الكتاب: العيوب المنهجية في كتابات المستشرق شاخت المتعلقة بالسنة النبوية المؤلف: خالد بن منصور بن عبد الله الدريس الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- العيوب المنهجية في كتابات المستشرق شاخت المتعلقة بالسنة النبوية خالد الدريس الكتاب: العيوب المنهجية في كتابات المستشرق شاخت المتعلقة بالسنة النبوية المؤلف: خالد بن منصور بن عبد الله الدريس الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ال مقدمة : إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد. فإن "الاستشراق " يعد من أخطر الحركات الفكرية التي تحرص على بث الشبهات، والافتراءات حول مصادر التلقي الأصلية عند المسلمين، وفي سبيل ذلك يقوم المستشرقون، ومن يقف وراءهم بتجنيد طاقات بشرية، واقتصادية، وتقنية؛ ليحققوا الغايات التي يسعون إليها. ويكاد يتفق أساتذة الاستشراق على أن أهم الكتابات الاستشراقية في السنة النبوية المطهرة؛ تمت على يدي رجلين هما: جولد زيهر، وجوزيف شاخت، ولذا اخترت أن يكون هذا البحث عن الثاني منهما، لعدة اعتبارات سيتم إيضاحها فيما يلي. أهمية البحث: تكمن أهمية هذا البحث في النقطتين التاليتين: 1 - إن أبرز ما يتشدق به المستشرقون هو تمسكهم بالمنهج العلمي الدقيق في بحوثهم، وعليه يكون أفضل رد عليهم - في نظري - هو بيان تجاوزهم لأصول المنهج العلمي المتعارف عليها عالمياً، سواءً عند المسلمين أو عند غيرهم، مع إبراز ذلك بصورة جلية ومحورية. ولذا جعلت بحثي إجابة عن سؤال محدد هو: ما العيوب المنهجية التي خالف فيها المستشرق "جوزيف شاخت " أصول المنهج العلمي وقواعده في كتاباته المتعلقة بالسنة النبوية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 2 - إن " شاخت " عند متأخري المستشرقين يعد أبرز من كتب في الهجوم على السنة النبوية وحجيتها، ويرون أنه قدَّم نظرية متناسقة وشاملة في ذلك، كما ستأتي بعض نصوصهم المبينة لذلك في ترجمته إن شاء الله. هدف البحث: يهدف البحث إلى تحقيق أمرين هما: 1 - التركيز على أبرز عيوب المنهج العلمي التي وقع فيها " شاخت " في كتاباته حول السنة النبوية، مع بيان خطورة هذه الأخطاء لدى أساتذة المنهجية، مصحوبة بذكر بعض الأمثلة من كلام " شاخت "؛ لكي تبدو عيوب منهجه واضحة للعيان. 2 - إيضاح أن تلك العيوب مؤثرة في سلامة النتائج التي توصل إليها "شاخت "، مما يجعل أحكامه وآراءه التي أطلقها حول السنة النبوية؛ من غير الممكن -وفق أصول المنهج العلمي الدقيق- أن تكون مقبولةً أو مسلماً بها، حتى عند غير المسلمين، ولكي يعلم أيضاً أن سبب رفض المسلمين لمثل هذه الآراء ليس لمجرد أنها مخالفة لمعتقداتهم فقط؛ وإنما لكونها أيضاً مبنية على منهج فاسد مليء بالعيوب الخطيرة. ويجدر التنبيه هنا أنني حرصت عند الكلام على أي عيب منهجي على ذكر كلام المختصين في المنهج العلمي من الغربيين، أو من بعض المختصين العرب الذين كتبوا في المنهجية معتمدين بصفة أساسية على المصادر الغربية، وغرضي من هذا إثبات أن الأصول المنهجية التي انتهكها " شاخت " متفق عليها عالمياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 الفصل الأول: التعريف بشاخت وبأهم آرائه في السنة المبحث الأول: تعريف بالمستشرق "شاخت" ... الفصل الأول: التعريف بشاخت وبأهم آرائه في السنة ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: تعريف بالمستشرق " شاخت ". المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه حول السنة النبوية . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 المبحث الأول: تعريف بالمستشرق " شاخت " يلحظ أي باحث لا يجيد إلا اللغة العربية أن المستشرق " شاخت " ليس له ترجمة تتناسب مع مكانته الاستشراقية، ومما يثير الاستغراب أن بعض الكتب التي اعتنت بتراجم المستشرقين ككتاب " الأعلام " لخير الدين الزركلي لم تذكر عنه أي شيء، بينما ذكرت تلك الكتب تراجم لمستشرقين هم أقل شأناً منه، ويزداد العجب أكثر حين نعلم أن الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وهو أبرز عالم مسلم رد على كتابات " شاخت " في السنة النبوية لم يعط تعريفاً به، مع أنه لم يكتب بحوثه إلا بعد وفاة شاخت ببضع سنين. هذا الأمر كان حافزاً لي كي أبحث عن ترجمة مطولة بعض الشيء لحياة شاخت، فيسَّر الله عز وجل لي الوقوف على بعض المقالات، فاجتهدت أن أصوغ منها ترجمة وافية بعض الشيء لهذا المستشرق الذي ترك أثراً خطيراً في الدراسات الاستشراقية. نشأته: ولد جوزيف (يوسف) شاخت، في راتيبور في الخامس عشر من مارس سنة 1902م، وتقع هذه البلدة في إقليم شيلزبان الألماني، أما الآن فهي تخضع للسيطرة البولندية (1) . التحق في تلك البلدة بالثانوية الألمانية، وفيها بدأت تظهر اهتماماته الأولى باللغات الشرقية، حيث كان الحاخامات اليهود يلقون دروساً في تلك المدارس في المحاضرات المخصصة للدراسات الدينية، وكانوا يعلمون اللغة   (1) انظر مقال برنارد لويس بعنوان " جوزيف شاخت " (ص 622) ، ومقال روبير برونشفيج بعنوان "يوسف شاخت حياته وآثاره" (ص 630) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 العبرية لأولاد اليهود، ويؤكد برنارد لويس (1) أن " شاخت " لم يكن يهودياً، ولكنه حضر تلك الدروس رغبة منه في زيادة معارفه. ونفي يهودية " شاخت " أكدها أيضاً " روبير برونشفيج " حيث ذكر أن " شاخت " كان يكره النازية الألمانية مع أنه ما كان له أن يخشاها بحكم أصوله (2) . والمشهور عند عدد من الباحثين العرب أنه كان يهودياً، هذا ما جزم به الدكتور مصطفى السباعي، والدكتورأكرم ضياء العمري وآخرون غيرهما (3) ، ولكن يبدو أن الواقع كما ذكره " برنارد لويس " و " برونشفيج " فهما من المقربين لشاخت، وليس هناك حاجة ملحة تدعوهم لإنكار يهوديته، والذي يظهر لي أن أسباب الوهم لدى السباعي والعمري وغيرهما من القائلين بأن ديانة " شاخت " هي اليهودية ربما ترجع للأمور التالية: 1 - يكثر في اللغة العبرية استعمال حرف الخاء وهو في اسم "شاخت"، مما يوحي بأن أصل الاسم يعود للعبرية التي هي لغة اليهود، ومن المعروف أن اللغة الألمانية أيضاً تستعمل حرف " الخاء " في أبجديتها، مما ينفي وجاهة هذا الربط بين الاسم واللغة العبرية. 2 - كان " شاخت " من أشد المعجبين بالمستشرق المجري "جولد زيهر" وهو يهودي معروف يعد من أساطين الاستشراق، وقد سار " شاخت " على   (1) مقال لويس السابق (ص 622) . (2) مقال برونشفيج السابق (ص 632) . (3) انظر كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي (ص 15) ، وموقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية للعمري (ص 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 خطاه في بحوثه حول السنة النبوية، بل كان أكثر شراسة وقسوة منه على التراث الإسلامي، فلعل هذا ما أوحى لبعض الباحثين العرب بأن الرجل يهودي أيضاً لطبيعة آرائه الحاقدة على المسلمين ودينهم. 3 – ليس ثمة ترجمة ضافية لشاخت في المصادر العربية المتاحة، مما أسهم في التمكين لذلك الخطأ وساعد على انتشاره وشهرته. وبهذا يعلم أنه ألماني المنشأ واللغة، ولم يكن يهودياً كما أكد أحد تلامذته اليهود أعني " برنارد لويس " (1) ، وأحد أصدقائه المقربين منه " روبير برونشفيج " (2) ، وبالنظر إلى أن الديانة الأكثر انتشاراً في ألمانيا هي النصرانية، فالغالب أن يكون " شاخت " نشأ في أسرة تدين بهذه الديانة. وقد أقام في ألمانيا حتى تجاوز الثلاثين من عمره، ثم هاجر إلى بريطانيا بسبب كراهيته للنظام النازي الذي كان يحكم ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية، وفي ذلك يقول برونشفيج: ((ثم كانت الحرب العالمية الثانية، فالتحق "شاخت" بإنجلترا التي كان في أحلك الظروف يسمع منها عبر الإذاعة البريطانية، صوت الحرية مخاطباً مواطنيه الألمان - إذ لم يكن قد تخلى بعد عن جنسيته الألمانية -، وكان شاخت يمقت النازية مع أنه ما كان له أن يخشاها   (1) برنارد لويس مستشرق له شهرة عالمية يحمل الجنسية الأمريكية، وهو يهودي صهيوني من أكثر المستشرقين المعاصرين حقداً وكراهية للعرب والمسلمين، وحماساً ودعماً لما يسمى بدولة " إسرائيل "، ولا يزال على قيد الحياة، فقد قرأت بعض أفكاره وتصريحاته مؤخراً في الصحف خلال حرب أمريكا على العراق. وللمزيد حول آرائه وترجمته انظر الدراسة الجيدة التي كتبها الدكتور مازن المطبقاني عنه في أطروحته للدكتوراه المنشورة بعنوان: " الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس ". (2) مقال برونشفيج السابق (ص 630، 633) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بحكم أصوله، لكنه كان يعارض كل نبذ، وكل اضطهاد وتزوج امرأة إنجليزية مثقفة وما انفكت أن أصبحت الرفيقة المتفهمة له، والمتفانية التفاني الكامل في خدمته، وبعد الحرب حصل عام 1947م على الجنسية الإنجليزية التي لم يتخل عنها قط)) (1) . وقد انتقل في آخر حياته إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1957م، وأقام فيها حتى آخر حياته. تكوينه العلمي: تقدم أنه درس في الثانوية الألمانية، وحين التحق بجامعتي برسلو، ولايبتزج درس فقه اللغة اللاتينية، والإغريقية، وعلم اللاهوت، واللغات الشرقية. وكان يكتب بحوثه بثلاث لغات هي: الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، مما يدل على إجادته لها (2) ، وكان يحسن اللغة العربية والتركية (3) ، وتقدَّم أنه تعلَّم اللغة العبرية. ولما كانت الرحلات العلمية تؤثر في التكوين العلمي لأي باحث، فإن "شاخت" حرص عليها، فقام بزيارة الشرق الأوسط عدة مرات، وكذلك شمال إفريقيا وغربها (4) . ويظهر من إنتاجه العلمي أن أول كتاب نشره، كان تحقيقاً لكتاب في الحيل الفقهية وعنوانه " الحيل والمخارج "للخصاف، وقد كتب له مقدمة،   (1) من مقال برونشفيج السابق (ص 631 - 632) . (2) السابق (ص 635) . (3) السابق (ص 631) . (4) السابق (ص 631، 633) ، ومقال برنارد لويس (ص 623) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وعلق على عدة مواطن منه (1) ، وكان تاريخ نشره في 1923م، ولهذا يقول برنارد لويس: ((كان الفقه الإسلامي هو الحقل الدراسي الأول الذي انصرف إليه " شاخت " بكل همته، وبقي واحداً من أهم اهتماماته الأساسية حتى قضى نحبه)) (2) . ويبدو أنه كان معجباً، في وقت مبكر من شبابه بالمستشرق المشهور "جولد زيهر"، ولذا فقد قام بإكمال بحوثه حول السنة النبوية، ولاسيما فيما يتعلق بالأسانيد (3) . مناصبه العلمية: أول منصب شغله " شاخت " كان أستاذاً في جامعة فرايبورج عام 1925م، وفي سنة 1932م دعي لشغل كرسي اللغات الشرقية في جامعة كونجسبرج، وفي عام 1930م عمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصرية بالقاهرة، ثم عاد إليها في سنة 1934م وعمل بها حتى سنة 1939م. وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية انتقل إلى إنجلترا حيث عمل في هيئة الإذاعة البريطانية طوال سنوات الحرب، وفي عام 1946م عين في وظيفة تعليمية في جامعة أكسفورد برتبة محاضر، وفي سنة 1948م عين أستاذاً مساعداً في الدراسات الإسلامية. ثم عمل أستاذاً زائراً في جامعة الجزائر في سنة 1952م، وفي سنة 1954م غادر إنجلترا إلى هولندا ليشغل كرسي اللغة العربية في جامعتها   (1) المستشرقون (2 / 469) ، ومقال برنارد لويس (ص 624) . (2) مقال برنارد لويس (ص 624) . (3) السابق (ص 626) ، ومقال برونشفيج (ص 632) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الشهيرة لايدن، ثم انتقل إلى جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية من سنة 1957م إلى 1969م حيث هلك هناك، بالإضافة إلى أنه كان عضواً في المجمع العلمي في دمشق، وغيره من المجامع (1) . أخلاقه وصفه " برنارد لويس " بأنه كان عنيداً، متصلباً لدرجة أنه حين غادر ألمانيا لم يعد إليها أبداً، بل ولم يكتب بلغته الأم بعد ذلك، وكان التعامل معه صعباً؛ لأنه كان لا يحسن ممارسة الرياء الاجتماعي، وكانت قسمات وجهه متجهمة (2) . وقد أثنى عليه أصحابه من المستشرقين بأنه كان لطيفاً ودمثاً ونزيهاً وأميناً (3) ، ولكننا نشك في دقة هذا الكلام المتعلق بالأمانة والنزاهة؛ لأمرين: أحدهما: أن المطلع على بحوث هذا الرجل المتعلقة بالسنة النبوية، والفقه الإسلامي يلحظ وبجلاء حقده البالغ، وكراهيته الشديدة للمسلمين وتراثهم، ويدل على ذلك أنه يتهم كل علماء الحديث ورواته الثقات بالكذب والتزوير والوضع على الرسول صلى الله عليه وسلم ثانيهما: أن الدكتور نجم خلف ذكر أن أحد مشايخ المغرب واسمه مصطفى المغربي حدَّثه في مدينة الرباط سنة 1403 ? أن المستشرق "شاخت"   (1) السابق (ص 623) ، ومقال برونشفيج (ص 630، 631، 633، 635) ، المستشرقون (2/469) . (2) مقال برنارد لويس (ص 628 - 629) . (3) السابق (ص 629) ، ومقال برونشفيج (ص 632) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 قد استعار منه، ومن غيره بعض المخطوطات أثناء إقامته في المغرب، ثم استولى عليها ولم يعدها، رغم المكاتبات والشفاعات، بل أنكرها في النهاية (1) . مكانته العلمية عند المستشرقين إن الكلام على مكانة هذا الرجل عند المستشرقين، لا يُراد به مدحه أو الثناء عليه، ولكن بيان مدى مكانة أحكامه وأقواله لدى المهتمين بالدراسات الإسلامية عند غير المسلمين، وحتى تتبين لنا الخطورة التي تمثلها الآراء التي يبثها في أوساط المستشرقين، وفيما يلي بعض النصوص الدالة على ذلك: يقول سافوري: ((من أكبر علماء الشريعة الإسلامية في العالم)) (2) . ويقول السير هاملتون جيب: ((سيصبح كتاب "أصول الفقه المحمدي" أساساً لجميع الدراسات المستقبلية في الحضارة الإسلامية والفقه الإسلامي، ولو عند الغربيين على الأقل)) (3) . ويقول كولسون أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة لندن: ((إن "شاخت" صاغ نظرية عن أصول الشريعة الإسلامية غير قابلة للدحض)) (4) . ويقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمي: ((أما المنزلة التي وصل إليها البروفسور " شاخت "، فلم يصل إليها من قبل أي مستشرق في هذا المجال)) (5) .   (1) نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشرقين (ص 10) . (2) موقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية (ص 38) . (3) أصول الفقه المحمدي لجوزيف شاخت في كتابات الغربيين (ص 646) . (4) مناهج المستشرقين (1 / 68) . (5) السابق (1 / 67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ويقول أيضاً: ((وصار كتابه - يعني أصول الفقه المحمدي - منذ ذلك الحين " إنجيلاً ثانياً " لعالم الاستشراق، وفاق " شاخت " سلفه "جولد زيهر" حيث غيَّر نظرته التشكيكية في صحة الأحاديث، إلى نظرة متيقنة في عدم صحتها، ولقد ترك كتابه هذا أثراً عميقاً في تفكير دارسي الحضارة الإسلامية ... وكافة الباحثين في الغرب، أثنوا عليه ثناء عاطراً)) (1) . ويقول الصديق بشير نصر: ((وليس من قبيل المبالغة إذا قلت: إن كل من كتب بعده من المستشرقين في هذا الحقل المعرفي هم عيال عليه، وحسبك أنه لا تكاد توجد جامعة من جامعات الغرب لها اعتناء بالدراسات الإسلامية، إلا ونجد هذا الكتاب مقرراً على طلابها)) (2) . ويؤكد برونشفيج أن أغلب العلماء في الغرب قبلوا ووافقوا على نظرية "شاخت" في الحديث النبوي؛ لما تتضمنه من تحليلات ونظام نقدي وتفسيري (3) . إنتاجه العلمي يعد " شاخت " من المستشرقين الغزيري الإنتاج، ويظهر هذا جلياً لمن يدقق في القائمة التي جمعها روبير برونشفيج (4) ، والسرد الذي قام به نجيب العقيقي (5) ، ولعل أبرز كتبه هي: أصول الفقه المحمدي، ومدخل إلى الفقه   (1) دراسات في الحديث النبوي - المقدمة (ص ي، ك) . (2) أصول الفقه المحمدي في كتابات الغربيين (ص 646) . (3) مقال برونشفيج (ص 632) . (4) السابق (ص 635 - 644) . (5) المستشرقون (2 / 469 - 471) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الإسلامي، وتحريره لبعض مواد دائرة المعارف الإسلامية في طبعتيها القديمة والجديدة، وأما مقالاته وبحوثه المنشورة في المجلات العلمية فهي كثيرة جداً كما يظهر من عرض برونشفيج، والعقيقي. ويعد كتابه " أصول الفقه المحمدي " أشهر كتبه، وقد قام الأستاذ الصديق بشير نصر بترجمة بعض فصوله، ونشرها في مجلة كلية الدعوة الإسلامية بليبيا. وفاته هلك " شاخت " في غرة شهر أغسطس سنة 1969م في مدينة إنجلوود بولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان يتأهب للانتقال إلى منزل آخر لقرب موعد تقاعده، وقد وافته المنية حيث كان منهمكاً في مراجعة كتاب " تراث الإسلام "، وهو من تأليف عدد من الباحثين (1) .   (1) السابق (ص 634) ، ومقال لويس (ص 624) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه حول السنة النبوية ... المبحث الثاني: عرض موجز لأهم آرائه في السنة النبوية تتلخص أهم آراء المستشرق " جوزيف شاخت " في السنة النبوية في النقاط التالية: 1 - إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مهتماً ببيان أمور الشريعة –القانون-، كالقضايا المتعلقة بالمعاملات المالية والأحوال الشخصية والقضاء، وفي ذلك يقول: ((في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي - في معناه الاصطلاحي - وجود كما كان في عهد النبي، والقانون - أي الشريعة - من حيث هي هكذا كانت تقع خارجة عن نطاق الدين ... فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين)) (1) . 2 - إن مفهوم السنة قديماً عند المدارس الفقهية القديمة، يعني الأمر المجتمع عليه، أو بمعنى آخر التطبيقات المثالية للجماعة، ويؤدي التسليم بهذه الحقيقة إلى أن مصطلح " السنة " لا علاقة له بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وقد بنت المدارس الفقهية القديمة مفهومها للسنة وفقاً للمعنى القديم (2) . 3 - لم يكن الاحتجاج بالأحاديث ذات الأسانيد المتصلة إلى رسول صلى الله عليه وسلم معروفاً عند المدارس الفقهية في القرنين الأول والثاني الهجريين، وإنما بدأ هذا الأمر مع نشأة حزب معارض يقوده الإمام الشافعي يرى ضرورة إسناد الاستدلالات الفقهية إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أو أفعاله، مما أدى إلى ظهور أحاديث تفصيلية مكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل إيجاد مصدر تشريعي   (1) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 69) . (2) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 لآراء الحزب الفقهية، إلا أن المدارس القديمة حاولت أن تقاوم هذا الحزب المعارض الجديد، ولكنها رأت أن ذلك أصبح صعباً؛ للقبول العام الذي وجده في الأوساط العامة، مما أدى حسب رأي " شاخت " أن تلك المدارس شاركت أيضاً في الكذب والوضع على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تضمن الانتصار في المناظرات العنيفة مع الخصوم والمخالفين (1) . 4 - بدأ الإسناد عند المسلمين بالظهور في أوائل القرن الثاني، أو أواخر نهاية القرن الأول الهجري (2) . 5 - نتيجة لما تقدم يرى " شاخت " أنه قد أصبح من عادة العلماء - وبدون استثناء كما يظهر من عباراته - خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين أن ينسبوا عباراتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر أسانيد اعتباطية تفتقر للتسويغ المنطقي الذي يدل على التنظيم والعناية (3) . 6 - تم تطوير الأسانيد بشكل تدريجي من خلال التزوير والوضع. لقد كانت الأسانيد المتقدمة غير مكتملة (يعني: فيها إرسال، أو موقوفة، أو مقطوعة، أو منقطعة) ، لكن تم ملء كل الفراغات في وقت تدوين المصنفات المشهورة التي تسمى بالمجموعات التقليدية كالكتب الستة ومسند أحمد وأمثالها (4) .   (1) أصول الفقه المحمدي في كتابات الغربيين (ص650، 651، 652، 659، 661) ، وأصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 11) . (2) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 288) . (3) السابق (ص 289) . (4) السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 7 - الأسانيد العائلية مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز ابن حكيم عن أبيه عن جده، كلها مختلقة سنداً ومتناً (1) . 8 - كل حديث في إسناده راو مشترك (يعني الراوي الذي عليه مدار السند) ، يدل أن ذلك الراوي هو الذي اختلق سند ذلك الحديث (2) . 9 - ابتكر " شاخت " قاعدة؛ ليستدل بها على أن كثيراً من الأحاديث لم تكن إبان فترة الإسلام الأولى، ونص هذه القاعدة: "السكوت عن الحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده"، ويوضح رأيه بجلاء في هذا النص حيث يقول: ((إن أفضل سبيل لإثبات عدم وجود حديث ما في وقت من الأوقات، يكون بإثبات أن ذلك الحديث لم يستخدم دليلاً شرعياً في حجاج - يعني في مسألة خلافية - في الوقت الذي يكون الاستدلال به أمراً لازماً، هذا إذا كان الحديث نفسه موجوداً)) (3) . 10 - النتيجة النهائية التي هي خلاصة آراء " شاخت " في السنة النبوية أنه لا يمكن الحكم بصحة أي حديث من أحاديث الأحكام المروية بالسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول: ((من العسير أن يُعد أي من هذه الأحاديث صحيحاً فيما يتعلق بمسائل التشريع الديني)) (4) . وفي ذلك يقول الأعظمي: ((وخلاصة ما وصل إليه من نتائج أنه ليس هناك حديث واحد صحيح، وخاصة الأحاديث الفقهية)) (5) .   (1) السابق. (2) السابق. (3) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 697) . (4) السابق. (5) دراسات في الحديث النبوي (ص ي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 إن مجمل آراء هذا الرجل في السنة النبوية تؤكد حقيقة واحدة هي أن مجموع الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي في واقع الأمر إلا نتاج تزييف ديني واسع النطاق (1) ، وعليه فإن علماء المسلمين من فقهاء ومحدثين - من وجهة نظره الفاسدة - إنما هم مجموعة من الكذابين.   (1) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 695) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الفصل الثاني: عيوب المنهج العلمي عند "شاخت" المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية. ... الفصل الثاني: عيوب المنهج العلمي عند " شاخت " ويشتمل على المباحث التالية: المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية. المبحث الثاني: الانتقائية في اختيار المصادر. المبحث الثالث: الشك غير المنهجي. المبحث الرابع: إهمال الأدلة المضادة. المبحث الخامس: التفسير المتعسف للنصوص. المبحث السادس: التعميم الفاسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية لا يخلو أي بحث علمي من مسلمات أولية أو ما يسمى بالأفكار القبلية، لا يتكلم عليها الباحث ولا يصرح بها، ولكنه ينطلق منها في معالجة القضايا التي يتطرق لها في بحثه (1) ، والملاحظ أن " شاخت " كان في المسلمات الأولية في كتاباته عن السنة النبوية واقعاً تحت تأثير تحيز عنصري ضد العرب والمسلمين، وهو وإن لم يصرح بمسلماته بصورة جلية وواضحة -لغايات لا تخفى على اللبيب-، إلا أن ذلك يظهر بجلاء في حكمه القاطع والجازم على صفوة الأمة وأوثق علمائها بأنهم من الكذابين، وأنهم اختلقوا الأسانيد ونسبوها زوراً وافتراءً لرسولهم صلى الله عليه وسلم. ونتيجة لهذه المسلَّمة القاطعة التي تجذرت في وعيه، أشار إلى أن الأسانيد في كتب السنة، والتي تدل على اتصال الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا قيمة لها، ((بل هي كذب محض؛ لأن الأحاديث النبوية بكاملها لم توجد إلا في القرنين الثاني والثالث، فكيف يمكن أن نتصور وجود الأسانيد قبل وجود المتون؟ بل لا بد أن توجد المتون من قبل ثم تظهر الأسانيد لا العكس)) (2) ، ويقول في تقرير هذا الأمر: ((إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي ... وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين، كان يختار تلك الشخصيات   (1) أوسع من رأيته تكلم على خطورة الأفكار القبلية الضمنية التي لا يصرح بها، وأثرها السيئ في صحة الأفكار والنظريات العلمية هو الدكتور ريمون بودون رئيس قسم العلوم الإنسانية في جامعة السوربون بباريس في كتابه " فن إقناع الذات بأفكار هشة ومشكوك فيها وخاطئة " (ص 117 - 196) . (2) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ويضعها في الإسناد)) (1) ، وقد نقلنا عنه آنفاً أنه لا يعتقد بوجود أي حديث صحيح من أحاديث الأحكام المروية بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الرأي القطعي - في نظره - يدل دلالة واضحة على أنه مبني على مسلمة أولية راسخة عنده، وهي أن علماء المسلمين قوم كذبة، كانوا يستبيحون الكذب ويستحلونه في أمور دينهم ولا يتورعون عنه، بل يفهم من كلامه أنهم مجمعون على ذلك، ومتواطئون عليه، ولو لم يكونوا كذلك في نظر "شاخت"؛ لما قرر نتيجته السابقة بعمومية وإطلاق ومن دون أي استثناءات أو قيود. وسنناقش هذه المسلمة بما فيها من تحيز عنصري بغيض، مما يدل على أن الرجل واقع تحت تأثير الأفكار السابقة عن المسلمين الكامنة في عقلية عوام الغربيين. ولكن قبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن أهم صفة يجب أن يتحلى بها الباحث العلمي هي الإنصاف والعدل حتى مع خصومه ومخالفيه، والتي يعبر عنها المتخصصون في المنهج العلمي بالموضوعية. ويقرر أولئك العلماء أن أشد نواقض الموضوعية وقوادحها؛ التحيز ضد قومية أو فكرة أو مبدأ أو شخص أو مذهب.. إلخ. ويحذر المختصون في المنهج العلمي أي باحث من الوقوع في التحيز أو التعصب العنصري؛ لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الموضوعية، وسأورد فيما يلي نصوصاً منتقاة لبعض المختصين تؤكد هذه الحقيقة التي أصبحت إحدى مسلمات المنهج العلمي بصورة مطلقة.   (1) السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 يقول روبرت ثاولس: ((من الأمور التي تجعلنا ميالين إلى التفكير الأعوج، تحيزاتنا التي هي: طرق في التفكير تقررها سلفاً قوى ودوافع انفعالية شديدة، كالتي يكون مصدرها منافعنا الذاتية الخاصة، أو ارتباطاتنا الاجتماعية)) (1) . ويقول: ((إننا نكون تحت تأثير الهوى والتحيز في آرائنا ميالين إلى تصديق ما نرغب في تصديقه، أو ما نحتاج إليه أن يكون صحيحاً، وإلى إنكار ما نرغب في إنكاره، أو ما نحتاجه أن يكون باطلاً)) (2) . ويقول فؤاد زكريا في كلام له عن التعصب - الذي هو وجه من وجوه التحيز والعنصرية - بوصفه أحد أهم عقبات التفكير العلمي،: ((التعصب هو اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر لنفسه الحقيقة أو الفضيلة، وبأن غيره يفتقرون إليها، ومن ثم فهم دائماً مخطئون ... فحين أكون متعصباً لا أكتفي بأن أنطوي على ذاتي وأنسب إليها كل الفضائل، بل ينبغي أيضاً أن أستبعد فضائل الآخرين وأنكرها وأهاجمها)) (3) . وفي نص آخر كأنه يتكلم فيه على " شاخت " يشير فؤاد زكريا أن التعصب بكل أنواعه، كالتعصب العنصري، والتعصب القومي المتطرف وغيرها؛ كلها تشترك في سمة واحدة هي: ((الانحياز إلى موقف الجماعة التي ننتمي إليها دون اختيار، ودون تفكير، والاستعلاء على الآخرين، والاعتقاد بأنهم " أحط ")) (4) .   (1) التفكير المستقيم والتفكير الأعوج (ص 183) . (2) السابق (ص 187) . (3) التفكير العلمي (ص 96) . (4) السابق (ص 99) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثم يعدد مضار التعصب على روح المنهج العلمي فيقول: ((وأعظم الأخطار التي يجلبها التعصب على العلم، هو أنه يجعل الحقيقة ذاتية، ومتعددة، ومتناقضة، وهو ما يتعارض كلية وطبيعة الحقيقة العلمية ... كما ينطوي التعصب على تفكير أسطوري - خرافي - يتسم بطابع وهمي مختلق، وهو بطبيعته يشجع التفكير غير العقلي؛ لأنه هو الدعامة الوحيدة لموقفه، ومن هنا كان أساس النازية هو " أسطورة " الجنس الآري المتفوق، وكان أساس التفرقة العنصرية هو " أسطورة " الجنس الزنجي المنحط، إلى غير ذلك من الأساطير التي يستند إليها كل شكل من أشكال التعصب)) (1) . ويقول أحد المختصين في منهجية البحث التاريخي: ((إذا وقع الباحث في أسر التعصب، كان من السهل وصمه بالذاتية التي هي نقيض الموضوعية والعلم)) (2) . إن نظرة سريعة إلى الكتب التي تكلمت على المنهجية العلمية وشروطها؛ تعطينا حكماً عاماً بأن الباحث المتحيز لا يمكن أن تكون نتائج بحثه علمية بأي حال من الأحوال (3) . وبعد أن ألممنا بموقف المختصين في منهجية البحث العلمي من التحيز والعنصرية، فلننظر ماذا فعل " شاخت "؟   (1) السابق (ص 99، 101) بتصرف يسير. (2) البحث في التاريخ قضايا المنهج والإشكالات (ص 20) . (3) انظر المنهج لإحكام قيادة العقل لديكارت (ص 36) ، والمنطق وفلسفة العلوم (ص 58 -59) ، وأصول البحث العلمي (ص 58، 59، 61) ، وفلسفة العلوم الميثودولوجيا (ص 99) ، والمدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 297) ، ومنهج البحث التاريخي (ص 19) ، والمدخل إلى مناهج البحث العلمي (ص26 - 27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لقد سلب من المسلمين أهم أخلاقهم الفاضلة، فنظر إليهم على أنهم مجموعة من الكذابين، فإن لم يكن هذا التعميم الذي أطلقه " شاخت " على علماء الدين المسلمين يعد تحيزاً عنصرياً وتعصباً مقيتاً، فليس في الدنيا من التعصب أو التحيز ما يستحق هذا الوصف. إننا حين نقول: إن " شاخت " كان واقعاً تحت تأثير أفكار سابقة عنصرية تضمر احتقاراً للعرب والمسلمين وكراهية لهم، فإن شاهدنا على ذلك أحكام الرجل نفسه ونتائجه التي أعلنها، ويؤيد ذلك ما نعرفه من نصوص لبعض الغربيين أنفسهم من أن المستشرقين حين يبحثون في الإسلام والمسلمين، فإنهم يقومون بذلك من خلال ما ترسب في مخيلتهم الجماعية من صورة أسطورية خرافية مشوهة عن المسلمين، يقول الأستاذ محمد أسد - وهو في الأصل يهودي نمساوي قبل أن يسلم - مبيناً موقف الأوربيين من أهل الكتاب، والمستشرقين بصفة خاصة من الإسلام والمسلمين: ((يعتقد الأوربيون أن تفوقهم العنصري على سائر البشر أمر واقع، ثم إن احتقارهم إلى حد بعيد أو قريب لكل ما ليس أوروبياً من أجناس الناس وشعوبهم قد أصبح إحدى الميزات البارزة في المدنية الغربية. على أن هذا وحده لا يكفي لإظهار ما يكنُّه الأوربيون نحو الإسلام خاصة، وهنا - نعني فيما يتعلق بالإسلام - لا تجد موقف الأوروبي موقف كره في غير مبالاة فحسب كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان والثقافات، بل كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على صدود من التعصب الشديد، وهذا الكره ليس عقلياً فحسب، ولكنه يصطبغ أيضاً بصبغة عاطفية قوية. قد لا تقبل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية، ولكنها تحتفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 دائماً فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن، ومبني على التفكير، إلا أنها حالما تتجه إلى الإسلام يختل التوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب، حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام، ويظهر في جميع بحوثهم كما لو أن الإسلام لا يمكن أن يعالج على أنه موضوع بحث في البحث العلمي، بل على أنه متهم يقف أمام قضاته)) (1) . هذا النص النفيس يمثل شهادة مهمة لأن الأستاذ محمد أسد ينقل واقعاً خبره وعرفه قبل إسلامه، حيث نشأ وتربى في " النمسا " ذات الثقافة الألمانية، وقد تقدم معنا أن " شاخت " نشأ في ألمانيا أيضاً، أضف إلى أنهما ولدا في بدايات القرن العشرين الميلادي، مما يجعل النص الآنف في غاية الأهمية، ولاسيما أنه يوضح لنا بصورة جلية الرؤية المتحيزة للجيل الذي نشأ فيه "شاخت "، وغيره من الأوربيين تجاه الإسلام والمسلمين. ويؤكد الأمر بصورة جلية لاتقل أهمية عما سبق قول "انجمار كارلسون" (2) ، وهو أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين في أوربا: ((نحن نفتقد الإمكانات الموضوعية للنظر إلى الأصولية الإسلامية نظرة معقولة، وتناولها بأسلوب نقدي طبيعي، ولذا نعتبر الغرب الحديث مرادفاً للعقل، بينما نرى في الشرق عالماً متخلفاً يمشي على حافة الجنون، ويستحيل عليه مشاركتنا في   (1) الإسلام على مفترق الطرق (ص 52 - 53) . (2) يعمل الآن سفيراً في وزارة الخارجية السويدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الحوار والسجال على قدم المساواة ... إن صورة المسلم مطبوعة في وعينا على هذا النحو المخيف ... )) (1) . ويشير باحث غربي آخر اسمه " جيمس وولتز " في دراسة له عن مواقف الغربيين من المسلمين قبل الحروب الصليبية أن أوربا عاشت حالة من عدم المبالاة تجاه الإسلام والمسلمين مدة من الزمن، ثم تحول ذلك الموقف إلى نوع من العداء السياسي ما بين (710 - 1100 م) ، ثم تحول إلى عداء ديني مع مواجهة عسكرية في بعض المراحل، ثم يقرر هذا الباحث بعد ذلك: إن المترسخ في أذهان الأوروبيين عن الإسلام هو صورة قاتمة، وذلك بسبب العداء الذي ذكاه موقف الباباوات من الإسلام منذ اندلاع الحروب الصليبية، وإلى أيام استعمار الغرب للعالم الإسلامي الذي لم ينته إلا منذ بضعة عقود (2) . إن مضمون النصوص السالفة أصبح اليوم حقيقة علمية أكدها عدد من المتخصصين في الاستشراق (3) ، وفي ذلك دلالة على ضخامة حجم التشويه المتعمد، في تصورات الغربيين، وبخاصة المستشرقون منهم عن الإسلام. إن مُسلّمة " شاخت " التي بنى عليها نظريته في السنة النبوية، والدالة على أن علماء الحديث والفقه من المسلمين كانوا لا يتورعون عن الكذب في نسبة   (1) الإسلام وأوربا تعايش أم مجابهة؟ (ص 27) . (2) انظر كتاب صورة العرب في عقول الأمريكيين (ص22 - 23) . (3) انظر المستشرقون الناطقون بالإنجليزية (ص 94 - 96) ، رؤية إسلامية للاستشراق (ص 100 - 101) ، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري (ص 138 - 144) ، عبد الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام (ص 30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 أقوال لرسولهم صلى الله عليه وسلم؛ لا يمكن للعقل أن يقبلها؛ لأنها خرافية وخيالية إلى حد بعيد للأسباب التالية: 1 - هذه المسلَّمة مصادمة للطبيعة البشرية؛ وذلك لأن الصدق هو الأصل في معاملات البشر، ولذا فهو سهل وطبيعي، وراسخ الأركان، وأما الكذب فمهزوز مزعزع، معرض للهجوم باستمرار، ولا قوة فيه ولا خير، وهو قرين لكثير من الأمراض الاجتماعية كالسرقة والخوف والجبن والذل (1) ، وهو مضاد لروح التعاون الجماعي التي هي أساس قيام أي مجتمع. ولا يمكن لمجتمع مهما بلغ انحرافه أن يتواطأ كل من فيه من رجال ونساء، ولأجيال متعاقبة، وفي بلدان مختلفة، ومن أقاليم متعددة على الكذب على زعيمهم وقدوتهم، وقائدهم الذي يحبونه ويحترمونه. ومما يدل على أن مُسلّمة " شاخت " غير مقبولة عقلاً أن أحد مشاهير الغربيين، ويدعى " توماس كارليل " كتب مخاطباً قومه عاتباً عليهم في زعمهم أن المسلمين كذبة، فقال: ((لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يُظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع ومزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ... أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها الملايين الفائتة الحصر أكذوبة وخدعة؟! أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا   (1) انظر الأخلاق النظرية (ص 192 - 194) ، وأسس الصحة النفسية (ص 350) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الرواج، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول، فما الناس إلا بُله ومجانين، وما الحياة إلا سخف وعبث) (1) . ولاحظ هنا أن " كارليل" وصف مَنْ يقول بمثل قول " شاخت " بالعار والسخف المخجل والعبث. 2 - إن القرآن وهو كتاب المسلمين المقدس يقف من الكذب موقفاً شديداً جداً، حيث يجعل من كذب في الدين مستحقاً للإثم المبين قال تعالى {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} (النساء:50) ، كما أنه يجعله من صفات الكافرين قال تعالى {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (المائدة: 103) ، وأن الكاذب لا يفلح قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} (النحل: 116) ، وأنه من أظلم الظلم قال تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 144) . والخالق عز وجل هو القائل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7) ، فاتباع السنة من دين الله، فالكذب فيها كذب على الله، فموانع الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلمعند المسلمين قوية؛ لأنها تستند إلى نصوص قرآنية كثيرة جداً. 3 - إن الواقع التاريخي للمسلمين في فتوحاتهم ومعاملتهم مع أهل الأديان الأخرى يدل على تحلِّيهم بخصال الصدق والعدل والأمر بالمعروف   (1) الأبطال (ص 58) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والنهي عن المنكر، وهذه الأمور لا تتسق مع أخلاق الكذابين، وفي ذلك يقول الفيلسوف الألماني " كانت ": ((من نسيج الإنسان الفاسد لم يُصنع أي شيء مستقيم أبداً)) (1) . ويقول المستشرق " مونتجمري وات " مستدلاً بالتاريخ الأخلاقي، بوصفه حجة قوية على إخلاص محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه: ((إن الاعتقاد في إخلاص محمد تسنده حجة قوية، فاستعداده لأن يتحمل الأذى في سبيل معتقداته، والمستوى الأخلاقي الرفيع الذي اتصف به الرجال الذين آمنوا به واتخذوه إماماً، وعظمة المنجزات التي انتهى إليها، كل هذا ينم عن استقامته)) (2) . فكيف يريدنا " شاخت " أن نصدق أن أولئك العلماء الذين لم يُطعن عليهم في نزاهتهم الدينية، وتقواهم، ووفائهم بالعهود، وصدق تدينهم، كانوا يسكتون على كذب بعضهم البعض، ولماذا لا نجد في كتب الجرح والتعديل أو التاريخ والسير وصفهم لبعضهم البعض بالوضع والكذب، إذا كانت الحال كما يزعم " شاخت "؟ 4 - إذا كان المحدثون والفقهاء تعمدوا الوضع والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا إذن اهتموا بنقد الأحاديث؟، ولماذا تعبوا كل هذا التعب في نقد الراوة والتصنيف في علم الجرح والتعديل والعلل، مادام كله كذباً؟! 5 - لو كان الأمر كما يزعم " شاخت " أن علماء المسلمين كانوا إذا احتاجوا في مسألة إلى دليل وضعوا سنداً لأحد آراء الفقهاء، ونسبوه لرسول   (1) الأعمال الكاملة لكانت (8/23) ط برلين، نقلاً عن كتاب نسيج الإنسان الفاسد (ص 5) . (2) الوحي الإسلامي في العالم الحديث، نقلاً عن مناهج المستشرقين (1/ 210) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا لم يضعوا حديثاً بإسناد صحيح في حجية القياس، وهو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي، مع أن الحاجة ماسة لوجود مثل ذلك الحديث بديلاً لحديث معاذ رضي الله (1) عنه الذي ضعفه كثير من المحدثين؟ ولماذا لم يستطع الخليفة المأمون مع كل ما أوتي من قوة ونفوذ وسلطة واسعة أن يأتي بحديث واحد موضوع في مسألة خلق القرآن مع تحدي الإمام أحمد له وللمعتزلة بذلك؟ ((إن الحقيقة التي تتحدث عن نفسها هنا هي أنه لم يكن من الممكن أن يوضع حديث على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويمر من غير ملاحظة العلماء له)) (2) . إن تحيز " شاخت " واستسلامه الكامل للتعصب العنصري ضد المسلمين، أوقعه في مصادمة لأهم أصل من أصول المنهجي العلمي وهو الموضوعية.   (1) انظر تخريجاً مطولاً لهذا الحديث مع كلام بعض علماء الحديث في تضعيفه عند الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة (2 / 273 - 286) رقم الحديث [881] . (2) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 المبحث الثاني: الانتقائية في اختيار المصادر من أخطر العيوب المنهجية في البحث العلمي، أن يتوصل الباحث إلى نتائج محددة عامة تكون مبنية على معلومات مستقاة من مصادر غير متخصصة في موضوع بحثه. وهذا ما وقع فيه " شاخت " فقد توصل لنتائجه في السنة النبوية، معتمداً في ذلك على مصادر فقهية، وليست حديثيه، بل أكثر من ذلك أنني لم أجد في مصادره أي كتاب في علم مصطلح الحديث، أو الجرح والتعديل، أو العلل، أو التخريج، ومن يتجاهل هذه المصادر الأصلية في علم الحديث، كيف يمكن لنا بمقاييس المنهج العلمي أن نثق بنتائجه. ولإيضاح أهمية استيعاب المصادر الأصلية المتخصصة في البحث العلمي عند أساتذة المنهجية، ننقل بعض المقتطفات من كلامهم حول ذلك، ومنها هذا النص لشارل فيكتور لانجلوا - مؤلف أحد أهم كتب منهج البحث في علم التاريخ المعتمدة في الجامعات الغربية - الذي يقول فيه: ((إذا تراءى لي أن أعالج نقطة تاريخية، أياً كانت، فإني أتلمس الموضع أو المواضع التي ترقد فيها الوثائق الضرورية لمعالجتها ... ومن البين أن هذا العمل إذا لم يزاول مزاولة سليمة، أعني أنه إذا لم يعرف المرء قبل البدء في عمل تاريخي، كيف يحيط نفسه بكل المعلومات الميسرة له، فإنه يزيد بسهولة من مزالق خطر العمل على أساس وثائق غير كافية وهي مزالق وفيرة العدد مهما بذل من جهد. وكم من عمل من أعمال التاريخ عولج وفقاً لقواعد أدق المناهج قد أفسده، بل قضى عليه قضاء مبرماً، أمرٌ مادي بسيط هو أن المؤلف لم يقف على وثائق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 كان من شأنها أن توضح تلك التي كانت في متناول يده - واقتصر عليها-، وأن تكملها أو تنقضها)) (1) . ويقول الدكتور أحمد شلبي: ((ومن أهم ما يجب أن يلاحظ في المراجع تخصصها في النقطة التي يُبحث فيها، فإذا كان البحث مثلاً في التاريخ فمراجعه الأصلية العامة هي كتب التاريخ)) (2) . ويؤكد الدكتور صالح العساف أن معيار العلمية في مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية كما أشار كثير من علماء المنهجية هي: الدقة، إبراز الأدلة، واتباع المنهج العلمي بخطواته المختلفة، ومنها: ((جمع المعلومات عن المشكلة، متوخياً في ذلك البحث عن أصدق المصادر تأليفاً ومحتوى)) (3) . ويتفق أساتذة المنهجية، على أن من أهم واجبات الباحث، إن لم يكن من أولها، أن يحيط إحاطة تامة بمصادر بحثه الأصلية التي تكون شديدة الصلة به، ويؤكدون أن الاعتماد على مصادر ثانوية أو غير متخصصة يضر بالبحث ونتائجه (4) . إن آراء " شاخت " وأحكامه القطعية التي صرح بها حول السنة النبوية، لم يُراع فيها هذا الأصل المهم من أصول المنهجية في البحث العلمي.   (1) المدخل إلى الدراسات التاريخية، مطبوع ضمن كتاب النقد التاريخي (ص 5 - 6) والكتاب اشترك في تأليفه لانجلوا وزميله سينوبوس، والفصل الأول إلى السادس من كتابة لا نجلوا. (2) كيف تكتب بحثاً أو رسالة (ص 61) بتصرف يسير. (3) المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 297) . (4) البحث الأدبي (ص296، 297) ، مناهج البحث العلمي (ص 184 - 185) ، منهج البحث في الأدب واللغة (64 - 65) ، مزالق في طريق البحث اللغوي والأدبي (ص 25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وفي ذلك يقول الدكتور الأعظمي: ((لقد كان لسوء اختيار المستشرقين مواد دراسة الأسانيد أكبر الأثر في وقوعهم في أخطار جسيمة، نجمت عن سوء ذلك الاختيار في انتقاء المواد لهذه الدراسة ... وبالتالي وصلوا إلى نتائج خاطئة؛ لاختيارهم مواد غير مناسبة للبحث والتنقيب عما يريدون. لقد قام البروفسور " شاخت " بدراسة كتاب الموطأ للإمام مالك، والموطأ للإمام محمد الشيباني، وكتاب الأم للإمام الشافعي، وغني عن القول: أن هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث، وعلى الرغم من ذلك فقد عمم نتيجته التي توصل إليها في دراسته لتلك الكتب، وفرضها على كتب الحديث كافة، وكأنه ليست هناك كتب خاصة بالأحاديث النبوية، وكأنه ليس هناك فرق بين طبيعة كتب الفقه وكتب الحديث)) (1) . والخطأ المنهجي الذي وقع فيه " شاخت " هو أنه انتقى المراجع التي يمكن أن يجد فيها ما يؤيد بحثه؛ ذلك لأن الكتب الأخرى غير كتب الحديث، لا يهتم أصحابها بسياق السند كاملاً، ويؤكد ذلك قول الشافعي رحمه الله تعالى: ((وكل حديث كتبته منقطعاً فقد سمعته متصلاً أو مشهوراً عمَّن رُوِي عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه عن عامة، ولكن كرهت وضع حديث لا أتقنه حفظاً، فاختصرت خوف طول الكتاب، فأتيت ببعض ما فيه الكفاية دون تَقَصِّي العلم في كل أمره)) (2) .   (1) دراسات في الحديث النبوي (2 / 397 - 398) . (2) الرسالة (ص 431) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ويقول أبو يوسف القاضي في رده على الأوزاعي: ((ولولا طول الكتاب؛ لأسندت لك الحديث)) (1) . ويرى الدكتور الأعظمي أن من الظواهر التي تختص بها كتب الفقه من حيث الاستشهاد بالأحاديث: 1 - حذف جزء من الإسناد، والاكتفاء بأقل قدر ممكن من المتن الذي يدل على المقصود، وذلك تجنباً للتطويل. 2 - حذف الإسناد بكامله، والنقل مباشرة من المصدر الأعلى للراوية. 3 - استعمال كلمة السنة أو إحدى مرادفاتها للدلالة على أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر حديث أو إسناد؛ لأن الحديث كان معروفاً ومشهوراً في الأوساط العلمية. 4 - ذكر طريق واحد فقط من الإسناد من عدة طرق متوافرة (2) . وبإدراك هذه الفروق يتحقق لكل صاحب نظر صحيح أن " شاخت " قد ارتكب خطأ علمياً جسيماً بإجرائه لدراسته عن الأحاديث النبوية من خلال الكتب الفقهية، وبحسب أصول المنهج العلمي الصحيح، فإنَّ أيَّ دراسة أو نتيجة يصل إليها الباحث في الأحاديث النبوية أو الأسانيد في غير مصادرها الأصلية ذات الاختصاص المباشر، ونعني بها كتب الحديث بمختلف أنواعها رواية ودراية، محكوم عليها بالإخفاق ومجانبة الحقيقة؛ لأنها لن توصل إلى النتيجة السليمة والمنطقية بل ستكون مخالفة للواقع (3) .   (1) الرد على سير الأوزاعي (ص 31) . (2) دراسات في الحديث النبوي (2 / 404) ، أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 321) ، وقد ساق عدة شواهد تطبيقية على ذلك. (3) دراسات في الحديث النبوي (2 / 405) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ثم هناك أمر آخر يظهر منه عدم مصداقية " شاخت " في انتقائه لمصادره، ذلكم هو أنه يعتمد كتابات الإمام الشافعي اعتماداً كلياً، مع أنه في نظره متهم بأنه كثيراً ما يحرف في أصول مخالفيه ومبادئهم، ويسوق على ذلك أكثر من ثلاثين مثالاً، ويطعن عليه بأنه يزيد من عنده في كلام خصومه ويسوق على ذلك عدة أمثلة (1) . والسؤال: إذا كان الإمام الشافعي غير موضوعي عند "شاخت " فهل يجوز في معايير المنهج العلمي أن يعتمد عليه؟ وما المعايير التي تجعله يقبل كلامه أحياناً، ويرفضه أحياناً بدون أي مسوِّغ منطقي؟.   (1) المستشرق شاخت والسنة النبوية (ص 89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 المبحث الثالث: الشك غير المنهجي يعطي أساتذة المنهجية الشك المنهجي مكانة مهمة، عبّر عنها أحدهم بقوله: ((في كل علم ينبغي أن تكون نقطة البدء هي الشك المنهجي. فكل ما لم يثبت بعد، ينبغي أن يظل مؤقتاً موضوعاً للشك، ولتوكيد قضية ما ينبغي تقديم الأسباب التي تبرر الاعتقاد بأنها صحيحة صادقة)) (1) . وقد عرف مجمع اللغة العربية الشك المنهجي بأنه: ((مرحلة أساسية من مراحل منهج البحث في الفلسفة، وقوامها تمحيص المعاني والأحكام تمحيصاً تاماً بحيث لا يُقبل منها إلا ما ثبت يقينه، ومن أبرز من قال به الغزالي ثم ديكارت. فعلى الباحث أن يحرر نفسه من الأفكار الخاطئة " بالشك "، وأن يتروَّى فيما يعرض له، فلا يتسرع في حكمه)) (2) . وفي تعريف آخر للأستاذ جبور عبد النور: ((هو موقف يتميز عن الشك الارتيابي بأنه وقتي، ويُسلِّم بالمقدرة على بلوغ حقائق أكيدة شرط التمكن من التدليل عليها)) (3) . ولنا أن نتساءل بعد أن عرفنا ما هو الشك المنهجي: متى يكون الشك في معايير البحث العلمي غير منهجي؟ والجواب الصحيح عن هذا السؤال: بأنه يكون كذلك إذا كان الشك فيه إفراط وإنكار ونفي من دون بينة أو قرينة مقبولة، ولذا نجد أن أساتذة المنهجية الذين حثوا على الشك المنهجي، قد حذروا منه أيضاً، ومن هؤلاء   (1) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 122) . (2) المعجم الفلسفي (ص 103) . (3) المعجم الأدبي (ص 154) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 "لانجلوا" فقد حذر المؤرخين من الإفراط في الشك، ناصحاً لهم بعد أن شدد على أهميته، فقال: ((ينبغي ألا نسيء استعماله، فإن الإفراط في الشك والاتهام في هذه الأمور، يكاد يكون له نفس النتائج الضارة؛ للإفراط في الثقة والاعتقاد)) (1) . ويقول الدكتور علي جواد الطاهر: ((الشك ضروري على أن يكون علمياً، وفي حدود الحقيقة، وأن يقع في السلب والإيجاب، وفيما لنا، وما علينا. أما الشك المرضي أو الشك الذي تدفعك إليه نزوة في مخالفة المألوف ... فهو خارج حدودنا، وليس من وكدنا)) (2) . والذي وقع فيه " شاخت " هو أنه رفض القبول ببعض الأمور المتعلقة بالسنة النبوية ورواتها، بناءً على شك لا يستند إلى دليل أو قرينة مقبولة علمياً، ومن صنيعه في ذلك زعمه بأن كافة كتب التراجم التي تبحث في ترجمة موسى بن عقبة غير موثوق بها، والسبب - في نظره - يرجع إلى أنه قد زِيدَ في أسماء شيوخ موسى، وكذلك في أسماء تلامذته بعد أن كثرت الأحاديث الموضوعة وأسانيدها المختلقة، ويحيل " شاخت " القراء إلى أن يقوموا بموازنة بين ترجمة موسى بن عقبة في " طبقات ابن سعد "، و" التاريخ الكبير للبخاري "، وهما من أقدم المصادر، وما كتب عنه في المصادر المتأخرة ليتبين لهم الفرق، إذ المصادر القديمة مقتضبة بعكس المصادر المتأخرة،   (1) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 75) . (2) منهج البحث الأدبي (ص46) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 والخلاصة التي يخرج بها القارئ من كلام " شاخت " أن كتب التراجم كلها ليست جديرة بالثقة (1) . وقد تولى الدكتور الأعظمي (2) تفنيد هذا الرأي بأسلوب علمي رصين، حيث بيَّن أن محاولة زرع الشك في قلوب الباحثين حول قيمة كتب التراجم استناداً إلى التراجم المقتضبة لموسى بن عقبة لا يستند إلى أي دليل علمي؛ لأنه لا أحد من أولئك العلماء زعم أنه سيحاول استقصاء كافة المعلومات عن كل شخص يترجم له. ثم ساق الأعظمي مثالاً وازن فيه ترجمة شعبة بن الحجاج في ثلاثة مصادر من كتب التراجم هي: " الطبقات " لابن سعد (ت 230 ?) ، وكتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (ت 241 ?) ، وكتاب "التاريخ الكبير" للبخاري (ت 256 ?) . فكانت النتيجة أن ابن سعد (3) ترجم له في تسعة أسطر ولم يذكر من شيوخه أو تلاميذه أحداً، أما البخاري (4) فترجم له في ثمانية أسطر ذاكراً اثنين من شيوخه، وكذلك تلامذته لم يذكر إلا اثنين فقط، أما الإمام أحمد (5) الذي توفي بعد ابن سعد، وقبل البخاري فيذكر لشعبة مائة وخمسين شيخاً.   (1) كلام " شاخت " عن موسى بن عقبة نشره في إحدى المجلات الاستشراقية اسمها "Acra Orientalia" مجلد 21 سنة 1953م (ص 288 - 300) ، وقد لخصه الدكتور الأعظمي في كتابه دراسات في الحديث النبوي (2 / 386 - 387) . (2) دراسات في الحديث النبوي (2 / 388 - 390) . (3) الطبقات الكبرى (7 / 280 - 281) . (4) التاريخ الكبير (4 / 244 - 245) . (5) العلل ومعرفة الرجال (1 / 472 - 475) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وطبقاً لنظرية " شاخت " لنا أن نتساءل: إذا كانت الأحاديث الموضوعة والأسانيد المختلقة كانت وراء تكاثر أسماء شيوخ شعبة في مدة أحد عشر عاماً، هي الفاصل الزمني بين وفاتي ابن سعد وابن حنبل، بحيث ارتفع العدد من الصفر عند الأول إلى مائة وخمسين عند الثاني، فما الطريقة التي استعملها البخاري بحيث تمكن من إرجاع ذلك العدد الكبير إلى اثنين فقط، وبعد مضي خمسة عشر عاماً أخرى؟ وكيف تقلصت القائمة عند البخاري عن قائمة ابن حنبل، وكان من المفروض بناءً على نظرية " شاخت " أن تنمو أكثر فأكثر؟ ومثال آخر على استعمال هذا المستشرق للشك بصورة غير علمية ألبتة: وهي طعنه في "سلسلة الذهب "عند المحدثين أعني حديث مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقد شكك في ثبوت سماع مالك من نافع مولى ابن عمر، وهذه نص عبارته المترجمة: (بما أن نافعاً مات في سنة 117 ? أو قريباً منها، ومات مالك في سنة 179?، فعلاقتهما ممكنة الوقوع عندما كان مالك فتى. بل ربما كان موضع شك أيضاً ما إذا لم يأخذ مالك - الذي يتهمه الشافعي في موضع آخر بالتدليس - مروياته من أحاديث مدونة يزعم مجيئها عن نافع) ثم يذكر في الحاشية: ((ليس هناك تاريخ موثوق معروف لميلاد مالك)) (1) . وقد نص جمهور العلماء على أن مالكاً رحمه الله قد ولد سنة 93? وهذا أصح الأقوال، وذهب البعض إلى أن ولادته كانت سنة 90، وقيل 94،   (1) هذا النص من كتاب أصول الفقه المحمدي لشاخت (ص 176 - 177) ، نقلاً عن " أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية " (ص 299 - 300) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وقيل 95، وقيل 96، وقيل 97 ? (1) . فعلى الرأي الراجح يكون عمره حين مات نافع في الرابعة والعشرين، وعلى أبعد الأقوال يكون عمره في العشرين، ومالك كنافع كلاهما من أهل المدينة، فهل يمتنع في العقل أن يكون تتلمذ عليه وسمع منه، أليس في زمننا أناس كثر يتخرجون في الجامعة وهم في الثانية والعشرين من عمرهم أو أقل؟! إن المثالين اللذين ذكرتهما عن استعمال " شاخت " للشك غير المنهجي هما غيض من فيض شكوك تفتقر لمقومات الشروط المعتبرة في الشك المنهجي، ولكن المقام لا يحتمل الاسترسال في ذكر الشواهد والرد عليها. ولابد هنا من التذكير بأن المنهج العلمي الصحيح لا يقر الخلط بين الشك المنهجي والرفض العلمي المبني على دليل؛ لأن الشك يكون مشروعاً ومطلوباً في البحث العلمي بوصفه خطوة أولى هدفها هو التثبت في الأمر، ولا يحق للباحث أن يرفض كل -أو بعض- ما يدَّعيه مخالفه من أدلة تدعم رأيه لا لشيء إلا؛ لأنها تؤيد رأيه، ذلك لأن للمخالف أيضاً أن يعامله بالمثل فيقول له: إنما رفضت دليلي؛ لأن قبوله يضعف رأيك، ونصرت غيره؛ لأنه يؤيد وجهة نظرك، فلابد للشك حتى يكون علمياً من معايير موضوعية علمية بعيدة عن الذاتية والتحيز (2) .   (1) ترتيب المدارك (1 / 110) . (2) من طرائف ما وقفت عليه أن تلميذ المستشرقين المخلص " طه حسين " الذي توسع في تطبيق الشك في دراساته الأدبية، وجدته ينعى على المستشرقين سوء استعمالهم للشك حين تكون بحوثهم تتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلموسيرته، بينما موقفهم من شعر أمية بن الصلت موقف المتيقن المطمئن مع أن أخباره ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة النبوية، ثم يتساءل بتعجب: فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو من الأخبار دون الآخر؟ أيكون المستشرقون أنفسهم لم يبرؤوا من هذا التعصب الذي يرمون به الباحثين من أصحاب الديانات. انظر في الأدب الجاهلي (ص 143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المبحث الرابع: إهمال الأدلة المضادة من أسوأ العيوب المنهجية، وأشدها خطورة على نتائج أي بحث علمي، هي أن يتجاهل الباحث الأدلة المضادة - يعني المخالفة - لرأيه سواءً أكان ذلك بسبب إهماله أم تحيزه أم لأي سبب آخر، ويصف أحد المفكرين الغربيين العالم أو الباحث الذي يخفي الأدلة التي لا تؤيد نظريته بأنه يعد في عالم العلم ((مثل المالي الغشاش، أو المحاسب الذي يزيف في دفاتره في عالم المال)) (1) . ويذكر أحد أساتذة المنهجية أن من أهم العوائق التي تحول بين الباحث، والوصول إلى الحقيقة: تجاهل الأدلة المضادة، وعليه فإن الدليل المضادَّ يجب أن يُعطى وزن الدليل المؤيد نفسه، حتى لو كان في ذلك تغيير لمنطلقات البحث الأساسية؛ لأن هدف الباحث الأول هو الوصول إلى الحقيقة (2) . ويؤكد آخر بأنه ينبغي للعالم أن يكون كالقاضي النزيه الذي يسعى وراء الأدلة التي تنفي آراءه أكثر من تلك التي تؤيدها (3) . ولبيان خطورة الأدلة المضادة على نتائج أي بحث علمي، سنقتطف هذين النصين، أحدهما للدكتور توفيق الطويل يقول فيه: ((إن الأمثلة الإيجابية - أي التي تؤيد صحة فرض من الفروض - لا تكفي لإثبات صدقه؛ لأن الشواهد السلبية التي تنفي صحته أهم في مجال الاختبار والتمحيص من الشواهد المؤيدة   (1) الأخلاق النظرية (ص 190 -191) . (2) كيف تكتب بحثاً (ص 31 - 32) . (3) فلسفة العلوم (ص94) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 له، بل إن مثالاً واحداً يتنافى مع الفرض يكفي لهدمه، وبيان فساده بإلغاء عدد الشواهد المؤيدة لصدقه)) (1) . والآخر لأحد رواد علماء المنهجية في العصر الحديث وهو فان دالين (2) ، يقول فيه: ((وبصرف النظر عن مقدار الأدلة التي أمكن التوصل إليها لتأييد فرض من الفروض، فإن بنداً واحداً يحمل دليلاً معارضاً، يمكن أن يثبت بطلان ذلك الفرض)) (3) . بعد أن قررنا هذا الأمر من الكتب المختصة، يأتي الآن دور النظر في مخالفات " شاخت " لهذا الأصل الخطير من أصول المنهجية العلمية مع ذكر بعض الأمثلة. سبق معنا أنَّ " شاخت " يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مبالياً بأمور الشريعة - أي القانون كما ورد في تعبيراته - ولهذا فلم تكن سلطته في المدينة النبوية لمَّا هاجر إليها سلطة تشريعية (4) . إن " شاخت " أهمل هنا الأدلة المعارضة، وهي الأدلة القرآنية التي تذكر بجلاء وجوب اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، ومن ذلك مثلاً:   (1) مسائل فلسفية (ص 109 - 110) . (2) يقول الدكتور صالح العساف في كتابه المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية (ص 284) : (فان دالين هو من رواد علماء المنهجية، ويعد كتابه " مناهج البحث في التربية وعلم النفس " مرجعاً أساسياً لكثير ممن كتب في المنهجية فيما بعده) . (3) مناهج البحث في التربية وعلم النفس (ص 229) . (4) أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص30 - 31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59) . وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: 65) . وقوله تعالى: {ِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} (النساء: 105) . وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) . وقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب: 36) . إن تدبُّر هذه الآيات يعطينا نتيجة مخالفة كلياً لرأي " شاخت " الآنف، تدحض خيالاته بصورة أكيدة. ولفداحة هذا الخطأ المنهجي، تخلى بعض المستشرقين (1) عن رأي "شاخت" السابق، وعارضوه فيما توصل إليه من نفي السلطة التشريعية عن   (1) انظر نصوصاً مختصرة عن بعضهم في أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية (ص 33 - 34) ، والمستشرق شاخت والسنة النبوية (ص 78 - 79) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء تلميذه المستشرق " كولسون " الذي صرح بمعارضته لرأي أستاذه مستدلاً على رأيه بقوله: ((إن القرآن كان قد أثار قضايا اهتم بها المجتمع الإسلامي اهتماماً مباشراً بطبيعة الحال، ولا بد أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه اضطر لتناولها بحكم سلطته السياسية والتشريعية في المدينة ... وحينما يجحد - يعني " شاخت " - صحة كل حكم منسوب في الواقع للنبي صلى الله عليه وسلم فإن فجوة ستنشأ - أو تختلق بالأحرى - في تصور تطور التشريع الإسلامي في المجتمع المسلم الباكر، ومن منطلق واقعي، بأخذ الظروف التاريخية السائدة آنذاك في الحسبان، فإنه يبدو من الصعب التسليم بهذا الفهم المؤدِّي لمثل هذه الفجوة ... واقتراحي هو أن مادة أحاديث كثيرة-وبخاصة تلك التي تتناول مشكلات يتكرر ظهورها وتثيرها التشريعات القرآنية- قد تعبر حقيقة في أقل تقدير عما يقترب من حكم النبي صلى الله عليه وسلم الذي حفظه النقل الشفهي العام في أول الأمر)) (1) . لا يمكن لأحد أن يزعم أن " شاخت " لم يكن مطلعاً على القرآن، وملماً بكلياته العامة ومبادئه الأساسية، ولذا كان تجاهله لنصوص القرآن في تقرير تلك المسألة خطأ منهجياً مرفوضاً حتى مِنْ قِبَلِ معجبيه ومؤيديه كما رأينا. ومن أمثلة تجاهل هذا المستشرق للأدلة المضادة لآرائه، قاعدته التي ذكرناها فيما تقدم وفحواها: ((السكوت عن الحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده)) (2) .   (1) في تاريخ التشريع الإسلامي (ص 94) . (2) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 697) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وقد أهمل الأدلة المضادة لهذه القاعدة بصورة فاضحة جداً، مع أنه يتكلم على قاعدة عامة يستعملها لبيان الأحاديث الموضوعة والمكذوبة في زعمه، وقد تولى الدكتور ظفر إسحاق الأنصاري (1) مناقشة هذه القاعدة بأسلوب علمي رفيع جداً، وسأقوم بتلخيص كلامه مبرزاً جانب تجاهل الأدلة المضادة. يرى الدكتور ظفر أنه من غير الممكن ادعاء صحة حجة شاخت إلا إذا كوَّنَّا الافتراضات التالية: 1 - كلما ذكرت الأحكام الشرعية في القرنين الأول والثاني، ذكرت معها أدلتها المؤيدة، ولا سيما الأحاديث. 2 - إن الأحاديث المعروفة لأحد الفقهاء أو المحدثين ينبغي أن تُعرف بالضرورة عند كل فقهاء عصره ومحدثيه. 3 - إن كل الأحاديث المتداولة في فترة زمنية معينة كانت مدونة ومعروفة على نطاق واسع، ومن ثم حفظت بحيث إذا لم نُوفق في إيجاد حديث ما ضمن أعمال عالم معروف، فإن ذلك يعني عدم وجوده في عصره، أو عدم وجوده في بلده أو في أي مكان آخر من العالم الإسلامي. هذه الافتراضات وإن لم يصرح بها " شاخت "، إلا أنها لازمة لقاعدته المذكورة آنفاً وهي الأسس الداعمة لتكوينها التي لولاها لانهارت. ولا يشك العارف بتاريخ التشريع الإسلامي فقهاً وحديثاً في عدم صحة هذه الافتراضات، بل إن الأدلة تنقضها، وأحسن طريقة لمعرفة سلامة قاعدة "شاخت" هي أن نقوم بما يمكن تسميته " بالاستدلال العكسي " الذي سيظهر من خلاله إهمال هذا المستشرق للأدلة المضادة.   (1) السابق (ص 694 - 706) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 إن الطريقة التي طبق بها " شاخت " قاعدته السابقة كانت تعتمد على أن الحديث الذي يُذكر في مصدر متأخر، وليس في مصدر متقدم عليه زمناً يدل على أنه قد تم اختلاقه ووضعه في الفترة الزمنية الواقعة بعد حياة المؤلف الذي لم يذكره. و" الاستدلال العكسي " لقاعدة " شاخت " يكمن في الإجابة عن تساؤل مهم مفاده: هل يمكن أن توجد أحاديث نبوية في مصدر متقدم ثم لا توجد في مصدر متأخر؟ فإن ثبت وجود ذلك انهارت قاعدة " شاخت "، وإن لم يثبت شيء من ذلك كانت قاعدته صحيحة، وكان من الواجب عليه أن يتحقق من صحة هذه القاعدة ببيان سلامتها من الأدلة المضادة، وهنا يجب علينا استحضار كلام أساتذة المنهجية المتقدم الذي يؤكد أن وجود شاهد واحد مخالف للفرض العلمي يكون كافياً في نقضه. ولقد تمكن الدكتور ظفر الأنصاري من بيان أن عدداً كبيراً من الأحاديث الموجودة ضمن المصنفات الأولى، لم تكن ضمن مصنفات الفترة الزمنية اللاحقة لها بغض النظر عن المصنفات المعاصرة، وهذا مما يؤكد أن فقهاء ذلك العصر - في القرنين الأول والثاني الهجريين - كان من عاداتهم عدم الالتزام بذكر كل الأحاديث التي يعلمونها، بما في ذلك الأحاديث التي تدعم أحكامهم الفقهية. ولبيان ذلك قام الدكتور ظفر الأنصاري بإجراء موازنة بين كتابي " آثار أبي يوسف القاضي "، وكتاب " الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني " موضحاً بالأمثلة أن عدداً كبيراً من الأحاديث المدونة في الكتاب الأول ليست في الثاني، على الرغم من أن محمد بن الحسن الشيباني كان أصغر سناً من أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 يوسف الذي كان في الواقع شيخه أيضاً، وفضلاً عن ذلك فقد دوّن الشيباني كتب أبي يوسف، وألف هو نفسه كتباً، وهي إما أنها كانت مبنية على مؤلفات أبي يوسف أو مشابهة لها من حيث الموضوع، وبإثبات وجود عدد كبير من الأحاديث التي يذكرها أبو يوسف القاضي، وليست في مؤلفات الشيباني المشابهة، فإن ذلك يقوض صلاحية تلك الافتراضات المذكورة آنفاً، وهي وحدها التي تثبت صحة قاعدة " شاخت ". كما قام الدكتور ظفر الأنصاري أيضاً بإجراء موازنة بين " الموطأ " للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، و" الموطأ " برواية محمد بن الحسن الشيباني على اعتبار أن موطأ الشيباني هو المتأخر، وموطأ مالك برواية الليثي هو المتقدم، وذلك التزاماً بطريقة " شاخت " نفسه؛ لأنه يعامل " الموطأ " برواية الشيباني على أنه المصنف المتأخر بالنظر إلى وفاته، و" الموطأ " برواية الليثي هو المتقدم بالنظر إلى وفاة مالك. ثم وضح بالأمثلة أن عدداً كبيراً من الأحاديث الموجودة في موطأ مالك، ليست في موطأ الشيباني على الرغم أنه كان الأصغر سناً، بل أكثر من ذلك وجد بعض الأمثلة التي توجد في موطأ مالك، وهي مؤيدة لبعض أحكام المذهب الحنفي الذي ينتمي له محمد بن الحسن الشيباني، وليست في روايته للموطأ. ثم ختم الدكتور ظفر الأنصاري بحثه بقوله: ((إن هذا يبين أنه على الرغم من عدم وجود سبب للاعتقاد بأن الشيباني لم يكن عارفاً بهذه الأحاديث، فإن مصنفه لم يسجلها، وهي حقيقة تبطل الافتراض الذي يقوم عليه منهج " شاخت " في محاولته لإثبات نشوء الأحاديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وبهذا الصدد فإن الاحتمالات التالية التي يبدو كل واحد منها مقنعاً قد تم تجاهلها كلية: 1 - أن الشخص المعني ربما يكون قد سمع الحديث ثم نسيه. 2 - أنه ربما يكون سمع الحديث، ولم يره صحيحاً. 3 - أنه ربما يكون قد علم بحديث ما، ولكن ... لم تصلنا كل الأحاديث المعروفة عند الفقهاء ... إن تجاهل كل هذه الاعتبارات، وكثيراً من البراهين المضادة، والإصرار على شك مفرط، لا يمكن أن يعد من شيم المؤرخين الحصيفي الرأي)) (1) . وبقي أن نلفت الأنظار إلى أن مجرد الاعتماد على سكوت المصادر في نفي صحة المعلومات التي تثبتها مصادر أخرى، لا يعد عملاً مقبولاً علمياً عند أساتذة المنهجية الغربيين المتخصصين في التاريخ من أمثال " وودي " الذي يقول: ((لا تحكم على المؤلف بأنه يجهل أحداثاً معينة بالضرورة؛ لأنه أغفل ذكرها، ولا تظن للسبب نفسه أن تلك الحوادث لم تقع فعلاً)) (2) . وفيما تقدم تجلية لتهافت منهجية " شاخت " الذي يبدو أن من أساسيات طريقته في البحوث التي يجريها حول السنة النبوية، تجاهل إن لم يكن "حجب" الأدلة المضادة التي تخالف أحكامه التعسفية الجائرة.   (1) توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت (ص 705 - 706) . (2) مناهج البحث في التربية وعلم النفس (ص 275) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 المبحث الخامس: التفسير المتعسف للنصوص يمكن لأي باحث مبتدئ في قضايا التاريخ أن يقع في سوء فهم لبعض العبارات أو المصطلحات الموجودة في النصوص القديمة، ولكن أساتذة المنهجية وضعوا قواعد في فهم العبارات، أوجبوا على كل باحث في التاريخ أن يراعيها، يقول: "لانجلوا" ((ينبغي أن نتعلم كيف نقاوم الغريزة التي تدفعنا إلى تفسير كل عبارات النص بالمعنى الكلاسيكي أو المعنى العادي ... ويقضي المنهج بتعيين المعنى الخاص للكلمات في الوثيقة، ويقوم على بعض مبادئ بسيطة جداً: 1 - إن اللغة في تطور مستمر من شأنه أن يفسدها، ولكل عصر لغته الخاصة التي ينبغي النظر إليها على أنها نظام خاص من الرموز والعلامات، وعلى هذا فإنه لفهم وثيقة ما، ينبغي معرفة لغة العصر، أعني معنى الألفاظ والصيغ في العصر التي كتبت فيه الوثيقة. ومعنى اللفظ يتعين بجمع المواضع التي استعمل فيها ... 2 - والاستعمال اللغوي يمكن أن يختلف من إقليم إلى آخر، ولهذا ينبغي معرفة لغة الإقليم الذي كتبت فيه الوثيقة، أعني المعاني الخاصة المستعملة بها الألفاظ في الأقاليم المختلفة. 3 - ولكل مؤلف طريقته الخاصة في الكتابة، ولهذا يجب أن ندرس لغة المؤلف، والمعنى الخاص الذي استعمل به الكلمات ... 4 – ويختلف معنى التعبير بحسب الموضع الذي يوجد فيه، ولهذا ينبغي ألاّ تفسر كل كلمة وكل جملة، مفردة بل بحسب المعنى العام (السياق) ، وقاعدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 السياق هذه قاعدة أساسية في التفسير، وتقضي بأنه قبل أن أستعمل جملة من نص أن أقرأ النص كله أولاً ... وهذه القواعد لو طبقت بدقة تؤلف منهجاً دقيقاً في التفسير، لا يكاد يترك مجالاً للخطأ) (1) . إن طبيعة كتابات " شاخت " المتعلقة بالسنة النبوية تنتمي إلى نوعية البحوث التاريخية بحسب المقاييس الغربية، كما أن النص الذي نقلناه آنفاً هو لمؤرخ فرنسي توفي سنة 1929م، وقد صدر كتابه الذي نقلنا منه في سنة 1898م (2) ، وهو معتمد على مراجع ألمانية منها كتاب " متن في المنهج التاريخي " لأرنست مانهايم، فلذلك أستبعد أن يكون " شاخت " - الذي هو من أصل ألماني ويكتب باللغة الفرنسية كما ورد معنا في ترجمته -، لم يطلع على القواعد المذكورة آنفاً في أحد المراجع، إلا أن يكون كتب بحوثه التاريخية من دون أن يتعلم منهج البحث التاريخي!. لقد خالف " شاخت " تلك القواعد في عدد من كتاباته، ومن ذلك مثلاً أنه فسر كلمة " الفتنة " التي وردت في كلام ابن سيرين الذي يقول فيه: ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت " الفتنة "، قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)) (3) ، بقوله: ((الفتنة التي بدأت بمقتل الوليد بن يزيد " ت 126 ? "، على مقربة من نهاية الدولة الأموية، كان تاريخاً مصطلحاً عليه، لاعتباره   (1) المدخل إلى الدراسات التاريخية (ص 114 - 116) . (2) انظر مقدمة عبد الرحمن بدوي لهذا الكتاب في " النقد التاريخي " (ص 9) . (3) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1 / 15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 نهاية الأيام الجميلة القديمة ... وبما أن تاريخ وفاة ابن سيرين هو 110 ?، لذلك لا بد أن نعد نسبة هذا الكلام إلى ابن سيرين غير صحيحة، والأثر موضوع. وعلى كل فليس هناك ما يدعو إلى أن نقبل أن بداية الإسناد تسبق في وجودها بداية القرن الثاني الهجري)) (1) . وبناء على مقتضى القواعد التي تقدم ذكرها في منهجية الفهم من النصوص التاريخية، سنرى أن تفسير " شاخت " متعسف جداً لما يلي: 1 - من المعلوم أن ابن سيرين ولد عام 33 ?، وتوفي عام 110 ?، وله من العمر 77 سنة (2) ، فالزعم أن معنى الفتنة يقصد بها مقتل الوليد بن يزيد سنة 126 ?، مصادم لتاريخ وفاة ابن سيرين. 2 - بالنظر في مصطلح الفتنة عند ابن سيرين وجدناه يطلقها على ما جرى بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلممن قتال بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه، ففي نص صحيح السند عن ابن سيرين نفسه يقول فيه: ((هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمعشرة آلاف، فما خف لها منهم مائة)) (3) . ومن المعروف أنه يستحيل أن يكون هذا العدد الكبير من الصحابة على قيد الحياة سنة 126 ? حين مات الوليد بن يزيد، مما يرجح أن المقصود هو ما حدث من قتال بين معسكري علي ومعاوية رضي الله عنهما بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.   (1) نقلاً عن دراسات في الحديث النبوي (2 / 394 - 395) . (2) انظر تهذيب الكمال (25 / 353 - 354) . (3) العلل ومعرفة الرجال لأحمد (2 / 466) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وفي نص آخر عن ابن سيرين قال: ((عن عبيدة السلماني قال: سمعت علياً يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد ألا يبعن. قال: ثم رأيت بعد أن يبعن. قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. أو قال في الفتنة. قال فضحك علي)) (1) . ففي هذا النص دلالة واضحة على أن مصطلح الفتنة في هذه الرواية التي جاءت من طريق ابن سيرين نفسه المراد بها قتال علي رضي الله عنه لخصومه. وفي نص آخر أيضاً قال ابن سيرين: ((قال: قال رجل: ما منا أحد أدركته الفتنة إلا لو شئت لقلت فيه، غير ابن عمر)) (2) . ومن المعروف أن ابن عمر رضي الله عنهما قد اعتزل الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فلم يشارك مع أحدهما ضد الآخر. 3 - النظر في سياق النص يعطينا دلالة واضحة على أن ابن سيرين يتحدث عن عادة ظهرت قبل أيامه، لذلك يستعمل ضمير الغائب في النص كله: " كانوا لا يسألون … قالوا: سموا لنا … "، ولم يستعمل ضمير المتكلم، فعدوله عن استعماله إلى ضمير الغائب مع صيغة الماضي يشير في الواقع إلى أن هذا الاتجاه سابق له، ومتقدم عليه (3) . ومثال آخر على تعسف " شاخت " وتحكمه في فهم النصوص التاريخية وتفسيرها، فقد علق على حديث أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه، ونص   (1) المصنف لعبد الرزاق (7 / 291) . (2) السنن لسعيد بن منصور (2 / 399) . (3) دراسات في الحديث النبوي (2 / 396) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الحديث كما يلي: ((حدثني عبد الله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: حزنت على من أصيب بالحرة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: "اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار" وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار)) (1) . فقال: ((يمدح هذا الحديث حزب الأنصار، الذي كان موالياً للحكام، وفي صف العباسيين، وعلى هذا الأساس لا تصح نسبة هذه الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم)) (2) . وقد فَنَّد الأعظمي (3) هذا الفهم العجيب من " شاخت " بما ملخصه: 1- لا نجد كلمة واحدة في هذا الحديث في مدح الأنصار كما يظهر من سياق الحديث وعباراته، وإنما يوجد فيه استغفار للأنصار ودعاء لهم، والله سبحانه وتعالى هو الذي أمر نبيه بالاستغفار، قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159) . 2- أثنى الله عز وجل على الأنصار في غير ما موضع في كتابه الكريم، كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ   (1) أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة (ص 78) رقم الحديث [10] . (2) بحث لشاخت بعنوان " على كتاب المغازي لموسى بن عقبة "، نقلاً عن ترجمة الأعظمي في كتابه منهج النقد (ص 137) . (3) منهج النقد عند المحدثين (ص 141 - 142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100) . فالقرآن يعطي الأنصار أكثر مما أُعطوا في الحديث الآنف، فإذا كان قد اخترع في منتصف القرن الثاني أو بعده لمصلحة الأنصار الموالين للعباسيين والمعادين للعلويين، فلا ندري من الذي اخترعه واخترع معه تلك الآية وما يشبهها من آيات تثني على الأنصار وتعطيهم منزلة تفوق ما ورد في الحديث. 3- مما يؤكد أنَّ الحديث لا يفهم منه أنه ضد العلويين أننا نجد الشيعة قد أخرجوه في كتبهم كالمجلسي في ((بحار الأنوار)) وغيره من كتبهم، ولو كانوا يشتمون منه أنه موجه ضد العلويين لما نقلوه في كتبهم. وبما تقدم يعلم تجاهل " شاخت " لعبارات النص وسياقه، مما يؤكد تعسفه في فهم النصوص وتفسيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 المبحث السادس: التعميم الفاسد من مسلَّمات المنهج العلمي أن التعميم بدون استقراء وأدلة كافية يعد مزلة قدم تفقد الثقة بالباحث الذي يقع منه ذلك، يقول " لانسون ": ((إن اليقين يأخذ في التناقص كلما أخذ التعميم في التزايد، وهذه حقيقة تصدق على كل العلوم)) (1) . وفي نص آخر له يقول: ((نأخذ من المناهج العلمية: الحذر … وأن نكون أقل استسلاماً لأهوائنا، وأقل تسرعاً إلى الجزم)) (2) . ويقول الدكتور شوقي ضيف: ((ينبغي الاستقراء الكامل … حتى لا يقع الباحث في تعميمات وأحكام خاطئة)) (3) . والملاحظ على " شاخت " أنه كان يعمم في كثير من الأحيان في بحوثه معتمداً على نص أو نصوص قليلة جداً، ومن ذلك مثلاً زعمه بأن الفقهاء في مدرستي المدينة والعراق كانوا يقدمون قول الصحابي على السنة النبوية، ولننظر كيف يستدل على هذا التعميم الفاسد؟ يقول: ((إن موقف العراقيين وأهل المدينة من أحاديث الأحكام موقف متماثل، وهو يختلف جوهرياً عن موقف الشافعي، وفي كتاب " اختلاف الحديث " (ص 30) نجد أن   (1) منهج البحث في الأدب واللغة (ص 85) . (2) نقلا عن منهج البحث الأدبي (ص 24) . (3) البحث الأدبي (ص 40) بتصرف يسير، وانظر أيضاً تشديده على أهمية الاستقصاء الدقيق للنصوص في (ص 37، 38، 44) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 العراقيين وأهل المدينة جميعهم يهملون الأحاديث النبوية، ويقدمون عليها ما يستنبطونه من القواعد أو أقوال الصحابة)) (1) . ثم يذكر بضعة نصوص عن الإمام الشافعي يخالف فيها أتباع الإمام مالك، ويضيف إليها نصين استعمل فيهما الإمام مالك الاحتجاج بفهم بعض الصحابة، فيقفز " شاخت " فجأة إلى التعميم فيقرر بكل طمأنينة: ((وإجمالاً يمكننا القول بأن أهل المدينة يفضلون أقوال الصحابة على الأحاديث النبوية)) (2) . وأما ما يتعلق بالمدرسة الفقهية في العراق، فيقول: " شاخت ": ((إن رأي العراقيين في حجية الحديث النبوي قد تدنّت بلا ريب، إلى مرتبة أدنى بفعل الأهمية التي أعطاها العراقيون لأقوال الصحابة نظرياً وعملياً، ونحن نرى بوضوح التعبير عن هذا المبدأ في مواضع عديدة، ومن ذلك ما جاء في كتاب "اختلاف العراقيين" (الأم 7/110) : " وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، ومن ذلك أيضاً (7/135) : " وقد زعم الذي قال فيه قيمة - يعني أبا حنيفة - أنه لا يخالف واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "، ويخاطب الشافعي محمد بن الحسن الشيباني قائلاً (7/286) : " وأصل ما تذهبون إليه ألا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا لم يعلم أن أحداً من الصحابة خالف في ذلك ")) (3) .   (1) أصول الفقه المحمدي (ص 671) ترجمة الصديق بشير. (2) السابق (ص 675) . (3) السابق (ص 680 -681) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثم يصل " شاخت " بناء على النصوص الثلاثة السابقة المنقولة من حوارات الإمام الشافعي مع مخالفيه؛ ليقرر لنا هذا التعميم الآتي: ((فليس من الغريب إذن أن تُقدّم أقوال الصحابة على أحاديث النبي، وأن يذكر كلاهما في مستوى واحد من الحجية، وأن تفسّر أحاديث النبي بأقوال الصحابة)) (1) . وهذا العيب المنهجي لاحظه بصورة جلية الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، فقال موضحاً لهذا الخلل في كتابات هذا المستشرق: ((أما البروفسور " شاخت " فله منهج لا يمت إلى ميدان العلم بصلة. ففي بحثه عن موقف تلك المدارس الفقهية من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلملا يقبل كلام أصحاب تلك المدارس بأنهم ملزمون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل كلام خصوم تلك المدارس الفقهية بحيث إنهم ينقلون اتفاق أصحاب تلك المدارس على هيمنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أنه يتجاهل 99? من القضايا التي تدل على أخذهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويأخذ اعتراضات الخصوم بأن صاحب مدرسة ما خالف السنة النبوية في المسألة الفلانية، فيأخذ هذه الجزئية الضئيلة التي لا تمثل 1?، وهي اعتراض من قبل الخصوم ثم يعمم النتيجة، فيحولها إلى مائة في المائة. ومن ناحية أخرى يلتقط " شاخت " بعض الأمثلة - ولتكن صحيحة ودالة على مطلبه - من مالك، ثم يعمم تلك النتيجة على المدنيين كافة، وكأنه لم يكن في المدينة غير مالك، وكأنه لم يكن هناك اختلاف بين علماء المدينة في مسألة ما.   (1) السابق (ص 681) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وفي قضية العراق المسألة أغرب، إذ يأخذ بعض الأمثلة من مدرسة الأحناف، ثم لا يعمم على الكوفة فقط، بل يعمم على العراق بأكملها، وهكذا يفعل مع الأوزاعي)) (1) . وفي موضع آخر يستدل " شاخت " على نظريته في تحديد معيار لمعرفة تاريخ اختلاق الحديث بأنه الراوي المشترك - أي الراوي الذي عليه مدار الإسناد - بحديث واحد فقط، ويقرر هذا التعميم الخطير جداً بقوله: ((إن وجود رابط مهم مشترك في كل أو أكثر الأسانيد لحديث معين هو إشارة قوية تدعم كون الحديث وجد في وقت ذلك الناشر الأصلي (2) ... يوجد مثال نموذجي لظاهرة الراوي المشترك ... )) (3) . ثم ساق حديثاً واحداً فقط من رواية عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: ((لحم الصيد حلال لكم في الإحرام، ما لم تصيدوه)) (4) ؛ ليؤكد نظريته العامة عن الوضع في السنة النبوية! ورد عليه الأعظمي مبيناً أخطاءه في الاستدلال بذلك الحديث، ثم قال: (يُلاحظ أن " شاخت " لإثبات نظريته جاء بمثال واحد فقط، مع ادعائه أن هذه ظاهرة عامة في الأحاديث ... ولا يبدو إطلاقاً أن " شاخت" بذل وقتاً كافياً في بحث أسانيد أكثر الأحاديث الفقهية، الأمر اللازم لتكوين نظرية ما   (1) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1 / 88) . (2) يريد بالناشر الأصلي أي الراوي الذي عليه مدار السند، فهو في نظره هو مختلق الحديث الذي نشره. (3) أصول الفقه المحمدي (ص 171 - 172) نقلاً عن ترجمة الدكتور عبد الحكيم المطرودي لكتاب الأعظمي " أصول الفقه المحمدي لشاخت دراسة نقدية " (ص 368) . (4) نقل شاخت الحديث من كتاب اختلاف الحديث للشافعي (ص 294) ، وقد اختلف العلماء في صحته انظر نصب الراية (3/ 137) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 من هذا النوع، فضلاً عن دراسة لظاهرة كافة أسانيد الأحاديث الفقهية. وإلا فتكوين نظرية وإعطاؤها صبغة الوقوع الغالبي والاعتيادي بناءً على هذه الدراسة الضئيلة الهزيلة ليس ذا قيمة في مجال البحث العلمي)) (1) . والذي يبدو أن " التعميم الفاسد " لا يقتصر على " شاخت " فقط، بل هو سمة عامة في كثير من الدراسات الاستشراقية المتعلقة بالإسلام، فالقوم لا يتبصرون في المضمون، ولا في التفاصيل، بل يقفزون إلى التعميمات التي لا تثبت للاختبار قفزاً، بناء على تخمين، أو شواهد قليلة ضعيفة الدلالة.   (1) دراسات في الحديث النبوي (2 / 417، 419) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الخاتمة : ظهر لنا مما سبق أنه لا يمكن لأحد أن يثق بنتائج باحث كالمستشرق "شاخت" تتصف بحوثه بتلك العيوب المنهجية الخطيرة التي حددنا أهمها كما سبق في الأمور الآتية: 1 - التحيز العنصري في المسلمات الأولية. 2 - الانتقائية في اختيار المصادر. 3 - الشك غير المنهجي. 4 - إهمال الأدلة المعارضة. 5 - التفسير المتعسف للنصوص. 6 - التعميم الفاسد. وغني عن القول أن كل هذه العيوب لها اتصال وثيق بانعدام الموضوعية والنزاهة العلمية المقترنة بالكذب والتدليس والتعصب العنصري ضد المسلمين، كما أنها توقع في التناقض الفاضح بوصفه نتيجة لسوء المنهج المتبع. أمر آخر لا بد من الإشارة إليه أن نتائج كتابات " شاخت " حول السنة النبوية تهدف إلى تثبيط أبناء المسلمين في سعيهم لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلادهم، ذلك لأن الأنظمة القانونية - كما يزعم شاخت - خارج نطاق الدين الإسلامي حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم غير مهتم بذلك، وأن مفهوم "السنة" كان عند الفقهاء القدماء يعني مجرد أعراف فقهاء البلد، وكل الأحاديث الفقهية المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة، والنتيجة كما يريدها "شاخت": ما الذي يمنع المسلمين اليوم من أن يستبدلوا بشريعتهم قوانين غربية إذا كانت الأمور كذلك؟!. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 مصادر ومراجع ... فهرس المراجع: - أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة، جمع يوسف بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق مشهور حسن سلمان، ط 1، دار ابن حزم، بيروت، 1412 ?. - أسس الصحة النفسية، عبد العزيز القوصي، ط 7، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1982م. - أصول الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس، مازن المطبقاني، ط 1، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1416 ?. - أصول البحث العلمي ومناهجه، أحمد بدر، ط 4، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978م. - أصول الفقه المحمدي لجوزيف شاخت في كتابات الغربيين، ترجمة الصديق بشير نصر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م. - أصول الفقه المحمدي للمستشرق شاخت دراسة نقدية، د. محمد مصطفى الأعظمي، ترجمة د. عبد الحكيم المطرودي، (لم ينشر بعد) . - الأبطال، توماس كارليل، ترجمة محمد السباعي، ط بدون، دار الكاتب العربي، بيروت. - الأخلاق النظرية، د. عبد الرحمن بدوي، ط 2، وكالة المطبوعات، الكويت، 1976م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - الإسلام على مفترق الطرق، محمد أسد، ترجمة: عمر فروخ، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م. - الإسلام وأوربا: تعايش أم مجابهة؟، انجمار كارلسون، ترجمة: سمير بوتاني، ط1، صوت اسكندنافيا، ستوكهولم، 1998م. - الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق، ط 2، دار المنار، القاهرة، 1409?. - البحث الأدبي، د. شوقي ضيف، ط 4، دار المعارف، القاهرة، 1979م. - البحث في التاريخ، د. عاصم الدسوقي، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1411 ?. - التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، علق عليه عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، مصور عن طبعة حيدرآباد، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407?. - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، القاضي عياض، تحقيق د. أحمد بكيرمحمود، دار مكتبة الحياة، بيروت. - التفكير العلمي، د. فؤاد زكريا، ط. بدون، مكتبة مصر، القاهرة، 1412 ?. - التفكير المستقيم والتفكير الأعوج، روبرت ثاولس، ترجمة حسن سعيد الكرمي، ط 1، سلسلة كتب عالم المعرفة، الكويت، 1399 ?. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين يوسف المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 - توثيق الأحاديث النبوية نقد قاعدة شاخت " السكوت عن الاستدلال بالحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده "، د. ظفر إسحاق الأنصاري، ترجمة جمال محمد جابر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م. - جوزيف شاخت، برنارد لويس، ترجمة الصديق بشير نصر، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م. - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، د. محمد مصطفى الأعظمي، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402 ?. - الرد على سير الأوزاعي، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، تحقيق أبي الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية، بيروت. -الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، ط1، القاهرة. - رؤية إسلامية للاستشراق، د. أحمد عبد الحميد غراب، ط 1، دار الأصالة للثقافة والنشر والإعلام، الرياض، 1408 ?. - السنن، سعيد بن منصور، حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، الدار السلفية، الهند، 1402?. - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د مصطفى السباعي، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1398?. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، محمد ناصر الدين الألباني، ط 1، دار المكتب الإسلامي، بيروت، 1399?. - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 - صورة العرب في عقول الأمريكيين، سليمان ميخائيل، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987م. - الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت. - عبد الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام، د. سعيد اللاوندي، ط 1، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2001م. - العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن الحجاج المروزي وغيره، تحقيق د. وصي الله بن محمد عباس، ط1، الدار السلفية، الهند، 1408?. - فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح محمد، ط 1، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2001م. - فلسفة العلوم الميثودولوجيا (علم المناهج) ، د. ماهر عبد القادر محمد علي، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 1997م. - فن إقناع الذات بأفكار هشة ومشكوك فيها وخاطئة، ريمون بودون، ترجمة نبيل سعد، ط 1، دار العالم الثالث، القاهرة، 2002م. - في تاريخ التشريع الإسلامي، ن. ج. كولسون، ترجمة د. محمد أحمد سراج، ط 1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1412?. - كيف تكتب بحثاً أو رسالة، د. أحمد شلبي، ط 13، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1981م. - كيف تكتب بحثاً وكيف تفهم أسس البحث العلمي؟ د. محمد توهيل فايز عبد أسعيد، ط 1، مكتبة الفلاح، الكويت، 1418 ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 - المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية، صالح بن حمد العساف، ط 1، الرياض، 1409 ?. - المدخل إلى الدراسات التاريخية، مطبوع ضمن كتاب النقد التاريخي، لانجلوا وسينوبوس، ترجمة عبد الرحمن بدوي، ط 4، وكالة المطبوعات، الكويت، 1981م. - المدخل إلى مناهج البحث العلمي، د. محمد محمد قاسم، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 1999م. - مزالق في طريق البحث اللغوي والأدبي وتوثيق النصوص، د. عبد المجيد عابدين، ط 1، دار النهضة العربية، بيروت، 2001م. - المستشرق شاخت والسنة النبوية، د. محمد مصطفى الأعظمي، مطبوع ضمن كتاب مناهج المستشرقين: الدراسات العربية الإسلامية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1403 ?. - المستشرقون، نجيب العقيقي، ط4، دار المعارف، القاهرة، 1980م. - المستشرقون الناطقون بالإنجليزية دراسة نقدية، عبد اللطيف المناوي، ترجمة د. قاسم السامرائي، ط 1، عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، الرياض، 1411?. - مسائل فلسفية للصف الثالث الثانوي، د. توفيق الطويل وآخرون، وزارة التربية والتعليم، جمهورية مصر العربية، 1380?. - المصنف، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط 2، دار المكتب الإسلامي، بيروت، 1403 ?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1984 م. - المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية في جمهورية مصر العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1403?. - مناهج البحث العلمي، د. عبد الرحمن بدوي، ط 3، وكالة المطبوعات، الكويت، 1977م. - مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ديوبولد ب فان دالين، ترجمة د. محمد نبيل نوفل وزملائه، ط 7، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1997م - مناهج المستشرقين في الدراسات الإسلامية والعربية، مجموعة من الباحثين، ط1، مكتب التربية لدول الخليج العربي، الرياض، 1403 ?. - المنطق وفلسفة العلوم، بول موي، ترجمة د. فؤاد حسن زكريا، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1401?. - المنهج لإحكام قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم، رينيه ديكارت، ترجمة فواز الملاح ومحمود الصالح، ط 1، دمشق، 1988م. - منهج البحث التاريخي، د. حسن عثمان، ط 4، دار المعارف، القاهرة. - منهج البحث في الأدب واللغة، لانسون وماييه، ترجمة د. محمد مندور، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1982م. - منهج النقد عند المحدثين نشأته وتاريخ، د. محمد مصطفى الأعظمي، ط 2، بدون ناشر، 1402 ? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 - موقف الاستشراق من السيرة والسنة النبوية، د. أكرم ضياء العمري، ط 1، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، الرياض، 1417 ?. - نسيج الإنسان الفاسد، إيزايا برلين، ترجمة: سمية فلو عبود، ط1، دار الساقي، لندن، 1993م. - يوسف شاخت حياته وآثاره، روبير برونشفيج، ترجمة عبد الحكيم الأربد، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد الحادي عشر، ليبيا، 1994م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71