من قال للخلاف فائدة. وكلام أبى الخطاب في الانتصار يقتضى ذلك وهو مخالف لما قاله في التمهيد فقال فيمن أسلم على أكثر من أربع نسوة قولهم يعنى الحنفية النهى عن الجميع قائم حال الشرك لا يصح لان الكفار عندهم غير مخاطبين وهو رواية لنا.   1 هو الفقيه الأصولي المقرئ النحوي جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الدويني الأصل الأسنائي المالكي [570 – 646هـ] من تصانيفه: "مختصر الفقه" مطبوع "مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل" "جامع الأمهات" في فروع الفقه المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وقال ابن عقيل في الواضح إذا علم الكافر أنه مكلف كان أدعى له إلى الاستجابة وينتفع به إذا آمن. وذكر ابن الصيرفي الحنبلى الحرانى ثلاث مسائل تتفرع على الخلاف سنذكرها إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن بناء الفروع على الخلاف غير مطرد ولا منعكس في جميعها. إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالكفار بناها بعضهم على التكليف بالفروع وعدمه. منها: إذا قلنا على رواية أن الكافر إذا أسلم لا يلزمه غسل فلو وجد منه سبب يقتضى الوجوب قبل إسلامه فهل يجب عليه الغسل أم لا؟ في المسألة وجهان أظهرهما الوجوب وبناه أبو المعالى بن المنجا على مخاطبتهم بالفروع وحكى في المحرر رواية في عشرة النساء أن الزوج لا يجبر الذمية على غسل الحيض وأنه يطأ بدونه ولعل هذا مبنى على أنهم ليسوا بمخاطبين. فلو اغتسل له حال كفره ثم أسلم فهل يجب إعادته في المسألة وجهان حكاهما القاضى في شرحه. واختار أبو العباس لا تلزمه اعادة وان اعتقد وجوبه بناء على أنه يثاب على طاعته في الكفر إذا أسلم قال ونظير المسألة الكافر إذا تزوج مطلقته ثلاثا وهو يعتقد حلها وفي المسألة روايتان. ومنها: حيث جوزنا للكافر دخول المساجد إما مطلقا على رواية أو لمصلحة كما قيدها بعضهم أو بإذن مسلم كما قيدها بعضهم أو بإذن مسلم لمصلحة كما قيدها بعضهم فلو كان جنبا فهل يجوز؟ في المسألة وجهان بناهما بعضهم على المخاطبة بالفروع وعدمها. ومنها: الذمى هل يمنع من قراءة القرآن؟ المنصوص عن أحمد رضى الله عنه المنع وقال القاضى في التخريج لا يمنع وهذا يحسن أن يكون مبنيا على القاعدة ولكن قال القاضى في المجرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وتبعه ابن عقيل وقاله صاحب المذهب انه يصح اصداق الذمية القرآن إذا قصد به اهتداءها فينبغى أن يحمل قوله في التخريج إذا جوزنا للذمى قراءته إنما هو إذا قصد به الاهتداء. ومنها: المرتد إذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات زمن الردة؟ على الروايتين المذهب عدم اللزوم بناهما ابن الصيرفي والطوفي1 على القاعدة وليس بناء جيدا من وجهين. أحدهما أن المذهب عدم لزوم القضاء والمذهب تكليف الكفار بالفروع. الثانى أن الروايتين إنما هما في المرتد وأما الأصلي فلا يلزمه قضاء بالإجماع لكن قد يتخرج لزوم القضاء على قول من يقول المرتد مكلف بالفروع دون الأصلي. ومنها: هل يجوز لكافر لبس الحرير؟ ظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب أنه لا يجوز قاله بعض متأخرى أصحابنا وبناه بعضهم على القاعدة. واختار أبو العباس الجواز قال وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعها ليبيعها منهم وعملها لهم بالأجرة. ومنها: إذا أسلم الكافر بعد تجاوز الميقات وأراد الإحرام فإنه يحرم من موضعه وهل يلزمه دم؟ على روايتين حكاهما أبو محمد المقدسي وغيره والمذهب لا دم عليه   1 هو نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي [670 – 716هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/366" وشذرات الذهب "8/70" من مصنفاته: "مختصر الروضة" و"مختصر الحاصل في أصول الفقه" و"القواعد الكبرى" و"القواعد الصغرى" و"مختصر الحصول" و"معراج الوصول إلى علم الأصول" و"شرح مختصر التبريزي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عند أبى محمد وقال القاضى وأصحابه عليه دم وبناه بعضهم على القاعدة. ومنها: أن أهل الذمة هل يمنعون من إظهار الأكل والشرب في نهار رمضان؟ قال ابن الصيرفي يمنعون ونقله عن القاضى وذكره أبو العباس. وهذا قد يكون مبنيا على تكليفهم إذ في ذلك إظهار شعار دينهم وإظهار الأكل والشرب في رمضان وقد قال صاحب المحرر في المريض والحائض والمسافر لا يجوز إظهار الفطر إجماعا مع أن الصوم غير واجب عليهم. وقيل لابن عقيل فيجب منع مسافر ومريض وحائض من الفطر ظاهرا لئلا يتهم فقال إن كانت أعذارا خفية منع من إظهاره كمرض لا أمارة له ومسافر لا علامة عليه وقد يقال يبنى على تكليفهم وعدمه هل يجوز للمسلم إعانتهم على الأكل والشرب من غير إظهار أم لا فإن قلنا بتكليفهم لم يجز وان قلنا بعدمه جاز والله أعلم. ومنها: استئجار الكافر للجهاد فإنه يصح بناه بعضهم على القاعدة وليس بناء جيدا. ومنها: ما ذكره ابن الصيرفي أن الكفار هل يملكون أموال المسلمين بالقهر أم لا فإن قلنا بالقاعدة فلا يملكون وإلا ملكوا. وتحرير المذهب في هذه المسألة قال القاضى انهم يملكونها من غير خلاف والمذهب عند أبى الخطاب في انتصاره أنهم يملكونها وحكى طائفة عن أحمد رضى الله عنه روايتين منهم ابن عقيل في فنونه ومفرداته وصحح فيها عدم الملك. وذكر أبو العباس أن أحمد لم ينص على الملك ولا على عدمه وانما نص على أحكام أخذ منها ذلك. والصواب أنهم يملكونها ملكا مقيدا لا يساوى أملاك المسلمين من كل وجه انتهى. وبناء ابن الصيرفي ليس جيدا من وجهين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أحدهما أن المذهب الذي جزم به القاضى من غير خلاف أنهم يملكون والمذهب أنهم مخاطبون. الثانى أن محل الخلاف في أن الكفار هل يملكون أم لا إنما هو في أهل الحرب أما أهل الذمة فلا يملكون بلا خلاف والخلاف في تكليف الكفار عام في أهل الذمة والحرب فإذا قلنا يملكون الفرس الحبيس والوقف وفي الولد روايتان. وهل يملكون العبد الآبق والفرس الشارد إليهم؟ في المسألة روايتان المذهب لا يملكون. وإذا قلنا يملكون فهل يشترط أن يحوزوه بدارهم في المسألة روايتان واختلف في الترجيح. وإذا أتلف الحربى شيئا من أموال المسلمين وأنفسهم فلا يضمنه بالإجماع ذكره غير واحد وليس بإجماع فان الرافعى الشافعى نقل عن أبى إسحاق الاسفرائينى1 أنه يجب الضمان إذا قلنا الكفار مكلفون بالفروع قال وذكر أبو الحسن العبادى2 أنه يعزى ذلك إلى المزنى3 في المنثور4. واعترض بعض متأخري الشافعية على كلام الرافعى هذا فقال نقل العبادى5 في الطبقات ذلك عن الأستاذ فيما إذا صار ذميا وأن المزنى في   1 هو الفقيه الأصولي المتكلم الشافعي ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني [ت 418هـ] من مصنفاته: "التعليقة في أصول الفقه" "جامع الجلي والخفي في أصول الدين والرد على الملحدين". 2 هو أبو الحسن أحمد بن أبي عاصم العبادي الشافعي [415 – 495هـ] . 3 هو الفقيه المجتهد أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري تلميذ الشافعي [175 – 264هـ] من مصنفاته "المختصر" "المنثور" "الجامع الكبير" "الجامع الصغير". 4 مصنف في فروع الفقه الشافعي. 5 هو شيخ الشافعية في عصره القاضي ابو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد العبادي الهروي [375 – 458هـ] من تصانيفه "المبسوط" و"أدب القاضي" و"الهادي إلى مذاهب العلماء" و"طبقات الفقهاء" مطبوع لندن "1964". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 المنثور قال لو لم يصر ذميا ولكن غنمنا ماله فيقدم دين المسلم قال فان أتلف وأسلم فلا شىء عليه لان الإسلام يجب ما قبله هذا كلام العبادى انتهى. وسمعت بعض شيوخنا يعزو وجوب الضمان على الحربى إلى إسحاق بن راهويه1 والله أعلم. ومنها: لو غصب مسلم خمرة ذمى هل يجب عليه ردها أم لا ينبنى على أن الخمر هل هي ملك لهم أم لا وفي المسألة روايتان حكاهما القاضى يعقوب بن إبراهيم2 وأبو الحسن بن بكروش3 وغيرهما. إحداهما: يملكونها فيجب الرد هذا قول جمهور أصحابنا. والثانية: لا يملكونها فينبغى وجوب الرد. وقد يقال لا يجب ردها ولو قلنا هي ملك لهم إذ يلزم منه تسليم الخمر الظاهر إلى الذمى وقد اتفق الأصحاب فيما علمت على أنه إذا أظهرها أنها تراق ولهذا إذا أتلفها متلف فإنه لا يضمنها وعلى هذا جمهور الأصحاب. وخرج أبو الخطاب وجها بضمان قيمتها إذا قلنا أنها مال لهم وأبى ذلك الاكثرون وحكى لنا قول يضمنها الذمى للذمى ورأيت بعض شيوخنا يبنى هذا الفرع على هذه القاعدة. إن قلنا بتكليفهم فيمتنع الرد أو الضمان إن تلف وإلا وجب.   1 هو الفقيه المحدث الحافظ: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر ابن راهويه المروزي النيسايوري [161 – 238هـ] انظر طبقات الحنابلة "1/159" شذرات الذهب "2/89". 2 هو القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور البرزبيني ممن تفقه على القاضي أبي يعلى [ت 486هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/145" الذيل على طبقات الحنابلة "1/73" شذرات الذهب "5/380" من مصنفاته "التعليقة في الفقه". 3 في الأصل "بنبكروس" والصواب: ابن بكروس وهو: أبو الحسن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي [504 – 576هـ] من تصانيفه: "رؤوس المسائل" وكتاب "الأعلام" انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/348" وشذرات الذهب "6/422". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وفي هذا البناء نظر لان فرض المسألة فيما كانت الخمرة لذمى أما إذا كانت لحربى فلا يجب رد ولا ضمان والقول بالتكليف عام في الحربى والذمى والله أعلم. ومنها: إذا أتلف الكافر صيدا في الحرم فإنه يضمنه ذكره أبو الخطاب في انتصاره في بحث مسألة كفارة ظهار الذمى وبناه بعضهم على هذه القاعدة وليس بناء جيدا لانه إن كان المتلف حربيا فإنه لا يضمنه جزم به جمهور العلماء وان كان ذميا فانه يضمنه ولو قلنا بعدم تكليفه لانه إتلاف والإتلاف لا يعتبر فيه التكليف لكن قد يقال إن قلنا بتكليفه ووجوب الجزاء بقتله على المتعمد وجب الجزاء وان قلنا بعدم تكليفه وأن الكفارة لا تجب على المخطىء فلا كفارة عليه والله أعلم. ومنها: أنكحة الكفار هل هي صحيحة أم لا؟ قال أبو العباس رضى الله عنه رأيت لأصحابنا في أنكحتهم أربعة أقوال أحدها جميعها صحيحة. والثانى: ما أقروا عليه فهو صحيح وما لم يقروا عليه فهو فاسد وهذا قول القاضى في الجامع وابن عقيل وأبى محمد. والثالث: ما أمكن إقرارهم عليه فهو صحيح وما لا فلا. والرابع أن كل ما فسد من نكاح المسلمين فسد من نكاحهم وإلا فلا وهذا قول القاضى في المجرد. والصواب أن أنكحتهم صحيحة من وجه فاسدة من وجه فإنه إن أريد نفوذه وترتب أحكام الزوجية عليه من حصول الحل به للمطلق ثلاثا ووقوع الطلاق فيه وثبوت الإحصان به فصحيح وهذا يقوى طريقة من فرق بين أن يكون التحريم لعين المرأة أو لوصف النكاح لان ترتيب هذه الأحكام على إنكاح المحارم بعيد جدا. وقد أطلق أبو بكر وابن أبى موسى وغيرهما صحة أنكحتهم مع تصريحهم بأنه لا يحصل الإحصان بنكاح ذوات المحارم انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وبنى بعضهم هذه المسألة على هذه القاعدة وطرده في جميع عقودهم. ومنها: ظهار الذمى صحيح عندنا بناه ابن الصيرفي على القاعدة. قلت: وحكى بعضهم رواية عن الإمام أحمد لا يصح ظهاره لتعقبه كفارة ليس من أهلها. فطرد هذا أنه لا ينعقد يمينه لتعقبه كفارة ليس من أهلها ولكن ينعقد يمينه ولم أقف على خلاف في ذلك. وأما قول من قال لا يصح ظهاره لتعقبه كفارة ليس من أهلها فلا نسلمه بل في كفارته تفصيل. أما الصوم فلا يكفر به لانه لما لم يصح منه في غير الكفارة لم يصح منه فيها. وأما الإطعام والإعتاق فإنه يصح منه في غير الكفارة فصح منه فيها. ويجب عليه كفارة القتل وعنه لا كفارة عليه بناء على كفارة الظهار قاله ابن عقيل في الواضح. وإذا لزمته الكفارة فهل يحتاج إلى نية قال الدنيوى1 يعتبر في تكفير الذمى بالعتق والاطعام النية وقال ابن عقيل ويعتق بلا نية. ومنها: إذا زنى الذمى أو المستأمن فإنه يجب عليه الحد جزم به الأصحاب ويلزم الإمام إقامته وعن أحمد رواية اختارها ابن حامد إن شاء لم يقم حد بعضهم ببعض ومثله قطع سرقة من بعض. ولا يسقط بإسلامه قال في المحرر نص عليه وذكره ابن أبى موسى في ذمى زنى بذمية وبنى بعضهم هذه المسألة على هذه القاعدة. ولو تناول مسكرا فهل يجب عليه الحد في المسألة روايتان أصحهما لا يجب واختار أبو البركات يحد إن سكر.   1 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الدينوري البغدادي الفقيه تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني [ت 532هـ] صنف "التحقيق في مسائل التعليق" في الفقه انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/190" شذرات الذهب "6/162". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وكلام طائفة من الأصحاب يشعر ببناء هذه المسألة على هذه القاعدة. والفرق بين هذه المسألة والتى قبلها أن تحريم الزنى ثابت في جميع الشرائع فلذلك حددناه وأما الخمر فإنه لا يعتقد تحريمه فلذلك حددناه وأما الخمر فإنه لا يعتقد تحريمه فلذلك لا يحد. وقيل إنما يعتقد حل اليسير فلذلك حددناه إذا سكر على اختيار المحدود وظاهر ما ثبت في السنة من قصة حمزة لما شرب الخمر قبل نزول التحريم وزال عقله وجب الأسنمة1 ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم عنفه على ذلك يدل على أن الخمرة كانت مباحة ولو كثرت. وبناء هاتين المسألتين ومسألة الظهار على القاعدة ليس ببناء جيد لان فرض ذلك فيما إذا كان ذميا والتزم أحكام المسلمين فلذلك أجريت عليه أحكامنا إلا أن يعتقد إباحته كالخمر. أما لو كان حربيا فظاهر كلام الأصحاب أنه لاحد عليه ولا كفارة والقول بالتكليف عام في الحربى والذمى والله أعلم. ومنها: إذا نذر الكافر عبادة نص الإمام أحمد على صحة نذره وهذا يحسن بناؤه على القاعدة. ولنا قول بأنه لا يصح مأخذه أن نذره للعبادة كالعبادة وليس من أهلها. ومنها: إذا قلنا باشتراط التسمية على الصيد أو الذبيحة محل هذا في المسلم وأما الكافر فهل يشترط في حقه كما يشترط في حق المسلم في المسألة روايتان ويحسن بناؤهما على هذه القاعدة. ومنها: إذا قلنا باشتراط التسمية في طهارة الحدث فمحل هذا في المسلم وحكى صاحب الإرشاد2 وجهين في اعتبار التسمية لغسل الذمية من الحيض ويحسن بناؤهما على هذه القاعدة لكن ينبغى أن يتعدى إلى غسل الجنابة إذا قلنا للزوج إجبارها عليه.   1 أي قطعها والأسنمة جمع سنام وهو أعلى الناقة والبعير لسان العرب "1/531". 2 المقصود هو القاضي أبي علي محمد بن أبي موسى الهاشمي و"الإرشاد" مصنف له في الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ومنها: أن الذمية لا يفتقر غسل حيضها إلى نية وقال ابن تميم واعتبر الدينورى في تكفير الكافر بالعتق والإطعام النية فكذا هنا وهذا يحسن بناؤه على القاعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 القاعدة 8 يشترط لصحة التكليف أن يكون المكلف عالما بما. كلف به ويعبر عنه تكليف الغافل. فيه خلاف مبنى على التكليف بالمحال فإن منعنا ذاك منعنا هذا بطريق الأولى وان جوزناه فللأشعري1 هنا قولان نقلهما ابن التلمسانى2 وغيره. قالوا: والفرق أن التكليف هناك فيه فائدة وهى ابتلاء الشخص واختباره. وفرقوا بين التكليف بالمحال وتكليف المحال أى بإسقاط البناء. فقالوا: الأول ضابطه أن يكون الخلل راجعا إلى المأمور به والثانى ضابطه رجوع الخلل إلى المأمور نفسه كتكليف الغافل. إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بجاهل الحكم هل هو معذور أم لا؟ ترتبت على هذه القاعدة فإذا قلنا يعذر فإنما محله إذا لم يقصر ويفرط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرط فلا يعذر جزما. فمن المسائل: إذا تكلم في الصلاة جاهلا بتحريم الكلام أو الإبطال به.   1 هو إمام متكلمي السنة ومؤسس مذهب الأشاعرة أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل الأشعري البصري [260 – 324هـ] من مؤلفاته: "مقالات الإسلاميين" "الإنابة عن أصول الديانة" "اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع". 2 هو الفقيه الأصولي شرف الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي المصري الشافعي المعروف بـ "ابن التلمساني" [567 – 644هـ] من مؤلفاته "المجموع في الفقه" "شرح التنبيه" للشيرازي في فروع الشافعية "شرح المعالم" للرازي في الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 قال بعض أصحابنا الحديث العهد بالإسلام فقال القاضى في الجامع لا أعرف فيها رواية عن أحمد وأبدى احتمالا بعدم البطلان وذكره ابن تميم وجها وذكر أبو محمد فيه روايتين كالناسى وفرق القاضى بينهما بأن الجاهل بتحريم الكلام تكلم بإباحة لان الكلام كان مباحا في صدر الإسلام وليس كذلك الناسى لانه تكلم بعد نسخ الكلام والعلم1. ولا يلزم الجاهل الأكل في الصوم مع جهله بالتحريم أنه يبطل صومه لانه لم يسبق بالشرع إباحة الأكل في الصوم والله أعلم. ومنها: إذا أكل في الصلاة أو شرب يسيرا جاهلا بتحريم ذلك فهل تبطل صلاته في المسألة روايتان وان كثر بطل رواية واحدة ذكره ابن تميم وغيره. وظاهر المستوعب والتلخيص لا فرق بين القليل والكثير وإذا قلنا بالبطلان فلا فرق بين النفل والفرض على الصحيح. ومنها: إذا أوجبنا الكفارة على أظهر الروايتين في وطء الحائض على العالم فهل تجب على الجاهل في المسألة روايتان وقيل وجهان. ومنها: إذا أوجبنا الموالاة والترتيب في الوضوء على الصحيح من الروايتين فهل يسقطان بالجهل ذكرنا في الناسى خلافا فالجاهل مثله. ومنها: إذا قلنا على الصحيح من الروايتين أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء فإن كان جاهلا بالحدث فروايتان اختار الخلال وغيره عدم النقض قال الخلال واستقر عليه قوله لخفاء الدليل. ومنها: إذا قلنا لا تصح الصلاة في المقبرة والحمام والحش وعطن الإبل على الصحيح من الروايتين فان كان جاهلا بالنهى فروايتان والمذهب عند الأصحاب عدم الصحة. ومنها: إذا قلنا على الصحيح من الروايتين لا تصح صلاة الرجل فذا   1 أي وبعد العلم بتحريمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 خلف الصف فلو كان غير عالم بالحديث فهل تصح صلاته في المسألة روايتان. ومنها: إذا قلنا لا تصح الصلاة في الكعبة الفرض على الصحيح والنفل في رواية ضعيفة فان كان غير عالم بالنهى فهل تصح في المسألة روايتان. ومنها: إذا أكل الصائم أو شرب أو احتجم وكان جاهلا بتحريمه فسد صومه نص عليه الإمام أحمد في الحجامة. وذكر في المغنى والمنتخب أن جاهل التسمية في الذبيحة لا يعذر وقاسه على الصوم وجزم به فيخرج فيها من الخلاف مثل ما في تلك ويتعدى إلى كل موضع أو جنبا فيه التسمية من وضوء أو غسل أو تيمم أو أكل على خلاف في ذلك. وفي الهداية والتبصرة لا يفسد وعن أحمد في الحجامة إن علم الحاجم والمحجوم الحديث أفطر وإلا فلا. ومنها: إذا جامع في إحرامه جاهلا بتحريم ذلك فحكمه حكم العالم هذا المذهب الذي نقله الجماعة عن أحمد. ومنها: لو لبس أو تطيب أو غطى رأسه جاهلا تحريم ذلك قال بعض المتأخرين يتوجه أن يكون كالصوم وقال القاضى لخصمه يجب أن يقول ذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض مسائل تتعلق بذلك في قاعدة إذا لم يبادر المكلف وبان خطأ ظنه. ومنها: إذا أثبتنا خيار المعتقة فوطئها وكانت غير عالمة بثبوت الخيار فهل يسقط خيارها أم لا؟ حكى طائفة من الأصحاب روايتين ولم يفرقوا بين جهل الحكم وجهل العتق الذي يحتمل خفاؤه وظاهر كلام صاحب المستوعب أن محل الخلاف في جهل الحكم أما جهل العتق الذي يخفي فلا يسقط جزما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ومنها: لو ولد على فراشه ولد واخر نفيه من غير عذر وقال لم أعلم أن لي نفيه أو لم أعلم أن النفي على الفور وكان قريب عهد بالإسلام قبل منه وإلا فلا تقبل دعواه سواء كان ممن تربى بين أهل العلم أو من العوام المسافرين في الآفاق وأرباب الصنائع الذين لا يخالطون العلماء ذكره القاضى في المجرد. وقال أبو محمد إن كان من عامة الناس قبل منه لان هذا مما يخفي عليهم فعذره بالجهل وان كان فقيها فلا يقبل منه على الصحيح لان ظاهر حاله يخالف دعواه وليس الفقيه من القاعدة. ومنها: إذا أوجبنا الدم على من قدم الحلق على الرمى في رواية فإن كان جاهلا فلا شىء عليه. وأما الحدود فإنها لا تجب إلا على عالم بالتحريم وأما من جهل وجوب الحد فإنه يسقط عنه بجهله ذكره غير واحد من الأصحاب. ومنها: إذا أوجبنا الترتيب في قضاء الفوائت على الصحيح من الروايتين فلا يعذر بالجهل بوجوبه هذا المذهب جزم به غير واحد ولنا قول يعذر على الصحيح من الروايتين. ومنها: إذا قلنا المذهب الصحيح لا تصح الصلاة في ثوب حرير أو مغصوب فإذا كان جاهلا بالنهى فهل تصح صلاته في المسألة روايتان. ومنها: إذا عتقت الأمة في الصلاة ولم تكن مستترة بسترة حرة وجهلت وجوب السترة فإنه يلزمها إعادة الصلاة ذكره القاضى وغيره وقاسوا ذلك على المعتقة فيخرج فيها مثلها الخلاف. ومنها: إذا صلى وعليه نجاسة وجهل حكمها جعلها في الرعاية كجهل عينها في الروايتان. ومنها: إذا فعل فعلا مستكثرا من غير جنس الصلاة وكان جاهلا بتحريمه هل تبطل صلاته أم لا قال ابن تميم قال بعض أصحابنا لا تبطل قال والأولى جعله كالناسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قلت: فيكون فيه الطريقتان وقد تقدمتا في مسائل النسيان. ومنها: واجبات الصلاة التى تسقط بالسهو وتبطل الصلاة بتركها عمدا ذكر صاحب الرعاية إذا تركها جهلا بوجوبها أن حكمه حكم السهو وعزاه إلى نص أحمد. ومنها: لو قام الإمام إلى ركعة زائدة وسبح به اثنان لزمه الرجوع مالم يتيقن صواب نفسه فان لم يرجع بطلت صلاته وتبطل صلاة متابعه عالما لا جاهلا على الأصح فيهما. ومنها: لو فرق الإمام المأمومين في صلاة الخوف أربع فرق وصلى بكل فريق ركعة في الرباعية وقلنا ببطلان صلاة طائفة مع الإمام فمن جهل المفسد صحت صلاته إن جهله الإمام كحدثه وقيل لا تصح مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 القاعدة 9 الترك هل هو من قسم الأفعال أم لا؟ فيه مذهبان أصحهما عند الآمدي وابن الحاجب وغيرهما الأول ولهذا قالوا في حد الأمر اقتضاء فعل غير كف. وقال طائفة من أصحابنا لا تكليف إلا بفعل ومتعلقة في النهى كف النفس إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بذلك. منها: إذا ألقى إنسان إنسانا في نار أو ماء لا يمكنه التخلص منه فمات به فعلى الملقى القصاص وان أمكنه التخلص أو لا يقتل غالبا فلم يفعل حتى هلك فلا قصاص لاجل الشبهة وهل تجب الدية؟ في المسألة ثلاثة أوجه: أحدها: لا يضمن الدية لكن يضمن ما أصابت النار منه. والثانى: يضمن الدية ويدل لها ما أشرنا إليه. والثالث: يضمنه في الإلقاء في النار دون الماء اليسير لان الماء يدخله الناس للغسل والسباحة والنار سعيرها مهلك بنفسه. ومنها: لو جرحه إنسان فترك مداواة جرحه أو فصده فترك شد محل فصاده فإنه لا يسقط الضمان ذكره في المغنى محل وفاق. وذكر بعض المتأخرين لا ضمان في ترك شد محل الفصاد ذكره محل وفاق وذكر في ترك مداواة الجراح من قادر على التداوى وجهين وصحح الضمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وذكر لو حبس إنسانا ومنعه الطعام والشراب وهو يقدر على أخذه من غيره فتركه حتى مات لا ضمان فيه. ومنها: لو أمكنه أنجاء إنسان من هلكة فلم ينجه حتى تلف فهل يضمن. في المسألة وجهان: وقيل هما في وجوبه هكذا ذكر من وقفت على كلامه وخص الحكم بالإنسان فيحتمل أن يتعدى إلى كل مضمون إذا أمكنه تخليصه فلم يفعل حتى تلف هل يضمه يخرج في المسألة وجهان وصرح بذلك ابن الحاجب في فروعه في الصيد في الاحبولة ولكن بناه على القاعدة. ويحتمل أن يختص الخلاف في الإنسان دون غيره لانه أعظم حرمة من غيره. ويحتمل أن يتعدى إلى كل ذي روح كما اتفق الأصحاب على بذل فاضل الماء للبهائم وحكوا في الزرع روايتين. وذكر الشيخ أبو محمد إذا اضطرت بهيمة الأجنبي إلى طعامه ولا ضرر يلحقه ببذله حتى ماتت فإنه يضمنها وجعلها كالآدمي. ومحل الضمان وعدمه إذا كان المتلف لا يحال الضمان عليه أما إن كان يحال الضمان عليه فإنه لاضمان على المشاهد ويضمن المباشر لقوة المباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 القاعدة 10 الفرض والواجب مترادفان شرعا في أصح الروايتين عن أحمد. اختارها جماعة منهم ابن عقيل وقاله الشافعية. وعن الإمام أحمد الفرض آكد اختارها جماعة منهم ابن إسحاق بن شاقلا1 والحلوانى2 وذكره ابن عقيل عن أصحابنا وقاله الحنفية وابن الباقلانى واختلف اختيار القاضى. فعلى هذه الرواية الفرض ما ثبت بدليل مقطوع به وذكره ابن عقيل عن أحمد وقيل ما لا يسقط في عمد ولا سهو وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية أن الفرض ما لزم بالقرآن والواجب ما كان بالسنة. وعلى الثانى يجوز أن يقال بعض الواجبات أوجب من بعض. ذكر القاضى وغيره أن فائدته أنه يثاب على أحدهما أكثر وأن طريق أحدهما مقطوع به وطريق الآخر مظنون وذكرهما ابن عقيل على الأول.   1 هو الفقيه والأصولي الحنبلي: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البزار [315 – 369هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/128 – 139" شذرات الذهب "4/373" سير أعلام النبلاء "16/292". 2 هو الفقيه الحنبلي أبو الفتح محمد بنعلي بن محمد بن عثمان بن المراق الحلواني من أصحاب القاضي أبي يعلى [439 – 505هـ] انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص "210" من مؤلفاته "كفايةالمبتدي" في الفقه ومصنف في أصول الفقه وله "مختصر العبادات" انظر طبقات الحنابلة "2/357" الذيل على طبقات الحنابلة "1/106". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 قال غير واحد والنزاع في المسألة لفظى. فإن أريد أن المأمور به ينقسم إلى مقطوع به ومظنون فلا نزاع في ذلك وان أريد أنه لا تختلف أحكامها فهذا محل نظر فإن الحنفية ذكروا مسائل فرقوا فيها بين الفرض والواجب. منها: الصلاة فإنها مشتملة على فروض وواجبات والمراد بالفرض الأركان وأن الفرض لا يتسامح في تركه سهوا والواجب لا يتسامح في تركه عمدا. ومنها: الحج فإنه مشتمل على فروض وواجبات وأن الفرض لا يتم النسك إلا به والواجب يجبر بدم. ومنها: المضمضة والاستنشاق واختلف قول أحمد فيهما هل يسميان فرضا أم لا فنقل أبو داود وابن إبراهيم1 لا يسميان فرضا وانما يسميان سنة مؤكدة أو واجبا لان حد الفرض ما ثبت من طريق مقطوع به بنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع وليس طريق ثبوتهما كذلك وانما ثبتا بأخبار الآحاد. ونقل أبو بكر بن محمد إن تركهما يعيد كما أمر الله وهذا يدل على تسميتها فرضا لانه جعل الدلالة القرآن وهو قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وهذا عام. واختار ابن عقيل في الفصول أنهما واجبان لا فرضان. واختلف أصحابنا هل لهذا الخلاف فائدة فلا يصح الوضوء بتركهما عمدا ولا سهوا وان قلنا انهما سنة فلا يصح الوضوء بتركهما عمدا ويصح سهوا.   1 المقصود هو: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري [218 – 275هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 القاعدة 11 الوجوب قد يتعلق بمعنى كالصلاة والحج وغيرهما ويسمى واجبا معينا وقد يتعلق بأحد أمور معينة كخصال كفارة اليمين وكفارة الأذى وكفارة الصيد على الصحيح فيهما. وقاله جماعة الفقهاء والاشعرية نقله الآمدي عنهم واختاره ابن الحاجب والبيضاوى1 وغيرهما وقاله بعض الأصوليين. وقال المعتزلة الجميع واجب بصفة التخيير وقال ابن برهان والجوينى إن وجوب الجميع قول المعتزلة وهو أبو هاشم2. قلت: وأطلق الوجوب من المعتزلة الجبائى3 والد أبى هاشم والقاضى عبد الجبار4 وجماهير مشاهير المعتزلة وكان الكرخى الحنفي ينصر هذا مرة   1 هو الفقيه الأصولي القاضي ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الشافعي من مؤلفاته "منهاج الوصول إلى علم الأصول" مطبوع و"الغاية القصوى في دراية الفتوى" في الفقه الشافعي و"أنوار التنزيل وأسرار التأويل" تفسير. 2 هو المتكلم المعتزلي أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان الجبائي [277 – 321هـ] إليه تنسب الطائفة "البهشمية" من المعتزلة من تصانيفه: "الإجتهاد" و"العدة" و"تذكرة العالم" كلها في أصول الفقه وله في الفقه "الشامل". 3 هو المتكلم المعتزلي أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري [ت303هـ] من تصانيفه "الرد على ابن كلاب" "الأسماء والصفات" "الأصول" و"التفسير". 4 هو خاتمة كبار المعتزلة القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن خليل الهمداني الشافعي [ت 416هـ] أهم مصنفاته "المغني" في علم الكلام مطبوع في عدة أجزاء القاهرة "1965م" و"المجموع المحيط بالتكليف" صدر في عدة طبعات أدقها بتحقيق ..... == == المستشرق الفرنسي دانيال جيماريه بيروت "1980". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ومرة لا ينصره كقولنا. وقال بعض المعتزلة الواجب مبهم عندنا معين عند الله تعالى إما بعد اختياره واما قبله بأن يلهمه الله تعالى إلى اختياره وهذا القول يسمى قول التزاحم لأن الأشاعرة قال بعضهم الواجب واحد معين عند الله تعالى غير معين عندنا ولكن المكلف قد لا يفعله بل يفعل غيره ويقع نفلا بسقط به الفرض. إذا تقرر هذا فهل النزاع بين الفقهاء ومن وافقهم من الاشاعرة وبين من قال من المعتزلة الجميع واجب هو في اللفظ أم في المعنى؟ فالذي قاله أبو الحسن البصرى1 وغيره الخلاف بين الفقهاء والمعتزلة في اللفظ دون المعنى قائلا أى هم يعنون بوجوب الجميع على التخيير أنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان بجميعها وللمكلف اختيار أي واحد كان وهو بعينه مذهب الفقهاء في خلاف في المعنى. وأما في اللفظ فالخلاف أن المعتزلة يقولون وجوب الجميع على التخيير والفقهاء بوجوب واحد من حيث هو أحدها. وأيضا فإن المعتزلة يطلقون الواجب على كل فرد بالحقيقة وعلى المشترك بالمجاز والفقهاء يعكسون فيهما. وقال القطب تقرير قول أبى الحسين في شرح المختصر وفي كون هذه العناية رافعة للخلاف المعنوى نظر لان من ذهب من المعتزلة إلى أنه يثاب ويعاقب على كل واحد ولو أتى بواحد يسقط عنه الباقى بناء على أن الواجب قد يسقط بدون الأداء يقول بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به مع أن الخلاف بينه وبين الفقهاء قائم في المعنى لان عند الفقهاء لا يثاب ولا يعاقب إلا على فعل واجب واحد أو ترك واجب واحد. وكأن هذا مذهب من لم يعبأ به منهم إذ المعتبرون منهم كأبى هاشم   1 هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري [ت436هـ] من مصنفاته "المعتمد في أصول الفقه" مطبوع بتحقيق محمد حميد الله "1964 – 1965م" بيروت و"تصفح الأدلة" وغدر الأدلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وغيره لم يذهب إلى أنه يثاب ويعاقب على الجميع على ما قال الإمام1 في البرهان2 أن أبا هاشم اعترف بأن تارك الحلال لا يأثم إثم من ترك واجبات ومن أتى بها جميعها لم يثب ثواب واجبات لوقوع الامتثال بواحد. وذكر صاحب تنقيح الأدلة فيه أن أبا على وأبا هاشم ومتابعيهما يعنون بوجوب الكل على التخيير أن الله أرادها جميعها لما فيها من المصلحة وكره ترك جميعها ولم يكره ترك واحدة إلى الأخرى. وهو صريح في أنه لا يعاقب على ترك الجميع لقوله ولم يكره ترك واحدة إلى الأخرى وكذا قول عبد الجبار في عمد الأدلة. وها هنا بحث محقق نافع ذكره ابن الحاجب وغيره في رد مذهب القائلين بأن الجميع واجب فقالوا: أحد الأشياء قدر مشترك بين الخصال كلها لصدقه على كل واحد منها وهو واحد لا تعدد فيه وانما التعدد في محله لان المتواطىء موضوع لمعنى واحد صادق على أفراد كالإنسان وليس موضوعا لمعان متعددة وإذا كان واحدا استحال فيه التخيير وانما التخيير في الخصوصيات وهى خصوص الإعتاق مثلا أو الكسوة أو الإطعام فالذي هو متعلق الوجوب لا تخيير فيه والذي هو متعلق التخيير لا وجوب فيه. وإذا قلنا بالقول الصحيح الذي عليه الفقهاء والاشاعرة إذا أتى المكفر بالخصال معا فانه يثاب على كل واحد منها لكن ثواب الواجب أكثر من ثواب التطوع ولا يحصل إلا على واحد فقط وهو أعلاما إن تفاوتت لانه لو أقتصر عليه لحصل له ذلك فإضافة غيره إليه لا تنقصه وان تساوت قبل أحدها وان ترك الجميع عوقب على أقلها. لأنه لو اقتصر عليه لاجزأه وذكر ذلك ابن التلمسانى في شرح المعالم وابن برهان. وقال القاضى وغيره يأثم بقدر عقاب أدناها لا أنه يفسر عقاب أدناها.   1 هو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني. 2 هو كتاب "البرهان في أصول الفقه" مطبوع الدوحة "1399م" بتحقيق: عبد العظيم الديب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وفي التمهيد وغيره ومعناه في الواضح يثاب على واحد ويأثم بواحد ولكن قال الشيخ مجد الدين1 في تقرير إخراج الجميع دفعة نظر. قلت: وقد يتصور بأن يوكل شخصا في الاعتاق ويتلفظ هو والوكيل معا بالعتق وبتمليك الفقراء الطعام والكسوة والله أعلم. ومما ينبنى على القاعدة إذا أوصى في الكفارة المخيرة بخصلة معينة وكانت قيمتها تزيد على قيمة الخصلتين الباقيتين فهل يعتبر الجميع من رأس المال أم الزائد من الثلث فهذه المسألة لم أرها منقولة فيما وقفت عليه من كتب أصحابنا. وحاصلها يرجع إلى أن الواجب المخير كالواجب المعين أم لا والذي يظهر فيها أن الجميع معتبر من رأس المال وأخذته من مسألتين ذكرهما الأصحاب. إحداهما إذا جنى العبد المرهون جناية موجبة للمال فيخير سيده بين ثلاثة أشياء فديته بأقل الأمرين أو بيعه في الجناية أو تسليمه إلى ولى الجناية فيملكه هذا هو الصحيح عن الإمام أحمد. وعنه رواية أخرى يخير بين شيئين فقط وعلى هذه الرواية هل الشيئان فداؤه وبيعه في الجناية أو فداؤه ودفعه في الجناية في المسألة روايتان فإذا فداه المرتهن بغير إذن الراهن فهل يرجع إليه أم لا في المسألة طريقان للأصحاب. إحداهما وهى طريقة الشيخ أبى محمد أنها تخرج على مسألة من أدى عن غيره واجبا بغير إذنه وكذلك قال صاحب المستوعب والترغيب. والطريق الثانية وهى التى جزم بها في المحرر عدم الرجوع. وجه قول أبى محمد ومن قال بقوله أنه أدى واجبا عن غيره في الجملة فقياسه في هذه المسألة أنه يعتبر الجميع من رأس المال وهو موافق للقاعدة من كون الواجب أحدها.   1 المقصود هو الشيخ مجد الدين بن تيمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ووجه قول أبى البركات أنه أدى عنه شيئا غير محتم عليه عينا. والمسألة الثانية: إذا وجب سبع بدنه كاملة فهل الجميع واجب لا يجوز له أكل شيء منه أم السبع واجب والباقى يجوز له الأكل منه في المسألة وجهان ذكرهما بعض الأصحاب. قال ابن عقيل في تعليل أن الجميع واجب كما لو اختار الأعلى من خصال الكفارة فجعل خصال الكفارة أصلا وأنه اختار الأعلى يكون واجبا والقاعدة في الواجبات أنها تخرج من رأس المال وصرح بذلك غالب الأصحاب ولم يفرقوا بين واجب مخير وواجب معين والله أعلم. وبعد أن كتبت هذا وجدت القاضى قال في المجرد من كتاب الأيمان إذا مات من عليه كفارة يمين بالمال وأوصى بالعتق فيها تكون الوصية من ثلثه فإن خرجت من الثلث أعتق عنه وإن كان الثلث لا يفي سقطت الوصية وأطعم عنه قال أبو البركات ابن تيمية وعندى أن المعتبر من الثلث ما يزيد بالعتق على الإطعام أو على قيمة الكسوة أو كان لغلائه فأما قدر قيمة الأدنى فيعتبر من رأس المال. قال وهذا يعين تأويل كلام القاضى عليه إذ لا يسوغ عندنا سواه. وقال الخطيب فخر الدين بن تيمية1 في الترغيب ولو أوصى بالعتق في كفارة مخيرة لزمه وكان من رأس المال ولو عينه من الثلث جعلها كما لو قال أخرجوا الواجب من ثلثى.   1 هو فخر الدين أبو عبد الله محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني الفقيه الخطيب المفسر [542 – 622هـ] من مصنفاته: "تخليص المطلب في تلخيص المذهب" "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" و"بلعة الساغب وبغية الراغب" و"شرح الهداية لأبي الخطيب" و"التفسير الكبير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 القاعدة 12 يجوز تحريم واحد لا بعينه كقوله لا تكلم زيدا أو بكرا فهو منع من أحدهما لا بعينه عند أصحابنا والشافعية وهو ظاهر كلام الإمام أحمد قاله أبو البركات والقاضى. والكلام فيه كالكلام في الواجب المخير قال الآمدي وتبعه ابن الحاجب وخالف في ذلك القرافي وقال يصح التخيير في المأمور به ولا يصح في المنهى عنه لان القاعدة تقتضى أن النهى متعلق بمشترك حرمت أفراده كلها لأنه لو دخل فرد إلى الوجود لدخل في ضمنه المشترك فيلزم المحظور ولا يلزم من إيجاب المشترك كل فرد منها حصلت في ضمنه واستغنى عن غيره. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا كان له أمتان وهما أختان فهل يجوز له الجمع بينهما في الوطء مع الكراهة أم يحرم؟ في المسألة طريقان. أحدهما يحرم جزما وهذا طريق القاضى في العمدة1 وأبى العباس. والطريق الثانى في المسألة روايتان والمذهب التحريم وهذا طريق أبى الخطاب وأبى محمد وصاحب الترغيب وغيرهم.   1 كذا في الأصل والصواب: "العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى بن الفراء طبع بتحقيق أحمد علي المباركي بيروت "1980م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فإذا قلنا بالتحريم فله وطء أيتهما شاء على الصحيح من المذهب ومنع منه أبو الخطاب حتى يحرم الأخرى بما يأتى ذكره فإذا وطىء إحدهما لم تبح له الاخرى حتى يحرم غير الموطوأة على نفسه بتزويجها أو إزالة ملكه عنها. قال ابن عقيل ولا يكفي في إباحة الثانية مجرد إزالته حتى تمضى حيضة الاستبراء وتنقضى فتكون الحيضة كالعدة وتبعه على ذلك صاحب الترغيب والمحرر. قال أبو العباس ليس هذا القيد في كلام أحمد وعامة الأصحاب. وهل يكفي تحريمها بالكتابة والرهن والبيع بشرط الخيار على وجهين ولو زال ملكه عن بعضها قال أبو العباس كفاه وهو قياس قول أصحابنا. وإذا حرمت الموطوأة ثم رجعت إليه بعد أن وطىء الباقية أقام على وطئها واجتنب الراجعة عند أبى البركات بناء على انقطاع الفراش بالإخراج والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يجتنبها حتى يحرم إحداهما ولو رجعت قبل وطء الباقية وطىء أيتهما شاء عند أبى البركات بناء على انقطاع الفراش وظاهر كلام الخرقى تحريمها حتى يحرم إحداهما. وقال صاحب المغنى فيه تباح الراجعة دون الباقية ولو خالف أولا فافترشهما واحدة بعد واحدة لزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم إحداهما. قال القاضى في المجرد المحرمة هى الثانية فله إذا استبرأها وطء الأولى. وحيث أبحنا له إحداهما بتحريم الأخرى فهو جار على القاعدة إذ هو تحريم واحد لا بعينه. ومنها: إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه أو كن كتابيات أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن وهو جار على القاعدة إذ هو تحريم بعض غير معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 القاعدة 13 وقت الواجب إما بقدر فعله وهو الواجب المضيق أو أقل منه والتكليف به خارج عن تكليف المحال أو أكثر منه وهو الواجب الموسع. والوجوب يتعلق بجميع الوقت وجوبا موسعا عند أصحابنا ومحمد بن شجاع1 وأبى على وأبى هاشم. وقال القاضى أبو الطيب2 هو مذهب الشافعى وأصحابه. وهل يشترط لجواز التأخير عن أول الوقت العزم فيه وجهان اختاره أبو الخطاب في التمهيد ومال إليه القاضى في الكفاية3 وأبو البركات لأنه لا يشترط. واختاره أبو على وأبو هاشم والرازى4 وذكر أنه قول أبى الحسين البصرى. وقالت الحنفية بل يتعلق بآخر الوقت واختلفوا فيما إذا فعله في أوله.   1 هو أبو عبد الله محمد بن شجاع البغدادي المعروف بـ "ابن الثلجي" [181 – 266هـ] الفقيه الحنفي صاحب "تصحيح الآثار في الفقه" و"الرد على المشبهة" كان فيه ميل إلى الإعتزال وتحديدا في مسألة خلق القرآن. 2 هو العلامة الفقيه الشافعي القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي [348 – 450هـ] من مؤلفاته "شرح مختصر المزني" "التعليقة الكبرى" في فروع الشافعية. 3 "الكفاية" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205". 4 هو المفتي والمجتهد الحنفي: أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي الحنفي [305 – 470هـ] صاحب "أحكام القرآن" و"شرح الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فقال بعضهم يقع نفلا يمنع لزوم الفرض واختلف النقل عن الكرخى منهم فنقل عنه أنه كان تارة يقول بتعين الواجب بالفعل في أى أجزاء الوقت كان وتارة يقول إن بقى الفاعل مكلفا إلى آخر الوقت كان ما فعله قبل ذلك واجبا وإلا فهو نفل ونقل عنه الوجوب يتعلق بآخر الوقت أو بالدخول في الصلاة قبله. وقال بعض المتكلمين الوجوب متعلق بجزء من الوقت غير معين كما تعلق في الكفارة بواحد غير معين. قال أبو البركات وهذا أصح عندى وأشبه بأصولنا في الكفارات فيجب أن يحمل مراد أصحابنا عليه ويكون الخلل في العبارة. قلت: جعل ابن عقيل في الفصول مسألة الواجب الموسع كالواجب المخير وقاسها عليها فهو موافق لما اختاره أبو البركات وذكره في الواضح عن الكرخى واختاره أيضا في مسألة الواجب المخير لكن صرح القاضى وابن عقيل أيضا في موضع من كلامه وغيرهما بالفرق وقال في المحصول1 والمنتخب ومن أصحابنا من قال إن الوجوب يختص بأول الوقت فإن فعله في آخره كان قضاء قال طائفة من محققى الشافعية. ولعل هذا القول التبس على صاحب المحصول بوجه الاصطخرى2 حيث ذهب إلى أن وقت العصر والعشاء والصبح يخرج بخروج وقت الاختيار لكنه نقله الشافعى في الأم عن المتكلمين وهذا يحتمل أن يكون سببا لهذا الغلط أيضا.   1 "المحصول" للإمام فخر الدين الرازي [ت 606هـ] اعتمد فيه على "البرهان" لإمام الحرمين و"المستصفى" للإمام الغزالي و"العهد" للقاضي عبد الجبار و"المعتمد" لأبي الحسين البصري مطبوع. 2 هو الفقيه الشافعي القاضي أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري فقيه شافعية العراق في عصره [244 – 328هـ] من مؤلفاته "أدب الفقهاء" و"الشروط والوثائق والمحاضر والسجلات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 القاعدة 14 يستقر الوجوب في العبادة الموسعة بمجرد دخول الوقت ولا يشترط إمكان الأداء على الصحيح من المذهب. ونعنى بالاستقرار وجوب القضاء اذ الفعل إذا غير ممكن ولا مأثوم على تركه ذكره أبو البركات. إذا تقررهذا فمن فروع القاعدة. إذا دخل وقت الصلاة على المكلف بها ثم جن أو حاضت المرأة قبل أن يمضى زمن يسعها فإن القضاء يجب عندنا في أصح الروايتين. والاخرى لا يجب اختارها أبو عبد الله ابن بطة وابن أبى موسى. ومحل الخلاف على ظاهر ما ذكره القاضى في الجامع الكبير وابن أبى موسى والشيخ أبو البركات في شرح الهداية وغيرهم فيما إذا دخل الوقت ثم طرأ المانع. وذكر أبو المعالى أنه لو زال المانع في آخر الوقت أنه على الخلاف في أوله. ومنها: إذا أيسر من لم يحج ثم مات من تلك السنة قبل التمكن من الحج فهل يجب قضاء الحج عنه؟ في المسألة روايتان أظهرهما الوجوب. ومنها: إذا أتلف النصاب قبل إمكان الأداء على الصحيح من الروايتين وجب عليه ضمان الزكاة وإن قلنا يعتبر فإنه لا يضمنها هكذا جزم به طائفة من الأصحاب وجزم في الكافي ونهاية أبى المعالى بالضمان واحتجا به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 للمذهب لأنها لو لم تجب لم يضمنها وقاسه أبو المعالي على تفويته العبد الجاني. وإن تلف النصاب بعد الحول قبل التمكن من الأداء فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك إلا زكاة الزرع والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع فتسقط زكاتها اتفاقا لانتفاء التمكن من الانتفاع بها. وخرج ابن عقيل وجها بوجوب زكاتها أيضا وهو ضعيف مخالف للإجماع الذي حكاه ابن المنذر1 وغيره وعن أحمد رواية ثانية بالسقوط. فمن الأصحاب من قال هى عامة في جميع الأموال ومنهم من خصها بالمال الباطن دون الظاهر ومنهم من عكس ذلك ومنهم من خصها بالمواشى. واختلف الأصحاب في مأخذ الخلاف على طريقتين: أحدهما أنه على الخلاف في محل الزكاة فإن قيل هو الذمة لم تسقط. وإلا سقطت وهو طريق الحلوانى في التبصرة والسامرى وقيل إنه ظاهر كلام الخرقى قال شيخنا أبو الفرج وفي كلام أحمد إيماء إليه أيضا. والطريق الثانى عدم البناء على ذلك وهو طريق القاضى والأكثرين فوجه الاستقرار مطلقا إن قلنا تتعلق الزكاة بالذمة فظاهر وإن قلنا بالعين فبناء على أنه لا يشترط في وجوبها إمكان الأداء لأن وجوبها كان شكرا للنعمة ثم سلبها وهو النصاب التالف وشرطها وهو الحول فاستقرار وجوبها بتمام الانتفاع بهذا المال حولا كاملا كالأجرة المعينة المستقرة بانقضاء مدة الإجارة. وأيضا فمن الأصحاب من قال تلفها لا ينفي تعلقها بالذمة فهى كالدين والرهن. وجه السقوط مطلقا أنا إن قلنا تعلقها بالعين فواضح كالإبانات والعبد الجانى وإن قلنا بالذمة فالوجوب إنما يستقر بالتمكن من الأداء في رواية. واختار صاحب المغنى السقوط مطلقا.   1 هو أبو بكر أحمد بن أبي بدر المنذر بن النضر المغازلي البغدادي [ت 282هـ] من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل انظر طبقات الحنابلة "1/77". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ومن أمكنه الأداء ولكن خاف رجوع الساعى فكمن لم يمكنه أما لو أمكنه الأداء فلم يزك لم يسقط عنه كزكاة الفطر والحج. ومنها: الصيام فإذا بلغ الصبى مفطرا أو أفاق مجنون في اثناء يوم من رمضان أو أسلم فيه كافر لزمهم القضاء في أصح الروايتين. ومنها: إذا وصل عادم الماء إلى الماء وقد ضاق الوقت فعليه أن يتطهر ويصلى بعد الوقت ذكره صاحب المغنى وخالفه صاحب المحرر وقال يصلى بالتيمم وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح. أما قضاء العبادات فاعتبر الأصحاب له إمكان الأداء فقالوا: فيمن أخر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله إنه لا يطعم عنه وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء أطعم عنه. وأما المنذورات ففي اشتراط التمكن لها من الأداء وجهان كالروايتين في الصلاة والحج فلو نذر صياما أو حجا ثم مات قبل التمكن منه فهل يقضى. عنه على الوجهين وعلى القول بالقضاء فهل يقضى عنه الفائت بالمرض خاصة كما اختاره صاحب المحرر أم الفائت بالمرض وبالموت أيضا على وجهين. وقريب من هذه القاعدة مسألتان والصحيح فيهما أنه يشترط إمكان الفعل. إحداهما إذا أحرم الإنسان وفي يده صيد فإنه يجب عليه إرساله فإن مات الصيد قبل التمكن من إرساله جزم الشيخ أبو محمد بعدم الضمان وقد نبه عليه ابن عقيل في الفصول وقال بعض الأصحاب يضمن. الثانية إذا نذر أضحية أو الصدقة بدراهم معينة فتلفت فهل يضمن أم لا في المسألة روايتان. وقال جماعة منهم القاضى وأبو الخطاب ولو تمكن من الفعل نظرا إلى عدم تعيين مستحق كالزكاة وإلى تعلق الحق بعين معينة كالعبد الجانى. وأما أبو المعالى بن منجا فقال إن تلفت قبل التمكن فلا ضمان وإلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فوجهان إن قلنا يسلك بالنذر مسلك الواجب شرعا ضمن وإن قلنا مسلك التبرع لم يضمن. وقريب من القاعدة أيضا إذا وجب عليه حق فلم يؤده حتى وجد مالو كان موجودا حالة الوجوب لمنع الوجوب هل يمنع الوجوب أم لا وذلك في مسائل. منها: إذا جامع في رمضان ثم مرض لم تسقط عنه الكفارة نص عليه الإمام أحمد وكذلك إذا مات أو حاضت المرأة أو نفست وأبدى أبو الخطاب في الانتصار وجها أنها تسقط بالحيض والنفاس والموت وكذلك الجنون إن منع طوافه الصحة. ومنها: إذا سافر بعد دخول وقت الصلاة فهل يجوز له قصر الصلاة أم لا في المسألة روايتان ولنا وجه إن كان الوقت قد ضاق امتنع القصر وإلا فلا. ومنها: لو سافر في اثناء يوم في رمضان هل له الفطر أم لا في المسألة روايتان. ومنها: إذا قتل ذمى أو عبدا ذميا ثم أسلم القاتل أو عتق قبل استيفاء القصاص منه لم يسقط عنه القصاص في المنصوص عن الإمام أحمد وظاهر نقل بكر بن محمد عن أحمد رحمه الله تعالى عدم قتل من أسلم وهو احتمال لصاحب المغنى. ومنها: لو قتل وهو بالغ عاقل فلم يستوف منه حتى جن فإنه يستوفي منه حال جنونه في الصحيح من المذهب. ومنها: إذا زنى بامرأة ثم تزوجها أو ملكها قبل إقامة الحد لم يسقط عنه الحد. ومنها: لو سرق نصابا فلم يقطع حتى نقصت قيمته لم يسقط عنه القطع وكذلك لو ملكه سارقه عند أبى بكر عبد العزيز وغيره وجزم به جماعة وسواء ملكه قبل الترافع أو بعده وذكره ابن هبيرة عن الإمام أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وقال ابن عقيل وصاحب المغنى والإيضاح1 يسقط قبل الترافع إلى الحاكم لحديث صفوان2 قال الحافظ أبو عبد الله بن عبد الهادى3 حديث صفوان صحيح وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه من غير وجه عن صفوان.   1 وصاحبه: أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن علي الشيرازي ثم المقدسي ثم الدمشقي [ت 486هـ] . 2 ولفظ الحديث: عن صفوان بن أمية قال: كنت نائما في المسجد فى خميصة لي ثمنها ثلاثون درهما فجاء رجل لاختلسها مني فأخذ الرجل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع فأتيته فقبت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهما؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها. قال: "فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به" النسائي باب اللباس رقم: "4883" وانظر رقم: "4881 و 4882" مسند أحمد "15289" كما رواه ابن ماجه بلفظ آخر باب الحدود "2595/28". 3 هو المحدث الفقيه جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي [840 – 909هـ] الشهير بـ "ابن المبرد" ومما ألف: "التبيين في طبقات المحدثين المتقدمين والمتأخرين" "مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام" "النهاية في اتصال الرواية" "تذكرة الحفاظ وتبصرة الأيقاظ" "تحفة الوصول إلى علم الأصول" "مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول" "غاية السول إلى علم الأصول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 القاعدة 15 الأمر الذي أريد به جواز التراخى بدليل أو بمقتضاه عند من يراه إذا مات المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل لم يمت عاصيا عند الأكثرين. وقال قوم يموت عاصيا واختاره الجوينى في مسألة الفور والتراخى. وحكى الأول مذهب الشافعى والمحققين من أصحابه. وحاصل ذلك يرجع إلى من أبيح له فعل شيء أو تركه فإنه لا يترتب عليه شيء إذا تقرر هذا فمن فروعه القاعدة. إذا مات من أبيح له التأخير في أثناء وقت الصلاة قبل الفعل وقبل ضيق الوقت وتمكن من الأداء فهل يموت عاصيا أم لا في المسألة وجهان للأصحاب أصحهما العصيان وأبداه أبو الخطاب في انتصاره قال لأنه إنما يجوز له التأخير بشرط سلامة العاقبة. ومنها: إذا ضرب المستأجر الدابة أو الرائض بقدر العادة أو شجها1 فتلفت لم يضمنها وكذلك المعلم إذا ضرب الصبى أو الزوج امرأته في النشوز لإباحة ذلك له ونص أحمد في الرجل يؤدب ولده أو السلطان رعيته بضرب العادة أو ق قطع ولى الصغير سلعة2 لمصلحته إنه لا ضمان عليه كما لو مات المحدود في الحد. ومنها: لو ذكرت امرأة عند السلطان بسوء فأرسل ليحضرها فماتت   1 أي جرحها: وفي الأصل: كجها. ولا يستقيم المعنى به. 2 هي: زيادة تحدث في الجسد مثل الغدة وقال الأزهري: هي الجدرة تخرج بالرأس وسائر الجسد تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها لسان العرب "3/2066". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فزعا فهل يضمنها أم لا؟ في المسألة وجهان ذكرها غير واحد من الأصحاب وكذلك الوجهان لو استعدى عليها رجل بالشرطى في دعوى له فماتت فزعا غهل يضمنها المستعدى أم لا وقال صاحب المغنى يضمنها إن كان ظالما لها وإن كانت هى الظالمة فلا يضمنها. قلت: والذي قاله المغنى بأنه يضمنها إن كان ظالما لها فلا تردد فيه وإن لم يكن ظالما فهذا ينبغى أن يكون محل الخلاف والله أعلم. وأما جنينها فمضمون نص عليه الإمام أحمد لأن موت الجنين بسبب المعتدى أو المرسل أشبه ما لو اقتص منها. ولنا قول بعدم الضمان لأن المرسل غير متعد. ومنها: لو وقفت دابة في طريق واسع فأتلفت شيئا فهل يضمن مالكها أم لا؟ في المسألة روايتان عدم الضمان لأنه غير متعد بالضمان لأن الوقوف مشروط بسلامة العاقبة. قلت: هكذا وجه غير واحد من الأصحاب هذه الرواية وليس ذلك بجار على أصولنا والله أعلم. قال الحارثى والأقوى نظرا عدم الضمان حالة القيام في الطريق كما أورد القاضى وغيره دون حالة الربط وإن كان صاحب التلخيص صرح بالخلاف في الربط فإن الربط عدوان محض لوقوعه في غير ملك ولأن القدر الذي يملكه هو المرور فالربط غير مستحق وأما القيام فليس عدوانا فلا يصير به ضامنا. هذا ما لم تكن الجناية خلقا للدابة فإن كانت خلقا لها فهى كالعقور. قلت: قول الحارثى القدر الذي يملكه هو المرور فالربط غير مستحق يرد عليه في القيام فإن القيام ليس بمرور ويصير عدوانا فيضمن. ومنها: لو حفر بئرا في طريق واسع لنفع المسلمين ففي المسألة طريقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أحدهما إن كان بإذن الإمام جاز وإن كان بدون إذنه فروايتان على الإطلاق قاله أبو الخطاب وصاحب المغنى إذ البئر مظنة العطب وحيث قلنا بالجواز فلا ضمان صرح به القائلون بالجواز. ومنها: لو فعل بالمسجد ما تعم مصلحته كبسط حصير وتعليق قنديل أو نصب عمد أو باب فلا ضمان لما تلف به أذن الإمام أو متولى المسجد أو جيرانه أم لا هذا ما حكاه القاضى في الجامع الصغير1 وأبو الخطاب والشريفان أبو جعفر2 وأبو القاسم3 والسامرى في آخرين عن المذهب. وأصله ما نص عليه الإمام أحمد من رواية ابن سنان في مسألة حفر البئر إلا أن يكون بئرا أحدثها لماء المطر فإن هذا منفعة للمسلمين فأرجوا أن لا يضمن وكذلك نصه في رواية إسحاق بن منصور كل من لم يكن له شيء يفعله في طريق المسلمين ففعله فأصاب شيئا فهو ضامن فإن المفهوم منه انتفاء الضمان بما ينشأ عن الفعل المباح وخرج أبو الخطاب وأبو الحسن بن بكروش رواية بالضمان بناء على الضمان في البئر. قال الحارثى ولا يصح هذا التخريج لأن الحفر عدوان لإبطال حق المرور وليس كذلك ما نحن فيه. قلت: وجه من قال بالضمان مطلقا في رواية البئر مظنة العطب. وذكر القاضى في المجرد وكتاب الروايتين4 إن أذن الإمام فلا   1 مصنف في الفقه الحنبلي للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/206". 2 الشريف أبو جعفر: هو الفقيه الحنبلي الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي "421 – 470" مما صنف: "رؤوس المسائل" و"شرح المذهب" على طريقة القاضي في "الجامع الكبير" انظر طبقات الحنابلة "2/237 – 241" والذيل على طبقات الحنابلة "1/25 – 26" وشذرات الذهب "3/336". 3 وهو الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الهاشمي العلوي الحسيني الحراني المقرئ [ت 433هـ] انظر شذرات الذهب "5/160". 4 وتمامه: "كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ضمان وإن لم يأذن فعلى وجهين بناء على الروايتين في البئر وتبعه ابن عقيل في الفصول على ذلك. وقد مر الكلام في البئر مع أنهما قالا وقال أصحابنا في بوارى المسجد لا ضمان على فاعله وجها واحدا بأذن الإمام وغير إذنه لأن هذا من تمام مصلحته. ومنها: لو جلس إنسان في المسجد أو طريق واسع وعثر به حيوان فمات فهل يضمنه أم لا؟ في المسألة وجهان أوردهما أبو الخطاب وتبعه أبو محمد المقدسي قال الحارثى ولم أر لأحد قبله هذا الخلاف. وأصله ما مر من الروايتين في ربط الدابة بالطريق الواسع ومحله ما لم يكن الجلوس مباحا كالجلوس في المسجد مع الجنابة والحيض أو للبيع والشراء ونحو ذلك أما ما هو مطلوب كالاعتكاف والصلاة والجلوس لتعليم القرآن والسنة فلا يتأتى الخلاف فيه بوجه وكذلك ما هو مباح من الجلوس في جوانب الطرق الواسعة كبيع مأكول ونحوه لامتناع الخلاف في عدم جوازه لأنه جلس فيما يستحقه بالاختصاص فهو كالجلوس في ملكه من غير فرق وقد حكى القاضى الجزم في مسألة الطريق الواسع. قال الحارثى وهذا التقييد حكاه بعض شيوخنا في كتبه عن بعض الأصحاب إذ لا بد منه لكنه يقتضى اختصاص الخلاف بالمسجد دون الطريق لأن الجلوس بالطريق الواسع إما مباح كما ذكرنا فلا ضمان وإما غير مباح كالجلوس وسط الحارة فالضمان واجب ولا بد. وقد يقال هذا المعنى موجود بعينه في المسجد فالخلاف منتف أيضا. فنقول الفرق بينهما أن المنع ثبت في الحارة لذات الجلوس فتمحض السبب بكليته عدوانا والمسجد المنع فيه لم يكن لذات المسجد بل المعنى قارنه وهو إما البيع أو الجنابة أو الحيض فلم يكن ذات السبب عدوانا وصار كمن جلس في ملكه بعد النداء للجمعة وعثر به حيوان فإنا لا نعلم قائلا بالضمان مع أن الجلوس ممنوع منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قلت: ويمكن أن يقال بالضمان ولو قلنا بإباحة ذلك له بناء على ما وجه به غير واحد من الأصحاب رواية الضمان إذا أوقف دابة في طريق واسع بأنه مشروط بسلامة العاقبة وهذا كذلك لكنه مخالف لأصولنا والله أعلم. ومنها: إخراج الأجنحة والساباطات1 والخشب والحجارة من الجدر إلى الطريق إذا لم يضر به هل يجوز ذلك أم لا نص الإمام أحمد في رواية أبى طالب وابن منصور ومهنا2 وغيرهم أنه لا يجوز ويضمن ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك كذا ذكر القاضى في المجرد وصاحب المغنى. وقال القاضى في خلافه الأكثرون يجوزون ذلك بإذن الإمام مع انتفاء الضرر وفي شرح الهداية لأبى البركات في كتاب الصلاة إن كان لا يضر بالمارة جاز وهل يفتقر إلى إذن الإمام على روايتين. وأما الميازيب3 ومسايل المياه فكذلك عند الأصحاب وفي المغنى احتمال بجوازه مطلقا مع انتفاء الضرر واختاره طائفة من المتأخرين. وقال أبو العباس إخراج الميازيب إلى الدرب النافذ هو السنة. وحيث قلنا بالجواز إما مطلقا أو بإذن الإمام فلا ضمان صرح به القائلون الجواز. ومنها: أن سراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا ضمان جزم به الأصحاب. ومنها: لو أريدت نفسه أو ماله أو حرمته دفع عن ذلك بأسهل ما يعلم أنه يندفع به قاله أبو محمد المقدسي والسامرى.   1 الساباط: سقيفة بين حائطين أو دارين من تحتها طريق نافذ لسان العرب "3/1923". 2 هو أبو عبد الله مهنا بن يحيى الشامي من كبار أصحاب الإمام أحمد لازمه ثلاثا وأربعين سنة إلى أن مات وروى عنه كثيرا من المسائل وهو راوي رسالة "الصلاة" عن أحمد بن حنبل والذي أورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة "1/348 – 380" انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "1/345 – 381". 3 جميع ميزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وقال في الترغيب والمحرر يدفعه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به. واختار أبو محمد المقدسي وغيره له دفعة بالأسهل إن خاف أن يبدره فإن قتل الدافع فهو شهيد وإن قتل المدفوع فلا ضمان فيه. ولنا احتمال وجه قاله في الترغيب إن أمكن المدفوع الخلاص من الدافع بدخول حصن أو صعود قلعة أو جبل أو الاختفاء بزحمة وماشا كل ذلك لم يجز له دفعه بالقتل والضرب جزم به صاحب المستوعب. وسواء كان الصائل1 آدميا أو بهيمة هكذا جزم الأصحاب به في باب الصائل فيما وقفت عليه من كتبهم وأنه حيث أبحنا له القتل فلا ضمان. وقال أبو بكر عبد العزيز في تنبيهه إنه إذا قتل صيدا صائلا عليه الجزاء وذكر صاحب الترغيب فرعين. أحدهما لو حال بين المضطر وبين الطعام بهيمة لا تندفع إلا بالقتل جاز له قتلها وهل يضمنها على وجهين. الفرع الثانى لو تدحرج إناء من علو على رأسه فكسره دفعا عن نفسه بشيء تلقاه به فهل يضمنه على وجهين مع جواز دفعه. وجزم صاحب الترغيب في باب الأطعمة أن المضطر إلى طعام الغير وصاحبه مستغن عنه إذا قتله المضطر فلا ضمان عليه إذا قلنا بجواز مقاتلته وحكى في جواز المقاتلة وجهين. قلت: والمنع قول ابن أبى موسى والجواز قول أبى الخطاب والشيخ أبى محمد وغيرهما. ونقل عبد الله عن أبيه أنه كره المقاتلة فهذا مشكل فإنه يلزمه على قول أبى بكر تخريج قول أنه إذا قتل إنسانا صائلا عليه أنه يضمنه كالصيد. ثم وجدت الحارثى في كتاب الغصب خرج ضمان الصائل على قول أبى بكر في ضمان الصيد الصائل على المحرم.   1 هو المعتمد على غيره الذي يضرب الناس ويتطاول عليهم لسان العرب "4/2528". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ويلزم على الفرعين اللذين ذكرهما صاحب الترغيب أنه يخرج لنا وجه أنه إذا قتل المضطر صاحب الطعام المستغنى عنه أنه يضمنه إلا أن يفرق بفرق مؤثر فيمتنع التخريج والله أعلم. ومنها: لو عض إنسان أنسانا فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا هذا هو المذهب وقال جماعة من الأصحاب يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل. ومنها: لو نظر إنسان في البيت إنسان فحذف عينه ففقأها فلا شيء عليه. وقال بعض أصحابنا وسواء كان الباب مفتوحا أو نظر من خصاص1 الباب ونحوه وكان مغلوقا ظاهر كلام الإمام أحمد أنه يعتبر من هذا أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك وقال ابن حامد يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل. وقال بعض أصحابنا إذا كان في الدار نساء من محارمه ولم يكن متجردات ليس لصاحب الدار رميه وخالف صاحب المغنى في ذلك وقال ولو خلت من نساء فحذف2 عينه ونحو ذلك فهدر. ولو كان أعمى وتسمع لم يجز طعن أذنه وأجازه ابن عقيل وقال لا ضمان فيه هكذا ذكر الأصحاب الأعمى إذا تسمع وحكوا فيه القولين. والذي يظهر أن المتسمع البصير يلحق بالناظر على قول ابن عقيل سواء كان أعمى أو بصيرا. ومنها: لو وطىء زوجته الكبيرة المحتملة للوطء وفتقها فإنه لا يضمنها جزم به في الهداية والمغنى والترغيب والمستوعب وغيرهم. وههنا مسألة مشكلة وهى أن قضاء رمضان على التراخى جزم به غير واحد من الأصحاب وعزاه في الخلاف إلى نص أحمد وذكره القاضى في الخلاف في الزكاة على الفور واحتج بنصه في الكفارة.   1 خصاص الباب: كوة أو خلل أو ثقب بالباب لسان العرب "2/1173". 2 أي ضرب أو أصاب عينه لسان العرب "2/810". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فعلى قول القاضى لا إشكال وعلى قول الجمهور القضاء على التراخى ومع هذا قالوا: إذا أمكنه القضاء فلم يقض فإنه يلزمه الإطعام لكل مسكين يوم. ومقتضى ما تقرر من قاعدة المذهب أنه لا يلزمه شيء لكن روى الإطعام عن ابن عباس باسناد جيد ورواه البيهقى بإسناد صححه عن أبى هريرة رضى الله عنه ورواه مرفوعا بإسناد ضعيف وكذلك روى طائفة من الأصحاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 القاعدة 16 ... مسألة 16 إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر وقت العبادة الموسعة تضيقت العبادة عليه ولا يجوز تأخيرها عن الوقت الذي غلب على ظنه أنه لا يبقى بعده لأن الظن مناط التعبد. وقد استفدنا من هذا التعليل أن ذكر الوقت وقع على سبيل المثال وأن الضابط في ذلك هو ظن الإخراج عن وقته بأى سبب كان. إذا علمت فمن فروع المسألة: أن تعتاد المستحاضة انقطاع دمها في وقت بعينه يتسع لفعل الصلاة فإن الفرض بتضيق عليها ذكره الأصحاب. قلت: وقياسه أن تعتاد المرأة وجود الحيض في أثناء الوقت من يوم معين فإن الفرض يتضيق عليها. ثم وجدت غير واحد من الأصحاب صرح بجواز تأخير الصلاة في الوقت الموسع ما لم يظن مانعا من الفعل كموت وقتل وحيض ونحوه وكذا من يقدر على شرطها في أول الوقت دون آخره ليس له تأخيرها عند وجود الشرط. ونقل بعض أصحابنا الإجماع على إثم من أخر الواجب الموسع مع ظن مانع من موت أو غيره ونقل بعضهم يأثم مع عدم ظن البقاء إجماعا. فإذا فعل المكلف العبادة مع ظن المانع فلا كلام وأما إذا لم يبادر وبان له خطأ ظنه بأن عاش ففعل بعد الوقت الذي ظنه فقال القاضيان أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 بكر والحسين1 يكون ما فعله قضاء وقال أصحابنا وغيرهم إذا كان ظنه قد بان خطأ. إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة عدة. إذا باع مال أبيه يظن حياته ثم بان ميتا فهل يصح البيع أم لا؟ في المسألة قولان وقيل روايتان مدركهما ما ذكرنا وكذلك إذا باع مال غيره يظن أنه لم يوكل فيه ثم بان أنه وكل فيه ففي صحة البيع وجهان. ومنها: إذا طلق امرأته يظنها أجنبية فبانت زوجته هل تطلق أم لا في المسألة روايتان. ومنها: لو لقى امرأة في الطريق فقال تنحى يا حرة فإذا هى أمته ففيها الخلاف أيضا ونص أحمد على ذلك وفي المغنى احتمال بالتفريق لأن هذا يقال كثيرا في الطريق. ومنها: لو أمره غيره باعتاق عبد يظن أنه للآخر فتبين أنه عبده هل يعتق أم لا قال صاحب التلخيص يحتمل تخريجه على من أعتق عبدا في ظلمة ثم تبين أنه عبده لكن يرجع هنا على الآمر بالقيمة لتغريره له ويحتمل أن لا ينفذ لتغريره بخلاف ما إذا لم يغره أحد فإنه غير مغرور فينفذ عتقه لمصادفته ملكه إذ المخاطبة بالعتق لعبد الغير شبيهة بعتق الهازل والمتلاعب فينفذ وكذا في الطلاق. قال شيخنا ونظير هذا في الطلاق أن يوكل شخصا في تطليق زوجته ويشير إلى امرأة معينة فيطلقها ظانا أنها امرأة الموكل ثم يتبين أبها امرأته. ومنها: لو اشترى آبقا2 يظن أنه لا يقدر على تخليصه فبان بخلاف   1 هو الفقيه الشافعي: القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروزي أو المرورذي [ت 462هـ] من مصنفاته: "التعليق الكبير" و"لباب التهذيب" وهو مختصر "التهذيب" للبغوي و"شرح فروع ابن الحداد" في الفقه و"أسرار الفقه". 2 من الإباق وهو: هرب العبيد وذهابهم من غير خوف ولا كد عمل لسان العرب "1/9". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ذلك فهل يصح العقد أم لا في المسألة وجهان لاعتقاده فقد شرط الصحة وهو موجود في الباطن. وفي المغنى احتمال ثالث بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع في حقه لأنه متلاعب وبين من لا يعلم ذلك فيصح لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلا وقد تبين وجود شرط الصحة. فبهذا تبين أن للمسألة التفاتا إلى مسألة بيع الهازل والمشهور بطلانه وهو قول القاضى وقال أبو الخطاب في انتصاره هو صحيح. ومنها: لو وطىء زوجته ظانا أنها أجنبية فهل تحل لمن طلقها ثلاثا أم لا في المسألة قولان المذهب أنها تحل ويأثم على نيته. ومنها: إذا صلى خلف شخص يظنه غير مبتدع وقلنا لا تصح إمامته فبان بعد الصلاة مبتدعا أعاد ذكره في الفصول لأن المبتدع لا يؤم بخلاف المحدث فإن المتيمم يؤم. ومنها: لو ظن سجود سهو فسجد ثم تيقن أن لا سهو قال في التلخيص يسجد سجدتى السهو لزيادة السجدتين ولنا وجه لا سجود فيه. ومنها: إذا حمل نجاسة ظانا أنها من الطاهرات ثم تبين له أنها نجاسة هل تلزمه إعادة أم لا في المسألة روايتان بناء على الروايتين فيمن صلى ثم وجد عليه نجاسة بعد الصلاة لم يكن علم بها. ومنها: لو دعا امرأة محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة فعليه الحد سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة أو لم تكن جزم به صاحب المغنى لأنه لا يعذر بهذا قال كما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا. ومنها: لو قتل من يظنه أو يعلمه ذميا أو عبدا فبان أنه قد عتق أو أسلم أو قتل رجلا يظنه قاتل أبيه فلم يكن فهل يجب القود أم لا؟ في المسألة قولان المذهب وجوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فعلى المذهب لو ظنه أو علمه مرتدا فبان أنه قد أسلم ففي وجوب القود قولان. ومنها: لو رمى شيئا يظنه حجرا فإذا هو صيد فهل يحل أم لا المذهب أنه لا يحل وأبدى أبو الخطاب احتمالا بالحل واختاره الشيخ أبو محمد وقال ولو شك هل هو صيد أم لا أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يبح قال في الترغيب ولو سمع حسا يظنه آدميا فصادف صيدا فهو حرام. قلت: ولم يذكر فيها احتمال أبى الخطاب فيما إذا ظنه حجرا فإذا هو صيد ويمكن الفرق بينهما بإباحة رمى الحجر إذا ظنه حجرا دون رمى الآدمى. ومنها: إذا غلب على ظنه أن صلاته قد تمت فتكلم ثم تبين أنها لم تتم فثلاث روايات ثالثتها تبطل صلاة المأموم دون الإمام هذا أحد الطريقين للأصحاب. ومنها: لو أكل يظن أو يعتقد أنه ليل فبان نهارا في أوله أو آخره فهل يجب القضاء أم لا المذهب وجوب القضاء. وحكى صاحب الرعاية رواية لا قضاء على من جامع يعتقده ليلا فبان نهارا واختاره أبو العباس. واختار صاحب الرعاية إن أكل يظن بقاء الليل فأخطأ لم يقض لجهله وإن ظن دخوله فأخطأ قضى. ومنها: إذا بلع مال غيره وقلنا يشق جوفه مطلقا فظنه له فبان لغيره فهل يشق جوفه فيه وجهان. ومنها: لو صلوا صلاة الخوف لشيء ظنوه عدوا فبان ليس بعدو هل تلزمهم الإعادة أم لا المذهب تلزمهم. وقيل لا تلزمهم وحكاه ابن هبيرة رواية عن الإمام أحمد. وإن بان بينهم وبينه مانع أعادوا على المذهب كما لو ترك غسل رجليه ومسح على خفيه ظنا منه أن ذلك يجزىء فبانا مخرقين وكما لو ظن المحدث أنه متطهر فصلى ثم بان محدثا وأبدى صاحب المغنى احتمالا بعدم الإعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وإن بان ولكن يقصد غيرهم فلا إعادة في أصح القولين كما لا يعيد من خاف عدوا في تخلفه عن رفيقه فصلاها ثم بان أمن الطريق. ومنها: لو رأى سوادا فظنه عدوا أو سبعا فتيمم وصلى ثم بان بخلافه فهل تلزمه الإعادة فيه وجهان ذكرهما أبو البركات وغيره وصحح عدم الإعادة لكثرة البلوى بذلك في الأسفار بخلاف صلاة الخوف فإنها نادرة في نفسها وهى كذلك أندر. ومنها: لو حلف على شيء يظنه فبان بخلافه فهل يحنث أم لا؟ في المسألة روايتان قال جماعة من أصحابنا إن محل الروايتين في غير الطلاق والعتاق فيحنث فيهما جزما. وقال أبو العباس الخلاف في مذهب أحمد جار في الجميع قال وكذلك لو خالع وفعل المحلوف عليه معتقدا أن الفعل بعد الخلع لم تتناوله يمينه أو فعل المحلوف عليه معتقدا زوال النكاح ولم يكن كذلك. ومنها: لو أسلم كافر ولم يعلم بوجوب الصلاة والصيام عليه ثم علم بعد مدة فهل يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة والصيام قبل علمه أم لا في المسألة قولان المذهب لزوم الإعادة. وذكر القاضى قولا آخر لا إعادة عليه واختاره أبو العباس قال والقولان في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع كمن لم يتيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به أو لم يترك أو أكل حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لظنه ذلك أو لم تصل مستحاضة ونحو ذلك الأصح لا قضاء ولا إثم اتفاقا إذا لم يقصر. ومن أصحابنا من فصل بين الحربى وغيره فقال الحربى لا يلزمه إعادة ويلزم غيره. وللمسألة التفات إلى أصل آخر وهى أن الشرائع هل تلزم قبل العلم أم لا في المسألة قولان لنا ذكرهما أبو العباس. ومنها: لو نسى الماء وتيمم فإنه تلزمه الإعادة إذا بان له الخطأ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 أصح الروايتين وكما لو نسى الرقبة وكفر بالصوم وخرج فيها بعض المتأخرين رواية من مسألة الماء. ومنها: لو صلى خلف من يظنه طاهرا من الأحداث فبان محدثا وجهل هو والمأموم حتى فرغت الصلاة فلا إعادة على المأموم في أصح الروايتين وعن الإمام أحمد رواية في لزوم الإعادة كالإمام اختارها أبو الخطاب في انتصاره. ومنها: لو قال لزوجته إن خرجت بغير إذنى فأنت طالق ثم أذن لها فخرجت ظنا أنه لم يأذن فهل تطلق أم لا في المسألة وجهان المذهب المنصوص أنها تطلق لأن المحلوف عليه قد وجد وهو خروجها على وجه المشاقة والمخالفة فإنها أقدمت على ذلك. ومنها: لو وكل شخصا في التصرف في شيء ثم عزله ولم يعلم الوكيل بالعزل أو مات الموكل ثم تصرف الوكيل بعد ذلك بناء على الوكالة المتقدمة هل يصح تصدقه أم لا في المسألة روايتان المذهب الذي أختاره الأكثر أنه لا يصح وذكر أبو العباس وجها بالفرق بين موت الموكل وعزله حينئذ فينعزل بالموت لا بالعزل. قال القاضى أبو يعلى محل الروايتين فيما إذا عزله الموكل وفيما كان الموكل فيه باقيا في ملك الموكل أما إن أخرجه من ملكه بعتق أو بيع فتنفسخ الوكالة بذلك وجزم به. وفرق القاضى بين موت الموكل أنه لا ينعزل الوكيل على رواية وبين إخراج الموكل فيه من ملك الموكل بعتق أو بيع أنه ينعزل جزما بأن حكم الملك في العتق والبيع قد زال وفي موت الموكل السلعة باقية على حكم ملكه. قال أبو العباس في هذا نظر فإن الانتقال بالموت أقوى منه بالبيع والعتق فإن هذا يمكن الموكل الاحتراز منه فيكون بمنزلة عزله بالقول وذاك زال بفعل الله تعالى. ومنها: إذا أذن المرتهن للراهن في التصرف ثم رجع قبل تصرف الراهن ولم يعلم بذلك حتى تصرف هل ينفذ أم لا فإنه يخرج على الروايتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 في مسألة الوكيل. ومنها: لو لم يعلم وجود الأقرب في أولياء النكاح حتى زوج الأبعد فهل يصح النكاح أم لا؟ يقتضى كلام صاحب الكافي تخريج المسألة على الروايتين في انعزال الوكيل قبل علمه بالعزل. ورجح أبو العباس وشيخنا الصحة هنا. وقد يقال كلام صاحب الكافي ليس في هذه الصورة لأنه إنما ذكر الخلاف فيما إذا كان الأقرب فاسقا أو مجنونا وعادت ولايته بزوال المانع فزوج الأبعد من غير علم بعود ولاية الأقرب وإذا لم يعلم الولى بالأقرب بالكلية فلم يتعرض لها. وقد يفرق بينهما بأن النسب الأقرب إذا لم يعلم ولم ينسب الأبعد إلى تفريط فهو غير مقدور على استئذانه فيسقط بعدم العلم كما يسقط بالأبعد لأنه حينئذ غير منسوب إلى تفريط بخلاف ما إذا كان الأقرب فيه مانع زوال فإن الأبعد ينسب إلى تفريط إذا كان يمكنه حالة العقد معرفة حال الأقرب والله أعلم. ومنها: الحاكم هل ينعزل قبل علمه بالعزل أم لا قال القاضى وأبو الخطاب فيه الخلاف الذي في الوكيل وفي التلخيص لا ينعزل قبل العلم بغير خلاف ورجحه أبو العباس لأن ولايته حقا لله. وإن قيل إنه وكيل فهو شبيه بنسخ الأحكام لا تثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح بخلاف الوكالة المحضة. ومنها: عقود المشاركات كالشركة1 والمضاربة2 المشهور في   1 هي الإجتماع في استحقاق أو تصرف المغني "5/109". 2 المضاربة: أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه وسمي مضاربة من الضرب في الأرض أو من شرب كل واحد منهما في الربح بسهم "المغني "5/134". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المذهب أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة وقال ابن عقيل الأليق بمذهبنا في المضاربة والشركة لا تنفسخ بفسخ المضارب حتى يعلم رب المال والشريك لأنه ذريعة إلى عامة الإضرار وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح. ومنها: لو احتال على شخص ظنه مليئا ورضى بالحوالة1 ثم بان مفلسا أو ميتا فهل يرجع على المحيل أم لا في المسألة روايتان المذهب لا يرجع وإن لم يرض رجع قولا واحدا. ومنها: لو غصب طعاما من إنسان ثم أباحه له المالك ثم أكله الغاصب غير عالم بالإذن فهل يضمن أم لا ذكر أبو الخطاب في انتصاره أنه يضمن. قال شيخنا أبو الفرج والصواب الجزم بعدم الضمان لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون كمن وطىء امرأة يظنها أجنبية فبانت زوجته فإنه لا مهر عليه ولا غيره وكما لو أكل في الصوم يظن أن الشمس لم تغرب فبان أنها غربت فإنه لا يلزمه القضاء. ومنها: لو أنفق على المطلقة البائن يظنها حاملا ثم بانت حائلا فهل يرجع بالنفقة أم لا؟ في المسألة روايتان والمذهب الرجوع. وذكر صاحب الوسيلة من أصحابنا أنه إذا نفي الولد باللعان هل يرجع عليها بالنفقة على روايتين ولو لم ينفق عليها يظنها حائلا2 ثم بانت حاملا رجعت عليه في أصح الروايتين. ومنها: إذا مس المحرم طيبا يظن أنه يابسا لا يعلق بيده فبان رطبا ففي وجوب الفدية عليه وجهان ذكرهما أبو محمد وغيره.   1 مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة وهي عقد اعتبره البعض عقد بيع للإرفاق بالناس وهو منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره كما أنها لازمة بمجرد العقد ويعتبر في صحتها رضى المحيل المغني "4/521, 522". 2 المرأة الحائل هي التي لم تحمل وتطلق لفظه "حائل" على كل امرأة ينقطع حمله سنة أو سنوات حتى تحمل لسان العرب "2/1057". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ومنها: الملاعنة1 إذا أنفقت على الولد ثم استلحقه الملاعن رجعت عليه ذكره صاحب المغنى قال لأنها إنما أنفقت عليه لظنها أنه لا أب له. ومنها: إذا قلنا بشرط الشهادة في النكاح ويكفي مستور الحال فعقد العقد بمستورى الحال ثم تبين بعد العقد أنهما كانا فاسقين حالة العقد فهل يتبين أن العقد لم ينعقد أم لا قال القاضى وابن عقيل تبين أن النكاح لم ينعقد وقال صاحب المغنى ينعقد لوجود شرط النكاح ظاهرا. منها: لو ظن دخول وقت الصلاة فصلى ثم بان أن الوقت لم يدخل فهل تلزمه الإعادة أم لا جزم الأصحاب بوجوب الإعادة. ومنها: لو ظن أن عليه زكاة فأخرجها ثم بان أنه لا شئ عليه قال القاضى لا يرجع ويأتى تخريجه فيما بعد في قاعدة إذا أبطل العموم هل يبطل الخصوص؟ ومنها: إذا اشتبهت الأشهر على الأسير فيتحرى ويصوم شهرا فلو تحرى وصام شهرا فبان قبل رمضان فهل تلزمه الإعادة أم لا نص الإمام أحمد على لزوم الإعادة وجزم به الأصحاب. ومنها: إذا خفيت عليه القبلة في السفر فإنه يتحرى ولا تلزم الإعادة إذا بان له الخطأ. وخرج ابن عقيل رواية بالإعادة من إحدى الروايتين إذا بان آخذ الزكاة غنيا وظنه فقيرا. وفرق الأصحاب بين القبلة وبين الوقت وأخذ الزكاة بأنه يمكنه اليقين في   1 الملاعنة واللعان مشتق من اللعن لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في المرة الخامسة إن كان كاذبا وصفته إذا قذف الرجل زوجته أو رماها برجل أنه زنى بها أن يلاعن بينهما الإمام فيبدئ بالرجل ويقفه حتى يقول: أشهد أنها زنت بفلان وإنه لصادق فيما يقول فإذا قال ذلك أربع مرات قال في الخامسة: وعليه لعنة الله إن كان من الكاذبين فيما رماها به. ثم تقام المرأة فتقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم تقول في الخامسة: وعليها غضب الله إن كان من الصادقين فإذا فرغت من ذلك بانت منه فلم تحل له أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الصلاة والصوم بأن يؤخر وفي الزكاة بأن تدفع إلى الإمام. ومنها: إذا أكل الصائمون عدة شعبان على ظن بقائه ثم كذب ظنهم في النهار وجب القضاء خلافا لأبى العباس ويلزمهم الإمساك جزما. ومنها: إذا أكمل الحاج ذا القعدة ووقفوا في التاسع من ذى الحجة بناء على ظنهم فاختلف ظنهم بأن وقفوا العاشر أو الثامن أجزأ نص عليه وإن فعله عدد يسير قاله في الانتصار وفي الكافي والمحرر فقد فاته الحج. ومنها: لو وطىء أمة يظنها مملوكته أو حرة يظنها زوجته فأخلف ظنه وجبت العدة ومهر المثل. ومنها: لو ظن من خفيت عليه القبلة جهة باجتهاده وصلى إلى غيرها ثم بان هى القبلة أى التى صلى إليها بغير القبلة فهل تلزمه الإعادة أم لا المذهب لزوم الإعادة لتركه الواجب ولنا قول لا إعادة عليه. ومنها: لو ظن الأسير أن الشهر لم يدخل فصام ثم تبين أن الذي صامه هو شهر رمضان هل يجزئه أم لا جزم الأصحاب بأنه لا يجزئه ويخرج فيها وجه من التى قبلها. ومنها: لو ظن كفر شخص أو حدثه فأتم به فبان خلافه لزمه الإعادة ذكره الأصحاب محل وفاق. ومنها: لو دفع الزكاة إلى من يظنه مستحقا لها فبان غنيا هل يجزيه أم لا في المسألة روايتان المذهب الإجزاء للمشقة لخفاء ذلك عادة واختار الآجرى وصاحب المحرر وغيرهما عدم الأجزاء. وإن بان الآخذ كافرا أو عبدا أو من ذوى القربى فطريقان للأصحاب إحداهما هو كالغنى والثانية لا يجزيه قطعا. وإن بان الآخذ نسبيا للدافع الذي لا يجوز الدفع إليه فكذلك عند أصحابنا والمنصوص عن أحمد أنه يجزى واختاره صاحب المحرر. وإن بان الآخذ عند رب المال لم يجزئه وجها واحدا لأنها لم تخرج من ملكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ومنها: لو دفع الزكاة إلى من يظنه غير أهل للزكاة فبان أهلا لها لم يجزئه جزم به الأصحاب ويخرج فيها وجه. ومنها: ما سئل عنه الإمام أحمد عن إمام صلى بقوم العصر فظنها الظهر وطول القراءة ثم ذكر فقال يعيد وإعادتهم تبنى على اقتداء مفترض بمنتفل. ومنها: لو أحرم بفرض من رباعية ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة أو فجرا أو التراويح ثم ذكر بطل فرضه ولم يبن نص عليه وأبدى بعض المتأخرين تخريجا بالبناء مما إذا سلم ظانا تمام صلاته ولم تكن تمت. ومنها: لو حكم بشاهدين ممن يشرع الحكم بشهادتهما ظاهرا ثم بانا كافرين أو فاسقين فهل ينقض الحاكم حكمه أم لا إن بانا كافرين نقض جزما وإن بانا فاسقين فروايتان المذهب النقض. ورجح ابن عقيل في الفنون عدمه وجزم به القاضى في كتاب الصيد من خلافه والآمدي لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. ومنها: لو توضأ بما يجوز له الطهارة به طاهرا ثم بان نجسا فهل تلزمه إعادة أم لا نقل الجماعة عن الإمام أحمد لزوم الإعادة. وقال صاحب الرعاية لا إعادة عليه إن لم نقل إزالة النجاسة شرط قلت: وما قاله ضعيف جدا. ومنها: لو ظن ولى الدم أنه اقتص من الجانى في النفس فلم يكن ودواه حتى برىء فإن شاء الولى دفع إليه ديته فعله وقتله وإلا تركه. هذا رأى عمر وعلى ويعلى بن أمية1 رضي الله عنهم ذكره الإمام عنهم. وقريب من هذا الأصل هل يعتبر ما في نفس الأمر أو يعتبر المأمور ظاهرا لنا في المسائل قولان.   1 هو الصحابي يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي المكي أسلم يوم الفتح وشهد معركة تبوك كان والي عثمان بن عفان على اليمن توفي حوالي سنة "60" هجرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ومنها: إذا اشتبه عليه الماء الطاهر بالطهور1 فمذهبنا يتوضأ بينهما وضوءا واحدا وقيل من كل واحد وضوءا كاملا. فلو ترك فرضه وتوضأ من واحد فقط ثم بان مصيبا فهل تلزمه الإعادة وقال القاضى أبو الحسين2 لا إعادة عليه. ومنها: لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد ولا تقليد ثم بان مصيبا فهل تلزمه الإعادة أم لا في المسألة قولان المذهب لزوم الإعادة. ومنها: لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر ثم تبين أنه كان ميتا أو أنه طلقها قبل ذلك بمدة تنقضى فيها العدة فهل يصح النكاح أم لا؟ في المسألة قولان ذكرهما القاضى ورجح صاحب المغنى عدم الصحة. ومنها: لو ارتابت المعتدة فإنها لا تزال في عدة حتى تزول الريبة فلو انقضت عدتها وبقيت مرتابة ثم تزوجت قبل زوال الريبة وبان أن لا حمل فهل يصح نكاحها أم لا في المسألة قولان والصحيح من المذهب لا يصح. ومنها: لا يصح اقتداء الرجل ولا الخنثى بالخنثى في الصلاة فإن صلى خلف من يعلمه خنثى ثم بان بعد الصلاة رجلا لزمته الإعادة على الصحيح وفيه وجه لا يعيد إذا علمه خنثى أو جهل إشكاله. ومنها: لو شك ماسح الخف في بقاء المدة فإنه لا يمسح فإن مسح فبان بقاء المدة ففي صحة وضوئه وجهان المذهب الصحة.   1 الماء الطهور هو الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره المغني "1/7 – 8". 2 هو القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء من تصانيفه "رؤوس لمسائل" "المفردات في أصول الفقه" "التمام لكتاب الروايتين والوجهين" لأبيه انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/176 – 177" وشذرات الذهب "6/130". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 القاعدة 17 ما لا يتم الواجب إلا به. للناس في ضبطه طريقان: إحداهما: وعى طريقة الغزالى وأبى محمد المقدسي وغيرهما أنه ينقسم إلى: غير مقدور كالقدرة والأعضاء وإلى فعل غيره كالإمام والعدد في الجمعة فلا يكون واجبا. وإلى ما يكون مقدورا له كالطهارة وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر فيكون واجبا. قال أبو البركات وهذا ضعيف في القسم الأول إذ لا واجب هناك وفي الثانى باطل باكتساب المال في الحج والكفارات ونحو ذلك. الطريقة الثانية: أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب كالقسم الأول وكالمال في الحج والكفارات. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقا وهذه طريقة الأكثرين من أصحابنا وغيرهم. قال أبو البركات وهى أصح وسواء كان شرطا وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم أو سببا وهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. وقال بعض الأصوليين يكون أمرا بالسبب دون الشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وقال بعضهم لا يكون أمرا بواحد منهما حكاه ابن الحاجب في المختصر الكبير واختاره في مختصره. المعروف في الشرط أنه أن كان شرطا شرعيا وجب وإن كان عقليا أو عاديا فلا. إذا علمت ذلك فيتفرع على هذه القاعدة فروع كثيرة. منها: هل يجب على الصائم إمساك جزء من الليل أم لا؟ في المسألة قولان قال ابن الجوزي أصحهما لا يجب. وقطع جماعة بوجوبه وذكره ابن عقيل في الفنون وأبو يعلى الصغير وفاقا في صوم ليلة الغيم وذكره القاضى في الخلاف في النية من الليل ظاهر كلام أحمد وأنه مذهبنا. ومنها: إذا اشتبهت زوجته بأجنبية فيجب عليه الكف عن الجميع ومثله لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات بعشر فهل له أن ينكح واحدة منهن أم لا؟ في المسألة وجهان. أحدهما الجواز كالقبيلة الكبيرة. والثانى المنع لدون العشر. وحيث قلنا بالجواز فهل يلزمه التحرى أم لا؟ في المسألة وجهان. قال بعض متأخرى أصحابنا يتوجه مثل هذه المسألة في اشتباه الميتة بالمذكاة. قال الإمام أحمد رضى الله عنه أما شاتان فلا يجوز فأما إذا كثر فهذا غير هذا ونقل الأثرم أنه قيل للإمام أحمد فثلاثة قال لا أدرى. ومنها: إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس فهل يجوز له التحرى أم لا؟ إن كان النجس مساويا للطاهر أو أكثر فلا يجوز له التحرى ويجب عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الكف عنه بلا خلاف صرح به غير واحد من الأصحاب. وإن كثر عدد الطاهر فهل يجوز له التحرى أم لا؟ المذهب عدم الجواز. ولنا رواية بالجواز وهى ظاهر كلامه في رواية المروذى واختارها أبو بكر وابن شاقلا وأبو على النجاد1 وصححها ابن عقيل. وهل يكتفي بمطلق الزيادة أو يعتبر ذلك بعشرة أوان طاهرة منها واحد نجس أو عشرة طاهرة وواحد نجس وبما هو كثير عادة وعرفا فيه أقوال للأصحاب. ومنها: إذا اشتبه عليه الماء الطاهر بالطهور فإنه يلزمه استعمالهما لتبرأ ذمته بيقين وهل يتوضأ وضوءا كاملا من كل واحد منهما أو منهما وضوءا واحدا في المسألة وجهان. ومنها: إذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة فإنه يلزمه أن يصلى بعدد النجس ويزيد صلاة وينوى بكل صلاة الفرض نص على ذلك الإمام أحمد ولا يتحرى. وقال ابن عقيل يتحرى إذا كثرت الثياب النجسة للمشقة وقال في فنونه ومناظراته يتحرى مطلقا. وخرج أبو الخطاب وغيره على منصوص الإمام أحمد في الثياب المشتبهة وجوب الصلاة إلى أربع جهات وهو رواية في التبصرة قال القاضى وغيره الأمر بذلك أمر بالخطأ فلهذا أمر بالاجتهاد. ومنها: لو غصب زيتا فخلطه بمثله هل يجوز له التصرف فيه أم لا؟ قال الإمام أحمد في رواية أبى طالب هذا قد اختلط أوله وآخره وأعجب إلى أن يتنزه عنه كله يتصدق به وأنكر قول من قال يخرج منه قدر ما خالطه.   1 هو الحسن بن محمد بن عبد الله النجاد الصغير فقيه وأصولي من طبقة البربهاري [ت 360هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/140 -142" شذرات الذهب "4/319". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 واختار ابن عقيل في فنونه التحريم لامتزاج الحرام بالحلال واستحالة انفراد أحدهما عن الآخر وعلى هذا بنى على أنه اشتراك. وعن أحمد رواية أخرى أنه استهلاك فيخرج قدر الحرام ولو من غيره قاله شيخنا. ومنها: الأكل من ماله من في ماله حرام هل يجوز أم لا؟ في المسألة أربعة أقوال. أحدها التحريم مطلقا قطع به شرف الإسلام عبد الوهاب بن أبى الفرج1 في كتابه المنخب قبيل باب الصيد وعلل القاضى وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هناك لاختلاط الأموال لأخذهم المال من غير جهته ووضعه في غير حقه. وقال الأزجى في نهايته هذا قياس المذهب كما قلنا في اشتباه الأوانى الطاهرة بالنجسة وقدمه أبو الخطاب في انتصاره. وقال ابن عقيل في فنونه في مسألة اشتباه الأوانى وقد قال الإمام أحمد لا يعجبنى أن يأكل منه وسأل المروذى أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده قال لا قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله2 وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوقوف عند الشبهة. والقول الثانى إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل والإ فلا قدمه في الرعاية لأن الثلث ضابط في مواضع.   1 هو عبد الوهاب بن عبد الواحد بن علي الشيرازي المتوفي سنة [536هـ] و"المنتخب" مصنف له في الفقه الحنبلي انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص "208". 2 نص الحديث: عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا ومؤكله والواشمة والمستوشمة والمصور البخاري كتاب اللباس رقم: "5962". وفي مسلم: عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: "هم سواء" كتاب المساقاة رقم: "1598". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرم وألا فلا إقامة للأكثر مقام الكل قطع به ابن الجوزي في المنهاج1. نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد فيمن ورث مالا فيه حرام إن عرف شيئا بعينه رده وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه أو نحو هذا. ونقل عنه حرب في الرجل يخلف مالا إن كان غالبه نهبا أو ربا ينبغى لوارثه أن يتنزه عنه إلا أن يكون لا يعرف. ونقل عنه أيضا هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالا مضاربة ينفعهم وينتفع قال إن كان غالبه الحرام فلا. الرابع: عدم التحريم مطلقا قل الحرام أو كثر لكن يكره وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلت: هـ جزم به في المغنى وقاله ابن عقيل في فصوله وغيره وقدمه الأزجى وغيره. ومنها: لو طلق إحدى زوجتيه ولم ينو معينة حرمتا إلى البيان وبماذا يحصل روايتان المذهب بالقرعة والثانية بتعيينه فعليهما هل وطؤه تعيين أم لا في المسألة وجهان والذي ذكره القاضى أنه ليس بتعيين. ومنها: لو طلق معينة ونسيها أو قال إن كان هذا الطائر غرابا. فهذه طالق وإن لم يكن فهذه وجهل فعن الإمام أحمد روايتان. إحداهما يجتنبها حتى يتبين بناء على القاعدة اختاره الشيخ أبو محمد. والثانية: نقلها الجماعة واختارها أكثر الأصحاب أنها تخرج بالقرعة. ومنها: لو قال الزوج إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتى طالق ثلاثا وقال الآخر إن لم يكن غرابا فزوجتى طالق ثلاثا ولم يدر ما الطائر وجب الكف في أصح الوجهين. ومنها: الذبيحة في بلدة فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون فلا يجوز   1 وتمامه: "منهاج الوصول إلى علم الأصول" مصنف في أصول الفقه لأبي الفرج عبد الرحمن انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/416". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أكلها وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس للحديث المتفق عليه "إذا أرسلت كلبك فخالط كلابا لم تسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدرى أيها قتله"؟ 1 فأما إن كان ذلك في بلد الإسلام فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم مالا يحل بيعه ظاهرا قاله في المغنى. ومنها: لو نسى صلاة من خمس فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا؟ المذهب عندنا لزوم قضاء الخمس وينوى بكل واحدة الفرض وعنه يلزمه مغرب وفجر ورباعية بناء على أن نية التعيين لا تشترط. ومنها: لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فإنه يغسل الجميع ويكفنون ويصلى عليهم سواء كان من يصلى عليه أكثر أو أقل وسواء دار الحرب وغيرها صلى على الجميع ينوى بالصلاة المسلم. وعن أحمد رواية أخرى إن اختلط المسلمون بالكفار في دار الحرب فلا صلاة حكاها القاضى في شرحه الصغير2 والمذهب الأول وأما دفنهم فقال الإمام أحمد إن قدروا دفنوهم منفردين وإلا مع المسلمين. ومنها: غسل المرفقين في الوضوء والمذهب عندنا وجوبه وعن الإمام أحمد رواية أخرى لا يجب.   1 رواه البخاري باللفظ التالي: عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل. وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به أثر سهم فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل" كتاب الذبائح والصيد رقم: "5484" وفي النسائي عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال: "إذا أرسلت كلبك فخالطته أكلب لم تسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله" كتاب الصيد والذبائح رقم: "4268" كما رواه ابن ماجه بلفظ آخر كتاب الصيد رقم: "3208". 2 للقاضي أبي يعلى "شرح المذهب" و"شرح الخرقي" ولا يدري إلى أيهما يشير المصنف انظر طبقات الحنابلة "2/205 – 206". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ومنها: لو خلق له يدان وكانتا متساويتين ولم يعلم الأصلية منهما فإنه يجب عليه غسلهما. ومنها: لو خفي عليه موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها. ومنها: لو كان تحت أظفاره وسخ يسير يمنع وصول الماء إلى ما تحته فإنه لا تصح طهارته حتى يزيله. ولنا وجه أنه تصح طهارته ولو لم يزله واختاره أبو العباس وعزاه إلى كل يسير يمنع وصول الماء حيث كان كدم وعجين. ومنها: المبتدأة إذا قلنا على المذهب إنها تجلس يوما وليلة لم يجز لزوجها وطؤها بعد اليوم والليلة قبل انقطاع الدم نص عليه الإمام أحمد وهو المشهور عند الأصحاب بناء على القاعدة وذكر في الرعاية رواية بالكراهة وذكر ابن الجوزي في إباحته روايتين. وقال صاحب المستوعب وغيره هى في الوطء كالمستحاضة. ودليل جواز الوطء لأنه الأصل ويحتمل أن يكون هذا حيضا وأن لا يكون حيضا فلا نحرمه بالشك وتؤمر بالعبادة بعد اليوم والليلة احتياطا. ومنها: لو قال آخر مملوك أشتريه فهو حر وقلنا على المذهب بصحة التعليق فملك أمة ثم ملك أخرى فإنه لا يجوز له وطء الثانية لاحتمال أن لا يشترى غيرها ذكره الأصحاب. ومنها: لو قال لزوجته أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر جزم بعض أصحابنا بتحريم وطئها من حين عقدة الصفة وقال في المستوعب وقد قال بعض أصحابنا إنه يحرم عليه وطؤها من عقد هذه الصفة إلى حين موته لأن كل شهر يأتى يحتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق فيه. قلت: ولم يذكر قبله ما يخالفه. ومنها: لو علق طلاق زوجته على حملها أو على عدمه فإنه يحرم وطؤها قبل التبين في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رضى الله عنه ومن أصحابنا من خص الخلاف بما إذا كان الطلاق معلقا على وجود الحمل وإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 معلقا على عدمه فيحرم جزما وهى طريقة صاحب المحرر1. قال القاضى في الجامع وقد ذكر أصحابنا في المسألة مسألتين: إحداهما أن يكون للرجل زوجة ولها ولد من غيره وقد كان تقدم منه وطء لها فيمتنع من الوطء بعد موت الابن حتى يتبين هل هى حامل من وطئه المتقدم أم لا لأنه إذا استبان حملها ورث أخاه الميت. والثانية: في عبد تحته زوجة حرة قد تقدم منه وطء لها وله أخ حر فيموت أخوه الحر فيمنع من وطء زوجته حتى يتبين هل هى حامل من وطئه المتقدم فيرث عمه أم لا؟ فلا يرث من أحدهما والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة لها ابن من غيره فيموت ابنها يكف عن امرأته قال أبو بكر لا أعلم أحدا رواها غيره. ورأيت في مسائل إبراهيم الحربى2 المسألة الأخيرة منصوصة فقال سئل أحمد عن رجل حر وليس له وارث وله أخ مملوك تحته حرة يؤمر أخوه المملوك بأن يمسك عن وطء زوجته حتى يعلم هل بها حمل أم لا فإن بان بها حمل فهو يرث عمه الحر وإن لم يكن بها حمل كان ميراثه لبيت المال. وفي المغنى ومن خلف ورثة وإماء مزوجة ينبغى أن لا يطأ حتى يستبرىء ولم يذكر التحريم. إذا تقرر هذا وقلنا يحرم عليه الوطء في مسألة التعليق على الحمل أو عدمه حتى يتبين وفيما يحصل البيان به من جهة الاستبراء في المسألة روايتان. إحداهما: يحصل بحيضة ماضية لم يطأ بعدها أو موجودة هذا هو المذهب.   1 صاحب "المحرر" هو أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية. 2 هو المحدث الفقيه الزاهد: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشر بن عبد الله بن ديسم [198 – 285هـ] صاحب "عريب الحديث" و"دلائل النبوة" وعيرها وهو ممن روى عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "86 – 93". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 والثانية: تعتبر بثلاثة أقراء والخلاف في مسألتى الحمل في الاستبراء كالخلاف في مسألة تعليق الطلاق ذكره القاضى في الجامع. ومنها: لو قال لزوجته أنت طالق في أول آخر الشهر طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه على الصحيح من المذهب ويحرم وطؤها في تاسع عشرينه ذكره في المذهب لاحتمال أن يكون الشهر ناقصا. ومنها: صوم يوم الغيم إذا حال دون منظر الهلال ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر1 وجب صومه هذا المذهب عند الأصحاب لتبرأ ذمته بيقين كما يلزمه إذا نسى صلاة من خمس لا يعلم عينها فإنه يلزمه الخمس كذلك ههنا. وقال أبو العباس لا أصل للوجوب من كلام أحمد ولا في كلام أحد من أصحابه والاحتياط إنما هو فيما إذا ثبت وجوبه أو كان الأصل كثلاثين من رمضان وفي مسألتنا لم يثبت الوجوب والأصل بقاء الشهر. ومنها: الحائض أو النفساء إذا ظنت نسيان القرآن وجب عليها درسه ذكره أبو العباس لأن استدامة حفظ القرآن واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فيباح مع المانع كالقراءة في الصلاة. فعلى قوله هو من القاعدة والمذهب تحريم القراءة عليها. ومنها: لو نسى ظهرا وعصرا من يومين ولا يعلم أيتهما الأولى وقلنا بوجوب الترتيب في قضاء الفوائت فعن الأمام أحمد رضى الله عنه في ذلك روايتان. إحداهما يتحرى فيبنى على غالب ظنه فإن استوى عنده الأمران بدأ بما شاء منهما. والثانية: لا يتحرى بل يصلى الظهر والعصر من غير تحر لأن التحرى فيما له أمارة وهذا لا أمارة فيه فيرجع إلى ترتيب الشرع.   1 القتر: الغبرة يعلوها سواد كالدخان انظر لسان العرب "5/3526". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 واختار أبو محمد المقدسي وأبو المعالى بن منجا أنه يلزمه ثلاث صلوات وقالوا: هو قياس المذهب. قلت: ووفاء بالقاعدة لتبرأ ذمته بيقين كما لو نسى صلاة من خمس. ونقل أبو داود عن أحمد ما يدل على ذلك. وإن علم أن عليه الظهر من يوم وأخرى لا يعلم عينها هل هى المغرب لزمه الظهر والفجر والمغرب. ومنها: لو خرج منه شئ لا يعلم هل هو منى أو مذى وكان بالغا أو من يحتمل بلوغه فهل يجب عليه الغسل أم لا؟ في المسألة ثلاث روايات الوجوب وعدمه والثالثة إن رأى حلما وجب وإلا فلا والخلاف جار فيما إذا تقدم نومه فكر أو ملاعبة أو برد أو لم يتقدمه شيء. والصحيح لزوم الغسل فيما إذا لم يتقدم نومه شيء وهو جار على القاعدة وعدمه فيما إذا تقدمه ما ذكر بناء على قاعدة إحالة الحكم على السبب المعلوم. قال ابن عقيل فيما إذا تقدم منه سبب المذى فلا يلزمه غسل ثوبه بحيث نقول إنما سقط عنه الغسل بحكمنا أن البلل مذى بل نقول في ثوبه الأصل طهارته فلا ينجس بالشك والأصل طهارة بدنه فلا يلزمه الغسل بالشك فيبقى كل منهما على أصله ذكره عنه الشريف أبو جعفر. قال شيخنا وينبغى على هذا التقرير أن لا تجوز له الصلاة في ذلك الثوب قبل غسله لأنا نتيقن وجود المفسد للصلاة لا محالة له. ومنها: إذا نذر الصلاة في وقت له فضيلة على غيره فإنه يتعين إيقاعها فيه فلو قال لله على أن أصلى ليلة القدر تعينت إلا أنها محصورة في العشر الأخير غير معينة في ليلة بعينها فيلزمه أن يصلى كل ليلة من ليالى العشر ليصادفها فإن لم يفعل لم يقضها إلا في مثله ولو كان نذره في أثناء العشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 صلى ما بقى من العشر ومن السنة الثانية يصلى من أول العشر إلى ليلة قوله فيها. ذكر ذلك كله القاضى أبو يعلى في تعليقه1 في النذور. ومنها: لو نذر صوم بعض يوم فإنه يلزمه صوم يوم كامل. لأن صيام بعض اليوم غير ممكن إلا بصيام باقيه وقد التزم البعض فيلزمه الجميع بناء على هذه القاعدة. ومنها: لو نذر أن يصوم يوما معينا ابدا ثم جهله أفتى بعض العلماء بصيام الأسبوع كصلاة من خمس. وقال أبو العباس بل يصوم يوما من الأيام مطلقا أى يوم كان. وهل عليه كفارة لفوات التعيين يخرج على روايتين بخلاف الصلوات الخمس فإنها لا تجزىء إلا بتعيين النية على المشهور. والتعيين يسقط بالعذر إلى كفارة أو إلى غير كفارة كالتعيين في رمضان والواجبات غير الصلاة بل والصلاة المنذورة ايضا. ومنها: لو كانت عليه كفارات من جنس وكفر وبقيت عليه كفارة واحدة نسى سببها لزمه الكفارات التى كانت عليه لتبرأ ذمته بيقين وهذا قول القاضى. وقال أبو الخطاب يلزمه كفارة واحدة فقط بناء على أن نية التعيين لا تشترط. ومنها: لو غصب شيئا فإنه يلزمه رده ولو غرم عليه أضعاف قيمته كزبيب أحمر بأسود وحنطة حكراء ببيضاء وذرة بشعير وعدس بماش2   1 "التعليق" أو "التعليقة" في الفقه للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205" اختصرها القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم البرزدبيني انظر طبقات الحنابلة "2/246" والذيل على طبقات الحنابلة "1/74" وهي غير "التعليقة" في مسائل الخلاف لحفيده عماد الدين أبي يعلى محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء المتوفي سنة [560هـ] . 2 الماش: نوع من أنواع الحبوب واللفظة معربة أو مولدة انظر لسان العرب "6/4308". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قال الحارثى بغير خلاف علمته. ووقع التردد من ذلك في مسائل. ومنها: لو غصب لوحا فرقع به سفينة وليس فيها حيوان محرم ولا مال للغير وكان قلع اللوح يؤدى إلى غرقها فهل يقلع اللوح وهى في لجة البحر بناء على القاعدة أم ينتظر وصولها إلى الشط رعاية لأعظم الضررين في المسألة قولان الأول مقتضى قول ابن أبى موسى وذكره أبو الخطاب احتمالا والثانى المذهب عند الأصحاب. ومنها: لو غصب خيطا وخاط به جرح حيوان له محترم وكان مما يؤكل وتعذر إخراجه بدون الذبح فهل يذبح بناء على القاعدة أولا ويغرم قيمة الخيط للنهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة؟ في المسألة قولان أوردهما القاضى في المجرد وأبو الخطاب والأول اختيار القاضى وغيره والثانى إليه ميل السامرى. وذكر أبو محمد المقدسي احتمالا بالتفرقة بين ما يقصد أكله غالبا كبهيمة الأنعام وبين مالا يقصد كالخيل والطائر المسموع صوته فالأول واجب الذبح دون الثانى. ومنها: لو غصب جوهرة فابتلعتها بهيمته وكانت مما يؤكل فهل تذبح بناء على القاعدة أم لا ويغرم القيمة للنهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة؟ في المسألة قولان والأول أشهر. وذكر أبو محمد المقدسي في المغنى قولا ثالثا إن كانت البهيمة أقل قيمة من الجوهرة ذبحت وإن كانت أكثر لم تذبح ووجب الضمان. ومنها: لو غصب آجرا ولوحا وبنى فوقه فهل يلزمه رده وإن أفضى إلى هدم البناء أم لا؟ نص الإمام أحمد في رواية المروذى وجعفر بن محمد على لزوم الرد بناء على القاعدة وأبدى أبو الخطاب في الانتصار تخريجا بأنه لا يلزمه الرد بل يغرم القيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ومنها: من كانت عنده عين لغيره وألزمنا بالرد إلى مالكها فإنه يجب عليه مؤنة الرد بناء على القاعدة. ولنا مسائل كثيرة نأخذ فيها باليقين أو بغلبة الظن وهى مبنية على هذه القاعدة. وقد تقدم في قاعدة حد الفقه وضابطه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إما أن يكون بالأداء لتبرأ الذمة أو بالاجتناب ليحصل ترك الحرام إذ تركه واجب والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 القاعدة 18 ... مسألة 18 الزيادة على الواجب إن تميزت كصلاة التطوع بالنسبة إلى المكتوبات فهى ندب بالاتفاق. وإن لم تتميز فهل هى واجبة أم لا حكى أبو محمد التميمى1 الثانى قول أحمد واختاره أبو الخطاب واختاره القاضى في موضع من كلامه واختار الكرخى الحنفي الأول واختاره القاضى في موضع من كلامه أيضا. إذا علمت ذلك فيتفرع على المسألة فروع. منها: إذا وجب عليه شاة فذبح بدلها بدنة فهل كلها واجبة أو سبعها؟ في المسألة وجهان: أحدهما الجميع واجب اختاره ابن عقيل قال كما لو أختار الأعلى من خصال الكفارة. والثانى السبع واجب. وينبنى على الوجهين هل يجوز له الأكل مما عدا السبع أم لا إن قلنا الجميع واجب لم يجز وإلا جاز أشار إلى ذلك أبو محمد المقدسي وغيره. قلت: وينبغى أن ينبنى على ذلك أيضا زيادة الثواب فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب التطوع لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: "وما تقرب إلي المتقربون   1 هو المقرئ المحدث الفقيه الحنبلي أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث التميمي البغدادي [396 – 488هـ] من مصنفاته في الفقه "شرح الإرشاد" لابن أبي موسى و"الخصال والأقسام" انظر طبقات الحنابلة "2/203" والذيل على طبقات الحنابلة "1/37 – 85" وشذرات الذهب "5/380" والبداية والنهاية "12/150". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 بمثل أداء ما افترضت عليهم" 1. ومنها: لو أدى عن خمس من الإبل بعيرا وقلنا بالإجزاء فهل كله واجب أو خمسه الواجب حكى أبو يعلى الصغير فيه وجهين ينبنى عليهما هل يجزىء عن عشرين بعيرا أيضا أم لا إن قلنا خمسه الواجب أجزأ عن عشرين بعيرا وإن قلنا الكل واجب لا يجزىء عن عشرين بعيرا إلا أربعة أبقرة. قلت: وينبنى عليهما لو اقتضى الحال الرجوع بكله أو خمسه فإن قلنا الجميع واجب رجع وإن قلنا الواجب الخمس والزائد تطوع فيرجع بالواجب لا بالتطوع. ومما ينبغى أن ينبنى عليه أيضا النية فإن الجميع فرضا فلا بد أن ينوى الجميع الزكاة أو الصدقة المفروضة وإن قلنا الواجب الخمس كفاه الاقتصار عليه في النية. ومنها: إذا أخرج في الزكاة شيئا أغلى من الواجب فهل كله فرض أو بعضه تطوع قال أبو الخطاب كله فرض. قلت: هو مخالف لقاعدته وقال القاضى بعضه تطوع. قال شيخنا وهو الصواب لأن الشارع أعطاه جبرانا عن الزيادة. ومنها: إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة وقلنا الفرض منه قدر الناصية فالواجب هو الفرض والزائد نفل خرجه بعضهم على القاعدة. وقد يقال إن وقع دفعة واحدة فيتخرج على القاعدة وإن كان مترتبا   1 الحديث في صحيح البخاري باللفظ التالي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصربه ويده التي يبطش بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" كتاب الرفاق رقم: "6502" ورواه أحمد عن عائشة بلفظ آخر جاء فيه: "وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء الفرائض" المسند رقم: "26183". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فالزائد نفل ليس إلا. ومنها: إذا أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه هل يكون مدركا له في الفريضة أم لا؟ ظاهر كلام القاضى وابن عقيل تخريجها على الوجهين إذا قلنا لا يصح اقتداء المفترض بالمنتفل. قال ابن عقيل ويحتمل أن تجرى الزيادة مجرى الواجب في باب الاتباع خاصة إذ الاتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق ومصلى الجمعة تطوعا من امرأة وعبد ومسافر. ومنها: ما ذكره بعض المتأخرين أنه إذا أوصى ببدنه من وجب عليه سبعها أو من وجب عليه شاة إن قلنا إن الزائد يكون نفلا حسب من الثلث وإن جعلناه واجبا فيكون كما لو أوصى بالعتق في كفارة مخيرة هل تحسب من رأس المال أو من الثلث وفي المسألة وجهان لنا تقدما في قاعدة الواجب المخير. قلت: إن قلنا إن الزائد يكون نفلا لا شك أنه يحسب من الثلث وكذا إذا قلنا يكون واجبا ولا يتجه تخريجه على مسألة الكفارة لأنه في مسألة الكفارة أوصى بما هو واجب عليه وفي مسألتنا هذه أوصى بما ليس بواجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 القاعدة 19 الأمر المطلق لا يتناول المكروه عند أصحابنا والشافعية والجرجانى1 من الحنفية وقال الرازى الحنفي يتناوله وذكر أبو محمد التميمى الأول قول أحمد وأن أصحابنا قد اختلفوا. فعلى الأول لا يستدل لصحة طواف الحائض بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ولا بآية الوضوء على أن الترتيب لا يجب إذا قدرنا أنه لا دلالة فيها للتنافي إذ المأمور به مطلوب إيجاده والمنهى عنه مطلوب إعدامه. وكلام الأصحاب صريح بأن المراد بالمكروه هنا كراهة التنزيه فيكون التحريم أولى وإن كان المراد كراهة التنزيه فيبقى ذلك مشكلا في الصلاة وغيرها فإن مقتضى هذه القاعدة أن كل عبادة مكروهة لا تصح كالصلاة إلى المتحدث والنائم واستقباله صورة أو وجه إنسان وكصلاة الحاقن وكالصلاة المشتملة على التخصر2 والسدل3 ورفع البصر إلى السماء واشتمال الصماء4 والالتفات ونحو ذلك من المكروهات في الصلاة وغيرها من العبادات.   1 هو الفقيه الحنفي: أبو عبد الله يوسف بن علي بن محمد الجرجاني توفي سنة [522هـ] من آثاره: "خزانة الأكمل" في فقه الحنفية. 2 التخضر: هو أن يصلى الرجل وهو واضع بده على خنصره انظر لسان العرب "2/1171". 3 السدل: هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه انظر لسان العرب "3/1975". 4 اشتمال الصماء: هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ويتغطى به ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه انظر لسان العرب "4/2502". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 والمذهب الصحة في الجميع وإن كان في بعض الصور خلاف في المذهب. والظاهر والله أعلم لما رأى ابن الزاغونى هذا الإشكال قال في غرر البيان1 إن معنى المكروه هنا عند أصحابنا المحرم وليس مرادهم كراهة التنزيه والله سبحانه وتعالى أعلم.   1 "غرر البيان" مصنف في أصول الفقه لأبي الحسن بن الزاغوني ذكره ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة "1/183" وأشار إلى أنه من عدة مجلدات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 القاعدة 20 الأعيان المنتفع بها قبل الشرع مباحة عند أبى الحسن التميمى وأبى الفرج المقدسي1 وأبى الخطاب والحنفية والظاهرية ومن الشافعية ابن سريح وأبو حامد الزورى2 واختاره القاضى في مقدمة المجرد وقال وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبى طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا قيل له فالنبق ليس فيه حديث صحيح وما يعجبنى قطعه قلت: له فإذا لم يكن فيه حديث فلم لا يعجبك قطعه قال لأنه على كل حال قد جاء فيه كراهته والنخل لم يجر فيه شيء. قال فأسند الإمام أحمد الإباحة في قطع النخل لأنه لم يرد شرع بحظره. ونازع أبو البركات القاضى في مأخذه من هذه الرواية فقال لا شك أن أحمد أفتى بعدم البأس لكن يجوز أن يكون للعمومات الشرعية ويجوز أن يكون   1 هو تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء وشيخ حنابلة الشام في وقته: أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي ثم الدمشقي [ت 486هـ] من مصنفاته في الفقه: "المبهج" و"الإيضاح" وله في أصول الفقه "مختصر في الحدود" انظر طبقات الحنابلة "2/248" والذيل على طبقات الحنابلة "1/68 – 73" وشذرات الذهب "5/369". 2 كذا في الأصل والصواب "المرورذي [ت 362هـ] ولعل الزوري تصحيف لـ "المروزي" فقد ضبط السبكي في "طبقات الشافعية" بهذه النسبة ومن مصنفاته "شرح مختصر المزني" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" في الفقه وله في أصول الفقه: "الإشراف على أصول الفقه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 مما سكت عنه الشرع فيكون عفوا ويجوز أن يكون استصحابا لعدم التحريم ويجوز أن يكون لأن الأصل إباحة عقلية مع أن هذا من الأفعال لا من الأعيان. وقيل محرمة وهذا قول ابن حامد والحلوانى وغيرهما وبعض الشافعية واختاره القاضى في العمدة قال وقد أومأ إلى معنى هذا أحمد في رواية أبى صالح1 ويوسف بن أبى موسى2 لا يخمس السلب ما سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم خمس السلب3. وهذا يدل على أنه لم يبح تخميس السلب لأنه لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم شرع فيه فيبقى على أصل الحظر. ونازعه أبو البركات في ذلك وقال لأن السلب قد استحقه القاتل بالشرع فلا يخرج بعضه عن ملكه إلا بدليل وليس هذا من موارد الشرع. قال القاضى وكذلك نقل الأثرم وابن بدينا4 في الحلى يوجد لقطة فقال إنما جاء الحديث في الدراهم والدنانير قال فاستدام أحمد رضى الله عنه التحريم ومنع الملك على الأصل لأنه لم يرد شرع في غير الدراهم والدنانير. ونازعه أبو البركات أيضا وقال إن اللقطة لها مالك فنقلها إلى الملتقط يحتاج إلى دليل وليس هذا من جنس الأعيان في شيء. وقد يحتج للقاضى بأن أحمد منع من التخميس للسلب وملك اللقطة لعدم الإباحة والله أعلم.   1 هو أبو صالح أحمد بن جناح [ت 264هـ] ممن روى عن الإمام أحمد. 2 هو يوسف بن موسى العطار الجربي كان يهوديا ثم أسلم على يدي الإمام أحمد بن حنبل ولازمه ثم روى عنه أشياء ونقلها عنه أبو بكر الخلال انظر طبقات الحنابلة "1/420". 3 السلب: هو ما يؤخذ من العدو في الحرب من ثياب وسلاح ودابة وجاء على صيغة "فعل" بمعنى مفعول أي: مسلوب انظر لسان العرب "3/2057". 4 هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا الموصلي [ت 303هـ] ممن روى عن الإمام أحمد روى عنه أبو بكر الخلال ولازمه عبد العزيز بن جعفر المعروف بـ "غلام الخلال" انظر طبقات الحنابلة "1/288 – 290". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فعلى هذا القول يباح ما يحتاج إليه كالنفس وسد الرمق ذكره بعضهم إجماعا وحكى في المسودة قولين والمنع مبنى على القول بتكليف المحال وقال أبو الحسن الجزرى1 من أصحابنا لا حكم لها. قال أبو الخطاب وأراه أقوى على أصل من يقول العقل لا يحرم ولا يبيح وقال في الروضة هو اللائق بالمذهب وهو مذهب عند ابن عقيل وغيره بناء منهم على عدم القول بالتحسين والتقبيح. فعلى هذا القول لا إثم عليه بالتناول كفعل البهيمة في إفتائه بالتناول خلافا لنا. ومن العلماء من قال لله فيما لا نعلم ما هو فيقف حتى يظهر لنا. وفرض ابن عقيل المسألة في الأفعال والأقوال قبل السمع. وأما المعتزلة فحكى أبو حامد الغزالى عنهم فيما لا يقضى العقل فيه من الأفعال بحسن ولا قبح ضرورة أو نظرا ثلاثة أقوال الإباحة والحظر والوقف باعتبار تعدد فرقهم. والآمدي حقق هذا النقل وفصله فقال المعتزلة قسموا الأفعال الاختيارية إلى ما حسنه العقل فمنه واجب ومنه مندوب ومنه مباح وإلى ما قبحه العقل فمنه حرام ومنه مكروه وإلى ما لم يقض فيه العقل بحسن ولا قبح فمنهم من قال إنه واجب ومنهم من قال إنه محرم ومنهم من توقف. إذا تقرر هذا فقال القاضى قد قال بعض من تكلم في هذه المسألة إن الكلام فيها تكلف وعناء لأن الأشياء قد عرف حكمها واستقر أمرها بالشرع. وقال آخرون الوقت ما خلا من شرع قط لأن الله لا يخلى الوقت من شرع يعمل الناس عليه لأنه أول ما خلق آدم قال له: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [الأعراف: 19] فأمرهما ونهاهما عقب ما خلقهما   1 هو الفقيه الحنبلي أبو الحسن الجزري البغدادي تاريخ وفاته مجهول إلا أنه من أصحاب أبي علي النجاد المتوفي سنة [360هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/167". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وكذلك في كل زمان وإذا كان كذلك بطل أن يقال ما حكمها قبل ورود الشرع بها والشرع ما أخل بحكمها قط. فعلى هذا لا يتصور الخلاف إلا في تقدير أن الأشياء لو لم يرد بها شرع ما حكمها فالحكم عندنا على الحظر وعند قوم على الإباحة وعند آخرين على الوقف. وهذه الطريقة ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية عبد الله فيما خرجه في محنته الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن كل زمان فيه بقايا من أهل العلم وكذا قال أبو الحسن الجزرى. وذكر القاضى في موضع آخر أن هذه المسألة تتصور في شخص خلقه الله تعالى في برية لا يعرف شيئا من الشرعيات وهناك فواكه وأطعمة هل تكون الأشياء عنده على الحظر حتى يرد الشرع أو على الإباحة وكذا ذكر أبو الخطاب. وذكر القاضى وأبو الخطاب في التمهيد والمقدسي في الروضة ما يفيد في الفقه أن من حرم شيئا أو أباحه يبقى على حكم أصله من حظر أو إباحة عند عدم الأدلة والله أعلم. وفي هذا الكلام بحث ونظر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 القاعدة 21 البطلان والفساد مترادفان عندنا وعند الشافعية وقال أبو حنيفة إنهما متباينان فـ الباطل عنده ما لم يشرع بالكلية كبيع المضامين1 والملاقيح2 والفاسد ما شرع أصله ولكن امتنع لاشتماله على وصف محرم كالربا. إذا تقرر هذا فذكر أصحابنا مسائل فرقوا فيها بين الفاسد والباطل ظن بعض المتأخرين أنها مخالفة للقاعدة. والذي يظهر والله أعلم أن ذلك ليس بمخالفة للقاعدة. وبيانه أن الأصحاب إنما قالوا: البطلان والفساد مترادفان في مقابلة قول أبى حنيفة حيث قال ما لم يشرع بالكلية هو الباطل وما شرع أصله وامتنع لاشتماله على وصف محرم هو الفاسد. فعندنا كل ما كان منهيا عنه إما لعينه أو لوصفه ففاسد وباطل ولم يفرق الأصحاب في صورة من الصورتين بين الفاسد والباطل في المنهى عنه وإنما فرقوا بين الفاسد والباطل في مسائل الدليل. منها: إذا أحرم الواطىء حال وطئه هل ينعقد إحرامه أم لا؟ كلام أبى البركات صريح في انعقاده وقال بعض أصحابنا في مسألة البيع الفاسد إنه لا يجب مضيه فيه فدل على أنه لا ينعقد فيكون باطلا.   1 بيع المضامين هو بيع في أصلاب الفحول من ماء انظر المغني لابن قدامة "4/312". 2 بيع الملاقيح: هو بيع ما في الأجنة دون الأمهات انظر المغني لابن قدامة "4/312". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ولو جامع قبل التحلل الأول فسد حجه وحكم الباطل لا يجب المضى فيه والفاسد يجب المضى فيه. ومنها: الكتابة فإنه إذا كاتب من لا يصح العقد منه فإنها تكون كتابة باطلة ولا يتريب عليها العتق وسواء كان السيد أو العبد. وقال القاضى إذا كاتب عبده الطفل المجنون فإنه يعتق بالأداء والمذهب خلافه وكذا لو كاتبه على عوض غير منجم1 فالعقد باطل ذكره القاضى والشريف وأبو الخطاب. وصرح ابن عقيل بأن الإخلال بشرط النجوم يبطل العقد. وذكر صاحب التلخيص أن الكتابة تصير فاسدة ولا تبطل من أصلها. وأما إذا كاتبه بعوض مجهول فهى فاسدة ولا تبطل من أصلها. ولكل واحد منهما فسخها ويحصل العتق فيها بالأداء دون الإبراء والمغلب فيها التعليق وصرح به القاضى في المجرد وابن عقيل وأبو الخطاب والأكثرون. وفي الخلاف الكبير المغلب المعاوضة بدليل أنه يعتق بالأداء إلى الوارث. قلت: هذا على أحد القولين. وأما إن كان على خمر أو خنزير فقال القاضى وأصحابه حكمها حكم المكاتبة الفاسدة والمنصوص عن أحمد أن العقد يبطل من أصله ولا يقع فيه عتق قال أحمد في رواية الميمونى إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب   1 غير منجم: أي غير مقسم أقساطا ومنه: "نجمت المال" إذا أديته أقساطا مفرقة على فترات معلومة منه: تنجم الدين وهو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعات مشاهرة أو مساناة وكذا: "تنجم المكاتب" و"تنجم الكتابة" وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها يقال: جعلت مالي على فلان نجوما منجمة أي يؤدي كل نجم "قسط" عند انقضاء كل شهر انظر لسان العرب "6/4358". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة معناه على محرم كالخمر والخنزير وهذا اختيار أبى بكر وابن عقيل وأول القاضى وأبو الخطاب النص. سؤال: قول الأكثرين إن الكتابة إذا لم تكن منجمة باطلة من أصلها مع قولهم في الكتابة على عوض مجهول يتغلب فيها حكم الصفة مشكل جدا. وكان الأولى إذا كان العوض معلوما أن يغلب فيه حكم الصفة أيضا والله أعلم. ومنها: إذا قبض العين في العقد الباطل فإنها تكون مضمونة عليه على كل حال سواء كانت صحيحة العين مضمونة فيه أو غير مضمونة وإن قبضها في الفاسد وكانت صحيحة العين فيه غير مضمونة ففاسد كذلك ذكره صاحب المغنى وغيره. ومنها: أن الظاهر من كلام كثير من الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضى فساد الوكالة لا بطلانها فيفسد عقد الوكالة ويصير الوكيل متصرفا بمجرد الإذن. وحكى ابن عقيل في نظرياته1 وأبو البركات وجها آخر وجزم القاضى في خلافه أن الوكالة تبطل بذلك كالوديعة. ومنها: ما قاله طائفة من أصحابنا في كتاب النكاح الفاسد من النكاح ما كان يسوغ فيه الاجتهاد والباطل ما كان مجمعا على بطلانه وعبر طائفة بالباطل عن النكاح الذي يسوغ فيه الاجتهاد أيضا. فالباطل المجمع على بطلانه لا يترتب عليه شيء من أحكام الصحيح إلا في الطلاق إذا تزوجها في عدة من غيره هل يقع فيه روايتان نقل ابن منصور عدم الوقوع ونقل أبو طالب إذا طلقها ثلاثا لا يعجبنى أن يراجعها حتى تنكح زوجا غيره قال أبو بكر قد تابعه على ذلك ههنا واختار ذلك في   1 هو "المجالس النظريات" لابن عقيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 كتاب المقنع. قلت: اختار عامة الأصحاب خلاف قوله والله أعلم. وأما الفاسد المختلف فيه فيثبت فيه أحكام الصحيح. ومنها: اللعان فيصح فيه لإسقاط الحد ونفي النسب لأن بالزوج حاجة إلى هذا القذف لأن نسبه لاحق به كالصحيح. ومنها: حيث جعلنا العقد محرما فلو كان فاسدا قال القاضى التحريم غير ممتنع وفي الأنتصار وغيره في العقد الفاسد خلاف فالمجمع على بطلانه لا يحرم شيئا جزم به الأصحاب. وخرج شيخنا في تعليقه على المحرر رواية بالتحريم من الرواية التى يقول فيها بوقوع الطلاق في نكاح المعتدة وقد تقدمت. ومنها: الخلوة في الفاسد فإنها محل الصداق كالصحيح نص عليه أحمد في رواية أبى طالب وفي الأنتصار والمذهب رواية لا شيء بها واختار ذلك أبو محمد المقدسي. ومنها: عدة الوفاة فإنها تجب في النكاح الفاسد نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد وقال ابن حامد لا عدة عليها. ومنها: في المطلقة في النكاح الفاسد فإنها تجتنب ما تجتنبه المطلقة في النكاح الصحيح نص عليه أحمد في رواية أحمد بن محمد البرثى1 والقاضى ومحمد بن أبى موسى. ومنها: الميراث فلا يتوارث الزوجان في النكاح الفاسد نص عليه في رواية جعفر بن محمد. وفي رواية المروذى إذا تزوج ولم يشهد ثم مات لم يتوارثا وكذلك نقل أبو طالب.   1 كذا في الأصل والصواب البرتي نسبة إلى "برت" وهي قرية بنواحي بغداد وهو القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر البرتي [ت 280هـ] نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/66". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقد توقف في رواية ابن منصور فقال لا أرى للولى ولا للقاضى أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين قيل له فإن ماتا يتوارثان قال لا أدرى. ومنها: إذا وطئت في النكاح الفاسد فلا يحصل به الإحلال للأول على أصح الوجهين تغليبا للتحريم الحاصل بالطلاق. ومنها: الإحصان هل يحصل به أم لا المجزوم به عند الأصحاب لا يحصل لأن طريق الإحصان الكمال والزوج والزوجة في النكاح الفاسد ليسا بكاملين. ومنها: الطلاق في النكاح الفاسد فإنه يقع في قول أكثر أصحابنا واختار أبو الخطاب لا يقع حتى يعتقد صحته. ومنها: من نكاحها فاسد لا يصح تزويجها قبل طلاق الزوج فإن امتنع فسخه الحاكم هذا المذهب. وفي الإرشاد فإن زوجت نفسها بلا شهود ففي تزويجها قبل فرقته روايتان وهما في الرعاية إذا تزوجت بلا ولى أو بدونهما. وفي تعليق ابن المنى1 في انعقاد النكاح برجل وامرأتين إذا عقد عليها عقدا فاسدا لا يجوز صحيح حتى يقض بفسخ الأول ولو سلمناه فلأنه حرام والحرام في حكم العدم.   1 هو فقيه حنابلة العراق في وقته أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي المعروف بـ "ابن المني" [501 – 583هـ] و"التعليق" أو"التعليقة" مصنف له في الخلاف انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/358 – 365" وشذرات الذهب "6/455" والبداية والنهاية "12/329". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 القاعدة 22 العزيمة لغة القصد المؤكد وشرعا الحكم الثابت بدليل شرعى خلا عن معارض. قال الطوفي وقولنا بدليل شرعى يتناول الواجب وتحريم الحرام وكراهة المكروه ولهذا قال أصحابنا إن سجدة ص هل هى من عزائم السجود أولا مع أن سجدات القرآن كلها عندهم ندب. قلت: فظاهر كلامه أن سجدة ص اختلفوا في أنها هل هى مندوبة أم لا فمن قال هى مندوبة تكون من العزائم ومن قال ليست مندوبة فليست من العزائم وليس الأمر كذلك بل يستحب سجودها خارج الصلاة على كل رواية صرح به ابن تميم بعد حكايته الروايتين هل هى من العزائم أم لا؟ تظهر فائدته بالنسبة إلى الصلاة فإن قلنا هى من العزائم سجدها في الصلاة وإن قلنا ليست من العزائم فسجدها في الصلاة هل تبطل صلاته أم لا في المسألة وجهان مع أنه حكى طائفة من أصحابنا عن الإمام أحمد رضى الله عنه في سجدات القرآن هل يجب سجودها أم لا ثلاث روايات ثالثتها نقلها صالح تجب في الصلاة خاصة والله أعلم. وقال الآمدي العزيمة عبارة عما لزم العباد بإلزام الله تعالى. وذكر معناه الشيخ أبو محمد في الروضة وهذا يقتضى اختصاصها بالواجب فعلا أو كفا. وقال القرافي العزيمة طلب الفعل الذي لم يشتهر فيه منع شرعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قال وإنما قلت: طلب الفعل ليخرج أكل الطيبات ونحوها الداخل في حد الإمام فخر الدين1 حيث عرف العزيمة بجواز الإقدام مع عدم المانع. قلت: وعلى قول القرافي تختص بالواجب والمندوب والله أعلم. والرخصة لغة السهولة وشرعا ما ثبت على خلاف دليل شرعى لمعارض راجح. وقيل استباحة المحظور مع قيام السبب الحاظر. وقال الآمدي الرخصة ما شرع لعذر مع قيام السبب المحرم. وقال القرافي هى جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعا. والمعانى متقاربة. وجعل الغزالى وصاحب الحاصل2 والبيضاوى في منهاجه الرخصة والعزيمة من أقسام الحكم وجعلها الإمام والآمدي وابن الحاجب من خطاب الوضع. إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالرخصة والعزيمة. منها: التيمم وأكل الميتة عند الضرورة هل يسميان رخصة أم لا؟ قال ابن عقيل وغيره لا يسميان رخصة لأن كلا منهما عزيمة يتعين فعله في موضعه لا يجوز الإخلال به. وقال أبو محمد المقدسي تبعا للغزالى أكل الميتة له جهتان فمن حيث إن المضطر لم يكلف بإهلاك جسمه بالجوع بل أبيح له دفعه ضرورة بالمحرم وأسقط عنه العتاب فهو رخصة ومن حيث إنه يجب عليه الأكل ويعاقب على تركه هو عزيمة. وأما التيمم فقالا إن كان لعدم الماء فليس برخصة بل عزيمة لأن سبب المنع ليس قائما لاستحالة التكليف بالماء عند عدمه فهو كالانتقال إلى   1 المقصود هو: فخر الدين الرازي. 2 هو تاج الدين أبو الفضل محمد بن الحسين بن عبد الله الأزموي [ت 652هـ] والحاصل شرح له "للمحصول" للرازي وتمام العنوان: "حاصل المحصول في علم الأصول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الصوم عند العجز عن الرقبة في الكفارة ليس برخصة بل أوجب الرقبة في حالة والصيام والإطعام في أخرى وإن كان التيمم مع وجود الماء لعذر من مرض أو غيره فهو رخصة لإمكان استعمال الماء حينئذ فإسقاطه عنه رخصة. قلت: ويلزم الغزالى وأبا محمد أن يقولا التيمم عند وجود الماء رخصة من غير عذر باعتبار الجهتين كما قالا في أكل الميتة عند الضرورة والله أعلم. ومن العلماء من قال التيمم رخصة بكل حال وقد ورد في حديث عمار فنزلت رخصة التيمم1 يعنى الآية وهذا على قول من يقول إن التيمم لا يرفع الحدث كما هو أصح الروايتين عن أحمد وقال به طوائف من أهل العلم. وأما من قال إن التيمم يرفع الحدث فإنه يمنع قيام سبب المنع ويقول الحدث عبارة عن المنع وقد زال بخلاف الميتة فإن خبثها ونجاستها لم يزل والله أعلم. ورأيت في تعاليق بعض شيوخنا أنه ينبنى على أن التيمم رخصة أو عزيمة التيمم بتراب مغصوب وفي سفر المعصية ونحوها. قلت: وفي بناء التيمم بالتراب المغصوب على ذلك نظر فإنه لا خلاف بين أصحابنا وغيرهم أن الوضوء عزيمة ومع هذا فلو توضأ بماء مغصوب لا يصح وضوءه على الصحيح والله أعلم. لكن قد يقال إن قلنا هو رخصة يخرج لنا فيه الطريقان في الاستجمار بالحجر المغصوب أحدهما لا يصح جزما والآخر حكمه حكم الوضوء بالماء المغصوب.   1 لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد: عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بآلات الجيش ومعه عائشة زوجته فانقطع عقد لها من جزع طفار فحبس الناس ابتغاء عقدها وذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فأنزل الله رخصة التطهر بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط مسند أحمد رقم: "18283" أما لفظ: فأنزل الله رخصة التيمم فهو في رواية عائشة مسند أحمد رقم: "26331". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ومنها: المسح على الخفين قال أكثر أصحابنا هو رخصة وحكى بعض المتأخرين رواية بأنه عزيمة. قال والظاهر أن من فوائدها المسح في سفر المعصية وتعيين المسح على لابسه وفيما فاله نظر. ثم الرخصة تنقسم أقساما. ومنها: ما هو واجب كأكل الميتة عند الضرورة وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى وذكره أبو العباس وفاقا وذكره أبو محمد وجها. ومنها: من خاف التلف بصومه فإنه يجب عليه الفطر ذكره في الانتصار وعيون المسائل والرعاية وغيرها. وذكر جماعة في صوم الظهار أنه يجب فطره بمرض مخوف ولو صام أجزأ ولم يفت على خلاف لنا في إجزائه وقال بعض أصحابنا يكره صومه. ومنها: ما فعله مستحب كقصر الصلاة والفطر في الصوم في السفر على المنصوص عن أحمد وهو الذي عليه جمهور الأصحاب. وفيه وجه الإتمام والصوم أفضل. ومنها: ما الأفضل عدم فعله كالإكراه على التلفظ بكلمة الكفر فإن الأفضل كما تقدم عدم الفعل والفرق بينها وبين الصوم والفطر مشكل. وقد اختلف في مسائل بعض الرخص هل الأفضل فعلها أم تركها؟ فمنها: الجمع بين الصلاتين إن قلنا به فهل الأفضل فعله أو تركه في المسألة روايتان أظهرهما الثانى. ومنها: المسح على الخفين فعن أحمد المسح أفضل نقلها صالح وابن منصور وفي رواية بكر بن محمد من قال إن الغسل أفضل فقد أساء القول قال القاضى لم يرد أحمد المداومة على المسح والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وعنه الغسل أفضل وعنه هما سواء نقلها الحسن بن محمد1 ومهنا وحنبل وزعم بعضهم أنها آخر الأقوال. قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وفصل الخطاب أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه فالأفضل للابس الخفين أن يمسح عليهما ولا ينزع خفيه والأفضل لمن قدماه مكشوفتان أن يغسلهما ولا يتحرى لبس خفيه ليمسح عليهما كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يغسل إذا كان قدماه مكشوفتين ويمسح إذا كان لابسا للخفين. ومنها: تقديم الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث فهل الأفضل التقديم أو التأخير إلى ما بعد الحنث أو هما سواء؟ في المسألة ثلاث روايات المذهب أنهما سواء وبنى على كون التقديم رخصة لو كان الحنث في اليمين محرما هل يجوز التقديم أم لا وفي المسألة وجهان. ومنها: هل الأفضل تعجيل الزكاة إذا كمل النصاب أم لا؟ المنصوص عن أحمد الذي نقله الجماعة لا بأس بالتعجيل وزاد الأثرم هو مثل الكفارة قبل الحنث فظاهره أنهما على حد واحد. وظاهر كلام الأصحاب أن ترك التعجيل أفضل وقال بعض المتأخرين يتوجه أن تعتبر المصلحة. ومنها: المتخلى هل الأفضل له استعمال الحجر أو استعمال الماء في المسألة روايتان المذهب الثانى واختار ابن حامد الأول وأنه يكره الاقتصار على الماء.   1 ممن يحمل هذا الاسم: من الرواة عن الإمام: - الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني. - الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني. - الحسن بن محمد الأنماطي البغدادي. ولعل المقصود هو الأخير والله أعلم انظر طبقات الحنابلة "1/138 – 139". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ومن الرخص ما هو مكروه كالسفر للترخص. قال صاحب المحرر يكره قصد المساجد للإعادة كالسفر للترخص. قلت: قصد الإعادة ليس برخصة حتى يقاس عليه قصد السفر للترخص وظاهر كلام صاحب المحرر لا فرق بين الصوم وغيره. وقد ذكر غيره من الأصحاب لو سافر ليفطر أو يقصر حرما. قلت: يمكن الفرق بين الصوم وغيره بأن الصوم يلزم منه تأخيره بالكلية وأما القصر والمسح والجمع فإنه يفعل في السفر ولكن على وجه أنقص من الحضر. تنبيه: هل الكراهة في السفر مانعة من الترخص ظاهر كلام جمهور الأصحاب أنها مانعة لأنهم قالوا: من سافر سفرا مباحا فله الترخص والمكروه ليس بمباح وصرح بذلك أبو البركات بن منجا1 وكذا ابن عقيل في السفر إلى المشاهد وقال طائفة منهم ابن عقيل في مفرداته2 مذهبة جواز المسح على العمامة الصماء والظاهر إن لم يكن يقينا أن الأصحاب قد أطلقوا على كراهة أحمد للبسها وإنما رأوا الكراهة لا تمنع الترخص. وقال أبو العباس في العمامة الصماء أيضا والأقرب أنها كراهة لأنه لا ترتقى إلى التحريم ومثل هذا لا يمنع الترخص لسفر النزهة وإنما يصح الفرق الذي ذكرناه على الثانى دون الأول.   1 هو النحوي والفقيه والأصولي الحنبلي: أبو البركات زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا بن بركات بن المؤمل [631 – 695هـ] من مصنفاته: "شرح المقنع" لابن قدامة و"شرح المحصول" لم يكمله كما أن له "تعاليق" في الفقه وأصوله انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/332" وشذرات الذهب "7/657". 2 "المفردات" مصنف في الفقه لأبي الوقاء بن عقيل انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/150". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ومن الرخص ما هو مباح كالعرايا1 والمساقاة2 والمزارعة3 والكتابة4 والشفعة5 وغير ذلك من العقود الثابتة على خلاف القياس هكذا ذكر أصحابنا وغيرهم. ولكن قال أبو العباس ليس شيء من العقود وغيرها الثابتة المستقر حكمها على خلاف القياس وقرر ذلك بأحسن تقرير وبينه بأحسن بيان ليس هذا موضع ذكر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. خاتمة: قد يكون سبب الرخصة اختيار يا كالسفر أو اضطراريا كالاغتصاص باللقمة المبيح لشرب الخمر والله أعلم.   1 العريا: من عار الشيء إذا ذهب وجاء وهي: إباحة الإنتفاع بعين من أعيان الماب انظر المغني "5/354". 2 المساقاة: هي ان يدفع الرجل شجرة إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل ما يحتاج إليه بجزء معلوم من ثمنه انظر المغني لابن قدامة "5/554 – 555". 3 المزارعة: هي دفع صاحب الأرض أرضه إلى من يزرعها أو يعمل عليها والزرع بينهما انظر المغني لابن قدامة "5/382". 4 الكتابة: هي إعتاق السيد عبده على مال في ذمة هذا الأخير يؤدي مؤجلا انظر المغني "12/338". 5 الشفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه انظر المغني لابن قدامة "5/459". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 القاعدة 23 تثبت اللغة قياسا عند أكثر أصحابنا. ونفاه أبو الخطاب وأكثر الحنفية واختاره الآمدي وذكره عن معظم أصحابنا وحكاه القاضى عن أكثر المتكلمين. وللشافعية قولان واختلفوا في الراجح. وللنحاة قولان اجتهادا فلا يحسن قول من قال من أثبت مقدم على غيره. والإجماع على منعه في الأعلام والألقاب ذكره جماعة منهم ابن عقيل لوضعها لغير معنى جامع والقياس إنما يصح حيث فهم المعنى والإجماع على منعه في الصفات لأن العالم من قام به العلم فيجب طرده فإطلاقه بوضع اللغة وكذا مثل إنسان ورجل ورفع الفاعل فلا وجه لجعله دليلا من أصحابنا وغيرهم. ومحل الخلاف في الاسم الموضوع لمسمى ملتزم لمعنى في محله وجودا وعدما. وإذا تقرر هذا فذكر طائفة من الأصوليين أن ما ينبنى على هذه القاعدة من الفروع أن اللائط يحد قياسا على الزانى بجامع الإيلاج المحرم وشارب النبيذ يحد قياسا على شارب الخمر بجامع السكر والتخمير ونباش القبور يقطع قياسا على سارق أموال الأحياء بجامع أخذ الأموال خفية ولا نجد عند الحنفية بناء على عدم القياس في اللغة وهذا البناء ليس بناء جيدا بل هو واضح البطلان والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 القاعدة 24 من أنواع المجاز إطلاق اسم البعض على الكل وعكسه وفي معناه الأخص مع الأعم. إذا تقرر هذا فههنا فروع تتعلق بذلك. منها: إذا قال لزوجته أنت طالق نصف طلقة فإنها تطلق طلقة كاملة جزم بهذا الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه في رواية صالح والأثرم وأبى الحارث وأبى داود. واختلف الأصحاب في تعليل ذلك فقال القاضى في الجامع الكبير لأنه لا يخلو إما أن يسرى قوله نصف طلقة على ما يقوله فيحصل طلقة كاملة أو يسقط ذلك فيبنى على قوله أنت طالق فتطلق طلقة فتعليل القاضى الأول هو من باب السراية والثانى هو إيقاع طلقة كاملة بلفظ حقيقى. وعلله أبو محمد المقدسي في المغنى بأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه وما قاله هو من باب التعبير بالبعض عن الكل. ولم أر أحدا من الأصحاب اشترط في وقوع الطلاق بذلك النية وهذا فيه نظر لأن التعيير بالبعض عن الكل من صفات المتكلم ويستدعى قصده كذلك المعنى بالضرورة وإلا لم يصح أن يقال عبر به عنه. وقد يقال إن أراد الزوج المعنى المجازى وقع الطلاق جزما لأن استعمال المجاز جائز بلا خلاف وأن يقصد ذلك فيحمل على المعنى الحقيقى قطعا إلا أنه التزم إيقاع نصف طلقة ولا يتأتى ذلك إلا بوقوع طلقة كاملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فأوقعناها لأن ذلك من باب التعبير بالبعض عن الكل لا من باب السراية. فإن قيل إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة طلقت ثلاثا في أصح الوجهين وهو الذي جزم به القاضى في الجامع الكبير وغيره فلم لا قلتم: إن ما وقع بعضه كرفع كله لكونه لا يتجزأ وحينئذ فيقع عليه طلقتان فقط. قلنا جعلنا ذلك تغليبا للايقاع في المسألتين بسبب البعض الباقى منهما والله أعلم. ومنها: لو نذر صوم نصف يوم فإنه يلزمه يوم كامل ذكره أبو البركات في المسودة قياس المذهب وفيه من النظر ما ذكرناه اولا في التى قبلها. ومنها: إذا حلف لا يشرب له الماء من العطش والمنة أو السبب قطع منته حنث بكل ما فيه المنة لأن فيه جهة صحيحة وهى إطلاق اسم البعض وإرادة الكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 القاعدة 25 إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح فعند أبى حنيفة يحمل على الحقيقة لأصالة الحقيقة وعند أبى يوسف يحمل على المجاز لرجحانه واختار القرافي في شرح التنقيح1 قول أبى يوسف لأن الظهور هو المكلف به. وفي المحصول والمنتخب عن بعضهم أنها يستويان فلا ينصرف إلى أحدهما إلا بالنية لرجحان كل واحد منهما من وجه. وأسقط صاحب الحاصل وجزم به الإمام2 في المعالم ومثل بالطلاق. فقال إنه حقيقة في اللغة في إزالة القيد سواء كان عن نكاح أو ملك يمين أو غيرهما ثم اختص في العرف بإزالة قيد النكاح فلأجل ذلك إذا قال الرجل لأمته أنت طالق لا تعتق إلا بالنية. ثم قال فإن قيل فيلزم أن لا ينصرف إلى المجاز الراجح وهو إزالة قيد النكاح إلا بالنية وليس كذلك. قال فالجواب أنه إن كان الراجح وهو إزالة قيد النكاح فلا كلام وإن   1 وتمامه: "شرح تنقيح الفصول في الأصول" و"التنقيح" من تصنيف القرافي أيضا ذكر فيه أنه جمع "المحصول" للرازي وأضاف إليه مسائل كتاب "الإفادة" للقاضي عبد الوهاب المالكي انظر كشف الظنون "1/499". 2 أي: فخر الدين الرازي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 حمل على الحقيقة المرجوحة وهو إزالة مسمى القيد من حيث هو فيلزم زوال النكاح أيضا لحصول مسمى القيد فيه فلا جرم أن أحد الطرفين في هذا المثال مخصوص لم يحتج إلى النية بخلاف الطرف الآخر. وقد تبع البيضاوى المعالم في اختيار التساوى والتمثيل بالطلاق. وها هنا فائدة مهمة. وهى إن لم يحرر محل النزاع وقد حرره الحنفية في كتبهم فإن مرجع هذه المسألة إليهم ونقله عنهم القرافي أيضا فقالوا: المجاز له أقسام. أحدها: أن يكون مرجوحا لا يفهم إلا بقرينة كالأسد للشجاع فلا إشكال في تقديم الحقيقة وهذا واضح. الثانى: أن يغلب استعماله حتى يساوى الحقيقة فقد اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف على تقديم الحقيقة فلا خلاف أيضا نحو النكاح فإنه يطلق على العقد والوطء إطلاقا متساويا مع أنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وجعل ابن التلمسانى في شرح المعالم1 هذه الصورة محل النزاع قال لأنه إجمال عارض فلا يتعين إلا بقرينة وذكر في المحصول هذه الصورة في المسألة السابعة من الباب التاسع وجزم بالتساوى. الثالث: أن يكون راجحا والحقيقة مماتة لا تراد في العرف فقد اتفقا2 على تقديم المجاز لأنه إما حقيقة شرعية كالصلاة أو عرفية كالدابة ولا خلاف في تقديمها على الحقيقة اللغوية مثاله حلف لا يأكل من هذه النخلة فإنه يحنث بثمرها لا بخشبها وإن كان هو الحقيقة لأنها قد أميتت. والرابع: أن يكون راجحا والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات فهذا موضوع الخلاف كما لو قال لأشربن من هذا النهر فهو حقيقة في الكرع من النهر بفيه وإذا اعترف بالكوز وشرب فهو مجاز لأنه شرب من الكوز لا من النهر لكنه المجاز الراجح المتبادر إلى الفهم والحقيقة قد تراد لأن كثيرا من   1 وتمامه: "شرح معالم الأصول" للرازي. 2 أي: أبو حنيفة وأبو يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الرعاء وغيرهم يكرع بفيه. وقال الاصفهانى1 في شرح المحصول محل الخلاف أن يكون المجاز راجحا على الحقيقة بحيث يكون هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كالمنقول الشرعى والعرفي وورد اللفظ من غير الشرع وغير العرف فأما إذا ورد من أحدهما فإنه يحمل على ما وضعه له. إذا تقرر هذا فمما يتعلق بالقاعدة. إذا حلف لا يشرب من دجلة أو من الفرات فمن قدم المجاز الراجح يقول يحنث باغترافه منه بإناء ونحوه وشربه منه وهذا قول أصحابنا وقول أبى يوسف. ومن قال تقدم الحقيقة المرجوحة قال لا يحنث إلا بأن يكرع منه وهذا قول أبى حنيفة والله أعلم.   1 هو الفقيه الأصولي المنطقي الشاعر: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن عباد العجلي الأصفهاني [616 – 688هـ] له إضافة إلى "شرح المحصول" "القواعد في العلوم الأربعة" وهو مصنف يتناول أصول الفقه وأصول الدين وعلم الخلاف والمنطق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 القاعدة 26 إذا لم ينتظم الكلام إلا بارتكاب مجاز الزيادة أو النقصان فمجاز النقصان أولى لأن الحذف في كلام العرب أكثر من الزيادة هكذا ذكر جماعة الأصوليين. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا قال الزوج لزوجتيه إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان ولا شك في استحالة اشتراكهما في الحيضة وتصحيح الكلام هنا إما بدعوى الزيادة وهو قوله حيضة وإما بدعوى الإضمار وتقديره إن حاضت كل واحدة منكما حيضة وفي المسألة لأصحابنا أربعة أوجه. أحدها: سلوك الزيادة ويصير التقدير إن حضتما فأنتما طالقتان فإذا طعنتا في الحيض طلقتا وهذا قول القاضى أبى يعلى. والثانى: سلوك النقص وهو الإضمار فلا تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان نظيره قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أى اجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة وهذا اختيار صاحب المغنى وهو موافق للقاعدة. والثالث: تطلقان بحيضة من إحداهما لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجبت إضافته إلى أحداهما كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22] وإنما يخرج من أحدهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 والرابع: لا تطلقان بحال بناء على أنه لا يقع الطلاق المعلق على المستحيل والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 القاعدة 27 إذا تعارض المجاز والإضمار قال صاحب المحصول فيه وفي المنتخب هما سواء فيكون اللفظ مجملا حتى لا يترجح أحدهما على الآخر إلا بدليل لاشتراكهما في الاحتياج إلى القرينة وفي احتمال خفائهما وذلك لأن كلا منهما يحتاج إلى قرينة تمنع المخاطب عن فهم الظاهر. وجزم أبو المعالى بأن المجاز أولى لكثرته لكنه ذكر بعد ذلك في تعليل المسألة العاشرة أنهما سواء. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا قال لعبده الذي هو أكبر منه أنت ابنى فهل نعتقه عليه ظاهرا لأنه يحتمل أن يكون قد عبر بالنبوة عن العتق فيحكم بعتقه ويحتمل أن يكون فيه إضمار تقديره مثل ابنى في الحنو وفي غيره فلا يعتق. وللأصحاب في المسألة خلاف ولا رواية فيها عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قاله أبو الخطاب. والذي ذكره القاضى وأصحابه أنه لا يعتق وأبدى أبو الخطاب احتمالا بالعتق وتبعه عليه صاحب المغنى والمحرر. وعلى الأول إن أمكن أن يكون ابنه لكن له نسب معروف فهل بعتق عليه بذلك في المسألة وجهان عدم العتق ذكره أبو الخطاب في انتصاره احتمالا. والعتق ذكره القاضى في خلافه وابنه أبو الحسين والآمدي وهذا الكلام جميعه مع إطلاق اللفظ. أما إن نوى بهذه اللفظة الحرية فينبغى عتقه بهذه النية مع هذا اللفظ قاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 شيخنا أبو الفرج في تعليقه على المحرر. قال ثم رأيت أبا حكيم1 وجه القول بالعتق قال لجواز كونه كناية في العتق كما لو قال لامرأته أنت أمى أو أختى يريد به الظهار وكذلك إذا أراد بقوله أنت ابنى لابن مثله في الحرية والله أعلم. وأما إذا قال لزوجته وهى أكبر منه هذه ابنتى فإنها لا تطلق بذلك ولم أر في ذلك خلافا. وفرق على قول بينها وبين مسألة العبد أن الزوج لا يملك إنشاء التحريم فلذلك لم يفرق بينهما وفي مسألة العتق يملك إنشاء العتق فيعتق عليه. وهذا الفرق فيه نظر فإن قولهم يملك إنشاء العتق صحيح لكنه لم ينشىء هنا عتقا فلا يعتق عليه ثم إنه يمكنه تحريم الزوجة بالظهار فهلا كان ذلك ظهارا ولكنه إنشاء الطلاق المحرم. وبنى الطوفي هذه المسألة على قاعدة أخرى وهى أنه هل يشترط لأعمال المجاز حقيقة أم لا فيشترط عندنا وهو قول الشافعية فلا يعتق وعند أبى حنيفة لا يشترط فيعتق.   1 هو الفقيه الحنبلي والفرضي: أبو حكيم أبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النهرواني [480 – 556هـ] نقل عنه السامري كثيرا في المستوعب انظر شذرات الذهب "6/294" البداية والنهاية "12/245" سير أعلام النبلاء "20/396" ومن مصنفاته "شرح الهداية" لأبي الخطاب الكلوذاني لم يكمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 القاعدة 28 إطلاق المشتق كاسم الفاعل واسم المفعول باعتبار الحال حقيقة بلا نزاع. هكذا ذكر غير واحد. وظاهره أنه حين الشروع في الفعل يسمى فاعلا حقيقة قبل وجود ما يتناوله مطلق الاسم المشتق منه لحين القبول والإيجاب بالنسبة إلى المتبايعين. ولكن قال أبو الطيب لا يسمى فاعلا إلا مجازا وكذلك قال القاضى أبو يعلى وإطلاقه باعتبار المستقبل مجاز ادعى بعضهم الإجماع. وقال أبو العباس وهذا غلط بل هو نوعان. أحدهما: أن يراد الصفة لا الفعل كقولهم سيف قطوع وماء مرو وخبز نقيع فقيل هذا مجاز وقال القاضى بل هو حقيقة لأن المجاز هو الذي يصح نفيه كأب الأب يسمى أبا مجازا لأنه يصح نفيه فيقال ليس بأب إنما هو جد ومعلوم أنه لا يصح أن ينفي عن السيف الذي يقطع القطع فيقال إنه ليس بقطوع ولا عن الخبز الكثير والماء الكثير إنه غير نقيع وغير مرو فعلم أن ذلك حقيقة. والثانى: أن يراد الفعل الذي يحدث وجوده في المستقبل وأن لا يتغير الفاعل بفعله كأفعال الله واشتهر عند أصحابنا وجمهور أهل السنة أن الله سبحانه موصوف في الأزل بالخالق والرازق حقيقة قال أحمد لم يزل الله متكلما غفورا رحيما انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وإن كان باعتبار الماضى ففي المسألة مذاهب أصحها عند الإمام فخر الدين وأتباعه أنه مجاز سواء أمكن مقارنته له كالضرب ونحوه أو لم يمكن كالكلام. والثانى: أنه حقيقة مطلقا وهو مذهب أبى هاشم وأبى على وابن سينا. والثالث: التفصيل بين الممكن وغيره وتوقف الآمدي وابن الحاجب فلم يصححا شيئا. والرابع: قول أبى الخطاب قاله في مسألة خيار المجلس وهو الفرق بين ما يعدم عقب وجود مسماه كالبيع والنكاح والاغتسال والتوضى فإن الاسم يقع عليه بعد ذلك حقيقة وما يتعذر وجود المسمى جميعه كان الاسم مجازا. والخامس قول أبى الطيب الطبرى حكاه عنه القاضى أبو يعلى أن هذه الأسماء عنده حقيقة عقب وجود المعنى المشتق منه بخلاف ما إذا طال الزمان. إذا تقرر هذا فحاصل ما ذكره الإمام والآمدي وغيرهما وصرح به التبريزى1 في اختصار المحصول. أن محل الخلاف فيما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجودى يناقض المعنى الأول كالسواد مع البياض والقيام مع القعود فإنه يكون مجازا اتفاقا وهذا كله إذا كان المشتق محكوما به كقولك زيد مشرك أو قاتل أو متكلم. فإن كان محكوما عليه كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36] ونحوه فإنه حقيقة مطلقا سواء كان للحال أم لم يكن إجماعا ذكره القرافي. قال وإلا لتعذر علينا الاستدلال بهذه الآيات لأنه ما من نص يستدل به إلا وللمخالف أن يقول هذا إنما يتناول من كان موجودا حالة نزول الآية وأما من كان غير موجود فلا يتناوله إلا بطريق المجاز والأصل عدم التجوز إلى هذه الصورة فيحتاج كل دليل إلى دليل آخر من إجماع أو نص يستدل به على التجوز إلى هذه   1 هو الفقيه الأصولي المتكلم الشافعي: تاج الدين أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي [677 – 746هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الصورة وهو خلاف ما عليه الناس بل كل لفظ من هذه الألفاظ يتم الاستدلال به من جهة اللغة فقط انتهى. وأما الاستدلال بالمجاز الذي ثبتت صحة التجوز به فقد صرح القاضى أبو يعلى من أصحابنا بصحة الاحتجاج به قال والدلالة عليه أن المجاز يفيد معنى من طريق الوضع كما أن الحقيقة تفيد معنى من طريق الوضع ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] فإنه يفيد المعنى وإن كان مجازا وكذلك قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22, 23] ومعلوم أنه أراد عين الوجوه لا تنظر وقد احتج الإمام أحمد بهذه الآية في حصول النظر إلى وجه الله يوم القيامة في رواية المروذى والفضل بن زياد وأبى الحارث. وأيضا فإن المجاز قد يكون أسبق إلى القلب كقول الرجل لزيد على درهم فإنه مجاز وهو أسبق إلى الفهم من قوله يلزمنى لزيد درهم وإذا كان يقع بالمجاز أكثر ما يقع بالحقيقة صح الاحتجاج به. إذا تقرر هذا فههنا فرعان يتعلقان باسم الفاعل. أحدهما إذا قال الكافر أنا مؤمن أو مسلم فإنه يحكم بإسلامه نقله أبو طالب عن أحمد وقاله القاضى أبو يعلى وأبدى احتمالا آخر أن هذا في الكافر الأصلى وفيمن جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبى أو كتاب أو فريضة أو نحو هذا فإنه لا يصير مسلما بذلك لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر فإن جعلنا اسم الفاعل حقيقة في الحال كان مسلما وإلا فلا لأنه لو قال أنا مسلم بعد ساعة أو يوم لم يحكم بإسلامه وظاهر كلام أحمد والقاضى إن قال أنا مسلم ولا أنطق بالشهادة أنه يكون كما لو تلفظ بالشهادتين وقال لا أتلفظ بهما بعد ذلك. ولكن قد قال القاضى أبو يعلى الصغير في مفرداته في مسألة ترك الصلاة لا خلاف أن الكافر إذا قال أنا مسلم ولا أنطق بالشهادة أنه يقبل منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ولا يحكم بإسلامه وهذا على قولنا فإن اسم الفاعل يكون مجازا والله أعلم. الفرع الثانى إذا قال المدعى عليه أنا مقر بما يدعيه فإنه يكون إقرارا جزم به الأصحاب بخلاف ما لو قال أنا مقر ولم يقل بما يدعيه فإنه لا يكون إقرارا على أشهر الوجهين لاحتمال أنه يريد الإقرار بأنه لا شىء عليه. والوجه الثانى حكاه المجد1 وغيره واختاره أبو العباس أنه يكون إقرارا لأن المعقول ما في الدعوى كما فيما إذا قال الزوج في عقد النكاح قبلت ولم يقل نكاحها فإنه ينعقد على المنصوص عن الإمام أحمد وهو الصحيح عند الأصحاب. وهنا قاعدة من جنس قاعدة المشتق من معنى بعد زوال ذلك المعنى وهى المضاف بعد زوال موجب الإضافة كقوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] وقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل وجد ماله عند رجل قد أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه" 2 قال بعض الحنفية: صاحب المتاع هو المشترى وقال القاضى وغيره معناه الذي كان صاحب المتاع. قلت: والدليل على ذلك ما روى مالك وأبو داود مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم: "قال فإن مات المشترى فصاحب المتاع أسوة الغرماء" 3 وقد أسند هذا اللفظ من وجه غير قوى والله أعلم. قال القاضى وهذا مجاز مستعمل يجرى مجرى الحقيقة وقد قال الله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] ومعناه التى كانت   1 هو مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية [ت 652هـ] . 2 لفظ الحديث في سنن النسائي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرء أفلس ثم وجد رجل عنده متاعه فهو أولى بها من غيره" كتاب البيوع رقم: "4676" ورواه أبو داود بلفظ آخر كتاب البيوع رقم: "3519" ومالك كتاب البيوع "42" والترمذي كتاب البيوع رقم: "1262" والبخاري كتاب الإسبقراض رقم: "2402" ومسلم كتاب المساقاة رقم: "1559". 3 هذه الزيادة هي تتمة رواية أبي داود كتاب البيوع رقم: "3520" كما أوردهما مالك ولكن بلفظ "وإن مات الذي ابتاعه" بدل "المشتري" مالك الموطأ كتاب البيوع "42". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أرضهم وقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وإنما كن أزواجنا ومنه قولهم درب فلان وقطيعة فلان ونهر فلان. قال أبو البركات والصواب أن هذا حقيقة لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة لكن قد يكون عند الإطلاق له معنى وعند الاقتران بلفظ آخر له معنى فرجع إلى أن القرينة اللفظية الدالة بالوضع هل يكون ما اقترن بها دلالة بالحقيقة أو المجاز قال والصواب المقطوع به أنه حقيقة وإن كان قد قال طائفة من أصحابنا وغيرهم إنه مجاز والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 القاعدة 29 في تفسير حروف تشتد حاجة الفقهاء إلى معرفتها. منها: الواو العاطفة هل تفيد الترتيب أم لا؟ في ذلك مذاهب. أحدها: وهو الذي عليه جمهور النحاة والفقهاء أنها لا تدل على ترتيب ولا معية قال في التسهيل1 لكن احتمال تأخر المعطوف كثير وتقدمه قليل والمعية احتمال راجح. وما ذكره مخالف لكلام سيبويه وغيره فإن سيبويه2 قال وذلك قولك مررت برجل وحمار وكأنك قلت: مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشىء قبل شىء ولا بشىء مع شىء هذا كلامه. وهذا القول يعبر عنه بأنها لمطلق الجمع ولا يصح التعبير بأنها للجمع المطلق لأن المطلق هو الذي لم يقيد بشىء فيدخل فيه صورة واحدة وهى قولنا مثلا قام زيد وعمرو ولا يدخل فيها القيد بالمعية ولا بالتقديم ولا بالتأخير لخروجها بالتقييد عن الإطلاق وأما مطلق الجمع فمعناه أى جمع كان وحينئذ فيدخل فيه الأربعة المذكورة والله أعلم. والمذهب الثانى: أنها تدل على المعية ونقله إمام الحرمين عن الحنفية   1 وتمامه: "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" وهو مصنف في النحو لجمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بـ "ابن مالك" [ت 672هـ] . 2 هو إمام النحو واللغة: أبو بشر عمرو بن قنبر الفارسي ثم البصري المعروف بـ "سيبويه" [ت 180هـ] وأشهر مصنف له هو "الكتاب" مطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وكلام أصحابنا يدل عليه. والمذهب الثالث: أنها تدل على الترتيب وممن قال ذلك من أصحابنا عن الإمام أحمد ابن أبى موسى في الإرشاد وأبو محمد الحلوانى وغيرهما حتى إن الحلوانى لم يحك خلافا عن أصحابنا إلا أنه قال تقتضى أصولها أنها للجمع. ونقل هذا المذهب صاحب التتمة1 من الشافعية عن بعض أصحابهم وتابع الماوردى2 في الوضوء من الحاوى فنقله عن الأخفش3 وجمهور الشافعية واختاره الشيخ أبو إسحاق4 في التبصرة نقل هذا المذهب أيضا قطرب5 عن طائفة من النحاة منهم ابن درستويه6 وثعلب7 وأبو عمرو   1 وتمامه: "تتمة الإبانة" وصاحبه هو أبو سعيد عبد الرحمن بن مأمون النيسايوري المعروف بـ "المتولى" [ت 478هـ] أما "الإبانة" فهو مصنف في فروع الفقه الشافعي وصاحبه هو: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوراني المروزي الشافعي [ت 461هـ] . 2 هو العلامة الفقيه: أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي [364 – 450هـ] و"الحاوي" مصنف ضخم له في الفثه الشافعي واختصره في كتاب سماه "الإقناع" وله أيضا "الأحكام السلطانية" مطبوع و"أدب الدنيا والدين" مطبوع. 3 هو أبو الخطيب عبد الحميد بن عبد المجيد البصري شيخ سيبويه [ت 170هـ] . 4 هو الفقيه الأصولي المتكلم: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي الشافعي [393 – 476هـ] و"التبصرة في أصول الفقه" مصنف له وهو مطبوع دمشق "1980" بتحقيق محمد حسن هيتو وله أيضا في الفقه "التنبيه" مطبوع و"المهذب" مطبوع وله "الملخص" في أصول الفقه و"اللمع" مطبوع بيروت "1988" و"المعونة" في الجدل. 5 هو النحوي اللغوي أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد البصري [ت 206هـ] . 6 هو شيخ النحوي أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه بنالمرزبان الفارسي البغدادي بلميذ المبرد [258 – 347هـ] كان على مذهب البصريين في النحو ومن مصنفاته "الإرشاد" و"شرح كتاب الجرمي". 7 هو العلامة النحوي: أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد البغدادي [200 – 291هـ] صاحب "الفصح" و"اختلاف النحويين" و"معاني القرآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الزاهد1 وابن جنى2 وابن برهان الربعى3. وأنكر ابن الأنبارى4 المتأخر هذا النقل عن جميع من ذكر عن النحاة وزعم أن كتبهم تنطق بخلاف ذلك وقال لم نر هذا النقل عنهم إلا في بعض التعاليق الخلافية الفقهية لا في كتب أهل اللغة والعربية. ويدل على ما ذكره أن أبا على الفارسى5 نقل إجماع نحاة أهل الكوفة والبصرة على أن الواو العاطفة لمطلق الجمع وكذلك قال الشيرازى أحمع نحاة أهل البصرة والكوفة على أن الواو لا تقتضى تقديم شىء ولا تأخير شىء ولم يصح عنهم في ذلك شىء إلا ما نقل عن الربعى في شرح كتاب الجرمى6 أنه نقل عن الشافعى أنها للترتيب قال فلقوله وجه. قال ابن الأنبارى ولا يصح عن الشافعى ذلك وانها أخذ من قوله في الوضوء والترتيب فيه من القراءتين قال وقد نص الشافعى على ما إذا وقف على ولده وولد ولده بالاشتراك. والمذهب الرابع قاله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا أن الواو العاطفة إن كان كل واحد من معطوفاتها مرتبطا بالآخر وتتوقف صحته على صحته أفادت الترتيب بين معطوفاتها كقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}   1 هو شيخ القراء والنحاة: أبو عمرو بن العلاء بن العريان ثم المازني البصري [68 – 154هـ] . 2 هو إمام اللغة والنحو: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي [328 – 420هـ] من مصنفاته "الخصائص" مطبوع. 3 هو: أبو الحسن علي بن عيسى بن الفرج الربعي البغدادي النحوي [328 – 420هـ] من مصنفاته "شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي و"شرح مختصر الجرمي". 4 هو اللغوي النحوي المقرئ: أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الأنباري [271 – 328هـ] من مصنفاته "الأضداد" و"إيضاح الوقت والإبتداء في كتاب الله عز وجل". 5 هو إمام النحو: "أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي" الفسوي "288 – 377" من مصنفاته "الإيضاح" في النحو و"التذكرة في علوم العربية" و"الحجة" في علل القراءات. 6 الجرمي: هو أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي البصري النحوي [ت 225هـ] وكتابه هو "المختصر" في النحو وله أيضا "الأبنية" و"غريب سيبويه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 [الحج: 77] وقوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وكآية الوضوء وإن لم تتوقف صحة بعض معطوفاتها على بعض لم تدل على الترتيب كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وقد أومأ الإمام أحمد إلى هذا أيضا. المذهب الخامس ونقل عن الفراء1 أن الواو للترتيب إذا تعذر الجمع والله أعلم. إذا تقرر هذا فههنا فروع تتعلق بذلك. منها: إذا قال لزوجته إن قمت وقعدت فأنت طالق فلا يقع الطلاق إلا بالقيام والقعود ولا يكفي أحدهما على الصحيح من الروايتين ولا فرق بين أن يتقدم أحدهما على الآخر أم لا هكذا ذكر من وقفت على كلامه من الأصحاب بناء على القاعدة أن الواو لمطلق الجمع. ويتخرج لنا قول آخر أنها لا تطلق حتى ثم تقوم وتقعد كالفاء وثم على قولنا إنها للترتيب. ومنها: إذا قال لزوجته التى لم يدخل بها أنت طالق وطالق وطالق طلقت ثلاثا بناء على القاعدة أنها لمطلق الجمع هذا هو أصح الروايتين عن أحمد ونص عليه في رواية صالح والأثرم وغيرهما وهو المذهب عند الأصحاب. وعن أحمد تبين بالأولى قال ابن أبى موسى بناء على أن الواو للترتيب وفي بناء ابن أبى موسى نظر بل الأولى في تعليل أنها تبين بالأولى لأنه إنشاء والإنشاءات يترتب معناها على ثبوت لفظها. ولو علق طلاق زوجته التى لم يدخل بها على شرط كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت طلقت ثلاثا جزم به الشيخ أبو محمد   1 هو العلامة النحوي: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منطور الكوفي الفراء صاحب الكسائي [144 – 207هـ] من مصنفاته "معاني القرآن" و"المذكر ولمؤنث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 المقدسي وغيره وسواء قدم الشرط أو أخره جزم به أبو البركات. ومنها: لو وقف على أولاده وأولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده فإنه يكون مشتركا بين البطون كلها بناء على القاعدة. وقال الأصحاب إن رتب أولا ثم شرك ثانيا بالواو اتبع شرطه. وقال أبو العباس حرف الواو نحوا لا يقتضى الترتيب فلا ينفيه لكن هى ساكتة عنه نفيا وإثباتا ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق فإن كان في الوقف ما يدل على الترتيب مثل أن رتب أولا ثم شرك ثانيا عمل به ولم يكن ذلك منافيا لمقتضى الواو ولم أر لأصحابنا خلافا إذا عطف بالواو وحدها. فإن قلت: فقد اختار صاحب المغنى أنه إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده ما تعاقبوا على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده أن هذا يدل على الترتيب. قلت: إنما اختار هذا لقرينة غير الواو وهى أن التشريك يقتضى التسوية ومشاركته تؤدى إلى التفضيل حيث يجمع بين الشركة والنصيب لكن يتخرج لنا قول آخر بالترتيب بناء على أن الواو للترتيب. ومنها: ما قاله بعضهم إن وجوب الترتيب في الوضوء والبداءة بالصفا بناء على أن الواو للترتيب وليس بناء جيدا لأن المذهب الصحيح أنها ليست للترتيب والمذهب الصحيح وجوب الترتيب والبداءة بالصفا وإنما ثبت هذا بأدلة غير الواو. ومنها: إذا قال أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين في المسألة وجهان والذي جزم به القاضى في الجامع الكبير أنها تطلق اثنتين بناء على القاعدة والذي صححه صاحب المغنى ليس مجازا على قواعد المذهب. وإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين وقعت الثلاث جزم به القاضى في الجامع الكبير وعلله القاضى بأن الاستثناء رجع إلى ما يملكه من العدد وهو يملك ثلاثا وقد أوقع أربعا فلغت واحدة وبقى ثلاث وقد استثنى منها اثنتين واستثناء الأكثر لا يصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وهذا الذي قدمه صاحب المغنى وعلله بأنه إن عاد إلى الجملة التى تليه فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التى يملكها فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح. وأبدى احتمالا آخر أنه يصح بناء على أن العطف يجعل الجملتين جملة واحدة وأن استثناء النصف يصح فكأنه قال أربعا إلا اثنتين. وما قاله القاضى من الاستثناء يرجع إلى ما يملكه فهو أحد الوجهين لأصحابنا والثانى إلى ما لفظ به. وإن قال اثنتين واثنتين إلا واحدة فالذي جزم به القاضى في الجامع أنها تطلق اثنتين بناء على قاعدته وقاعدة المذهب أن الاستثناء يرجع إلى ما يملكه وأن العطف بالواو يصير الجملتين جملة واحدة. وأبدى صاحب المغنى احتمالين أحدهما هذا والثانى لا يصح قال لأنه إن عاد إلى الرابعة فقد بقى بعدها ثلاث وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع. وما قاله رحمه الله تعالى في توجيه الاحتمال الثانى فيه نظر. وإن فرق بين المستثنى والمستثنى منه فقال أنت طالق واحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة قال صاحب الترغيب وقعت الثلاث على الوجهين جميعا يعنى الوجهين المذكورين في صدر المسألة. ومنها: إذا قال لزوجاته الأربع أوقعت بينكن أو عليكن ثلاث طلقات فهل يقع بكل واحدة طلقة أو ثلاث في المسألة روايتان عن الإمام أحمد ولزوم الثلاث اختيار أبى بكر والقاضى والواحدة اختيار المقدسي وأبى الخطاب وغيرهما. فإن قال أوقعت بينكن أو عليكن طلقة وطلقة وطلقة فطريقان للأصحاب أحدهما يقع بكل واحدة ثلاث على الروايتين وهو طريق صاحب الترغيب وقدمه صاحب المحرر. وقال في المغنى تطلق كل واحدة ثلاثا لأنه لما عطف وجب قسم كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 طلقة على حدتها قال ويستوى في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب وفيما قاله رحمه الله تعالى نظر ظاهر. والطريق الثانى حكمها حكم ما لو قال بينكن أو عليكن ثلاثا وهذا الطريق أقرب إلى قاعدة المذهب. ومنها: إذا قالت له زوجته التى لم يدخل بها طلقنى بألف فقال أنت طالق وطالق وطالق قال القاضى في المجرد تطلق ههنا واحدة. وما قاله في المجرد بعيد على قاعدة المذهب وخالفه في الجامع الكبير فقال تطلق ههنا ثلاثا بناء على قاعدة المذهب أن الواو لمطلق الجمع ثم تناقض فذكر في نظيرها أنها تطلق واحدة. ومن الأصحاب من وافقه في بعض الصور وخالفه في بعضها ومنهم من قال كما قاله في ذلك فهو سهو على المذهب. ولا فرق عندنا بين قوله أنت طالق ثلاثا وبين قوله طالق وطالق وطالق وهو طريق صاحب المحرر في تعليقه على الهداية1. ومنها: إذا كان للمريض عبدان كل منهما ثلث ماله فقال أعتقت هذا وهذا ولم يجز الورثة فهذه المسألة لم أرها منقولة فيما وقفت عليه من فروع أصحابنا فيحتمل أن يقال فيها يعتق أحدهما بالقرعة كما لو قال أعتقت هذين بناء على القاعدة ويحتمل أن يعتق من ابتدأ بعتقه أولا لقرينة ابتداء الموصى به لدلالة الابتداء على الأهلية والله أعلم. والتزم الطوفي أنه يعتق مقدار الثلث منهما. وما قاله بعيد جدا على المذهب لاتفاق الأصحاب فيما علمت أنه إذا أعتق عبدين لا يملك غيرهما ولم يجز الورثة فإنا نعتق أحدهما بالقرعة إن خرج من الثلث ونكمل الثلث من الآخر والإ عتق منه بقدره. لكن قال أبو بكر وابن أبى موسى إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله وشهدت أخرى أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلث   1 مصنف في الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني طبع في الرياض "1995". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ماله أنه يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة. وما قاله بعيد على المذهب جدا ولم أر أحدا من الأصحاب خرج قولهما إلى مسألة تنجيز العتق فحينئذ لم يقل أحد من الأصحاب بما التزم الطوفي. ومنها: إذا قال له على درهم ودرهم إلا درهما أو له على درهمان وثلاث إلا درهمين فهل يصح الاستثناء؟ على وجهين صحح جماعة أن الاستثناء. لا يصح وما قالوه ليس بصحيح على قاعدة المذهب بل على قاعدة تقتضي صحة الاستثناء. ومنها: إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء زيد طلقت ثلاثا ولا يكون استثناء ذكره القاضى في الجامع الكبير لأن الثلاث الأخرى لا يملكها فقد فصل بين الاستثناء وبين الطلاق بكلام حشو. قلت: وقاعدة المذهب تقتضى أن الطلاق موقوف على مشيئة زيد كما لو قال أنت طالق ثلاثا إن شاء زيد والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 القاعدة 30 الفاء تقتضى تشريك ما بعدها لما قبلها في حكمه واتفق الجمهور على أنها تدل على الترتيب بلا مهلة ويعبر عنه بالتعقيب كأن الثانى أخذ بعقب الأول. وقال الإمام فخر الدين التعقيب بحسب الإمكان احترازا من قولهم دخلت بغداد فالبصرة فإذا كان بينهما ثلاثة أيام فدخل بعد الثلاث فهذا تعقيب عادة أو بعد خمسة أو أربعة فليس بتعقيب. وقال الفراء يجوز أن يكون ما بعدها سابقا. وقال الجرمى إن دخلت على الأماكن والمطر فلا تفيد الترتيب تقول نزلنا نجدا فتهامة ونزل المطر نجدا فتهامة وإن كانت تهامة في هذا سابقة. إذا تقرر هذا فمما يتعلق بالقاعدة من الفروع. إذا قال لزوجته إن قمت فقعدت فأنت طالق لم تطلق إلا بهما مرتين كما ذكر جزم به جمهور الأصحاب. وذكر بعض المتأخرين أن بعض الأصحاب حكى رواية أن الفاء وثم كالواو في هذه المسألة فحينئذ يقع الطلاق بالشرطين كيف وجد على هذه الرواية. ويتخرج لنا رواية أنها تطلق بوجود أحدهما ولو قلنا بالترتيب بناء على أن الطلاق إذا كان معلقا على شرطين أنها تطلق بوجود أحدهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ومنها: إذا قال لزوجته قبل الدخول أنت طالق فطالق فإنها تطلق بالأولى ولا يلحقها ما بعدها سواء في ذلك التعليق والتنجيز جزم به الأصحاب والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 القاعدة 31 ثم من حروف العطف ويجوز إبدال ثائها فاء وأن تلحق آخرها تاء التأنيب متحركة تارة وساكنة إخرى وهى تفيد الترتيب ولكن بمهلة ذكره ابن عقيل وكثير من أصحابنا وغيرهم وتفيد التشريك في الحكم على قول الأكثر. وزعم الأخفش والكوفيون أنه قد يتخلف حملوا عليه قوله تعالى: {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 118] . وقيل تستعمل للترتيب أيضا بلا مهلة كالفاء. وقال الفراء والأخفش وقطرب إنها لا تدل على الترتيب بالكلية. وذهب أبو عاصم العبادى من الشافعية إلى أنها لا تدل على الترتيب ذكره عنه القاضى الحسين من الشافعية في فتاويه تمسكا بقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6] وبقوله تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِين*ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 7, 9] وبقوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 153, 154] وبقول الشاعر: إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم ساد قبل ذلك جده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وأجيب عن الآيات وقول الشاعر بأجوبة ذكرها ابن هشام1 في مغنى اللبيب ليس هذا موضع ذكرها والله أعلم. إذا تقرر هذا فمن الفروع التى تتعلق بالقاعدة. إذذا قال لزوجته إن قمت ثم قعدت فأنت طالق لم تطلق إلا بهما مرتين. وقد تقدم أن بعض الأصحاب حكى رواية أنها كالواو وتقدم التفريغ عليها في قاعدة الفاء بما يغنى عن إعادته هنا. ومنها: في الوقف إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده ثم على المساكين فينتقل الوقف إلى الموقوف عليهم مرتبا فلا يستحق أحد شيئا من البطن الثانى مع وجود أحد من البطن الأول جزم به الأصحاب. ومنها: إذا قال لزوجته التى لم يدخل بها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فدخلت طلقت واحدة فبانت بها ولم يقع غيره ذكرها صاحب المغنى وغيره. وحكى صاحب المغنى عن القاضى أنه قال تطلق واحدة في الحال فتبين بها والذي قاله القاضى في الجامع وذكره عنه أبو البركات أنه إن أخر الشرط طلقت طلقة ولغا ما بعدها وإذا قدم الشرط طلقت الثانية ولغت الثالثة وتعليق الأولى بحاله. وإن كانت مدخولا بها لم تطلق حتى تدخل فتطلق ثلاثا ذكره صاحب المغنى وغيره وقال القاضى تطلق طلقتين في الحال وتقف طلقة على الشرط.   1 هو جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد عبد الله بن يوسف ابن هشام صاحب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" وهو مطبوع و"عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب" و"شذور الذهب" وهو مطبوع و"قطر الندى وبل الصدى" و"أوضع المسالك إلى ألفية ابن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 القاعدة 32 إنما بالكسر تفيد الحصر. واختار الآمدي أنها لا تفيده بل تفيد تأكيد الإثبات ونقله أبو حيان1 في شرح التسهيل عن البصريين وهو قول جمهور النحاة وابن الحاجب لم يصحح شيئا. وإذا قلنا إنها تفيد الحصر فهل تفيد بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان حكاهما ابن الحاجب والرويانى2 الشافعى واختار ابن المنى وغيره من أصحابنا أنها تفيد مطلقا واختار القاضى وابن عقيل والحلوانى ومن الشافعية الشيخ أبو إسحاق الشيرازى والغزالى وألكيا الهراسي3 وطائفة من المتأخرين أنها تفيدهما.   1 هو النحوي المفسر الأديب أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان العرناطي الأندلسي الجياني النفري [654 – 745هـ] من مصنفاته "البحر المحيط" في التفسير "منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك" و"التذييل والتكميل في شرح التسهيل". 2 هو فخر الإسلام عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الرويانيالطبري الشافعي [415 – 502هـ] من مصنفاته "بحر المذهب" في الفقه من أطول كتب الشافعية في الفروع "الكافي" في الفقه "مناصيص الإمام الشافعي" و"حلية المؤمن". 3 هو الفقيه والمتكلم الشافعي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهراسي [451 – 504هـ] تلميذ إمام الحرمين الجويني ومما صنف: "شفاء المسترشدين في مباحث المجتهدين" في الخلاف و"أحكام القرآن" مطبوع و"التعليق" في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وأما أنما بالفتح فقال ابن هشام الأصح أن حرف أن فيها فرع إن المكسورة ومن هنا صح أن الزمخشرى1 يدعى أن أنما بالفتح تفيد الحصر كإنما وقد اجتمعا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] وقول أبى حيان هذا شىء انفرد به ولا يعرف القول بذلك إلا في إنما المكسورة مردود بما ذكرت. وقوله إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد مردود أيضا بأنه حصر مفيد إذ الخطاب مع المشركين فالمعنى ما أوحى إلى في أمر الربوبية إلا التوحيد لا الإشراك وإلا فما الذي يقوله في نحو {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] .   1 هو العلامة المفسر اللغوي النحوي أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري المعتزلي [467 – 538هـ] من تصانيفه: "الكشاف" في التفسير و"الفائق في غريب الحديث" و"المنهاج" في أصول الفقه و"أساس البلاغة" وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 القاعدة 33 الباء للإلصاق سواء دخلت على فعل لازم أو متعد عند جمهور أهل اللغة. وقال بعضهم الباء للتبعيض. وقال ابن كيسان1 وبعض الشافعية إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض كقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] صونا للكلام عن العبث. وفرع بعضهم على هذا الخلاف الخلاف في استيعاب مسح الرأس بالماء في الوضوء. وفرع بعضهم مسح البعض على أن {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] مجمل والقدر المشترك ما يقع عليه الاسم فكان المتحقق. وفرعه بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله بالإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا وكل هذه التفاريع ضعيفة. أما الأول فقد أنكر حذاق أهل العربية ورودها للتبعيض. قال أبو بكر عبد العزيز سألت ابن دريد2 وابن عرفة3 عن الباء تبعض؟   1 هو اللغوي النحوي أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان [ت 399هـ] مما صنف: "المهذب في النحو" "غريب الحديث" "غلط أدب الكاتب". 2 هو اللغوي النحوي الأديب: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية البصري [223 – 321هـ] صاحب "الجمهرة" و"المقصور والممدود". 3 هو الفقيه الأصولي المقرئ المتكلم: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة ......................... == الورغمي التونسي المالكي [716 – 803هـ] من تصانيفه: "المختصر الكبير" في الفقه وهو مطبوع "المبسوط" في الفقه "الحدود" في التعاريف الفقهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فقالا لا نعرف في اللغة الباء تبعض وكذلك قال ابن جنى وابن برهان وغيرهما. فإن قلت: إنكار ابن جنى وغيره شهادة على نفي غير محصور فلا تسمع. قلت: هذا ممنوع فإن العالم بفن أدلة علميته الفحص والتحقيق قيل منه النفي والله أعلم. وذكر سيبويه أنها للإلصاق ولم يذكر سواه ولكن أثبت قوم أنها للتبعيض منهم الأصمعى1 والقتيبى2 والفارسى في التذكرة وقال بعضهم به من المتأخرين ابن مالك والأظهر حمل قول من قال إنها للتبعيض على أنه مجاز ومن قال إنها للإلصاق على أنه حقيقة كما قال غير واحد من أئمة العربية الباء أصلها للالصاق. وأما قول من قال إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض صونا للكلام عن العبث وهذا قاله في المغانم. فجوابه قد تكون في الفعل المتعدى زائدة للتأكيد كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] أى تنبت الدهن وكقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أى أيديكم ويدل على أنها زائدة في الآية عدم اقتصار النبى صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة على مسح بعض رأسه. وقال بعضهم الباء في {برءوسكم} للاستعانة وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رءوسكم بالماء ذكره ابن هشام.   1 هو الأخباري اللغوي الحجة: أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الأصمعي البصري [122 – 216هـ] من مؤلفاته "الأصمعيات". 2 كذا في الأصل ولعل المقصود هو: ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري [213 – 276هـ] من كتبه "المعارف" "أدب الكاتب" "غريب الحديث" "تأويل مختلف الحديث" "عيون الأخبار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وأما الثانى: وهو أن الآية مجملة فالذي عليه المحققون من الأصوليين من أصحابنا وغيرهم أن الآية غير مجملة وإنما حكى إجمالها عن الحنفية ذكره في المسودة لأنه إن ثبت عرف في الكل كما قاله الجمهور فلا إجمال وإن ثبت بعض كما قال الشافعى ومن وافقه فلا إجمال. قالوا: العرف في نحو مسحت بالمنديل البعض. وجوابه لأنه آلة بخلاف مسحت بوجهى ذكره ابن الحاجب. وأما الثالث: وهو أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله بالإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا بد من استيعاب ذلك الاسم؟ جوابه أن هذه المسألة فيها قولان للعلماء اختار القاضى عبد الوهاب المالكى الاقتصار على أول ذلك الاسم والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط. قال القرافي في شرح التنقيح وكثير من الفقهاء غلط في تصوير هذه المسألة حتى خرج عليها ما ليس من فروعها. فقال أبو الطاهر وغيره في قول الفقهاء التيمم إلى الكوعين أو إلى المرفقين أو إلى الابطين فيه ثلاثة أقوال إن ذلك يتخرج على هذه القاعدة هل يؤخذ بأوائل الأسماء فيقتصر على الكوع أو أواخرها فيصل إلى الإبط ويجعلون كل ما هو من هذا الباب يتخرج على هذه القاعدة وهذا باطل إجماعا. ومنشأ الغلط إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء والتسوية بينها ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه فلا يجوز ركعة عن ركعتين في الصبح ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم ونظائره كثيرة. إنما معنى هذه القاعدة إذا علق الحكم على معنى كلى له محال كثيرة وجزئيات متساوية في العلوم واللغات والقلة والكثرة هل ذلك الحكم على أدنى المراتب هذا موضع الخلاف. ومثاله إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ركعت فاطمأن" فأمر بالطمأنينة فهل يكتفي بأدنى رتبة يقصد فيها الطمأنينة أو يفعل أعلاها وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "خللوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الشعر وأنقوا البشرة" 1 يقتضى التدليك هل يقتصر على أدنى رتبة أو أعلاها. فهذه القاعدة في الجزئيات والمحل لا في الأجزاء. ثم الفرق بينهما أن الجزء لا يستلزم الكل فلذلك أجزأ الثانى دون الأول وأدنى رتبة الموالاة موالاة وليست الركعة ركعتين ولا اليوم شهرا. وعبارة القاضى عبد الوهاب صحيحة في قوله تقتضى الاقتصار على أوله أى أول رتبة فمن فهم أول أجزائه فقد غلط انتهى. قلت: فإذا تقرر هذا فقد بان بطلان التفريع على هذه القاعدة إذ مسح الرأس حكم في الكل فلا يقتصر على جزئه لا حكم في الكل فيقتصر على أجزائه على أحد القولين والله أعلم.   1 لفظ الحديث: "إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة" رواه ابن ماجه كتاب الطهارة رقم: "597" وضعه أبو داود وقال الترمذي: حديث غريب أبواب الطهارة رقم: "106". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 القاعدة 34 حتى في اللغة للغاية. ومواضعها متعددة وهى في قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] كذلك ومعناها انتهاء التحريم الثابت بطلاق الزوج الأول عند وطء الثانى فيعود الحل الذي كان قبل الطلاق بعقد جديد. وقال أبو حنيفة معناها الرفع والقطع كقوله تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] أى ترفعوا الجنابة وتقطعوا حكمها فمعناه في الآية حتى يرفع الزوج الثانى النكاح الأول ويقطع أحكامه. وما قاله أبو حنيفة من جهة اللغة لا أصل له. وفرع بعضهم على هذا الخلاف الخلاف في مسألة هدم الطلاق. وهى أن من طلق زوجته دون الثلاث وتزوجت ثم عادت إليه بنكاح جديد فإنها تعود على ما بقى من نكاحها الأول عندنا على الصحيح من الروايتين عن الإمام أحمد لأن النكاح الثانى علم على انتهاء علة التحريم فلا دخل له في هدم الطلاق. وعند أبى حنيفة تعود له بطلاق كامل لأن الزواج رفع آثار العقد الأول وقطع حكمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 القاعدة 35 إلى لانتهاء الغاية. وهل يدخل ما بعدها فيما قبلها؟ في المسألة مذاهب. أحدها: وهو المشهور أنه لا يدخل بل تدل على خروجه وهذا مذهب الشافعى والجمهور وصرح به إمام الحرمين الشافعى في البرهان1. والمذهب الثانى: أن الغاية المحصورة تدخل وعن أحمد ما يدل عليه. والمذهب الثالث: إن كانت الغاية من جنس المحصور كآية الوضوء دخلت وإن كانت من غير جنسه كقوله {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لم تدخل وهذا قول أبى بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا قاله في وضوء التنبيه2. والمذهب الرابع إن لم تكن معه من دخل وإلا فلا نحو بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة. والمذهب الخامس رجحه في المحصول والمنتخب إن كان منفصلا عما قبله بمنفصل معلوم بالجنس كقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}   1 وهو كتاب "البرهان في أصول الفقه" مطبوع الدوحة [1399هـ] بتحقيق عبد العظيم الديب. 2 لأبي بكر عبد العزيز غلام الخلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 [المائدة: 6] فإن المرفق منفصل بجزء مشتبه وليس تعيين بعض الأجزاء أولى من تعيين البعض فوجب الحكم بالدخول. والمذهب السادس وهو مذهب سيبويه كما قاله في البرهان أنها إن اقترنت ب من فلا يدخل وإلا فيحتمل الأمرين. والمذهب السابع واختاره الآمدي أنها لا تدل على شىء ولم يصحح ابن الحاجب شيئا. تنبيه: أطلق العلماء الخلاف فيما بعد الغاية هل يدخل فيما قبلها ولم يفصلوا وقال القرافي في شرح التنقيح ينبغى أن يحمل الخلاف على إلى دون حتى فيجب تضافر قول النحاة أن حتى لها شروط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها وداخلا في حكمه وأخرجوه منه أو متصلا به فيه معنى التعظيم والتفخيم. فنصوا على اندراج ما بعدها في الحكم فما بقى لدخول الخلاف في اندراجه فائدة بل يندرج ليس إلا. ويحمل الخلاف على إلى فإنه ليس فيها نقل يعرف هنا واللع أعلم. قال ابن هشام وليس كما ذكر القرافي بل الخلاف مشهور يعنى في دخول ما بعد حتى وإنما الاتفاق في حتى العاطفة لا الخافضة. والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو. إذا تقرر هذا فههنا فروع تتعلق بالقاعدة. منها: إذا شرط العاقدان الخيار في البيع أو غيره بما يشرع فيه الخيار إلى الليل أو الغد لم يدخل الليل أو الغد في المدة في أصح من الروايتين: بناء على المشهور من القاعدة وعن الإمام أحمد رضى الله عنه رواية أخرى يدخل بناء على الرواية الثانية المقيدة في القاعدة. ومنها: هل يجب إدخال المرفقين والكعبين ف يالوضوء أم لا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 مذهبنا: الوجوب وقال داود1 وزفر2 لا يجب. قال الطوفي والخلاف في الوجوب وعدمه ينبنى على هذه القاعدة. قلت: قول داود وزفر رواية عن الإمام أحمد ذكرها صاحب الرعاية. وأما الوجوب وعدمه على القاعدة فليس بناء جيدا لأن المذهب أن ما بعد الغاية لا يدخل فيما قبلها والمذهب وجوب الغسل وإنما أقرب المآخذ قد يفيد أن الحدث لا يتيقن زواله إلا بغسل المرفقين إذ بدونه يشك في زوال الحدث والأصل بقاؤه فيبقى ذلك من قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به وقد تقدم تقرير ذلك والله أعلم. ومنها: إذا قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين؟ على روايتين ذكرهما أبو البركات وغيره والمذهب أنها تطلق اثنتين ومأخذ الروايتين البناء على القاعدة. فإن قال نويت واحدة ولم أنو الابتداء والغاية دين. وهل يقبل في الحكم على روايتين ذكره القاضى في الجامع. ويتخرج لنا وجه أنها تطلق واحدة ولو لم يقل نويتها مثل إيقاع الإقرار بالدراهم الثمانية إلغاء للطرفين. ومنها: إذا حلف لا يفعل شيئا إلى يوم الفطر فلما كان يوم الفطر فعله نقل أحمد بن محمد صدقة3 عن الإمام أحمد الحنث ونقل محمد بن موسى   1 هو أبو سليمان داود بن علي بن خلف الإصبهاني مؤسس المذهب الظاهري في الفقه [200 – 270هـ] مما صنف: "إبطال القياس" و"إبطال التقليد" و"العموم والخصوص" و"الذب عن السنن والأحكام والأخبار" و"الأصول". 2 هو الفقيه المجتهد: أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس بن سلم العنبري صاحب أبي حنيفة [110 – 158هـ] . 3 كذا في الأصل والصواب ابن صدفة وهو: أب بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة [ت 293هـ] نقل عن الإمام أحمد مسائل ومرويات كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 التبريزى1 عدمه وذكر القاضى في الجامع الكبير في المسألة التى قبل هذه المسألة أصل لوجهين. ومنها: لو قال الموصى يعطى فلان من إلى عشرة فإن وصيته بعشر على التخيير فيما فوق واحد. ومن الناس من يجعله على الخلاف في الأقارب هل يجب تسعة أو ثمانية أو عشرة قال الحاوى في الأول أظهر فإن استعمال هذه الصيغة في الأمر والإذن يفهم منها التخيير فوجب الحول عليه وأما الإقرار فلا يقبل التخيير في إيقاع واحد منها فافترقا والله أعلم. ومنها: إذا قال له من هذا الحائط إلى هذا الحائط جزم القاضى في الجامع الكبير أنه لا يدخل الحائطان قال لأن ذكر الحائطين في الإقرار على جهة التحديد ولكن لا يدخل في المحدود ألا ترى أنه لو قال في المشترى حده الأول الطريق لم يدخل الطريق في الحد. ومنها: إذا أجل المسلم أو غيره من الديون إلى المحرم مثلا تعلق بأوله جزم به الأصحاب. ويتخرج لنا وجه أنه لا يحل إلا بانقضائه من مسألة الأيمان فيتيقن به والله أعلم. ومنها: أن جراح المرأة تساوى جراح الرجل فيما دون الثلث وعنه على نصفه. فعلى الأولى هى فيما الثلث على النصف وفيما فوق الثلث روايتان. ومأخذ الروايتين ما رواه النسائى "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها" 2 رواه من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن جريح عن   1 كذا بالأصل ولعل الصواب النهرتيري وهو: أبو عبد الله محمد بن موسى بن أبي موسى النهربيري البغدادي أحد الرواة عن الإمام أحمد بن حنبل وتاريخ وفاته مجهول إلا أن من بين من سمع عنه: أبو الحسن أحمد بن جعفر بن المنادي المتوفي سنة [336هـ] . ونهربيري قرية بنواحي البصرة والأهواز انظر طبقات الحنابلة "1/323 – 324". 2 رواه النسائي كتاب القسامة رقم: "4805". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال إسماعيل ضعيف كثير الخطأ. وقال جماعة من الأصحاب الصحيح أنه لا يبلغ الثلث لأن حتى للغاية فيجب أن تكون مخالفة لما قبلها كقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . [التوبة: 29] وهذا صريح في رد ما قاله القرافي وهو أن الخلاف في إلى دون حتى. ومنها: إذا قال المقر له على من درهم إلى عشرة فماذا يلزمه؟ في المسألة ثلاثة أوجه. أصحها أنه يلزمه تسعة بناء على ما بعد الغاية لا يدخل فقط وهو الدرهم العاشر والثانى عشر وحكى رواية بناء على تناول ما بعدها. وقيل ثمانية إلغاء للطرفين وجزم به ابن شهاب وكما لو قال من هذا الحائط إلى هذا الحائط. قال القاضى في الجامع إنما التزمنا الابتداء في العدد لأنا نحتاج أن نبنى عليه الثانى ولا يصح بناء الثانى إلا بعد دخول الابتداء وليس كذلك الغاية لأنا لا نحتاج إلى أن نبنى عليها شيئا فلم يجز إثباتها. وقال أبو العباس والذي ينبغى أن يجمع ما بين الطرفين من الأعداد فإذا قال من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط وأربعة وأربعون إن أخرجناهما. وما قاله رحمه الله ظاهر على قاعدته إن كان ذلك عرف المتكلم فإنه يعتبر في الإقرار عرف المتكلم وتنزيله على أقل محتملاته. وأصحابنا قالوا: يلزمه خمسة وخمسون إن أراد مجموع الأعداد. وطريق ذلك أن يزيد أول العدد وهو واحد على العشرة ويضربها في نصف العشرة يكون المبلغ والله أعلم. وإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين قال أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 البركات لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثانى وقياس الثالث تسعة. ومنها: إذا أنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها طلقت في الحال وجزم به بعض المتأخرين ولكنه يقول ينبغى أن يحمل الكلام على جهة صحيحة وهو إما أنه يحمل على معنى أنت طالق إذا دخلت إلى مكة أو إذا خرجت إلى مكة فإن حمل على إذا دخلت إلى مكة فلا تطلق إلا بالدخول إلى مكة وهذا أولى لبقاء نفي النكاح وإن حمل على إذا خرجت إلى مكة فيكون حكمها حكم المسألة بعدها. ومنها: إذا قال لزوجته إن خرجت إلى العرش1 أو إلى الحمام بغير إذنى فأنت طالق فخرجت إلى ذلك تقصده ولم تصل إليه فهل تطلق أم لا تطلق حتى إليه فهذه المسألة لم أرها منقولة فيما وقفت عليه من كتب أصحابنا. ويحتمل أن يقال إنها تخرج على مسألة الاكتفاء ببعض الصفة. ولأصحابنا في الأكثر ببعض الصفة في الطلاق والعتاق طرق ثلاثة. إحداهن: الاكتفاء بذلك كما يكتفي في اليمين على إحد الروايتين وهى طريقة القاضى واستثنى في الجامع من ذلك أن تكون صفة معاوضة. والثانية: لا نكتفي بها وإن اكتفينا ببعض المحلوف عليه في اليمين. والثالثة: إن كانت الصفة تقتضى حضا أو منعا وتصديقا أو تكذيبا فهى كاليمين وإلا فهى علة محضة فلا بد من وجودها بكمالها وهى طريقة صاحب المحرر. فإذا تقرر هذا فمتى خرجت لذلك طلقت وصلت إلى الحمام أم لم تصل بناء على طريقة صاحب المحرر إن قصد منعا أو بناء على طريقة القاضى إن لم يقصد شيئا والله أعلم.   1 العرش: بناء من خشب على رأس البئر يكون ظلالا انظر لسان العرب "4/2280 – 2282". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 تنبيه: لفظة إلى قد تكون لابتداء الغاية مثال ذلك إذا قال لزوجته أنت طالق إلى شهر فلا تطلق إلا بعد الشهر هذا المذهب قال في المغنى لأنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله وحكى رواية أنه يقع الطلاق في الحال كما لو نوى إيقاعه في الحال. وذكر ابن عقيل رواية يتأخر الطلاق إلى ما بعد شهر ولو نوى إيقاعه وتأخر وقوعه إلى ما بعد شهر فروى عن ابن عباس وعن أبى ذر في العتق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 القاعدة 36 في للظرفية تحقيقا كزيد في الدار أو تقديرا كقوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أو مجازا محضا كزيد ينظر العلم أو يخوض في الباطل وأنكر جماعة من الأدباء كونها للسببية. قال بعضهم وقول الفقهاء هى للسببية لم يعرف عن أئمة اللغة. وقال القرافي الصحيح ثبوته لقوله صلى الله عليه وسلم: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" 1 فإن النفس ليست ظرفا وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: في حديث الإسراء: "رأيت امرأة عجل الله بروحها إلى النار لأنها حبست هرة حتى ماتت جوعا وعطشا فدخلت النار فيها" 2 معناه بحبسها لأنها ليست في الهرة ومنها الحب في الله والبغض في الله أى بسبب طاعة الله أحب في الله وأبغض بسبب معصية الله تعالى.   1 من حديث طويل يتضمن الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وبعثه مع عمرو بن حزم رواه النسائي كتاب العقول "4853, 4855, 4856" دون إضافة لفظ: "مؤمنة" ورواه مالك كتاب العقول "1". 2 من حديث خطبة الكسوف رواه مسلم عن جابر كتاب الكسوف "904" ولفظه: "حتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا". ورواه النسائي عن عبد الله بن عمرو ولفظه: "حتى رأيت امرأة من حمير تعذب في هرة ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض فلا هي أطعمها ولا هي سقتها حتى ماتت". كتاب الكسوف "1482". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وتستعمل الباء لمعناها كقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137, 138] أى وفي الليل وتستعمل بمعنى مع كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] . إذا تقرر هذا فمما يتعلق بالقاعدة. إذا قال لزوجته أنت طالق في يوم كذا أو في شهر كذا طلقت بأوله لأنه جعل الشهر أو اليوم ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت بناء على القاعدة فلو قال أردت آخره دين. وهل يقبل في الحكم على روايتين. ولو قال أنت طالق في يوم كذا طلقت بأوله ولو قال أردت آخره لم يقبل في الحكم ولم يدين على ما رواه مهنا وقيل يدين. ولو قال أنت طالق في الحول اختار ابن أبى موسى وبعض المتأخرين قال وهى رواية عن أحمد أنها تطلق في رأسه. قلت: وكلام غير واحد يقتضى أنها تطلق في الحال. ومما يتعلق بالقاعدة أيضا. إذا قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثا بناء على ما تقدم من أن في تستعمل بمعنى مع وقد نواه فيترتب عليه مقتضاه. وإن لم يكن له نية فماذا يلزمه لنا في المسألة أربعة أوجه حكاها أبو البركات. أحدها: يلزمه طلقتان وهو قول أبى بكر. والثانى: تلزمه طلقة. والثالث: طلقتان بالحساب وطلقة بغيره. وقيل طلقتان بالحساب وثلاث بغيره. وإن نوى بذلك طلقة فقط أو نوى موجب الحساب وقع ما نواه. وقيل نية من لم يعرف الحساب له كالمعدومة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 القاعدة 37 لفظة من ذكر ابن هشام في مغنى اللبيب أنها تأتى على خمسة عشر وجها وعدها وأشهر معانيها التبعيض والتبيين وابتداء الغاية. وقال ابن عقيل في موضع من كلامه هى حقيقة في التبعيض وحكى بعض أصحابنا أنها حقيقة في ابتداء الغاية. وذكر ابن هشام أن الغالب عليها ابتداء الغاية فإن حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه قال وتقع كذلك في غير الزمان نحو {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الاسراء: 1] {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] . قال الكوفيون والأخفش والمبرد1 وابن درستويه وفي الزمان أيضا بدليل {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] وفي الحديث فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. وهل يدخل ما دخلت عليه في خبر غايتها؟ في المسألة قولان حكاهما القرافي وجزم غيره بعدم الدخول. ومن أمثلة التبعيض قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] وعلامتها إمكان سد بعض مسدها كقراءة ابن مسعود {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] . ومن أمثلة بيان الجنس قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً   1 هو إمام النحو: ابو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأزدي البصري صاحب "الكامل" و"المقتضب" [210 – 286هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31] وقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] . وأنكر هذا المعنى قوم وقالوا: من في الآية الأولى للتبعيض وفي الثانية للابتداء والمعنى فاجتنبوها وهو عبادتها ومثله قول تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:172] وكلهم محسن متق وذكر بعضهم قولا أن من تختص بالتبيين. إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة مسائل. منها قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فذهب الإمام أحمد إلى أنها للتبعيض هنا وأيد قوله بما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال الصعيد تراب الحرث وقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت الأرض كلها لنا مسجدا وجعل ترابها لنا طهورا"1 رواه مسلم. ومنها: إذا قال رجل لآخر بع ما شئت من مالى فهل يبيع الجميع استعمالا للفظة من بمعنى التبيين أو البعض استعمالا لها بمعنى التبعيض؟ فظاهر كلام الأصحاب جواز بيع الجميع لأنهم قالوا: إذا وكله في بيع ماله أو ما شاء منه أو قبض ديونه كلها أو الإبراء منها أو مشاء منها صح قالوا: لأنه يعرف ماله ودينه فيعرف أقصى ما يبيع وما يقبض فيقل الغرر. فجعلوا المصحح للبيع معرفة الموكل أقصى ما يفعله الوكيل وأقصى ما يفعله الوكيل هو بيع الجميع. ومقتضى ذلك أنه لو وكله في بيع بعض ماله أنه لا يصح للجهالة. وقد صرح بعض أصحابنا في طريقته أنه إن وكله في بعض ماله أن لا يصح أحد شيئين كطلاق إحدى زوجتيه وعتق إحدى عبديه أنه لايصح قال لجهالة الوكالة فلا يصح على قوله إذا وكله في بيع بعض ماله أو بيع أحد   1 رواه مسلم ونصه: عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد ماء" وذكر خصلة أخرى كتاب المساجد رقم: "522". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 هذين لعموم قوله لجهالة الوكالة ولكن قول هذا في طريقته بطلاق وعتق إحداهما مشكل فإن الإبهام لا ينافي الطلاق والعتق ولكن ينافي البيع فإذا وكله في طلاق إحداهما أو عتقه ففعل الوكيل ما أذن له فيه فإنه ينبغى أن يصح وتخرج المطلقة والمعتقة بعد ذلك بالقرعة. وأما إذا قال وكلتك في بيع أحد هذين فباع أحدهما فإنه لا يصح إذ الجهالة تنافي البيع. وقد يقال إنه إذا وكله في بيع أحد هذين أنه يصح ويبقى الوكيل مخيرا في إيقاع العقد على أيهما شاء معينا بخلاف ما إذا وكله في بيع بعض ماله لا يصح لإفضائه إلى التنازع والله سبحانه وتعالى أعلم. وذكر الأزجى في بع من عبيدى من شئت من للتبعيض فلا يبيعهم إلا واحدا ولا الكل لاستعمال هذا في الأقل غالبا وقال هذا ينبنى على الأصل وهو استثناء الأكثر وذلك لا يجوز انتهى. وقد يقال إن مراده أن يحذو بذلك حذو الاستثناء فإنه عندنا يصح استثناء الأقل لا الأكثر والنصف على الصحيح فيبيع الأقل كما يستثنى الأقل. يريد هذا أنه قال في تعليله يمنع بيع الكل أو إلا واحدا لاستعمال هذا في الأقل غالبا فقد يؤخذ من كلام الأزجى أنه لو وكله في بيع بعض ماله أنه يصح أخذا من هذه المسألة. وقد يقال إنما قلنا بالصحة هنا لاستعمال هذا في الأقل فكأنه نص عليه بلفظه بخلاف البعض فإنه ليس له استعمال لفظ بالأقل ولا بالنصف ولا بالغالب فيبطل. ولقائل أن يقول له بيعهم إلا واحدا أخذا مما نص عليه أحمد في رواية مهنا إذا قال الرجل لزوجته اختارى من ثلاث طلقات ما شئت لها أن تطلق نفسها طلقتين ولا تملك الثالثة وجزم به الأصحاب وعللوه بأن من للتبعيض فكذلك مسألة الوكالة. ومنها: إذا قال له على من درهم إلى عشرة فماذا يلزمه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 في المسألة ثلاثة أوجه. أحدها ثمانية إلغاء للطرفين من وإلى وجزم به ابن شهاب وقيل عشرة وحكى رواية بناء على دخول ما دخلت عليه في خبر غايتها وبناء على أن ما بعد الغاية لا يدخل فيما قبلها وقد تقدم ذلك في قاعدة انتهاء الغاية مستوفي والله أعلم. ومنها: لو قال لوكيله تصدق من مالى فهل يملك الوكيل التصدق بالكثير الزائد على ما يتناوله الاسم منعه أبو الخطاب وابن عقيل ثم سلماه لأنه لو أراد مقدرا لذكره. ومنها: لو أوصى السيد أن يوضع عن مكاتبه ما شاء من مال الكتابة لم يوضع الكل لأن من للتبعيض كذا ذكره القاضى وأبو محمد المقدسي. قال الحارثى وفيه نظر فإنه لا يمنع أن تكون من لبيان الجنس لأن ما قبل أعم مما بعد فإذا لا يوضع الكل وقد يقال ليس عليه إلا جنس واحد فلا يظهر تعيين الجنس والله أعلم. ومنها: ما ذكره ابن الصيرفي في نوادره1 لو قال قائل لآخر خذ من هذا الكيس ما شئت له أخذ ما فيه جميعا ولو قال خذ من هذه الدراهم ما شئت لم يملك أخذ كلها إذ الكيس ظرف فإذا أخذ المظروف حسن أن يقال أخذت من الكيس ما فيه ولا يحسن أن يقال أخذت من الدراهم كلها.   1 المقصود عن كتاب "نوادر المذهب" لأبي زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح ابن الصيرفي الحراني ويعرف بـ "ابن الحبيشي" [583 – 678هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/295". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ي القاعدة 38 الكلام ونحوه كالقول والكلمة عندنا تطلق على الحروف المسموعة حقيقة وتطلق على مدلول ذلك مجازا. وصححه الإمام في المحصول والمنتخب في الأوامر ونقل في الكتابين المذكورين عن المحققين أنه مشترك بينهما واقتصر عليه. وقال بعض المتكلمين الكلام حقيقة في مدلوله مجاز في لفظه وقيل هو مشترك بينهما والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعرى فيما حكاه ابن برهان عنه. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. اختلاف أصحابنا في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يحهل فإن أحد شاتمه أو قاتله فليقل إنى صائم" 1 هل يقول ذلك بلسانه أو بقلبه؟   1 رواه مسلم ونصه: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه كتاب الصيام رقم: " 1151" وروى أيضا في نفس الموضوع عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم". روراه البخاري بلفظ آخر كتاب الصوم رقم: "1894" ومالك كتاب الصيام "22". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 في المسألة ثلاثة أوجه لنا. أحدها: يقوله مع نفسه يعنى يزجها ولا يطلع الناس للرياء قاله صاحب الرعاية. والثانى: يجهر به مطلقا حكاه أبو العباس واختاره لأن القول المطلق باللسان يؤيد ما قاله أنه لو حلف إنسان أن لا يتكلم أو لا يقرأ أو لا يذكر فإنه لا يحنث إلا بما تكلم بلسانه دون ما يجرى على قلبه. ولا يقال الأيمان مبناها على العرف والعرف يقتضى أن الكلام حقيقة في الحروف المسموعة دون النفسانى لأنا نقول لو أنشأ الإنسان الطلاق أو العتاق أو غيرهما في نفسه ولم يتلفظ بلسانه وكان ناطقا فإنه لا يلزمه شىء جزم به الأصحاب. والثالث: إن كان في رمضان جهر به وإن كان في غيره يقوله في نفسه واختاره أبو البركات لأنه لا رياء في رمضان بخلاف غيره والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 القاعدة 39 لا يشترط في الكلام أن يكون من ناطق واحد على الصحيح ذكره أبو حيان في الارتشاف1. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا قال رجل امرأة فلان طالق فقال الزوج ثلاثا قال أبو العباس هى تشبه ما لو قال لى عليك ألف فقال صحاح وفيها وجهان قال وهذا أصل في الكلام من اثنين إن أتى الثانى بالصفة ونحوها هل يكون متمما للأول أم لا؟ فائدة إذا أوصى إلى اثنين في التصرف وأريد اجتماعهما على ذلك قال الحارثى من الفقهاء من قال ليس المراد من الاجتماع تلفظهما بصيغ العقود بل المراد صدوره عن رأيهما ثم لا فرق بين أن يباشره أحدهما أو الغير بإذنهما ولم يخالف الحارثى هذا القائل والله أعلم.   1 تمامه: "إرتشاف الضرب في لسان العرب" لأثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي النحوي [ت 745هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 القاعدة 40 القراءة الشاذة كقراءة أبن مسعود في كفارة اليمين {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} هل هى حجة أم لا؟ فمذهبنا ومذهب أبى حنيفة أنها حجة يحتج بها وذكره ابن عبد البر1 إجماعا. والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب وحكى رواية عن أحمد أنه لا يحتج بها ونقله الآمدي عن الشافعى رضى الله عنه. وقال إمام الحرمين في البرهان إنه ظاهر مذهب الشافعى وجزم به النووى2 في شرح مسلم مما قاله الإمام ذكر ذلك في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" 3 وفي غيره أيضا.   1 هو الفقيه الحافظ اللغوي يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي [ت 463هـ] من تصانيفه "الإستذكار لمذاهب علماء الأمصار" مطبوع "والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" مطبوع. 2 هو العلامة المحدث والفقيه محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن النووي الدمشقي الشافعي [631 – 676هـ] من مصنفاته "تهذيب الأسماء واللغات" و"المنهاج في شرح صحيح مسلم" و"الأربعون حديثا النووية" و"رياض الصالحين" وغيرها. 3 والحديث بنصه: عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله وسلم "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غاب الشمس" رواه البخاري كتاب الدعوات رقم: "6399" بإضافة "وهي صلاة العصر" ومسلم كتاب المساجد رقم: "627" ورواه أيضا النسائي كتاب الصلاة رقم: "474" والنسائي كتاب الصلاة "684 و686" أما اللفظ الذي يشير إليه فهو رواية أحمد في المسند. ونصه: عن علي رضي الله عنه قال: "شغلونا يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى سمعت ................ == == رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم –أو أجوافهم – نارا" مسند أحمد رقم: "1035". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وما حكاه هؤلاء جميعهم خلاف مذهب الشافعى وخلاف قول جمهور أصحابه فقد نص الشافعى في موضعين من مختصر البويطى1 على أنها حجة ذكر ذلك في باب الرضاع وفي باب تحريم الجمع. وجزم به أيضا الشيخ أبو حامد في الصيام وفي الرضاع والمارودى في الموضعين أيضا والقاضى أبو الطيب في موضعين من تعليقه أحدهما الصيام والثانى في باب وجوب العمرة والقاضى الحسين في الصيام والمحاملي2 في الأيمان من كتابه المسمى عدة المسافر وكتابه الحاضر3 وابن يونس4 شارح التنبيه في كتاب الفرائض في الكلام على ميراث الأخ للأم وجزم الرافعي5 به في باب حد السرقة. والذي وقع للإمام فقلده فيه النووى مستنده عدم إيجاب الشافعى التتابع في الصيام في كفارة اليمين مع قراءة ابن مسعود السابقة وهو منع عجيب فإن عدم الإيجاب يجوز أن يكون لعدم ثبوت ذلك عند الشافعى أو لقيام معارض راجح.   1 هو الفقيه أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي صاحب الإمام الشافعي [ت 231هـ] مصنف كتاب "المختصر في فقه الشافعية". 2 كذا والصواب "ابن المحاملي" وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبان الضبي البغدادي الشافعي [368 – 415هـ] وقد كان الشيخ الشافعية في عصره مما صنف "المجموع" و"التجريد" و"المقنع" في الفقه و"اللباب" و"عدة المسافر وكفاية الحاضر" في الخلاف. 3 في الأصل: وكتابه الحضر والصواب ما أثبتناه. 4 هو الفقيه الشافعي شرف الدين أبو الفضل أحمد بن موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الإربيلي ثم الموصلي [575 – 622هـ] من تصانيفه "شرح التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي و"مختصر إحياء علوم الدين" لأبي حامد العزالي. 5 هو الفقيه العلامة الشافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين الرافعي القزويني [ت 655هـ] من مؤلفاته "الفتح العزيز في شرح الوجيز" للغزالي في الفقه الشاقعي و"شرح مسند الشافعي" وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 إذا تقرر فمن فروع القاعدة. هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أم لا؟ المذهب المنصوص عن الإمام أحمد الوجوب وعنه رواية أخرى لا يجب والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 القاعدة 41 لا يلزم المكلف حكم الناسخ قبل علمه به قال أبو البركات قاله أصحابنا وهو ظاهر كلام أحمد ومذهب الحنفية والشافعية وجهان. وخرج أبو الخطاب من أصحابنا اللزوم على رواية انعزال الوكيل قبل العلم بالعزل وفرق القاضى وابن عقيل وغيرهما بينهما بفروق جيدة. ومنها: أن أوامر الله ونواهيه مقرنة بالثواب والعقاب فاعتبر فيها العلم بالمأمور به والمنهى عنه وليس كذلك الإذن في التصرف والرجوع فيه فإنه لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. وليس الحكم مختصا بالناسخ بل يشمل الحكم المبتدأ وفيه أيضا الخلاف ذكره أبو العباس. ومحل الخلاف إذا وصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان مع جبريل قبل بلوغه النبى صلى الله عليه وسلم فلا يثبت حكمه في حق المكلفين اتفاقا قاله الآمدي وتبعه ابن الحاجب وجزم به أبو البركات ابن تيمية. وإن بلغ النبى صلى الله عليه وسلم في السماء فهل يثبت أم لا؟ لم أر من صرح بذلك ولكن كلام الآمدي يقتضى الثبوت فإنه لما ذكر نسخ الأمر قبل امتثاله استدل له بنسخ الخمسين صلاة ليلة الإسراء حتى بقيت خمسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قلت: فلو لم تكن ثابتة لم يكن رفعها نسخا. وقال القرافي في منع الاستدلال بهذا الحديث ولأنه نسخ قبل الإنزال وقبل الإنزال لا يتقرر علينا حكم فليس من صور النزاع فكلام القرافي في هذا يقتضى أنه إذا بلغ النبى صلى الله عليه وسلم في السماء أنه يكون كما لو كان مع جبريل ولم يصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم في الأرض والله أعلم. وقد تقدم بعض مسائل تتعلق بهذه القاعدة في قاعدة إذا لم يبادر المكلف إذا ظن موته وبان خطأه بما يغنى عن إعادة ذلك هنا والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 القاعدة 42 في الأوامر والنواهى أم ر هى حقيقة في القول المخصوص وفي الفعل مجاز. هذا قول الجمهور وقال بعض الفقهاء هى مشتركة بين القول والفعل نحو قولنا كنا في أمر عظيم إذا كنا في الصلاة. وقال أبو الحسين هى موضوعة للقول والفعل وللشىء أيضا نحو قولنا أتى بأمر ما أى بشىء وللشأن أيضا نحو قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] معناه ما شأننا في اتخاذنا إلا ترتيب مقدورنا وإرادتنا من غير تأخير كلمح بالبصر وللصفة أيضا كقول الشاعر: عزمت على إقامة ذى صباح ... لأمر ما يسود من يسود واشترط جمهور المعتزلة في حد الأمر العلو دون الاستعلاء وهو ظاهر قول أصحابنا وتابعهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازى. ونقل القاضى عبد الوهاب في الملخص عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم واختاره أبو الحسين من المعتزلة الاستعلاء دون العلو وصححه الآمدي وابن الحاجب وصاحب المنتخب وقال في المحصول قبل المسألة الثالثة إنه الصحيح وجزم به في المعالم لكنه ذكر في المحصول أيضا بعد ذلك بأوراق في أوائل المسألة الخامسة ما حاصله أنه لا يشترط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وذكر الإسنوى1 عن القاضى فقال ويجب أن يشترط العلو والاستعلاء معا مع حكايته عنه ما قاله في الملخص في أول المسألة وهو أنه يشترط العلو دون الاستعلاء ولم يذكر أنه اختلف قوله في ذلك. وقال الإمام فخر الدين الذي عليه المتكلمون أنه لا يشترط علو ولا استعلاء فتحرر من ذلك أربعة أقوال. أحدها: اشتراط العلو والاستعلاء. والثانى: لا يشترطان. والثالث حيث قلنا باشتراط العلو والاستعلاء. والرابع: عكسه. تنبيه: حيث قلنا باشتراط العلو والاستعلاء أو هما فما حدهما؟ فحاصل ما ذكره القرافي أن الاستعلاء هو الطلب لا على وجه التذليل بلفظه ورفع صوت والعلو أن يكون الطالب أعلى مرتبة ومع التساوى فهو التماس ومع دنو الطالب فهو سؤال والله أعلم. فائدة: قال أبو البركات ولا بد في أصل صيغة الأمر المطلقة من اقترانها بما يفهم منه أن مطلقها ليس كحاك عن غير ولا هاذ كالنائم.   1 هو القاضي نور الدين إبراهيم بن هبة الله بن علي الحميري [650 – 721هـ] الشافعي من كتبه: "مختصر الوسيط" و"مختصر الوجيز" في الفقه وهما للغزالي و"شرح المنتخب" في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 القاعدة 43 الأمر المجرد عن قرينة هل يقتضى الوجوب أم لا؟ في المسألة مذاهب. أحدها أنه يقتضى الوجوب ما لم تقم قرينة تصرفه إلى غيره نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه في مواضع وهو الحق وبه قال عامة المالكية وجمهور الفقهاء. وقال إمام الحرمين في البرهان والآمدي في الأحكام وغيرهما إنه مذهب الشافعى وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع إن الأشعري نص عليه. لكن هل يدل على الوجوب بوضع اللغة أم بالشرع؟ فيه مذهبان مذكوران في الشرح المذكور على اللمع. والأول: وهو كونه بالوضع نقله في البرهان عن الشافعى ثم اختار هو أنه بالشرع وفي المستوعب للقيرواني1 قول ثالث أنه يدل بالعقل. والمذهب الثانى: أنه حقيقة في الندب وحكاه الغزالى في المستصفى2 والآمدي في كتابه قولا للشافعى وقاله بعض الشافعية وحكاه أبو البركات عن المعتزلة وحكاه بعضهم عن بعض المعتزلة.   1 هو الفقيه الحافظ المؤرخ الشاعر: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن رشيق القيرواني [ت 380هـ] وله "المستوعب لزيادات المبسوط مما ليس في المدونة". 2 "المستصفى من علم الأصول" مطبوع "1937". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 والمذهب الثالث: أنه حقيقة في الإباحة لأنه المحقق والأصل عدم الطلب. والمذهب الرابع: أنه مشترك بين الوجوب والندب وجزم به الإمام في المنتخب وكذلك صاحب التحصيل1 كلاهما في باب الاشتراك. والمذهب الخامس: أنه مشترك بين هذين وبين الإرشاد ونقله الآمدي في الإحكام عن الشيعة وصححه ونقل عنهم في منتهى السول المذهب الذي قبله. والمذهب السادس: أنه حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب وفي المستوعب للقيروانى والمستصفى للغزالى أن الشافعى نص على أن الأمر متردد بين الوجوب والندب وهذا محتمل لهذا المذهب والمذهب الرابع. والمذهب السابع: أنه حقيقة إما في الوجوب وإما في الندب ولكن لم يتعين لنا ذلك ونقله صاحب الحاصل ثم البيضاوى حكاية عن الغزالى. وليس كذلك فإن الغزالى نقل في المستصفى عن قوم أنه حقيقة في الوجوب فقط وعن قوم أنه حقيقةفي الندب فقط وعن قوم بين أنه مشترك بينهما قال: كلفظ العين ثم نقل عن قوم: التوقف بين هذه المذاهب الثلاثة قال وهو المختار ونقله في المحصول عنه على الصواب. وقال الغزالى في المنخول2 وظاهر الأمر للوجوب وما عداه فالصيغة مستعارة فيه هذا لفظه وهو مخالف لكلامه في المستصفى. والمذهب الثامن: أنه مشترك بين الوجوب والندب والإباحة. والمذهب التاسع: أنه مشترك بين الثلاثة المذكورة ولكن بالاشتراك   1 هو الفقيه المنطقي المتكلم: القاضي سراج الدين محمود بن ابي بكر بن حامد بن أحمد الأرموي الشافعي [594 – 672هـ] "والتحصيل" مختصر له "للمحصول" لفخر الدين الرازي. 2 "المنخول من تعليقات الأصول" مطبوع دمشق "1980". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المعنوى وهو الإذن حكاه ابن الحاجب مع الذي قبله. والمذهب العاشر: أنه مشترك بين خمسة وهى الثلاثة التى ذكرناها والإرشاد والتهديد حكاه الغزالى في المستصفى. والمذهب الحادى عشر: أنه مشترك بين الأحكام الخمسة الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهة حكاه أصحاب البرهان والمحصول والإحكام ونسب إلى الأشعرى. فإن قيل: كيف يستعمل لفظ "الأمر" في التحريم أو الكراهة؟ والمذهب الثانى عشر: أنه موضوع لواحد من هذه الخمسة ولا نعلمه نقله في البرهان أيضا ونسب إلى الأشعرى. قيل لأنه يستعمل في التهديد والمهدد عليه إما حرام أو مكروه. والمذهب الثالث عشر: أنه مشترك بين ستة أشياء وهى الوجوب والندب والتهديد والتعجيز والإباحة والتكوين وحكاه ابن برهان في الوجيز عن الأشعرى. ونسب إلى الأشعرى مذاهب أخرى غير ما تقدم ولكن أتفق جمهور الأشعرية على أن مذهبه التوقف بين أمور ويعبر عنه أيضا بأن الأمر ليست له صيغة تخصه قال في البرهان والمتكلمون من أصحابنا يجمعون على اتباعه في الوقف ولم يساعد الشافعى على الوجوب إلا الاستثناء والله أعلم. والمذهب الرابع عشر: أن أمر الله للوجوب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للندب حكاه القيروانى في المستوعب عن الأبهرى1 في أحد أقواله. والمذهب الخامس عشر: أن أمر الشارع للوجوب دون غيره اختاره أبو المعالى وابن منجا وبنى عليه من أخر دفع مال أمر بدفعه بلا عذر قال لا يضمن بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع.   1 هو المحدث والفقيه الأصولي المالكي: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي الأبهري البغدادي [290 – 375هـ] إمام المالكية في وقته من مصنفاته: "شرح مختصر ابن الحكم" و"الرد على المزني في ثلاثين مسألة" كتاب في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 قلت: والمذهب يضمن بناء على القاعدة والله أعلم. إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة على الصحيح من المذهب مسائل كثيرة جدا ليس هذا موضع ذكرها ولكن العالم ذو الدربة والنظر يستخرجها ويبنيها على القاعدة. وفي المذهب فروع كثيرة ادعى الأصحاب أنها خرجت عن الوجوب بقرائن صرفتها عنه وفي كون تلك القرائن صارفة للأمر عن الوجوب نظر ظاهر والله أعلم. وههنا فوائد أصولية تتعلق بالأمر. منها: أن الكتابة أو الإشارة هل تسمى أمرا أم لا؟ ذكر أبو البركات في المسودة عن القاضى أنها لا تسمى أمرا حقيقة وذكر القاضى في الجامع الكبير في الكلام على وقوع الطلاق بالكتابة أن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بدعوة جميع الناس إلى الإسلام ثم كتب إلى كسرى وقيصر فقام ذلك مقام دعوتهما إلى الإسلام وهذا يقتضى أن يكون أمرا حقيقة والله أعلم. ومنها: هل يحسن الاستفهام عن الأمر المجرد هل هو واجب أم لا؟ ذكر القاضى أبو يعلى في ذلك منعا وتسليما. ومنها: فعل النبى صلى الله عليه وسلم هل يسمى أمرا حقيقة أم لا؟ قال أبو البركات لا يسمى أمرا حقيقة بل مجازا في قول إمامنا وأصحابه والجمهور. وقال بعض المالكية وبعض متأخرى الشافعية يسمى أمرا حقيقة وأقره عبد الحليم1 وذهب أبو الحسين البصرى والقاضى أبو يعلى في الكفاية إلى أن لفظة الأمر مشتركة بين القول والبيان والطريقة وما أشبه ذلك قال وهذا هو الصحيح لمن أنصف.   1 هو: تقي الدين بن تيمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 قلت: وهذا يقتضى أن يسمى أمرا حقيقة وهذا ينبغى إذا ثبت التأسى بفعله صلى الله عليه وسلم. ومنها: إذا قلنا إطلاق الأمر يقتضى الوجوب إلا أن تصرفه قرينة فإطلاق التوعد لفعل ما توعد عليه أو إطلاق الوجوب أو الفرض هل يكون ذذلك نصا في الوجوب لا يقبل التأويل أم لا. قال القاضى لا يكون نصا في الوجوب بل يقبل التأويل ذكره في الثلاثة. والذي رأيت ابن عقيل ذكره أنه لا يكون نصا في الوجوب هو إطلاق القواعد خاصة ولم أر له كلاما في إطلاق الوجوب أو إطلاق الفرض. واختار أبو البركات إطلاق القواعد وإطلاق الفرض أو الوجوب نص في الوجوب لا يقبل التأويل وهو أظهر إذ يمتنع وجود خاصة الشىء بدون ثبوته والله أعلم. ومنها: ما قاله في المسودة إذا صرف الأمر عن الوجوب جاز أن يحتج به على الندب أو الإباحة وهو قول بعض الحنفية وبعض الشافعية ومنهم الرازى. وبعضهم قال لا يحتج به كذا حكاه القاضى أبو يعلى وكذلك اختاره ابن برهان ولفظة الأمر إذا دلت على وجوب فعل ثم نسخ وجوبه لا تبقى دليلا على الجواز بل يرجع إلى ما كان عليه خلافا للحنفية وكذلك اختاره أبو الطيب الطبرى ولفظه إذا صرف الأمر عن الوجوب لم يجز أن يحتج به على الجواز قال لأن اللفظ موضوع لإفادة الوجوب دون الجواز وإنما الجواز تبع للوجوب إذ لا يجوز أن يكون واجبا ولا يجوز فعله فإذا سقط الوجوب سقط التابع له وهذا الذي ذكره أبو محمد التميمى من أصحابنا. وذكر أبو الخطاب أن هذه المسألة من فوائد الأمر هل هو حقيقة في الندب فيجىء فيها الوجهان لنا وكذلك ذكر في مسألة الأمر بعد الحظر. ومنها: إذا كان المأمور به بعضه واجبا وبعضه مستحبا كقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يريبك" 1 ونحو ذلك وهو كثير في الكتابة والسنة. قال بعض الأصوليين إن حمل الأمر على الوجوب خرجت منه المستحبات وإن حمل على الندب خرجت منه الواجبات مع أنه يحكم وإن حمل عليهما لزم حمل اللفظ على حقيقته ومجازه أو على حقيقته. قال ابن عبد السلام في قواعده والحمل على الوجوب مع التزام التخصيص أولى لأن الغالب على صيغة الأمر الإيجاب والغالب على العموم التخصيص فحمله على الغالب أولى. وقال أبو العباس في المسودة والصواب أن يقال الأمر عام في كل ما يتناوله لقيام المقتضى للعموم قال ثم لك مسلكان. أحدهما أن تقول هو دال على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب وما امتاز به بعضها من الإذن في الترك والمنع مستفاد من دليل منفصل. والمسلك الثانى وهو أظهر أن نقول هذا الأمر أريد به الواجب في الواجبات والمستحب في المستحبات والله أعلم. ومنها: لفظ الأمر إذا قلنا بالقول الأول المنصوص عن أحمد فأريد بالأمر الندب فهو حقيقة فيه على ظاهر كلام أحمد واختاره أكثر أصحابنا القاضى وغيره وهو نص الشافعى حكاه أبو الطيب وقال هو الصحيح من مذهبه. وقال الكرخى والرازى من الحنفية هو مجاز واختاره عبد الرحمن الحلوانى من أصحابنا وعن الشافعية كالمذهبين. وإن أريد به الإباحة فعند أبى البركات أنه مجاز وحكاه عن الحنفية وقال المقدسي واختاره ابن عقيل وقال هو قول أكثر الأصوليين وقال القاضى يكون خقيقة. قال أبو العباس والتحقيق في مسألة أمر الندب مع قولنا الأمر المطلق   1 رواه البخاري موقوفا على حسان بن أبي سنان ومرفوعا كتاب البيوع رقم: "2054" والترمذي كتاب صفة القيامة رقم: "2518". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 يقبل الإيجاب أن يقال الأمر المطلق لا يكون إلا إيجابا وأما المندوب إليه فهو مأمور به أمرا مقيدا لا مطلقا فيدخل في مطلق الأمر لا في الأمر المطلق يبقى أن يقال فهل يكون حقيقة أو مجازا فهذا بحث اصطلاحى. وأجاب عنه أبو محمد البغدادي1 بأنه مشكل كالوجود والبياض. وأجاب القاضى بأن الندب بعض الوجوب فهو كدلالة العام على بعضه وهو عنده ليس بمجاز إنما المجاز دلالته على غيره وهذا منه يقتضى أن الأمر إذا أريد به الإباحة أن يكون مجازا وهو خلاف ما تقدم عنه والله أعلم.   1 لعله جمال الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان بن سعيد بن سليمان الحراني المعروف بـ "البغدادي" [585 – 670هـ] أحد بلاميذ موفق الدين بن قدامة وكان فقيها في المذهب الحنبلي وإماما بحلقة الحنابلة بجامع دمشق انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/282" وشذرات الذهب "7/578". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 القاعدة 44 إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب فورد بعد حظر فماذا يقتضى؟ في المسألة مذاهب. أحدها: أنه يقتضى الإباحة هذا قول جمهور أصحابنا وهو الذي نص عليه الشافعى كما قاله ابن التلمسانى في شرح المعالم والقيروانى في المستوعب والأصفهانى في شرح المحصول وحكاه التميمى عن أحمد وقال الشيخ أبو إسحاق في التبصرة إنه ظاهر مذهب الشافعى ونقله ابن برهان في الوجيز عن أكثر الفقهاء والمتكلمين ورجحه ابن الحاجب ومال إليه الآمدي وقال إنه الغالب. والثانى: ذكره القاضى الحسين من الشافعية في أول باب الكناية من تعليقه أنه للاستحباب. والثالث: أنه يقتضى الوجوب كما لو لم يتقدمه حظر وهو الأصح عند الإمام فخر الدين وأتباعه ونقله ابن برهان في الوجيز عن القاضى والآمدي عن المعتزلة وحكاه بعض أصحابنا قولا لنا وذكر بعضهم أن القاضى اختاره في إعادة الجماعة وذكر بعضهم أنه ظاهر قول أحمد في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . وقال القرافي وهو قول القاضى ومتقدمى أصحاب مالك. والرابع أن حكمه حكم ما كان قبل الحظر فإن كان مباحا كان مباحا..وإن كان واجبا أو مستحبا كان كذلك وهذا اختيار أبى العباس قال وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 المعروف عن السلف والأئمة ومعناه كلام المزنى. والخامس إن كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه كما لو قال أمرتكم بالصيد إذا حللتم فيقتضى الوجوب بخلاف صيغة افعل حكاه أبو محمد المقدسي بعد ما صدر المسألة بكلام مطلق وهو يقتضى التسوية عنده. قال أبو البركات: وعندى أن هذا التفصيل هو كل المذهب. قال أبو العباس: وكلام القاضى أبى يعلى وغيره يدل عليه فإنه صرح بأن هذا ليس بأمر صيغته صيغة الأمر وإنما هو إطلاق. قال عبد الحليم وكلام ابن عقيل في الأدلة يعطى أنه إذا جاء خطاب بلفظ الأمر أو الوجوب اقتضى الوجوب وإن جاء بصيغة الأمر فإنه لا يكون أمرا بل مجرد إذن وهذا لا يتأتى في لفظ الأمر. وللقاضى أبى بكر في الأمر بعد الحظر تفصيل حسن ذكره في الإرشاد1 وهو إن كان الحظر السابق على الأمر حظر ابتداء لا لعلة عارضة فالأمر هنا كالأمر المبتدأ الذي لم يسبقه حظر أصلا وإن كان الحظر لعلة عارضة بعد تقدم إطلاقه وإباحته فالأظهر حمل الأمر على الإذن ورفع الحظر وعليه تنزل أوامر القرآن. ومحل الخلاف في الأمر بعد الحظر إذا كان من غير استئذان في الفعل أما إذا استأذن في الفعل بعد الحظر فلا يقتضى الوجوب بغير خلاف ذكره القاضى وسيأتى في القاعدة أمر بعد حظر واستأذن المأمور في فعله وفي وجوبه روايتان. إذا تقرر فمن فروع القاعدة. الأمر بزيارة القبور للرجال. أخذ غير واحد من أصحابنا من كلام الخرقى أنها مباحة لأن الأمر بزيارتها أمر بعد حظر فيقتضى الإباحة بناء على القاعدة. ولكن المذهب المنصوص عن أحمد أنها مستحبة وذكره بعضهم   1 الإرشاد للقاضي أبي بكر ابن الباقلاني واختصره أبو المعالي إمام الحرمين الجويني وفي كتاب سماه "التلخيص" انظر كشف الظنون "1/70". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 إجماعا لأنه وإن كان بعد حظر لكنه علله عليه الصلاة والسلام بتذكر الموت والآخرة وذلك أمر مطلوب شرعا. قال أبو البركات وغيره وتجوز زيارة قبر الكافر وقيد ذلك أبو العباس بزيارة قبر الكافر للاعتبار ولم أر أحدا صرح باستحباب زيارة قبر الكافر ولو للاعتبار. ومنها: لا يجب على الزوج أن يخرج مع امرأته إلى الحج في أصح الروايتين عن أحمد لأنه وإن كان قد جاء الأمر به لكنه أمر بعد حظر لأن المأمور كان قد اكتتب في غزاة فتعين عليه ثم لما أمره النبى صلى الله عليه وسلم بالخروج مع امرأته صار أمرا بعد حظر. والرواية الأخرى يجب عليه الخروج أخذا بظاهر الأمر لكن هذا فيه نظر على ما قرره القاضى وإن قيل باستحبابه فلما فيه من الإعانة على العبادة وهو مطلوب شرعا. ومنها: الأمر بقبول الحوالة على الملىء في قوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع" 1 متفق عليه من حديث أبى هريرة قال طائفة من العلماء إنه أمر بعد حظر لأن ذلك بيع دين بدين وذلك لا يجوز وهذا فيه نظر فإن الحوالة من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع ولهذا ذكر النبى صلى الله عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء فقال في الحديث الصحيح: "مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع" فأمر المدين بالوفاء ونهاه عن المطل وبين أنه ظلم إذا مطل وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على الملىء بالشروط المذكورة في كتب الفروع. وهل تبرأ ذمة المحيل على الملىء قبل أن يجبره الحاكم على قبول الحوالة في المسألة روايتان ذكرهما أبو البركات.   1 رواه البخاري كتاب الحوالات رقم: "2287" ومسلم كتاب المساقاة رقم: "1564" ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل يقال منه: تبعت الرجل لحقي أتبعه تباعة فأنا تبيع إذا طلبته صحيح مسلم ص "1197" هامش "2" بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ومنها: الأمر بالكتابة في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] قال طائفة من أصحابنا هو أمر بعد حظر لأن الكتابة بيع الرجل ماله بماله فإن العبد ماله وكسبه من ماله فبيع بعضه ببعض أكل مال بالباطل فيدخل في النهى عن أكل المال بالباطل وإذا كانت الكتابة محظورة في الأصل فالأمر بها بعد ذلك أمر بعد حظر فلا يفيد الوجوب بناء على القاعدة لكن يستحب كتابة ذى الكسب والأمانة وإن قلنا الأمر بعد الحظر للإباحة لما في ذلك من تحرير الرقبة وذلك مطلوب شرعا. واختار أبو بكر عبد العزيز في تفسيره1 أن الكتابة في هذه الحال واجبة وذكرها في التنبيه رواية وهو متجه. وما قيل من أنه أمر ورد بعد حظر فلا يصح وإنما غاية ما يقال فيه إنه رخصة لأنه شرع مع قيام السبب المحرم لعذر وهو الحاجة إلى تخليص رقبة من الرق وليست الرخص من قاعدة الأمر بعد الحظر. وقد تقدم في قاعدة الرخصة أن من الرخص ما هو واجب. قال أبو العباس وقياس قولنا بالوجوب ههنا أن تجب الإجابة إذا قال له أعتق عبدك عنى وعلى ثمنه. قال شيخنا أبو الفرج في تعليقه على المحرر ووجهه بأنه بذل العوض فيما يزيل ضرر المضطر فوجب الإجابة إليه كما لو بذل أجنبى عن المضطر قيمة الطعام أو نحوه. وقد يقال إنه ههنا إنما قصد نفع نفسه وثبوت الملك والعتق والولاية فلا تجب إجابته إليه كشراء ذوى رحمه الذين يعتقون عليه. نعم لو قال أعتق عبدك وعلى ثمنه فقد يتوجه وجوب الإجابة لأن المصلحة للعبد ويتوجه أن يعتبر أن لا يكون محتاجا إلى خدمته وقد يقال يمكنه أن يشترى عوضه بما يؤدى إليه والله أعلم.   1 هو كتاب "تفسير القرآن" لأبي بكر عبد العزبز بن جعفر المعروف بـ "غلام الخلال" انظر طبقات الحنابلة "2/119". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ومنها: أمره صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة هو أمر بعد حظر فيقتضى الإباحة بناء على القاعدة وهذا أحد الوجهين لأصحابنا وهو إباحة النظر لا استحبابه. والوجه الثانى وجزم به جماعة من الأصحاب منهم أبو الفتح الحلوانى وابن عقيل وصاحب الترغيب استحباب النظر إلى المخطوبة لأنه وإن كان أمرا بعد حظر لكنه معلل بعلة تدل على أنه أريد بالأمر الندب وهى قوله صلى الله عليه وسلم: "فهو أحرى أن يؤدم بينكما" 1. ومنها: الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف في قوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] قال طائفة من الأصحاب منهم القاضى وابن عقيل حمله في الصلاة في غير الخوف محظور فهو أمر بعد حظر وهو للاباحة فهذا يقتضى إباحة حمل السلاح في صلاة الخوف لا استحبابه لكن قالوا: باستحبابه مع قولهم إن هذا يقتضى الإباحة. وذكر صاحب المنتخب من أصحابنا في استحبابه روايتين نقل ابن هاتىء لا بأس واختار طائفة من أصحابنا الوجوب ومحل هذا في الخفيف من السلاح أما ما يثقله أو يمنع إكمال الصلاة أو يضر غيره فإنه يكره صرح به الأصحاب. وقول من قال من أصحابنا إن حمل السلاح الخفيف في غير صلاة الخوف محظور فيه نظر إذ لم يقم دليل على كراهته فضلا عن تحريمه فليس من الأمر بعد الحظر والله أعلم.   1 نص الحديث: عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قلت: لا قال: "فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" رواه أحمد المسند رقم: "18115" والترمذي كتاب النكاح رقم: "1087" وقال: هذا حديث حسن وابن ماجه كتاب النكاح رقم: "1865" والنسائي كتاب النكاح رقم: "3235" بلفظ: "فإنه أجدر أن يؤدم بينكما" ومعناه أحرى أن تدوم المودة بينكما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 القاعدة 45 إذا فرعنا على أن الأمر المجرد للوجوب فوجد أمر بعد استئذان فإنه لا يقتضى الوجوب بل الإباحة ذكره القاضى محل وفاق. قلت: وكذلك ابن عقيل. وإطلاق جماعة ظاهرة يقتضى الوجوب والأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال تعليمه شبيه في المعنى بالأمر بعد الاستئذان والله أعلم. إذا تقرر هذا فلا يستقيم قول القاضى وابن عقيل في استدلالهما على نقض الوضوء بلحم الإبل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم لما سئل عن التوضى من لحوم الإبل فقال: "نعم فتوضأ من لحوم الإبل" 1. ومما يقوى الإشكال أن في الحديث الأمر بالصلاة في مرابض الغنم2 وهو بعد سؤال ولا يجب بلا خلاف بل يستحب. فإن قلت: إذا كان كذلك فلم يستحبون الوضوء منه والاستحباب حكم شرعى يفتقر إلى دليل وعندكم هذا الأمر يقتضى الإباحة.   1 إشارة إلى الحديث الذي رواه جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم فتوضأ من لحوم الإبل" قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال "نعم" قال: أصلى في مبارك الإبل؟ قال: "لا" رواه مسلم كتاب الحيض رقم: "360". 2 انظر الهامش السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قلت: إذا قيل باستحبابه فلدليل غير هذا الأمر وهو أن الأكل من لحوم الإبل يورث قوة نارية فناسب أن تطفأ بالماء كالوضوء عند الغضب ولو كان الوضوء من لحوم الإبل واجبا على الإمة وكلهم كانوا يأكلون لحم الإبل لم يوقف بيان وجوبه حتى يسأله سائل فيجيبه. فعلم أن مقصوده أن الوضوء من لحومها مشروع وهو حق والله أعلم. وقد يقال الحدث إنما ذكر فيه بيان وجوب ما يتوضأ منه بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" 1 مع أن التوضى من لحوم الغنم مباح فلما خير في لحم الغنم وأمر بالوضوء من لحوم الإبل دل على أن الأمر ليس هو لمجرد الإذن بل للطلب الجازم والله أعلم. وأما الأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال التعليم فإنه لا يقتضى الوجوب على ما سبق في إلحاقه الأمر بعد الاستئذان وحينئذ فلا يستقيم استدلال أصحابنا على وجوب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير بما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك فقال: "قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد" 2 الحديث نعم إنه ثبت الوجوب من خارج فكيف يكون هذا الأمر للوجوب لأنه بيان لكيفية واجبة والله أعلم.   1 سبق تخريجه. 2 نص الحديث: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد" رواه البخاري كتاب الدعوات رقم: "6357" ومسلم كتاب الصلاة رقم: "406". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 القاعدة 46 الأمر إذا ورد مقيدا بالمدة أو التكرار حمل عليه. ولم أر فيه خلافا وإن ورد مقيدا بشرط فسيأتى. وإن كان مطلقا لم يقيد بشيء فما يقتضى. في ذلك مذاهب. أحدها: وهو الذي ذكره ابن عقيل مذهب أحمد وأصحابه وحكاه القاضى في كتاب الروايتين والوجهين عن شيخنا عبد الله بن حامد أنه يقتضى التكرار وهذا أشهر قولى القاضى وقول أكثر أتباعه وحكاه في المسودة عن أكثر أصحابنا وهو رأى الأستاذ أبى إسحاق الاسفرائينى لكن بحسب الطاقة والإمكان كما ذكره. قال أبو البركات والآمدي وبالغ القاضى في ذلك حتى منع حسن الاستفهام عن التكرار ثم سلمه. قلت: وفي منعه نظر إذ قد ثبت في السنة الصحيحة والآية قد يستفهم عما في الظاهر دخوله كأفراد العام. والمذهب الثانى: لا يقتضى التكرار ولا يدل على المرة ولا على التكرار بل يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به واختاره أبو محمد المقدسي. وذكر أبو محمد التميمى أن مذهب أحمد أن الأمر لا يقتضى التكرار إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بقرينة ولم بفرق بين مطلق ومعلق بشرط لكن قد يكون التعليق عنده قرينة واختاره الإمام فخر الدين والآمدي وابن الحاجب والبيضاوى وغيرهم. والمذهب الثالث: أنه يدل على المرة واختاره أبو الخطاب ثم أكثر كلامه يحتمل التكرار وهو قول أكثر أصحاب الشافعى كما حكاه الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع ونقل القيروانى في المستوعب عن الشيخ أبى حامد1 أنه مقتضى قول الشافعى. والمذهب الرابع: التوقف وعلى هذا قولان. أحدهما التوقف لكونه مشتركا بين المرة والتكرار. والثانى أنه لأحدهما ولا نعرفه. وقال أبو البركات في المسودة إن إمام الحرمين فسر التوقف فيما زاد على المرة الواحدة وقال لست أنفيه ولا أثبته قال أبو البركات وحقيقة ذلك عندى ترجع إلى قول من قال لا يقتضى التكرار. قلت: ذكر بعضهم أن على قول التوقف يمتنع إعماله وليس بصحيح على ما ذكره أبو البركات وعلى قول من قال إنه لأحدهما ولا نعرفه فلا يمنع إعماله أيضا لأنه يفيد طلب الماهية لكن هل هى ماهية متكررة أو ماهية واحدة والله أعلم. وإن ورد معلقا على شرط فإن قلنا المطلق يقتضى التكرار فالمعلق على شرط عنده تكرار شرطه يقتضى التكرار بطريق الأولى. وإن قلنا المطلق لا يقتضى التكرار ولا يدفعه فهل يقتضيه هنا أم لا؟ في ذلك مذهبان. أحدهما لا يقتضيه واختاره ابن أبى موسى وابن الحاجب تبعا للآمدى. والمذهب الثانى يقتضى التكرر بتكرار شرطه وحكاه في المسودة عن   1 أي أبو حامد الغزالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 بعض الحنفية وبعض الشافعية واختاره هو وحفيده1. وعلى هذا المذهب مذهبان. أحدهما أن إفادة التكرار من جهة اللفظ أى إن هذا اللفظ وضع للتكرار. والثانى أن إفادة التكرار من جهة القياس لا اللفظ قال في المحصول هذا هو المختار وجزم به البيضاوى. وإن علق على علة ثانية وجب تكراره بتكرارها اتفاقا قاله ابن الحاجب تبعا للآمدى وكلام أصحابنا يقتضيه. وإذا تكرر لفظ الأمر وقلنا الأمر المطلق لا يقتضى التكرار فهل يقتضى التأكيد أم التأسيس؟ فيه مذهبان: أحدهما وهو الذي اختاره أبو الخطاب وأبو محمد المقدسي وأبو بكر الصيرفي والبصرى أنه لا يقتضيه قال ابن عقيل وهو قول الأشعرية فيما حكاه بعض الفقهاء عنهم. والثانى أنه يقتضى التأسيس وقاله القاضى في كتاب الروايتين مع اختياره فيه أن الواحد لا يقتضى التكرار واختاره في المحصول والآمدي في الأحكام قال أبو البركات وهو الأشبه بمذهبنا ونقله القيروانى عن عامة أصحاب الشافعى. وفي المسألة قول ثالث بالوقف. ومحل الخلاف إذا كان الثانى غير معطوف على الأول فأما إن كان الثانى معطوفا على الأول بغير تعريف كقوله صل ركعتين وصل ركعتين فإنه يفيد التكرار وإن كان المعطوف عليه معرفا مثل صل ركعتين وصل الصلاة فإنه يحمل على الصلاة الأولى قاله القاضى وغيره. وقال أبو الحسين في المعطوف المعرف الأشبه الوقف لأن العطف   1 أي عبد الحليم بن تيمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 يعارضه لام العهد حكاه عنه الإمام فخر الدين وخالفه وقال الأشبه حمله على التغاير لأن لام الجنس كما تستعمل للعهد تستعمل لبيان حقيقة الجنس كقول السيد لعبده اشتر لنا الخبز واللحم فما تعينت معارضتهما للعطف. قلت: والمثال الذي ذكره الرازى في قول السيد لعبده ليس مطابقا لمحل النزاع لأن قول السيد لعبده اشتر لنا الخبز واللحم فالألف في اللحم ليس لمعهود حتى نصرفها إليه فتعينت للجنس وأما صل ركعتين وصل الصلاة فثم معهود يصرفها فتعين. ولم ينازع الرازى أحد في صحة استعمال الألف واللام للجنس بل نقول إذا احتمل كون ال للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم فإنا نحملها على العهد لأن تقدمه قرينة مرشدة إليه كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15,16] هكذا ذكره جماعة من الأصوليين. وقال ابن مالك في التسهيل فإن كان أحدهما عاما والآخر خاصا نحو صم كل يوم صم يوم الجمعة. وقال في المحصول فإن كان الثانى غير معطوف عليه كان تأكيدا وإن كان معطوفا فقال بعضهم لا يكون داخلا تحت الكلام الأول وإلا لم يصح العطف قال والأشبه الوقف للتعارض بين ظاهر العموم وظاهر العطف. قلت: لا نسلم التعارض بين ظاهر العموم وظاهر العطف لأن ذكر الخاص مع العام هل يكون إفراده بالذكر يقتضى عدم دخوله في العام أو أنه دخل وأفرد بالذكر اعتناء به وتفخيما. في المسألة مذهبان كما سيأتى في العموم إن شاء الله تعالى. فإن قلنا بالأول فعدم التعارض واضح وإن قلنا بالثانى فلا يمتنع أن ينص على بعض أفراده اعتناء به وتفخيما ومنعا لإخراجه من الحكم والله أعلم. وحكى القرافي عن القاضى عبد الوهاب في مسألة العطف أن الصحيح بقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 العام على عمومه وحمل الخاص على الاعتناء به قال وسواء تقدم أو تأخر والله أعلم. قلت: فعلى قول القاضى عبد الوهاب يرجح الدليل الذي فيه لفظان عام وخاص معطوف عليه عند معارضة دليل واحد لأن الفروع يرجح فيها بكثرة الأدلة وعلى قول الرازى ينبغى أن لا يرجح بذلك. قال في المسودة وهل الأمر يقتضى وجوب تكرار اعتقادية الوجوب وعدم الإمساك قال القاضى ملزما لمخالفيه إنه يجب. وحكى عن الجوزجانى1 الحنفي أنه لا يجب وإنما يجب البقاء على حكم الأعتقاد من غير فسخ له كالنية في العبادات وكاعتقاد ما يجب اعتقاده قال أبو البركات وهذا أصح. قلت: محل هذا حيث قلنا بأن الأمر يقتضى التكرار وإلا فلا وإذا قلنا الأمر المعلق على شرط يقتضى التكرار فقد يقال إن الزوج إذا قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق وقلنا يقتضى لفظه أن يتكرر الطلاق بتكرر دخولها كما لو قال كذا. فإن قلت: مسألة الطلاق من باب تعليق الإنشاء على الشرط وكلامنا في إطلاق الأمر على الشرط. قلت: إذا ثبت في الأمر ثبت في الإنشاء بالقياس ولكن كلام الآمدي في الأحكام يقتضى أن الإنشاء لا يتكرر اتفاقا وصرح به في الخبر كقولنا إن جاء زيد جاء عمرو فحينئذ يمثل قوله بقوله لوكيله طلق زوجتى إن دخلت الدار وقلنا لوكيل المطلق لا يملك الثلاث وإن قلنا يقتضى التكرار قياسا فينبغى أن يخرج ذلك على الخلاف بين أصحابنا فيما إذا قال السيد لعبده أعتقت سالما لسواده وفي ذلك وجهان.   1 هو الفقيه أبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني الحنفي صاحب القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني [ت 201هـ] من مؤلفاته "السير الصغير" و"الصلاة" و"نوادر الفتاوى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 أحدهما يعتق كل أسود من عبيده قاله أبو الفتح الحلوانى وأبو الخطاب وحكى ذلك عن أبى بكر الصيرفي1 من الشافعية فإذا عدينا العتق إلى غير المعتق بالعلة فكذلك يتكرر الوقوع على المطلقة بالنص على العلة كما لو قال أنت طالق لدخولك الدار. والثانى وهو صحيح لا يتعدى العتق إلى غير المعتق فلا يتكرر الطلاق لأن قوله أعتقت سالما لسواده ليس إنشاء للعتق على كل أسود بل هو إنشاء للعتق على سالم وحده ونص على أن علة إعتاقه هى السواد فالسواد علة لإنشاء عتقه عليه ليس علة لوقوع العتق المعتقد إنشاؤه على كل أسود فمن أين يعتق غيره من السود من غير إنشاء لصيغة العتق إذا لم ينشىء عتق غيره من السود فغايته أنه تناقض ولا يلزم من فعل العبد شيئا لعلة أن يحكم عليه بفعله كلما وجدت فيه تلك العلة. وإما الشارع فإنه حكيم لا يجوز عليه التناقض فإذا شرع حكما وعلله بعلة علمنا أنه شرع ذلك في الحكم كلما وجدت فيه تلك العلة والله أعلم. ومما يتعلق بالأمر المعلق بشرط إذا سمع مؤذنا بعد آخر فهل تستحب إجابة الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" 2 ظاهر كلام الأصحاب يستحب وبناؤه على ذلك متجه لكن محل هذا إذا كان الثانى مشروعا قاله أبو العباس. وإذا قلنا الأمر المكرر يحمل على التأسيس أو التأكيد فيشبه من الفروع   1 هو أبو بكر الصيرفي محمد بن عبد الله البغدادي [ت 330هـ] الشافعي من مصنفاته: "البيان في دلائل الأعلام على أصول الأحكام" في أصول الفقه و"شرح الرسالة" للشافعي. 2 رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" كتاب الأذان رقم: "611" وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" كتاب الصلاة رقم: "384". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 في المعنى إذا قال الرجل لزوجته المدخول بها أنت طالق أنت طالق فإن أراد التأسيس أو التأكيد أو الإفهام حمل عليه وإن أطلق فالمعروف في المذهب عند الأصحاب حمله على التأسيس. ولكن نقل أبو داود إذا قال الرجل لزوجته اعتدى اعتدى فأراد الطلاق هى واحدة. وظاهر هذا النص أنه لا يتكرر بالطلاق إذا طلق الزوج ولم ينو التكرار. يؤيده ما قاله غير واحد من الأصحاب أنه لو قال المقر له على درهم له على درهم ولم يوجد ما يقتضى التعدد لا يلزمه سوى درهم واحد. ولكن الفرق بين الإقرار والطلاق أن الإقرار خبر عما في الذمة فيجوز أن يكون الثانى خبرا عما أخبر به في الأول والأصل براءة الذمة وليس كذلك الطلاق لأنه إيقاع طلاق فإذا أوقع الأولى لا تكون الثانية إبقاعا للأولى مرة أخرى فوقعت كما وقعت الأولى ألا ترى أنه لو قال له على درهم وسكت ساعة ثم قال له على درهم لم يلزمه غير الأول ولو قال أنت طالق وسكت ساعة ثم قال أنت طالق كان الثانى إيقاعا بلا خلاف قاله القاضى في الجامع الكبير. وإن كان اللفظ الثانى لا يصلح للتأسيس كقوله أنت طالق طالق لم يتكرر الطلاق به إلا أن ينوى به التكرار فيلزمه ويقدر ما يتم به الكلام قاله أبو محمد المقدسي في الكافي وعبارة الترغيب لو قال أنت طالق طالق طالق قبل أيضا قصد التأكيد. قلت: وظاهره إن أطلق ولم يقصد التأكيد أنه يتكرر والله أعلم. وإن كان الثانى صالحا للتأسيس كقوله أنت طالق وطالق وطالق فإنه يتكرر الطلاق مع الإطلاق قاله غير واحد من الأصحاب. فإن أراد بالثانية تأكيد الأولى لم يقبل منه قاله القاضى وأبو محمد وغيرهما للمغايرة بينهما بحرف وقالوا: إن أراد بالثالثة تأكيد الثانية قبل منه لمطابقتها لها في لفظها وإذا عطف بالفاء أو بثم كالواو قاله غير واحد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الأصحاب وأنه غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق أو طالق ثم طالق وطالق أو طالق فطالق فكذلك لم يقبل منه في شئ منها إرادة التأكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها مخالفة لها قاله القاضى وأبو محمد وغيرهما. وإذا قال في نظير ذلك في الإقرار له على درهم درهم لزمه درهم جزم به في التلخيص وغيره ولو قال له على درهم ودرهم ودرهم وأراد بالثالث أم لا؟ في المسألة وجهان. أحدهما: قاله القاضى في الجامع الكبير أنه لا يقبل. وفرق بينه وبين الطلاق بأن الطلاق يدخله التأكيد بدليل أنه يصح أن على التأكيد وليس كذلك الإقرار لأنه لا يدخله التأكيد ألا ترى أنه لو قال له على درهم درهما لم يصح. والثانى: قاله في التلخيص أنه يقبل واتفقا على أنه لا يقبل تأكيد الأول بالثاني. ومع الإطلاق فعلى قول القاضي لزوم الثلاثة له واضح. وحكى صاحب التلخيص على قوله وجهين أحدهما لزوم الثلاث كالطلاق والثاني يلزمه درهمان لأنه اليقين والثالث: محتمل والأصل براءة الذمة وفرق بينه وبين الطلاق لأن حظر الطلاق أعظم والله أعلم. وإن كان اللفظ الثاني مثل الأول في المعنى مخالفا له في اللفظ كقوله أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة قبل منه إرادة التأكيد بالثانية والثالثة جزم به أبو محمد المقدسي في المغنى والكافي ولو قال أنت مطلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التأكيد أبدى في المغنى احتمالين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أحدهما: القبول وعلله بأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض تأكيدا كقوله: فألفت قولها كذبا ومينا1. والثاني: عدم القبول وعلله بأن الواو تقتضي المغايرة فأشبه ما لو كان بلفظ واحد. قلت: وينبغي إذا قبلنا منه إرادة التأكيد مع العطف في هذه الصورة أن يكون محل هذا في إرادة تأكيد الثانية بالثالثة لا في إرادة تأكيد الأولى بالثانية كما قلنا في قوله أنت طالق وطالق وطالق والله أعلم. فائدة: جزم النحويون ومنهم أبو حيان في كتبه بأن فائدة التأكيد كل ونحوها هو واقع احتمال التخصيص. إذا تقرر هذا فيتفرع على ذلك ما قاله الأصحاب. إذا قال: كل عبد لي أو ملكي حر فإنه يعتق عليه جميع عبيده قال صاحب الترغيب نوى العموم أو لم ينو نوى بعضهم دون بعض أو لا نص عليه قال لأن النية لا أثر لها في الصريح على الصحيح والله أعلم.   1 تمام البيت: فقددت الأديم لراهشيه ... فألقى قولها كذبا ومينا البيت لعدي بن زيد لسان العرب ج "6" ص "4311" طبعة دار المعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 القاعدة 47 إذا قلنا الأمر المطلق يقتضي التكرار فيقتضي الفور اتفاقا. وإن قلنا لا يقتضي التكرار فهل يقتضي الفور أم لا؟ في ذلك مذاهب. أحدها: أنه يقتضي الفور وهذا قول أصحابنا قال أبو البركات وهو ظاهر كلام أحمد ويعزى إلى أبي حنيفة ومتبعيه وحكاه الحلواني من أصحابنا عن المالكية. قلت: وقال القوضي عبد الوهاب المالكي الذي ينصره أصحابنا أنه على الفور وحكاه القرافي عن مالك ثم قال خلافا لأصحابه المغاربة وحكاه في المسودة عن أبي بكر الصيرفي والقاضي وأبي حامد وطائفة من الشافعية. والمذهب الثاني: أنه لا يقتضي الفور ولا التراخي بل يدل على طلب الفعل قاله في البرهان وهذا ينسب إلى الشافعي وأصحابه وقال في المحصول إنه الحق. قلت: اختاره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي قال القاضي أبو يعلى وقد أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وقد سأله عن قضاء رمضان يفرق قال نعم إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وقال السرخسي1 من الحنفية: الذي يصح عندى من مذهب علمائنا أنه   1 القاضي شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي [ت 483هـ] صاحب "المبسوط" في الفقه الحنفي وله أيضا "الأصول" في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 يعنى الأمر المطلق على التراخي وذكر عن أبي حنيفة ما يدل على ذلك قال وأشار الكرخي إلى أن موجب الأمر الفور قال ومن أصحابنا من جعل هذا الفعل على الخلاف بين أصحابنا في الحج هل هو على الفور أو التراخي قال وعندي أن هذا غلط لأن الحج مؤقت بأشهره فأبو يوسف1 يقول تتعين السنة الأولى ومحمد2 يقول لا تتعين وعن أبي حنيفة روايتان. والمذهب الثالث: أنه يفيد التراخي أي جوازا قال الشيخ أبو إسحاق والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط. وقال في البرهان إنه لفظ مدخول فإن مقتضى إفادة التراخى أنه لو فرض الامتثال على الفور لم يعتد به وليس هذا معتقد أحد. وقد حكى ابن برهان عن غلاة الواقفية أنا لا نقطع بامتثاله بل نتوقف عليه فيه إلى ظهور الدليل لاحتمال إرادة التأخير. قلت: وهذا على قول الوقف بكونه لأحدهما ولا نعرفه. وذهب المقتصدون منهم إلى القطع بامتثاله وحكى في البرهان أيضا كونه مشتركا بين الفور والتراخى وأشار أبو البركات إلى أن عنده أن مذهب الوقف والتراخى شىء واحد على قول المقتصدين من الواقفية أما على قول غلاتهم فيتحقق الوقف مذهبا والله أعلم. إذا تقرر هذا فقال القرافي في شرح التنقيح واختلف القائلون بالفور فقيل لا يتصور ذلك إلا إذا تعلق الأمر بفعل واحد. وقيل يتصور إذا تعلق بجملة أفعال. ثم اختلف القائلون بأنه يقتضى فعلا واحدا فتركه فمذهبنا ومذهب   1 هو العلامة الفقيه المجتهد القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن جبيب الأنصاري الكوفي صاحب أبي حنيفة [113 – 183هـ] صاحب "الخراج" مطبوع. 2 هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الكوفي صاحب أبي حنيفة فقيه العراق [132 – 189هـ] من مصنفاته: "الأصل" أو "المبسوط" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الجمهور أنه يجب عليه الإتيان ببدله بنفس الأمر الأول وقال الكرخى وغيره من الحنفية وأبو الفرج المالكى1 لا يجب قضاؤه إلا بأمر جديد كالوقت عندهم. واختلف القائلون بالتراخى هل يجوز تأخيره إلى غاية بشرط السلامة فإن مات قبل الفعل أثم وقيل لا إثم عليه إلا أن يغلب فواته ولم يفعله. وفصل آخرون وقالوا: إن غلب على ظنه أنه لا يموت فمات لم يأثم. واختلف القائلون بالتراخى فمنهم من قال لا يجوز التأخير إلا ألى بدل هو العزم على أدائه في المستقبل ليفارق المندوب. وقيل العزم ليس بدلا بل شرط في جواز التأخير. والقائلون بأنه بدل اختلفوا فمنهم من قال هو بدل من نفس الفعل وقيل بدل من تقديمه. والقائلون بالتراخى اختلفوا هل هو في الواجب خاصة أو يعم الواجب والمندوب قال القاضى أبو بكر والصحيح أنه يعمها. ووجه الفرق أن التراخى معناه أنه لا يأثم بالتأخير وذلك متعذر في المندوب لتعذر الإثم في نفسه في المندوب. ويرد هذا الفرق أنه قد يندب على التراخى كما في صدقة التطوع وقد يكون على الفور كتحية المسجد انتهى ما قاله القرافي ملخصا. وإذا أريد بالأمر الندب فإنه يقتضى الفور إلى فعل المندوب كالأمر الواجب ذكره القاضى أبو يعلى ملتزما له على قوله أمر حقيقة بما يقتضى أن الحنفية لا يقولون بالفور فيه. ومما يتعلق بالقاعدة من الفروع مسائل. منها: قضاء الصلوات المفروضات فإنه يجب على الفور لإطلاق الأمر   1 هو عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي [ت 331هـ] صاحب "الحاوي" في الفقه و"اللمع" في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 به هذا هو المذهب المنصوص عن أحمد لكن محل ذلك إن لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها نص عليه الإمام أحمد أيضا. ولنا وجه لا يجب القضاء على الفور فأوجب القاضى في موضع من كلامه الفور فيما زاد على خمس صلوات. ومنها: أداء الزكاة مع القدرة فإنه يجب على الفور نص عليه الإمام أحمد قال الشيخ أبو محمد وغيره لو لم يكن الأمر بالفور قلنا به هنا ولنا قول لا تجب على الفور وعلى المنصوص يجوز للمالك التأخير إذا خشى ضررا من عود ساع أو خاف على نفسه أو ماله أو نحوه. وللإمام والساعى التأخير لعذر قحط ونحوه. وكذا يجوز للمالك تأخير الإخراج لحاجته إلى زكاته نص عليه. وهل يجوز للمالك التأخير لانتظار قريب ذى حاجة في المسألة وجهان وقيد بعضهم ذلك بالزمن اليسير وأطلق القاضى وابن عقيل روايتين في القريب ونقل يعقوب بن بختان1 عن الإمام أحمد أنه قال لا أحب أن تؤخر الزكاة إلا لقوم لا يجد مثلهم في الحاجة. ومنها: أداء النذر والكفارة. وفي لزوم الفورية وجهان المذهب المنصوص عن الإمام أحمد اللزوم. وقد ذكر غير واحد من أصحابنا من الصور المسقطة لنفقة الزوجة فعل النذر الذي في الذمة والصوم للكفارة قبل ضيق وقته ولم يكن ذلك بإذن الزوج وهذا مشكل إذ قد تقرر أن المذهب المنصوص لزوم الفورية فهو كالعين أشار إلى ذلك أبو العباس رضى الله عنه. ومنها: أداء الحج والعمرة والمنصوص عن الإمام أحمد رضى الله عنه لزوم الفورية لإطلاق الأمر وهو المذهب عند الأصحاب وذكر ابن أبى موسى وجها أنه على التراخى وذكره ابن حامد رواية زاد أبو البركات مع   1 هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن بختان لازم الإمام أحمد وكان جارا له وصديقا وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/415". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 العزم على فعله في الجملة وقد تقدم الكلام على العزم في قاعدة الواجب الموسع. ومنها: أداء ديون الآدميين عند المطالبة فإنه واجب على الفور جزم به الأصحاب وبدون المطالبة هل يجب على الفور أم لا؟ في المسألة وجهان. أحدهما: ما قاله أبو المعالى والسامرى وغيرهما وهو المذهب أنه لا يجب قال شيخنا أبو الفرج محل هذا إذا لم يكن عين له وقت للوفاء فأما إن عين له وقتا للوفاء كيوم كذا فلا ينبغى أن يجوز تأخيره لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الوفاء فيه أولا كالمطالبة به والله أعلم. قلت: وينبغي أن يكون محل جواز التأخير إذا كان صاحب المال عالما بأنه يستحق في ذمة المدين الدين أما إذا لم يكن عالما فيجب اعلامه والله أعلم. والثاني: ما قاله القاضي في الجامع والشيخ أبو محمد في المغنى في قسم الزوجات أنه يجب على الفور ذكراه محل وفاق. ومنها: إذا أودع شخص شخصا وديعة في السوق إلى وقت المصير إلى منزله فاستعملها فتلفت فإنه يضمن قاله الأصحاب بناء على القاعدة وأبدى في المغنى احتمالا ومال إليه وصححه الحارثي أنه لا ضمان إذ عادة الإيداع في السوق إمساكها في حانوته إلى وقت المصير إلى منزله فصار كالمأذون فيه نطقا. ومنها: الأمر بتعريف اللقطة حولا فإنه يجب على الفور جزم به غير واحد من الأصحاب قال القاضي لا خلاف أن التعريف معتبر عقب التقاطها. قلت: فلو أخر مع الإمكان فلا إشكال في الإثم واستقرار الضمان ذكره في التلخيص وغيره وهل يسقط التعريف ذكر القاضي أبو يعلى وأبو محمد أنه يسقط في ظاهر كلام أحمد ولنا وجه بانتفاء السقوط. قال الحارثي هو الصحيح قال في المغنى وعلى كلا القولين لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 يملكها بالتعريف لأن شرط الملك التعريف في الحول الأول ولم يوجد وكذا لو قطع التعريف في الأول وأكمله في الثاني لايملك بذلك. وهل يحبسها المالك أم يتصدق بها على روايتين ذكرهما القاضي وأبو محمد وإن أخر التعريف لحبس أو مرض أو نسيان ونحو ذلك فوجهان ذكرهما أبو محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 القاعدة 48 الأمر بالشيء نهى عن أضداده والنهي عنه أمر بأحد أضداده من طريق المعنى دون اللفظ في قول أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك. وقال الأشعرية من طريق اللفظ قال أبو البركات بناء على أصلهم أن الأمر والنهي لا صيغة لهما. وزيف الجويني قول أصحابه1 بأن المعنى القائم في النفس المعبر عنه ب "أفعل" مغاير المعنى القائم في النفس المعبر عنه ب لا تفعل قال ومن أنكر هذا فقد باهت وسقطت مكالمته. وقال طوائف من المعتزلة وبعض الشافعية منهم الجويني لا يكون منهيا عن أضداده لا لفظا ولا معنى بناء على أصل المعتزلة في اعتبار إرادة الناهي والآمر قاله القاضي. وقول بعض الشافعية مبني على أن ما لا يتم الواجب إلا به غير واجب. ويشترط في كون الأمر بالشيء نهيا عن أضداده أن يكون الواجب مقررا كما نقله شارح المحصول2 عن القاضي عبد الوهاب3 وقاله القاضي أبو يعلى من أصحابنا في مسألة الوجوب.   1 أي الشافعية. 2 هو القرافي في مصنفه: "شرح المحصول في علم الأصول". 3 هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر [ت 422هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وإذا قلنا الأمر بالشيء نهى عن ضده فهل يعم الواجب والندب أم يختص الواجب؟ في المسألة قولان حكاهما الآمدي وابن الحاجب وغيرهما وأصحهما أنه لا فرق والله أعلم. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا قال لزوجته إن خالفت أمري فأنت طالق ولا نية ثم نهاها فخالفته. لأصحابنا في ذلك ثلاثة أوجه. أحدها: تطلق لأن النهي عن الشيء أمر بضده فإذا خالفته وفعلت المنهي عنه فقد تركت مشروع المأمور به. والثاني: لا تطلق تمسكا بصريح لفظه فإنه إنما علق طلاقها على مخالفتها أمره وهي إنما خالفت نهيه ولعل القائل بهذا يرى أن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده. والثالث: إن كان الحالف عارفا بحقيقة الأمر والنهي لم يحنث وإلا حنث ولعل هذا أقرب الى الفقه والتحقيق. وأما عكسها فلم أرها مسطورة فيما وقفت عليه من كتب أصحابنا ويتوجه تخريجها عليها إلا أن يفرق بينهما بفرق مؤثر فيمتنع التخريج والله أعلم. ومنها: ما ذكره بعض الفقهاء أن النزاع في وجوب النكاح مبني على هذه القاعدة وهي أن النهي عن الشيء أمر بضده 4اف لأنا إذا قلنا بذلك فالمكلف منهى عن ترك الزنا فيكون مأمورا بضده وهو النكاح والأمر يقتضي الوجوب فيكون النكاح واجبا. ونازعه الطوفي وقال هذا ترجيح ضعيف لأن التحقيق أن الشيء إذا كان له أضداد فالنهي عنه أمر بأحد أضداده والزنا لم ينحصر ضده في النكاح بل ليس ضدا له أصلا إنما ضد الزنا تركه لكن تركه قد يكون بالنكاح وقد يكون بالتسري وقد يكون بالاستعفاف مع العزوبة فلا يتعين بالنكاح للتلبس بل يلزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 مقابل ذلك أن يكون المكلف المنهي عن الزنا مأمورا بالنكاح أو التسري على التخيير لأن ترك الزنا يحصل بكل منهما فيصير من باب الواجب المخير فإن قال بذلك صح له التخريج المذكور لكن التسري لم نعلم أحدا قال بوجوبه تعيينا ولا تخييرا والله أعلم. قلت: هذا الذي قال الطوفي متجه فيما إذا كان المكلف لا شهوة له أوله شهوة ويأمن على نفسه مواقعة الزنا أما إذا كان له شهوة وخاف على نفسه الوقوع في الزنا فإن الوطء المباح يتعين دون بقية الأضداد إذ ليس غيره يقوم مقامه في كسر الشهوة. وأما قوله إنا لا نعلم أحدا قال بوجوب التسري تعيينا ولا تخييرا فلم يطلع على ما قاله الأصحاب في ذلك وقد ذكر غير واحد إذا قلنا بوجوب النكاح ففي الاكتفاء بالتسري وجهان لنا والذي يظهر الاكتفاء به والله اعلم. ومنها: ما ذكره الطوفي وهو أن إرسال الطلقات الثلاث عندنا بدعة في رواية لتضمنه قطع مصلحة مأمور بإقامتها والاستمرار عليها وهي استدامة النكاح وقطع المأمور باستدامته منهى عنه وظاهر المذهب أنه ليس ببدعة انتهى. وفيما ذكره نظر من حيث النقل ومن حيث المعنى. أما من حيث النقل فالمذهب الذي نص عليه أحمد في رواية إسحاق وابن هانىء وأبي داود والمروذي وأبي بكر بن صدقة1 وأبي الحارث واختاره أكثر أصحابنا أن الثلاث بدعة وفي كون الثنتين بدعة قولان. وأما من حيث المعنى فالمعنى الذي ذكره ليس مختصا بإرسال الطلقات بل يعم الطلاق المانع من استدامة النكاح فلو قال إن الطلاق من غير حاجة ينبني على ذلك لربما توجه ذلك ولنا في تخريجه من غير حاجة روايتان. وقد يحسن بناء روايتي تحريم الطلاق من غير حاجة على أصل قاله أبو يعلى في تعليقه الصغير وأبو الفتح ابن المنى وهو أن النكاح لا يقع إلا فرض كفاية وإن كان ابتداء الدخول فيه سنة والله أعلم.   1 هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة [ت 223هـ] وقد سبق التعريف به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 القاعدة 49 إذا طلب الفعل الواجب في كل واحد بخصوصه أو من واحد معين كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم فهو فرض العين وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل مع قطع النظر عن الفاعل فيسمى فرضا على الكفاية وسمى بذلك لأن فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين. وتحرير الفرق بين فرض العين والكفاية أشار إليه القرافي وهو أن فرض العين ما تكررت مصلحته بتكريره كالصلوات الخمس فإن مصلحتها الخضوع لله وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه وهذه الآداب تكثر كلما كررت الصلاة. وفرض الكفاية مالا تتكرر مصلحته بتكريره كإنقاذ الغريق إذا سأله إنسان فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا يحصل شيئا فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال. وأشار القرافي أيضا إلى أن فرض الكفاية والأعيان كما يتصور في الواجبات يتصور في المندوبات كالأذان والإقامة والتشميت والتسليم وما يفعل بالأموات من المندوبات فهذه على الكفاية والذي على الأعيان كالوتر وصيام الأيام الفاضلة وصلاة العيدين والطواف في غير النسك والصدقات والله أعلم. وكلام القرافي يقتضي أن فرض الكفاية لا يشرع تكرار فعله مرة بعد أخرى وهذا على عمومه فيه نظر ظاهر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 إذا تقرر هذا فهنا مسائل تتعلق بفرض الكفاية. منها: أنه هل هو واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض أم على بعض غير معين؟ في المسألة قولان. أحدهما وهو الذي نص عليه أحمد أنه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض قال في رواية حنبل الغزو واجب على الناس فإذا غزا بعضهم أجزأ عنهم. قال القاضي أبو يعلى في الكفاية فقد نص أحمد على أن المخاطبة بالغزو واجبة على الناس وإنما تسقط عن بقيتهم في الثاني وذكر صاحب المغنى قريبا من هذا وهذا هو الصحيح عن الآمدي وابن الحاجب وغيرهما. والثاني وهو منسوب الى المعتزلة وهو مقتضى كلام المحصول أنه واجب على بعض غير معين. وإذا قلنا بالأول فلا فرق بين فرض الكفاية وفرض العين في الابتداء وإنما يفترقان في ثاني الحال قاله أبو محمد المقدسي وهو فرق حكمى وفرض الكفاية إذا فعله الكل كان كله فرضا ذكره ابن عقيل محل وفاق. وقال أبو العباس لعله إذا فعلوه جميعا فإنه لا خلاف فيه. قلت: هذا ظاهر إذا قلنا فرض الكفاية واجب على الجميع وإن قلنا على بعض غير معين فيتجه خلاف وقد حكى ابن الرفعة1 من متأخرى الشافعية عن الذخائر للقاضي2 تحكى حكاية وجه أن الزائد على ما سقط به فرض   1 هو الفقيه الشافعي نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس بن الرفعةالأنصاري البخاري المصري [645 – 710هـ] من مصنفاته: "الكفاية في شرح التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي و"مطالب المعالي في شرح وسيط الغزالي". 2 "الذخائر" أحد الكتب المعتبرة في الفقه الشافعي وهو من تصنيف أبي المعالي محلى بن جميع القرشي المخزومي [ت 550] نظر كشف الظنون "1/822". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 صلاة الجنازة في الصلاة الواحدة يقع نفلا وهو احتمال أبداه الإمام من الشافعية وهو يوافق القائل بأن الفرض يتعلق بالبعض. وأما إذا فعل البعض بعد البعض ففي كون الثاني فرضا وجهان وينبني عليها جواز فعل صلاة الجنازة بعد الفجر والعصر مرة ثانية. ومنها: أيما أفضل فاعل فرض العين أو فاعل فرض الكفاية؟ نقل الطوفي في شرحه قولين. أحدهما: ولم يسم قائله أن فاعل فرض العين أفضل لأن فرضه أهم ولذلك وجب على الأعيان. والثاني: فاعل فرض الكفاية أفضل لأن نفعه أعم إذ هو يسقط الفرض عن نفسه وعن غيره قال وهذا منسوب إلى إمام الحرمين. واقتصار الطوفي على النقل عن إمام الحرمين يوهم أن ذلك لا يعرف لغيره وليس كذلك فقد سبقه إلى هذه المقالة والده1 في المحيط وكذا الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائينى نقله عنهما ابن الصلاح2 في فوائد رحلته3 والله أعلم. ومنها: أن فرض الكفاية هل يلزم بالشروع أم لا قال بعض شيوخنا في المسألة قولان أخذا من احتمالين قالهما صاحب التلخيص في اللقيط إذا أراد الملتقط رده إلى الحاكم مع قدرته لكن قاس احتمال الجواز على اللقطة واحتمال المنع علله بأنه فرض كفاية وقد شرع فيه وقدر عليه فصار متعينا. ويظهر لي أخذ القولين من مسألة أخرى وهي أن حفظ القرآن فرض كفاية   1 والده: أي ولد إمام الحرمين وهو الفقيه الشافعي أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني [ت 438هـ] ومن مصنفاته: "التذكرة" و"التعليقة" و"مختصر" في فروع الشافعية و"الوسائل في فروق المسائل". 2 هو الفقيه المحدث الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الشهرزوري الموصلي الشافعي [577 – 643هـ] من أشهر مصنفاته: "معرفة أنواع علوم الحديث" المعروف بـ "مقدمة ابن الصلاح" و"الفتاوى" على المذهب الشافعي. 3 وتمام العنوان "الرحلة الشرقية" انظر كشف الظنون "5/654". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 إجماعا فإذا حفظه وأخر تلاوته بحيث ينساه ولا عذر حرم على الصحيح قال الإمام أحمد ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه وفيه وجه يكره وقدمه بعضهم والله أعلم. ومنها: أنه يكفي في سقوط فرض الكفاية غلبة الظن فإذا غلب على ظن طائفة أن غيرها قام به سقط عنها قاله القاضى وأبو العباس وغيرهما والله أعلم. ومنها: أن فاعل فرض الكفاية أفضل من غير فاعله ضرورة أنه حصل مصلحته دون غيره نعم هما شيئان في الخروج عن العهدة لكن هذا خرج بفعله وذاك خرج لانتفاء القابل لفعله والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 القاعدة 50 يجوز ان يأمر الله تعالى المكلف بما يعلم الله منه أنه لا يفعله نص عليه أحمد في أمره ونهيه خلافا للمعتزلة واستدل عليهم ابن عقيل بالإجماع على علمه بامتناع إبليس قبل أمره وذكر أن المسلمين أجمعوا على ذلك وهؤلاء يخالفون في هذه المسألة وقد أنكر ابن عقيل وغيره المسألة على هذا الوجه. قال أبو العباس والتحقيق أن الخلاف فيها مع غلاة القدرية من المعتزلة وغيرهم وهم الذين يقولون لم يعلم الله أفعال العباد حتى عملوها مثل معبد الجهني1 وعمرو بن عبيد2 وهم كفار. وفائدة جواز التكليف إظهار المطيع من العاصى. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. من أفسد صوم يوم من رمضان بما يوجب الكفارة ثم مات لم تسقط عنه الكفارة لأنه قد بان عصيانه بإقدامه على الإفساد فجعلت فائدة التكليف فلا يقدح فيه انتفاء شرط صحة صوم اليوم بموته والله أعلم.   1 هو: معبد بن عبد الله بن عكيم الجهني [ت 90هـ] تقول بعض المصادر أنه أول من تكلم في القدر. 2 هو شيخ المعتزلة: أبو عثمان عمرو بن عبيد البصري [ت 143هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فائدة: الأمر بالشىء ليس أمرا به مع عدم الدليل عليه ذكره أبو محمد المقدسي والرازى. وحينئذ فلا يستقيم استدلال من استدل من الأصحاب على مراجعة الحائض إذا طلقت في الحيض بأمر النبى صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه رضى الله عنهما بمراجعة زوجته لما طلقها وهى حائض1.   1 إشارة إلى الحديث الذي رواه البخاري عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وقي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" البخاري كتاب الطلاق رقم: "525" مسلم كتاب الطلاق رقم: "1471". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 القاعدة 51 النهى صيغة لا تفعل من الأعلى للأدنى إذا تجردت عن قرينة فهى نهى. وقد تقدم في الأمر هل يشترط العلو والاستعلاء أو لا يشترطان فالنهى مثله. وإطلاق النهى ماذا يقتضى؟ في المسألة مذاهب. أحدها: الأصل في إطلاقه التحريم ثم هذا مذهبنا ونص عليه الشافعى في الرسالة في باب العلل في الأحاديث واختاره أصحابه وهو الحق. والثانى: كراهة التنزيه وبالغ الشافعى في إنكار ذلك ذكره الجوينى في مسألة مفردة في التأويلات. والثالث: الإباحة. والرابع: الوقف. والخامس: أنه للقدر المشترك بين التحريم والكراهة وهو مطلق الترك. والفرق بين هذا وبين القول بأنه للكراهة أن جواز الفعل هنا مستفاد من الأصل وفيما إذا جعل للكراهة يكون جواز الفعل مستفادا من اللفظ أيضا. والسادس: بين التحريم والكراهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والسابع أنه لأحدهما لا بعينه قال بعضهم فيكون محمولا على هذا القول والقول الذي قبله. وقد يقال على هذين القولين يرجع إلى القول بالتحريم لأن ترك الحرام واجب وهذا اللفظ مشترك بين الحرام وغيره فيجب الكف لأنه من ناب مالا يتم الواجب إلا به والله أعلم. فوائد أصولية: منها: نقل علي بن سعيد عن الإمام أحمد أنه قال ما أمر به النبى صلى الله عليه وسلم عندى أسهل مما نهى عنه وكذلك نقل عنه الجوينى الأمر أسهل من النهى. قال أبو الخطاب هذا يدل على أن إطلاق الأمر يقتضى الندب وهذا احتمال أبداه أبو البركات قال وهو بعيد لمخالفته منصوصاته الكثيرة. قال أبو البركات ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد أنه أسهل بمعنى أن جماعة من الفقهاء فرقوا بأن الأمر للندب والنهى للتحريم والنهى للدوام والأمر لا يقتضى التكرار والله أعلم. قلت: قال القاضى في المجرد في باب الصلاة بالنجاسة إن صلاة المأموم تبطل بترك الإمام ركنا رواية واحدة وهل تبطل بفعل الإمام منهيا عنه طرأ عليه كالحدث والكلام ونحوه على روايتين إحداهما تبطل كما تبطل بترك ركن والثانية لا تبطل قال لأن فعل المنهى عنه أخف من ترك المأمور به ألا ترى أن ترك القراءة في الصلاة يبطلها رواية واحدة؟ واختلف قوله في الكلام ساهيا هل يبطل صلاة المتكلم وإذا سبقه الحدث هل يستقبل الصلاة أم يبنى وإذا كبر دون الصف جاهلا بذلك عفي عنه وكان المنهى عنه أخف من ترك المأمور به انتهى. قلت: وهذا عكس نص أحمد في رواية الميمونى وعلى بن سعيد والله أعلم. ومنها: إذا قيل: الأمر يقتضي تكرار فالنهي أولى وإن قيل لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 يقتضيه الأمر فالمشهور من مذاهب العلماء أن النهي يقتضيه ونسب إلى الإمام فخر الدين أن النهي لا يقتضي التكرار كالأمر والله أعلم. ومنها: إذا قال لا تفعل هذا مرة قال القاضى أبو يعلى يقتضى الكف مرة فإذا ترك مرة سقط وقال غيره يقتضى تكرار الترك ذكره في المسودة. ومنها: صيغة النهى بعد سابقة الوجوب إذا قلنا إن صيغة الأمر بعد الحصر للإباحة؟ فيه وجهان: أحدهما أنه يفيد التنزيه دون التحريم والثانى التحريم ذكرهما القاضى أبو يعلى والثانى اختاره الحلوانى وغيره وقيل الإباحة والله أعلم. إذا تقرر هذا فإطلاق النهى هل يدل على الفساد أم لا؟ في ذلك مذاهب. أحدها: أنه يدل على الفساد مطلقا قال أبو البركات نص عليه في مواضع تمسك فيها بالنهى المطلق على الفساد وهذا قول جماعة من الفقهاء حكاه القاضى أبو يعلى. قال الخطابى ظاهر النهى يوجب فساد المنهى عنه إلا أن تقوم دلالة على خلافه قال وهذا هو مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه ذكره في الأعلام في النهى عن بيع الكلب. والثانى: لا يدل عليه مطلقا ونقله في المحصول عن أكثر الفقهاء والآمدي عن المحققين. والثالث: وهو المختار في الحصول والمنتخب1 وغيرهما وقاله   1 مصنف في الفقه الحنبلي لأبي الحسن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس [504 – 576هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/348". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 أبو الحسين البصرى يدل عليه في العبادات دون المعاملات. والرابع أنه يدل مطلقا في العبادات كما ذكرناه وكذلك في المعاملات إلا إذا رجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم له بل ينفك عنه كالنهى عن البيع يوم الجمعة وقت النداء فإن النهى إنما هو لخوف تفويت الصلاة لا لخصوص البيع إذ الأعمال كلها كذلك والتفويت غير لازم لماهية البيع. وهذا القول قد نقله ابن برهان في الوجيز1 عن الشافعى واختاره الرازى في المعالم في أثناء الاستدلال ونقله الآمدي بالمعنى عن أكثر أصحاب الشافعى. وحيث قلنا يدل على الفساد فقيل يدل من جهة اللغة والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يدل إلا من جهة الشرع. وفي كلام أبى البركات ما يقتضى أنه قد قيل إنه بالفعل. وإذا قلنا النهى لا يدل على الفساد فبالغ بعضهم وقال يدل على الصحة واختار الغزالى في موضع من المستصفى هذا القول ثم قال بعد ذلك في هذا إنه فاسد والله أعلم. فائدة: إذا قام دليل على أن النهى ليس للفساد لم يكن مجازا لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه وإنما انتقل عن بعض موجبه فصار كالعموم الذي خرج بعضه فإنه يبقى حقيقة فيما بقى قاله ابن عقيل. قال وكذلك إذا قامت الدلالة على نقله عن التحريم فإنه يبقى نهيا حقيقة عن التنزيه كما إذا قامت دلالة الأمر على أنه ليس على الوجوب. قال أبو البركات الأول مبنى على أن الفساد مدلول عليه بلفظ النهى وإلا فإن كان معلوما بالعقل أو بالشرع لم يكن انتفاؤه مجازا ولا إخراج بعض مدلول اللفظ وهكذا كل دلالة لزومية فإن تخلفها هل يجعل اللفظ مجازا أو يكون   1 "الوجيز" مصنف في أصول الفقه لأبي الفتح أحمد بن علي بن برهان الشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 بمنزلة التخصيص والله أعلم انتهى. إذا تقرر هذا فالتفريع على دلالة النهى عنه كثيرة في المذهب جدا في العبادات والمعاملات وغيرهما وفي المذهب فروع منهى عنها لم يقولوا فيها بالفساد ادعى الأصحاب أنها خرجت بدليل وفيه نظر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 فصل: العموم والخصوص. جمهور العلماء على أن العرب وضعت للعموم صيغا تخصه فإن استعملت في الخصوص كان مجازا وعكس آخرون وقالوا: تلك الصيغ حقيقة في الخصوص مجاز في العموم. وقال القاضى أبو بكر اللفظ مشترك بينهما وذهب إليه الأشعرى تارة واختار الآمدي الوقف وذهب إليه الأشعرى تارة أخرى. وقيل بالتوقف في الأخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهى. فالتوقف إما على معنى لا ندرى هل وضع له صيغة أم لا؟ وإما على معنى إنا نعلم أنه وضع إلا أنا لا ندرى أهو حقيقة في العموم والخصوص أم مجاز في أحدهما والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 القاعدة 52 المفرد المحلى بالألف واللام يقتضى العموم إذا لم تكن هناك قرينة عهد. وقد نص إمامنا رحمه الله على ذلك في مواضع وقاله أبو عبد الله الجرجانى1 وابن برهان وأبو الطيب ونص عليه الشافعى في الرسالة وفي2 البويطي ونقله الآمدي عن الشافعى والأكثرين ونقله الإمام فخر الدين عن الفقهاء والمبرد. ثم اختار هو ومختصر كلامه أنه يقتضى العموم وهو قول أبى على الجبائى واختلف عن أبى هاشم. وإن كان هناك معهود انصرف إليه قاله ابن مالك في التسهيل وغيره من الأصوليين. قلت: وسواء كان المعهود عرفيا أو شرعيا. إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة مسائل. منها: دعوى أن الأصل جواز البيع في كل ما ينتفع به ولم ينه عنه عملا بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] حتى يستدل به مثلا على جواز بيع لبن الآدميات ونحوه مما وقع فيه الخلاف إن قلنا إنه للعموم وإلا فلا وجمهور العلماء على أنه للعموم وقال بعضهم إنه مجمل.   1 هو يوسف بن علي بن محمد وقد سبق التعريف به. 2 المقصود في "مختصر البويطي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وعلى الأول فهل هو من العام المخصوص؟ أو من العام الذي أريد به الخصوص في ذلك قولان. والفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص من وجهين. أحدهما أن العام المطلق الذي يجرى على عمومه وإن دخله التخصيص ما يكون المراد باللفظ أكثر وما ليس بمراد باللفظ يكون أقل والعام الذي أريد به الخصوص ما يكون المراد باللفظ أقل وما ليس بمراد باللفظ أكثر. والفرق الثانى أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ ومقترن به وعلى كلا القولين يجوز الاستدلال به على إباحة البيوع. والمختلف فيها ما لم يقم دليل على التخصيص على إخراجها من العموم وكذلك الاستدلال على بطلان ما فيه غرر بقوله نهى عن بيع الغرر1 وكذلك الاستدلال على بطلان بيع اللحم بالحيوان مأكولا أو غير مأكول بقوله نهى عن بيع اللحم بالحيوان2. وأما تحرير مذهبنا في ذلك فإن كان الحيوان مأكولا فيحرم بيعه بلحم من جنسه وكذا بغير جنسه إن قيل اللحم جنس واحد فإن قيل أجناس فيجوز أشار إلى ذلك صاحب المغنى. ولنا قول بالمنع مطلقا مأكولا أو عير مأكول. واختار أبو العباس المنع فيما إذا كان من جنسه وكان الحيوان مقصود اللحم.   1 رواه أبو داود عن أبي هريرة كتاب البيوع رقم: "3376" ورواه الترمذي بزيادة "وبيع الحصاة" وقال: حسن صحيح كتاب البيوع رقم: "1230" ورواه بهذا اللفظ ابن ماجه كتاب التجارات رقم: "2194" وجاء بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر مسلم كتاب البيوع رقم: "1513" النسائي كتاب البيوع رقم: "4518". 2 رواه مالك مرسلا عن سعيد بن المسيب كتاب البيوع "27" وقال عنه ابن عبد البر لا إعلمه يتصل من وجه ثابت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فعلى قول جمهور أصحابنا يكون من العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص والله أعلم. ومنها: إذا قال الزوج الطلاق يلزمنى أو أنت الطلاق فهل يلزمه ثلاث أو واحدة إذا لم ينوه في المسألة روايتان لزوم الثلاث بناء على المحلى ولزوم الواحدة بناء على تقديم المعهود على العموم إذ معنى المعهود سنى وهو أن السنة أن يطلقها واحدة. ولعل هاتين الروايتين مبنيتان على أن الطلاق الثلاث هل هو سنى أو بدعى وفي المسألة روايتان فإن قلنا هو سنى لزمت الثلاث بناء على عموم المحلى وإن قلنا ليس سنيا وإنما السنة الواحدة فينصرف المحلى إلى المعهود السنى وهو الواحدة. وقد يقال تطلق واحدة وإن قلنا الثلاث سنة والمحلى بالالف واللام يقتضى الاستغراق بناء على العرف اذا العرف يقتضى أن ذلك واحدة. أما إن قال أنت على حرام أعنى به الطلاق ولم يجعل ذلك ظهارا على الصحيح من الروايتين فذكر أبو محمد المقدسي وأبو البركات وغيرهما في المسألة الروايتين اللتين في المسألة قبلها. وقد يفرق بين هذه المسألة والتى قبلها بأن هذه المسألة ذكر فيها أولا أنت على حرام وفسر التحريم بالطلاق والطلاق لا يكون محرما إلا إذا كان ثلاثا بحذف التى قبلها فإنه لم يصرح فيها بالتحريم فيبقى لزوم الطلاق فيها مبنيا على عموم المحلى بالألف واللام أو الرجوع إلى المعهود السنى أو العرفي. وهذا الفرق إنما يتأتى إذا قلنا الرجعية مباحة أما إذا قلنا الرجعية محرمة فلا. وعلى رواية وقوع الثلاث فلو نوى به ما دونها فهل يقع به ما نواه خاصة أو يقع به الثلاث ويكون ذلك صريحا في الثلاث فيه طريقان للأصحاب. هذا الكلام بالنسبة إلى عدد الطلاق. وأما بالنسبة إلى عدد الزوجات فلو قال الطلاق يلزمنى لا أفعل كذا وفعله وله أكثر من زوجة فإن كان هناك نية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أو سبب يقتضى التعميم أو التخصيص عمل به وإن فقد السبب والنية خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه وتارة في محله. وفرق بعضهم بينهما بأن عمومه للطلاق الثلاث من باب عموم المصدر لأفراده وعموم الزوجات يشبه عموم المصدر لمفعولاته وعمومه لأفراده أقوى من عمومه لمفعولاته لأنه يدل على أفراده بذاته عقلا ولفظا وإنما يدل على مفعولاته بواسطة مثال الأكل والشرب مثلا فإنه يعم أنواع الأكل والشرب أبلغ من عمومه المأكول والمشروب إذا كان عاما فلا يلزم من عمومه لأفراده وأنواعه عمومه لمفعولاته ذكر مضمون ذلك أبو العباس. وقوى في موضع آخر وقوع الطلاق بجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة الواحدة وفرق فيها بأن وقوع الطلاق بالزوجات المتعددات. وفي الروضة إن قال إن فعلت كذا فامرأته طالق وفعل وقع بالكل أو بمن بقى قال وإن قال علي الطلاق لأفعلن ولم يذكر المرأة فالحكم على ما تقدم فإن لم يبق تحته زوجة ثم تزوج أخرى وفعل المحلوف عليه وقع أيضا ولو قال فلانة طالق لأفعلن كذا فمات أو طلقها ثم تزوج أخرى لم تطلق لأنه عينه لامرأة انتهى. ومنها: دعوى أن الأصل في الأبوال كلها النجاسة استدلالا بقوله عليه السلام: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 1 ولكن أصحابنا حملوا الألف واللام هنا على العهد وهو بول الآدمى بقرينة. ومنها: دعوى جواز التكبير في الصلاة بقول المصلى الله الاكبر أو الكبير أو إذا نكس على خلاف في ذلك استدلالا بقوله عليه الصلاة والسلام: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" 2 والمذهب لمنصوص الصحيح عندنا لا   1 رواه الدارقطني عن أنس بن مالك انظر كنز العمال "9/345" طبعة مؤسسة الرسالة. 2 نص الحديث: عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" الترمذي كتاب الصلاة رقم: "3" وكتاب .................. == == الصلاة رقم: "238" عن أبي سعيد الخدري أحمد المسند رقم: "1005" ابن ماجه كتاب الطهارة رقم: "275 و276". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 يجزئه إلا قول الله أكبر فتكون الألف واللام للعهد لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كبر بغيرها وقد جاء الخبر في نفي قبول الصلاة بغير الله أكبر والمعنى الموجود فيها لا يوجد في غيرها. ومنها: دعوى جواز السلام للخروج من الصلاة بقوله عليكم السلام و"سلام عليكم" بغير تعريف والسلام عليكم من غير ذكر الرحمة. ولنا في المسألة الأولى وجهان ذكرهما القاضى أبو يعلى في الجامع الكبير مدركهما هل المراد بالألف واللام العموم أو العهد؟ ولنا في المسألة الثانية ثلاثة أوجه. أحدها: الإجزاء إذا نواه وهو احتمال للقاضى أبداه في الجامع الكبير قال وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا وقد سأله ما قوله حذف السلام سنة؟ قال: أن لا يطولها سلام عليكم ولأن التنوين يقوم مقام الألف واللام. والثانى: عدم الإجزاء بناء على أن الألف واللام للعهد لا للعموم. والثالث: عدم الإجزاء مطلقا سواء نواه أو لم ينوه ذكره الآمدي. ولنا في المسألة الثالثة قولان هما احتمالان للقاضى في الجامع الكبير. أحدها: الإجزاء لقول أحمد في رواية ابن أصرم المزنى1 وقد سئل عن قوله حذف السلام سنة قال لا يطيله السلام عليكم بناء على أن الألف واللام لجنس السلام لا للعهد. وعدم الإجزاء واختاره أبو الخطاب وغيره بناء على أن المراد بالألف   1 هو أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد بن عبد الله بن حسان بن عبد الله بن مغفل العباسي المزني [ت 285هـ] أحد الرواة عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/22". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 واللام العهد لأن من وصف سلام النبى صلى الله عليه وسلم وصفه مع ذكر الرحمة والأخبار متطابقة بذلك. وأما صلاة الجنازة فذكر بعض أصحابنا وجها أنه لا يجزىء السلام منها بدون ذكر الرحمة والمنصوص عن أحمد في رواية علي بن سعيد وقد سئل عن التسليم عن الجنازة فقال واحدة فقيل له كيف تسلم فقال السلام عليكم ورحمة الله فقيل له تقول ورحمة الله فتوقف ساعة ثم قال إن شاء قال وإن شاء لم يقل ورحمة الله. ومنها: لو حلف الحالف لا أرى منكرا إلا رفعته إلى الوالى من غير تعيين فهل يتعين المنصوب في الحال أم يبرأ بالرفع إلى كل من ينصب بعده. في المسألة وجهان قال في الترغيب لتردد الألف واللام بين تعريف الجنس والعهد. ومنها: إذا قال الزوج امرأة القاضى طالق1 ولم يكن معنا سبب ولا عهد ولا بينة هل تطلق زوجته أم لا هذه المسألة لم أرها منقولة فيما وقفت عليه من كتب أصحابنا فيتجه أن يقال فيها يخرج على قاعدة المحلى بالألف واللام هل يقتضى العموم أم لا ويتجه بناؤها على قاعدة أخرى وهى أن المخاطب بكسر الطاء هل هو داخل في عموم خطابه أم لا كما سيأتى تقريرها إن شاء الله تعالى. ومنها: إذا نوى المتيمم بتيممه الصلاة وأطلق ولم ينو فرضا ولا نافلة وقلنا بالمذهب المشهور إن التيمم يبيح الصلاة لا يرفع الحدث فهل يتناول تيممه الفرض والنفل بالقاعدة أم النفل خاصة تنزيلا له على الأدنى في المسألة قولان أشهرهما عند الأصحاب الثانى. ومنها: إذا قال السيد لعبده إذا قرأت القرآن فأنت مدبر فقرأ بعضه لا يصير مدبرا حملا لها على الاستغراق إلا بدليل.   1 كذا ولعلها امرأة [القائل] طالق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقد ذكر بعض أصحابنا حنث من حلف لا يقرأ القرآن بقراءة بعضه وما قصد الحنث. فخرج على الروايتين إذا حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 القاعدة 53 المفرد المضاف يعم هذا مذهبنا ونص عليه إمامنا تبعا لابن عباس وعلى رضى الله عنهما قاله صاحب المحصول ومختصر كلامه. وقال القرافي في شرح التنقيح ينبغى أن يفصل بين أسم الجنس إذا أضيف فإن كان جمعا عم وإن كان مفردا فلا قال لكن لم أره منقولا والاستعمالات العربية تقتضيه. قلت: وحكى عن الشافعية والحنفية أن المفرد المضاف لا يعم. إذا تقرر هذا فمن الفروع المتعلقة بالقاعدة. إذا قال زوجتى طالق وعبدى حر ولم ينو معينا فالمنصوص عن أحمد أنه تطلق جميع زوجاته ويعتق جميع عبيده. واختار أبو محمد المقدسي في المغنى أنه تطلق إحداهن ويعتق أحدهم ويخرج بالقرعة. ومنها: إذا نذر ذبح ولده وقلنا يلزمه ذبح كبش فكان له أولاد فإنه يلزمه أن يذبح عن كل واحدا كبشا ذكر ذلك أبو محمد المقدسي وعزاه إلى نص أحمد ولم يخالفه وبناه على القاعدة وهو مخالف لما اختاره في كتاب الطلاق. ومنها: إذا أوصى لحمل امرأة فولدت ذكرا أو أنثى فهما سواء ذكره أبو محمد وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ومنها: إذا أوصى السيد لمكاتبه بأوسط نجومه وكانت النجوم1 شفعا متساوية القدر تعلق الوضع بالشفع المتوسط كالأربعة المتوسط منها الثانى والثالث وكالستة المتوسط منها والثالث والرابع ذكره أبو محمد المقدسي وغيره وهو مبنى على القاعدة. ومنها: إذا قال إن كان حملك ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان أنثى فطلقتين فولدت ذكرا وأنثى قال الأصحاب لا تطلق وعللوه بأن حملها ليس بذكر ولا أنثى بل بعضه هكذا وبعضه هكذا وهو موافق لكون المضاف للعموم. ومنها: إذا وقف على ولده فإنه يتناول جميع أولاده الذكور والإناث ذكره الأصحاب وللإمام أحمد رضى الله عنه نص يدل على ذلك. وهل يتناول ولد البنين أيضا على روايتين ولا يتناول ولد البنات جزم به أبو محمد المقدسي وغيره. قال الحارثى والصواب التسوية بين الصورتين وكذلك إذا قال وقفت على ابنى وقرابتى فإنه يتناول الجميع. ومنها: وهو مخالف للقاعدة إذا قال الموصى أوصيت لجارى محمد بكذا وله جاران بهذا الاسم هل تصح الوصية أم لا؟ في المسألة روايتان أصحهما قول الأصحاب لا تصح للابهام والرواية الأخرى تصح ويعطى هو الورثة واحدا وهل هو بقرعتهم أو بتعيينهم في المسألة وجهان. ومقتضى القاعدة أنه يصرف إليهما جميعا على السواء ولم يقل بواحد.   1 النجوم: الأقساط التي يدفعها العبد إلى السيد على فترات معلومة وبمبالغ محددة سبق شرحها تفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 القاعدة 54 النكرة في سياق النفي تعم سواء باشرها النافي نحو ما أحد قائم أو باشرها عاملها نحو ما قام أحد وسواء كان النافي نحو ما أو لم أو لن أو ليس أو غيرها. ثم إن كانت النكرة صادقة على القليل والكثير كشىء أو ملازمة للنفي نحو أحد وكذا صيغة بد نحو مالى عنه بد كما نقله القرافي في شرح التنقيح عن الكافي والمنتخب أو داخلا عليها من نحو ما جاءنى من رجل أو واقعة بعد لا العاملة عمل إن وهى لا التى لنفي الجنس فواضح كونها للعموم وقد صرح به مع وضوحه النحاة والأصوليون. وما عدا ذلك نحو ما في الدار رجل بدون من ولا رجل قائما أى تنصب الخبر فمقتضى إطلاق الأصوليين أنها للعموم أيضا وهو مذهب سيبويه وممن نقله عنه أبو حيان في الكلام على حروف الجر ونقله من الأصوليين إمام الحرمين في البرهان في الكلام على معانى الحروف ولكنها ظاهرة في العموم لا نص فيه. قال إمام الحرمين وهذا نص سيبويه على جواز مخالفته فتقول ما فيها رجل بل رجلان كما تعدل عن الظاهر فتقول جاء الرجال إلا زيدا. وقال الجرجانى1 في أول شرح الإيضاح على أن الحرف قد يكون   1 هو شيخ البلاغيين الإمام أبي بكر مجد الإسلام عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي [ت 471 أو 474هـ] أهم كتبه "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" طبعا مرات عديدة أفضلها باعتناء العلامة محمود شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 زائدا من حيث العمل دون المعنى كقولك قال الزمخشرى وغيره في قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] لو قال ما لكم إله غيره بحذف من لم يحصل العموم وكذلك قوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} [يّس: 46] لو قال ما تأتيهم آية بحذف من لم يحصل العموم. قال القرافي بعد حكايته عنهما هذا وهذا يقتضى أن هذه الصيغ الخاصة كلها إذا كانت في سياق النفي لا تفيد العموم وإنما تفيد النكرات العامة نحو أحد وشىء فإذا قلت: ما جاءنى أحد حصل العموم وإذا قلت: ما جاءنى من أحد كانت مؤكدة للعموم لا منشئة للعموم هذا نقل النحاة والمفسرين. وإذا عمت النكرة فهل تعم متعلقات الفعل المنفي. قال القرافي الذي يظهر لى أنها تعم في الفاعل والمفعول إذا كانا متعلقا الفعل أما ما زاد على ذلك فلا نحو قولنا ليس في الدار أحد ولم يأتنى اليوم أحد فإن ذلك ليس نفيا للطرفين المذكورين وكذلك ما جاءنى أحد ضاحكا ليس نفيا للأحوال قال القرافي ويستثنى من أن النكرة في سياق النفي تعم صورتان. إحداهما إذا قلت: لا رجل في الدار بالرفع فإنها لا تعم بل هى نفي للرجل بوصف الوحدة فتقول العرب لا رجل في الدار بل اثنان ونقله عن سيبويه فهذه نكرة في سياق النفي وهى لا تعم إجماعا. قلت: قد تقدم النقل عن سيبويه بأنه إذا قال ما في الدار رجل أنه يعم عموما ظاهرا وكذلك إذا قال لا رجل في الدار بالرفع يعم عموما ظاهرا. الصورة الثانية تسلب الحكم عن العموم حيث وقع كقولك ما كل عدد زوجا فإن هذا ليس حكما بالسلب على كل فرد من أفراد العدد وإلا لم يكن فيه زوج وذلك باطل بل مقصودك إبطال قول من يقول إن كل عدد زوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فقلت: أنت ما كل عدد زوجا أى ليست الكلية صادقة بل بعضها ليس كذلك فهو سلب للحكم عن العموم لا حكم بالسلب على العموم فتأمل الفرق بينهما. إذا تقرر هذا فمما يتعلق بالقاعدة مسائل. منها: صحة الاستدلال على منع الحائض والجنب من قراءة القرآن ولو دون آية بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن"1 إذا صححنا الحديث. ومنها: إا قال المدعى لا بينة لى ثم أتى ببينة فالمذهب المنصوص أنها لا تسمع بينته ولنا قول آخر أنها تسمع واختاره ابن عقيل وغيره واستشكل على المنصوص إذا قال الشاهد لست متحملا عليك شهادة ثم أداها بعد ذلك فإن المنصوص عن أحمد أنها تسمع. والفرق بين النصين أن الشهادة حق عليه فتسمع بعد النفي كما لو أقر بالحق بعد جحوده والبينة حق له فلا تسمع كما لو ادعى الخق بعد أن نفاه والله أعلم.   رواه الترميذي عن ابن عمر "كتاب الطهارة/رقم: 131" ورواه ابن ماجه عن ابن عمر بالنص التالي: "لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن" "كتاب الطهارة/رقم:596". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 القاعدة 55 النكرة في سياق الإثبات إن كانت للامتنان عمت. أخذا من استدلال أصحابنا إذا حلف لا يأكل فاكهة أنه يحنث بأكل التمر والرمان بقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وذكر ذلك أيضا جماعة من العلماء منهم القاضى أبو الطيب في أوائل تعليقه. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. الاستدلال على طهورية كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض بقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] فإن لم تكن النكرة المثبتة للامتنان فإنها لا تعم. وذكر في المحصول كلاما يوهم خلاف هذا فقال إنها إن وقعت في الخبر نحو جاء رجل فإنها لا تعم وإن وقعت في الأمر نحو أعتق رقبة عمت عند الأكثرين بدليل الخروج عن العهدة بإعتاق ما شاء هذا كلامه. وقد علم منه أنه ليس المراد هنا عموم الشمول حينئذ فيكون الخلاف إنما هو في إطلاق اللفظ ووجه كونها في الخبر أن الواقع شخص ولكن التبس علينا بخلاف الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 القاعدة 56 "النكرة في سياق الشرط تعم". ذكره أبو البركات في المسودة وذكره إمام الحرمين في البرهان وتابعه عليه الأنبارى في شرحه واقتضاه كلام الآمدي وابن الحاجب في مسألة لا أكلت وإن أكلت ونوى تخصيصه وكلامه في المغنى في مسألة الرشد ما هو يقتضى أنها لا تعم. وإذا ثبت أنها تعم فهل تفيد العموم لفظا أو بطريق التعليل قال أبو العباس فيه نظر. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. إذا قلت: من يأتينى بأسير فله دينار فإنها تعم كل أسير وكذلك ما أشبهه قاله أبو البركات في المسودة. ومنها: إذا قال الموصى إن ولدت أنثى فله مائة وإن ولدت ذكر افله ألف فولدت ذكرين وأنثيين فإنه يشترك بين الذكرين في الألف وبين الأنثين في المائة قال في الكافي لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر فيكون عاما وفيه بحث. ومنها: وهو مخالف للقاعدة إذا قال السيد لأمته إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ميتا ثم حيا ففي عتق الحى روايتان وعلل رواية عدم الإعتاق بأن الميت ولد في الجملة فينصرف التعليق إليه ولا يتناول الحى ورواية الإعتاق بأن الميت وجوده كعدمه فينصرف الإعتاق إلى الحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فعلى كل من التعليلين إذا ولدت ولدين حيين فإنه يعتق الأول فيهما فقط وهذا مشكل على القاعدة إذ ذلك نكرة في سياق الشرط فتعم كل ولد تلدينه أو من تلدينه فهو حر فهذا لفظ عام فما الفرق بين العمومين. فإن قيل العموم هنا في نفس أداة الشرط فإن من وأى هى نفس المفعول الذي هو متعلق الفعل ولهذا يحكم على محل من بالنصب على المفعولية ويظهر في أى فالعموم الذي في الأداة لنفس المفعول المولود وهو بعينه في قوله إذا ولدت ولدا اللهم إلا أن يريد التخصيص بواحد فيبقى من باب تخصيص العام والله أعلم. ومنها: وهو مخالف للقاعدة إذا قال الزوج لأمرأته إذا ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين فولدت أنثى ثم أنثى طلقت طلقتين بالأنثى الأولى ولم تطلق بالأنثى الثانية ذكره القاضى في الجامع الكبير قال لأن الصفة إذا ولدت أنثى فأنت طالق وقد طلقت بأن ولدت أنثى ولا تعود الصفة بأنثى أخرى ويأتى في هذه المسألة من البحث مثل ما في التى قبلها والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 القاعدة 57 المتكلم من الخلق يدخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين سواء كان أمرا أو نهيا أو خبرا أو إنشاء. وقيل لا يدخل مطلقا. واختار أبو الخطاب يدخل إلا في الأمر وهو أكثر كلام القاضى وحكاه التميمى عن أحمد. قال في المحصول ويشبه كونه أمرا قرينة مخصصة وقال في الحاصل وهو الظاهر. إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة. هل كان للنبى صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلا ولى ولا شهود وزمن الإحرام؟ في المسألة وجهان ذكرهما القاضى أبو الحسين ووالده1 وغيرهما. قال القاضى في الجامع الكبير ظاهر كلام أحمد في رواية الميمونى جواز النكاح للنبى صلى الله عليه وسلم بلا ولى ولا شهود وزمن الإحرام واختار أبو عبد الله بن حامد أنه لم يكن ذلك مباحا له والله أعلم. ومنها: هل الواقف2 مصرفا لوقفه كما إذا وقف على الفقراء ثم افتقر فإنه يدخل على الأصح في المذهب ونص عليه أحمد في رواية المروذى وأبدى صاحب التلخيص احتمالا بعدم الدخول ولا خلاف في جواز   1 المقصود ابن أبي يعلى بن الفراء وولده القاضي أبو يعلى. 2 كذا في الأصل ولعل الصواب هل يكون الواقف مصرفا لوقفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 انتفاعه بالمسجد الذي وقفه قاله الحارثى. والفرق بين هذا وبين انتفاعه بالمسجد عسر ومراده على الاحتمال الذي أبداه صاحب التلخيص والله أعلم. والظاهر أن محل الخلاف في دخوله إذا أفتقر على قولنا بأن الوقف على النفس يصح كما نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى والفضل بن زياد وإسحاق بن أبراهيم. وأما إذا قلنا بأن الوقف على نفسه لا يصح كما نص عليه أحمد في رواية أبى طالب وحنبل فلا يدخل في العموم إذا افتقر جزما لأنه لا يتناول بالخصوص فلا يتناول بالعموم بطريق الأولى والله أعلم. وكذلك لو انقطع مصرف الوقف وقلنا يرجع إلى أقاربه وقفا فكان الواقف حيا هل يرجع إليه على روايتين حكاهما ابن الزاغونى في الإقناع1 وجزم ابن عقيل في المفردات بدخوله. وكذلك لو وقف على أولاده وأمثالهم أبدا على أن من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه فتوفي أحد أولاده عن غير ولد والأب الواقف حى فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا فإنها تخرج على ما قبلها والله أعلم. ومنها: إذا قال الرجل إن دخل أهله الدار فامرأتى طالق ودخل هو لم تطلق امرأته ذكره القاضى وغيره وهو مخالف للقاعدة لدليل وهو أن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم. وأبدى في المغنى احتمالا آخر بالحنث بناء على القاعدة.   1 "الإقناع" مصنف في الفقه لأبي الحسن بن الزاغوني نظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/183". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 القاعدة 58 المخاطب بفتح الطاء هل يدخل في العمومات الواقعة معه. قاعدة المذهب تقتضى عدم الدخول ولكن المرجح عند أكثر الأصوليين أن الحطاب العام مثل يا أيها الناس يتناول الرسول. وقال طائفة من الفقهاء والمتكلمين لا يتناوله. قال الحليمى1 يتناوله إلا أن يكون معه قال وقاله أبو بكر الصيرفي. وقد يقال إنما كانت قاعدة المذهب مخالفة لقاعدة الأصول هنا لدليل وهو أن خطاب الشارع المراد به التعبد وهو عام إذ قد تقرر في أصلنا أن الخطاب الثابت للصحابة ثابت للنبى صلى الله عليه وسلم. وأما قاعدة المذهب فهى في أقوال عن الشارع. وقد تقرر في غير هذا الموضع أن المكلف لا يلزم إذا قال شيئا أو حكم بشىء لعلة أنه يتعدى بخلاف الشارع والله أعلم. إذا تقرر فيتعلق بالقاعدة فروع. منها: إجابة المؤذن نفسه المنصوص عن أحمد أنه يجيب وهذا مخالف لقاعدة المذهب لدليل وهو الحث على جمع الأجرين له الدعاء والإجابة.   1 هو الفقيه المحدث المتكلم القاضي أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي [338 – 403هـ] من مصنفاته: "منهاج الديان في شعب الإيمان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ومنها: إذا وكل عبده أو غريمه بإعتاق عبيده أو إبراء غرمائه هل يملك عتق نفسه وإبراءها في المسألة قولان. المذهب أنه لا يملك عتق نفسه ولا إبراءها وجزم الآجرى بأنه يملك ذلك وفرق بين ذلك وبين من تصدق بكذا أنه ليس له أجره لأن إطلاقه ينصرف إلى استحقاق إعطاء الغير لأنه من التفعل وكذلك إذا قال لزوجته طلقى نسائى هل تطلق نفسها أم لا؟ ومنها: الوكيل في البيع هل له الشراء من نفسه؟ في المسألة روايتان معروفتان المذهب ليس له ذلك. ومنها: المأذون له أن يتصدق بمال هل له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة المذهب أنه لا يجوز نص عليه أحمد في رواية ابن بختان وأبدى في المغنى احتمالين آخرين أحدهما الجواز مطلقا والثانى إن دلت قرينة على إرادة أخذه منه مثل أن يكون ممن يستحق صرف ذلك إليه أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ وإلا فلا. ومنها: الأموال التى تجب الصدقة بها شرعا كالمغصوب والودائع هى لمن هى في يده الأخذ منها أم لا؟ المنصوص عن أحمد أنه لا يجوز وخرج القاضى جواز الأكل منها إذا كان فقيرا على الروايتين في شراء الوصى من نفسه كذا نقله عنه ابن عقيل في فنونه وأفتى به أبو العباس في الغاصب إذا تاب. ومنها: الوكيل في نكاح امرأة ليس له أن يزوجها لنفسه على المذهب فأما من ولايته بالشرع كالولى والحاكم وأمته فله أن يزوج نفسه وإن قلنا ليس لهم أن يشتروا من المال ذكره القاضى في خلافه وفرق بأن المال القصد منه الربح وهذا يقع فيه التهمة بخلاف النكاح فإن القصد فيه الكفاءة وحسن العشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وألحق القاضى أيضا الوصى بذلك وهذا فيه نظر فإن الوصى يشبه الوكيل لتصرفه بالإذن وسواء في ذلك القيمة وغيرها صرح به القاضى في ذلك وذلك حيث لهما إذن معتبر والله أعلم. ومنها: إذا قال الرجل لآخر إن دخل دارك أحد فعبدى حر فدخلها صاحبها فقال القاضى وغيره لا يعتق وأبدى في المغنى احتمالا بالعتق أخذا بعموم اللفظ. ومنها: إذا أوصى لعبده بثلث ماله دخل في الوصية ثلث العبد نفسه ويكمل عتقه من باقى الوصية وهذا مخالف للقاعدة لكن لدليل وهو أن ملكه للوصية مشروط بعتقه فلذلك دخل في عموم المال الموصى به ضرورة صحة الوصية له والله أعلم. وحكى الحارثى عن أهل الظاهر أنه لا يعتق ويعطى ما جعل له بناء على ملك العبد قال ويخرج من نص أحمد فيمن وصى لعبده بمائة يدفع المائة إليه فإن باعه للورثة فهى لهم إلا أن يشترط المبتاع. وجه التخريج جعل الملك له والموصى به يغاير الموصى له فلا يدخل في الثلث والله أعلم. ومنها: الوصى في إخراج حجة ليس له صرفها إلى نفسه بدون إذن نص عليه أحمد في رواية أبى داود وأبى الحارث وجعفر النسائى1 وحرب قال الحارثى ويطرد ههنا الخلاف في شراء الوكيل من نفسه إلا في صورتين. إحداهما: الوصية إليه بالانتفاع به أو أن يعطى رجلا يحج عنه فهذا ونحوه نص أو كالنص في إخراج الفعل عنه. والثانية: اقتران ما يقتضى انتفاء المباشرة مثل أن يسند إليه أمورا لا يمكن الحج معها وهى أظهر من الأولى في الخلاف والله سبحانه وتعالى أعلم.   1 المقصود هو: جعفر بن محمد النسائي وقد تقدم التعريف به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 القاعدة 59 "العبيد يدخلون في مطلق الخطاب" نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه وبه قال جماعة من السلف واختاره أبو بكر بن الباقلانى وأبو عبد الله الجرجانى الحنفي وجماعة من المالكية إلا أن يدل دليل على إخراجهم. وادعى الأصحاب في صور كثيرة أنها خرجت عن القاعدة بدليل وفي كون ذلك دليلا تخرجا نظر والأظهر جعله كالحر في جميع أحكامه إلا ما أجمع على خلافة أو صح الحديث بخلافه. وقال بعض المالكية والشافعية لا يدخلون حكاه القاضى أبو الطيب وحكاه الحلوانى أيضا. وقال الرازى إن ما تعلق بحقوق الآدميين لا يدخلون فيه وإلا دخلوا قال ولهذا لم يجوز أصحابنا شهادة العبيد وحكى المارودى في الحاوى والرويانى1 في البحر2 كلاهما في كتاب القضاء أن الخطاب إن تضمن تعبدا دخلوا وإن تضمن ملكا أو عقدا أو ولاية فلا. إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة فروع.   1 هو الفقيه الشافعي: فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري [415 – 501هـ] من مصنفاته: "الكافي" في الفقه و"مناصيص الإمام الشافعي" و"حلية المؤمن". 2 وتمامه: "بحر المذهب" وهو مصنف في فروع الشافعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 منها: عورة الأمة هل هى كالحرة أم لا؟ في المسألة روايتان. إحداهما: عورتها ما لا يظهر غالبا. والثانية: أنها ما بين السرة والركبة. وعن أحمد رواية. ثالثة أن عورتها الفرجان فقط كالرجل. واختلف الأصحاب في هذه الرواية هل هى ثابتة أم لا أثبتها الحلوانى في التبصرة والظاهر أنه أخذها من ظاهر عبارة شيخه أبى الخطاب في الهداية1 وتبعه ابن تميم. قال أبو البركات ما بين السرة والركبة من الأمة فعورة إجماعا. وقال أبو العباس قد حكى جماعة من أصحابنا أن السوأتين عورة فقط كالرواية في عورة الرجل قال وهو غلط فاحش قبيح على المذهب خصوصا. وعلى الشريعة عموما فإن هذا لم نعلمه عن أحد من أهل العلم وكلام أحمد أبعد شىء من هذا القول. ومنها: إذا قلنا بوجوب الصلاة جماعة على المذهب أو باشتراطها على رواية ذكرها في الواضح والإقناع واختارها ابن إبى موسى وأبو العباس فإنه لا فرق بين الحر والعبد على إطلاق الأكثرين من أصحابنا وذكر جماعة روايتين في العبد هل هو كالحر في ذلك أم لا؟ ومنها: صلاة الجمعة هل تجب على العبد أم لا؟ وفي ذلك عن الإمام أحمد ثلاث روايات. إحداهن: وهى ظاهر المذهب أنها لا تجب عليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم في حديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا   1 "الهداية" مصنف في الفقه الحنبلي لأبي الخطاب الكلوذاني طبع في الرياض "1995". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض"1 رواه أبو داود وقال طارق قيل رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا ورواته ثقات وذكر البيهقى أنه مرسل جيد وله شواهد وأن بعضهم وصله بذكر أبى موسى الأشعرى فيه وليس بمحفوظ. والرواية الثانية: تجب عليه مطلقا. والرواية الثالثة: إذا أن له سيده في فعلها وجبت عليه وإلا فلا. ومنها: إذا ملك السيد عبده مالا وقلنا يملكه فهل تجب زكاته على العبد أم لا؟ قال أكثر الأصحاب منهم أبو بكر والقاضى وفي كلام أحمد إيماء إليه لا زكاة على السيد لانتفاء ملكه له ولا على العبد لأن ملكه مزلزل ولهذا لم تلزم فيه نفقة الأقارب ولا يعتق عليه رحمه بالشراء به وحكى بعض الأصحاب رواية بوجوب زكاته على العبد على القول بأنه ملكه. ومنهم من اشترط مع ذلك إذن السيد لقول أحمد يزكيه بإذن السيد ومراد أحمد والله أعلم أن المال للسيد وزكاته عليه والعبد كالوكيل والمودع فلا يزكى بدون إذنه. وحكى بعضهم عن ابن حامد أنه ذكر احتمالا بوجوب زكاته على السيد على كلا القولين لأنه إما ملكه أو في حكم ملكه لتمكنه من التصرف فيه كسائر أمواله. ومنها: اعتكافه لا يجوز بغير إذن سيده لتفويت المنافع التى للسيد وإن نذره بغير إذن سيده فلسيده تحليله ومنعه من إتمامه هذا المذهب. وخرج أبو البركات في منتهى الغاية لا يمنع من الاعتكاف المنذور كرواية في المرأة في صوم وحج منذور.   1 رواه أبو داود عن طارق بن شهاب وقال عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا كتاب الصلاة رقم: "1067". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 قال ويتخرج وجه ثالث منعه وتحليله من نذر مطلق لأنه على التراخى كوجه لأصحابنا في سقوط نفقة الزوجة بذلك. ومنها: الحج لا يجب عليه جزم به الأصحاب لأمره بالإعادة في حديث ابن عباس رضى الله عنهما "أيما صبى حج ولم يبلغ الحنث فعليه حجة أخرى وأيما أعرابى حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى" 1 والأكثرون على وقفة على ابن عباس وانفرد محمد بن المنهال برفعه وهو محتج به في الصحيحين وغيرهما وكان آية في الحفظ ولهذا صححه جماعة منهم ابن حزم وأجاب بنسخه لكونه فيه الأعرابى. وقال الأصحاب عدم الوجوب على الجهاد والفرق بينهما ظاهر إذ الجهاد المقصود منه الشهادة فيفضى إلى ذهاب مالية السيد بخلاف الحج. وقال طائفة لا يجب عليه الحج لأنه لا يملك. قلت: فمفهوم هذا القول إذا قلنا يملك وفي يده مال يمكنه أن يحج فيه وجب عليه وإلا فلا يؤيده أن أبا محمد المقدسي في كتابه المغنى في كتاب الحج قال إذا ملك السيد عبده هديا وقلنا يملكه فهو كالواجد للهدى لا يتحلل إلا به انتهى. وإنما فرضنا المسألة فيما كان في يده مال يمكنه أن يحج به أما إذا لم يكن في يده مال وأراد السيد تمليكه مالا ليحج به فلا يلزمه هنا جزما. وعلى هذا ينزل ما ذكره صاحب المغنى من لزوم التكفير بالمال في الحج أو نفي اللزوم في الظهار وأما إذا لم يحتج العبد في حجه إلى راحلة لكونه دون مسافة القصر ويمكنه المشى بلا ضرر يلحقه فظاهر كلام الأصحاب لا يجب عليه الحج ولو أذن له سيده وقد يقال بوجوب الحج عليه في هذه الصورة إذا أذن له سيده إن لحظ في إسقاط الوجوب عنه فيما فوق مسافة القصر حق السيد وإن لحظ أنه لا يملك ما يحج به فيصير كالمعسر فههنا لا يحتاج   1 أورده صاحب "كنز العمال" وقال: رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" والضياء كنز العمال رقم: "12227". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 إلى مال فيجب عليه كالمعسر إذا لم يجد راحلة وكانت مسافة سفره دون مسافة القصر. فإن قلت: أيلزم من هذا القول في هذه الصورة والتى قبلها إسقاط حق السيد من منافع العبد؟ قلت: لا نسلم حق السيد في منافع العبد ثابتة في أوقات العبادات بدليل الصلاة والصوم يؤيد ذلك أنه لو نذر الحج لزمه قال صاحب المحرر لا نعلم فيه خلافا. وهل لسيده منعه إذا لم يكن نذره بإذنه فيه روايتان وقيل إن كان النذر على الفور لم يمنعه وإلا منعه. سلمنا لكن ينبغى إذا أذن له سيده في ذلك أنه يجب عليه كرواية سبقت في صلاة الجمعة والله أعلم. ومنها: الجهاد لا يجب على العبد جزم به الأصحاب ولو أذن سيده وسواء كانت المسافة بعيدة أو قريبة. واستدل أبو محمد المقدسي لعدم الوجوب على العبد بقوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91] حرج والعبد لا يجد. في هذا الدليل بحث. فإن قلت:: هلا قلت في الجهاد نظير ما قلته في الحج؟ قلت: قد يقال يخرج هنا مثله فيما إذا كان دون مسافة القصر وأذن له سيده وفيما إذا كان دون مسافة القصر ومعه مال يمكنه أن يتجهز به للجهاد وقلنا يملك وأذن سيده في الجهاد أنه يجب عليه في هاتين الصورتين لأنا إن لحظنا حق السيد فقد أذن وإن لحظنا ملكه لما يتجهز به فهو مالك لذلك فيجب عليه لوجود المقتضى وعدم المانع ولا بد من إذن السيد في الجهاد لما ذكرنا في مسألة الحج أن الجهاد المقصود منه الشهادة فيفضى إلى ذهاب مالية السسيد والله أعلم. ومنها: أمان العبد لآحاد المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 المنصوص عن أحمد يصح وظاهر كلامه أذن له سيده في القتال أم لم يأذن له. ومنها: هل يجرى الربا بين العبد وبين سيده؟ المذهب المنصوص أنه لا يجرى لأنا إن قلنا لا يملك فواضح وإن قلنا يملك فهو ملك ضعيف في حكم ملك السيد والتزم أبو البركات في موضع جريان الربا بينه وبين سيده إذا قلنا يملك. ومنها: تصرف العبد بالشراء في الذمة هل هو نافذ صحيح أم لا؟ ذكر أبو البركات في المسألة روايتين وصحح عدم النفوذ وذكر غيره وجهين ووجه البطلان إلحاقه بالسفيه وفيه نظر. وفائدة الروايتين تظهر في مسألتين. إحداهما هل يملك البائع الرجوع في عين ماله إن كان باقيا أم لا إن قلنا بعدم الصحة فله الرجوع به سواء كان في يد السيد أو يد العبد. وإن كان قد تلف في يد العبد فهل يتعلق برقبته أو بذمته فيه روايتان الصحيح أنه يتعلق برقبته. وإن كان قد أخذه السيد وتلف في يد البائع بالخيار إن شاء رجع على السيد في الحال وإن شاء رجع على ذمة العبد بعد عتقه وإن قلنا بالصحة فللبائع الفسخ للاعتبار بالثمن ويشترى المبيع إن كان في يد العبد. وإن كان قد أخذه منه السيد صح اخذه كالسيد. وإذا ملكه السيد صار كما لو تلف في يد العبد هل يتعلق برقبته أو بذمته على الروايتين ولا يملك البائع انتزاعه من السيد سواء قلنا يتعلق برقبة العبد أو بذمته. قال صاحب التلخيص وعندى أن للبائع الرجوع مع بقائه ولو أخذه السيد على الوجهين لأن الملك واقع للسيد ابتداء فبناه على قاعدة أن العبد إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ملكه غير سيده لا يملك به رواية واحدة. وكلام الأكثرين من الأصحاب يخالفه وقول صاحب التلخيص رحمه الله لأن الملك وقع للسيد ابتداء فيه بحث والله سبحانه وتعالى أعلم. المسألة الثانية: بم يضمن المبيع إن قلنا بالصحة ضمن بالمسمى وإن قلنا بالبطلان ضمن بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته إن لم يكن مثليا أشار إلى هاتين المسألتين أبو محمد المقدسي وصاحب التلخيص والمستوعب وغيرهم. ومنها: ضمانه بغير اذن سيده هل يصح أم لا؟ المنصوص أنه لا يصح الحاقا له بالسفيه وفيه نظر. ولنا وجه بالصحة ذكره بعضهم رواية ويتبع بعد العتق وهى الأظهر. ومنها: هل يملك العبد بالتمليك أم لا؟ في المسألة روايتان عن الإمام أحمد رضى الله عنه. أشهرهما عند الأصحاب أنه لا يملك وهى اختيار الخرقى وأبى بكر والقاضى والأكثرين. والثانية يملك اختارها أبو اسحاق بن شاقلا وصححها ابن عقيل وصاحب المغنى وهى الأظهر. ومنها: توكله هل يصح أم لا إن لم يأذن له سيده لم يصح سواء في النكاح وغيره ولنا وجه بالصحة في النكاح وغيره ولنا وجه بالصحة في النكاح خاصة وإن أذن له سيده صح. وهل يصح أن يتوكل في شراء نفسه من سيده؟ فيه وجهان الصحيح الصحة وقيل روايتان. وهل يفتقر إلى إذن السيد في ذلك قيل عقد الشراء مع السيد أو دخول السيد معه في العقد إذن في المسألة قولان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ومنها: الوصية إليه هل تصح أم لا؟ مذهبنا تصح الوصية إليه سواء كان عبده أو عبد غيره ذكره أبو عبد الله بن حامد قال القاضى وقياس المذهب يقتضى صحتها قال لأنه تجوز شهادته. إذا ثبت هذا فتصرف عبد الغير يقف على إذن السيد ذكره القاضى في التعليق لأن المنافع له فلا بد من إذنه فيها. ومنها: هبته هل تصح أم لا؟ المنصوص عن أحمد في رواية حنبل أنها تصح بإذن سيده لا بدونها قال الحارثى وهذا على كلتا الروايتين الملك وعدمه. ومنها: الوقف على العبد والمذهب أنه لا يصح إن قلنا لا يملك فواضح وإن قلنا يملك فملكه غير مستقر والوقف من شأنه الاستقرار على الدوام وهذا تفريع على أن الموقوف عليه يملك الرقبة أما على أنه لا يملكه فلا يعتبر لأن أكثر ما فيه انتقال ما يتجدد من ملك المنفعة إلى السيد وذلك لا يقدح في دوام الوقف. قال الحارثى وعندى أن ما قالوا: من الاعتبار لا يحتاج إليه أيضا مع القول بملك الموقوف عليه أيضا للرقبة لأن إزالة السيد للملك نقل للملك فلأن يكون الشىء المتملك قابلا للنقل والوقف غير قابل فالوقف مستمر الدوام. ومنها: إذا التقط العبد شيئا فإنه يصح في الجملة نص عليه في رواية حنبل وعليه الأصحاب ولا يفتقر إلى إذن السيد في الالتقاط على المذهب وعن أبى بكر خلافه ذكره السامرى أخذا من قوله في التنبيه1 "إذا التقط العبد فضاعت منه أو أتلفها ضمنها" قال فسوى بين الإتلاف والضياع ولم يفرق بين الحول وبعده فدل على عدم الصحة بدون إذن. قال الحارثى وفي استنباط السامرى نظر ومتى انقضى التعريف الواجب   1 "التنبيه" مصنف في فروع الفقه الحنبلي لأبي بكر عبد العزيز المعروف بـ "غلام الخلال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 كيف كان ملك السيد عن المذهب لوجود التسبب. وإن عرف العبد فهل يملك بتعريفه قال جمهور الأصحاب يخرج على الروايتين في ملكه بالتمليك وفي التلخيص الروايتان فيما ملكه السيد وهنا لم يملكه فلا ملك بحال وجزم في الهداية والمغنى والكافي بأنها ملك السيد من غير تعرض إلى البناء على الملك وعدمه. وظاهر كلام ابن أبى موسى أنه يملك اللقطة وإن لم يملك بتمليك سيده لأنه تمليك شرعى ثبت قهرا فثبت له حكما وفارق الميراث لأن العبد ليس من أهله. تنبيه: إذا أتلف العبد اللقطة أو فرط فيها لذلك صورتان. إحداهما أن يوجد ذلك قبل الحول ولا إشكال في تعلق الضمان برقبته ونص عليه إمامنا رضى الله عنه في رواية حنبل لوجود الجناية على مال الغير. والثانية أن يوجد ذلك بعد الحول فمشهور المذهب الوجوب في ذمة العبد يتبع به بعد العتق لانتفاء العدوان وبه علل أحمد رحمه الله تعالى في نصه من رواية حنبل وهذا مبنى على القول بملك السيد لها قاله أبو البركات وأبو الفرج بن أبى عمر1 قالا: وإن قلنا لا يملكها ففي رقبته. قال الحارثى وهذا إنما يتجه على تقدير أن السيد لم يتملك لكونه لم يتملك استنادا على توقف الملك على التمليك فتكون الجناية واقعة على مال المالك لاستمرار ملكه لكن فيه بعد حيث لم نقل بمثله في مقابله وهو ملك العبد.   1 هو الفقيه الحنبلي قاضي القضاة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل [597 – 682هـ] انتهت إليه رئاسة الحنابلة في عصره انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/304" وشذرات الذهب "7/675". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 قال ابن أبى عمر أيضا ويصلح أن ينبنى على استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته على روايتين. قال أبو بكر في ضمانه بالإتلاف قولان أى روايتان إحداهما أنه على السيد كالجناية على الأنفس. والأخرى على العبد يتبع به بعد العتق قال السامرى لم يفرق قبل الحول وبعده. وقال ابن عقيل لا يتجه الفرق في التعليق بالرقبة بين ما قبل الحلول وبعده لأن الضمان إنما وجب لإتلاف مال الغير وفيما بعده عند الظهور تبين أنه أتلف مال الغير فهو كما قبله. وهذا ضعيف جدا فإنها باقية قبل الحول على ملك المالك وفيما بعده تعلق بها حق الغير فامتنع التساوى في الضمان. وعلل صاحب التلخيص وجوب الضمان في ذمة العبد بعد الحول بأنها بعد الحول للسيد والعبد مضمونة في الذمة. وهذا تصريح بثبوت الحكم على كلا التقديرين من ملك السيد وملك العبد. وليس كذلك فإن الإتلاف إذا حصل في ملك السيد فلا ضمان على العبد والذي تقتضيه أصول المذهب انتفاء الضمان عن العبد وثبوته على السيد لكونها ملكا له. أما إنها ملكه فلما تقدم من أن تعريف العبد موجب له. وأما انتفاء الضمان فلأن عدوانه إنما وقع في ملك السيد ولا شىء للسيد على عبده. وأما ثبوته على السيد فلأن التلف حصل على ملكه وتحت يده فلزمه البدل كمباشرة تلفه وبيان كونه تحت يده من أن يد العبد الملتقط كيد سيده. وقد يقال إذا أتلفها العبد بعد حول التعريف وثبت ملك السيد لها أنه يثبت غرما للسيد في ذمة عبده يرجع عليه به بعد العتق أخذا من نص الإمام أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 رضى الله عنه إذا زوج عبده أمة فإنه يجب عليه مهرها يرجع به عليه سيده بعد العتق. وإذا تعلق الضمان برقبة العبد فهل على الواحد بينة بالتقاط العبد ما لم يصدقه السيد في المسألة وجهان ذكرهما ابن أبى موسى وغيره قال أوجههما يلزمه لأن إقرار العبد لا ينفذ فيما يتعلق برقبته. والثانى لا لأن الوصف كالبينة هنا والله أعلم. ومنها: الوصية لعبد غيره صحيحة. ذكره القاضى وأبو الخطاب وغيرهما ونص عليه أحمد في الهبة من رواية حنبل والوصية في معناها. ثم قال الأصحاب أيضا الوصية للسيد ونص عليه أحمد في الهبة وسواء استمر في رق الموجود أو انتقل إلى آخر. قال الحارثي ويتخرج أنها للعبد من نص أحمد فيمن أوصى لعبده بمائة تدفع المائة إليه فإن باعه الورثة بعد فهي لهم إلا أن يشترط المبتاع فأثبت للعبد ملكا. قال إلا أن يكون مبنيا على أنه إنما يملك بتمليك السيد فقط فلا يخرج. وبالجملة فاختصاص العبد أظهر ولهذا يكون له إذا عتق بالاتفاق. وأيضا فلو كانت للسيد لاختصت بالموجود حين الوصية إذ كان معلوما للموصى ولما كانت لسيد آخر لأنه ليس معلوما للموصى ولا مرادا له فتعين كونها للعبد. وأيضا فإنه لا يقبل إلا للعبد ولو قبل السيد لنفسه لم يصح جزم به في الترغيب ولا يفتقر قبول العبد إلى إذن السيد فيه على الصحيح وهو المنصوص من رواية حنبل في الهبة. ولنا وجه بافتقار القبول إلى إذن السيد اختاره أبو الخطاب في الانتصار. ومنها: الميراث لا يورث العبد نص عليه إمامنا رضي الله عنه وعليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الأصحاب ولو كان له مال وقلنا يملكه ذكره الأصحاب أيضا ولو عند عدم وارث على المذهب وذكر في المذهب وأبو البقاء1 في الناهض2 رواية يرث عند العدم. ومنها: هل يكون العبد وليا في النكاح على موليته أم لا؟ المذهب المنصوص في رواية ابنيه عبد الله وصالح وإسحاق بن هانيء أنه لا يكون وليا وذكر صاحب الروضة رواية أنه يكون وليا وهي الأظهر. وفي الانتصار في شهادة العبد لما أورد عليه أن الشهادة ولاية فليس العبد من أهلها كالقضاء وولايته على ابنته. أجاب بأن القضاء وولايته على ابنته لا يعرف فيه رواية فيحتمل أن يصح قضاؤه وولايته على ابنته ثم سلم وفرق وأجاز قضاءه وولايته على ابنته بإذن سيده في جواب آخر. ومنها: هل للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين أم لا؟ المذهب المنصوص في رواية الجماعة منهم صالح وابن منصور ويعقوب بن بختان أنه لا يجوز لما روى البهقي بسنده عن الحاكم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعوا على أن المملوك لا يجمع من النساء أكثر من اثنتين ولم يتناوله عموم قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] لوجهين. أحدهما أنه أضاف النكاح إلى المخاطبين من غير توقف على إذن أحد والعبد لا ينكح إلا بإذن سيده. الثاني أنه تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] والعبد لا يملك والله أعلم.   1 هو الفقيه والنحوي الفرضي محب الدين أبو البقاء بن الحسين العكبري الحنبلي الضرير [538 – 616هـ] من مصنفاته "اللباب في علل الأبنية والأعراب". 2 وتمامه: "الناهض في علم الفرائض" انظر كشف الطنون "4/617". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ومنها: تسرى العبد هل يجوز أم لا؟ وفيه طريقان. أحدهما بناؤه على الخلاف في ملكه فإن قلنا يملك جاز تسريه وإلا فلا لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك يمين محرم بالكتاب والسنة وهي طريقة القاضي والأصحاب بعده. والطريق الثاني أنه يجوز تسريه على كلا الروايتين في الملك وعدمه وهي طريقة الخرقى وأبي بكر وابن أبي موسى ورجحها صاحب المغنى وشيخنا أبو الفرج فإن نصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسرى له فتارة علل بأنه يملك وتارة اعترف بأنه خلاف القياس وأنه جاز لإجماع الصحابة عليه وهذا يقتضي أنه أجاز له التسرى وإن قيل أنه لا يملك اتباعا للصحابة في ذلك. ووجه أن العبد وإن قيل إنه لا يملك فلا بد من أن يثبت له ملك ما يحتاج إلى الانتفاع به وكذلك يملك بعقد النكاح منفعة البضع. ولا يجوز تسريه بدون إذن نص عليه في رواية جماعة كنكاحه ولأنه لا يملك التصرف في ماله بما يتلف ماليته ويضر به لتعلق حق السيد والتسري فيه إضرار بالجارية وتنقيص لماليتها بالوطء والحمل وربما أدى إلى تلفها. ونقل عنه أبو طالب وإبراهيم بن هانىء يتسرى العبد في ماله كان ابن عمر رضي الله عنهما يتسرى عبيده في ماله فلا يعيب عليهم. قال القاضي فيما علقه على حواشي الجامع للخلال ظاهر هذا يعني رواية أبي طالب وابن هانئ أنه يجوز تسريه بدون إذن لأنه مالك له انتهى. قال شيخنا أبو الفرج ويمكن أن يحمل نصه باشتراط الإذن على التسرى من مال سيده إذا كان مأذونا له ونصه بعدم اشتراطه على تسريه من مال نفسه الذي يملكه وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية جماعة وهو الأظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ولكن نقل عنه1 الأثرم في الرجل يهب لعبده جارية لا يطؤها ولكن يتسرى في ماله إذا أن له سيده وفسر ماله بمال العبد الذي في يديه. وهذا نص باعتبار الإذن في التسرى من مال نفسه فيكون ذلك منه اشتراطا للإذن بكل حال وتفريقه بين ذلك وبين الأمة التي يملكه السيد فيه إشكال. تنبيه: الإمام أحمد رضي الله عنه متردد في تسري العبد لأمة سيده ونكاحه لها هل هما جنس واحد أم لا فقال في رواية حنبل لا يبتاع أمة مزوجة بعبده حتى يطلقها العبد فجعله ملكا لازما ونقل عنه الأكثرون جوازه. واختلف عنه في بيع سرية عبده فنقل عنه الميموني الجواز ونقل عنه جعفر ابن محمد المنع معللا بأن التسرى بمنزلة النكاح يريد أنه لازم لا يجوز الرجوع فيه وكذا نقل عنه ابن ماهان وغيره. واختلف عنه في جواز تسرى العبد بأكثر من اثنتين فنقل عنه الميمونى الجواز ونقل أبو الحرث المنع كالنكاح ولم يختلف عنه في أن العبد وسريته يوجب تحريمها عليه. واختلف عنه في عتق العبد وزوجته هل ينفسخ به النكاح؟ على روايتين بناء على جهة تغليب التمليك فيه أو جهة النكاح. وقد استشكل أكثر هذا النصوص من القاضي وربما تأولها ونزلها أبو العباس رضي الله عنه على ما كرنا. ومنها: إذا خالعت الأمة بإذن سيدها صح وحكم العوض حكم استدانتها بإذن السيد وإن كان بغير إذنه على شيء غير معلوم في ذمتها فالذي جزم به في المغنى والمستوعب والترغيب وغيرهم صحته وتتبع به بعد العتق وهو مشكل إذ المذهب لا يصح تصرف العبد في ذمته بغير إذن   1 أي: عن الإمام أحمد بن حنبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 سيده ولهذا قدم صاحب المحرر عدم الصحة. وأما إذا خالع العبد فإنه لا يصح بإذن وبغير إذن لأنه يملك أن يطلق مجانا فملك بعوض بطريق الأولى ولكن تعليقه بالعبد أو السيد في المسألة قولان المنصوص عن أحمد أن العبد يقضبه. ومنها: تزوجه ولذلك صورتان. إحداهما أن يكون بغير إذن سيده وذلك باطل نقله الجماعة ولو أذن سيده بعد ذلك لما روى أبو داود وأحمد والترمذى وحسنه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" 1 ولكن هو من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل ورواه ابن ماجة من روايته من حديث ابن عمر وحديثه حسن كان أحمد وإسحاق حنبل عن أحمد أن هذا الحديث منكر. وعن أحمد رواية أخرى أنه إن أجازه السيد جاز وإلا فهو باطل بناء على تصرف الفضولى. فعلى هذه الرواية لو أعتقه السيد عقب النكاح من غيرإجازة قال أبو الخطاب في انتصاره يصح نكاحه وينفذ بخلاف ما لو اشترى شيئا بغير إذن السيد ثم أعتقه عقب الشراء لم ينفذ شراؤه وما قاله فيه نظر. فإذا وطىء في هذا النكاح فإنه يتعلق برقبته وقيل بذمته مهر المثل. وعن أحمد رواية أخرى يتعلق بالمسمى وقيل يجب خمسا مهر المثل. وعن أحمد رواية أخرى يجب الخمسان من المسمى واحتج أحمد رضى الله عنه لرواية خمسى المسمى بقول عثمان رضى الله عنه واختارها الخرقى والقاضى وأصحابه وظاهر كلام طائفة من الأصحاب إنما صار أحمد إلى قول عثمان فى هذه المسألة توقيفا.   1 رواه أحمد عن جابر المسند رقم: "15013" والترمذي كتاب النكاح "1111 و 1112" ولفظ ابن ماجه: "إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا" وأورده رواية أخرى نصها: "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان" كتاب النكاح رقم: "1959 و1960". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ووجهها أبو العباس بأن المهر في نكاح العبد يجب بخمسة أشياء عقد النكاح وعقد الصداق وإذن السيد في النكاح وإذنه في الصداق والدخول فإذا نكح بلا إذنه فالنكاح باطل فلم يوجد إلا التسمية من العبد والدخول منه فيجب الخمسان ونقل المروذي يعطى شيئا قلت تذهب إلى قول عثمان قال: أذهب إلى أن يعطى شيئا قال أبو بكر هو القياس. وعن أحمد رحمه الله رواية ذكرها في المحرر لا مهر لها إن علما التحريم ولعلها مأخوذة مما نقله حنبل لا مهر لأنه بمنزلة العاهر ويروى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما. وظاهر كلام جماعة أو علمته هي والأخلال بهذه الزيادة سهو وأولت هذه الرواية بتأويلات فيها نظر والله أعلم. الصورة الثانية: أن يتزوج بإذن سيده فإنه يصح بلا خلاف ويتعلق المهر بذمة السيد في إحدى الروايات عن أحمد والثانية برقبة العبد والثالثة بهما والرابعة بذمتهما ذمة العبد أصالة وذمة السيد ضمانا والخامسة يتعلق بكسبه. فإن قلت الكسب يملكه السيد فإذا تعلق بكسبه على الرواية الخامسة ففي الرواية الأولى وهي كونه يتعلق بذمة السيد. قلت لا نسلم اتحاد الروايتين بل فائدة الخلاف فيهما أنا إن قلنا يتعلق بذمة السيد فإنه يجب عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم فسخ كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من التكسب. وإن قلنا بتعلق كسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له كسب وليس لسيده. منعه من التكسب أشار إلى ذلك أبو محمد المقدسي وغيره والنفقة مثل المهر ذكره الأصحاب. تنبيه: إذا قلنا يتعلق المهر بذمة السيد ضمانا فقضاه عن عبده فهل يرجع عليه إذا عتق قال أبو العباس: ينبغي أن يتخرج هذا على الخلاف في مهر زوجته إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 كانت أمة للسيد فحيث رجع هناك فكذا هنا وحيث لا رجوع هناك فكذا هنا والله أعلم. ومنها: طلاقه لا يختلف المذهب أن العبد الذي تحته أمة لا يملك عليها سوى طلقتين. ومنها: في القسم بين الزوجات يقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين ويبيت عند الحرة ليلة من أربع وعند الأمة ليلة من سبع عند الأصحاب لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة وعند أبى محمد المقدسي وجزم به في التبصرة من كل ثمان تكون على النصف. ومنها: إذا صح الإيلاء فإنه يضرب للزوج أربعة أشهر من حين اليمين ولا فرق على المذهب بين الحر والعبد. وعن أحمد رواية أن العبد على النصف من الحر نقل أبو طالب أن أحمد رجع إلى هذه الرواية وأنها قول التابعين إلا الزهري1 وحده. ومنها: هل للعبد حضانة أم لا المذهب لا حضانة له وفي الفنون لم يتعرضوا لأم الولد ولها حضانة ولدها من سيدها وعليه نفقتها لعدم المانع وهو الاشتغال بزوج وعبد. وقال أبو عبد الله ابن القيم في كتابه الهدى: لا دليل على اشتراط الحرية وأن الصحيح منع التفريق للأحاديث قال: وتقدم لحق حضانتها وقت حاجة الولد على حق السيد كما في البيع سواء والله أعلم. ومنها: الأمة في العدة على النصف من الحرة في الأشهر والحيض لكن يكمل لها نصف حيضة فتكمل بحيضتين. ومنها: إذا قتل عبد حرا يكافئه في الدين وجب عليه القصاص أخذا بعموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ولو قتل حر عبدا فإنه لا يقتل به.   1 هو الإمام المحدث الحافظ: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري [50 – 124هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 قال أبو العباس: ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة تمنع قتل الحر به بل من أجود ما روى "من قتل عبده قتلناه" 1 وهذا لأنه إذا قتله ظالما كان الإمام ولى دمه. وأيضا فقد ثبت بالسنة والآثار إذا مثل بعبده عتق عليه وهو مذهب أحمد وغيره وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حرا لكن حريته لم تثبت في حال الحياة حتى ترثه عصبته بل حريته تثبت حكما وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قتل قاتل عبده. وقد يحتج بهذا من يقول: إن قاتل عبد غيره لسيده قتله. وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو المرجح وهذا قوى على قول أحمد فإنه تجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمى فلماذا لا يقتل الحر بالعبد وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" 2 ومن قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الذمى الحر بالعبد المسلم والله تبارك وتعالى يقول: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] فالعبد المؤمن خير من الذمى المشرك فكيف لا يقتل به. ومنها: هل يجرى القصاص بين العبيد أم لا؟ المذهب أنه يجرى بينهم ويقتل العبد بالعبد اختلفت قيمتهما أو تساوت هذا المذهب.   1 نص الحديث: "من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه" عن سمرة بن جندب الترمذي كتاب الديات رقم: "1414" ابن ماجه كتاب الديات رقم: "2663" أبو داود كتاب الديات رقم: "4515" ورواه النسائي بإضافة "ومن أخصاه أخصيناه" كتاب الفسامة رقم: "4736". 2 نص الحديث: عن أحمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد بعهده" مسند أحمد رقم: "990, 958, 992, 6968" ورواه غيره بصيغ مختلفة ابن ماجة كتاب الديات رقم: "2683 – 2685" النسائي كتاب القسامة رقم: "4734, 4735" أبو داود كتاب الديات رقم: "453 – 4531". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وعن أحمد رواية أخرى إن زادت قيمة القاتل على قيمة المقتول لا يقتل به وسواء كان السيد واحدا أم لا وهذا المذهب. وذكر في المذهب وجها آخر أنه إن كان السيد واحدا فلا قود. وإذا قلنا يجرى القصاص بينهما في النفس فهل يجرى في الأطراف في المسألة روايتان المذهب أنه يجرى. ومنها: إذا وجب لعبد قود أو تعزير أو قذف فله طلبه وإسقاطه وإن مات فلسيده. وقال ابن عقيل في حد القذف: إنه ليس للسيد المطالبة به ولا العفو عنه لأن السيد إنما يملك ما كان مالا أو طلبه بدل مال فلا يملك المطالبة بالقسم وخيار العيب وخيار العنة. وقال ابن عبد القوى:1 إذا قلنا الواجب أحد شيئين القصاص أو الدية يحتمل أن للسيد المطالبة بالدية فيه إسقاط حق العبد مما جعله الشارع مخيرا فيه فيكون منفيا. قلت ويتخرج لنا في عفو العبد مطلقا في جناية العمد وجهان من مسألة المفلس وهنا أولى بعدم السقوط إذ ذوات العبد ملك للسيد بخلاف المفلس والله أعلم. ومنها: الحدود فإنه على النصف من حد الحر في الزنا وشرب الخمر والقذف ولا يغرب في حد الزنا جزم به الأصحاب وأبدى بعض المتأخرين احتمالا بنفيه لأن عمر رضي الله عنه نفاه رواه البخاري وأوله ابن الجوزي على إبعاده ويقطع بالسرقة لكن يقطع بالسرقة من مال سيده نص عليه إمامنا وعليه الأصحاب ويقطع بالسرقة من بيت المال وإن كان مسلما.   1 هو المحدث والنحوي والفقيه الحنبلي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي المرداوي [630 – 699هـ] شيخ ابن تيمية في علوم العربية من مصنفاته في الفقه "القصيدة الدالية في الآداب الشرعية" و"مجمع البحرين" لم يتمه و"الفروق" انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/327" وشذرات الذهب "7/789". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وعزاه في المحرر إلى نص أحمد. وقال ابن عقيل في الفنون عبد مسلم سرق من بيت المال ينبغى أن لا يجب عليه القطع لأن عبد المسلم له شبهة وهو أن سيده لو افتقر عن نفقته ولم يكن للعبد كسب في نفسه كانت نفقته في بيت المال. ووجه ابن عقيل الأول بأنه لا يملك شيئا ولا يستحق بنفسه شيئا. قلت وفرض صاحب المحرر المسألة في العبد المسلم والتعليل يقتضى أن لا فرق بين المسلم والكافر والله أعلم. وجعل في المحرر سرقة عبد الوالد والولد ونحوهما مثل سرقة العبد من بيت المال في وجوب القطع وكلام غيره يخالفه والله أعلم. ومنها: هل ينفي العبد في المحاربة أم لا؟ قال القاضي في التعليق في مسألة: نفي العبد في الزنا: فما تقولون في نفيه في المحاربة قيل لا نعرف الرواية عن أصحابنا في ذلك وإن سلمناه فالقصد من ذلك كفه عن الفساد وهذا يشترك فيه العبد والحر والله أعلم. ومنها: هل يجب الحد على قاذفه أم لا؟ المذهب أنه لا يجب ولكن يعزر. وقال أبن عقيل في عمد الأدلة: عندي يحد بقذف العبد وأنه أشبه بالمذهب لعدالته فهو أحسن حالا من الفاسق بغير الزنا. ومنها: إذا حلف يمينا فإنه ينعقد بلا ريب وإن كانت اليمين مكفرة فكفارته بالصوم لأن ذلك فرض الحر المعسر وهو أحسن حالا من العبد وإن أذن له سيده في التكفير بالمال لا يلزمه. وقد قدمنا لزوم التكفير بالمال الذي في ملكه في مسألة الحج وأن كلام صاحب المغنى محمول على اختلاف حالين وإذا انتفي اللزوم فهل يجزئه التكفير بالمال أم لا في المسألة طرق للأصحاب. أحدها لا يجزئه التكفير بغير الصيام بحال سواء قلنا يملك أم لا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وهي ظاهر كلام أبى الخطاب في كتاب الظهار وصاحب التلخيص وغيرهما لأن العبد وإن قلنا يملك فملكه ضعيف لا يحتمل المواساة فلا يكون مخاطبا بالتكفير بالمال بالكلية بخلاف الحر العاجز فإنه قابل للتمليك التام. الطريق الثاني: البناء على الملك وعدمه فإن قلنا يملك فله التكفير بالمال في الجملة وإلا فلا وهي طريقة القاضي وابن عقيل وأبى الخطاب وأكثر المتأخرين. الطريق الثالث: أن في تكفيره بالمال بإذن السيد روايتين مطلقتين سواء قلنا يملك أو لا يملك حكاها القاضي في المجرد عن شيخه ابن حامد وغيره من الأصحاب وهي طريقة أبى بكر فوجه عدم تكفيره بالمال مع القول بالملك أن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة ولذلك لم تجب فيه الزكاة ولا نفقة الأقارب فكذلك الكفارات. ولوجه تكفيره بالمال مع القول بانتفاء ملكه مأخذان. أحدهما أن تكفيره بالمال إنما هو تبرع له من السيد وإباحة له أن يكفر من ماله والتكفير عن الغير لا يشترط دخوله في ملك المكفر عنه كما نقول في رواية في كفارة المجامع في نهار رمضان إذا عجز عنها وإن قلنا لا تسقط فكفر غيره عنه بإذنه جاز أن يدفعها إليه وكذلك في سائر الكفارات على الروايتين ولو كانت قد دخلت في ملكه لم يخز أن يأخذها هو لأنه لا يكون حينئذ إخراجا للكفارات. والمأخذ الثاني:: أن العبد ثبت له الملك المطلق التام فيجوز أن يثبت له في المال المكفر به ملك يبيح له التكفير بالمال دون بيعه وهبته كما أثبتنا له في الأمة ملكا قاصرا يبيح له التسرى بها دون بيعها وهبتها وهذا اختيار أبى العباس. وإذا قلنا له التكفير بالمال فهل يكفر بالعتق على روايتين. إحداهما له ذلك كالإطعام والولاية والإرث والعبد ليس من اهلها وفرق ابن أبى موسى بينهما أيضا بأن التكفير بالعتق يحتاج الى ملك بخلاف الإطعام ولهذا لو أمر من عليه كفارة رجلا أن يطعم عنه أجزأه ولو أمر أن يعتق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 عنه ففي إجزائه عنه روايتان ولو تبرع الوارث بالطعام الواجب عن مورثه صح ولو تبرع عنه بالعتق لم يجزئه ولو أعتق الأجنبى عن كفارة الميت لم يصح ولو أطعم عنه فوجهان. وإذا قلنا يجوز تكفيره بالعتق فأذن له سيده في إعتاق رقبة عن كفارته هل يجوز أم لا؟ حكى أبو محمد المقدسي في ذلك وجهين. ومنها: هل يصح توليته القضاء أم لا؟ المشهور في المذهب أنه لا يصح توليته القضاء وقد تقدم قول أبى الخطاب في الانتصار في كونه وليا في النكاح وأنه قال: يحتمل أن يصح قضاؤه ثم سلم أنه لا يصح قضاؤه وأجازه بإذن السيد في جواب آخر. وحكى عن ابن عقيل صحة توليته القضاء والله أعلم. وتصح ولايته إمارة السرايا وقسم الصدقات والفيء وإمامة الصلاة ذكره القاضي محل وفاق. ومنها: لو أقر شخص لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه. قال أبو العباس: إذا قلنا يصح قبوله الهبة والوصية بدون إذن السيد لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد. قال: وقد يقال: بل وإن لم نقل بذلك لجواز أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه أو أتلفه وضمن قيمته. وإن أقر لعبد غيره بنكاح أو قصاص أو تعزير قذف صح الإقرار وإن كذبه المولى قال أبو محمد: لأن الحق للعبد دون المولى. قال أبو العباس: وهذا في النكاح فيه نظر فإن النكاح لا يصح بدون إذن سيده وفي ثبوت النكاح للعبد على السيد ضرر فلا يقبل إلا بتصديقه. وأما إذا أقر السيد لعبده بمال فقال أبو العباس: ينبني على أن العبد هل يثبت له دين على سيده أم لا؟ قلت المشهور لا يثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وإن أقر السيد أنه باع عبده من نفسه بألف وأنكر العبد عتق عليه ولم يلزمه بشيء. ومنها: شهادته والمذهب المنصوص أنها لا تقبل شهادته في الجملة وفاء للقاعدة وهو الحق وهو الذي نصره أصحاب الكتب الخلافية من أصحابنا. وذكر الخلال في مسألة أن الحر لا يقتل بالعبد وأن أبا طالب نقل أن العبد لا تقبل شهادته وإذا قبلنا شهادته فمحل هذا إذا شهد لغير سيده أما إذا شهد لسيده فلا تقبل هكذا المذهب عند الأصحاب وفي المنع نظر. وبالغ ابن عقيل حتى قال: لا تقبل شهادته لمكاتب سيده قال: ويحمل على قياس ما ذكرناه أنه لا تصح شهادته لزوج مولاته. وإذا قبلنا شهادته فاستثنى الخرقي وأبو الفرج وصاحب الروضة من ذلك الحدود خاصة وذكر جماعة منهم الشريف1 وأبو الخطاب وصاحب المحرر والمستوعب وغيرهم روايتين في الحدود والقصاص. إحداهما لا تقبل قال في المغنى: وهي ظاهر المذهب. قلت والأظهر القبول مطلقا والله أعلم. وإذا تحمل الشهادة هل يؤديها بغير إذن سيده وظاهر رواية الميموني أنه لا قال القاضي أبو يعلى: متى تحمل العبد الشهادة ثم سأله صاحب الحق إقامتها فإنه يؤديها بغير إذن سيده نص عليه أحمد في رواية المروذى وسأله هل يجوز للمولى أن يمنع عبده من الشهادة قال: من أجاز شهادته لم يجز للمولى منعه أن يقيم الشهادة. قال أبو العباس: لم يقل أحمد إنه يؤديها بلا إذنه ولكن قال: يجب عليه أن يأذن فقد يكون الأداء موقوفا على الأذن. قلت والأظهر إن أذن له في التحمل لا يحتاج في الأداء إلى إذن والله أعلم.   1 المقصود بالشريف: أبو جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فائدة: لو أعتق بمجلس الحكم فشهد في الحال حرم رده ذكره أصحاب الخلافيات محل وفاق قال في الانتصار والمفردات: فلو رده مع ثبوت عدالته فسق والله أعلم. ومنها: إقراره هل صحيح أم لا ولذلك صورتان. إحداهما اقراره لسيده المذهب المعروف أنه لا يصح. وقال أبو العباس: ينبني على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء أو دواما. وفيها ثلاثة أوجه في الصداق. الصورة الثانية: إقراره لغير سيده ولذلك صور. منها: إذا أقر بمال فإن كان مأذونا له صح إقراره في قدر ما أذن له فيه وإن كان غير مأذون له صح وأتبع به بعد العتق في أصح الروايتين والأخرى يتعلق برقبته ذكرها القاضي. قال صاحب التلخيص: ولا وجه لها عندي إلا أن يكون فيما لا تهمة فيه كالمال الذي أقر بسرقته فإنه يقبل في القطع ولا يقبل في المال لكن يتبع به بعد العتق ويخرج فيه إن حملنا الرواية عليه أنه يتعلق برقبته لكونه من لوازم ما لا يتهم فيه من العقوبة. ومنها: إذا أقر بجناية توجب مالا من غير عقوبة فلا يقبل قطعا قاله صاحب التلخيص. قلت وهذا مبنى على تأويل الرواية التى ذكرها القاضي وإلا إذا قلنا بإثباتها فلا فرق بين إقراره بالجناية الموجبة للمال وبين إقراره بالمال وهذا ظاهر بكلام جماعة والله أعلم. ومنها: إذا أقر بالعقوبات فإنه يصح إذ الرق لا يمنع من ذلك لأنه مكلف قادر على التزامها ولا نظر إلى إبطال حق السيد لأنه غير متهم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ولا فرق بين ما يوجب القصاص في النفس أو ما دونها على ما اختاره أبو الخطاب وأبو الوفاء بن عقيل في تصحيحه في الجميع وعلى ما اختاره القاضي أبو يعلى وابن حازم1 في إبطاله في الجميع. والمنصوص فيما يوجبه في النفس لا يقتل في الحال ويتبع به العتق ودون النفس يقتل وهو اختيار القاضي الكبير وجماعة. قال صاحب التلخيص: وقد تكلف بعضهم فرقا لا حاصل له من حيث إن القتل أعظم فإنه يوجب الكفارة ويشرع في القسامة. قال والصحيح عندى أن لا فرق فيخرج من نصه بالنقل والتخريج في إقراره بالعقوبات روايتان. إحداهما يقبل لانتفاء التهمة. والأخرى لا يقبل لأنه إقرار على مال السيد كالإقرار بالديون والله أعلم. فوائد أصولية: منها: دلالة العام على أفراده هل هي بطريق الظهور؟ في ذلك مذهبان: أحدهما أنها بطريق التنصيص وهو الذي ذكره الفخر إسماعيل2 من أصحابنا وكلام ابن عقيل في الواضح يدل عليه فإنه ذكر إذا تعارضت ولاية العام والخاص في شيء أنهما يتساويان وحكاه الأنبارى شارح البرهان عن الشافعي والمعتزلة وممن نقله عنه الأصفهانى شارح المحصول وهو محكى عن الحنفية ويحكى رواية عن أحمد.   1 كذا في الأصل والصواب ابن أبي خازم والمقصود: القاضي أبو يعلى الصغير محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء [494 – 560هـ] . 2 هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي المعروف "بابن الوفاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 والثاني: أنه بطريق الظهور وهو المشهور عند أصحابنا وغيرهم وقد ذكره القاضي وأصحابه واستدلوا لذلك بأن التخصيص بالتراخى لا يكون نسخا ولو كان العام نصا على أفراده لكان نسخا. وظاهر كلام الأكثر من أصحابنا لا فرق في صيغ العموم بين صيغة وصيغة وأن الخلاف جار في الجميع. وقد تقدم كلام صاحب الترغيب في التأكيد من الأوامر وأن لفظة كل دلالتها على الأفراد نص صريح. وذكر غير واحد من العلماء أن اسم لا إذا كان مبنيا على الفتح كان نصا بخلاف المرفوع فإنه ظاهر. وذكر في المسودة أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ظاهرا إذا لم يكن فيها حرف من فإن كان فيها حرف من أفادته قطعا ولم يحتمل التأويل كقولك ما رأيت من رجل وما أشبهه. ومنها: العام هل يقصر على مقصوده أم لا؟ الجمهور أنه لا يقصر. وقال القاضي عبد الوهاب وغيره من المالكية وغيرهم: يقصر ومال إليه أبو البركات فإنه قال المتبادر إلى الفهم من لمس النساء ما يقصد منهن غالبا من الشهوة ثم لو عمت خصت به وخصه حفيده1 أيضا بالمقصود لأنه قال في آية المواريث مقصودها بيان مقدار أنصبة المذكورين إذا كانوا ورثة وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] قصده الفرق بينه وبين الربا وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العشر" 2 قصده فيما يجب فيه العشر ونصفه وكذا ذكره بعض أصحابنا فلا يحتج بعموم ذلك.   1 المقصود هو شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية. 2 رواه البخاري كتاب الزكاة رقم: "1483" ورواه مسلم عن جابر بن عبد الله بلفظ: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور" كتاب الزكاة رقم: "981". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ومنها: قول الشافعي رضي الله عنه حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط منها الاستدلال ونقل عنه أيضا ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال. واختلفت أجوبة الفضلاء عن ذلك فمنهم من يقول: هذا مشكل ومنهم من يقول: هما قولان للشافعي. وجمع القرافي في كتبه بينهما فقال الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع فتقدح وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح فحيث قال الشافعي رضي الله عنه إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط منها: الاستدلال مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع ومراده أن حكاية الحال إذا نزل فيها الاستفضال تنزل منزلة العموم في المقال إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل والله أعلم. ومنها: الأمر بالمطلق هل يكون أمرا بمفرداته ويكون عاما؟ فيه قولان: أحدهما العموم وهو قول الأكثرين قال القاضي محتجا على جواز القضاء في المسجد: دليلنا قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ولم يفرق بين أن يحكم في المسجد وبين أن يحكم في غيره. فإن قيل أمر بالحكم وليس فيه ما يدل على المكان. قيل هو أمر بالحكم في عموم الأمكنة والأزمنة إلا ما خصه الدليل. وقال في التمهيد1 المطلق مشتمل على جميع صفات الشيء وأحواله. والقول الثاني: أن المفردات ليس مأمورا بها لكن متى أتى بالمأمور أجزأه ولا يأتي به إلا مقرونا ببعض المفردات. وأجاب به في المغنى لمن احتج بآية القصاص والسرقة والزنا في   1 لأبي الخطاب الكلوذاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الملتجئ إلى الحرم الأمر بذلك مطلق في الأمكنة والأزمنة يتناول مكان ضرورة إقامته فيمكن في غير الحرم وهذا اختيار أبى العباس. ومنها: إذا ذكر العام وذكر بعده أو قبله اسم لو لم يصرح به لدخل في العام فهل إفراده يقتضى عدم دخوله في العام أم لا؟ في ذلك مذهبان للأصوليين وقاعدة المذهب تقتضى عدم الدخول. وفي ذلك أيضا مذهبان للنحاة وذهب أبو على الفارسي وابن جني إلى عدم الدخول وجزم ابن مالك بالدخول. ومنها: العام في الأشخاص عام في الأحوال. هذا هو المعروف عند العلماء قال الإمام أحمد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ظاهرها على العموم أن من وقع عليه اسم ولد فله ما فرض الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن الكتاب إن الآية إنما قصدت المسلم لا الكافر. وفي المسألة قول آخر اختاره بعض أصحابنا أنه يكون مطلقا في الأحوال. وأجاب عن تسمية أحمد له عاما في الأشخاص بأنه عموم بدل لا شمول وقال أيضا في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] عامة فيهم مطلقة في أحوالهم لا يدل عاما بنفي ولا إثبات فإذا جاءت السنة بحكم لم يكن مخالفا لظاهر القرآن بل لما يتعرض له. وهذا القول اختيار القرافي والأصفهانى في شرحي المحصول وأبى العباس. ولأحمد رضي الله عنه نص آخر في آية الوصية يدل على أن العام في الأشخاص عام في الأحوال. قال ابن دقيق العيد1 في شرح العمدة أولع بعض أهل العصر وما   1 هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع المنفلوطي المصري المالكي ثم الشافعي [625 – 702] و"شرح عمدة الأحكام" وهو من أشهر مصنفاته مطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قرب منه بأن قالوا صيغة العموم إذا وردت على الذوات مثلا أو على الأفعال كانت عامة في ذلك مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات ثم يقال المطلق يكفي في العمل به صورة واحدة فلا يكون حجة فيما عداها وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يحصى كثرة من ألفاظ الكتاب والسنة وصار ذلك ديدنا لهم في الجدال. قال هذا عندنا باطل بل الواجب أن ما دل على العموم في الذوات مثلا يكون دالا على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ ولا يخرج عنها ذات إلا بدليل يختصها فمن أخرج شيئا من تلك الذوات فقد خالف مقتضى العموم. مثال ذلك إذا قال من دخل دارى فأعطه درهما فمقتضى الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها الداخلة. فإذا قال قائل هو مطلق في الأزمان فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلا ولا أعمل به في غير ذلك الوقت لأنه مطلق في الزمان وقد عملت به مرة فلا يلزم أن أعمل به أخرى لعدم عموم المطلق. قلنا لما دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار ومن جملتها الداخلة في آخر النهار فإذا أخرجت تلك الذوات فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله وقول أبى أيوب الأنصاري فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل1 يدل على أن العام في الأشخاص عام في المكان والله أعلم. ومنها: قول الصاحب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كهذا هل يفيد التكرار أم لا؟ فيه قولان ذكرهما القاضي أبو يعلى في الكفاية.   1 نص الخبر: عن أبي الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله البخاري كتاب الصلاة رقم: "394" مسلم كتاب الطهارة رقم: "264". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ومنها: أن مفهوم المخالفة هل هو عام فيما سوى المنطوق أم لا؟ في ذلك مذهبان. أحدهما أنه عام فيما سوى المنطوق يجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام ورفع كله تخصيص أيضا لأفادة اللفظ في منطوقه ومفهومه فهو كبعض العام وهذا قول جمهور أصحابنا. والقول الثاني: أنه لا يعم واختاره أبو محمد المقدسي في المغنى في مسألة القلتين وأنه يكفي المخالفة بصورة ما. وممن اختار أنه لا يعم أيضا أبو الوفاء ابن عقيل وحكى ذلك أبو الخطاب في التمهيد وجها وأبو العباس والغزالى وابن دقيق العيد. وقال الآمدي: ومن تبعه إن الخلاف في أن المفهوم له عموم لا يتحقق لأن مفهوم المخالفة عام فيما سوى المنطوق به لا يختلفون فيه ومن نفى العموم – كالغزالي – أراد أن العموم لم نثبت بالمنطوق, ولا يختلفون فيه أيضا. وقال صاحب المحصول إن عنى أنه لا يسمى عاما لفظيا فقريب وإن عنى أنه لا يفيد انتفاء عموم الحكم فدليل كون المفهوم حجة ينفيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 القاعدة 60 ألفاظ الجموع المنكرة كمسلمين ومشركين لا تفيد العموم في إحدى الروايتين عم الإمام أحمد والأخرى تحمل على العموم. ذكرها ابن عقيل والحلواني وبه قال أكثر الشافعية. ووقع للقاضي في هذه المسألة وهم وهو أنه لما ذكر المسألة قال وقد أشار أحمد إلى أنها للعموم في رواية صالح وقد سأله عن لبس الحرير للصغار والذهب "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها" 1 قال القاضي: فقد حمل قوله صلى الله عليه وسلم "ذكور أمتي" على العموم في الصغار والكبار وإن كان ليس فيه ألف ولام انتهى. وهذا إن لم يكن معرفا بالألف واللام فهو معرف بالإضافة ومسألة الخلاف في المنكر وإذا قلنا بعدم العموم فيحمل على أقل الجمع وأقل الجمع ثلاثة حقيقة عند أحمد وأصحابه ومالك وأكثر المتكلمين وذكره ابن برهان قول الفقهاء قاطبة وعند عبد الملك بن الماجشون2 وابن داود3 وعلى بن عيسى النحوي4 وابن الباقلاني وأبى إسحاق الاسفراينى والغزالي:   1 نص الحديث عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي" النسائي كتاب الزينة رقم: "5144 – 5147" أحمد المسند رقم: "934" ورواه ابن ماجه باللفظ الذي أورده المصنف عن علي عن ابن عمر كتاب اللباس رقم: "3595 و 3597". 2 هو الفقيه المجتهد مقتي المدينة: أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن الماجسون المدني المالكي [ت 213هـ] بلميذ الإمام مالك بن أنس. 3 هو أبو بكر محمد بن داود بن علي الظاهري [255 – 297هـ] من مصنفاته في أصول الفقه "الوصول إلى معرفة الأصول" وله في الفقه كتاب "التقصي". 4 هو أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي المعتزلي [296 – 384هـ] وكان يرمى ................... == == بالتشيع من مصنفاته "النكت في إعجاز القرآن" و"معاني الحروف" و"منازل الحروف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 اثنان حقيقة وفي مذهب الحنفية ما يدل عليه. ومحل النزاع في أبنية الجمع نحو الزيدين ورجال لا في لفظ جيم ميم عين فإنه يطلق على الاثنين بلا خلاف كما قاله الآمدي وابن الحاجب في المختصر الكبير لأن مدلوله ضم شيء إلى شيء ولا خلاف أيضا في نحن فعلنا ولا في باب {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] . وأما في لفظ الجماعة فقال في البلغة1 وابن الجوزي في كشف المشكل2 إن أقلها اثنان وقال غيرهما من الأصحاب أن أقلها ثلاثة. وينبغى أن يكون محل هذا القول في غير الصلاة فإنه قد روى ابن ماجة عن أبى موسى الأشعري والدارقطني عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الاثنان فما فوقهما جماعة" 3. وذكر بعض المتأخرين أن لفظ جمع كلفظ جماعة واستشكل القرافي محل النزاع في هذه المسألة. إذا تقرر هذا فمن فروع هذه القاعدة. إذا نذر الصدقة بدراهم أو نذر عتق عبد أو صوم أيام أو أن يتوضأ مرات أو يتمضمض بغرفات أو حلف بالطلاق ليتزوجن زوجات أو علق طلاقا على إعطاء عبد أو دراهم أو ثياب فإنه يحمل على ثلاثة على قول الأكثرين بناء على القاعدة ويحمل على اثنين على قول غيرهم. واستبعده أبو المعالي من الشافعية وقال ما أرى الفقهاء يسمحون بهذا. قال أبو البركات وأنا لا أدرى معنى قوله فإنه إن استبعده في الثلاثة فهو   1 وتمامه: "بلغة الساغب" لفخر الدين محمد بن تيمية وهو مصنف في الفقه الحنبلي على طريقة "الوجيز" لأبي حامد الغزالي في الفقه الشافعي. 2 وتمامه: "الكشف لمشكل الصحيحين". 3 انظر البخاري كتاب الأذان الباب "35" ورواه ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري بسند ضعيف كتاب إقامة الصلاة رقم: "972". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 مذهب الجمهور ووجدنا الاثنين في مذهب أبى حنيفة وأصحابه في مواضع واحتج به وحكى عن ابن حزم أنه احتج بأن من أقر بدراهم لزمه ثلاثة إجماعا. ومنها: لو أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد فعند القاضي وابن عقيل تصح الوصية وتصرف إلى ثلاثة فإن وجدوا في الدرجة الأولى صرف إليهم وإن وجد أكثر فقال أبو محمد المقدسي في المغنى والكافي يعم الكل لأن بعضهم ليس أولى من بعض ولفظ الجماعة يشملهم وإن وجدوا أقل كملوا من الدرجة الثانية فن لم يكن فمن الثالثة إعمالا للفظ ويوزع بينهم أثلاثا هذا ما قيل. قال الحارثي: وفي الصحة نظر فإنه بتقدير أن يوجد ثلاثة فأقل فالوصية لا تطابقه لاقتضاء اللفظ جمعا أكثر من ثلاث لدخول أداة التبعيض. قلت لا نسلم أن من هنا للتبعيض بل هي لكمال الجنس والله أعلم. وإلا كمال من الطبقة الأخرى فيه محالفة فإن الثانية لا تكون أقرب مع وجود الأولى فلا تدخل تحت اللفظ وبتقدير أكثر من ثلاثة في درجة واحدة فوصية المجهول لتنكير لفظ الجماعة فيكون كما لو وصى لثلاثة مبهمين من عشرة معينين والمذهب المنصوص عندنا لا تصح الوصية لمجهول. وعن أحمد رواية أخرى بالصحة كما لو قال أعطوا ثلثى أحدهما في الأصح. وإذا قلنا بالصحة فهل يعين الورثة بالقرعة فيه وجهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 القاعدة 61 إذا ورد دليل بلفظ عام مستقبل ولكن على سبب خاص فهل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ في ذلك مذهبان. أحدهما العبرة بعموم اللفظ وهو قول أحمد وأصحابه والحنفية ونص عليه الشافعي في الأم في باب ما يقع به الطلاق وهو بعد باب طلاق المريض واختاره الإمام فخر الدين والآمدي وأتباعهما. والمذهب الثاني: العبرة بخصوص السبب وذكره أبو العباس رواية عن أحمد أخذا مما ذكره الخلال في عمدته إن محتجا احتج عند أحمد على مسألة بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فأجاب أحمد بأن هذا إنما ورد في زمانين يعنى وليس هذا مما دخل تحت الآية. وحكاه القاضي في الكفاية عن بعض أصحابنا واختاره المزنى والقفال1 والدقاق2 وقاله أبو الفرج وابن نصر3 وغيرهما من المالكية   1 هو الفقيه الأصولي اللغوي أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال [291 – 365هـ] إمام الشافعية زمانه في ما وراء النهر من مصنفاته "شرح الرسالة" للإمام الشافعي. 2 هو الفقيه الشافعي الأصولي: أبو علي الحسن بن علي بن محمد الدقاق النيسابوري [ت 405هـ] . 3 المقصود هو: القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي وقد سبق التعريف به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وحكاه أبو الطيب1 وابن برهان عن مالك. قال الجوينى وهو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي. قال الإمام فخر الدين في مناقب الشافعي2 عن قول إمام الحرمين ومن نقل هذا عن الشافعي فقد التبس على ناقله وذلك لأن الشافعي يقول: إن الأمة تصير فراشا بالوطء حتى إذا أتت بولد يمكن أن يكون من الوطء لحقه سواء اعترف به أم لا لقصة عبد بن زمعة3. وذهب أبو حنيفة إلى أن الأمة لا تصير فراشا بالوطء ولا يلحقه الولد إلا إذا اعترف به وحمل قوله عليه السلام: "الولد للفراش"4 على الزوجة وأخرج الأمة من عمومه فقال الشافعي إن هذا قد ورد على سبب خاص وهي الأمة لا الزوجة. قال الإمام فخر الدين فتوهم الواقف على هذا الكلام أن الشافعي يقول: ان العبرة بخصوص السبب وإنما أراد الشافعي أن خصوص السبب لا يجوز إخراجه عن العموم والأمة هي السبب في ورود العموم فلا يجوز إخراجها. هذا الكلام في الدليل الوارد من الشارع أما كلام غير الشارع فهل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ككلام الشارع على الصحيح أو العبرة   1 المقصود هو القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي وقد سبق التعريف به. 2 "مناقب الشافعي" لفخر الدين الرازي مطبوع القاهرة بدون التاريخ. 3 قصة عبد بن زمعة رواها البخاري في صحيحه ونصها: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: ابن أخي قد كان عهد إلي فيه فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن أمة أبي ولد على فراشي فتساوقا إلى رسول الله فقال سعيد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي كان عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر" ثم قال لسودة بنت زمعة: "احتجبي منه" لما رأى من شبهة بعتبة فما رآها حتى لقي الله. البخاري كتاب الوصايا رقم: "2745" ورواه مسلم بلفظ آخر كتاب الرضاع رقم: "1457" و"له الحجر" معناها: له الخيبة. 4 نفس المصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بخصوص السبب لا بعموم اللفظ بخلاف كلام الشارع؟ في المسألة وجهان. أحدهما العبرة بعموم اللفظ وهو اختيار القاضي في المجرد والآمدي وأبى الخطاب وأبى الفتح الحلوانى وغيرهم وأخذوه من نص أحمد فيمن قال لله على أن لا أصيد من هذا النهر لظلم رآه فيه ثم زال الظلم فقال أحمد النذر يوفي به. والوجه الثاني: الأخذ بخصوص السبب لا بعموم اللفظ وهو اختيار أبى البركات وأبى محمد المقدسي وفرق صاحب المغنى بين كلام الشارع وغيره بأن الشارع يريد بيان الأحكام فلا يختص بمحل السبب لكونه الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير السبب. واستثنى صاحب المحرر صور النهي وما أشبهها كمن حلف لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ثم زال الظلم وجعل العبرة فيها بعموم اللفظ وعدى صاحب المغنى الخلاف إليها. واختار أبو العباس ما قاله جده1 وفرق بين مسألة النهي المنصوصة بأن نص أحمد إنما هو في النذر والناذر إذا قصد التقرب بنذره لزمه الوفاء مطلقا كما منع المهاجرون من العود إلى ديارهم التي تركوها لله وإن زال المعنى الذي تركوها لأجله فإن ترك شيء لله يمنع العود فيه مطلقا وإن كان لسبب قد يتغير كما نهى المتصدق أن يشترى صدقته. وقد يكون جده2 لحظ هذا المعنى حيث خص صورة النهي بالحنث مع الإطلاق بخلاف غيرها من الصور. وأما محل السبب فلا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعا قاله غير واحد لأن دخوله مقطوع به لكون الحكم أورد بيانا له بخلاف غيره فإنه يجوز إخراجه لأن دخوله مظنون لكن نقل ناقلون عن أبى حنيفة أنه يجوز إخراج   1 أي أبو البركات بن تيمية. 2 نفس المصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 السبب وقد منع ابن أبى موسى في الإرشاد والشيرازى في الممتع وابن عقيل في الفصول في المعتمر المحصر من التحلل مع أن سبب الآية في حصر الحديبية وكانوا معتمرين وحكى هذا عن مالك وأنه لا هدى أيضا وروى الإمام أحمد رضي الله عنه أنه حمل ما في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" 1 على أمر الآخرة مع أن سببه أمر الدنيا لكن يحتمل أنه لم يصح عنده سببه وقد روى المروذى وابن القاسم وأبو طالب عن أحمد أنه لا يجوز الرهن في السلم وهو اختيار الخرقى وأبى طالب عن أحمد أنه لا يجوز الرهن في السلم وهو اختيار الخرقى وأبى بكر عبد العزيز مع أنه روى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن المراد بقوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] السلم وفيه ذكر الرهن. ولو سألته امرأة الطلاق فقال نسائي طوالق طلقت ذكره ابن عقيل إجماعا ولو ادعى استثناءها دين وهل يقبل في الحكم المشهور أنه لا يقبل لأن محل السبب لا يجوز إخراجه. قال القاضي: ويحتمل قبوله بجواز تخصيص العام والله أعلم. والأصح عن أحمد لا يصح اللعان على حمل وقاله أبو حنيفة وهو سبب آية اللعان واللعان عليه في الصحيح لكن ضعفه أحمد ولهذا في الصحيحين أنه لا شيء بعد الوضع ثم يحتمل أنه علم وجوده بوحى فلا يكون اللعان معلقا بشرط في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن عتبة بن أبى وقاص عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليد زمعة ابني فاقبضه إليك فلما كان يوم الفتح أخذه سعد فقال سعد هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي ولد على فراش أبى من وليدته فنظر إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة" 2.   1 رواه البخاري بلفظ " ....... من جحر واحد مرتين" كتاب الأدب رقم: "6133" ومسلم كتاب الزهد والرقائق رقم: "2998". 2 سبق تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وعند أبى حنيفة لا تصير الأمة فراشا حتى يقر بولدها فإذا أقر به صارت فراشا ولحقه أولاده بعد ذلك فأخرج السبب. قال أبو المعالي الجوينى وإنما ادعى النقلة عن أبى حنيفة أنه أخرج السبب من هذين الخبرين أعنى حديث اللعان على الحمل وحديث عبد بن زمعة ثم قال لا يجوز أن ينسب إلى متعاقل تجويز إخراج السبب تخصيصا وحمل ما نقل عنه على أن الحديثين لم يبلغاه بكمالها قال فقد كان ضعيف القيام بالأحاديث قال أبو العباس ولهذا قطع أحمد بدخول النبيذ في آية الخمر والاستماع إلى الأمام في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وقطع بأن إما يقضى وإما أن يربى من الربا وهذا كثير في كلامه. وإذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة فروع. منها: أن الأفضل عندنا في السفر الفطر مطلقا سواء وجد مشقة أو لم يجد أخذا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر" 1 رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن كعب ابن عاصم قال بعضهم: إسناده جيد وقال النسائي هذا الحديث خطأ لا نعلم أحدا تابع محمد بن كثير عليه والصواب قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البرأن تصوموا في السفر" 2 أخرجاه في الصحيحين وهو عام أيضا لأن تصوموا جملة فعلية والجمل الفعلية نكرات وهي في سياق النفي فيكون عاما.   1 رواه أحمد عن كعب بن عاصم الأشعري المسند رقم: "23675 و 23676" ابن ماجه كتاب الصيام رقم: "1664 و 1665" والنسائي كتاب الصيام رقم: "2255". واستناد المصنف إلى قول النسائي: هذا خطأ لرد متن الحديث وهم منه لأن النسائي قصد سندا ثانيا أورده بعد سند الحديث المشار إليه وذلك لكونه مرسلا عن سعيد بن المسيب والحديث بهذا اللفظ رواه البخاري كتاب الصوم رقم: "1946" عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحام ورجلا قد ظلل عليه فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: صائم فقال: "ليس من البر الصوم في السفر". 2 رواه مسلم كتاب الصيام رقم: "1115" وأحمد بلفظ: "أن يصوم" المسند رقم: "15261". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ومنها: أن متروك التسمية لا يحل عندنا على الصحيح من المذهب أخذا بعموم قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وتحقيق المذهب في التسمية والترجيح والترجيح في بعض الصور دون بعض قد كتبه في الكلام على البسملة. ومنها: جواز بيع العرايا بشروطها المذكورة في كتب الفقه ومن شروطها أنه لا بد من حاجة المشترى وهي أن لا يكون للرجل مما يشترى به الرطب غير التمر وهو مخالف لقاعدة المحلى بالألف واللام فإن اللفظ الوارد في جوازه ما ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة وزيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا1. فإن قلت إنما ورد بيع العرايا رخصة عند الحاجة بدليل ما قاله الشيخ أبو محمد في كتابه الكافي إن محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرية بخرصها من التمر يأكلونه رطبا وعزاه الشيخ أبو محمد في الكافي إلى الصحيحين. قلت وقد قال الإمام أبو عبد الله بن عبد الهادي في كتابه التنقيح عن عزو الشيخ في الكافي الحديث إلى الصحيحين هذا وهم فإن الحديث لم يخرج في الصحيحين بل ولا في السنن وليس لمحمود بن لبيد رواية في شيء من الكتب الستة بل وليس هذا الحديث في مسند الإمام أحمد ولا السنن الكبير للبيهقي قال وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أر له سندا وقد ذكره الشافعي في كتاب البيوع في باب بيع العرايا2 بلا إسناد وأنكر عليه ابن داود الظاهري   1 رواه البخاري عن زيد بن ثابت بلفظ: رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع العرايا بخرصها ثمرا وعن أبي هريرة بلفظ رخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود في ذلك. كتاب المساقاة رقم: "2380 و 2382".ومسلم كتاب البيوع رقم: "15411". 2 أي من كتاب "الأم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ذلك ورد عليه ابن سريج في إنكاره والله أعلم. وادعى بعض المتأخرين من الشافعية أن أصحابهم اختلفوا هل يشترط حاجة المشترى أم لا وأن الخلاف بينهم يبنى على الخلاف في الأخذ بعموم اللفظ أو بخصوص السبب وفيما قاله نظر لأن السبب الحديث الذي ذكره الشيخ في الكافي وقد تقدم كلام ابن عبد الهادى فيه ولو ثبت لم يلزم منه التعدى إلى المعنى لأن الرخصة إنما كانت لقوم موصوفين بصفة الفقر وكان الأصل المنع ثبت معنا في هذه الصورة الخاصة لمعنى لا يوجد في غيرها من الصور قلنا به والباقى على مقتضى الأصل. ثم قول أبى هريرة وزيد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا ينصرف الألف واللام إلى المعهود الذي قد أبيح لمن اتصف بصفة الفقر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 القاعدة 62 الاستثناء إخراج بعض الجملة بإلا وهي أم الباب وما قام مقامها وهي غير وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا وسوى وما عدا وما خلا. وأما سيّما إذا انتصب بعدها المعرفة فمنع الجمهور النصب وقال ابن برهان لا اعرف له وجها ووجهه بعضهم بأن ما كافة وأن لا سيّما بمنزلة إلا في الاستثناء فعلى هذا تكون من أدوات الاستثناء. ورد بأن الاستثناء مخرج وما بعدها داخل من باب الأولى. وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها وعلى هذا يكون استثناء منقطعا. وقد عرف الاستثناء بالإخراج غير واحد من أئمة العربية كابن جني وغيره. وعند أصحابنا والأكثرين وإخراج ما لولاه لوجب دخوله لغة قاله أبو العباس. وقال بعض العلماء إخراج ما لولاه لجاز دخوله. وهذا الإخراج قبل الحكم أو بعده فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة فالأكثرون على أن المراد بالعشرة سبعة وإلا قرينة مبينة لذلك وقال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد ومركب. وقيل المراد بالعشرة مدلولها ثم أخرجت منها ثلاثة وأسندتا إليها بعد الإخراج وصححه ابن الحاجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وقد تبين بما ذكرناه أن الاستثناء على قول القاضي: ليس بتخصيص وعلى قول الأكثرين تخصيص لأن اللفظ قد أطلق لبعضه إرادة وإسنادا وعلى الأخير يحتمل لكونه أريد الكل وأسند إلى البعض ويحتمل أنه ليس بتخصيص لأنه أريد تمام مساواته. وقال القاضي: أبو يعلى الاستثناء كلام ذو صيغ محصورة تدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول. ولا يلزم عليه القول المتصل بلفظ العموم نحو قولهم رأيت المؤمنين وما رأيت زيدا ولم أرى عمرا وخالدا لقولنا كلام ذو صيغ محصورة وحروف الاستثناء محصورة وليس الواو منها. قال أبو العباس هذا الاستثناء في اصطلاح النحاة وأما الاستثناء في عرف الفقهاء فهذا منه قال ولهذا لو قال له هذه الدار ولى منها هذا البيت كان هذا استثناء عندهم فالاستثناء قد يكون بما هو أعم من ذلك كالجملة كما أن الاستثناء بالمشيئة هو استثناء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والفقهاء وليس استثناء في العرف النحوي. قلت إن أراد أبو العباس أن قول المقر له هذه الدار ولى منها هذا البيت أنه من الاستثناء العام باعتبار الإخراج من حيث الجملة فظاهر وإن أراد أنه مساو للفظة إلا أو ما قام مقامها ففيه إشكال إذ قد فرق الأصحاب بين قول المقر له هذه الدار وهذا البيت لي فإنه يصح ولو كان البيت معظمها وبين قوله له هذه الدار إلا ثلاثة أرباعها أو إلا ثلثيها فإنه استثناء للأكثر ولا يصح عندنا. إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها وبالاستثناء بالمشيئة. منها: أنه لا يجوز أن يستثنى الأكثر من عدد مسمى عند أصحابنا ذكره الخرقى وأبو بكر ونص عليه أحمد في الطلاق وقال به أكثر النحاة من البصريين وغيرهم ونصره ابن الباقلانى في كتاب التقريب من أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 قال أبو البركات وذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين إلى جواز استثناء الأكثر. قلت وهو وجه لأصحابنا اختاره أبو بكر الخلال. ولنا في النصف وجهان وذكرهما أبو الفرج وصاحب الروضة روايتين وذكر ابن هبيرة الصحة ظاهر المذهب. قال أبو البركات ولا خلاف في جواز استثنائه إذا كانت الكثرة مفهومة من دليل خارجي لا من اللفظ. وحيث قلنا بجواز الاستثناء فلا فرق بين استثناء عقد من العقود أو بعض عقد. وقال بعض الأدباء لا يستثنى عقد من العقود بل بعض عقد فلا يصح استثناء واحد من عشرة ولا عشر من مائة ولا مائة من ألف بل بعض واحد وبعض عشرة وبعض مائة. وأما الاستثناء المستغرق فباطل إجماعا ذكره غير واحد ولكن قال ابن طلحة في كتاب المدخل له في الفقه إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا هل يقع الطلاق على قولين. قال بعض المالكية ومقتضى هذا النقل جواز استثناء الكل من الكل. قال أبو العباس وليس كذلك وإنما هذا على قول مالك يتمشى وبيض لذلك. قلت ولقائل أن يقول: إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه يقع واحدة إذا قلنا يصح استثناء الأكثر واثنتان على المذهب لأن استثناء الأقل عندنا صحيح ولنا في الأكثر وجه فالمستثنى للثلاث جامع بين ما يجوز وما لا يجوز فيخرج على قاعدة تفريق الصفقة والله أعلم. ومحل امتناع الاستثناء في غير الصفة أما في الصفة فإنه يجوز استثناء الأكثر والكل. قال أبو يعلى الصغير وأبو الخطاب وغيرهما من أصحابنا في قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] أنه استثناء بالصفة وهو في الحقيقة تخصيص وأنه يجوز فيه الكل نحو اقتل من في الدار إلا بني تميم وإلا البيض فيكونون بيضا أو من بني تميم فيحرم قتلهم. ونقل أبو حيان عن الفراء أن الاستثناء يجوز أن يكون أكثر ومثل بقول المقر له على ألف إلا ألفين قال إلا أنه يكون منقطعا. وقد تقدم وتقرر أن المذهب لا يصح استثناء الأكثر فكيف صحح الأصحاب في الوصايا استثناء الربع من الثلث والخمس من الربع ونحو ذلك وقد بينه أبو الخطاب لذلك الإشكال في التهذيب1. وأجاب عنه بأن هذا ليس من باب استثناء الأكثر وإنما هو كأنه أوصى بشيء ثم رجع في بعضه وترك البعض. وفي هذا الجواب نظر إذ هو تحويل للفظ الاستثناء إلى غير معنى الرجوع. وأيضا فإن الرجوع لا يكون إلا بعد استقرار الحكم والاستثناء مانع من استقرار الحكم وحقيقته إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ فهو مانع من دخول ما يقتضى اللفظ دخوله لا أنه يستقر دخوله ثم يخرج. اللهم إلا أن يقال في تحريره إنا إنما منعنا استثناء الأكثر لأنه إبطال للفظ الأول لا تخصيص له وهو لا يملك إبطالهما بالرجوع فنزل استثناء الأكثر فيها منزلة الرجوع. واستشكل الحارثي في مسألة من له ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فأورد هنا أن الاستثناء مستغرق لأن المثل مع الثلاثة ربع فكيف يستثنى منه الربع؟ وأجاب عنه بأن الاستثناء يتبع به النصيب فيتبع الوصية لأن الحاصل للوارث مع عدم الاستثناء ربع فقط ومع الاستثناء ربع وشيء فالمثل الموصى به كذلك فإذا استثنى منه الربع لم يكن الاستثناء مستغرقا. ثم قال ولقائل أن يقول: الزيادة على الربع إنما تثبت بالاستثناء والقدر   1 وهو مصنف في الفرائض لأبي الخطاب الكلوذاني انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/117". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الثابت بالاستثناء ولا يثبت قبله فلا يحصل بذلك تخليص عن الإيراد والله أعلم. وأجاب بعض المتأخرين عن الأول بما ذكره أبو محمد المقدسي وغيره من أن استثناء الأكثر إنما يمنع من العدد خاصة أما من الجموع المستغرقة فلا يمتنع استثناء الأكثر وكذلك اختار ابن عصفور1. ولقائل أن يقول: الأجزاء تنزل منزلة الأعداد لأنها نصوص فيما دلت عليه فهي كالعدد. ويجاب عنه بأن الأجزاء هنا غير مصرح بها فإنه لم يقل أوصيت له بالربع إلا الخمس وإنما ذكر ما يقتضى ذلك واستثناء الأكثر إنما يمتنع إذا كانت الكثرة مستفادة من اللفظ نحو له علي عشرة إلا تسعة أما إذا كان الاستثناء مخصصا بوصف واتفق أن الموصوف به أكثر من الباقي لم يكن ذلك من القسم الممنوع وقد تقدم ذلك في استثناء الكل بالصفة ففي الأكثر أولى. وذكر أبو العباس في مسائل التعداديات الاتفاق على جواز ذلك. وفي هذه المسائل ليس في اللفظ ما يدل على أن المستثنى أكثر من المستثنى منه وإنما يعلم ذلك بالنظر والفكر. وأما الثاني: فتحرر الجواب عنها أنها مغلطة فإن قوله أوصى له بالربع2 غير صحيح بل إنما أوصى له بمثل نصيب ابن ونصيب الابن هو ما يستقر له واستثنى من هذا النصيب المستقر ربع المال ولا شك أن النصيب المستقر أزيد من ربع المال كما يظهر ذلك عمل المسألة. وحينئذ فقوله ولقائل أن يقول: الزيادة على الربع إلى آخره3 غير مستقيم لأن الوصية لم تحصل بالربع وإنما حصلت بنصيب الابن وقد تقرر أن   1 هو النحوي الصرفي اللغوي أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي الحضرمي الإشبيلي [597 – 663] من مصنفاته: "شرح الجمل" في النحو للزجاج و"الممتع" في المصرف. 2 انظر الصفحة السابقة. 3 انظر الصفحة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ذلك أكثر من الربع والله أعلم. ومنها: لو وصى بثلاثة إلا شيئا أو بألف إلا شيئا فعلى المذهب له النصف وأدنى مقول وعلى القول باستثناء الأكثر له أدنى مقول ولو قال إلا قليلا قال الحارثي: فلذلك ذكروه في الأقارير قال لأنه مبهم أشبه قوله إلا شيئا قال والأظهر أن له الثلثين وزيادة لأن الثلث كثير فلا يدخل تحت استثناء القليل والله أعلم. ومنها: حيث قلنا بجواز الاستثناء فلا فرق بين الطلاق وغيره هذا المذهب. وقال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا لا يصح الاستثناء في الطلاق. قال أبو العباس قول أبى بكر رواية منصوصة عن الإمام أحمد وأكثر الأصحاب خصوا قوله بالاستثناء في عدد الطلاق دون عدد المطلقات ومنهم من حكى عنه إبطال الاستثناء في الطلاق مطلقا وهو ظاهر ولا فرق على إطلاق الأكثرين في الطلاق بين تقدير الإيقاع وتأخيره. وقال صاحب الترغيب لو قال الزوج لزوجاته أربعتكن طوالق إلا فلانة لم يصح على الأشبه لأنه صرح بالأربعة وأوقع الطلاق عليهن ولو قال أربعتكن إلا فلانة طوالق صح الاستثناء ومقتضى تعليله في الصورة بطلان الاستثناء من الأعداد في الإقرار إذا قال له علي عشرة إلا ثلاثة ومعلوم أنه ليس كذلك. وعلى إطلاق الأكثرين لا فرق بين كلام الله تعالى وغيره في جواز الاستثناء وحكى بعض المتأخرين قولا أنه إنما يجوز الاستثناء في كلام الله تعالى فقط. ومنها: حيث قلنا بجواز الاستثناء فيشترط له الاتصال لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس ونحوه عند الأئمة الأربعة وغيرهم والمتكلمين وروى سعيد بن منصور قال حدثنا معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الله عنهما أنه يرى الاستثناء جائزا ولو بعد سنة الأعمش1 مدلس ومعناه قول طاووس2 وحكى عنه أيضا جوازه إلى شهر وحكى عنه أبدا وحكى عن مجاهد جوازه إلى سنتين. وقال بعض المالكية يصح اتصاله بالنية وانفصاله لفظا فيدين. قال الآمدي: ولعله مذهب ابن عباس. قال الإمام أحمد قول ابن عباس إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه ليس هو في الأيمان إنما تأويله قول الله عز وجل {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23, 24] فهذا استثناء من الكذب لأن الكذب ليس فيه كفارة وهو أشد من اليمين لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر. قال ابن الجوزي فائدة الاستثناء خروج الكذب قال موسى عليه السلام {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [الكهف: 69] ولم يصبر فسلم منه بالاستثناء. قلت مراد أحمد رضي الله والله أعلم أنه إذا نسى أن يقول: أفعل كذا إن شاء الله تعالى فيقول: متى ذكر وعليه يحمل مذهب ابن عباس. وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى يصح الاستثناء في اليمين منفصلا في زمن يسير ثم هل يشترط اتحاد المجلس أم لا قولان وهل يشترط أن لا يفصل بينهما بكلام قولان. قال أبو العباس: أحمد لم يعتبر مجلس الأبدان المعتبر في الأفعال فإن هذا قد يطول يوما وأكثر وأقل وإنما قال إذا سكت قليلا وقال إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره قال: والروايتان عن أحمد في اليمين يجب إجراؤهما في جميع صلات الكلام المعتبرة له من التخصيصات والصفات والأبدال والأحوال ونحو ذلك.   1 هو المحدث المقرئ: أبو محمد سليمان بن مهران الكوفي المعروف بـ "الأعمش" [ت 148هـ] . 2 هو التابعي الفقيه: أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الفارسي ثم اليمني [ت 106هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قلت ولهذا ذكر ابن الزاغونى في الواضح1 في الإقرار إن سكت المقر عما يمكنه الكلام فيه ثم استثنى فروايتان أصحهما لا يصح استثناؤه والثانية يصح كما لو تقارب ما بينهما ومنع بناءهما مانع. ويشترط نية الاستثناء هذا المذهب وقال القاضي: في موضع من كلامه في الاستثناء في اليمين يتوجه أن يصح من غير نية وإذا قلنا بالمذهب وهو اشتراط نية الاستثناء فما محلها في ذلك ثلاثة أقوال. أحدها: وهو ما قاله صاحب الترغيب من عنده أنه يتوجه أن يكون محله في أول الكلام. والثاني: وهو ما قاله صاحب المغنى وغيره أنه يصح ولو بعده واختاره أبو العباس وقال لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء واحتج بالأخبار الواردة في الأيمان. والثالث: وهو ما قاله صاحب المحرر وغيره أن محله قبل تكميل المستثنى منه وعدى صاحب المحرر الحكم في النية إلى الشرط الملحق والعطف المغير والاستثناء بالمشيئة ونية العدد بحيث يؤثران وهو مراد غيره. ومنها: أنه لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام كقولك إلا زيدا قام القوم كحرف العطف إذ لا معنى لقول إلا زيدا واختاره الكوفيون والزجاج2 ولو تقدمه حرف نفي فالمنع أيضا باق كقولك ما إلا زيدا في الدار أحد بخلاف ما لو كان النافي فعلا فإنه يجوز كقولك ليس إلا زيدا فيها الدار أحد وكذلك لم يكن إلا زيدا فيها أحد ويتعلق بذلك إذا قال المقر ليس له على عشرة إلا خمسة وفي المسألة قولان. أحدهما لا يلزمه شيء لتخبيط اللفظ. والثاني: وهو الصحيح يلزمه ما أثبته وهي الخمسة لأن التقدير:   1 مصنف في الفقه لأبي الحسن بن الزغوني انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/181". 2 هو العلامة النحوي: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي [ت 311هـ] صاحب "معاني القرآن" مطبوع و"الآمالي" مطبوع و"الإشتقاق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ليس له على عشرة لكن خمسة ولأنه استثناء من نفي فيكون إثباتا. وإما إذا توسط المستثنى بين المستثنى منه والمنسوب إليه الحكم فيجوز كقولك قام إلا زيدا القوم والقوم إلا زيدا ذاهبون نعم إذا تقدم على المستثنى منه وعلى العامل ففي ذلك مذاهب. ثالثها وهو مختار أبى حيان إن كان العامل متصرفا كقولك القوم إلا زيدا جاءوا وإن كان غير متصرف نحو الرجال إلا عمرا في الدار فلا يجوز. ومنها: أنه يصح الاستثناء من الاستثناء جزم به الأصحاب وغيرهم لقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: 58, 60] فإذا تعقب الاستثناء وحده استثناء باطل فهل يلغى ذلك الاستثناء الباطل وما بعده أو يلغى وحده ويرجع ما بعده إلى ما قبله أو ينظر ما يؤل إليه جملة الاستثناءات في ذلك ثلاثة أوجه. ولنضرب لذلك مثلا وقس عليه ما يرد عليك من هذا الباب فإذا قال له على عشرة إلا عشرة إلا أربعة إلا واحدا. فعلى الوجه الأول يلزمه عشرة ويلغو قوله إلا أربعة إلا واحدا لأنه فرع على استثناء باطل. وعلى الوجه الثاني: يلغو المستغرق وحده تخصيصا للبطلان به ويلزمه سبعة وهذا مبنى على أن الكلام المتخلل بين المستثنى والمستثنى منه غير قاطع للاستثناء. وعلى الوجه الثالث: ينظر ما تؤل إليه جملة الاستثناءات الباطل منها والصحيح فيلزمه في الصورة المذكورة ثلاثة. والطريق العام في استخراج الباقي عند تكرر الاستثناءات مبنى على أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي. فتقول في الصورة المذكورة أثبت عشرة ثم نفاها ثم أثبت من العشرة المنفية أربعة ثم نفي من هذه الأربعة المثبتة واحدا فبقى ثلاثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 لكن عند كثرة الاستثناءات يصعب سلوك هذه الطريق ويشق ضبطه فلك فيه طريقان سهلان جدا. أحدهما أن تأخذ شفع الأعداد ووترها وتعرف مقدار كل واحد منهما وتلقى أقلهما من أكثرهما فما بقى فهو الجواب. وضبط هذا بالشفع والوتر إنما يصح إذا لم يكن في الاستثناءات استثناء مستغرق فإن كان فيها استثناء مستغرق كالصورة المذكورة فضبطه أن تأخذ الأعداد المثبتة فتعرف جملتها ثم المنفية كذلك ثم تلقى أقلها من أكثرها فالباقي هو الجواب. فنقول في الصورة المذكورة أن تأخذ العشرة والأربعة فيهما شفعان مثبتان وذلك أربعة عشر وتأخذ العشرة الثانية والواحد وهما منفيان وذلك أحد عشر فتلقيها من الأربعة عشر يبقى ثلاثة كما سبق. ولو اعتبرته ههنا بالشفع والوتر لم يصح إذ ليس معك وتر إلا الواحد والشفع أربعة وعشرون تلقى منها الواحد يبقى ثلاثة وعشرون وليس ذلك بالحق وإنما جاء ذلك من الاستثناء المستغرق لأنه شفع بعد شفع. وكذا لو كان وترا بعد وتر نحو تسعة إلا تسعة إلا أربعة إلا واحدا فطريق النفي والإثبات تأخذ التسعة الأولى والأربعة وذلك ثلاثة عشر والتسعة الثانية والواحد وذلك عشرة تلقيها من ثلاثة عشر تبقى ثلاثة. وبطريق الزوج والفرد تحتاج أن تلقى الأربعة من تسعة عشر يبقى خمسة عشر وليس بالصواب. فبالجملة طريق النفي والإثبات أعم وهي الأصل وطريق الزوج والفرد يصح لمخصوص المادة غالبا بشرط أن لا يكون هناك استثناء مستغرق لأنه يكون مساويا لما قبله في الزوجية والفردية فيختل العمل. والطريق الثاني: أن تلقى آخر الاستثناءات مما قبله ثم الباقي منه فما قبله كذلك إلى أن يصل إلى المستثنى منه أولا فما بقى فهو الجواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 ولنضرب لذلك مثالا إذا قال المقر له على عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا. فبطريق النفي والإثبات أو الزوج أو الفرد نأخذ العشرة والثمانية والستة والأربعة والاثنين وهي الأعداد الشفع المثبتة وجملتها ثلاثون ونأخذ 2التسعة والسبعة والخمسة والثلاثة والواحد وهي الأعداد الوتر المنفية وجملتها خمسة وعشرون نلقيها من الثلاثين يبقى خمسة وهو الجواب. وبطريق الترقي من آخر الاستثناءات إلى أولها نلقى الواحد من الاثنين يبقى واحد نلقيه من الثلاثة يبقى اثنان نلقيهما من الأربعة قبلها يبقى اثنان نلقيهما من الخمسة يبقى ثلاثة نلقيها من السبعة يبقى أربعة نلقيها من الثمانية يبقى أربعة نلقيها من التسعة يبقى خمسة نلقيها من العشرة يبقى خمسة كالجواب بالطريقين. ومنها: هل يرجع الاستثناء إلى ما يملكه المكلف كما ذكره القاضي أو إلى ما تلفظ به؟ في المسألة وجهان ذكرهما غير واحد. فيظهر أثرها إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق خمسا إلا واحدة فإن قلنا يرجع إلى ما تلفظ به فيقع الثلاث كأنه قال أنت طالق أربعا وإن قلنا يرجع إلى ما يملكه فيقع اثنان كأنه استثناء واحدة من ثلاث وإن قال أنت طالق أربعة إلا اثنتين فعلى الوجه الأول يصح الاستثناء ويقع اثنتان إذا قلنا بصحة استثناء النصف وعلى قول القاضي لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى ثلاث فيكون استثناء للأكثر وعندنا لا يصح على الصحيح. ومنها: الاستثناء من غير الجنس لا يصح عند أحمد وأصحابه وزفر ومحمد1 وذكره الآمدي عن الأكثر وذكر التميمي أن أصحاب أحمد اختلفوا فيه وعن أحمد يصح استثناء نقد من آخر.   1 أي محمد ين الحسن الشيباني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 قال صاحب الروضة روضة الفقه من أصحابنا بناء على أنهما جنس واحد أو أو جنسان. وما قاله غلط إلا أن يريد ما قاله القاضي في العدة وابن عقيل في الواضح أنهما كالجنس الواحد في أشياء وفي المغنى يمكن حمل الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفي ذلك. فعلى قول صاحب الروضة والعدة والواضح يختص الخلاف بالتقدير. وعلى ما حمله صاحب المغنى ينبغي الخلاف. وقال بعض أصحابنا يلزم من هذه الرواية صحة استثناء نوع من نوع آخر وقال أبو الخطاب يلزم من هذه الرواية صحة الاستثناء من غير الجنس وقالت المالكية وابن الباقلانى وجماعة من المتكلمين والنحاة بالصحة وللشافعية كالقولين. وقال ابن برهان عدم صحته قول عامة أصحابنا والفقهاء قاطبة وحكاه جماعة عن أبى حنيفة والأشهر عنه صحته في مكيل أو موزون من أحدهما فقط. ومنها: الاستثناء إذا تعقب جملا عطف بعضها على بعض الواو ويصلح عوده إلى كل واحد منها فإنه يعود إلى جميعها إلى أن يرد دليل بخلافه عند أصحابنا والشافعية والمالكية. قال أحمد في رواية ابن منصور قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" 1 قال أرجو أن يكون الاستثناء عائدا   1 نص الحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا يؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذن" رواه مسلم عن أبي مسعود الأنصاري وأورد رواية أخرى منها: " ....... ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذن" والتكرمة الفراش ........................................ == == ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به مسلم كتاب المساجد "673" وفي الترمذي "لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" كتاب الأدب رقم: "2772". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 على كله. وقالت الحنفية يعود إلى الأخيرة وقال جماعة من المعتزلة منهم عبد الجبار وأبو الحسين ومعناه قول القاضي في الكفاية إن تبين إضراب عن الأولى فللأخيرة وإلا فللجميع. والإضراب أن يختلفا نوعا كالأمر والخبر نحو أكرم بني تميم وجاء القوم إلا الطوال أو يتحدا نوعا أو يتحد نوعا وحكما ويختلفا اسما وحكما بني تميم وسلم على ربيعة إلا الطوال أو يختلفا نوعا واسما لا حكما لكن لا يشتركان في عوض واحد نحو سلم على بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال. وتوقف ابن الباقلاى والغزالى وجماعة من الشافعية وحكاه القاضي عن الأشعرية لتعارض الأدلة. قال أبو البركات وعندى أن حاصل قول الأشاعرة يرجع إلى قول الحنفية قال ابن عقيل وغيره قول الأشعرية محدث بعد الإجماع. وقال المرتضى1 الشيعي بالاشتراك كالقرء والعين لأنه ورد للأخيرة وللكل ولبعض الجمل المتقدمة. قلت فحاصل قول المرتضى يرجع إلى أن يكون ذاك مجملا. وقيل إن كان بينهما تعلق كأكرم العلماء والزهاد وأنفق عليهم إلا المبتدعة وإلا فللأخيرة قال أبو البركات ولفظ الجمل يراد به لما فيه شمول لا يراد به الجمل النحوية ولهذا ذكر القاضي وغيره الأعداد من صورها وسوى   1 هو العلامة الأصولي الفقيه المتكلم الأديب الشاعر: الشريف أبو القاسم علي بن الحسين ابن موسى بن محمد بن إبراهيم المعروف بـ الشريف "المرتضى" [355 – 436هـ] له تصانيف عدة منها في الأصول: "الذخيرة" وفي الفقه "الإنتصار" و"المسائل الناصرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بين قوله رجل ورجل وبين قوله: رجلان. وقد ذكر أصحابنا في الاستثناء في الإقرار إذا تعقب جملتين هل يعود إليهما أو إلى الثانية على وجهين كما لو عطف المستثنى فهل يصير المعطوف والمعطوف عليه جملة واحدة أو هما جملتان على وجهين. وقال أبو العباس وكثير من الناس يدخلون في هذه المسألة الاستثناء المتعقب أسماء فيريدون بقولهم جملا الجملة التي تقبل الاستثناء لا يريدون بها الجملة من الكلام قال وهذا موضع يحتاج إلى الفرق لأنه فرق بين أن يقال أكرم هؤلاء وهؤلاء إلا الفساق والله أعلم. وقولنا في فرض المسألة الاستثناء إذا تعقب جملا وعطف بعضها على بعض بالواو وكذا ذكره القاضي في العدة وأبو الخطاب في التمهيد وغيرهما في بحث المسألة أن واو العطف تجعل الجملة كجملة واحدة وكذا بحثوا في الواو وأنها للجمع المطلق لا ترتيب فيها وأنه هو المعنى الموجب لجعل الجمل كجملة واحدة وبنوا على ذلك أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة هل يصح الاستثناء وأنه لو أتى بالفاء أو بثم لم يصح لأن الترتيب إفراد الأخيرة عما قبلها فاختص بها الاستثناء فلم يصح وكذا فرض المسألة الآمدي وابن الحاجب واستدلال الإمام فخر الدين وأتباعه يقتضيه. وقال أبو العباس موجب ما ذكره أصحابنا وغيرهم أنه لا فرق بين العطف بالواو أو بالفاء أو بثم على عموم كلامهم وقد ذكروا في قوله أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار وجهين وفي هذا التنظير بحث. قال وذكره أبو المعالي فرقا بين الحرف المرتب وغيره في الاستثناء والصفة في شروط الوقف وهو بعيد جدا. قلت ما ذكره أبو العباس عن أبى المعالي الشرطين اللذين اشترطهما لعود الاستثناء إلى الجميع. والشرط الثاني: الذي اشترطه أبو المعالي في عود الاستثناء إلى الجميع هو أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل فإن تخلل كقول الواقف على قوم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم فالاستثناء يختص بإخوته. قلت قريب من هذا الذي قاله أبو المعالي ما قاله بعض أصحابنا إذا وقف الواقف على أولاده وأولاد فلان ثم المساكين على أن لا يعطى منهم إلا صاحب عيال أنه يختص الشرط بالجملة الأخيرة قال لأنها أجنبية من الأولى. تنبيه مثل قول القائل بني تميم وربيعة أكرمهم إلا الطوال للجميع وجعله في التمهيد أصلا لمسألة الخلاف. ومما يتعلق بعود الاستثناء إلى الجميع أو الجملة الأخيرة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] تضمنت الآية الكريمة أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام وجوب الجلد ورد الشهادة وثبوت الفسق. فمن رأى أن الاستثناء يعود إلى الأخيرة فقط وهو أبو حنيفة قال إذا تاب القاذف زال فسقه ولم تقبل شهادته إذا جلد لأن الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] لم يتعلق بقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور: 4] فيبقى على عمومه في الزمان. وقد يقال في الآية الكريمة إنها تضمنت حكمين وجوب الحد وثبوت الفسق أما رد الشهادة فهو من آثار الفسق ومن لوازمه ومترتب عليه فإذا زال الفسق الذي هو المؤثر بالتوبة زال أثره الذي هو رد الشهادة. وأما من رأى عوده إلى الجميع فقال جماعة منهم مقتضى هذا الأصل أن يعود إلى الفسق ورد الشهادة والحد لكن منع من عوده إلى الجلد الإجماع فإن حد القذف لا يسقط بالتوبة بالإجماع فيبقى الباقي على مقتضى الأصل. قلت ودعوى الإجماع لا تصح فإن ابن الجوزى جزم بعوده إلى الجلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وأنه قول أحمد وجزم به صاحب المغنى أيضا في أول مسألة شهادة القاذف لما بحث مع الحنفية المسألة وأنهم قالوا الاستثناء لا يعود إلى الجلد ومنعهم وقال بل يعود إليه أيضا انتهى. يؤيد أن حد القذف يسقط بالتوبة لو قذف شخص شخصا لا يجب عليه إعلامه والتحلل منه وهو أصح الروايتين عن الإمام أحمد حتى إنه يحرم عليه إعلامه بذلك ذكره القاضي أبو يعلى والشيخ عبد القادر1 يقبل ههنا لا ينبغي أن يعلمه. وأما الشرط إذا قيد به أحد المتعاطفين فقد ذكر الإمام في الحصول أن الحنفية قد وافقونا على عوده إلى الجميع وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى وأبو العباس وذكره في التمهيد إجماعا وذكر أبو محمد المقدسي في الروضة أن أكثر المخالفين سلموا أن الشرط يعود إلى الجميع ونقض عليهم بذلك وذكر في المغنى في الظهار وإذا قال أنت حرام والله لا أكلمك إن شاء الله تعالى أن الاستثناء يعود إليهما في أحد الوجهين لأن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها ولم يوجه الثاني ولعل وجهه والله أعلم اختلاف اليمين. ونقل الإمام في المحصول في الكلام على التخصيص بالشرط عن بعض الأدباء أن الشرط يختص بالجملة التي تليه فإن تقدم اختص بالأولى وإن تأخر اختص بالثانية وإن قلنا بعوده إلى الجميع فأطلق الجميع العطف لكن أحالوه على الاستثناء وصرح بعضهم بالواو. وفي كلام بعض أصحابنا لو حلف لأضر بن زيدا ثم عمرا ثم بكرا إن شاء الله أنه للجميع وإن قال لمدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت وقع ثلاثا إجماعا وإن أتى بثم فكذلك عند جماعة من أصحابنا. وذكر القاضي وجماعة من أصحابنا تقع الثانية والثالثة في الحال وتتعلق الأولى بالدخول لأن ثم للتراخى فكأنه سكت ثم قال أنت طالق.   1 هو الشيخ الصوفي الفقيه محيى الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي [471 – 561] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وغير المدخول بها إن دخلت وقع بالفاء واحدة فقط للترتيب وكذا يقع بغير المدخول بها بثم واحدة عند جماعة من أصحابنا وعند القاضي وجماعة إن أخر الشرط فواحدة في الحال وبطل ما بعدها وإن قدمه تعلقت الأولى بالدخول ووقعت الثانية في بالحال وبطلت الثالثة بناء على أن ثم كسكتته. وأما التخصيص بالصفة نحو أكرم بنى تميم الداخلين فيقصر عليهم قال بعض أصحابنا والآمدي وغيرهم وهي كالاستثناء في العود إلى الجملتين وفي الروضة لأبى محمد سلم الأكثر أن التخصيص بالصفة يعود إلى الجميع ويقصر على المخالفين في الاستثناء بذلك والأظهر في عود الصفة لا فرق بين أن تكون متقدمة أو متأخرة. قال بعض المتأخرين والمتوسطة المختار اختصاصها بما وليته. واشترط إمام الحرمين في عود الصفة إلى الجميع الشرطين اللذين ذكرهما في الاستثناء والأكثرون أطلقوا ذلك. وأما قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فأنه يعود إلى الأخيرة فقط لأن الأولى مجرورة بالإضافة والثانية مجرورة بمن فتمتنع الصفة لاختلاف الخبر باختلاف العامل كذا ذكره بعضهم وفيه بحث. قال أبو العباس عطف البيان والتوكيد والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة ينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء قال وأما الجار والمجرور مثل أن يقول: على أنه أو بشرط أنه ونحو ذلك فإنه ينبغي أن يتعلق بالجميع قولا واحدا لأن هذه الأشياء متعلقة بالكلام لا بالاسم فهي بمنزلة الشرط اللفظي فإذا قال أكرم بني تميم أو بني أسد أو بني غطفان المجاهدين أمكن أن يكون المجاهدون غطفان فقط وإذا قال بشرط أن يكونوا مؤمنين أو على أن يكونوا مؤمنين فإن هذا متعلق بالأكثر أحرى وهو متناول للجميع تناولا واحدا بمنزلة قوله إن كانوا مؤمنين فيجب أن يفرق بين أن يكون متعلقا بالاسم وبين أن يكون متعلقا بالكلام وهذا فرق محقق يجب اعتباره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وأما التخصيص بالغاية كأكرم بني تميم حتى يدخلوا فيقضى على غيرهم لأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها قال بعض أصحابنا والآمدي وغيرهم وهي كالاستثناء بعد جمل في العود. وأما الإشارة بلفظ ذلك بعد الجمل فإنه يعود إلى الجميع ذكره القاضي وابن عقيل وأبو يعلى الصغير وأبو البقاء. وأما التقييد بعد العطف فمقتضى كلام النحاة وجماعة من الأصوليين عوده إلى الجميع. واختلف أصحابنا في الفروع على وجهين أصحهما أن الأمر كذلك فإذا قال له على مثلا ألف وخمسون درهما فالجميع دراهم على الصحيح وقال أبو الحسن التميمي يرجع في تفسير الألف إليه. وأما الضمير فذكر طائفة من أصحابنا أنه يعود إلى جميع ما تقدم كقولك أدخل بنى هاشم ثم بنى المطلب ثم سائر قريش وأكرمهم. ومن مسائل الاستثناء: الاستثناء من الإثبات كقولك قام القوم إلا زيدا فإنه يكون نفيا للقيام عن زيد بالاتفاق كما قاله الإمام في المعالم وصاحب الحاصل وغيرهما وإن اختلف الناس في مدرك ذلك. وأما الاستثناء من النفي نحو ما قام أحد إلا زيدا فعندنا وعند الجمهور يكون إثباتا لقيام زيد. وقال أبو حنيفة لا يكون إثباتا بلا دليل على إخراجه عن المحكوم عليهم وحينئذ فلا يلزم منه الحكم بالقيام أما من جهة اللفظ فلأنه ليس فيه على هذا التقدير ما يدل على الثانية كما قلنا وأما من جهة المعنى فلأن الأصل عدمه قالوا بخلاف الاستثناء من الإثبات فإنه يكون نفيا لأنه لما كان مسكوتا عنه وكان الأصل هو النفي حكمنا به فحكموا من جهة أن الأصل عدمه لا من جهة اللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 فعلى هذا لا فرق عندهم في دلالة اللفظ بين الاستثناء من النفي والاستثناء من الإثبات وأن اللفظ لا دلالة له على إثبات المستثنى ولا نفيه. وعليه يحمل القول الذي حكاه في المسودة وغيره عنهم أن الاستثناء من الإثبات لا يكون نفيا ومن النفي لا يكون إثباتا. ومن فروع هذه المسألة: إذا قال المقر ماله عندي عشرة إلا واحدا فإنه يكون مقرا بواحد في أحد الوجهين لنا لأن الاستثناء من النفي إثبات. قال أبو العباس وعندي هذا ليس بجيد وإنما مقصوده أنه ليس له عندي تسعة ولك لأنه لو قصد الإثبات لقال ما له عندي إلا واحد ككلام العرب فيفرق بين العدد والعموم. قلت وقد يوجه أحد الوجهين أنه لا يلزمه شيء في مسألتنا هذه ليس له عندي عشرة إلا واحد أن العشرة إلا واحد مدلولها تسعة. ومن فروع هذه المسألة أيضا: إذا حلف الحالف لا يلبس إلا الكتان فهل الكتان محلوف على لبسه فإذا جلس عريانا حنث بناء على قاعدة الاستثناء من النفي إثبات أو لا يحنث لأن المقصود أنه يمتنع من لبس كل شيء إلا الكتان فإنه لا يمتنع من لبسه فلا يكون محلوفا عليه في المسألة قولان للعلماء اختيار ابن عقيل الثاني. ومن فروعها أيضا: إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا أو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فشاءت الثلاث أو الواحدة لم تطلق في أحد الوجهين بناء على أن الاستثناء من الإثبات نفي. والوجه الثاني: واختاره أبو بكر تطلق في الصورة الأولى ثلاثا وفي الثانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 واحدة لأن المتبادر إلى الفهم أن ذلك تخيير بين الواحدة والثلاث والله أعلم. ومنها: ما ذكره صاحب المغنى لو قال: امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة ولم ينو شيئا وكان يملك أكثر أو أقل حنث. تنبيه قد تقدم الاستثناء إلا في صور: منها: الطلاق والعتاق وذلك واحد في صورها والكلام عليها إلا في الاستثناء بالمشيئة وذلك نوعان: أحدهما أن يكون بصيغة التخيير كقوله لامرأته أنت طالق إن شاء الله ولعبده أنت حر إن شاء الله فالمذهب عندنا المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة منهم ابن منصور وحنبل والحسن بن ثواب وأبو النضر والأثرم وأبو طالب وقد توقف أحمد أيضا عن الجواب فيها في رواية جماعة منهم عبد الله وصالح وإسحاق بن هانيء وأبو الحارث والفضل بن زياد وإسماعيل بن إسحاق فمن الأصحاب من حكى ههنا رواية أخرى بعدم الوقوع كالقاضي أبى الحسين وصاحب المغنى وغيرهما. واختار أبو العباس في هذه المسألة تحقيقا حسنا وتفصيلا بينا وهو أن الزوج إن أراد بقوله أنت طالق إن شاء الله وقوع الطلاق عليها بهذا التطليق طلقت لأن هذا كقوله أنت طالق بمشيئة الله وهذا مريد للطلاق قاصد لإيقاعه فعلمنا أن الله قد شاء وقوع طلاقه بذلك وليس قوله إن شاء الله تعليقا بل هو توكيد للوقوع وتحقيق له وإن أراد بقوله إن شاء الله حقيقة التعليق على مشيئة مستقبلة لم يقع به الطلاق حتى تطلق بعد ذلك لأنه لم يرد إيقاع هذا الطلاق عليها الآن وإنما قصد تأخير وقوع الطلاق عليها إلى أن يشاء الله وقوع طلاق عليها في المستقبل فلا تطلق حتى يطلقها الزوج لأن الله لا يشاء وقوع طلاقها حتى يطلقها الزوج فإذا طلقها الزوج بعد ذلك فقد شاء الله وقوع طلاقها حينئذ. وكذلك إن قصد بقوله إن شاء الله أن يقع هذا الطلاق الآن فإنه يكون معلقا أيضا على المشيئة فإذا شاء الله وقوعه فقد وجد شرط وقوعه فيقع حينئذ ولا يشاء الله وقوعه حتى يوقعه هو ثانيا ومتى كان مقصوده تعليق وقوع هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 الطلاق على وقوع طلاق آخر بها فهو كقوله إن طلقت فأنت طالق يقصد التعليق وإن كان مقصوده إخبارها أنها لا تطلق حتى يشاء الله طلاقها بعد ذلك ومتى طلقها بعد ذلك فهي طلقة واحدة. وقد حكى طائفة من الشافعية كأبي حامد الاسفرائينى1 عن الإمام أحمد رضي الله عنه أن العتاق المستثنى فيه بالمشيئة دون الطلاق وهذا لا يثبت عن الإمام أحمد ذكره المحققون من الأصحاب منهم القاضي في خلافه وصاحب المحرر وغيرهما فإن مأخذ هذا من كلام أحمد ما روى عنه الميموني أنه إذا قال لامرأة أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله ثم تزوجها لم يلزمه شيء ولو قال لأمة أنت حرة يوم أشتريك إن شاء الله تعالى ثم اشتراها صارت حرة. فظن من لا خبرة له بأصول الإمام أحمد أنه فرق لأجل الاستثناء وإنما فرق بين الطلاق والعتاق لأجل التعليق قبل الملك فإن نصوصه بالتفريق بينهما فيصح تعليق العتق على الملك دون تعليق الطلاق على النكاح وهذا النص من جملتها. قال أبو العباس وإنما هذا قول القدرية لأن المشيئة عندهم بمعنى الأمر والله تعالى يأمر بالعتق ولا يأمر بالطلاق قال وقد وضعوا في ذلك حديثا مسندا من رواية أهل الشام عن معاذ وأشار إلى حديث رواه ابن عدى وغيره من حديث حميد بن مالك عن مكحول عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قال لمملوكه أنت حر فهو حر ولا استثناء له وإذا قال لامرأته أنت طالق فله استثناؤه ولا طلاق عليه وهذا باطل فإن حميد بن مالك ضعيف ومكحول2 لم يلق معاذا وقد حكى الغزالى عن مالك مثل ما حكاه الاسفرائينى عن أحمد وغلطه في ذلك أبو البركات في تعليقه على الهداية. النوع الثاني: صيغة التعليق والقسم كقوله أنت طالق إن دخلت الدار   1 هو الفقيه الشافعي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني [344 – 406هـ] من مصنفاته: "شرح المزني" و"التعليقة" في أصول الفقه. 2 هو الفقيه أبو عبد الله مكحول بن أبي مسلم شهراب شاذل الشامي [ت 112هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 إن شاء الله تعالى أو أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله أو أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله ونحو ذلك فهذا فيه نزاع معروف في مذهب الإمام أحمد. وصور شيحنا أبو الفرج في ذلك سبع طرق للأصحاب. الطريقة الأولى أن في المسألة روايتين مطلقا سواء كان الحلف بصيغة الجزاء أو القسم وهذه الطريقة مقتضى كلام أكثر المتقدمين من الأصحاب كأبي بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل وغيرهم. ومأخذ هذا الخلاف عند المحققين من الأصحاب وغيرهم أن الطلاق المعلق بشرط ونحوه قد تضمن شيئين إطلاقا ملتزما عند وجود شرطه وفعلا ملتزما بالطلاق بقصد الحض عليه أو المنع منه فإن غلبنا عليه جهة الطلاق قلنا هو طلاق ملتزم بشرطه وجد شرطه صار كالطلاق المنجز في حينه فلا ينفع فيه الاستثناء لاسيما ومن الناس من يمنع كونه يمينا وإنما يقول: هو طلاق معلق. ويؤيده أنه لا تدخله الكفارة فلا ينفع فيه الاستثناء بطريق الأولى. وإن غلبنا عليه جهة اليمين قلنا هو يمين من الأيمان فإن المقصود به الحض على فعل أو المنع منه دون وقوع الطلاق. وإذا كان بينا دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى أو فلا حنث عليه" 1. وقد ذكر مضمون هذا المأخذ القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما وصاحب المغنى وغيرهم. وأما أبو بكر عبد العزيز ففرق بين الاستثناء في الطلاق والاستثناء في تعليقه لأن الطلاق المنجز ماض فلا ينفع فيه الاستثناء وإن لم يكن معلقا على   1 أحمد المسند رقم: "8069" ابن ماجه كتاب الكفارات رقم: "2104 – 2105" النسائي كتاب لأيمان رقم: "3828 – 3830" أبو داود كتاب الأيمان "3261, 3292". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 شرط كقوله أنت طالق غدا أو إلى سنة إن شاء الله وهو ضعيف. الطريقة الثانية أن الروايتين في الحلف بالطلاق بصيغة القسم وفي التعليق على شرط يقصد به الحض والمنع دون التعليق على شرط يقصد به وقوع الطلاق بنية. وهذه الطريقة اختيار أبى العباس وهي مقتضى كلام جماعة من الأصحاب لأنهم عللوا رواية صحة الاستثناء في التعليق بأن التعليق يمين والطلاق إنما يكون يمينا وحلفا إذا علق على شرط يقصد منه الحض أو المنع لدخول الدار وكلام زيد دون ما يقصد منه الوقوع كطلوع الشمس وقدوم الحاج في أصح الوجهين للأصحاب وهو اختيار القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحبي التلخيص والمحرر وغيرهم. فعلى هذا لو كان الطلاق معلقا بشرط يقصد به الوقوع لم ينفع فيه الاستثناء قولا واحدا كقوله أنت طالق إذا طلعت الشمس إن شاء الله تعالى فإن هذا ليس بيمين وإنما هو توقيت للطلاق بوقت معين فهو كقوله أنت طالق غدا إن شاء الله فإذا جاء وقته فقد شاء الله وقوعه فيه. وأيضا فالاستثناء ههنا عائد إلى الإيقاع بلا ريب لا إلى وجود الوقت وعدمه ومتى كان الاستثناء عائدا إلى الطلاق لا إلى الفعل فإنه كالاستثناء في الطلاق المنجز بلا نزاع على طريقة المحققين. والطريقة الثالثة: أن الروايتين في صيغة التعليق إذا قصد رد المشيئة إلى الطلاق أو طلق فأما إن رد المشيئة إلى الفعل فإنه ينفعه قولا واحدا وكذلك إن حلف بصيغة القسم فإنه ينفعه الإستثناء قولا واحدا وهذه طريقة صاحب المحرر. وتوجيه هذه الطريقة أنه إذا أطلق المشيئة أوردها إلى الطلاق فإنه يخرج على الخلاف في تغليب جهة اليمين أو جهة الطلاق المعلق فحيث غلبه على جهة الحلف نفع فيه لأنه يمين ولا يخرج برد الاستثناء إلى الطلاق عن كون الصيغة يمينا فأما صيغة القسم فهي يمين محضرة لأن المشيئة فيها راجعة إلى الفعل لا تحتمل غير ذلك فينفع فيها الاستثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وكذلك إذا رد المشيئة إلى الفعل في صيغة الشرط نحو أن يقول: أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله ونوى إن شاء الله دخولها فإن هذا كقوله أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله فإن صيغة القسم كصيغة الشرط غير أن المثبت في الشرط يكون منفيا في القسم وبالعكس. وبيان أن الاستثناء ههنا ينفع أنه إذا قال أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله فقد أقسم والتزم بطلاقها أنها لا تدخل الدار إن شاء الله ذلك أي إن شاء الله لا تدخل فإن لم يشأ الله ذلك بل شاء أنها تدخل فلم يلتزم الطلاق حينئذ فإذا لم تدخل فلم يوجد المحلوف عليه فلا يحنث وإن دخلت تبينا أن الله شاء دخولها وهو لم يلتزم الطلاق إذا شاء الله دخولها بل التزم طلاقها بدخولها إلا أن يشاء الله أن لا تدخل فإن لم تدخل فلم يلتزم طلاقها حينئذ. يوضع هذا أن قوله لا تدخلين الدار إن شاء الله معناه إن شاء الله أن لا تدخلي1 لا أن معناه أنا ألتزم بطلاقك أن لا تدخل هذه الدار إن شاء الله فإن دخلت تبينا أن الله لم يشأ ذلك وهو لم يلتزم بطلاقها حينئذ فلا تطلق. وأما في صيغة الشرط إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله أي أن شاء الله دخولك فهو في معنى القسم لأنه التزم بطلاقها أن لا تدخل الدار إن شاء الله أن لا تدخل فالمشيئة في المعنى عائدة إلى عدم الدخول وإن كانت في صورة اللفظ عائدة إلى الدخول فإن مقصود هذه اليمين هو عدم الدخول الذي التزمه بالطلاق فالمقصود عدمه وعدم الطلاق ليس المقصود وجوده ووجود الطلاق بخلاف ما إذا كان الشرط يقصد وجوده ووجود الطلاق عنده فإن الاستثناء ثم يعود في عادة الناس إلى وقوع الطلاق عند وجود شرطه المقصود فصار كالاستثناء في نفس الطلاق المنجز. فتبين بذلك أن لا فرق بين صورة القسم وصورة التعليق إذا قصد رد المشيئة فيها إلى الفعل وهذا هو التحقيق والله أعلم. والطريقة الرابعة: طريقة صاحب المغنى وهي أن الروايتين في صورة   1 في الأصل: لا تدخلين. والصواب ما أثبتناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 التعليق بالشرط إذا لم يرد المشيئة إلى الطلاق فإن ردها إلى الطلاق فهو كما لو نجز الطلاق واستثنى فيه وإن أطلق النية فالظاهر رجوعه إلى الفعل دون الطلاق لأنه المعهود في مقاصد الحالفين بالطلاق ويحتمل عوده إلى الطلاق ولو رد المشيئة إلى الفعل نفعه قولا واحدا كما ينفعه في صيغة القسم. وهذه توافق طريقة صاحب المحرر إلا أنها مخالفة لها في أنه إذا أعاد الاستثناء إلى الطلاق لم ينفع كما لا ينفع في المنجز وهو الذي ذكره ابن عقيل وغيره أيضا وهو أصح لأنه منع من ذلك مطلقا من غير استثناء فالتزم الامتناع منه بالطلاق إن شاء الله ذلك الالتزام ولا تنفعه المشيئة شيئا لأن حكم الالتزام أمر شرعي قد شاءه الله كما شاء وقوع الطلاق المنجز عند إيقاعه. والطريقة الخامسة: طريقة صاحب التلخيص وهي حمل الروايتين على اختلاف حالين فإن كان الشرط نفيا لم تطلق نحو إن قال أنت طالق إن لم أفعل كذا إن شاء الله فلم يفعله فلا يحنث وإن كان إثباتا حنث نحو إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله ففعلته فإنه يحنث. وهذه الطريقة مخالفة للمذهب المنصوص لأن نص أحمد إنما هو في صورة الشرط الثبوتي وقد اختلف قوله فيه على روايتين فكيف يصح تنزيل الروايتين على اختلاف حالين ولكن شبهة صاحب هذه الطريقة أنه إذا كان الشرط نفيا وقد استثنى فيه بالمشيئة فلم يلتزم الطلاق عند انتفائه بخلاف ما إذا كان الشرط ثبوتيا فإنه التزم الطلاق عند وجوده. والطريقة السادسة: طريقة القاضي أبي يعلى في الجامع الكبير أنه قال عندي في هذه المسألة تفصيل ثم ذكر ما مضمونه أنه إذا لم توجد الصفة التي هي الشرط المعلق عليه الطلاق انبنى الحكم على علة وقوع الطلاق المنجز المستثنى منه فإن قلنا العلة أنه علقه بمشيئة لا يتوصل إليها لم يقع الطلاق رواية واحدة لأنه علقه بصفتين إحداهما دخول الدار مثلا والأخرى المشيئة وقد وجدتاه فلا يحنث. وإن قلنا العلة علمنا بوجود مشيئة الله لوجود لفظ الطلاق انبنى على أصل آخر وهو ما إذا علق الطلاق بصفتين فوجدت إحداهما مثل أن يقول: أنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 طالق إن دخلت الدار وشاء زيد فدخلت الدار ولم يشأ زيد فهل يقع الطلاق على روايتين كذلك ههنا يخرج على روايتين. وأما إن وجدت الصفة وهي دخول الدار فإنه ينبني التعليلين أيضا فإن قلنا قد علمنا مشيئة الطلاق وقع رواية واحدة لوجود الصفتين جميعا. وإن قلنا لم نعلم مشيئته انبنى على ما إذا علقه على صفتين فوجدت إحداهما ويخرج على روايتين. والطريقة السابعة: طريقة ابن عقيل في المفردات فإنه جعل الروايتين في وقوع الطلاق بدون وجود الصفة فأما مع وجودها فيقع الطلاق قولا واحدا. وجعل مأخذ الروايتين في وقوعه قبل الصفة أن المشيئة إن عادت إلى الطلاق كما شاء وقع المنجز وإن عادت إلى الفعل لم يقع الطلاق حتى توجد. قال لأن المعنى في قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله أنت طالق إن شاء الله دخولك الدار فمتى دخلت وقع بغير خلاف. وهذه أضعف الطرق وفسادها من وجهين: أحدهما قوله: إن عادت المشيئة إلى الطلاق فقد شاءه الله فيقع فيقال هذا طلاق معلق بشرط فكيف يقال إن الله شاءه قبل وجود شرطه وهذا بخلاف المنجز فإن الله شاء وقوعه عند تنجيزه؟ والثاني: قوله: وإن عادت إلى الفعل وقع الطلاق لأن المعنى أنت طالق إن شاء الله ذلك الفعل فإذا شاءه الله وقع طلاقها فهذا إنما يسلم له لو قصد المعلق هذا المعنى وهو أن يعلق طلاقها بمشيئة الله وهذا في الشرط المختص الذي لا يقصد به الحض والمنع قد يتوجه فأما في الشرط الذي يقصد به الحض والمنع فإن الحالف في العرف إنما يقصد بالحلف المنع من ذلك الفعل إن شاء الله المنع منه أو الحض على ذلك الفعل إن شاء الله وجوده فمتى وقع الأمر بخلاف ما وقع حلفه عليه علم أن الله لم يشأ ما حلف عليه وهو إنما التزم المحلوف عليه بشرط أن يشاءه الله وقد تبين أن الله لم يشأه فلم تتناول يمينه هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الصورة بخلاف ما إذا كانت يمينه مطلقة غير متعلقة بمشيئة فإنها كانت تتناول هذه الصورة فيحنث بها. تنبيه: حيث قلنا يفيد الاستثناء بالمشيئة فسواء كان متقدما على الجزاء أو متأخرا عنه ومقتضى كلام القاضي في الجامع ولو تقدم على الشرط والجزاء لأنه قال إذا قال لزوجته إن شاء زيد فأنت طالق فالاستثناء صحيح لأنه عطف عليه بالفاء فصار كأنه قدم الطلاق قال: وكذلك إذا قال: إن شاء زيد أنت طالق انتهى. ولا بد في الاستثناء من نطقه إلا أن يكون مظلوما خائفا فيصح استثناؤه في نفسه وعزى إلى نص أحمد وكذلك قال في المستوعب إلا أنه لم يقل خائفا وذكره عن ابن أبي موسى. وحيث قلنا يجب نطقه فهل يجب إسماع نفسه ومع عذر بحيث يحصل السماع مع عدمه أو يكفي الإتيان بالحروف وإن لم يسمعها ولا يعتبر سماع المتكلم. وتعتبر نية الاستثناء على الصحيح وقال القاضي أبو يعلى يتوجه أن يصح من غير نية. وتظهر فائدة الخلاف فيمن سبق الاستثناء على لسانه عادة أو أتى به تبركا. وقد تقدم إذا قلنا باشتراط نية الاستثناء أين يكون محلها؟ وإذا شك الحالف في الاستثناء فالأصل عدمه. وقال ابو العباس: إلا من عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولا تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 القاعدة 63 إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم؟ في ذلك خلاف بين العلماء وينبني على ذلك مسائل: منها: إذا نسخ الوجوب فيبقى الجواز قال صاحب التلخيص: هذا هو الأصح عند أصحابنا وحكى عن الحنفية وقاله الإمام فخر الدين والجمهور. ومرادهم ببقاء الجواز والتخيير بين فعله وتركه. وقال ابن برهان وأبو المطلب والغزالي وجزم به التميمي عن أحمد لا يبقى دليلا على الجواز بل يرجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من البراءة الأصلية أو الإباحة أو التحريم وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن وحينئذ فيكون الخلاف بين الطائفتين معنويا خلافا لما ادعاه التلمساني. وصورة المسألة أن يقول: الشارع نسخت الوجوب أو نسخت تحريم الترك أو رفعت ذلك فأما إذا نسخ الوجوب بالتحريم أو قال رفعت جميع ما دل عليه الأمر السابق من جواز الفعل أو امتناع الترك فيثبت التحريم قطعا. ومنها: القراءة الشاذة هل تنزل منزلة الخبر في الاحتجاج أم لا؟ وفي ذلك مذهبان تقدما. ومنها: إذا ظن دخول وقت صلاة فريضة فأحرم بفرض فبان قبل وقته لا يجزئه عن الفرض جزما وهل ينعقد نقلا أم لا؟ في المسألة روايتان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 المذهب أنها لا تنعقد نقلا وكذلك لو ظن أن عليه فريضة فائتة فأحرم بها فلم يكن في المسألة الروايتان والمذهب الانعقاد أيضا. وأما إذا كان عالما فلا تنعقد فرضا جزما وفي انعقادها نقلا وجهان المذهب لا تنعقد. ومنها: إذا قلنا التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح الصلاة فإنه يبطل بخروج وقت الصلاة فلو نوى بتيممه إقامة فرضين قال أبو المعالي بن منجا ففي صحة تيممه وجهان: احدهما لا يصح أصلا ولا يصلح لفريضة واحدة. والثاني: يصلح لفريضة واحدة وهذا يقرب من الخلاف في المتوضئ إذا بوضوئه إقامة صلاة واحدة دون غيرها ففي صحة الوضوء وجهان. ومنها: إذا نوى المتيمم رفع الحدث وقلنا على المذهب التيمم ففي صحة تيممه وجهان لأن نية الرفع تستلزم الإباحة وصحح طائفة الصحة. ولو تيمم بفريضة قبل وقتها قال أصحابنا لا يصح تيممه بناء على أن التيمم يبيح لا يرفع ويتخرج لنا وجه بصحة تيممه للنقل كما قلنا إذا أحرم فرض فبان قبل وقته أنه يصير نقلا على رواية. ومنها: لو أحرم بفرض ثم نقله تطوعا هل يبطل أم لا؟ قال القاضي في الجامع الكبير: تخرج المسألة على روايتين. إحداهما: يبطل وهو ظاهر كلام أحمد في رواية اسحق بن هانئ في الرجل قوم في الصلاة فإذا أراد أن يركع ينوي التطوع فقال إذا فرض صلاة لم يحولها إلى غيرها فقد منعه من الخروج منها فاقتضى ذلك بطلانها. والثانية: لا يبطل وأصل ذلك ما نص عليه أحمد في رواية الجماعة إذا ذكر أن عليه صلاة وهو في الصلاة والوقت واسع لها يتمها وتكون نافلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 ويقضي الفائتة ثم يصلى صلاة الوقت فلم يحكم ببطلانها من أصلها بل جعلها نافلة في حقه. وبيان تخريج هذه المسألة على القاعدة أن نية الفرض تشتمل على نية الصلاة من حيث الجملة وخصوص الفرض فإذا بطل خصوص الفرض بقى أصل نية الصلاة كما لو أحرم فظن أن الوقت قد دخل فبان لم يدخل كما تقدم. ومن نص الرواية الأولى هنا أجاب عن قياس هذه المسألة على المسألة التي قبلها لأنه إنما صح في الأولى لأنه أحرم بالفريضة قبل وقتها فانعقدت من أصلها نافذة فلهذا صح أن يتمها بتلك النية وههنا انعقدت فريضة فلم يصح أن يكملها نافذة. ومحل هذا الكلام إذا نقل الفرض إلى النفل لغير غرض صحيح أما إذا كان لغرض صحيح مثل أن يحرم منفردا فيريد الصلاة في جماعة فإن المذهب الصحيح أنه يصح لأنه إكمال في المعنى. قال صاحب المحرر وغيره كنقض المسجد للإصلاح ما شبه بما إذا أحرم بفرض في غير وقته هل ينقلب نفلا أم لا؟ مسائل في الصلاة فتعطى حكمها: منها: إذا قلنا لا تصح الفريضة في الكعبة فصلى الفرض فيها. ومنها: لو ائتم بصبي في الفرض وقلنا لا تصح إمامته في الفرض. ومنها: إذا كبر لإحرام الفريضة قاعدة أو راكعا وكان قادرا على القيام. وفي المسألة ثلاثة أوجه: أحدها تنعقد نفلا في الصورتين واختاره جماعة. والثاني: لا تنعقد فيهما. والثالث: تنعقد إذا كبر قاعدا ولا تنعقد إذا كبر راكعا لأن الصلاة لها حالتان إما قيام وإما قعود وليس لنا صلاة في حالة الركوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ومنها: إذا قلنا لا تصح صلاة الفذ فأحرم بفرض فذا ففي انعقاده نفلا وجهان. ومنها: حيث قلنا تبطل الجمعة بخروج الوقت أو نقصان العدد ونحو ذلك فهل تنقلب ظهرا أو يستأنفونها ظهرا لنا في ذلك وجهان. وعلى قولنا يستأنفون ظهرا فإنها تنقلب ظهرا ذكره صاحب التلخيص في المزحوم وذكره صاحب المغنى أيضا فيما إذا صلى الإمام قبل الزوال فأدرك المأموم معه أقل من ركعة وتتوجه التعدية إلى جميع الصور إذ لا فرق. وقد يخرج لنا قول إذا قلنا بالاستئناف أنها لا تنعقد نافلة أيضا بناء على قولنا بعدم الصحة إذا أحرم بالصلاة على صفة ولم يصح الإحرام على تلك الصفة. وعلى قولنا تنقلب ظهرا أبطلنا خصوص الجمعة إلى فرض آخر وهو الظهر ولم نبطله إلى العموم مطلقا وهي النافلة وهي درجة متوسطة والله أعلم. ومن مسائل إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم أم لا؟ إذا ظن رب المال أن عليه زكاة فأخرجها ثم بان أن لا شيء عليه لم يرجع بها على المسكين لوقوعها نفلا قال القاضي1: وذكره أبو البركات محل وفاق. قلت ويتخرج لنا قول بالرجوع من مسألة ما إذا عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم بان المعجل غير زكاة بأن هلك المال فإنه هل يرجع على الفقير أم لا حكى طائفة من الأصحاب وجهين وحكى القاضي أبو الحسين وغيره روايتين والمذهب عن القاضي أبي يعلى وأبي البركات وغيرهما عدم الرجوع وعلى عدم الرجوع فلا فرق بين أن يكون الدافع رب المال أو وليه   1 كذا في الأصل ولعل الصواب: [قاله القاضي] وذكره أبو البركات لأن أبا البركات تيمية متأخر عن القاضي أبي يعلى بن الفراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وسواء كان الدفع إلى الإمام أو إلى الفقير. هذا إذا قبضها الفقير أما إذا دفعها إلى الساعي ولم يدفعها الساعي إلى الفقير فإن المالك يرجع إلى الساعي بالاتفاق قاله أبو الوفاء ابن عقيل في الفصول وأبو البركات في منتهى الغاية. قال ابن تميم وقطع به بعض أصحابنا لأن قبض الساعي للفقراء إنما هو في الصدقة الواجبة فأما النافذة فلرب المال ويكون وكيله في إخراجها لأنه ليس له ولاية أخذها وقبضه للمعجلة موقوف بأن الوجوب قيده للفقراء وإلا قيده للمالك وعلى عدم الرجوع سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أم لا وسواء كان الدفع إلى الإمام أو الفقراء وسواء كان الدافع لها رب المال أو وليه هذا المذهب. وقال ابن حامد إن دفعها رب المال إلى الفقير رجع عليه إن أعلمه أنها زكاة معجلة وإن دفعها إلى الإمام أو دفعها وليه رجع مطلقا. قال ابن تميم ومن أخرج زكاة على وجه لا يجزئ أو بان الآخذ غنيا فالحكم في الرجوع كالمعجلة وذكره غيره أيضا. وذكر ابن تميم أيضا في موقع آخر ما ذكره غيره أنه يرجع على الغني بها أو بقيمتها إذا أعلمه أنها زكاة رواية واحدة. قلت وجزم غير واحد بالرجوع إذا دفع الزكاة على وجه لا تجزئ والله أعلم. ومنها: الإحرام بالحج قبل اشره مكروه نقله ابن منصور وقال القاضي: أراد كراهة التنزيه ويصح ونقل أبو طالب وسندي1 يلزمه الحج إلا أن يريد فسخه بعمرة فلذلك قال القاضي: بناء على أصله في فسخ الحج إلى العمرة. وعن أحمد رواية أخرى يبطل خصوص إحرامه بالحج ويبقى عموم   1 هو أبو بكر سندي الخواتيمي البغدادي كان ملازما للإمام أحمد وروى عنه عدة مسائل انظر طبقات الحنابلة "1/170 – 171". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الإحرام للعمرة واختارها الآجري وابن حامد ولعل هذه الرواية مبنية على الرواية التي ذكرها ابن شهاب العكبري1 أن الإحرام بالحج قبل أشهره لا يجوز. ومنها: لو أشار إلى حيوان معيب عيبا مانعا من الأضحية فقال جعلت هذا أضحية أو نذرا لتضحية به ابتداء فإن ذلك لا يكون أضحية ويكون شاة لحم منذورة إلغاء لخصوص الأضحية وبقاء لعموم النذر ذكره صاحب المغنى والتلخيص وغيرهما واقتضى كلامهم أنها شاة لحم منذورة فإنها تذبح أي وقت كان. وقد يقال أنه يختص ذبحها بيوم النحر وتجري مجرى الضحايا في المصرف لأنه أوجبها باسم الأضحية وقد بطل البعض لمعنى فيثبت باقي الأحكام فإنه لا محل لكلامه غيره. ومنها: إذا أحال المشتري البائع بثمن المبيع فلم يقبض حتى فسخ البيع بعيب أو خيار أو غيره بطلت الحوالة في أحد الوجهين. فلو تبين البائع الثمن فهل يقع عن المشتري أم لا؟ في المسألة احتمالات ذكرها صاحب التلخيص. ومنها: إذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمى لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه وهل يقبضه للآمر في المسألة وجهان. ومنها: إذا وكله في بيع فاسد أو شراء فاسد لم يصر وكيلا في صحيح هكذا جزم من وقفت على كلامه فإن أراد بهذا إذا قال بع أو اشتر وقت النداء أو بع السلاح لأهل الحرب أو في الفتنة ونحو ذلك من الصور فقد يقال يملك الصحيح ويلغو الفاسد وله نظائر في النظر والصلاة وإن أرادوا بيع الخمر وشراءه فلا والله أعلم. ومنها: إذا نذر صوم يوم العيد صح نذره ولزمه يوم آخر في الروايتين   1 هو الحسن بن شهاب [335 – 420هـ] ومن مصنفاته في هذا الباب "رسالة في أصول الفقه" مطبوع بيروت "1992" تح موفق بن عبد الله بن عبد القادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 كما لو قال لله على صوم بناء على بقاء العموم وإلغاء الخصوص ونصر هذه الرواية القاضي وأصحابه في كتب الخلاف. والرواية الثانية: عن الإمام أحمد لا يلزمه صوم إلغاء للعموم أيضا وعلى الروايتين هل يلزمه كفارة على روايتين. ونذر صوم أيام التشريق إن لم يجز صومها عن الفرض فهو كنذر صوم يوم العيد وإن جاز فهو كنذر سائر الأيام ذكره غير واحد وقال أبو البركات ويتخرج أن يكون كنذر العيد أيضا. ولو نذر صلاة في وقت نهى إن قلنا يفعل المنذورة وقت النهي انعقد نذره وفعلها فيه. وقال أبو العباس: لا يجوز هذا النذر ولم يذكرها بفعلها غير وقت نهي كنذر صوم يوم العيد أولا ولكن ذكر ابن عقيلل في الفصول أنه يفعلها غير وقت نهي كنذر صوم العيد. ومنها: لا يجوز للمريض الخائف من الصوم التلف الصوم ذكره في الانتصار وعيون الم والرعاية وغيرها فإذا نذره حال مرضه انعقد نذره موجبا للصوم إذا برأ ذكروه في كتب الخلاف محل وفاق. ومنها: إذا نذر صوم يوم الليل لا ينعقد نذره ذكره طائفة في كتب الخلاف محل وفاق وفرقوا بينه وبين العيد بأن الليل ليس من جنس الزمان القابل للصوم. ومنها: لو نذرت المرأة صوم يوم الحيض بمفرده أو نذر المكلف صوم يوم أكل فيه فإنه لا ينعقد نذره ذكره طائفة من الأصحاب في كتب الخلاف محل وفاق وفرقوا بينه وبين العيد أن الحيض والأكل منافيا للصوم لمعنى فيهما والعيد ليس منافيا للصوم لمعنى فيه وإنما المعنى في غيره وهو كونه في ضيافة الله تعالى. ومنها: لو نذر صوم نصف يوم لزمه يوم كامل ذكره أبو البركات قياس المذهب. ومنها: لو نذر الطواف على أربع لغا خصوص الطواف على الهيئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 المنهي عنها ولزمه الطواف على الوجه المشروع وهل هو طواف أو طوافان في المسألة روايتان المذهب أنه طوافان وفي الكفارة وجهان وذكر طائفة من الأصحاب أن نذر السعي على أربع مثله. وقياس المذهب في المسألة المذكورة لو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد نذره بحجتين أو عمرتين يفعل إحداهما بعد الأخرى ولكن الذي جزم به الأصحاب أنه ينعقد إحرامه بإحداهما. ومنها: لو نذر العبادة على وجه فهي عنه كنذره الصلاة عريانا أو في مكان منهي عنه والحج حافيا حاسرا والمرأة تحج حاسرة فقياس المذهب الوفاء بالطاعة على الوجه المشروع إلغاء لتلك الصفة ويخرج في الكفارة وجهان ولكن نقل المرودي عن الإمام أحمد فيمن نذر أن يقرأ عند قبر ابنه يكفر يمينه ولا يقرأ. ومنها: لو وقف على مسجد قنديل ذهب أو فضة لم يجز وبطل خصوص الوقف. وهل يبطل عموم الصدقة به على المسجد في المسألة قولان: أحدهما واختاره جماعة بطلان الوقف وبقاء الموقوف على ملك مالكه. والثاني: واختاره أبو محمد المقدسي أنه يزول ملك الواقف عنه ويكسر ويصرف في مصالح المسجد وعمارته. وذكر أبو العباس إذا وقف قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم يصرف لجيرانه صلى الله عليه وسلم قيمته. وقال في موضع آخر النذر للقبور هو للمصالح ما لم يعلم ربه وفي الكفارة خلاف وأن من الحسن صرفه في نظيره من المشروع. ومنها: لو أعتق عن كفارته عبدا لا يجزئ في الكفارة فإنه ينفذ أعتاقه ولا يجزئه عن الكفارة ذكره صاحب المغنى. ومنها: إذا نظر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه إتيانه حاجا أو معتمرا ذكره الأصحاب فإن نذر إتيانه لا حاجا ولا معتمرا لزمه إتيانه حاجا أو معتمرا ذكره القاضي أبو الحسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 القاعدة 64 المطلق ما يتأول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه نحو تحرير رقبة والمقيد ما يتأول معينا أو موصوفا بزائد على حقيقة جنسه نحو تحرير رقبة مؤمنة. إذا تقرر هذا فإن ورد مطلق ومقيد فإن اختلف حكمهما لم يحمل أحدهما على الآخر قاله أصحابنا القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب والمقدسي وغيرهم ولم يحكوا فيه خلافا وصرح بنفي الخلاف الآمدي وتبعه ابن الحاجب قالا إلا في صورة مثل إن ظاهرت فأعتق رقبة كافرة أو لا يعتقها فإنه يقيد المطلق بنفي الكفر لامتناع الجمع بينهما وإذا ثبت عدم الحمل فسواء اتفق السبب كالتقييد بالتتابع في الصيام في كفارة الظهار وإطلاق الإطعام فيها أو اختلف كتقييد الصيام بالتتابع في كفارة الظهار. ويشكل على اختلاف الحكم واتفاق السبب في عدم الحمل إحدى الروايتين عن أحمد وهي المشهورة المنصورة في المذهب أنه يحرم وطء المظاهر منها قبل التكفير بالإطعام واحتج القاضي في تعليقه لهذه الرواية بحمل المطلق على المقيد. وهذا مخالف لما قرروه من أن اختلاف الحكم مانع من الحمل وقياسا لواحد الإطعام على العتق والصوم وفي هذا القياس نظر لأن شرط القياس اتفاق الحكم. وادعى بعض المتأخرين من أصحابنا اتفاق الحكم هنا لأن أنواع الواجب لا فرق بينهما إلا في الأسماء وإن لم يختلف حكمهما فإن اتحد سببهما وكانا مثبتين نحو أعتق في الظهار رقبة ثم قال أعتق في الظهار رقبة مؤمنة حمل المطلق على المقيد عند الأئمة الأربعة وذكره أبو البركات إجماعا وقال الآمدي لا أعرف فيه خلافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 قلت لكن قيل للقاضي في التعليق في خبر ابن عمر رضي الله عنهما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بقطع الخف1 وأطلق في خبر ابن عباس رضي الله عنهما فيحمل عليه فقال إنما يحمل إذا لم يكن تأويله وتأولنا التقييد على الجواز قال وعلى أن المروذي قال احتججت على أبي عبد الله بخبر ابن عمر هذا وقلت فيه زيادة فقال هذا حديث وذاك حديث وظاهر هذا أنه لم يحمل المطلق على المقيد. وأجاب القاضي أبو الخطاب في الانتصار لا يحمل المطلق على المقيد نص عليه أحمد في رواية المروذي قال: وإن سلمنا على رواية فإذا لم يمكن التأويل. وقيل لأبي الخطاب في الانتصار أيضا في التخالف لاختلاف المتبايعين المراد في التخالف والسلعة قائمة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"والسلعة قائمة"؟ فقال لا يحمل المطلق على المقيد على وجه لنا. قال أبو البركات إن كان المقيد آحادا والمطلق متواترا فينبني على مسألة الزيادة هل هي نسخ وعلى نسخ المتواتر بالآحاد والمنع قول الحنفية. قلت والأشهر بين الأصوليين أن المقيد بيان لأن المراد من المطلق كان هو المقيد لا نسخا له وسواء تقدم المطلق على المقيد أو تأخر عنه. وذهب قوم إلى أنه لو تأخر المقيد على المطلق كان نسخا له وإن تقدم عليه كان بيانا. قال أبو البركات وجميع ما ذكرناه في المقيد نطقا فأما إن كانت دلالة المقيد من حيث المفهوم دون اللفظ فكذلك أيضا على أصلنا وأصل من يرى دليل الخطاب وتقديم خاصه على العموم فأما من لا يرى دليل الخطاب أو لا يخصص العموم به فيعمل بمقتضى الإطلاق فتدبر ما ذكرناه فإنه يغلط فيه كثير   1 انظر البغاوي كتاب الحج رقم: "1542" مسلم كتاب الحج رقم: "1177". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 من الناس وقد حرره أبو الخطاب تحريرا جيدا بنحو ما ذكرنا إلا أن ما ذكرنا أتم. واختار القاضي في صور الأمر التقييد بالمفهوم دون النهي كما سيأتي. وإن اتحد سببهما أيضا وكانا نهيين نحو لا تعتق مكاتبا ولا تعتق كافرا أو لا تكفر بعتق لا يعتق مكاتبا كافرا فالقيد دل بالمفهوم قال أبو الخطاب فمن لا يراه حجه قال صاحب المحرر أولا يخص العموم به فإنه يعمل بمقتضى الإطلاق ومن يراه حجة ويخص العموم به فإنه يعمل بالمقيد. واختار القاضي في الكفاية يعمل بالمطلق لأنه لا يخص الشيء بذكر بعض ما دخل تحته. وذكر الآمدي في الأحكام أنه لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما إذ لا يعذر فيه هذا لفظه. ومعناه أنه يلزم من نفي المطلق نفي المقيد فيمكن العمل بهما فلا يعتق في مثالنا رقبة لا مؤمنة ولا كافرة بناء على أن ذكر بعض أفراد العموم لا يكون مخصصا وصرح بذلك أبو الحسين البصري في المعتمد وحينئذ فلا فرق بين هذا القول وبين قول من قال يعمل بالمطلق كما هو قول القاضي. وأما قول أبى الحسين البصري إن ذكر بعض أفراد العموم لا يكون مخصصا ففيه نظر لأنه إذا كان ذلك الفرد له مفهوم معتبر فهي مسألة تخصيص العموم بالمفهوم والمذهب عندنا تخصيص العموم بالمفهوم كما إذا كان المطلق والمقيد إثباتا وكان المقيد مفهوما فإنه يفيد المطلق وقد وافق عليه القاضي. تنبيه: ذكر غير واحد من الأصوليين أنه إذا اتحد الحكم والسبب وكانا نهيين من صور المطلق والمقيد فالذي يظهر أن ذلك ليس هو من صور المطلق والمقيد بل هو من صور العام والخاص لأنه نكرة في سياق نفي والنكرة في سياق النفي عامة لا مطلقة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ثم وجدت القرافي قد أشار إلى نحو ما ذكرناه. وإن اتحدا حكما واختلفا سببا كالرقبة المؤمنة في القتل والرقبة المطلقة في الظهار ذكر القاضي أبو يعلى في ذلك روايتين. إحداهما: يحمل المطلق على المقيد من طريق اللغة وقاله بعض الشافعية. والثانية: لا يحمل وبها قالت الحنفية وأكثر الشافعية واختارها أبو إسحاق بن شاقلا وأبو الخطاب وأبو البركات والحلوانى وحكى ابن نصر المالكي1 في الملخص أن مذهبهم لا يحمل عليه لغة أيضا. فأما حمل المطلق على المقيد بعلة جامعة بينهما فجائز عندنا وعند الشافعية والمالكية وذكر أبو الخطاب فيه الرواية الأخرى التي قبلها قال أبو البركات وليس في كلام أحمد دليل عليها نعم هي تتخرج على تخصيص العموم بالقياس. ولنا رواية بمنعه لأن المطلق هنا كالعام وقال الماوردى من الشافعية عندي أنه يعتبر أغلظ الحكمين فإن كان حكم المطلق أغلظ حمل على إطلاقه ولم يقيد إلا بدليل وإن كان العكس فالعكس لئلا يؤدى إلى إسقاط ما تيقنا وجوبه بالاحتمال. تنبيه: حمل المطلق على المقيد بالنسبة إلى الوصف فكما تقدم من وصف الرقبة بالإيمان في القتل وأما بالنسبة إلى الأصل أي المحذوف بالكلية فكالإطعام المذكور في كفارة الظهار دون كفارة القتل. فظاهر كلام أصحابنا يحمل المطلق على المقيد في الأصل كما حمل عليه في الوصف لأنهم حكوا في كفارة القتل في وجوب الإطعام روايتين الوجوب إلحاقا لكفارة القتل بكفارة الظهار كما حكوا روايتين في اشتراط وصف الإيمان   1 هو: القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 في كفارة الظهار والاشتراط وإلحاقا لكفارة الظهار بكفارة القتل. فدل هذا من كلامهم على أنه لا فرق في الحمل بين الأصل والوصف فممن قال بأن لا فرق في الحمل بين الأصل والوصف ابن خيران من الشافعية ولكن قال الرويانى من الشافعية في البحر المراد بحمل المطلق على المقيد إنما هو المطلق بالنسبة إلى الوصف دون الأصل. فائدة: معنا نصان مقيدان في جنس واجب والسبب مختلف وهناك نص ثالث مطلق من الجنس فلا خلاف أنه لا يلحق بواحد منهما لغة. وأما إلحاقه بأحدهما قياسا إذا وجدت علة تقتضى الإلحاق فإنه على الخلاف المذكور في حمل المطلق على المقيد من جهة القياس أشار إلى ذلك أبو البركات. وذكر القرافي المسألة في شرح التنقيح وقال حمل على الأقيس عند الإمام ويبقى على إطلاقه عند الحنفية ومتقدمي الشافعية قال وما أظن بين الفريقين خلافا لأن القياس إذا وجد قال به الحنفية والشافعية فيحمل قولهم: يبقى على إطلاقه على ما إذا لو يوجد قياس أو استوى القياسان. وفيما قاله القرافي نظر فإن الحنفية إنما قالوا يبقى المطلق على إطلاقه ولا يحمل على القياس لأن في القياس زيادة على النص وهو نسخ والنسخ لا يجوز بالقياس والله أعلم. مثال المقيدين والمتضادين والمطلق وجنس الجميع واحد قضاء رمضان ورد مطلقا وصرح في صوم الظهار بالتتابع وفي المتعة بالتفريق. وأما إذا أطلقت الصورة الواحدة ثم قيدت تلك الصورة بعينها بقيدين متنافيين كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" 1 فإنه قد ورد في رواية إحداهن بالتراب رواها الدارقطنى ولم يضعفها وذكر النووي   1 البخاري كتاب الوضوء رقم: "172" مسلم كتاب الطهارة رقم: "279". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 في المسائل المنثورة1 أنه حديث ثابت ولكن ذكر في الخلاصة2 [أن] رواية إحداهن لم تثبت وفي رواية أولاهن بالتراب رواها مسلم وفي الأخرى السابعة بالتراب رواها أبو داود وهو معنى ما رواه مسلم وعفروه الثامنة بالتراب قيل إنما سميت ثامنة لأجل استعمال التراب معها. فلما كان القيدان متنافيان تساقطا ورجعتا إلى الإطلاق في إحداهن ففي أى غسلة جعله جاز إذا أتى عليه من الماء ما يزيله ليحصل المقصود منه لكن اختلف في الأولية فقيل الأولى جعله في الأولى اختاره صاحب المغنى وهو رواية عن الإمام أحمد. وقيل الأولى جعله في الأخيرة وحكاه في الرعاية رواية وعنه في الآخرة أن غسله ثمانيا ولا مدخل للقياس هنا. والصواب في مثل هذا سقوط التقييد بالنسبة إلى تعيين الأولى والسابعة لأنهما لما تعارضتا ولم يكن أحد القيدين أولى من الآخر تساقطا وبقى التخيير فيما حصل فيه التعارض لا في غيره وحينئذ فلا يوجد التعفير فيما عداهما لاتفاق القيدين على نفيه. ويدل على ما قلناه ما رواه الدارقطنى بإسناد صحيح أولاهن أو أخراهن أعنى بصيغة أو وقد نص الشافعي على ما ذكرناه من تعيين الأولى والأخرى فقال في البويطي ما نصه قال الشافعي وإذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبعا أولاهن أو أخراهن بالتراب ولا يظهر غير ذلك وكذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لفظه بحروفه وقال الشافعي في الأم أيضا نحو هذا وقاله من أئمة الشافعية الزبيري3 في الكافي وصاحب ترتيب الأقسام وابن جابر كما نقله عن الدارمي.   1 والأصح: "المنثورات وعيون المسائل المهمات" انظر كشف الظنون "6/520". 2 وتمامه: "خلاصة الأحكام في مهمات السنن والأحكام" انظر كشف الظنون "6/520". 3 هو الفقيه الأديب النسابة أبو عبد الله أحمد بن سليمان البصري الزبيري المتوفى قبل سنة "317هـ" من تصانيفه: "الكافي" في فروع الشافعية و"التنبيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فائدة: قال طائفة من محققى أصحابنا وغيرهم إن المطلق من الأسماء يتناول الكامل من المستثنيات في الإثبات لا النفي والله أعلم. فائدة: إذا قلنا يحمل المطلق على المقيد فإنما محله إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فإن استلزمه حمل على إطلاقه قاله طائفة من محققي أصحابنا. مثال ذلك إطلاق النبى صلى الله عليه وسلم لبس الخفين بعرفات وكان معه الخلق العظيم من أهل مكة والبوادي واليمن لم يشهدوا خطبته بالمدينة فإنه لا يقيد بما قاله في المدينة وهو قطع الخفين. ونظير هذا في حمل اللفظ على إطلاقه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته عن دم الحيض "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء" 1 ولم يشترط عددا مع أنه وقت حاجة فلو كان العدد شرطا لبينه ولم يحلها على ولوغ الكلب فإنها ربما لم تسمعه ولعله لم يكن شرع الأمر بغسل ولوغه والله أعلم.   1 النسائي كتاب الطهارة رقم: "206" والسؤال فيه منسوب إلى امرأة مجهولة لا إلى عائشة ورواه أيضا أبو داود كتاب الطهارة رقم: "362" والترمذي أبواب الطهارة رقم: "138". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 القاعدة 65 المفهوم على قسمين مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة. فأما مفهوم الموافقة فهو أن يكون المسكوت عنه موافقا في الحكم للمنطوق وأولى منه. مثال ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7} وكفاية ما دون القنطار من قوله: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] وهذا تنبيه بالأعلى على الأدنى وما قبله بالأدنى على الأعلى وهو حجة ذكره بعضهم إجماعا لتبادر فهم العقلاء إليه واختلف النقل عن داود1. واختلف في دلالته فقال القاضي والحنفية والمالكية وبعض الشافعية وجماعة من المتكلمين والظاهرية واختاره ابن عقيل وذكره عن أصحابنا وقال بعض أصحابنا ونص عليه أحمد في مواضع دلالته لفظية. وقال ابن أبى موسى وأبو الحسين الجزري وأبو الخطاب والحلواني وغيرهم من أصحابنا والشافعي وأكثر أصحابه هو قياس جلي. وأما مفهوم المخالفة فهو على أقسام: منها: مفهوم الصفة وهو أن يقترن بعام صفة حاضرا كقوله صلى الله عليه وسلم: "في الغنم في سائمتها الزكاة" قال به أحمد ومالك والشافعي وأكثر أصحابهم وذكره في الروضة عن أكثر المتكلمين ثم مفهوم عند الجميع لا زكاة في   1 أي داود الظاهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 معلوفة الغنم لتعلق الحكم بالسوم والغنم فيها العلة. ولنا وجه اختاره ابن عقيل وقاله بعض الشافعية وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد لا زكاة في معلوفة كل حيوان أعنى من الأزواج الثمانية بناء على أن السوم العلة. وهل يعتبر البحث عما يعارضه قال في التمهيد وغيره هو كالعموم وزعم الآمدي أنه لا يعتبر عند من قال به. ولم يقل بمفهوم الصفة أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من المالكية وابن داود وابن سريج والقفال وابن الباقلانى وأبو المعالي الجوينى والغزالي والشاشى1 وأكثر المعتزلة والإمام فخر الدين في المحصول والمنتخب وأبو الحسن التميمي من أصحابنا والآمدي وقال في الانتصار في مسألة الولي هو إحدى الروايتين عن أحمد وذكره في التمهيد عن أكثر المتكلمين. واختلف النقل عن الأشعري وأثبته أبو عبد الله البصري2 إن كان للبيان كالسائمة أو للتعليم كتحالف المتبايعين إذا اختلفا أو دخل ما عدا الصفة فحقها كالحكم بالشاهدين يدخل فيهما الشاهد الواحد. وإذا قلنا بأن مفهوم الصفة حجة قال أبو الفرج المقدسي من أصحابنا ثبت بالعقل وأنه إجماع أهل اللغة. وقال أبو الخطاب في التمهيد ثبت ذلك باستقراء كلامهم ومعرفة مرادهم وفهمته الصحابة وهم أهل اللسان. وذكر الرويانى من الشافعية في كتاب القضاء من البحر إذا قلنا مفهوم الصفة حجة فهل دلت اللغة عليه أم أستفدناه من صاحب الشرع؟ على وجهين.   1 هو: أبو محمد بن الحسين بن عمر الشاشي الشافعي [429 – 507هـ] من مصنفاته "حلية العلماء في مذاهب الفقهاء" المعروف بـ "المستظهري" و"الشافي في شرح الشامل" وهو كتاب ضخم شرح فيه "مختصر المزني". 2 في الأصل: النصري والصواب ما أثبتناه وهو المتكلم الأصولي: أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري [ت 370هـ] صاحب أبي الحسن الأشعري وشيخ أبي بكر الباقلاني من تصانيفه "هداية المستبصر ومعونة المستنصر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وقال الإمام فخر الدين في المعالم: يدل عرفا لا لغة وقد تقدم عنه في المحصول والمنتخب أنه قال فيهما لا يدل مطلقا. ومفهوم الصفة له صورتان: أحداهما: أن يقترن بعام صفة خاصة أو يقسم اللفظ إلى قسمين ويذكر صفة مع كل قسم من القسمين نحو "الثيب أحق بنفسها والبكر تستأذن" 1. والثانية: أن تفرد الصفة بالذكر كقوله: "الثيب أحق بنفسها من وليها" 2 وهذه الصورة دون التي قبلها في القوة. والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن ذكر الثيب يظهر معه أنه ذاكر للبكر ويحتمل الغفلة عن الذكر فصار المفهوم ظاهرا وعند ذكر الوصف الخاص مع العام انقطع احتمال عدم الحضور فصار المفهوم هنا أظهر أشار إلى ذلك أبو محمد المقدسي. وظاهر كلام جماعة من أصحابنا وغيرهم التسوية قال أبو المعالي الجوينى بمفهوم الصفة مع مناسبة الصفة للحكم وإلا فليس بحجة وذكره بعض أصحابنا ظاهر اختيار القاضي في موضع من كلامه. ومنها: مفهوم الشرط نحو {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] وهو أقوى من الصفة فلهذا قال به جماعة ممن لم يقل بمفهوم الشرط منهم ابن سريج وغيره من الشافعية والكرخى وغيره من الحنفية والإمام فخر الدين. ويتفرع على مفهوم الصفة والشرط فروع كثيرة في الوقف والوصايا والتعاليق والنذور والأيمان. منها: مفهوم الغاية نحو قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أقوى من الشرط فلهذا قال به جماعة ممن لم يقل بمفهوم الشرط كقوم من الحنفية وغيرهم وبالغ ابن عقيل حتى قال: لا   1 مسلم كتاب النكاح رقم: "1421" أبو داود كتاب النكاح رقم: "2098 و 2099". 2 المصدر نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 يحسن التصريح بأن ما بعدها كما قبلها كقوله: اصبر حتى تتوب وبعد التوبة وهو خلاف ما في التمهيد في مفهوم الغاية والشرط ونقض بهما في الصفة. وقال الآمدي: لا مانع منه إجماعا وحكى بعضهم قولان أن ما بعدها مخالف لما قبلها نطقا والله أعلم. ومنها: مفهوم العد الخاص كثمانين جلدة قال به أحمد وأكثر أصحابه ومالك وداود وبعض الشافعية وذكره أبو المعالي عن الشافعي واختار أنه من قسم الصفات وكذا قال أبو الطيب وغيره لأن قدر الشيء صفته. ونفاه الحنفية والمعتزلة والأشعرية وأكثر الشافعية وابن داود والقاضي أبو يعلى في جزء صنفه في المفهوم وذكره أبو الخطاب عن أبى إسحاق من أصحابنا في مسألة الزيادة على النص هل هو نسخ أم لا؟ ومنها: مفهوم اللقب وهو تخصيص اسم بحكم وهو حجة عند أكثر أصحابنا وذكروه عن أحمد وقال به مالك وداود واختاره أبو بكر الدقاق وغيره من الشافعية ذكره أبو المعالي1 والصيرفي2 وابن خويز منداد. ونفاه أكثر العلماء والقاضي في الجزء الذي صنفه في المفهوم وابن عقيل في تقسيم الأدلة وأبو محمد المقدسي قال أبو مجمد المقدسي ولو كان مشتقا كالطعام. وقيده بعضهم بغير المشتق قال أبو البركات فيصير في المشتق اللازم كالطعام هل هو من الصفة أو اللقب وجهان. واختار أبو البركات وغيره من أصحابنا تفصيلا وأشار إليه أبو الطيب في موضع أنه حجة بعد سابقة ما يعم له ولغيره كقوله صلى الله عليه وسلم: "وترابها طهورا" 3 بعد قوله: "جعلت لي الأرض مسجدا" وكذلك على هذا لو قال عليكم في الإبل   1 المقصود هو إمام الحرمين الجويني. 2 هو: أبو بكر الصيرفي وقد سبق التعريف به. 3 أحمد المسند رقم: "2741, 9685, 21425". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الزكاة لم يكن له مفهوم لأنه لا يوجب تخصيص عام قد ذكر ويمكن أن غيرها لم تخطر بباله. ولو قيل يا رسول الله هل في بهيمة الأنعام الزكاة فقال في الإبل الزكاة لكن له مفهوم لما ذكرنا وكذلك لو قيل له نبيع الطعام بالطعام متفاضلا فقال لا تبيعوا البر بالبر متفاضلا. قال أبو البركات وأكثر مفهومات اللقب التى جاءت عن أحمد لا يخرج عما ذكرته لمن تدبرها وجعل بعض أصحابنا مفهوم اللقب حجة في اسم جنس لا اسم عين والله أعلم. فائدة: وإذا ثبت القول بمفهوم المخالفة فله شروط. أحدها أن لا يظهر في المسكوت عنه أولوية ولا مساواة فإن ظهر أولوية أو مساواة كان المسكوت عنه موافقا للمنطوق. ومنها: أن لا يكون خرج مخرج الغالب نص عليه الشافعي وهو مذهبنا ذكره الفخر إسماعيل في طريقته ما ذكره الآمدي اتفاقا. وكان ابن عبد السلام من الشافعية يورد على هذا سؤالا فيقول: الوصف الغالب أولى أن يكون حجة مما ليس بغالب وما انعقد عليه الإجماع يقتضى الحال فيه العكس بسبب أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب وكانت العادة شاهدة بثبوت ذلك الوصف لتلك الحقيقة يكون المتكلم مستغنيا عن ذكره للسامع بسبب أن العادة كافية في إفهام السامع ذلك فلو اخبره بثبوت ذلك الوصف لكن تحصيلا للحاصل. أما إذا لم يكن غالبا فإنه لا دليل على ثبوته لتلك الحقيقة من جهة العادة قبيحة أن المتكلم يخبر به لعدم دليل يدل على ثبوته لتلك الحقيقة فهو حينئذ مقيد له فائدة جديدة وغير مفيد له في الوصف الغالب الذي دلت عليه العادة وإذا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 في الغالب غير مفيد بإخباره عن ثبوته للحقيقة فتعين أنه إنما نطق به لقصد آخر غير الإخبار عن ثبوته للحقيقة وهو سلب الحكم عن المسكوت عنه وهذا الغرض لا يتعين إذا لم يكن غالبا لأنه غرضه حينئذ فيكون الإخبار عن ثبوته للحقيقة لا سلب الحكم عن المسكوت عنه فظهر أن الوصف الغالب على الحقيقة أولى أن يكون حجة والله أعلم. قلت واختار أبو المعالي الجوينى أن المفهوم إذا قيل به فإنه يكون حجة ولو خرج مخرج الغالب. وقال أبو البركات ولكن يظهر أن ذلك من مسالك التأويل فيخف على المتأول ما يبديه من الدليل العاضد. وعلى القول الأول بأنه ليس بحجة إذا خرج مخرج الغالب فهل يكون عاما في المسكوت عنه والمنطوق أم لا كلام الأكثرين من أصحابنا يدل على لداود على اختصاص تحريم الربيبة بأنهما في الحجر بالآية وأجابوا لا حجة فيها لخروجها على الغالب. فقال هو خاص بالسلم وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله. واحتج في الانتصار على نشر الحرمة بلبن الميتة بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] فقيل له الآية حجة لنا لاقتضائها تعلق التحريم بفعلها للإرضاع فقال علته لأنه الغالب كالربيبه ولهذا لو حلب منها ثم سقى نشر. وقال أبو الفتح بن المنى من أصحابنا هو عام فإنه أجاب من احتج لصحة نكاح المرأة بلا إذن بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل" 1 فإن المفهوم ليس بحجة على أصلنا. قلت وهذا فيه نظر فإنه قد تقدم أن المفهوم عندنا حجة على الصحيح   1 رواه أحمد عن عائشة بلفظ "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" المسند رقم: "24366 و 25313" ورواه أبو داود كتاب النكاح رقم: "2983" والترمذي كتاب النكاح رقم: "1102". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 والله أعلم. قال أبو الفتح ثم هذا خرج مخرج الغالب فيعم ويصير كقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] لما خرج مخرج الغالب عم والله أعلم. ومنها: أن لا يخرج جوابا لسؤال ذكره أبو البركات في شرح الهداية في صلاة التطوع اتفاقا. قلت وذكر القاضي أبو يعلى في ذلك احتمالين في الجزء الذي صنفه في مسألة المفهوم. قال أبو العباس فإن تقدم ما يقتضى التخصيص من سؤال أو حاجة إلى بيانه مثل قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله قد أعطى كل ذا حق حقه فلا وصية لوارث" 1 فهذا لا مفهوم له قال وسلك القاضي وغيره من المالكية والشافعية على جواز الوصية للقائل بها بناء على أنها تصح لغير الوارث وهذا دلالة ضعيفة جدا. ومنها: أن تكون الصفة التي علق الحكم بها قصد بها تعليق الحكم بها فإنه علق بصفة غير مقصودة مثل قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] فلا دليل له لأن الصفة لم تقصد لتعلق الحكم بها وإنما قصد بها رفع الجناح عمن طلق قبل المسيس وإيجاب المتعة على وجه التبع فصار كأنه مذكور ابتداء من غير تعليق على صفة ذكر ذلك القاضي أبو يعلى. وهذا الكلام في المفهوم إذا كان في الأمر أو النهي فإن كان في الخبر مثل أن يقول: زيد الطويل في الدار فسلم القاضي في الكفاية أنه لا يدل على القصر نفي ولا إثبات وقد قال قبل هذا إن تعليق هذا الوجوب والأخبار بالألقاب يقتضى رفع النفي.   1 ابن ماجه كتاب الوصايا رقم: "2713" الترمذي كتاب الوصايا رقم: "2120, 2121" أبو داود كتاب الوصايا رقم: "2870". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 فائدة: قال بعض أصحابنا إن العام إذا خص بعض أفراده فهل يخص العموم بمفهوم تخصيص الحكم بهذا الفرد اختلف أصحابنا في ذلك الأكثرون أنه لا تخصيص ويكون تخصيص الفرد لتأكيد الحكم فيه ونحوه. قال أبو البركات وهذا النقل ليس بسديد وهو يناقض قول الأصحاب إن المفهوم يخص العموم. قلت وأبو الخطاب ممن اختار أن العام إذا خص بعض أفراده لا يكون مفهوم ذلك الفرد مخصصا وحكى عن أبى ثور1 هو من القائلين بمفهوم اللقب فلذلك قال بالتخصيص في مثل قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: "دباغها طهورها" 2 وجعله مخصصا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" 3. وأما إذا قلنا: بأن المفهوم غير معتبر فلا يكون بعض أفراد العموم مخصصا بلا نزاع. وقد احتج أبو الخطاب لأبى ثور أنه يكون مخصصا بأن تعليقه بالظاهر يدل على أن ما عداه بخلافه. وأجاب عنه بأن دليل الخطاب ليس بحجة في أحد الوجهين. وإن قلنا هو حجة فصريح العموم أولى به. قال أبو العباس فهذه المسألة إن حملت على عمومها ناقض قوله: إن دليل الخطاب يخص العموم. وإن حملت على ما إذا ذكر بعض المثبت بالاسم اللقب   1 هو الفقيه الحجة المجتهد أبو عبد الله إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي المعروف بأبي ثور [170 – 240هـ] . 2 مسلم كتاب الحيض رقم: "363 – 365" أحمد المسند رقم: "2521". 3 الترمذي كتاب اللباس رقم: "وأحمد المسند رقم: "1894, 2434, 3197". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 لم يتناقض ويكون خاصا بأن الاسم اللقب وإن قلنا له مفهوم عند الإطلاق فإنه لا يخص العموم لقوة دلالة العموم ولهذا ذكر الخلاف مع أنى ثور وحده. فعلى هذا يكون في المسألة ثلاثة أوجه قال أبو البركات ويجب أن يخرج في تقديم القياس على المفهوم وجهان كما في تخصيص العموم بالقياس بل أولى لأنهم قدموا المفهوم على العموم فلأن يقدموه على القياس الذي هو دون المفهوم على أحد الوجهين أولى وقد صرح القاضي بأن تقدم. فائدة: قال طائفة من محققي أصحابنا تخصيص العموم بالمفهوم إنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد وفي حكم واحد ككلام الله ورسوله لا في كلام واحد متصل ولا متكلمين بل يجب اتحاد مقصودهما كبينة شهدت أن جميع الدار لزيد وأخرى شهدت أن الموضع الفلاني منها لعمرو فإنهما يتعارضان في ذلك الموضع قال وغلط بعض الناس فجمع بينهما لأنه من باب العام والخاص كما غلط بعضهم في كلام متكلم متصل والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 القاعدة 66 إجماع الخلفاء الأربعة مع مخالفة مجتهد صحابي لهم على حكم ليس بإجماع ولا حجة عند أحمد وأكثر الفقهاء. وعن أحمد رحمه الله تعالى رواية أخرى أنه إجماع وبها قال أبو حازم1 الحنفي واختارها ابن البنا2 من أصحابنا. وعن أحمد رواية ثالثة أنه حجة لا إجماع. وقول بعضهم: أحدهم ليس بحجة فيجوز لبعضهم خلافه رواية واحدة عند أبى الخطاب وذكر ابن عقيل والقاضي رواية لا يجوز واختارها أبو حفص البرمكى3 وغيره من أصحابنا وذكر الآمدي أن بعض الناس قال قول أبى بكر وعمر إجماع ذكره بعض أصحابنا عن أحمد. فأما ما عقده بعضهم كصلح بني تغلب وخراج وجزية فلنا خلاف في جواز نقضه واختار ابن عقيل يجوز قال ومنعه أصحابنا. وأما الصحابي غيرهم إذا قال قولا وانتشر ولم ينكر قبل استقرار المذهب فإجماع عند أحمد وأصحابه زاد ابن عقيل إنحائه المعلم منع وتسليم وأشار بعض أصحابنا إلى خلاف عندنا وهي مسألة الإجماع السكوتي فيها   1 كذا في الأصل والصواب أبو خازم وهو الفقيه الحنفي: قاضي عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني البصري ثم البغدادي [ت 292هـ] من مصنفاته "أدب القاضي" و"المحاضر والسجلات". 2 هو أبو علي الحسن بن البنا [396 – 471هـ] . 3 هو المحدث والفقيه الحنبلي: أبو حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البرمكي [ت 387هـ] من تصانيفه "المجموع" و"شرح مسائل الموسج". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 خلاف كبير مشهور وإن لم ينتشر فعن أحمد رحمه الله تعالى في ذلك روايتان. إحداهما أنه حجة مقدمة على القياس اختاره أبو بكر والقاضي وابن شهاب وصاحب الروضة وغيرهم وقاله مالك وإسحاق والشافعي في القديم وفي الجديد أيضا فإنه قد صرح في رواية الربيع بأن قول الصحابي حجة يجب المصير إليه فقال المحدثات في الأمور ضربان. أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهذه البدعة الضلالة والربيع إنما أخذ عنه بمصر فجعل الشافعي مخالفه الأثر الذي ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ضلالة وهذا فوق كونه حجة وقاله الحنفية عن الكرخى ونقله أبو يوسف وغيره عن أبى حنيفة. والثانية: ليس بحجة ويقدم القياس عليه اختاره ابن عقيل وأبو الخطاب والفخر إسماعيل وقاله الشافعي في الجديد وأكثر أصحابه والكرخى وعامة المعتزلة والأشعرية والآمدي وذكره ابن برهان عن أبى حنيفة نفسه. والأول: هو المعروف عن أبى حنيفة. ولكن إذا قلنا بأنه حجة فمحله على غير صحابي أما الصحابي فليس كل مذهب صحابي حجة على صحابي آخر إجماعا نقله الآمدي وابن عقيل وزاد ولو كان أعلم أو إماما أو حاكما. وقد تقدم أن قول الخلفاء الراشدين هل هو إجماع أو حجة على غيرهم أم لا فيكون المراد في الإجماع أن قول صحابي لا يكون حجة على صحابي آخر فيما عدا الخلفاء الراشدين. وأما إذا قال الصحابي قولا يخالف القياس فإنه يجب العمل به ويجعل في حكم التوقيف المرفوع بحيث يعمل به وإن خالفه قول صحابي آخر نص عليه أحمد في مواضع وقاله القاضي وصاحب المغنى والحنفية ونص عليه الشافعي في اختلاف الحديث1 فقال روى عن على رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات وقال لو ثبت ذلك عن علي   1 كتاب "اختلاف الحديث" مطبوع بتحقيق حسن عباس زكي القاهرة "1968". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 لقلت به فإنه لا مجال للقياس فيه فالظاهر أنه فعله توقيفا في الكلام على كيفية ألفاظ الصحابي وجزم به ابن الصباغ1 في كتاب الإيمان من كتابه المسمى بالكامل أعنى بالكاف لا بالشين وهو كتاب في الخلاف بين الشافعية والحنفية. وقال أكثر الشافعية وأبو الخطاب وابن عقيل من أصحابنا لا يحمل على التوقيف بل حكمه حكم مجتهداته. وإذا قلنا قول الصحابي حجة فهل يخص به العموم أم لا في ذلك مذهبان. أحدهما وهو المنصوص عن أحمد أنه يخص وقاله جمهور أصحابنا. والثاني: وقاله بعض الشافعية لا يخص مطلقا. وقال أبو العباس إن كان الصحابي سمع العام وخالفه قوى تخصيص العموم بقوله: قال أما إذا لم يسمع فقد يقال هو لو سمع العموم لترك مذهبه يجوز أن يكون مستنده استصحابا ودليل العام أقوى منه وقد يقال لو سمعه لما ترك مذهبه لأن عنده دليلا خاصا مقدما عليه. وترجم بعض أصحابنا وابن برهان وبعض الحنفية المسألة هل يخص العموم بمذهب الراوي أم لا؟ وأما إن قلنا قوله: ليس بحجة لو كانت المسألة خلافا في الصحابة لم يخص به العموم بل يكون حجة عليه. قال أبو البركات ويتخرج أن يرجع إلى قوله: إذا كان هو راوي الخبر ويجعل ذلك تفسيرا وبيانا على إحدى الروايتين فيما إذا روى لفظا وعمل بخلاف صريحه أو ظاهره اللهم إلا أن يقال بأن هذه الرواية لا تتجه إلا على مذهب من   1 هو العلامة الفقيه الشافعي أبو نصر عبد السيد بن محمد بن أحمد بن جعفر البغدادي المعروف بـ "ابن الصباغ" [400 – 477] من مصنفاته: "الشامل" في الفروع و"الكامل" في الخلاف وهو الذي يشير إليه المصنف و"تذكرة العالم والطريق السالم" في الفروع أيضا كما أن له "لعدة" في أصول الفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 يجعل قوله حجة فيبطل التخريج. قال أبو البركات واعلم أنه قد يتضح من كلام القاضي واختياره أن قول الصحابي يترك به ظاهر العموم فيخص به إذا قلنا هو حجة وإذا خالف مقتضى اللفظ الظاهر غير العام عمل بالظاهر دون قوله وما ذاك إلا لضعف ظهور العموم. إذا تقرر هذا فالتتابع بين جماعة من الأصوليين على أن مذهب الشافعي في الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة. وهذا فيه نظر ظاهر جدا فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة وغاية ما تعلق به هؤلاء من نقل ذلك أن الشافعي يحكى أقوالا للصحابة في الجديد ثم يخالفها وهذا تعلق ضعيف جدا فإن مخالفة المجتهد للدليل المعين لما هو أقوى منه في نظره لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة بل خالف دليلا لدليل أرجح عنده منه. وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقا لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الأقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر وهذا أيضا تعلق أضعف من الذي قبله فإن تضافر الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديما وحديثا ولا يدل ذكرهم دليلا ثانيا وثالثا على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل. وأيضا فقد تقدم نص الشافعي رحمه الله أن قول الصحابي إذا خالف القياس أنه حجة وجزم به طائفة من محققي أصحابنا. وأيضا فقد نص الشافعي رحمه الله في مواضع من الأم على أن قول الصحابي حجة وقدمه على القياس في بعضها. فمن ذلك في كتاب الحكم في قتال المشركين فقال ما نصه وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبى بكر رضي الله عنه ثم قال وإنما قلنا هذا إتباعا لا قياسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ومنه في كتاب اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى في باب الغصب فقال إن عثمان رضي الله عنه قضى فيما إذا شرط البراءة من العيوب في الحيوان برأيه قال وهو الذي نذهب إليه وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا هذا لفظه ثم صرح بأن الأصح في القياس عدم البراءة. ومنه في الكتاب المذكور أيضا ما نصه وإذا أصاب الرجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة إتباعا لعموم رأى عثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم. ومنه في عتق أمهات الأولاد وهو مذكور بعد باب جماع تفريق أهل السهمان ما نصه ولا يجوز إلا ما قلنا فيها أى أم الولد وهو تقليد لعمر رضي الله عنه هذه عبارته. ومنه أنه يجب في الضلع بعير قال قلته تقليدا لعمر وقال في موضع آخر قلته تقليدا لعثمان وقال في الفرائض هذا مذهب تلقيناه عن زيد بن ثابت ولا نستوحش من لفظة التقليد في كلامه ولا تظن أنها تنفي كون قوله حجة بناء على ما تلقيته من اصطلاح المتأخرين أن التقليد قبول قول الغير بغير حجة فهذا اصطلاح حادث وقد صرح الشافعي في موضع من كلامه بتقليد خبر الواحد فقال قلت هذا تقليدا للخبر. فائدة: فإن قال التابعي قولا لا يخالف القياس فهل يكون حكمه في ذلك حكم الصحابي بأن يجعل في حكم التوقيف على القول به أم يجعل كمجتهداته؟ قال الشيخ أبو البركات في منتهى الغاية في مسألة من قام من نوم الليل فغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها في ضمن كلامه وزوال طهوريته قول أبى الحسن البصري وهو مخالف للقياس والتابعي إذا قال مثل ذلك فإنه حجة لأن الظاهر أنه توقيف عن صحابي أو نص ثبت عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وقال أيضا عن قول أسد بن وداعة في التخفيف بقراءة يس عند المختصر. قلت وقد احتج أحمد بقول عطاء أقل يوم وقال ذلك أيضا ابن الأنبارى المتأخر في حلية العربية في قول مقاتل كلام أهل السماء عربي ولكن ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم أنه ليس بحجة وذكره ابن عقيل محل وفاق. وأما إذا تخالف القياس فجمهور العلماء أحمد وغيره على أنه ليس بحجة للتسلسل وحكى بعضهم رواية عن أحمد أنه حجة قال ابن عقيل لا يخص العموم ولا يقيد به لأنه ليس بحجة قال وعنه جواز ذلك ثم ذكر قول أحمد لا يكاد يجيء بشيء عن التابعين إلا يوجد عن الصحابة. فعلى هذا يتوجه قطع التسلسل بالقرون الثلاثة لثنائه صلى الله عليه وسلم عليها أشار إلى ذلك بعض متأخري أصحابنا. فائدة: قال القاضي: تفسير الصحابي كقوله فإن قلنا هو حجة لزم المصير إلى قوله وتفسيره وإن قلنا ليس بحجة ونقل كلام العرب في ذلك صير إليه وإن فسره اجتهادا أو قياسا على كلام العرب لم يلزم ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعى إلا أن ينقل ذلك عن العرب وعنه هو كالصحابي في المصير إلى تفسيره. قلت قال بعض أصحابنا كلام أحمد عام في تفسيره وغيره. وقال القاضي أبو الحسين بن القاضي أبى يعلى: إذا لم نقل قول الصحابي حجة ففي تفسيره وتفسير التابعى روايتان. فائدة: قال القاضي أبو يعلى: وإذا اختلف التابعون في الحادثة جاز لغيرهم الدخول معهم في الاجتهاد اذا كانوا من أهل الاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قلت وذكر أبو العباس رواية أخرى عن أحمد أنهم لا يدخلون معهم في الاجتهاد ويسقط قولهم معهم والله أعلم. تمت القواعد وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وهذه الفوائد الملحقة بآخر القواعد . فائدة: القائف1 هل هو كحاكم أو شاهد في المسألة قولان الأكثرون على أنه كحاكم وينبنى على هذا الخلاف مسائل: منها: إذا قلنا هو حاكم فتشترط حريته وإن قلنا شاهد فلا تشترط حريته بناء على أصلنا في قبول شهادة العبد. وفي المسألة وجهان لأصحابنا. أحدهما: وهو الذي جزم به القاضي وأبو محمد في المغنى وصاحب المستوعب اشتراط حريته بناء على أنه حاكم. والثاني: وهو ظاهر كلام أبى محمد في المقنع والكافي وأبى الخطاب عدم الاشتراط بناء على أنه شاهد. ومنها: هل يشترط تعدد القائف أم لا في المسألة روايتان. إحداهما: يشترط نص على ذلك في رواية محمد بن داود المصيصى2 والأثرم وجعفر بن محمد النسائي.   1 القائف من القيافة: هو من عرف منه معرفة الأنساب بالشبه وتكررت منه الإصابة انظر المغني لابن قدامة "6/398". 2 هو أبو جعفر محمد بن داود بن صبيح المصيصي كان من خواص أصحاب الإمام أحمد ورؤسائهم روى عنه مسائل كثيرة صنفها على طريقة أبي بكر الأثرم دون أن يدمج فيها الأحاديث انظر طبقات الحنابلة "1/295 – 296" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 والثانية: يكفي واحد نص عليه في رواية أبى طالب وإسماعيل بن سعيد واختاره القاضي وصاحب المستوعب. وهذا الخلاف مبنى عند طائفة من الأصحاب على أنه شاهد أو حاكم فلا وعند طائفة ليس الخلاف مبنيا على ذلك بل الخلاف جار سواء قلنا القائف حاكم أو شاهد لأنا إن قلنا هو حاكم فلا يمتنع التعدد في الحاكم كما نعتبر حكمين في جزاء الصيد وإن قلنا شاهد فلا يمتنع قبول شهادة الواحد كما في المرأة حيث قبلنا شهادتها والله أعلم. وعند طائفة هذا الخلاف مبنى على أنه شاهد أو مخبر فإن جعلناه شاهدا: اعتبر العدد وإن جعلناه مخبرا لم نعتبره كالخبر عن الأمور الدينية وأبدى الحارثي تخريجا أنه يكتفي بقائف واحد إذا لم يوجد سواه أخذا من نص الإمام أحمد على الاكتفاء بالطبيب والبيطار إذا لم يوجد سواه وأولى فإن القافة أعز وجودا منها. ومنها: هل يعتبر لفظ الشهادة في القائف أم لا قال بعض المتأخرين إذا قلنا بالتعدد فيعتبر لفظ الشهادة منهما وإلا فلا وعزاه إلى نص الإمام أحمد. وهذا فيه نظر إذ من أصلنا قبول شهادة الواحد في مواضع. وعلى المذهب فيعتبر منه لفظ الشهادة وقال أبو الخطاب في الانتصار لا يعتبر لفظ الشهادة ولو قلنا بالتعدد وقياسا على المقرين والله أعلم. فائدة: إذا غصب جارية ووطئها عالما بالتحريم وجب عليه الحد بلا خلاف ويجب على الجارية إذا كانت مطاوعة عالمة بالتحريم ويجب عليها المهر إن كانت مكرهة ونص عليه الإمام أحمد في رواية محمد بن الحكم1 وغيره.   1 هو أبو بكر محمد بن الحكم الأحول [ت 223هـ] لازم الإمام أحمد وروى عنه توفي قبله بثمان عشرة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وإن كانت مطاوعة فالمذهب الذي عليه الأصحاب وجوب المهر وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وحكى عن أبى الحسن الآمدي لا مهر لها مع المطاوعة. وهذا يتخرج من نص الإمام أحمد في سقوط ضمان الكلب لكونه منهيا عن ثمنه ومهر المثل للزانية فإنه منهي عنه. وإذا تحرر هذا فلا فرق بين كونها بكرا أو ثيبا هذا المذهب الذي عليه الأصحاب ونص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وكذلك مطلق نصه في رواية إسحاق بن منصور وعن أحمد رواية أخرى بانتفاء المهر للثيب قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: رجل غصب امرأة على نفسها ما عليه قال عليه الحد وليس عليها حد وليس لها شيء إن كانت ثيبا وإن كانت بكرا فلها صداق مثلها وحكاه عن عطاء والزهري. قال أبو بكر في التنبيه وبه أقول للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا استكره امرأة على نفسها فأقام الحد عليه ودرأ عنها الحد ولم يجعل لها صداقا" 1 وفي رواية لا مهر للثيب ذكرها أبو محمد المقدسي. وكلام أحمد إنما هو في الحرة حيث أضاف الصداق إليها بلام الملك في النفي والإثبات والأمة لا تقبل مع أن الأصحاب أيضا إنما حكوا الخلاف في الحرة أبو بكر والقاضي في كتاب الروايتين والسامري وصاحب التلخيص حتى قال في التلخيص بعد ذلك وإن أكره أمة فالمهر للسيد بكرا كانت أم ثيبا رواية واحدة ففرق بين الحرة والأمة في حكاية الخلاف.   1 نص الحديث: عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: استكرهت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها حد وأقامه على الذي أصابها ولم يذكر أنه جعل لها مهرا. رواه ابن ماجه كتاب الحدود رقم: "2598" والترمذي وأضاف: هذا حديث غريب. ليس إسناده بالمتصل وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه قال: سمعت محمد يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه يقال أنه مات بعد أبيه بأشهر والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن ليس على المستكرهة حد الترمذي كتاب الحدود رقم: "1453". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 ولعل أبا محمد خرج الأمة على الحرة فيكون فيها الروايتان وما أورده أبو بكر في الخبر ولم يجعل لها صداقا قال الحارثي رحمه الله: ليس بالمحفوظ بل المحفوظ ولم يذكر أنه جعل لها مهرا وسهما فرق. ويجب أرش1 البكارة وهو ما بين قيمتها بكرا وثيبا ولا تردد في وجوبه بكل حال وجد الجهل أولا أو الطواعية من المرأة أولا لوجود النقص في المغصوب لكن حيث يجب المهر هل يفرد عنه الأرش أو يدخل فيه المحكى للأصحاب هو الأولى لتعدد السبب فإن المهر وجب لمطلق الوطء والأرش وجب لنقص العين. وذكر في المغنى احتمالا بالثاني لأنه دخل في المهر حيث زاد لمزيد البكارة. قال الحارثي: وهذا واه إذ لو كان كذلك لكان الأرش إنما هو تفاوت ما بين مهرها بكرا وثيبا وليس كذلك بل هو تفاوت ما بين القيمتين ووجوب الأرش هنا عكس ما قاله الأصحاب في الحرة حيث جعلوا الأصح فيه عدم الإفراد ولصاحب المحرر فيه روايتان وذكر أنهما منصوصتان. ثم إذا قيل بالإفراد فالواجب معه مهر بكر هذا متحصل كلامه في المغنى لأنه وطء بكر فكان فيه مهر بكر إذ المهر إنما يجب في مقابلة الوطء. فإن قيل كيف أوجبتم مع ذلك أرش بكارة؟ قلنا لأن الأرش وجب في مقابلة الإتلاف ولهذا وجب فيما لو أذهب بكارتها بإصبعه وهنا قد حصل الإتلاف والوطء فترتب على كل منهما موجبه. غاية ما تم حصول المتلف بالاستمتاع وذلك لا يوجب انتفاء الجمع كما لا ينبغي في الأجرة والأرش حيث ينقص الثوب بالاستعمال.   1 الأرش: هو دية الجراحات والجنايات وسمي كذلك لأنه من أسباب النزاع يقال: أرشت بين القوم إذا أوقعت بينهم انظر لسان العرب "1/60". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 إذا تقرر هذا فإذا علقت الجارية1 منه فله حالتان. الحالة الأولى: إذا كان عالما بالتحريم فالولد رقيق للسيد فإن انفصل حيا كان كالأم في وجوب الرد والضمان وإن انفصل ميتا فإما لجناية كان أولا وبتقدير الجناية فالجاني إما الغاصب أو غيره. إن كان الغاصب ففي المغنى وغيره عليه عشر قيمة أمة قال الحارثي: والأولى أكثر الأمرين من قيمة الولد أو عشر قيمة الأم لوضع اليد العادية. وإن كان غير الغاصب فعليه ما قلنا من عشر قيمة الأم يرجع به المالك على من شاء منهما والقرار على الجاني. وإن زادت القيمة على العشر يرجع به المالك على الغاصب لوضع يده. وإن كان لا لجناية جان ففي وجوب ضمانه وجهان: أحدهما عدم الوجوب وهو قول القاضي أبى يعلى وابن عقيل وصاحب التلخيص. والثاني: الوجوب وهو قول القاضي أبى الحسين واختاره أبو محمد المقدسي في المغنى والحارثي والوجهان جاريان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل كذلك. وإذا قيل بالضمان فبم يضمن جنين الجارية فيه وجهان: أحدهما بالقيمة يوم الانفصال لو كان حيا والثاني بالمقدر وهو على قيمة الأم واختاره أبو محمد المقدسي ويحتمل وجوب أكثر الأمرين المقدور والقيمة قال الحارثي: وهذا أقيس. الحالة الثانية: الجهل بالتحريم والولد إذن حر لا حق بالغاصب اعتبر للشبهة نص عليه أحمد رحمه الله في مواضع. ثم إن انفصل حيا فعلى الغاصب فداؤه يومئذ وإن انفصل رقيقا ميتا لأن   1 علقت المرأة أي: حبلت لسان العرب "4/3077". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الرقيق يدخل تحت اليد بخلاف هذا. وإن كان لجناية جان فعلى الجاني الضمان فإن كان هو الغاصب فغرة1 عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه لا يرث الغاصب منها شيئا لأنه المتلف وعليه للسيد عشر قيمة الأم لأنه مضمون للسيد ضمان المالك. وإن كان غير الغاصب فعليه الغرة لمكان الحرية ويرثها الغاصب دون الأم لقيام رقها وعلى الغاصب للمالك عشر قيمة الأم. ثم إن استوى العشر وقيمة الغرة أو زادت قيمة الغرة ضمن الغاصب للمالك العشر ووجب للغاصب في صورة الزيادة ما زاد لحق الإرث وزاد العشر على القيمة ضمن الغاصب للمالك تمام العشر. وإن باع الغاصب الجارية أو وهبها لعالم بالغصب فهو غاصب ثان يترتب عليه ما يترتب على الأول وإن لم يعلما بالغصب وللمالك تضمين أيما شاء والولد حر ويجب فداؤه إذا انفصل حيا على المذهب. وعن أحمد رواية بانتفاء الفداء. وقال إسحق بن منصور في رجل اشترى جارية مسروقة فحملت قال الولد للمشترى لأنه مغرور وليس عليه أن يفتديهم لأنه شراء وعليه العقر2 قلت المهر قال نعم ويرجع به على من غره وقد وجه بأن الولد حرا ولا قيمة له ولم يعول الأصحاب على هذه الرواية. قال الخلال أحسبه قولا قديما لأبى عبد الله وهل يرجع أحدهما على الآخر إذا ضمن ملخص ما ترجم الأصحاب على مجموع ذلك بأن ما التزم ضمانه بالعقد كقيمة العين والأجزاء لا يرجع به وما يلتزم ضمانه ولم يحصل به   1 الغرة لغة: هي أنفس ما يملكه الإنسان فرسا كان أو بعيرا أو عبدا أو أمة وهي عند الفقهاء: ما بلغ ثمنها عشر الدية من العبيد والإماء وتجب في الجنين إذا سقط ميتا انظر لسان العرب "5/3237". 2 العقر: هو المهر والصداق وقيل: هو المهر تعطاه المرأة على وطء الشبهة قال ابن المظفر: عقر المرأة دية فرجها إذا غصبت فرجها انظر لسان العرب "4/3036". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 نفع كفداء الأولاد ونقص الولادة يرجع به وإن لم يلتزم ضمانه لكن حصل به منفعة كالمهر وأرش البكارة والمهر ففي الرجوع روايتان. وربما اختلفوا في دخول بعض المفردات بالنسبة إلى بعض الأنواع كأرش البكارة أدخله المصنف في المغنى والكافي فيما لا يرجع به وكذلك القاضي وابن عقيل وصاحب المحرر وأدخله أبو الخطاب والسامرى وصاحب التلخيص وأبو محمد في المقنع في المختلف فيه وكنقص الولادة أدخله القاضي وابن عقيل وأبو محمد في الكافي والمغنى فيما لا يرجع به وأدخله الباقون فيما يرجع به وهذا الذي ترجموه إنما هو في البيع. وأما الهبة فمقتضى ما قالوه الرجوع على الإطلاق إلا ما حصل له به منفعة فإن أبا محمد في المقنع وأبا البركات ذكرا فيه روايتين وأورد في المغنى وجهين وهو الصواب فإنه مقيس على نصه. تنبيه: قد تقدم أن المشترى إذا ضمن القيمة لا رجوع له بالثمن لالتزامه ضمانها ولكن له الرجوع بالثمن الذي قبضه منه. وأورد على عدم الرجوع بالقيمة أن المشترى لم يدخل معه على ضمان القيمة إذا تلفت ومعلوم أنه لو لم يكن مغصوبا لما ضمن فالغاصب مغرر فوجب الرجوع عليه دفعا للضرر. ومنشأ الجواب أن الضرر يندفع باسترداد الثمن وإنما لم يدخل معه على ضمان القيمة لأن الثمن تسلم للغاصب في ظنه فلما لم يسلم له لم يسلم للمشترى ما دخل عليه ولكن ما زاد على الثمن لم يدخل على ضمانه فوجب الرجوع به دفعا للضرر وهذا احتمال لصاحب التلخيص وجزم به ابن المنى في خلافه قال الحارثي: وهو الحق. قلت وإطلاق الأصحاب يقتضى لا رجوع بما زاد على الثمن وفيه نظر ولنا خلاف في التضمين والرجوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ضابطة: هل يستقر الضمان على المباشر بإتلافه والمتلف تحت يده أم على الغار لتسببه إلى تضمين من لم يلتزم الضمان على وجهين. وعلى القول بجوازه فإذا طولب به وضمنه فهل يرجع به على الآخر أم يستقر عليه لأنه أخذ منه بحق على وجهين أيضا. وفيه وجه ثالث وهو إن كان المطالب الغاصب يرجع ولو كان استقراره على غيره لقوة عدوانيته بخلاف ما إذا طولب بالأجر فإنه يرجع على الغاصب ذكره أبو الخطاب في مسائل الطعام. وفيه رواية أخرى مخرجة أنه لا يستقر على القابض ضمان شيء بالكلية سواء دخل على الضمان أم لا ويستقر الضمان على الغاصب في ذلك كله. تنبيه: وإذا أوجبنا فداء الولد فما الفداء في المسألة روايات. إحدى الروايات: الفداء بغرة نص على ذلك في رواية إسحاق بن منصور ويعقوب بن بختان واختارها الخرقي وأبو بكر في التنبيه والقاضيان أبو يعلى وأبو يعقوب بن إبراهيم1 في تعليقهما وأبو الخطاب في رؤوس المسائل والشريف أبو القاسم البريدى2 وغيرهم. قال القاضي أبو الحسين والشريف أبو جعفر وأبو الحسين بن بكروش وهي أصح.   1 كذا في الأصل والصواب يعقوب بن إبراهيم والمقصود هو: القاضي أبو علي يعقوب ابن إبراهيم بن أحمد بن سطور البرزبيني [ت 486هـ] صاحب "التعليقة" في الفقه الحنبلي والتي لخصها في "تعليقة" شيخه القاضي أبي يعلى بن الفراء. 2 في الأصل البريدي والصواب ما أثبتناه وهو: الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الهاشمي العلوي الحسيني الحراني المقرئ [ت 433هـ] انظر شذرات الذهب "5/160". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 والرواية الثانية: القيمة اختارها أبو محمد المقدسي في كتابه المغنى في كتاب النكاح وحكاه عن نص أحمد في رواية أبى طالب وكذلك اختارها أبو الحسين ابن الزاغونى وصاحب التلخيص. قال القاضي في المجرد: وهو أشبه بقوله لأنه نص على أن الحيوان لا مثل له وعلى هذه الرواية اعتبار القيمة يوم الولادة هذا المذهب. وعن ابن أبى موسى حكاية وجه الاعتبار بيوم المحاكمة. والرواية الثالثة: يخير الواطئ بين الأمرين نقلها الميمونى في مسائله وأوردها القاضي في الجامع وولده أبو الحسين والشريف أبو جعفر وأبو محمد المقدسي في كتاب النكاح من المغنى وهي اختيار أبى بكر في المقنع. والرواية الرابعة: يفدى كل وصيف بوصيفين أوردها السامري وغيره عن ابن أبى موسى في مغرور النكاح. تنبيه: إذا قيل بالمثل على الصحيح فاعتبار المماثلة في الصفات تقريبا من غير نظر إلى القيمة صرح بذلك القاضي أبو يعلى فقال سواء صادف قيمة الولد أو زاد عليه أو نقص على ظاهر كلام أحمد فيما وجب اعتباره في المماثلة الذكورة والأنوثة لأن ذلك عام الوجود فوجب اعتباره لإمكانه وكذلك الجنس والسن وقد صرح بهما القاضي وابن عقيل وأبو محمد المقدسي في المغنى عن مدلول كلام الخرقى. أما الجنس فظاهر لأنه متيسر الوجود وأما السن فقال الحارثي: لا يخلو من نظر وبحث. وأورد السامرى وصاحب التلخيص وجها باعتبار المماثلة في القيمة وهو احتمال أبداه أبو الخطاب وأبو محمد وأثبته صاحب المحرر رواية ونسب أيضا إلى اختيار أبى بكر والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 فائدة: مسألة الظفر اختلف العلماء فيها فمنهم من قال بعدم الجواز بكل حال وهو قول مجاهد والحسن وعطاء الخراسانى ومالك في رواية وأحمد واحتج أحمد في مواضع بقول النبي صلى الله عليه وسلم "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" 1. واستدلاله بالحديث يدل على ثبوته ولهذا جعله القاضي أبو يعلى رواية عنه بثبوت الحديث وهو يخالف رواية مهنا عنه بإنكاره. واحتج أيضا بأنه "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" 2. وأما من قال بالجواز فلقوله صلى الله عليه وسلم لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 3 وهو قول الشعبي4 وعكرمة5 وابن سيرين6 والنخعي7 ومالك في المشهور عنه والشافعي وأبى ثور. وخرجه بعض أصحابنا رواية عن أحمد في جواز أخذ الزوجة من مال زوجها   1 أحمد المسند رقم: "15403" أبو داود كتاب البيوع رقم: "3534 – 3535" الترمذي كتاب البيوع رقم: "1264". 2 رواه أبو داود وأحمد المسند رقم: "20646". 3 نص الحديث: عن عائشة قالت: جاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ولا ينفق علي وولدي ما يكفيني أفآخذ من ماله ولا يشعر؟ قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" البخاري كتاب البيوع رقم: "221" مسلم كتاب الأقضية رقم: "1714" النسائي كتاب آداب القضاء رقم: "5420" ابن ماجه كتاب التجارات رقم: "2293" أحمد المسند رقم: "24110, 24224, 25701". 4 هو التابعي المفسر المحدث أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عمرو الشعبي [19 – 110هـ] . 5 هو التابعي المفسر الحافظ أبو عبد الله عكرمة المدني البربري الأصل مولى عبد الله بن عباس [ت 105هـ] . 6 هو التابعي الجليل أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري البصري [ت 110هـ] . 7 هو فقيه العراق التابعي: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي اليماني ثم الكوفي [ت 96هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف وقد نص أحمد على التفريق بينهما فلا يصح التخريج المذكور. وأشار إلى الفرق بأن المرأة تأخذ من بيت ولدها يعنى أن لها يدا وسلطة على ذلك وسبب النفقة ثابت وهو الزوجية فلا تنسب بالأخذ إلى خيانة. وكذا أباح في رواية عنه أخذ الضيف من مال من نزل به ولم يقره بقد قراه كما ورد في الحديث لظهور سببه ومتى ظهر سببه لم ينسب الأخذ إلى الخيانة. وعكس ذلك طائفة من الأصحاب وقالت إذا ظهر السبب لم يجز الأخذ بغير إذن لإمكان البينة عليه بخلاف ما إذا خفي عليه فإنه يتعذر وصول إليه حينئذ بدون الأخذ خفية. وأجاب القاضي أبو يعلى عن حديث هند" خذي ما يكفيك" وولدك بالمعروف بجوابين. أحدهما أن الأخذ هنا لإحياء النفس ولذلك جاز بدون إذن كأخذ المضطر مال غيره. الجواب الثاني: أن قوله: "خذي" حكم فتيا ومع حكم الحاكم الأخذ بغير إشكال وقد أشار أحمد في رواية حرب عنه إلى الفرق بين الأخذ من الأمانات كالودائع وهي غير الأمانات فقال في الأمانات لا يأخذ للأمر برد الأمانات إلى أهلها وقال في غير الأمانات فيه اختلاف وكأنه كرهه. وممن فرق بين الأمانات وغيرها وأباح الأخذ من غير الأمانات الأوزاعي1 ذكره عنه حرب بإسناده. وروى الزبيري عن مالك أنه قال يقبض الحيوان من الذهب والفضة إلا أن يكون فرخا. وحكى الترمذي عن سفيان أنه يأخذ من الجنس ولا يأخذ من غيره حتى لا يأخذ من أحد النقدين عن الآخر وهو قول أبى حنيفة وأصحابه.   1 هو علامة الشام في وقته: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر بن محمد الأوزاعي [ت 157هـ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 ونقل وكيع1 عن سفيان2 أنه قال يقبض الذهب من الذهب والفضة من الفضة ولا يقبض عروضا ولا حيوانا من ذهب ولا فضة قال وكيع وكذا أقول. إذا تقرر هذا فتلخيص الخلاف في المسألة. أن العلماء اختلفوا في أصل المسألة في الأخذ على قولين الجواز وعدمه. لكن القائلون بالجواز اختلفوا على أقوال هل هو عام في كل شيء أم يجوز وإذا كان سبب الحق ظاهرا كالزوجة والرهن إذا كان مركوبا أو محلوبا والسلعة عند المفلس أو عكسه أو يفرق بين الأمانات وغيرها أو يقبض الحيوان من الذهب والفضة إلا أن يكون فرحا أو يفرق بين الجنس وغيره أو يقبض الذهب من الذهب والفضة من الفضة ولا يقبض حيوانا ولا عروضا من ذهب ولا فضة. واختار أبو العباس الجواز فيما إذا كان الحق ثابتا ظاهرا أو ثابتا ببينة أو إقرار. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والإياب والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين تسليما أبدا.   1 هو أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الفقيه المحدث [129 – 197هـ] . 2 هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الملقب "أمير المؤمنين في الحديث" [97 – 161] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394