الكتاب: مآثر الإنافة في معالم الخلافة المؤلف: أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفى: 821هـ) المحقق: عبد الستار أحمد فراج الناشر: مطبعة حكومة الكويت - الكويت الطبعة: الثانية، 1985 عدد الأجزاء: 13   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- مآثر الإنافة في معالم الخلافة القلقشندي الكتاب: مآثر الإنافة في معالم الخلافة المؤلف: أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفى: 821هـ) المحقق: عبد الستار أحمد فراج الناشر: مطبعة حكومة الكويت - الكويت الطبعة: الثانية، 1985 عدد الأجزاء: 13   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[مآثر الإنافة في معالم الخلافة]ـ المؤلف: أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفى: 821هـ) المحقق: عبد الستار أحمد فراج الناشر: مطبعة حكومة الكويت - الكويت الطبعة: الثانية، 1985 عدد الأجزاء: 13 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وَمَا توفيقي الا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت)) الْحَمد لله الَّذِي جعل الْخلَافَة الداوودية بامامها الْأَعْظَم ثَابِتَة الْقَوَاعِد وَمد رواقها المعتضدى على كَافَّة الْأمة فأروى بصوب عهاده الْمعَاهد وصير بَيتهَا الْمَعْمُور كعبة للقصاد ومحرابها الامامي وجهة للمقاصد وَجمع لَهَا نعوت الْفضل فِي قرن (1) فناصرها الْمَنْصُور وطالعها الرشيد ومسترشدها المهتدى الى أرشد المراشد أَحْمَده على أَن رفع قدر الديار المصرية بِنَقْل الْخلَافَة المقدسة اليها وقدمها على سَائِر الممالك فأمست ومدارها فِي الْمُهِمَّات عَلَيْهَا وَأشْهد أَن لَا اله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتَجَاوَز فَضلهَا الْحَد ويتوارثها الْخلف عَن السّلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فيرويها الابْن عَن الْأَب وَالْأَب عَن الْجد وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل نَبِي عَمت دَعوته أقاقى الْكَوْن على بعد الْمسَافَة وَبقيت معجزته على مر الزَّمَان حَيْثُ بشر عَمه الْعَبَّاس أَن ببنيه تختم الْخلَافَة صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين قلدوا أُمُور الْملَّة فحموا سرحها (1) وصانعوا وحملوا أعباء الشَّرِيعَة فَمَا ضعفوا عَن حملهَا وَمَا اسْتَكَانُوا صَلَاة يَدُوم فِي الْوُجُود حكمهَا وَلَا يَنْقَطِع على تعاقب الْأَيَّام رسمها وَبعد فَلَمَّا كَانَت الْخلَافَة هِيَ حَظِيرَة الاسلام ومحيط دائرته ومربع رعاياه ومرتع سائمته بهَا يحفظ الدّين ويحمى وتصان بَيْضَة الاسلام وتسكن الدهما وتقام الْحُدُود فتمنع الْمَحَارِم عَن الانتهاك وَتحفظ الْفروج فتصان الْأَنْسَاب عَن الِاخْتِلَاط والاشتباك وتحصن الثغور فَلَا تطرق ويذاد عَن الْحرم فَلَا تقرع جنَّة جماها (2) وَلَا ترشق لَا سِيمَا الْخلَافَة العباسية الَّتِي هِيَ وَاسِطَة عقدهَا (2 ب) وخلاصة سبكها وخالص نقدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وَغَايَة طلبَهَا وضالة نشدها وَكَانَت قد فوضت الى الديار المصرية خيامها فاستغنت بهَا عَن السوى وحطت بفنائها الأنيق رَحلهَا فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى وتفيأت ظلالها فجعلتها دَار الامامة وقبة الاسلام (1) فَكَانَ لَهَا بِالْبَيْتِ الحاكمى احمر عُقبى واستأثرت من بقاياه بِخَير أَئِمَّة فجرت أذيالها تيها وماست بأعطافها عجبا ثمَّ لم تزل تحث مطيتها وتعمل رويتها الى أَن أناخت بِفنَاء الامام الْأَعْظَم والخليفة الَّذِي ان كَانَ فِي الزَّمَان مُتَأَخِّرًا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مقدم وَالسَّيِّد الَّذِي هُوَ من آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين خير خلف فَمن ولد المستكفى الْأَكفاء وَمن عقب الْحَاكِم الأحكم الامام المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح دَاوُد أَمِير الْمُؤمنِينَ بن الامام المتَوَكل (2) على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن الامام المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر أيد الله تَعَالَى بِهِ الدّين وأعز بأعلامه المنصورة عِصَابَة الْمُسلمين فأنست مآثره المعتضدية مَا عرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 للمعتضد الأول من المآثر وأربت على الْأَوَائِل مناقبه الجليلة حَتَّى قيل كم ترك الأول للْآخر وأشعرت بِالْفَتْح كنيته الشَّرِيفَة فخفقت بالنصر راياته السود وآذنت بِالْفَضْلِ خِلَافَته المعظمة وَلَا يُنكر فضل الْخلَافَة لداود أَحْبَبْت أَن أخدم خزائنته الْعَالِيَة بتأليف فِي معالم الْخلَافَة يشْتَمل على دقائق حقائقها ويتكفل بِذكر لوازمها المستظرفة ولواحقها محليا لَهُ من جَوَاهِر المناقب المعتضدية بِمَا يَعْلُو بِهِ قدره وتغلو بِهِ قِيمَته ويرتفع بِهِ ذكره ليسير هَذَا التَّأْلِيف (3 أ) بانتسابه اليه فِي الْآفَاق سير الْمثل ويخلد بِذكر مناقبه الشَّرِيفَة ذكره على مر الدهور وتعاقب الدول وسميته ((مآثر الانافة فِي معالم الْخلَافَة)) اذ لم أكن من قبيل هَذَا الشَّأْن وَلَا من فرسَان هَذَا الميدان بل أَمِير الْمُؤمنِينَ أمتع الله الْوُجُود بِوُجُودِهِ بذلك أدرى وبمعرفته أَجْدَر وَأَحْرَى فَكنت فِي ذَلِك كناقل التَّمْر الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 هجر (1) والمقابل ببلالة الرشح زاخر الْبَحْر وهامع الْمَطَر وانما قصدت بذلك التَّقَرُّب الى خاطره الشريف وَالشُّكْر لما أسلف من بره التالد ونواله الطريف وَالله تَعَالَى يقرنه بِالْقبُولِ ويبسط بالممادح المعتضدية لِسَان مُؤَلفه فَيَقُول وَيطول وَقد رتبته على مُقَدّمَة وَسَبْعَة أَبْوَاب وخاتمة الْمُقدمَة فِي معنى الْخلَافَة وَمن ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخَلِيفَة وَمن تكون عَنهُ الْخلَافَة وَكَيْفِيَّة النِّسْبَة الى الْخَلِيفَة وَمَا يَقع عَلَيْهِ من الكنية والألقاب الْبَاب الأول فِي وجوب عقد الامامة لم يقوم بهَا وَبَيَان شُرُوط الامامة الَّتِي لَا تصح بِدُونِهَا والطرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا وَمَا يلْزم الْخَلِيفَة للرعية وَمَا يلْزم الرّعية للخليفة وَمَا يَنْعَزِل بِهِ الْخَلِيفَة وَيخرج بِهِ عَن الامامة (1) فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 6 - فِي ذكر من ولى الْخلَافَة من صدر الاسلام وهلم جرا الى زَمَاننَا (3 ب) وتفصيل حَال كل خَليفَة مِنْهُم وولاة اقطار الاسلام شرقا وغربا فِي زَمَانه والحوادث والماجريات الْوَاقِعَة فِي أَيَّامه وَبَيَان مقرات الْخلَافَة وَمَا انطوت عَلَيْهِ من الأقاليم وترتيب الْخلَافَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم وَذكر الْمَشَاهِير مِمَّن ادّعى الْخلَافَة فِي بعض الأقاليم وَبطلَان شُبْهَة دعاويهم الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر مَا يكْتب للخلفاء من البيعات والعهود فِي الْقَدِيم والْحَدِيث الْبَاب الرَّابِع فِيمَا كَانَ يكْتب عَن الْخُلَفَاء من ولايات مُلُوك الأقاليم وأمرائها وولايات الوزراء والقضاة وَالْولَايَة على الصَّلَوَات ونقابة ذَوي الْأَنْسَاب وَغير ذَلِك من سَائِر الولايات الدِّينِيَّة والديوانية وَمَا يكْتب عَنْهُم الْآن الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الْبَاب الْخَامِس فِيمَا كَانَ يكْتب عَن الْخُلَفَاء فِي الاقطاعات وتحويل السنين والزام أهل الذِّمَّة الشَّرَائِط الازمة لهمز الْبَاب السَّادِس فِي المكاتبات الصادرة عَن الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد بالخلافة والكتب الصادرة عَن الْمُلُوك والوزراء وَنَحْوهم اليهم الْبَاب السَّابِع فِي ذكر اوائل منسوبة الى الْخُلَفَاء وغرائب وملح وأعاجيب تتَعَلَّق بهم الخاتمة (14) فِي ذكر طرف من مَنَاقِب الامام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْكتاب وَهَذَا بسط هَذِه التَّرْجَمَة وتفصيلها وَهَذَا بسط هَذِه التَّرْجَمَة وتفصيلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مُقَدّمَة فِي معنى الْخلَافَة وَمن ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخَلِيفَة وَمن تكون عَنهُ الْخلَافَة وَكَيْفِيَّة النِّسْبَة إِلَى الْخَلِيفَة وَمَا يَقع عَلَيْهِ من الكنية والألقاب وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي معنى الْخلَافَة وَمن ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخَلِيفَة وَمن كَون عَنهُ الْخلَافَة وَكَيْفِيَّة النِّسْبَة إِلَى الْخَلِيفَة أما الْخلَافَة فَهِيَ فِي الأَصْل مصدر خلف يُقَال خَلفه فِي قومه يخلفه خلَافَة فَهُوَ خَليفَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اخلفني فِي قومِي} ثمَّ اطلق فِي الْعرف الْعَام على الزعامة الْعُظْمَى وَهِي الْولَايَة الْعَامَّة على كَافَّة الْأمة وَالْقِيَام بأمورها والنهوض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 بأعبائها والخليفي بِكَسْر الْخَاء وَتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة لُغَة فِي الْخلَافَة حَكَاهَا الْجَوْهَرِي وَغَيره قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته فِي غَرِيب الحَدِيث وَهُوَ من المصادر الدَّالَّة على معنى الْكَثْرَة وَمِنْه قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَو أُطِيق الْأَذَان مَعَ الخليفي لأذنت يُرِيد أَنه مشتغل عَن الْأَذَان بِكَثْرَة اجْتِهَاده فِي ضبط أُمُور الْخلَافَة وتصريف أعنتها وَقد (4 ب) اخْتلف فِي لفظ الْخَلِيفَة فَقيل هُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول كجريح بِمَعْنى مَجْرُوح وقتيل بِمَعْنى مقتول وَيكون الْمَعْنى أَنه يخلفه من بعده وَعَلِيهِ حمل قَوْله تَعَالَى فِي حق آدم عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} على قَول من قَالَ إِن آدم أول من عمر الأَرْض وَخَلفه فِيهَا بنوه بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَقيل هُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل كعليم بِمَعْنى عَالم وقدير بِمَعْنى قَادر وَيكون الْمَعْنى فِيهِ أَنه يخلف من بعده وَعَلِيهِ حمل الْآيَة السَّابِقَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} من قَالَ إِنَّه كَانَ قبل آدم فِي الأَرْض الْجِنّ أَو الْمَلَائِكَة وَإنَّهُ خَلفهم فِيهَا وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي كِتَابه صناعَة الْكتاب وَعَلِيهِ اقْتصر الماوردى فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة قَالَ النّحاس وَعَلِيهِ خُوطِبَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بخليفة رَسُول الله وعَلى ذَلِك ينطبق كَلَام البغوى فِي شرح السّنة حَيْثُ سمى خَليفَة لِأَنَّهُ خلف الْمَاضِي قبله ثمَّ قَالَ النّحاس وَإِطْلَاق الْخَلِيفَة على أَمِير الْمُؤمنِينَ يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَاخْتلف فِي الْهَاء فِي آخِره فَقيل أدخلت فِيهِ للْمُبَالَغَة كَمَا أدخلت فِي رجل داهية للكثير الدهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَرِوَايَة للكثير الرِّوَايَة وعلامة للكثير الْعلم وَهُوَ قَول الْفراء وَاسْتَحْسنهُ النّحاس نَاقِلا لَهُ عَن أَكثر النَّحْوِيين وَنقل عَن عَليّ بن سُلَيْمَان تخطئته احتجاجا بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ التَّأْنِيث فِيهِ حَقِيقِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِك وَقيل الْهَاء فِيهِ لتأنيث الصِّيغَة قَالَ النّحاس وَرُبمَا أسقطوا الْهَاء مِنْهُ وأضافوا فَقَالُوا فلَان خليف فلَان يعنون خليفه ثمَّ الأَصْل فِيهِ التَّذْكِير نظرا للمعنى لِأَن المُرَاد بالخليفة رجل وَهُوَ يذكر فَتَقول أَمر الْخَلِيفَة بِكَذَا على التَّذْكِير وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ التَّأْنِيث على اللَّفْظ (15) فَيُقَال أمرت الْخَلِيفَة بِكَذَا وَأنْشد الْفراء ... أَبوك خَليفَة وَلدته أُخْرَى ... وَأَنت خَليفَة ذَاك الْكَمَال ... وَمنع البصريون ذَلِك محتجين بِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك لجَاز قَالَت طَلْحَة فِي رجل اسْمه طَلْحَة وَهُوَ مُمْتَنع قَالَ النّحاس فَإِن ظهر اسْم الْخَلِيفَة تعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 التَّذْكِير بِاتِّفَاق فَتَقول قَالَ الراضي الْخَلِيفَة وَنَحْو ذَلِك وَيجمع الْخَلِيفَة على خلفاء على معنى التَّذْكِير دون اللَّفْظ كَمَا فِي جمع كريم على كرماء وظريف على ظرفاء وَعَلِيهِ ورد قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح} وَيجمع ايضا على خلائف حملا على تَأْنِيث اللَّفْظ كَمَا تجمع صحيفَة على صَحَائِف وَعَلِيهِ جَاءَ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف الأَرْض} قَالَ النّحاس وَيجوز أَن يجمع على خلاف ككريم وكرام لِأَن الْهَاء زَائِدَة وَأما من ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخَلِيفَة فقد ذهب جمَاعَة من أَئِمَّة السّلف مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله إِلَى كَرَاهَة إِطْلَاق اسْم الْخَلِيفَة على من بعد الْحسن بن على رَضِي الله عَنْهُمَا فِيمَا حَكَاهُ النّحاس وَغَيره محتجين بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث سفينة أَن رَسُول الله صلى الله عَنهُ وَسلم قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الْخلَافَة فِي أمتِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ ملك بعد ذَلِك قَالَ سعيد بن جهمان ثمَّ قَالَ لى سفينة أمسك خلَافَة أبي بكر وَخِلَافَة عمر وَخِلَافَة عُثْمَان ثمَّ قَالَ أمسك خلَافَة عَليّ وَخِلَافَة الْحسن فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سنة قَالَ سعيد فَقلت لَهُ إِن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَن الْخلَافَة فيهم قَالَ كذب بَنو الزَّرْقَاء هم مُلُوك من شَرّ الْمُلُوك وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعرف الْمشَاع من صدر الْإِسْلَام وهلم جرا إِطْلَاق اسْم الْخَلِيفَة على كل (5 ب) من قَامَ بِأَمْر الْمُسلمين الْقيام الْعَام على مَا تقدم إِمَّا بِبيعِهِ من أهل الْحل وَالْعقد وَإِمَّا بِعَهْد مِمَّن قبله على مَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَّا أَن بعض السّلف قد خصص ذَلِك بِمَا إِذا كَانَ الإِمَام جَارِيا على منهاج الْعدْل وَطَرِيق الْحق فقد روى أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وكعبا وسلمان عَن الْفرق بَين الْخَلِيفَة وَالْملك فَقَالَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر لَا ندرى فَقَالَ سلمَان الْخَلِيفَة الَّذِي يعدل فِي الرّعية وَيقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ويشفق عَلَيْهِم شَفَقَة الرجل على أَهله وَالْوَالِد على وَلَده وَيقْضى بَينهم بِكِتَاب الله تَعَالَى فَقَالَ كَعْب مَا كنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 أَحسب أَن فِي هَذَا الْمجْلس من يفرق بَين الْخَلِيفَة الْملك وَلَكِن الله تَعَالَى ألهم سلمَان حكما وعلما وعَلى ذَلِك يحمل مَا روى أَن أَعْرَابِيًا قَالَ لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنْت خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَنهُ وَسلم قَالَ لَا قَالَ فَمَا أَنْت قَالَ أَنا الخالفة بعده قَالَ ابْن الْأَثِير قَالَ ذَلِك تواضعا وهضما من نَفسه حِين قَالَ لَهُ أَنْت خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَنهُ وَسلم أَي أَن الْخَلِيفَة هُوَ الَّذِي يقوم مقَام الذَّاهِب ويسد مسده والخالفة هُوَ الَّذِي يقوم مقَام الذَّاهِب ويسد مسده والخالفة هُوَ الَّذِي لَا غناء عِنْده وَلَا خير فِيهِ على أَن البغوى قَالَ فِي شرح السّنة إِنَّه يُسمى خَليفَة وَإِن كَانَ مُخَالفا لسيرة أهل الْعدْل وَأما من تكون عَنهُ الْخلَافَة فللعلماء فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب الْمَذْهَب الأول أَن الْخلَافَة تكون عَن الله تَعَالَى فَيُقَال فِي الْخَلِيفَة خَليفَة الله وَهُوَ مَا حَكَاهُ الماوردى فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة عَن بَعضهم لقِيَامه بحقوقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 تَعَالَى فِي خلقه احتجاجا بقوله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف الأَرْض} ثمَّ قَالَ وَامْتنع جُمْهُور الْفُقَهَاء من ذَلِك زنسبوا قَائِله إِلَى التَّجَوُّز محتجين بِأَنَّهُ إِنَّمَا (16) يسْتَخْلف من يغيب أَو يَمُوت وَذكر الشَّيْخ مُحي الدّين النووى رَحمَه الله فِي كِتَابه الْأَذْكَار نَحوه وَقَالَ يَنْبَغِي أَن لَا يُقَال للقائم بِأَمْر الْمُسلمين خَليفَة الله وَيُؤَيّد ذَلِك مَا حُكيَ أَنه قيل لأبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يَا خَليفَة الله فَقَالَ لست بخليفة الله وَلَكِنِّي خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَنهُ وَسلم وَقَالَ رجل لعمر بن عبد الْعَزِيز يَا خَليفَة الله فَقَالَ وَيلك لقد تناولت متناولا بَعيدا إِن أُمِّي سمتني عمر فَلَو دعوتني بِهَذَا الِاسْم قبلت ثمَّ وليتموني أُمُوركُم فسميتموني أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَو دعوتني بذلك كَفاك وَأَجَازَ البغوى ذَلِك فِي حق آدم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام دون غَيرهمَا محتجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بقوله تَعَالَى فِي حق آدم {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَبِقَوْلِهِ فِي حق دَاوُد {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض} قَالَ وَلَا يُسمى أحد خَليفَة الله بعدهمَا وَأَجَازَ الزمخشريفي تَفْسِيره ذَلِك فِي سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام الْمَذْهَب الثَّانِي أَن الْخلَافَة تكون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال فِيهِ خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ خَلفه فِي أمته وَعَلِيهِ ينطبق كَلَام الماوردى فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة والنحاس فِي صناعَة الْكتاب وعَلى ذَلِك خُوطِبَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بخليفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم فِي الْمَذْهَب الأول انه لما قيل لَهُ يَا خَليفَة الله قَالَ لست بخليفة الله وَلَكِنِّي خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى ذَلِك ينطبق كَلَام البغوى فِي شرح السّنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 حَيْثُ قَالَ الْخَلِيفَة وَخَلِيفَة رَسُول الله وَتَبعهُ النووى على ذَلِك فِي الرَّوْضَة الْمَذْهَب الثَّالِث أَن الْخلَافَة قد تكون عَن الْخَلِيفَة قبل ذَلِك الْخَلِيفَة فَيُقَال فلَان خَليفَة فلَان وَاحِد بعد وَاحِد حَتَّى ينتهى إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ (6 ب) فَيُقَال فِيهِ خَليفَة رَسُول الله صلى الله علية وَسلم وعَلى ذَلِك خُوطِبَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي أول أمره بخليفة (خَليفَة) رَسُول الله وَأما كَيْفيَّة النِّسْبَة إِلَى الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ يُقَال خَلْفي بِفَتْح الْخَاء وَاللَّام كَمَا ينْسب إِلَى حنيفَة حنيفي وَقَول الْعَامَّة دِرْهَم خليفتي وَنَحْوه خطأ إِذْ قَاعِدَة النّسَب أَن يحذف من الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْيَاء وتاء التَّأْنِيث على مَا هُوَ مُقَرر فِي كتب النَّحْو الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يَقع على الْخَلِيفَة من الكنية والألقاب أما مَا يَقع على الْخَلِيفَة من الكنية فَلم تزل الكنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 جَارِيَة على الْخُلَفَاء من بَدْء الْخلَافَة وهلم جرا جَريا فِي ذَلِك على عَادَة الْعَرَب فِي الاهتمام بشأن الكنية والاعتناء بأمرها والتعظيم بوصفها فَكَانَت كنية الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَبَا بكر وكنية عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ أَبَا حَفْص وكنية عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَبَا عَمْرو وكنية عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَبَا الْحسن وَاسْتمرّ الْأَمر فيهم على ذَلِك إِلَى زَمَاننَا بل رُبمَا لَزِمت الكنية أحدهم حَتَّى لم تكد تُفَارِقهُ كَأبي الْعَبَّاس السفاح وَأبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَغَيرهمَا وَقد قَالَ النووى فِي الْأَذْكَار وَالْأَدب أَن يُخَاطب أهل الْفضل وَمن قاربهم بالكنية وَكَذَلِكَ إِن كتب إِلَى أحد مِنْهُم رِسَالَة أَو روى عَنهُ رِوَايَة وَقد كَانَ الأول أَكثر مَا يعظم بَعضهم بَعْضًا فِي المخاطبات والمكاتبات وَنَحْوهَا بالكنى ويرون ذَلِك فِي غَايَة الرّفْعَة وَنِهَايَة التَّعْظِيم وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ هُنَا أَنه إِذا كَانَ (7 ا) للرجل ولد وَاحِد كنى بِهِ بِلَا نزاع فَإِن كَانَ لَهُ ولدان فَأكْثر كنى بأكبرهم فقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنى أَبَا الْقَاسِم وَكَانَ الْقَاسِم أكبر بنيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن شُرَيْح الْحَارِثِيّ عَن أَبِيه أَنه وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قومه فسمعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكنونه بِأبي الحكم فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله هُوَ الحكم فَلم تكنى أَبَا الحكم فَقَالَ إِن قومِي اخْتلفُوا فِي شَيْء فأتوني فحكمت بَينهم فرضى كلا الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا احسن هَذَا فَمَا لَك من الْوَلَد قَالَ شُرَيْح وَمُسلم وَعبد الله قَالَ فَمن أكبرهم قَالَ شُرَيْح قَالَ أَنْت أَبُو شُرَيْح قَالَ النووى فَلَو تكنى بِغَيْر أَوْلَاده فَلَا بَأْس فَلَو لم يكن لَهُ ولد أصلا بِأَن لم يُولد لَهُ فَإِنَّهُ يجوز تكنيته حَتَّى الصَّغِير قَالَ وَقد كَانَ تكنى جمَاعَة من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم قبل أَن يُولد لَهُم كأبى هُرَيْرَة وخلائق لَا يُحصونَ من التَّابِعين قَالَ وَلَا كَرَاهِيَة فِيهِ بل هُوَ مَحْبُوب بِشَرْطِهِ ثمَّ قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 يكون للرجل كنيتان فَأكْثر فقد كَانَ لأمير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ ثَلَاث كنى أَبُو عمر وَأَبُو عبد الله وَأَبُو ليلى وَأما مَا يَقع على الْخَلِيفَة من الألقاب فَأَرْبَعَة ألقاب اللقب الأول عبد الله وَأول من تلقب بذلك من الْخُلَفَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فَكَانَ يكْتب فِي كتبه الصادرة عَنهُ من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتَبعهُ من بعده من الْخُلَفَاء على ذَلِك ولزموه حَتَّى أَن الْمَأْمُون كَانَ اسْمه عبد الله فَكَانَ يُكَرر فِي كتبه وعهوده لفظ عبد الله مرَّتَيْنِ الأولى مِنْهُمَا اللقب وَالثَّانيَِة الِاسْم الْخَاص فَكَانَ يكْتب فِي كتبه من عبد الله عبد الله بن هَارُون وَفِي العهود هَذَا مَا عهد (7 ب) عبد الله عبد الله بن هَارُون قلت ثمَّ أحدث الْخُلَفَاء الفاطميون بالديار المصرية أَيَّام قيامهم بهَا بعد ذَلِك ووليه فَكَانَ يكْتب فِي كتب خلفائهم من عبد الله ووليه فلَان أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 العاضد آخر خلفائهم بهَا وَكَانَ اسْمه عبد الله فَكَانَ يكْتب عَنهُ من عبد الله ووليه عبد الله إِلَى آخِره ثمَّ تَبِعَهُمْ على ذَلِك خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية أَيْضا بعد تحول الْخلَافَة من بَغْدَاد إِلَى مصر وَالْأَمر بَاقٍ على ذَلِك إِلَى الْآن اللقب الثَّانِي الإِمَام وَهُوَ من الألقاب المستجدة للخليفة فِي أثْنَاء الدولة العباسية بالعراق وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الشِّيعَة كَانُوا يعبرون عَمَّن يقوم بأمرهم بِالْإِمَامِ من حَيْثُ إِن الإِمَام فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي يَقْتَدِي بِهِ وَهُوَ بأئمتهم مقتدون وَعند أَقْوَالهم وأفعالهم واقفون لاعتقادهم فيهم الْعِصْمَة وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قد تلقب حِين أخذت لَهُ الْبيعَة بالخلافة بِالْإِمَامِ نسجا على هَذَا المنوال وَبَقِي فِي خلفاء بني الْعَبَّاس إِلَى الأن اللقب الثَّالِث لقب الْخلَافَة الْخَاص بهَا كالمنصور وَالْهَادِي والرشيد والمأمون والمعتصم بِاللَّه والمتوكل على الله وَنَحْو ذَلِك على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي تراجمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد كَانَ الْخُلَفَاء الراشدون من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم بمعزل عَن هَذِه الألقاب وَاخْتلف فِي بنى أُميَّة هَل كَانَ لَهُم ألقاب نَحْو ذَلِك فَذكر القضاعى فِي عُيُون المعارف فِي أَخْبَار الخلائف أَن خلفاء بنى أُميَّة لم يتلقب أحد مِنْهُم بألقاب الْخلَافَة وَإِنَّمَا ابتدىء ذَلِك فِي الدولة العباسية وَحكى ابْن حزم فِي بعض مصنفاته أَن خلفاء بنى أُميَّة تلقب مِنْهُم جمَاعَة بألقاب الخ 4 لافة وَأَن أول من تلقب مِنْهُم بألقاب الْخلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان (18) وَأَن لقبه كَانَ النَّاصِر لحق الله ثمَّ تبعه بَاقِي خلفاء بنى أُميَّة على التلقيب على مَا سَيَأْتِي فِي تراجمهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ ابْن حزم وَلَيْسَ بِصَحِيح أما خلفاء بنى الْعَبَّاس فَلَا نزاع فِي جَرَيَان ألقاب الْخلَافَة عَلَيْهِم من بَدْء أَمرهم وَإِلَى آخر وَقت وَقد اخْتلف فِي لقب أبي الْعَبَّاس السفاح أول خلفائهم فَقيل الْقَائِم وَقيل المهدى المرتضى ثمَّ تلقب أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر بعده بالمنصور واستمرت الألقاب جَارِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 على خلفائهم كَذَلِك إِلَى أَن ولى الْخلَافَة أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد ابْن الرشيد بعد أَخِيه الْمَأْمُون فتلقب المعتصم بِاللَّه فَكَانَ أول من أضيف فِي لقبه اسْم الله تَعَالَى وَجرى الْأَمر على ذَلِك فِيمَن بعده من الْخُلَفَاء كالواثق بِاللَّه والمتوكل على الله والطائع لله والقائم بِأَمْر الله والناصر لدين الله وَمَا أشبه ذَلِك قلت وَكَانَ من عَادَتهم أَنه لَا يتلقب خَليفَة بلقب خَليفَة قبله بل يقتضب لكل خَليفَة لقب يَخُصُّهُ إِلَى أَن صَارَت الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية بعد انقراضها من بَغْدَاد بقتل التتر المستعصم على مَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فترادفوا على الألقاب السَّابِقَة متواردين على ألقاب من سلف من الْخُلَفَاء فتلقب أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن الظَّاهِر بِأَمْر الله أول خافائهم بهَا بالمستنصر بِاللَّه وَهُوَ لقب أَخِيه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن الظَّاهِر من خلفاء الْعرَاق وتلقب بعده أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن حُسَيْن ثَانِي خلفائهم بالحاكم بِأَمْر الله وَهُوَ لقب أبي عَليّ الْمَنْصُور بن الْعَزِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثَالِث خلفاء الفاطميين بالديار المصرية ثمَّ لم يزَالُوا على اقتفاء آثَار الْخُلَفَاء قبلهم إِلَى الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح دَاوُد خَليفَة الْعَصْر فتوارد لقبه مَعَ لقب خليفتين قبله وهما المعتضد بِاللَّه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الْمُوفق طَلْحَة بن المتَوَكل على الله (8 ب) جَعْفَر السَّابِع عشر من خلفائهم بالعراق والمعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح أَبُو بكر بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان من خلفائهم بِمصْر وَهُوَ جد الإِمَام المعتضصد بِاللَّه لِأَبِيهِ وَلم يتوارد أحد من الْخُلَفَاء قبله مَعَ غَيره من الْخُلَفَاء العباسيين على لقب ثَلَاث مَرَّات سواهُ وَاعْلَم أَن كثير مِمَّن ادّعى الْخلَافَة فِي بعض الأقاليم كالخلفاء الفاطميين بالمغرب وبالديار المصرية وخلفاء بنى أُميَّة بالأندلس قد مَشوا على نهج خلفاء بنى الْعَبَّاس فِي الألقاب فتلقب أَبُو مُحَمَّد عبيد الله أول خلفاء الفاطميين بالمغرب المهدى ثمَّ تلقب بنوه من بعده بالمغرب والديار المصرية بألقاب الْخلَافَة الْمُضَاف فِيهَا اسْم الله كالقائم بِأَمْر الله والمنصور بِاللَّه إِلَى أَن كَانَ آخِرهم العاضد لدين الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَجرى خلفاء بنى أُميَّة بالأندلس فِي أول أَمرهم على قَاعِدَة خلافتهم الأولى من عدم التلقيب من لدن أَوَّلهمْ عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل إِلَى أَن ولى مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمقتول وَهُوَ الثَّالِث عشر من خلفائهم بالأندلس فتلقب بالناصر بعد أَن مضى فِي خِلَافَته تسع وَعِشْرُونَ سنة وَتَبعهُ من بعده مِنْهُم على ذَلِك إِلَى أَن ولى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن النَّاصِر عبد الرَّحْمَن الْمُقدم ذكره فتلقب بالمرتضى بِاللَّه وَهُوَ أول من أضيف فِي لقبه مِنْهُم اسْم الله تَعَالَى مضاهاة لخلفاء بنى الْعَبَّاس فِي ذَلِك وَجرى من بعده من خلفائهم على مثل ذَلِك إِلَى ان كَانَ آخِرهم هِشَام بن مُحَمَّد فتلقب بالمعتد بِاللَّه وبزواله فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبع مائَة انقرضت خلافتهم من الأندلس ثمَّ تَبِعَهُمْ على ذَلِك مُلُوك الطوائف من بنى هود وَغَيرهم فتلقبوا بألقاب الْخُلَفَاء وَكَذَلِكَ الموحدون بِبِلَاد الْمغرب فتلقب إمَامهمْ مُحَمَّد بن تومرت بالمهدى وَتَبعهُ أَتْبَاعه على ذَلِك (9 أ) فتلقبوا بألقاب الْخُلَفَاء إِلَى أَن كَانَ الْأَمِير مِنْهُم فِي عقب أبي حَفْص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أحد الْعشْرَة أَصْحَاب ابْن تومرت الْمَذْكُور فنسجوا على منوالهم فِي ذَلِك إِلَى أَن كَانَ مِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّا يحيى فتلقب بالمنتصر بِاللَّه فَكَانَ أول من أضيف فِي لقبه اسْم الله مِنْهُم وَتَبعهُ من بعده على ذَلِك إِلَى زَمَاننَا قلت وَهَؤُلَاء جَمِيعهم على منوال بني الْعَبَّاس ناسجون وعَلى آثَارهم مقتفون وَأَيْنَ الثريا من يَد المتناول اللقب الرَّابِع أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأول من لقب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فِي اثناء خِلَافَته وَكَانُوا قبل ذَلِك يدعونَ أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته بخليفة رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دعوا عمر بعده فِي أول خِلَافَته بخليفة خَليفَة رَسُول الله وَاخْتلف فِي أصل تلقيبه بذلك فروى أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي كِتَابه صناعَة الْكتاب بِسَنَدِهِ إِلَى أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وبرة أَن أَبَا بكر رضى الله عَنهُ كَانَ يجلد فِي الشَّرَاب أَرْبَعِينَ فَجئْت عمر رَضِي الله عَنهُ فَقلت ياأمير الْمُؤمنِينَ إِن خَالِدا بَعَثَنِي إِلَيْك قَالَ فيمَ قلت إِن النَّاس قد تخافوا الْعقُوبَة وانهمكوا فِي الْخمر فَمَا ترى فِي ذَلِك فَقَالَ عمر لمن حوله مَا ترَوْنَ فَقَالَ على نرى ياأمير الْمُؤمنِينَ ثَمَانِينَ جلدَة فَقبل ذَلِك عمر فَكَانَ أَبُو وبرة ثمَّ على بن أبي طَالب أول من لقبه بذلك وَذكر أَبُو هِلَال العسكري فِي كِتَابه الْأَوَائِل أَن أصل ذَلِك أَن عمر رَضِي الله عَنهُ بعث إِلَى عاملة بالعراق أَن يبْعَث إِلَيْهِ لبيد بن ربيعَة وعدي بن حَاتِم فَلَمَّا وصلا الْمَدِينَة دخلا الْمَسْجِد فوجدا عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَا لَهُ اسْتَأْذن لنا على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهما عَمْرو أَنْتُمَا وَالله أصبْتُمَا اسْمه ثمَّ دخل (9 ب) على عمر فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك ياأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا بدا لَك يَابْنَ الْعَاصِ لتخْرجن من هَذَا القَوْل فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فأقره على ذَلِك فَكَانَ ذَلِك أول تلقيبه بأمير الْمُؤمنِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قلت وَلزِمَ هَذَا اللقب من ولي الْخلَافَة بعده إِلَى الأن خلا خلفاء بني أُميَّة بالأندلس فَإِنَّهُم كَانُوا يخاطبون بالإمارة فَقَط إِلَى أَن ولى مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمقتول الْمُقدم ذكره فتلقب بأمير الْمُؤمنِينَ وَاسْتمرّ ذَلِك فيهم إِلَى حِين انقراضهم وملوك الحفصيين من بقايا الْمُوَحِّدين بإفريقية يخاطبون فِي بِلَادهمْ بأمير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْآن وَترد كتبهمْ على مُلُوك الديار المصرية متضمنة لذَلِك أما مُلُوك الغرب الْأَقْصَى الْآن من بني مرين فَإِنَّهُم يخاطبون بأمير الْمُسلمين جَريا على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ أَمر تِلْكَ الْبِلَاد من التلقيب بذلك من حِين أحدث هَذَا اللقب أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين فِي دولة الملثمين من لمتونة من البربر الْبَاب الأول بعد الْمُقدمَة فِي وجوب الْإِمَامَة لمن يقوم بهَا وَبَيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 شُرُوط الْإِمَامَة الَّتِي لَا تصح دونهَا والطرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا وَمَا يلْزم الْخَلِيفَة للرعبة وَمَا يلْزم الرّعية للخليفة وَمَا يَنْعَزِل بِهِ الْخَلِيفَة وَيخرج بِهِ عَن الْإِمَامَة وَفِيه سِتَّة فُصُول الْفَصْل الأول وَفِي وجوب عقد الْإِمَامَة لمن يقوم بهَا قَالَ المادوري وعقدها لمن يقوم وَاجِب بِالْإِجْمَاع وَإِن شَذَّ عَنهُ الْأَصَم يَعْنِي حَيْثُ لم يقل (10 أ) بِوُجُوب ذَلِك مُشِيرا بذلك إِلَى أَنه لَو ندر الْمُخَالف مَعَ كَثْرَة المجمعين لم تَنْقَطِع حجية الْإِجْمَاع كَمَا هُوَ الرَّاجِح فِي كتب أصُول الْفِقْه وَقد اخْتلف فِي أصل وُجُوبهَا فَذهب قوم إِلَى أَن وُجُوبهَا ثَابت بِالْعقلِ لما فِي طباع الْعُقَلَاء من التَّسْلِيم لزعيم يمنعهُم من التظالم ويفصل بَينهم عِنْد التَّنَازُع وَلَوْلَا ذَلِك لكانوا فوضى مهملين وَقد قَالَ الأفوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الأودي وَهُوَ شَاعِر جاهلي ... لَا يصلح النَّاس فوضى لَا سراة لَهُم ... وَلَا سراة إِذا جهالهم سادوا ... وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا إِنَّمَا وَجَبت بِالشَّرْعِ وَلَا أثر لِلْعَقْلِ فِي ذَلِك لِأَن الإِمَام يقوم بِأُمُور شَرْعِيَّة كَانَ يجوز فِي الْعقل لَا يرد التَّعَبُّد بهَا فَلم يكن الْعقل مُوجبا لَهَا وَاحْتج لذَلِك بِأَنَّهُ لابد للْأمة من إِمَام يُقيم الدّين وينصر السّنة وينصف المظلومين من الظَّالِمين ويستوفي الْحُقُوق ويضعها موَاضعهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَنَّهَا فرض كِفَايَة كالجهاد وَنَحْوه إِذا قَامَ بهَا من هُوَ أهل لَهَا سقط فَرضهَا عَن كَافَّة النَّاس وَإِن لم يقم بهَا أحد أَثم من النَّاس فريقان أَحدهمَا أهل الْحل وَالْعقد حَتَّى يختاروا للْأمة إِمَامًا يقوم بأمرهم وَالثَّانِي أهل الْإِمَامَة حَتَّى ينْتَصب للْإِمَامَة أحدهم قَالَ وَلَا إِثْم وَلَا حرج على من عدا هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ من من سَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الْأمة فِي تَأْخِير إِقَامَة الإِمَام قَالَ النَّوَوِيّ فِي روضته فَإِن لم يكن من يصلح إِلَّا وَاحِد تعيّنت عَلَيْهِ وَلَزِمَه طلبَهَا إِن لم يبتدوه الْفَصْل الثَّانِي فِي شُرُوط الْإِمَامَة وَقد أعتبر أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة رَضِي الله عَنْهُم (10 ب) لصِحَّة عقدهَا أَرْبَعَة عشر شرطا فِي الإِمَام الأول الذُّكُورَة فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْمَرْأَة وَاحْتج لَهُ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي بكرَة رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ نفعنى الله بِكَلِمَة سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام الْجمل بعد مَا كدت أَن ألحق بأصحاب الْجمل فأقاتل مَعَهم قَالَ لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أهل فَارس ملكوا بنت كسْرَى قَالَ لن يفلح قوم وَلَو أَمرهم امْرَأَة زَاد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَلَمَّا قدمت عَائِشَة الْبَصْرَة ذكرت قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعصمني الله تَعَالَى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الإِمَام لَا يَسْتَغْنِي عَن الإختلاط بِالرِّجَالِ والمشاورة مَعَهم فِي الْأُمُور وَالْمَرْأَة مَمْنُوعَة من ذَلِك وَلِأَن الْمَرْأَة نَاقِصَة فِي أَمر نَفسهَا حَتَّى لَا تملك النِّكَاح فَلَا تجْعَل إِلَيْهَا الْولَايَة على غَيرهَا الثَّانِي الْبلُوغ فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الصبى لِأَنَّهُ مولى عَلَيْهِ وَالنَّظَر فِي أُمُوره إِلَى غَيره فَكيف يجوز أَن يكون نَاظرا فِي أُمُور الْأمة على أَنه رُبمَا أخل بالأمور قصدا لعلمه بِعَدَمِ التَّكْلِيف الثَّالِث الْعقل فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة ذَاهِب الْعقل بجنون أَو غَيره لِأَن الْعقل آلَة التَّدْبِير فَإِذا فَاتَ الْعقل فَاتَ التَّدْبِير وَقد قسم الماوردى زَوَال الْعقل إِلَى مَالا يُرْجَى زَوَاله وَمَا يُرْجَى زَوَاله فَأَما مَا لَا يُرْجَى زَوَاله كالجنون والخبل فَيمْنَع من عقد الْإِمَامَة سَوَاء كَانَ مطبقا لَا يتخلله إفاقة أَو تخلله إفاقة وَسَوَاء كَانَ زمن الْجُنُون أَكثر من زمن الْإِفَاقَة أَو زمن الْإِفَاقَة أَكثر من زمن الْجُنُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَأما مَا يُرْجَى زَوَاله كالإغماء فَلَا يمْنَع من انْعِقَاد الْإِمَامَة لِأَنَّهُ مرض قَلِيل اللّّبْث سريع الزَّوَال الرَّابِع الْبَصَر فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْأَعْمَى لِأَنَّهُ إِذا منع عقد ولَايَة الْقَضَاء (11 ب) وَجَوَاز الشَّهَادَة فَمَنعه صِحَة الْإِمَامَة أولى أما عشَاء الْعين وَهُوَ أَن لَا يبصر مَعَه لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا يمْنَع صِحَة عقدهَا لِأَنَّهُ مرض فِي زمَان الدعة يُرْجَى زَوَاله وَأما ضعف الْبَصَر فقد قَالَ الماوردى إِنَّه إِن كَانَ يمْنَع مَعَه معرفَة الْأَشْخَاص إِذا رَآهَا فَإِنَّهُ يمْنَع من الإنعقاد وَإِن كَانَ لَا يمْنَع معرفَة الْأَشْخَاص عِنْد رؤيتها لم يمْنَع من الِانْعِقَاد الْخَامِس السّمع فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْأَصَم وَهُوَ الَّذِي لَا يسمع الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ يتَعَذَّر عَلَيْهِ بذلك سَماع مصَالح الْمُسلمين وَلِأَن ذَلِك يمْنَع ولَايَة الْقَضَاء فَلِأَن يمْنَع ولَايَة الْإِمَامَة أولى أما ثقل السّمع وَهُوَ الَّذِي يدْرك مَعَه الصَّوْت العالي فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قيل إِنَّه يمْنَع الْإِمَامَة وَقيل لَا يمْنَع السَّادِس النُّطْق فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْأَخْرَس لما فِي ذَلِك من فَوَات مصَالح الْأمة بِعَدَمِ الْقُدْرَة على النُّطْق عِنْد الْخطاب وَاخْتلف فِي تمتمة اللِّسَان وَنَحْوهَا فَقيل يمْنَع انْعِقَاد الْإِمَامَة وَقيل لَا يمْنَع السَّابِع سَلامَة الْأَعْضَاء من نقص يمْنَع اسْتِيفَاء الْحَرَكَة وَسُرْعَة النهوض فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة من ذهبت يَدَاهُ أَو رِجْلَاهُ لعجز عَمَّا يلْحقهُ من حُقُوق الْأمة أما مَا يمْنَع بعض الْعَمَل أَو فقد بِهِ بعض النهوض كذهاب بعض الْيَدَيْنِ أَو إِحْدَى الرجلَيْن فَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ الماوردى وَصَححهُ الرافعى من أَئِمَّة أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة أَنه لَا تَنْعَقِد مَعَه الْإِمَامَة وَخَالف أَبُو سعد الْمُتَوَلِي من أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة فِي ذَلِك فَذهب إِلَى انْعِقَادهَا وَلَا أثر لما لَا يُؤثر فَقده من الإعضاء فِي رَأْي وَلَا عمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَلَا نهوض كَقطع الذّكر والأنثيين وَنَحْو ذَلِك قلت وَقد رَأَيْت فِي مناهج الْفِكر ومباهج العبر أَن الْخصي إِن خصي قبل التسع حفظت عَلَيْهِ صِفَات الطفولية حَتَّى إِذا غضب بَكَى كالطفل إِذا غضب وَإِن خصي لما بعد ثَمَانِي عشرَة سنة حفظت عَلَيْهِ صِفَات الرجولية (11 ب) وَإِن خصي لما بَين ذَلِك فَأَي الْأَمريْنِ كَانَ إِلَيْهِ أقرب فَهُوَ إِلَى طبعه أميل فَإِن صَحَّ ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يُرَاعِي مثله فِي قطع الذّكر والأنثيين الثَّامِن الْحُرِّيَّة فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة من فِيهِ رق فِي الْجُمْلَة سَوَاء الْقِنّ والمبعض وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة لِأَن الرَّقِيق مَحْجُور للسَّيِّد فأموره تصدر عَن رَأْي غَيره فَكيف يسصلح لولاية أُمُور الْأمة التَّاسِع الْإِسْلَام فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْكَافِر على أى أَنْوَاع الْكفْر أَصْلِيًّا كَانَ أَو مُرْتَدا لِأَن الْمَقْصُود من الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مارعاة امور الْمُسلمين وَالْقِيَام بنصرة الدّين وَمن لَا يكون مُسلما لَا يُرَاعى مصلحَة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْعَاشِر الْعَدَالَة فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْفَاسِق وَهُوَ المتابع لشهوته الْمُؤثر لهواه من ارْتِكَاب الْمَحْظُورَات والإقدام على الْمُنْكَرَات لِأَن المُرَاد من الإِمَام مُرَاعَاة النّظر للْمُسلمين وَالْفَاسِق لم ينظر فِي أَمر دينه فَكيف ينظر فِي مصلحَة غَيره أما مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد لعروض شُبْهَة ففى انْعِقَاد إِمَامَته مَعَه خلاف وَظَاهر كَلَام الماوردى أَنه لايمنع كَمَا لَا يمْنَع من ولَايَة الْقَضَاء وَقبُول الشَّهَادَة الْحَادِي عشر الشجَاعَة والنجدة فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة الجبان لِأَنَّهُ مُحْتَاج إِلَى الشجَاعَة ليتوصل بذلك إِلَى حماية الْبَيْضَة وَجِهَاد الْعَدو اللَّذين هما جلّ الْمَطْلُوب من نصيب الإِمَام لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى تجيهز الجيوش وَفتح الْبِلَاد والحصون وَقتل الْأَعْدَاء فَإِذا لم يكن شجاعا لم يسْتَطع ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الثَّانِي عشر الْعلم الْمُؤَدى إِلَى الإجتهاد فِي النَّوَازِل وَالْأَحْكَام فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة غير الْعَالم بذلك لِأَنَّهُ مُحْتَاج لِأَن يصرف الْأُمُور على النهج القويم ويجريها على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَلِأَن يعلم الْحُدُود ويستوفى الْحُقُوق ويفصل (12 أ) الْخُصُومَات بَين النَّاس وَإِذا لم يكن عَالما مُجْتَهدا لم يقدر على ذَلِك الثَّالِث عشر صِحَة الرأى والتدين فَلَا تَنْعَقِد إِمَامَة ضَعِيف الرأى لِأَن الْحَوَادِث الَّتِي تكون فِي دَار الأسلام ترفع إِلَيْهِ وَلَا يتَبَيَّن لَهُ طَرِيق الْمصلحَة إِلَّا إِذا كَانَ ذَا رأى صَحِيح وتدبير سَائِغ وناهيك أَن أَبَا الطّيب التنبي قد رجح الرأى على الشجَاعَة فِي شعره فَقَالَ ... الرأى قبل الشجَاعَة الشجعان ... هُوَ أول وهى الْمحل الثَّانِي الرَّابِع عشر النّسَب فَلَا تَنْعَقِد الأمامة بِدُونِهِ وَالْمرَاد أَن يكون من قُرَيْش وهم بَنو النَّضر بن كنَانَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بقى مِنْهُم اثْنَان وَقد احْتج الصّديق رضى الله عَنهُ على الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة حِين اجْتَمعُوا على سعد بن عبَادَة وَقَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِك وأذعنوا لقَوْله وَقد ادّعى الماوردى الْإِجْمَاع على اعْتِبَار هَذَا الشَّرْط مَعَ وُرُود النَّص بِهِ ثمَّ قَالَ وَلَا عِبْرَة بضرار حِين شَذَّ فجوزها فِي جَمِيع النَّاس قَالَ الرَّافِعِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة فَإِن لم يُوجد قرشى مستجمع للشروط فكنانى فَإِن لم يُوجد كنانى فَرجل من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن لم يكن فيهم رجل مستجمع للشرائط فَفِي تَهْذِيب البغوى أَنه يُولى رجل من الْعَجم وفى التَّتِمَّة للمتولى أَنه يُولى جرهمي قلت وجرهم أصل الْعَرَب المسعربة الَّذين هم ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وهم الَّذين نزلُوا على إِسْمَاعِيل وَأمه بِمَكَّة حِين أنزلهما بهَا الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنَشَأَ إِسْمَاعِيل بَينهم وَتعلم لغتهم وَتزَوج مِنْهُم وهم بَنو جرهم بن قحطان بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقد (12 ب) أوضحت الْكَلَام على ذَلِك مَبْسُوطا فِي كتابي نِهَايَة الأرب فِي معرفَة قبائل الْعَرَب قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَا يشْتَرط فِي الإِمَام كَونه هاشميا لِأَن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان رضى الله عَنْهُم لَيْسُوا من بنى هَاشم وهم أصُول الْخلَافَة وأئمة الْإِسْلَام الْفَصْل الثَّالِث فِي بَيَان الطّرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا الْخلَافَة وَلها ثَلَاث طرق تترتب على كل طَرِيق مِنْهَا جملَة من الْأَحْكَام الطَّرِيق الأول الْبيعَة وهى أَن يجْتَمع أهل ألحل وَالْعقد الْآتِي ذكرهم ويعقدون الأمامة لمن يستجمع شرائطها وياتي ذَلِك فِي مَوْضُوعَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أَحدهمَا أَن يَمُوت الْخَلِيفَة الَّذِي كَانَ منتصبا عَن غير عهد إِلَى أحد بعده وَالثَّانِي أَن يخلع الْخَلِيفَة نَفسه من الْخلَافَة أَو يخلعه أهل الْحل وَالْعقد لموجب اقْتضى خلعه نَفسه أَو خلع أهل الْحل وَالْعقد لذَلِك حالتان الْحَالة الأولى أَن يَتَعَدَّد من اجْتمع فِيهِ شُرُوط الْإِمَامَة فيختار أهل الْحل وَالْعقد وَاحِدًا مِنْهُم يقوم بِأَمْر الْإِمَامَة وينهض بأعبائها وعَلى ذَلِك كَانَت خلَافَة الصّديق رضى الله عَنهُ بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَنه لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْتمعت الْأَنْصَار إِلَى سعد بن عبَادَة فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَقَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير فَذهب إِلَيْهِم أَبُو بكر وَعمر وَأَبُو عُبَيْدَة ابْن الْجراح فَذهب عمر يتَكَلَّم فأسكته أَبُو بكر وَكَانَ عمر يَقُول وَالله مَا أردْت إِلَّا أَنى هيأت كلَاما أعجبني خشيت أَن لَا يبلغهُ أَبُو بكر ثمَّ تكلم أَبُو بكر فَتكلم أبلغ النَّاس فَقَالَ فِي كَلَامه نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء فَقَالَ (13 أ) حباب بن الْمُنْذر لَا وَالله لَا نففعل منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أَمِير ومنكم أَمِير فَقَالَ أَبُو بكر لَا وَلَكنَّا الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء فَبَايعُوا عمر أَو أَبَا عُبَيْدَة فَقَالَ عمر بل نُبَايِعك أَنْت فَأَنت سيدنَا وخيرنا وأحبنا إاى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ عمر بِيَدِهِ فَبَايعهُ وَبَايَعَهُ النَّاس أخرجه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأعلم أَن لصِحَّة عقد الْبيعَة خَمْسَة شُرُوط الأول أَن يجْتَمع فِي الْمَأْخُوذ لَهُ الْبيعَة شُرُوط الْإِمَامَة الْمُتَقَدّمَة الذّكر فَلَا تَنْعَقِد مَعَ فَوَات وَاحِد مِنْهَا إِلَّا مَعَ الشَّوْكَة والقهر على مَا سَيَأْتِي فَلَو جمع شُرُوط الْإِمَامَة اثْنَان فَأكْثر قَالَ الْمَاوَرْدِيّ اسْتحبَّ لأهل الْحل وَالْعقد أَن يعقدوها لأسنهما فَإِن عقودها للْآخر جَازَ فَإِن كَانَ أَحدهمَا أعلم وَالْآخر أَشْجَع روعي فِي الأختيار مَا يُوجِبهُ حكم الْوَقْت فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى رِعَايَة الشجَاعَة كظهور الْبُغَاة وَأهل الْفساد كَانَ الأشجع أَحَق وَإِن دعت إِلَى زِيَادَة الْعلم كسكون الْفِتَن وَظُهُور الْبدع كَانَ الأعلم أَحَق وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تنَازع اثْنَان مستجمعان للأهلية فِي الأمامة فقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى الْعلمَاء إِلَى أَن ذَلِك يقْدَح فيهمَا جَمِيعًا حَتَّى يعدل عَنْهُمَا إِلَى غَيرهمَا وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن ذَلِك لَا يقْدَح لِأَن طلب الْخلَافَة لَيْسَ مَكْرُوها وَهل يقرع بَينهمَا عِنْد التَّسَاوِي أَو يقدم أهل الْحل وَالْعقد من شَاءُوا مِنْهُمَا فِيهِ خلاف الثَّانِي أَن يكون المتولى لعقد الْبيعَة أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء والرؤساء وَسَائِر وُجُوه النَّاس وفيمن تَنْعَقِد بِهِ الْبيعَة مِنْهُم سَبْعَة مَذَاهِب أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِأَهْل الْحل وَالْعقد من كل بلد ليَكُون الرضى عَاما وَالتَّسْلِيم لإمامته إِجْمَاعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا مَذْهَب مَدْفُوع ببيعة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بِاخْتِيَار من حضرها (13 ب) من غير انْتِظَار قدوم غَائِب عَنْهَا وَالثَّانِي أَن أقل من تَنْعَقِد بِهِ أَرْبَعُونَ لَا دونهم لِأَن عقد الْإِمَامَة فَوق عقد الْجُمُعَة وَلَا تَنْعَقِد بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَالثَّالِث أقل من تَنْعَقِد بِهِ خَمْسَة يَجْتَمعُونَ على عقدهَا اَوْ يعقدها أحدهم برضى الْأَرْبَعَة لِأَن بيعَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ انْعَقَدت بِخَمْسَة وهم عمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَأسيد بن حضير وَبشير بن سعد وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة ثمَّ تَابعهمْ النَّاس على ذَلِك وَقد جعلهَا عمر رَضِي الله عَنهُ شُورَى فِي سِتَّة نفر تَنْعَقِد لأَحَدهم برضى الْخَمْسَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا قَول اكثر الْفُقَهَاء والمتكلمين من أهل الْبَصْرَة وَالرَّابِع تَنْعَقِد بأَرْبعَة لِأَن الشَّهَادَة فِي الزِّنَا تقوم بأَرْبعَة فَكَذَلِك الامامة وَالْخَامِس تَنْعَقِد بِثَلَاثَة يتولاها أَحدهمَا برضى الِاثْنَيْنِ الآخرين ليكونا حَاكما وشاهدين كَمَا يَصح عقد بولِي وشاهدين وَالسَّادِس تَنْعَقِد بِاثْنَيْنِ لِأَن رُتْبَة الْخلَافَة لَا تنقص عَن رُتْبَة الحكومات وَالْحَاكِم لَا يلْزم أحد الْخَصْمَيْنِ 44 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 حق صَاحبه الا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ لكذلك لَا يلْزم النَّاس الانقياد قَول الامام الا بعدلين وَالسَّابِع تَنْعَقِد بِوَاحِد لما روى أَن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ لعَلي كرم الله وَجهه امدد يدك أُبَايِعك فَيَقُول النَّاس عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَايع ابْن اخيه فَلَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان وَقد قيل ان بيعَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ انْعَقَدت ببيعة عمر وَحده ولانه حكم وَحكم الواح نَافِذ وَالثَّامِن وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهَا تَنْعَقِد بِمن تيَسّر حُضُوره وَقت الْمُبَايعَة فِي ذَلِك الْموضع من الْعلمَاء والرؤساء وَسَائِر وُجُوه النَّاس المتصفين بِصِفَات (14 أ) الشُّهُود حَتَّى لَو تعلق الْحل وَالْعقد بِوَاحِد مُطَاع كفى لِأَن الْأَمر اذا لم يكن صادرا عَن راي من لَهُ تقدم فِي الْوَضع وَقَول مَقْبُول لم تؤمن اثارة فتْنَة وَلَا الْتِفَات الى أهل الْبِلَاد النائية بل اذا بَلغهُمْ خبر الْبيعَة وَجب عَلَيْهِم الْمُوَافقَة والمتابعة وَقد شَرط فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة فِي أهل الْحل وَالْعقد أَن يجْتَمع فيهم ثَلَاث صِفَات وَهِي الْعَدَالَة وَالْعلم والرأي وَوَافَقَهُ على ذَلِك النَّوَوِيّ فِي روضته وَقَالَ الرَّافِعِيّ لَا بُد فيهم مُجْتَهد فان عقدت بِوَاحِد اعْتبر فِيهِ الِاجْتِهَاد وان عقدت بِأَكْثَرَ من وَاحِد اعْتبر ان يكون فيهم مُجْتَهد الثَّالِث أَن يُجيب المبايع الى الْبيعَة حَتَّى لَو امْتنع لم تَنْعَقِد امامته وَلم يجْبر عَلَيْهَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة لَا ان يكون من لَا يصلح للامامة الا وَاحِد فَيجْبر بِلَا خلاف الرَّابِع الاشهاد على الْمُبَايعَة فِيمَا اذا كَانَ الْعَاقِد وَاحِدًا اما اذا كَانَ الْعَاقِد لِلْبيعَةِ جمعا فانه لَا يشْتَرط الاشهاد الْخَامِس أَن يتحد الْمَعْقُود لَهُ بِأَن لَا تعقد الْبيعَة لاكثر من وَاحِد احْتج لَهُ بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 صَحِيحه من حَدِيث ابي سعيد رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اذا بُويِعَ لخليفتين فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عرْفجَة بن شُرَيْح قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أَتَاكُم وأمركم جَمِيع على رجل وَاحِد يُرِيد ان يشق عصاكم اَوْ يفرق جماعتكم فَاقْتُلُوهُ فَلَو عقدت الْبيعَة لاثْنَيْنِ مَعًا لم تَنْعَقِد لوَاحِد مِنْهُمَا فلوا كَانَا فِي اقليمين متباعدين فَفِيهِ وَجْهَان لاصحابنا الشَّافِعِيَّة أصَحهمَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور بطلَان بيعتهما وَالثَّانِي مَا ذهب اليه 14 ب الاستاذ ابو اسحاق الاسفراييني وَاخْتَارَهُ امام الْحَرَمَيْنِ صِحَة بيعتهما جَمِيعًا لانه قد تَدْعُو الْحَاجة الى ذَلِك وعَلى ذَلِك كَانَت الْخلَافَة الاموية بالاندلس والخلافة الفاطمية بِبِلَاد الْمغرب والديار المصرية مَعَ قيام الْخلَافَة العباسية بالعراق وانسحابها على سَائِر الاقطار والبلدان وَنسبه الْمَاوَرْدِيّ فِي الاحكام 47 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 7 - السُّلْطَانِيَّة الى الشذوذ وان وَقع العقد لَهما على التَّرْتِيب فالاولى صَحِيحَة وَالثَّانيَِة بَاطِلَة وَلَو سبق احدهما وَتعين ثمَّ اشْتبهَ وقف الامر حَتَّى يظْهر فان طَالَتْ الْمدَّة وَلم يُمكن الِانْتِظَار فقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ انه تبطل البيعتان وتستأنف لاحدهما بيعَة جَدِيدَة وَفِي جَوَاز الْعُدُول الى غَيرهمَا خلاف قَالَ النوو الْأَصَح انه لَا يجوز الْحَالة الثَّانِيَة ان يتحد من اجْتمع فِيهِ شُرُوط الامامة وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا اذا انْفَرد وَاحِد بِشُرُوط الامامة هَل تثبت امامته بِمُجَرَّد تفره بهَا من غير عقد بَيْعه على مذهبين احدهما انْعِقَاد امامته بذلك وان لم يعقدها لَهُ اهل الْحل وَالْعقد لَان الْمَقْصُود من الِاخْتِيَار تَمْيِيز من يسْتَحق الْولَايَة وَقد تيمز هَذَا بِصفتِهِ وَهُوَ مَا نَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن بعض عُلَمَاء الْعرَاق وَالثَّانِي انها لَا تَنْعَقِد الا بِعقد اهل الْحل وَالْعقد لَان الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الامامة عقد فَلَا يَصح الا بعاقد كَمَا لَو انْفَرد وَاحِد باستجماع شَرَائِط الْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا يصير قَاضِيا حَتَّى يُولى وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء وَعَلِيهِ اقْتصر الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ الْمُعْتَمد على ترجيحهما الطَّرِيق الثَّانِي من الطّرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا الامامة الْعَهْد وَهُوَ ان يعْهَد الْخَلِيفَة المستقر الى غَيره مِمَّن استجمع شَرَائِط الْخلَافَة بالخلافة بعده فاذا مَاتَ العاهد 15 أانتقلت الْخلَافَة بعد مَوته الى الْمَعْهُود اليه وَلَا يحْتَاج مَعَ ذَلِك الى تَجْدِيد بيهة من اهل الْحل وَالْعقد وَلذَلِك حالتان الْحَالة الاولى ان يتحد الْمَعْهُود اليه بِأَن يعْهَد بالخلافة بعهده الى وَاحِد فَقَط فَيجب الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا رُوِيَ انه لما مرض ابو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ دَعَا عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ يَوْمئِذٍ كَاتبه فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ مَا اكْتُبْ قَالَ اكْتُبْ هَذَا مَا عهد ابو بكر خَليفَة رَسُول الله اخر عَهده بالدنيا واول عَهده بالآخره اني اسْتخْلفت عَلَيْكُم ثمَّ رهقته عينه فَنَامَ فَكتب عمر بن الْخطاب ثمَّ اسْتَيْقَظَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ابو بكر فَقَالَ هَل كتب شَيْئا قلت نعم كتبت عمر بن الْخطاب فَقَالَ اما انك لَو كتبت نَفسك لَكُنْت لَهَا اهلا وَلَكِن اكْتُبْ اسْتخْلفت عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب فان بر وَعدل فَذَلِك ظَنِّي بِهِ وان بدل اَوْ غير فَلَا علم لي بِالْغَيْبِ وَالْخَيْر اردت بكم وَلكُل امرىء مَا اكْتسب من الاثم {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} ثمَّ دخل عَلَيْهِ عمر فَعرفهُ ذَلِك فَأبى ان يقبل فتهدده ابو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ هاتوا سَيفي فَقبل ثمَّ خرج عمر من عِنْده فَدخل عَلَيْهِ طَلْحَة فَبكى ولامة على تَوليته عمر فانتهره ابو بكر وَقَالَ وَالله ان عمر لخير لكم وانتم شَرّ لَهُ اتيتني وَقد وكفت عَيْنك تُرِيدُ ان تصدني عَن ديني وتردني عَن رَأْيِي قُم لَا أَقَامَ الله رجلك وَاعْلَم انه لَا بُد لصِحَّة الامامة بالعهد وَالْحَالة هَذِه من شرطين أَحدهمَا ان يكون الْمَعْهُود اليه مستجمعا لشرائط الامامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 من وَقت الْعَهْد حَتَّى لَو كَانَ الْمَعْهُود اليه صَغِيرا اَوْ فَاسِقًا عِنْد الْعَهْد بَالغا عدلا عِنْد موت العاهد لم يصر بذلك الْعَهْد 15 ب اماما بل لَا بُد من مبايعة اهل الْحل وَالْعقد لَهُ بالخلافة كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَصوب الْجَزْم بِهِ وان توقف فِيهِ الرَّافِعِيّ الثَّانِي ان يقبل الْمَعْهُود اليه الْعَهْد قَالَ الْمُتَوَلِي من اصحابنا فَلَو امْتنع الْمَعْهُود اليه من الْقبُول بُويِعَ غَيره وَكَأَنَّهُ لَا عهد وَاخْتلف فِي وَقت قبُوله فَقيل بعد موت العاهد كَمَا يقبل الْوَصِيّ الْوَصِيَّة بعد موت الْمُوصي وَالأَصَح ان وقته مَا بَين عهد الْخَلِيفَة وَمَوته لتنتقل الامامة عَن العاهد الى الْمَعْهُود اليه مُسْتَقِرَّة بِالْقبُولِ فَلَو اراد ولي الْعَهْد ان يعْهَد بالخلافة الى اُحْدُ قبل موت الْخَلِيفَة العاهد لم يجز لَان الْخلَافَة لَا تَسْتَقِر الا بعد موت الْمُسْتَخْلف وَفِي معنى ذَلِك مَا لَو قَالَ جعلته ولي عهدي اذا افضت الْخلَافَة الي لانه فِي الْحَال لَيْسَ بخليفة فَلم يَصح عَهده فَلَو عهد لاثْنَيْنِ فان كَانَ الْعَهْد قد وَقع لَهما مَعًا فَهُوَ بَاطِل وان وَقع التَّرْتِيب فَالْحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 للأسبق كَمَا تقدم فِي الْبيعَة قلت وَلَو قيل بِاعْتِبَار الاشهاد على الْعَهْد لَكَانَ لَهُ وَجه وَقد اشْهَدْ الْمَأْمُون على عَهده لعَلي الرضى على مَا ستقف عَلَيْهِ فِي نُسْخَة عَهده فِي الْكَلَام على عهود الْخُلَفَاء فِيمَا بعد ان شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ اعْلَم ان الْمَعْهُود اليهم على ثَلَاثَة اضْرِب الضَّرْب الاول ان يكون الْمَعْهُود اليه ولدا اَوْ والدا وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز انْفِرَاده بالعهد لوَلَده اَوْ وَالِده على ثَلَاثَة مَذَاهِب احدها انه لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَاد بذلك لوَاحِد مِنْهُمَا بل لَا بُد ان يُوَافقهُ اهل الْحل وَالْعقد على صَلَاحِية الْمَعْهُود اليه لذَلِك لَان ذَلِك مِنْهُ بِمَثَابَة التَّزْكِيَة ليجري مجْرى الشَّهَادَة وتقليده على الامة مجْرى الحكم وَهُوَ لَا يجوز ان يحكم لوالد وَلَا ولد وَالثَّانِي لَهُ الِانْفِرَاد 16 أبذلك لكل وَاحِد مِنْهُمَا لانه امير الامة نَافِذ الامر لَهُم وَعَلَيْهِم فغلب حكم 52 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 المنصب على حكم النّسَب وَلم يَجْعَل للتُّهمَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِك طَرِيقا وَالثَّالِث ان لَهُ الِانْفِرَاد بذلك للوالد دون الْوَلَد لَان الطَّبْع الى الْوَلَد اميل مِنْهُ الى الْوَالِد وَلذَلِك كَانَ مَا يقتنيه فِي الاغلب مذخورا لوَلَده دون وَالِده الضَّرْب الثَّانِي ان يكون الْمَعْهُود اليه لَيْسَ بِولد وَلَا وَالِد بِأَن يكون اخا اَوْ بن اخ اَوْ عَمَّا اَوْ ابْن عَم اَوْ اجنبيا فَيجوز الْعَهْد بالخلافة اليه من غير استشارة اُحْدُ من اهل الْحل وَالْعقد فِي ذَلِك وَاخْتلف فِي انه هَل يشْتَرط فِي لُزُوم ذَلِك للْأمة ظُهُور الرضى مِنْهُم بذلك ام لَا على مذهبين احدهما الِاشْتِرَاط لَان الامامة حق يتَعَلَّق بالامة فَلم تلزمهم الا برضى اهل الْحل وَالْعقد مِنْهُم وَالثَّانِي وَهُوَ الاصح عدم الِاشْتِرَاط لَان الامام احق بهَا فَكَانَ اخْتِيَاره فِيهَا امضى وانفذ وَلذَلِك لم يتَوَقَّف عهد الصّديق لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا على رَضِي بَقِيَّة الصَّحَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الضَّرْب الثَّالِث ان يكون الْمَعْهُود اليه غَائِبا وَيخْتَلف الْحَال فِيهِ فان كَانَ مَجْهُول الْحَيَاة لم يَصح الْعَهْد اليه وان كَانَ مَعْلُوم الْحَيَاة صَحَّ وَكَانَ مَوْقُوفا على قدومه فان مَاتَ العاهد وَولي الْعَهْد على غيبته استقدمه اهل الْحل وَالْعقد فان طَالَتْ غيبته وَتَأَخر الْمُسلمُونَ بِتَأْخِير النّظر فِي امورهم استناب اهل الْحل وَالْعقد عَنهُ نَائِبا يبايعونه بالنيابة دون الْخلَافَة ويمضي امْرَهْ فِيمَا يمْضِي فِيهِ امْر الْخَلِيفَة ان لَو كَانَ حَاضرا فاذا قدم الْخَلِيفَة الْغَائِب انْعَزل الْمُسْتَخْلف وَكَانَ نظره بعد قدومه مردودا الْحَالة الثَّانِيَة ان يَتَعَدَّد 16 ب الْمَعْهُود اليه بِأَن يكون اثْنَيْنِ فَأكْثر من اهل الامامة وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ الضَّرْب الاول ان يَجْعَلهَا الْخَلِيفَة شُورَى بَينهم لم يقدم فِيهَا احدا مِنْهُم على الآخر فيختار اهل الْحل وَالْعقد بعد موت العاهد وَاحِدًا من الْمَعْهُود اليهم اَوْ يخرج الْجَمِيع انفسهم من الْعَهْد ويقى وَاحِد مِنْهُم والاصل فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من رِوَايَة عَمْرو بن مَيْمُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الأودى أَنه لما طعن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ قيل لَهُ أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اسْتخْلف قَالَ مَا أرى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ الرَّهْط الَّذين توفى رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض فعد عليا وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وسعدا وَعبد الرَّحْمَن وَأَنه لما قبض وَفرغ من دَفنه اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط فَقَالَ عبد لرحمن بن عَوْف اجعلوا أَمركُم إِلَى ثَلَاثَة مِنْكُم فَقَالَ الزبير قد جعلت أمرى إِلَى على وَقَالَ طَلْحَة قد جعلت أمرى إِلَى عُثْمَان وَقَالَ سعد قد جعلت أمرى إِلَى عبد الرَّحْمَن فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أيكما تَبرأ من هَذَا الْأَمر فنجعله إِلَيْهِ وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرن أفضلهم فِي نَفسه فأسكت الشَّيْخَانِ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أفتجعلونه إِلَى وَالله على أَن لَا آلو عَن أفضلكم قَالَا نعم فَأخذ بيد أَحدهمَا وَقَالَ لَك من قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت وَالله عَلَيْك لَئِن أَمرتك لتعدلن وَلَئِن أمرت عُثْمَان لتسمعن وتطيعن ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان فَبَايعهُ وَبَايع لَهُ على وولج أهل الدَّار فَبَايعُوهُ وَاعْلَم أَنه إِذا عهد لاثْنَيْنِ فَأكْثر لم يجز لأهل الْحل وَالْعقد (17 أ) أَن يختاروا وَاحِدًا مِنْهُم فِي حَيَاته إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ أَحَق فامتنعت مشاركته فِيهَا مَا دَامَ رَأْيه صَحِيحا وَلَو مَاتَ لم يجز لأهل الْحل وَالْعقد أَن يختاروا وَاحِدًا غَيرهم بل لَو نَص على أهل الإختيار لم يَصح الإختيار من غير من نَص عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك من حُقُوق خِلَافَته وَإِذا تعيّنت الْخلَافَة بالإختيار فِي أحد الْمَعْهُود إِلَيْهِم جَازَ لَهُ أَن يعْهَد بهَا إِلَى غَيره الضَّرْب الثَّانِي أَن يعْهَد إِلَى اثْنَيْنِ فَأكْثر ويرتب الْخلَافَة فيهم بِأَن يَقُول الْخَلِيفَة بعدى فلَان فَإِذا مَاتَ فالخليفة بعده فلَان فتنتقل الْخلَافَة بعده على التَّرْتِيب الذى رتبه احْتج لذَلِك بِمَا ثَبت فِي صَحِيح البخارى من رِوَايَة ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر على جَيش مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة وَقَالَ إِن قتل فجعفر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أبي طَالب فَإِن قتل فعبد الله بن رَوَاحَة وَفِي رِوَايَة فَإِن قتل فليرتض الْمُسلمُونَ رجلا فَتقدم زيد فَقتل فَأخذ الرَّايَة جَعْفَر وَتقدم فَقتل فَأخذ الرايه الله بن رَوَاحَة وَتقدم فَقتل فَاخْتَارَ الْمُسلمُونَ بعده خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ الماوردى وَإِذا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فِي الْإِمَارَة جَازَ مثله فِي الْخلَافَة قَالَ وَقد عمل بذلك فِي الدولتين من لم يُنكر عَلَيْهِ أحد من عُلَمَاء الْعَصْر وَقد عهد سُلَيْمَان بن عبد الْملك إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز بعده ثمَّ إِلَى يزِيد بن عبد الْملك قَالَ وَفعل سُلَيْمَان وَإِن لم يكن حجَّة فإقرار من عاصره من النَّاس وَمن لَا يَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم هُوَ الْحجَّة وَكَذَلِكَ رتبها الرشيد فِي ثَلَاثَة من بنيه فِي الْأمين ثمَّ المامون ثمَّ المؤتمن على كَثْرَة من عاصره من فضلاء الْعلمَاء إِذا علمت ذَلِك فَلَا نزاع فِي أَن الْخَلِيفَة العاهد بَاقٍ على خِلَافَته مَا دَامَ حَيا (17 ب) أما بعد مَوته فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الْحَال الأول أَن يَمُوت الأول من الْمَعْهُود إِلَيْهِم فِي حَيَاة العاهد فَتكون الْخلَافَة بعده للثَّانِي مِنْهُم الْحَال الثَّانِي أَن يَمُوت الأول وَالثَّانِي من الْمَعْهُود إِلَيْهِم فِي حَيَاة العاهد فَتكون الْخلَافَة بعدهمَا للثَّالِث الْحَال الثَّالِث أَن يَمُوت العاهد وَالثَّلَاثَة الْمَعْهُود إِلَيْهِم أَحيَاء فالخلافة بعد مَوته للْأولِ مِنْهُم فَلَو أَرَادَ الأول الَّذِي أفضت الْخلَافَة إِلَيْهِ أَن يعْهَد بهَا إِلَى غير الأنثنين الباقيين من الْمَعْهُود إِلَيْهِم مِمَّن يختاره لَهَا فَفِيهِ مذهبان للْعُلَمَاء أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يسْتَنْزل عَنْهَا مستحقها من الْمَعْهُود إِلَيْهِم طَوْعًا حملا على حكم التَّرْتِيب السَّابِق فقد عهد السفاح إِلَى أَخِيه الْمَنْصُور وَجعل الْعَهْد بعده لعيسى بن مُوسَى فَأَرَادَ الْمَنْصُور تَقْدِيم ابْنه الْمهْدي على عِيسَى فاستنزله عَن الْعَهْد لحقه فِيهِ وفقهاء الْعَصْر حِينَئِذٍ على توفير وَكَثْرَة لم يرَوا لَهُ فسحة فِي صرفه عَن ولَايَة الْعَهْد قهرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَظَاهر الشَّافِعِي وَعَلِيهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء أَنه يجوز أَن يعْهَد بهَا إِلَى من يَشَاء ويصرفها عَمَّن كَانَ مَعَه مُرَتبا فِي الْعَهْد لِأَنَّهُ قد صَار بإفضائها إِلَيْهِ عَام الْولَايَة نَافِذ الْأَمر فَكَانَ حَقه فِيهَا أقوى وَإِنَّمَا استطاب الْمَنْصُور نفس عِيسَى تألفا لأَهله لِأَنَّهُ كَانَ فِي صدر الدولة فعل ذَلِك سياسة وَإِن كَانَ الحكم فِي نفس الْأَمر سائغا الطَّرِيق الثَّالِث من الطّرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا الْإِمَامَة الْقَهْر والاستيلاء فَإِذا مَاتَ الْخَلِيفَة فتصدى للْإِمَامَة من جمع شرائطها من غير عهد إِلَيْهِ من الْخَلِيفَة الْمُتَقَدّم وَلَا بيعَة من أهل الْحل وَالْعقد انْعَقَدت إِمَامَته لينتظم شَمل الْأمة وتتفق (18 أ) كلمتهم وَإِن لم يكن جَامعا لشرائط الْخلَافَة بِأَن كَانَ فَاسِقًا أَو جَاهِلا فَوَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّة أصَحهمَا انْعِقَاد إِمَامَته أَيْضا لأَنا لَو قُلْنَا لَا تَنْعَقِد إِمَامَته لم تَنْعَقِد أَحْكَامه وَيلْزم من ذَلِك الْإِضْرَار بِالنَّاسِ من حَيْثُ إِن من يَلِي بعده يحْتَاج أَن يُقيم الْحُدُود ثَانِيًا ويستوف الزَّكَاة ثَانِيًا وَيَأْخُذ الْجِزْيَة ثَانِيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَالثَّانِي لَا تَنْعَقِد إِمَامَته لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِد لَهُ الْإِمَامَة بالبيعة إِلَّا باستكمال الشُّرُوط فَكَذَا بالقهر الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا يلْزم الْخَلِيفَة للرعية وَقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ أَنه يلْزمه لَهُم عشرَة أَشْيَاء أَحدهَا حفظ الدّين على أُصُوله المستقرة وَمَا أجمع عَلَيْهِ سلف الْأمة فَإِن ظهر مُبْتَدع أَو زاغ ذُو شُبْهَة أوضح لَهُ الْحجَّة وَبَين لَهُ الصَّوَاب وكفه عَن ذَلِك بِمَا يسْتَحقّهُ من الزّجر ليَكُون الدّين محروسا وَحَال الْأمة فِيهِ مضبوطا الثَّانِي حماية بَيْضَة الْإِسْلَام والذب عَن الْحرم ليتصرف النَّاس فِي مَعَايشهمْ وينتشروا فِي أسفارهم آمِنين على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ الثَّالِث تحصين الثغور بِالْعدَدِ ووفور الْعدَد حَتَّى لَا يظفر الْعَدو بغرة فينتهك فِيهَا محرما أَو يسفك فِيهَا دم مُسلم أَو معاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الرَّابِع جِهَاد الْكَفَرَة المعاندين لِلْإِسْلَامِ حَتَّى يسلمُوا أَو يدخلُوا فِي ذمَّة الْمُسلمين قيَاما بِحَق الله تَعَالَى فِي ظُهُور دينه على الدّين كُله الْخَامِس تَنْفِيذ الْأَحْكَام وَقطع الْخُصُومَات حَتَّى لَا يتَعَدَّى ظَالِم وَلَا يضعف مظلوم السَّادِس إِقَامَة الْحُدُود (18 ب) لتتوقى الْمَحَارِم وتصان الْأَنْفس وَالْأَمْوَال السَّابِع اخْتِيَار الْأُمَنَاء والأكفاء وتقليد الولايات للثقات النصحاء لتنضبط الْأَعْمَال بالكفاة وَتحفظ الْأَمْوَال بالأمناء الثَّامِن جباية أَمْوَال الفىء وَالصَّدقَات وَالْخَرَاج على مَا أوجبه الشَّرْع نصا أَو اجْتِهَادًا من غير حيف وَلَا عسف التَّاسِع تَقْدِير الْعَطاء وَمَا يسْتَحقّهُ كل وَاحِد فِي بَيت المَال من غير سرف وَلَا تقتير وَدفعه إِلَيْهِم فِي وَقت مَعْلُوم لَا تَأْخِير فِيهِ وَلَا تَقْدِيم الْعَاشِر مشارفة الْأُمُور العامه بِنَفسِهِ غير مُعْتَمد على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ولاته وعماله فقد يخون الْأمين ويغش الناصح وَقد قَالَ تَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رَعيته فالإمام رَاع وَمَسْئُول عَن رَعيته وَالرجل رَاع وَمَسْئُول عَن رَعيته وَالْمَرْأَة فِي بَيت زَوجهَا راعية ومسئولة عَن رعيتها وَالْخَادِم فِي مَال سَيّده رَاع وَهُوَ مسئول عَن رَعيته قَالَ فَسمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَحْسبهُ قَالَ وَالرجل فِي مَال أَبِيه رَاع وَمَسْئُول عَن رَعيته فكلكم رَاع وكلكم مسئول عَن رَعيته وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ قَالَ لمعاوية سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من إِمَام يغلق بَابه دون ذَوي الْحَاجَات والمسكنة إِلَّا أغلق الله أَبْوَاب السَّمَاء دون خلته وَحَاجته ومسكنته فَجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 مُعَاوِيَة رجلا على مصَالح النَّاس وَللَّه مُحَمَّد بن يزْدَاد وَزِير الْمَأْمُون حَيْثُ يَقُول مُخَاطبا لَهُ ... من كَانَ حارس دنيا إِنَّه قمن ... أَن لَا ينَام وكل النَّاس نوام (19 أ) وَكَيف ترقد عينا من تضيفه ... همان من أمره نقض وإبرام ... الْفَصْل الْخَامِس فِيمَا يلْزم الرّعية للخليفة وَهُوَ أَمْرَانِ الأول الطَّاعَة قَالَ الله تَعَالَى {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} فَأمر بِطَاعَة أولى الْأَمر وهم وُلَاة الْأُمُور على مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من الْمُفَسّرين والأمام هُوَ أعظم وُلَاة الْأُمُور لعُمُوم ولَايَته فَهُوَ أَحَق بِالطَّاعَةِ وأجدر بالانقياد لأوامره ونواهيه مالم يُخَالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 أَمر الشَّرْع سَوَاء كَانَ عادلا أَو جائرا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ على الْمَرْء الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا أحب أَو كره إِلَّا أَن يُؤمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة وَفِي صَحِيح مُسلم من رِوَايَة وَائِل بن حجر قَالَ سَأَلَ سَلمَة بن يزِيد الْجعْفِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا نبى الله أَرَأَيْت إِن قَامَت علينا أُمَرَاء يسألونا حَقهم ويمنعونا حَقنا فَمَا تَأْمُرنَا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ سَأَلَهُ الثَّانِيَة أَو فِي الثَّالِثَة فَجَذَبَهُ الْأَشْعَث بن قيس وَقَالَ اسمعوا وَأَطيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم الثَّانِي المعاضدة والمناصرة فِي أُمُور الدّين وَجِهَاد الْعَدو قَالَ تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَلَا أَعلَى من معاونة الْأَمَام على إِقَامَة الدّين ونصرته وَفِي صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من خرج من الطَّاعَة أَو فَارق الْجَمَاعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَمن قَاتل تَحت راية عمية يغْضب بعصبية أَو ينصر عصبية فَقتل (19 ب) فقتلة جَاهِلِيَّة فذم الْخَارِج تَحت راية عمية والداعى إِلَى العصبية وَهُوَ مُسْتَلْزم لنصرة الدّين دون النُّصْرَة عَلَيْهِ الْفَصْل السَّادِس فِيمَا يَنْعَزِل بِهِ الْخَلِيفَة من الْخلَافَة أَو ولى الْعَهْد من ولَايَة عَهده وَفِيه مهيعان المهيع الأول فِيمَا يَنْعَزِل بِهِ الْخَلِيفَة وَهُوَ على خَمْسَة أضْرب الضَّرْب الأول الْخلْع وَله حالتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الْحَالة الأولى أَن يخلع الْخَلِيفَة نَفسه من الْخلَافَة لعجز من الْقيام بِأُمُور النَّاس من هرم أَو مرض وَنَحْوهمَا فَإِذا خلع نَفسه لذَلِك انخلع لِأَن الْعَزْل إِذا تحقق وَجب زَوَاله ولَايَته لفَوَات الْمَقْصُود مِنْهُمَا أما إِذا عزل نَفسه لغير عجز وَلَا ضعف بل آثر التّرْك طلبا للتَّخْفِيف حَتَّى لَا تكْثر أشغاله فِي الدُّنْيَا ويتسع حسابه فِي الْآخِرَة فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّة وَجْهَان فِي التَّتِمَّة أَحدهمَا الانعزال لِأَنَّهُ كَمَا لم تلْزم الْإِجَابَة إِلَى الْمُبَايعَة لَا يلْزمه الثَّبَات وَالثَّانِي لَا يَنْعَزِل لِأَن الصّديق رضى الله عَنهُ قَالَ أقيلونى وَلَو كَانَ عزل نَفسه مؤثرا لما طلب الْإِقَالَة وَلَو عهد الْخَلِيفَة الْعَاجِز عَن الْقيام بِأُمُور الْخلَافَة لمَرض أَو هرم إِلَى غَيره قبل عزل نَفسه صَحَّ عَهده إِلَيْهِ وانعقدت ولَايَة الْمَعْهُود إِلَيْهِ وَلَو مضى على مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْعَجز فَلم يعْزل نَفسه وَلم يعْهَد إِلَى غَيره بَايع أهل الْحل وَالْعقد غَيره ليقوم بِأُمُور الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَلَو عزل نَفسه من غير عذر من عجز أَو طلب تَخْفيف فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه لَا يَنْعَزِل لِأَن الْحق فِي ذَلِك للْمُسلمين لَا لَهُ وَالثَّانِي يَنْعَزِل لِأَن إِلْزَامه الِاسْتِمْرَار قد يضر بِهِ فِي آخرته ودنياه وَالثَّالِث (20 أ) إِن لم يول غَيره أَو ولى من هُوَ دونه لم يَنْعَزِل وَإِن ولى مثله أَو أفضل مِنْهُ ففى الانعزال وَجْهَان الْحَالة الثَّانِيَة أَن يخلعه أهل الْحل وَالْعقد قَالَ المتولى إِن كَانَ قد حدث فِي حَاله خلل فَلهم عَزله وَإِن كَانَ مُسْتَقِيم الْحَال فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك لأَنا لَو جَوَّزنَا ذَلِك لَأَدَّى إِلَى الْفساد لِأَن الْآدَمِيّ ذُو بدرات فَلَا بُد من تغير الْأَحْوَال فِي كل وَقت فيعزلون وَاحِدًا وَيُوَلُّونَ آخر وَفِي كَثْرَة الْعَزْل وَالتَّوْلِيَة زَوَال الهيبة وفوات الْغَرَض من انتظام الْأَمر الضَّرْب الثَّانِي زَوَال الْعقل فينعزل بالجنون المطبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَهُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا يَنْفَكّ لِأَن الْجُنُون يَمْتَد فِي الْعَادة فَلَو لم ينصبوا إِمَامًا آخر لأدي ذَلِك إِلَى اختلال الْأُمُور وَلِأَن الْمَجْنُون يجب ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهِ فَكيف يكون وليا لكافة الْأمة قَالَ النَّوَوِيّ فَلَو جن فَبَايعُوا غَيره ثمَّ أَفَاق لم تعد ولَايَته بل يبْقى الثَّانِي على ولَايَته لِأَن مبايعته صَحِيحَة فَلَا يجوز أَن يبطل بِأَمْر يحدث فِي غَيره وَلَو اسْتخْلف خَليفَة ثمَّ جن بعد استخلافه انْتَقَلت الْخلَافَة إِلَى خَلِيفَته لِأَنَّهُ إِذا اسْتخْلف ثمَّ مَاتَ انْتَقَلت من الْمَيِّت فَفِي الْجُنُون أولى وَلَو أَفَاق بعد ذَلِك لم يَنْعَزِل خَليفَة وَلم يعد هُوَ إِلَى الْخلَافَة لِأَنَّهُ لَو جن ثمَّ أَفَاق لم تعد الْإِمَامَة إِلَيْهِ إِلَّا بمبايعة ثَانِيَة الضَّرْب الثَّالِث ذهَاب الْحَواس المؤثرة فِي الرَّأْي أَو الْعَمَل وَيتَعَلَّق الْأَمر من ذَلِك بِثَلَاث نقائص الأولى الْعَمى فَإِذا طَرَأَ على الْأَمَام أبطل إِمَامَته كَمَا تبطل بِهِ ولَايَة الْقَضَاء وَترد بِهِ الشَّهَادَة أما ضعف الْبَصَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن كَانَ يعرف مَعَه الْأَشْخَاص الَّتِي يَرَاهَا لم تبطل إِمَامَته وَإِن لم يعرف مَعَه الْأَشْخَاص بطلت إِمَامَته وَاعْلَم أَنه قد تقدم عَن الْمَاوَرْدِيّ (20 ب) أَن العشا وَهُوَ عدم الإبصار لَيْلًا لَا يقْدَح فِي ولَايَة الْإِمَارَة ابْتِدَاء فَلِأَن لَا يقْدَح فِي استدامتها أولى الثَّانِي الصمم وَفِي إنعزاله بطروئه عَلَيْهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيّ أَصَحهَا وَعَلِيهِ اقْتصر الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ أَنه يَنْعَزِل بذلك كَمَا يَنْعَزِل بالعمى لتأثيره فِي التَّدْبِير وَالْعَمَل وَالثَّانِي لَا يَنْعَزِل لقِيَام الْإِشَارَة مقَام السّمع وَالْخُرُوج من الْإِمَامَة لَا يكون إِلَّا بِنَقص كَامِل الثَّالِث إِن كَانَ يحسن الْكِتَابَة لم يَنْعَزِل وَإِن كَانَ لَا يحسنها انْعَزل لِأَن الْكِتَابَة مفهومة وَالْإِشَارَة موهومة أما ثقل السّمع وَهُوَ الَّذِي يدْرك مَعَه الصَّوْت العالي وَدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 غَيره فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِل بِهِ الثَّالِث الخرس حكمه حكم الصمم الْمُتَقَدّم الذّكر فِي إِجْرَاء الْخلاف فِيهِ وَكَون الْأَصَح الأنعزال أما مَا لَا يُؤثر ذَهَابه فِي الرَّأْي وَالْعَمَل كالخشم فِي الْأنف الَّذِي يمْنَع إِدْرَاك الروائح وفقد الذَّوْق الَّذِي يعرف بِهِ الطعوم فَإِنَّهُمَا لَا يوجبان الْعَزْل بِلَا خلاف كَذَلِك لَا يَنْعَزِل بتمتمة اللِّسَان وَنَحْوهَا الضَّرْب الرَّابِع فقد الْأَعْضَاء المخل فقدها بِالْعَمَلِ أَو النهوض كذهاب الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن فَإِذا طَرَأَ عَلَيْهِ شىء من ذَلِك انْعَزل من الْإِمَامَة لعَجزه عَن كَمَال الْقيام بِحُقُوق الْأمة أما مَا يُؤثر فِي بعض الْعَمَل أَو النهوض دون بعض كذهاب إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَو إِحْدَى الرجلَيْن فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يُؤثر وَإِن كَانَ ذَلِك يمْنَع عقد الْإِمَامَة ابْتِدَاء لِأَن الْمُعْتَبر فِي عقدهَا كَمَال السَّلامَة فَيعْتَبر فِي الْخُرُوج مِنْهَا كَمَال النَّقْص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَالثَّانِي يُؤثر لنَقص الْحَرَكَة فَلَو كَانَ ذَلِك لَا يُؤثر فَقده فِي عمل وَلَا نهوض كَقطع الذّكر والأنثيين وجدع الْأنف وسمل إِحْدَى الْعَينَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُؤثر الضَّرْب الْخَامِس بطلَان تصرف الإِمَام للاستيلاء عَلَيْهِ وحجره وَيدخل تَحت ذَلِك صور إِحْدَاهَا أَن يأسر الْكفَّار الإِمَام وَيَقَع الْيَأْس بذلك من خلاصه من أَيْديهم فَيخرج عَن الْإِمَامَة ويستأنف أهل الْحل وَالْعقد ببيعة غَيره فَلَو عهد بهَا فِي الْحَال الْأسر إِلَى غَيره كَانَ عَهده بَاطِلا لِأَنَّهُ عهد بهَا بعد خُرُوجه من الْإِمَامَة الثَّانِيَة أَن يأسره أهل الْبَغي حَيْثُ كَانُوا قد أَقَامُوا لَهُم إِمَامًا وَوَقع الْيَأْس من خُلَاصَة مِنْهُم فَيخرج بذلك من الْإِمَامَة لأَنهم قد انحازوا بدار انْفَرد حكمهَا وَخَرجُوا بهَا عَن الطَّاعَة فَلم يبْق لأهل الْعدْل بهم نصْرَة أما لَو كَانَ مرجو الْخَلَاص من أَيدي الْكفَّار أَو أَو أَيدي أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الْبَغي فَإِنَّهُ يكون بَاقِيا على إِمَامَته وعَلى كَافَّة الْأمة استنقاذه من أَيْديهم الثَّالِثَة أَن تكون الْإِمَامَة قد ثبتَتْ لَهُ بالقهر والإستيلاء فيجئ آخر ويقهره وستولى على الْأَمر فينعزل الأول وَيصير الإِمَام هُوَ الثَّانِي حفظا لنظام الشَّرِيعَة وتنفيذا لأحكامها كَمَا صرح بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا من أَئِمَّة اصحابنا الشَّافِعِيَّة قلت وبمقتضى ذَلِك وَقع الْفُقَهَاء فِي زَمَاننَا هَذَا مَعَ الْمُلُوك فِي الْأَمر الْخطر حَيْثُ لم يفهموا عَنْهُم مَقَاصِد الشَّرِيعَة وَذَلِكَ أَنهم إِذا أثبتوا ولَايَة الأول بِالِاسْتِيلَاءِ بالقهر دعاهم ذَلِك إِلَى ان يَقُولُوا إِن الْخَارِج عَلَيْهِ بَاغ وَاجِب الْقِتَال فَإِذا غلب الثَّانِي حكمُوا بِبُطْلَان ولَايَة الأول وَصِحَّة ولَايَة الثَّانِي ودعاهم ذَلِك إِلَى عكس الْقَضِيَّة الأولى فَقَالُوا إِن الْخَارِج عَلَيْهِ بَاغ وَاجِب الْقِتَال فيظن اولئك أَن حكمهم بذلك إِنَّمَا هُوَ مُحَابَاة لصَاحب االوقت الْقَائِم بِالْأَمر من غير فهم الْمَقْصد الَّذِي ألجأهم لذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 تَنْبِيه لَو حجر الإِمَام بِغَيْرِهِ بِأَن يستولي عَلَيْهِ من أعوانه من يستبد بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُور من غير تظاهر بِمَعْصِيَة ولاخروج (21 ب) عَن طَاعَة فقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ أَن ذَلِك لايمنع إِمَامَته وَلَا يقْدَح فِي صِحَة ولَايَته وَتَكون الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة نَافِذَة من المستبد بِالْأَمر كَمَا لَو استولى على نفس الْإِمَامَة بالقهر جمعا لشمل الْمُسلمين وتنفيذا لأحكامهم الضَّرْب السَّادِس الْفسق وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة فِي انعزال الإِمَام بِهِ على وَجْهَيْن أصَحهمَا عِنْد الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ أَنه لَا يَنْعَزِل بِهِ لما فِي عَزله من إثارة الْفِتْنَة بِخِلَاف غَيره من سَائِر الْوُلَاة فَإِنَّهُم ينعزلون بِهِ وَالثَّانِي وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة أَنه يَنْعَزِل بِهِ كَمَا لايصح عقد إِمَامَته مَعَ الْفسق ابْتِدَاء حَتَّى لَو عَادَتْ عَدَالَته لم يعد إِلَى الْإِمَامَة الإبعقد جَدِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَذهب بعض الْمُتَكَلِّمين إِلَى جَوَاز إِمَامَته وعود عَدَالَته للخوف وَالْمَشَقَّة فِي اسْتِئْنَاف بيعَته مَعَ عُمُوم ولَايَته المهيع الثَّانِي فِيمَا يَنْعَزِل بِهِ ولى الْعَهْد من ولَايَة عَهده وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ الضَّرْب الأول الْعَزْل الصَّادِر من جِهَة العاهد وَقد اخْتلف فِي أَنه هَل يجوز للْإِمَام عزل ولى عَهده على وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا ذهب إِلَيْهِ المتولى من أَصْحَابنَا الْجَوَاز وَالثَّانِي مَا ذهب إِلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ وَصَححهُ النَّوَوِيّ أَنه لَا يجوز لَهُ عَزله مَا دَامَ متصفا بِصِفَات الْإِمَامَة وَإِن جَازَ لَهُ عزل سَائِر نوابه فِي غير ذَلِك من الْأُمُور لِأَنَّهُ مستخلف لولى الْعَهْد فِي حق الْمُسلمين فَلَا يكون لَهُ عَزله كَمَا لَيْسَ لأهل الْحل وَالْعقد وعزل من بَايعُوهُ بِخِلَاف غَيره من سَائِر نوابه فَإِنَّهُ يستخلفه لَهُم فِي حق نَفسه فَجَاز لَهُ عَزله فَلَو عزل العاهد ولي الْعَهْد وعهد الى ثَان لم يَصح عهد الثَّانِي وَيبقى الأول على عَهده وَلَو خلع الأل نَفسه بعد الْعَهْد إِلَى الثَّانِي فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْعَهْد إِلَيْهِ (122) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الضَّرْب الثَّانِي الْعَزْل الصَّادِر من جِهَة لى الْعَهْد وَقد صرح اصحابنا الشَّافِعِيَّة بِأَنَّهُ لايجوز لولى الْعَهْد ان يستبد بعزل نَفسه فَلَو استعفى من عَهده لم يبطل عَهده بِمُجَرَّد الاستعفاء فَلَو أَعْفَاهُ الإِمَام نظر فَإِن وجد غَيره مِمَّن يقوم مقَامه صَحَّ اعفاؤه حِينَئِذٍ وَإِن لم يُوجد غَيره لم يَصح إعفاؤه الْفَصْل السَّابِع فِي ذكر الْوَظَائِف الَّتِي كَانَت تصدر عَن الْخَلِيفَة فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم وَمَا يصدر عَنهُ الْآن من تَفْوِيض السلطنة إِلَى السُّلْطَان وَيرجع الْمَقْصُود من ذَلِك إِلَى عشر وظائف الْوَظِيفَة الأولى الوزارة وَهِي على ضَرْبَيْنِ الضَّرْب الأول وزارة التَّفْوِيض وَهِي أَن يستوزر الإِمَام من يُفَوض إِلَيْهِ تَدْبِير الْأُمُور بِرَأْيهِ وإمضائه على اجْتِهَاده وَهِي أجل الولايات بعد الْخلَافَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَهُوَ ينظر فِي كل ماينظر فِيهِ الْخَلِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الضَّرْب الثَّانِي وزارة التَّنْفِيذ وَالنَّظَر فِيهَا مَقْصُور على رَأْي الإِمَام وتدبيره والوزير فِيهَا وَاسِطَة بَينه وَبَين الرعايا والولاة يُؤدى عَنهُ مَا أَمر وَينفذ مَا ذكر ويمضى مَا حكم ويجيز تَقْلِيد الْوُلَاة وتجهيز الجيوش وَنَحْو ذَلِك وَرُبمَا عبر عَن هَذَا الْوَزير بالوساطة وَقد أجَاز الْمَاوَرْدِيّ فِي هَذَا الْوَزير أَن يكون ذِمِّيا وَأنْكرهُ عليهإمام الْحَرَمَيْنِ إنكارا شَدِيدا الْوَظِيفَة الثَّانِيَة الْإِمَارَة وَهِي أَيْضا على ضَرْبَيْنِ على اخْتِيَار من الإِمَام وتشتمل على عمل مَحْدُود وَتنظر مَعْهُود بِأَن يُفَوض إِلَيْهِ الْخَلِيفَة إِمَارَة بلد أَو أقليم ويوليه (22 ب) على جَمِيع أَهله وَيجْعَل إِلَيْهِ النّظر فِي الْمَعْهُود من أَعماله الضَّرْب الثَّانِي إِمَارَة الأستيلاء وَهِي الَّتِي تَنْعَقِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 على اضطرار بِأَن يستولى الْأَمِير بِالْقُوَّةِ على بِلَاد يقلده الْخَلِيفَة إمارتها ويفوض إِلَيْهِ تدبيرها فَيكون باستيلائه مستبدأ بِالتَّدْبِيرِ والسياسة والخليفة بِإِذْنِهِ فِي الْأُمُور منفذا لأحكام الدّين ليخرج من الْفساد إِلَى الصِّحَّة الْوَظِيفَة الثَّالِثَة الْإِمَارَة على الْقِتَال وَهِي على أَرْبَعَة أضْرب الضَّرْب الأول الْإِمَارَة على قتال الْمُشْركين وَهِي تَارَة تكون مَقْصُورَة على سياسة الْجَيْش وتدبير الْحَرْب وَتارَة يُفَوض إِلَيْهِ جَمِيع أَحْكَامه من تَدْبِير الْجَيْش وسياسة الْحَرْب وَقِسْمَة الْغَنَائِم وَعقد الصُّلْح وَغير ذَلِك حَتَّى لَا يخرج عَنهُ شَيْء من أمرهَا الضَّرْب الثَّانِي الْإِمَارَة على قتال أهل الرِّدَّة بِأَن يرْتَد قوم حكم بِإِسْلَامِهِمْ إِمَّا بولادتهم على الْإِسْلَام وَإِمَّا بِإِسْلَامِهِمْ عَن كفر فيجهز إِلَيْهِم الإِمَام من يقاتلهم كَمَا فعل أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ حِين ارْتَدَّت الْعَرَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّرْب الثَّالِث الْإِمَارَة على قتال أهل الْبَغي وَهِي أَن تبغى طَائِفَة من الْمُسلمين ويخالفوا رأى الْجَمَاعَة ويخرجوا عَن طَاعَة الإِمَام بِتَأْوِيل بَاطِل فيجهز إِلَيْهِم الإِمَام من يقاتلهم الضَّرْب الرَّابِع الْإِمَارَة على قتال الْمُحَاربين وهم قطاع الطَّرِيق بِأَن يجْتَمع طَائِفَة من أهل الْفساد على شهر السِّلَاح وَقطع الطّرق وَأخذ الْأَمْوَال وَقتل الْأَنْفس وَمنع السَّائِل فيجهز الإِمَام من يقاتلهم حَتَّى يرجِعوا عَن ذَلِك الْوَظِيفَة الرَّابِعَة الْقَضَاء وَهِي الْقيام بالأحكمام الشَّرْعِيَّة وتنفيذها على أوَامِر الشَّرْع وَقطع المنازعات وَقد كَانَ (23 أ) الْقَضَاء فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم قاصرا على قَاض وَاحِد من أَي مَذْهَب كَانَ بِبَغْدَاد الَّتِي هِيَ قَاعِدَة الْخلَافَة حِينَئِذٍ وَينصب هُوَ من يختاره من اهل مذْهبه أَو غَيرهم وَرُبمَا جعل بالجانب الشَّرْقِي متن بَغْدَاد قَاضِيا وبالجانب الغربي منهات قَاضِيا وَرُبمَا ولى القَاضِي بالبلاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 والنواحي من تَحت يَده وَرُبمَا كَانَ للناحية الْوَاحِدَة قَاض مُسْتَقل قلت وعَلى هَذَا النهج فِي انْفِرَاد قَاض كَانَت الديار المصرية فِي الدولة الفاطمية حَتَّى رَأَيْت عهدا مَكْتُوبًا لِابْنِ النُّعْمَان فِي خلَافَة الْحَاكِم بِأَمْر الله الفاطمي قد كتب لَهُ بالديار المصرية وأجناد الشَّام وبلاد الْمغرب مُضَافا إِلَى ذَلِك النّظر فِي الصَّلَاة ودور الضَّرْب وَلم يزل الْأَمر جَارِيا بالديار المصرية على قَاض وَاحِد من لدن ذَلِك وَإِلَى الدولة الظَّاهِرِيَّة بيبرس البندقداري فِي سلطنته وَالْقَاضِي بهَا يَوْمئِذٍ القَاضِي تَاج الدّين بن الْأَعَز الشَّافِعِي فَحدث فِي أَيَّامه أوجب نصب السُّلْطَان اربعة قضتاة من كل مَذْهَب من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة قَاض وَالْأَمر على ذَلِك بالديار المصرية الى الْآن الْوَظِيفَة الْخَامِسَة ولَايَة الْمَظَالِم وَهِي قَود المتظالمين إِلَى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عَن التجاحد بالهيبة وَهِي ولَايَة دَائِرَة بَين سطوة الْوُلَاة وَتثبت الْقُضَاة وَهِي فِي معنى حكم نَائِب السلطنة الان بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الْخُصُوم بِأَحْكَام السياسة الْوَظِيفَة السَّادِسَة النقابة على ذوى الْأَنْسَاب كنقابة الطالبيين وَمن فِي معناهم على معنى نقابة الْأَشْرَاف فِي زَمَاننَا الْوَظِيفَة السَّابِعَة النّظر على إِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة والصلوات المندوبة كالتراويح وَنَحْوهَا وَقد كَانَت هَذِه الْوَظِيفَة فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم وَظِيفَة جليلة لَا يليلها إِلَّا جليل الْقدر من أهل الدّيانَة الْوَظِيفَة الثَّامِنَة الْإِمَارَة على الْحَج من تسيير الحجيج وتدبير أَمرهم وَإِقَامَة الْحَج وَالْقِيَام بمناسكه (23 ب) وَأَحْكَامه الْوَظِيفَة التَّاسِعَة جباية الصَّدقَات وَهِي الزكوات الْوَاجِبَة فِي الْمَوَاشِي والنقود والزروع وتحصيلها من أَرْبَابهَا وَحملهَا إِلَى بَيت المَال الْوَظِيفَة الْعَاشِرَة النّظر فِي الْحِسْبَة وَهِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَمَا فِي معنى ذَلِك مِمَّا ينخرط فِي هَذَا السلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 قلت وَقد كَانَ فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم يكْتب بِكُل ولَايَة من هَذِه الولايات عهد عَن الْخَلِيفَة بِمَا يَقع بِهِ لتولية وتشملها عَلامَة الْخَلِيفَة على عَادَة الولايات فِي ذَلِك وَلم يزل ذَلِك مستمرا إِلَى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد أما بعد انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية فقد صَارَت عَلامَة الْخَلِيفَة مَقْصُورَة على عهد السُّلْطَان بتفويض الْأُمُور الْعَامَّة إِلَيْهِ وتفاصيل الْأُمُور يشملها خطّ السُّلْطَان بِحكم تَفْوِيض الْخَلِيفَة ذَلِك إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر من ولى الْخلَافَة من أول الْإِسْلَام وهلم جرا إِلَى زَمَاننَا وتفصيل حَال كل خَليفَة وترتيب أُمُور الْخلَافَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم وَذكر الْمَشَاهِير مِمَّن ادّعى الْخلَافَة فِي بعض الأقاليم وَبطلَان شُبْهَة دعاويهم وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن ولى الْخلَافَة من صدر الْإِسْلَام وهلم جرا إِلَى زَمَاننَا وهم على أَربع طَبَقَات الطَّبَقَة الاولى الْخُلَفَاء الراشدون رَضِي الله عَنْهُم وهم خَمْسَة خلفاء الأول مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة (24 أ) عُثْمَان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عَامر نب عَمْرو بن كَعْب بن تيم بن مرّة جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدد الْآبَاء إِلَى مرّة سَوَاء بَين كل مِنْهُمَا وَبَينه سِتَّة آبَاء وَيُقَال إِنَّه كَانَ إسمه فِي الْجَاهِلِيَّة عبد الْكَعْبَة فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله ولقبه عَتيق واخنلف فِي سَبَب تلقيبه بذلك فَقيل لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَنْت عَتيق من النَّار وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقيل تلقب بذلك لجمال وَجهه ولقب بِالصديقِ لتصديقه خبر الأسراء حِين انكره الْمُشْركُونَ وَأمه سلمى وتكنى أم الْخَيْر بنت صَخْر وَهِي بنت عَم أَبِيه وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ آدم اللَّوْن طَويلا خَفِيف العارضين غائر الْعَينَيْنِ ناتئ الْجَبْهَة أجنأ عاري الأشاجع يخضب بالجناء والكتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِالْمَدِينَةِ فِي الْيَوْم الذى توفى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشر لَيْلَة خلت من ربيع الاول سنة احدى عشرَة من الْهِجْرَة وَكَانَ فِي كَفه خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ثَبت انه كَانَ نقشه مُحَمَّد سَوَّلَ الله مُحَمَّد سطر وَرَسُول سطر وَالله سطر وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَقيل يَوْم الْجُمُعَة لتسْع ليل بَقينَ من جمادي الاخرة سنة ثَلَاث عشة من الْهِجْرَة وَاخْتلف فِي سَبَب مَوته فَقيل سمته الْيَهُود فَمَاتَ بعد سنة وَقيل اغْتسل فِي يَوْم بَارِد فَحم وَمَات بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا وَقيل مَاتَ بالسل وعمره يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وغسلته زَوجته أَسمَاء بنت عُمَيْس وَحمل على سَرِير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ سَرِير عائشه وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَدفن فِي حجرَة عائشه عِنْد النَّبِي صلى صلى الله وَسلم وَرَأسه قبالة كتفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 24 ب وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد ثَلَاثَة ذُكُور وهم عبد الله من قتيلة توفّي فِي حَيَاته وَعبد الرَّحْمَن من ام رُومَان وَمُحَمّد من أَسمَاء بنت عُمَيْس وبنتان وهما عَائِشَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي شَقِيقَة عبد الرَّحْمَن وَأَسْمَاء وَهِي شَقِيقَة عبد الله الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ لَهُ بالخلافة كَانَ اسامة بن زيد مبرزا فِي جَيش أمره عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جُمْلَتهمْ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ اول امْر نفذه فِي خِلَافَته أَن خرج لتشييع اسامة مَاشِيا فهم اسامة بالنزول فَمَنعه ابو بكر رَضِي الله عَنهُ واستأذنه فِي اقامة عمر رَضِي الله عَنهُ ليعينه فِي أُمُور الْمُسلمين فَأذن لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَت قبائل الْعَرَب خلا قُرَيْش وَثَقِيف قد ارْتَدَّت عَن الاسلام بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجهز اليهم الجيوش وَقَاتلهمْ حَتَّى عَادوا الى الاسلام قَالَ الطَّبَرِيّ وَفِي أول خِلَافَته أَتَى الْخَبَر بقتل الاسود العنسى الَّذِي كَانَ قد تنبأ بِصَنْعَاء وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اتاه الْوَحْي بقتْله قبل وَفَاته وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك اصحابه وَقيل انما قتل فِي خلَافَة ابي بكر رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَفِي ايامه قتل مسيلمه الْكذَّاب وَكَانَ قد تنبأ بِالْيَمَامَةِ وَتَبعهُ خلق كثير فَقتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي ايامه سَار خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ بعد قتل مُسَيْلمَة الى الْعرَاق فَصَالحه اهل الْحيرَة على جِزْيَة حملهَا الى الْمَدِينَة فَكَانَت اول جِزْيَة حملت اليها وَفِي ايامه فتح خَالِد بن الْوَلِيد الانبار وَعين التَّمْر من الْعرَاق وَبعث السَّبي الى الْمَدِينَة وَتوجه الى دومة الجندل فَقتل ملكهَا اكيدر الجندل وسبى ابْنَته وَفِي ايامه فتحت بصرى م الشَّام وَهِي اول مَدِينَة فتحت بِالشَّام وَحج بِالنَّاسِ فِي السّنة الثَّانِيَة من خِلَافَته وَهُوَ اول (25 أ) من جمع الْقُرْآن بَين دفتي المصحق حِين اصيب الْمُسلمُونَ بِالْيَمَامَةِ فِي وقْعَة مُسَيْلمَة وَالْقُرْآن حِينَئِذٍ فِي صُدُور الرِّجَال وَفِي الرّقاع والعسب فَجَمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَسَماهُ مُصحفا فَكَانَ عِنْده إِلَى أَن توفى فبقى عِنْد حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْه كتبت الْمَصَاحِف فِي خلَافَة عُثْمَان رضى الله عَنهُ وسيرت إِلَى الْأَمْصَار على مل سَيَأْتِي ذكره فِي خلَافَة عُثْمَان رضى الله عَنهُ وَكَانَ رضى الله عَنهُ يَأْخُذ من بَيت المَال فِي كل يَوْم ثَلَاثَة دَرَاهِم أجره فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ لعَائِشَة رضى الله عَنْهَا انْظُرُوا مَا زَاد فِي مَال أبي بكر مذ ولى الْخلَافَة فرديه على الْمُسلمين فَنَظَرت فَإِذا بكر ومحسة وقطيفة لَا تساوى خَمْسَة دَرَاهِم فَلَمَّا جَاءَ ذَلِك عمر قَالَ رحم الله أَبَا بكر لقد كلف من بعده تعبا ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَكَّة عتاب ابْن أسيد فَأقر أَبُو بكر وعَلى صنعاء الْيمن قيس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 عبد يَغُوث المرادى ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا فولى أَبُو بكر رضى الله عَنهُ مَكَانَهُ فَيْرُوز الديلمي ثمَّ ولى المُهَاجر بن أبي أُميَّة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل على قتال أهل الرِّدَّة ثمَّ اسْتَقر الْيمن فِي ولَايَة يعلى بن منية الثَّانِي من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب بن عبد الْعُزَّى بن قرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَينه وَبَين كَعْب ثَمَانِيَة آبَاء ولقب بالفاروق لفرقه بَين الْحق وَالْبَاطِل حِين أعلن بلإسلام وَاخْتلف فِي أول من لقبه بذلك فَقيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل أهل الْكتاب وَقد جَاءَ أَن الْيَهُود قَالُوا لَهُ إِنَّا نجد فِي كتبنَا أَنَّك قرن قَالَ قرن مَه قَالُوا قرن من حَدِيد وَأمه خيثمه بنت هِشَام المَخْزُومِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 كَانَ رَضِي الله عَنهُ أَبيض أمهق طوَالًا كَأَنَّهُ رَاكب (25 ب) جمل أصلع الرَّأْس ولى الْخلَافَة بِعَهْد من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ على مَا تقدم ذكره فِي الْبَاب الأول فِي الْكَلَام على عهود الْخُلَفَاء وبويع لَهُ بهَا بِالْمَدِينَةِ يَوْم مَاتَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لتسْع بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة قَالَ ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس وَكَانَ سنه حِين ولي الْخلَافَة دون السِّتين سنة وَكَانَ فِي كَفه خَاتم رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلقاهُ عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بعد وَفَاته وَقد تقدم ذكر نقشه وَبَقِي حَتَّى توفّي لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة وَقيل لليلتين بَقِيَتَا مِنْهُ سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة طعنه أَبُو لؤلؤة الْفَارِسِي غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَكَانَ مجوسيا وَقيل نَصْرَانِيّا ثَلَاث طعنات إِحْدَاهُنَّ تَحت سرته فَبَقيَ ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ صُهَيْب الرُّومِي وَدفن بحجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عِنْد صَاحِبيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَوجه قبالة كَتِفي أبي بكر وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة وَمُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد ذُكُور وهم عبد الله من زَوجته زَيْنَب وعبيد الله من زَوجته مليكَة وَزيد من أم كُلْثُوم بنت عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الرَّحْمَن وكنيته أَبُو شحمة وبنتان وهما حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي شَقِيقَة عبد الله وَفَاطِمَة وَهِي شَقِيقَة زيد الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة استكتب زيد بن ثَابت وعبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ وَجعل على بَيت المَال زيد بن أَرقم واستقضى شُرَيْح بن الْحَارِث قَالَ الدولاني وَبَقِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْقَضَاء بعد ذَلِك سِتِّينَ سنة حَتَّى مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك عَن مائَة وَعشْرين سنة وَقيل إِنَّمَا بقى خمْسا وَسبعين سنة تعطل مِنْهَا ثَلَاث سِنِين فِي فتْنَة ابْن الزبير وَفِي أَيَّامه كَانَت فتوح الْأَمْصَار فَفتح من بِلَاد الشَّام دمشق صلحا على يَد أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح وخَالِد بن الْوَلِيد وَفتحت بيسان وطبرية وقيسارية وفلسطين وعسقلان وَسَار بِنَفسِهِ فَفتح بَيت الْمُقَدّس صلحا ثمَّ فتح بعد لَك بعلبك وحمص وحلب وقنسرين وأنطاكية والرقة وحران والموصل والجزيرة وتصيبين وآمد والرها وَفتح من الْعرَاق الْقَادِسِيَّة والمدائن على يَد سعد بن وَقاص وَانْهَزَمَ ملك الْفرس إِلَى فرغانة وبلاد التّرْك وَفتحت كور دجلة والأبلة على يَد عتبَة بن غَزوَان وَفتحت كور الأهواز على يَد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَفتحت نهاوند أصطخر وأصبهان وتستر والسوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وأذربيجان بعض أَعمال خُرَاسَان فِي أَيَّامه سدت فرج الشَّام ورتبت دروبها فِي أَيَّامه غزا مُعَاوِيَة الرّوم حَتَّى بلغ عمورية فِي خِلَافَته بنيت الْبَصْرَة والكوفة فِي خِلَافَته فِي ثَمَان عشرَة كَانَ عَام الرَّمَادَة بالحجاز وَهُوَ الغلاء الشَّديد فَاسْتَسْقَى عمر رَضِي الله عَنهُ بِالْعَبَّاسِ عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ سلم فسقوا وَكتب عمر إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ أَمِير مصر يمئذ يشك قحط الْحجاز مَا الْمُسلمُونَ فِيهِ من الشدَّة فَكتب إِلَيْهِ عمر لأمدنك بعير طَعَام أَوله عِنْدِي آخِره عنْدك ثمَّ أَخذ فِي حفر خليج الْقَاهِرَة الَّذِي فَمه عِنْد موردة الْخُلَفَاء بِمصْر فوصل بِهِ إِلَى بلبيس ثمَّ إِلَى السويس سَاحل بَحر القلزم فِي ثَمَانِيَة أشهر وَجرى فِيهِ مَاء النّيل حملت الغلال فِيهِ إِلَى السويس ثمَّ من السويس إِلَى الْحجاز فِي عَامَّة وَفِي أَيَّامه سنة ثَمَان عشرَة كَانَ طاعون عمواس وَهِي بَلْدَة بِالشَّام نسب الطاعن إِلَيْهَا مَاتَ فِيهِ خَمْسَة وعشرن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ألفا مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ بن جبل وَقد تقدم فِي ألقاب الْخُلَفَاء أَنه أول من لقب بأمير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ أول من أرخ بِالْهِجْرَةِ وَأول من ختم الْكتب بعد (26 ب) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول من جمع النَّاس على إِمَام وَاحِد فِي صَلَاة التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان وَأول من اتخذ الدرة ليعزر بهَا الجناة فَكَانَ لَهَا عِنْدهم من الهيبة مَا لَا فَوْقه حَتَّى قَالَ الشّعبِيّ إِن درة عمر لأهيب من سيف الْحجَّاج على مَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر حِين فتحهَا فِي أَيَّامه عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ بتولية مِنْهُ وَهُوَ أول من وَليهَا فِي الْإِسْلَام وَهُوَ الَّذِي اختط مَدِينَة الْفسْطَاط على الْقرب من قصر الشمع الَّذِي كَانَت الْفرس قد بنته حَال ملكهم الديار المصرية وَبنى الْجَامِع الْعَتِيق وَيُقَال إِنَّه وقف على إِقَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 محرابه ثَمَانُون رجلا من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم وَكَانَ على الشَّام أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح بِولَايَة مِنْهُ أَيْضا حِين الْفَتْح ثمَّ صرفه عَنهُ وَولى مَكَانَهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الثَّالِث من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ وَهُوَ أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو عمر وَقيل أَب ليلى عُثْمَان ابْن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكنيته ذُو النورين لِأَنَّهُ تزوج ابنتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رقية وَأم كُلْثُوم وَأمه أروى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف كَانَ رضى الله عَنهُ أسمر اللَّوْن معتدل الْقَامَة وَقيل طوَالًا حسن الْوَجْه بِوَجْه أثر جدرى عَظِيم اللِّحْيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 أصلع يصفر لحيته وَقيل إِنَّه كَانَ يشبك أَسْنَانه بِالذَّهَب بُويِعَ بالخلافة بعد موت عمر رضى الله عَنهُ غرَّة الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين من الْهِجْرَة وَقد تقدم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رضى الله عَنهُ تَركهَا شُورَى فِي السِّتَّة الْمَذْكُورين فِي الْبَاب الأول وهم عُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة فآل (27 أ) الْأَمر مِنْهُم إِلَى عُثْمَان على مَا تقدم ذكره هُنَاكَ قَالَ فِي نقط الْعَرُوس وَاخْتلف فِي سنة حِين وَليهَا فَقيل إِنَّه ولى وَله مَا بَين ثَمَان وَخمسين إِلَى إِحْدَى وَخمسين سنة وَقيل أقل من ذَلِك قَالَ وَالْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَنه لم يكن بلغ سِتِّينَ سنة وَكَانَ فِي كَفه خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم ذكر نقشه فبقى فِي يَده نَحوا من سِتّ سِنِين من خِلَافَته حَتَّى سقط مِنْهُ فِي بِئْر أريس من بئار الْمَدِينَة فَمَا قدر عَلَيْهِ فَاتخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 عُثْمَان رضى الله عَنهُ مَكَانَهُ خَاتمًا من فضَّة وَنقش عَلَيْهِ وَفِيمَا يُقَال آمَنت بِاللَّه الَّذِي خلق فسوى وَقيل نقش عَلَيْهِ لتصبرن أَو لتندمن وبقى حَتَّى قتل بداره يَوْم السبت وَقيل يَوْم الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَقيل يَوْم الْأَضْحَى من السّنة الْمَذْكُورَة وَسنة يَوْمئِذٍ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة وَقيل تسع وَثَمَانُونَ وَقيل تسعون وَدفن يَوْم السبت وَقيل الظّهْر وَقيل دفن لَيْلًا وقبره بِالبَقِيعِ خَارج الْمَدِينَة بِأَرْض يُقَال لَهَا حش كَوْكَب كَانَ عُثْمَان اشْتَرَاهَا وزادها فِيهِ والحش النَّبَات وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا اثنى عشر يَوْمًا وَقيل إِلَّا ثَمَانِيَة أَيَّام وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الذُّكُور عبد الله الْأَكْبَر وَعبد الله الْأَصْغَر كِلَاهُمَا من رقية بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَا طفلين وَعَمْرو وَعمر وَأَبَان خَالِد وَسَعِيد والمغيرة وَمن الْإِنَاث أم سعيد أم أبان وَعَائِشَة وَأم عَمْرو وَغير هَؤُلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّامه فتحت كرمان وسجستيان ونيسابور وَفَارِس وطبرستان وهراة وَبَاقِي خرسان وَفتحت أَيْضا أرمينية وَفتحت إفريقية وقبرص وَقتل يزدجرد ملك الْفرس بعد أَن كَانَ هرب إِلَى فرغانة وبلاد التّرْك وغزا مُعَاوِيَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة سنة (27 ب) ثَلَاثِينَ وَفِي أَيَّامه توفى الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ من شَأْنه أَنه إِذا مر بِهِ عمر وَعُثْمَان فِي خِلَافَتهمَا وهما رَاكِبًا ترجلا لَهُ إجلالا وتعظيما وَتوفى أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن خمس وَسبعين سنة وَكَانَ من أَكثر الصَّحَابَة ثروة وَأوصى لكل رجل من أهل بدر بِأَرْبَع مائَة دِينَار وهم حِينَئِذٍ مائَة رجل وَقسمت تركته على سِتَّة عشر سَهْما كَا سهم مائَة ألف دِينَار وَفِي أَيَّامه وَقع الِاخْتِلَاف فِي الْقرَاءَات وَقدم حُذَيْفَة من غَزْوَة أرمينية فَقَالَ لعُثْمَان أدْرك النَّاس لِئَلَّا يَخْتَلِفُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فِي الْقُرْآن اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي كتابيهم قَالَ وَلم ذَاك قَالَ حضرت غَزْوَة أرمينية فَحَضَرَ أهل الْعرَاق وَأهل الشَّام فَكَانَ كل فرقة مِنْهُم تكفر الْأُخْرَى فِي قرَاءَتهَا فَأمر زيدا فَكتب مُصحفا وعارضه بالمصحف الذى كَانَ عِنْد حَفْصَة وَهُوَ الذى أجمع عَلَيْهِ فِي زمن أبي بكر رضى الله عَنهُ وَأمر بكتب مصاحف على ذَلِك وأنفذها إِلَى الْأَمْصَار وَحرق مَا عَداهَا من الْمَصَاحِف وَذَلِكَ بِمحضر من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر عَمْرو بن الْعَاصِ فولاها عُثْمَان أَخَاهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الرضَاعَة عبد الله بن أبي سرح ثمَّ حضر إِلَى عُثْمَان فِي آخر سنة خمس وَثَلَاثِينَ واستخلف عَلَيْهَا عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فَوَثَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة فِي شَوَّال مِنْهَا فَأخْرجهُ مِنْهَا وخلع طَاعَة عُثْمَان تَأمر على مصر ثمَّ عَاد إِلَيْهَا ابْن أبي سرح فَلم يُمكنهُ من الدُّخُول إِلَيْهَا فَرجع إِلَى عسقلان وَمَات بهَا وَلم يزل ابْن أبي حُذَيْفَة متأمرا عَلَيْهَا حَتَّى قتل عُثْمَان وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى قدم مُعَاوِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مصر وَيُقَال إِن عُثْمَان ولى عَلَيْهَا أَبَا يحيى العامرى وَكَانَ على الشَّام مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَأمره عَلَيْهَا وَكَانَ على الْيمن يعلى بن (28 أ) منية وَكَانَ على إفريقية وَمَا مَعهَا من بِلَاد الْمغرب عبد الله بن أبي سرح من حِين فتحهَا على يَده على مَا سَيَأْتِي ذكره الرَّابِع من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنهُ وَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي طَالب واسْمه عبد منَاف ابْن عبد الْمطلب جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم أسلمت وَهَاجَرت ولقبه حيدرة وَهُوَ أول أَبَوَاهُ هاشميان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 كَانَ رضى الله عَنهُ شَدِيد الأدمة حسن الْوَجْه عَظِيم الْعَينَيْنِ بطينا أصلع عَظِيم اللِّحْيَة كثير شعر الصَّدْر مائلا إِلَى الْقصر كثير التبسم بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِالْمَدِينَةِ بعد قتل عُثْمَان لثمان بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَتَأَخر قوم عَن مبايعته قَالَ فِي نقط الْعَرُوس وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ دون السِّتين وَكَانَ نقش خَاتمه الْملك لله الْوَاحِد القهار وبقى حَتَّى ضربه عبد الرَّحْمَن بن ملجم المرادى لَيْلَة الْجُمُعَة لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة فَمَاتَ بعد ثَلَاث وعمره سِتُّونَ سنة وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وَقيل ثَمَان وَخَمْسُونَ وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْحسن وَدفن بِالْكُوفَةِ عِنْد مَسْجِد الْجَمَاعَة فِي قصر الأمارة وغيب قَبره وَقَالَ الواقدى دفن لَيْلًا وَمُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين إِلَّا ثَلَاثَة أشهر وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد أَرْبَعَة عشر ذكرا مِنْهُم الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسن من فَاطِمَة بنت الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَسلم وَالْعَبَّاس وجعفر وَعبد الله وَعُثْمَان من أم الْبَنِينَ الْكلابِيَّة وَعبد الله وَأَبُو بكر وَمُحَمّد الْأَصْغَر وَيحيى من أَسمَاء بنت عُمَيْس وَعمر من الصَّهْبَاء بنت ربيعَة وَمُحَمّد الْأَوْسَط من أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ من زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُحَمّد بن الحنيفة من خَوْلَة بنت جَعْفَر من بنى حنيفَة وثمانى عشرَة امْرَأَة النَّسْل مِنْهُم فِي خَمْسَة وهم الْحسن وَالْحُسَيْن من فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُحَمّد بن الحنيفة وَعمر وَالْعَبَّاس والشرف (28 أ) مِنْهُم لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن لانتسابهما إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ إِن من خَصَائِصه صلى الله عليع وَسلم أَن ينْسب إِلَيْهِ أَوْلَاد بَنَاته بِخِلَاف غَيره من الْأمة وَكَانَ نقش خَاتمه الْملك لله الْوَاحِد القهار الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَة أشهر إِلَى أَن اجْتمع على عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضى اله عَنْهَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَغَيرهمَا وَحملُوهَا على جمل يُقَال لَهُ عَسْكَر وَسَارُوا بهَا إِلَى الْبَصْرَة من الْعرَاق لطلب ثأر عُثْمَان فَخرج عَليّ فِي طَلَبهمْ فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وانضم إِلَيْهِ أهل الْكُوفَة فَكَانَ بَينهم وقْعَة الْجمل الْمَشْهُورَة قتل فِيهَا من أَصْحَاب عَائِشَة ثَمَانِيَة آلَاف فيهم طَلْحَة وفر الزبير بوادى السبَاع قَالَ القضاعى وَيُقَال إِنَّه قتل مِنْهُم سَبْعَة عشر ألفا وَيُقَال إِنَّه قطع على خطام جمل عَائِشَة مِمَّن يَقُودهُ إِلَى الْحَرْب سَبْعُونَ يدا كلهم من بنى ضبة كلما قطعت يَد رجل تقدم آخر مَكَانَهُ وَقتل من أَصْحَاب عَليّ نَحْو ألف ثمَّ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ دَعَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بِالْأَمر لنَفسِهِ بِالشَّام وَسَار من الشَّام إِلَى عَليّ بالعراق وَسَار إِلَيْهِ عَليّ فَالْتَقَيَا بصفين على الْفُرَات وَكَانَ عَليّ فِي تسعين ألفا وَمُعَاوِيَة فِي مائَة ألف فَقتل من أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعشْرين ألفا مِنْهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَدْرِيًّا وَكَانَ فِي جملَة من قتل مِنْهُم عمار بن اسر الذى قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقتلك الفئة الباغية وَقتل من عَسْكَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مُعَاوِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا ثمَّ تداعيا إِلَى الْحُكُومَة فَحكم عَليّ وَأهل الْكُوفَة أَبَا مُوسَى الأشعرى وَحكم مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام عَمْرو بن الْعَاصِ وَاجْتمعَ الحكمان بدومة الجندل واتفقا على أَن يخلعا عليا وَمُعَاوِيَة ويختارا للْمُسلمين خَليفَة يرضونه لمكيدة كادها عَمْرو (29 أ) ثمَّ تقدما إِلَى النَّاس فَبَدَأَ أَبُو مُوسَى فَخلع عليا فَقَالَ عَمْرو وَأَنا قد أثبت مُعَاوِيَة على الْخلَافَة فرضى أهل الشَّام وَامْتنع أهل الْعرَاق وَخَرجُوا على عَليّ فسموا الْخَوَارِج ثمَّ عَاد عَليّ لقتالهم فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ ثمَّ لم يزل مَعَهم فِي حَرْب إِلَى أَن قَتله ابْن ملجم على مَا تقدم ذكره وَلم يحجّ عَليّ رضى الله عَنهُ فس شَيْء من خِلَافَته لاشتغاله بِالْحَرْبِ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ عَليّ مصر أَبُو يحيى العامرى فتوفى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فولى مَكَانَهُ قيس بن سعد بن عبَادَة الخزرجي ثمَّ عَزله وَولى مَالك بن الْحَارِث الأشتر وَكتب لَهُ بذلك عهدا فَسَار حَتَّى بلغ القلزم فسم فس عسل شربه فَمَاتَ فولاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 من بعده مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رضى الله عَنهُ فولى عَلَيْهَا سهل بن حنيف وَكَانَ مُعَاوِيَة مستوليا على الشَّام وَلم أَقف على من كَانَ بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَولى على الْيمن عبيد الله بن عَبَّاس ثمَّ أَخَاهُ عبد الله وَولى على الْبَصْرَة عُثْمَان بن حنيف وَولى على الْكُوفَة دَار إِقَامَته عمار بن حسان وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب عبد الله بن أبي سرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْخَامِس من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْحسن بن عَليّ رضى الله عَنْهُمَا وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب الْمُقدم ذكره وَأمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ رضى الله عَنهُ أشبه النَّاس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من راسه إِلَى سرته وَالْحُسَيْن رضى الله عَنهُ أشبه بِهِ من سرته إِلَى قدمه وَهُوَ أكبر من الْحُسَيْن بِسنة وَاحِدَة وَكَانَ رضى الله عَن مطلاقا تزوج كثيرا من النِّسَاء فَصَعدَ عَليّ كرم الله وَجهه (29 ب) الْمِنْبَر وَقَالَ أَيهَا النَّاس أَلا لَا يزوجن أحد مِنْكُم الْحسن بن عَليّ فَإِنَّهُ مطلاق فَنَهَضَ رجل من هَمدَان قَبيلَة من الْيمن وَقَالَ وَالله لنزوجنه إِن أمهر أمهر كثيفا وَإِن أولد أولد شريفا فَقَالَ عَليّ رضى الله عَنهُ عِنْد ذَلِك ... وَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخلي بِسَلام ... بُويِعَ بالخلافة يَوْم موت أَبِيه عَليّ رضى الله عَنهُ لسبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وَأول من بَايعه سعد بن عبَادَة الأنصارى وَكَانَت يَده شلاء فَقيل لَا يتم هَذَا الْأَمر قَالَ فِي نقط الْعَرُوس وَكَانَ عمره حِينَئِذٍ مَا بَين ثَلَاثِينَ سنة إِلَى الْأَرْبَعين وَكَانَ نقش خَاتمه لَا إِلَه إِلَّا الله الْحق الْمُبين وبقى إِلَى خلع نَفسه من الْولَايَة وَسلم الْأَمر لمعاوية ابْن أبي سُفْيَان كفا للفتنة بَين الْمُسلمين فِي ربيع الأول وَقيل فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين فَكَانَت خِلَافَته على القَوْل الأول خَمْسَة أشهر وَنَحْو نصف شهر وعَلى الثَّانِي خَمْسَة أشهر وكسرا وعَلى الثَّالِث سَبْعَة أشهر وكسرا وَتوفى بعد خلعه بِالْمَدِينَةِ فِي ربيع الأول سنة تسع وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة وَقيل توفّي لثمان خلون من الْمحرم سنة خمسين وَصلى عَلَيْهِ سعيد بن الْعَاصِ وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة لما بلغه مَوته سجد شكرا وَقد قيل إِن زَوجته جعدة بنت الْأَشْعَث سمته فَمَاتَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 حَيْثُ إِن يزِيد بن مُعَاوِيَة وعدها أَن يَتَزَوَّجهَا إِن سمته فَفعلت وَلم يوف لَهَا وَدفن بِالبَقِيعِ على الْقرب من قبر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَقد بني عَلَيْهِمَا قبَّة عَظِيمَة ترى من خَارج الْمَدِينَة على بعد وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد حسن الْأَصْغَر وَزيد (30 أ) وَعَمْرو وَالْحُسَيْن الْأَثْرَم وَالقَاسِم وَأَبُو بكر وَطَلْحَة وعبد الله وَعبد الرَّحْمَن والعقب مِنْهُم لحسن وَزيد دون سواهُمَا وَالقَاسِم وَأَبُو بكر قتلا مَعَ عَمهمَا الْحُسَيْن وعبد الله قتل بالطف وَكَانَ لَهُ بَنَات أَيْضا الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة أَقَامَ بِالْكُوفَةِ إِلَى شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقتل عبد الرَّحْمَن بن ملجم قَاتل أَبِيه يُقَال إِنَّه ضربه بِالسَّيْفِ فاتقاه بِيَدِهِ فندرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ثمَّ قَتله بعد ذَلِك وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ قد جهز قبل مَوته أَرْبَعِينَ ألفا لِحَرْب مُعَاوِيَة فتجهز الْحسن بعد مبايعته لِلْخُرُوجِ بذلك الْجَيْش وَسَار من الْكُوفَة للقاء مُعَاوِيَة وَاشْترط عَلَيْهِ شُرُوطًا وَقَالَ إِن أَنْت أجبْت إِلَيْهَا فَأَنا سامع مُطِيع وَكَانَ مَشْرُوطَة عَلَيْهِ أَن لَا يسب عليا وَأَن يُعْطِيهِ مَا بِبَيْت مَال الْكُوفَة فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَة إِلَى ذَلِك وَسلم الْأَمر إِلَيْهِ على ذَلِك وَرجع إِلَى الْمَدِينَة فبقى بهَا إِلَى أَن توفّي على مَا تقدم ذكره وَكَانَ فِي خلعه نَفسه وَتَسْلِيم الْأَمر لمعاوية ظُهُور معجزتين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحدهما أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَقه ابنى هَذَا سيد وسيصلح الله بهبين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَالثَّانيَِة أَنه حسب يَوْم تَسْلِيمه فَكَانَ تَمام ثَلَاثِينَ سنة وَقد تقدم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْخلَافَة بعدى ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت عماله على الْأَمْصَار عُمَّال أَبِيه الْمُقدم ذكرهم إِذْ لم يمض لَهُ من الزَّمن مَا يسع فِيهِ تَغْيِير الْعمَّال مَعَ اشْتِغَاله بِحَرب مُعَاوِيَة فَكَانَ على مصر سهل بن حنيف وَالشَّام بيد مُعَاوِيَة وعَلى الْيمن عبد الله بن (30 ب) عَبَّاس وعَلى الْبَصْرَة عُثْمَان بن حنيف وعَلى الْكُوفَة عمار بن حسان وعَلى إفريقية عبد الله بن أبي سرح الطَّبَقَة الثَّانِيَة من الْخُلَفَاء خلفاء بنى أُميَّة وهم أبعة عشر خَليفَة وَكَانَت مقرتهم بِالشَّام وَمُدَّة خلافتهم نَيف وَتسْعُونَ سنة الأول مِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان واسْمه صَخْر ابْن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَقد قيل إِنَّه كَانَ لخلفاء بنى أُميَّة هَؤُلَاءِ ألقاب تخصهم كألقاب بنى الْعَبَّاس وَإِن لقب مُعَاوِيَة كَانَ النَّاصِر لحق الله وَأمه هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس أسلم هُوَ وَأَبوهُ يَوْم الْفَتْح وَذَهَبت إِحْدَى عينى أَبِيه يَوْم الطَّائِف وَذَهَبت الْأُخْرَى يَوْم اليرموك وَكَانَ أَبيض طَويلا إِذا ضحك انقلبت شفته الْعليا وَكَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم بُويِعَ بالخلافة اليبعة الْعَامَّة حِين سلم إِلَيْهِ الْحسن الْأَمر بِالْكُوفَةِ فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة وَقَالَ الدولابي فِي ذى الْحجَّة بِبَيْت الْمُقَدّس سنة أَرْبَعِينَ وَكَانَ قد بُويِعَ قبل ذَلِك يَوْم اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ بصفين قَالَ فِي نقط الْعَرُوس وَكَانَ سنه يَوْمئِذٍ دون السِّتين سنة وَكَانَ نقش خَاتِمَة لكل عمل ثَوَاب وَقيل كَانَ نقشه لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَهُوَ أول من رتب الْخلَافَة وَأقَام أبهتها وأجراها على قَاعِدَة الْملك وهوأول من عمل الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع من الْخُلَفَاء ليصلى فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة وَأول من رتب الْبَرِيد فِي الْإِسْلَام على مَا سيأتى ذكره فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى وبقى حَتَّى توفى بِدِمَشْق فِي مستهل شهر رَجَب سنة سِتِّينَ من الْهِجْرَة وَقيل فِي النّصْف من (21 أ) رَجَب وعمره ثَمَان وَسَبْعُونَ سنة وَقيل خمس وَسَبْعُونَ وَقيل خمس وَسَبْعُونَ وَقيل سَبْعُونَ وَاخْتلف فِيمَن صلى عَلَيْهِ فَقيل ابْنه يزِيد وَقيل إِن يزِيد كَانَ غَائِبا وَإِن الذى صلى عَلَيْهِ الضَّحَّاك بن قيس وَدفن بِدِمَشْق بَين بَاب الْجَابِيَة وَبَاب الصَّغِير وَمُدَّة خِلَافَته مُنْذُ اجْتمع لَهُ الْأَمر بتسلم الْحسن إِلَيْهِ تسع عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَقيل وَخَمْسَة أَيَّام قَالَ الدولابي وَأقَام على الشَّام أَرْبَعِينَ سنة واليا عَلَيْهَا فِي خلَافَة عمر أَربع سِنِين وَفِي خلَافَة عُثْمَان أثنتا عشرَة سنة كَذَلِك وَخمْس سِنِين يُقَاتل عليا ومنذ خلص لَهُ الْأَمر إِلَى أَن مَاتَ تسع عشرَة سنة وَلما مرض دخل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أَصْحَابه ليعودوا فَأَنْشد ... وتجلدى للشامتين أريهم ... أَنى لريب الدَّهْر لَا اتضعضع ... وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تَمِيمَة لَا تَنْفَع ... وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُور وهم عبد الرَّحْمَن وَيزِيد وَعبد الْملك وَأَرْبع إناث هن هِنْد ورملة وَصفِيَّة وَعَائِشَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته استلحق زِيَاد وَادّعى أخوته فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين فَكَانَ عونا لَهُ فِي خِلَافَته لحذقه ودهائه وَالنَّاس لَا يثبتون نسبه من أبي سُفْيَان فَتَارَة يَقُولُونَ زِيَاد بن أَبِيه وَتارَة يَقُولُونَ زِيَاد بن أمه وَفِي أَيَّامه فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين غزا ابْنه يزِيد الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي جمع من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم مِنْهُم أَبُو أَيُّوب الأنصارى فتوفى أَبُو أَيُّوب فِي هَذِه الْغُزَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَدفن فِي أصل سور الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَلَمَّا دفن قَالَت الرّوم لقد مَاتَ (31 ب) مِنْكُم عَظِيم فَقَالَ يزِيد قُولُوا هَذَا رجل من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أقدمهم إسلاما وَقد قبرناه حَيْثُ رَأَيْتُمْ وَالله لَئِن نبش لَا يضْرب ناقوس بِأَرْض الْعَرَب مَا كَانَت لنا مملكة فَكَانُوا إِذا أملحوا كشفوا عَن قَبره فسقوا وَبنى الرّوم على قَبره بِنَاء وعلقوا عَلَيْهِ أَرْبَعَة قناديل سرجا وَفِي سنة أَربع وَخمسين عبر سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان نهر جيحون إِلَى سَمَرْقَنْد والصغد وَهزمَ الْكفَّار وَقتل فِي هَذِه الْغُزَاة قثم بن الْعَبَّاس وَدفن بسمرقند وَمَات بَقِيَّة إخْوَته بأقطار متباعدة فَمَاتَ أَخُوهُ عبد الله بِالطَّائِف وَأَخُوهُ الْفضل بِالشَّام وَأَخُوهُ سعيد بإفريقية فَيُقَال إِنَّه لم ير قُبُور إخْوَة أَكثر تباعدا مِنْهُم وَفِي خِلَافَته توفى سعيد بن يزِيد أحد الْعشْرَة الْمَقْطُوع لَهُم بِالْجنَّةِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَتوفى زِيَاد بن أَبِيه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَتوفيت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فِي سنة سبع وَخمسين ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر سهل بن حنيف فولى عَلَيْهَا عَمْرو بن الْعَاصِ وهى ولَايَته الثَّانِيَة وبقى حَتَّى توفى لَيْلَة الْفطر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين ثمَّ وَليهَا عَنهُ أَخُوهُ عتبَة بن أبي سُفْيَان إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ وَليهَا بعده عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ فبقى حَتَّى صرفه وَولى عَلَيْهَا مسلمة بن مخلد بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام الخزرجي سنة سبع وَأَرْبَعين فَمَكثَ بهَا خمس عشرَة سنة وَولى على مَكَّة خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام وعَلى الْمَدِينَة مَرْوَان بن الحكم ثمَّ عَزله سنة أَربع وَخمسين وَولى مَكَانَهُ سعيد بن الْعَاصِ (32 أ) وَجمع لَهُ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة ثمَّ ولاهما مَرْوَان بن الحكم ثمَّ عَزله سنة تسع وَخمسين وَولى مَكَانَهُ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَولى على صنعاء الْيمن فَيْرُوز الديلمي فبقى حَتَّى مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَولى على إفريقية وَمَا يَليهَا من بِلَاد الْمغرب مُعَاوِيَة بن حديج بِالْحَاء الْمُهْملَة المضمومة السكونِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ ثمَّ ولى عَلَيْهَا عقبَة بن نَافِع بن عبد قيس الفهرى سنة خمس وَأَرْبَعين فبقى عقبَة بالقيروان وَجعلهَا منزلا للجند وهى أول مَدِينَة بنيت بإفريقية فِي الْإِسْلَام ثمَّ اسْتعْمل على مصر وإفريقية مسلمة بن مخلد فعزل مسلمة عقبَة عَن إفريقية وَولى عَلَيْهَا مَوْلَاهُ أَبَا المُهَاجر دِينَارا سنة خمس وَخمسين فغزا الغرب وَبلغ تلمسان وهى الضَّرْب الْأَوْسَط وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى والأندلس بعد لم يفتحها الثَّانِي من خلفاء بني أُميَّة يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَهُوَ أَبُو خَالِد يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَيُقَال إِنَّه كَانَ تلقب الْمُسْتَنْصر على على أهل الزيغ وَأمه مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة وَكَانَ آدم اللَّوْن طَويلا جعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الشّعْر أحور الْعَينَيْنِ بِوَجْهِهِ آثَار جدرى حسن اللِّحْيَة خفيفها وَكَانَ قد أَقَامَ مَعَ أمه مَيْسُونُ فِي قَومهَا بنى كلب بالبادية فتعلم مِنْهُم الفصاحة وَقَالَ الشّعْر وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن مُعَاوِيَة يَوْمًا سمع أمه وهى تنشد أبياتا ظهر لَهُ بهَا رغبتها عَنهُ آخرهَا ... وخرق من بنى عمى فَقير ... أحب إِلَيّ من علج علوف ... فَقَالَ مَا كَفاك حَتَّى جَعَلتني علجا علوفا الحقى بأهلك فمضت إِلَيْهِم وَيزِيد مَعهَا فَكَانَ من أمره مَا تقدم ولى الْخلَافَة بِعَهْد من أَبِيه مُعَاوِيَة وبويع لَهُ بهَا بعد موت أَبِيه فِي مستهل صفر سنة سِتِّينَ وَقيل فِي النّصْف مِنْهُ وَامْتنع عَن مبايعته عبد الله بن (32) الزبير وَالْحُسَيْن ابْن عَليّ رضى الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن عمر رضى الله عَنهُ إِن أجمع النَّاس على بيعَته بايعته وَمُقْتَضى كَلَام ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس أَنه ولى وعمره مَا بَين الْعشْرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَالثَّلَاثِينَ سنة وَكَانَ نقش خَاتمه رَبنَا الله وبقى حَتَّى توفى بحوارين من عمل حمص لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة وَقيل تسع وَثَلَاثِينَ وَحمل إِلَى دمشق وَدفن فِي مَقْبرَة الْبَاب الصَّغِير وَصلى عَلَيْهِ ابْنه مُعَاوِيَة بن يزِيد وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَقيل وَسِتَّة أشهر وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الذُّكُور مُعَاوِيَة وخَالِد وَأَبُو سُفْيَان وَعبد الله الْأَكْبَر وَعبد الله الْأَصْغَر وَعمر وَعبد الرَّحْمَن وَعتبَة الْأَعْوَر وَيزِيد وَمُحَمّد وَأَبُو بكر وَحرب وَالربيع وَعبد الله الملقب أَصْغَر الأصاغر وَبَنَات الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة سَار الْحُسَيْن بن عَليّ رضى الله عَنْهُمَا بعد ذَلِك بِقَلِيل إِلَى الْكُوفَة وَنزل بمَكَان يُقَال لَهُ كربلاء وَوَقع الْحَرْب بهَا بَينه وَبَين جَيش يزِيد فَوَقَعت الكسرة على الْحُسَيْن رضى الله عَنهُ فَقتل فِي يَوْم عَاشُورَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وعمره تسع وَخَمْسُونَ سنة وَقيل خمس وَخَمْسُونَ وَقيل سِتّ وَخَمْسُونَ وَقتل مَعَه من إخْوَته الْعَبَّاس وجعفر وَعبد الله وَعُثْمَان وَعبيد الله وَأَبُو بكر وَقتل مَعَه أَيْضا الْقَاسِم وَأَبُو بكر ولدا أَخِيه الْحسن وعدة من أَوْلَاد عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَوْلَاد عقيل بن أبي طَالب واحتزت رَأس الْحُسَيْن رضى الله عَنهُ وحملت إِلَى عبيد الله بن زِيَاد فَجعل يقرع فَم الْحُسَيْن بقضيب فوالذي لاإله غيرهلقد رَأَيْت شفتي رَسُول الله (33 أ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَاتين الشفتين ثمَّ حملت الرَّأْس إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة فجهزها إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مَعَ نِسَائِهِم وأطفالهم فَتَلقاهُمْ نسَاء بنى هَاشم حاسرات وَابْنَة عقيل بن أبي طَالب تنشد ... مَاذَا تَقولُونَ إِن قَالَ النَّبِي لكم ... مَاذَا فَعلْتُمْ وَأَنْتُم آخر الْأُمَم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 .. بعترتي وبأهلي بعد معتقدي ... مِنْهُم أُسَارَى وصرعى ضرجوا بِدَم ... مَا كَانَ هَذَا جزائي إِذْ نصحت لكم ... أَن تخلفوني بِسوء فِي ذوى رحمى ... وَقد حكى صَاحب دُرَر السمط فِي خبر السبط أَنه وجد على حجر مَكْتُوب تَارِيخه قبل الْبَعْث بِأَلف سنة هَذَا الْبَيْت ... أترجوا أمة قتلت حُسَيْنًا ... شَفَاعَة جده يَوْم الْحساب ... وَقد اخْتلف فِي الْموضع الَّذِي دفنت فِيهِ هَذِه الرَّأْس فَقيل بِالْمَدِينَةِ عِنْد أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل دفنت بِبَاب الفراديس بِدِمَشْق وَقيل دفنت بعسقلان وَقد حكى القاضى مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 خطط الْقَاهِرَة أَن الصَّالح طلائع بن رزيك وَزِير الفائز الفاطمي بنى جَامعه خَارج بابى زويلة لتنقل إِلَيْهِ هَذِه الرَّأْس فيدفنها بِهِ ويجعله مشهدا لَهَا فَبلغ ذَلِك الفائز أحد خلفاء الفاطميين فَقَالَ الأحق أَن تكون هَذِه الرَّأْس عندنَا دَاخل الْقصر فأخلى لَهَا قاعة من قاعات الْقصر ودفنها فِيهَا وَجعلهَا مشهدا وَهُوَ المشهد الْمَعْرُوف لآن بمشهد الْحُسَيْن وَمِمَّا يُؤَيّد صِحَة ذَلِك مَا حَكَاهُ القاضى مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر أَيْضا أَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب حِين استولى على قصر الفاطيين أمسك خَادِمًا من خدام الْقصر وعذبه بِأَن حلق رَأسه وأكفأ عَلَيْهَا طاسا وَجعل فِيهِ خنافس (33 ب) فَأَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام لم يتأثر بذلك فَدَعَاهُ السُّلْطَان وَسَأَلَهُ عَن شَأْنه وَهل مَعَه طلسم وَقَاه ذَلِك فَقَالَ لَا أعلم شَيْئا غير أَنى حملت رَأس الْحُسَيْن على رأسى حِين أَتَى إِلَى المشهد فخلى سَبيله وَأحسن إِلَيْهِ وَلم يحجّ فِي يزِيد مُدَّة خِلَافَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر مسلمة بن مخلد فولى عَلَيْهَا مَكَانَهُ سعيد بن يزِيد الازدي فِي سَنَد اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ ثمَّ وَليهَا عبد الرَّحْمَن الفِهري فَبَقيَ بهَا الى مَا بعد خلَافَة يزِيد وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة بن عتبَة فولى مَكَانَهُ عَمْرو بن سعيد الْأَشْدَق ثمَّ عَزله سنة احدى وَسِتِّينَ وَأعَاد الْوَلِيد بن عبتة وَرجع عقبَة بن نَافِع الى افريقية وَمَا مَعهَا من بِلَاد الْمغرب فاستولى على ذَلِك بعد أبي المُهَاجر دِينَار الثَّالِث من خلفاء بني أُميَّة معاويى بن يزِيد وَهُوَ أَبُو ليلى مُعَاوِيه بن يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب وَيُقَال انه كَانَ يلقب الرَّاجِع الى الله وامه ام هَاشم وَيُقَال ام خَالِد بنت ابي هَاشم بن عتبَة بن ربيعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ابْن عبد شمس كَانَ شَابًّا دينا وَلم اقف على شَيْء من حليته بُويِعَ بالخلافة فِي رَابِع عشر ربيع الاول سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ حِين وَفَاة ابيه وَقيل فِي النّصْف من ربيع الاخر مِنْهَا وَمُقْتَضى كَلَام ابْن حزم انه ولي الْخلَافَة وسنه مَا بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ سنة وَكَانَ نقش خَاتِمَة الدُّنْيَا غرورة وَبَقِي حَتَّى توفّي بعد ثَلَاثَة اشهر من خِلَافَته وَقيل بعد اربعين يَوْمًا وَقيل بعد عشْرين يَوْمًا وعمره احدى وَعِشْرُونَ سنة وَقيل ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَقيل سبع عشرَة سنة وَصلى عَلَيْهِ اخوه خَالِد وَقيل 34 أصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن ابي سُفْيَان فَكبر عَلَيْهِ تكبيرتين وَمَات قبل ان يقْضِي صلَاته فصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَدفن بِجنب قبر مُعَاوِيَة بن يزِيد الْمَذْكُور وَلم اقف لَهُ على عقب غير انه كَانَ يكنى ابا ليلى فَيحْتَمل انه كَانَ لَهُ بنت اسْمهَا ليلى كنى بهَا وَيحْتَمل انه كنى بذلك من غير ولادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي خلال خِلَافَته بُويِعَ لعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا بالخلافة بِمَكَّة فِي رَجَب سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَاسْتولى على مَكَّة وَالْمَدينَة ودان لَهُ اهل الْحجاز واليمن وَالْعراق وبويع لَهُ ايضا بحمص وقنسرين من الشَّام وَكَاد ان يتم لَهُ الامر بجملته قَالَ ابْن حزم وسنه حِين بُويِعَ مَا يزِيد على سِتِّينَ سنة وَبَايَعَهُ اهل الْعرَاق ايضا وَهدم الْكَعْبَة وَأدْخل فِيهَا الْحجر وَجعل لَهَا بَابَيْنِ مَعَ الارض يدْخل من احدهما وبخرج من الاخر مُعْتَمدًا فِي ذَلِك على حَدِيث بلغه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخلق الْكَعْبَة داخلها وخارجها وَهُوَ اول من خلقهَا وَكَسَاهَا الْقبَاطِي وَهِي ثباب بيض من عمل مصر وَلم يزل يُقيم الْحَج للنَّاس من سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ الى سنة اثْنَيْنِ وَسبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 4 - ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر عبد الرَّحْمَن الفِهري فأقره عَلَيْهَا فَمَكثَ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَيُقَال ان ابْن الزبير ولى عَلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن عتبَة بن جحدم وَكَانَت مَكَّة بيد عبد الله بن الزبير وَكَانَ على الْمَدِينَة من جِهَة عبد الله بن الزبير اخوه مُصعب بن الزبير ولاه عَلَيْهَا سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ نَقله الى الْبَصْرَة وَولى مَكَانَهُ جَابر بن الاسود بن عَوْف الزُّهْرِيّ ثمَّ ولى مَكَانَهُ على الْمَدِينَة طَلْحَة 34 ب بن عبد الله بن عَوْف وَولى عبد الله بن مُطِيع الْكُوفَة وَكَانَ على افريقية وَمَا مَعهَا من الْمغرب عقبَة بن نَافِع فأقره عَلَيْهَا الرَّابِع من خلفاء بني امية مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ بو الحكم وَقيل ابو عبد الْملك مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن امية بن عبد شمس وَيُقَال انه كَانَ يلقب المؤتمن بِاللَّه وامه امية بنت عَلْقَمَة بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 صَفْوَان كَانَ قَصِيرا دَقِيقًا اَوْ قصّ بُويِعَ لَهُ بالخلافة بالجابية من الشَّام فِي رَجَب سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ ثمَّ جددت لَهُ الْبيعَة فِي ذِي الْقعدَة من هَذِه السّنة قَالَ ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس وَكَانَ سنة يَوْم ولي الخلافه إِحْدَى وَسِتِّينَ سنه وكا نقش خَاتِمَة الله ثقتي ورجائي وَبَقِي حَتَّى توفّي بالطاعون لثلاث خلون من رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَيُقَال ان زَوجته ام خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة خنقته ثمَّ صاحت وَقَالَت مَاتَ فَجْأَة وَدفن بمقبة دمشق وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سَبْعَة اشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الاولاد عبد الْملك وَمُعَاوِيَة وَعبيد الله وَعبد الله وابان وَدَاوُد وَعبد الْعَزِيز وَعبد الرَّحْمَن وَبشر وَمُحَمّد وَبَنَات الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ سُلْطَانه بِالشَّام خَاصَّة وَبَاقِي الامصار فِي طَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 عبد الله بن الزبير وَالضَّحَّاك بن قيس بِالشَّام فِي جمَاعَة يُحَاربُونَ لمبايعة ابْن الزبير ثمَّ كَانَت الْوَقْعَة بن الْفَرِيقَيْنِ بمرج راهط بغوطة دمشق فَقتل الضَّحَّاك وَانْهَزَمَ من مَعَه ثمَّ سَار مَرْوَان الى مصر فِي سنة خمس وَسِتِّينَ فَبَايعهُ اهلها ولايات الامصار فِي خِلَافَته 35 - كَانَ على مصر من جِهَة ابْن الزبير عبد الرَّحْمَن ابْن جحدم فطرده مَرْوَان عَنْهَا وَولى مَكَانَهُ ابْنه عبد الْعَزِيز وَكَانَ على الْمَدِينَة واليمن وَالْعراق عُمَّال ابْن الزبير على مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة بن يزِيد الْخَامِس من خلفاء بني امية عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ ابو الحكم وَقيل ابو مَرْوَان ابْن الحكم بن ابي الْعَاصِ بن امية بن عبد شمس وَهُوَ اول من سمي عبد الْملك فِي الاسلام وَيُقَال انه كَانَ يلقب الموثق لامر الله وامه عائشه بنت مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن ابي الْعَاصِ الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 كَانَ افوه مَفْتُوح الْفَم مشبك الاسنان بِالذَّهَب حازما فِي امْرَهْ لَا يكل امْرَهْ الى غَيره وَيُقَال انه كَانَ فَقِيها عَالما فَلَمَّا ولى الْخلَافَة استهوته الدُّنْيَا فَتغير عَن ذَلِك وَمِمَّا يحْكى انه لما اتته الْخلَافَة كَانَ قَاعِدا يقْرَأ فِي المصحق فأطبقه وَقَالَ هَذَا آخر الْعَهْد بك وَكَانَ فِي غَايَة من الشُّح حَتَّى كَانَ يُقَال لَهُ رشح الْحجر لبخله لَان الْحجر لَا يرشح المَاء الا نَادرا يُقَال ان بعض اخصائه سَمعه يَقُول اجع كلبك يتبعك فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اما تخشى ان تلوح لَهُ غَيْرك بكسرة فيتركك ويتبعه وَكَانَ مَعَ شحه ابخر ظَاهر البخر وَكَانَ اذا مر الذُّبَاب على فَمه سقط لشدَّة بخره وَمن اجل ذَلِك كَانَ يلقب ابا ذُبَاب بُويِعَ بالخلافة بعد موت ابيه مَرْوَان فِي ثَالِث رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَاسْتقر لَهُ الامر بِمصْر وَالشَّام خَاصَّة وَالْعراق والحجاز واليمن مَعَ ابْن الزبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ ابْن حزم وَكَانَ عمره حِين ولى الْخلَافَة مَا بَين الثَّلَاثِينَ سنة والاربعين سنة وَكَانَ نقش خَاتِمَة آمَنت بِاللَّه مخلصا وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي النّصْف من شَوَّال سنة 35 ب سِتّ وَثَمَانِينَ وعمره سِتُّونَ سنة وَدفن بِدِمَشْق وَكَانَت خِلَافَته احدى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة عشر يَوْمًا مِنْهَا سبع سِنِين وَسَبْعَة اشهر وَسَبْعَة عشر يَوْمًا قبل قتل ابْن الزبير وباقيها بعد قَتله وَكَانَ لَهُ من الاولاد الْوَلِيد وَسليمَان ومروان الاكبر وَيزِيد ومروان الاصغر وَمُعَاوِيَة وَهِشَام وبكار وَالْحكم وَعبد الله ومسلمة وَالْمُنْذر وعنسبة وَمُحَمّد وَسَعِيد وَالْحجاج وَيُقَال ان عبد الْملك رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ بَال فِي الْمِحْرَاب ارْبَعْ مَرَّات فغمه ذَلِك فَوجه الى سعيد بن الْمسيب من سَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ يملك من وَلَده لصلبه اربعة فَكَانَ كَذَلِك فولى مِنْهُم الْوَلِيد وَسليمَان وَيزِيد وَهِشَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة منع النَّاس من الْحَج من حَيْثُ ان ابْن الزبير كَانَ يَأْخُذ الْبيعَة لنَفسِهِ على النَّاس فِي الْمَوْسِم فَضَجَّ النَّاس من منع الْحَج فَبنِي عبد الْملك قبَّة الصَّخْرَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَكَانَ النَّاس يحضرونها يَوْم عَرَفَة ويقفون عِنْدهَا فَيُقَال ان ذَلِك سَبَب التَّعْرِيف بَيت الْمُقَدّس ومساجد الامصار وَذكر الجاحظ فِي كتاب نظم الْقُرْآن ان اول من سنّ التَّعْرِيف فِي مَسَاجِد الامصار عبد الله بن عَبَّاس وانكر الْعلمَاء عَلَيْهِ هَذَا النَّقْل وَذكر ابو عمر الْكِنْدِيّ ان عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان اول من سنّ التَّعْرِيف بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بِمصْر بعد الْعَصْر قَالَ ابو هِلَال العسكري فِي كِتَابه الاوائل وَعبد الْملك اول من ضرب الدَّرَاهِم فِي الاسلام وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ سَار عبد الْملك بِنَفسِهِ الى الْعرَاق فَلَقِيَهُ مُصعب ابْن الزبير فِي جَيش فَقتل مُصعب فَدخل عبد الْملك الْكُوفَة بعد مقتل مُصعب فَبَايعهُ 36 أالناس وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 سنة ثَلَاث وَسبعين ولى الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ على مَكَّة فَسَار الْحجَّاج الى مَكَّة وَحَارب ابْن الزبير وَقبض عَلَيْهِ بعد حِصَار طَوِيل وَقَتله وصلبه لثلاث عشر لَيْلَة بقيبت من جمادي الاولى سنة ثَلَاث وَسبعين وَقيل فِي جمادي الاخرة سنة اثنيتين وَسبعين وَفِي سنة ارْبَعْ وَسبعين هدم الْحجَّاج الْكَعْبَة من جانتب الْحجر واخرج الْحجر مِنْهَا وَجعله على الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفع داخلها عَن الارض وسد الْبَاب الغربي وَجعل الْبَاب الشَّرْقِي يصعد اليه على درج والامر على ذَلِك الى الان ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر اخوه عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فأقره عَلَيْهَا فَبنى بالفسطاط الدَّار المذهبة الْمَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ ونزلها وَهِي دَار عَظِيمَة تجَاوز الْوَصْف ثمَّ صَارَت بعده منزلا لمن يَلِي امارة مصر ثمَّ صَارَت مسَاكِن للعامة بعد ذَلِك قَالَ الْقُضَاعِي فِي خططه كَانَ يسْكب فِيهَا فِي كل يَوْم مائَة راوية مَاء وفيهَا عدَّة مَسَاجِد وعد افران للخبز واقام على مصر عشْرين سنة وَعشرَة اشهر واياما وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الَّذِي بنى القنطرة الَّتِي على خليج الْقَاهِرَة عَن السد الَّذِي يكسر عِنْد وَفَاء النّيل وَيُقَال انه ولى عَلَيْهَا عبد الله بن عبد الْملك فَمَكثَ فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ ولى عَلَيْهَا بعده قُرَّة بن شريك فِي سنة تسعين فبقى عَلَيْهَا الى ان مَاتَ عبد الْملك وَهُوَ اول من وضع اللَّوْح الاخضر على الاسطوانة الْوُسْطَى بالجامع الْعَتِيق بالفسطاط وَاسْتولى الْحجَّاج بن يُوسُف على مَكَّة بعد قتل ابْن الزبير وَولى عبد الْملك على الْمَدِينَة طَارق بن عمر فانتزعها مِنْهُ صَالح بن عبد الله ثمَّ ولى عبد الْملك على مَكَّة وَالْمَدينَة وَسَائِر اعمال الْحجاز 36 ب واليمن الْحجَّاج بن يُوسُف وعزل طَارِقًا عَن الْمَدِينَة وَجعله من جملَة جند الْحجَّاج ثمَّ ولى على مَكَّة وَالْمَدينَة سنة سبع وَسبعين ابان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 عُثْمَان بن عَفَّان ثمَّ عَزله فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَولى مَكَانَهُ هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي وَولى على العراقين وخراسان الْحجَّاج بن يُوسُف ففتك بأَهْله وأبادهم وَقتل جمعا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله عَنْهُم على مَا سَيَأْتِي ذكره عِنْد وَفَاة الْحجَّاج فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ على إفريقية وَمَا مَعهَا من الْمغرب عقبَة بن نَافِع فَقتل فولى عبد الْملك بن مَكَانَهُ حسان بن النُّعْمَان الغساني فَسَار حَتَّى دخل القيروان وافتتح قرطاجنة قَاعِدَة إفريقية قبل الْإِسْلَام وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى والأندلس لم نفتحا بعد السَّادِس من خلفاء بني أُميَّة الْوَلِيد بن عبد الْملك وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْمُقدم ذكره وَيُقَال أَنه كَانَ يلقب المنتقم لله وَأمه ولادَة بنت الْعَبَّاس كَانَ أسم أسمر جميلا أقنى الْأنف وَيُقَال سَائل الْأنف جدا بِوَجْهِهِ أثر جدرى لَهُ سطوة شَدِيدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 لاتتوقف إِذا غضب وَكَانَ كثير النِّكَاح وَالطَّلَاق يُقَال أَنه تزوج ثلاثأ وَسِتِّينَ امْرَأَة وَكَانَ ضَعِيف الْبَصَر بِالْعَرَبِيَّةِ بِحَيْثُ يغلب عَلَيْهِ اللّحن دخل عَلَيْهِ أَعْرَابِي يشكو صهرا لَهُ فَقَالَ الْوَلِيد مَا شَأْنك بِفَتْح النُّون وَهُوَ يُرِيد أَن يسْأَله عَن شَأْنه فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي أعوذ بِاللَّه من الشين فَقَالَ أَخُوهُ سُلَيْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لَك مَا شَأْنك وَضم النُّون فَقَالَ الْأَعرَابِي ختني ظَلَمَنِي يَعْنِي صهره فَقَالَ الْوَلِيد من ختنك بِالْفَتْح فَقَالَ الْأَعرَابِي إِنَّمَا ختنني الْحجام وَلست أُرِيد ذَا (37 أ) فَقَالَ سُلَيْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لَك من ختنك فَقَالَ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى خَصمه ولى الْخلَافَة بِعَهْد من أَبِيه عبد الْملك ثمَّ بُويِعَ لَهُ بهَا بعد وَفَاته يَوْم الْخَمِيس منتصف شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قَالَ ابْن حزم وَكَانَ سنه حِين ولى مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ سنه وَكَانَ نقش خَاتمه يَا وليد إِنَّك ميت ومحاسب وبقى فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي بدير مَرْوَان من الشَّام يَوْم السبت منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَتِسْعين وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة وَأشهر وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته تسع سِنِين وسبة أشهر وَقيل وَثَمَانِية أشهر وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد عشر ذكرا وَقيل أَرْبَعَة عشر ذكرا مِنْهُم يزِيد وَإِبْرَاهِيم ولى كل مِنْهُمَا الْخلَافَة وَالْعَبَّاس وَكَانَ فَارس بني مَرْوَان وَعمر فَحل بني مَرْوَان كَانَ يركب فِي سِتِّينَ صلبه وَعمر وَعبد الْكَرِيم وَبشر وَغَيرهم وَبَنَات الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي خِلَافَته غزا أخوة مسلمة بن عبد الْملك بِلَاد الرّوم وَعَاد فِي خِلَافَته فتحت طليطلة دَار ملك الأندلس على يَد طَارق مولى مُوسَى بن نصير متولى إفريقية وَحمل إِلَيْهِ مِنْهَا مائدة سليماتن بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَت خليطين ذهب وَفِضة عَلَيْهَا ثَلَاثَة أطواق لُؤْلُؤ وَكَانَ من غَرِيب الْأَمر فِي فتحهَا أَنه كَانَ بدار الْملك بهَا بَيت مغلق عَلَيْهِ أقفال من حَدِيد كلما وَليهَا ملك جَدِيد زَادهَا قفلا إِلَى أَن كَانَ آخِرهم ملك أُسَمِّهِ لذريق أَرَادَ فتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ذَلِك الْبَيْت والأطلاع على مَا فِيهِ فَنَهَاهُ كهنتهم عَن فَتحه فَأبى الإ ذَلِك ففتحه فَوجدَ دَاخله صندوقا مقفلا فَفتح ذَلِك الصندوق فَإِذا فِيهِ سفط من حَرِير فِيهِ صور الْعَرَب راكبين الْجمال وَفِيه مَكْتُوب (177 ب) إِذا فتح هَذَا الْبَيْت وَأخرج هَذَا السفط وَفتح ملك أَصْحَاب هَذِه الصُّور هَذِه الْبِلَاد فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَفِي خِلَافَته فتحت عدَّة من بِلَاد السَّنَد وَمَا وَرَاء النَّهر وتغلغل الْحجَّاج فِي بِلَاد التّرْك وتغلغل مسلمة بن عبد الْملك فِي بِلَاد الرّوم فَفتح وسبى وَفتح مُحَمَّد بن الْقَاسِم الثَّقَفِيّ بلادا من بِلَاد الْهِنْد وَكَانَ الْوَلِيد مَعَ كَثْرَة اعتنائه بالغزو وَفتح الْبِلَاد مغرما بِالْبِنَاءِ وَهُوَ الَّذِي بنى الْمَسْجِد الْجَامِع بِدِمَشْق وَمن ثمَّ نسب إِلَى بني أُميَّة وَأدْخل فِيهِ كَنِيسَة النَّصَارَى وأتى فِيهِ من حسن الصَّنْعَة وزينة الزخرفة بِمَا يدهش النّظر ويحار فِي وَصفه الْفِكر الإ أَنه قد تَغَيَّرت معالمه بِمَا طرا عَلَيْهِ من الْحَرِيق مرّة بعد أُخْرَى لَا سِيمَا مَا عراه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 تمرلنك حِين استيلائه على دمشق وَزَاد فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزخرفة ونمقه ورصعه بالفسيفساء وَهِي الفص الْمَذْهَب وَأدْخل فِيهِ حجر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْمنَازل الَّتِي حوله وَكَانَ الْقَائِم بذلك لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير لَهُ على الْمَدِينَة وَهُوَ أول من إتخذ البيمارستان للمرضى وَأول من اتخذ دَار الضِّيَافَة وَأول من بنى الأميال فِي الطرقات على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى وأنفذ إِلَى خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَامله بِمَكَّة ثَلَاثِينَ ألف دِينَار صفح بهَا بَاب الْكَعْبَة والميزا والأساطين وجدد بِنَاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى وزخرفه وَفِي أَيَّامه كَانَ الطَّاعُون الجارف بِالْبَصْرَةِ يُقَال أَنه مَاتَ فِيهِ فِي ثَلَاثَة أَيَّام ثَلَاثمِائَة ألف إِنْسَان وَفِي أَيَّامه مَاتَ حبر الْأمة عبد الله ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَهُوَ جد الْخُلَفَاء العباسيين وَفِي سنة خمس وَتِسْعين أخرج الْوَلِيد عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس من دمشق وأنزله الحميمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 من أَرض الشَّام فولد لَهُ بهَا نَيف وَعِشْرُونَ ولدا ذكرا (38 أ) وَلم يزل إِلَى أَن بطلت دولة بني أُميَّة وَفِي أَيَّامه كَانَت زلازل عَظِيمَة أَقَامَت أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي أَيَّامه قتل الْحجَّاج بن يُوسُف سعيد بن جُبَير التَّابِعِيّ الإِمَام الْكَبِير فاختلط عقل الْحجَّاج لوقته وَبَقِي قَلِيلا ثمَّ مَاتَ فِي رَمَضَان سنة خمس وَتِسْعين عَن ثَلَاث وَخمسين سنة وَقيل عَن أَربع وَخمسين وَكَانَ مُدَّة ولَايَته الْعرَاق عشْرين سنة وَكَانَ عدَّة من قَتله فِيهَا صبرا مائَة ألف وَعشْرين ألفا وَمَات وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يفعل الظَّالِمُونَ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قُرَّة بن شريك فأقره عَلَيْهَا فَمَكثَ سبع سِنِين وَولى على مَكَّة عمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ ولى عَلَيْهَا بعده خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَولى على خُرَاسَان بعد الْحجَّاج بن يُوسُف الْمُهلب بن ابي صفرَة وَكَانَ على الْمَدِينَة هِشَام بن اسماعيل المَخْزُومِي فَعَزله وَولى عَلَيْهَا عُثْمَان بن حَيَّان وَولى على افريقية وَمَا مَعهَا من بِلَاد الْمغرب مُوسَى بن نصير بِضَم النُّون فَقدم القيروان وَبهَا صَالح بن حسان فَعَزله عَنْهَا ثمَّ رَجَعَ مُوسَى بن نصير الى الْمشرق واستخلف على افريقية ابْنه عبد لله بن مُوسَى بن نصير وستقر طَارق بن زِيَاد مولى مُوسَى بن نصير على الاندلس من حِين فتحهَا ثمَّ قدم مُوسَى بن نصير الى الاندلس وَنزل طليطلة وَقَامَ بهَا سنتَيْن واستخلف عَلَيْهَا ابْنه عبد الْعَزِيز بن مُوسَى ثمَّ توجه الى الْوَلِيد بن عبد لملك بِمَا مَعَه من الْغَنِيمَة والسبي السَّابِع من خلفاء بني امية سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهُوَ ابو ايوب سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْمُقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ذكره 38 ب وَيُقَال انه كَانَ تلقب الْمهْدي بِاللَّه الدَّاعِي الى الله وامه ولادَة ام اخيه الْوَلِيد وَكَانَ ابيض اللَّوْن جميلا طَوِيل الْقَامَة فصيحا لسنا اديبا معجبا بِنَفسِهِ متوقفا على سفك الدِّمَاء وَيُقَال انه كَانَ كثير النِّكَاح شَرها فِي الاكل يَأْكُل فِي كل يَوْم نَحوا من مائَة رَطْل ولى الْخلَافَة بِعَهْد من ابيه عبد الْملك بن مَرْوَان وَذَلِكَ ان عبد الْملك رتب خِلَافَته فِي الْعَهْد على خلَافَة اخيه الْوَلِيد الْمُقدم ذكره فَقَالَ الْخَلِيفَة بعدى الْوَلِيد ثمَّ بعد الْوَلِيد سُلَيْمَان وبويع لَهُ بهَا بعد موت اخيه الْوَلِيد يَوْم السبت النّصْف من جُمَادَى الاخرة سنة سِتّ وَتِسْعين قَالَ ابْن حزم وَكَانَ عمره حِين ولى مَا بَين الثَّلَاثِينَ والاربعين وَكَانَ سُلَيْمَان حِين موت اخيه بالرملة من عمل لد فَبَلغهُ الْخَبَر بعد سَبْعَة ايام فَسَار الى دمشق ودخلها وكا نقش خَاتِمَة آمَنت بِاللَّه مخلصا وَبَقِي حَتَّى توفّي بدابق من ارْض قنسرين لعشر خلون من صفر سنة تسع وَتِسْعين وعمره خمس واربعون سنة بعد ان عهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بالخلافة بعده لعمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ من بعد عمر ليزِيد ابْن عبد الْملك وَصلى عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَت خِلَافَته سنتَيْن وَثَمَانِية اشهر الا خسمة ايام وَكَانَ لَهُ اربعة عشر ولدا ذكرا الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة تسع وَتِسْعين خرج بِنَفسِهِ لغزو الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى نزل بدابق وَبعث اخاه مسلمة الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَنزل عَلَيْهَا وحاصرها وَفتح مَدِينَة الصقالبة وَبعث الْمُهلب ابْن ابي صفرَة الى خُرَاسَان فَفتح جرجان وطبرستان وَقد ذكر فِي مسالك الابصار انه هُوَ الَّذِي بنى مَدِينَة الرملة وَلَعَلَّ ذَلِك قبل خِلَافَته 39 - أولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قُرَّة بن شريك فولى مَكَانَهُ عبد الْملك ابْن رِفَاعَة فِي سنة سبع وَتِسْعين فَمَكثَ فِيهَا ثَلَاث سِنِين وكسرا الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَكَانَ على مَكَّة خَالِد بن عبد الله القسرى فأقره عَلَيْهَا وَكَانَ على الْمَدِينَة عُثْمَان بن حَيَّان فولى مَكَانَهُ ابا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَكَانَ على افريقيه عبد الله بن مُوسَى بن نصير خَليفَة بهَا عَن ابيه مُوسَى الْمَذْكُور فبقى عَلَيْهَا وَكَانَ على الاندلس عبد الْعَزِيز بن مُوسَى بن نصير الْمَذْكُور فاستقر بهَا الثَّامِن من خلفاء بني امية عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم وَيُقَال انه كَانَ يلقب الْمَعْصُوم بِاللَّه وامه ام عَاصِم بنت عَاصِم ابْن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ اسمر نحيفا حسن الْوَجْه فِي وَجهه شجة من رمح دَابَّة وَهُوَ غُلَام وَلذَلِك يعرف بأشج بني امية وَقد روى ان عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول ان من وَلَدي رجلا بِوَجْهِهِ شين يمْلَأ الارض عدلا ولى الْخلَافَة بالعهد من سُلَيْمَان بن عبد الْملك وبويع لَهُ بهَا بعد وَفَاة سُلَيْمَان بدابق يَوْم الْجُمُعَة لعشر خلون من صفر سنة تسع وَتِسْعين قَالَ ابْن حزم وَكَانَ سنه حِين ولى الْخلَافَة مَا بَين الثَّلَاثِينَ سنة والاربعين وَكَانَ نقش خَاتِمَة عمر بن عبد الْعَزِيز يُؤمن بِاللَّه وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس وَقيل لست بَقينَ من رَجَب سنة احدى وَمِائَة وعمره تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَدفن بِأَرْض دير سمْعَان من عمل حمص وَقيل توفّي بدير سمْعَان وَدفن بِهِ قَالَ 39 ب صَاحب حماة الظَّاهِر ان دير سمْعَان هُوَ الْمَعْرُوف الان بدير الْبَقَرَة من عمل معرة النُّعْمَان قَالَ وَكَانَ مَوته بالسم من بني امية علما مِنْهُم انه ان امتدت ايامه اخْرُج الامر عَنْهُم وانه لَا يعْهَد بعده الا لمن يصلح لِلْأَمْرِ فعاجلوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 قلت وَفِيمَا قَالَه نظر فان عهد سُلَيْمَان بن عبد الْملك كَانَ متضمنا الْعَهْد بعد عمر بن عبد الْعَزِيز ليزِيد بن عبد الْملك فَلم يكن لعمر ان يعْهَد لغيره وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سنتَيْن وَخَمْسَة اشهر واربعة عشر يَوْمًا وَقيل خَمْسَة اشهر فَقَط وَقد قَالَ الْعلمَاء فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله يبْعَث لامتي على رَأس كل مائَة من يجدد لَهَا دينهَا انه كَانَ على رَأس الْمِائَة الاولى عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ لَهُ من الاولاد اربعة عشر ذكرا مِنْهُم عبد الْملك وَكَانَ ناسكا وَمَات فِي حَيَاته عَن تسع عشرَة سنة وَنصف وَعبد الله وَكَانَ شجاعا الْحَوَادِث والمماجريات فِي خِلَافَته بنى مَسْجِد الْجحْفَة مِيقَات الاحرام لحجاج مصر وَاشْترى ملطية من الرّوم بِمِائَة الف اسير وبناها وَكَانَ قبله خلفاء بني امية يسبون امير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ على المنابر من حِين خلع الْحسن نَفسه فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 احدى واربعين الى ان ولى عمر بن عبد الْعَزِيز فَأبْطل ذَلِك وَكتب الى نوابه بابطاله وَجعل بدله قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} الاية فاستمر الخطباء على ذَلِك الى الان ومدحه كثير الشَّاعِر بقوله ... وليت فَلم تَشْتُم عليا وَلم تخف ... بريا وَلم تتبع سجية مجرم ... وَقلت فصدقت الدى قلت بالدى ... فعلت فاضحى رَاضِيا كل مُسلم ... 40 - ولايات الامصار فى خلافتة ولى على مصر بعد عبد الْملك بن رِفَاعَة ايوب بن شُرَحْبِيل الاصبحى اخر سنة وَتِسْعين فَمَكثَ فِيهَا سنتَيْن وَسِتَّة اشهر وَكَانَ على مَكَّة عبد الْعَزِيز بن خَالِد بن اسيد عَن سُلَيْمَان الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ابْن عبد الْملك فاقره عَلَيْهَا وَولى على الْمَدِينَة عبد الْعَزِيز بن أَرْطَأَة فَأَقَامَ الى أَيَّام يزِيد بن عبد الْملك وَولى على افريقية بعد مُحَمَّد بن يزيزد اسماعيل بن عبيد الله بن ابي المُهَاجر فَأسلم على يَدَيْهِ جَمِيع البربر وَأقَام الى ايام يزِيد بن عبد الْملك وَكَانَ على الاندلس الْحسن بن عبد الرَّحْمَن ثمَّ السَّمْح ابْن مَالك الْخَولَانِيّ فَأَقَامَ بهَا سنتَيْن وَتِسْعَة اشهر التَّاسِع من خلفاء بني امية يزِيد بن عبد الْملك وَهُوَ ابو خَالِد يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وامه عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان وَيُقَال انه كَانَ يلقب الْقَادِر بصنع الله كَانَ ابيض جسيما مدور الْوَجْه شَدِيد الْكبر عَاجِزا وَكَانَ صَاحب لَهو وَلَذَّة وَهُوَ صَاحب حبابة وسلامة وهما جاريتان كَانَ مشغوفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 بهما وَمَاتَتْ حبابة فَمَاتَ بعْدهَا بِيَسِير قيل بسبعة عشر يَوْمًا أسفا عَلَيْهَا وَكَانَ قد تَركهَا اياما لم يدفنها لعدم استطاعته فراقها فعوتب على ذَلِك فدفنها وَيُقَال انه نبشها بعد الدّفن حَتَّى شَاهدهَا قلت وَأَيْنَ مقَام هَذَا من مقَام الَّذِي كَانَ يهوى سَلامَة جَارِيَته الثَّانِيَة وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمار وَذَلِكَ انه مر يَوْمًا بمنزل سَيِّدهَا فَسمع غناءها فهويها ثمَّ هويته 40 ب هِيَ ايضا واجتمعا بعد ذَلِك فَقَالَت لَهُ سَلامَة انني احبك فَقَالَ وَأَنا ايضا احبك فَقَالَت وانا اشتهي اقبلك فَقَالَ وانا ايضا قَالَت فَمَا يمنعك قَالَ تقوى الله ثمَّ قَامَ وَانْصَرف وَتركهَا وَكَانَ عبد الرَّحْمَن هَذَا يعرف بالقس لعبادته وَلذَلِك عرفت سَلامَة هَذِه بسلامة القس ولى الْخلَافَة بِعَهْد من اخيه سُلَيْمَان بن عبد الْملك لَهُ بهَا بعد عمر بن عبد الْعَزِيز على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْكَلَام على عهود الْخُلَفَاء للخلفاء ان شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَقيل ان أَبَاهُ عبد الْملك كَانَ أدخلهُ مَعَ اخوته فِي الْعَهْد اليهم فَسلم لعمر بن عبد الْعَزِيز وبويع لَهُ بالخلافة بعد موت عمر بن عبد الْعَزِيز فِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من شهر رَجَب سنة احدى وَمِائَة قَالَ ابْن حزم وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ مَا بَين الثَّلَاثِينَ والاربعين وَكَانَ نقش خَاتمه قني السَّيِّئَات يَا عَزِيز وَبَقِي حَتَّى توفّي بحوران من الشَّام لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة خمس وَمِائَة وعمره تسع وَعِشْرُونَ سنة فِيمَا ذكره الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف وَقَالَ الْمُؤَيد صَاحب حماة فِي تَارِيخه كَانَ عمره أَرْبَعِينَ سنة وَعَلِيهِ ينطبق كَلَام ابْن حزم حَيْثُ جعل ولَايَته فِي مَا بَين الثَّلَاثِينَ والابعين وَكَانَ لَهُ من الاولاد ثَمَانِيَة ذُكُور مِنْهُم عبد الله بن يزِيد وَلَده سَبْعَة خلفاء على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب السَّابِع ان شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهُم الْوَلِيد بن يزِيد الَّاتِي ذكره فِي جملَة الْخُلَفَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّامه خرج يزِيد بن الْمُهلب بن ابي صفرَة فَبعث اليه أَخَاهُ 41 أفقاتله فَقتل يزِيد بن المهب وَجَمِيع آل الْمُهلب وَكَانُوا قوما كراما وَفِيهِمْ يَقُول الشَّاعِر ... نزلت على آل الْمُهلب شاتيا ... غَرِيبا عَن الاوطان فِي زمن الْمحل ... فَمَا زَالَ بِي احسانهم وافتقادهم ... وبرهم حَتَّى حسبتهم أَهلِي ... ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر من قبله بشر بن صَفْوَان وَقيل صَفْوَان نَفسه ثمَّ وَليهَا عَنهُ حَنْظَلَة اخو صَفْوَان وعزل عَن مَكَّة عبد الْعَزِيز بن خَالِد بن أسيد فِي سنة ثَلَاث وَمِائَة وأضافها مَعَ الْمَدِينَة الى عبد الرَّحْمَن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الضَّحَّاك ثمَّ عَزله عَن مَكَّة وَالْمَدينَة لثلاث سِنِين من ولَايَته وَولى مَكَانَهُ عبد الْوَاحِد الْبَصْرِيّ فَبَقيَ عَلَيْهِمَا الى أَيَّام هِشَام بن عبد الْملك وَلم أَقف على عَامله بِالْيمن وَولى على العراقين عبد الله بن عمر بن عبد العزبز وَولى على افريقيه بعد اسماعيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر الْمُقدم ذكره يزِيد بن أبي مُسلم مولى الْحجَّاج فَقَدمهَا سنة احدى وَمِائَة فَقتله البربر وَأَقَامُوا مُحَمَّد بن يزِيد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِم أَولا وَكَتَبُوا الى يزِيد بن عبد الْملك بذلك فأقره عَلَيْهِم ثمَّ ولى عَلَيْهَا بعده بشر بن صَفْوَان الْكَلْبِيّ فَقَدمهَا سنة ثَلَاث وَمِائَة وَمَات بهَا سنة تسع وَمِائَة وَكَانَ على الاندلس عقبَة الْكَلْبِيّ فَأَقَامَ بهَا الى أَيَّام مَرْوَان بن مُحَمَّد الَّاتِي ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْعَاشِر من خلفاء بني امية هِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ ابو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقيل انه 41 ب يلقب الْمَنْصُور بِاللَّه وامه ام هِشَام فَاطِمَة بنت هِشَام المَخْزُومِي كَانَ ابيض ربعَة جميلا سمينا منقلبا لَهُ سياسة حَسَنَة وتيقظ فِي امْرَهْ مَعَ مُبَاشَرَته الامور بِنَفسِهِ ولى الْخلَافَة بِعَهْد من اخيه يزِيد الْمُقدم ذكره وبويع لَهُ بالخلافة لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة خمس وَمِائَة وعمره يَوْمئِذٍ ارْبَعْ وَثَلَاثُونَ سنة وَأشهر وَكَانَ حِين مَاتَ اخوه يزِيد بن عبد الْملك مُقيما بالرصافة من بِلَاد الشَّام فِي دَار لَهُ صَغِيرَة فَجَاءَتْهُ الْخلَافَة على الْبَرِيد فَركب من الرصافة الى دمشق فَكَانَت بيعَته وَلما ولى الْخلَافَة اخْتَار الرصافة منزلا لطيب هوائها وَبعدهَا من الوباء وابتنى بهَا قَصْرَيْنِ ونزلهما وَمن هُنَالك نسبت اليه فَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 رصافة هِشَام وَكَانَ لَهُ من الستور وَالْكِسْوَة والطرز مَا لم يكن لمن قبله من الْخُلَفَاء وَكَانَ نقش خَاتِمَة الحكم للْحكم الْحَكِيم قَالَ ابْن حزم وَكَانَ عمره حِين ولى الْخلَافَة مَا بَين الْخمسين وَالسِّتِّينَ وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي بالرصافة لست خلون من شهر ربيع الاخر سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وعمره ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة وَقيل ارْبَعْ وَخَمْسُونَ وشهور وَكَانَت خِلَافَته تسع عشرَة سنة وَسَبْعَة اشهر وَأحد عشر يَوْمًا وَقيل وَتِسْعَة أشهر الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي ايامه فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة غزا أَسد بن عبد الله الْقَسرِي بِلَاد التّرْك وَقتل خاقَان ملكهم فِي جمَاعَة كَثِيرَة من قومه وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم غنيمَة عَظِيمَة وَفِي سنة احدى وَعشْرين 42 أومائة غزا مَرْوَان بن مُحَمَّد وَهُوَ على الجزيرة وأرمينية بِلَاد صَاحب السرير فَأجَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الى الْجِزْيَة فِي كل سنة سبعين الف رَأس يُؤَدِّيهَا وغزا مسلمة بن عبد الْملك بِلَاد الرّوم فَافْتتحَ حصونا وغنم وغزا نصر بن سيار بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وَقتل ملك التّرْك ثمَّ مضى الى فرغانة من بِلَاد التّرْك فسبى سبيا كثيرا وَفِي خِلَافَته خرج زيد بن عَليّ بِالْكُوفَةِ ودعا الى نَفسه وَبَايَعَهُ جمع كثير فَقتله يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ وصلبه وَبعث بِرَأْسِهِ الى هِشَام بن عبد الْملك فنصبها بِدِمَشْق وَلم تزل مَنْصُوبَة حَتَّى مَاتَ هِشَام وَيُقَال ان هَذِه الرَّأْس حملت بعد ذَلِك الى مصر ودفنت بَين مصر والقاهرة فِي المشهد الَّذِي بَين الكيمان الان الْمَعْرُوف بمشهد الرَّأْس والى زيد هَذَا تنْسب طَائِفَة الزيدية وهم فرقة من الشِّيعَة وَفِي خِلَافَته توفّي الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَتُوفِّي مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين فِي سنة احدى عشرَة وَتُوفِّي نَافِع مولى عمر بن الْخطاب فِي سنة سبع عشرَة وَمِائَة وَتُوفِّي الزُّهْرِيّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ولايات الامصار فِي خِلَافَته فِي ايامه كَانَ على مصر حَنْظَلَة اخو صَفْوَان فولى عَلَيْهَا عوضه اخاه مُحَمَّد بن عبد الْملك فِي سنة خمس وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا اشهرا ثمَّ استعفى فولاها حَفْص بن الْوَلِيد الْحَضْرَمِيّ ثمَّ صرفه وولاها عبد الْملك بن رِفَاعَة فَبَقيَ بهَا حَتَّى توفّي قلت وَقد حكى الْقُضَاعِي فِي خطط مصر فِي الْكَلَام على دَار الامام اللَّيْث بن سعد انه كَانَ لليث دَار ببلدتنا قلقشندة فَهَدمهَا 42 ب عبد الْملك بن رِفَاعَة هَذَا عنادا لَهُ فعمرها اللَّيْث فَهَدمهَا عبد الْملك فعمرها فَهَدمهَا فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَة بَيْنَمَا اللَّيْث نَائِم اذا بهاتف يَهْتِف بِهِ قُم يَا لَيْث {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين} فَأصْبح ابْن رِفَاعَة وَقد اصابه فالج فأوصى الى اللَّيْث وَبَقِي ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ وَيُؤَيّد ذَلِك مَا حَكَاهُ ابْن يُونُس مؤرخ مصر فِي تَارِيخه ان اللَّيْث ولد بقلقشندة وانه لَا عِبْرَة بِمَا يُقَال انه مَنْسُوب الى فَارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ثمَّ تولاها بعد عبد الْملك بن رِفَاعَة اخوه الْوَلِيد بن رِفَاعَة ثمَّ توفّي فتولاها عبد الرَّحْمَن بن خَالِد ثمَّ صرفه وولاها حَنْظَلَة بن صَفْوَان ثمَّ صيره الى افريقية وولاها حَفْص بن الْوَلِيد وَقيل وَليهَا بعد مُحَمَّد بن عبد الْملك عبد الله بن يُوسُف الثَّقَفِيّ ثمَّ عبد الْملك بن رِفَاعَة ثمَّ اخوه الْوَلِيد ثمَّ عبد الرَّحْمَن الفِهري ثمَّ حَنْظَلَة فِي سنة عشْرين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا ثَلَاث سِنِين وكسرا الى زمن الْوَلِيد بن يزِيد بعده وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة عبد الْوَاحِد الْبَصْرِيّ فَعَزله وَولى عَلَيْهِمَا ابراهيم بن هِشَام بن اسماعيل ثمَّ عَزله سنة ارْبَعْ عشرَة وَمِائَة وَولى مكانة على مَكَّة والطائف دون الْمَدِينَة مُحَمَّد بن هِشَام المخزومى واما الْمَدِينَة فولى عَلَيْهَا بعد ابراهيم بن هِشَام خَالِد بن عبد الْملك بن الْحَارِث بن الحكم ثمَّ عَزله سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَولى مكاته مُحَمَّد بن هِشَام بن اسماعيل وَلم اقف على عماله على الْيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَكَانَ على افريقية بشر بن صَفْوَان فَعَزله وَولى عَلَيْهَا عُبَيْدَة بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فَقَدمهَا سنة عشر وَمِائَة ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن الحتحات فَقَدمهَا سنة ارْبَعْ عشر وَمِائَة وَبنى جَامع تونس وَاتخذ بهَا دَارا لعمل المراكب البحرية ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ كُلْثُوم بن عِيَاض فَقَدمهَا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة ثمَّ 43 أبْعث اليها حَنْظَلَة بن صَفْوَان الْكَلْبِيّ فَقَدمهَا سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَمِائَة ثمَّ خرج عَلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن حبيب سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة فطرده عَنْهَا واستقل بامارتها وَأقَام الى ايام الْوَلِيد بن يزِيد الَّاتِي ذكره وَكَانَ على الاندلس عقبَة الْكَلْبِيّ فَأَقَامَ عَلَيْهَا ارْبَعْ سِنِين وَخَمْسَة اشهر ثمَّ وَليهَا يحيى بن مسلمة سنتَيْن وَسِتَّة اشهر ثمَّ وَليهَا حُذَيْفَة بن الاحوص الْقَيْسِي سنة وَاحِدَة ثمَّ وَليهَا عُثْمَان بن سعد الْخَثْعَمِي خَمْسَة اشهر ثمَّ وَليهَا الْهَيْثَم بن عبيد خَمْسَة اشهر ثمَّ وَليهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الغافقي سنتَيْن وَثَمَانِية اشهر ثمَّ وَليهَا عبد الْملك بن قطار ارْبَعْ سِنِين ثمَّ وَليهَا عقبَة بن الْحجَّاج خمس سِنِين ثمَّ وَليهَا بَلخ بن بشر الْقَيْسِي ثمَّ وَليهَا حسام بن ضرار الْكَلْبِيّ فَأَقَامَ بهَا الى ايام الْوَلِيد بن يزِيد الْحَادِي عشر من خلفاء بني امية الْوَلِيد بن يزِيد وَهُوَ ابو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَيُقَال انه كَانَ يلقب المكتفى بِاللَّه وامه ام الْحجَّاج بنت مُحَمَّد بن يُوسُف اخي الْحجَّاج بن يُوسُف وَكَانَ ابيض اللَّوْن بعة الْقد قد وخطه الشيب شَاعِرًا فصيحا وَكَانَ مَصْرُوف الهمة الى اللَّهْو والاكل وَالشرب وَسَمَاع الْغناء وَكَانَ من ظرفاء بني امية بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الاربعاء لثلاث خلون من ربيع الاول سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وَلم يل الْخلَافَة من بني عبد الْملك اسن مِنْهُ لانه وَليهَا بعد مُجَاوزَة الاربعين وَكَانَ نقش خَاتِمَة يَا وليد احذر الْمَوْت وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي قَتِيلا فِي يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من جمادي الاخرة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة عِنْد قصر النُّعْمَان بن بشير وَذَلِكَ ان بن عَمه يزِيد ابْن الْوَلِيد بن عبد الْملك احس مِنْهُ كَثْرَة تجرؤ وَلَهو بعد ان رمي بالْكفْر وغشيان 43 ب امهات اولاد ابيه فَسَار اليه وَقَتله هُنَاكَ وعمره يَوْمئِذٍ اثْنَتَانِ واربعون سنة وَقيل غير ذَلِك وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَثَلَاثَة اشهر وَكَانَ لَهُ من الاولاد ثَلَاثَة عشر ذكرا وعدة بَنَات وَكَانَ قد عهد بالخلافة لولدية عُثْمَان وَالْحكم فَلَمَّا قَتله يزِيد حبسهما فبقيا فِي الْحَبْس حَتَّى ولى مَرْوَان بن مُحَمَّد الْخلَافَة فَقَتَلَهُمَا الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ فِي خلَافَة هِشَام مُقيما بالبرية فِي نفر من قومه فِي اسوأ حَال فَلَمَّا ولى الْخلَافَة اقبل على لذاته من شرب الْخمر وَسَمَاع الْغناء ومعاشرة النِّسَاء وَزَاد فِي العطايا حَتَّى خرج فِي الْعَطاء عَن الْحَد وَفِي ايامه تحرّك امْر الدولة العباسية وَوصل الى مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس هَدَايَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 خُرَاسَان وَقدم عَلَيْهِ ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي دَاعِي بن الْعَبَّاس ثمَّ مَاتَ مُحَمَّد بن عَليّ فِي آخر سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة بعد ان اوصى ان الامر فِي وَلَده لابراهيم الامام فان قتل فَابْن الحارثية يَعْنِي السفاح ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر حَنْظَلَة بن صَفْوَان وَقَالَ الْقُضَاعِي كَانَ عَلَيْهَا حَفْص ثمَّ صرفه عَن الْخراج وَكَانَ على مَكَّة خَالِد بن عبد الْملك وعَلى الْمَدِينَة مُحَمَّد ابْن هِشَام فولى عَلَيْهَا وعَلى سَائِر اعمال الْحجاز خَاله يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فِي سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَمِائَة فَأَقَامَ الى زمن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفائهم وَلم أَقف على عَامله على الْيمن وَكَانَ على الاندلس حسام بن ضرار فأقره عَلَيْهَا 44 - أالثاني عشر من خلفاء بني امية يزِيد بن الْوَلِيد وَهُوَ ابو خَالِد يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مَرْوَان وامه شاهفريد بنت فَيْرُوز بن يزدجرد بن شَهْرَان يُقَال انه كَانَ يلقب الشاكر لانعم الله كَانَ اسمر نحيف الْبدن مربوعا وَقيل طَويلا صَغِير الرَّأْس جميل الْوَجْه خَفِيف العارضين شَدِيد الْعجب بِنَفسِهِ بُويِعَ لَهُ بالخلافة لليلتين بَقِيَتَا من جمادي الاخرة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة بعد قتل الْوَلِيد بن يزِيد وَمُقْتَضى كَلَام ابْن حزم ان عمره حِين ولى الْخلَافَة فِيمَا بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ وَكَانَ نقش خَاتمه يَا يزِيد قُم بِالْحَقِّ وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي بِدِمَشْق لعشرين بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وعمره يَوْمئِذٍ اربعون سنة وَقيل سِتّ واربعون وَقيل ثَلَاثُونَ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته خَمْسَة اشهر واثنين وَعشْرين يَوْمًا قَالَ الْقُضَاعِي وَكَانَ لَهُ عقب كثير وَلم يذكر اسْم اُحْدُ مِنْهُم الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة اظهر حسن السِّيرَة الا انه نقص مَا كَانَ زَاده الْوَلِيد فِي العطايا وردهَا الى مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 زمن هِشَام بن عبد الْملك فلقبوه لذَلِك النَّاقِص وَكَانَ قد امْتنع عَن بيعَته وَالدُّخُول فِي طَاعَته اهل حمص واهل فلسطين فَقَاتلهُمْ حَتَّى اذعوا ودخلوا تَحت الطَّاعَة ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر حَنْظَلَة بن صَفْوَان فأقره عَلَيْهَا وَكَانَ على مَكَّة 44 ب وَالْمَدينَة وَسَائِر الْحجاز يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فأقره عَلَيْهَا وَلم اقف على عماله على الْيمن وَكَانَ على افريقية وبلاد الْمغرب عبد الرَّحْمَن بن حبيب فأقره عَلَيْهَا وَكَانَ على الاندلس حسام بن ضرار فأقره عَلَيْهَا فوليها بعده ثوابة الجذامى فَأَقَامَ فِيهَا سنة وَاحِدَة الثَّالِث عشر من خلفاء بني امية ابراهيم بن الْوَلِيد وَهُوَ ابو اسحاق ابراهيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 مَرْوَان وَيُقَال انه كَانَ يلقب المقتدر بِاللَّه وامه ام ولد اسْمهَا نعْمَة وَقيل حشف كَانَ خَفِيف العارضين لَهُ ضفيرتان من شعر وَيُقَال انه كَانَ عَاجِزا ضَعِيف الرَّأْي بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة قَالَ ابْن حزم وسنه يَوْمئِذٍ مَا بَين الثَّلَاثِينَ والاربعين وَلم يتم لَهُ الامر لعَجزه حَتَّى كَانَ اتِّبَاعه تَارَة يسلمُونَ عَلَيْهِ بالخلافة وَتارَة بالامارة وَتارَة بِغَيْر ذَلِك وَكَانَ نقش خَاتمه توكلت على الْحَيّ القيوم وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى خلع نَفسه وَسلم الامر الى مَرْوَان بن مُحَمَّد الَّاتِي ذكره فِي صفر سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَبَقِي حَتَّى قَتله ابو عون يَوْم الزاب وَقيل غرق وَقيل قَتله مَرْوَان وصلبه وَلم يَقع لي ذكر اولاده الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ بَينه وَبَين مَرْوَان بن مُحَمَّد قتال كثير كَانَ اخر الامر فِيهِ انهزام ابراهيم الْمَذْكُور وخلع نَفسه كَمَا تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ولايات الامصار فِي خِلَافَته 45 - أَكَانَ على مصر حَنْظَلَة بن صَفْوَان فأقره عَلَيْهَا وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة وَسَائِر الْحجاز يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فأقره على ذَلِك وَلم اقف على عماله على الْيَمين وَكَانَ على افريقية وبلاد الْمغرب عبد الرَّحْمَن بن حبيب فأقره عَلَيْهَا وَكَانَ على الاندلس ثوابة الجذامى فأقره عَلَيْهَا الرَّابِع عشر من خلفاء بني امية مَرْوَان بن مُحَمَّد وَهُوَ ابو عبد الْملك مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم وَيُقَال انه كَانَ يلقب الْقَائِم بِحَق الله وامه لبَابَة جَارِيَة ابراهيم بن الاشتر وَكَانَت كردية وَيعرف بالجعدي لانه اخذ عَن الْجَعْد بن دِرْهَم مذْهبه فِي الْكَلَام فِي القَوْل بخل الْقُرْآن وَالْقدر وَيعرف ايضا بِحِمَار الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الجزيرة لانه كَانَ واليا بهَا من جِهَة الْوَلِيد بن يزِيد وَهُوَ آخر خلفائهم وَكَانَ ابيض اشهل ضخم الْقَامَة كث اللِّحْيَة ابيضها شجاعا حازما صَابِرًا على التَّعَب وَكَانَ يغرى بَين الْقَبَائِل وَكَانَ مَعَ ذَلِك بليغا لَهُ رسائل وَمُقْتَضى كَلَام ابْن حزم انه كَانَ سنه مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْعِشْرين وَكَانَ نقش خَاتمه اذكر الله يَا غافل وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي قَتِيلا بالديار المصرية بقرية يُقَال لَهَا بوصير لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ لَهُ من الاولاد ذكران وهما عبد الله وَعبيد الله فهربا بعد قَتله فَأَما عبيد الله فهرب الى الْحَبَشَة فَقتل بهَا وَأما عبد الله فَيُقَال انه قبض عَلَيْهِ وَحبس الى ايام الرشد فَأخْرج ضريرا وَمَات بِبَغْدَاد الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته 45 - ب لما بُويِعَ لَهُ بالخلافة قصد يزِيد بن الْوَلِيد لطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 دم الْوَلِيد بن يزِيد وخلاص الحكم وَعُثْمَان وَلَدي الْوَلِيد بن يزِيد اللَّذين كَانَ قد جَعلهمَا ابوهما الْمَذْكُور وليي عَهده من السجْن فَوجدَ يزِيد بن الْوَلِيد قد مَاتَ وأخاه ابراهمي قد قتل وَالْحكم وَعُثْمَان ولدى الْوَلِيد فِي السجْن فَحَضَرَ اليه ابو مُحَمَّد السفياني وَكَانَ مَعَهُمَا فِي السجْن فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ انهما قد جعلاها لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وانشده بَيْتا كَانَ قد قَالَه الحكم فِي السجْن وَهُوَ ... فان اقْتُل انا وَولى عهدي ... فمروان امير المؤمنينا ... وَلما صَارَت اليه الْخلَافَة عصى عَلَيْهِ اهل حمص واهل غوطة دمشق واهل فلسطين فَبعث من قَاتلهم حَتَّى انقادوا ودخلوا فِي طَاعَته وَلم يحجّ فِي شَيْء من خِلَافَته وَلم يزل امْرَهْ مضطربا حَتَّى ظهر ابو مُسلم الْخُرَاسَانِي دَاعِيَة بني الْعَبَّاس بخراسان فَأخذ امْرَهْ فِي الاضمحلال وجهز لَهُ ابو الْعَبَّاس السفاح عبد الله بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فِي جَيش وَخرج مَرْوَان لملاقاته فَالْتَقَيَا فِي زاب الْموصل فَانْهَزَمَ مَرْوَان وَعبد الله فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 اثره الى نهر ابي فطرس من فلسطين فَالْتَقَيَا فَقتل خلق كثير من بني امية مِمَّن كَانَ مَعَ مَرْوَان وهرب مَرْوَان حِينَئِذٍ الى مصر وَقد تلاشى حَاله وَتَبعهُ صَالح بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس حَتَّى ادركه ببوصير من صَعِيد مصر وَقد اخْتَبَأَ فِي كَنِيسَة هُنَاكَ فاحتز رَأسه وجهزها الى السفاح فَلَمَّا انْتَهَت اليه خر سَاجِدا لله تَعَالَى ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَعَزله وَولى عَلَيْهَا عتابة التجِيبِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا خمس سِنِين اَوْ دونهمَا ثمَّ وَليهَا 46 أعنه حَفْص ابْن الْوَلِيد سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة اشهر ثمَّ وَليهَا عَنهُ الْفَزارِيّ سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنة وَاحِدَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 عبد الْملك بن مَرْوَان مولى لخم سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا 2 سنة وَاحِدَة وَهُوَ آخر عمالهم عَلَيْهَا وَقَالَ فِي عُيُون المعارف وَليهَا بعد حَفْص حسان بن عتاهية ثمَّ حَفْص بن الْوَلِيد ثمَّ حوثرة بن سُهَيْل الْعجْلَاني ثمَّ المغير بن عبيد الله ثمَّ عبد الْملك بن مَرْوَان بن مُوسَى بن نصير الى آخر أَيَّام مَرْوَان وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة والحجاز يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فولى مَكَانَهُ على ذَلِك عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ عَزله فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَولى مَكَانَهُ عبد الْوَاحِد وَهُوَ آخر عمالهم بالحجاز وَكَانَ على افريقية وبلاد الْمغرب عبد الرَّحْمَن بن حبيب فأقره عَلَيْهَا وَكتب اليه بولايتها وَهُوَ آخر عمالهم عَلَيْهَا وَكَانَ على الاندلس ثوابة الجذامى فولى عَلَيْهَا يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفِهري فاستقر الى ان زَالَت دولتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 تذنيب كَانَت مُدَّة خلفاء بني امية مُنْذُ خلص الامر لمعاوية والى ان قتل مَرْوَان احدى وَتِسْعين سنة وَتِسْعَة اشهر وَخَمْسَة ايام وَهِي الف شهر تَقْرِيبًا قيل انه لما سَار الْحسن من الْكُوفَة عرض لَهُ رجل فَقَالَ لَهُ يَا مسود وُجُوه الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَا تعذلني فان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي مَنَامه ان بني امية ينزون على منبره وَاحِدًا فواحدا فساءه ذَلِك فَانْزِل الله تعال عَلَيْهِ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} يَعْنِي الف شهر يملكهَا بَنو امية وَلما قتل مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفائهم قتل السفاح سُلَيْمَان بن هِشَام بن عبد الْملك وَقتل عَمه 46 ب عَليّ ابْن عبد الله بن عَليّ نَحْو تسعين لاجلا من بني امية كَانُوا قد اجْتَمعُوا اليه امْر بضربهم بالعمد حَتَّى القوا الى الارض وَكَانَ ذَلِك وَقت حُضُور الطَّعَام فَأمر ان تبسط عَلَيْهِم الانطاع ويمد عَلَيْهِم الخوان وَأكل النَّاس وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 يسمعُونَ انينهم حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا وامر عبد الله بنبش قُبُور بني امية بِدِمَشْق فنبش قبر مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان وقبر يزِيد ابْنه وقبر عبد الْملك بن مَرْوَان وقبر هِشَام بن عبد الْملك فَوجدَ صَحِيحا فَأمر بِهِ فَضرب مائَة وَعشْرين سَوْطًا وصلب ثمَّ احرقه بالنَّار وذراه فِي الْهَوَاء وتتبع بني امية من اولاد الْخُلَفَاء فَقَتلهُمْ وَكَذَلِكَ قتل سُلَيْمَان ابْن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ جمَاعَة من بني امية والقاهم على الطَّرِيق فأكلتهم الْكلاب وتشتت من بَقِي من بني امية هربا فِي الْبِلَاد وهرب عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك الى الاندلس فَبَايعهُ اهلها على مَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على المدعين للخلافة فِيمَا بعد ان شَاءَ الله تَعَالَى الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الْخُلَفَاء خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق اعْلَم ان الْخلَافَة فِي بني الْعَبَّاس بِالنَّصِّ فقد روى ان الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حِين امتدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 .. من قبلهَا طبت فِي الظلال وَفِي ... مستودع حَيْثُ يخصف الْوَرق ... ثمَّ هَبَطت الْبِلَاد لَا بشر ... انت وَلَا مُضْغَة وَلَا علق ... بل نُطْفَة تركب السفين وَقد ... الجم نسرا واهله الْغَرق ... تنقل من صالب الى رحم ... اذا مضى عَالم بدا طبق ... حَتَّى احتوى بَيْتك الْمُهَيْمِن من ... خَنْدَق عَلَيْهَا تحثها النُّطْق ... وانت لما ولدت اشرقت ال ... أَرض وضاءت بنورك الافق ... 47 أفنحن فِي ذَلِك الضياء وَفِي النو ... ر وسبل الرشاد نخترق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 اسر اليه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان قَالَ الا ابشرك يَا عَم بِي ختمت النبوه وبولدك تختم الْخلَافَة وَقد رَأينَا ذَلِك عيَانًا وَهُوَ أَنه مذ آل الامر اليهم من بعد بني امية وَهُوَ مُسْتَمر فيهم الى يَوْمنَا هَذَا وَلم يبرح عَنْهُم وَلم يتَحَوَّل وَهِي معْجزَة من معجزاته الَّتِي اخبر فِيهَا بِمَا سَيكون وَلَيْسَت بِأول معجزاته وَجُمْلَة من كَانَ بخلفائهم بالعراق سَبْعَة وَثَلَاثُونَ خَليفَة الاول من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق السفاح وَهُوَ ابو الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن الْعَبَّاس بن عبد الملطلب وَاخْتلف فِي لقبه الْمُتَعَلّق بالخلافة فَقيل الْقَائِم وَقيل الْمُهْتَدي وَقيل المرتضى وَغلب عَلَيْهِ السفاح لِكَثْرَة مَا سفح من دِمَاء بني امية يَعْنِي أسأَل وامه ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْحَارِثِيّ كَانَ ابيض اللَّوْن طَويلا اقنى الانف حسن الْوَجْه واللحية لَهُ وفرة شعر سديد الرَّأْي كريم الاخلاق وافر الْجُود حَتَّى يُقَال انه وصل عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ بألفي الف دِرْهَم وَهُوَ اول خَليفَة وصل بِهَذِهِ الْجُمْلَة كَانَ قد بُويِعَ لَهُ بِالْكُوفَةِ يَوْم الْجُمُعَة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة قبل قتل مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بني امية بِثمَانِيَة اشهر قَالَ ابْن حزم كَانَ سنه حِين ولى مَا بَين الثَّلَاثِينَ والاربعين وَفِيه نظر لانه سَيَأْتِي انه توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وان خِلَافَته ارْبَعْ سِنِين وَكَانَ نقش خَاتمه الله ثِقَة عبد الله وَبِه يُؤمن 47 ب وَبَقِي فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي بالجدري وَقَالَ ابْن ازهر سموهُ بِالْمَدِينَةِ الهاشمية الَّتِي بناها بالعراق يَوْم الاحد لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَنصف فِيمَا ذكره الْقُضَاعِي وَقَالَ صَاحب حماة ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَصلى عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 عَمه عِيسَى بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَدفن بالأنبار العتيقة وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته أَربع سِنِين وَقد تقدم أَنه كَانَ قد بُويِعَ لَهُ قبل قتل مَرْوَان بِثمَانِيَة أشهر فَتكون جَمِيع مدَّته أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَكَانَ لَهُ ولد يُسمى مُحَمَّدًا مَاتَ صَغِيرا وَابْنَة اسْمهَا ريطة تزَوجهَا المهدى الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته سَار بعد مبايعته بالخلافة من الْكُوفَة إِلَى الْحيرَة من الْعرَاق فَأَقَامَ بهَا ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى الأنبار من الْعرَاق أَيْضا سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَبنى بهَا مَدِينَة سَمَّاهَا الهاشمية ونزلها واسوزر أَبَا سَلمَة حَفْص بن سُلَيْمَان الْخلال وَهُوَ أول من لقب بالوزارة فِي الْإِسْلَام وَكَانُوا قبل ذَلِك يَقُولُونَ كَاتبا ثمَّ قَتله واسوزر خَالِد بن برمك وَهُوَ جد البرامكة المعروفين بالجود واستقضى فِي أول خِلَافَته ابْن أبي ليلى ثمَّ استقضى غَيره وَلما بُويِعَ خلع طَاعَته أَبُو الْورْد بن الْكَوْثَر بِقِنِّسْرِينَ فَسَار إِلَيْهِ عبد الله ابْن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فِي جَيش فَهَزَمَهُ وَقتل أَبَا الْورْد ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَقد خرج أَهلهَا عَن الطَّاعَة فَهَرَبُوا مِنْهُ ثمَّ آمنهم فَدَخَلُوا فِي الطَّاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته (48 أ) كَانَ على مصر أَيَّام مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بنى أُميَّة عبد الْملك بن مَرْوَان اللخمى فَعَزله عَنْهَا وَولى عَلَيْهَا صَالح بن على بن عبد الله بن عَبَّاس سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ومائه فَمَكثَ فِيهَا أشهر قَلَائِل ثمَّ سَار عَنْهَا فوليا عَنهُ أَبُو عون عبد الْملك مولى بنى أَسد آخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ومائه فَمَكثَ فِيهَا ثَلَاث سِنِين ثمَّ وَليهَا عَنهُ صَالح بن على ثَانِيًا فِي ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَأَقَامَ فِيهَا إِلَى أَيَّام أبي جَعْفَر المنصورالآتي ذكره وَولى على الشَّام عَمه عبد الله بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فبقى إِلَى أَيَّام الْمَنْصُور وَولى على خرسان وَالْجِبَال أَبُو مُسلم الخرساني وَكَانَ على مَكَّة وامدينة وَسَائِر الْحجاز يُوسُف بن مُحَمَّد ابْن يُوسُف الثقفى فَعَزله وَولى على ذَلِك عَمه دَاوُد بن عَليّ وَتوفى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فولى مَكَانَهُ فِي جَمِيع ذَلِك زِيَاد بن عبد الله بن عبد الدَّار الحارثى ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ولى على مَكَّة السرى بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْعَبَّاس فبقى فِيهَا إِلَى أَيَّام أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَولى على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن خَالِد بن عبد الله القسرى ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ ريَاح بن عُثْمَان المرى ثمَّ قتل فولى مَكَانَهُ عبد الله بن الرّبيع الْحَارِثِيّ فبقى فِيهَا إِلَى أَيَّام أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَولى على الْيمن عَمه دَاوُد ثمَّ توفى فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فولى مَكَانَهُ عمر بن زيد بن عبد الله بن عبد المدان فتوفى فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فولى مَكَانَهُ عَليّ بن الرّبيع بن عبيد الله وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفهرى فَبعث إِلَى السفاح بِطَاعَتِهِ فأقره عَلَيْهَا ثمَّ قتل سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ثمَّ غلب عَلَيْهَا عبد الْملك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أبي الْجَعْد وأساء السِّيرَة ثمَّ غلب عَلَيْهَا عبد الْأَعْلَى بن السَّمْح وَكَانَ على الأندلس (48 ب) يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفهرى من زمن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بنى أُميَّة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامه وَأول أَيَّام أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بعده حَتَّى استولى عَلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك ابْن مَرْوَان فِي خِلَافه أبي جَعْفَر الْمَذْكُور واستمرت بعده بيد بنى أُميَّة بالأندلس إِلَى حِين انْقِرَاض دولتهم الثانى من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الْمَنْصُور وَهُوَ أَبُو جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ أَخُوهُ السفاح الْمُقدم ذكره وَأمه سَلَامه بنت بشير ولد بالحميمة من أَرض الشراة وَكَانَ أسمر نحيفا خَفِيف العارضين يخضب بِالسَّوَادِ قَالَ فِي عُيُون المعارف يُقَال إِنَّه كَانَ يغبر شَيْبه بِأَلف مِثْقَال مسك فِي كل شهر وَكَانَ حَازِم الرأى قد عركته الْأَيَّام على غَايَة من الحزم وصواب التَّدْبِير وَكَانَ أَخُوهُ أَبُو الْعَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 السفاح قد عهد إِلَيْهِ بالخلافة ثمَّ من بعده إِلَى ابْن أَخِيه عِيسَى ابْن مُوسَى وَجعل الْعَهْد فِي ثوب وَختم عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى عِيسَى ابْن مُوسَى فاستنزل عِيسَى عَن عَهده وعهد بهَا لِابْنِهِ المهدى وبويع لَهُ بهَا بعد موت أَخِيه السفاح فِي الْيَوْم الذى مَاتَ فِيهِ لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة وَقَامَ عَمه عِيسَى ابْن على ببيعته وأتته الْخلَافَة تزهو بطرِيق مَكَّة بالصفية فَقَالَ صفا أمرنَا إِلَى شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ نقش خَاتمه قَالَ ابْن حزم وَكَانَ سنه حِين ولى مَا بَين الْأَرْبَعين وَالْخمسين وبقى فِي الْخلَافَة حَتَّى توفى وَهُوَ محرم بِالْحَجِّ ببئر مَيْمُون على أَمْيَال من مَكَّة فِي السَّادِس من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة (49 أ) وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَقيل أَربع وَسِتُّونَ وَصلى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بن يحيى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَبَّاس وَدفن بالحجون وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَيُقَال اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة إِلَّا سَبْعَة أَيَّام وَيُقَال إِنَّه ولد فِي ذى الْحجَّة وَكَانَ يتَوَقَّع أَن يومت فِي ذى الْحجَّة فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد تِسْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ذُكُور وهم مُحَمَّد المهدى الْآتِي ذكره وجعفر وَبِه كَانَ يكنى وَصَالح وَسليمَان وَعِيسَى وَيَعْقُوب وَالقَاسِم وَعبد الْعَزِيز وعباس وَبنت وَاحِدَة اسْمهَا الْعَالِيَة وَهُوَ أول من مَشى بَين يَدَيْهِ بِالسُّيُوفِ المصلتة والقسى والنشاب وَهُوَ أول من لعب بالصولجان فِي الْإِسْلَام على مَا سيأتى ذكره فِي الْبَاب السَّابِع الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّامه فتحت الملتان والقندهار من أَرض السَّنَد وَهدم البد وَبنى مَوْضِعه مَسْجِد وف سنة سبع وَثَلَاثِينَ قتل أَبَا مُسلم الخرساني صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 دعوتهم لأمور اتهمه فِيهَا وَكَانَ أَبُو مُسلم قد قتل فِي دولته سِتّمائَة ألف صبرا وَفِي أَيَّامه خرج قسطنطين ملك الرّوم إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَأخذ ملطية عنْوَة وَهدم سورها فَبعث الْمَنْصُور عبد الْوَهَّاب ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم الإِمَام فِي سبعين ألف مقَاتل لعمارتها فعمرها فِي سِتَّة أشهر وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة أَمر الْمَنْصُور بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام من جِهَة بَاب الندوة وَبنى مَسْجِد الْخيف وَفِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة خرجت عَلَيْهِ الراوندية وهم قوم من أهل خارسان يَقُولُونَ بالتناسخ ويزعمون أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 روح آدم حلت فِي عُثْمَان بن نهيك وَأَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور هُوَ رَبهم الذى يُطعمهُمْ ويسقيهم فظفر بهم وقتلهم عَن آخِرهم وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة خرج عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله (49 ب) بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَاسْتولى على الْمَدِينَة وَجرى بَينه وَبَين الْمَنْصُور مكاتبات ومراجعات يطول ذكرهَا فَجهز إِلَيْهِ الْمَنْصُور جَيْشًا فَقتله هُوَ وجماعته فَخرج عَلَيْهِ أَخُوهُ إِبْرَاهِيم عقب ذَلِك فَجهز إِلَيْهِ من قَتله فِي سنته وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة بنى مَدِينَة بَغْدَاد وانتقل إِلَيْهَا من مَدِينَة الهاشمية الَّتِي بناهاأخوه أَبُو الْعَبَّاس السفاح وَبنى الرصافة فِي الْجَانِب الغربى من بَغْدَاد لِابْنِهِ المهدى وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة توفى الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق ابْن زين العابدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَفِي سنة خمسين وَمِائَة توفى الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وفيهَا توفى الإِمَام الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ وفيهَا توفى مقَاتل بن سُلَيْمَان الْمُفَسّر وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة توفى أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة وَفِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَة فتح يزِيد بن حَاتِم بن الْمُهلب إفريقية من بِلَاد الْمغرب وَفِي سنة سِتّ وَخمسين توفى حَمْزَة بن حبيب الزيات أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة أَيْضا وَفِي سنة خمس وَخمسين توفى الأوزاعى إِمَام أهل الشَّام فِي الْفِقْه وَغَيره ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّام السفاح صَالح بن عَليّ بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ابْن عَبَّاس فولى عَلَيْهَا بعده عبد الْملك مولى بنى أَسد ثمَّ وَليهَا صَالح بن عَليّ ثَانِيًا ثمَّ عبد الْملك سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا ثَلَاث سِنِين ثمَّ وَليهَا عَنهُ النَّقِيب التَّمِيمِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنتَيْن ثمَّ وَليهَا عَنهُ حميد الطائى سنة ثَلَاث وأبعين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنة وَاحِدَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ يزِيد المهلبي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا تسع سِنِين ثمَّ وَليهَا اثْنَيْنِ وَخمسين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنتَيْن وَسِتَّة أشهر ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن (50 أ) بن مُعَاوِيَة سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنة وَاحِدَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُوسَى بن عَليّ اللَّخْمِيّ فِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا وَسِتَّة أشهر وَكَانَ على الشَّام عبد الله بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فَصَرفهُ وَولى أَبَا مُسلم الخارساني الشَّام فس سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ثمَّ قَتله الْمَنْصُور فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة وَسَائِر الْحجاز السّري بن عبد الله ابْن الْحَارِث بن الْعَبَّاس فَعَزله فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَولى على مَكَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ إِبْرَاهِيم ابْن أَخِيه ثمَّ ولى مَكَانَهُ جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَكَانَ على الْمَدِينَة عبد الله بن الرّبيع الْحَارِثِيّ فَعَزله سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَولى مَكَانَهُ جَعْفَر بن سُلَيْمَان ثمَّ عَزله وَولى بعده عَمه عبد الصَّمد بن عَليّ وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب عبد الْأَعْلَى بن السَّمْح فولى مَكَانَهُ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث الخزاعى فَقَدمهَا سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَدخل القيروان وَبنى عَلَيْهَا سورا ثمَّ ثَارُوا عَلَيْهِ وأخرجوه مِنْهَا وولوا عَلَيْهِم عِيسَى بن مُوسَى الخارساني ثمَّ ولى عَلَيْهَا أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْأَغْلَب بن سَالم بن عقال التَّمِيمِي فَسَار إِلَيْهَا وَدخل القيروان فَخَرجُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فِي سنة خمسين وَمِائَة فولى عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عمر بن حَفْص بن قبيصَة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة الْعَتكِي فَقَدمهَا سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة فنازعه البربر وَضعف أمره عَنْهُم فولى عَلَيْهَا يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب فَقَدمهَا منتصف سنة خمس وَخمسين وَمِائَة فَأَقَامَ فِيهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة الرشيد فِي سنة سبعين وَمِائَة وَكَانَ على الأندلس يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفهرى الْمُقدم ذكره فَسَار إِلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وبقى بهَا حَتَّى (50 ب) توفى سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ قَاعِدَة ملكهم مَدِينَة قرطبه الثَّالِث من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المهدى وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُقدم ذكره وَأمه أم مُوسَى بنت مَنْصُور بن عبد الله الحميرى وَكَانَ أسمر طَويلا حسن الْوَجْه بِعَيْنِه الْيُمْنَى بَيَاض جوادا حازما وصُولا لرحمه يُبَاشر الْأُمُور بِنَفسِهِ ولى الْخلَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بِعَهْد من أَبِيه الْمَنْصُور بعد استنزال ابْن أَخِيه عِيسَى بن مُوسَى عَن عهد السفاح بهَا إِلَيْهِ بعد الْمَنْصُور وَلما خرج أَبوهُ الْمَنْصُور إِلَى الْحَج فِي السّنة الَّتِى مَاتَ فِيهَا خرج مَعَه ابْنه المهدى فَقَالَ لَهُ إِن فِي نَفسِي تُحَدِّثنِي بِالْمَوْتِ فِي هَذِه السّنة وَذَلِكَ هُوَ الذى دَعَاني إِلَى الْحَج فَاتق الله تَعَالَى فِيمَا عهِدت بِهِ إِلَيْك من أُمُور الْمُسلمين ثمَّ بُويِعَ لَهُ بعد موت أَبِيه يَوْم السبت لست خلون من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَوصل الْخَبَر إِلَى بَغْدَاد بِمَوْت أَبِيه والبيعة لَهُ فِي منتصف ذى الْحجَّة وَكَانَ نقش خَاتِمَة حسبي الله قَالَ ابْن حزم وَكَانَ سنة حِين ولى مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ ثمَّ بقى حَتَّى توفى بماسبذان لثمان بَقينَ من الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة وعمره اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَنصف وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الرشيد وَدفن بقرية يُقَال لَهَا السَّرف وَمُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين وَشهر وَقيل وَشهر وَنصف وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد هَارُون الرشيد ومُوسَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وعَلى وَعبد الله وَمَنْصُور وَيَعْقُوب وَإِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم وَمن الْإِنَاث البانوقة وَعليَّة وعباسة وسليمة الحوداث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ عادلا فِي خِلَافَته حَتَّى يُقَال إِنَّه كَانَ فِي بنى الْعَبَّاس كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي بني أُميَّة وَكَانَ إِذا جلس للمظالم يَقُول أدخلُوا على الْقُضَاة فلولم يكن ردي الْمَظَالِم إِلَّا للحياء مِنْهُم (51 أ) وَلما ولى الْخلَافَة رد كثيرا مِمَّا أَخذه أَبوهُ من الْأَمْوَال وَأطلق من كَانَ فِي السجون وَزَاد فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَبنى العلمين اللَّذين يسْعَى بَينهمَا ورد نسب زِيَاد بن أَبِيه الَّذِي كَانَ قد اسْتَلْحقهُ مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان إِلَى عبيد الرُّومِي وَأخرجه من قُرَيْش وَحج بِالنَّاسِ فِي سنة تسع وَخمسين وَمِائَة وَفرق فِي النَّاس أمولا عضيمة ووسع مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَفِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة أَمر باتخاذ المصانع بطرِيق مَكَّة وتحديد الأميال وتقصير المنابر وَجعلهَا بِمِقْدَار مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة غزا هَارُون الرشيد بِلَاد الرّوم فتغلغل فِيهَا وَبلغ القسطنطنية وَفتح فتوحا كَثِيرَة واستوزر فِي خِلَافَته عدَّة وزراء مِنْهُم أَبُو أَيُّوب المورياني ثمَّ خَالِد بن برمك مُدَّة يسيرَة وَفِي خِلَافَته توفّي سُفْيَان الثَّوْريّ وَإِبْرَاهِيم بن أدهم الزَّاهِد فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَفِي أَيَّامه قتل الْمقنع الْخُرَاسَانِي وَهُوَ رجل سَاحر خيل للنَّاس صُورَة قمر يطلع وَيَرَاهُ النَّاس من مَسَافَة شَهْرَيْن وَكَانَ مُشَوه الصُّورَة أَعور قَصِيرا فَاتخذ وَجها من ذهب وتقنع بِهِ فَسُمي الْمقنع وَادّعى مَعَ ذَلِك الربوبية وأطاعه خلق كثير وَكَانَ لَهُ قلعة فحصروه بهَا حَتَّى قَتَلُوهُ وَفِي أَيَّامه هرب إِدْرِيس بن عبد الله بن إِدْرِيس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الغرب الْأَقْصَى ودعا هُنَاكَ لنَفسِهِ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّامه أَبِيه الْمَنْصُور مُوسَى بن عَليّ اللَّخْمِيّ فَصَرفهُ عَنْهَا وولاها عِيسَى الجُمَحِي سنة أحدى وَسِتِّينَ وَمِائَة فَمَكثَ فِيهَا سنة وَاحِدَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ وَاضح مولى الْمَنْصُور وَقيل مَنْصُور بن يزِيد (51 ب) الرعينى فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ مَائه ثمَّ وَليهَا عَنهُ زيد بن مَنْصُور الْحِمْيَرِي فِي وسط السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ يحيى أَبُو صَالح فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا ثمَّ وَليهَا عَنهُ سَالم بن سوَادَة التميميي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عَليّ العباسي فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُوسَى بن مُصعب فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ قتل فَقَامَ عَنهُ خَليفَة أُسَامَة بن عَمْرو العامرى فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة وَولى على الشَّام عبد الصَّمد بن عَليّ وَكَانَ على مَكَّة جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَلم أَقف على من بعده وَكَانَ على الْمَدِينَة عبد الصَّمد بن عَليّ فَعَزله فِي سنة تسع وَخمسين وَمِائَة وَولى عَلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله الكبيرى ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان ثمَّ عَزله وَولى مَكَانَهُ زفر بن عَاصِم وَكَانَ على الْيمن يزِيد بن مَنْصُور فَعَزله وَولى مَكَانَهُ رَجَاء بن روح ثمَّ ولى بعده على بن سُلَيْمَان ثمَّ عَزله سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن سُلَيْمَان ثمَّ عَزله سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة وَولى مَكَانَهُ مَنْصُور بن يزِيد ثَانِيًا ثمَّ عَزله فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 مَكَانَهُ عبد الله بن سُلَيْمَان الربعِي ثمَّ ولى سُلَيْمَان بن يزِيد ثَانِيًا فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَيَّام الهادى وَكَانَ على إفريقية والغرب يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة المهلبي فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَيَّام الهادى وَكَانَ المستولى على الأندلس عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل الأموى فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَيَّام الهادى وَبعده الرَّابِع من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الهادى (152) وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد مُوسَى بن مُحَمَّد المهدى بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُقدم ذكره وَأمه الخيزران مولدة وهى بنت عَطاء مولاة أَبِيه وهى أم الْخُلَفَاء كَانَ طَويلا جسيما أفوه بشفته الْعليا تقلص شجاعا بطلا أديبا جوادا صَعب المرام بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِبَغْدَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 يَوْم موت أَبِيه لثمان بَقينَ من الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَقيل تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ غَائِب بجرجان يحارب أهل طبرستان وَقَامَ ببيعته أَخُوهُ الرشيد وَكتب إِلَى الْآفَاق بِمَوْت المهدى وَأخذ الْبيعَة للهادى وَلما بلغ الْخَبَر الهادى نَادَى بالرحيل وَسَار على الْبَرِيد مجدا حَتَّى دخل بَغْدَاد فِي عشْرين يَوْمًا وَقَضِيَّة كَلَام ابْن حزم أَن سنه حِين ولى كَانَت مَا بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ وَكَانَ نقش خَاتمه الله رَبِّي وبقى فِي الْخلَافَة حَتَّى توفى بِبَغْدَاد لَيْلَة الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الأول سنة سبعين وَمِائَة وعمره أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَقيل خمس وَعِشْرُونَ وَقيل سِتّ وَعِشْرُونَ وَيُقَال إِن أمه الخيزران قتلته بِأَن أمرت الجوارى فغمين وَجهه وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ هَارُون الرشيد وَمُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَشهر وَاحِد وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد سِتَّة ذُكُور وهم عِيسَى وَإِسْحَاق وجعفر وَإِسْحَاق الثَّانِي ومُوسَى وَكَانَ مُوسَى أعمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَكَانَ لَهُ عدَّة بَنَات مِنْهُنَّ أم عِيسَى الَّتِى تزَوجهَا الْمَأْمُون الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّامه خرج الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن الْحسن ابْن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب بِالْمَدِينَةِ ودعا لنَفسِهِ وَجرى بَينه وَبَين عَامل الهادى حَرْب قتل فِيهَا الْحُسَيْن وانهزمت جماعته وهرب إِدْرِيس بن عبد الله بن الْحسن ابْن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب إِلَى بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وبقى إِلَى خلَافَة الرشيد وَمن عقبه الأدارسة القائمون بِبِلَاد الْمغرب على مَا يَأْتِي ذكره وَفِي أَيَّامه توفى نَافِع أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة إِمَام أهل الْمَدِينَة فِي الْقِرَاءَة وَلم يحجّ فِي شَيْء من خِلَافَته ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر أُسَامَة بن عَمْرو العامرى فولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 مَكَانَهُ الْفضل بن صَالح العباسي فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ عَليّ بن سُلَيْمَان العباسي فِي آخر السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة المهلبي فأقره عَلَيْهَا وبقى إِلَى أَيَّام الرشيد كَمَا تقدم وَكَانَ المستولى على الأندلس عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل الْأمَوِي فاقأم بهَا إِلَى آخر أَيَّام الْهَادِي الْخَامِس من الْخُلَفَاء بني الْعَبَّاس بالعراق الرشيد وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو جَعْفَر هَارُون بن مُحَمَّد الْمهْدي ابْن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَأمه الخيزران ام أَخِيه الْهَادِي الْمُتَقَدّمَة الذّكر كَانَ أَبيض اللَّوْن جميل الْوَجْه طَويلا سمينا قد وخطه الشيب سَمحا شجاعا كثير الْحَج والغزو وَالصَّدَََقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَالصَّلَاة حَتَّى يُقَال إِنَّه كَانَ يُصَلِّي فِي كل يَوْم مائَة رَكْعَة وَكَانَ محبا للْعُلَمَاء مقربا لَهُم بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَخُوهُ الْهَادِي فِي منتصف ربيع الأول سنة سبعين وَمِائَة وَمُقْتَضى كَلَام ابْن حزم أَنه ولى وعمره مابين الْعشْرين إِلَى الثَّلَاثِينَ وَكَانَ نقش خَاتمه العظمة وَالْقُدْرَة لله وَقيل كن مَعَ الله على حذر وَبَقِي فِي الْخلَافَة (53 أ) حَتَّى توفّي لَيْلَة السبت لثلاث خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة وعمره خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر وَقيل أَربع وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَة أشهر وَقيل ثَمَان وَأَرْبَعُونَ وَكَانَت وَفَاته بطوس من بِلَاد الْمشرق وَصلى عَلَيْهِ ابْنه صَالح وَدفن بطوس وَمُدَّة خِلَافَته ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَلما حَضرته الْوَفَاة غشى عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فَرَأى الْفضل بن الرّبيع فَقَالَ يَا فضل ... أحين دنا مَا كنت أخْشَى دنوه ... رمتني عُيُون النَّاس من كل جَانب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 .. وأصبحت مرحوما وَكنت مُحَمَّدًا ... فصبرا على مَكْرُوه مر العواقب ... سأبكي على الْوَصْل الَّذِي بَيْننَا ... وأندب أَيَّام السرُور الذواهب ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَت خِلَافَته فِي غَايَة العظمة والفخامة حَتَّى يحْكى أَنه كَانَ يستلقي على قَفاهُ وَينظر الى السحابة الحاملة للمطر وَيَقُول إذهبي إِلَى حَيْثُ شِئْت يأتيني خراجك واستوزر يحيى بن خَالِد بن برمك وابنيه جعفرا وَالْفضل فَكَانَ لدولته بكرمهم وَحسن تدبيرهم أكمل المفاخر وَفِي أَيَّامه ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بن الْحسن ابْن عَليّ بن أبي طَالب بالديلم ودعا إِلَى نَفسه فَبعث إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الرشيد الْفضل بن يحيى فِي جَيش عَظِيم فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة فَطلب الْأمان فَكتب لَهُ بِهِ وَكتب الرشيد خطه عَلَيْهِ فَحَضَرَ إِلَى بَغْدَاد فَأكْرمه الرشيد وَأَعْطَاهُ مَالا جزيلا ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد ذَلِك وسجنه حَتَّى مَاتَ فِي السجْن وَفِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ (53 ب) وَمِائَة غزا أَرض الرّوم وَفتح حصن الصفصاف وَكَانَ من أعظم حصونهم وَفِي سنة تسعين وَمِائَة كَانَ على الرّوم ملكة فخلعوها وملكوا عَلَيْهِم ملكا اسْمه نقفور فَكتب إِلَى الرشيد كتابا فِيهِ من نقفور ملك الرّوم إِلَى هَارُون ملك الْعَرَب أما بعد فَإِن الملكة الَّتِى كَانَت قبلى أقامتك مقَام الرخ وأقامت نَفسهَا مقَام البيدق فَحملت إِلَيْك من مَالهَا مَا كنت حَقِيقا أَن تحمل أضعافه إِلَيْهَا وَلَكِن ذَلِك من ضعف النِّسَاء وحمقهن فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا ارْدُدْ إِلَى مَا وصل إِلَيْك مِنْهَا وَإِلَّا السَّيْف بَيْننَا وَبَيْنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فَلَمَّا قَرَأَ الرشيد الْكتاب استفزه الْغَضَب وَكتب فِي جَوَابه من هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى نقفور كلب الرّوم أما بعد فقد قَرَأت كتابك يَا ابْن الْكَافِرَة وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار} وَفِي سنة تسعين وَمِائَة سَار بِنَفسِهِ فِي مائَة ألف وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا من المرتزقة سوى من لم يرد الدِّيوَان من الأتباع والمتطوعة حَتَّى نزل هرقلة من بِلَاد الرّوم وحصرها ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ فتحهَا وَبث ملك الرّوم بالجزية عَن رَعيته إِلَيْهِ وَنقض أهل قبرص الْعَهْد فأغزاهم من سواحل مصر وَالشَّام فسبى وغنم وغزا فِي خِلَافَته ثمانى غزوات وَحج ثَمَان حجات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وعهد بالخلافة إِلَى ابْنه الْأمين وَجعل لِابْنِهِ الْمَأْمُون خارسان وَجعله ولى عَهده بعد الْأمين وَكتب بَينهمَا بذلك شرطا وحلفهما عَلَيْهِ وَحج بهما فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وعلق الْكتاب فِي الْكَعْبَة ثمَّ فِي سنة تسعين وَمِائَة عزل الرشيد الثغور كلهَا من الجزيرة وقنسرين وَجعلهَا حيزا وَاحِدًا وسماها العواصم وَأمر ببناية طرسوس فبنيت وَفِي أَيَّامه توفى الإِمَام مَالك بن أنس بِمَدِينَة النبى صلى الله عَلَيْهِ (54 أ) وَسلم فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَتوفيت أمه الخيزران سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة فَمشى فِي جنازتها وأخباره كلهَا مشكورة ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر عَليّ بن سُلَيْمَان العباسي فوليها عَنهُ بعده مُوسَى بن عِيسَى العباسى فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُحَمَّد بن زُهَيْر الْأَزْدِيّ سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ دَاوُد بن يزِيد المهلبي سنة أبع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُوسَى بن عِيسَى العباسي سنة خمس وَسبعين وَمِائَة فَمَاتَ بهَا ثمَّ وَليهَا عَنهُ عبد الله الضبى فِي أول سنة سبع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ هرثمة بن أعين سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ عبيد الله بن المهدى العباسى فِي سنة تسع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مُوسَى بن عبيد الله ابْن المهدى ثَانِيًا سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ إِسْمَاعِيل بن صَالح فِي آخر السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ سميَّة بن عِيسَى بن إِسْمَاعِيل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ اللَّيْث البيوردي فِي آخر السنه المذكوره ثمَّ وَليهَا عَنهُ أَحْمد بن إِسْمَاعِيل فِي آخر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ عبد الله بن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 العباسى الْمَعْرُوف بِابْن زَيْنَب فِي سنة تسعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ مَالك بن دلهم الْكَلْبِيّ سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ الْحُسَيْن بن الْحجَّاج سنة ثَلَاث وَتِسْعين ومائه فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَيَّام ابْنه الْأمين وَذكر فِي عُيُون المعارف مَا يُخَالف ذَلِك وَكَانَ على (54 ب) الشَّام عبد الصَّمد بن عَليّ فَعَزله وَولى مَكَانَهُ إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عَليّ ثمَّ توالت عَلَيْهَا عماله وَلم أَقف على أسمائهم وَكَانَ على مَكَّة جَعْفَر بن سُلَيْمَان فولى عَلَيْهَا وعَلى الْيمن حَمَّاد اليزيدى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة فبقى إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أَيَّام الْأمين وَلم أَقف على عَامله بِالْمَدِينَةِ وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة ولى الرشيد على السَّنَد دَاوُد بن يزِيد المهلبى وعَلى الْجَبَل يحيى الجرشِي وعَلى طبرستان مهدوية الرازى وَكَانَ على الْموصل وأعمالها يزِيد بن مزِيد البشيباني وَهُوَ ابْن أخي معن بن زَائِدَة وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة المهلبي فتوفى وَقَامَ بأَمْره بعده ابْنه دَاوُد وَلما بلغ الرشيد وَفَاة يزِيد ولى على إفريقيه روح بن حَاتِم أَخا يزِيد الْمَذْكُور فَقَدمهَا منتصف سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَمَات فِي رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ الرشيد قد بعث بعهده سرا الى قرابتهم نصر بن بيب المهلبي فَقَامَ بأمرها بعد روح وَسَار ابْنه الْفضل الى الرشيد فولاه مَكَان ابيه وَعَاد الى افريقية وَنزل القيروان فِي الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ قَتله ابْن الْجَارُود فِي منتصف سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة فولى الرشيد مَكَانَهُ هرثمة بن اعين فَسَار اليها وَدخل القيروان سنة تسع وَسبعين وَمِائَة ثمَّ استعفى فأعفاه الرشيد لِسنتَيْنِ وَنصف من ولَايَته وَولى مَكَانَهُ مُحَمَّد بن مقَاتل العكي فَقدم القيروان فِي رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَكَانَ سيىء السِّيرَة فولى الرشيد مَكَانَهُ ابراهيم بن الاغلب بن سَالم التَّمِيمِي الْمُقدم ذكره فَقدم افريقية فِي منتصف سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وابتنى مَدِينَة العباسية بِالْقربِ من القيروان وانتقل اليها وَبَقِي الى خلَافَة الامين 55 أالاتي ذكره وَكَانَ ادريس الاكبر بن حسن المثلث بن حسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط بن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ على الْمغرب الاقصى وَفتح اكثر الْبِلَاد وَبَايَعُوهُ بهَا فِي خلَافَة الْهَادِي على مَا تقدم ذكره فِي الْحَوَادِث والماجريات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فِي خِلَافَته وَكَانَت تلمسان بيد مُحَمَّد بن خزر بن صولات امير زناتة فَدخل فِي طاعى ادريس الاكبر هَذَا وَحمل اهل تلمسان على طَاعَته وامكنه من تلمسان فملكها فِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَمِائَة واختط مَسْجِدهَا الْجَامِع ثمَّ رَجَعَ الى الْمغرب ثمَّ ولى عَلَيْهَا اخاه سُلَيْمَان بن عبد الله فبقى بهَا الى ان مَاتَ ادريس الاكبر وَقَامَ ابْنه ادريس الاصغر بِملكه بعده فَقدم تلمسان سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة فجدد جَامعهَا واصلح منبرها واقام بهَا ثَلَاث سِنِين وولاها لِابْنِ عَمه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فبقى الى مَا بعد خلَافَة الرشيد وَلم يزل حَتَّى مَاتَ بِمَدِينَة وليلى سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَترك حَلِيلَة لَهُ حَامِلا فَوضعت ذكرا اسْمه ادريس على اسْم ابيه وكفلوه حَتَّى شب بَايعُوهُ بِمَدِينَة وليلى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَهُوَ ابْن احدى عشرَة سنة وافتتح جَمِيع بِلَاد الْمغرب وَضَاقَتْ بِهِ وليلى فابتنى مَدِينَة فاس سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة وانتقل اليها رقطع عوة بني الْعَبَّاس هُنَاكَ وبقى الى خلَافَة الامين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَكَانَ المستولى على الاندلس عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل الاموي الْمُقدم ذكره فتوفى فِي شهر ربيع الاخر سنة احدى وَسبعين وَمِائَة وَاسْتولى بعده على الاندلس ابْنه هِشَام بن عبد الرَّحْمَن الى سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَتُوفِّي فاستولى بعده ابْنه الحكم وَبَقِي الى ايام الامين وَفِي ايامه ارتجع الفرنج مَدِينَة برشلونة من الاندلس السَّادِس من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق الامين 55 - ب وَهُوَ ابو عبد الله وَقيل ابو مُوسَى وَقيل ابو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن هَارُون الرشيد وَقد تقدم نسبه وامه امة الْوَاحِد وَقيل امة الْعَزِيز ولقبها زبيدة بنت جَعْفَر بن ابي جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُتَقَدّم ذكره وَلم يل الْخلَافَة بعد على عَلَيْهِ السَّلَام والى يَوْمئِذٍ من امهِ هاشمية غَيره وَكَانَ ابيض اللَّوْن سمينا طَويلا جميل الْوَجْه سبطا الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 انْزعْ شَدِيدا فِي بدنه سَمحا بِالْمَالِ قَبِيح السِّيرَة ضَعِيف الرَّأْي سفاكا للدماء منهمكا فِي اللَّذَّات وَاللَّهْو ولى الْخلَافَة بِعَهْد من ابيه رتبه فِيهِ قبل اخيه الْمَأْمُون وبويع لَهُ بالخلافة فِي عَسْكَر ابيه لسبع خلون من جمادي الاخرة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة وَقيل صَبِيحَة موت ابيه وَكَانَ غَائِبا ثمَّ جددت لَهُ الْبيعَة بِبَغْدَاد بعد قدومه وكا ابوه الرشيد لما علق الْكتاب الَّذِي كتبه بَينه وَبَين اخيه الْمَأْمُون بِالْكَعْبَةِ سقط من يَد ابراهيم الحَجبي فتفاءل ابراهيم بذلك بِسُرْعَة انتقاضه فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ نفش خَاتمه مُحَمَّد واثق بِاللَّه وَبَقِي حَتَّى قتل على مَا يَأْتِي ذكره فِي الْحَوَادِث لخمس وَقيل لست بَقينَ من الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وعمره تسع وَعِشْرُونَ سنة وَقيل كَانَ عمره ثمانيا وَعشْرين فَقَط فَكَانَت خِلَافَته ارْبَعْ سنيني وَثَمَانِية ايام وكسرا وَقيل وَسِتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 اشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الاولاد مُوسَى وَعبد الله وابراهيم لم يل اُحْدُ مِنْهُم الْخلَافَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة انهمك فِي اللَّهْو واشتدت عنايته بِهِ حَتَّى طلب الملاهي من جَمِيع الْبِلَاد وضمهم اليه واجري عَلَيْهِم الارزاق واحتجب عَن اخوته واهل بَيته وَقسم الاموال والجواهر فِي خوصه وَفِي الخصيان ولنساء وَعمل خمس حراقات فِي دجلة وَاحِدَة على صُورَة 56 أالاسد وَوَاحِدَة على صُورَة الْفِيل واخرى على صُورَة الْعقَاب واخرى على صُورَة الْحَيَّة واخرى على صُورَة الْفرس وانفق فِي عَملهَا اموالا جمة فتغيرت الدولة مِنْهُ ونقموا ذَلِك عَلَيْهِ واستوزر الْفضل بن الرّبيع وَزِير ابيه الرشيد واستقضى حَمَّاد بن ابي حنيفَة واقام فِي دعة والمأمون بخراسان سنتَيْن واشهرا ثمَّ اغرى الْفضل بن الرّبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بَينهمَا فنصب الامين ابْنه مُوسَى لولاية الْعَهْد بعده واخذ لَهُ الْبيعَة ولقبه النَّاطِق بِالْحَقِّ وابطل اسْم الْمَأْمُون من الْخطْبَة وَجمع العهود الَّتِي كَانَ الرشيد كتبهَا بَينه وَبَين اخيه الْمَأْمُون فحرقها وَذَلِكَ فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وَمِائَة وَجعل وَلَده فِي حجر ابْن ماهان وَوجه على بن عِيسَى الى خُرَاسَان لقِتَال الْمَأْمُون وَوجه الْمَأْمُون طَاهِر بن الْحُسَيْن من مرو وعَلى مقدمته هرثمة لملاقاة عَليّ بن عِيسَى فَبَقيَ الْحَرْب بَين الامين والمأمون سنتَيْن واشهرا وَنزل طَاهِر بالانبار وهرثمة بالنهروان وَسَار طَاهِر الى بَغْدَاد ولجأ الامين الى مَدِينَة ابي جَعْفَر الْمَنْصُور بِبَغْدَاد فحصره طَاهِر بن الْحُسَيْن فِيهَا فَخرج الامين بعد الْعشَاء الاخرة وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وطيلسان اسود وَجَاء رَاكِبًا الى شط الدجلة فَوجدَ حراقة فركبها فَطَلَبه حجاب طَاهِر فَسقط فِي المَاء فَأخذ وَحمل الى طَاهِر فَقتله ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْحُسَيْن بن الْحجَّاج فولى عَلَيْهَا حَاتِم بن هرثمة بن اعين سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ عبد ابو نصر مولى كِنْدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَذكر الْقُضَاعِي انه وَليهَا بعده جَابر بن الاشعث وَالْمَعْرُوف مَا تقدم وَكَانَ على الشَّام ابراهيم بن صَالح بن عَليّ وَلم اقف على من بعده فِي ايامه وَكَانَ على حمص اسحاق بن سُلَيْمَان فَعَزله 56 ب الامين وَاسْتعْمل مَكَانَهُ عبد الله بن سعيد الْحَرَشِي وَكَانَ على مَكَّة واليمن حَمَّاد اليزيدي فولى على مَكَّة دَاوُد بن عِيسَى وَلم اقف على من ولى بِالْيمن ثمَّ ولى على مَكَّة مُحَمَّد بن عِيسَى بعده وَلم اقف على عَامله بِالْمَدِينَةِ الا ان مُحَمَّد بن عِيسَى الْمَذْكُور كَانَ بهَا فِي زمن الواثق فَلم ادر هَل كَانَ فِيمَا قبل ذَلِك ام لَا وَكَانَ على افريقية ابراهيم بن الاغلب التَّمِيمِي فَمَاتَ فِي شَوَّال سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة بعد ان عهد بالامارة لِابْنِهِ عبد الله وَكَانَ غَائِبا فَقدم القيروان فِي صفر سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة فَبَقيَ بهَا الى ايام الْمَأْمُون وَكَانَت تلمسان بيد مُحَمَّد بن سُلَيْمَان من قبل ابْن عَمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ادريس الاصغر بن ادريس الاكبر فَلَمَّا مَاتَ ادريس الاصغر اسْتَقَرَّتْ تلمسان بيد عِيسَى بن ادريس بن مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان ثمَّ صَارَت بعد ذَلِك الى الْحسن بن ابي العيس ابْن عِيسَى بن ادريس بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَبقيت بِأَيْدِيهِم الى ان انقرضت دولة لادارسة من الغرب وَكَانَ المتسولى على الغرب الاقصى ادريس بن ادريس الْعلوِي فَأَقَامَ مستوليا عَلَيْهِ الى ايام الْمَأْمُون وَكَانَ المتسولي على الاندلس الحكم بن هِشَام فَتوفي لاربع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَاسْتولى بعده ابْنه عبد الرَّحْمَن بن الحكم فَبَقيَ الى ايام الْمَأْمُون ايضا السَّابِع من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق الْمَأْمُون وَهُوَ ابو الْعَبَّاس وَقيل ابو جَعْفَر عبد الله بن هَارُون الرشيد الْمُقدم ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وامه ام ولد اسْمهَا مراجل كَانَ ابيض وَقيل اسمر اجنأ اعين اقنى طَوِيل اللِّحْيَة دقيقها قد وخطه الشيب ضيق الجبين بخده خَال اسود كَامِل الْفضل مشاركا فِي عُلُوم كَثِيرَة جوادا عَظِيم الْعَفو حسن التَّدْبِير وَكَانَ قد احكم علم النُّجُوم واليه ينْسب الزيج 157 أالمأموني وَهُوَ الَّذِي نقل كتب الْحِكْمَة من اليونانية الى الْعَرَبيَّة اعتناء بهَا وَكَانَ يحب العلويين وَيقوم بنصرتهم ولى الْخلَافَة بعده من ابيه الْمُرَتّب على عهد اخيه الامين كَمَا تقدم وبويع لَهُ بهَا وَهُوَ غَائِب بخراسان حَيْثُ ولَايَته يَوْم الاحد لخمس بَقينَ من الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وعهد بالخلافة حِينَئِذٍ الى على الرضي بن مُوسَى بن جَعْفَر الْعلوِي فِي سنة احدى وَمِائَتَيْنِ وَكتب لَهُ بذلك عهدا على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْكَلَام على العهود ان شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَكَانَ نقش خَاتمه سل الله يعطيك وَبَقِي حَتَّى توفّي بِأَرْض الرّوم غازيا لثمان خلون من رَجَب سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَسنة ثَمَان واربعون سنة وَدفن بطرسوس من مضافات حلب الان وَكَانَ سَبَب مَوته فِيمَا حَكَاهُ سعيد بن العلاف قَالَ دَعَاني الْمَأْمُون وَهُوَ جَالس هُوَ واخوه المعتصم على شط نهر البديدون من بِلَاد الرّوم وَقد وضعا ارجلهما فِي المَاء فَقَالَ لي اي شَيْء يُؤْكَل ليشْرب عَلَيْهِ المَاء الَّذِي هُوَ فِي غَايَة الصفاء والعذوبة فَقلت امير الْمُؤمنِينَ اعرف فَقَالَ الرطب فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اذ وصلت بغال الْبَرِيد وَعَلَيْهَا ألطاف من رطب فَشكر الله تَعَالَى على ذَلِك فتعجبنا جَمِيعًا واكل واكلنا من ذَلِك الرطب وشربنا عَلَيْهَا من ذَلِك المَاء فَمَا قَامَ من مَكَانَهُ حَتَّى حم وَلما مرض اوصى بالخلافة لاخيه المعتصم ثمَّ توفّي بالبديون الْمَذْكُورَة لثمان خلون من رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَسنة ثَمَان واربعون سنة وَقيل تسع وَدفن بطرسوس فَكَانَت خِلَافَته عشْرين سنة وَخَمْسَة اشهر وَكَانَ لَهُ من الاولاد مُحَمَّد الاكبر وَعبيد الله وَمُحَمّد الثَّانِي وَالْعَبَّاس وَعلي وَالْحسن واسماعيل وَالْفضل ومُوسَى وابراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَيَعْقُوب وَالْحُسَيْن وَسليمَان وجعفر واسحاق وَاحْمَدْ وَهَارُون وَعِيسَى وَعشر بَنَات 57 - ب الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ استوزر ذَا الرياسيتين الْفضل بن سهل واقام بخراسان اُحْدُ عشر شهرا واياما وَفِي خلال ذَلِك بُويِعَ بِبَغْدَاد ابراهيم بن الْمهْدي فَسَار اليه وصحبته على الرضي الْعلوِي ولى عَهده ووزيره الْفضل بن سهل وَكَانَ كلما مر بِبَلَد اصلحه فَلَمَّا وصل الى سرخس دخل الْفضل ابْن سهل الْحمام فولج عَلَيْهِ جمَاعَة فَقَتَلُوهُ فَقبض عَلَيْهِم وحملوا الى الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُم من امركم بقتْله فَقَالُوا انت فَأمر بهم فَضربت اعناقهم وَأظْهر الْحزن عَلَيْهِ فَلَمَّا وصل الى طوس مَاتَ على الرضى بهَا فِي سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ يُقَال انه سم فِي رمان اكله فَحزن عَلَيْهِ الْمَأْمُون حزنا شَدِيدا وَدخل الى بَغْدَاد فِي سنة ارْبَعْ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ لِبَاس الْمَأْمُون لما دخل بَغْدَاد الخضرة شعار العلويين فَكَانَ النَّاس يدْخلُونَ الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 عَلَيْهِ فِي الثِّيَاب الْخضر ويحرقون كل ملبوس يرونه من السوَاد ودام ذَلِك ثَمَانِيَة ايام فشق ذَلِك على العباسية فَعَاد الى السوَاد الَّذِي هُوَ شعار العباسيين وهرب ابراهيم بن الْمهْدي واستتر ثمَّ عثر عَلَيْهِ الْمَأْمُون فِي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ فَعَفَا عَنهُ واحسن اليه ثمَّ تزوج الْمَأْمُون بوران بنت الْحسن بن سهل سنة عشر وَمِائَتَيْنِ فنشرت عَلَيْهَا جدَّتهَا ام الْحسن بن سهل الف حَبَّة لُؤْلُؤ من انفس مَا يكون واوقدت شمعة عنبر بهَا اربعون منا وَكتب ابوها اسماء ضيَاع فِي رقاع ونثرها على القواد والامراء فَمن وَقعت عَلَيْهَا رقْعَة اخذ الضَّيْعَة الَّتِي هِيَ فِيهَا على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب السَّابِع ان شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي سنة احدى وَمِائَتَيْنِ امْر ان يُحْصى عدد الْمَوْجُودين من اولاد الْعَبَّاس فبلغوا ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ الْفَا مَا بَين ذكر وانثى وَقيل غير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَفِي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ احترقت مَدِينَة الْفسْطَاط وَهُوَ الْحَرِيق الاول 58 أ وَفِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ اظهر الْمَأْمُون القَوْل بِخلق الْقُرْآن وتفضيل عَليّ بن ابي طَالب على سَائِر الصحابى وانه افضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا النَّاس الى القَوْل بذلك وَكَانَت محنة عَظِيمَة على الْعلمَاء وَفِي سنة سِتّ عشة وَمِائَتَيْنِ توجه الى مصر فَدَخلَهَا وَفتح الْهَرم الاكبر من الاهرام الَّتِي على الْقرب من مَدِينَة الجيزة بعد مشقة عَظِيمَة وَنَفَقَة جزيلة وَيُقَال انه وجد فِي دَاخل اعلاه مطهرة فِيهَا ذهب وَكَانَ الْمَأْمُون ذَا عقل رَاجِح فَأمر بوزنها وَحضر مِقْدَار مَا صرف على فتح الْهَرم فاذا هُوَ مِقْدَار الذَّهَب الَّذِي وجد فِي المطهرة فتعجب وكف عَن التَّعَرُّض لما وَرَاء ذَلِك وَكَانَت مَقَاصِد الْمَأْمُون كلهَا جميلَة خلا مَا نحا اليه من القَوْل بِخلق الْقُرْآن والتشيع وَبث عُلُوم الفلاسفة بَين الْمُسلمين وَمن قُضَاة زَمَانه يحي بن أَكْثَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر ابو نصر عباد فولى عَلَيْهَا الْمطلب بن عبد الله الْخُزَاعِيّ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا الْعَبَّاس بن مُوسَى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا الْمطلب ابْن عبد الله ثَانِيًا فِي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ وَليهَا عَنهُ السّري بن الحكم الْبَلْخِي باجتماع من الْجند عَلَيْهِ فِي سنة مِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ سُلَيْمَان بن ابي طَالب فِي سنة احدى وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا السّري بن الحكم ثَانِيًا بِعَهْد من الْمَأْمُون ثمَّ وَليهَا عَنهُ ابو نصر مُحَمَّد بن السّري بعد مَوته فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ اخوه عبيد الله بن لسري بمبايعة الْجند فِي سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ عبد الله بن طَاهِر ابْن الْحُسَيْن فِي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ اول من جلب الْبِطِّيخ العبدلي الى مصر من خُرَاسَان فنسب اليه ثمَّ عَاد عبد الله بن طَاهِر الى الْعرَاق واستخلف على مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 عِيسَى بن يزِيد الجلودي فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ ابو اسحاق المعتصم فَأمر عَلَيْهَا عِيسَى الجلودي 58 ب ثمَّ صرفه وَولى عَلَيْهَا عمر بن الْوَلِيد التَّمِيمِي فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عِيسَى الحلودي ثَانِيًا فِي آخر السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا عبدوية بن جبلة فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا مَنْصُور مولى بن نصر وَقيل عِيسَى بن مَنْصُور فِي سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَولى الْمَأْمُون اخاه المعتصم الشَّام وَولى ابْنه الْعَبَّاس الجزيرة والثغور وَولى الْمَأْمُون لابتداء خِلَافَته الْفضل بن سهل على الْمشرق من جبال همذان الى بِلَاد التبت من بِلَاد التّرْك طولا وَمن بَحر فَارس الى الديلم وجرجان عرضا ولقبه ذَا الرياستين يَعْنِي السَّيْف والقلم و4 ولى اخاه الْحسن بن سهل الْحجاز وديوان الْخراج وَالْعراق والجبل وَفَارِس والاهواز وَاسْتولى طَاهِر بن حُسَيْن على وَاسِط والمدائن وابو السَّرَايَا على الْبَصْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَكَانَ على مَكَّة مُحَمَّد بن عِيسَى فَصَرفهُ وَعقد على جَمِيع الْحجاز لِلْحسنِ بن سهل مَعَ غَيره من الاقالم وَكَانَ على الْيمن اسحاق بن مُوسَى بن عِيسَى بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس فقصده ابراهيم بن مُوسَى ابْن جَعْفَر الْعلوِي فهرب مِنْهُ اسحاق وَاسْتولى على الْيمن ابراهيم واضطرب امْر الْيمن حِينَئِذٍ فولى الْمَأْمُون عَلَيْهِ مُحَمَّد بن ابراهيم بن عبيد الله بن زِيَاد بن ابيه وَهُوَ اول دولة بني زِيَاد بِالْيمن وَبنى مُحَمَّد بن ابراهيم مَدِينَة زبيد احدى مدن الْيمن الْعِظَام فِي سنة ارْبَعْ وَمِائَتَيْنِ وَولى مَوْلَاهُ جعفرا الْجبَال فَعرفت بمخلاف جَعْفَر الى الان وَولى الْيمن بعده ابْنه ابراهيم بن مُحَمَّد فَبَقيَ الى ايام المعتصم وَكَانَت خُرَاسَان بيد الْمَأْمُون من عهد ابيه فولى عَلَيْهَا غَسَّان بن عباد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ حِين قدم الْعرَاق عِنْد اخذ الْبيعَة لابراهيم بن الْمهْدي ثمَّ اسْتعْمل الْمَأْمُون طَاهِر بن الْحسن بن مُصعب فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ على الْمشرق 59 أَمن خرسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَغير ذَلِك فَبَقيَ الى ان توفّي فِي جمادي الاولى سنة سبع وَمِائَتَيْنِ ثمَّ ولى الْمَأْمُون عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ابْن طَاهِر خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ فَبَقيَ الى ايام الواثق كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَ على افريقية عبد الله بن ابراهيم بن الاغلب فَتوفي فِي ذِي الْحجَّة سنة احدى وَمِائَتَيْنِ ووليها بعده اخوه زِيَادَة الله بن ابراهيم وَجَاء التَّقْلِيد من قبل الْمَأْمُون وَكَانَ المستولي على الغرب الاقصى ادريس الاصغر بن ادريس الاكبر الْعلوِي فَمَاتَ سنة ثَلَاث عشة وماتئني وَقَامَ بالامر بعده ابْنه مُحَمَّد بن ادريس فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الْمَأْمُون وَكَانَ المستولي على الاندلس عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام الاموي فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المامون الثَّامِن من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المعتصم بِاللَّه وَهُوَ ابو اسحاق مُحَمَّد بن هَارُون الرشيد وَقد تقدم نسبه وَهُوَ اول من اضيف فِي لقبه اسْم الله تَعَالَى من الْخُلَفَاء وامه ام ولد اسْمهَا ماردة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَكَانَ ابيض اللَّوْن مشربا بحمرة اصهب اللِّحْيَة حسن الْجِسْم مربوعا طَوِيل اللِّحْيَة شجاعا شَدِيد الْبدن يحمل الف رَطْل بغدادي وَيَمْشي بهَا خطوَات فِيمَا قيل وَكَانَ كريم الاخلاق انْفَرد عَن اصحابه فِي يَوْم مطير فَرَأى شَيخا مَعَه حمَار عَلَيْهِ حمل شوك وَقد توحل الْحمار فِي الطين وَوَقع الْحمل عَنهُ وَهُوَ ينْتَظر من يمر بِهِ ليعينه على رَفعه على الْحمار فَنزل المعتصم عَن فرسه وخلص الْحمار من الطين وَرفع الْحمل عَلَيْهِ ثمَّ لحقه اصحابه فَأمر لصَاحب الْحمار بأَرْبعَة الاف دِرْهَم وَقَالَ ابْن ابي دواد تصدق المعتصم ووهب على يَدي مائَة الف وَكَانَ مَعَ ذَلِك اميا لَا يحسن الْكِتَابَة ضَعِيف الْبَصَر بِالْعَرَبِيَّةِ وَيُقَال ان 59 ب سَبَب ذَلِك انه رأى جَنَازَة بعض الخدم يَوْمًا فَقَالَ لَيْتَني مثل هَذَا حَتَّى اتخلص من الْكتاب فَقَالَ لَهُ ابوه الرشيد وَالله لَا عَذَّبْتُك بِشَيْء تخْتَار عَلَيْهِ الْمَوْت وَمنعه عَن الْكتب من يَوْمئِذٍ وَقد حكى الزجاجي وَغَيره انه ورد عَلَيْهِ كتاب من بِلَاد الْجَبَل فِيهِ مُطِرْنَا مَطَرا كثر عَنهُ الْكلأ وَكَانَ يتقلد الْعرض وَقِرَاءَة الْكتب عَلَيْهِ كَاتبه مُحَمَّد بن عمار فَقَالَ لَهُ مَا الْكلأ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 لَا ادري فَقَالَ انا لله خَليفَة امي وَكَاتب عَامي ثمَّ قَالَ من يقرب منا من كتاب الدَّار فَعرف بمَكَان مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وَكَانَ يقف على قهرمة الدَّار فَأمر باشخاصه فَأتى بِهِ فَقَالَ لَهُ مَا الْكلأ فَقَالَ النَّبَات كُله رطبه ويابسه فاذا كَانَ رطبا قيل لَهُ خلى فاذا كَانَ يَابسا قيل لَهُ حشيش ثمَّ اخذ فِي ذكر النَّبَات من ابْتِدَائه الى اكتهابه الى هيجه فأعجب بِهِ المعتصم وَقَالَ ليتقلد هَذَا الْعرض علينا ثمَّ خص بِهِ حَتَّى استوزره بُويِعَ لَهُ بهَا يَوْم مَاتَ اخوه الْمَأْمُون بطرسوس لثمان خلون من رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ بعد ان حاول بعض اهل الدولة مبايعة ابْن اخيه الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون فَلم يتم لَهُم ذَلِك وَكَانَ نقش خَاتمه الله ثِقَة ابي اسحاق بن الرشيد وَبِه يُؤمن وَبَقِي حَتَّى توفّي بِمَدِينَة سامرا يَوْم الْخَمِيس لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من شهور ربيع الاول وَقيل فِي منتصفه سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَسنة ثَمَان واربعون سنة وَمُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 خِلَافَته ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية اشهر ويومان وَكَانَ لَهُ من الاولاد ثَمَانِيَة ذُكُور مِنْهُم هَارُون الواثق وجعفر المتَوَكل وَاحْمَدْ المستعين كل من الثَّلَاثَة ولي الْخلَافَة وَكَانَ لَهُ ايضا ثَمَان بَنَات الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة وَصَارَ الى بَغْدَاد على مَال تقدم بني مَدِينَة سَمَّاهَا 60 أسر من رأى ثمَّ تساهل النَّاس فِيهَا فَقَالُوا سامرا ونزلها واستخلف بِبَغْدَاد ابْنه الواثق واستوزر الْفضل بن مَرْوَان فغلب على امْرَهْ حَتَّى لم يبْق للمعتصم مَعَه بُد ثمَّ قبض عَلَيْهِ واستوزر احْمَد بن عمار ثمَّ مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وَكَانَ على رأى اخيه الْمَأْمُون فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن فأحضر الامام احْمَد بن حَنْبَل فِي سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وامتحنه بالول بِخلق الْقُرْآن فَامْتنعَ فَضَربهُ حَتَّى تقطع جلده وَقَيده وحبسه وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فتح عمورية من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بِلَاد الرّوم وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَنه بلغه أَن امْرَأَة هاشمية مأسورة فِي يَد ملك الرّوم صَاحب عمورية صاحت وامعتصماه فَقَالَ لَهَا ملك الرّوم لَا يَأْتِي المعتصم لخلاصك إِلَّا على أبلق فأعظمه ذَلِك ونهض لوقته ونادى فِي عسكره بركوب الْخَيل البلق وَركب أبلق وَخرج وَفِي مُقَدّمَة عسكره أَرْبَعَة آلَاف أبلق وَقد تجهز جهازا لم يتجهزه أحد مثله من السِّلَاح وَغَيره وَسَار حَتَّى وصل عمورية وَأقَام عَلَيْهَا المنجنيقات حَتَّى هدم فرجا من أسوارها وولج الْمُسلمُونَ الْبَلَد عنْوَة فَقتلُوا وَسبوا ونهبوا أَقَامَ عَلَيْهَا خَمْسَة وَخمسين يَوْمًا حَتَّى خلص تِلْكَ الْمَرْأَة ثمَّ سَار حَتَّى دخل سامرا وَفِي سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ خرج من بَغْدَاد لبِنَاء سامرا واستخلف على بَغْدَاد ابْنه الواثق وَقبض وزيره الْفضل ابْن مَرْوَان وَكَانَ قد استولى على الْأُمُور حَتَّى لم يبْق للمعتصم مَعَه أَمر وَولى مَكَانَهُ مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وَكَانَت طَائِفَة من أهل دولته قد حاولت مبايعة الْعَبَّاس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الْمَأْمُون فظر بِهِ فِي طَرِيقه عَلَيْهِ وَمنعه شرب المَاء حَتَّى مَاتَ وَفِي أَيَّامه توفّي إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي الَّذِي كَانَ قد بُويِعَ بالخلافة فِي زمن الْمَأْمُون ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته (60 ب) كَانَ على مصر نصر بن عبد الله الصغدى الْمَعْرُوف بكندر ثمَّ وَليهَا عَنهُ المسعودى فِي أول سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ المظفر بن كندر فِي وسط السّنة الْمَذْكُورَة أشهرا قَلَائِل ثمَّ وَليهَا عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس مُوسَى بن ثَابت فِي آخر السّنة ثمَّ وَليهَا وَليهَا عَنهُ ابْن كندر ثَانِيًا فِي سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ على بن يحيى الأرمني فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فبقى بهَا إِلَى أَيَّام الواثق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَكَانَ هُوَ على الشَّام فِي أَيَّام أَخِيه الْمَأْمُون وَلم أَقف على من ولاها هُوَ فِي خِلَافَته وَكَانَ الْحجاز مَكَّة وَالْمَدينَة وَغَيرهمَا فِي خلَافَة الْمَأْمُون فِي ولَايَة الْحسن بن سهل وَلم وَلم أَقف على من وليه بعده فِي خلَافَة المعتصم وَكَانَ على الْيمن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبيد الله ابْن زِيَاد بن أَبِيه فأقره وَتوفى فولى ابْنه مُحَمَّد وبقى إِلَى أَيَّام المتَوَكل وَبعده وَكَانَت خارسان وَمَا وَرَاء النَّهر بيد عبد الله بن طَاهِر فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المعتصم وَكَانَ على إفريقية زِيَادَة الله بن إِبْرَاهِيم وَتوفى فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَتَوَلَّى مَكَانَهُ أَخُوهُ أَبُو عقال الْأَغْلَب بن إِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب بن إِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب وَتوفى فِي ربيع سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَتَوَلَّى بعده ابْنه أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْأَغْلَب بن إِبْرَاهِيم فدانت لَهُ إفريقية وَبنى مَدِينَة بِقرب تاهرت سَمَّاهَا العباسية سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وبقى إِلَى أَيَّام الواثق وَكَانَ تلمسان بيد الْحسن بن أبي العيس بن عِيسَى بن إِدْرِيس بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فَلَمَّا ظَهرت دَعْوَة عبيد الله المهدى الفاطمي بالمغرب نَهَضَ قائده مُوسَى بن أبي الْعَاقِبَة إِلَى تلمسان وملكها من الْحسن بن أبي العيس فِي سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَبقيت بيد عُمَّال المهدى إِلَى سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة (61 أ) وَكَانَ المستولى على الْمغرب الْأَقْصَى مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن إِدْرِيس العلوى فتوفى سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بعد أَن اسْتخْلف فِي مَرضه وَلَده عليا ابْن مُحَمَّد وَهُوَ ابْن تسع سِنِين فَأَقَامَ إِلَى إيام الواثق وَكَانَ المستولى على الأندلس عبد الرَّحْمَن بن الحكمك الأموى فبقى إِلَى أَيَّام الواثق التَّاسِع من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الواثق بِاللَّه وَهُوَ أَبُو جَعْفَر هَارُون بن المعتصم بِاللَّه بن الرشيد وَقد تقدم نسبه وَأمه أم ولد رُومِية اسْمهَا قَرَاطِيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 كَانَ أَبيض مشربا بحمرة حسن الْجِسْم فِي عينه الْيُسْرَى نكته بَيَاض وَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَى أهل الْحَرَمَيْنِ حَتَّى لم يبْق بهما فِي أَيَّامه سَائل وَلما بَلغهُمْ مَوته كَانَ نسَاء الْمَدِينَة يخْرجن كل لَيْلَة إِلَى البقيع ويبكينه بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي الْيَوْم الذى مَاتَ فِيهِ أَبوهُ المعتصم لاثنتى عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الأول فِي منتصفه سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ نقش خَاتمه الله ثِقَة الواثق وبقى حَتَّى توفى بالاستسقاء بسامرا يَوْم الْأَرْبَعَاء لست بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وعمره يَوْمئِذٍ سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة وَأشهر وَقيل سبع وَثَلَاثُونَ وَدفن بسامرا وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ المتَوَكل وَمُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام وَمن عَجِيب أمره أَنه لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض أحضر المنجمين فنظروا فِي مولده فقدروا لَهُ أَن يعِيش خمسين سنة مستأنفة بعد ذَلِك فَلم يَعش بعد قَوْلهم غير عشرَة أَيَّام فسبحان المستأثر بِعلم الْغَيْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد مُحَمَّد المهتدى بِاللَّه ولى الْخلَافَة وَعبد الله وَأحمد وَإِبْرَاهِيم وَمُحَمّد وَعَائِشَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته (61 ب) لما بُويِعَ بالخلافة وزر لَهُ مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وَزِير أَبِيه وَجرى على مَذْهَب أَبِيه المعتصم وَعَمه الْمَأْمُون فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن وامتحان النَّاس فِي الدّين وَكَانَ يُعَاقب من امْتنع من القَوْل بِخلق الْقُرْآن أَو بِرُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الدَّار الْآخِرَة وَكَانَ يُبَالغ فِي إكرام العلويين على قَاعِدَة الْمَأْمُون وَفِي أَوَائِل خِلَافَته ثارت القيسية بِدِمَشْق وحصروا أَمِيرهمْ فَجهز إِلَيْهِم الواثق جَيْشًا حَتَّى رجعُوا وأذعنوا للطاعة وَفِي خِلَافَته فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فتح الْمُسلمُونَ عدَّة أَمَاكِن من جَزِيرَة صقلية وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ توفى عبد الله بن طَاهِر بخرسان وَهُوَ يَوْمئِذٍ أميرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ توفّي أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ أحد أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ مِمَّن امتحن بالْقَوْل بِخلق الْقُرْآن فَلم يجب وَتُوفِّي أَيْضا ابْن الْأَعرَابِي اللّغَوِيّ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي خِلَافَته عَليّ بن يحيى الأرمني فوليها عَن الواثق عِيسَى بن مَنْصُور الجلودي ثَالِث مرّة فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْقُضَاعِي ثمَّ وَليهَا أشناس ثمَّ ردَّتْ إِلَى إيتاخ يَعْنِي حَاجِب الواثق فَأقر بهَا عِيسَى بن مَنْصُور الْمُقدم ذكره فبقى إِلَى أَيَّام المتَوَكل الْآتِي ذكره وَلم أدر من عمل لَهُ على الشَّام وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة فِي أَيَّامه مُحَمَّد بن عِيسَى وَكَانَ على الْيمن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن عبيد الله بن زِيَاد بن أَبِيه فبقى إِلَى أَيَّام المتَوَكل وَكَانَ على إفريقية مُحَمَّد بن الْأَغْلَب بن إِبْرَاهِيم فبقى إِلَى أَيَّام المتَوَكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَكَانَت تلمسان من الغرب الأسط بيد العبيديين الفاطميين وَكَانَ المستولى على الغرب الْأَقْصَى عليشا بن مُحَمَّد الإدريسي فَبَقيَ الى أَيَّام المتَوَكل وَكَانَ المستولى على الأندلس عبد الرَّحْمَن بن الحكم فبقى إِلَى أَيَّام المتَوَكل أَيْضا (62 أ) الْعَاشِر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المتَوَكل على الله وَهُوَ أَبُو الْفضل جَعْفَر بن المعتصم بن الرشيد وَقد تقدم نسبه وامه أم ولد تركية اسْمهَا شُجَاع كَانَ أسمر اللَّوْن مربوعا خَفِيف العارضين بُويِعَ لَهُ بالخلافة لست بَقينَ من ذى الْحجَّة سة اثتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ بعد أَن هم كبراء الدولة بعد موت الواثق بالبيعة لمُحَمد بن الواثق وألبسوه قلنسوة ودراعة سَوْدَاء وَهُوَ غُلَام أَمْرَد قصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فنازعهم فِي ذَلِك بَقِيَّة أهل الدولة وَلم يرَوا مصلحَة فِي ولَايَته فَأَضْرَبُوا عَنهُ ثمَّ تنازعوا فِيمَن يولونه وَذكروا عدَّة من بنى الْعَبَّاس ثمَّ أحضروا المتَوَكل فَقَامَ أَحْمد ابْن أبي دَاوُد قاضى الْقُضَاة فِي زمن أَخِيه الواثق وَألبسهُ وعممه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَبَايعهُ النَّاس وعمره يَوْمئِذٍ سِتّ وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ نقش خَاتمه على إلهى أتكل وبقى حَتَّى توفى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لثلاث خلون من شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ قَتِيلا بِمَجْلِس شرابه وَيُقَال إِن سَبَب قَتله أَنه كَانَ أَخذ الْبيعَة لأولاده الْأَرْبَعَة مُحَمَّد الْمُنْتَصر ثمَّ الزبير ثمَّ المعتز ثمَّ إِبْرَاهِيم الْمُؤَيد فِي ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ يقدم المعتز على الْمُنْتَصر والمنتصر أسن مِنْهُ فَدس عَلَيْهِ الْمُنْتَصر من قَتله غيلَة فَرمى وزيره الْفَتْح بن خاقَان نَفسه عَلَيْهِ فَقتل مَعَه ودفنا فِي قبر وَاحِد فِيمَا يُقَال وَكَانَ عمره يَوْم مَاتَ إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْمُنْتَصر وَدفن فِي الْقصر الجعفرى وَمُدَّة خِلَافَته أَربع عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 كَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد مُحَمَّد الْمُنْتَصر والمعتز كِلَاهُمَا ولى الْخلَافَة ومُوسَى وَكَانَ أحدب وَإِبْرَاهِيم الْمُؤَيد وَطَلْحَة الْمُوفق وَإِسْمَاعِيل وَالْمُعْتَمد وَغَيرهم (62 ب) الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة أبطل مَا كَانَ أحدثه الْمَأْمُون وَمن بعده من القَوْل بِخلق الْقُرْآن وحسم الْمَادَّة فِي ذَلِك وحظى فِي زَمَانه أهل الْأَدَب إِلَّا أَنه كَانَ شَدِيد البغض لعلى بن أبي طَالب رضى الله عَنهُ وَلأَهل بَيته على خلاف مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَكَانَ من جملَة ندمائه عبَادَة المخنث وَكَانَ يشد على بَطْنه مخدة تَحت ثِيَابه ويكشف رَأسه وَهُوَ أصلع ويرقص وَيَقُول ... قد أقبل الأصلع البطين ... خَليفَة الْمُسلمين ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 يعْنى عليا رضى الله عَنهُ والمتوكل يضْحك فَفعل ذَلِك يَوْمًا بِحَضْرَة وَلَده الْمُنْتَصر فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عليا ابْن عمك فَكل أَنْت لَحْمه إِذا شِئْت وَلَا تدع مثل هَذَا الْكَلْب وَأَمْثَاله يطْمع فِيهِ فَقَالَ المتَوَكل للمغنين غنوا ... غَار الْفَتى لِابْنِ عَمه ... رَأس الْفَتى فِي حرَامه ... وَبلغ من بغضه لعلى وَأهل بَيته أَنه فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ أَمر بهدم قبر الْحُسَيْن بن على وَمَا حوله من الْمنَازل وَمنع النَّاس من زيارته وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك أَنه طلب عليا الزكى وَيُقَال عَليّ الهادى وَعلي التقى أحد الْأَئِمَّة الاثنى عشر وَبعث إِلَيْهِ جمَاعَة من التّرْك ليحضروه فَهَجَمُوا عَلَيْهِ ببيته فوجدوه فِي بَيت مغلق وَعَلِيهِ مدرعة شعر وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة يترنم بآيَات من الْقُرْآن فِي الْوَعْد والوعيد لَيْسَ بَينه وَبَين الأَرْض بِسَاط إِلَّا الرمل والحصا فَحمل إِلَى المتَوَكل والمتوكل فِي مجْلِس شرابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 والكأس فِي يَده فَلَمَّا رَآهُ المتَوَكل أعظمه وَأَجْلسهُ إِلَى جَانِبه وناوله الكأس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا خامر لحمى ودمى قطّ فأعفنى فأعفاه وَقَالَ أَنْشدني شعرًا (63 أ) فَقَالَ إنى لقَلِيل الرِّوَايَة للشعر فَقَالَ لَا بُد من ذَلِك فأنشده ... باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجَال فَمَا أغنتهم القلل ... فاستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأودعوا حفرا يَا بئس مَا نزلُوا ... ناداهم صارخ من بعد مَا قبروا ... أَيْن الأسرة والتيجان وَالْحلَل ... أَيْن الْوُجُوه الَّتِى كَانَت منعمة ... من دونهَا تضرب الأستار والكلل ... فأفصح الْقَبْر عَنْهُم حِين ساءلهم ... تِلْكَ الْوُجُوه عَلَيْهَا الدُّود يقتتل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 .. يَا طَال مَا أكلوادهرا وَمَا شربوا ... فَأَصْبحُوا بعد طول الأمل قد أكلُوا ... 5 - فَبكى المتَوَكل وَأمر بِرَفْع الشَّرَاب وَقَالَ يَا أَبَا الْحسن عَلَيْك دين قَالَ نعم أَرْبَعَة آلَاف دِينَار فَدَفعهَا إِلَيْهِ ورده إِلَى بَيته مكرما وَفِي أَيَّامه كَانَت زلازل عَظِيمَة بقومس وَمَا يَليهَا وَمَات من النَّاس مِمَّن سَقَطت عَلَيْهِ الدّور خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَسِتَّة وَتسْعُونَ وَكَانَ قبل ذَلِك بِفَارِس وخارسان وَالشَّام واليمن وَكَانَ يسمع فِي الزوابع أصوات ومنكرة وتهدمت الْحُصُون والمنازل والقناطر وتدكدكت الْمَدَائِن من الْعرَاق وبالس والرقة وحران وَرَأس الْعين والرها وطرسوس والمصيصة واللاذقية وسواحل الشَّام وَسقط من أنطاكية ألف وَخَمْسمِائة دَار وَمن سورها نَيف وَتسْعُونَ برجا وتقطع جبلها الْأَقْرَع وَسقط فِي الْبَحْر وهاج وطلع مِنْهُ دُخان أسود منتن وغار فِيهَا نهر لَا يدرى أَيْن ذهب وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين سمع أهل تنيس من مصر ضجة عَظِيمَة مَاتَ مها خلق كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر عِيسَى بن مَنْصُور الجلودى فوليها عَن المتَوَكل على يحيى ثَانِيًا فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل وَليهَا هرثمة بن نصر ثمَّ ابْنه حَاتِم ثمَّ عَليّ بن يحيى الْمَذْكُور ثمَّ ردَّتْ إِلَى مُحَمَّد (63 ب) الْمُنْتَصر فاستخلف فِيهَا إِسْحَاق بن يحيى بن معَاذ فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عبد الْوَاحِد بن يحيى فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ عَنْبَسَة الضبى فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ يزِيد بن عبد الله فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَفِي أَيَّامه كَانَ القاضى بهَا الْحَارِث بن مِسْكين ثمَّ بكار بن قُتَيْبَة وبقى بهَا إِلَى أَيَّام الْمُنْتَصر والمستعين بعده وَلم أدر من كَانَ على الشَّام فِي أَيَّامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة مُحَمَّد بن يحيى فَعَزله وَولى عَلَيْهَا ابْنه الْمُنْتَصر بن المتَوَكل ثمَّ وَليهَا عَليّ بن عِيسَى بن جَعْفَر بن الْمَنْصُور ثمَّ عَزله سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن عِيسَى ثمَّ عَزله سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَولى مَكَانَهُ عبد الصَّمد بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام وَولى المتَوَكل فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ابْنه الْمُنْتَصر على الْحَرَمَيْنِ واليمن والطائف وَكَانَ قد ولى على الْيمن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم من بنى زِيَاد بن أَبِيه وَكَانَ على إفريقية مُحَمَّد بن الْأَغْلَب بن إِبْرَاهِيم فتوفى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَولى مَكَانَهُ ابْنه أَبُو إِبْرَاهِيم أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْأَغْلَب وَكَانَ مُولَعا بالعمارة فَبنى بإفريقية فِيمَا يُقَال نَحوا من عشرَة آلَاف حصن بِالْحِجَارَةِ والكلس وأبواب الْحَدِيد وَبَقِي إِلَى أَيَّام الْمُنْتَصر الآتى ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَكَانَ المستولى على الغرب الْأَقْصَى عليشا بن مُحَمَّد الإدريسي وَمَات سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَاسْتولى بعده أَخُوهُ يحيى بن مُحَمَّد بِعَهْد مِنْهُ لَهُ فتزايدت عمَارَة فاس وَغَيرهَا فِي أَيَّامه ثمَّ مَاتَ فولى بعده ابْنه يحيى بن يحيى وَكَانَت تلمسان بيد العبيديين وَكَانَ على الأندلس عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام فتوفى فِي ربيع الآخر (64 أ) سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَاسْتولى بعده ابْنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم فبقى إِلَى أَيَّام الْمُنْتَصر الحادى عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الْمُنْتَصر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو جَعْفَر المتَوَكل الْمُتَقَدّم ذكره وَأمه أم ولد رُومِية اسْمهَا حبشية كَانَ أسمر مربوعا أعين أقنى قَصِيرا عَظِيم اللِّحْيَة حسن الْجِسْم ذَا شهامة مهيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 رَاجع الْعقل كثير الْإِنْصَاف بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع خلون من شَوَّال سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنه حضر النَّاس والقواد والعساكر واجتمعوا بِبَاب الْخلَافَة فَخرج إِلَيْهِم وزيره أَحْمد بن الخصيب وَمَعَهُ كتاب من الْمُنْتَصر يَقُول فِيهِ إِن الْفَتْح ابْن خاقَان قتل المتَوَكل فَقتله بِهِ فَبَايع النَّاس الْمُنْتَصر حِينَئِذٍ وَكَانَ نقش خَاتمه يُؤْتى الحذر من مأمنه وَقيل كَانَ نقشه أَنا من آل مُحَمَّد الله وليى وَمُحَمّد وبقى حَتَّى توفى بِمَرَض الذبْحَة بسامر يَوْم الْأَحَد وَقيل لَيْلَة السبت لخمس خلون من ربيع الأول وَقيل لثلاث خلون مِنْهُ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة مَرضه ثَلَاثَة أَيَّام وَيُقَال إِن الطيفورى الْحجام سمه فِي محاجمه وَكَانَ عمره يَوْم توفى خمْسا وَعشْرين سنة وأشهرا وَقيل سِتا وَعشْرين سنة وَيُقَال إِن مولده كَانَ فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَمُدَّة خِلَافَته سِتَّة أشهر ويومان وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَرْبَعَة أَوْلَاد ذُكُور وَلم أَقف على ذكر أسمائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة أظهر حب على بن أبي طَالب رضى الله عَنهُ وَأهل بَيته (64 ب) على خلاف مَا كَانَ أَبوهُ المتَوَكل وَأمر النَّاس بزيارة قبر الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنْهُمَا وآمن العلويين وَكَانُوا خَائِفين أَيَّام أَبِيه وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ خلع الْمُنْتَصر أَخَوَيْهِ المعتز والمؤيد من عهد أَبِيهِمَا إِلَيْهِمَا بالخلافة بعد خِلَافَته على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم وَأخذ خطوطهما بإحلال النَّاس من بيعتهما بعد أَن أخافهما وأهانهما وَلم يطلّ زمن خِلَافَته فتكثر حوادثها ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّامه يزِيد بن عبد الله فأقره عَلَيْهَا أَيَّام خِلَافَته كلهَا وَلم أدر من كَانَ بِالشَّام وَلَا مَكَّة وَالْمَدينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد بن أَبِيه وَكَانَ على مَا وَرَاء النَّهر إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السامانى وَكَانَ على خارسان طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر فبقى إِلَى مَا بعد خِلَافَته الْمُنْتَصر وَكَانَ على إفريقية أَبُو إِبْرَاهِيم أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْأَغْلَب فَبَقيَ الى آخر خِلَافَته وَكَانَ المستولى على الغرب الْأَقْصَى يحيى بن يحيى بن مُحَمَّد من الأدارسة الْمُقدم ذكرهم فَمَاتَ وَقَامَ بالمر بعده ابْن عَمه على بن عمر بن إِدْرِيس الْأَصْغَر وَاسْتولى على جَمِيع ممالك الغرب الْأَقْصَى وَكَانَ على الأندلس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم فبقى إِلَى مَا بعد خِلَافَته الثانى عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المستعين بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المعتصم مُحَمَّد بن الرشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَأمه أم ولد اسْمهَا مُخَارق كَانَ سمينا صَغِير الْعَينَيْنِ كَبِير اللِّحْيَة أسودها بوجنته خَال فِيهِ لين وانقياد لأتباعه مهملا لأموره شَدِيد الْخَوْف على نَفسه وَقَالَ الدولابى كَانَ رجلا صَالحا (65 أ) بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد وَفَاة الْمُنْتَصر الْمُتَقَدّم ذكره بِاتِّفَاق من حبراء الدولة مثل بغا الْكَبِير وبغا الصَّغِير وَأحمد بن الخصيب وَغَيرهم يَوْم الِاثْنَيْنِ لست خلون من ربيع الآخر وَقيل لأَرْبَع خلون مِنْهُ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ كَرَاهَة أَن يقيموا بعض بنى المتَوَكل لكَوْنهم قتلوا أباهم وَكَانَ نقش خَاتمه فِي الِاعْتِبَار غنى عَن الاختبار وبقى حَتَّى خلع فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَوجه إِلَى وَاسِط بعد خلعه فَكتب المعتز إِلَى أَحْمد بن طولون بقتْله فَامْتنعَ فتسلمه سعيد بن صَالح الْحَاجِب فَضَربهُ حَتَّى مَاتَ وكفن ابْن طولون جثته ودفنها وَحمل رَأسه إِلَى المعتز فَأمر بدفنها وَكَانَ عمره يَوْم تولى الْخلَافَة أَرْبعا وَعشْرين سنة وَولى ثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر إِلَّا أَيَّامًا وَقيل أَكثر من ذَلِك وَيُقَال إِن وِلَادَته كَانَت فِي رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة قبض على المعتز والمؤيد ابنى المكتوكل وحبسهما بالجوسق بسامر وَثَبت أمره وفوض أَمر بَيت المَال إِلَى أمه وَإِلَى أتامش التركى وشاهك الْخَادِم فأفسدوا مَاله وأضاعواه وَفِي أَيَّامه جرى بَين الْمُسلمين وَالروم وقْعَة عَظِيمَة بمرج الأسقف هزم فِيهَا الْمُسلمُونَ وَقتل مقدم عَسْكَرهمْ وَفِي أَيَّامه ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن حُسَيْن بن زيد ابْن على بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب بِالْكُوفَةِ وَكثر جمعه فَجهز إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر جَيْشًا من خرسان قَتَلُوهُ وحملوا رَأسه إِلَى المستعين وَفِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ تشغبت الْجند الشاكرية والعامة بِبَغْدَاد على الأتراك بِسَبَب استيلائهم على أُمُور الْمُسلمين يقتلُون من شَاءُوا من الْخُلَفَاء ويستخلفون من أَحبُّوا من غير نظر للْمُسلمين (65 ب) وثارت فتْنَة أَيْضا بسامرا بَين الْعَامَّة والأتراك وَفتحت الْعَامَّة السجون وأطلقوا من فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَفِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ اتّفق بغا الصَّغِير ووصيف التركى وقتلا باغر التركى فتشغبت الأتراك وحصروا المستعين وبغا ووصيفا فِي الْقصر بسامرا وهرب المستعين وبغا ووصصيف فِي حراقة إِلَى بَغْدَاد واستقروا بهَا وَاجْتمعَ أهل الدولة بسامرا على المعتز بن المتَوَكل فَبَايعُوهُ وجهز أَخَاهُ طَلْحَة بن المتَوَكل وجهزه فِي خمسين ألفا من الأتراك وسيرهم إِلَى بَغْدَاد فَجرى بَينهم حَرْب كَبِيرَة وَاتفقَ كبراء الدولة بِبَغْدَاد على خلع المستعين وألزموه ذَلِك فَخلع نَفسه فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ نقل من الرصافة إِلَى قصر الْحسن بن سهل بعياله وَأَهله وَأخذ مِنْهُ الْبردَة والقضيب والخاتم وَوجه بِهِ إِلَى وَاسِط مَعَ أَحْمد بن طولون ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّامه يزِيد بن عبد الله فولى عَلَيْهَا بعده مُزَاحم بن خاقَان فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ وَليهَا عَنهُ أَحْمد بن مُزَاحم فِي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فبقى بهَا إِلَى آخر أَيَّامه وَلم أَقف على عماله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 بِالشَّام وَلَا مَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَ الْيمن بيد بني زِيَاد وَكَانَ على خارسان طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر فتوفى فِي رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فعقد المستعين لوالده مُحَمَّد بن طَاهِر عَليّ خُرَاسَان وَكَانَ على إفريقية أَبُو إِبْرَاهِيم أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْأَغْلَب فتوفى فِي آخر سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَولى بعده ابْنه (66 أ) زِيَادَة الله الْأَصْغَر بن أبي إِبْرَاهِيم أَحْمد وَتوفى فِي آخر سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَفِي أَيَّامه كَانَت أَكثر فتوح صقيلية وَولى بعده أَخُوهُ مُحَمَّد أَبُو الغرانيق بن أبي إِبْرَاهِيم أَحْمد فبقى إِلَى آخر خِلَافَته وَبعد ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَكَانَ المستولى على الغرب الْأَقْصَى على بن عمر بن إِدْرِيس الْأَصْغَر فبقى بهَا أَيَّام خِلَافَته وَكَانَ على الأندلس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم فبقى إِلَى مَا بعد خِلَافَته ... الثَّالِث عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المعتز بِاللَّه ... وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَقيل الزبير بن جَعْفَر المتَوَكل الْمُقدم ذكره وَأمه أم ولد اسْمهَا قبيحة سميت بذلك لحسنها وَهُوَ من بَاب الأضداد كَمَا يُقَال للغراب أَعور لحدة بَصَره كَانَ أَبيض أكحل أسود الشّعْر لم ير فيهم مثله جمالا وَكَانَ مؤثرا للذاته بُويِعَ لَهُ بسامرا عِنْد هروب المستعين إِلَى بَغْدَاد فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ بُويِعَ لَهُ الْبيعَة الْعَامَّة بِبَغْدَاد بعد خلع المستعين لأَرْبَع خلون من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ نقش خَاتمه الحمدلله رب كل شَيْء وخالق كل شَيْء وبقى حَتَّى خلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 لثلاث بَقينَ من رَجَب سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ توفى يَوْم السبت لثلاث خلون من شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ أخرج للنَّاس مَيتا من سجنه وَيُقَال إِنَّه منع الطَّعَام وَالشرَاب أَيَّامًا ثمَّ أَدخل الحالم وأغلق عَلَيْهِ بَابه فَأصْبح مَيتا وَقيل أدخلوه سردابا وجصصوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ المهتدى وَدفن بسامرا وَيُقَال إِن صَالحا الْحَاجِب قَتله ورماه فِي دجلة وَالْمَشْهُور الأول وعمره يَوْمئِذٍ أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر إِلَّا أَيَّامًا (66 ب) وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد عبد الله بن المعتز الْمَشْهُور بالبلاغة وفن الْأَدَب الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة أخرج أَخَاهُ الْمُؤَيد من الاعتقال وخلع عَلَيْهِ ثمَّ بلغه عَنهُ أَنه يدبر عَلَيْهِ أمرا فَضَربهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 أَرْبَعِينَ سَوْطًا وحبسه حَتَّى أشهد على نَفسه بِالْخلْعِ من الْعَهْد الذى كَانَ عهد إِلَيْهِ بِهِ أَبوهُ المتَوَكل بِأَن يكون لَهُ ولَايَة الْعَهْد بعد المعتز ثمَّ بلغه أَن جمَاعَة من الأتراك اجْتَمعُوا إِخْرَاج الْمُؤَيد من محبسه فَأخْرجهُ فِي يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ مَيتا وأحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء حَتَّى رَأَوْهُ وَلَا أثر بِهِ زويقال إِنَّه أدرج فِي لِحَاف سمور وَشد عَلَيْهِ طرفاه حَتَّى مَاتَ وَكَانَ حَاجِبه صَالح بن وصيف غَالِبا على أمره ثمَّ كَانَ من أمره أَنه أَتَاهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث بَقينَ من رَجَب سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَمَعَهُ جمَاعَة فصاحوا على بَابه وبعثوا إِلَيْهِ ان اخْرُج إِلَيْنَا فَاعْتَذر بِأَنَّهُ تنَاول دَوَاء وَأمر أَن يدْخل بَعضهم عَلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فجروا بِرجلِهِ إِلَى بَاب الْحُجْرَة وأقيم فِي الشَّمْس يرفع قدما وَيَضَع أُخْرَى وهم يلطمونه وَهُوَ يتقى بِيَدِهِ حَتَّى أجَاب إِلَى الْخلْع وأدخلوه حجرَة وبعثوا إِلَى قاضى الْقُضَاة ابْن ابي الشَّوَارِب وَجَمَاعَة فَحَضَرُوا فَخلع نَفسه بحضرتهم ووكل بِهِ فِي الْحَبْس وَكَانَت خِلَافَته مُنْذُ بيعَته الْعَامَّة إِلَى أَن خلع ثَلَاث سنسن وَسَبْعَة أشهر إِلَّا أَرْبَعَة أَيَّام وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 لدن مبايعته بسامرا إِلَى أَن خلع أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر إِلَّا سَبْعَة أَيَّام وَفِي أَيَّامه فِي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ أحدث أَحْمد ابْن الْمُدبر صَاحب خراج مصر ضَمَان النطرون بهَا وَكَانَ قبل ذَلِك مُبَاحا لمن يَأْخُذهُ (67 أ) ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر بن مُزَاحم فبقى إِلَى آخر أَيَّام خِلَافَته وَقَالَ فِي عُيُون المعارف كَانَ عَلَيْهَا فِي أَيَّامه يزِيد بن عبد الله ثمَّ مُزَاحم بن خاقَان ثمَّ ابْنه أَحْمد ثمَّ أرخوز التركى ثمَّ أَحْمد بن طولون وَفِي أَيَّام ابْن طولون عظم شان مصر وَعلا قدرهَا وانتقلت من الْإِمَارَة إِلَى الْملك وَهُوَ أول من جلب المماليك التّرْك إِلَى الديار المصرية وَكَانَ قبل ذَلِك أَكثر عسكره من السودَان سودان يُقَال إِنَّه كَانَ فِي عسكره اثْنَا عشر ألف أسود وَكَانَ القاضى بهَا بكار بن قُتَيْبَة وَلم أَقف على عماله بِالشَّام وَمَكَّة وَالْمَدينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَكَانَت الْيمن بيد زِيَاد الْمُقدم ذكرهم وَكَانَ على خارسان مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المعتز وَكَانَ على إفريقية قبله مُحَمَّد أَبُو الغرانيق من بنى الْأَغْلَب فأقره عَلَيْهَا فَفتح جَزِيرَة مالطة سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وبقى إِلَى آخر خِلَافَته وَكَانَ المستولى على الْمغرب الْأَقْصَى قبله عَليّ بن عمر بن إِدْرِيس فبقى إِلَى آخر خِلَافَته وَكَانَ المستولى على الأندلس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم فبقى إِلَى آخر خِلَافَته الرَّابِع عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المهتدى بِاللَّه وَهُوَ أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الواثق ابْن المعتصم وَأمه أم ولد رُومِية اسْمهَا قرب كَانَ أسمر عَظِيم الْبدن مربوعا أجلح طَوِيل اللِّحْيَة وَكَانَ ورعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كثير الْعِبَادَة يكَاد أَن يكون فِي بنى الْعَبَّاس مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي بنى أُميَّة هَديا وفضلا بُويِعَ لَهُ بالخلافة لثلاث لَيَال بَقينَ من رَجَب سنة خمس وَخمسين (67 ب) وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ نقش خَاتِمَة من تعدى الْحق ضَاقَتْ مذاهبه وبقى حَتَّى توفى قَتِيلا لاثنتى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ وعمره يَوْمئِذٍ ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل سِتّ وَخَمْسُونَ سنة وَيُقَال إِن مولده كَانَ فِي ربيع الآخر سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَسبب قَتله أَنه قصد قتل مُوسَى بن بغا فَفطن بِهِ مُوسَى فقصده ففر المهتدى فَقبض عَلَيْهِ مُوسَى وداسوا خصيتيه فَمَاتَ وَدفن بتربة الْمُنْتَصر وَمُدَّة خِلَافَته أحد عشر شهرا أَو نَحْو ذَلِك وَلم أَقف على ذكر عقبه الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّام خرج عَلَيْهِ عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الْمَعْرُوف بِصَاحِب الزنج وَنسبه فِي عبد الْقَيْس فَجمع عَلَيْهِ الزنج الَّذين كَانُوا يكسحون السباخ من جِهَة الْبَصْرَة وَادّعى أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَسَار إِلَى الْبَصْرَة وَعظم أمره وَبث أَصْحَابه يَمِينا وَشمَالًا وَلم يزل أمره يَتَفَاقَم حَتَّى ملك الأبلة وعبادان وَالْبَصْرَة وبقى حَتَّى قتل فِي أَيَّام الْمُعْتَمد الآتى ذكره سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَفِي خلال أَيَّامه ظَهرت قبيحة أم المعتز وَكَانَت قد اختفت عِنْد الْقَبْض على ابْنهَا وَكَانَ لَهَا أَمْوَال جمة بِبَغْدَاد يُقَال إِنَّه وجد لَهَا مطمورة تَحت الأَرْض فِيهَا ألف ألف دِينَار وَوجد لَهَا فِي سفط قدر مكوك زمرد وَفِي سفط آخر قدر مكوك لُؤْلُؤ وَفِي سفط آخر قدر كيلجة ياقوت أَحْمَر لَا يُوجد مثله فَحمل ذَلِك جمعية إِلَى صَالح بن وصيف المهتدى الْقَائِم بتدبير (6 أ) دولته وسارت هى إِلَى مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فَكَانَت تَدْعُو على صَالح بِصَوْت عَال تَقول هتك سترى وَقتل ولدى وَأخذ مالى وغربنى عَن بلدى وَركب الْفَاحِشَة منى فَأجَاب الله دعاءها فِيهِ فَخرج عَلَيْهِ مُوسَى بن بغا فهرب صَالح واختفى ثمَّ ظفر بِهِ مُوسَى وَقَتله ونودى عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من قتل مَوْلَاهُ وَفِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ توفى أَبُو عُثْمَان الجاحظ المعتزلى إِمَام أهل الْأَدَب ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته فِي خِلَافَته كَانَ على مصر أَحْمد بن طولون واستضاف إِلَيْهَا الشَّام وَهُوَ أول من جمع لَهُ بَين مصر وَالشَّام فِي الْإِسْلَام والقاضى بِمصْر يَوْمئِذٍ بكار بن قُتَيْبَة وَكَانَ مقطعها أماجور وَلم أَقف على عماله بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَت الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَت خارسان بيد مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وَكَانَ على افريقية قبله مُحَمَّد ابو الغرانيق من بني الاغلب فبقى الى مَا بعد خِلَافَته وَكَانَ المتولى على الغرب الاقصى قبله عَليّ بن عمر بن ادريس فَبَقيَ الى مَا بعد خِلَافَته وَكَانَ المستولى على الاندلس قبله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الحكم فَبَقيَ الى مَا بعد خِلَافَته الْخَامِس عشر من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق الْمُعْتَمد على الله وَهُوَ ابو الْعَبَّاس وَقيل ابو جَعْفَر احْمَد بن المتَوَكل جَعْفَر وامه ام ولد اسْمهَا فتيَان كَانَ طَوِيل اللِّحْيَة حسن الْجِسْم وَاسع الْعَينَيْنِ مُقبلا على اللَّذَّات بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلع 68 ب الْمُهْتَدي لاربع عشرَة لَيْلَة خلت من رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 نقش خَاتمه السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ وَكَانَ القَاضِي بِمصْر بكار بن قُتَيْبَة ثمَّ غضب عَلَيْهِ ابْن طولون فِي اواخر ايامه وحبسه وَقَيده وَطَلَبه بجوائزه الَّتِي كَانَ بعث بهَا اليه فَوَجَدَهَا فِي منزله بخواتيمه سِتَّة عشر كيسا فِيهَا سِتَّة عشر الف دِينَار واقام مُحَمَّد بن شَاذان الْجَوْهَرِي كالنائب لَهُ وَابْن طولون فِي خلال ذَلِك يخرج بكارا كلما جلس للمظالم ويقيمه بَين يَدَيْهِ الى ان مَاتَ ابْن طولون ثمَّ مَاتَ القَاضِي بكار بعده بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَدفن عِنْد مصلى ابْن مِسْكين وقبره مَشْهُور هُنَاكَ يزار مَعْرُوف باجابة الدُّعَاء عِنْده وَبقيت مصر بعد ذَلِك سنتَيْن بِغَيْر قَاض الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة اقبل على لذاته ولهوه وَجعل اخاه طَلْحَة ولى عَهده ولقبه الْمُوفق وَجعل اليه الْمشرق وَجعل ابْنه جعفرا ولى عَهده ولقبه الْمُفَوض الى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَجعل اليه الْمغرب فغلب الموف على الامر وَقَامَ بِهِ اسد قيام واحسنه وَمَال النَّاس اليه واحتجز الْمُعْتَمد وضيق عَلَيْهِ حَتَّى انه احْتَاجَ فِي وَقت الى ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَلم يجدهَا فَأَنْشد ... الْيَسْ من الْعَجَائِب ان مثلي ... يرى مَا قل مُمْتَنعا عَلَيْهِ ... وَتُؤْخَذ باسمه الدُّنْيَا جَمِيعًا ... وَمَا من ذَاك شَيْء فِي يَدَيْهِ ... وَفِي ايامه كَانَ قد ابْتَدَأَ ظُهُور القرامطة وهم طَائِفَة ملعونة ظَهرت من سَواد الْعرَاق ينسبون الى رجل اسْمه الْفرج بن عُثْمَان يلقب بقرمط وَمَعْنَاهُ بالنبطية احمر الْعين قيل ان الَّذِي كَانَ اتى بِهِ 69 أالى السوَاد رجل احمر الْعين فشهر بشهرته وَكَانَ اللعين قد قَامَ فِي اهل الْبَادِيَة مِمَّن لَا مُعْتَقد لَهُ وَادّعى انه جَاءَ بِكِتَاب اوله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 يَقُول الْفرج بن عُثْمَان وَهُوَ من قَرْيَة يُقَال لَهَا نصرانة انه دَاعِيَة الْمَسِيح وَهُوَ عِيسَى وَهُوَ الْكَلِمَة وَهُوَ الْمهْدي وَهُوَ احْمَد بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ جِبْرِيل وان الْمسْح تصور لَهُ فِي جسم انسان وَقَالَ لَهُ انك الداعية وانك الْحجَّة وانك النَّاقة وانك الدَّابَّة وانك يحيى بن زَكَرِيَّا وانك روح الْقُدس الى غير ذَلِك من سخيف الالفاظ وكفريات الاقوال وَاتبعهُ على هَذَا الهذيان خلق كثير مِمَّن لَا عقل لَهُ وَلَا مسكة دين من اهل الْقرى وقويت شوكته وعظمت دولته وَكَثُرت اتِّبَاعه وطالت ايامهم وتمادت وَكَانَ للاسلام بهم اعظم نكاية قَالَ صَاحب العبر وَهَؤُلَاء القرامطة يعْرفُونَ فِي بِلَاد الْمشرق بالملاحدة لَان مَذْهَبهم كُله الحاد وَمِنْهُم الاسماعيلية بقلاع الدعْوَة بأعمال طرابلس من بِلَاد الشَّام المعروفون بالفداوية وَفِي ايامه توفّي الامام ابو عبد الله مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ صَاحب الْجَامِع الصَّحِيح سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَفِي سنة احدى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ كَانَ بِمصْر زَلْزَلَة عَظِيمَة انْهَدَمت مِنْهَا مَنَارَة الاسكندرية ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين كَانَ زَلْزَلَة عَظِيمَة عَمت الْبلدَانِ وَوَقع غلاء بيع الْقَمْح فِيهِ نصف ويبة بِدِينَار وَفِي سنة خمس وَسبعين احترقت مَدِينَة الْفسْطَاط وَاحْتَرَقَ الْجَامِع الْعَتِيق وَهُوَ الْحَرِيق الثَّانِي وعمره ابو الْجَيْش ابْن طولون ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله احْمَد بن طولون فأقره عَلَيْهَا وَبَقِي الى مَا بعد 69 ب خِلَافَته وَالْقَاضِي بهَا بكار بن قُتَيْبَة ايضا وَفِي ايامه استضاف احْمَد بن طولون الشَّام بعد موت مقطعها اماجور الى مصر وصيرهما مملكة وَاحِدَة ى لَهُ فِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ اول من جمع بَينهمَا فِي الِاسْم وَبَقِي عَلَيْهِمَا حَتَّى توفّي احْمَد بن طولون فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مَنَازِله ومنازل بنيه بعده حول جَامعه الْمَوْجُود الان من كل جَانب وَيعرف بالقطائع فَكَانَ يُقَال قطيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فلَان وَقَطِيعَة فلَان كل خطّ مِنْهَا يُسمى قطيعة وَكَانَ الامراء فِيمَا قبله ينزلون بدار الامارة بالفسطاط وَكَانَ مبدأ بِنَاء جَامعه فِي صفر سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَسبب بنائِهِ جَامعه هَذَا انه كَانَ يكثر التَّرَدُّد الى مَدِينَة عين شمس الخراب وَهِي الكيمان الَّتِي على الْقرب من المطرية من غربيها فاتفق انه بَينا هُوَ يسير فِي أرْضهَا يَوْمًا اذ ساخت يَد فرسه فِي الارض فَأمر بِحَفر ذَلِك الْمَكَان فَوجدَ فِيهِ كنزا من ذهب فِي ناووس حجر وَمُقَابِله ناووس اخر فِيهِ ميت مصبر فِي عسل نحل وعَلى صَدره لوح من ذهب مَكْتُوب فَأخذ الذَّهَب واللوح وتطلب من يقْرَأ لَهُ ذَلِك اللَّوْح مِمَّن لَهُ معرفَة بالخطوط الْقَدِيمَة فَدلَّ على رَاهِب بالصعيد فِي بعض الديارات فَأمر باشخاصه اليه فَقيل لَهُ انه لَا يَسْتَطِيع الْمسير لكبر سنه فَبعث اليه باللوح صُحْبَة امير من جِهَته فَلَمَّا نظر فِيهِ قَالَ انه يَقُول انا اكبر الْمُلُوك وذهبي اخلص الذَّهَب فَقَالَ ابْن طولون قَاتل الله من يكون هَذَا اللعين اكبر مِنْهُ اَوْ ذهبه اخلص من ذهبه ثمَّ شدد فِي ذَلِك حَتَّى كَانَ يحضر التَّعْلِيق بِنَفسِهِ فَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ذهبه أخْلص الذَّهَب ثمَّ أَخذ فِي عمَارَة الْجَامِع من المَال الذى وجده فِي الْكَنْز وَمن غَرِيب أمره أَنه لما فرغ من بنائِهِ أَمر من يتجسس بِسَمَاع (70 أ) قَول النَّاس فِيهِ فَحَضَرَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ سَمِعت من يَقُول محرابه صَغِير وَقَالَ آخر سَمِعت من يَقُول لَيْسَ بِهِ ساريه وَقَالَ أخرسمعت من يَقُول لَيْسَ فِيهِ ميضأة فَقَالَ أما صغر محرابه فإنى رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد خطه لى فَأَصْبَحت فَوجدت النَّمْل قد دَار على ذَلِك الْمَكَان وَأما عدم السارية فَإِن السوراي لَا تكون إِلَّا من مَسْجِد خراب أَو كَنِيسَة وَأَنا بنيته فَمن حَلَال من كنز وجدته فَكرِهت أَن أَدخل فِيهِ شَائِبَة وَأما الميضأة فَأَرَدْت تنزيهه عَن النَّجَاسَة وسأبنيها على بعد فبناها عِنْد الْفِيل وملكها بعده ابْنه خمارويه بن أَحْمد بن طولون فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خِلَافَته وَلم أَقف على عماله بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَت خارسان وَمَا وَرَاء النَّهر بيد بنى طَاهِر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْحُسَيْن وَيَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار قد فتح الرخج وَقتل ملكهَا واستسلم أَهلهَا وَكَانَ ملكهَا يجلس على سَرِير من ذهب ويدعى الإلهية ثمَّ مَاتَ يَعْقُوب فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بعد أَن استولى على بَلخ وكابل وَغَيرهمَا فَقَامَ بِالْأَمر بعده أَخُوهُ عَمْرو بن اللَّيْث وَكتب إِلَى الْمُعْتَمد بِطَاعَتِهِ فولاه الْمُوفق أَخُو الْمُعْتَمد الْقَائِم بتدبير دولته خُرَاسَان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان وسير إِلَيْهِ الْخلْع مَعَ الْولَايَة وَفِي أَيَّامه استولى صَاحب الزنج على الأبله وعبادان والأهواز ثمَّ استولى على الْبَصْرَة فِي سنة سبع وَخمسين وَكَانَ لأسد بن سامان أَرْبَعَة بَنِينَ هم نوح وَأحمد ويحي وإلياس وَكَانُوا فِي خرسان والمأمون بهَا فأكرمهم وَقَدَّمَهُمْ وَلما سَار الْمَأْمُون من خُرَاسَان إِلَى الْعرَاق اسْتخْلف على خرسان غَسَّان بن عباد فولى غَسَّان أَحْمد بن أَسد فرغانة فِي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَولى يحيى بن أَسد الشاش وأشروسنة وَولى إلْيَاس بن أَسد هراة وَولى (70 ب) نوح بن أَسد سَمَرْقَنْد قَاعِدَة مَا وَرَاء النَّهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فَلَمَّا تولى طَاهِر بن الْحُسَيْن خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر أقرهم على هَذِه الْأَعْمَال ثمَّ مَاتَ نوح بن أَسد بسمرقند وَمَات بعده إلْيَاس بهراة وَاسْتقر على عمله ابْنه مُحَمَّد بن إلْيَاس وَكَانَ لِأَحْمَد بن أَسد سَبْعَة بَنِينَ وهم نصر وَيَعْقُوب وَيحيى وَأسد وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَحميد ثمَّ مَاتَ أَحْمد بفرغانة واستخلف ابْنه نصرا على أَعماله وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد يخْدم أَخَاهُ نصرا فولاه نصر بُخَارى فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ إِسْمَاعِيل رجلا خيرا يحب أهل الْعلم ويكرمهم فَمن ثمَّ دَامَ ملكه وَملك أَوْلَاده ووطالت مدتهم وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ على إفريقية مُحَمَّد أَبُو الغرانيق من بنى الْأَغْلَب فتوفى فِي منتصف سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بعد أَن عهد لِابْنِهِ أبي عقال فَحمل أهل القيروان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد أخي أبي الغرانيق على الْولَايَة لحسن سيرته فَامْتنعَ ثمَّ أجَاب بِالْأَمر أحسن قيام وقمع أهل الْفساد وَبنى الْحُصُون والمحارس بساحل الْبَحْر حَتَّى كَانَت النَّار توقد فِي سَاحل سبتة للإنذار بالعدو فيتصل إيقادها بالإسكندرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ انْتقل من القيروان إِلَى تونس فسكنها فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ أول من سكنها من مُلُوك إفريقية وَفِي أَيَّامه ظَهرت دَعْوَة العبيديين بالمغرب وَتوفى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَولى بعده أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن إِبْرَاهِيم أخى مُحَمَّد أبي الغرانيق وَكَانَ حسن السِّيرَة بَصيرًا بالحروب وَنزل تونس مَكَان أَبِيه وَغلب أَبُو عبد الله الشيعى دَاعِيَة العبيديين على كتامة وَجرى بَينهمَا حروب وبقى إِلَى مَا بعد خِلَافَته الْمُعْتَمد وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى عَليّ بن عمر بن إِدْرِيس فبقى إِلَى مَا بعد (71 أ) خِلَافَته وَكَانَ على الأندلس قبله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم الْمُقدم ذكره فتوفى سلخ صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه الْمُنْذر بن مُحَمَّد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُعْتَمد أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 2 - السَّادِس عشر من خافاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المعتضد بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُوفق طَلْحَة بن المتَوَكل جَعْفَر وَأمه أم ولد اسْمهَا ضرار وَيُقَال إِن اسْمهَا خفير وَكَانَ نحيفا ربعَة خَفِيف العارضين يخضب بِالسَّوَادِ سريع النهضة عِنْد الْحَادِثَة ينْفَرد بالأمور بتجربة وحنكة وَكَانَ شهما مهيبا عِنْد أَصْحَابه يتقول سطوته ويكفون عَن الْمَظَالِم خوفًا مِنْهُ مَعَ عفة ذيل قَالَ ابْن إِسْحَاق القاضى دخلت على المعتضد وعَلى رَأسه أَحْدَاث روم صباح الْوُجُوه فأطلت النّظر إِلَيْهِم فَلَمَّا قُمْت أَمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست فَلَمَّا تفرق النَّاس قَالَ يَا قاضى وَالله مَا حللت سراويلى على حرَام قطّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 بُويِعَ لَهُ بالخلافة لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ بعد وَفَاة الْمُعْتَمد وَكَانَ نقش خَاتمه الِاضْطِرَار يزِيل الِاخْتِيَار وبقى حَتَّى توفى بِبَغْدَاد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لسبع وَقيل لثمان بَقينَ من ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وعمره سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو عمر القاضى وَدفن لَيْلًا فِي دَار مُحَمَّد بن طَاهِر وَيُقَال إِن وزيره إِسْمَاعِيل بن طَاهِر سمه وَمُدَّة خِلَافَته تسع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وَقيل وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَلما حَضرته الْوَفَاة أنْشد ... وَلَا تأمنن الدَّهْر إنى أمنته ... فَلم يبْق لى مَالا وَلم يرع لى حَقًا ... قتلت صَنَادِيد الرِّجَال وَلم أدع ... عدوا وَلم أمْهل على طغيه خلقا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 .. وأخليت دَار الْملك من كَانَ نَازع ... فشردتهم غربا وفرقتهم شرقا (71 ب) فَلَمَّا بلغت النَّجْم عزا ورفعة ... وَصَارَت رِقَاب الْخلق أجمع لى رقا ... رمانى الردى سَهْما فأخمد جمرتى ... فها أناذا فِي حفرتي مَيتا ألْقى ... وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المكتفى والمقتدر والقاهر كل مِنْهُم ولى الْخلَافَة وَهَارُون وَإِحْدَى عشرَة بِنْتا الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ من أحسن النَّاس سيرة وَلما بُويِعَ أَمر أَمر بافتتاح الْخراج فِي شهر حزيران من شهور السريان عِنْد كَون الشَّمْس فِي أَوَاخِر الجوزاء رفقا بِالنَّاسِ حَتَّى لَا يُؤْخَذ مِنْهُم الْخراج قبل حُصُول غلالهم وَسَماهُ النيروز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 المعتضدى وَكَانَ ذَلِك من حسن سيرته ومحاسن تَدْبيره وسياسته وَفِي سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ غَار نيل مصر وَوَقع الغلاء حَتَّى بلغ الْكر بهَا خمس مائَة دِينَار كَمَا ذكر صَاحب تَارِيخ النّيل وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ أَمر برد الْفَاضِل من سَهَا الْمَوَارِيث بعد أَرْبَاب الْفُرُوض على ذوى الْأَرْحَام وأبطل ديوَان الْمَوَارِيث الحشرية وَأَن يكْتب بذلك إِلَى سَائِر الأقطار وَفِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ خطب إِلَى خمارويه بن أَحْمد بن طولون ابْنَته قطر الندا وجهز إِلَيْهِ مهرهَا ألف ألف دِرْهَم وهدايا كَثِيرَة ووشاح وبدلة جَوْهَر فَأَجَابَهُ خمارويه إِلَى ذَلِك وهادى بالهدايا الجمة وجهزها بجهاز لم يسمع بِمثلِهِ يُقَال إِنَّه كَانَ فِيهِ ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 هاون من ذهب وَخرجت عَمَّتهَا العباسة بنت احْمَد بن طولون لتشييعها فَنزلت مَكَان الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة الْيَوْم بالعباسية من بِلَاد الشرقية من الديار المصرية فَعرفت بهَا وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ أخبرالنجمون أَنه يغرق أَكثر الأقاليم بِسَبَب كَثْرَة الأمطار وَزِيَادَة الْأَنْهَار فتحفظ النَّاس واحترزوا عَن ذَلِك فَقلت الأمطار وَغَارَتْ الْمِيَاه حَتَّى استسقوا بِبَغْدَاد مَرَّات عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول (72 أ) وفيهَا فِي ربيع الآخر ظَهرت ظلمَة شَدِيدَة وريح وَحُمرَة وَخَافَ النَّاس من ذَلِك ثمَّ كشفه الله ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر وَالشَّام فِي أَيَّامه خمارويه بن أَحْمد بن طولون ثمَّ قتل بِدِمَشْق فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ووليها بعده ابْنه جَيش بن خمارويه وَقَتله جنده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ وَليهَا هَارُون بن خمارويه بمبايعة الْجند فِي آخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خِلَافَته وَكَانَ طغج بن جف نَائِبا عَن خمارويه وَابْنه هَارُون بِالشَّام وَكَانَ نائبهما على حلب حمدَان ونائبهم على العواصم مُحَمَّد بن عِيسَى وَفِي أَيَّام هَارُون تغلبت القرامطة على دمشق وَبقيت بِأَيْدِيهِم إِلَى أَن انتزعها مِنْهُم المكتفى بِاللَّه الآتى ذكره وَلم أَقف على عماله بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن أَسد بن سامان ثمَّ ملك مَعَ مَا وَرَاء النَّهر خُرَاسَان فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ واقتلعها من عَمْرو بن اللَّيْث الصفار بعد أَن أسره ثمَّ أرسل بِهِ بعد ذَلِك إِلَى المعتضد فحبسه فِي بَغْدَاد وبقى مَحْبُوسًا بهَا حَتَّى قتل فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وَكَانَ على إفريقية أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أبي الغرانيق من بنى الْأَغْلَب فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة وَكَانَ على الأندلس الْمُنْذر بن مُحَمَّد الْأمَوِي فبقى الى مَا بعد خِلَافَته أَيْضا السَّابِع عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المكتفي بِاللَّه وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد على بن المعتضد بِاللَّه الْمُتَقَدّم ذكره وَأمه أم ولد تركية اسْمهَا خاضع وَقيل ججك زتلقب جُحَيْفَة وَكَانَ مولده سنة (72 ب) أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ جميلا رَقِيق السمرَة أعين حسن الْوَجْه وَالشعر وافر اللِّحْيَة بُويِعَ بالخلافة بِبَغْدَاد وَهُوَ غَائِب بالرقة لسبع بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلما وَصله الْخَبَر أَخذ الْبيعَة لنَفسِهِ على من عِنْده وَسَار إِلَى بَغْدَاد فَدَخلَهَا لثمان خلون من جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ نقش خَاتمه بِاللَّه عَليّ بن أَحْمد يَثِق وبقى حَتَّى توفى لثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من ذى الْقعدَة سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ بعد أَن طَال مَرضه شهورا وعمره يَوْمئِذٍ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَأشهر وَدفن فِي دَار مُحَمَّد بن طَاهِر بِبَغْدَاد وَمُدَّة خِلَافَته سِتّ سِنِين وَسِتَّة أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المستكفى بِاللَّه الآتى ذكره الحدوادث والماجريات فِي خِلَافَته كَانَ كثير الْعَسْكَر وافر الْأَمْوَال قد وطأ لَهُ أَبوهُ المعتضد الْأُمُور وَسَار بسيرة أَبِيه وَفِي أَيَّامه اشتدت شَوْكَة القرامطة وحصروا طغج أَمِير دمشق عَن بنى طولون ثمَّ اجْتمعت عَلَيْهِم العساكر فَقتل مقدمهم يحيى الْمَعْرُوف بالشيخ وَأقَام أَخُوهُ الْحُسَيْن مقَامه وَتسَمى أَحْمد وَأظْهر شامة فِي وَجهه وَزعم أَنَّهَا آتِيَة وَكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 جمعه فَصَالحه طغج على مَال دَفعه إِلَيْهِ وَسَار إِلَى حمص فحصرها حَتَّى خطب لَهُ على منبرها وتلقب المهدى أَمِير الْمُؤمنِينَ وعهد إِلَى ابْن عَمه عبد الله ولقبه المدثر وَزعم أَنه المدثر الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن ثمَّ سَار إِلَى حماة والمعرة وسلمية فَقتل حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان فَخرج إِلَيْهِ المكتفى بِنَفسِهِ وَسَار من بَغْدَاد حَتَّى نزل الرقة وجهز إِلَيْهِ العساكر فهرب وَمَعَهُ ابْن عَمه المدثر فَوَقع الْقَبْض عَلَيْهِمَا بالبرية وأحضرا إِلَى المكتفى فَسَار بهما إِلَى بَغْدَاد فَقَتَلَهُمَا وطيف بِرَأْس صَاحب الشامة (73 أ) وتفاقم أَمر القرامطة فِي كل جِهَة ونهبوا طبرية وَسَارُوا إِلَى جِهَة الْكُوفَة وَقَطعُوا الطَّرِيق على الْحجَّاج من طَرِيق الْعرَاق وفتكوا بهم عَن آخِرهم وَأخذُوا مِنْهُم أَمْوَالًا جمة وَبلغ عدَّة الْقَتْلَى من الْحجَّاج فِيمَا يُقَال عشْرين ألفا ثمَّ جهز المكتفى جَيْشًا مَعَ مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان الْكَاتِب فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فَسَار حَتَّى استولى على دمشق وَتوجه إِلَى مصر وَبهَا يَوْمئِذٍ هَارُون بن خمارويه بن أَحْمد بن طولون فَوَقع الْحَرْب بَينه وَبَين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فَقتل هَارُون فِي المعركة وَقَامَ عَمه شَيبَان بن أَحْمد بن طولون مقَامه ثمَّ طلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الْأمان فَأَمنهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ثمَّ هرب شَيبَان لَيْلًا فَلم يُوجد وَاسْتولى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان على مصر وَأمْسك بنى طولون وَخرب مَنَازِلهمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهَا إِلَّا الْجَامِع وَمن غَرِيب مَا وَقع مَا حَكَاهُ مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر فِي خطط الْقَاهِرَة أَن أَحْمد بن طولون رأى فِي مَنَامه كَأَن الله تَعَالَى تجلى على تِلْكَ الْجِهَة خلا الْجَامِع فَقص ذَلِك على عَابِر ماهر فَقَالَ لَهُ إِن جَمِيع هَذِه الْأَمَاكِن تخرب خلا الْجَامِع فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} وَكَانَ الْأَمر كَمَا عبر وَاسْتقر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بعد ذَلِك متأمرا على مصر كَمَا سياتى ذكره فِي الْكَلَام على وُلَاة الْأَمْصَار وَفِي سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى يَوْم النيروز ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا ثمَّ توقف فَلم يزدْ إِلَى الْعَاشِر من توت واستسقى النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم وعاودوا الاسْتِسْقَاء مَرَّات فَزَاد بعد ذَلِك أَربع أَصَابِع وَنصفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله هَارُون بن خمارويه بن أَحْمد بن طولون ودمشق (73 ب) بيد القرامطة من حِين اقتلعوها من نواب هَارُون إِلَى أَن قتل فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فوليها عَن المكتفى شَيبَان بن أَحْمد بن طولون فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ بعث المكتفى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الواثقى الْكَاتِب فاستولى على مصر وانتزعها من بنى طولون وَخرب مَنَازِلهمْ وأزال ملكهم عَنْهَا وَكتب المكتفى كتابا بِالْفَتْح إِلَى سَائِر الأقطار قد ذكرته برمتِهِ على طوله فِي كتابى صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابه الإنشا وَبقيت بيد مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْكَاتِب إِلَى أَن ولى عَلَيْهَا المكتفى عِيسَى بن مُحَمَّد النوشرى فِي سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ تغلب عَلَيْهَا مُحَمَّد بن عَليّ ثمَّ عَاد إِلَيْهَا النوشرى وَكَانَ قد تغلب على دمشق القرامطة على مَا تقدم ذكره فانتزعها مِنْهُم فِي سنة إِحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَأقَام عَلَيْهَا وعَلى حلب أَحْمد بن كيغلغ أَمِيرا فبقى فِيهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المكتفى وَولى على ديار ربيعَة وديار مُضر من بِلَاد الجزيرة أَبَا الهيجاء عبد الله بن حمدَان وَلم أَقف على عماله بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَكَانَت الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخرسان بيد إِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن أَسد بن سامان إِلَى ان مَاتَ وملكها بعده ابْنه أَبُو نصر أَحْمد بن إِسْمَاعِيل وَأرْسل المكتفى إِلَيْهِ التَّقْلِيد وَكَانَ على إفريقية قبله أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن إِبْرَاهِيم ابْن أبي الغرانيق فتوفى فِي شعْبَان سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ وَولى ابْنه زِيَادَة الله فَأقبل على اللَّذَّات وَاللَّهْو وَقتل إخْوَته وعمومته وقوى أَمر أبي عبد الله الشيعى داعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 عبيد الله المهدى بالمغرب فهرب زِيَادَة الله إِلَى مصر وَترك إفريقية وبخروجه عَنْهَا انقرضت دولة بنى الْأَغْلَب من إفريقية وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى عَليّ بن عمر بن إِدْرِيس الْأَصْغَر وَملك جَمِيع الْمغرب وخطب لَهُ على منابره فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المكتفى وَكَانَ على الأندلس الْمُنْذر بن مُحَمَّد الاموي فَتَوَلّى لثلاث عشر لَيْلَة بقيت من صفر سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وبويع أَخُوهُ عبد الله يَوْم مَوته فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المكتفى الثَّامِن عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المقتدر بِاللَّه هُوَ أَبُو الْفضل جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَأمه أم ولد اسْمهَا شغب وَكَانَ ربع الْقَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 درى اللَّوْن أحور أصهب وَكَانَ ثقيل الجثة بُويِعَ لَهُ بالخلافة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَسنة يَوْمئِذٍ ثَلَاث عشرَة سنة وَقيل ثَلَاث عشرَة سنة وشهران الإ أَيَّامًا وَكَانَ نقش خَاتمه الْحَمد لله الَّذِي لَيْسَ كمثله شىء وَهُوَ خَالق كل شىء وبقى حَتَّى توفّي قَتِيلا يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث بَقينَ من شَوَّال سنة عشْرين وثلاثمائة وَسنة ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ سَبَب قَتله أَن مؤنسا الْخَادِم خرج إِلَى الْموصل وديار ربيعَة مغاضبا لَهُ ثمَّ عَاد يُرِيد بَغْدَاد فَحسن بعض النَّاس للمقتدر الخورج لقتاله فَخرج إِلَى بَاب الشماسية والتحم الْعَسْكَر فَقتله رجل من البربر وَقلع ثِيَابه فَمر بِهِ رجل فَستر سوأته بحشيش ثمَّ حفر لَهُ وَدفن وخفى أَثَره وَمُدَّة خِلَافَته أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الراضي مُحَمَّد والمتقي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم والمطيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الْفضل ولى كل مِنْهُم الْخلَافَة وَعبد الْوَاحِد وعباس وَهَارُون وَعلي وَإِسْمَاعِيل وَعِيسَى ومُوسَى وَإِسْحَاق وَأَبُو الْعَبَّاس (74 ب) الْحَوَادِث والماجريات فِي زَمَانه لما بُويِعَ بالخلافة كَانَ صَغِيرا فِي سنّ الثَّلَاث عشرَة سنة على مَا تقدم فاستقل الوزراء وَالْكتاب بتدبير الْأُمُور وَغلب على أمره النِّسَاء والخدام حَتَّى أَن جَارِيَة لأمه تعرف بشمل القهرمانية كَانَت تجْلِس للمظالم ويحضرها الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فاختل الْأَمر بِسَبَب ذَلِك وَيُقَال إِنَّه استوزر فِي مُدَّة خِلَافَته تِسْعَة عشر وزيرا وَاجْتمعَ القواد والقضاة على خلعه فخلعوه لعشر بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وبويع عبد الله بن المعتز ولقب الراضين بِاللَّه وَقد تقدم نسب أَبِيه المعتز وَأمه أم ولد اسْمهَا خائن وَكَانَ فَاضلا شَاعِرًا إِمَامًا فِي البلاغة تشبيهاته لَا تلْحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 أَخذ الْعلم عَن الْمبرد وَصَارَ فِي الْأَدَب وَالشعر وَأمه يضْرب بِهِ الْمثل وَلما ولى قَالَ قد آن للحق أَن يَتَّضِح وللباطل أَن يفتضح ثمَّ لم يلبث فِي الْخلَافَة غير يَوْم وَاحِد وَلَيْلَة حَتَّى اضْطربَ أمره وتفرق أَصْحَابه فَأمْسك وَحبس لَيْلَتَيْنِ ثمَّ قتل خنقا وَأظْهر أَنه مَاتَ حتف أَنفه وسنه يَوْمئِذٍ خَمْسُونَ سنة وَدفن فِي خربة بِإِزَاءِ دَاره ورثاه عَليّ بن مُحَمَّد بن بسام بقوله ... لله دَرك من ملك بمضيعة ... ناهيك فِي الْعلم والآداب والحسب ... مَا فِيهِ لَوْلَا وَلَا لَيْت فتنقصه ... وَإِنَّمَا أَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب ... وَمن حَيْثُ قصر مدَّته لم يُورِدهُ المؤرخون فِي عداد الْخُلَفَاء بل جعل كالجملة المعترضة وَلما عَاد المقتدر بقى الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ من تصرف النِّسَاء والخدام ورجوعه إِلَى قَوْلهم ووقوفه عِنْد رَأْيهمْ وَفِي خلال ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 قبض المقتدر على ابْن الْجَصَّاص الجوهرى وَأخذ مِنْهُ من أَصْنَاف الْأَمْوَال مَا قِيمَته أَرْبَعَة آلَاف ألف دِينَار فَأكْثر وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة وثب أَبُو طَاهِر القرمطى فِي جمعه على الْبَصْرَة فَقتل مِنْهَا خلقا كثيرا وَنهب أمولا جمة ثمَّ صَار إِلَى الْكُوفَة فَفعل فِيهَا كَذَلِك وَنهب (75 أ) غَالب الْبِلَاد الفراتية وَقطع الطَّرِيق على الْحجَّاج وَأخذ أَمْوَالهم وَمَات الْكثير مِنْهُم جوعا وعطشا وَعَاد إِلَى هجر قَاعِدَة الْبَحْرين وَانْقطع الْحَج من الْعرَاق بِسَبَب ذَلِك قَالَ فِي تَارِيخ النّيل وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة ظهر فِي السَّمَاء بِمصْر كَوْكَب عَظِيم لَهُ شُعَاع عَظِيم يتبعهُ شهَاب هائل بالجو شَدِيد الْحمرَة أَخذ من جِهَة الشمَال إِلَى جِهَة الْمشرق تَقْدِير طوله ثَلَاثُونَ رمحا وَعرضه قريب من رُمْحَيْنِ فَمه مَفْتُوح كالحية أَقَامَ ثَلَاث سَاعَات ثمَّ انطفأ وَفِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة دخل أَبُو طَاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 القرمطى مَكَّة يَوْم التَّرويَة وخطب لِعبيد الله المهدى صَاحب إفريقية وَقتل الْحَاج قتلا ذريعا وَرمى الْقَتْلَى فِي زَمْزَم وَأخذ الْحجر الْأسود وعرى الكعبه وَقلع بَابهَا وَذهب بِالْحجرِ الْأسود إِلَى الْبَحْرين وبقى عِنْده اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة إِلَّا شهرا حَتَّى رده على مَا سياتى ذكره بعد ان بذل لَهُ بجكم التركى أحد أُمَرَاء المقتدر خمسين ألف دِينَار فَمَا فعل وَقَالَ أخذناه بِأَمْر وَمَا نرده إِلَّا بِالْأَمر وتعطل الْحَج بعد ذَلِك من الْعرَاق إِلَى سنة عشْرين وثلاثمائة والمقتدر متماد على مَا هُوَ عَلَيْهِ من تحكيم النِّسَاء والخدام وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهم ورايهم فاجتمعت العساكر إِلَى مؤنس الْخَادِم وألزموا المقتدر أَن يشْهد على نَفسه بِالْخلْعِ فَفعل وَبَايَعُوا أَخَاهُ مُحَمَّد ابْن المعتضد ولقبوه القاهر بِاللَّه ونهبت دَار الْخلَافَة واستخرج من قبر فِي تربة أم المقتدر سِتّمائَة ألف دِينَار ثمَّ أُعِيد الْأَمر إِلَى المقتدر بعد يَوْمَيْنِ وَحبس القاهر عِنْد وَالِدَة المقتدر فأحسنت إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله عِيسَى بن مُحَمَّد النوشرى فوليها عَن المقتدر أَبُو مَنْصُور تكين فِي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ عَزله وَولى عَلَيْهَا أَبَا الْحسن فِي سنة ثَلَاث وثلاثمائة ثمَّ عَزله وَولى عَلَيْهَا هِلَال بن يزِيد سنة سبع وثلاثمائة وَولى عَلَيْهَا أَحْمد بن كيغلغ فِي سنة (75 ب) إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة وَولى عَلَيْهَا أَبُو مَنْصُور تكين ثَالِث مرّة فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على دمشق وحلب أَحْمد بن كيغلغ وبقى فيهمَا ألى آخر أَيَّام المقتدر وَكَانَ على مَكَّة مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الزيدى من عقب سُلَيْمَان ابْن دَاوُد بن الْحسن الْمثنى بن الْبسط قَالَ البيهقى خلع طَاعَة العباسيين وخطب لنَفسِهِ بالإمارة فِي سنة إِحْدَى وثلاثمائة وَكَانَت الْيمن بيد بنى زِيَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخرسان بيد أَحْمد بن إِسْمَاعِيل من بنى سامان فَقتل فِي سنة إِحْدَى وثلاثمائة وَولى بعده ابْنه أبوالحسن نصر بن أَحْمد فبقى إِلَى مَا بعد أَيَّام المقتدر وَكَانَت إفريقية قد استولى عَلَيْهَا دعاة عبيد الله المهدى فقوى أَمرهم وبويع لِعبيد الله الْمَذْكُور بهَا فِي ربيع سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَبعث الْعمَّال إِلَى نَوَاحِيهَا وَبنى مَدِينَة المهديه بإفريقية شرقى تونس وَجعلهَا دَار ملكه التَّاسِع عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق القاهر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَأمه أم ولد اسْمهَا قتول وَقيل فتْنَة كَانَ أَبيض يعلوه حمرَة مربوعا أعين وافر اللِّحْيَة ألثغ شَدِيد الْإِقْدَام على سفك الدِّمَاء أهوج محبا لجمع المَال قَبِيح السياسة بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْخَمِيس لليلتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 بَقِيَتَا من شَوَّال سنة عشْرين وثلاثمائة وَكَانَ مؤنس الْخَادِم قد أَشَارَ بمبايعة أبي الْعَبَّاس بن المقتدر فاعترضه إِسْحَاق النوبختى بِأَن ابْن المقتدر صبى لَا يصلح لتدبير الْأُمُور وَكَانَ نقش خَاتمه مُحَمَّد رَسُول الله وبقى حَتَّى خلع من الْخلَافَة لست خلون من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَلما دخل عَلَيْهِ الْقُضَاة وَالشُّهُود ليشهدوا عَلَيْهِ بِالْخلْعِ قَالَ لَهُم لى فِي أَعْنَاقكُم بيعَة وَلست أحلكم مِنْهَا فَتَرَكُوهُ وَانْصَرفُوا فبقى إِلَى اللَّيْل فسمل فِي عَيْنَيْهِ بحديدة محماة فَكَانَ أول خَليفَة سمل فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته إِلَى أَن سمل سنة وَاحِدَة وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَلم يزل بَاقِيا فِي دَار الْخلَافَة مسمولا حَتَّى أخرجه المستكفى فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ورده إِلَى دَاره فَأَقَامَ مُدَّة ثمَّ خرج إِلَى (76 أ) جَامع الْمَنْصُور فِي يَوْم جُمُعَة فَقَامَ فَعرف النَّاس بِنَفسِهِ وسألهم أَن يتصدقوا عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ ابْن أبي مُوسَى الهاشمى فَأعْطَاهُ ألف دِرْهَم ورده إِلَى دَاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وبقى حَتَّى توفى فِي خلَافَة الْمُطِيع لَيْلَة الْجُمُعَة لثلاث خلون من جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وعمره اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سنة وَدفن فِي دَار ابْن طَاهِر وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَبُو الْفضل وَعبد الصَّمد وَأَبُو الْقَاسِم وَعبد الْعَزِيز وَهُوَ ولى عَهده الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة صادر جمَاعَة من أُمَّهَات أَوْلَاد المقتدر وَأَوْلَاده وَضرب أم المقتدر وعلقها بِرَجُل وَاحِدَة يقررها على المَال وَكَانَت مَرِيضَة بالاستسقاء فَمَاتَتْ بعد عشْرين يَوْمًا ثمَّ قتل النوبختى الذى أَشَارَ بولايته وَقتل مؤنسا وَلما قَتلهمْ لقب نَفسه القاهر بِاللَّه المنتقم من أَعدَاء الله لدين الله وَضرب ذَلِك على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَلما ولى الْخلَافَة سير ركب الحجيج من الْعرَاق إِلَى مَكَّة بعد أَن كَانَ تعطل الْحَج فِي سنة عشْرين وثلاثمائة فحج بِالنَّاسِ أميره فِي تِلْكَ السّنة ثمَّ انْقَطع الْحَج من الْعرَاق إِلَى أَن صُولِحَتْ القرامطة على مَال يُؤَدِّيه الحجيج إِلَيْهِم فِي سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة فِي أَيَّام الراضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَفِي أَيَّامه ابْتَدَأَ ظُهُور بنى بويه مُلُوك الديلم وهم عماد الدولة أبوالحسن عَليّ وركن الدولة أَبُو عَليّ ومعز الدولة أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد أَوْلَاد بويه بن فناخسرو من عقب بهْرَام جور بن يزدجرد أحد مُلُوك الْفرس وَكَانَ رَأْسهمْ عماد الدولة وَهُوَ أكبرهم فاستولى على أصفهان ثمَّ استولى على أرجان ثمَّ على كاذرون وَغَيرهَا من أَعمال فَارس وَعظم أمره وقويت شوكته وَفِي أَيَّامه فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة توفى ابْن دُرَيْد صَاحب الْمَقْصُورَة (76 ب) ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله أَبُو الْمَنْصُور تكين فَعَزله وَولى عَلَيْهَا أَبَا الْقَاسِم مُحَمَّد بن طغج الْمَعْرُوف بالإخشيد فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة القاهر وقيا فِيهِ غير ذَلِك وَكَانَ على دمشق أَحْمد بن كيغلغ مَعَ مصر فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة القاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَكَانَ على حلب أَحْمد بن كليغلغ نِيَابَة عَن الإخشيد وَكَانَ على مَكَّة مُحَمَّد بن سُلَيْمَان السُّلَيْمَانِي وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان بيد أبي الْحسن نصر بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السامانى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة القاهر وَكَانَ المستولى على إفريقية وَسَائِر بِلَاد الْمغرب عبيد الله المهدى جد الْخُلَفَاء الفاطميين ونائبه بالغرب الْأَقْصَى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة القاهر وَكَانَ على الأندلس النَّاصِر عبد الرَّحْمَن الأموى ابْن مُحَمَّد الْمَقْتُول فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة القاهر زَمنا طَويلا الْعشْرُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الراضى بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن المقتدر بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَأمه أم ولد اسْمهَا ظلوم ولد اسْمهَا ظلوم ولد سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَكَانَ أسمر اللَّوْن أعنق مسنون الْوَجْه خَفِيف العارضين وَكَانَ أديبا حسن الشّعْر محبا للأدباء والفضلاء سخيا يبْذل المَال وَهُوَ آخر خَليفَة لَهُ شعر يدون وَمن شعره ... يصفر وجهى إِذا تَأمله ... طرفى ويحمر وَجهه خجلا ... حَتَّى كَأَن الذى بوجنته ... من دم قلبى إِلَيْهِ قد نقلا ... بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْأَرْبَعَاء لست خلون من جُمَادَى الأولى (77 أ) سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَكَانَ مَحْبُوسًا فَأخْرج وأجلس على سَرِير القاهر وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وأقيم القاهر بَين يَدَيْهِ بعد أَن سملت عَيناهُ وَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وبقى حَتَّى توفى بالاستسقاء لَيْلَة السبت لست عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَأشهر وَمُدَّة خِلَافَته سِتّ سِنِين وَعشرَة أشهر وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَبُو جَعْفَر أَحْمد وَأَبُو الْفضل عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة استوزر أَبَا عَليّ بن مقلة إِمَام الْكِتَابَة فِي صَنْعَة الْخط فَكَانَ من أمره أَنه ضرب مُحَمَّد بن شنبوذ الْمُقْرِئ بِالدرةِ لقراءات أنْكرت عَلَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِ بِقطع الْيَد وتشتيت الشمل ثمَّ قبض الراضي على ابْن مقلة فِي سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة واستوزر عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى ثمَّ قبض عَلَيْهِ واستوزر أَبَا جَعْفَر الْكَرْخِي وَكَانَ ابْن رائق عل وَاسِط وَالْبَصْرَة فَقطع الْحمل وَقطع البريدي حمل الأهواز وأعمالها فضاقت الْأُمُور على الْوَزير أبي جَعْفَر فَصَرفهُ الراضي واستوزر سُلَيْمَان بن الْحسن وَالْأَمر على مضايقة على الْوَزير فَبعث الراضي إِلَى ابْن رائق يستقدمه من وَاسِط ليقوم بالأمور فَقدم فقلده إِمَارَة الْجَيْش وَأمر أَن يخْطب لَهُ عى المنابر مَعَ الْخَلِيفَة وَهُوَ أول من أشرك مَعَ الْخَلِيفَة فِي الْخطْبَة وَبَطل نظر الْوَزير من يَوْمئِذٍ وَلم يبْق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الوزارة الا اسْمهَا بعد ان كَانَت امور الدولة قبضا وصرفا وتولية وعزلا رَاجِعَة الى الْوَزير وتغلب عُمَّال الاطراف عَلَيْهَا وَلم يبْق للخليفة غير بَغْدَاد واعمالها وَالْحكم فِيهَا لِابْنِ رائق دونه والاطراف (77 ب) كالنهاب بأيدي اقوام مُتَفَرِّقَة واستقدم ابْن رائق ابا الْفضل بن الْفُرَات وَكَانَ على خراج مصر وَالشَّام فاستوزره لَهُ وللخليفة ثمَّ استولى معز الدولة بن بويه على الاهواز بِأَمْر اخيه عماد الدولة وَكَانَ بجكم التركي بِخِدْمَة ابْن رائق فسعى ابْن مقلة عِنْد الراضي فِي الْقَبْض على ابْن رائق وامامة بجكم مقَامه فَفطن ابْن رائق فَقَامَ عَلَيْهِ عِنْد الراضي حَتَّى قطع يَده فِي نصف شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وثلاثمائة واجيبت دَعْوَة ابْن شنبوذ المقرىء فِيهِ وَكَانَ يشد الْقَلَم على يَده المقطوعة وَيكْتب ثمَّ بلغ ابْن رائق انه يسْعَى فِي الوزارة بعد ذَلِك وانه يَدْعُو عَلَيْهِ وعَلى الراضي فَقطع لِسَانه وضيق عَلَيْهِ فِي الْحَبْس ولحقه ذرب وَلم يكن عِنْده من يَخْدمه فَكَانَ يَسْتَقِي المَاء فِي الْبِئْر بِيَدِهِ السليمة ويضبط الْحَبل بِفِيهِ وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 يزل على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَدفن فِي دَار الْخَلِيفَة ثمَّ نبش وَسلم الى اهله فدفنوه فِي دَاره ثمَّ نبش وَنقل الى دَار اخرى وَمن العجيب انه ولى الوزارة لثَلَاثَة خلفاء المقتدر والقاهر والراضي ووزر ثَلَاث مَرَّات وسافر ثَلَاث سفرات اثْنَتَيْنِ الى شيراز وَوَاحِدَة الى الْموصل وَدفن ثَلَاث مَرَّات على مَا تقدم وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين سَار بجكم التركي من وَاسِط الى بَغْدَاد لقصد ابْن رائق امير الجيوش بهَا فهرب ابْن رائق واختفى وَدخل بجكم الى بَغْدَاد فَخلع عَلَيْهِ الراضي وَعقد لَهُ لِوَاء وَجعله امير الامراء ثمَّ ظهر ابْن رائق بعد ذَلِك فقلده الراضي بموافقة بجكم حران والرها وقنسرين والعواصم فَسَار اليها وَاسْتولى عَلَيْهَا وَفِي ايامه ظهر مُحَمَّد بن عَليّ الشلمغاني وَادّعى امورا مرجعها الى حُلُول (78 أ) الالهية وَالْقَوْل بالتناسخ والتشييع وان ذَلِك ادى بِهِ الى دَعْوَى الالهية وَاتبعهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 جمَاعَة عون وَابْن عَبدُوس وَقَالَهُ بالهيته فَقبض عَلَيْهِ وعَلى صَاحِبيهِ الْمَذْكُورين واتى بهم الى الراضي فَأمر صَاحِبيهِ بصفعه فامتنعا فأكرها على ذَلِك فصفعه ابْن عَبدُوس وَمد ابْن عون يَده ليصفعه فارتعدت يَده فَقبل لحيته وَرَأسه وَقَالَ الهي وسيدي وزارق فَأمر الراضي بِابْن الشلمغاني وَابْن عون فصلبا حيين واحرقا بالنَّار وَفِي ايامه فتحت جنوة وَغَيرهَا على يَد الْقَائِم الْعلوِي صَاحب افريقية وَالْمغْرب الاقصى وَفِي ايامه لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة انْقَضتْ النُّجُوم فِي هَذِه اللَّيْلَة من اول اللَّيْل الى اخره انقضاضا لم يعْهَد مثله وَفِي سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة وَقع فِي مصر وباء عَظِيم وَاسْتمرّ الى سنة احدى وَثَلَاثِينَ ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَت مصر بيد ابي الْقَاسِم الاخشيد فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الراضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَكَانَ على دمشق احْمَد بن كيغلغ نِيَابَة عَن الاخشيد صَاحب مصر فاستولى ابْن رائق فِي سنة ثَمَان وَعشْرين عَلَيْهَا وعَلى حمص وطرد نَائِب الاخشيد واستقرت مصر للاخشيد وَالشَّام لِابْنِ رائق واستخلف ابْن رائق على الشَّام ابا الْحُسَيْن احْمَد بن عَليّ بن مقَاتل فِي سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المتقي وَكَانَ على حلب بدر الاخشيدي نيباة عَن الاخشيد فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المتقي وَكَانَ الْبَصْرَة فِي يَد ابْن رائق مُضَافا الى نظره فِي بَغْدَاد واعمالها وخوزستان فِي يَد البريدي وَفَارِس فِي يَد عماد الدولة بن بويه وكرمان فِي يَد (78 ب) ابي عَليّ بن الياس والري واصفهان والجبل وَهُوَ عراق الْعَجم فِي يَد ركن الدولة بَين بويه وشمكير بن زِيَاد يتنازعانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 والموصل وديار ربيعَة وديار بكر فِي يَد بني حمدَان وَكَانَ الْيمن بيد بني زِيَاد وَكَانَ من وَرَاء النَّهر وخراسان بيد ابي الْحسن نصر بن احْمَد الساماني فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الراضي وَكَانَت طبرستان وجرجان فِي يَد الديلم والبحرين واليمامة فِي يَد ابي طَاهِر القرمطي وَكَانَ افريقية والغرب الاقصى فِي يَد عبيد الله الْمهْدي الى ان توفّي فِي شهر ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَولى بعده ابْنه الْقَائِم بِأَمْر الله ابو الْقَاسِم مُحَمَّد الْمُقدم ذكره فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الراضي وَكَانَ على لَا الاندلس عبد الرَّحْمَن الاموي فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الراضي الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من خلفاء بن الْعَبَّاس المتقي لله وَهُوَ ابو اسحاق ابراهيم بن المقتدر الْمُقدم ذكره وامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ام ولد اسْمهَا خلوب وَقيل زهرَة وَكَانَ ابيض اشهل الْعَينَيْنِ اشقر الشّعْر بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الاربعاء لعشر بَقينَ من شهر ربيع الاول سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة بِاتِّفَاق ابي عبد الله الْكُوفِي كَاتب بجكم وابي الْقَاسِم سُلَيْمَان بن الْحسن وَزِير الراضي وَغَيرهم وبجكم اذ ذَاك غَائِب بواسط وَعرضت عَلَيْهِ القاب من الاب الحلفاء فَاخْتَارَ مِنْهَا المتقي لله فلقب بِهِ وَكَانَ نقش خَاتمه المتقي لله وَبَقِي حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسملت عَيناهُ يَوْم السبت لعشر بَقينَ من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة اشهر وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك فِي خلَافَة الْمُطِيع (79 أ) فِي سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة وعمره سِتُّونَ سنة وَكَانَ لَهُ من الاولاد ابو مَنْصُور ولى عَهده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بعث الى بجكم وَهُوَ بواسط فَحَضَرَ فبقاه على امرة الامراء واقر سُلَيْمَان بن الْحسن وَزِير الراضي على الوزارة وَلَيْسَ لَهُ من الوزارة سوى اسْمهَا والامر فِي ذَلِك للكوفي كَاتب بجكم فَفِي ذَلِك قيل ... وَزِير رَضِي من بأسه وانتقامه ... بطىء رقاع حشوها النّظم والنشر ... كَمَا تسجع الورقاء وَهِي حمامة ... وَلَيْسَ لَهَا نهى يطاع وَلَا امْر ... وَبَقِي الامر على ذَلِك الى ان خرج بجكم لقِتَال البريدي فَمر بأكراد فطمعت نَفسه فِي مَالهم فقصدهم فَفرُّوا من بَين يَدَيْهِ فَتَبِعهُمْ وطعنه صبي من الاكراد بِرُمْح فِي خاصرته طعنة مَاتَ مِنْهَا فَلَمَّا بلغ المتقي قَتله استولى على دَاره واخذ مِنْهَا اموالا جمة وجد اكثرها مَدْفُونا وَكَانَت مُدَّة امارة بجكم سنتَيْن وَثَمَانِية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 اشهر واياما وَلما قتل بجكم قدم البريدي بَغْدَاد وَاسْتولى على الامر اياما ثمَّ اخرجه الْعَامَّة مِنْهَا لسوء سيرته وَاسْتولى على الامر بعده كورتكين مُدَّة طَوِيلَة وَسَار ابْن رائق بعد استخلافه على دمشق حَتَّى دخل بَغْدَاد فغلب كورتكين على الامر وحبسه وقلد المتقي ابْن رائق امرة الامراء وطوق وسور ثمَّ عَاد البريدي الى بَغْدَاد فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَاسْتولى عَلَيْهَا ونهبها وهرب المتقي وَابْن رائق الى جِهَة الْموصل لناصر الدولة يستمدانه فَأكْرم نزلهما ونثر الدَّنَانِير على رَأس ابْن المتقي وَلما قاما للآنصراف امْر نَاصِر الدولة اصحابه بقتل ابْن رائق فَقَتَلُوهُ وَذَلِكَ لسبع بَقينَ من رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَسَار نَاصِر الدولة بن حمدَان الى المتقي صُحْبَة ابْنه (79 ب) فَخلع المتقي عَلَيْهِ وَجعله امير الامراء وَسَار المتقي وناصر الدولة الى بَغْدَاد فهرب مِنْهَا البريدي بعد ان اقام بهَا ثَلَاثَة اشهر وَعشْرين يَوْمًا وَدخل المتقي وناصر الدولة الى بَغْدَاد فِي جيوش عَظِيمَة وامر نَاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الدولة باصلاح الدَّنَانِير فاصلحت وَكَانَ كل دِينَار بِعشْرَة دَرَاهِم فَبيع بِثَلَاثَة عشر درهما وَفِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة سَار نَاصِر الدولة من بَغْدَاد الى الْموصل فثارت الديلم ونهبت دَار ناصرالدولة وَكَانَ توزون قد خرج من محبسه فقصد بَغْدَاد وَسَار سيف الدولة بن حمدَان اخو نَاصِر الدولة من وَاسِط الى بَغْدَاد فَدفع اليه المتقي اربعمائة الف دِينَار فرقها فِي العساكر لمنع توزون والاتراك عَن بَغْدَاد فَلَمَّا وصل توزون بِمن مَعَه من الاتراك الى بَغْدَاد هرب سيف الدولة عَنْهَا ودخلها توزون فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَخلع المتقي على توزون وَجعله امير الامراء ثمَّ خرج المتقي واهله من بَغْدَاد الى جِهَة الْموصل خوفًا من توزون وَاجْتمعَ بناصر الدولة وَسيف الدولة ابْني حمدَان فأقاموا مُدَّة ثمَّ سَار المتقي الى بَغْدَاد لملاقاته فَلَقِيَهُ بالسندية فَقبل لَهُ الارض وَقبل يَده وركابه ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد ذَلِك وسمل عَيْنَيْهِ يَوْم السبت لعشر بَقينَ من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَسَار بِهِ الى بَغْدَاد وَهُوَ اعمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَفِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ارسل ملك الرّوم يطْلب من المتقي منديلا كَانَ بكنيسة الرها تزْعم النَّصَارَى ان الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام مسح بِهِ وَجهه فَصَارَ صُورَة وَجهه فِيهِ على ان يُطلق فِي نَظِير ارساله عددا من اسرى الْمُسلمين فَاسْتَشَارَ العماء فِي ذَلِك فَاخْتلف رَأْيهمْ فبعض قَالَ استنقاذ (80 أ) الاسرى اولى من بَقَائِهِ وَبَعض قَالَ فِي دَفعه غض من الاسلام وَقد مرت عَلَيْهِ دهور وَلم يدْفع اليهم ثمَّ ترجح ارساله لاطلاق الاسرى فَبعث بِهِ اليه وَفِي ايامه وَقع غلاء شَدِيد بالعراق حَتَّى بلغ كرّ الْحِنْطَة مِائَتي دِينَار وَعشرَة دَنَانِير وَخرج الْحَرِيم من قصر الرصافة ينادين الْجُوع الْجُوع وَفِي خِلَافَته فِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة نقص النّيل فِي زمن الاحتراق حَتَّى لم يُوجد فِي المقياس مَا يُقَاس فقيس فِي الجزيرة فَكَانَ ذراعين وَسِتَّة اصابع ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله ابو الْقَاسِم الاخشيد فَبَقيَ الى مَا بعد خِلَافَته المتقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَكَانَت دمشق بيد ابي الْحُسَيْن احْمَد بن عَليّ بن مقَاتل فانتزعها مِنْهُ ابو الْقَاسِم الاخشيد فَبَقيَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَالتَّحْقِيق ان دُخُول الوهن على الْخلَافَة من حِين خلَافَة الراضي وتأمير ابْن رائق على الجيوش واشتراكه مَعَ الْخَلِيفَة فِي الدُّعَاء لَهُ على المنابر فَبَقيَ مَعَه الى مَا بعد خلَافَة المتقي وَكَانَ الْيمن بيد بني زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد الْخَانِية من مُلُوك التّرْك وخراسان بيد ابي الْحسن نصر الساماني فَتوفي فِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَملك بعده ابْنه نوع بن نصر فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المتقي وَكَانَت افريقية والغرب الاقصى بيد الْقَائِم بِأَمْر الله ابْن عبيد الله الفاطمي فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المتقي وَكَانَ عَليّ الاندلس النَّاصِر عبد الرحمن الاموي فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المتقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المستكفي بِاللَّه وَهُوَ ابو الْقَاسِم عبد الله بن المكتفي بِاللَّه الْمُقدم ذكره وامه (80 ب) ام ولد اسْمهَا غُصْن كَانَ ابيض حسن الْوَجْه قد وخطه الشيب بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلع المتقي وامته بَين يَدَيْهِ وتسليمه عَلَيْهِ بالخلافة لعشر بَقينَ من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة على مَا تقدم ولقب نَفسه آخر السّنة الْمَذْكُورَة امام الْحق وضربه على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَكَانَ نقش خَاتمه المستكفي بِاللَّه بتقي وَبَقِي الى حِين خلعه فِي يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من جمادي الاخرة سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَكَانَت خِلَافَته الى ان خلع سنة وَاحِدَة واربعة اشهر واقام بعد ذَلِك فِي دَار السُّلْطَان الى ان توفّي فِي ربيع الاخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وعمره سِتّ واربعون سنة واشهر الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة قَامَ بتدبير دولته توزون امير الامراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الْمُقدم ذكره إِلَى أَن توفّي لثمان من الْمحرم سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَهُوَ مُسَافر فَكَانَت إمارته سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر وأياما وَاجْتمعَ الْجَيْش بعده على مُحَمَّد بن يحيى كَاتب توزون وَوصل خبر مَوته إِلَى بَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى الولى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فقلد المستكفي أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن بويه الْإِمَارَة مَكَان توزون ولقبه معز الدولة ولقب أَخَاهُ أَبَا عَليّ الْحسن عليا ركن الدولة وخلع عَلَيْهِم وَأمر أَن تضرب أَسمَاؤُهُم على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم مَعَ أسم الْخَلِيفَة وهم أول من ضرب اسْمه من مُلُوك الْإِسْلَام على النُّقُود مَعَ اسْم الْخَلِيفَة وَنزل معز الدولة دَار مؤنس الْخَادِم فَنزل أَصْحَابه بدور النَّاس بالقهر وَلم يعْهَد ذَلِك فِيمَا تقدم ورتب معز الدولة للمستكفي (81 أ) فِي كل يَوْم خَمْسَة آلَاف دِرْهَم للنفقات يتسلمها كَاتبه وَذَلِكَ أول مَا رتب للخليفة مَعْلُوم لَهُ لَا يتعداه ثمَّ إِن قهرمانة للمستكفي اسْمهَا علم صنعت دَعْوَة وأحضرت جمَاعَة من الديلم فَركب إِلَى دَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة بِسَبَب وُصُول خُرَاسَان فأجلس الْخَلِيفَة معز الدولة على كرْسِي وَيُقَال إِنَّه رجلَانِ من الديلم فمدا إِلَيْهِ أَيْدِيهِمَا فَظن أَنَّهُمَا يُريدَان تَقْبِيل يَده فَمدَّهَا لَهما فجذباه لَهما فجذباه وَجعلا عمَامَته فِي عُنُقه وسحباه بهَا وَقَامَ معز الدولة وَقبض الديلم على القهرمانة وسيق المستكفي إِلَى دَار معز الدولة مَاشِيا ونهبت دَار الْخلَافَة ثمَّ أحضر الْمُطِيع الْآتِي ذكره إِلَى معز الدولة وأقيم المستكفي بَين يَدَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَأشْهد على نَفسه بِالْخلْعِ وسلمت عَيناهُ وَلم أَقف لَهُ على ذكر أَوْلَاده ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله أَبُو الْقَاسِم الإخشيد فَتوفي فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَملك بعده ابْنه أنوجور بن الإخشيد وَهُوَ صَغِير وَقَامَ بتدبير دولته كافور الإخشيدي الْخَادِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَكَانَت دمشق بيد الإخشيد أَيْضا فملكها بعده ابْنه أنوجور الْمَذْكُور فِي تَدْبِير كافور الْمُقدم ذكره فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفي وَكَانَت حلب مَعَ أنوجور الْمَذْكُور ونائبه فِيهَا بدر الإخشيدي فانتزعها مِنْهُ سيف الدولة حمدَان أَيْضا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وبقى بهَا حَتَّى توفّي فِي سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة وَكَانَ الْيمن مَعَ بني زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان بيد نوح بن (81 ب) نصر الساماني فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفي وَكَانَ على إفريقية والغرب الْأَقْصَى الْقَائِم بِأَمْر الله الْعلوِي فَتوفي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَقد عهد إِلَى إبنه الْمَنْصُور بِاللَّه إِسْمَاعِيل فَقَامَ بِالْأَمر بعده وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفي وَكَانَ على الأندلس النَّاصِر عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق الْمُطِيع لله وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن المقتدر الْمُقدم ذكره وَأمه أم ولد اسْمهَا مشغلة ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وثلاثمائة وَلم اقف على ذكر صفته بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْخَمِيس ثانى عشر جُمَادَى الآخر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَقيل لثمان بَقينَ مِنْهُ وَلم أَقف على نقش خَاتمه هُوَ وَلَا من بعده من الْخُلَفَاء وبقى حَتَّى خلع نَفسه فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة فَكَانَت خِلَافَته إِلَى أَن خلع تسعا وَعشْرين وَخَمْسَة أشهر وَقيل وَأَرْبَعَة وَعشرَة أَيَّام وَتُوفِّي بعد ذَلِك فِي منتصف ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث مستين وثلاثمائة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد أَبُو بكر الطائع الْآتِي ذكره وَعبد الْعَزِيز وجعفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته ولى الْخلَافَة وَقد ازْدَادَ أَمر الْخلَافَة إدبارا وَلم يبْق للخلفاء أَمر نَافِذ وتسلم نواب معز الدولة الْعرَاق بأسره وَلم يبْق فِي يَد الْخَلِيفَة غير مَا أقطعه معز الدولة مِمَّا يقوم بِبَعْض حَاجته وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك حَتَّى مَاتَ معز الدولة بن بويه فِي سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة وقان ابْنه بختيار بِالْأَمر بعده بِعَهْد من أَبِيه ولقب عز الدولة وَاسْتقر فِي أمرة الْأُمَرَاء فأساء السِّيرَة واشتغل باللهو واللعب وَعشرَة النِّسَاء والمغنين وَنفى كبار الدولة وَأخذ إقطاعاتهم وبقى الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن سَار بختيار إِلَى الأهواز فاستخلف سبكتكين التركي عَنهُ بِبَغْدَاد وفتك (82 أ) بختيار بِمن صَحبه من الأتراك فَنَهَضَ سبكتكين وَنهب دَار بختيار بِبَغْدَاد وَاسْتولى على الْأَمر مَكَانَهُ وَقد عجز الْمُطِيع عَن الْحَرَكَة وَالدَّفْع لمَرض بِهِ وَثقل لِسَانه فَدَعَاهُ سبكتكين إِلَى خلع نَفسه من الْخلَافَة وَتَسْلِيم الْأَمر لوَلَده الطائع فَأجَاب إِلَى ذَلِك وخلع نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَفِي أَيَّامه فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة لم يُوجد فِي المقياس مَا يُقَاس حَتَّى قيس فِي بَحر الجزيرة وانْتهى النّيل فِي تِلْكَ السّنة إِلَى خَمْسَة عشر ذِرَاعا فَقَط وَفِي أَيَّامه كثرت الزلازل فزلزلت الأَرْض فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ثَلَاث مَرَّات ثمَّ فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين مرَّتَيْنِ فِي شهر وَاحِد ثمَّ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين مرَّتَيْنِ فِي شهر وَاحِد وَفِي سنة سِتّ وَخمسين انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى اثنى عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر أصبعا وَلم يعْهَد مثل ذَلِك وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين وَقع بِمصْر غلاء عَظِيم بيع الْقَمْح فِيهَا ويبة بِدِينَار وَنصف وَالْخبْز رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ والبيضة بدرهم وَثلث وَفِي أَيَّامه طمع الرّوم فِي بِلَاد الْمُسلمين فقصدوا حلب فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وثلاثمائة واستولوا عَلَيْهَا دون قلعتها وَأخذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة لسيف الدولة وَفِي سنة أَربع وَخمسين وثلاثمائة فتح المصيصة وطرسوس وَقتل وَأسر وَفِي سنة خمس وَخمسين وصل الرّوم إِلَى آمد ونصيبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وإنطاكية وطرسوس وعثوا فَسَادًا 4 وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين ملكوا إنطاكية وحصروا حلب حَتَّى صالحوهم عَن حلب وَمَا مَعهَا من الْبِلَاد وَهِي حماة وحمص وَكفر طَابَ والمعرة وفاميه وشيرز وَمَا بَين ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وصلت الرّوم إِلَى الجزيرة والرها ونصيبين وَقتلُوا وَسبوا وَذهب النَّاس إِلَى بَغْدَاد مستغيثين بختيار فَطلب من الْخَلِيفَة مَالا يَسْتَعِين بِهِ على الْغُزَاة فَبَاعَ قماشا بِأَرْبَع مائَة ألف دِرْهَم (82 ب) وأوصلها إِلَيْهِ فصرفها فِي مصَالح نَفسه وَترك أَمر الْغُزَاة ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت مصر بيد الإخشيد فَتوفي فِي ذى الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وتقلد ابْنه أنوجور وَمَعْنَاهُ مَحْمُود وَغلب كافور الإخشيدي الْخَادِم على أمره وَقَامَ بتدبير دولته ثمَّ مَاتَ أنوجور فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَقَامَ أَخُوهُ على الْأَمر بعده ثمَّ مَاتَ عَليّ بن الإخشيد فِي الْمحرم سنة خمسين وثلاثمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فوليها بعده كافور الإخشيدي الْمُقدم ذكره وَكَانَ يدعى لَهُ على المنابر بِمصْر وَالشَّام والحجاز ثمَّ جلب إِلَيْهِ الزَّكَاة فَقَالَ اصرفوها من أَيْدِيكُم فَلم يَجدوا من يقبلهَا فَقَالَ ابنو بهَا الْمَسَاجِد وأجروا لَهَا الأرزاق فَفَعَلُوا وبقى إِلَى أَن مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة فعقد الْأَمر لأبي الفوارس أَحْمد ابْن عَليّ بن عبيد الله بن طغج خَلِيفَته بهَا ثمَّ دخل جَوْهَر قَائِد الْمعز الفاطمي إِلَى مصر يَوْم الثُّلَاثَاء لست عشرَة لَيْلَة خلت من شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَاسْتولى عَلَيْهَا وَأذن بحى على خير الْعَمَل وَقطع الْخطْبَة للعباسيين وخطب بالجامع الْعَتِيق بالفسطاط لمولاة الْمعز واختط الْقَاهِرَة وَبنى قصر الْخلَافَة بوسطها حَيْثُ دَار الضَّرْب الْآن وَمَا حولهَا من الْمدرسَة الصالحية ومشهد الْحُسَيْن والبيمارستان الْعَتِيق وَمَا جاور ذَلِك ثمَّ وصل الْمعز إِلَى الديار المصرية وَدخل الْقَاهِرَة فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة واستخلف على بِلَاد إفريقية بلكين بن زيري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَكَانَت دمشق بيد الإخشيد (83 أ) أَيْضا فوليها بعد وَفَاته ابْنه أنوجور وَقَامَ بتدبير دولته كافور الإخشيدي على مَا تقدم ذكره ثمَّ إنتزعها مِنْهُ سيف الدولة بن حمدَان صَاحب حلب ثمَّ إنتزعها مِنْهُ كافور الإخشيدي ثَانِيًا وَولى عَلَيْهَا بَدْرًا الإخشيدي الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا أَولا فَأَقَامَ بهَا سنة ثمَّ وَليهَا أَبُو المظفر بن طغج ثمَّ لما مَاتَ أنوجور ملكهَا مَعَ مصر أَخُو عَليّ ابْن الإخشيد ثمَّ كافور بعده ثمَّ أَحْمد بن عَليّ ابْن الإخشيد وَهُوَ آخر من ملكهَا مِنْهُم ثمَّ كَانَت الدولة الفاطمية عنددخول جَوْهَر الْقَائِد إِلَى مصر فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَأقَام بهَا جَعْفَر بن فلاح نَائِبا ثمَّ غلبت القرامطة عَلَيْهَا فِي سنة سِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ ملكهَا الْمعز معد بن تَمِيم العبيدي من القرامطة وَولى عَلَيْهَا رَيَّان الْخَادِم وبقى الْمعز إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفي وَكَانَت حلب بيد سيف الدولة بن حمدَان فبقى بهَا حَتَّى توفّي سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة وملكها بعده ابْنه سعد الدولة أَبُو الْمَعَالِي شرِيف ثمَّ إنتزعها مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 قرعويه غُلَام أَبِيه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُطِيع وخطب بِمَكَّة لمعز الدولة بن بويه مَعَ الْخَلِيفَة فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَانَ الْحَج قد تعطل بِسَبَب القرامطة على مَا تقدم فبرز أَمر الْمَنْصُور بن الْقَائِم الفاطمي صَاحب إفريقية لِأَحْمَد بن أبي سعيد أَمِير القرامطة بعد موت أبي طَاهِر القرمطي برد الْحجر الْأسود إِلَى مَكَانَهُ فَرده فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وخطب لِابْنِ بويه واتصلت وُفُود الْحَج من يَوْمئِذٍ وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين خطب بِمَكَّة مَعَ مُطِيع وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة خطب بِمَكَّة لبختيار بن معز الدولة بعد موت أَبِيه ثمَّ سنة سِتِّينَ وثلاثمائة جهز الْمعز الفاطمي (83 ب) عسكرا من إفريقية لإِقَامَة الْخطْبَة لَهُ بِمَكَّة فبادر الْحسن بن جَعْفَر بن الْحسن ابْن سُلَيْمَان السُّلَيْمَانِي من الْمَدِينَة وَملك مَكَّة وخطب لَهُ بهَا وَكتب إِلَيْهِ الْمعز بِالْولَايَةِ وَخرجت مَكَّة عَن العباسيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء بيد الْخَانِية مُلُوك التّرْك وخراسان بيد نوح بن نصر الساماني فَوَلِيه بعده ابْنه مَنْصُور وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُطِيع وَكَانَ على إفريقية وبلاد الْمغرب الْمَنْصُور إِسْمَاعِيل بن الْقَائِم الفاطمي فبقى حَتَّى توفّي فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَولى المر بعده ابْنه الْمعز لدين الله معد وانتهت مَمْلَكَته بالغرب إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط وَفتح قائده جَوْهَر مصر على مَا تقدم فِي منتصف شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة واختط الْقَاهِرَة ثمَّ قدم الْمعز إِلَى مصر وَدخل الْقَاهِرَة لخمس من رَمَضَان سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة واستخلف على إفريقية والغرب بلكين بن زيري وأنزله القيروان وَسَماهُ يُوسُف وكناه أَبَا الْفتُوح وَاجْتمعَ لَهُ ملك وَالشَّام وبلاد الْمغرب فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُطِيع وَكَانَت تلمسان بيد يعلى بن مُحَمَّد اليفرني ولاها لَهُ النَّاصِر الْأمَوِي فِي سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة وَتُوفِّي فوليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 بعده مُحَمَّد بن الْخَيْر بن مُحَمَّد بن خزر دَاعِيَة الحكم الْمُسْتَنْصر الْأمَوِي فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وثلاثمائة وبقى حَتَّى مَاتَ فِي حَرْب صنهاجة وغلبت صنهاجة على تلمسان فَبَقيت بِأَيْدِيهِم إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُطِيع وَكَانَ على الأندلس النَّاصِر عبد الرحمن الأموى وَتوفى فِي رَمَضَان سنة خمسين وثلاثمائة وَولى بعده ابْنه الحكم وتلقب الْمُسْتَنْصر فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُطِيع الرَّابِع وَالْعِشْرين منخلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الطائع لله (84 أ) وَهُوَ أَبُو بكر عبد الكريم بن الْمُطِيع الْمُقدم ذكره وَقد تقدم نسبه وامه أم ولد اسْمهَا هزار بُويِعَ لَهُ بالخلافة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة وبقى حَتَّى خلع نَفسه على مَا سيأتى لعشر بَقينَ من شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فَكَانَ مُدَّة خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وأياما وبقى بعد خلعه عِنْد الْقَادِر بِاللَّه الاتى ذكره حَتَّى توفى فِي خلَافَة الْقَادِر لَيْلَة الْفطر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وعمره سِتّ وَسَبْعُونَ سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته قَالَ الْمُؤَيد صَاحب حماه وَلم يكن للطائع فِي ولَايَته من الحكم مَا يسْتَدلّ بِهِ على حَاله وَلما بُويِعَ بالخلافة انحدر سبكتكتين إِلَى وَاسِط وَتَبعهُ الطائع والمطيع وَهُوَ مخلوع فَمَاتَ الْمُطِيع بدير العاقول وَمرض سبكتكين وَمَات فَحمل إِلَى بَغْدَاد فَدفن بهَا وَقدم عَسْكَر سبكتكين عَلَيْهِم أفتكين أحد قوادهم وَسَار إِلَى وَاسِط وَبهَا بختيار فَجرى بَينهم وَبَين بختيار قتال كَبِير وَبعث بختيار إِلَى ابْن عَمه عضد الدولة بن ركن الدولة صَاحب فَارس يستنجده فَقدم عضد الدولة الْعرَاق وَاسْتولى على بَغْدَاد بعد قتال وَأعَاد الْخَلِيفَة إِلَى دَار الْخلَافَة وَرَأى عضد الدولة عجز بختيار عَن الْقيام بِأَمْر الْجند فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِصَرْف نَفسه عَن الإمرة فَفعل ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد ذَلِك وحبسه واستبد عضد الدولة بِالْأَمر وَأحسن إِلَى الْخَلِيفَة الطائع وعظمه وأتحفه بالأموال وَبلغ الْخَبَر ركن الدولة بن بويه بِفَارِس فَأنْكر على ابْنه عضد الدولة وَأرْسل يتوعده ويهدده بِسَبَب بختيار فَرد عضد الدولة الْأَمر إِلَى بختيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَسَار عَنهُ إِلَى فَارس مَوضِع ملك أَبِيه ركن الدولة وبقى الْأَمر (84 ب) على ذَلِك حَتَّى مَاتَ ركن الدولة فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة واستخلف على ملكه ابْنه عضد الدولة بعد أَن عقد لِابْنِهِ فَخر الدولة على همذان وأعمال الْجَبَل ولابنه مؤيد الدولة على أصفهان وأعمالها وجعلهما تَحت حكم أخيهما عضد الدولة فِي هَذِه الْبِلَاد وَسَار عضد الدولة بعد وَفَاة أَبِيه إِلَى الْعرَاق فَدخل بَغْدَاد وَقد خرج عَنْهَا بختيار إِلَى جِهَة الشَّام ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد لقِتَال عضد الدولة فَقبض عضد الدولة عَلَيْهِ ثمَّ قَتله وَاسْتقر عضد الدولة فِي تَدْبِير أُمُور الْخلَافَة بِبَغْدَاد وبقى إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة فَكَانَت ولَايَته بالعراق خمس سِنِين وَسِتَّة أشهر وَهُوَ الذى بنى سور الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَولى الْأَمر بعده ابْنه صمصام الدولة أَبُو كاليجار بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه ثمَّ سمل وَكَانَ اخوه شرف الدولة بن عضد الدولة بكرمان فَلَمَّا بلغه موت أَبِيه سَار إِلَى فَارس وملكها وَقطع خطْبَة أَخِيه صمصام الدولة وَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 بك إِلَّا مَا كشفت عَنَّا فَقبض على عِيسَى النصرانى فصادره وعزل ميسا عَن الشَّام وَكَانَ على دمشق رَيَّان خَادِم الْمعز الفاطمى نِيَابَة عَنهُ ثمَّ غلب عَلَيْهَا أفتكين مولى معز الدولة بن بويه الديلمى وَقطع الْخطْبَة بهَا للمعز الفاطمى وخطب للطائع العباسي فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة ثمَّ انتزعها مِنْهُ الْمعز الفاطمى بعد ذَلِك وَقبض عَلَيْهِ بعد قتال جرى بَينهمَا وأحضره مَعَه إِلَى مصر وأنزله هُوَ وَمن مَعَه من الديلم دَاخل بابى زويله على الْقرب من (85 ب) حارة الديلم فسميت بهم حارة الديلم إِلَى الان ثمَّ بعد موت الْمعز وَولَايَة ابْنه الْعَزِيز تغلب عَلَيْهَا شخص اسْمه قسام وَكَانَ يخْطب بهَا للعزيز الفاطمى ثمَّ انتزعها الْعَزِيز من قسام وَقرر فِيهَا بكتكين فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة ثمَّ انتزعها مِنْهُ بكجور مولى قرعويه صَاحب حلب بِأَمْر الْعَزِيز الفاطمى سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الطائع وَكَانَت حلب بيد قرعويه غُلَام سيف الدولة بن حمدَان فغلب عَلَيْهَا بكجور غُلَام قرعويه الْمَذْكُور واقتلعها مِنْهُ ثمَّ انتزعها مِنْهُ سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدَان فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الطائع وَكَانَ على مَكَّة الْحسن بن جَعْفَر السليمانى فَمَاتَ فولى عَلَيْهَا أَخُوهُ عِيسَى وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الطائع وَكَانَ على الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَبُو الْحُسَيْن طَاهِر من ولد مُسلم بن طَاهِر بن الْحسن الحسينى فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الطائع وَكَانَ الْيمن بيد بنى زِيَاد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد الخانيه من مُلُوك التّرْك وخرسان بيد مَنْصُور بن نوح فَمَاتَ فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَولى بعده ابْنه نوح بن مَنْصُور فبقى إِلَى مَا بعد الطائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما اسْتَقر فِي الْخلَافَة وَسَار من البطائح إِلَى بَغْدَاد وَصله مهذب الدولة صَاحب البطائح بأموال جمة وَقَامَ بتدبير دولته بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه إِلَى أَن توفى بأرجان وَقد ملك الْعرَاق فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ مُدَّة ملكه أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَولى بعده بَغْدَاد وَمَا مَعهَا ابْنه (86 ب) سُلْطَان الدولة أَبُو شُجَاع إِلَى أَن تشغب عَلَيْهِ الْجند فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فاستخلف على الْعرَاق أَخَاهُ مشرف الدولة وَسَار إِلَى الأهواز ثمَّ بدا لَهُ فِي صرف أَخِيه مشرف الدولة فَبعث جَيْشًا لقتاله فَكَانَت الكسرة على جَيش سُلْطَان الدولة فَتَضَعَّفْت نَفسه وهرب إِلَى الأهواز فِي فل من النَّاس وبقى مشرف الدولة حَتَّى توفى فِي ربيع الأول سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَكَانَت مُدَّة ملكه خمس سِنِين وَعشْرين يَوْمًا وخلت بَغْدَاد من سُلْطَان فتسلط الأتراك على النَّاس بالمصادرات وطمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أوباش النَّاس فِي رُؤَسَائِهِمْ ثمَّ سَار جلال الدولة بن بهاء الدولة من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد باستدعاء الْقَادِر الْخَلِيفَة والجند لَهُ فَخرج الْقَادِر لملتقاه وحلفه واستوثق مِنْهُ وَدخل بَغْدَاد ثَالِث رَمَضَان سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَاسْتقر فِي بَغْدَاد خَاصَّة وَبَاقِي الْأَعْمَال لأبي كاليجار بن سُلْطَان الدولة وَفِي أَيَّامه فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ملك الرّوم مَدِينَة حمص واستولوا عَلَيْهَا وفيهَا حدث بِدِمَشْق زَلْزَلَة عَظِيمَة سقط مِنْهَا زهاء ألف دَار وَمَات تَحت الرَّدْم خلق كثير وخسفت قَرْيَة من قرى بعلبك وَخرج النَّاس من دُورهمْ إِلَى الصحارى وَفِي سنة عشرَة وَأَرْبَعمِائَة سقط بالعراق برد كبار وزن الْبردَة رطلان فَأَقل وأصغرها بِقدر الْبَيْضَة وَفِي أَيَّامه توفّي الصاحب أَبُو الْقَاسِم بن عباد وَزِير فَخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه بِالريِّ وَنقل إِلَى أصفهان فَدفن بهَا وَهُوَ أول من لقب الصاحب من الوزراء وَذَلِكَ أَنه كَانَ يصحب أَبَا الْفضل بن العميد فَقيل لَهُ صَاحب ابْن العميد ثمَّ أطلق عَلَيْهِ هَذَا اللقب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 على قَتله فِي الثَّالِث من ذِي الْقعدَة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وعمره يَوْمئِذٍ سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة وَولى بعده ابْنه الظَّاهِر لإعزاز دين الله أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحَاكِم الْمُقدم ذكره فِي يَوْم عيد النَّحْر سنة إِحْدَى عشرَة 0 (87 ب) وَأَرْبَعمِائَة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَ على دمشق مُنِير الْخَادِم من جِهَة الْعَزِيز الفاطمي فولى عَلَيْهَا الْحَاكِم بن الْعَزِيز أَبَا مُحَمَّد الْأسود فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة فيقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وأفرط فِي التَّشَيُّع حَتَّى أَنه شهر رجلا مغربيا بهَا ونادى عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يحب أَبَا بكر وَعمر فَلَا أحسن الله جزاءه وَكَانَ على حلب سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدَان ثمَّ تقلدها أَبُو عَليّ بن مَرْوَان من الفاطمي خَليفَة مصر فِي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَلم يدخلهَا وَبقيت بيد سعد الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 حَتَّى توفّي بالفالج فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَولى بعده ابْنه أَبُو الْفَضَائِل ثمَّ انتزعها مِنْهُ أَبُو نصر بن لُؤْلُؤ وخطب بهَا للْحَاكِم الفاطمي ثمَّ أمره الْحَاكِم بتسليمها الى نوابه فتسلموها مِنْهُ واستقرت بِأَيْدِيهِم حَتَّى وَليهَا مِنْهُم رجل اسْمه عَزِيز الْملك فَبَقيَ بهَا بَقِيَّة ايامه ثمَّ صَارَت إِلَى الظَّاهِر بن الْحَاكِم فوليها عَنهُ ابْن سُفْيَان فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَ على الْموصل حسام الدولة الْمُقَلّد بن الْمسيب الْعقيلِيّ وَهُوَ أول من استولى مِنْهُم على الْموصل ملكهَا فِي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وبقى حَتَّى قتل فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة بعد أَن عظم شَأْنه وَقَامَ مقَامه فِي ذَلِك ابْنه قرواش بن الْمُقَلّد وَكَانَ على مَكَّة عِيسَى بن جَعْفَر ثمَّ ولى بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 السُّلَيْمَانِي أَمِير مَكَّة الْمَدِينَة سنة تسعين وثلاثمائة بِأَمْر الْحَاكِم الفاطمي وأزال إمرة بني الْحُسَيْن مِنْهَا وحاول الْحَاكِم الفاطمي نقل الْجَسَد الشريف النَّبَوِيّ إِلَى مصر لَيْلًا فهاجت بهم ريح عَظِيمَة أظلم مِنْهَا الجو وكادت تقلع المباني من أَصْلهَا فردهم أَبُو الْفتُوح عَن ذَلِك وَعَاد إِلَى مَكَّة وَرجع أراء الْمَدِينَة إِلَيْهَا فوليها مِنْهُم هانىء بن دَاوُد بن قَاسم ثمَّ مهنا أَخُوهُ قَالَ الشريف الْحَرَّانِي النسابة (88 ب) وَكَانَ بهَا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة أَبُو عمَارَة حَمْزَة وَمُقْتَضى كَلَامهم أَنه بقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَ على الْيمن من بنى زِيَاد أَبُو الْجَيْش بن إِبْرَاهِيم فبقى حَتَّى توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة وَخلف طفْلا كعلته أُخْته هِنْد بنت أبي الْجَيْش مَعَ عبد لِأَبِيهِ أُسَمِّهِ رشد فبقى حَتَّى مَاتَ فَتَوَلّى مَكَانَهُ حُسَيْن بن سَلامَة وَصَارَ وزيرا لهِنْد وأخيها حَتَّى مَاتَا ثمَّ ملكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 عَلَيْهِم طفْلا اسْمه إِبْرَاهِيم وَقيل عبد الله بن زِيَاد وَقَامَ بأَمْره عمته وَعبد من عبيد حُسَيْن بن سَلامَة أُسَمِّهِ مرجان فَقبض عبد لمرجان اسْمه قيس على الطِّفْل وَعَمَّته فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة واستبد بِالْملكِ ثمَّ قتل قيس بزبيد وَملك بعده نجاح عبد مرجان وَعظم شَأْنه وَركب بالمظلة وَضربت السِّكَّة باسمه وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَ على خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر نوح بن مَنْصُور الساماني فَمَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَقَامَ بِالْأَمر بعده أَبُو الْحَارِث مَنْصُور بن نوح فبقى حَتَّى قبض عَلَيْهِ بكتوزون فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وسمل عَيْنَيْهِ وَأقَام فِي الْملك أَخَاهُ عبد الْملك وَهُوَ صبي صَغِير فَكتب مَحْمُود بن سبكتكين صَاحب غزنة إِلَى بكتوزون يُنكر عَلَيْهِ مَا كَانَ من فعله مَعَ مَنْصُور بن نوح ثمَّ سَار إِلَى خُرَاسَان فاستولى عَلَيْهَا وَقطع خطْبَة السامانية مِنْهَا وَبِذَلِك زَالَت دولتهم من خُرَاسَان وبقى مَا وَرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 النَّهر مَعَ عبد الْملك بن نوح وبكتوزون فَسَار إِلَيْهِم أيليك خَان ملك تركستان وَدخل بُخَارى عَاشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَقبض على عبد الْملك بن نوح وحبسه حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس وزالت دولة السامانه مِمَّا وَرَاء النَّهر أَيْضا وَكَانَت قد انتشرت وطبقت أَكثر الأَرْض وَكَانَت من أحسن الدول سيرة وعدلا وتوالت (89 أ) عَلَيْهَا أَيدي مُلُوك التركستانية إِلَى أَن غلب عَلَيْهَا ملكشاة السلجوقي على مَا سَيَأْتِي ذكره وَكَانَت غزنة أَولا مَعَ بنى سامان مَعَ خُرَاسَان فَلم تزل بِأَيْدِيهِم حَتَّى غلب عَلَيْهَا سبكتكين أحد مماليك أبي إِسْحَاق صَاحب جَيش غزنة للسامانية الْمُقدم ذكره فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة بعد موت أبي إِسْحَاق الْمَذْكُور وَذَلِكَ ابْتِدَاء ملك سبكتكين ثمَّ مَاتَ وَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه إِسْمَاعِيل ثمَّ غلب عَلَيْهَا أَخُوهُ مَحْمُود بن سبكتكين واستضاف إِلَيْهَا بعض خُرَاسَان فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَقطع خطْبَة السامانية وبقى حَتَّى توفى سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة بعد ان فتح الْكثير من بِلَاد الْهِنْد وأحرق صَنَمهمْ الْأَعْظَم بسومنات وكسره وَحمل بعضه إِلَى غزنة فَجعله عتبَة جَامعهَا وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد بن مَحْمُود بِعَهْد من أَبِيه إِلَيْهِ فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَ على إفريقية الْمَنْصُور بن بلكين من جِهَة الْعَزِيز بن الْمعز الفاطمى وبقى حَتَّى توفى سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه باديس بن الْمَنْصُور وبقى حَتَّى توفى سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة فَجْأَة وَهُوَ نَائِم بَين أَصْحَابه وَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه الْمعز بن باديس وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر فانتحل السّنة ورفض التَّشَيُّع وَكَانَ بلكين بن زيرى صَاحب إفريقية قد غلب على الغرب الْأَوْسَط فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وأجلوا عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مغراوة الَّذين كَانُوا بِهِ من تقادم السنين وَبعث الْعَزِيز الفاطمى من مصر جَيْشًا لاسترجاع ملكه بالغرب فِي سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة فَلم يظفروا بِقصد ثمَّ استولى هِشَام بن الحكم الأموى بالأندلس على بِلَاد الْمغرب وَكتب لَهُ بذلك عهدا وبقى على ذَلِك إِلَى ان مَاتَ فِي سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَولى من بعده (89 ب) ابْن عَمه حمامة بن الْمعز بن عَطِيَّة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر وَكَانَت تلمسان من الغرب الْأَوْسَط بيد صنهاجة إِلَى أَن اسْتَقل زيرى بن عَطِيَّة بِولَايَة الْمغرب وطرده الْمَنْصُور بن أبي عَامر من الغرب الْأَقْصَى فَصَارَ إِلَى تلمسان وَاسْتولى عَلَيْهَا ثمَّ عقد المظفر الأموى صَاحب الأندلس على بِلَاد الْمغرب للمعز بن زيرى سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَاسْتعْمل على تلمسان ابْنه يعلى واستقرت ولايتها فِي بنى زيرى إِلَى حِين انْقِرَاض دولتهم بلمتونة فِي أَيَّام أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ على الأندلس الْمُؤَيد هِشَام فبقى إِلَى سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة ثمَّ غَلبه على ذَلِك مُحَمَّد بن هِشَام بن عبد الْجَبَّار بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْمُقدم ذكره وتلقب بالمهدى فِي جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة ثمَّ غلب عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن الحكم بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْمُقدم ذكره فِي شَوَّال مِنْهَا ثمَّ غلب عَلَيْهِ المهدى مُحَمَّد بن هِشَام ثمَّ عَاد هِشَام بن الحكم الْمُقدم ذكره فِي ذى الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ عَاد سُلَيْمَان بن الحكم الْمُقدم الذّكر فِي منتصف شَوَّال سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وتلقب بالمستعين ثمَّ غلب عَلَيْهِ المهدى مُحَمَّد بن هِشَام الْمُتَقَدّم الذّكر فِي أخريات السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ غلب المستعين على قرطبة ثمَّ قتل المهدى مُحَمَّد بن هِشَام الْمَذْكُور وَعَاد الْمُؤَيد هِشَام هَذَا والمستعين فِي ذَلِك كُله محاصر قرطبة إِلَى أَن فتحهَا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَقتل الْمُؤَيد هشاما ثمَّ غَلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 عَليّ بن مَحْمُود وَأَخُوهُ قَاسم من الأدارسة على قرطبة وملوكها وَقتلُوا المستعين وأزالوا ملك بنى أُميَّة من الأندلس فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة واتصل ذَلِك فِي خلف الأدارسة سبع سِنِين ثمَّ غلب على عَليّ بن حمود عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن النَّاصِر ثمَّ (90 أ) رَجَعَ الْأَمر إِلَى يحيى بن عَليّ بن حمود سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ بُويِعَ المعتد بِاللَّه هِشَام بن مُحَمَّد أخى المرتضى الأموى سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْقَادِر السَّادِس وَالْعِشْرين من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الْقَائِم بِأَمْر الله وَهُوَ أَبُو جَعْفَر عبد الله بن الْقَادِر بِاللَّه الْمُقدم ذكرة وَأمه أم ولد اسْمهَا بدر الدجى وولادته سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة بُويِعَ لَهُ بالخلافة عقب موت أَبِيه الْقَادِر فِي ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَأرْسل أقضى الْقُضَاة أَبَا الْحسن الماوردى الشافعى إِلَى الْملك أبي كاليجار الْمَرْزُبَان بن سُلْطَان الدولة بِفَارِس وَمَا مَعهَا فَأخذ لَهُ الْبيعَة عَلَيْهِ وخطب لَهُ فِي بِلَاده وبقى حَتَّى توفى لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وعمره سِتّ وَسَبْعُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَأَيَّام وَكَانَ سَبَب مَوته فِيمَا ذكر أَنه أَصَابَهُ ماشر فافتصد فانفجرت فصادته وهونائم فَخرج مِنْهُ دم كثير وَهُوَ لَا يشْعر فَاسْتَيْقَظَ وَقد سَقَطت قوته فأحضر وزيره ابْن جهير والقضاة وأشهدهم قوته فأحضر وزيره ابْن جهير والقضاة وأشهدهم أَنه جعل ابْن ابْنه عبد الله ابْن ذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم بامر الله ولى عَهده وَمَات وَمُدَّة خِلَافَته أَربع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلم يكن لَهُ عقب غير ابْن ابْنه الْمَذْكُور الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة قَامَ بتدبير دولته جلال الدولة بن بهاء الدولة بن بويه الديلمى وتشغبت عَلَيْهِ الْجند بِبَغْدَاد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ونهبوا دَاره (90 ب) وأخرجوه من بَغْدَاد وَكَتَبُوا إِلَى الْملك أبي كالجيار يستدعونه إِلَى بَغْدَاد ثمَّ وَقع الإتفاق بَين جلال الدولة والجند وَعَاد جلال الدولة إِلَى بَغْدَاد وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة انحل أَمر الْخلَافَة والسلطنة بِبَغْدَاد وَعظم أَمر العيارين وصاروا يَأْخُذُونَ أَمْوَال النَّاس لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا مَانع لَهُم وَالسُّلْطَان جلال الدولة عَاجز عَن دفعهم وانتشرت الْعَرَب فِي النواحى فنهبوا الْبِلَاد وَقَطعُوا الطّرق ثمَّ وَقعت الوحشة بَين جلال الدولة وَبَين الْقَائِم بِأَمْر الله الْخَلِيفَة فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِسَبَب أَن الجوالى كَانَت تجبى وَتحمل إِلَى الْخَلِيفَة لَا يُعَارضهُ فِيهَا الْمُلُوك فاستولى عَلَيْهَا جلال الدولة فِي هَذِه السّنة ثمَّ توفى جلال الدولة بِبَغْدَاد فِي شعْبَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَكَانَ ملكه بِبَغْدَاد سِتّ عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَلما مَاتَ كَانَ ابْنه الْملك الْعَزِيز بواسط فكاتبه الْجند فِي أَمر السلطنة فَلم يجد من يُعينهُ على ذَلِك وَمَات قبل انتظام أمره فكاتب الْملك أَبُو كالجيار الْمَرْزُبَان بن سُلْطَان الدولة بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 ركن الدولة بن بويه صَاحب فَارس وَمَا مَعهَا عَسْكَر بَغْدَاد فِي اسْتِقْرَار السلطنة بِبَغْدَاد لَهُ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وخطب لَهُ بِبَغْدَاد فِي صفر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وخطب لَهُ أَيْضا أَبُو الشوك ودبيس بن مزِيد زنصر الدولة بن مَرْوَان ببلادهم ثمَّ سَار أَبُو كاليجار الْمَذْكُور إِلَى بَغْدَاد فَدَخلَهَا فِي رَمَضَان من هَذِه السّنة وَزَيْنَب بَغْدَاد لقدومه ثمَّ توفى أَبُو كالجيار فِي رَابِع جُمَادَى الأولى سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِمَدِينَة جناب من كرمان وعمره أَرْبَعُونَ سنة فَكَانَ ملكه الْعرَاق أَربع سِنِين وشهرين وَلما وصل خبر وَفَاة أبي كالجيار إِلَى بَغْدَاد (91 أ) وَبهَا وَلَده الْملك الرَّحِيم جمع الْجند واستحلفهم وَاسْتولى على بَغْدَاد ثمَّ أرسل الْملك الرَّحِيم عسكرا إِلَى شيراز قَاعِدَة فَارس فقبضوا على أَخِيه أبي الْمَنْصُور الْقَائِم مقَام أَبِيه بِفَارِس فِي شَوَّال من هَذِه السّنة وخطب للْملك الرَّحِيم بشيراز ثمَّ سَار الْملك الرَّحِيم من بَغْدَاد إِلَى خوزستان فَلَقِيَهُ من بهَا الْجند وأطاعوه ثمَّ سَار طغرلبك بن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق السلجوقى نَحْو بَغْدَاد حَتَّى وصل حلوان فَعظم الإرجاف بِبَغْدَاد وَبعث قواد بَغْدَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 يبذلون لَهُ الطَّاعَة وَأَن يخطبوا لَهُ فأجابهم طغرلبك إِلَى ذَلِك وَتقدم الْقَائِم الْخَلِيفَة بذلك فَخَطب لَهُ بجوامع بَغْدَاد لثمان بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ أرسل طغرلبك يسْتَأْذن الْخَلِيفَة فِي دُخُول بَغْدَاد فتوجهت إِلَيْهِ رسل الْخَلِيفَة وحلفوه للخليفة وللملك الرَّحِيم الْمُقدم ذكره فَحلف لَهما وَسَار طغرلبك حَتَّى دخل بَغْدَاد فنزلها وَاتفقَ أَن بعض عَسْكَر طغرلبك وَقع بَينه وَبَين السوقة فتْنَة فثار أهل تِلْكَ الْمحلة على من فِيهَا من عَسْكَر طغرلبك ونهبوهم وثارت الْفِتْنَة بَين الْعَامَّة وعسكر طغرلبك واتهم طغرلبك الْملك الرَّحِيم فِي أَنه السَّبَب فِي تِلْكَ الْفِتْنَة فالتمس حُضُوره من الْخَلِيفَة فَخرج إِلَيْهِ هُوَ وأعيان القواد فَقبض طغرلبك على الْملك الرَّحِيم وَسَائِر القواد الَّذين مَعَه فَعظم ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبعث إِلَى طغرلبك فِي أَمرهم فأفرج عَن بعض القواد وَاسْتمرّ بالباقين وبالملك الرَّحِيم فِي الاعتقال وبالقبض على الْملك الرَّحِيم زَالَ ملك بنى بويه عَن الْعرَاق واستقرت الدولة السلجوقية وَسَار طغرلبك عَن بَغْدَاد فِي عَاشر ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة بعد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أَقَامَ بِبَغْدَاد ثَلَاثَة عشر شهرا وأياما لم يلق فِيهَا الْخَلِيفَة (91 ب) وَاسْتولى طغرلبك فِي خرجته تِلْكَ على الْموصل وأعمالها ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَدخل بَغْدَاد وَقصد الِاجْتِمَاع بالخليفة لقائم فَجَلَسَ لَهُ الْخَلِيفَة وَعَلِيهِ الْبردَة على سَرِير عَال عَن الأَرْض نَحْو سَبْعَة أَذْرع فَقبل طغرلبك الأَرْض بَين يدى الْخَلِيفَة وَجلسَ على كرسى ثمَّ قَالَ لَهُ الْخَلِيفَة على لِسَان رَئِيس الرؤساء إِن الْخَلِيفَة قد ولاك جَمِيع مَا ولاه الله تَعَالَى من بِلَاد ورد إِلَيْك مُرَاعَاة عباده فَاتق الله فِيمَا ولاك واعرف نعْمَته عَلَيْك وخلع على طغرلبك واعطى الْعَهْد فَقبل الارض وَيَد الْخَلِيفَة ثَانِيًا وَانْصَرف ثمَّ ارسل طغرلبك الى الْخَلِيفَة خمسين الف دِينَار وَخمسين مَمْلُوكا من الاتراك بخيولهم وسلاحهم مَعَ ثِيَاب وَغَيرهَا ثمَّ سَار طغرلبك من بَغْدَاد الى همذان فِي سنة خمسين واربع مائَة وَتَبعهُ من كَانَ بِبَغْدَاد من الاتراك فقصد ارسلان البساسيري وَهُوَ مَمْلُوك تركي من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه وَمَعَهُ قُرَيْش بن بدران الى بَغْدَاد فَدَخلَهَا ثامن ذِي الْقعدَة من هَذِه السّنة وخطب بِجَامِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الْمَنْصُور للمستنصر الْعلوِي خَليفَة مصر وامر بِأَن يُؤذن فِيهَا بحى على خير الْعَمَل ثمَّ ركب البساسيري فِي جمع وَنهب الْحَرِيم وَدخل الْبَاب النسوي فَركب الْخَلِيفَة الْقَائِم لابسا السوَاد وعَلى كتفه الْبردَة وَبِيَدِهِ سيف وعَلى رَأسه اللِّوَاء وَحَوله زمرة من العباسيين والخدم بِالسُّيُوفِ المسلولة وسرى النهب الى بَاب الفردوس من دَاره فَلَمَّا رأى الْقَائِم ذَلِك رَجَعَ الْقَهْقَرِي وَدخل المنظرة فَقَالَ رَئِيس الرؤساء لقريس بن بدران امير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم يستذم بذمامك وذمام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذمام الْعَرَبيَّة على نَفسه وَمَاله وَأَهله وَأَصْحَابه (92 أ) فَأعْطَاهُ قُرَيْش الذمام وَنزل الْخَلِيفَة الى قُرَيْش فَتغير البساسيري لذَلِك وعتب على قُرَيْش ثمَّ اتّفق الْأَمر على ان يسلم رَئِيس الرؤساء الى البساسيري لِأَنَّهُ عدوه وَيبقى الْخَلِيفَة عِنْد قُرَيْش وَحمل قُرَيْش الْخَلِيفَة الى مُعَسْكَره بالبردة والقضيب واللواء ونهبت دَار الْخلَافَة وحريمها اياما ثمَّ بعث بالخليفة مَعَ بني عَمه الى عانة فَنزل بهَا وَسَار اصحاب الْخَلِيفَة الى طغرل وَأقَام البساسيري بعد خُرُوج الْخَلِيفَة الْقَائِم بِبَغْدَاد يحسن الى النَّاس وَيحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 على رَأسه فِي ركُوبه فِي المواكب الوية الْمُسْتَنْصر خَليفَة مصر وَأرْسل الى الْمُسْتَنْصر يعرفهُ اقامة الْخطْبَة لَهُ بالعراق ثمَّ سَار البساسيري عَن بَغْدَاد الى وَاسِط وَالْبَصْرَة فملكهما ثمَّ عَاد الْخَلِيفَة الْقَائِم الى بَغْدَاد فِي سنة احدى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَأرْسل طغرلبك الْخيام الْعَظِيمَة والآلات للقائم الْخَلِيفَة وَسَار مَعَ الْخَلِيفَة حَتَّى دخل دَاره بِبَغْدَاد لخمس بَقينَ من ذى الْقعدَة سنة احدى وَخمسين ثمَّ خرج طغرلبك فِي طلب البساسيري وجهز اليه عسكرا فأدركوه وَجرى بَينهم قتال قتل فِيهِ البساسيري وَحمل رَأسه الى طغرلبك فَبعث بهَا طغرلبك الى دَار الْخلَافَة فعلقت مُقَابل الْبَاب النسوي ثمَّ تزوج طغرلبك بنت الْخَلِيفَة الْقَائِم وَعقد عَلَيْهَا فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبع مائَة بتبريز بوكالة من الْخَلِيفَة ثمَّ قدم طغرلبك الى بَغْدَاد وَدخل بابنة الْخَلِيفَة فِي سنة خَمْسَة وَخمسين وَأَرْبع مائَة وثارت الرّعية من عسكره بِسَبَب اخراجهم لَهُم من بُيُوتهم وفسقهم بنسائهم اخذا بِالْيَدِ وَبعد دُخُول طغرلبك بإبنة الْخَلِيفَة سَار من بَغْدَاد الى بِلَاد الْجَبَل وَهِي عراق الْعَجم فَمَرض وَتُوفِّي بِالريِّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ثامن رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَلم يكن لطغرلبك عقب (92 ب) فاستقرت السطنة بعده لِابْنِ اخيه مُحَمَّد ألب ارسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق ثمَّ قتل الب ارسلان الْمَذْكُور غيلَة وَهُوَ فِي مِائَتي الف فَارس فِي عَاشر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ قد اوصى بالسلطنة لِابْنِهِ مكشاه وَهُوَ مَعَه فَعَاد بالعسكر الى خُرَاسَان وَقَامَ بتدبير دولته نظام الْملك وَزِير ابيه فَأحْسن التَّدْبِير وَأرْسل الى بَغْدَاد والأطراف فَخَطب لَهُ بهَا على قَاعِدَة ابيه الب ارسلان وَبَقِي السُّلْطَان ملكشاه فِي السلطنة الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَمن عَجِيب مَا وَقع فِي خِلَافَته مَا حَكَاهُ الشَّيْخ ابو عَليّ ابْن سينا فِي كِتَابه الشِّفَاء انه فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَقع بجرجان صَاعِقَة فنشبت فِي الأَرْض ثمَّ نبت نبوة الكرة الَّتِي ترمى بهَا الْحَائِط ثمَّ عَادَتْ فنشبت فِي الأَرْض وَسمع النَّاس لذَلِك صَوتا عَظِيما هائلا فتفقدوا امْرَهْ فظفروا بِهِ فِي صُورَة حَدِيد ملتئم من اجزاء جاوشية مستديرة قد الْتَصق بَعْضهَا بِبَعْض يزن مائَة وَخمسين منا فَحمل الى جرجان فالتمس مِنْهُ مَحْمُود بن سبكتكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 صَاحب خُرَاسَان يَوْمئِذٍ انفاذه اليه ان امكن اَوْ قِطْعَة مِنْهُ فَتعذر نَقله لثقله فحاولوا كسر قِطْعَة مِنْهُ فَلم تعْمل فِيهِ الْآلَات فأعملت الْحِيلَة فِي فصل جُزْء مِنْهُ فأنفذ اليه فرام ان يطبع مِنْهُ سَيْفا فَتعذر عَلَيْهِ وَفِي سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة كَانَت بفلسطين ومصر زَلْزَلَة شَدِيدَة طلع فِيهَا المَاء من رُؤُوس الْآبَار وَهلك تَحت الرَّدْم عَالم كثير وَزَالَ الْبَحْر عَن السَّاحِل مسيرَة يَوْم فَنزل النَّاس الى ارْض الْبَحْر يلتقطون فَرجع المَاء عَلَيْهِم وَأهْلك خلقا كثيرا وَاعْلَم انه لم يكن للقائم عقب سوى ابْن ابْنه عبد الله بن ذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم توفّي ابوه فِي حَيَاة جده الْقَائِم وَأمه (93 أ) حَامِل بِهِ فَلَمَّا وَضعته فَرح بِهِ جده الْقَائِم وَعظم سروره فَلَمَّا بلغ جعله ولى عَهده ولقبه ذخيرة الدّين ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت الديار المصرية بيد الظَّاهِر لإعزاز دين الله بن الْحَاكِم بِأَمْر الله فَبَقيَ حَتَّى توفّي فِي شعْبَان سنة سبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده ابْنه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ابو تَمِيم معد عقب وَفَاته فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَ على دمشق ابو مُحَمَّد الْأسود من جِهَة الْقَادِر بِاللَّه الْخَلِيفَة قبله فانتزعها مِنْهُ انوشتكين الدزبري بِأَمْر الْمُسْتَنْصر الفاطمي فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ امْر بِالْخرُوجِ عَن طَاعَته فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَخرج عَنْهَا وَخرج امرها بذلك وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَ على حلب من جِهَة الظَّاهِر لإعزاز دين الله ابْن شعْبَان ثمَّ تغلب عَلَيْهَا صَالح بن مرداس امير بني كلاب فِي سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قتل فِي ايام الظَّاهِر لإعزاز دين الله الفاطمي الْمُقدم ذكره فملكها بعده شبْل الدولة نصر بن صَالح ثمَّ انتزعها مِنْهُ انوشتكين الدزبري بِأَمْر الْمُسْتَنْصر الْعلوِي فِي شعْبَان سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وملكها بعده معز الدولة ثمال بن صَالح بن مرداس ثمَّ ملك قلعتها بعد لَك فِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 تسلمها مِنْهُ مكين الدولة الْحسن بن عَليّ بن ملهم فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة بصلح وَقع بَينه وَبَين الفاطميين على ذَلِك ثمَّ انتزعها مِنْهُ مَحْمُود بن شبْل الدولة بن صَالح الْمُقدم ذكره وَملك قلعتها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي ذِي الْقعدَة (93 ب) سنة ارْبَعْ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وملكها بعده اخوه عَطِيَّة بن صَالح ابْن سري الدولة فِي رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ بهَا الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَت طرابلس بيد القَاضِي ابي طَالب عماد قاضيها وَكَانَ قد استولى عَلَيْهَا واستبد بهَا وَبَقِي بهَا حَتَّى توفّي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وملكها بعده ابْن اخيه جلال الْملك ابو الْحسن بن عماد فضبطها احسن ضبط وَكَانَ على مَكَّة ابو الْفتُوح السُّلَيْمَانِي من قبل الظَّاهِر بن الْحَاكِم الفاطمي صَاحب مصر وَتُوفِّي ابو الْفتُوح سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة لست وَأَرْبَعين سنة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 امارته وَولى بعده ابْنه شكر ثمَّ ملك مَعهَا الْمَدِينَة الشَّرِيفَة واستضافها اليها وَجمع بَين الْحَرَمَيْنِ ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَمَات سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَله شعر رائق مِنْهُ ... قوض خيامك عَن ارْض تضام بهَا ... وجانب الذل ان الذل مجتنب ... وارحل اذا كَانَ فِي الأوطان منقصة ... فالمندل الرطب فِي اوطانه حطب ... قَالَ ابْن حزم وَكَانَت وَفَاته عَن غير ولد وانقرض بِمَوْتِهِ دولة السليمانيين بِمَكَّة وانتقل ذَلِك الى الهواشم وهم بَنو ابي هَاشم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله ابي الْكِرَام بن مُوسَى الجون بن عبد الله بن حسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن ابي طَالب فاستولى عَلَيْهَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن ابي هَاشم الْمُقدم ذكره بعد موت شكر فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وخطب للمستنصر الفاطمي صَاحب مصر ثمَّ خطب لبنى الْعَبَّاس فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَقطعت ميرة مصر عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 مَكَّة فعذله اهله فَأَعَادَ الْخطْبَة للسمتنصر الفاطمي ثمَّ استماله الْقَائِم خَليفَة بني الْعَبَّاس وبذل لَهُ الْأَمْوَال (94 أ) فَخَطب لَهُ سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالْمَوْسِمِ فَقَط وَكتب للمستنصر بِمصْر يعْتَذر لَهُ ثمَّ بعث لَهُ السُّلْطَان الب ارسلان السلجوقي بأموال كَثِيرَة فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَخَطب لَهُ بِنَفسِهِ ثمَّ جمع مُحَمَّد بن جَعْفَر امير مَكَّة وزحف الى الْمَدِينَة فَأخْرج مِنْهَا بني الْحُسَيْن وملكها وَجمع بَين الْحَرَمَيْنِ وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَ على الْمَدِينَة قبله ابو عمَارَة حَمْزَة ثمَّ وَليهَا بعده ابْنه عبيد الله وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ سنة ارْبَعْ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ قتل بِالْبَصْرَةِ وَولى بعده اخوه الْحُسَيْن ثمَّ ولى بعده ابْنه مهنا بن الْحُسَيْن ثمَّ وَليهَا هَاشم بن الْحسن ابْن دَاوُد سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة من قبل الْمُسْتَنْصر الفاطمي صَاحب مصر وَلم اعْلَم مَا بعد ذَلِك الى حِين زَوَال ولَايَة الْقَائِم وَكَانَ الْيمن بيد نجاح عبد مرجان فَبَقيَ فِيهِ حَتَّى توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَملك بعده ابْنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 سعيد الْأَحول بن نجاح وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد مُلُوك تركستان مُضَافا لما بِأَيْدِيهِم من ذَلِك وَكَانَت خُرَاسَان بيد مُحَمَّد بن مَحْمُود بن سبكتكين ثمَّ ارتضى الْجند مَسْعُود بن سبكتكين فأقاموه بخراسان مقَام ابْن اخيه مُحَمَّد بن مَحْمُود فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَبَقِي مَسْعُود حَتَّى غَلبه على خُرَاسَان دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق بن دقاق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَذَلِكَ ابْتِدَاء الدولة السلجوقية وَبَقِي حَتَّى توفّي سنة احدى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد الب ارسلان فَبَقيَ حَتَّى قتل فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن تسع سِنِين وَسِتَّة اشهر وَأَيَّام من سلطنته وَملك بعده ابْنه ملكشاه بن الب ارسلان بن دَاوُد بن سلجوق وَأرْسل الى بَغْدَاد والأطراف (94 ب) فَخَطب لَهُ بهَا على عَادَة ابيه وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَ على غزنة وَمَا مَعهَا مُحَمَّد بن مَحْمُود بن سبكتكين فَقدم اهل الممكلة عَلَيْهِم مَسْعُود بن سبكتكين عَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 مُحَمَّد بن مَحْمُود فملكوه عَلَيْهِم فَبَقيَ حَتَّى قتل فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ ملك بعده اخوه مُحَمَّد الْمُقدم ذكره ثمَّ قتل من عَامه وَملك بعده ابْن اخيه مودود بن مَسْعُود وَتُوفِّي سنة احدى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَملك بعده عَمه عبد الرشيد ثمَّ قتل فِي سنة ارْبَعْ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَملك بعده اخوه فرخزاد بن مَحْمُود وَتُوفِّي سنة احدى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَملك بعده اخوه الْملك الْمُؤَيد ابراهيم بن مَسْعُود وَصَالح دَاوُد ابْن مِيكَائِيل بن سلجوق صَاحب خُرَاسَان وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَكَانَت افريقية والغرب الْأَوْسَط بيد الْمعز بن باديس وَهُوَ فِي طَاعَة الْمُسْتَنْصر الفاطمي صَاحب مصر ثمَّ خلع طَاعَته وَقطع الْخطْبَة لَهُ بإفريقية سنة اربعين وَأَرْبَعمِائَة وخطب للقائم خَليفَة بني الْعَبَّاس بِبَغْدَاد وَبَقِي حَتَّى مَاتَ سنة ارْبَعْ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَقَامَ بِالْأَمر بعده ابْنه تَمِيم بن الْمعز بن باديس وغلبه الْعَرَب على افريقية فَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 يكن لَهُ مِنْهَا الا مَا ضمه السُّور وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَلما استولى امير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين على الغرب الْأَقْصَى فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة استولى على الغرب الْأَوْسَط وَولى على تلمسان مُحَمَّد بن سمغريم من بعده لِأَخِيهِ تاشفين وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى وَكَانَ بالأندلس هِشَام من مُحَمَّد فَتوفي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وبوفاته انْقَطَعت دولة الأمويين من الأندلس وَكَانَ عَليّ بن حمود بن مَيْمُون بن احْمَد بن عَليّ بن عبيد الله بن عمر بن ادريس من بقايا مُلُوك الأدارسة بالغرب الْأَقْصَى فَعبر الْبَحْر من طنجة من بر العدوة الى مالقة من (95 أ) الأندلس وملكها وَدخل قرطبة قَاعِدَة الأندلس فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة وتلقب بالناصر لدين الله وَبَقِي حَتَّى قَتله غلمانه فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَولى اخوه الْقَاسِم ابْن حمود وتلقب بالمأمون ثمَّ غلب عَلَيْهِ يحيى ابْن اخيه عَليّ وَملك مِنْهُ قرطبة فملكها سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وتلقب بالمعتلي وعلت دولته وَبَقِي حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قتل وَولى اخوه ادريس بن عَليّ مالقة وتلقب بالمتأيد بِاللَّه وَبَايَعَهُ اهل المرية ورندة وأعمالها وَمَات سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده حسن بن يحيى المعتلي وتلقب بالمستنصر وبايعته غرناطة ايضا وَمَات مسموما سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وبويع بعده ادريس بن يحيى المعتلي ويلقب بالعالي وأطاعته غرناطة وَمَا مَعهَا ثمَّ قتل مُحَمَّدًا وحسنا ابْني عَمه ادريس فثار السودَان بدعوة اخيهما مُحَمَّد بمالقة فأسلموه وبويع مُحَمَّد بن ادريس المتأيد بمالقة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وتلقب بالمهدي وأطاعته غرناطة وجيان وأعمالها ثمَّ مَاتَ سنة ارْبَعْ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وبويع ادريس بن يحيى بن ادريس المتأيد ولقب الْمُوفق وَلم يخْطب لَهُ ثمَّ غلب عَلَيْهِ ادريس المخلوع الملقب بالعالي بن يحيى المعتلي فبويع بمالقة وَبَقِي بهَا الى ان مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وبويع مُحَمَّد الْأَصْغَر بن ادريس المتأيد وتلقب بالمستعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وخطب لَهُ بمالقة والمرية ورندة وَمَات سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ مُحَمَّد بن قَاسم بن حمود قد ملك الجزيرة الخضراء سنة ارْبَعْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ ملكهَا من بعده ابْنه الْقَاسِم وتلقب بالواثق وَمَات سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَاسْتولى على الجزيرة المعتضد بن عباد وانقرضت دولة بني حمود بالأندلس وانْتهى الْحَال الى ان امْر الْخلَافَة بالأندلس من بني امية وَبني حمود (95 ب) قد اضمحل وتلاشى وتفرق ملك الأندلس فِي طوائق من الوزراء والموالي وكبار الْعَرَب والبربر وَقَامَ كل مِنْهُم بِأَمْر نَاحيَة وَأخذُوا فِي تغلب بَعضهم على بعض فضعف بِذَاكَ امرهم حَتَّى اعطوا الإتاوة لملوك الفرنج من بني ادفونش فَأَما اشبيلية وَغرب الأندلس فاستولى على ذَلِك بَنو عباد من لخم وَكَانَ اولهم ابو الْقَاسِم مُحَمَّد بن ذِي الوزارتين ابي الْوَلِيد بن اسماعيل ثمَّ مَاتَ فَقَامَ بالامر بعده ابْنه عباد وتلقب بالمعتضد وطالت أَيَّامه وتغلب على اكثر الممالك بغرب الأندلس وَبَقِي حَتَّى مَاتَ سنة احدى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده ابْنه ابو الْقَاسِم مُحَمَّد وتلغب بالمعتمد وَقَوي امْرَهْ وَاسْتولى على دَار الْخلَافَة بقرطبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وانتزعها من يَد ابْن جهور وَفرق ابناءه على قَوَاعِد الْملك وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَأما قرطبة فاستولى عَلَيْهَا جهور بن مُحَمَّد بن جهور الْكَلْبِيّ سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فِي ايام فتْنَة بني امية بهَا الى ان يُوجد خَليفَة فَبَقيَ الى ان مَاتَ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى مَكَانَهُ ابْنه ابو الْوَلِيد مُحَمَّد بن جهور وفوض تَدْبِير الْأَمر الى ابْنه الْوَلِيد فأساء السِّيرَة فخلعه اهل قرطبة سنة احدى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة واعتقل الى ان مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى ابْن عباد صَاحب اشبيلية على قرطبة ابْنه سراج الدولة فَبَقيَ الى آخر خلَافَة الْقَائِم وَأما بطليوس فَكَانَ بهَا عِنْد انْقِرَاض بني امية من الأندلس ابو مُحَمَّد عبد الله بن مسلمة التجِيبِي الْمَعْرُوف بِابْن الْأَفْطَس فاستبد بهَا سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ثمَّ مَاتَ فولى بعده ابْنه الظفر ابو بكر مُحَمَّد وَعظم ملكه وَمَات سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده ابْنه المتَوَكل ابو حَفْص عمر بن مُحَمَّد فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَأما طليطلة وَهِي قَاعِدَة (96 أ) الأندلس قبل الْإِسْلَام فاستولى عَلَيْهَا اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن بن ذِي النُّون الهواري ايام فتْنَة بني امية سنة تسع واربعمائة وتلقب بالظافر وَبَقِي حَتَّى هلك سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَولى مَكَانَهُ ابْنه ابو الْحسن يحيى وتلقب بالمأمون وقوى ملكه وَعظم شَأْنه وَغلب على بلنسية وقرطبة وَبَقِي الى آخر خلَافَة الْقَائِم واما شاطبة وَمَا مَعهَا من شَرق الأندلس فاستولى عَلَيْهَا العامريون من عقب الْمَنْصُور بن ابي عَامر الْمُتَقَدّم ذكره وَأول من وَليهَا مِنْهُم الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن النَّاصِر عبد الرَّحْمَن بن ابي عَامر سنة احدى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وبويع لَهُ بجيان والمرية بمعاضدة خيران العامري ثمَّ خرج خيران عَن طَاعَة الْمَنْصُور وَقدم ابا عَامر مُحَمَّد بن المظفر ولقبه المؤتمن ثمَّ المعتصم ثمَّ اخرجه مِنْهَا ثمَّ مَاتَ خيران سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقَامَ بأَمْره عميد الدولة ابو الْقَاسِم زُهَيْر العامري ثمَّ قتل فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَرجع الْأَمر الى الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز الْمُقدم ذكره وَولى على المرية معن بن صمادح سنة ثَلَاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى على بلنسية ابْنه عبد الْملك ثمَّ انتزعها مِنْهُ الْمَأْمُون بن ذِي النُّون سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات الْمَأْمُون وَولى مَكَانَهُ حافده الْقَادِر وَولى على بلنسية ابو بكر بن عبد الْعَزِيز من بقايا وزراء ابْن ابي عَامر فَبَقيَ الى مَا بعد ايام الْقَائِم وَأما سرقسطة والثغر فاستولى عَلَيْهِمَا مُنْذر بن يحيى التجِيبِي أَيَّام فتْنَة بني أُميَّة وتلقب بالمنصور ثمَّ مَاتَ سنة ارْبَعْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَولى مَكَانَهُ ابْنه يحيى وتلقب بالمظفر ثمَّ غلب عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن هود وَقَتله فِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ (86 ب) وَأَرْبَعمِائَة وَملك سرقسطة وتلقب بالمستعين وقوى ملكه حَتَّى ملك بلنسية ودانية ولاردة وَمَات سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده ابْنه احْمَد وتلقب بالمقتدر وَبَقِي احْمَد الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم وَأما دانية وميورقة فاستولى عَلَيْهِمَا مُجَاهِد بن عَليّ من موَالِي الْمَنْصُور بن ابي عَامر سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَولى بعده ابْنه عَليّ وتلقب إقبال الدولة وَبَقِي الى مَا بعد خلَافَة الْقَائِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 السَّابِع وَالْعشْرُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن ذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم بِأَمْر الله وَأمه ام ولد أسمها أرجوان عمرت عمرا طَويلا حَتَّى أدْركْت خِلَافَته وَخِلَافَة أبنه المستظهر وَخِلَافَة أبن أبنه المسترشد كَانَ قوي النَّفس عَظِيم الهمة بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِحُضُور مؤيد الْملك بن نظام الْملك والوزير أبن جهير وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وأبن الصّباغ ونقيب النُّقَبَاء أبن الزَّيْنَبِي وَالْقَاضِي أبي عبد الله الدَّامغَانِي وَغَيرهم من الْأَعْيَان فِي ثَالِث عشر شعْبَان سنه سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَبَقِي حَتَّى توفّي فَجْأَة يَوْم السبت خَامِس عشر الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام وَيُقَال إِن شمس النَّهَار القهرمانة سمته وَمُدَّة خِلَافَته سبع عشر سنه وَثَمَانِية أشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة أرسل الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ رَسُولا إِلَى السُّلْطَان ملكشاه بن ألب أرسلان بن دَاوُود بن مِيكَائِيل بن سلجوق السلجوقي وَإِلَى وزيره نظام الْملك يشكو من عميد الْعرَاق أبي الْفَتْح بن أبي اللَّيْث فَأكْرم السُّلْطَان ملكشاه ونظام الْملك الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق وَجرى بَينه وَبَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ مناظرة بِحَضْرَة نظام الْملك وَعَاد بالإجابة إِلَى مَا أَلْتَمِسهُ الْخَلِيفَة وَرفعت يَد العميد عَن جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالخليفة ثمَّ سَار السُّلْطَان ملكشاه من أصفهان إِلَى حلب فَدَخلَهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ سَار عَن حلب وَدخل بَغْدَاد فِي ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة وَهُوَ أول قدومه إِلَى بَغْدَاد وأجتمع بالمقتدي الْخَلِيفَة ثمَّ خرج إِلَى الصَّيْد ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وأجتمع بالمقتدي وَأقَام بهَا إِلَى صفر سنه ثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة ثمَّ عَاد إِلَى أصفهان ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد فِي رَمَضَان سنه أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَوصل إِلَيْهِ أَخُوهُ تتش بن ألب أرسلان وَعمل الميلاد بِبَغْدَاد وأحتفل لَهُ النَّاس أحتفالا عَظِيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 وَأكْثر الشُّعَرَاء من وصف تِلْكَ اللَّيْلَة وَأمر بِبِنَاء الْجَامِع الْمَعْرُوف بِجَامِع السُّلْطَان بِبَغْدَاد وأبتدأ كبار أمرائه بِعَمَل مسَاكِن لَهُم بِبَغْدَاد ينزلون فِيهَا فَلَمَّا قدمُوا بَغْدَاد تفرق شملهم بِالْمَوْتِ وَالْقَتْل عَن قريب ثمَّ قتل السُّلْطَان ملكشاه وزيره نظام الْملك وَهُوَ عَائِد إِلَى بَغْدَاد فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَدخل السُّلْطَان ملكشاه بَغْدَاد فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة ثمَّ خرج من بَغْدَاد للصَّيْد وَعَاد فِي ثَالِث شَوَّال مَرِيضا فَتوفي لَيْلَة الْجُمُعَة نصف شَوَّال الْمَذْكُورَة وَكَانَ من أجمل النَّاس صُورَة وَمعنى وخطب لَهُ من حُدُود الصين إِلَى آخر الشَّام وَمن أقاصي بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى آخر بِلَاد الْيمن وحملت لَهُ مُلُوك الرّوم الْجِزْيَة وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام عدل وإدرار أرزاق وَكَانَ مغرى فِي الصَّيْد وَكَانَ يتَصَدَّق بِعَدَد كل وَحش يصيده بِدِينَار حَتَّى أَنه صَاد مرّة عشرَة آلَاف صيد فَتصدق بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَلما مَاتَ أخفت زَوجته ترْكَان مَوته وَفرقت المَال فِي العساكر وسارت إِلَى أصفهان فاستحلفتهم لولدها مَحْمُود أبن ملكشاه وَهُوَ أبن أَربع سِنِين وَأشهر وخطبت لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 فِي بَغْدَاد وَغَيرهَا ثمَّ تحرّك تتش بن ألب أرسلان من دمشق بعد موت أَخِيه ملكشاه لطلب السلطنة وَمَعَهُ آق سنقر صَاحب حلب وَاسْتولى على الْموصل وَأرْسل إِلَى بَغْدَاد يطْلب أَن يخْطب لَهُ فتوقفوا فِي إجَابَته لذَلِك وَأَقْبل بركيارق بن ملكشاه بن ألب أرسلان للقائه فَعَاد تتش إِلَى الشَّام وَقدم بركيارق بَغْدَاد وخطب لَهُ بهَا فِي رَابِع الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَبَقِي الْأَمر بِبَغْدَاد وَغَيرهَا بيد بركيارق إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُقْتَدِي وَفِي أَيَّامه فِي سنه أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة أستولت الفرنج على جَزِيرَة سقليا وأنتزعتها من يَد نواب الْمُسْتَنْصر الْعلوِي أَوْلَاده مِنْهُم المستظهر بِاللَّه الْآتِي ذكره ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّامه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الفاطمي فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُقْتَدِي وَكَانَ الْقَائِم بتدبير دولته وزيره بدر الجمالي وَكَانَت دمشق قد خرج عَنْهَا أنوشتكين الدزبري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 فتغلب عَلَيْهَا أتسز بن أرتق الْخَوَارِزْمِيّ أحد أُمَرَاء السُّلْطَان ملكشاه السلجوقي فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَقطع الْخطْبَة بهَا للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي وَمنع الْأَذَان بحى على خير الْعَمَل وَلم يخْطب بعْدهَا بِالشَّام لأحد من الفاطميين وبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُقْتَدِي وَكَانَ على حلب مَحْمُود بن شبْل الدولة فَبَقيَ بهَا حَتَّى توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وملكها بعده أبنه نصر بن مَحْمُود فَبَقيَ حَتَّى قَتله التركمان وملكها بعده أَخُوهُ سَابق بن مَحْمُود ثمَّ أنتزعها مِنْهُ شرف الدوله مُسلم بن قُرَيْش صَاحب الْموصل فِي صفر سنه سبع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وملكها بعده إخوه إِبْرَاهِيم بن قُرَيْش ثمَّ أنتزعها مِنْهُ تتش بن ألب أرسلان السلجوقي صَاحب دمشق فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ أنتزعها مِنْهُ السُّلْطَان ملكشاه السلجوقي وَسلمهَا إِلَى قسيم الدوله آقسنقر ثمَّ أستعادها تتش بن ألب أرسلان الْمُقدم ذكره بعد موت ملكشاه وأستضافها إِلَى دمشق وأنبسط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 ملكه حَتَّى ملك بعد ذَلِك أذربيجان وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَكَانَ على مَكَّة مُحَمَّد بن جَعْفَر فَانْقَطع مَا كَانَ يصل إِلَى أَمِير مَكَّة من الْعرَاق بعد موت الْقَائِم فَقطع الْخطْبَة للعباسيين وَلما ولى المقتدى أرسل إِلَيْهِ بِمَال فاعاد الْخطْبَة للعباسيين وجهز منبرا إِلَى مَكَّة وَكتب اسْمه عَلَيْهِ بِالذَّهَب فَوَقَعت الْفِتْنَة بَين الشِّيعَة وَأهل السّنة فَكسر الْمِنْبَر وأحرق واستمرت الْخطْبَة للعباسيين بعد ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان ملكشاه السلجوقى فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة فَانْقَطَعت الْخطْبَة من مَكَّة للعباسيين وَبَطل الْحَج من الْعرَاق وبقى مُحَمَّد بن جَعْفَر على إمارته بِمَكَّة إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَلم ادر من كَانَ على الْمَدِينَة فِي خِلَافَته وَكَانَ على الْيمن سعيد بن نجاح ثمَّ غلب على الْملك المكرم أَحْمد بن على الصليحى فِي سنة خمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وَسبعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ عَاد ابْن نجاح وَملك زبيد فِي سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ عَاد الْملك المكرم وملكها وَقتل سعيدا فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَملك بعده ابْن عَمه أَبُو حمير سبأ فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد مُلُوك تركستان وَكَانَت خُرَاسَان بيد ملكشاه بن ألب أرسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة سَار إِلَى مَا وَرَاء النَّهر وَملك بُخَارى وسمرقند وانتزعها من يَد أَحْمد خَان أحد مُلُوك تركستان وانْتهى ملكه إِلَى كاشغر ثمَّ اسْتَقَرَّتْ بيد احْمَد خَان الْمُقدم ذكره وبقى حَتَّى قتل بالزندقة فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَاسْتقر ابْن عَمه مَسْعُود مَكَانَهُ وَبقيت خُرَاسَان بيد ملكشاه بن ألب أرسلان حَتَّى توفى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وملكها بعده أَخُوهُ أرسلان أرغون بن ألب أرسلان فبقى بهَا حَتَّى قَتله بعض غلمانه فِي الْمحرم من هَذِه السّنة وَلما قتل أرسلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 أرغون سَار بر كيارق بن ألب أرسلان إِلَى خُرَاسَان فملكها وَأرْسل إِلَى مَا وَرَاء النَّهر فَخَطب لَهُ هُنَاكَ وَسلم خُرَاسَان إِلَى أَخِيه سنجر بن ملكشاه وَجعل وزيره أَبَا الْفَتْح بن الْحُسَيْن الطغراى وَكَانَت غزنه وَمَا مَعهَا بيد الْملك الْمُؤَيد إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود فتوفى فِي سنة إِحْدَى وثما 4 نين وَأَرْبع مائَة وَملك بعده ابْنه مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَكَانَ على إفريقية تَمِيم بن الْمعز بن باديس فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى أَمِير الْمُسلمين يُوسُف ابْن تاشفين اول مُلُوك المرابطين من لمتونه من البربر وَاسْتولى على الغرب الْأَوْسَط وانتزعه من يَد بنى باديس واستضافه إِلَى الغرب الْأَقْصَى وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَأما الأندلس فَكَانَت بيد ملو ك الطوائف على مَا تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 فَكَانَت إشبيلية بيد الْمُعْتَمد بن عباد فبقى حَتَّى غلب أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين على الأندلس فَقبض عَلَيْهِ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة واعتقله إِلَى مَاتَ سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَبقيت بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ وَكَانَت قرطبة بيد سراج الدولة بن عباد فبقى بهَا حَتَّى قتل فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة قَتله ابْن عكاشة ودعا بهَا على المنابر ليحيى بن إِسْمَاعِيل بن ذى النُّون وَقتل بهَا مسموما ثمَّ تَملكهَا الْمُعْتَمد بن عباد فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَكَانَت بطليوس بيد المتَوَكل بن الْأَفْطَس فبقى حَتَّى قَتله أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ وَكَانَت طليطلة بيد الْمَأْمُون بن الظافر إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن ذى النُّون حَتَّى مَاتَ مسموما سنة سبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَولى بعده طليطلة حافده الْقَادِر يحيى ابْن إِسْمَاعِيل بن الْمَأْمُون غَلبه عَلَيْهَا الطاغية أدفونش ملك طليطة واقتلعها مِنْهُ فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع مائَة وهى بيد الفرنج إِلَى الْآن وَكَانَت سرقسطة بيد المقتدر أَحْمد فبقى حَتَّى مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَولى بعده ابْنه المؤتمن يُوسُف وَكَانَ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْعُلُوم الرياضية وَله فِيهَا التآليف الجليلة وَمَات سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع مائَة وَولى بعده ابْنه المستعين أَحْمد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى وَأما دانية وميورقة فكانتا بيد إقبال الدولة عَليّ من عقب الْمَنْصُور ابْن أَبى عَامر فدام ملكه بهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ غَلبه المقتدر بن هود على دانية وَنَقله إِلَى سرقسطة فَمَاتَ بهَا سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبع مائَة واستخلف على ميورقة صهره سُلَيْمَان بن مشكيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فَمَاتَ بهَا بعد خمس سِنِين فولى مَكَانَهُ نَاصِر الدولة مبشرا فَأَقَامَ خمس سِنِين أَيْضا وتغلب عَلَيْهِ المقتدر بن هود فاستقل مُبشر بميورقة فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتدى الثَّامِن وَالْعشْرُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المستظهر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المقتدى بِاللَّه الْمُقدم ذكره بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت أَبِيه فِي منتصف الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وعمره يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة وشهران وَقَامَ ببيعته السُّلْطَان بركيارق بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق وبقى حَتَّى توفى فِي السَّادِس عشر من ربيع الآخر سنة ثنتى عشرَة وَخمْس مائَة وعمره إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَسِتَّة أشهر وَأَيَّام وَمُدَّة خِلَافَته أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَأحد وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المسترشد والمقتفى كِلَاهُمَا ولى الْخلَافَة وَأَبُو طَالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الْحَوَادِث والهاجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة قَامَ بتدبير دولته السُّلْطَان بركيارق بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق ثمَّ غلب تتش بن ألب أرسلان على حلب وحران والرها والبلاد الجزرية وديار بكر وخلاط وأذربيجان وهمذان وكمل عسكره خمسين ألف مقَاتل وَبعث يطْلب أَن يخْطب لَهُ بِبَغْدَاد عَن المستظهر الْخَلِيفَة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وخطب لَهُ بهَا وَسَار بركيارق إِلَى أصفهان وَبهَا أَخُوهُ مَحْمُود فَمَرض مَحْمُود فَمَاتَ فِي سلخ شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَاسْتقر بركيارق فِي السلطنة مَكَانَهُ ثمَّ سَار بركيارق إِلَى عَمه تتش فَالْتَقَيَا على الْقرب من الرى وَانْهَزَمَ عَسْكَر تتش وَقتل فِي المعركة فِي صفر من هَذِه السّنة واستقامت السلطنة لبركيارق ثمَّ سَار بركيارق فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَدخل بَغْدَاد وأعيدت لَهُ الْخطْبَة فِي صفر من هَذِه السّنة ثمَّ خرج بركيارق من بَغْدَاد وَسَار لِحَرْب أَخِيه مُحَمَّد وَقصد الرى فنزلها ثمَّ سَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 بركيارق من الرى إِلَى بَغْدَاد وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأُمُور فَطلب من الْخَلِيفَة مَالا يَسْتَعِين بِهِ فَحمل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة خمسين ألف دِينَار وَلم يكفه ذَلِك حَتَّى مد يَده إِلَى مَال الرّعية وَسَار مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان وَمَعَهُ أَخُوهُ سنجر فِي طلب بركيارق حَتَّى وصل إِلَى بَغْدَاد وبركيارق مَرِيض قد اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وأيس مِنْهُ فتحول إِلَى الْجَانِب الغربى مَحْمُولا ثمَّ وجد خفَّة فَسَار عَن بَغْدَاد إِلَى وَاسِط وَدخل مُحَمَّد وسنجر إِلَى بَغْدَاد فَشكى إِلَيْهِمَا المستظهر سوء سيرة بركيارق وخطب لمُحَمد بِبَغْدَاد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ بَين مُحَمَّد وبركيارق حروب آخِره ان حصل الصُّلْح على بِلَاد لكل وَاحِد مِنْهُمَا يخْطب لَهُ فِيهَا وَلما وصل خبر الصُّلْح إِلَى المستظهر خطب بِبَغْدَاد لبركيارق وأقيم إيلغازى بن أرتق شحنة لَهُ بِبَغْدَاد ثمَّ توفى بركيارق فِي ثانى شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة على الْقرب من أصفهان فَحمل إِلَيْهَا فَدفن فِيهَا بعد أَن حلف الْعَسْكَر لوَلَده ملكشاه بن بركيارق على أَن يكون سُلْطَانا مَكَانَهُ وعمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 يَوْمئِذٍ أَربع سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَجعل الْأَمِير أياز أتابكه فَكَانَت سلطنة بركيارق اثنتى عشرَة سنة واربعة أشهر قاسى فِيهَا عدَّة حروب وَمن غَرِيب شَأْنه أَنه كَانَ كلما خطب لَهُ بِبَغْدَاد وَقع فِيهَا الغلاء وَلما مَاتَ بركيارق سَار أياز وَمَعَهُ ملكشاه بن بركيارق ودخلوا بَغْدَاد فِي سَابِع عشر ربيع الآخر وخطب لملكشاة بن بركيارق بجوامع بَغْدَاد موت بركيارق ثمَّ سَار أَخُوهُ السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان إِلَى بَغْدَاد وَنزل بالجانب الغربي وبقى أياز وملكشاه بالجانب الشرقى وَجرى بَينهمَا مراجعات كَانَ آخرهَا أَن حلف السُّلْطَان مُحَمَّد لِابْنِ أَخِيه ملكشاه وأتابكه أياز وَحضر أياز والأمراء عِنْد مُحَمَّد وأحضروا ملكشاه عِنْد عَمه مُحَمَّد فَأكْرمه واستقرت السلطنة لمُحَمد وَذَلِكَ لسبع بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ أعمل السُّلْطَان مُحَمَّد الْحِيلَة فِي قتل أياز فَقتل فِي الدهاليز غيلَة ثمَّ خرج السُّلْطَان من بَغْدَاد بعد ذَلِك لأموره ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فَمَاتَ بهَا فِي ذى الحجه سنة تسع وَخمْس مائَة بعد أَن لقى من الحروب والمشاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 مَالا مزِيد عَلَيْهِ مَعَ سيرته العادلة وأبطاله المكوس فِي جَمِيع بِلَاده وعهد بِالْملكِ بعده إِلَى وَلَده مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل ابْن سلجوق وعمره يَوْمئِذٍ أَربع عشرَة سنة وَجلسَ مَحْمُود على تخت السلطنة يَوْم وَفَاة أَبِيه بالتاج والسوارين وخطب لَهُ بالسلطنة فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذى الْحجَّة وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَنه لما توفى السُّلْطَان ألب أرسلان توفى بعده الْقَائِم بامر الله وَلما توفى ملكشاه توفى بعده المقتدى وَلما توفى مُحَمَّد توفى بعده المستظهر وَفِي أَيَّام المستظهر استولت الفرنج على أنطاكية وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الْمُسلمين ونهبوا أَمْوَالهم ثمَّ سَارُوا إِلَى المعرة فاستولوا عَلَيْهَا وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الْمُسلمين ونهبوا اموالهم وَسَارُوا إِلَى حمص فَصَالحهُمْ اهلها وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة استولى الفرنج على بَيت الْمُقَدّس وملكوه من أيدى الْخُلَفَاء الفاطميين وَأَقَامُوا يقتلُون فِي الْمُسلمين مُدَّة أَيَّام وَقتل من الْمُسلمين فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى مَا يزِيد على تسعين ألف نفس مِنْهُم جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 من أَئِمَّة الْمُسلمين وعلمائهم وعبادهم مِمَّن جاور هُنَاكَ ثمَّ فِي سنة سبع وَتِسْعين استولوا على جبيل وعكا ثمَّ استولوا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة على مَدِينَة طرابلس من يَد صَاحبهَا ابْن عمار كَمَا تقدم بعد نهب وسبى ثمَّ فِي سنة أَربع وَخمْس مائَة ملكوا مَدِينَة صيدا وقصدوا حلب وصالحهم صَاحبهَا الْملك رضوَان على اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار يحملهَا إِلَيْهِم مَعَ خُيُول وَثيَاب وَوَقع الْخَوْف فِي قلب أهل الشَّام فَصَالحهُمْ أهل صور على سَبْعَة آلَاف دِينَار وصالحهم صَاحب شيز على أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وصالحهم صَاحب حماه على ألفى دِينَار وَقصد بردويل أحد مُلُوك الفرنجة الديار المصرية فَانْتهى إِلَى الفرما ودخلها وحرقها وَحرق جَامعهَا ومساجدها ودخلها وَهُوَ مَرِيض فَهَلَك فِي الطَّرِيق قبل وُصُوله إِلَى الْعَريش فشق أَصْحَابه بَطْنه ورموا حشوته فِي السبخة الْمَعْرُوفَة الْآن بسبخة بردويل من طَرِيق الشَّام فهى ترْجم إِلَى الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر قبله الْمُسْتَنْصر الفاطمى فتوفى فِي ذى الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَفِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر هَذَا كَانَ الغلاء الْعَظِيم بِمصْر دَامَ سبع سِنِين قَالَ صَاحب سير النّيل مكث النّيل سنتَيْن لم يطلع ثمَّ طلع فِي السّنة الثَّالِثَة فَلم يجد من يزرع لخراب مصر ثمَّ طلع فِي السّنة الرَّابِعَة فَأَقَامَ الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة لم ينزل ثمَّ نزل فِي السَّادِسَة فَلم يطلع وَلم يبْق فِي مصر إِلَّا صبابه من النَّاس وَلم يبْق دَابَّة تمشى على أَربع سوى حمَار يركبه الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر فَبَيْنَمَا الْمُسْتَنْصر ذَات يَوْم عِنْد بَاب زويلة إِذْ استقبلته امْرَأَة عَلَيْهَا آثَار النِّعْمَة فسبته ولعنته فَقَالَ لَهَا مَالك يَا أختاه وَهُوَ يبكى لما أصَاب النَّاس فِي زَمَانه قَالَت كَانَ معى خَمْسُونَ دِينَارا اشْتريت بهَا نصف أردب قمحا فاختطفها النَّاس مني وَبَقِي معي هَذِه الحفنة فَقَالَ وَمَا حيلتى قَالَت خُذ هَذِه الصبابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الَّتِى بقيت من النَّاس واستسق بهم فَفعل ثمَّ طلب شمس الْخلَافَة بن أَبى الرداد امين النّيل يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ زَاد الله فِي النّيل سِتّ عشرَة ذِرَاعا فَامْتنعَ وَقَالَ ياأمير الْمُؤمنِينَ كَيفَ والنيل يخاض من الْبر إِلَى الْبر الآخر فَقَالَ لَهُ إِن لم تفعل وَإِلَّا قتلتلك فَخرج يُنَادى زَاد امير الْمُؤمنِينَ ال 4 مستنصر الْيَوْم فِي النّيل سِتّ عشرَة ذِرَاعا فَبلغ الْمُسْتَنْصر ذَلِك فَطَلَبه وَأنكر عَلَيْهِ فَقَالَ ياامير الْمُؤمنِينَ الْكَذِب على مَخْلُوق لايجوز أفيجوز الْكَذِب على الله فَبكى الْمُسْتَنْصر وَتَركه وَنزل ابْن أَبى الرداد فَبَاتَ ليلته تِلْكَ بالمقياس يتهجد وَيصلى إِلَى الصَّباح فَدخل المقياس فَوَجَدَهُ قد زَاد سِتّ عشرَة ذِرَاعا فَخرج يُنَادى زَاد الله الْيَوْم فِي النّيل سِتّ عشرَة ذِرَاعا والمستنصر هُوَ الذى بنى سور الْقَاهِرَة اللَّبن فِي سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَلما مَاتَ الْمُسْتَنْصر ولى بعده ابْنه المستعلى بِاللَّه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد يَوْم وَفَاة أَبِيه وبقى حَتَّى مَاتَ لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من صفر سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَولى بعده الْآمِر بِأَحْكَام الله أَبُو عِيسَى الْمَنْصُور فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ على دمشق قبله أتسز بن أرتق أحد أُمَرَاء السلاجقة ثمَّ غلب عَلَيْهَا تتش ابْن ألب ارسلان السلجوقى وملكها فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ توفى فملكها بعده ابْنه دقاق ابْن تتش وأشرك مَعَه فِي الْخطْبَة أَخَاهُ رضوَان صَاحب حلب مقدما لرضوان فِي الذّكر على نَفسه ثمَّ توفى دقاق سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة فَخَطب طغتكين أتابك دولته لِابْنِ دقاق وَهُوَ طِفْل ابْن سنة وَاحِدَة ثمَّ قطع الْخطْبَة لَهُ وخطب لِعَمِّهِ بلتاش بن تتش ثمَّ قطع الْخطْبَة لبلتاش وأعادها للطفل وَهُوَ آخر من خطب لَهُ بِدِمَشْق من بنى سلجوق ثمَّ اسْتَقر طفتكين الْمُقدم ذكره فِي ملك دمشق بِنَفسِهِ وبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر واستضاف إِلَيْهَا حماه فِي سنة تسع وَخمْس مائَة وَكَانَ على حلب تتش بن ألب أرسلان فبقى بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 حَتَّى قتل فِي صفر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وملكها بعده ابْنه رضوَان بن تتش وبقى حَتَّى توفى سنة سبع وَخمْس مائَة وملكها بعده ابْنه ألب أرسلان بن رضوَان الْمَعْرُوف بالأخرس ثمَّ قَتله غلمانه فِي سنة ثَمَان وَخمْس مائَة وملكها بعده ابْنه سُلْطَان شاه بن رضوَان ثمَّ انتزعها مِنْهُ إيلغازى بن أرتق وَسلمهَا لوَلَده تمرتاش بن إيلغازى ثمَّ غلب عَلَيْهَا سُلَيْمَان بن إيلغازى بن أرتق فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَت طرابلس بيد أَبى على بن عمار فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى ملكهَا مِنْهُ الفرنج واستولوا عَلَيْهَا فِي حادى عشر ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمْس مائَة وَقتلُوا ونهبوا وَسبوا فَبَقيت بِأَيْدِيهِم مائَة وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ سنة على مَا سيأتى ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَت حماة بيد طغتكين أتابك دولة رضوَان بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 تتش السلجوقى ملكهَا فِي سنة تسع وَخمْس مائَة ثمَّ انتزعها مِنْهُ السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكلشاه السلجوقى فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَسلمهَا للأمير فيرخان بن قراجا ثمَّ ملكهَا تورى بن طغتكين وَقرر بهَا ابْنه سونج فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ على مَكَّة مُحَمَّد بن جَعْفَر من الهواشم فَمَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة لثلاث وَثَلَاثِينَ سنة من إمارته وَولى بعده ابْنه قَاسم فاضطربت الْأُمُور عَلَيْهِ وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَلم أدر من كَانَ على الْمَدِينَة فِي خِلَافَته وَكَانَ على الْيمن أَبُو حمير سبأ فبقى حَتَّى توفى سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَهُوَ آخر مُلُوك الصليحيين وَبقيت الْيمن شاغرة عَن ملك إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر هَذَا ماأورده صَاحب حماة فِي تَارِيخه وَقيل كَانَ الْملك الْمُقدم فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة جياش بن نجاح وَمَات سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة ثمَّ ملك بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 مَنْصُور بن فاتك بن جياش بن نجاح ثمَّ ملك بعده ابْنه فاتك بن مَنْصُور بن فاتك وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد أرسلان خَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن دَاوُد بن نجراخان من بنى سيق خَان الذى كَانَ قد رأى فِي مَنَامه أَنه أسلم فَأسلم يقظة فَقبض عَلَيْهِ السُّلْطَان سنجر السلجوقى فِي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مائَة وحبسه فَمَاتَ فِي الْحَبْس وَولى مَكَانَهُ بسمرقند أَبَا المعالى طمغاج الْحسن بن على من أَعْيَان بَيت الْخَانِية وَلم تطل مدَّته فولى بعده مَحْمُود بن أرسلان خَان فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مائَة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ على خُرَاسَان السُّلْطَان سنجر بن ملكلشاه السلجوقى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ على غزنة مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود من بنى سبكتكين فبقى حَتَّى توفى سنة ثَمَان وَخمْس مائَة وَملك بعده أرسلان شاه بن مَسْعُود ثمَّ ملكهَا مِنْهُ بهْرَام شاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 أَخُوهُ بمعاضده السُّلْطَان سنجر السلجوقى صَاحب خُرَاسَان وَمَا مَعهَا وخطب بهَا لملوك بنى سلجوق ثمَّ لبهرام شاه ثمَّ امسك اخاه ارسلان شاه وحنقه واستقل بالسلطنة سنة اثنتى عشرَة وَخمْس مائَة وبقى بهْرَام شاه إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ على إفريقية تَمِيم بن الْمعز بن باديس فَمَاتَ سنة إِحْدَى وَخمْس مائَة وَملك بعده ابْنه يحيى بن تَمِيم فراجع طَاعَة الْخُلَفَاء الفاطميين بِمصْر ووصلته المخاطبات والهدايا والتحف مِنْهُم وَأكْثر غَزْو الفرنج حَتَّى أعْطى الْجِزْيَة من وَرَاء الْبَحْر وبقى حَتَّى مَاتَ فَجْأَة بقصره سنة تسع وَخمْس مائَة وَملك بعده ابْنه على بن يحيى فدام على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ من طَاعَة الْخُلَفَاء الفاطميين بِمصْر وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى وتلمسان والغرب الْأَوْسَط بأسره بيد أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَكَانَ الأندلس قد غلب أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين مِنْهُ على إشبيلية وَغَيرهَا ثمَّ استتبع الباقى مِنْهُ بأيدى مُلُوك الطوائف حَتَّى لم يبْق مِنْهُ إِلَّا سرقسطة بيد المستعين ابْن هود وَاسْتولى على العدوتين فَملك الأندلس والغرب الْأَقْصَى والغرب الْأَوْسَط وخاطب الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد فقلده جَمِيع ذَلِك وبقى حَتَّى توفى سنة خمس مائَة وَملك بعده ابْنه عَليّ وتلقب بأمير الْمُسلمين أَيْضا فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستظهر التَّاسِع وَالْعشْرُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق المسترشد بِاللَّه وَهُوَ أَبُو مَنْصُور الْفضل بن المستظهر بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَأمه ام ولد كَانَ فصيحا شهما حسن الْخط بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم موت أَبِيه فِي ربيع الآخر سنة اثنتى عشرَة وَخمْس مائَة وَقَامَ بِعقد الْبيعَة لَهُ القاضى أَبُو الْحسن الدامغانى وَالسُّلْطَان يَوْمئِذٍ مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه ابْن ألب أرسلان بن دَاوُد بن مِيكَائِيل السلجوقى وبقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 حَتَّى توفى قَتِيلا فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من ذى الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخمْس مائَة وعمره ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَمُدَّة خِلَافَته سبع عشرَة سنة وسته عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد مِنْهُم الراشد الآتى ذكره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة سَار السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه السلجوقى لِحَرْب ابْن أَخِيه السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد والتقيا بالرى فَانْهَزَمَ مَحْمُود وَنزل السُّلْطَان سنجر فِي خيامه ثمَّ وَقع الصُّلْح بَينهمَا على ان يخْطب للسُّلْطَان سنجر أَولا ثمَّ بعده للسُّلْطَان مَحْمُود وَاسْتولى سنجر على الرى واستضافها إِلَى مَا بِيَدِهِ وَقدم مَحْمُود إِلَى عَمه سنجر بالرى فَأكْرمه وَأحسن نزله وَفِي سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة كَانَ لمسعود بن السُّلْطَان مُحَمَّد الْموصل واذربيجان فَخَطب مَسْعُود لنَفسِهِ بالسلطنة وَجمع عسكره وَسَار إِلَى أَخِيه مَحْمُود والتقيا فَانْهَزَمَ مَسْعُود واختفى ثمَّ طلب من أَخِيه مَحْمُود الْأمان فآمنه فَقدم عَلَيْهِ فَأحْسن تلقيه وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 السُّلْطَان مَحْمُود قد عَاد إِلَى بَغْدَاد فَخرج عَنْهَا فِي هَذِه السّنة ثمَّ توفى السُّلْطَان مَحْمُود فِي سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة بهمذان وأقيم وَلَده دَاوُد فِي السلطنة مَكَانَهُ ثمَّ فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة كَانَ بَين الْخَلِيفَة المسترشد وَبَين عماد الدّين زنكى بن آق سنقر محاربة وعدى فِيهَا الْخَلِيفَة من الْجَانِب الشرقى من بَغْدَاد إِلَى الْجَانِب الغربى مِنْهَا ثمَّ التقيا بحصن البرامكة فَحمل زنكى على ميمنة الْخَلِيفَة فهزمها ثمَّ حمل الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ مَعَ بَقِيَّة الْعَسْكَر فَانْهَزَمَ زنكى وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة الْعَسْكَر فَانْهَزَمَ زنكى وَفِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة جرى بَين الْخَلِيفَة المسترشد وَبَين السُّلْطَان مَسْعُود ابْن مُحَمَّد بن ملكشاه حَرْب كَانَ منشؤها ان سَار جمَاعَة من أَصْحَاب السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة وهونوا عَلَيْهِ أَمر السطان مَسْعُود فَخرج الْخَلِيفَة من بَغْدَاد وَسَار لقِتَال مَسْعُود وَسَار مَسْعُود لملاقاته واتقعوا فِي عَاشر رَمَضَان من السّنة فَصَارَ غَالب عَسْكَر الْخَلِيفَة إِلَى مَسْعُود وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَأخذ المسترشد أَسِيرًا وَنهب عسكره ثمَّ سَار مَسْعُود من همذان إِلَى مراغة والمسترشد مَعَه مأسور فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 خيمة مُنْفَرِدَة بعد أَن وَقع الِاتِّفَاق بَينهمَا على مَال يحملهُ إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَأَن لَا يعود يخرج من بَغْدَاد فَوَثَبت الباطنية على المسترشد فَقَتَلُوهُ وجدعوا أَنفه وَقَطعُوا أُذُنَيْهِ وَأخذ السُّلْطَان مَسْعُود الْبردَة والقضيب فَتَركهُمَا عِنْده ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر فِي أَيَّامه الْآمِر بِأَحْكَام الله الفاطمى فبقى حَتَّى قتل بِجَزِيرَة مصر فِي الثَّالِث من ذى الْقعدَة سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَولى بعده ابْن عَمه الْحَافِظ لدين الله أَبُو الميمون عبد الْمجِيد بن الْأَمِير أَبى الْقَاسِم مُحَمَّد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ على دمشق طغتكين أتابك فبقى حَتَّى توفى فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَملك بعده ابْنه تَاج الْمُلُوك بورى بِعَهْد من أَبِيه وَتوفى فِي سنة سِتّ وَعشْرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَخَمْسمِائة وَملك بعده ابْنه شمس الْمُلُوك إِسْمَاعِيل بِعَهْد من أَبِيه ثمَّ ملك من بعده أَخُوهُ شهَاب الدّين مَحْمُود بن بورى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ على حلب سُلَيْمَان بن إيلغازى بن أرتق وَعصى على أَبِيه فانتزعها مِنْهُ أَبوهُ وَسلمهَا لِابْنِ أَخِيه سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن أرتق فِي رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ انتزعها مِنْهُ عَمه سليك بن بهْرَام بن أرتق وَقتل فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وملكها بعده عَمه تمرتاش ابْن إيلغازى فِي ربيع الأول فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ حاصرها الفرنج وَهِي فِي يَده فخلصها مِنْهُم آق سنقر البرسقي صَاحب الْموصل وملكها مَعَ ماردين فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَقَتله الباطنية فِي سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وملكها بعده ابْنه عز الدّين مَسْعُود بن آق سنقر واستخلف عَلَيْهَا رجلا من امرائه اسْمه قايماز ثمَّ اسْتخْلف عَلَيْهَا رجلا اسْمه قيفلغ ثمَّ انتزعها مِنْهُ سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن أرتق الْمُقدم ذكره ثمَّ انتزعها مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 عماد الدّين زنكى صَاحب الْموصل فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَملك مَعهَا حماة وحمص وبعلبك فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَت طرابلس بيد الفرنج وَكَانَت حماة بيد سونج بن تورى بن طغتكين فبقى بهَا حَتَّى انتزعها مِنْهُ عماد الدّين زنكى على مَا تقدم ثمَّ انتزعها مِنْهُ بعد ذَلِك تَاج الْمُلُوك إِسْمَاعِيل بن بورى ابْن طغتكين فِي سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة فَبَقيت فِي يَده إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ على مَكَّة قَاسم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر فبقى حَتَّى توفى سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة وَولى بعده ابْنه فليتة فَافْتتحَ إمارته بِالْخطْبَةِ للعباسيين وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ وبقى حَتَّى مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَولى بعده ابْنه قَاسم فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وَلم يتحرر لى من كَانَ على الْمَدِينَة فِي زَمَانه وَكَانَ على الْيمن فاتك بن مَنْصُور فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد مَحْمُود بن أرسلان خَان فغلبه عَلَيْهَا كوخان ملك الصين فبقى إِلَى مَا بعده خلَافَة المسترشد وَكَانَ على خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه السلجوقى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَت غزنة وَمَا مَعهَا بيد بهْرَام شاه بن مَسْعُود من بنى سبكتكين فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ على افريقية على بن يحيى من بنى الْمعز بن باديس فبقى حَتَّى مَاتَ سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وَملك بعده ابْنه الْحسن بن على وَهُوَ ابْن ثنتى عشرَة سنة وَقَامَ بأَمْره مَوْلَاهُ صندل ثمَّ مَوْلَاهُ موفق وغلبه الفرنج على المهدية وبلاد السَّاحِل كلهَا إِلَى أَن استنقذها مِنْهُم عبد الْمُؤمن شيخ الْمُوَحِّدين وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى على بن يُوسُف بن تاشفين وعَلى رَأس أَربع عشرَة سنة من ولَايَته كَانَ ظُهُور المهدى بن تومرت ودام ملكه إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد وَكَانَ الأندلس بيد عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فِيمَا كَانَ بيد أَبِيه فاستمر على ذَلِك وَفِي أَيَّامه استولى الأوفونش ملك الفرنج على سرقسطة من شَرق الأندلس وَعقد لوَلَده تاشفين بن عَليّ على غرب الأندلس سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة وأنزله قرطبة وإشبيلية وَعقد لأبى بكر بن إِبْرَاهِيم على شَرق الأندلس وأنزله بلنسية وَعقد لِابْنِ غانية على الجزائر الشرقية وأنزله دانية وميورقة ومنورقة وبقى الْأَمر على ذَلِك إِلَى مَا بعد خلَافَة المسترشد الثَّلَاثُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الراشد بِاللَّه وَهُوَ ابو جَعْفَر الْمَنْصُور بن المسترشد الْمُقدم ذكره ولى الْخلَافَة بِعَهْد من أَبِيه المسترشد ثمَّ بُويِعَ لَهُ بهَا بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وَفَاته فِي الْيَوْم الذى مَاتَ فِيهِ وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعشْرُونَ من ذى الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَقَامَ ببيعته السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه السلجوقى وَكتب بذلك إِلَى بَغْدَاد فبويع لَهُ بهَا وَحضر بيعَته اُحْدُ وَعِشْرُونَ رجلا من أَوْلَاد الْخُلَفَاء وبقى حَتَّى توفى قَتِيلا بأصفهان فِي الحادى وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمُدَّة خِلَافَته شهر وَأحد عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد مِنْهُم الْحسن جد الْخُلَفَاء بالديار المصرية الْحَوَادِث والماجرايات فِي خِلَافَته كَانَ الراشد قد اتّفق مَعَ عماد الدّين زنكى وَغَيره من مُلُوك الْأَطْرَاف على خلاف السُّلْطَان مَسْعُود الْمُقدم وَذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَطَاعَة دَاوُد بن السُّلْطَان مَحْمُود فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان مَسْعُود فَسَار إِلَى بَغْدَاد وحصرها وَوَقع بهَا النهب من العيارين والمفسدين وَأقَام محاصرا لَهَا نيفا وَخمسين يَوْمًا فارتحل عَنْهَا إِلَى النهروان ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَقد اخْتلفت كلمة عساكرها فَسَار السُّلْطَان دَاوُد إِلَى بِلَاده بِأَذربِيجَان وَسَار الْخَلِيفَة مَعَ عماد الدّين زنكى إِلَى جِهَة الْموصل فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى بَغْدَاد واستقربها فِي منتصف ذى الْقعدَة من هَذِه السّنة وَجمع الْقُضَاة وكبار بَغْدَاد فَأَجْمعُوا على خلع الراشد بِسَبَب انه عَاهَدَ السُّلْطَان مسعودا على أَن لَا يقاتله وَمَتى خَالف ذَلِك فقد خلع نَفسه ونسبت إِلَيْهِ أُمُور مُنكرَة ارتكبها فَحكم بِفِسْقِهِ وَكتب محْضر بخلعه وجهز إِلَى عماد الدّين زنكى بالموصل فَأثْبت على قاضى الْموصل وَفَارق الراشد زنكى وَسَار من الْموصل إِلَى مراغة وَاجْتمعَ بالسلطان دَاوُد بن مَحْمُود وملوك تِلْكَ النواحي فاتفقوا على خلاف السُّلْطَان مَسْعُود وقتاله وإعادة الراشد إِلَى الْخلَافَة وَأقَام الراشد مهمذان فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 دَاوُد وَكَانَت بَينهم حَرْب انهزم فِيهَا دَاوُد فَسَار دَاوُد إِلَى فَارس وهزمت تِلْكَ الجموع فَسَار الراشد إِلَى أصفهان للإقامة بهَا فَوَثَبَ عَلَيْهِ بعض الخراسانيين الَّذين كَانُوا فِي خدمته عِنْد القيلولة فَقتله على مَا تقدم ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْحَافِظ لدين الله الفاطمى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ على دمشق شهَاب الدّين مَحْمُود بن بورى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَت حماة بيد الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكى وَكَانَت طرابلس بيد الفرنج وَكَانَ على مَكَّة قَاسم بن فليته فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَالْخطْبَة مُتَّصِلَة للعباسين وَلم أحقق من كَانَ فِي أَيَّامه على الْمَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَكَانَ على الْيمن فاتك بن مَنْصُور فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد كوخان صَاحب الصين فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ على خُرَاسَان السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه السلجوقي فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ على غزنة بهْرَام شاه بن مَسْعُود بن سبكتكين فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ على إفريقية الْحسن بن عَليّ من بني باديس فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى والأوسط عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد وَكَانَ الأندلس بيد عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين أَيْضا فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الراشد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المقتفى لأمر الله وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المستظهر الْمُقدم ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَأمه أم ولد وَهُوَ عَم الراشد كَانَ حسن السِّيرَة بُويِعَ لَهُ بالخلافة بِبَغْدَاد فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة بعد أَن وصل إِلَيْهِ السُّلْطَان مَسْعُود ابْن مُحَمَّد بن ملكشاه وتحالفا وَخرج السُّلْطَان وأحضر الْأُمَرَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء وأرباب المناصب فَبَايعُوهُ وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي ثَانِي ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وعمره سِتّ وَسَبْعُونَ سنة وَمُدَّة خِلَافَته أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَسَبْعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المستنجد ولى الْخلَافَة وَأَبُو جَعْفَر وَهُوَ أكبر من المستنجد الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وصل رَسُول السُّلْطَان سنجر وَمَعَهُ الْبردَة والقضيب اللَّذَان كَانَ أخذهما السُّلْطَان سنجر من المسترشد فأعيدا إِلَى المقتفى واستقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 بِالْأَمر دون سُلْطَان مَعَه وَكَانَ يبْذل الْأَمْوَال الْعَظِيمَة لأَصْحَاب الْأَخْبَار من الجواسيس فِي جَمِيع الْبِلَاد حَتَّى لَا يكون يفوتهُ شئ من أَخْبَارهَا وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة قتل السُّلْطَان دَاوُد ابْن مُحَمَّد السلجوقي غيلَة وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة اعتقل الْخَلِيفَة المقتفي أَخَاهُ أَبَا طَالب وضيق عَلَيْهِ واحتاط على غَيره من أَقَاربه وَمَات السُّلْطَان مَسْعُود فِي أول رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَمَات بِمَوْتِهِ سَعَادَة الْبَيْت السلجوقي فَلم ترفع لَهُ بعد ذَلِك راية يعْتد بهَا وَكَانَ مَوته بعد أَن عهد بِالْملكِ إِلَى ابْن أَخِيه ملكشاه بن مَحْمُود ابْن مُحَمَّد بن ملكشاه فَقعدَ فِي السلطنة بعده وخطب لَهُ بهَا وتغلب على السلطنة فِي زَمَانه شخص اسْمه خَاص بك كَانَ من أَتبَاع السُّلْطَان مَسْعُود ثمَّ قبض على السُّلْطَان ملكشاه بن مَحْمُود وحبسه وَأرْسل إِلَى أَخِيه مُحَمَّد بن مَحْمُود وَهُوَ بخوزستان فَحَضَرَ وَتَوَلَّى السلطنة وَجلسَ على سَرِير الْملك وَكَانَ قصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 خَاص بك أَن يقبض على السُّلْطَان مُحَمَّد أَيْضا ويخطب لنَفسِهِ بالسلطنة فبدره السُّلْطَان مُحَمَّد فِي ثَانِي يَوْم وُصُوله فَقتله ثمَّ سَار السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَحْمُود فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مائَة بعساكر كَثِيرَة إِلَى بَغْدَاد وحصرها وحصن المقتفي الْخَلِيفَة دَار الْخلَافَة واعتد للحصار وَاشْتَدَّ الْأَمر على أهل بَغْدَاد فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بلغ السُّلْطَان مُحَمَّدًا أَن أَخَاهُ ملكشاه تحرّك على بِلَاده وَوصل همذان فَرَحل السُّلْطَان مُحَمَّد عَن بَغْدَاد وَسَار نَحْو أَخِيه فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة وَمَات السُّلْطَان سنجر صَاحب خُرَاسَان بِمَدِينَة مرو من خُرَاسَان على مَا تقدم وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة اقتلع الْخَلِيفَة المقتفي بَاب الْكَعْبَة وَعمل عوضه بَابا مصفحا بِالْفِضَّةِ المذهبة وَعمل لنَفسِهِ من الْبَاب الأول تابوتا يدْفن فِيهِ وَفِي سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة توفّي السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَحْمُود الَّذِي كَانَ قد حاصر بَغْدَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 بهمذان وَطلب الْأُمَرَاء عَمه سُلَيْمَان شاه بن مُحَمَّد وَكَانَ معتقلا بالموصل فَحَضَرَ وَولي مَوضِع ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن مَحْمُود وَكَانَ فِيهِ خرق وتهور وَضعف فِي الدّين حَتَّى يُقَال إِنَّه كَانَ يشرب الْخمر فِي رَمَضَان نَهَارا فتسلط عَلَيْهِ الْجند حَتَّى لم يبْق لَهُ مَعَهم أَمر ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَحبس وأقيم أرسلان شاه بن طغرل بن مُحَمَّد بن ملكشاه فِي السلطنة مقَامه وخطب لَهُ بهَا وَبعث إِلَى بَغْدَاد ليخطب لَهُ فِيهَا بالسلطنة على عَادَة الْمُلُوك السلجوقية فَلم يجب إِلَى ذَلِك وَبقيت الْخطْبَة فِي بَغْدَاد للخليفة وَحده وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك إِلَى وَفَاة المقتفي ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْحَافِظ لدين الله الفاطمي فَتوفي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَولي بعده ابْنه الظافر بِأَمْر الله إِسْمَاعِيل بن حَافظ الْمُقدم ذكره فَبَقيَ حَتَّى قتل فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَولي بعده أبنه الفائز بنصر الله أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن الظافر صَبِيحَة وَفَاة أَبِيه فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَكَانَ على دمشق شهَاب الدّين مَحْمُود بن بورى فَقتل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَملك بعده أَخُوهُ جمال الدّين مُحَمَّد بن بورى وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَملك بعده أبنه مجير الدّين أرتق بن مُحَمَّد وَفِي أَيَّامه تغلبت الفرنج على ناحيه دمشق ثمَّ أنتزعها مِنْهُم الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي الْمَعْرُوف بِنور الدّين الشَّهِيد فملكها فِي سنه تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وأجتمع لَهُ ملك جَمِيع الشَّام وَهُوَ الَّذِي بنى أسوار مدن الشَّام حِين وَقعت بالزلازل من دمشق وحماة وحمص وحلب وشيزر وبعلبك وَغَيرهَا فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي وَكَانَ على حلب عماد الدّين الزنكي فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي وَكَانَت حماة بِيَدِهِ قبل ذَلِك وَكَانَت طرابلس بيد الفرنج وَكَانَ على مَكَّة قَاسم بن فليتة وَالْخطْبَة بِمَكَّة منسحبة لبني الْعَبَّاس وَبَقِي قَاسم الْمَذْكُور إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَكَانَ على الْمَدِينَة قَاسم بن مهنى فَتوفي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَولي بعده أبنه سَالم بن قَاسم فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي قَالَ الْمُؤَيد صَاحب حماة فِي تَارِيخه وَكَانَ مَعَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي فتوحاته يتبرك بِهِ ويتيمن بِصُحْبَتِهِ وَيرجع إِلَى قَوْله وَكَانَ على الْيمن فاتك بن مَنْصُور بن فاتك ثمَّ ملك من بعده أبن عَمه فاتك بن مُحَمَّد بن فاتك بن جياش بن نجاح فِي سنة أحدى وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَقتل فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة وَهُوَ أحسن مُلُوك بني نجاح بهَا وأنتقلت مملكة الْيمن إِلَى بني مهْدي فَملك مِنْهُم بعد قتل فاتك عَليّ بن مهْدي وأستقر فِي الْملك بزبيد فِي رَابِع عشر رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة ثمَّ مَاتَ بعد شَهْرَيْن وَإِحْدَى وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَ مذْهبه التَّكْفِير بِالْمَعَاصِي وَقتل من خَالف ذَلِك وَملك بعده أبنه مهْدي بن عَليّ فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد كوخان ملك الصين فَمَاتَ سنه سبع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وملكت بعده أبنته وَثمّ مَاتَت قَرِيبا وَملك بعْدهَا أمهَا زَوْجَة كوخان وبقى مَا وَرَاء النَّهر بعد ذَلِك بيد الخطا الى أَن غلبهم عَلَيْهِ عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن خوارزم شاه سنة ثنتى عشرَة وسِتمِائَة فَبَقيَ فِي يَده حَتَّى انتزعه مِنْهُ بَنو جنكزخان مُلُوك التتر فِي سنة سبع عشرَة وثمان مائَة وَكَانَ على خُرَاسَان السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه السلجوقي فَمَاتَ فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكَانَ موطنه مرو من خُرَاسَان وخطب لَهُ على أَكثر مَنَابِر الْإِسْلَام بالسلطنة نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ قبلهَا يُخَاطب بِالْملكِ عشْرين سنة وَلما حَضرته الْوَفَاة اسْتخْلف على خُرَاسَان ابْن أُخْته الْملك مَحْمُود بن مُحَمَّد بن بغراخان فَأَقَامَ على خوف من الغز حَتَّى انتزعها مِنْهُ خوارزم شاه أطسز بن مُحَمَّد بن أنوشتكين فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي وَكَانَ على غزنة بهْرَام شاه بن مَسْعُود من بني سبكتكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فَتوفي وَملك بعده ابْن ابْنه ملكشاه بن خسروشاه فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفي وَكَانَ على إفريقية الْحسن بن عَليّ من بني الْمعز بن باديس فغلبه عَلَيْهَا الموحدون وانتزعها مِنْهُ عبد الْمُؤمن بن عَليّ أحد أَصْحَاب الْمهْدي بن تومرت وَلحق الْحسن بالجزائر فَنزل بهَا حَتَّى فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة فَخرج إِلَى عبد الْمُؤمن فَأحْسن إِلَيْهِ وَبَقِي مَعَه حَتَّى افْتتح المهدية فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة فأنزله بهَا فَأَقَامَ بهَا ثَمَانِي سِنِين ثمَّ سَار إِلَى مراكش فَمَاتَ بهَا وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى والأوسط على بن يُوسُف بن تاشفين فَمَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَقد ضعفت كلمة المرابطين لظُهُور الْمُوَحِّدين وَقَامَ بِالْأَمر بعده وَلَده تاشفين بن عَليّ وَأخذ بِطَاعَتِهِ وبيعته أهل العدوتين وَنزل تلمسان وَقد استفحل أَمر الْمُوَحِّدين فقصده الموحدون ففر مِنْهُم وفقد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وَملك بعده ابْنه إِبْرَاهِيم بن تاشفين بن عَليّ فألفوه عازجا فخلوه وَولي مَكَانَهُ عَمه إِسْحَاق بن عَليّ بمراكش وَقد ملك الموحدون جَمِيع بِلَاد الْمغرب فقصدوه فِي مراكش فَخرج إِلَيْهِم فِي خاصته فَقَتَلُوهُ وفر أُمَرَاء المرابطين فِي كل وَجه وَكَانَ مَا بَقِي من الأندلس بيد على بن يُوسُف بن تاشفين فانتقل ذَلِك بعده إِلَى ابْنه تاشفين ثمَّ إِلَى إِبْرَاهِيم بن تاشفين ثمَّ إِلَى إِسْحَاق بن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين فَقتل بمراكش على مَا تقدم وعدي عبد الْمُؤمن شيخ الْمُوَحِّدين إِلَى الأندلس فملكه فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مائَة وأجتمع لَهُ إفريقية وَالْمغْرب الْأَوْسَط وَالْمغْرب الْأَقْصَى والأندلس وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة المقتفى الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المستنجد بِاللَّه وَهُوَ أَبُو المظفر يُوسُف بن المقتفي الْمُقدم ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَأمه أم ولد أسمها طَاوُوس وَكَانَ أسمر تَامّ الْقَامَة طَوِيل اللِّحْيَة حسن السِّيرَة شَدِيدا على أهل العيث وَالْفساد بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد وَفَاة أَبِيه فِي رَجَب سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وأجتمع على بيعَته أهل بَيته وأقاربه وَعَمه أَبُو طَالب وَأَخُوهُ أَبُو جَعْفَر ثمَّ بَايعه الْوَزير عون الدّين بن هُبَيْرَة قَاضِي الْقُضَاة وَغَيرهم من وُجُوه النَّاس وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي تَاسِع ربيع الآخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ سَبَب مَوته فِيمَا يُقَال أَنه مرض فأشتد مَرضه فدبر عَلَيْهِ مَعَ الطَّبِيب أَنه يدْخل الْحمام فدخله على ضعف فَمَاتَ وعمره إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة وَأشهر وَمُدَّة خِلَافَته إِحْدَى عشرَة سنة وَأشهر وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد مِنْهُم المستضئ بِاللَّه الْآتِي ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته اطلق فِي أَيَّامه أَشْيَاء كَثِيرَة من المكوس وَكَانَ شَدِيدا على أهل العيث وَالْفساد وَفِي سنه ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة أَمر المستنجد الْخَلِيفَة باجلاء بني أَسد أهل الْحلَّة لفسادهم فَقتل جمَاعَة مِنْهُم وهرب الْبَاقُونَ وسلمت بطائحهم إِلَى رجل يُقَال لَهُ أبن مَعْرُوف ولآيات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الفائز بنصر الله فَتوفي فِي سَابِع عشر رَجَب سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وَولي بعده العاضد لدين الله أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف يَوْم وَفَاة الفائز ووزر لَهُ أَسد الدّين شيركوه بن شادي ثمَّ وزر لَهُ أبن أَخِيه السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَبَقِي العاضد إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَت دمشق وحماه وَمَا مَعهَا من الْبِلَاد الشامية وَبَعض بِلَاد الجزيرة وَغير ذَلِك بيد الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي عشر شَوَّال سنه تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة بقلعة دمشق وَكَانَ قد أتسع ملكه وخطب لَهُ بِالْحرم واليمن ومصر وطبق ذكره الأَرْض وَملك بعده ابْنه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وعمره إِحْدَى عشرَة سنه وَحلف لَهُ الْعَسْكَر بِدِمَشْق وأطاعه السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِمصْر وخطب لَهُ بهَا وَضربت السِّكَّة بأسمه وَملك غَازِي بن مودود بن زنكي الْبِلَاد الجزرية بعد نور الدّين وَبَقِي الْملك الصَّالح إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَت حلب بيد عماد الدّين زنكي إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَت طرابلس بيد الفرنج وَكَانَ على مَكَّة قَاسم بن فليته فَخَطب للمستنجد كَمَا كَانَ يخْطب لِأَبِيهِ المقتفي ثمَّ قتل قَاسم سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة وَولي بعده ابْنه عِيسَى وَالَّذِي ذكره صَاحب حماة فِي تَارِيخه أَن عِيسَى عَم قَاسم سير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الْحَاج سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة وَقَامَ مَكَان أبن أَخِيه قَاسم الْمَذْكُور ثمَّ عَاد قَاسم فَملك مَكَّة ثمَّ هرب وَعَاد عَمه عِيسَى فملكها وهرب قَاسم إِلَى جبل ابي قبيس فَوَقع عَن فرسه فأمسكه عِيسَى وَقَتله وَكَانَ على المدينه سَالم بن قَاسم فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَ على الْيمن مهْدي بن عَليّ بن مهْدي ثمَّ ملكه بعده أبنه عبد النَّبِي بن مهْدي ثمَّ ملك بعده عَمه عبد الله بن مهْدي ثمَّ عَاد عبد النَّبِي ثَانِيًا وَهُوَ آخِرهم وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد مُلُوك بني جنكز خَان وَكَانَ على غزنة ملكشاه بن خسروشاه بن بهْرَام شاه بن مَسْعُود بن مَحْمُود من بني سبكتكين وَهُوَ آخِرهم ثمَّ أنتقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الْملك إِلَى الْمُلُوك الغوريه فَملك بعد ملكشاه السبكتكيني عَلَاء الدّين الْحُسَيْن بن الْحُسَيْن وأستضاف غزنة إِلَى الْغَوْر فِي سنه خمس وَخمسين وَخمْس مائَة وتلقب بِالْملكِ الْمُعظم وَتُوفِّي سنه سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة وَملك بعده غياث الدّين مُحَمَّد فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد وَكَانَ على إفريقية والغرب الْأَقْصَى والغرب الْأَوْسَط والأندلس عبد الْمُؤمن بن عَليّ أحد أَصْحَاب الْمهْدي بن تومرت صَاحب دولة الْمُوَحِّدين فَبَقيَ حَتَّى توفّي بسلا من الغرب الْأَقْصَى فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنه ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة وَولي بعده أبنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فاستولى على حميع مَا كَانَ بيد أَبِيه من الأندلس وَجَمِيع بِلَاد الْمغرب وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة المستنجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المستضئ بِاللَّه وَهُوَ ابو مُحَمَّد الْحسن بن المستنجد بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَلم يل الْخلَافَة من اسْمه الْحسن غَيره وَغير الْحسن بن عَليّ رضى الله عَنهُ وَأمه أم ولد أرمنية كَانَ عادلا حسن السِّيرَة بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت أَبِيه فِي تَاسِع ربيع الآخر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وبقى حَتَّى توفى فِي ذى الْقعدَة سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة وَكَانَ مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَمُدَّة خِلَافَته تسع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَكَانَ لَهُ اولاد مِنْهُم الإِمَام النَّاصِر لدين الله الآتى ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة قطع السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الْخطْبَة بِمصْر للعاضد العلوى وأقامها للمستضئ الْمَذْكُور وَذَلِكَ أَنه لما تمكن أمرالسلطان صَلَاح الدّين بِمصْر وَهُوَ فِيهَا كالنائب لنُور الدّين مَحْمُود صَاحب الشَّام وَكَانَ العاضد قد مرض وَاشْتَدَّ مَرضه وَبعث السُّلْطَان نور الدّين للسُّلْطَان صَلَاح الدّين يحتم عَلَيْهِ قطع الْخطْبَة للعاضد وَالْخطْبَة للمستضئ فَفعل وَلم يعلم العاضد أحد من أهل بَيته بذلك خشيَة عَلَيْهِ من تَأْثِير ذَلِك فِيهِ من ضعفه وَلما وصل خبر الْخطْبَة بِمصْر إِلَى بَغْدَاد ضربت لَهَا البشائر عدَّة أَيَّام وسيرت الْخلْع إِلَى السلطانين نور الدّين وَصَلَاح الدّين والخطباء وسيرت الْأَعْلَام السود وَكَانَ العاضد قد راى فِي مَنَامه ان عقربا قد خرجت من مَسْجِد بِمصْر يعرفهُ فلدغته فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا واستدعى معبرا فَعبر لَهُ ذَلِك بوصول أَذَى إِلَيْهِ من شخص بذلك الْمَسْجِد فَطلب من بِالْمَسْجِدِ فأحضر إِلَيْهِ شخص صوفى يُقَال لَهُ نجم الدّين الخوبشانى فَرَآهُ العاضد أَضْعَف من أَن يَنَالهُ مِنْهُ أَذَى فوصله بِمَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَصَرفه فَلَمَّا أَرَادَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِزَالَة الدولة العلوية استفتى الْعلمَاء فِي ذَلِك فَكَانَ من جملَة من أفتى فِي ذَلِك الخوبشانى الْمَذْكُور وَزَاد فِيمَا كتب بِهِ حَتَّى سلب عَنْهُم الْإِيمَان فَكَانَ ذَلِك تاويل هَذِه الرُّؤْيَا وَهَذَا الخوبشانى هُوَ المدفون على الْقرب من تربة الإِمَام الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ ثمَّ فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة أَيْضا عزل الْخَلِيفَة المستضئ وزيره عضد الدّين رَئِيس الرؤساء وَحكم فِي دولته ظهير الدّين أَبُو بكر بن الْعَطَّار ثمَّ وَقع بَين المستضئ وَبَين أستادار قطب الدّين قايماز مقدم عَسْكَر بَغْدَاد فتْنَة نهبت فِيهَا دَار قايماز وهرب إِلَى الْحلَّة ثمَّ إِلَى الْموصل فَلحقه عَطش عَظِيم فِي الطَّرِيق هلك مِنْهُ أَكثر أَصْحَابه وَمَات قبل أَن يصل إِلَى الْموصل وَلما هرب قايماز خلع المستضئ على عضد الدّين الْوَزير وَأَعَادَهُ إِلَى الوزارة وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة بنى السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 صَلَاح الدّين السُّور الدائر على مصر والقاهرة وقلعة الْجَبَل ودورة تِسْعَة وَعِشْرُونَ ألف ذِرَاع وثلاثمائة ذِرَاع بالذراع الهاشمى وَمَات السُّلْطَان صَلَاح الدّين والعمارة فِيهِ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر العاضد لدين الله الفاطمى والقائم بتدبير دولته وزيره السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وبقى حَتَّى توفى العاضد فِي يَوْم عَاشُورَاء من سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة واستبد السُّلْطَان صَلَاح الدّين بمملكة مصر وَكَانَت الْبِلَاد الشامية بأسرها بيد الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكى وَالسُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي طَاعَته كَمَا تقدم ثمَّ سَار السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى دمشق وملكها فِي سلخ ربيع الأول سنة سبعين وَخمْس مائَة وَملك مَعهَا حمص وحماه وَكَانَت حلب بيد عماد الدّين زنكى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستضئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَكَانَت طرابلس بيد الفرنج وَكَانَت مَكَّة بيد عِيسَى بن فليته وَذَلِكَ فِي أَيَّام العاضد آخر خلفاء الفاطميين بِمصْر ثمَّ ولى بعده ابْنه مكثر فَأمر المستضئ أَمِير الْحَاج العراقى بعزله فجرت بَينهمَا فتْنَة انهزم فِي آخرهَا مكثر إِلَى الْبَريَّة وَاسْتقر أَخُوهُ دَاوُد مَكَانَهُ وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستضئ وَكَانَ على الْيمن عبد النبى بن مهدى فَبَقيت الْيمن بِيَدِهِ إِلَى أَن استولت عَلَيْهَا الدولة الأيوبية مُلُوك مصر وَأول من ملكهَا مِنْهُم شمس الدولة توران شاه بن أَيُّوب انتزعها من عبد النبى الْمَذْكُور وأسره فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَاسْتولى عَلَيْهَا لِأَخِيهِ السُّلْطَان صَلَاح الدّين ثمَّ استناب عَلَيْهَا توران شاه خطار بن كَامِل الكنانى وَأقرهُ بزبيد وَرجع إِلَى الشَّام فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة فَأعْطَاهُ أَخُوهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين الْإسْكَنْدَريَّة وَأقرهُ بهَا فَكَانَ يحمل إِلَيْهِ المَال من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 زبيد قَاعِدَة ملك الْيمن وَهُوَ بالإسكندرية وَبقيت بيد توران شاه إِلَى مَا بعد خلَافَة المستضئ وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد مُلُوك الخطا وَكَانَ على خُرَاسَان وَمَا مَعهَا خوارزم شاه أرسلان بن أطسز بن مُحَمَّد بن أنوش تكين حَتَّى توفى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ على غزنة غياث الدّين مُحَمَّد بن سَام أحد مُلُوك الغورية ثمَّ استولى عَلَيْهَا الغز وهم طَائِفَة من التّرْك كَانُوا قد استولوا على خُرَاسَان وأسروا السُّلْطَان سنجر السلجوقى فَبَقيت بِأَيْدِيهِم إِلَى مَا بعد خلَافَة المستضئ وَكَانَ على إفريقية والغرب الْأَوْسَط والغرب الْأَقْصَى والأندلس الْمَنْصُور أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن شيخ الْمُوَحِّدين وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستضئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق النَّاصِر لدين الله وَهُوَ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المستضيء بِاللَّه الْمُقدم ذكره قَالَ السُّلْطَان عماد الدّين صَاحب حماه فِي تَارِيخه كَانَ قَبِيح السِّيرَة فِي رَعيته ظَالِما لَهُم خرب فِي أَيَّامه الْعرَاق وتغرب أَهله فِي الْبِلَاد وَكَانَ يتشيع وَكَانَ منصرف الهمة إِلَى رمي البندق والطيور المناسيب وإلباس سراويلات الفتوة وَمنع رمي البندق إِلَّا أَن ينْسب إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ النَّاس إِلَى ذَلِك إِلَّا شخص وَاحِد فَإِنَّهُ هرب من بَغْدَاد وَلم يجب إِلَى ذَلِك وَكَانَ من أمره أَنه عمي فِي آخر عمره بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم مَاتَ أَبوهُ المستضيء وَهُوَ ثَانِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة وَقَامَ ببيعته ظهير الدّين بن الْعَطَّار مُدبر دولة أَبِيه بعد وزيره عضد الدّين وَبَقِي حَتَّى توفّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فِي اول شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَمُدَّة خِلَافَته نَحْو سبع وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ لَهُ اولاد مِنْهُم الظَّاهِر بِأَمْر الله الْآتِي ذكره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما اسْتَقر فِي الْخلَافَة حكم أستاداره مجد الدّين أَبُو الْفضل فَقبض على مُدبر دولته ظهير الدّين بن الْعَطَّار فِي سَابِع ذِي الْقعدَة بعد أَيَّام قَلَائِل من خِلَافَته ثمَّ أخرج مَيتا على رَأس حمال فثارت بِهِ الْعَامَّة وألقوه عَن رَأس الْحمال وشدوا فِي ذكره حبلا وسحبوه فِي الْبَلَد وَكَانُوا يضعون فِي يَده مغرفة كَأَنَّهَا قلمه وَقد غمست تِلْكَ المغرفة فِي الْعذرَة وَيَقُولُونَ وَقع لنا يَا مَوْلَانَا مَعَ حسن سيرته فيهم وكفه عَن أَمْوَالهم ثمَّ خلص مِنْهُم بعد ذَلِك وَدفن وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة أرسل قزل بن إلدكز صَاحب أذربيجان وهمذان وأصفهان والري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 يستنجد بالخليفة النَّاصِر على طغرلبك بن أرسلان بن طغرلبك السلجوقي ويحذره عَاقِبَة أمره فَأرْسل الْخَلِيفَة عسكرا إِلَى طغرلبك صُحْبَة وزيره جلال الدّين عبد الله فَالْتَقوا فِي ثامن ربيع الأول على همذان فَانْهَزَمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة وغنم طغرلبك وَقبض عَلَيْهِ وحبسه ثمَّ قتل قزل فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة ثمَّ توفّي طغرل فِي سنة تسعين وَخمْس مائَة وَملك خوارزم شاه الرّيّ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَفِي سنة تسعين وَخمْس مائَة استولى الْخَلِيفَة النَّاصِر على حَدِيثَة وعانة وَكَانَت خَارِجَة عَن يَده وَفِي هَذِه السّنة أرسل الْخَلِيفَة وزيره مؤيد الدّين بن القصاب إِلَى خوزستان فملكوا مَدِينَة تستر وَمَا مَعهَا فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخمْس مائَة ثمَّ سَار بعد ذَلِك إِلَى همذان فملكها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَغَيرهَا من بِلَاد الْعَجم وَأخذ يستولي على بِلَاد الْخَلِيفَة فَتوفي مؤيد الدّين فِي أَوَائِل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَفِي سنة أَربع وسِتمِائَة سير الْخَلِيفَة إِلَى الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الديار المصرية تَشْرِيفًا بالسلطنة فلبسها ونثر الذَّهَب على رَأسه وَكَانَت الخلعة جُبَّة أطلس أسود بطراز مَذْهَب وعمامة سَوْدَاء بطراز مَذْهَب وطوق ذهب وسيفا جَمِيع قرَابه ملبس ذَهَبا يتقلده وحصانا أَشهب بمركب ذهب ونثر على رَأسه علم أسود مَكْتُوب فِيهِ بالبياض اسْم الْخَلِيفَة وقرين ذَلِك تَقْلِيد بالبلاد الَّتِي تَحت حكمه ولقب فِيهَا الْعَادِل شاهنشاه ملك الْمُلُوك خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وقرين ذَلِك خلع الْملك الْأَشْرَف وَالْملك الْمُعظم ابْني الْعَادِل بعمامة سَوْدَاء وثوب أسود وَاسع الْكمّ وَكَذَلِكَ الْوَزير صفي الدّين بن شكر وَركب الْملك الْعَادِل وَولده الْأَشْرَف بِالْخلْعِ حَتَّى دخلا القلعة وَأكْرم رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْخَلِيفَة وأعيد إِلَى بَغْدَاد وَفِي سنة سبع وسِتمِائَة وَردت رسل الْخَلِيفَة النَّاصِر إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف أَن يشْربُوا لَهُ كأس الفتوة ويلبسوا لَهُ سراويلها وَأَن ينتسبوا إِلَيْهَا فِي رمى البندق ويجعلوه قدوتهم فِيهِ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وَفِي سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة عزم خوارزم شاه على السّير إِلَى بَغْدَاد للاستيلاء عَلَيْهَا وَقدم بعض العساكر وَسَار فِي أَثَرهم عَن همذان فَسقط عَلَيْهِم بعد مَسِيرهمْ بِثَلَاثَة أَيَّام ثلج لم يسمع بِمثلِهِ فَهَلَكت دوابهم وَخَافَ خوارزم شاه التتر على بِلَاده الَّتِى استولى عَلَيْهَا فِي سَفَره ذَلِك فَعَاد إِلَى خُرَاسَان وَقطع الْخطْبَة للخليفة النَّاصِر من بِلَاد خُرَاسَان فِي سنة خمس وسِتمِائَة وَكَذَلِكَ قطعت خطْبَة الْخَلِيفَة فِي مَا وَرَاء النَّهر وَبقيت خوارم وسمرقند وهراة على الْخطْبَة للخليفة فَإِن أهل هَذِه الْبِلَاد كَانُوا يخطبون لمن يختارون وَلَا يعارضون فِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة استولى جلال الدّين على خوزستان وَكَانَت للخليفة الإِمَام النَّاصِر ثمَّ سَار حَتَّى قَارب بَغْدَاد وَخَافَ أهل بَغْدَاد مِنْهُ واستعدوا للحصار ونهبت الخوارزمية الْبِلَاد وامتلات أَيْديهم من الْغَنَائِم ولايات الْأَمْصَار فِي خلَافَة كَانَ على مصر فِي أَيَّامه السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فبقى حَتَّى توفى بِدِمَشْق فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَت مُدَّة ملكه بالديار المصرية أَرْبعا وَعشْرين سنة ثمَّ ملك بعده مصر ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَتوفى لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد فَأَقَامَ بهَا حَتَّى ورد عَلَيْهِ الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب من الشَّام وَأقَام عِنْده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 قَلِيلا كَأَنَّهُ مُدبر لدولته ثمَّ اسْتَقل الْعَادِل بِالْملكِ فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت دمشق مَعَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب أَيْضا وَقرر فِيهَا أَخَاهُ سيف الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب وَتوجه لاستقلاع بَقِيَّة الْبِلَاد فَلَمَّا عَاد إِلَى الديار المصرية فِي سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة اسْتخْلف عَلَيْهَا ابْن أَخِيه عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب صَاحب بعلبك وَصَارَت بِيَدِهِ هِيَ وبعلبك ثمَّ صرفه عَنْهَا وَقرر فِيهَا ابْنه الْملك الْأَفْضَل عليا فبقى فِيهَا حَتَّى توفى وَالِده وبقى بهَا إِلَى أَن قَصده أَخُوهُ الْملك الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب مصر بعد وَفَاة أَبِيهِمَا وصحبته عَمه الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب فانتزعها مِنْهُ وخطب فِيهَا باسم الْعَزِيز فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَكَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر يمِيل إِلَى التَّشَيُّع فَكتب إِلَيْهِ الْأَفْضَل على بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يستجيشه على أَخِيه الْعَزِيز عُثْمَان وَعَمه الْعَادِل أَبى بكر ببيتين من نظمه هما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 .. مولاى إِن أَبَا بكر وَصَاحبه عُثْمَان قد غصبا بِالسَّيْفِ حق على فَانْظُر إِلَى حَظّ هَذَا الِاسْم كَيفَ لقى من الْأَوَاخِر مَا لَاقَى من الأول ... فَكتب إِلَيْهِ النَّاصِر فِي جَوَابه ... غصبوا عليا حَقه إِذْ لم يكن بعد النبى لَهُ بِيَثْرِب نَاصِر فاصبر فَإِن غَدا عَلَيْك حسابهم وَابْشَرْ فناصرك الإِمَام النَّاصِر ... ثمَّ لم يزل عَنهُ شكواه وَلم يدْفع عَنهُ لاواه وَلما ملك الْعَزِيز دمشق سلمهَا لِعَمِّهِ الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب وَعَاد إِلَى صصر مَحل ملكه فقرر فِيهَا الْعَادِل ابْنه الْملك الْمُعظم عِيسَى بن ابي بكر مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من الكرك والشوبك وَغَيرهمَا وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَكَانَت حلب بيد عماد الدّين زنكى فتسلمها مِنْهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة وَسلمهَا لِابْنِهِ الْملك الظَّاهِر غازى فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى سلمهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين لِأَخِيهِ الْعَادِل أَبى بكر فِي السّنة الْمَذْكُورَة فبقى بهَا حَتَّى جهزه أَخُوهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى مصر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَأعَاد إِلَيْهَا ابْنه الظَّاهِر غازى فَلم يزل بهَا حَتَّى اسْتَقل الْعَادِل أَبُو بكر بسلطنه مصر وَالشَّام فَصَارَ مُلُوك بنى أَيُّوب بِالشَّام كَأَنَّهُمْ نوابه فَخَطب لَهُ الظَّاهِر غَازِي بحلب وَضرب السِّكَّة باسمه وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت حماة بيد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فقرر فِيهَا خَاله شهَاب الدّين الحارمى ثمَّ قرر فِيهَا ابْن أَخِيه تقى الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى توفى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة فوليها بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 مُحَمَّد فبقى بهَا حَتَّى توفى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة ووليها بعده ابْنه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين قليج فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت طرابس بيد الفرنج وَكَانَت حمص بيد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فقرر بهَا ابْن عَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه فبقى بهَا حَتَّى توفى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة فاستقر بهَا بعده ابْنه الْملك الظَّاهِر شيركوه فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت بعلبك بيد السُّلْطَان صَلَاح الدّين نقرر فِيهَا شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك ثمَّ انتزعها مِنْهُ فِي سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة وَأَعْطَاهَا أَخَاهُ شمس الدولة توران شاه بن أَيُّوب وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى ان مَاتَ سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة فاستقر بهَا ابْنه الْملك الأمجد بهْرَام شاه وَهُوَ الذى بنى دَار السَّعَادَة بِدِمَشْق فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وَكَانَ الكرك بيد الفرنج فانتزعه مِنْهُم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَقرر فِيهَا أَخَاهُ الْملك الْعَادِل أَبَا بكر ابْن أَيُّوب فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين فقرر فِيهَا ابْنه الْملك الْمُعظم عِيسَى فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت طرابلس وصفد بيد الفرنج وَكَانَت مكه بيد دَاوُد بن فليته فبقى يتناوبها هُوَ وَأَخُوهُ شكر تَارَة وَتارَة حَتَّى مَاتَ دَاوُد فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وانقرضت دولة الهواشم وَصَارَت لبنى قَتَادَة بن أدريس بن مطاعن من عقب الْحسن بن على ابْن أَبى طَالب وخطب فِيهَا للخليفة النَّاصِر وَعظم شَأْنه حَتَّى ملك مَعَ مَكَّة يَنْبع وأطراف الْيمن وَبَعض أَعمال الْمَدِينَة وبلاد نجد وَلم يقدم على أحد من الْخُلَفَاء وَلَا من الْمُلُوك واستدعاه النَّاصِر الْخَلِيفَة فِي بعض السنين فَكتب إِلَيْهِ هَذِه الأبيات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 .. بلادى وَإِن هَانَتْ عَلَيْك عزيزة وَلَو أننى أعرى بهَا وأجوع ولى كف ضرغام أدل ببطشها وأشرى بهَا بَين الورى وأبيع تظل مُلُوك الأَرْض تلثم ظهرهَا وَفِي بَطنهَا للمجدبين ربيع أجعلها تَحت الرحا ثمَّ أبتغى خلاصا لَهَا إنى إِذا لرقيع وَمَا انا إِلَّا الْمسك فِي كل بَلْدَة يضوع وَأما عنْدكُمْ فيضيع ... وبقى حَتَّى توفى سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة وَولى مَكَانَهُ ابْنه الْحسن فبقى بهَا حَتَّى قدم عَلَيْهِ الْملك المسعود أقسيس بن الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب صَاحب الْيمن سنة عشْرين وسِتمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وملكها وَقتل جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَذهب حسن بن قَتَادَة إِلَى بَغْدَاد جريحا فَمَاتَ بهَا سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وبقى أقسيس بِمَكَّة إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَ على الْمَدِينَة سَالم بن قَاسم فَمَاتَ وَولى بعده ابْنه شيحة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَت الْيمن مفوضة إِلَى توران شاه بن أَيُّوب وَهُوَ بالإسكندرية ونائبه خطار بِالْيمن إِلَى سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة فَوجه إِلَيْهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَمِيرا استولى عَلَيْهَا وعزل خطارا نَائِب اخيه توران شاه ثمَّ توفى ذَلِك الْأَمِير فَعَاد خطار إِلَى ولَايَته ثمَّ بعث السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَخَاهُ سيف الْإِسْلَام طغتكين إِلَى الْيمن فَقبض على خطار وَاسْتقر فِي ملك الْيمن وبقى حَتَّى مَاتَ بزبيد سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمعز إِسْمَاعِيل وَكَانَ فِيهِ هوج فَادّعى أَنه قرشى من بنى أُميَّة وَلبس الخضرة وخطب بِنَفسِهِ وَلبس ثِيَاب الْخلَافَة فَقتله أمراؤه وَأَقَامُوا مَكَانَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 أَخا لَهُ صَغِيرا لقبوه النَّاصِر وَقَامَ بتدبير مَمْلَكَته مَمْلُوك أَبِيه سنقر ثمَّ مَاتَ سنقر بعد أَربع سِنِين فَقَامَ بتدبير زود أمه غَازِي بن جِبْرِيل وسم النَّاصِر فِي كوز فقاع دولته وتملك غازى اليم ثمَّ قَتله جمَاعَة من الْعَرَب بِسَبَب قَتله النَّاصِر وَبقيت الْيمن بِغَيْر سُلْطَان فَغلبَتْ أم النَّاصِر على زبيد وَأرْسلت إِلَى مَكَّة تتَوَقَّع حُضُور أحد من بنى أَيُّوب فِي الْمَوْسِم لتملكه الْيمن وَكَانَ للْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب ولد يُسمى سُلَيْمَان فَخرج إِلَى الْحجاز فِي صُورَة فَقير يحمل الركوة على كتفه فَأتيت بِهِ فملكته الْيمن فِي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس مائَة بعد أَن تزوجت بِهِ فَمَلَأ الْيمن ظلما وجورا وَكتب إِلَى عَم أَبِيه الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الديار المصرية كتابا فِي أَوله {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَبَقيَ إِلَى سنة اثنتى عشرَة وسِتمِائَة فَبعث الْملك الْكَامِل مُحَمَّد ابْن الْعَادِل أَبى بكر صَاحب الديار المصرية ابْنه الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 المسعود يُوسُف أطسيس الْمَعْرُوف بأقسيس إِلَى الْيمن فاستولى عَلَيْهِ وَقبض على سُلَيْمَان وَبعث بِهِ معتقلا إِلَى مصر فبقى بهَا حَتَّى قتل فِي نوبَة المنصورة شَهِيدا وبقى الْملك المسعود بهَا فكره الْمقَام بهَا فاستخلف عَلَيْهَا ابْن رَسُول امير أخور وَسَار قَاصِدا الشَّام فَتوفي بِمَكَّة فِي سنة سِتّ وَعشْرين وسمتمائة وَهُوَ آخر مُلُوكهَا من بني أَيُّوب وانتقلت الدولة بهَا إِلَى بنى رَسُول واستقرت قدمهم فِيهَا وبقى فِيهَا على بن رَسُول إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد بنى جنكزخان وَكَانَ على خُرَاسَان خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش بن أرسلان بن أطسز بن مُحَمَّد أنوشتكين فَبَقيت بِيَدِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 حَتَّى انتزعها مِنْهُ جنكزخان ملك التتر واستولوا عَلَيْهَا فِي سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة بعد أَن اتَّسع ملكه وَملك مَعَ خُرَاسَان من حد الْعرَاق إِلَى تركستان وبلاد غزنه وسجستان وكرمان وطبرستان وجرجان وبلاد الْجَبَل وهى عراق الْعَجم وَكَانَت غزنة بيد الغز المتغلبين عَلَيْهَا ثمَّ انتزعها مِنْهُم شهَاب الدّين بن سَام فِي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة وبقى حَتَّى قتل سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وَفِي أَيَّامه كَانَ الإِمَام فَخر الدّين الرازى صَاحب التَّفْسِير والمحصول فِي أصُول الْفِقْه وَغَيرهمَا من المصنفات وَكَانَ مُعظما عِنْده ثمَّ ملك من بعده عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن سَام ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا يلدز مَمْلُوك غياث الدّين بن سَام ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا عَلَاء الدّين مُحَمَّد الْمُقدم ذكره ثمَّ غلب عَلَيْهَا يلدز أَيْضا ثمَّ غلب عَلَيْهَا عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن تكش بن خوارزم شاه فِي سنة اثنتى عشرَة وسِتمِائَة فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى غلب عَلَيْهَا جنكزخان ملك التتر فِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة وتوالت عَلَيْهَا مُلُوك بنى حنكزخان فِي جملَة مَا ملكوه من الممالك إِلَى أَن كَانَ آخِرهم بِهَذِهِ المملكة القان أَبُو سعيد صَاحب مملكة إيران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَكَانَت إفريقية بيد أَبى يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فولى عَلَيْهَا أَبَا سعيد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص عمر ثمَّ غلب ابْن غانية على أَكثر بِلَاد إفريقية وَاسْتولى على تونس وخطب للخليفة العباسى بِبَغْدَاد ثمَّ جهز النَّاصِر ابْن الْمَنْصُور بن عبد الْمُؤمن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد ابْن الشَّيْخ أَبى حَفْص من مراكش إِلَى إفريقية سنة ثِنْتَيْنِ وسِتمِائَة فانتزعها من ابْن غانية ثمَّ وصل النَّاصِر بن الْمَنْصُور إِلَى إفريقية بعد ذَلِك وَدخل تونس وَأقَام بهَا إِلَى منتصف سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وعزم على الرحيل إِلَى مراكش واستخلف على إفريقية الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص فَقعدَ بهَا مقْعد الْإِمَارَة بقصبة تونس يَوْم السبت الْعَاشِر من شَوَّال سنة ثَلَاث وسِتمِائَة فبقى بهَا حَتَّى توفى فِي مفتتح سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وبقى بهَا بنوه إِلَى الْآن وَولى بعده ابْنه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن وَورد كتاب الْمُسْتَنْصر بن النَّاصِر ابْن عبد الْمُؤمن بعزلة بعد ثَلَاثَة أشهر من ولَايَته وَأقَام الْمُسْتَنْصر مَكَانَهُ أَبَا العلى إِدْرِيس بن يُوسُف بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 عبد الْمُؤمن فوصل إِلَى تونس فِي ذى الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل بقصيتها ورتب الْأُمُور وبقى حَتَّى مَاتَ بتونس سنة عشْرين وسِتمِائَة وَمَات الْمُسْتَنْصر الْمُقدم ذكره وَصَارَ الْأَمر بعده لعبد الْوَاحِد المخلوع بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فولى على إفريقية أَبَا زيد بن أَبى العلى فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر وَكَانَ الغرب الْأَوْسَط والغرب الْأَقْصَى وَمَا بقى مَعَ الْمُسلمين من الأندلس بيد أَبى يَعْقُوب يُوسُف بن عبد الْمُؤمن أَيْضا فبقى بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَملك بعده ابْنه يَعْقُوب بن يُوسُف عقب وَفَاته بإشبيلية من الإندلس وتلقب بالمنصور وَاسْتولى على مَا كَانَ بيد أَبِيه من الممالك وَمَات بالأندلس سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَولى بعده ابْنه مُحَمَّد وتلقب بالناصر لدين الله وَرجع إِلَى بِلَاد الْمغرب وبقى حَتَّى مَاتَ فِي مراكش فِي شعْبَان سنة تسع وسِتمِائَة وَولى ابْنه يُوسُف بن مُحَمَّد سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة ولقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة النَّاصِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الظَّاهِر بِأَمْر الله وَهُوَ أَبُو نصر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله الْمُقدم ذكره كَانَ عادلا حسن السِّيرَة جوادا كثير الْإِحْسَان للْعُلَمَاء وَنَحْوهم بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم مَاتَ النَّاصِر فِي أول شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وبقى حَتَّى توفى فِي رَابِع عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة فَكَانَت خِلَافَته تِسْعَة أشهر وأعمار الْجِيَاد قصار الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولى الْخلَافَة أظهر الْعدْل وأزال المكوس وَأخرج المسجونين من السجْن وَمَشى على مَذْهَب أهل السّنة وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ من التَّشَيُّع وَظهر للنَّاس وَكَانَ النَّاصِر وَمن قبله لَا يظهرون إِلَّا نَادرا قَالَ الْمُؤَيد صَاحب حماة وَمِمَّا أزاله من الْمُنْكَرَات أَنه كَانَ بخزانة الْخَلِيفَة صنجة زَائِدَة زيادتها فِي كل دِينَار حَبَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 يقبضون بهَا المَال ويعطون بالصنجة الَّتِى يتعامل بهَا النَّاس فَأبْطل تِلْكَ الصنجة الزَّائِدَة وبذل المَال على المحبوسين على الدّين وَزَاد فِي بر الْعلمَاء وَمن فِي معناهم اولاده مِنْهُم الْمُسْتَنْصر الآتى ذكره ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب وبقى حَتَّى توفى بِدِمَشْق سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْكَامِل مُحَمَّد وَهُوَ أول من سكن قلعة الْجَبَل بعد قصر الفاطميين بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ على دمشق الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أَبى بكر وَلما مَاتَ أَبوهُ الْعَادِل وَاسْتقر أَخُوهُ الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل بِمصْر بعد أَبِيه خطب لَهُ بِدِمَشْق دون نَفسه وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت حلب بيد الظَّاهِر غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَهُوَ يخْطب بهَا لِعَمِّهِ الْعَادِل أَبى بكر صَاحب مصر وبقى حَتَّى توفى سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وعهد بِملك حلب بعده لِابْنِهِ الْملك الْعَزِيز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 مُحَمَّد فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت حماة بيد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين قليج بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن تقى الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت طرابلس وصفد للفرنج وَكَانَت الكرك بيد الْمُعظم عِيسَى بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت حمص بيد الْمُجَاهِد شيركوه بن مُحَمَّد بن شيركوه بن شادى بن أَيُّوب فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت بعلبك بيد الْملك الأمجد بهْرَام شاه بن عز الدّين فرخ شاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَت مَكَّة بيد أطسيس صَاحب الْيمن بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَكَانَ على الْيمن عَليّ بن رَسُول جد مُلُوكهَا الْآن فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر بيد بنى جنكزخان وَكَانَ على إفريقية أَبُو زيد بن أَبى الْعَلَاء وَولى بعده أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَبى مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر وَكَانَ الغرب الْأَوْسَط والغرب الْأَقْصَى وَمَا بقى مَعَ الْمُسلمين من الأندلس بيد الْمُسْتَنْصر يُوسُف بن مُحَمَّد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر غير أَن بنى عبد الواد وَمن والاهم من زناتة من البربر كَانُوا غلبوا على ضواحى تلمسان والرياسة فيهم يَوْمئِذٍ لبني الْقَاسِم بن عبد الواد وهم يَقُولُونَ إِن بنى الْقَاسِم من الأدارسة العلويين وآلت رياستهم إِلَى جَابر بن يُوسُف بن مُحَمَّد من عقب الْقَاسِم الْمَذْكُور وَكَانَت تلمسان بيد الْمَأْمُون بن عبد الْمُؤمن من الْمُوَحِّدين فولاها لِأَخِيهِ سعيد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الظَّاهِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور بن الظَّاهِر بأمرالله الْمُتَقَدّم ذكره كَانَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ من الْعدْل وَحسن السِّيرَة وبويع لَهُ بالخلافة يَوْم موت أَبِيه فِي رَابِع عشر شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وبقى حَتَّى توفى يَوْم الْجُمُعَة لعشر خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَكَانَت خِلَافَته سبع عشرَة سنة إِلَّا شهرا وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المستعصم الآتى ذكره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي أَيَّامه فِي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس وَعشْرين خرج التتر على بِلَاد الْإِسْلَام وفى سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة خرج التتر ثَانِيًا على بِلَاد الْإِسْلَام وعاثوا فَسَادًا وَضعف جلال الدّين بن خوارزم شاه عَن مقاومتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَفِي سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة تسلم الفرنج الْقُدس بِالصُّلْحِ وَفِي سنة تسع وَعشْرين فتح السُّلْطَان الْملك الْكَامِل آمد من بِلَاد الجزيرة وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة سَار النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك من الكرك إِلَى بَغْدَاد ملتجئا إِلَى الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر لما حصل عِنْده من الْخَوْف من عَمه الْكَامِل وَقدم للخليفة تحفا عَظِيمَة وجواهر نفيسة فَأكْرمه الْخَلِيفَة وخلع عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وَكَانَ النَّاصِر دَاوُد متطلعا إِلَى أَن يحضرهُ الْخَلِيفَة فِي ملإ من النَّاس وَطلب ذَلِك مرَارًا فَلم يجبهُ الْخَلِيفَة إِلَى ذَلِك مُرَاعَاة لخاطر عَمه الْكَامِل صَاحب مصر فَكتب إِلَيْهِ أبياتا تَتَضَمَّن الاستعطاف فَجمع بَين المصلحتين واستحضره لَيْلًا ثمَّ عَاد النَّاصِر بعد ذَلِك إِلَى الكرك وَمن غرائب الِاتِّفَاق فِي أَيَّامه انه وَقع خلف بَين مُلُوك بنى أَيُّوب بالديار المصرية والممالك الشامية فَبعث الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر محيى الدّين بن الجوزى ليصلح بَينهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 فاتفق أَنه مَاتَ فِي حُضُوره فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسنة خمس وَثَلَاثِينَ أَرْبَعَة سلاطين وهم الْكَامِل صَاحب مصر وَأَخُوهُ الْأَشْرَف صَاحب دمشق والعزيز صَاحب حلب وكيقباد صَاحب بِلَاد الرّوم فَقَالَ فِي ذَلِك المستخف الشَّاعِر ... يَا إِمَام الْهدى أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور يَا من لَهُ الفخار الأثيل مَا جرى من رَسُولك الْآن محيى الدّين فِي هَذِه الْبِلَاد قَلِيل جَاءَ وَالْأَرْض بالسلاطين تزهى وَغدا والديار مِنْهُم طلول أقفر الرّوم والشآم ومصر أَفَهَذَا مغسل أم رَسُول ... وَبنى الْمدرسَة المستنصرية بِبَغْدَاد فِي الْجَانِب الشَّرْقِي مِنْهَا على دجلة مِمَّا يلى دَار الْخلَافَة وَجعل لَهَا اوقافا جليلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 ووقف أَيْضا أوقافا على جِهَات الْبر وَفِي أَيَّامه سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة كسفت الشَّمْس كسوفا كَامِلا حَتَّى ظَهرت النُّجُوم وأظلمت الدُّنْيَا وَأوقدت السرج فِي الدكاكين والحمامات ثمَّ انجلت بعد ذَلِك ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب فبقى حَتَّى توفى بِدِمَشْق سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْعَادِل ابو بكر وَقبض عَلَيْهِ فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ذى الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَ على دمشق الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أَبى بكر فتوفى سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد وَهُوَ صَغِير وَقَامَ بتدبير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الدعْوَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَبَين الدعْوَة لصمام الدولة وشمس الْملَّة أمتع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ بكما وَأحسن الدفاع لَهُ عنكما إِلْحَاقًا لَك وَله بعْدك بأبيكما فِيمَا كَانَ شرف بِهِ من هَذِه الْحَال الَّتِى لم ينلها غَيره وَلَا أهل لَهَا أحد قبله وَأَن يثبت ذكرك باللقب والكنية فِيمَا ينقش من سِكَك الْعين وَالْوَرق فِي دور الضَّرْب باديا وَذكر صمصام الدولة كلأكما الله تاليا وحباك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ ذَلِك بخلع تَامَّة تفاض عَلَيْك وفرسين من جِيَاد خيلة يقادان إِلَيْك بمركبى ذهب من خَاص مراكبه وَسيف مَاض من خِيَار أسيافه يعز الله منكبيك بنجاديه ويذل مناكب أعدائك بغرارية وطوق وسوارين وَأَن تجرى فِي الْمُكَاتبَة عَنهُ إِلَى الْغَايَة الَّتِى أجْرى أَبوك رَحمَه الله إِلَيْهَا وَهَذَا الْكتاب نَاطِق بهَا ودال عَلَيْهَا وَندب لإيصال الْجَمِيع إِلَيْك على بن الْحُسَيْن الهاشمى الزينبى وَاحْمَدْ بن نصر العباسى حَاجِبه ودجى خادمه فتلق شرف الدولة وزين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الْملك الْكَامِل يُرِيد ملك الديار المصرية عوضا من أَبِيه وَأقَام مَكَانَهُ فِي دمشق ابْنه الْملك المغيث فتح الدّين عمر نَائِبا عَنهُ فَوَثَبَ عَلَيْهِ صَاحب بعلبك الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فَقبض عَلَيْهِ وملكها وبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت حلب بيد الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غازى ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين فبقى بهَا حَتَّى توفى فِي ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وملكها بعده ابْنه الْملك النَّاصِر يُوسُف وعمره سبع سِنِين وَقَامَ بتدبير دولته امراؤه وجدته لِأَبِيهِ ضيفة خاتون وَكَانَت من المرجوع إِلَيْهَا فِي أُمُور المملكة وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى مابعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت طرابلس وصفد بيد الفرنج وَكَانَت حماة بيد النَّاصِر قليج بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن تقى الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى انتزعها مِنْهُ أَخُوهُ الْملك المظفر مَحْمُود فِي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وَكَانَت الكرك بيد الْمُعظم عِيسَى فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى أَن استضاف إِلَيْهَا دمشق على مَا تقدم وَتوفى سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وملكها بعده ابْنه الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد ثمَّ انتزع عَمه الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل دمشق مِنْهُ فِي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة على مَا تقدم وبقى مَعَه الكرك وعملها فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر بعد أَن أخذت مِنْهُ غَالب بِلَاده وَكَانَت حمص بيد الْمُجَاهِد شيركوه بن مُحَمَّد بن شيركوه فبقى بهَا حَتَّى توفى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وملكها بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت بعلبك بيد الأمجد بهْرَام شاه بن فرخشاه فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى انتزعها مِنْهُ الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى بن الْعَادِل أَبى بكر فِي سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وعوضه مِنْهَا الزبداني وَغَيره وَصَارَت مُضَافَة إِلَى دمشق إِلَى ان ملكهَا أَخُوهُ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل أَبى بكر فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ ثمَّ اسْتَقَرَّتْ للصالح الْمَذْكُور بمفردها عوضا عَن دمشق فِي السّنة الْمَذْكُورَة لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 انتزع دمشق مِنْهُ أَخُوهُ الْملك الْكَامِل مُحَمَّد صَاحب الديار المصرية ثمَّ اسْتَقَرَّتْ بِيَدِهِ أَوْلَاده بعده فَلَمَّا انتزع الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب صَاحب الديار المصرية دمشق من الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور انتزعها مِنْهُ وَسلمهَا لنائب حسام الدّين بن أَبى على وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى مابعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت مَكَّة بيد أطسيس بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب فبقى بهَا حَتَّى مَاتَ بهَا سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وبقى على مَكَّة قائده فَخر الدّين بن الشَّيْخ وَقصد رَاجِح بن قَتَادَة مَكَّة مَعَ عَسَاكِر عمر بن على بن رَسُول صَاحب الْيمن فملكها من يَد فَخر الدّين بن الشَّيْخ سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ أرسل صَاحب مصر عسكرا إِلَى مَكَّة فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة مَعَ أَمِير اسْمه جِبْرِيل فملكوها وهرب رَاجِح إِلَى الْيمن ثمَّ عَاد وَمَعَهُ عمر بن على بن رَسُول بِنَفسِهِ فهربت عَسَاكِر مصر وَملك رَاجِح مَكَّة وخطب لعمر بن عَليّ بن رَسُول بعد الْخَلِيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 أَطَالَ الله بَقَاءَك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بك بالموهبة فِيك وعندك وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الْمَذْهَب الثَّالِث أَن يفْتَتح الْعَهْد بِلَفْظ إِن أولى أَو إِن أَحَق وَمَا أشبه ذَلِك وَهِي طَريقَة غَرِيبه خَارجه عَن أصُول الْكِتَابَة من حَيْثُ إِن رتبه الْمُلُوك فِيمَا يكْتب لَهُم التَّعْظِيم وَمثل هَذَا الإفتتاح إِنَّمَا يكْتب لأَصْحَاب الرتب السافلة الَّتِي لَا تقَارب رُتْبَة الْملك وَلَا مَا دونهَا على أَنه قد كتب بذلك عَن ديوَان الْخلَافَة بِبَغْدَاد للسُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف على جلالة قدره بتقليد الديار المصرية والبلاد الشامية واليمنية فِي بعض الأحيان وَكَانَ ذَلِك إِنَّمَا وَقع حِين كَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله متغيرا عَلَيْهِ حِين تلقب بِالْملكِ النَّاصِر لما فِي ذَلِك من مضاهاة لقب الْخَلِيفَة وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الْمَكْتُوب بِهِ على هَذِه الطَّرِيقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 تلمسان بعد ذَلِك وَبَايَعَهُ أهل الأندلس وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَ الْمغرب الْأَقْصَى بيد الْمُسْتَنْصر يُوسُف بن مُحَمَّد من بني عبد الْمُؤمن فَتوفي فِي يَوْم الْأَضْحَى سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَملك بعده أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن الْمَعْرُوف بالمخلوع وَكَانَ الْوَالِي بمرسيه من الأندلس أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يَعْقُوب بن الْمَنْصُور بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فَدَعَا لنَفسِهِ وتلقب بالعادل وَوصل خبر ذَلِك لمراكش فاضطرب الموحدون وباينوا المخلوع وبعثوا ببيعتهم إِلَى الْعَادِل بالأندلس فَسَار الْعَادِل إِلَى مراكش فَدَخلَهَا وَبَقِي بهَا حَتَّى قتل فِي أول شَوَّال سنه سبع وَعشْرين وست مائَة وَكَانَ أَخُوهُ إِدْرِيس بإشبيليه من الأندلس فَدَعَا لنفسة وبويع وَبعث الموحدون ببيعتهم إِلَيْهِ ثمَّ قصد مراكش فَهَلَك فِي طَرِيقه مفتتح سنة ثَلَاثِينَ وست مائَة وتغلب إِدْرِيس بن هود على الأندلس وأنتزعه من الْمُوَحِّدين وأستقل بِهِ وبويع بعده ابْنه الْمَأْمُون عبد الْوَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ابْن ادريس وتلقب بالرشيد وَدخل الى مراكش فَبَايعُوهُ وبقى حَتَّى توفّي سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وبويع بعده أَخُوهُ السعيد ابو الْحسن عَليّ ولقب المعتضد بِاللَّه وبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَ أَبُو دبوس مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر قد ثار بشرق الأندلس فِي سنة تسع وَعشْرين وستمائه وخطب للأمير أبي زَكَرِيَّا يحيى صَاحب افريقية من بَقِيَّة الْمُوَحِّدين وأطاعته جيان وشريش من الأندلس فِي السّنة الثَّانِيَة من ولَايَته ثمَّ بَايع لِابْنِ هود سنة احدى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة عِنْد وُصُول تَقْلِيد خَليفَة بَغْدَاد اليه ثمَّ تغلب على اشبيلية سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وانتزعها من ابْن هود ثمَّ رجعت الى ابْن هود بعد شهر ثمَّ تغلب على غرناطة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَبَايَعُوهُ وَهُوَ بجيان فَقدم اليها ونزلها وابتنى بهَا حصن الْحَمْرَاء وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالقصبة الْحَمْرَاء وَالْمرَاد بالقصبة القلعة وَهِي مقرّ ملك بنيه الى الْآن ثمَّ تغلب على مالقة وَأَخذهَا من يَد عبد الله بن زنون الثائر بهَا بعد موت ابْن هود وبقى الى مابعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق المستعصم بِاللَّه وَهُوَ أَبُو أَحْمد عبد الله بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْمُقدم ذكره كَانَ ضَعِيف الرَّأْي وَالْبَصَر بتدبير الْأُمُور ذَا طمع بُويِعَ لَهُ بالخلافة عقب موت أَبِيه الْمُسْتَنْصر لعشر خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة بِاتِّفَاق من أهل الدولة وبقى حَتَّى قَتله التتر فِي وقْعَة هولاكو فِي الْمحرم سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة فَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه أَبُو بكر الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما ولي الْخلَافَة استبد كبراء دولته بِالْأَمر وحسنوا لَهُ قطع الأجناد ومداراة التتر فَفعل ذَلِك وأبطل أَكثر العساكر وَكَانَ التتر من أَوْلَاد جنكزخان قد خَرجُوا على بِلَاد الاسلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 على مَا تقدم وملكوا أَكثر بِلَاد الشرق وَالشمَال وَكَانَ أهل الكرخ من محلات بَغْدَاد رافضة فَجرى بَينهم وَبَين أهل السّنة فتْنَة بِبَغْدَاد فَأمر أَبُو بكر بن الْخَلِيفَة المستعصم ركن الدّين دوادار الْعَسْكَر ونهبوا الكرخ وهتكوا النِّسَاء وَزَادُوا فَرَكبُوا مِنْهُنَّ الْفَوَاحِش وَكَانَ للمستعصم وَزِير يُقَال لَهُ مؤيد الدّين بن العلقمي رَافِضِي فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَكتب الى هولاكو بن طولى بن جنكزخان ملك التتر وأطمعه فِي الْبِلَاد فَخرج هولاكو للاستيلاء على بِلَاد الْخَلِيفَة وَكَانَ بركَة بن طوجى خَان صَاحب بِلَاد الشمَال الَّتِي قاعدتها الْآن السراي قد أسلم على يَد الباخرزي أحد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وأوصاه بالخليفة المستعصم وَكتب بركَة الى الْخَلِيفَة يعرفهُ ذَلِك وَأَنه معاضده وناصره وانتظمت الصُّحْبَة بَينه وَبَين الْخَلِيفَة فَمر هولاكو على بركَة قَاصِدا بَغْدَاد فاعترضه بركَة وَمنعه من ذَلِك وَقَالَ ان الْخَلِيفَة صَاحِبي فَلَا سَبِيل الى وصولك اليه وان لم ترجع عَنهُ حاربتك فتوقف هولاكو حِينَئِذٍ عَن قصد بَغْدَاد سنتَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 حَتَّى مَاتَ بركَة فقصد بَغْدَاد حِينَئِذٍ وَكَانَ عَسْكَر بَغْدَاد قبل ولَايَة المستعصم مائَة الف فَارس فقطعهم المستعصم ليحمل الى التتر متحصل اقطاعاتهم فَصَارَ عسكرها دون عشْرين ألف فَارس وَلما قَارب التتر بَغْدَاد خرج عَسْكَر الْخَلِيفَة لقتالهم ومقدمهم ركن الدّين الدوادار فَالْتَقوا على مرحلَتَيْنِ من بَغْدَاد وَجرى بَينهم قتال شَدِيد انهزم فِي آخِره عَسْكَر الْخَلِيفَة وَدخل بَعضهم بَغْدَاد مُنْهَزِمًا وَسَار بَعضهم الى جِهَة الشَّام وَنزل هولاكو ملك التتر على بَغْدَاد من الْجَانِب الشَّرْقِي وَنزل أميران من أمرائه من الْجَانِب الغربي قبالة دَار الْخلَافَة وَخرج الْوَزير مؤيد الدّين بن العلقمى إِلَى هولاكو فتوثق مِنْهُ لنَفسِهِ وَعَاد إِلَى الْخَلِيفَة المستعصم وَقَالَ إِن هولاكو يبقيك فِي الْخلَافَة كَمَا فعل بسُلْطَان الرّوم وَيُرِيد أَن يُزَوّج ابْنَته من ابْنك ابي بكر وَحسن لَهُ الْخُرُوج الى هولاكو فَخرج اليه المستعصم فِي جمع عَظِيم من أكَابِر أَصْحَابه فأنزله فِي جِهَة ثمَّ استدعى الْوَزير الْفُقَهَاء والأماثل حَتَّى اجْتمع هُنَاكَ جَمِيع سَادَات بَغْدَاد من الْعلمَاء وَغَيرهم وَصَارَ أهل بَغْدَاد يخرجُون الى التتر طَائِفَة بعد طَائِفَة حَتَّى تكاملوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 فبذل فيهم التتر السَّيْف وقتلوهم وَلم ينج مِنْهُم الا الْقَلِيل وهجموا دَار الْخلَافَة وَقتلُوا كل من فِيهَا من الْأَشْرَاف والأكابر وَلم يسلم مِنْهُم الا من كَانَ صَغِيرا فَأخذ اسيرا ودام الْقَتْل والنهب فِي بَغْدَاد أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ نُودي بالأمان وَقتل الْخَلِيفَة المستعصم وَلم يُوقف على كَيْفيَّة قَتله فَقيل خنق وَقيل جعل فِي عدل ورفس حَتَّى مَاتَ وَقيل غرق فِي دجلة واستبقى هولاكو الْوَزير ابْن العلقمي مُدَّة يسيرَة فِي الوزارة ثمَّ قَتله وَمِمَّا وَقع فِي أَيَّامه بالديار المصرية أَن الْفَارِس اقطاي أحد أُمَرَاء الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب كَانَ قد وَقع بَينه وَبَين الْملك المعزأيبك التركماني صُورَة فَعمل الْملك الْمعز الْحِيلَة فِي أمره حَتَّى قَتله فَتغير اصحابه من ذَلِك وَخَرجُوا قَاصِدين الشَّام من جِهَة سوق الْغنم فوجدوا الْبَاب مغلقا فَأَحْرقُوهُ وَخَرجُوا مِنْهُ فَسمى الْبَاب المحروق وَبِذَلِك يعرف الى الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَفِي أَيَّامه فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ملك الفرنسيس ملك الفرنج مَدِينَة دمياط وَأقَام بهَا حَتَّى مَاتَ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فارتحل فَنزل مُقَابل المنصورة ثمَّ كَانَت الكسرة على الفرنسيس فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَقتل من عسكره نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا وَأسر الفرنسيس ملكهم ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَتُوفِّي لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة مَضَت من شعْبَان سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمُعظم توران شاه وَهُوَ الَّذِي كسر الفرنج على المنصورة فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ثمَّ قتل فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وملكت بعده أم خَلِيل شَجَرَة الدّرّ زَوْجَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الْمَذْكُور فِي صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فأقامت ثَمَانِيَة أشهر وَلم يملك مصر فِي الاسلام امْرَأَة غَيرهَا ثمَّ خلعت وَملك بعْدهَا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن النَّاصِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 يُوسُف بن الْملك المسعود بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وخلع لوقته وَهُوَ آخر الْمُلُوك الأيوبية بالديار المصرية وَدخلت بعده الدولة التركية وَأول من ملك مِنْهُم بعد الْأَشْرَف مُوسَى الْملك الْمعز أيبك التركماني فِي شهر شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَجمع لَهُ بَين مصر وَالشَّام وَبنى الْمدرسَة المعزية برحبة الخروب بالفسطاط وَتزَوج أم خَلِيل شَجَرَة الدّرّ الْمُقدم ذكرهَا وَكَانَ ملكاحازما إِلَّا أَنه استوزر شخصا من كتاب القبط اسْمه شرف الدّين بن ساعد الفائزي كَانَ قد أسلم فِي الدولة الأيبوية وأحدث مظالم ورتب مكوسا على جِهَات مُتعَدِّدَة ثمَّ مَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى سَمَّاهَا حقوقا وَأخذ فِي مصادرات النَّاس فَكَانَ سَيِّئَة من سيئات الْمعز وَبَقِي الْمعز حَتَّى قتل بحمام القلعة سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن أيبك وَقتلت أم خَلِيل الْمَذْكُورَة ورميت من سور القلعة وَبَقِي إِلَى مَا بعدخلافة المستعصم وَكَانَ على دمشق الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 أبي بكر بن أَيُّوب فبقى بهَا حَتَّى ملك الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد صَاحب الديار المصرية فَجهز إِلَى دمشق عسكرا صُحْبَة معِين الدّين بن الشَّيْخ فتسلمها من الصَّالح إِسْمَاعِيل فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَمَات معِين الدّين الْمَذْكُور فتسلمها الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الْمَذْكُور من حسام الدّين بن أبي عَليّ فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَبَقِي نَائِبا بهَا حَتَّى استدعاه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب الْمَذْكُور إِلَى الديار المصرية فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَأقَام مَكَانَهُ فِي نِيَابَة دمشق جمال الدّين يغمر وَبقيت دمشق بيد نواب الصَّالح الْمَذْكُور حَتَّى مَاتَ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَسَار الْملك النَّاصِر يُوسُف بن الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد صَاحب حلب إِلَى دمشق وملكها فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَبَقِي بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وَكَانَت حلب بيد الْملك النَّاصِر يُوسُف بن الْعَزِيز مُحَمَّد ابْن الظَّاهِر غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب واستضاف إِلَيْهَا دمشق على مَا تقدم وبقيا بِيَدِهِ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَكَانَت طرابلس وصفد بيد الفرنج وَكَانَت حماة بيد المظفر مَحْمُود فَبَقيَ حَتَّى توفّي فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد فَبَقيَ بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وَكَانَت الكرك بيد النَّاصِر صَلَاح الدّين دَاوُد ابْن الْمُعظم عِيسَى إِلَى سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فاستخلف عَلَيْهَا ابْنه الْملك الْمُعظم عِيسَى وَسَار إِلَى حلب فلجأ إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب حلب فَبَقيَ عِنْده إِلَى أَن بعث إِلَيْهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من تسلمها فِي تِلْكَ السّنة وَأقَام بدر الدّين الصوابي الصَّالِحِي نَائِبا وَبَقِي النَّاصِر دَاوُد بعد ذَلِك مشردا فِي الْبِلَاد إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ الْملك المغيث فتح الدّين عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر معتقلا بالشوبك فَأخْرجهُ الصوابي نَائِب الكرك وَملكه الكرك فَبَقيَ بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَكَانَت حمص بيد الْملك الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم بن الْمُجَاهِد شيركوه فبقى بهَا حَتَّى توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وملكها بعده ابْنه الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى فَبَقيت فى يَده الى أَن وثب عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر يُوسُف ابْن الْملك الْعَزِيز صَاحب دمشق الْمُتَقَدّم ذكره فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فانتزعها مِنْهُ واستضافها إِلَى دمشق وحلب وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى أَن كَانَ من أمره مَعَ التتر مَا كَانَ وَكَانَت بعلبك بيد حسام الدّين بن أبي عَليّ نِيَابَة عَن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب صَاحب الديار المصرية ثمَّ ملكهَا النَّاصِر يُوسُف بن الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد حِين ملك دمشق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى أَن كَانَ من أمره مَعَ التتر مَا كَانَ وَكَانَت مَكَّة بيد رَاجِح بن قَتَادَة وَهُوَ يخْطب لعمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن ثمَّ غلب عَلَيْهَا سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة أَبُو سعيد الْحسن بن على بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 قَتَادَة وَلحق رَاجِح بِالْيمن وَسَار جماز بن حسن بن قَتَادَة سنة إِحْدَى خمسين وسِتمِائَة إِلَى النَّاصِر بن الْعَزِيز بِدِمَشْق مستجيشا عَلَيْهِ ليقطع ذكر صَاحب الْيمن من الْخطْبَة فَجهز لَهُ عسكرا وَسَار إِلَى مَكَّة فَقتل أَبَا سعيد بِالْحرم وَملك مَكَّة وبقى الى مَا بعد خِلَافه المستعصم وَكَانَ على الْمَدِينَة سنجر بن قَاسم فبقى حَتَّى قتل فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَولى مَكَانَهُ ابْنه عِيسَى ثمَّ قبض عَلَيْهِ أَخُوهُ جماز سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَملك مَكَانَهُ قَالَ ابْن سعيد وَفِي سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَبُو الْحسن بن شيحة بن سَالم وَقَالَ غَيره كَانَ بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَولى أَخُوهُ جماز وَطَالَ عمره وبقى الى مَا بعد خلَافَة المستعصم وَكَانَ على الْيمن المظفر يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول وطالت مدَّته وبقى الى مَا بعد خلَافَة المستعصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وغزنه وَمَا مَعَ ذَلِك بيد بني جنكزخان وَكَانَت مملكة الشمَال الْمَعْرُوفَة قَدِيما بِبَيْت بركَة والآن بمملكة أزبك وقاعدتها مَدِينَة السراى الَّتِي بناها بركَة خَان قد جعلهَا جنكزخان لِابْنِهِ طوش خَان وَمَات فِي حَيَاة أَبِيه جنكزخان وَملك بعده ابْنه باطوخان وَيُقَال صائن خَان وَمَعْنَاهُ الْملك الْجيد فبقى حَتَّى مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ صرطق بن دوشى خَان وَمَات سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ بركَة بن دوشى خَان وَكَانَ قد اسْلَمْ على يَد الشَّيْخ شمس الدّين الباخرزى من أَصْحَاب الشَّيْخ نجم الدّين الْكُبْرَى صَاحب الطَّرِيقَة وَحسن إِسْلَامه وبقى الى مَا بعد خِلَافه المستعصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَكَانَت إفريقية بيد أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد من الْمُوَحِّدين فبقى حَتَّى مَاتَ لسبع بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وبويع بعده ابْنه ولى عَهده الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّا وَدخل تونس فِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَهُوَ أول من تلقب من الحفصيين من الْمُوَحِّدين بألقاب الْخلَافَة وانْتهى أمره الى أَن بُويِعَ لَهُ بِمَكَّة وَبعث بالبيعة اليه وَاسْتولى على مَا كَانَ بيد ابيه من إفريقية وَغَيرهَا وبقى الى مَا بعد خلَافَة المستعصم وَكَانَت تلمسان بيد ابي سعيد بن عبد الْمُؤمن من الْمُوَحِّدين من جِهَة اخيه الْمَأْمُون فَعَزله أَخُوهُ وَولى عَلَيْهَا جَابر بن يُوسُف من عقب الْقَاسِم بن عبد الواد من زناته فِي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ قتل فِي سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وَولى بعده ابْنه الْحسن بن جَابر من جِهَة الْمَأْمُون ثمَّ نزل عَن ذَلِك لِعَمِّهِ عُثْمَان بن يُوسُف فأساء السِّيرَة فَأَخْرَجته الرّعية فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأَقَامُوا مَكَانَهُ عَمه وكدار بن زيان ثمَّ قتل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَولى بعده يغمراسن بن زيان من قبل بني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 عبد المؤمن فاستبد بِالْأَمر عَلَيْهِم وتحلى بحلية الْملك وَجرى على مرتبته وَلم يبْق عَلَيْهِم غير الدُّعَاء على المنابر ثمَّ غلب أَبُو زَكَرِيَّا سُلْطَان الحفصيين بإفريقية على تلمسان وفوض أمرهَا ليغمراسن فبقى الى مَا بعد خلَافَة المستعصم وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى وإشبيلية وَمَا مَعهَا من الأندلس بيد المعتضد بِاللَّه ابو الْحسن على بن إِدْرِيس من بني عبد الْمُؤمن من الْمُوَحِّدين فَسَار الى تلمسان فَمَاتَ بهَا فِي صفر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وفيهَا استولت الفرنج على إشبيلية من الأندلس ثمَّ اجْتمع الموحدون على بيعَة ابي حَفْص عمر بن ابي إِسْحَاق بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فَبَايعُوهُ ولقبوه المرتضى وَكَانَ بسلا فَقدم الى مراكش وَأقَام بهَا وَفِي أَيَّامه استولى ابو يحيى بن عبد الْحق المريني على مَدِينَة فاس سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة واستقرت فِيهَا قدمه وَقدم بنيه الى الْآن ثمَّ خرج على المرتضى الْقَائِد أَبُو الْعلَا الملقب بِأبي دبوس بن ابي عبد الله مُحَمَّد بن ابي حَفْص بن عبد الْمُؤمن وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جموع الْمُوَحِّدين وَقصد مراكش وَبهَا المرتضى فغلبه عَلَيْهَا وفر المرتضى إِلَى أزمور فَقبض عَلَيْهِ واليها واعتقله بهَا الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 أَن ورد عَلَيْهِ أَمر أبي دبوس بقتْله فَقتله واستبد أَبُو دبوس بِالْأَمر وتلقب الواثق بِاللَّه وَالْمُعْتَمد على الله فَخرج عَلَيْهِ أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن عبد الْحق المريني وَقصد مَدِينَة فاس بعد أَن استولى على كثير من بلادها فانتزعها من عَامل بني عبد الْمُؤمن وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي أول سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَملك سجلماسة من أَيدي الْمُوَحِّدين ايضا فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وبقى حَتَّى مَاتَ بفاس فِي رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه عمر ثمَّ قصد عَمه يَعْقُوب بن عبد الْحق وانتزع مِنْهُ مَدِينَة فاس وَمَات ابْن اخيه عمر بعد ذَلِك وَكَانَت مراكش قَاعِدَة الغرب الْأَقْصَى يَوْمئِذٍ بيد ابي دبوس الملقب بالواثق الْمُعْتَمد على الله من بني عبد الْمُؤمن فقصده يَعْقُوب بن عبد الْحق وانتزع مِنْهُ مراكش فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة واستقل بِملك الغرب الْأَقْصَى بأسره وانقرض ملك بني عبد الْمُؤمن مِنْهُ ثمَّ عَاد الى فاس وَبنى الْمَدِينَة الَّتِي استجدها ملاصقة لَهَا ونزلها فِي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وبقى الى مَا بعد خِلَافه المستعصم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من شَرق الأندلس بيد ابي دبوس مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر فَأخذ المرية من يَد مُحَمَّد وَزِير ابْن هود الثائر بهَا سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وبقى الى مَا بعد خلَافَة المستعصم الفترة الَّتِي شغرت فِيهَا الْخلَافَة عَن خَليفَة وَهِي مَا بَين قتل المستعصم فِي الْمحرم سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة الى حِين بَايع الْملك الظَّاهِر بيبرس صَاحب الديار المصرية الْمُسْتَنْصر أَحْمد بن الظَّاهِر أول الْخُلَفَاء بالديار المصرية فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة والملوك مستولية على الممالك شرقا وغربا الْحَوَادِث والماجريات فِي هَذِه الْمدَّة فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة بعد اسْتِيلَاء التتر على بَغْدَاد سَار هولاكو ملك التتر من بَغْدَاد قَاصِدا الشَّام وعدى الْفُرَات بعسا كره ونازل حران وملكها وَاسْتولى على الْبِلَاد الجزرية وارسل وَلَده سموطبن هولاكو الى الشَّام فوصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الى ظَاهر حلب وَفِي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة عبر هولاكو الْفُرَات ونازل حلب وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي تَاسِع صفر من هَذِه السّنة وبذلوا السَّيْف فِي الْمُسلمين وَصعد القلعة خلق عَظِيم من الْمُسلمين ودام الْقَتْل والنهب فِيهَا من تَاسِع صفر الى رَابِع عشرَة فَأَمرهمْ هولاكو أَن يرفعوا السَّيْف ونادى بالأمان وَلم يسلم من اهل حلب إِلَّا من التجأ الى أَمَاكِن مَعْرُوفَة كَانَ بأيدي اهلها أمانات من هولاكو وَيُقَال إِن من سلم بِهَذِهِ الْأَمَاكِن كَانُوا نَحْو خمسين الف نفس ودام الْحصار على قلعة حلب حَتَّى نزل من فِيهَا بالأمان وَأمر هولاكو بخراب اسوار حلب وأسوار قلعتها فخربت عَن آخرهَا وأحرقت زردخانتها وَتوجه أهل حماة بالمفاتيح إِلَى هولاكو وطلبوا مِنْهُ الْأمان وشحنة تكون عِنْدهم ثمَّ سَار التتر إِلَى دمشق وأستولوا عَلَيْهَا وعَلى سَائِر الشَّام وحاصروا قلعة دمشق حَتَّى نزلُوا بالأمان بعد مضايقة عَظِيمَة فِي منتصف جُمَادَى الأولى من هَذِه السّنة ونهبوا جَمِيع مَا فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وخربوا أسوارها وَكَذَلِكَ أستولوا على ميافارقين وَقتلُوا صَاحبهَا الْكَامِل مُحَمَّد بن المظفر غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر وَكَانَ النَّصَارَى بِدِمَشْق قد أستطالوا بدق الناقوس وَإِدْخَال الْخمر الْجَامِع فَبَلغهُمْ حَرَكَة عَسْكَر مصر إِلَيْهِم فَوَثَبُوا بالنصارى ونهبوهم وخربوا كنيستهم الْعُظْمَى بهَا وو صل المظفر قطز صَاحب مصر إِلَى الشَّام وَبَقِي التتر على عين جالوت فَكَانَت الكسرة على التتر وَقتل كتبغا نَائِب هولاكو {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا} وَسَار المظفر قطز بعد كسر التتر حَتَّى دخل دمشق وأبتهجت الرعايا بالنصر ثمَّ عَاد المظفر قطز بعد ذَلِك قَاصِدا الديار المصرية فَقتل فِي الطَّرِيق وَملك الظَّاهِر بيبرس على مَا سَيَأْتِي ذكره وَكَانَ المظفر قطز قد أستناب سنجر على دمشق فَلَمَّا ملك الظَّاهِر بيبرس خرج عَن طَاعَته وتسلطن بِدِمَشْق فِي الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وست مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 ولايات الْأَمْصَار فِي هَذِه الْمدَّة كَانَت مصر بيد الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْمعز أيبك وَبَقِي حَتَّى قبض عَلَيْهِ الْملك المظفر قطز فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة وأستولى على الْملك مَكَانَهُ وَكَانَ المصاف بَينه وَبَين التتر على عين جالوت بعد أَن أستولوا على جَمِيع الشَّام فِي رَمَضَان سنه ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فكسرهم أَشد كسرة واستقلع الشَّام مِنْهُم بعد أَن عجز كَافَّة مُلُوك الشرق وعساكرها عَن مقاومتهم واستولوا على الأقاليم الشرقية والشمالية كإقليم مَا وَرَاء النَّهر من بُخَارى وَسمر قند وَغَيرهمَا وإقليم خوارزم ودشت القجاق وإقليم خُرَاسَان وعراق الْعَجم وأذربيجان وخوزستان وبلاد فَارس والجزيرة الفراتية وبلاد الرّوم وبلاد الشَّام وَغير ذَلِك وَاجْتمعَ لَهُ ملك الديار المصرية والبلاد الشامية وتداول مُلُوك مصر ذَلِك بعده إِلَى زَمَاننَا على مَا سَيَأْتِي ذكره وَبَقِي حَتَّى قتل فِي متصيده وَهُوَ عَائِد من الشَّام بِالْقربِ من قصير الصالحية على إِثْر ذَلِك من السّنة الْمَذْكُورَة وَملك بعده الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَأخذ فِي جِهَاد الفرنج واستعاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 مَا ارتجعوه من فتوح السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَغير ذَلِك فَفتح البيرة والكرك وحمص وقيسارية وأرسوف وصفد ويافا والشقيف وأنطاكيا وحصن الأكراد وعكا وصافيتا وقلاعا من بِلَاد سيس وَكسر التتر على البيرة بعد أَن عدى الْفُرَات خوضا بعساكره وَدخل بِلَاد الرّوم وإنتزع قيسارية من يَد التتر وَجلسَ على تخت آل سلجوق بهَا وَبنى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بِالْقَاهِرَةِ بَين القصرين وَبَقِي إِلَى مَا بعد هَذِه الفترة وَكَانَت دمشق وحلب بيد الْملك النَّاصِر يُوسُف بن الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَبَقيت بِيَدِهِ حَتَّى إستولت عَلَيْهِمَا التتر فِي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة ثمَّ إنتزعهما مِنْهُم المظفر قطز صَاحب الديار المصرية وإستولى عَلَيْهِمَا وعَلى سَائِر الْبِلَاد الشامية وَقبض عَلَيْهِ الظَّاهِر بيبرس وَملك بعده وَبَقِي إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة على مَا تقدم وَكَانَت طرابلس قد بقيت بيد الفرنج بعد فتح الظَّاهِر صفد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَكَانَت حماة بيد الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر مَحْمُود فَبَقيَ بهَا حَتَّى غلب هولاكو على الْبِلَاد الشامية فهرب إِلَى مصر صَحبه النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق وحلب فِي جمَاعَة من بني أَيُّوب فَأكْرم المظفر قطز صَاحب الديار المصرية نزله فَلَمَّا كسر المظفر التتر أعادهم إِلَى حماة على مَا كَانَ عَلَيْهِ من السلطنة فَبَقيَ بهَا إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة وَكَانَت الكرك بيد الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن كَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فَبَقيَ بهَا إِلَى مَا بعد هَذِه الفترة وَكَانَت حمص وبعلبك بيد النَّاصِر يُوسُف مضافتين إِلَى حلب ودمشق وَكَانَ من أمره مَا كَانَ من مصيره إِلَى الديار المصرية ولحوقه بقطز صَاحبهَا وإنتزاع قطز الْبِلَاد الشامية من أَيدي التتر فَصَارَت فِي جملَة نيابات صَاحب الديار المصرية وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وغزنه وعراق الْعَجم وأرمينية وأذر بيجان وَسَائِر مملكة إيران بيد هولا كو بن طولي بن جنكزخان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَكَانَت مملكة الشمَال بيد بركَة بن درجي خَان وَبَقِي بركَة إِلَى مَا بعده مُدَّة الفترة وَكَانَت مَكَّة بيد جماز بن حسن بن قَتَادَة فوصل عَمه رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى مَكَّة وَقد كبر سنه فإستولى على مَكَّة وَأخرج جمازا مِنْهَا فلحق بالينبع ثمَّ دَار أَمر مَكَّة بَين أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد بن على بن قَتَادَة وَبَين غَالب بن رَاجِح بن قَتَادَة وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك إِلَى مَا بعد هَذِه الفترة وَكَانَت الْمَدِينَة بيد جماز بن شيحة فَبَقيَ إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعهَا بيد بني جنكزخان وَكَانَت إفريقية بيد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد من الْمُوَحِّدين فَبَقيَ إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد يغمرسن إِبْنِ زيان من جِهَة الْمُسْتَنْصر بن أبي زَكَرِيَّا صَاحب إفريقية فَبَقيَ إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق فَبَقيَ إِلَى مَا بعد هَذِه الْمدَّة وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من الأندلس بيد أبي دبوس مُحَمَّد بن الْأَحْمَر فَبَقيَ إِلَى مَا بعد هَذِه الفترة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 الطَّبَقَة الرَّابِعَة من الْخُلَفَاء خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية من حِين انْتِقَال الْخلَافَة إِلَيْهَا وَإِلَى زَمَاننَا وهم أحد عشر خَليفَة الأول مِنْهُم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله الْمُقدم ذكره والعامة تَسْمِيَة الزرابيني بُويِعَ لَهُ بالخلافة بالديار المصرية فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَقَامَ ببيعته السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري صَاحب الديار المصرية وَهُوَ أول خَليفَة واطأ لقبه لقب خَليفَة قبله تلقيبا لَهُ بلقب أَخِيه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بن الظَّاهِر بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَكَانُوا قبل ذَلِك يقتبضون لكل خَليفَة يتَوَلَّى لقبا لم يكن لأحد قبله وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا لقب بذلك تفاؤلا للإستنصار بِاللَّه على التتر وَكَانَ من شَأْنه أَنه حضر مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 جمَاعَة من الْعَرَب وَذكر انه خرج من دَار الْخلَافَة بِبَغْدَاد لما ملكهَا التتر فعقد لَهُ السُّلْطَان مَجْلِسا حضر فِيهِ جمَاعَة من الأكابر مِنْهُم الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي زَمَانه وَالْقَاضِي تَاج الدّين بن بنت الْأَعَز قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية يَوْمئِذٍ بمفرده فَشهد أُولَئِكَ الْعَرَب انه إِبْنِ الظَّاهِر بِاللَّه ثمَّ شهد من سمع كَلَامهم بِنِسْبَة الْمَذْكُور بالإستفاضة فَأثْبت القَاضِي تَاج الدّين بن بنت الْأَعَز نسبه ثمَّ بُويِعَ بالخلافة بعد ذَلِك على مَا تقدم ذكره وَبَقِي حَتَّى قَتله التتر بالعراق حِين وَجهه الْملك الظَّاهِر إِلَى بَغْدَاد لينتزعها مِنْهُم فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بَايع لَهُ الْملك الظَّاهِر اهتم بأَمْره أتم الإهتمام وَكتب السُّلْطَان الْكتب إِلَى المماليك والنواب بِأخذ الْبيعَة لَهُ فِي جَمِيع الأقطار بالخلافة وَأَن يخْطب لَهُ مَعَ السُّلْطَان على المنابر ويبدا بِهِ فِي الذّكر وينقش إسمه مَعَ إسمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 فِي السِّكَّة على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة الذى يلى الْمُبَايعَة خطب الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ بِجَامِع القلعة ثمَّ ركب السُّلْطَان بعد ذَلِك بِقَلِيل إِلَى خيمة ضربت لَهُ بالبستان الْكَبِير بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَنزل بهَا والخليفة مَعَه وَلبس مِنْهُ خلعة الْخلَافَة وَهِي عِمَامَة بنفسجى وجبة سَوْدَاء وطوق ذهب فِي عُنُقه وَسيف بداوى تقلد بِهِ وَجلسَ مَجْلِسا عَاما بِحَضْرَة الْخَلِيفَة والوزير والقضاة وَالْعُلَمَاء والأمراء وَنصب للصاحب فَخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان كَاتب السِّرّ يَوْمئِذٍ مِنْبَر فَصَعدَ عَلَيْهِ وَقَرَأَ تَقْلِيد السُّلْطَان ثمَّ ركب السُّلْطَان بالخلعة والطوق وَدخل من بَاب النَّصْر وشق الْقَاهِرَة وهى مزينة لَهُ وَحمل الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا وزيره التَّقْلِيد على رَأسه وَمَشى بِهِ فِي الموكب بَين يدى السُّلْطَان والأمراء مشَاة حوله وأمامه وَعمل لَهُ السُّلْطَان الدهاليز والجمدارية وآلات الْخلَافَة واستخدم لَهُ عسكرا جَلِيلًا وَغرم على ذَلِك فِيمَا يُقَال ألف ألف دِينَار بتكرير الْألف مرَّتَيْنِ وبرز السُّلْطَان والخليفة فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وتوجها إِلَى دمشق وَكَانَ السُّلْطَان فِي كل منزلَة يمضى إِلَى دهليز الْخَلِيفَة الْخَاص بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 فَلَمَّا وصلا إِلَى دمشق نزل السُّلْطَان بالقلعة وَنزل الْخَلِيفَة فِي جبل الصالحية وَنزل أمراؤه وأجناده حوله ثمَّ جهز السُّلْطَان الْخَلِيفَة بعسكره من دمشق إِلَى بَغْدَاد لقِتَال التتر الَّذين استولوا عَلَيْهَا وَخرج السُّلْطَان مَعَه لتشييعه ووصاه بالتأنى فِي الْأُمُور ثمَّ عَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق ثمَّ إِلَى الديار المصرية فَدَخلَهَا فِي سَابِع عشر ذى الْحجَّة من هَذِه السّنة ووصلت إِلَيْهِ كتب الْخَلِيفَة بعد وُصُوله الديار المصرية بِأَنَّهُ قد استولى على عانة والحديثة وَولى عَلَيْهِمَا وَأَن كتب أهل الْعرَاق وصلت إِلَيْهِ يستحثونه على الدُّخُول إِلَيْهِم ثمَّ بعده تنفيذه الْكتب إِلَى الديار المصرية خرج إِلَيْهِ التتر فقاتلوه وقتلوه وَقتلُوا غَالب عسكره وَجَاءَت الْأَخْبَار إِلَى الديار المصرية بذلك لاراد لقَضَاء الله وَلَا معقب لحكمه وَفِي سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَقع بالديار المصرية بِمصْر والقاهرة والوجهين القبلى والبحرى والبلاد الشامية دمشق وصفد والكرك والشوبك وَغَيرهَا وَسَوَاد الْعرَاق زَلْزَلَة شَدِيدَة تساقطت مِنْهَا الْأَبْنِيَة وتشققت الْجبَال وتقطعت الصخور وتفجرت الأَرْض عيُونا وَخرج النَّاس من مساكنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 هاربين إِلَى الصحارى وَظهر أَثَرهَا فِي النّيل وَالْبَحْر الْملح وطما الْبَحْر لسببها حَتَّى أغرق قماش القصارين وتكسرت القوارب والسفن وتهدمت الجدران ومنارات الْجَوَامِع وَوَقع جَانب عَظِيم من منار الْإسْكَنْدَريَّة ولايات الْأَمْصَار فِي خلافتة كَانَ على الديار المصرية والبلاد الشامية بأسرها إِلَّا مَا بقى بيد الفرنج مِنْهَا فِي أَيَّامه الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقدارى الَّذِي قَامَ ببيعته وبقى الى مَا بعد خِلَافَته وَكَانَت مَكَّة بَين ابي نمى مُحَمَّد بن ابي سعد بن عَليّ ابْن قَتَادَة وَبَين غَالب بن رَاجِح بن قَتَادَة على مَا تقدم ثمَّ استبد ابو نمى بِمَكَّة وَنفى أَقَاربه جمازا وأخويه إِدْرِيس ومحمدا الى الينبع فأعقابهم قَائِمَة بإمرته الى الْآن وبقى أَبُو نمى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت الْيمن بيد المظفر يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت مملكة إيران من بَغْدَاد وَمَا مَعهَا بيد هولاكو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 طولى بن جنكزخان فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعَ ذَلِك بيد بنى جنكزخان غير هولاكو وَكَانَت إفريقية بيد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه مُحَمَّد بن ابي زَكَرِيَّا فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد يغمراسن بن زيان فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَ الغرب الأقصلى بيد ابي يُوسُف يَعْقُوب عبد الْحق فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من شَرق الأندلس بيد ابي دبوس بن الْأَحْمَر فبقى الى مَا بعد خلَافَة الْمُسْتَنْصر الثَّانِي من خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية الْحَاكِم بِأَمْر الله وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أبي بكر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الْأَمِير ابي عَليّ القبي بن الْأَمِير حسن بن الراشد بِاللَّه ابي جَعْفَر الْمَنْصُور الحادى وَالثَّلَاثِينَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق وَقد تقدم ذكره قَالَ الْمُؤَيد صَاحب حماة هَذَا هُوَ الْمَشْهُور بِمصْر عِنْد نسابتها أما عِنْد الشرفاء العباسيين السليمانيين فِي درج نسبهم الثَّابِت فَهُوَ أَحْمد بن عَليّ بن ابي بكر بن أَحْمد بن الإِمَام المسترشد وَالِد الراشد الْمُقدم ذكره وتلقيبه بالحاكم وَإِن لم يكن مواطئا للقب أحد من الْخُلَفَاء العباسيين قبله فَهُوَ مواطئ للقب الْحَاكِم بِأَمْر الله الفاطمي ثَالِث خلفاء الفاطميين بالديار المصرية وَهُوَ أَبُو الْخُلَفَاء العباسيين بالديار المصرية الْمَوْجُودين الى الْآن بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْخَمِيس فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة سنة سِتِّينَ سِتّمائَة وَذَلِكَ أَنه لما قتل الْمُسْتَنْصر احْمَد الْمُقدم ذكره فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة بقيت الْخلَافَة شاغرة بعده الى أَن بعث السُّلْطَان من احضره اليه من بَغْدَاد فَقدم مصر فِي سنة تسع ة خمسين ة سِتّمائَة وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 جلس السُّلْطَان فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور مَجْلِسا عَاما وَأثبت نِسْبَة وَبَايَعَهُ بالخلافة وأشركه مَعَه فِي الدُّعَاء لَهُ على المنابر مقدما فِي ذَلِك على السُّلْطَان إِلَّا انه لم يثبت اسْمه فِي السِّكَّة على الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وبقى حَتَّى توفّي فِي شهور سنة احدى وَسبع مائَة وَكَانَت خِلَافَته اربعين سنة تَقْرِيبًا بعد أَن حج فِي سلطنة الْملك الْمَنْصُور لاجين فِي سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة وزودها السُّلْطَان مبلغ سبع مائَة ألف دِرْهَم وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المستكفى بِاللَّه الْآتِي ذكره وَغَيره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ لَهُ بالخلافة رقم اسْم السُّلْطَان فِي السِّكَّة ودعى لَهُ قبل السُّلْطَان فِي الْخطْبَة وَحفظ لَهُ مَا يجب حفظه من مِقْدَاره إِلَّا أَن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر لم يُمكنهُ من التَّصَرُّف وَالرُّكُوب وَالنُّزُول بل هيأ لَهُ برجا يُقيم فِيهِ فبقى على ذَلِك الى ان ملك السُّلْطَان الْأَشْرَف خَلِيل ابْن الْمَنْصُور قلاوون فأسكنه بالكبش على الْقرب من الْجَامِع الطولوني وَكَانَ يخْطب بِنَفسِهِ فِي جَامع القلعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَيصلى وَلم يُطلق تصرفه إِلَى أَن تسلطن الْملك الْمَنْصُور لاجين فأباح لَهُ التَّصَرُّف حَيْثُ شَاءَ وأركبه مَعَه فِي الميادين وفى أَيَّامه فِي سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة رتب السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْقُضَاة أَرْبَعَة من كل مَذْهَب قَاض وَكَانَ قبل ذَلِك فِي الدولة الفاطمية وَمَا قبلهَا والدولة الأيوبية وَمَا بعْدهَا قَاض وَاحِد وَهُوَ يَسْتَنِيب من يختاره من الْمذَاهب على قَاعِدَة الْخلَافَة العباسية بِبَغْدَاد بل اجْتمع فِي الدولة الفاطمية فِي أَيَّام الْحَاكِم بِأَمْر الله الفاطمى مصر وأجناد الشَّام وبلاد الْمغرب لقاض وَاحِد وَكَانَ سَبَب اسْتِقْرَار الْقُضَاة الْأَرْبَعَة أَن القَاضِي كَانَ فِي اول ل الدولة الظَّاهِرِيَّة ابْن بنت الْأَعَز وَكَانَ شافعيا فَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ شئ من غير مذْهبه توقف فِي إثْبَاته فَاخْتَارَ السُّلْطَان أَرْبَعَة قُضَاة ليحكم كل مِنْهُم بِمَا يسوغ فِي مذْهبه وفى هَذِه السّنة كَانَ بالديار المصرية غلاء شَدِيد فَجمع السُّلْطَان الْفُقَرَاء وَأخذ لنَفسِهِ خمس مائَة فَقير ولولده بركَة خَان خمس مائَة ولنائبه بيليك الخازندار ثَلَاثمِائَة وَفرق البَاقِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 على الْأُمَرَاء على قدر طبقاتهم وَأمر لكل فَقير برطلين خبْزًا فَمَا رئى بعد ذَلِك بالديار المصرية فَقير يسْأَل وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ختن السُّلْطَان وَلَده بركَة خَان وَأمر الْأُمَرَاء والمقدمين والجند والقضاة وَالْفُقَهَاء والفقراء والعوام ان يحضروا أَوْلَادهم ليختنهم مَعَ وَلَده فأحضر إِلَيْهِ ألف وسِتمِائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ صَغِيرا خَارِجا عَن أَوْلَاد الْأُمَرَاء والمقدمين فَأمر لكل مِنْهُم بكسوة على قدره وَمِائَة دِرْهَم وَرَأس غنم وختن الْجَمِيع مَعَ وَلَده وَفِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة قصد أبغا بن هولاكو ملك التتر الديار المصرية ولقيه الظَّاهِر بيبرس صَاحب الديار المصرية فَهَزَمَهُ بِعَين جالوت أَشد هزيمَة وَعَاد إِلَى بِلَاده وَرجع السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر إِلَى الديار المصرية وَفِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة قصد غازان ملك التتر إِلَى الديار المصرية ولقيه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون على حمص فإنهزم الْمُسلمُونَ وَاسْتشْهدَ مِنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 جمَاعَة ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية وَرجع غازان إِلَى بِلَاده وَفِي أَيَّامه فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فتح السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس صَاحب الديار المصرية يافا وأنطاكية وانتزعهما من الفرنج وَأخذ بغراس وبهسنا ودربساك وَغَيرهَا وانتزعها من الأرمن وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ أَخذ مصياف من أَيدي الإسماعيلية وَفِي سنة تسع فتح حصن الأكراد وحصن عكار وتسلم قلعة العليقة وبلادها من الإسماعيلية وَفِي سنة إِحْدَى وَسبعين تسلم نوابه من الإسماعيلية مَا بَقِي من قلاعهم وَهِي الْكَهْف والمينقة والقدموس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فتح الْمَنْصُور قلاوون حصن المرقب وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ فتح صهيون وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ فتح طرابلس بعد أَن مضى عَلَيْهَا مَعَ الفرنجة مائَة وَخمْس وَثَمَانُونَ سنة واشهر وأعجز الْمُلُوك السالفة فتحهَا وهدمها بأسرها بعد الْفَتْح وَفِي سنة تسعين وسِتمِائَة فتح ابْنه الْأَشْرَف خَلِيل عكا وهدمها وأخلى الفرنج من الرعب أَكثر بِلَاد السَّاحِل مثل صيدا وبيروت وصور وانطرطوس وتسلمها الْمُسلمُونَ وَأمر بهدمها فهدمت وتكاملت جَمِيع الْبِلَاد الساحلية لِلْإِسْلَامِ وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة فتح الْأَشْرَف خَلِيل أَيْضا قلعة الرّوم وسماها قلعة الْمُسلمين وَكَانَت كرْسِي خَليفَة الأرمن وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة راك السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين بِلَاد الديار المصرية وَهُوَ الروك الحسامي إِلَّا أَنه لم يَأْتِ روكه على النمط الْمُعْتَبر فِي التَّحْرِير وَفِي أَيَّامه استنقذ يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني سُلْطَان الغرب الْأَقْصَى مَدِينَة سلا من يَد الفرنج بعد ان استولوا عَلَيْهَا وغزاهم بالأندلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أَربع مَرَّات حَتَّى أذعن لَهُ شانجة بن أدفونش ملكهم فِي عقد الْهُدْنَة فعقدها لَهُ على شُرُوط ألزمهُ إِيَّاهَا وغزاهم ابْنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف فِي سلطنته بعد ذَلِك وَفِي أَيَّامه فِي سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة سبع مائَة ألزم السُّلْطَان النَّصَارَى وَالْيَهُود لبس عمائم مُخَالفَة لألوان عمائم الْمُسلمين فألبس النَّصَارَى عمائم زرقاء وَالْيَهُود عمائم صفراء ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَ على مصر وَالشَّام الْملك الظَّاهِر بيبرس الْمُقدم ذكره فَبَقيَ حَتَّى توفّي فِي دمشق فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة بعد أَن فتح الْكثير مِمَّا كَانَ استعاده الفرنج من فتوح السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَفتح قيسارية وأرسوف وصفد وطبرية ويافا والشقيف وأنطاكية وبغراس والقصير وحصن الأكراد والقرين وحصن عكار وصافيتا وبانياس وأنطرطوس وإقتلع من الأرمن دربساك ودركوش ومليش وَكفر دبين ورعبان ومرزبان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وأدنة والمصيصة وبلاد النّوبَة وَملك بعده مصر وَالشَّام ابْنه الْملك السعيد بركَة فِي صفر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ خلع وَبعث بِهِ إِلَى الكرك فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وست مائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الْعَادِل سلامش فَبَقيَ أَرْبَعَة أشهر ثمَّ خلع وَملك بعده الْملك الْمَنْصُور قلاوون الصَّالِحِي الشهير بالألفي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة ولقب الألفي لِأَن آقسنقر الكاملي إشتراه بِأَلف دِينَار وَبنى البيمارستان المنصوري بِالْقَاهِرَةِ بَين القصرين الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي الدُّنْيَا وأدرج فِيهِ مدرسته المنصورية وقبة مدفنة على جنبتي الدَّاخِل إِلَيْهِ يمنة ويسرة وَتُوفِّي بِظَاهِر الْقَاهِرَة المحروسة وَدفن بقبته بالبيمارستان الْمُقدم ذكره وَملك بعده ابْنه الْملك الْأَشْرَف خَلِيل صَبِيحَة وَفَاة أَبِيه وَأخذ فِي الْغَزْو على عَادَة أَبِيه وَقتل فِي متصيده بالبحيرة فِي الْعشْر الْأَوْسَط من الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ الَّذِي عمر الْمدرسَة الأشرفية بِالْقربِ من المشهد النفيسي وَملك بعده الْملك الْمُعظم بيدرا ثمَّ خلع من يَوْمه وَملك بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي صفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهِي سلطنته الأولى ثمَّ خلع بعد ذَلِك وسير بِهِ إِلَى الكرك فحبس بهَا وَملك بعده الْملك الْعَادِل كتبغا عقب خلعه وخلع فِي صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَملك بعده الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من صفر الْمَذْكُور وَقتل فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَبَقِي الْأَمر شُورَى مُدَّة يسيرَة ثمَّ حضر الْملك النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون من الكرك وأعيد إِلَى السلطنة فِي حادي عشر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهِي سلطنته الثَّانِيَة وخلع يَوْم السبت حادي عشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَملك بعده الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال الْمَذْكُور وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت مَكَّة بيد أبي نمي مُحَمَّد أبي سعد إِلَى أَن مَاتَ أَبُو نمي فَقَامَ بإمرة مَكَّة بعده ابناه رميثة وحميضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 ونازعهما أخواهما عطيفة وَأَبُو الْغَيْث فاعتقلاهما وَوَافَقَ ذَلِك وُصُول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة بالديار المصرية فِي الدولة الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون فَأطلق عطيفة وَأَبا الْغَيْث وولاهما وَأمْسك رميثة وحميضة وَبعث بهما إِلَى مصر ثمَّ رد السُّلْطَان رميثة وحميضة إِلَى إمارتهما مَعَ عَسْكَر فاستقرا فِي إمارتهما وبعثا إِلَيْهِ بعطيفة وأبى ألفيث وبقى التَّنَازُع بَينهم وهم يتعاقبون إمرة مَكَّة مرّة بعد أُخْرَى وَقتل أَبُو الْغَيْث فِي بعض حروبهم وبقى الْأَمر على ذَلِك إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت الْمَدِينَة بيد جماز بن شيحة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ الْيمن بيد المظفر يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول وَبعث إِلَى الْملك الْمَنْصُور قلاوون صَاحب الديار المصرية هَدِيَّة جليلة على أَن يكْتب لَهُ بالأمان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وقررت عَلَيْهِ إتاوة لملوك مصر وأعيدت رسله إِلَيْهِ فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَمَات بحصن تعز سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنة الْملك الْأَشْرَف ممهد الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 عمر بن المظفر يُوسُف وبقى حَتَّى مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد ابْن المظفر يُوسُف فاستمر على مُوَاصلَة مُلُوك مصر بالضريبة المقررة عَلَيْهِ والهدايا والتحف وتمذهب بِمذهب الشافعى رضى الله عَنهُ واشتغل بالعلوم واعتنى بِجمع الْكتب حَتَّى يُقَال إِن خزانته اشْتَمَلت على مائَة ألف مُجَلد وَكَانَ فِيهِ بر للْعُلَمَاء وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت مملكة إيران بيد هولاكو بن طولى بن جنكزخان ملك التتر فبقى حَتَّى هلك فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة لعشر سِنِين من ولَايَته وَملك بعده ابْنه أبغا وَهُوَ الذى قصد الديار المصرية فَلَقِيَهُ الظَّاهِر بيبرس وهزمه بِعَين جالوت فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَهلك سنة أحدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه تكدار فَأسلم وَتسَمى احْمَد وتلقب أَحْمد سُلْطَان وخاطب مُلُوك عصره وَهُوَ اول من أسلم من بنى هولاكو ثمَّ قَتله عسكره من الْمغل لما نقموا عَلَيْهِ من إِسْلَامه فِي سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ أرغون بن أبغا فَعدل عَن دين الْإِسْلَام إِلَى دين البراهمة من عبَادَة الْأَصْنَام وانتحال السحر وَهلك سنة تسعين وسِتمِائَة وَملك بعده أَخُوهُ كيختو بن أبغا فَسَاءَتْ سيرته وأفحش فِي الْمُنْكَرَات فَقتله غلمانه فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة لثلاث سِنِين وَأشهر من ولَايَته وَملك بعده ابْن عَمه بيدو بن طرخاي بن هولاكو ثمَّ قتل سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة لثمانية أشهر من ولَايَته وَملك بعده غازان والعامة تَقول قازان بِالْقَافِ ابْن أرغون بن أبغا بن هولاكو وَهُوَ الذى هزم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَمَات سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَملك بعده اخوه خدابندا والعامة تَقول خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو فَافْتتحَ أمره بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام وَتسَمى بِمُحَمد وتلقب غياث الدّين واقام دين الْإِسْلَام وَعظم الْخُلَفَاء وَكتب أَسْمَاءَهُم فِي سكته على الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَنقش عَلَيْهَا اسْم الْأَئِمَّة الاثنى عشر على طَرِيق الرافضة وَحذف اسْم الشَّيْخَيْنِ من الْخطْبَة وَبنى الْمَدِينَة الْمُسَمَّاة بالسلطانية بِأَذربِيجَان وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعَ ذَلِك بيد بنى حنكزخان غير بنى هولاكو وَكَانَت مملكة الشمَال بيد بركَة بن دوجى خَان بن جنكزخان فَبنى مَدِينَة السراى وَجعلهَا قَاعِدَة ملكه وبقى حَتَّى مَاتَ سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَملك بعده منكوتمر بن طغان بن باطوخان بن جنكزخان وزحف مَعَ أبغا بن هولاكو على الشَّام فِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَهَزَمَهُمْ الْمَنْصُور قلاوون صَاحب الديار المصرية على حمص على مَا تقدم وَمَات منكوتمر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه تدان منكو بن منكوتمرثم خرج عَن الْملك سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَانْقطع إِلَى صُحْبَة الْمَشَايِخ والفقراء وَملك مَكَانَهُ أَخُوهُ تلابغا بن منكوتمر وبقى حَتَّى قتل سنة تسعين وسِتمِائَة وَملك بعده اخوه طقطاى خَان بن منكوتمر وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت إفريقية بيد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه مُحَمَّد بن أَبى زَكَرِيَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 من الحفصيين من الْمُوَحِّدين فتوفى سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة وَولى بعده ابْنه الواثق بِاللَّه يحيى بن الْمُسْتَنْصر مُحَمَّد لَيْلَة موت أَبِيه فَأحْسن السِّيرَة وَبسط الْعدْل وَالعطَاء وَبعث إِلَيْهِ أهل بجاية بالبيعة ثمَّ انتزع مِنْهُ بجاية عَمه أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة فانخلع الواثق عَن الإمرة لِعَمِّهِ أَبى إِسْحَاق الْمَذْكُور فِي أول ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة وَسَار أَبُو إِسْحَاق إِلَى تونس فَدَخلَهَا فِي ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتولى على المملكة جَمِيعهَا واعتقل الواثق المخلوع وبنيه ثمَّ دس عَلَيْهِم من ذبحهم لَيْلًا فِي صفر سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة وَخرج على السُّلْطَان أَبى إِسْحَاق أَحْمد بن روق بن أَبى عمَارَة وَاسْتولى على تونس بعد خُرُوج أَبى إِسْحَاق مِنْهَا وانخلع أَبُو إِسْحَاق من ملك بجاية لدينِهِ أَبى فَارس عبد الْعَزِيز فِي آخر ذى الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ خرج على الْأَمِير أَبى فَارس الدعى بن يحيى المخلوع فَقتله فِي سنة اثْنَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَاسْتولى على بجاية وَدخل أَهلهَا فِي طَاعَته ثمَّ خرج على الْأَمِير الدعى ابو حَفْص عمر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أَبى حَفْص فَانْهَزَمَ مِنْهُ الدعى وَاسْتولى أَبُو حَفْص على تونس وَسَائِر المملكة وتلقب بالمنتصر ثمَّ ظفر بالدعى بعد ذَلِك فَقتله وَبَايَعَهُ أهل تلمسان وطرابلس وَمَا بَينهمَا ثمَّ خرج أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن السُّلْطَان أَبى إِسْحَاق على بجاية وقسنطينة فملكهما واقتطعهما عَن مملكة إفريقية وبقى السُّلْطَان أَبُو حَفْص على إفريقية حَتَّى مَاتَ فِي آخر ذى الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ الواثق بن الْمُسْتَنْصر الْمُقدم ذكره عِنْد مَوته ترك جَارِيَة حَامِلا فَوضعت ولدا فَسَماهُ الشَّيْخ مُحَمَّد الْمرْجَانِي مُحَمَّدًا وَأطْعم الْفُقَرَاء يَوْمئِذٍ عصيدة فلقب الْوَلَد بأبى عصيدة فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان أَبُو حَفْص اسْتَقر فِي الْملك بعده أَبُو عصيدة الْمَذْكُور وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد يغمراسن بن زيان من جِهَة الحفصيين أَصْحَاب إفريقية فتوفى فِي ذى الْقعدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَولى بعده ابْنه عُثْمَان بن يغمراسن فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد أَبى يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق فبقى حَتَّى مَاتَ فِي آخر الْمحرم سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه ولى عَهده أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب فَجرى على سنَن أَبِيه فِي الْعدْل وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من شَرق الأندلس بيد أَبى دبوس مُحَمَّد بن يُوسُف من بنى الْأَحْمَر وَبَقِي حَتَّى مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَملك بعده ابْنه الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر وَمَات فِي سنة إِحْدَى وَسبع مائَة وهى السّنة الَّتِى مَاتَ فِيهَا الإِمَام الْحَاكِم الْمَذْكُور الثَّالِث من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية المستكفى بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد الْمُقدم ذكره وَهَذَا اللقب مَنْقُول إِلَيْهِ عَن المستكفى بِاللَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 أَبى الْقَاسِم عبد الله الثَّالِث وَالْعِشْرين من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم موت أَبِيه فِي شهور سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وبقى حَتَّى توفى بِمَدِينَة قوص فِي الْعشْر الآخر من شَوَّال سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة فَكَانَت خِلَافَته نَحْو تسع وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد الْحَاكِم بِأَمْر الله الآتى ذكره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته لما بُويِعَ بالخلافة اسْتَقر على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ الْحَاكِم من الرّكُوب وَالنُّزُول وركوب الميادين مَعَ السُّلْطَان إِلَى أَن أُعِيد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى السلطنة الْمرة الثَّانِيَة بعد خلع الْملك المظفر بيبرس الجاشنكير فِي شهور سنة تسع وَسَبْعمائة فَحصل عِنْد السُّلْطَان مِنْهُ وَحْشَة فجهزه إِلَى مَدِينَة قوص بصعيد مصر الْأَعْلَى ليقيم بهَا فبقى فِيهَا بَقِيَّة مُدَّة خلافتة وعهد بالخلافة إِلَى ابْنه الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن أَبى الرّبيع سُلَيْمَان وَثَبت على الْحَاكِم بقوص بعد أَن أشهد عَلَيْهِ فِيهِ أَرْبَعِينَ شَاهدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَفِي أَيَّامه فِي سنة تسع وَسبعين توقف النّيل وَكسر الخليج قبل الْوَفَاء وانتهت الزِّيَادَة فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من توت إِلَى خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَسبع عشرَة أصبعا وَفِي سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة خطب للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بِبِلَاد إفريقية وحاضرة تونس بِوَاسِطَة أَن صَاحبهَا أَبَا يحيى وَفد على السُّلْطَان فقلدة بِلَاد طرابلس الغرب وَأَعْطَاهُ الْأَعْلَام والعصائب فوعده أَن مهما فَتحه من بِلَاد الغرب خطب لَهُ فِيهِ وَفِي أَيَّامه عمل الروك الناصرى فِي سلطنة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة واستعيدت الإقطاعات من الْأُمَرَاء والأجناد وقيست بِالْوَجْهَيْنِ القبلى والبحرى ثمَّ فرقت الإقطاعات على الْأُمَرَاء والجند وَكَانَ الْمُوجب لعمله ان الْملك الْمَنْصُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 حسام الدّين لاجين كَانَ فِي سلطنته وَقد عمل الروك الحسامى فَجرى على غير أنموذج مُحَرر فاحتيج إِلَى إِعَادَته وتحريره فَعمل السُّلْطَان الْملك النَّاصِر هَذَا الروك فجَاء فِي غَايَة الإتقان والتحرير وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فتح النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب الديار المصرية آياس وبلادها وانتزعها من الأرمن مَعَ كثير من بِلَادهمْ ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت الديار المصرية والبلاد الشامية فِي أَيَّامه بيد الْملك المظفر ركن الدّين بيبرس الجاشنكير وَهُوَ الذى عمر الخانقاه الركنية بيبرس دَاخل بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة مَكَان دَار الوزارة بالدولة الفاطمية وبقى حَتَّى خلع فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة تسع وَسَبْعمائة وَملك بعده الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي مستهل شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وهى سلطنته الثَّالِثَة وفيهَا طَالَتْ مدَّته وقوى ملكه وأكمل الْمدرسَة الناصرية بَين القصرين وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَكَانَت مَكَّة بيد رميثة وحميضة ابنى أَبى نمى فَوَقع التَّنَازُع بَينهمَا وَسَار رميثة إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بالديار المصرية فِي سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة مستنجدا بسلطانها الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فأيده السُّلْطَان بعساكر وَجه بهَا إِلَى مَكَّة فهرب حميضة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة بعد ذَلِك واصطلح هُوَ وَأَخُوهُ ثمَّ حَالف عطيفة سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة وَوصل إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فأيده بالعساكر فَملك مَكَّة وَقبض على رميثة وسجن بِمصْر ثمَّ أطلق سنة عشْرين وَسبع مائَة أَقَامَ بِمصْر وبقى حميضة مشردا إِلَى ان أستأمن السُّلْطَان فآمنه ثمَّ وثب على حميضة مماليك كَانُوا مَعَه فَقَتَلُوهُ ثمَّ أشرك فِي إِمَارَة مَكَّة بَين رميثة واخيه عطيفه ثمَّ مَاتَ عطيفة واستقل رميثة بإمارة مَكَّة إِلَى أَن كبر وهرم وَكَانَ لَهُ ولدان هما ثقبة وعجلان فاقتسما مَعَه إِمَارَة مَكَّة بِرِضَاهُ ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع عَن ذَلِك فَلم يوافقاه عَلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ رميثة تنَازع ولداه الْمَذْكُورَان وَخرج ثقبة من مَكَّة وبقى عجلَان بهَا ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا ثقبة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَكَانَت الْمَدِينَة بيد جماز بن شيحة وبقى حَتَّى عمى وَمَات فِي سنة أَربع أَو خمس وَسبع مائَة وَولى بعده ابْنه مَنْصُور بن جماز ثمَّ وَفد أَخُوهُ مقبل بن جماز على النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بالديار المصرية فأشرك بَينهمَا فِي الإمرة والإقطاع ثمَّ غَابَ مَنْصُور عَن الْمَدِينَة واستخلف ابْنه كبيشة فهجم عَلَيْهِ مقبل وملكها من يَده لحق كبيشة بأحياء الْعَرَب فاستجاش وهجم الْمَدِينَة على عَمه مقبل فَقتله سنة تسع وَسبع مائَة وَرجع مَنْصُور إِلَى إمارته وبقى ماجد بن مقبل يستجيش الْعَرَب على عَمه مَنْصُور بِالْمَدِينَةِ وَيُخَالِفهُ إِلَيْهَا كلما خرج مِنْهَا ثمَّ زحف ماجد سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وملكها من يَد عَمه مَنْصُور فاستصرخ مَنْصُور بالسلطان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فأنجده بالعساكر فحاصروا ماجد بن مقبل بِالْمَدِينَةِ وفر عَنْهَا وملكها مَنْصُور ثمَّ سخط عَلَيْهِ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَعَزله وَاسْتقر بأَخيه ودى فِي إمارتها ثمَّ أُعِيد مَنْصُور إِلَى إمارتها وَمَات سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 خمس وَعشْرين وَسبع مائَة فولى ابْنه كبيشة بن مَنْصُور مَكَانَهُ فَقتله عَسْكَر ابْن عَمه ودى وَعَاد ودى إِلَى الإمرة ثمَّ توفى بعد ذَلِك فولى طفيل بن مَنْصُور بن جماز وَتفرد بإمرتها وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَ الْيمن بيد الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد بن المظفر يُوسُف من بنى رَسُول فبقى حَتَّى توفى سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين على فأساء السِّيرَة فَقبض عَلَيْهِ وخلع وَحبس سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع مائَة وَملك بعده عَمه الْملك الْمَنْصُور أَيُّوب بن المظفر يُوسُف ثمَّ قتل وأعيد الْملك الْمُجَاهِد وَعصى عَلَيْهِ الظَّاهِر أَسد الدّين عبد الله بن الْمَنْصُور أَيُّوب بحصن الدملوة واستقل بِهِ ثمَّ قبض عَلَيْهِ الْمُجَاهِد بعد صلح جرى بَينهمَا وَقَتله وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَت مملكة إيران بيد خدابند بن أرغون من بنى هولاكو فبقى حَتَّى مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه أَبُو سعيد وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة بمعاضده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 جوبان نَائِب أَبِيه وَقَامَ جوبان بتدبير دولته ثمَّ عظم شان أَبى سعيد وقوى سُلْطَانه وانتظم الود بَينه وَبَين الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب الديار المصرية سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة وترددت الرُّسُل والمكاتبات بَينهمَا وَقتل أَبُو سعيد جوبان نائبة سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع مائَة وَمَات أَبُو سعيد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَدفن بِمَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وَلم يعقب وانقرض بِمَوْتِهِ ملك بنى هولاكو وَاخْتلف أهل دولته وافترقت الْأَعْمَال الَّتِى كَانَت بِيَدِهِ وَصَارَت طوائف كَمَا كَانَت مُلُوك طوائف الْفرس وَلما مَاتَ أَبُو سعيد نصب أهل الدولة مُوسَى خَان من أسباطهم على بَغْدَاد وتوريز وأعمالهما وَقَامَ بتدبير دولته على باشا من أُمَرَاء دولتهم وَكَانَ الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن ابلكان الْمَعْرُوف بالشيخ حسن الْكَبِير وَهُوَ ابْن عَم السُّلْطَان أَبى سعيد معتقلا بِبِلَاد الرّوم فَأخْرج من السجْن بعد موت أَبى سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَوصل بَغْدَاد وخلع مُوسَى خَان وَنصب مَكَانَهُ مُحَمَّد بن عنبرجى من عقب هولاكو وَاسْتولى الشَّيْخ حسن على بَغْدَاد وتوريز وَسَار إِلَيْهِ حسن بن دمرداش من بِلَاد الرّوم فغلبه على توريز وَقتل مُحَمَّد بن عنبرجى وَلحق الشَّيْخ حسن بِبَغْدَاد وَاسْتقر حسن بن دمرداش بتوريز وَنصب للْملك بهَا صاتبيك أُخْت السُّلْطَان أَبى سعيد على عَادَة الْعَجم فِي تمْلِيك بَنَات الْمُلُوك وَزوجهَا لِسُلَيْمَان خَان من أَسْبَاط هولاكو وَاسْتولى إِبْرَاهِيم شاه بن بارنباى ابْن سنوتاى على قِطْعَة من ديار بكر ثمَّ استولى أَوْلَاد جوبان على مملكة أذربيجان وهى بِلَاد توريز والسلطانية وَاسْتولى القان طغيمتر من بنى جنكزخان على خُرَاسَان وأعمالها وَاسْتولى أرتنا على بِلَاد الرّوم وبقى الشَّيْخ حسن إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَت مملكة الشمَال الَّتِى قاعدتها مَدِينَة السراى بيد طقطاى خَان بن منكوتمر خَان فبقى حَتَّى مَاتَ سنة اثنتى عشرَة وَسبع مائَة وَملك بعده ابْن أَخِيه أزبك بن طغزخان فَأسلم وَاتخذ مَسْجِدا للصَّلَاة وخطب إِلَيْهِ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب الديار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 المصرية بِنْتا من أَقَاربه فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَبعث بهَا إِلَيْهِ إِلَى الديار المصرية ووصلت إِلَى دمياط وحملت فِي النّيل إِلَى سَاحل بولاق فَحملت على عجلة من عجلات بِلَاد التّرْك إِلَى القلعة وَعقد عَلَيْهَا النَّاصِر وَدخل عَلَيْهَا واتصلت الْمَوَدَّة بَينه وَبَين الْملك النَّاصِر وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَت تونس وَمَا مَعهَا من إفريقية بيد أَبى عصيدة مُحَمَّد وبجاية وقسنطينة من الغرب الْأَوْسَط بيد أَبى الْبَقَاء خَالِد بن أَبى زَكَرِيَّا بن أَبى إِسْحَاق فَمَاتَ أَبُو عصيدة فِي ربيع الآخر سنة ستع وَسبع مائَة وَلم يخلف ابْنا فَبَايع أهل تونس من بعده أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص فزحف أَبُو الْبَقَاء خَالِد صَاحب بجاية على أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن صَاحب تونس فَقبض عَلَيْهِ واعتقله ثمَّ قَتله بعد ذَلِك فَعرف بأبى بكر الشَّهِيد واستقل السُّلْطَان أَبُو الْبَقَاء خَالِد بِملك تونس وبجاية وَمَا مَعَهُمَا وتلقب النَّاصِر لدين الله وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن أَحْمد بن مُحَمَّد اللحياني بن عبد الْوَاحِد ابْن الشَّيْخ أَبى حَفْص بطرابلس فَبَايعهُ أَهلهَا وزحف على السُّلْطَان أبي الْبَقَاء بتونس فخاف أَبُو الْبَقَاء فَخلع نَفسه فَقبض عَلَيْهِ أَبُو يحيى واعتقله واستبدل بمملكة تونس وبجاية فِي رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع مائَة وبويع بهَا الْبيعَة الْعَامَّة ثمَّ اضْطربَ أمره فاستخلف على تونس وَخرج مِنْهَا إِلَى قابس فَبَايع أهل تونس مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي حَرْبَة ان السُّلْطَان أبي يحيى زَكَرِيَّا الْمُقدم ذكره فِي سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وَكَانَ قد استولى على بجاية المتَوَكل على الله أَبُو بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم ابْن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص فقصد تونس وملكها من السُّلْطَان مُحَمَّد أَبى حَرْبَة وَلحق السُّلْطَان أَبُو يحيى اللحيانى بِمصْر أَيَّام الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فَأحْسن نزله وبقى عِنْده حَتَّى مَاتَ وَلحق أَبُو حَرْبَة بتلمسان فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ واستقل السُّلْطَان أَبُو بكر بتونس وبجاية وأعمالهما إِلَى أَن غَلبه على تونس إِبْرَاهِيم بن ابى بكر الشَّهِيد وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَسبع مائَة ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 أَبُو بكر وانتزعها من يَده فِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتقر بِيَدِهِ ملك تونس وبجاية وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد عُثْمَان بن يغمراسن من بنى عبد الواد فَمَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَسبع مائَة وَولى بعده ابْنه أَبُو زيان بن عُثْمَان بن يغمراسن وَغلب على تلمسان يُوسُف بن عبد الْحق وَاسْتولى عَلَيْهَا وَأقر عَلَيْهَا أَبَا زيان الْمَذْكُور فبقى حَتَّى مَاتَ فِي شَوَّال سنة سبع وَسبع مائَة وَولى بعده اخوه أَبُو حمو مُوسَى بن عُثْمَان ابْن يغمراسن ثمَّ قَتله وَولى بعده ابْنه ابو تاشفين عبد الرَّحْمَن ابْن أَبى حمو ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا السُّلْطَان أَبُو الْحسن المرينى وَقَتله فِي رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة واستضافها إِلَى مملكة فاس وَولى عَلَيْهَا ابْنه أَبَا عنان فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد أَبى يَعْقُوب يُوسُف بن يَعْقُوب ابْن عبد الْحق فبقى حَتَّى طعنه خصى من بعض خدمه وَهُوَ نَائِم على فرَاشه فَمَاتَ سَابِع ذى الْقعدَة سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 سِتّ وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه أَبُو ثَابت عَامر بن أَبى يَعْقُوب يُوسُف فبقى حَتَّى مَاتَ بطنجة من اقصى الغرب فِي ثامن صفر سنة سبع وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ أَبُو الرّبيع بن أَبى يَعْقُوب يُوسُف فَسَار بسيرة آبَائِهِ فِي الْعدْل وبقى بِمَدِينَة تازا فِي سلخ جُمَادَى الآخر سنة عشر وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ أَبُو سعيد عُثْمَان ابْن أَبى يَعْقُوب يُوسُف وَملك تلمسان من الغرب الْأَوْسَط من يَد مُوسَى بن عُثْمَان بن يغمراسن سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة وبقى حَتَّى توفى فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه ولى عَهده أَبُو الْحسن على بن عُثْمَان وَسَار إِلَى تلمسان فملكها من أَبى تاشفين سُلْطَان بنى عبد الواد بهَا فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من شَرق الأندلس بيد الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر بن الْأَحْمَر فَمَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَسبع مائَة على مَا تقدم وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد المخلوع بن مُحَمَّد الْفَقِيه ثمَّ غلب عَلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو الجيوش نصر بن مُحَمَّد الْفَقِيه وَقبض عَلَيْهِ واعتقله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَاسْتولى على مَمْلَكَته فأساء السِّيرَة فِي الرّعية والجند فقبضوا عَلَيْهِ وَملك مَكَانَهُ أَبُو الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن أَبى سعيد فرج بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن نصر وبقى إِلَى أَن قَتله بعض أَقَاربه فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد بن أَبى الْوَلِيد إِسْمَاعِيل فبقى حَتَّى قتل غدرا بغرناطة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ ابو الْحجَّاج يُوسُف بن أَبى الْوَلِيد إِسْمَاعِيل وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستكفى الرَّابِع من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية الْحَاكِم بِأَمْر الله وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان الْمُقدم ذكره ولقبه مَنْقُول إِلَيْهِ من لقب جده الْحَاكِم بأمرالله أَبى الْعَبَّاس أَحْمد ثانى خلفائهم بِمصْر وَقد تقدم أَن لقب الأول مَنْقُول من لقب الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبى على مَنْصُور الفاطمى ثَالِث خلفاء الفاطميين بالديار المصرية وَيُقَال لأبى الْعَبَّاس هَذَا الْحَاكِم الثَّانِي ولى الْخلَافَة بالعهد من أَبِيه المستكفى على مَا تقدم أَنه عهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 إِلَيْهِ بهَا بِمَدِينَة قوص وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك أَرْبَعِينَ شَاهدا ودعى لَهُ على المنابر بعد عقد خِلَافَته فِي الْعشْر الْأَخير من شَوَّال سنة أَرْبَعِينَ وَسبع مائَة وبقى حَتَّى خلعه النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي الْعشْرين من ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فَكَانَت خِلَافَته نَحْو سنة وَاحِدَة وشهرين وَلم أَقف على ذكر عقب لَهُ الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته من أعظمها وَقعا فِي النُّفُوس موت السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب الديار المصرية فَإِنَّهُ كَانَ ملكا عَظِيما مهيبا عَارِفًا بتدبير الْملك ذَا معرفَة وافرة وكرم زايد فتح لفتوحات الجليلة وعمرالعمائر السّنيَّة مِنْهَا جَامع قلعة الْجَبَل الْمَوْجُود بهَا الْآن جدده فِي سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة وَعمر الْقُصُور الْعَظِيمَة بِمَنْزِلَة سرياقوس فِي سنة خمس وَعشْرين وَسبع مائَة وَبَالغ فِي شِرَاء الْخَيل حَتَّى اشْترى مِنْهَا دفْعَة وَاحِدَة بمائتى ألف دِرْهَم وَبَالغ فِي شِرَاء المماليك وأثمانهم حَتَّى اشْترى كل مَمْلُوك بِمِائَة ألف دِرْهَم إِلَى مَا دون ذَلِك وَخلف خَمْسَة عشر ولدا ذكرا تسلطن مِنْهُم ثَمَانِيَة بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت مصر فِي أَيَّامه بيد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سلطنته الثَّالِثَة وَتوفى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بن النَّاصِر مُحَمَّد بعد موت أَبِيه وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت مَكَّة بيد ثقبة بن رميثة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم هَذَا وَكَانَت الْمَدِينَة بيد طفيل بن مَنْصُور بن جماز فبقى إِلَى مابعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ الْيمن بيد الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين عَليّ فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا بيد الشَّيْخ حسن الْكَبِير فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان بيد بنى جنكزخان من غير بنى هولاكو وَكَانَت مملكة الشمَال بيد أزبك خَان فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد إفريقية وبجاية بيد السُّلْطَان أَبى بكر فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت تلمسان بيد أَبى عنان بن السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد السُّلْطَان أَبى الْحسن على بن عُثْمَان فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَت غرناطة من الأندلس بيد أَبى الْحجَّاج يُوسُف بن أَبى الْوَلِيد من بنى الْأَحْمَر فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الْحَاكِم الْخَامِس من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية الواثق بِاللَّه وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الْحَاكِم بِأَمْر الله ابى الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمُقدم ذكره وَهَذَا اللقب مَنْقُول عَن الواثق بِاللَّه أَبى جَعْفَر هَارُون تَاسِع خلفاء بنى الْعَبَّاس بالعراق بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلع أَخِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 الْحَاكِم فِي الْعشْرين من ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَقَامَ ببيعته الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب الديار المصرية وَلم يزل يخْطب لَهُ على المنابر وراتب الْخلَافَة يحمل إِلَيْهِ إِلَى الْعشْرين من ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ثمَّ أُعِيدَت الْخطْبَة للْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن المستكفى سُلَيْمَان الْمُقدم ذكره وفوض إِلَيْهِ نظر المشهد النفيسى فاستقر بيد الْخُلَفَاء إِلَى الْآن وبقى حَتَّى توفى فِي رَابِع شعْبَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته قد تقدم ان المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان كَانَ قد عهد إِلَى ابْنه الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بِأَرْبَعِينَ شَاهدا بِمَدِينَة قوص وَثَبت ذَلِك على الْحَاكِم بهَا فَلَمَّا مَاتَ المستكفى قصد الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون سُلْطَان الديار المصرية يَوْمئِذٍ أَن يخْطب بمملكة الديار المصرية للواثق إِبْرَاهِيم الْمُقدم ذكره فَلم يتم لَهُ ذَلِك لما تقدم من الْعَهْد إِلَى لحَاكم الْمَذْكُور فبقى الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 توفى الْملك النَّاصِر فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فأعيد الْحَاكِم الْمَذْكُور إِلَى خِلَافَته وَفِي أَيَّامه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة كَانَ الْقَبْض على الْأَمِير قوصون أتابك العساكر بعد أَن كَانَ عنان السلطنة بِيَدِهِ فِي أَيَّام الْملك الْأَشْرَف كجك بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الْمُقدم ذكره لصغره ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت مصر وَالشَّام بيد الْملك الْمَنْصُور أَبى بكر بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فبقى حَتَّى خلع فِي تَاسِع عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف كجك بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يَوْم خلع أَخِيه الْمَنْصُور وخلع فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك النَّاصِر أَحْمد بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بعد أَن أحضر من الكرك وَاسْتمرّ فِي السلطنة حَتَّى خلع نَفسه فِي أَوَائِل الْمحرم سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن النَّاصِر مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 قلاوون فِي الْعشْرين من الْمحرم الْمَذْكُور وبقى حَتَّى توفى فِي رَابِع ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الْكَامِل شعْبَان بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يَوْم موت أَخِيه الصَّالح إِسْمَاعِيل وبقى حَتَّى خلع فِي ثمانى جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده اخوه الْملك المظفر حاجى بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يَوْم خلع أَخِيه الْكَامِل شعْبَان فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعودة الْحَاكِم بعده وَكَانَت مَكَّة بيد ثقبة بن رميثة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وَالْحَاكِم بعده وَكَانَت الْمَدِينَة بيد طفيل بن مَنْصُور فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعودة الْحَاكِم بعده وَكَانَت الْيمن بيد الْملك الْمُجَاهِد سيف الدّين عَليّ بن الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد فِي سلطنته الثَّانِيَة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعودة الْحَاكِم بعده وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا من مملكة أيران بيد الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 حسن الْكَبِير فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعود الْحَاكِم بعده وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعَ ذَلِك بيد جفطاى من بنى جنكزخان وَكَانَت مملكة الشمَال بيد أزبك فتوفى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه جانى بك بن أزبك فقصد توريز وملكها ثمَّ كرّ رَاجعا فَمَاتَ فِي طَريقَة لثلاث سِنِين من ملكه وأقيم ابْنه بردى بك بن جانى بك مقَامه فِي الْملك وَملك بعده ابْنه طقطمش وَهُوَ صَغِير فَخرج عَلَيْهِ ماماى أحد أُمَرَاء دولته بالقرم وَنصب من ولد أزبك صَغِيرا اسْمه عبد الله بن أزبك وزحف إِلَى مَدِينَة السراى قَاعِدَة ملكهم فهرب مِنْهَا طقطمش وَاسْتولى ماماى على السراي وأجلس عبد الله بن أزبك على كرسى الْملك بهَا فنازعه أَمِير من أُمَرَاء الدولة وَنصب من بنى القان آخر اسْمه طقتمر فغلبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 ماماى وقتلهما وَاسْتولى على المملكة وبقى فِيمَا اظن إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعود الْحَاكِم وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد أفريقية وبجاية من الغرب الْأَوْسَط بيد السُّلْطَان المتَوَكل على الله أَبى يحيى أَبى بكر إِبْرَاهِيم فتوفى فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ومللك بعده ابْنه أَبُو حَفْص بن أَبى بكر بِعَهْد من أَبِيه فبقى حَتَّى قَصده السُّلْطَان أَبُو الْحسن المرينى فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَملك بجاية وقسنطينة وَقتل أبوحفص بن أَبى بكر فِي حَرْبَة بتونس واستضافها إِلَى مَمْلَكَته بالغرب الآقصى وكمل لَهُ بذلك ملك جَمِيع الْمغرب واستخلف فِي المملكة ابْنه أَبَا الْفضل بن أَبى الْحسن وَسَار إِلَى الْمغرب فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعود الْحَاكِم وَكَانَت تلمسان بيد السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى ونائبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 عَلَيْهَا ابْنه أَبُو عنان بن أَبى الْحسن فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وَعقد خلَافَة الْحَاكِم وَكَانَ على الغرب الْأَقْصَى السُّلْطَان أَبُو الْحسن المرينى فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الوائق وعود الْحَاكِم وَكَانَت غرناطة من الأندلس بيد يُوسُف بن أَبى الْوَلِيد من بنى الْأَحْمَر وَفِي خلال أَيَّامه تغلب طاغية النَّصَارَى على الجزيرة الخضراء وانتزعها من يَد الْمُسلمين صلحا فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بعد حروب عَظِيمَة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعود الْحَاكِم السَّادِس من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية المعتضد بِاللَّه وَهُوَ أَبُو الْفَتْح أَبُو بكر بن المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان الْمُقدم ذكره وَهَذَا اللقب مَنْقُول إِلَيْهِ عَن المعتضد بِاللَّه أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُوفق طَلْحَة سَابِع عشر خلفائهم بالعراق وبويع لَهُ بالخلافة بعد موت اخيه الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن المستكفى بِاللَّه أَبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 الرّبيع سُلَيْمَان فِي سَابِع عشر شعْبَان المكرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وبقى حَتَّى توفى فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فَكَانَت خِلَافَته أَربع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وأياما وَكَانَ لَهُ من الْأَوْلَاد المتَوَكل على الله مُحَمَّد الآتى ذكره الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَانَت فرقة النّيل الَّتِى بَين مصر وَالرَّوْضَة قد نشفت وَصَارَ النّيل بجملته بَين الرَّوْضَة والجيزة فأقيم الْأَمِير منجك لإِصْلَاح ذَلِك حَتَّى تعود الْفرْقَة الَّتِي بَين مصر وَالرَّوْضَة على عَادَتهَا فِي اسْتِمْرَار المَاء فِيهَا شتاء وصيفا فَاشْترى مراكب وملأها بِالْحجرِ والطين وغرقها فِي بَحر الجيزة فَلم يظْهر لذَلِك أثر وبقى الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ ويأبى الله الا مَا أَرَادَ وَفِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَانَ الطَّاعُون الْعَظِيم الَّذِي عَم أقطار الأَرْض وَخرب أَكثر الْبِلَاد وخلت فِيهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 النَّاس يُقَال إِنَّه كَانَ يخرج فِيهِ فِي كل يَوْم من الْقَاهِرَة أَكثر من عشْرين ألف جَنَازَة وَلم يسمع بِمثل ذَلِك فِيمَا تقدم وَأقَام دائرا فِي الْبِلَاد مُدَّة سنتَيْن وَعم جَمِيع الأقطار الا الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ لم يدخلهَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخبر أَنه لَا يدخلهَا طاعون وَعدم بِسَبَبِهِ أَكثر البضائع لقلَّة الصناع والتجار وَبلغ فِيهِ إِذْ ذَاك الراوية المَاء بِالْقَاهِرَةِ عشرَة دَرَاهِم وَأُجْرَة طحن الْقَمْح كل اردب خَمْسَة عشر درهما وغلا الشّعير مَعَ الْحجَّاج حَتَّى بلغ الشّعير كل ويبة مَا يزِيد على مائَة دِرْهَم وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة قبض السُّلْطَان الْملك الصَّالح صَالح على الصاحب علم الدّين بن زنبور وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَزِير وناظر الجيوش وناظر الْخَواص وَضرب وصودر وَأخذ مِنْهُ أَمْوَال جمة يُقَال إِنَّه وجد لَهُ من ثِيَاب بدنه الَّتِي يلبسهَا الفان وسِتمِائَة قِطْعَة مِنْهَا مُفْرد الْفَا قِطْعَة وبوجهين سِتّمائَة قِطْعَة وَوجد لَهُ حنينيات خَمْسَة آلَاف قِطْعَة وأواني ذهب وَفِضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 سِتُّونَ قِنْطَارًا وجوهر قنطاران وَأَرْبَعُونَ رطلا وَحب لُؤْلُؤ أردبان بِالْكَيْلِ الْمصْرِيّ وَذهب مسكوك سِتّمائَة الف دِينَار وَفِضة نقش ثَلَاثُونَ أردبان وحوائص ذهب سِتَّة آلَاف حياصة وكلوتات زركش سِتَّة آلَاف كلوتة وشاشات وتخافيف ثَلَاثمِائَة قِطْعَة وَبسط خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألف قِطْعَة وأنطاع ألف نطع وخيول ودواب عشرُون ألف رَأس ورقيق سَبْعمِائة رَأس وَعشرَة رُؤُوس ومماليك ترك وَغَيرهم خَمْسُونَ مَمْلُوكا وخدام مائَة خَادِم وَعبيد مائَة عبد ونحاس أَرْبَعُونَ ألف قِطْعَة وأملاك وعقار وضياع سِتَّة آلَاف مَكَان قومت بثلاثمائة ألف دِينَار ومعاصر قصب خمس وَعِشْرُونَ معصرة واقطاعات حَلقَة سَبْعمِائة اقطاع وسروج وعدة خيل قومت بثمان مائَة ألف دِرْهَم ومتاجر وبضائع ومخازن قومت بأربعمائة ألف دِينَار ومراكب سِتّمائَة مركب وبساتين وجنينات مِائَتَا مَوضِع وسواقي ألف وَأَرْبَعمِائَة ساقية خَارِجا عَن الأبقار والأغنام والغلال والأواني الصيني وَغير ذَلِك وَفِي سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة خرجت المراسم السُّلْطَانِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 عَن السُّلْطَان الْملك الصَّالح بِأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يتحدثون فِي ديوَان من دواوين السُّلْطَان وَلَا دواوين الْأُمَرَاء وَأَن لَا يكرموا فِي الْمجَالِس وَأَن تكون عمائمهم عشرَة أَذْرع بِغَيْر زِيَادَة وَأَن يلبسوا الفراجي الزرق وَيكون ركوبهم عرضا وَأَن يكون قيمَة كل حمَار من مراكبهم دون مائَة دِرْهَم وَإِذا مر أحد مِنْهُم بِمُسلم جَالس نزل وَأظْهر المسكنة وَأَن لَا يدْخل النَّصَارَى الْحمام الا بصليب وطوق فِي عُنُقه وَأَن لَا يدْخل نِسَاؤُهُم الحمامات مَعَ المسلمات وَأَن يكون خفاها لونين وَأَن يكون إِزَار النَّصْرَانِيَّة أَزْرَق وَإِزَار الْيَهُودِيَّة أصفر وَكتب بذلك الى سَائِر الممالك ليجروهم على ذَلِك وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة كملت عمَارَة الخانقاه السيفية شيخو بالصليبة وفيهَا شرع السُّلْطَان حسن فِي عمَارَة مدرسة تَحت القلعة وَكَانَ مَكَانهَا قصرا للأمير يلبغا البجياوي فهدمه وعمرها مَكَانَهُ وفيهَا هبت ريح شَدِيدَة من الْمغرب اصفر بهَا الجو ثمَّ احمر ثمَّ اصفر ثمَّ احمر ثمَّ اسود رمت الجدران وَكسرت الْأَشْجَار وَبقيت من أول النَّهَار الى بعد منتصف اللَّيْل ثمَّ اعقبها مطر فسكنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَفِي سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة ضربت الْفُلُوس الجدد فِي سلطنة النَّاصِر حسن بِإِشَارَة الْأَمِير صرغتمش أتابك العساكر وَكَانَت من أحسن الْفُلُوس وضعا فَإِن زنة كل فلس مِثْقَال وَهُوَ قِيرَاط من دِرْهَم وَسبب ذَلِك أَن النَّاس كَانُوا يعبثون فِي الْمُعَامَلَة بالفلوس حَتَّى صَارُوا يقصون كل فلس أَربع قطع ويحسبونه بِأَرْبَع فلوس وفيهَا فتح الْأَمِير بيبرس الْخَوَارِزْمِيّ نَائِب حلب أدنة وطرطوس والمصيصة وعدة قلاع مِمَّا كَانَ بأيدي الأرمن ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت مصر وَالشَّام بيد المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاوون وخلع فِي ثامن عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة ثمَّ قتل من يَوْمه وَملك بعده أَخُوهُ الْملك النَّاصِر حسن بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهِي سلطنته الأولى فِي تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وخلع فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الصَّالح صَالح ابْن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يَوْم خلع أَخِيه النَّاصِر حسن الْمَذْكُور وخلع ثَانِي شَوَّال سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك النَّاصِر حسن الْمُقدم ذكره يَوْم خلع أَخِيه الْملك الصَّالح صَالح وَهِي سلطنته الثَّانِيَة وبقى حَتَّى خلع وَقتل فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَبنى مدرسته الْعُظْمَى بِجَانِب سوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل وَهُوَ آخر من ملك من أَوْلَاد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون لصلبه وَملك بعده ابْن أَخِيه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون يَوْم خلع عَمه النَّاصِر حسن وبقى الى مَا بعد خلَافَة المعتضد وَكَانَت مَكَّة بيد ثقبة بن رميثة ثمَّ اجْتمع ثقبة وَأَخُوهُ عجلَان بِمصْر سنة سِتّ وَخمسين وَسبع مائَة فولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 السُّلْطَان عجلَان وفر ثقبة الى الْحجاز فَأَقَامَ بِمَكَّة منازعا لِأَخِيهِ عجلَان من غير ولَايَة وعجلان مستبد بولايتها جَار على سنَن الْعدْل والتجافي عَن أَمْوَال الرّعية والتعرض للمجاورين وبقى الى مابعد خلَافَة المعتضد وَكَانَت الْمَدِينَة بيد طفيل بن مَنْصُور بن جماز بن بني الْحُسَيْن فبقى الى سنة احدى وَخمسين وَسبع مائَة فَوَقع النهب فِي الركب بِالْمَدِينَةِ فِي الْمَوْسِم فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير طاز أَمِير ركب الْحَج وَولى مَكَانَهُ رجلا من عقب جماز اسْمه سيف ثمَّ ولى بعده فضل من عقب جماز ايضا ثمَّ ولى بعد فضل مَانع من عقب جماز ثمَّ ولى جماز ابْن مَنْصُور بن جماز ثمَّ دس عَلَيْهِ النَّاصِر حسن صَاحب الديار المصرية من الفداوية من قَتله وَاتفقَ امراء الركب على تَوْلِيَة ابْنه هبة الى حِين يرد عَلَيْهِم من السُّلْطَان مَا يعتمدونه ثمَّ ورد أَمر السُّلْطَان بتولية مَانع فولى ثمَّ ولى بعده عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز وَأَظنهُ بقى الى مَا بعد خلَافَة المعتضد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وَكَانَ الْيمن بيد الْملك الْمُجَاهِد على بن المويد هزبر الدّين دَاوُد فِي سلطنته الثانيه فَبَقيَ حَتَّى حج سنه احدى وَخمسين وَسبع مَائه فِي ايام النَّاصِر حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون صَاحب مصر وَالشَّام وَكَانَ الامير طاز اُحْدُ اكابر امراء الديار المصريه قد حج فِي تِلْكَ السنه واشيع بمكه ان الْمُجَاهِد عليا يكسو الكعبه فَوَقَعت الفتنه بَين الْعَسْكَر الْمصْرِيّ وَالْملك الْمُجَاهِد فَانْهَزَمَ الْمُجَاهِد 139 وَعَسْكَره واسر هُوَ وَحمل الى مصر فاعتقل بهَا ثمَّ اطلق سنه ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة فِي دولة الْملك الصَّالح صَالح وَوجه مَعَه الْأَمِير قشتمر المنصوري ليوصله الى بِلَاده فَلَمَّا بلغ بِهِ الينبع ارتاب مِنْهُ فِي الْهَرَب فَرجع بِهِ الى مصر فحبس فِي الكرك من بِلَاد الشَّام ثمَّ اطلق وأعيد الى ملكه وَأقَام على مداراة صَاحب مصر وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا من مملكة إيران بيد الشَّيْخ حسن الْكَبِير فَبَقيَ الى أَن مَاتَ فِي بَغْدَاد سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وَملك بعده ابْنه أويس بن الشَّيْخ حسن الْكَبِير فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المعتضد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعَ ذَلِك بيد بني جنكزخان وَكَانَت مملكة الشمَال من بِلَاد التّرْك بيد ماماى المستولي عَلَيْهَا بعد قتل طقتمر فزحف عَلَيْهِ صليجى جركس أحد المتغلبين على بعض أَعمال السراى وملكها من يَده وَصَارَ ماماى الى القرم فغلب عَلَيْهَا ثمَّ زحف أليك خَان الى السراى وملكها من يَد صلجى جركس فبقى أَيَّامًا ثمَّ هلك وَملك بعده ابْنه قاني باي خَان وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد إفريقية وبجاية وقسنطينة من الغرب الْأَوْسَط بيد ابي الْفضل بن السُّلْطَان ابي الْحسن المريني صَاحب الغرب الْأَقْصَى فَخرج عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن السُّلْطَان ابي بكر صَاحب بجاية وقصده بتونس فَخرج مِنْهَا أَبُو الْفضل بن ابي الْحسن فَارًّا الى ابيه بالغرب الْأَقْصَى ودخلها أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن السُّلْطَان ابي بكر وملكها سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَاسْتولى على جَمِيع المملكة وبقى حَتَّى قبض عَلَيْهِ سنة إِحْدَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وَخمسين وَسَبْعمائة وبويع بعده أخوة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن ابي بكر وَهُوَ غُلَام قد ناهز الْحلم وخنقه بعد لَيْلَة وَاسْتولى على تونس وبجاية وقسنطينة وبلادها فَبَقيت فِي يَده حَتَّى غَلبه أَبُو عنان بن السُّلْطَان ابي الْحسن المريني على بجاية وقسنطينة سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ انتزع مِنْهُ السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن مُحَمَّد بن ابي بكر قسنطينة فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا ابو عنان بن السُّلْطَان ابي الْحسن المريني وَاسْتولى عَلَيْهَا ثَانِيًا ثمَّ رَجَعَ الى الغرب الْأَقْصَى سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة فَسَار ابو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم صَاحب تونس إِلَيْهَا فملكها من يَد عَامل ابي عنان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ قوى أَمر السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن ابي بكر فَعَاد الى قسنطينة وملكها فِي السّنة الْمَذْكُورَة وبقى الى مَا بعد خلَافَة المعتضد وَكَانَت تلمسان بيد السُّلْطَان ابي الْحسن المريني ونائبه فِيهَا ابْنه أَبُو عنان بن أبي الْحسن ثمَّ ارتحل عَنْهَا أَبُو عنان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 الى الْمغرب عِنْد إِشَاعَة موت ابيه فِي حَرْب الْعَرَب واستخلف عَلَيْهَا عُثْمَان بن حراز فِي ربيع سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فبقى حَتَّى سَار اليه أَبُو سعيد فَدخل تلمسان وملكها من يَده فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ قصد أَبُو عنان بن السُّلْطَان ابى الْحسن تلمسان فملكها سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة وَقبض على السُّلْطَان أَبى سعيد وَملك تلمسان من يَده واستخلف بعض أَوْلَاده عَلَيْهَا وَرجع إِلَى الغرب الْأَقْصَى فَعمد أَبُو حمو بن بنى عبد الواد إِلَى تلمسان فملكها فِي ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَخرج ابْن السُّلْطَان أَبى عنان فلحق بالمغرب ثمَّ سَار السُّلْطَان أَبُو سَالم بن أَبى عنان إِلَى تلمسان فملكها فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المعتضد وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى فتوفى فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَملك بعده ابْنه ولى عَهده أَبُو عنان بن أَبى الْحسن فتوفى فى ذى الْحجَّة سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد عهد إِلَى ابْنة أَبى زيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 فَعدل عَنهُ إِلَى ابْنه السعيد بن أَبى عنان ثمَّ خرج عَلَيْهِ عَمه أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم بن أَبى الْحسن فغلبه على ملكه وَدخل مَدِينَة فاس فِي منتصف شعْبَان سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة فبقى حَتَّى أقيم مَكَانَهُ أَبُو عمر تاشفين الْمَعْرُوف بالموسوس بن السُّلْطَان أَبى الْحسن وَقبض على أَبى سَالم وَقَتله فبقى حَتَّى خلع وَولى مَكَانَهُ أَبُو زيان مُحَمَّد بن الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن السُّلْطَان أَبى الْحسن وَكَانَ غَائِبا بالأندلس فَقدم مَدِينَة فاس ودخلها فِي منتصف شهر صفر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المعتضد وَكَانَ مَا بقى من الأندلس بيد الْمُسلمين وَهُوَ غرناطة وَمَا مَعهَا بيد يُوسُف بن أَبى الْوَلِيد من بنى الْأَحْمَر فتوفى يَوْم الْفطر سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَولى مَكَانَهُ ابْنه مُحَمَّد بن يُوسُف فَأَقَامَ خمس سِنِين إِلَى ان خلع وَولى مَكَانَهُ أَخُوهُ إِسْمَاعِيل بن يُوسُف فِي لَيْلَة سبع وَعشْرين من رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة وبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المعتضد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 السَّابِع من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية المتَوَكل على الله وَهُوَ الإِمَام الْأَعْظَم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره وَهَذَا اللقب مَنْقُول إِلَيْهِ عَن المتَوَكل على الله أَبى الْفضل جَعْفَر عَاشر خلفائهم بالعراق كَانَ رَقِيق السمرَة اللِّحْيَة معتدل الْقَامَة حسن الشَّك عَظِيم الهيبة وافر وافر الْعقل كثير التَّوَاضُع ولى الْخلَافَة بِعَهْد من أَبِيه المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره ثمَّ بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد وَفَاته يَوْم الْخَمِيس ثانى عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَهِي ولَايَته الأولى وبقى حَتَّى خلعه الْأَمِير أيبك أتابك العساكر فِي سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة فَكَانَت خِلَافَته هَذِه خمس عشرَة سنة وأشهرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مَاتَ حُسَيْن بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ وَالِد السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن الآتى ذكره وَكَانَ احسن أَوْلَاد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر موتا وعقبها كَانَت سلطنة ابْنه الْأَشْرَف شعْبَان فِي السّنة الْمَذْكُورَة وفيهَا برزت الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة لمنكلى بغا الشمسى نَائِب الشَّام بِفَتْح بَاب دمشق الْمَعْرُوف بِبَاب كيسَان فَفتح وَكَانَ لَهُ من حِين سَده السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد مَا يزِيد على مائتى سنة مسدودا وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وصل صَاحب قبرس من جزائر الفرنج إِلَى الأسكندرية وَمَعَهُ اسطول عَظِيم نَحْو سبعين مركبا حربية فِي عَسْكَر عَظِيم وهى يَوْمئِذٍ ولَايَة قبل أَن تَسْتَقِر نِيَابَة ففتحوها وَقتلُوا مِنْهَا خلقا كثيرا وأسروا النِّسَاء وَالصبيان وأحرق أهل الْبَلَد بَاب رشيد من أَبْوَابهَا وَخَرجُوا مِنْهَا فارين واتصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الْخَبَر بالسلطان الْملك الْأَشْرَف والأمير يلبغا أتابك عسكره فَأَسْرعُوا الْمسير إِلَيْهَا فَبلغ خبر الْعَسْكَر الفرنج فَفرُّوا هاربين إِلَى المراكب بِمَا أَخَذُوهُ من الْأَمْوَال الْعَظِيمَة والأسرى وَسَارُوا إِلَى بِلَادهمْ فعمرت الْبَلَد وأسوارها وَرجع أَهلهَا إِلَيْهَا وَعَاد السُّلْطَان للديار المصرية إِلَى القلعة وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وصلت رسل الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس صَاحب الْيمن إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بالديار المصرية بهدية جليلة مِنْهَا فيل وَفرس بِغَيْر ذكر وَلَا أنثيين من أصل الْخلقَة وَجُمْلَة من القماش والمسك والعنبر وَالْعود والصندل واللبان والبهار وحجارة الموميا والعقيق ورماح القنا وَغير ذَلِك فَقبل السُّلْطَان هديتهم وأعادهم إِلَى مرسلهم وفيهَا شرع الْأَمِير يلبغا فِي عمَارَة وأسطول عَظِيم مائَة مركب حربية مَا بَين طرائر وأغربة لقصد غَزْو قبرس فِي نَظِير طروقة الاسكندرية وفرغت عمارتة جَمِيعهَا فِي دون سنة وَذَلِكَ مَا لم يصل إِلَيْهِ همة ملك وَأدْركَ الفرنج من ذَلِك رعب عَظِيم حَتَّى أَن الصَّغِير كَانَ يبكى فتخوفة أمه بالأمير يلبغا وَرُبمَا جفلت فرس أحدهم من الْحَوْض وهى تشرب فَيَقُول لَهَا الْأَمِير يلبغا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الْحَوْض وفيهَا خرج السُّلْطَان الْأَشْرَف والأمير يلبغا إِلَى الْبحيرَة للصَّيْد فكبس مماليك يلبغا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الطرانة فِي اللَّيْل ففر الْأَمِير يلبغا وعدى بر إِلَى الْقَاهِرَة وَتَبعهُ السُّلْطَان بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَنزل ببولاق التكرورى مُقَابل الْقَاهِرَة وتراموا بالنفظ من البرين فاستدعى الْأَمِير يلبغا انوك بن حُسَيْن اخى السُّلْطَان الْأَشْرَف وسلطنة ولقبه الْملك الْمَنْصُور وَهُوَ الْمَعْرُوف بسُلْطَان الجزيرة فَعدى السُّلْطَان الْأَشْرَف من الْوراق إِلَى جَزِيرَة الْفِيل فَتفرق أَصْحَاب يلبغا عَنهُ وفر بِمن بقى مَعَه فَذهب إِلَى بَيته بالكبش ثمَّ سلمهم نَفسه فَضربُوا عُنُقه وَدفن بتربة قرابغا خَارج بَاب البرقية وَاسْتقر فِي الأتابكيه مَكَانَهُ الْأَمِير أسندمر الناصرى فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وفى سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة وَقعت وقْعَة بَين السُّلْطَان والأمير أسندمر فَوَقَعت الكسرة على أسندمر فَقبض عَلَيْهِ وَقتل من كَانَ مَعَه من المماليك الجلب وَكَانَ أَكثر من قَتلهمْ الْعَوام بتسلطهم بِالْفَسَادِ وهجوم الحمامات على النِّسَاء وَأَخذهم النِّسَاء من الطرقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ثمَّ عَفا السُّلْطَان عَن الْأَمِير أسندمر وأقلقه ثمَّ قبض عَلَيْهِ مَعَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء فِي هَذِه السّنة فاعتقلوا بالإسكندرية وَفِي سنة سبعين حجت وَالِدَة السُّلْطَان الْأَشْرَف وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة جرى كَلَام فِي حق الْأَشْرَاف العلويين بِسَبَب أَن بعض الْأُمَرَاء وَقع فِي حق أحدهم وَزعم أَنه لم يعرف كَونه شريفا فَأمر السُّلْطَان الْأَشْرَاف بالديار المصرية أَن يَجْعَل كل وَاحِد مِنْهُم فِي عمَامَته عِصَابَة خضراء من صوف أَو حَرِير أَو غير ذَلِك مستديرة على بعض لفات الْعِمَامَة ليمتازوا عَن غَيرهم وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة توقف النّيل عَن الْوَفَاء وَكسر الخليج مَعَ نقص أصبعين عَن السِّتَّة عشر ذِرَاعا وَخرج النَّاس إِلَى الصَّحرَاء خَارج بَاب النَّصْر واستسقوا وَفِيهِمْ الْأُمَرَاء والقضاة وَالْفُقَهَاء والأعيان والضعفاء والأطفال وَنقص النّيل بعد ذَلِك فَلم يرو من بِلَاد مصر الا الْقَلِيل وَبلغ سعر الْقَمْح اربعين درهما كل اردب ثمَّ بلغ سبعين وَفِي سنة ارْبَعْ وَسبعين وَسَبْعمائة توفيت خوند وَالِدَة السُّلْطَان الْأَشْرَف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وَهِي متزوجة بالأمير الجاي اليوسفي اتابك العساكر فنظم بعض شعراء الْعَصْر فِي ذَلِك فِي ثَانِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة ... كَانَت صَبِيحَة موت أم الْأَشْرَف فَالله يرحمها ويعظم اجرها ... وَيكون فِي عاشور موت اليوسفي ... فَكَانَ الْأَمر كَمَا كَانَ فَإِنَّهُ فِي أول سنة خمس وَسَبْعمائة تغير السُّلْطَان على الْأَمِير الجاي ففر هَارِبا الى سَاحل قليوب فَألْقى نَفسه بفرسه فِي النّيل ليعدى الى بر الجيزة فغرق وَكَانَ فِي يَوْم عَاشُورَاء كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ السَّابِقين وَكَانَ من جملَة أُمَرَاء الْأَشْرَف ارغون شاه الخاصكي من كبار أمرائه فنظم بعض الشُّعَرَاء فِيهِ ... الجاي ذَاك الرخ لما طَغى ... فِي دسته مَال لنقل الوشاه تراجعت عَن صفة خيله ... وكل فرز إِن مضى مَا اختشاه وَنَفسه جال بهَا سَاعَة ... وَلم يضْربهُ أرغون شاه ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَكَانَ أرغون شاه أحد أُمَرَاء الْأَشْرَف الخاصكية ونظم آخر ... الجاى قَالَ اعذروا فَإِنِّي ... قهرت بالأشرف الْكَرم حسبت كل الْحساب إِلَّا ... ظُهُور شعْبَان فِي الْحرم ... وَفِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة اشْتَدَّ الغلاء بالديار المصرية حَتَّى بيع الْقَمْح كل اردب بِمِائَة وَعشْرين درهما ثمَّ تزايد حَتَّى بلغ مائَة وَسِتِّينَ وَالشعِير بِثَمَانِينَ درهما كل اردب وَالْخبْز كل رطلين بدرهم وَلحم الضَّأْن كل رطلين بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف وَلحم الْبَقر بِدُونِ ذَلِك وَالرِّوَايَة المَاء خَمْسَة دَرَاهِم وَبيع كل فروج بِخَمْسَة واربعين درهما وكل سفرجلة بِخَمْسِينَ درهما وكل رمانة لفان بِعشْرَة دَرَاهِم وكل رمانة حلوة بِسِتَّة عشر درهما وَمَات اكثر الدَّوَابّ من قلَّة الْعلف وغلت البضائع لقلَّة الظّهْر وَأكل النَّاس الْميتَة وجاعت الْكلاب حَتَّى أكلت الْمَوْتَى على الطرقات وتنبش الْقُبُور وَتخرج الْمَوْتَى فتاكلهم وَصَارَ النَّاس فِي بلَاء عَظِيم وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة فتح الْأَمِير عشقتمر نَائِب حلب مَدِينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 سيس قَاعِدَة ملك الأرمن وانتزعها من ايدي الأرمن وَهُوَ آخر الْفتُوح الإسلامية فِيمَا أدركناه وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة أبطل السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بِوَاسِطَة شَيخنَا الشَّيْخ سراج الدّين البلقينى القراريط وهى مكوس كَانَت تُؤْخَذ على بيع الْعقار وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة تجهز السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف إِلَى الْحجاز فَخرج عَلَيْهِ مماليكه بِالْعقبَةِ ففر إِلَى الْقَاهِرَة فَقبض عَلَيْهِ وَقتل كَمَا سيأتى بولايات الْأَمْصَار ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته كَانَت مصر وَالشَّام بيد الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر حاجى فبقى حَتَّى خلع فِي خَامِس عشر شعْبَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسبع مائَة وَملك بعده ابْن عَمه الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَهُوَ طِفْل وبقى حَتَّى خرج لِلْحَجِّ سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة فَخرج عَلَيْهِ مماليكه بِالْعقبَةِ ففر مِنْهُم إِلَى مصر واختبا ثمَّ وَقع الظفر بِهِ وَقتل فِي ثَالِث ذى الْقعدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 سنة ثَمَان وَسبعين وَسبع وَمِائَة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور على يَوْم خلع أَبِيه وَقَامَ بتدبير دولته الْأَمِير أيبك أتابك العساكر فَخلع أيبك المتَوَكل واعتقله ببرج القلعة وبقى الْمَنْصُور على إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَت مَكَّة بيد عجلَان بن رميثة فبقى بهَا حَتَّى توفى سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَولى بعده ابْنه أَحْمد وَكَانَ قد فوض إِلَيْهِ الْأَمر فِي حَيَاته وقاسمه أمره فَقَامَ أَحْمد بامر مَكَّة بعد أَبِيه أحسن قيام جَارِيا على سنَن أَبِيه فِي الْعدْل وَحسن السِّيرَة فبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَت الْمَدِينَة بيد عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز فَأَقَامَ سِنِين ثمَّ عزل وَولى مَكَانَهُ هبة بن جماز ثمَّ عزل وأعيد عَطِيَّة ثمَّ توفى عطيه وَهبة وَولى جماز ابْن هبة وبقى فِيمَا أَظن إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَت الْيمن بيد الْمُجَاهِد على بن هزبر الدّين دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 من بنى رَسُول فتوفى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَملك بعده ابْنه الْملك الْأَفْضَل عَبَّاس فبقى حَتَّى مَاتَ سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَملك بعده ابْنه الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المتَوَكل وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا من مملكة إيران بيد الشَّيْخ أويس بن الشَّيْخ حسن الْكَبِير فبقى حَتَّى مَاتَ سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَملك بعده بَغْدَاد وتوريز ابْنه حُسَيْن بن أويس وفى خلال ذَلِك استولى على توريز شُجَاع بن المظفر اليزدى وَلحق حُسَيْن بن أويس بأَخيه الشَّيْخ على بِبَغْدَاد ثمَّ انتزعها مِنْهُ حُسَيْن بن أويس واستضافها إِلَى بَغْدَاد ثمَّ انتزع على بن أويس بَغْدَاد من أَخِيه حُسَيْن وَاسْتقر حُسَيْن بتوريز وَالشَّيْخ على بِبَغْدَاد وَلما رَجَعَ حُسَيْن إِلَى توريز استوحش مِنْهُ اخوه أَحْمد بن أويس وَلحق بأردبيل فطرق أَحْمد توريز فملكها واختفى بهَا أَخُوهُ حُسَيْن أَيَّامًا ثمَّ قبض عَلَيْهِ أَحْمد وَقَتله واستبدل أَحْمد بن أويس بِملك توريز وبغداد وَمَا مَعَهُمَا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الْأَعْمَال مثل السُّلْطَانِيَّة وتستر وَغَيرهمَا وبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان بيد جفطاى من بني حنكزخان وَكَانَت مملكة الشمَال بيد قانى بى فهرب خَان ابْن البك خَان فغلب عَلَيْهِ أرص خَان فهرب قانى بى خَان بن البك خَان إِلَى عَمَلهم الأول وَاسْتقر أَرض خَان بالسراي وماماى بالقرم وَذَلِكَ فِي حُدُود سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَكَانَ طقطمش بن بردى بك قد لحق بِتَمْر سُلْطَان الْمغل بِمَا وَرَاء النَّهر الْمَعْرُوف بتمرلنك فَأَقَامَ عِنْده وطمحت نفس طقطمش إِلَى ملك آبَائِهِ بسراى فَجهز مَعَه السُّلْطَان تمر العساكر فَسَار بهَا إِلَى سراى وانتزعها من عُمَّال أَرض واسترجع مَا تغلب عَلَيْهِ قانى باى وصلجى جركس وَغير ذَلِك وَاسْتولى على جَمِيع المملكة وبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد إفريقية وبجاية وقسنطينة بيد أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر ثمَّ استولى على بجاية وقسنطينة وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن السُّلْطَان أَبى بكر فِي رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فأساء السِّيرَة فَسَار إِلَيْهِ السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس من تونس فَقتله وَدخل بجاية تَاسِع عشر شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وملكها وَبقيت بِيَدِهِ وتونس بيد السُّلْطَان أَبى إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان أَبى بكر إِلَى أَن توفى السُّلْطَان أَبُو إِسْحَاق فَجْأَة فِي اللَّيْل سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَملك بعده تونس ابْنه أَبُو الْبَقَاء خَالِد ثمَّ رَحل السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس من بجاية إِلَى تونس وَقبض على السُّلْطَان أَبى الْبَقَاء خَالِد واعتقله وَملك تونس وأنتظم فِي ملكه إفريقية وبجاية وقسنطينة وأعمالها وبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَت تلمسان بيد السُّلْطَان أَبى سَالم بن أَبى عنان المرينى صَاحب فاس فاستخلف على تلمسان أَبَا زيان مُحَمَّد بن عمار بن السُّلْطَان أَبى تاشفين وَرجع هُوَ إِلَى الغرب الْأَقْصَى من سنته فَنَهَضَ أَبُو حمو إِلَى تلمسان فَدَخلَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وملكها وَخرج مِنْهَا أَبُو زيان ثمَّ ثار على أَبى حمو السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بن السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى صَاحب الغرب الْأَقْصَى فَملك مِنْهُ تلمسان سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة ودخلها فِي أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة ثمَّ رَجَعَ أَبُو حمو إِلَى تلمسان وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة ثمَّ ملكهَا بعده السُّلْطَان أَبُو تاشفين عبد الرَّحْمَن بن أَبى حمو بن يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن يغمراسن وبقى حَتَّى مَاتَ فِي سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة وَملك بعده أَخُوهُ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن أَبى حمو ثمَّ استنجد أَبُو زيان بن أَبى حمو بأبى الْعَبَّاس المرينى صَاحب فاس فاقتلع تلمسان من أَخِيه أَبى الْحجَّاج وملكها فِي سنة سِتّ وَسبعين وَسبع مائَة وبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد أَبى زيان مُحَمَّد بن الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن السُّلْطَان أَبى الْحسن إِلَى أَن قَتله وزيره فِي المرحم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسبع مائَة وَملك بعده عبد الْعَزِيز ابْن السُّلْطَان أَبى الْحسن فبقى حَتَّى مَاتَ فِي ربيع الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 سنة أَربع وَسبعين وَسبع مائَة وَملك بعده ابْنه سعيد بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ طِفْل وَقَامَ بتدبير دولته وزيره أَبُو بكر ثمَّ غلب على فاس والغرب الْأَقْصَى أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أَبى سَالم فِي الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَسبع مائَة ثمَّ توفى فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسبع مائَة وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من الأندلس بيد إِسْمَاعِيل ابْن يُوسُف من بنى الْأَحْمَر فبقى إِلَى مَا بعد خلع المتَوَكل الثَّامِن من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية المستعصم بِاللَّه وَهُوَ أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن الواثق بِاللَّه إِبْرَاهِيم بن المستكفى أَبى الرّبيع سُلَيْمَان الْمُقدم ذكره وَهَذَا اللقب مَنْقُول عَن المستعصم بِاللَّه أَبى أَحْمد عبد الله آخر خلفائهم بالعراق فَبَايعهُ الْأَمِير أيبك أتابك العساكر بعد خلع أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل بمفرده من غير اجْتِمَاع أحد من أهل الْحل وَالْعقد غَيره وَفِي سنة تسع وَسبعين وَسبع مائَة فبقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ثَلَاثَة أشهر ثمَّ خلعه وَأعَاد المتَوَكل إِلَى الْخلَافَة وهى خِلَافَته الثَّانِيَة فبقى حَتَّى خلعه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق واعتقله فِي برج بالقلعة فِي مستهل رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته وَفِي عود المتَوَكل إِلَى الْخلَافَة ثَانِيًا لما خلع أيبك أتابك العساكر الإِمَام المتَوَكل على الله مُحَمَّد وَقرر المستعصم زَكَرِيَّا فِي الْخلَافَة تَغَيَّرت عَلَيْهِ الممالك ونفرت عَنهُ قُلُوب العساكر وخامرت عَلَيْهِ نواب الشَّام جملَة وَخَرجُوا عَن الطَّاعَة فَأَقَامَ الْحَال على ذَلِك نَحْو ثَلَاثَة أشهر كَمَا تقدم ثمَّ أعَاد الْأَمِير أيبك الإِمَام المتَوَكل إِلَى الْخلَافَة على عَادَته فِي الْعشْرين من الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَسبع مائَة وَخرج جاليش الْعَسْكَر خمس أُمَرَاء مقدمو أُلُوف مِنْهُم الْأَمِير برقوق العثمانى وبركة الجوبانى ويلبغا الناصرى وَثَلَاث طبلخانات وَمِائَة مَمْلُوك من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَمِائَة مَمْلُوك من مماليك الْأَمِير أيبك وَخرج السُّلْطَان والعسكر بعد ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 ووصلوا إِلَى بلبيس فَبَلغهُمْ أَن بعض أُمَرَاء الجاليش قد خامر عَلَيْهِم فَرجع السُّلْطَان وأيبك من بلبيس إِلَى القلعة فَخرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر ورأسهم قطلقتمر الطَّوِيل فَجهز إِلَيْهِم أيبك عسكرا فَكَانَت الكسرة على جمَاعَة أيبك وهرب أيبك إِلَى كيمان مصر فَلم يُوقف لَهُ على خبر وَصَارَت الْكَلِمَة لقطلقتمر الطَّوِيل وَرجع الْأَمِير برقوق وبركة وَمن كَانَ قد خرج مَعَهُمَا فِي الجاليش فقبضوا على الْأَمِير قطلقتمر الطَّوِيل وَمن مَعَه وبعثوا بهم إِلَى الاسكندرية فاعتقل فِيهَا وَصَارَت الْكَلِمَة ليلبغا الناصرى فَحَضَرَ إِلَيْهِ أيبك من هربه فَقبض عَلَيْهِ وَبعث بِهِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن فِيهَا ثمَّ قبض على جمَاعَة كَبِيرَة من الْأُمَرَاء وَبعث بهم إِلَى الاسكندرية فسجنوا بهَا أَيْضا واستمرت الْكَلِمَة للأمير يلبغا الناصرى ثمَّ ركب عَلَيْهِ الْأَمِير برقوق والأمير بركَة وأنزلاه من الإسطبل وَاسْتقر الْأَمِير برقوق مَكَانَهُ أَمِير أخور والأمير بركَة أَمِير مجْلِس وَهُوَ كالمشارك لَهُ فِي الْأَمر ثمَّ حضر الْأَمِير قشتمر الدوادار نَائِب الشَّام إِلَى الديار المصرية فَخرج السُّلْطَان لملاقاته وَاسْتقر بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أتابك العساكر ثمَّ قبض الْأَمِير برقوق على الْأَمِير قشتمر الدوادار الأتابك وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء مَعَه وَاسْتقر فِي الأتابكية مَكَانَهُ وَاسْتقر الْأَمِير أيتمش البجاينى أَمِير أخور مَكَان الْأَمِير برقوق وَقبض على الْأَمِير يلبغا الناصرى وَبعث بِهِ إِلَى الاسكندرية فاعتقل بهَا كل ذَلِك فِي سنة تسع وَسبعين وَسبع مائَة وفى أَوَائِل هَذِه السّنة وَقع حريق عَظِيم بدار التفاح خَارج بَاب زويلة لم يسمع بِمثلِهِ وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَقعت الوحشة بَين الْأَمِير بركَة وبرقوق وَخرج بركَة إِلَى قبَّة النَّصْر مُقَاتِلًا لبرقوق فَوَقَعت الكسرة على بركَة فَقبض عَلَيْهِ وَبعث بِهِ إِلَى الاسكندرية فسجن بهَا وبقى الْأَمِير برقوق مُنْفَردا بتدبير المملكة وبقى بركَة فِي السجْن حَتَّى قتل فِيهِ فِي هَذِه السّنة وفى هَذِه السّنة وصل إِلَى الديار المصرية أنس العثمانى وَالِد الْأَمِير برقوق أتابك العساكر وَاسْتقر لَهُ إمرة تقدمة ألف فَبَقيت مَعَه حَتَّى مَاتَ وانتقل ابْنه من الأتابكية إِلَى السلطنة فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَهُوَ على إمرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَقع بالديار المصرية وباء عَظِيم مَاتَ فِيهِ خلق كثير وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ شرع الْأَمِير جركس الخليلي أَمِير أخور فِي عمَارَة جسر على رَأس الخور الْمَعْرُوف بزقاق الْقَنَادِيل تَحت الرَّوْضَة ليعود جَرَيَان المَاء تَحت أدر منشية المهراني وزربيني بكتمر وقيسون وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَمله فَلم يثبت وَفِي هَذِه السّنة بلغ النّيل أصبعين من إِحْدَى وَعشْرين ذِرَاعا ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته وَفِي عود المتَوَكل إِلَى الْخلَافَة ثَانِيًا وَفِي عود المتَوَكل مُحَمَّد إِلَى الْخلَافَة ثَانِيًا كَانَت الديار المصرية والممالك الشامية بيد الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فَبَقيَ حَتَّى توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَملك بعده أَخُوهُ الْملك الصَّالح حاجي بن شعْبَان فَبَقيَ حَتَّى خلع فِي الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَملك بعده الْملك الظَّاهِر برقوق بن أنس العثماني فَبَقيَ إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل ثمَّ خلعه وَكَانَت مَكَّة بيد أَحْمد بن عجلَان فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَت الْمَدِينَة بيد جماز بن هبة فعزل وَولى نعير ابْن مَنْصُور بن جماز ثمَّ قتل فَوَثَبَ جماز بن هبة على إِمَارَة الْمَدِينَة وَاسْتولى عَلَيْهَا فَعَزله السُّلْطَان وَولى ثَابت بن نعير فَبَقيَ إِلَى آخر سنة أَربع وثمان مائَة ثمَّ ولى جماز بن هبة فِي سنة خمس وثمان مائَة فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَ الْيمن بيد الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا من مملكة إيران بيد السُّلْطَان أَحْمد بن أويس فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وَكَانَ مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وَمَا مَعَ ذَلِك مَعَ بني جفطاي من بني جنكيز خَان وَكَانَت مملكة الشمَال بيد طقتمش بن بردى بك فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد إفريقية وبجاية وقسنطينة بيد السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد السُّلْطَان أبي حمو فَخرج عَلَيْهِ السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم صَاحب الغرب الْأَقْصَى فَسَار إِلَى تلمسان فملكها وَأقر بهَا أَبَا زيان بن أبي حمو وَبَقِي إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه وَكَانَت غرناطة وَمَا مَعهَا من بِلَاد الأندلس بيد إِسْمَاعِيل ابْن يُوسُف من بني الْأَحْمَر فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعصم وعود المتَوَكل وخلعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 التَّاسِع من خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية الواثق بِاللَّه وَهُوَ أَبُو حَفْص عمر بن الواثق بِاللَّه أبي الْحسن إِبْرَاهِيم الْخَامِس من خلفائهم بالديار المصرية وَهَذَا اللقب مَنْقُول إِلَى أَبِيه من الواثق الأول كَمَا تقدم ثمَّ نقل من أَبِيه إِلَيْهِ بَايع لَهُ بالخلافة الظَّاهِر برقوق بعد خلع الإِمَام المتَوَكل فِي مستهل شهر رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة فَبَقيَ فِي الْخلَافَة حَتَّى توفّي فِي الْعشْر الأول من شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة فَأَعَادَ الظَّاهِر برقوق المستعصم زَكَرِيَّا الْمُقدم ذكره إِلَى الْخلَافَة ثَانِيًا والمتوكل على الله فِي الإعتقال وَالنَّاس لَا يرَوْنَ فِي كل ذَلِك الْخَلِيفَة غَيره ثمَّ أطلق المتَوَكل على الله من الإعتقال وأعيد إِلَى الْخلَافَة فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسبع مائَة وَبَقِي حَتَّى توفّي فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة وَكَانَ لَهُ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الْأَوْلَاد الإِمَام المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل العباسي وَالْإِمَام المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد خَليفَة الْعَصْر وسيدي يَعْقُوب وسيدي حَمْزَة وَمُحَمّد وَهُوَ أسنهم وَبَنَات الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته وعود المستعصم ثمَّ عود المتَوَكل بعده فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة قصد جمَاعَة من الفرنج سَاحل صيدا وبيروت من الْبِلَاد الشامية فَخرج إِلَيْهِم طَائِفَة من عَسْكَر دمشق فهزموا الفرنج وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وفيهَا بلغ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر أَن الْأَمِير قرط التركماني وَإِبْرَاهِيم بن قطلقتمر أَمِير جاندارا فِي جمَاعَة قصدُوا الرّكُوب عَلَيْهِ فَقبض على قرط وَابْن أَمِير جاندارا ثمَّ أَمر بقرط فَقتل واعتقل ابْن أَمِير جاندارا مُدَّة ثمَّ عَفا عَنهُ رَحْمَة لِأَبِيهِ وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة حضر الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ نَائِب الشَّام إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة بهدية جليلة فَقبلت هديته وَحضر دَار الْعدْل وأجلس فَوق النَّائِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الكافل وَهَذَا لم يعْهَد مثله وفيهَا حضر إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة رسل بهدية من مماليك وَغَيرهم وأظهروا أَنهم رسل طقتمش خَان صَاحب بِلَاد الشَّام فَخرج لملاقاتهم النَّائِب الكافل وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء وأنزلوا بالميدان تَعْظِيمًا لَهُم ورتب لَهُم المرتبات السّنيَّة ثمَّ ظهر من كتبهمْ أَنهم رسل صَاحب القرم فَتغير عَلَيْهِم السُّلْطَان ونقلهم من الميدان إِلَى دَار الضِّيَافَة وَنقص من راتبهم وَبَقِي لَهُم مَا يَقْتَضِيهِ حَالهم وَفِي هَذِه السّنة توفّي الشَّيْخ أكمل الدّين مَحْمُود شيخ خانقاه شيخونية وَكَانَ من أجلة الْعلمَاء وأعيان أهل الْعَصْر وأجلهم رُتْبَة عِنْد السُّلْطَان وَنزل السُّلْطَان للصَّلَاة عَلَيْهِ ومشي فِي جنَازَته وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسبع مائَة ظهر بالديار المصرية نجم كَبِير قَلِيل النُّور بذؤابة خَلفه قدر رُمْحَيْنِ فَمَا فَوْقهمَا وَبَقِي ليَالِي ثمَّ اختفى وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين وَسبع مائَة كثرت الشنعة بِأَمْر الْأَمِير منطاش بالبلاد الحلبية فَخرج إِلَيْهِ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَسَار إِلَى حلب وَقبض عَلَيْهِ وَقَتله وجهزت رَأسه إِلَى الديار المصرية ثمَّ وصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 السُّلْطَان إِلَى الْبِلَاد المصرية بعد ذَلِك وفيهَا وصل الْخَبَر أَن تمرلنك استولى على شيراز قَاعِدَة فَارس وَقتل صَاحبهَا شاه مَنْصُور وَأَنه أرسل يُخَادع السُّلْطَان أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد فَلم ينخدع لَهُ وفر من بَغْدَاد قَاصِدا الديار المصرية وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة فِي ربيع الأول وصل القان أَحْمد بن أويس الْمُقدم ذكره إِلَى الديار المصرية فَارًّا من تمرلنك فَخرج السُّلْطَان الظَّاهِر لملاقاته بِنَفسِهِ وَألبسهُ قبَاء مطرزا مغرى بقاقم وَعَاد مَعَه إِلَى الصوة وطلع السُّلْطَان إِلَى القلعة وجهز السُّلْطَان أَحْمد إِلَى بَيت جليل من بيُوت الْأُمَرَاء على بركَة الْفِيل فَأنْزل فِيهِ وأجرى عَلَيْهِ الرَّوَاتِب اللائقة بِمثلِهِ ثمَّ وصلت رسل طقتمش خَان الْمُقدم ذكره بِكِتَاب مضمونه طلب المعاضدة والمعاونة على تمرلنك ورد عَلَيْهِ الْجَواب بالإجابة إِلَى ذَلِك ثمَّ عَاد السُّلْطَان أَحْمد بن أويس إِلَى دمشق وَمِنْهَا إِلَى جِهَة بَغْدَاد حِين بلغه رُجُوع تمرلنك عَنْهَا وَفِي سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة توفى الْملك الظَّاهِر برقوق وَملك بعده ابْنه النَّاصِر فرج على ماسيأتى ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَفِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة زَاد النّيل فِي آخر يَوْم من أبيب أَرْبَعِينَ أصبعا وَفِي أول مسرى اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أصبعا وَفِي ثَالِث مسرى خمسين أصبعا فَكَانَت الزِّيَادَة فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَبْعَة أَذْرع وَلم يسمع بِمثل ذَلِك فِيمَا تقدم إِلَّا مَا يحْكى فِي آخر سنة من خلَافَة الْمُنْتَصر الفاطمى على مَا تقدم ذكره وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة خرج تنم نَائِب الشَّام عَن الطَّاعَة وَأظْهر الْخلاف ثمَّ لما اثْبتْ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر رشده فِي ربيع الأول مِنْهَا واستبدل بِالتَّصَرُّفِ دون ولى أمره الْأَمِير أيتمش العجايبى تنكر الْأَمِير أيتمش لذَلِك وَوَقع الْحَرْب بَينهمَا فِي الشَّهْر الْمَذْكُور بِمصْر فَانْهَزَمَ الْأَمِير أيتمش وَلحق بِالشَّام وانحاز إِلَى نَائِبه تنم فَخرج السُّلْطَان النَّاصِر فرج من الديار المصرية لحربهما فِي شهر رَجَب مِنْهَا وصحبته أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل والتقوا على الْقرب من غَزَّة فانكسر تنم وأيتمش وَمن مَعَهُمَا وَقبض السُّلْطَان عَلَيْهِمَا وَدخل هُوَ إِلَى دمشق وَاسْتولى عَلَيْهَا وَقتل بهَا تنم وايتمش وجهز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 برأسيهما إِلَى الْقَاهِرَة فِي رَمَضَان مِنْهَا ثمَّ عَاد السُّلْطَان إِلَى الديار المصرية وطلع القلعة فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان الْمَذْكُور وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة سَار تمرلنك إِلَى الْبِلَاد الشامية وَفتح مَدِينَة حلب وقلعتها فَسَار النَّاصِر إِلَيْهِ من الديار المصرية بعساكره إِلَى دمشق وَقدم إِلَيْهَا تمرلنك وَجرى بَينهمَا مراجعات فِي أَثْنَائِهَا فر جمَاعَة من عَسْكَر النَّاصِر إِلَى الديار المصرية فَتَبِعهُمْ على الْأَثر فأدركهم على الْقرب من غَزَّة فَقبض عَلَيْهِم وَاسْتمرّ قَاصِدا الديار المصرية حَتَّى طلع القلعة فِي خَامِس جُمَادَى الآخر مِنْهَا وَأخذ تمرلنك فِي خداع أهل دمشق حَتَّى صالهم على مبلغ ألف ألف دِينَار وفتحوا لَهُ بَابا من أَبْوَابهَا وَأخذُوا فِي جمع ذَلِك من النَّاس على قدر طبقاتهم خَارِجا عَمَّا قرر عَلَيْهِم من خيل الهاربين من عَسْكَر السُّلْطَان وسلاحهم فَلَمَّا حمل ذَلِك إِلَيْهِ قرر عَلَيْهِم بعد ذَلِك عشرَة آلَاف دِينَار فاستخرجت لَهُ بأعظم مشقة ثمَّ فرق حارات الْمَدِينَة على أمرائه وأعيان عسكره فعاثوا فَسَادًا وَاسْتَخْرَجُوا من أَهلهَا مَا قدرُوا عَلَيْهِ بعد أَن قتلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وسلبوا النِّسَاء والذرارى ثمَّ أَمر بتحريق الْبَلَد فَأحرق عَن آخِره حَتَّى لم يبْق بهَا رسم دَار وَلَا خطّ يعرف وبقى على ذَلِك إِلَى الْآن إِلَّا الْقَلِيل مِمَّا جدد وَفِي سنة أَربع وَثَمَانمِائَة ظهر بالديار المصرية جَراد انْتَشَر فِي أقطارها وَأكل ورق الشّجر وخوص النخيل واستأصل المقات وَكثر فَسَاده ثمَّ سلط الله عَلَيْهِ الْبرد فَهَلَك وفيهَا ظهر بالديار المصرية أَيْضا كَوْكَب كَبِير نير لَهُ ذؤابه صاعدة فِي السَّمَاء ترى مَعَ ضوء الْقَمَر وبقى إِلَى ثلث اللَّيْل وبقى كَذَلِك ليالى ثمَّ اختفى وَفِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة اخْتلف أُمَرَاء الديار المصرية على سلطانهم النَّاصِر فلحق الْأَمِير يشبك العثمانى بِدِمَشْق فِي طَائِفَة كَبِيرَة وَسَار إِلَى الشَّام فألم بالأمير شيخ المحمودى نَائِب الشَّام فَجمع لَهُ العساكر الشامية وَسَار بِهِ إِلَى مصر فَخرج إِلَيْهِم النَّاصِر ولقيهم فِي العباسية من بِلَاد الشرقية فِي ذى الْحجَّة من هَذِه السّنة فَانْهَزَمَ مِنْهُم النَّاصِر فتبعوه حَتَّى طلع القلعة ثمَّ خرج عَلَيْهِم وحاربهم تَحت القلعة فَانْهَزَمُوا مِنْهُ وَعَاد الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق واختفى يشبك بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ ظهر يشبك فِي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 فَأَعَادَهُ النَّاصِر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ تَجَدَّدَتْ بَينهمَا الوحشة بعد ذَلِك ففر النَّاصِر من القلعة واختفى بدار القاضى سعد الدّين بن غراب فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول من هَذِه السّنة وأقيم فِي السلطنة مَكَانَهُ أَخُوهُ عبد الْعَزِيز وَهُوَ صَغِير ولقب الْملك الْمَنْصُور بِعَهْد من أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل وَلم يزل النَّاصِر مختفيا إِلَى لَيْلَة السبت خَامِس جُمَادَى الآخر وَظهر وَاجْتمعَ عَلَيْهِ كَبِير من الْعَسْكَر فزحف على أَصْحَاب أَخِيه عبد الْعَزِيز فَهَزَمَهُمْ وَاسْتولى على تخت ملكه وَقبض على أَخِيه عبد الْعَزِيز وجهزه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فاعتقل بهَا ثمَّ أَمر بِهِ بعد ذَلِك فَقتل وَعظم سُلْطَانه وتملك أمره وَعظم شَأْنه ولايات الْأَمْصَار فِي خلافتة وعود المستعصم ثمَّ عود المتَوَكل كَانَت الديار المصرية والممالك الشامية بيد الظَّاهِر برقوق حَتَّى خلع من السلطنة وَبعث بِهِ إِلَى الكرك فاعتقل بِهِ فِي رَجَب أَو جُمَادَى الآخر سنة إِحْدَى وَتِسْعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَسَبْعمائة وَملك بعده الْملك الْمَنْصُور حاجى بن الْأَشْرَف شعْبَان وَهُوَ الذى كَانَ قد لقب فِي سلطنته الأولى بالصالح وَهَذِه سلطنته الثَّانِيَة فبقى حَتَّى عَاد الظَّاهِر برقوق من الكرك وَاسْتقر فِي السلطنة بعد خلع الْمَنْصُور حاجى فِي أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة وبقى حَتَّى توفى فِي منتصف شَوَّال الْمُبَارك سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة وَملك بعده ابْنه النَّاصِر فرج ثمَّ تغير عَلَيْهِ بعض مماليكه وَبَعض أمرائه فاختفى ثمَّ ملك أَخُوهُ الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز ثمَّ ظهر السُّلْطَان فرج وَاسْتقر على عَادَته وبقى فِي السلطنة وَكَانَت مَكَّة بيد أَحْمد بن عجلَان فبقى حَتَّى مَاتَ فِي رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَولى مَكَانَهُ ابْنه مُحَمَّد بن أَحْمد بن عجلَان وَهُوَ صَغِير فِي كَفَالَة عَمه كبيش بن عجلَان فبقى حَتَّى بعث إِلَيْهِ الظَّاهِر برقوق فداويا صُحْبَة الْأَمِير جركس الخليلى وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْحجَّاج فَركب فِي محمل الْكسْوَة فَلَمَّا خرج مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عجلَان ليقبل خف جمل الْمحمل على الْعَادة وثب عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الفداوى يسكين فَقتله وَدخل أَمِير الركب الْمَذْكُور إِلَى مَكَّة فولى عنان بن مغامس بن رميثة مَكَانَهُ ثمَّ لحق على بن عجلَان بالديار المصرية فولاه الظَّاهِر برقوق مَكَّة فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة شَرِيكا لعنان وَسَار مَعَ أَمِير الركب إِلَى مَكَّة فهرب عنان وَدخل على بن عجلَان مَكَّة واستقل بإمارتها ثمَّ وَفد على بن عجلَان على السُّلْطَان بِمصْر سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة فأفرده بالإمارة وَأنزل عنان بن مغامس عِنْده فَأحْسن نزله ثمَّ قبض عَلَيْهِ واعتقله وَبَقِي عَليّ بن عجلَان فِي إِمَارَة مَكَّة حَتَّى قتل بِبَطن مر فِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَولى السُّلْطَان ابْن أَخِيه حسن بن أَحْمد مَكَانَهُ واستبد بأَمْره فبقى بهَا إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق والمستعصم بعده والمتوكل بعدهمَا وَكَانَت الْمَدِينَة بيد جماز بن هبة ثمَّ عزل وَولى نعير ابْن مَنْصُور بن جماز وَكَانَت الْيمن بيد الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْفضل عَبَّاس فَمَاتَ وَملك بعده أَخُوهُ الْأَشْرَف عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس ثمَّ مَاتَ وَملك بعده ابْنه الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 النَّاصِر أَحْمد فبقى إِلَى مَا بعد وَفَاة الواثق وعود المستعصم وخلعه وعود المتَوَكل وَمَوته وَكَانَت بَغْدَاد وَمَا مَعهَا من توريز والسلطانية وتستر وَغَيرهَا من مملكة إيران بيد أَحْمد بن أويس فبقى حَتَّى طرقته عَسَاكِر تمرلنك وَهُوَ بتوريز فَخرج عَنْهَا إِلَى بَغْدَاد ثمَّ هرب إِلَى مصر وَأقَام بهَا فِي ظلّ صَاحبهَا الظَّاهِر برقوق ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاده وَلم يَنْتَظِم لَهُ بعد ذَلِك أَمر وَبقيت المملكة بيد تمرلنك فِي جملَة مَا بِيَدِهِ مِمَّا وَرَاء النَّهر إِلَى الخليج القسطنطينى حَتَّى مَاتَ واستقل بمملكة بَغْدَاد وتوريز وَمَا مَعَهُمَا بعض بنية فَبَقيت بِيَدِهِ إِلَى مَا بعد وَفَاة الواثق وعود المستعصم وخلعه وعود المتَوَكل ووفاته وَكَانَت مملكة الشمَال بيد طقتمش بن بردى بك فَوَقَعت الْفِتْنَة بَينه وَبَين تمرلنك وَجرى بَينهمَا حروب طَوِيلَة وَوصل الْخَبَر آخر سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة أَن تمرلنك ظفر بطقتمش وَقَتله وَاسْتولى على سَائِر أَعماله وَيُقَال إِن تمرلنك لم يملك هَذِه المملكة أصلا بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 بقيت بيد طقتمش خَان ثمَّ تنقلت بعده فِي مُلُوكهمْ إِلَى أَن كَانَت بيد فولادخان وَكتب عَن الْملك النَّاصِر فرج ثمَّ صَارَت بعد إِلَى غَيره وَكَانَت تونس وبلاد إفريقية وبجاية وقسنطينة بيد السُّلْطَان أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر فبقى حَتَّى مَاتَ فِي شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَملك بعده ابْنه أَبُو فَارس عزوز فِي رَابِع شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتولى على تونس وبجاية وقسنطينة وأعمالها وبقى إِلَى مَا بعد وَفَاة الواثق وعود المستعصم وخلعه ثمَّ عود المتَوَكل ووفاته وَكَانَت تلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد السُّلْطَان أَبى حمو ثمَّ قبض أَبُو تاشفين بن السُّلْطَان أَبى حمو على أَبِيه أَبى حمو واعتقله بوهران آخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ اتَّصل بِأبي حمو أَن ابْنه أَبَا تاشفين يُرِيد قَتله فدلى بِحَبل من الْقصر واستغاث بِأَهْل وهران فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وجددوا لَهُ الْبيعَة وارتحل أَبُو حمو من حِينه إِلَى تلمسان فَدخل فِي أَوَائِل سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَبلغ ابْنه أَبَا تاشفين الْخَبَر فأسرع إِلَى تلمسان فاعتصم أَبوهُ أبوحمو بمنارة الْمَسْجِد وَدخل أَبُو تاشفين الْقصر وَطلب أَبَاهُ أَبَا حمو فجَاء إِلَيْهِ فَأَدْرَكته الرقة عَلَيْهِ فَقبل يَده وَغدا بِهِ إِلَى الْقصر فاعتقله ثمَّ رغب إِلَى ابْنه أَبى تاشفين فِي قَضَاء فرض الْحَج فجهزه فِي سفينة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واستقل أَبُو تاشفين بِملك تلمسان وَسَار أَبُو حمو فِي السَّفِينَة حَتَّى بلغ بجاية فطلع مِنْهَا واسعفه صَاحب تونس بالعساكر وَعَاد إِلَى تلمسان وَابْنه أبوتاشفين مشتغل بِبَعْض حروبه فَدَخلَهَا فِي رَجَب سنة تسعين وَسَبْعمائة وَعَاد ملك أَبى حمو إِلَيْهِ ثمَّ نَهَضَ أَبُو تاشفين على أَبِيه أَبى حمو بعساكر بنى مرين فَقتل أَبُو حمو فِي المعركة وَوصل ابْنه أَبُو تاشفين تلمسان وملكها سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَأقَام بهَا دَعْوَة السُّلْطَان أَبى الْعَبَّاس صَاحب الْمغرب الْأَقْصَى وخطب لَهُ على مَنَابِر وَقرر على نَفسه ضريبة يبْعَث بهَا إِلَيْهِ فِي كل سنة وبقى أَبُو تاشفين على ذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي رَمَضَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 سنة خمس وَتِسْعين وَسبع مائَة فَبعث السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس صَاحب الغرب الْأَقْصَى ابْنه أَبَا فَارس ابْن أَبى الْعَبَّاس إِلَى تلمسان فملكها فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس وَملك مَكَانَهُ ابْنه أَبُو فَارس الْمَذْكُور الغرب الْأَقْصَى كَانَ أَبُو زيان بن أَبى حمو معتقلا عِنْدهم فَأَطْلقهُ وَبعث بِهِ إِلَى تلمسان أَمِيرا عَلَيْهَا نِيَابَة عَن أَبى فَارس فَسَار أَبُو زيان إِلَيْهَا ودخلها فبقى حَتَّى قتل فِي سنة سِتّ وثمان مائَة وَولى بعده أَخُوهُ مُحَمَّد المكنى بأبى زيان أَيْضا فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق وعود المستعصم ثمَّ المتَوَكل بعده وَكَانَ الغرب الْأَقْصَى بيد السُّلْطَان أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن أَبى سَالم بن ابى الْحسن فَخرج من فاس لبَعض حروبه فغار عَلَيْهَا مُوسَى ابْن عَمه أَبى عنان ملكهَا فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَقبض على السُّلْطَان أَبى الْعَبَّاس وَقَيده وَبعث بِهِ إِلَى الأندلس فاعتقله هُنَاكَ ثمَّ توفى السُّلْطَان مُوسَى بن أَبى عنان فَملك بعده الْمُسْتَنْصر ابْن السُّلْطَان أَبى الْعَبَّاس فَخرج عَلَيْهِ الواثق مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 أَبى الْفضل بن السُّلْطَان أَبى الْحسن فَملك مَدِينَة فاس من يَده سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة ثمَّ سَار السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس إِلَى فاس فملكها فِي رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة وَبعث الْمُسْتَنْصر إِلَى أَبِيه أَبى الْعَبَّاس بالأندلس ثمَّ عدى أَبُو الْعَبَّاس من الأندلس إِلَى سبته فملكها فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ استنزله عَنْهَا ابْن الْأَحْمَر صَاحب غرناطة وأضافها إِلَى مَمْلَكَته ثمَّ ظَهرت دَعْوَة أَبى الْعَبَّاس بمراكش من الغرب الْأَقْصَى وَاسْتولى جنده عَلَيْهَا ثمَّ سَار إِلَيْهَا ابْنه الْمُسْتَنْصر فملكها وَسَار أَبُو الْعَبَّاس إِلَى فاس فملكها فِي خَامِس رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَبعث بالواثق إِلَى الأندلس ثمَّ أَمر بقتْله فِي الطَّرِيق فَقتل بطنجة وبقى السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس بفاس حَتَّى توفى بِمَدِينَة تازا فِي الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَسبع مائَة وَبَايَعُوا بعده ابْنه أَبَا فَارس وَسَار أَبُو فَارس بعد ذَلِك إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا مُتَوَلِّيًا على الغرب الْأَقْصَى حَتَّى توفى سنة تسع وَتِسْعين وَسبع مائَة وَملك بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 أَخُوهُ عَامر فَأَقَامَ سنتَيْن ثمَّ تردى عَن فرسه فَمَاتَ وَولي بعده أَخُوهُ أَبُو سعيد عُثْمَان فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الواثق والمستعصم ثمَّ المتَوَكل وَكَانَت الأندلس بيد إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن أبي الْأَحْمَر فَبَقيَ حَتَّى مَاتَ فِي أول سنه ثَلَاث وَتِسْعين وَسبع مائَة وَولي بعد أبنه أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن إِسْمَاعِيل فَبَقيَ حَتَّى مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَسبع مائَة وَولي بعده أبنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد فَبَقيَ إِلَى مَا بعد خلَافَة الماثق وعود المستعصم ثمَّ المتَوَكل الْعَاشِر من خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية المستعين بِاللَّه وَهُوَ الإِمَام أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن الإِمَام المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُقدم ذكره وَلم يل الْخلَافَة من اسْمه الْعَبَّاس غَيره وَهَذَا اللقب مَنْقُول إِلَيْهِ عَن المستعين بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد الثَّانِي عشر من خلفائهم بالعراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَمن صفته شَاب أَبيض اللَّوْن معتدل الْقَامَة أقنى الْأنف مستدير اللِّحْيَة بصهوبة بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت وَالِده المتَوَكل فِي السَّابِع والعسرين من رَجَب سنة ثَمَان وثمان مائَة وَقَامَ ببيعته السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج وَبَقِي حَتَّى خلعه الْملك الْمُؤَيد شيخ فِي النّصْف من ذِي الْحجَّة سنة سبع عشرَة وثمان مائَة وحجره فِي القلعة الْحَوَادِث والماجريات فِي خِلَافَته فس سنه تسع وثمان وَمِائَة خَالف الْأَمِير جكم نَائِب حلب وَخرج عَن الطَّاعَة فَخرج السُّلْطَان النَّاصِر من الديار المصرية إِلَى الشَّام لمحاربته فِي ربيع الأول مِنْهَا ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية فِي رَجَب مِنْهَا عَن غير طائل وَفِي سنة عشر وثمان مائَة زَاد خَوفه من الْأَمِير شيخ نَائِب الشَّام فَخرج إِلَيْهِ فِي الْمحرم مِنْهَا وَمَعَهُ الْأَمِير يشبك العثماني فَلَمَّا صَار إِلَى دمشق قبض على الْأَمِير يشبك والأمير شيخ وأعتقلهما بِدِمَشْق ففرا من سجنهما وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مصر فَأَتَاهُ الْخَبَر وَهُوَ على الْعَريش قَافِلًا فِي عَاشر ربيع الآخر بقتل الْأَمِير يشبك فِي حَرْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَجَرت بَين الأميرين شيخ ويشبك وَبَين نوروز الحافظي وَخرج الْأَمِير شيخ من الشَّام وأستولى نوروز عَلَيْهَا وأستمر السُّلْطَان فِي سيره قَاصِدا مصر حَتَّى طلع القلعة فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ ثمَّ غلب الْأَمِير شيخ على دمشق فَخرج وأستولى عَلَيْهَا ثمَّ خرج السُّلْطَان فِي الْمحرم سنة أثنتي عشرَة وثمان مائَة حَتَّى وصل إِلَى دمشق فَخرج مِنْهَا فَخرج مِنْهَا الْأَمِير شيخ ودخلها السُّلْطَان ثمَّ خرج مِنْهَا يُرِيد الْأَمِير شيخ فَتَبِعَهُ فاعتصم مِنْهُ بقلعة صرخد فحاصره بهَا مُدَّة شهر ثمَّ حصل الصُّلْح بَينهمَا على أَن السُّلْطَان ينْصَرف عَنهُ إِلَى دمشق ثمَّ رَجَعَ بعد ذَلِك إِلَى الديار المصرية وَعَاد الْأَمِير شيخ إِلَى دمشق ثمَّ خرج السُّلْطَان فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث عشر وثمان مائَة وَسَار إِلَى دمشق فَخرج مِنْهَا الْأَمِير شيخ ودخلها السُّلْطَان ثمَّ خرج مِنْهَا فِي طلب الْأَمِير شيخ فَتَبِعَهُ إِلَى الأبلتين ثمَّ كف عَن طلبه وَلحق الْأَمِير شيخ بقيصرية من بِلَاد الرّوم وَعَاد النَّاصِر إِلَى دمشق عَن غير طائل فَقدم الْأَمِير شيخ من قيصرية إِلَى صرخد وَسَار مِنْهَا إِلَى الديار المصرية وأستولى على القلعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فَأَدْرَكته عَسَاكِر النَّاصِر ففارقها وَعَاد الى الشَّام وَالسُّلْطَان بِدِمَشْق فَخرج مِنْهَا يُرِيد الْأَمِير شيخ وَقد تحصن بقلعة الكرك فحصره السُّلْطَان بهَا مُدَّة ثمَّ رَحل عَنهُ بِغَيْر طائل على صُورَة صلح من غير حَقِيقَة وَعَاد إِلَى الديار المصرية وطلع القلعة فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة وثمان مائَة ثمَّ توجه فِي شَوَّال مِنْهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَعَاد فِي ذى الْقعدَة مِنْهَا ثمَّ سَار فِي ثانى عشر ذى الْحجَّة مِنْهَا إِلَى الشَّام يُرِيد الْأَمِير شيخ ففر مِنْهُ فَتَبِعَهُ إِلَى بعلبك فَرجع الْأَمِير شيخ إِلَى اللجون وَهُوَ فِي أَثَره فَالْتَقَيَا هُنَاكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر الْمحرم سنة خمس عشرَة وثمان مائَة فَانْهَزَمَ السُّلْطَان إِلَى دمشق فحصره بهَا حَتَّى قبض عَلَيْهِ يَوْم السبت عَاشر صفر مِنْهَا وَقتل بقلعة دمشق فِي يَوْم السبت سَابِع عشر صفر الْمَذْكُور وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس وَاجْتمعَ رأى الْعَسْكَر على استبداد أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِالْأَمر دون سُلْطَان مَعَه وَأَن يكون الْأَمِير شيخ أتابك العساكر بالديار المصرية والأمير نوروز الحافظى نَائِب دمشق وَأقَام نوروز بِدِمَشْق وَعَاد المستعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 بِاللَّه هُوَ والأمير شيخ حَتَّى وصلا إِلَى الديار المصرية فِي ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وطلع امير المومنين المستعين الى القلعه وَنزل بالقصور السلطانيه وَنزل الامير شيخ اتابك العساكر بالاسطبلات السلطانيه وَكَانَ الامير الاتابك هُوَ الْمُتَصَرف فِي امور المملكه بتفويض من امير المومنين المستعين بِمَا وَرَاء سَرِير خِلَافَته وامير المومنين المستعين هُوَ الَّذِي يكْتب على التقاليد والتواقيع والمراسيم والمكاتبات والمناشير وَغير ذَلِك والخطبه والسكه على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم باسمه على انْفِرَاده ثمَّ عَن للامير شيخ ان يتقلد السلطنه فَكتب لَهُ بهَا عهد عَن امير المومنين المستعين وخطب لَهُ بعد الخليفه على عَادَة الْمُلُوك مَعَ الْخُلَفَاء وَنقش اسْمه على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم بمفرده وَحجر الامام المستعين بالقلعه وَبلغ نوروز الحافظي ذَلِك فاظهر المخ الفة واستبد بِالشَّام وَخرج عَن الطَّاعَة ولايات الامصار فِي خِلَافَته كَانَت الديار المصريه بيد النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق فبقى حَتَّى قبض عَلَيْهِ وَقتل فِي صفر سنة خمس عشرَة وثمان مائَة بِدِمَشْق على مَا تقدم واستبد امير الْمُؤمنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 المستعين بِاللَّه بامور السلطنه بعده بِاتِّفَاق من اهل الدولة على مَا سبق وبقى حَتَّى قلد السلطنة الْملك الْمُؤَيد شيخ وعهد اليه بهَا وَكتب لَهُ بذلك عهد عَن الامام المستعين على عَادَة الْمُلُوك ذَلِك وَهُوَ السُّلْطَان الْقَائِم بمملكة الديار المصريه والمماليك الشامية الى اخر وَقت وَكَانَت مَكَّة بيد حسن بن احْمَد بن عجلَان فَبَقيَ الى مَا بعد خلَافَة المستعين وَكَانَت المدينه بيد جماز بن هبه فبقى الى اثناء سنة احدى عشرَة وثمان مائَة ثمَّ تولى مَكَانَهُ عجلَان بن نعير فِي سنة اثنتى عشرَة وثمان مائَة 151 فَأَقَامَ سنة وَاحِدَة ثمَّ ولى سُلَيْمَان بن هبة بن جماز فِي سنة ثَلَاث عشرَة وثمان مائَة فَبَقيَ إِلَى آخر سنة أرع عشرَة وثمان مائَة ثمَّ تولى مكانة غرير بن هيازع بن هبة وَكَانَت الْيمن بيد النَّاصِر احْمَد بن الاشرف اسماعيل من بنى رَسُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وبغداد وتوريز وقنغرلان وَهِي السُّلْطَانِيَّة وَمَا مَعَ ذَلِك من مملكة ايران بيد بني تمرلنك الى أَن غلب عَلَيْهَا قرا يُوسُف التركماني وملكها فِي سنة عشر وثمان مَائه اَوْ سنه احدى عشرَة واقر ابْنه احْمَد شَاة بِبَغْدَاد وبلادها وَابْنه بريداخ بتوريز والسلطانية واعمالها وَهُوَ اجلهما رُتْبَة وَكَانَت خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَفَارِس وكرمان وَمَا مَعَ ذَلِك مَعَ شاه رو بن تمرلنك ونوابه من اخوته وَغَيرهم منبثون فِي جَوَانِب الممالك وَكَانَت تونس وَسَائِر بِلَاد افريقية وبجاية وقسنطينة من الغرب الْأَوْسَط بيد أَبى فَارس عزوز وتلمسان والغرب الْأَوْسَط بيد أَبى زيان الثانى بن أَبى حمو نَحْو عشر سِنِين ثمَّ مَاتَ وَولى أَخُوهُ السعيد فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعين والغرب الْأَقْصَى بيد أَبى سعيد عُثْمَان بن أَبى الْعَبَّاس فبقى إِلَى مَا بعد خلَافَة المستعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَكَانَ الأندلس بيد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فبقى حَتَّى توفى فِي سنة اثنتى عشرَة وثمان مائَة وَملك بعده أَخُوهُ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن أَبى عبد الله بن أَبى الْحجَّاج وَهُوَ على ذَلِك الى الْآن الحادى عشر من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية المعتضد بِاللَّه وَهُوَ الإِمَام الْأَعْظَم أَبُو الْفتُوح دَاوُد بن الإِمَام المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد الْمُقدم ذكره من صفته شَاب رَقِيق السّمن حسن اللَّوْن معتدل الْقَامَة أشهل الْعَينَيْنِ أقنى الْأنف مستدير اللِّحْيَة عَظِيم الْهَيْئَة عالى الهمة وافر الْعقل جزيل الرأى كثير الصمت وقور الْمجْلس وافر الْجُود سمح الْكَفّ متين الدّين جميل السِّيرَة وَلم يل الْخلَافَة من اسْمه دَاوُد غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد خلع أَخِيه المستعين فِي رَابِع الْمحرم سنة سبع عشرَة وثمان مائَة وَكتب لَهُ بذلك مبايعة بِخَط بعض كتاب الحكم مصدره بِخطْبَة من إنْشَاء عَلامَة الدَّهْر الشَّيْخ تقى الدّين بن حجَّة كَمَا سيأتى ذكره فِي الْكَلَام على البيعات وَهُوَ أعز الله بِهِ جَانب الدّين قَائِم بِأَمْر الْخلَافَة ناهض بأعبائها إِلَى الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 الْحَوَادِث والماجريات فِي أَيَّامه إِلَى حِين تألف هَذَا الْكتاب فِي مبادئ سنة تسع عشرَة وثمان مائَة لما بُويِعَ بالخلافة بعد خلع أَخِيه الإِمَام المستعين بِاللَّه والأمير نوروز الحافظى يَوْمئِذٍ نَائِب السلطنة بِالشَّام المحروس امْتنع الْأَمِير نوروز عَن الانضمام إِلَى حوزة السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد وَأظْهر الْخلاف فَسَار إِلَيْهِ السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد بالعساكر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع الْمحرم سنة سبع عشرَة وثمان مائَة وصحبته الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه الْمُقدم ذكره حَتَّى وافى دمشق فاعتصم نوروز بقلعة دمشق بعد ان شحنها بالأزواد وَالْعدَد وَالسِّلَاح وَسَائِر آلَات الْحصار فحاصرها السُّلْطَان أَيَّامًا وضايقها وَنصب عَلَيْهَا المجانيق ومدافع النفط الْعِظَام وأحضر مدفعا عَظِيما من صفد فنصبه عَلَيْهَا وتواتر عَلَيْهَا الرمى حَتَّى هدم بعض أبراجها وَأحسن نوروز بالظهور عَلَيْهِ وَالظفر بِهِ فَفتح القلعة وَنزل مِنْهَا وَسلم نَفسه للسُّلْطَان فِي الْعشْرين من شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة فَلم يلبث بعد ذَلِك أَن قتل وجهزت رَأسه إِلَى الديار المصرية مَعَ غَيرهَا من رُؤُوس أَتْبَاعه فعلقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 بِبَاب القلعة ثمَّ بِبَاب زويلة ثمَّ حضر السُّلْطَان بعد ذَلِك الى الديار المصريه فِي عَامَّة وصحبته امير الْمُؤمنِينَ المعتضد وطلع القلعة فِي يَوْم الْخَمِيس غرَّة شهر رَمَضَان من السّنة المذكوره على اتم حَال واكمل نَصره وَكَانَ النّيل فِي سنة خمس عشرَة وثمان مائَة قد وفى فِي مسرى من شهور القبط وَنزل السُّلْطَان من القلعة فَكَسرهُ بنفسة ونظم عَلامَة الدَّهْر الشَّيْخ تقى الدّين بن حجَّة فِي ذَلِك ... ايا ملكا بِاللَّه اضحى مؤيدا ومنتصبا فِي ملكه نصب تَمْيِيز كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضى وحقك بعد الْكسر ايام نيروز ... فَكَانَ كسر نوروز بعد ذَلِك فِي هذة السّنة فسبحان منطق الالسنة وَلما فتحت القلعة وَقبض على نوروز واصحابه كتب الشَّيْخ 152 تقى الدّين الْمشَار اليه عَن السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 الْملك الْمُؤَيد وَهُوَ صُحْبَة الركاب الشريف مهنئا بِالْفَتْح وَالظفر بِهِ وباصحابة وَالْقَبْض عَلَيْهِم كتابا من الشَّام الى الديار المصرية بِفَتْح الشَّام فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر من هَذِه السنه مِنْهُ وسكر نوروز لِكَثْرَة المخامره وعربد فاذقناة الْحَد الى ان صَار للرمح وَالسيف فِي جهال جموعه جزر وَمد وَمِنْه وتبطن بعد ذَلِك بالقلعه الَّتِى هِيَ بِهِ غير محروسه وَقَالَ انه معتصم فِي برج قد شيده فتلاله لِسَان الْحَال اينما تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت وَلَو كُنْتُم فِي {بروج مشيدة} وَكتب كتابا اخر عَن السُّلْطَان مهنئا بِوُقُوع نوروز فِي القبضه الشريفه مِنْهُ وفسدت اغذيتهم بالقلعه فعجزوا عَن المعالجه بالبارد والحامي وثقلوا بعد ذَلِك على قَلبهَا فاستفرغتهم من افواه المرامى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَكتب كتابا اخر مهنئا بحلول الركاب الشريف بالقلعة المحروسه مِنْهُ فِي الاشاره الى استنزال نوروز من قلعه دمشق واهبط الله من ترفع بطارمتها وتمرد الى الهاويه واصلاه نَار الْجَحِيم {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه نَار حامية} وَلَا يخفى ظُهُور الاهلة من مواطى خَيْلنَا وَقد بهرت بالافق الرُّومِي لمعاتها وبدور اخفاف المطى وَقد خيلت فِي غرر ذَلِك السراب هالاتها وشهب الاسنه وَقد زَادَت سموا كانها تحاول ثارا عِنْد بعض النُّجُوم والبلاد الروميه وَقد تَلا لِسَان الْحَال عِنْد الْغَلَبَة {الم غلبت الرّوم} قلت وَقد كتبت الى الْمقر الناصري بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ الشريف كتابا بالتهنئه بِهَذَا الْفَتْح وَهُوَ بِالشَّام مِنْهُ هَذَا وسلطانه الْمُؤَيد قد تدكدك بسطوته الاطواد الراسخه ونكس بقهرة نواصى القلاع الشامخة ودان لَهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى النَّبَات والجماد وَتَتَابَعَتْ فتكاته القامعة فاستأصلت شافة أهل الْفساد ودعا قلعة دمشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فلبته ساجده وَصَاح بهَا مدفعه الغضبان فخرت قائلة {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} واستنزل الناكث من منيع حصنه فقلده الأغلال بعد أَن كَانَ يقلده المنن وحاق بالماكر مكرة السَّيئ فَمَا لبث بعد الاستنزال أَن وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وثمان مائَة خرج الْأَمِير قانى بيه نَائِب الشَّام عَن الطَّاعَة بعد نوروز الحافظى والتفت عَلَيْهِ لفيف من العساكر الشامية حَتَّى صَار لَهُم رم عَظِيم وشوكة منكية وَاسْتولى على دمشق وحلب فَلَمَّا انْتهى الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان بَادر الْخُرُوج إِلَيْهِم فِي عدد قَلِيل من الْعَسْكَر وخف من الأثقال وَسَار من الديار المصرية وصحبته أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أدام الله أَيَّامه فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وثمان مائَة بعد أَن قدم إِلَيْهِم طَلِيعَة عسكره وقبضوا على بعض أمرائها فعاجلهم السُّلْطَان بِنَفسِهِ فِي قَلِيل مِمَّن سبق مَعَه من عسكره فأوقع بهم على سرمين من أَعمال حلب فِي رَابِع عشر شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وكسرهم كسرة شنيعة لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 يسمع بِمِثْلِهَا وَقبض على جمَاعَة من أعيانهم وَدخل بهم مَدِينَة حلب وفر قانى بيه فِي طَائِفَة قَليلَة فَلم يلبث أَن قبض عَلَيْهِ وأتى بِهِ إِلَى السُّلْطَان فَقتل هُوَ وَغَيره مِمَّن وَقع فِي القبضة الشريفه وَوجه برؤوسهم إِلَى الديار المصرية فَحملت على الرماح وَمر بهَا دَاخل الْقَاهِرَة وأتى بهَا إِلَى بَاب القلعة فعلقت ثمَّ إِلَى بَاب زويلة فعلقت عَلَيْهِ وَأقَام السُّلْطَان وَمن مَعَه بحلب ثمَّ بحماة إِلَى أَوَاخِر الشتَاء ثمَّ أَتَى الديار المصرية وصحبته أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه فِي السَّادِس عشر ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة على أكمل النَّصْر وَأتم التأييد قلت وكتبت إِلَى الْمقر الناصري كَاتب السرالشريف الْمُقدم ذكره كتابا بالتهنئة بِهَذَا الْفَتْح مِنْهُ وَيُنْهِي وُرُود خبر الْفَتْح الَّذِي جلّ موقعه ففاتت عجائبه الْحصْر وآذنت بالظفر مُقَدمَات نتائجه فكنى خَلِيفَته أَبَا الْفَتْح وسلطانه أَبَا النَّصْر وَمِنْه وَقبض على النَّاكِثِينَ فانبسطت لقبضهم النُّفُوس وأريقت دِمَاء المارقين فأديرت على سِبَاع الْبر من طلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 دِمَائِهِمْ الكؤوس وَمِنْه وامتطى خَبره السار صهوة الشَّهْبَاء من حلب استبطاء لسير الرَّوَاحِل وسرى سروره وصبح الديار المصرية وَإِن كَانَ غَيره يسري فَيُصْبِح دونهَا بمراحل وَمِنْه وحملت رُؤُوس رؤوسهم على الرماح فَكَانَت لَهَا عمائم وَخيف على بَاب زويلة المجاور الْمدرسَة الْعين فعلق عَلَيْهِ مِنْهَا تمائم وَفِي هَذِه السنه توقف النّيل فِي أَوَائِل زِيَادَته ثمَّ زَاد بعد ذَلِك فأفعم وانْتهى فِي زِيَادَته إِلَى تَمام عشْرين ذِرَاعا وغمر الروابي وملأ الوهاد وَزرع النَّاس فَأَكْثرُوا حَتَّى أَتَوا على مَا علاهُ النّيل مِمَّا يصلح للزِّرَاعَة وَنبت الزَّرْع أحسن نَبَات وأطمأنت بذلك قُلُوبهم وَطَابَتْ بِهِ نُفُوسهم وَجرى الْحَال على ذَلِك إِلَى أَوَاخِر رَمَضَان وَكَانَ الزَّرْع فِي السّنة الخالية بِالْوَجْهِ البحري وأراضي الجيزية وَمَا والاها قَلِيل المتحصل وَذهب أَكثر مَا عِنْد النَّاس من الْحُبُوب بعد الاقتيات فِي زراعة هَذِه السّنة فنفدت الغلال من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الْقَاهِرَة ومصر وبلاد الجيزية وَالْوَجْه البحري وَعز الْقُوت وَعدم الْقَمْح وَالشعِير والفول وَالْخبْز من الْقَاهِرَة ومصر حَتَّى لم يكد يُوجد وَبلغ سعر الْقَمْح فِي الظَّاهِر نَحْو سِتّمائَة دِرْهَم كل اردب وَرُبمَا زَاد على ذَلِك الا أَنه قد حف النَّاس فِي ذَلِك لطف لم يُوجد فِي غَيره من الغلوات من حَيْثُ طمأنينة قُلُوب النَّاس بِمَا يترجونه من نجابة الزَّرْع وَقرب ادراكه وَاكْتفى ضعفاء النَّاس بالباقلاء الْأَخْضَر وَطَعَام الْأرز وَغَيره من سَائِر مَا يطْبخ وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب ولايات الْأَمْصَار فِي خِلَافَته الديار المصرية والبلاد الشامية يَوْمئِذٍ بيد السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ بِعَهْد من أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح دَاوُد خَليفَة الْعَصْر وَمَكَّة بيد حسن بن أَحْمد بن عجلَان وَقد كتب لرميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان بهَا عَن السُّلْطَان وَهُوَ وَحسن ابْن أَحْمد بن عجلَان يتنازعانها وَالْمَدينَة بيد غرير بن هيازع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 واليمن بيد النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف اسماعيل من بني رَسُول وبغداد وتوريز وقنغرلان وَهِي السُّلْطَانِيَّة بيد قرا يُوسُف التركماني وَقد أقرّ بِبَغْدَاد وأعمالها ابْنه أَحْمد شاه وتوريز والسلطانية وأعمالها ابْنه بربداخ وهما باقيان الى الْآن وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَسَائِر بِلَاد الشرق الى مَا يتاخم بِلَاد توريز وَمَا مَعهَا بيد شاه روخان بن تمرلنك وَيُقَال انه على جَانب عَظِيم من الْعدْل ومحبة أهل الْعلم وتقريبهم وتونس وَسَائِر بِلَاد افريقية وبجاية وقسنطينة من الغرب الْأَوْسَط بيد أبي فَارس عزوز بن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس من الْمُوَحِّدين وَهُوَ على جَانب من الشجَاعَة وَقُوَّة الْبَأْس وَقد دوخ الْبِلَاد وأقامها على سنَن وكف الْأَيْدِي المتعدية مَعَ عدل وتواضع وَحسن سيرة وتلمسان وَمَا مَعهَا من الغرب الْأَوْسَط بيد السعيد بن أبي حمو من بني عبد الواد فبقى حَتَّى غَلبه عَلَيْهَا أَخُوهُ عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 الْوَاحِد بن أبي حمو وَأخرجه من الْبَلَد بغدر من أَهلهَا وفر السعيد الى افريقية فَمَاتَ ببونة الْمَعْرُوفَة بِبَلَد الْعنَّاب وبقى عبد الْوَاحِد فِيهَا الى الْآن والغرب الْأَقْصَى بيد أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس المريني وغرناطة وَمَا مَعهَا من الأندلس بيد أبي الْحجَّاج يُوسُف ابْن أبي عبد الله بن أبي الْحجَّاج من بني الْأَحْمَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب الثَّانِي فِي مقرات الْخُلَفَاء وَمَا انطوت عَلَيْهِ الْخلَافَة من الممالك وَبَيَان تَرْتِيب الْخلَافَة وشعارها وَكَيْفِيَّة تَقْلِيد الْخَلِيفَة الْمُلُوك السلطنة أما مقرات الْخُلَفَاء فَهِيَ أَربع مقرات المقرة الأولى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَت مقرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الى حِين انْتقل عَليّ رَضِي الله عَنهُ الى الْعرَاق وَذَلِكَ أَن مبدأ النُّبُوَّة كَانَ بِمَكَّة ثمَّ هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا حَتَّى توفّي فِي الثَّانِي عشر من ربيع الأول سنة احدى عشرَة من الْهِجْرَة ثمَّ كَانَ بعده بهَا فِي الْخلَافَة أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 ثمَّ عَليّ فِي أول أمره ثمَّ انْتقل بعد ذَلِك الى الْعرَاق لقِتَال مُعَاوِيَة ثمَّ خَلفه ابْنه الْحسن فِيهِ الى حِين تَسْلِيم الْأَمر لمعاوية المقرة الثَّانِيَة الشَّام وَهِي دَار خلفاء بني أُميَّة الى حِين انقراضهم وَذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة كَانَ أَمِيرا على الشَّام قبل الْخلَافَة ثمَّ اسْتَقل بِالْأَمر حِين سلم اليه الْحسن فبقى فِي الشَّام هُوَ وَمن بعده الى حِين انْقِرَاض خلافتهم بقتل مَرْوَان بن مُحَمَّد على مَا تقدم ذكره وَكَانَت دَار اقامتهم دمشق وان نزلُوا غَيرهَا فلغير اقامة المقرة الثَّالِثَة الْعرَاق وَهُوَ دَار خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب حِين انْتِقَاله اليه ثمَّ ابْنه الْحسن الى حِين تَسْلِيمه لمعاوية ثمَّ كَانَت دَار خلَافَة بني الْعَبَّاس الى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 من الْعرَاق بقتل المستعصم وَكَانَ بَدْء مبايعة السفاح أول خلفائهم بِالْكُوفَةِ على مَا تقدم ثمَّ بنى بعد ذَلِك بالأنبار مَدِينَة وسماها الهاشمية ونزلها فَلَمَّا ولى أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخلَافَة بعده بنى بَغْدَاد وسكنها وَصَارَت منزلا لخلفاء بنى الْعَبَّاس بعده إِلَى حِين قتل المستعصم المقرة الرَّابِعَة الديار المصرية وَهِي الْآن دَار الْخلَافَة وَقد تقدم أَن أول من بُويِعَ بهَا مِنْهُم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه بن النَّاصِر لدين الله وَقد تقدم أَنه توجه إِلَى بَغْدَاد لقِتَال التتر فَقتل ثمَّ الْحَاكِم بِأَمْر الله ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن جد الْخُلَفَاء بهَا الْآن وَقد تقدم أَن الْأَشْرَاف خَلِيل بن الْمَنْصُور قلاوون أسْكنهُ الْكَبْش بِخَط الْجَامِع الطولونى ثمَّ صَارَت مساكنهم على الْقرب من المشهد النفيسى وهم على ذَلِك إِلَى الْآن وَأما مَا انطوت عَلَيْهِ الْخلَافَة من الممالك فَإِن حكمهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 امْتَدَّ فِيمَا بَين الْمَشَارِق والمغارب فَكَانَ يجرى تَحت إمرتهم من أقاليم الشرق عراق الْعَرَب وعراق الْعَجم وأذربيجان وأرمينية والأهواز وكرمان وسجستان وَفَارِس والسند والهند وَمَا وَرَاء النَّهر وخراسان وطبرستان وَغير ذَلِك وَمن بِلَاد الْمغرب إفريقية والغرب الْأَوْسَط والغرب الْأَقْصَى والأندلس فِي بعض الْأَزْمِنَة وَمن أوساط الأقاليم الديار المصرية والبلاد الشامية والثغور والعواصم وبلاد الرّوم وَمَا فِي معنى ذَلِك وَكَانَت الْأَمْوَال تحمل من جَمِيع الأقاليم بعد تكفية الجيوش إِلَى بَيت المَال على بعد الْمسَافَة حَتَّى يُقَال إِن الرشيد كَانَ يستلقى على قَفاهُ وَينظر إِلَى السحابة فَيَقُول إذهبى إِلَى حَيْثُ شِئْت يأتنى خراجك وبقى الْأَمر على ذَلِك حَتَّى تغلب المتغلبون على الممالك واستولوا عَلَيْهَا وَصَارَ الْأَمر على مَا صَار إِلَيْهِ الْآن وَالله غَالب على أمره وَأما تَرْتِيب الْخلَافَة فَاعْلَم أَنَّهَا لم تزل لابتداء الْأَمر جَارِيَة على مَا ألف من سيرة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خشونة الْعَيْش والقرب من النَّاس وأطراح الْخُيَلَاء وأحوال الْمُلُوك مَعَ مَا فتح الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 على خلفاء السّلف من الإقاليم وجبى إِلَيْهِم من الْأَمْوَال الَّتِى لم يفز عُظَمَاء الْمُلُوك بِجُزْء من أَجْزَائِهَا وناهيك انهم فتحُوا عدَّة من الممالك الْعَظِيمَة الَّتِى كَانَت يضْرب بهَا الْمثل فِي عَظِيم قدرهَا وارتفاع شَأْن مُلُوكهَا من ممالك الشرق والغرب حَتَّى ذكر عُظَمَاء الْمُلُوك عِنْد بعض السّلف فَقَالَ إِنَّمَا الْملك الذى يَأْكُل الشّعير ويعس على رجلَيْهِ بِاللَّيْلِ مَاشِيا وَقد فتحت لَهُ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا يُرِيد عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَقد حكى أَنه رضى الله عَنهُ حِين أَتَى لفتح بَيت الْمُقَدّس كَانَ يخرج من مخلاة فرسه كسرا يابسة من خبز فيمسحها من التُّرَاب ويأكلها فَلَمَّا رَآهُ عُظَمَاء بَيت الْمُقَدّس قَالُوا لَا طَاقَة لنا بِهَذَا وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن سلم الْحسن رضى الله عَنهُ الْأَمر لمعاوية بن ابى سُفْيَان فَأخذ فِي إِظْهَار أبهة الْخلَافَة وترتيب أمورها على نظام الْملك لما فِي ذَلِك من إرهاب الْعَدو وإخافته وتزايد الْأَمر فِي ذَلِك حَتَّى اضمحل فِي جَانب الْخلَافَة سَائِر الممالك الْعَظِيمَة وانطوى فِي ضمنهَا ممالك الْمَشَارِق والمغارب وفاقت بأبهتها الأكاسرة والقياصرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وهابتها مُلُوك الأَرْض قاطبة لاسيما فِي أَوَائِل الدولة العباسية حَتَّى يحْكى أَن صَاحب عموريه من مُلُوك الرّوم كَانَت عِنْده شريفة من ولد فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا مأسورة فِي خلَافَة المعتصم بن الرشيد فعذبها فصاحت الشَّرِيفَة وامعتصماه فَقَالَ لَهَا الْملك لَا يَأْتِي لخلاصك إِلَى على أبلق فَبلغ ذَلِك المعتصم فَنَادَى فِي عسكره بركوب الْخَيل البلق وَخرج وَفِي مُقَدّمَة عسكره أَرْبَعَة آلَاف أبلق وأتى عمورية وَفتحهَا وخلص الشَّرِيفَة وَقَالَ أشهدي لي عِنْد جدك أَنِّي أتيت لخلاصك وَفِي مُقَدّمَة عسكري أَرْبَعَة آلَاف أبلق على مَا تقدم ذكره إِلَى غير ذَلِك من الْقُوَّة وَالْعَظَمَة الَّتِي كَانَت الْخلَافَة فِيهَا وَقد حكى أبن الْأَثِير فِي تَارِيخه أَنه لما وصلت رسل ملك الرّوم إِلَى بَغْدَاد فِي سنة خمس وَثَلَاث مائَة فِي خلَافَة المقتدر رتب من الْعَسْكَر فِي دَار الْخلَافَة مائَة وَسِتُّونَ ألفا مَا بَين رَاكب وراجل ووقف بَين يَدي الْخَلِيفَة سبع مائَة حَاجِب وَسَبْعَة آلَاف خَادِم خصى وَأَرْبَعَة آلَاف بيض وَثَلَاثَة آلَاف سود ووقف الغلمان الحجرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الَّذين هم بِمَثَابَة مماليك الطباق الْآن بأتم الزينه والمناطق المحلاه وزينت دَار الْخلَافَة بأنواع الأسلحة وغرائب الزينه وغشيت جدرانها بالستور وفرشت أرْضهَا بالبسط وَكَانَ عدَّة الْبسط أثنين وَعشْرين ألف بِسَاط وعدة الستور الْمُعَلقَة ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألف ستر مِنْهَا أثني عشر الف ستر من الديباج الْمَذْهَب وَكَانَ من جملَة الزينه شَجَرَة من الذَّهَب الْفضة بأغصانها وأوراقها وطيور الذَّهَب وَالْفِضَّة على أَغْصَانهَا وَأَغْصَانهَا تتمايل بحركات مصنوعه والطيور تصفر بحركات مرتبَة وألقيت المراكب والدبادب فِي دجلة بِأَحْسَن زِينَة وَكَانَ هُنَاكَ مائَة سبع مَعَ مائَة سِبَاع إِلَى غير ذَلِك من الْأَحْوَال الملوكية الَّتِي يطول شرحها قَالَ الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف وَلم يزل أَمر الْخلَافَة متماسكا إِلَى حِين أستخلف المتقي لله فتفرد بتدبير الْأُمُور غير الْخُلَفَاء وتغلبت على مَا نأى من الْبلدَانِ الْأَقْوَى فالأقوى وأقتصر على الدُّعَاء لَهُم على المنابر وَفِي أَيَّام المستكفي بِاللَّه أستولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 بَنو بويه على بَغْدَاد وأستبد معز الدولة بن بويه بِالْأَمر وَنقش أُسَمِّهِ على الدناير وَالدَّرَاهِم مَعَ أسم الْخَلِيفَة وشاركه فِي الدُّعَاء على المنابر وَتصرف فِي أُمُور الدولة تصرف الْمُلُوك ورتب للخليفة كل يَوْم خَمْسَة آلَاف دِرْهَم لنفقاته لَا يصل إِلَيْهِ غَيرهَا بعد أَن كَانَ يحمل إِلَى خزانته أَمْوَال الْمشرق وَالْمغْرب هَذَا مَا تقهقر الْخلَافَة وأنحطاط رتبتها يَوْمئِذٍ وَقد كَانَ للخلافة رسوم جاريه على تَرْتِيب خَاص بعضعها مضاه لتريب الْملك الْآن وَبَعضهَا خَارج عَنهُ مِنْهَا الْجُلُوس على سَرِير الْخلَافَة فِي المواكب وَقد ذكر بعض المؤرخين أَن أصل ذَلِك أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان لما بدن أَسْتَأْذن أَصْحَابه فِي أتخاذ شَيْء يجلس عَلَيْهِ للأستراحه فأذنوا لَهُ فِي ذَلِك ثمَّ زادوا فِي أرتفاعه حَتَّى صَار السرير الَّذِي يجلس عَلَيْهِ الْخَلِيفَة فِي المواكب نَحْو سبعه أَذْرع فِيمَا حَكَاهُ أبن الْأَثِير وَغَيره عِنْد ذكر سلطنة طغريل السلجوقي على مَا سَيَأْتِي ذكره وَكَانَ يفرش للخليفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 على سَرِير الْخلَافَة فرش مُرْتَفعَة وَهِي الَّتِي يعبر عَنْهَا بسدة الْخلَافَة وَمِنْهَا الصَّلَاة فِي الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَقد ذكر المؤرخون أَن أول من اتخذ الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع مُعَاوِيَة على مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمته ثمَّ اخْتلف فَقيل إِنَّه اتخذها حِين طعنه الْخَارِجِي وَقيل بل رأى كَلْبا على منبره فاتخذها وَقيل أول من اتخذها مَرْوَان بن الحكم اتخذها من حِجَارَة منقوشة فِيهَا كوى مفتحة وَقيل أول من اتخذها عُثْمَان بن عغان رَضِي الله عَنهُ خوفًا أَن يُصِيبهُ مَا أصَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله عَنهُ على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الْبَاب السَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهَا ضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَنقش اسْم الْخَلِيفَة وَقد ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة أَن أول من ضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فِي الْإِسْلَام عبد الْملك بن مَرْوَان فِي سنة خمس وَسبعين من الْهِجْرَة وَقيل سنة ارْبَعْ وَسبعين وَكتب عَلَيْهَا الله أحد الله الصَّمد وَكَانَ الْمُتَوَلِي لأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ذَلِك الْحجَّاج بن يُوسُف ثمَّ ضربهَا فِي سَائِر النواحي فِي سنة سِتّ وَسبعين ثمَّ ولى ابْن هُبَيْرَة الْعرَاق فِي ايام يزِيد بن عبد الْملك فجود السِّكَّة ثمَّ بَالغ خَالِد القسرى فِي تجويدها ثمَّ يُوسُف بن عمر بعده وَقيل إِن اول من ضربهَا مُصعب بن الزبير بِأَمْر اخيه عبد الله بن الزبير حِين استولى على الْحجاز وَكتب على أحد الْوَجْهَيْنِ بركَة وعَلى الْوَجْه الآخر اسْم الله تَعَالَى ثمَّ غَيرهَا الْحجَّاج وَكتب عَلَيْهَا باسم الله وَكتب بعده الْحجَّاج ثمَّ اضيفت اسماء الْمُلُوك فِي السِّكَّة الى اسماء الْخُلَفَاء ثمَّ ابطلت اسماء الْخُلَفَاء من السِّكَّة جملَة وَاقْتصر على اسماء الْمُلُوك وَمِنْهَا نقش اسْم الْخَلِيفَة على مَا ينسج من الْكسْوَة والطرز من الْحَرِير وَالذَّهَب بلون مُخَالف للون الأَصْل ليمتاز بذلك مَا يخْتَص بالخلافة عَن غَيره وَهُوَ رسم قديم للخلفاء فِي الدولتين الأموية والعباسية ثمَّ ابدل ذَلِك باسم الْمُلُوك عِنْد تغلبهم على الْخُلَفَاء كَمَا تقدم فِي أَمر الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَمِنْهَا خطابة الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ فِي مَكَان إِقَامَته وخطابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الْأُمَرَاء بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يلونها عَن الْخُلَفَاء وَهُوَ رسم قديم من صدر الْإِسْلَام الى حِين تقهقر أَمر الْخلَافَة فأهمل الْخُلَفَاء الخطابة بِأَنْفسِهِم وفوضوها الى الخطباء وَقد ذكر ابْن الْأَثِير وَغَيره أَن آخر خَليفَة خطب بِنَفسِهِ على مِنْبَر بِكَثْرَة الراضي وَإِن كَانَ غَيره رُبمَا خطب نَادرا وَمِنْهَا الدُّعَاء للخليفة على المنابر وَهُوَ رسم قديم للخلفاء وَرَأَيْت فِي بعض التواريخ أَن أول خَليفَة دعى لَهُ على مِنْبَر أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ دَعَا لَهُ عبد الله بن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر على الْحق فَتَبِعَهُ النَّاس بعد ذَلِك فِي الدُّعَاء للخلفاء على المنابر فِي سَائِر الاعمال قَالَ ابو هِلَال العسكري فِي كِتَابَة الْأَوَائِل وَأول من دعى لَهُ بنعته على الْمِنْبَر مُحَمَّد الْأمين بن الرشيد فَقيل وَأصْلح عَبدك وخليفتك عبد الله مُحَمَّدًا الْأمين وَلم يذكر قبله نعت أحد من الْخُلَفَاء على مِنْبَر وَكَانَت الْخُلَفَاء يفردون بِالدُّعَاءِ على المنابر الى أَن غلبت الْمُلُوك على الْخُلَفَاء فأشركوا مَعَهم فِي الدُّعَاء قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 مُحَمَّد بن عبد الله الهمذاني فِي ذيله على تَارِيخ الطبرى وَأول من أشرك فِي الدُّعَاء لَهُ على المنابر مَعَ الْخَلِيفَة عضد الدولة ابْن بويه فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي خلَافَة الطائع ثمَّ جرى الْمُلُوك بعده على ذَلِك وَمِنْهَا انْفِرَاد الْخُلَفَاء بِالْكِتَابَةِ على ولايات الْوَظَائِف كالوزارة وَالْقَضَاء وَسَائِر الولايات وَلم يزل ذَلِك مُخْتَصًّا بهم الى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد إِلَّا مَا يوليه الوزراء وَمن فِي معناهم من صغَار الولايات المفوضة اليهم ثمَّ نقل ذَلِك الى الْمُلُوك بِحكم تَفْوِيض الْخُلَفَاء الْأُمُور الْعَامَّة إِلَيْهِم خلا ولايات الْمُلُوك فَإِنَّهَا مِمَّا يخْتَص بِهِ الْخُلَفَاء الى الْآن وَأما شعار الْخلَافَة فَمِنْهَا الْخَاتم وَالْأَصْل فِيهِ مَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ إِن الْمُلُوك لَا يقرأون كتابا غير مختوم فَاتخذ خَاتمًا من ورق وَجعل نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فَلَمَّا توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 لبسه أَبُو بكر بعده ثمَّ لبسه عمر بعد أبي بكر ثمَّ لبسه عُثْمَان بعد عمر فَوَقع مِنْهُ فِي بِئْر أريس فَلم يقدر عَلَيْهِ وَاتخذ الْخُلَفَاء بعد ذَلِك خَوَاتِيم لخاتم كل خَليفَة نقش يَخُصُّهُ وبقى الْأَمر على ذَلِك الى حِين انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد الا أَن المؤرخين أهملوا ذكر خَوَاتِم الْخلَافَة فِي أَوَاخِر الدولة العباسية بالعراق وَمِنْهَا الْبردَة وَهِي بردة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَ الْخَلِيفَة يلبسهَا فِي المواكب قَالَ أَبُو السعادات بن الْأَثِير فِي نهايته فِي غَرِيب الحَدِيث وَهِي شملة مخططة وَقيل كسَاء أسود وَقد اخْتلف فِي وصولها الى الْخُلَفَاء فَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة عَن أبان بن تغلب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وَهبهَا لكعب بن زُهَيْر واشتراها مِنْهُ مُعَاوِيَة وتناقلها الْخُلَفَاء بعده وَالَّذِي ذكره غَيره أَن كَعْبًا لم يسمح بِبَيْعِهَا لمعاوية وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 لم أكن أوثر بِثَوْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا فَلَمَّا مَاتَ كَعْب اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَة من ورثته بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَحكى الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا عَن ضَمرَة بن ربيعَة أَن هَذِه الْبردَة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَاهَا أهل أَيْلَة أَمَانًا لَهُم فَأَخذهَا مِنْهُم عبد الله ابْن خَالِد بن أبي أوفي وَهُوَ عَامل عَلَيْهِم من قبل مَرْوَان ابْن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة وَبعث بهَا الى مَرْوَان فَكَانَت فِي خزانته حَتَّى أخذت بعد قَتله وَقيل اشْتَرَاهَا أَبُو الْعَبَّاس السفاح أول خلفاء بني الْعَبَّاس بثلاثمائة دِينَار وَمِنْهَا الْقَضِيب وَهُوَ عَمُود كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْخُذهُ بِيَدِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ من تَرِكَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي هِيَ صَدَقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 قلت وَكَانَ الْقَضِيب والبردة جَمِيعًا عِنْد خلفاء بني الْعَبَّاس بِبَغْدَاد الى أَن انتزعهما السُّلْطَان سنجر السلجوقي من المسترشد بِاللَّه ثمَّ أعيدا الى المقتفى عِنْد ولَايَته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة وَالَّذِي يظْهر أَنَّهُمَا بقيا عِنْدهم الى انْقِرَاض الْخلَافَة من بَغْدَاد فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة فَإِن مِقْدَار مَا بَينهمَا مائَة واحدى وَعِشْرُونَ سنة وَهِي مُدَّة قريبَة لَا تمنع تفاوتهما اليها وَمِنْهَا ثِيَاب الْخلَافَة وَقد ذكر السُّلْطَان عماد الدّين صَاحب حماة فِي تَارِيخه عِنْد الْكَلَام على تَرْجَمَة الْملك السعيد اسماعيل أحد مُلُوك بني أَيُّوب بِالْيمن أَنه كَانَ بِهِ هوج فَادّعى أَنه من بني أُميَّة وَلبس ثِيَاب الْخلَافَة ثمَّ قَالَ وَكَانَ طول الْكمّ يَوْمئِذٍ عشْرين شبْرًا فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ زمن بني أُميَّة وَأَنه أَرَادَ زمن بني أَيُّوب وَمِنْهَا لون الْأَعْلَام وَالْخلْع وَنَحْوهَا فبنو أُميَّة يُقَال إِنَّه كَانَ شعارهم الخضرة وَقد حكى صَاحب حماة عَن الْملك السعيد صَاحب الْيمن الْمُقدم ذكره أَنه حِين ادّعى الْخلَافَة وَأَنه من بني أُميَّة لبس الخضرة وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 صَرِيح فِي أَن شعارهم الخضرة وَأما بَنو الْعَبَّاس فشعارهم السوَاد وَقد اخْتلف فِي اختيارهم السوَاد فَذكر القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي الْكَبِير فِي الْفِقْه أَن السَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقد لِعَمِّهِ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي يَوْم حنين وَيَوْم الْفَتْح راية سَوْدَاء وَذكر أَبُو هِلَال العسكري فِي كِتَابه الْأَوَائِل أَن السَّبَب فِي ذَلِك أَن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة حِين أَرَادَ قتل ابراهيم بن مُحَمَّد العباسي الْمَعْرُوف بِالْإِمَامِ أول القائمين من بني الْعَبَّاس لطلب الْخلَافَة قَالَ لشيعته لَا يهولنكم قَتْلَى فَإِذا تمكنتم من أَمركُم فاستخلفوا عَلَيْكُم أَبَا الْعَبَّاس يعْنى السفاح فَلَمَّا قَتله مَرْوَان لبس شيعته عَلَيْهِ السوَاد فلزمهم ذَلِك وَصَارَ شعارا لَهُم وَمن غَرِيب مَا وَقع مِمَّا يتَعَلَّق بذلك مَا حَكَاهُ ابْن سعيد فِي كِتَابه الْمغرب أَن الظافر أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصرية لما قَتله وزيره عَبَّاس بعث نسَاء الْخَلِيفَة شعورهن طى الْكتب إِلَى الصَّالح طلائع بن رزيك وَهُوَ يَوْمئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَإِلَى منية بنى خصيب من صَعِيد مصر فَحَضَرَ إِلَيْهِم الصَّالح وَقد رفع تِلْكَ الشُّعُور على الرماح وَأقَام الرَّايَات السود إِظْهَارًا للحزن على الظافر وَدخل الْقَاهِرَة وَهُوَ على ذَلِك فَكَانَ ذَلِك من الفأل العجيب وَهُوَ ان مصر انْتَقَلت إِلَى بنى الْعَبَّاس وأقيمت فِيهَا الْأَعْلَام السود بعد خمس عشرَة سنة وَأما كَيْفيَّة تَوْلِيَة الْمُلُوك الْخُلَفَاء وترتيبهم فِي ذَلِك فَلهُ حالتان الْحَالة الأولى مَا كَانَ الْأَمر عَلَيْهِ فِي الزَّمن الأول والخلافة بالعراق وَالْحَال فِيهِ مُخْتَلف فَتَارَة تكون السلطنة الَّتِى تولى بِحَضْرَة الْخلَافَة كسلطنة بنى بوية وَآل سلجوق وَغَيرهم وَتارَة تكون بِبَعْض الْأَطْرَاف كالديار المصرية حِينَئِذٍ وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت السلطنة بِحَضْرَة الْخلَافَة فقد جرت عَادَتهم فِي ذَلِك أَن يجلس الْخَلِيفَة بمجلسه الْعَام على كرسى عَال ويحضر السُّلْطَان الذى تولى فيجلس على كرسى لطيف أَمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 كرسى الْخَلِيفَة ويحضر أَعْيَان المملكة ورؤساؤها ويخاطب الْخَلِيفَة السُّلْطَان بِالْولَايَةِ على لِسَان الْوَزير ثمَّ يخلع على السُّلْطَان خلعة الْخلَافَة وَيحمل على مراكب من إصطبلات الْخَلِيفَة وَيذْهب السُّلْطَان إِلَى دَاره فَيُرْسل السُّلْطَان التقادم السّنيَّة كَمَا حكى ابْن الاثير وَغَيره أَن السُّلْطَان طغرلبك ابْن ميكائل السلجوقى لما تقلد السلطنة عَن الْقَائِم بِأَمْر الله فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة جلس لَهُ الْخَلِيفَة على كرسى ارتفاعه عَن الأَرْض نَحْو سَبْعَة أَذْرع وَعَلِيهِ الْبردَة وَأَقْبل طغرلبك فِي جماعته وأعيان بَغْدَاد حاضرون فَقبل طغرلبك الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثمَّ جلس على كرسى نصب لَهُ ثمَّ قَالَ رَئِيس الرؤساء وَزِير الْخَلِيفَة للسُّلْطَان عَن لِسَان الْخَلِيفَة إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ولاك جَمِيع مَا ولاه الله تَعَالَى من بِلَاده ورد إِلَيْك أَمر عبَادَة فَاتق الله فِيمَا ولاك واعرف نعْمَته عَلَيْك ثمَّ خلع على طغرلبك سبع جبات سود بزيق وَاحِد وعمامة سَوْدَاء وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب وَأعْطى سَيْفا بغلاف من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 ذهب ولقبه الْخَلِيفَة وَقُرِئَ عَهده عَلَيْهِ فَقبل الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثَانِيًا وَانْصَرف وَقد جهز لَهُ فرس من إسطبلات الْخَلِيفَة بمركب من ذهب مقندس فَركب وَانْصَرف إِلَى دَاره فَبعث إِلَى الخيفة خمسين ألف دِينَار وَخمسين مَمْلُوكا من التّرْك بخيولهم وسلاحهم مَعَ ثِيَاب وَغَيرهَا فَهَذَا كَانَ شَأْنهمْ فِي تَوْلِيَة السلطنة بِحَضْرَة الْخلَافَة وَإِن كَانَ الذى يوليه الْخَلِيفَة السلطنة من مُلُوك الْأَطْرَاف جهز لَهُ التشريف من بَغْدَاد صُحْبَة رَسُول من جِهَة الْخَلِيفَة وَهُوَ جُبَّة أطلس أسود بطراز مَذْهَب وطوق من ذهب يَجْعَل فِي عُنُقه وسوران من ذهب يجعلان فِي يَدَيْهِ وَسيف قرَابه ملبس بِالذَّهَب وَفرس بمركب من ذهب وَعلم أسود مَكْتُوب عَلَيْهِ بالبياض اسْم الْخَلِيفَة ينشر على رَأسه وصحبة وَذَلِكَ تَقْلِيده بالسلطنة وَرُبمَا جهز مَعَ خلعة السُّلْطَان خلع أُخْرَى لوَلَده أَو وزيره أَو أحد أَقَاربه بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال حِينَئِذٍ كَمَا كَانَ يبْعَث مثل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بالديار المصرية ثمَّ إِلَى أَخِيه الْعَادِل فَمن بعده من مُلُوك بنى أَيُّوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 إِلَى أَن كَانَ آخر من وصل إِلَيْهِ ذَلِك مِنْهُم من بَغْدَاد الْملك النَّاصِر يُوسُف بن السُّلْطَان الْعَزِيز بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين عَن المستعصم بِاللَّه فِي سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ من عَادَتهم فِي ذَلِك أَنه إِذا وصل التشريف والتقليد إِلَى سُلْطَان تِلْكَ النَّاحِيَة أَن يلبس السُّلْطَان الخلعة والعمامة ويتقلد السَّيْف ويركب الْفرس ويسير فِي موكبه حَتَّى يصل إِلَى مقرّ ملكه الْحَالة الثَّانِيَة مَا الْأَمر مُسْتَقر عَلَيْهِ بعد انْتِقَال الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية وَالْأَمر فِيهِ على نَحْو مَا سبق فِي الْحَالة الأولى فِيمَا إِذا كَانَ السُّلْطَان الذى يُولى بِحَضْرَة الْخلَافَة لِأَن الخلعة تكون جُبَّة وَاحِدَة بزيق لَا سبع جبات بزيق وَاحِد وَقد كَانَ فِيمَا تقدم يلبس السُّلْطَان طوق الذَّهَب دون السوارين ثمَّ ترك الطوق والسواران جَمِيعًا وبقى مَا عدا ذَلِك من أَصْنَاف التشريف وَأول تَقْلِيد قَلّدهُ سُلْطَان من خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية تَقْلِيد الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقدارى صَاحب الديار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 المصرية عَن الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه بن النَّاصِر لدين الله أول خلفائهم بالديار المصرية فِي شعْبَان من شهور سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَذَلِكَ أَنه بعد ان بَايع السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْمُقدم ذكره بِالْمَجْلِسِ الْعَام قَلّدهُ السلطنة وَكتب لَهُ بذلك عهد من إنْشَاء صَاحب ديوَان إنْشَاء السُّلْطَان الصاحب فَخر الدّين إِبْرَاهِيم بن لُقْمَان وَكتب السُّلْطَان الْكتب إِلَى النواب والملوك بالأقطار بِأَن يخْطب لَهُ على المنابر مَعَ السُّلْطَان وَيبدأ بِهِ فِي الذّكر وينقش اسْمه مَعَه فِي السِّكَّة على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة بعد ذَلِك خطب الْخَلِيفَة بِنَفسِهِ بِجَامِع القلعة ثمَّ لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد ذَلِك ركب السُّلْطَان إِلَى خيمة ضربت لَهُ بالبستان الْكَبِير بِظَاهِر الْقَاهِرَة المحروسة من الْجِهَة البحرية وَنزل بهَا هُوَ والخليفة وَلبس مِنْهُ خلعة الْخلَافَة وهى عمامه بنفسجى وجبة سَوْدَاء وطوق ذهب فِي عُنُقه وَسيف بداوى تقلده وَجلسَ السُّلْطَان مَجْلِسا عَاما بِحَضْرَة الْخَلِيفَة والوزير والقضاة والأمراء وَالْعُلَمَاء وَنصب لكاتب سره الصاحب فَخر الدّين ابْن لُقْمَان مِنْبَر فَصَعدَ عَلَيْهِ وَقَرَأَ تَقْلِيد السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 ثمَّ ركب السُّلْطَان بالخلعة والطوق وَدخل من بَاب النَّصْر من الْمَدِينَة وهى مزينة لَهُ وَحمل وزيره الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا التَّقْلِيد على رَأسه وَمَشى بِهِ فِي الموكب بَين يدى السُّلْطَان والأمراء مشَاة حوله وأمامه وَرَأَيْت فِي بعض التواريخ أَن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان حِين عهد بالسلطنة إِلَى الْملك الْمَنْصُور أَبى بكر بن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بعد مبايعته الْحَاكِم الْمَذْكُور عِنْد موت أَبِيه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة طلع الْأُمَرَاء والقضاة إِلَى القلعة واجتمعوا بدار الْعدْل وَجلسَ الْخَلِيفَة على الدرجَة الثَّالِثَة من التخت وَعَلِيهِ خلعه خضراء وعَلى رَأسه طرحة سَوْدَاء مرقومة بالبياض وَخرج السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإيوان من بَاب السِّرّ على الْعَادة فَقَامَ لَهُ الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء وَجَاء السُّلْطَان فَجَلَسَ على الدرجَة الأولى من التخت دون الْخَلِيفَة ثمَّ قَامَ الْخَلِيفَة فَقَرَأَ {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} إِلَى آخر الْآيَة وَأوصى السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 بالرفق بالرعية وَإِقَامَة الْحق وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام ونصرة الدّين ثمَّ قَالَ فوضت إِلَيْك جَمِيع أَمر الْمُسلمين وقلدتك مَا تقلدته من أُمُور الدّين ثمَّ قَرَأَ {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} إِلَى آخر الاية ثمَّ أَتَى الْخَلِيفَة بخلعة سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء مرقومة الطّرف بالبياض فألبسها السُّلْطَان وقلده سَيْفه ثمَّ أَتَى بالعهد الْمَكْتُوب عَن الْخَلِيفَة فَكتب عَلَيْهِ مَا صورته فوضت إِلَيْهِ ذَلِك وَكتب أَحْمد بن عَم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب الْقُضَاة الْأَرْبَعَة شَهَادَتهم بالتولية ثمَّ اتى بالسماط على الْعَادة وأخبرنى من حضر تَقْلِيد الإِمَام المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق بعد وَفَاة وَالِده الظَّاهِر أَن الْخَلِيفَة حضر هُوَ وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البلقينى والقضاة الْأَرْبَعَة وَأهل الْعلم وأمراء الدولة إِلَى مقْعد بالإسطبلات السُّلْطَانِيَّة وَجلسَ الْخَلِيفَة فِي صدر الْمَكَان على مقْعد مفروش لَهُ ثمَّ أَتَى السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ حدث السن فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ فَسَأَلَهُ شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 الْإِسْلَام عَن بُلُوغه الْحلم فَأجَاب بِأَن نعم فَخَطب الْخَلِيفَة خطْبَة ثمَّ خَاطب السُّلْطَان بتفويض الْأَمر إِلَيْهِ على نَحْو مَا تقدم ذكره ثمَّ أَتَى الْخَلِيفَة بخلعة سَوْدَاء وعمامة سَوْدَاء مرقومة الطّرف بالبياض فألبسهما للسُّلْطَان وَلبس الخلفية أَيْضا خلعة سَوْدَاء بعمامة سَوْدَاء مرقومة ثمَّ جلس الْخَلِيفَة فِي مَكَانَهُ الذى كَانَ جَالِسا فِيهِ على المقعد وَنصب للسُّلْطَان كرسى إِلَى جَانب المقعد الذى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَجلسَ الْأُمَرَاء والقضاة حوله على قدر مَنَازِلهمْ قلت والذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِي جَائِزَة تَقْلِيد السلطنة مِمَّا يُرْسل بِهِ السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة ألف دِينَار مَعَ قماش سكندرى ضمن بقجة بِحَسب الْحَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 الْفَصْل الثَّالِث من الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر الْمَشَاهِير مِمَّن أدعى الْخلَافَة فِي بعض الأقاليم وَبطلَان شُبْهَة دعاويهم أما الْمَشَاهِير مِمَّن ادّعى الْخلَافَة فِي بعض الأقاليم فَاعْلَم أَنه قد قَامَ على خلفاء بنى الْعَبَّاس فِي أول أَمرهم قائمون من العلويين فِي بِلَاد وأزمان مُخْتَلفَة فَمنهمْ من قبض عَلَيْهِ وَلم يتم لَهُ أَمر كمحمد بن على الْخَارِج على أَبى جَعْفَر الْمَنْصُور وَمِنْهُم من فر إِلَى الْبِلَاد الْبَعِيدَة ودعا إِلَى نَفسه فَكَانَ لَهُ دولة كإدريس الْأَكْبَر بن حسن المثلث ابْن حسن الْمثنى بن الْحسن السبط حِين فر إِلَى الغرب الْأَقْصَى فَكَانَ لَهُ ولعقبه بِهِ دولة ثمَّ انقرضت إِلَّا أَنه لم يدع أحد مِنْهُم الْخلَافَة وطالت دولته إِلَّا ثَلَاث طوائف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الطَّائِفَة الأولى بَنو أُميَّة بالأندلس وَذَلِكَ أَن بنى الْعَبَّاس عِنْد استيلائهم على الْأَمر وانتقال الْخلَافَة إِلَيْهِم تتبعوا بنى أُميَّة بِالْقَتْلِ فهرب عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَسَار حَتَّى دخل الأندلس فَعرف بالداخل لذَلِك ودعا إِلَى نَفسه بالخلافة هُنَاكَ وَاسْتولى على مَا كَانَ بيد الْمُسلمين من الأندلس فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة من الْهِجْرَة وقصده بَنو أُميَّة من الْمشرق والتجؤوا إِلَيْهِ وَتوفى فِي ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَملك بعده ابْنه هِشَام واستخلف بعده ابْنه الحكم ابْنه عبد الرَّحْمَن وَملك بعده ابْنه مُحَمَّد وَملك بعده ابْنه الْمُنْذر وَملك بعده أَخُوهُ عبد الله وَملك بعده ابْن ابْنه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله وتلقب بالناصر وخوطب بأمير الْمُؤمنِينَ بعد أَن مضى من خِلَافَته تسع وَعِشْرُونَ سنة وَهُوَ أول من تلقب مِنْهُم بألقاب الْخلَافَة ودعى بامير الْمُؤمنِينَ وَكَانُوا قبل ذَلِك يخاطبون بالإمارة خَاصَّة وَولى الْأَمر بعده ابْنه الحكم وتلقب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 بالمستنصر وعهد إِلَى ابْنه هِشَام ولقبه الْمُؤَيد فغلبه على الْأَمر مُحَمَّد بن هِشَام بن عبد الْجَبَّار بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْمُقدم ذكره وتلقب بالمهدى ثمَّ غَلبه سُلَيْمَان بن الحكم بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ غَلبه مُحَمَّد بن هِشَام المهدى الْمَذْكُور ثمَّ عَاد هِشَام بن الحكم الْمُقدم ذكره ثمَّ عَاد سُلَيْمَان بن الحكم الْمُقدم ذكره ولقب بالمستعين ثمَّ غَلبه المهدى مُحَمَّد بن هِشَام الْمُقدم ذكره ثمَّ غَلبه المستعين على قرطبة ثمَّ قتل الْمهْدي مُحَمَّد بن هِشَام الْمَذْكُور وَعَاد هِشَام إِلَى خِلَافَته هَذَا كُله والمستعين محاصر لقرطبة إِلَى أَن افتتحها عنْوَة وَقتلُوا الْمُؤَيد هشاما ثمَّ غلب على وقاسم ولدا حمود من الأدارسة على قرطبة وَقتلُوا المستعين وأزالوا ملك بني أُميَّة من الأندلس ثمَّ غلب على الأندلس المرتضى بِاللَّه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن بن عبد الْملك بن النَّاصِر ثمَّ ولى بعده المستظهر بِاللَّه عبد الرَّحْمَن بن شهام ابْن عبد الْجَبَّار ثمَّ غلب عَلَيْهِ المستكفى بِاللَّه مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر ثمَّ رَجَعَ الْأَمر إِلَى الأدارسة ثمَّ بُويِعَ للمعتد بِاللَّه هِشَام بن مُحَمَّد أخى المرتضى وَتوفى سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وانقطعت دولتهم من الأندلس وَقد مضى القَوْل على ذَلِك مفصلا فِي خلال تراجم الْخُلَفَاء الطَّائِفَة الثَّانِيَة العبيديون وهم أَبنَاء عبيد الله المهدى وَيُقَال لَهُم العلويون نِسْبَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ والفاطميون نِسْبَة إِلَى فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبالمصريين نِسْبَة إِلَى مصر لاستقرارهم بهَا آخرا وَكَانَ مبدأ أَمرهم أَن المكتفى بِاللَّه طلب عبيد الله الْمَذْكُور وَهُوَ يَوْمئِذٍ بسلمية لأمر بلغه عَنهُ ففر من الشَّام إِلَى الْعرَاق ثمَّ لحق بِمصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 فِي جمادعة من خاصته وَلحق بإفريقية من بِلَاد الْمغرب فِي زى التُّجَّار وَوصل إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى وَدخل سجلماسة بِبِلَاد الْمغرب فورد على عاملها كتاب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَقبض عَلَيْهِ هُوَ وَابْنه أَبُو الْقَاسِم نزار وَكَانَ أَبُو عبد الله الشيعى من شيعته قد أَقَامَ لَهُ الدعْوَة بِتِلْكَ الْبِلَاد قبل دُخُولهَا فَسَار من أفريقية فِي جمَاعَة من البربر وَدخل سجلماسة وَأخرج عبيد الله المهدى وَابْنه من الْحَبْس وَبَايَعَهُ وارتحل بِهِ إِلَى افريقية فنزلوا رقادة من بِلَاد إفريقية فِي أَوَائِل سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فبويع بهَا المهدى الْبيعَة الْعَامَّة واستقام أمره وَولى ابْنه ابا الْقَاسِم عَهده وَبنى مَدِينَة المهدية بإفريقية وَجعلهَا دَار ملكه وَاسْتولى على فاس من الغرب الْأَقْصَى وَدخل مُلُوكهَا من الأدارسة تَحت طَاعَته وبقى حَتَّى مَاتَ وَولى بعده ابْنه أَبُو الْقَاسِم نزار الْمُقدم ذكره ثمَّ ولى بعده ابْنه الْمَنْصُور بِاللَّه إِسْمَاعِيل فَلم يتسم بالخليفة وَلَا غير السِّكَّة وَلَا الْخطْبَة والبنود ثمَّ ولى بعد مَوته ابْنه الْمعز لدين الله ابو تَمِيم معد فَبعث قائده جوهرا إِلَى الديار المصرية فملكها وَبنى الْقَاهِرَة فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة ثمَّ استناب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 بإفريقية وَسَار إِلَى مصر فملكها واستوطنها وَولى بعده ابْنه الْعَزِيز بِاللَّه أَبُو الْمَنْصُور وَولى بعد وَفَاته ابْنه الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو على الْمَنْصُور ثمَّ تولى بعده ابْنه الظَّاهِر لإعزاز دين الله أَبُو الْحسن على وَولى بعد وَفَاته ابْنه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو تَمِيم معد وَولى بعد وَفَاته ابْنه المستعلى بِاللَّه وَولى بعد وَفَاته الْآمِر بِأَحْكَام الله أَبُو على الْمَنْصُور وَولى بعد وَفَاته ابْن عَمه الْحَافِظ لدين الله أَبُو الميمون عبد الْمجِيد بن الْأَمِير أَبى الْقَاسِم مُحَمَّد وَولى بعد وَفَاته ابْنه الظَّاهِر بامرالله إِسْمَاعِيل ثمَّ ولى بعده ابْنه الفائز بنصر الله أَبُو الْقَاسِم عِيسَى وَولى بعد وَفَاته العاضد لدين الله أَبُو مُحَمَّد عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 ابْن يُوسُف وَتوفى يَوْم عَاشُورَاء سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بعد أَن قطع السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الْخطْبَة لَهُ وخطب للخلفاء العباسيين بِبَغْدَاد الطَّائِفَة الثَّالِثَة الحفصيون من بقايا الْمُوَحِّدين بإفريقية وَكَانَ مبدأ أَمرهم أَن بِلَاد الْمغرب كَانَ قد ظهر فِيهَا القَوْل بِالظَّاهِرِ حَتَّى حملهمْ ذَلِك على القَوْل بالتجسيم وَمَا فِي مَعْنَاهُ من لَوَازِم الْوُقُوف مَعَ الظَّاهِر وَكَانَ مُحَمَّد بن تومرت من بعض بطُون المصامدة من البربر أهل بَيته أهل دين وَعبادَة وَقد شب فِي طلب الْعلم ورحل إِلَى الْمشرق قَاصِدا الْحَج وَدخل الْعرَاق ولقى أكَابِر علمائه وفحول النظار بِهِ وَأخذ مَذْهَب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي القَوْل بِتَأْوِيل الْمُتَشَابه عَن عُلَمَاء الأشاعرة ولقى الإِمَام أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ وَصَحبه ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الغرب وَطعن على أَهله فِي الْوُقُوف مَعَ الظَّاهِر وَحَملهمْ على القَوْل بالتأويل وَالْأَخْذ بقول الأشاعرة فِي جَمِيع العقائد إِلَى أَنه كَانَ يَقُول بقول الإمامية من الشِّيعَة فِي عصمَة الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وانْتهى إِلَى بجاية فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يدرس الْعلم وأجتمع عَلَيْهِ بهَا عبد الْمُؤمن أحد أَصْحَابه ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد المصامدة من البربر فنشر بهَا الْعلم وَأظْهر بهَا مَذْهَب الأشاعرة وَكَانَ الْكُهَّان والمنجمون يحدثُونَ بِظُهُور ملك فِي الْمغرب من البربر فشاع فِي النَّاس أَنه ذَلِك الْملك أخْتَار من أَصْحَابه عشرَة فجعلهم خاصته وهم عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَأَبُو حَفْص عمر بن عَليّ وَغَيرهمَا ودعا المصامدة إِلَى بيعَته على التَّوْحِيد جنوحا إِلَى تَكْفِير أهل الظَّاهِر قائلين بالتجسيم فَبَايعُوهُ وَكَانَ قبل ذَلِك يلقب بِالْإِمَامِ فتلقب بعد الْمُبَايعَة بالمهدي ولقب عبد الْمُؤمن بن عَليّ بالخليفة إِشَارَة إِلَى أَنه خَلِيفَته ولقب أَبَا حَفْص عمر بن عَليّ بالشيخ وسما أَتْبَاعه الْمُوَحِّدين تعريضا بتكفير المجسمة وَلم يزل حَتَّى توفّي فاستقر فِي خِلَافَته عبد الْمُؤمن أبن عَليّ الْمُقدم ذكره وأستولى على الأندلس والغرب الْأَقْصَى والغرب الْأَوْسَط فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس وَمِائَة ثمَّ أستولى على إفريقية فِي سنة خمس وَخمسين وَخمْس مائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وَولي إفريقية ابْنه أَبَا مُوسَى عمرَان وَلما توفّي عبد الْمُؤمن أستقر بعده أبنه الْمَنْصُور يَعْقُوب بن عبد الْمُؤمن فولي على إفريقية أَبَا سعيد بن الشَّيْخ أبي حَفْص الْمُقدم ذكره ثمَّ أستولى على إفريقية بعد ذَلِك النَّاصِر بن الْمَنْصُور يَعْقُوب بن عبد الْمُؤمن وَولي عَلَيْهَا الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أبي حَفْص وَولي بعد وَفَاته أبنه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي مَكَانَهُ أَبُو الْعلَا إِدْرِيس بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَمَات بتونس فولي بعده أَبُو زيد بن أبي الْعلَا ثمَّ ولي بعده أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أبي حَفْص ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا ابو زَكَرِيَّا يحيى بن ابي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد ثمَّ بُويِعَ بعد وَفَاته أبنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد وتلقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَهُوَ أول من تلقب مِنْهُم بألقاب الْخلَافَة وأنتهى أمره إِلَى أَن بُويِعَ لَهُ بِمَكَّة وَبعث بالبيعه إِلَيْهِ وَتَبعهُ أعقابه فِي التلقيب مِنْهُم بألقاب الْخلَافَة ثمَّ بُويِعَ بعد وَفَاته أبنه يحيى وتلقب بالواثق ثمَّ أَنْخَلِع عَن الْأَمر لِعَمِّهِ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 يحيى ثمَّ ولي بعده أبنه أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا أَبُو حَفْص عمر بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص ثمَّ بُويِعَ بعد وَفَاته أَبُو عصيدة بن الواثق بن الْمُسْتَنْصر الْمُقدم ذكره ثمَّ بُويِعَ بعد وَفَاته أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا أَبُو الْبَقَاء خَالِد وتلقب النَّاصِر لدين الله ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن أَحْمد أبن مُحَمَّد اللحياني أبن عبد الْوَاحِد أبن الشَّيْخ أبي حَفْص ثمَّ بُويِعَ بعده مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِأبي حَرْبَة أبن أبي يحيى زَكَرِيَّا بن أَحْمد ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا أَبُو بكر الْمُقدم ذكره ثمَّ بُويِعَ بعد وَفَاته أبنه أَبُو حَفْص عمر بن أبي بكر ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا السُّلْطَان أَبُو حسن الموريني صَاحب الغرب الْأَقْصَى وأستخلف عَلَيْهَا أبنه أَبَا الْفضل فغلبه عَلَيْهَا الْفضل بن أبي بكر الْمُقدم ذكره وَولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 بعد وَفَاته أَخُوهُ أَبوهُ إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أبي بكر وَولي بعد وَفَاته أبنه أَبُو البقا خَالِد ثمَّ غَلبه عَلَيْهَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى أبن عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أبي حَفْص ثمَّ ولي بعد وَفَاته أبنه أَبُو فَارس عزوز وَهُوَ الْقَائِم بهَا إِلَى زَمَاننَا قي سنة ثَمَان عشرَة وثمان مائَة عَليّ مَا مر ذكر تواريخ ذَلِك وتفاصيل أَحْوَاله فِي الْكَلَام على ولايات الْأَمْصَار فِي تراجم الْخُلَفَاء وَأما بطلَان شُبْهَة دَعْوَة الطوائف الثَّلَاث الْخلَافَة فَالْقَوْل الْعَام فِي ذَلِك مَا تقدم من أَن جُمْهُور الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم على أَنه لَا يَصح نصب خليفتين وَأَن تبَاعد أقليماهما وأحتجاجا بِعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بُويِعَ لخليفتين فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُم على مَا تقدم ذكره فِي الْفَصْل الثَّالِث من الْبَاب الأول وَالْخُلَفَاء الْمُقدم ذكرهم من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ من خلفاء بني أُمِّيّه ثمَّ من خلفاء بني الْعَبَّاس بالعراق ثمَّ من خلفاءهم بالديار المصرية إِلَى آخر وَقت جارون على نسق وَاحِد يَليهَا ى مِنْهُم الْوَاحِد بعد الْوَاحِد إِمَّا بالعهد من الَّذِي قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَإِمَّا بيعَة من أهل الْحل وَالْعقد فَمن خرج عَنْهُم أَو شقّ عصاهم فَهُوَ بَاغ لَا تسوغ مبايعته ولاتحل مُتَابَعَته وَيزِيد العبيديون والحفصيون على ذَلِك فِي بطلَان شُبْهَة دَعوَاهُم بالطعن فِي النّسَب الَّذِي هوأحد شُرُوط الإماميه على مَا تقدم ذكره فالعبيديون يَقُولُونَ إِن جدهم عبيد الله المهدى هُوَ ابْن مُحَمَّد الحبيب بن جَعْفَر الْمُصدق بن مُحَمَّد المكتوم بن إِسْمَاعِيل الإِمَام بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن على زين العابدين بن الْحُسَيْن السبط بن أَمِير الْمُؤمنِينَ على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ من فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال هُوَ عبيد الله بن مُحَمَّد بن مَيْمُون بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل والباقى على مَا تقدم وَيَقُولُونَ إِن أَبَاهُ مُحَمَّدًا الحبيب حِين أَدْرَكته الْوَفَاة عهد إِلَى ابْنه عبيد الله وَقَالَ لَهُ أَنْت المهدى وتهاجر بعدى هِجْرَة بعيدَة وتلقى محنة شَدِيدَة وَاعْترض هَذَا النّسَب عَلَيْهِم معترضون ونفوهم عَنهُ وبالغوا فِي أَمرهم حَتَّى نسبوهم إِلَى ديصان الذى تنْسب إِلَيْهِ طَائِفَة الديصانية نِسْبَة إِلَى ديصان صَاحب كتاب الْمِيزَان فِي نصْرَة الزندقة واعتنوا بشأن ذَاك حَتَّى كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 بِهِ محْضر بِبَغْدَاد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة بِأَمْر الْقَادِر بِاللَّه فِي زمن الْحَاكِم بِأَمْر الله أحد خلفائهم وَكتب فِيهِ جمَاعَة من العلويين والقضاة وَمِمَّنْ كتب فِيهِ أَبُو عبد الله ابْن النُّعْمَان فَقِيه الشِّيعَة ونسخة الْمحْضر على مَا ذكره السُّلْطَان عماد الدّين صَاحب حماة فِي تَارِيخه هَذَا مَا شهد بِهِ الشُّهُود أَن معد بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد منتسب إِلَى ديصان بن سعيد الذى ينْسب إِلَيْهِ الديصانية وَأَن هَذَا الناجم مِنْهُم هُوَ مَنْصُور ابْن نزار الملقب بالحاكم حكم عَلَيْهِ بالبوار والدمار وَهُوَ معد بن اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد لاأسعده الله وَأَن من تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عَلَيْهِم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج لانسب لَهُم فِي ولد على بن أَبى طَالب وَأَن مَا أَدْعُوهُ من الانتساب أليهم زور وباطل وَأَن هَذَا الناجم معدا هُوَ وسلفه كفار فساق زنادقة ملحدون معطلون وللإسلام جاحدون أباحوا الْفروج وَأَحلُّوا الْخُمُور وَسبوا الْأَنْبِيَاء وَادعوا الربوبية وَفِي آخِره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وَكتب فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَرُبمَا وَقع الطعْن فيهم بِمَا هُوَ أَسْوَأ من ذَلِك حسب مَا ذكره صَاحب حماة أَن بَعضهم جعل نسبهم فِي الْيَهُود فَقَالَ إِن عبيد الله المهدى كَانَ اسْمه سعيد بن أَحْمد القداح بن مَيْمُون بن ديصان وَقيل سعيد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد وَإِن الْحُسَيْن تزوج امْرَأَة يَهُودِيَّة وهويها والحفصيون يَقُولُونَ إِن جدهم أَبُو حَفْص الْمَذْكُور هُوَ أَبُو حَفْص عمر بن يحيى بن مُحَمَّد بن وانود بن على بن أَحْمد بن ولال بن إِدْرِيس بن خَالِد بن اليسع ابْن إلْيَاس بن عمر بن وافتف بن مُحَمَّد بن نحية بن كَعْب بن مُحَمَّد بن سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَقد اعْترض عَلَيْهِم معترضون فِي ذَلِك فَمنهمْ من يَقُول إِنَّه مَنْسُوب إِلَى بنى عدى رَهْط عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَمِنْهُم من يَقُول بل هُوَ مَنْسُوب إِلَى هنتاتة بِفَتْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 الْهَاء وَإِسْكَان النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَبعدهَا ألف ثمَّ تَاء مثناة فَوق مَفْتُوحَة وهاء فِي الآخر وهى قَبيلَة من قبائل المصامدة من البربر بجبال درن المتاخمة لمراكش وهى قَبيلَة وَاسِعَة كَبِيرَة وَكَانَ أَبُو حَفْص هَذ 1 شيخهم وَكَبِيرهمْ قَالَ صاحبب العبر وَلَعَلَّ هَذَا النّسَب القرشى وَقع فِي المصامدة والتحم بهم واشتملت عَلَيْهِ عصبتهم شَأْن الْأَنْسَاب الَّتِى تقع من قوم إِلَى قوم ويؤكد نفى الْخلَافَة عَنْهُم أَن السُّلْطَان أَبَا زَكَرِيَّا يحيى ابْن عبد الْوَاحِد بن الشَّيْخ أَبى حَفْص كَانَ يمْتَنع من التلقب بألقاب الْخلَافَة وَيمْنَع من يخاطبه بهَا مُقْتَصرا على التلقب بالإمارة حَتَّى لقد رفع إِلَيْهِ بعض شعرائه قصيدة مدحه بهَا أَولهَا ... أَلا صل بالأمير المؤمنينا فَأَنت بهَا أَحَق العالمينا ... فَنَهَاهُ عَن ذَلِك ومنعهم من خطابة بهَا وَإِنَّمَا تلقب بلقب الْخلَافَة ابْنه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بعده على مَا تقدم ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر مَا يكْتب للخلفاء من البيعات فِي الْقَدِيم والْحَدِيث وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي البيعات وهى تكْتب لمن يقوم بالخلافة بمبايعة أهل الْحل وَالْعقد دون عهد من الْخَلِيفَة قبله بِالشُّرُوطِ السَّابِقَة على مَا تقدم ذكره فِي الْكَلَام على الطّرق الَّتِى تَنْعَقِد بهَا الْإِمَامَة فِي الْبَاب الأول من الْكتاب وَأعلم أَن الصّديق رضى الله عَنهُ لم تكْتب لَهُ بيعَة بالخلافة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم ينْقل ذَلِك وَلَو وَقع لنقل كَمَا نقل كتاب عهد الصّديق بالخلافة لعمر رضى الله عَنْهُمَا على مَا سيأتى ذكره وَكَذَلِكَ سَائِر الْخُلَفَاء بعده لم تكْتب لَهُم مبايعة إِلَى أَن كَانَت أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان فِي الدولة الأموية رتب الْحجَّاج بن يُوسُف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 أيمانا لِلْبيعَةِ يحلف بهَا للخليفة عِنْد أَخذ الْبيعَة لَهُ وابتدئ كِتَابه البيعات من يَوْمئِذٍ ونظم الْإِيمَان فِي خلالها وَاسْتمرّ ذَلِك فِيمَا بعده وَاخْتلفت أساليب الْكتاب بعد ذَلِك دولة بعد دولة وَقد اسْتَقر أَمرهم فِي ذَلِك على أَرْبَعَة مَذَاهِب الْمَذْهَب الأول أَن تفتتح الْبيعَة بِأَن يُقَال تبَايع عبد الله أَبَا فلَان فلَانا أَمِير الْمُؤمنِينَ على كَذَا وَكَذَا على أَنَّك إِن خَالَفت فِي ذَلِك أَو فِي شئ مِنْهُ كَانَ لازمك كَذَا وَكَذَا مَعَ بسط القَوْل فِي ذَلِك بِمَا يُنَاسب الْمقَام وتأكيده بِالْإِيمَان المعقدات والأليات المحرجات وعَلى هَذَا الأسلوب كَانَت طَريقَة الْأَوَّلين فِي الْخلَافَة الأموية وَصدر الْخلَافَة العباسية فَإِن كَانَت الْمُبَايعَة من جمَاعَة كتب تُبَايِعُونَ بِلَفْظ الْجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَهَذِه نُسْخَة بيعَة من ذَلِك أوردهَا أَبُو الْحُسَيْن بن إِسْحَاق الصابى فِي كِتَابه غرر البلاغة فِي الْكِتَابَة وهى تبَايع عبد الله أَبَا فلَان فلَانا أَمِير الْمُؤمنِينَ بيعَة طوع وَاخْتِيَار وتبرع وإيثار وإعلان وإسرار وَإِظْهَار وإضمار وَصِحَّة من غير نغل وسلامة من غير دغل وثبات من غير تَبْدِيل ووقار من غير تَأْوِيل واعتراف بِمَا فِيهَا من جمع الشمل واتصال الْحَبل وانتظام الْأُمُور وَصَلَاح الْجُمْهُور وحقن الدِّمَاء وَسُكُون الدهماء وسعادة الْخَاصَّة والعامة وَحسن العائدة على أهل الْملَّة والذمة على أَن عبد الله فلَانا أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله الذى اصطفاه وأمينه الذى ارْتَضَاهُ وخليفته الذى جعل طَاعَته جَارِيَة بِالْحَقِّ وموجبة على الْخلق وموردة لَهُم مورد الْأَمْن وعاقدة لَهُم معاقد الْيمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وولايته مؤذنة لَهُم بجميل الصنع ومؤدية بهم إِلَى جزيل النَّفْع وإمامته الْإِمَامَة الَّتِى اقْترن بهَا الْخَيْر وَالْبركَة والمصلحة الْعَامَّة الْمُشْتَركَة وأمل فِيهَا قمع الملحد الجاحد ورد الجائر الحائد وَقسم العاصى الخالع وَعطف الغاوى المنازع وعَلى أَنَّك ولى أوليائه وعدو أعدائه من كل دَاخل فِي الْجُمْلَة وخارج عَن الْملَّة وعائذ بالحوزة وحائد عَن الدعْوَة ومستمسك بِمَا بذلته عَن إخلاص من رَأْيك وَحَقِيقَة من وفائك لاتنقض وَلَا تنكث وَلَا تخلف وَلَا توارى وَلَا تخادع وَلَا تداجى وَلَا تخاتل علانيتك مثل نيتك وقولك مثل طويتك وعَلى الا ترجع عَن شَيْء من حُقُوق هَذِه الْبيعَة وشرائطها على مر الْأَيَّام وتطاولها وَتغَير الْأَحْوَال وتنقلها وَاخْتِلَاف الْأَزْمَان وَتَقَلُّبهَا وعَلى أَنَّك فِي كل ذَلِك من أهل الْملَّة الإسلامية ودعاتها وَأَعْوَان الدولة العباسية ورعاته الايتداخل قَوْلك مواربه وَلَا يداخله مداهنة وَلَا يَعْتَرِضهُ مغالطة ولايتعقبه مُخَالفَة وَلَا تختل بِهِ أَمَانه وَلَا تعله خِيَانَة حَتَّى تلقى الله مُقيما على أَمرك ووفيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 بعهدك إِذْ كَانَ مبايعو وُلَاة الْأَمر وخلفاء الله فِي الأَرْض {إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} عَلَيْك بِهَذِهِ الْبيعَة الَّتِى أَعْطَيْت بهَا صَفْقَة يدك وأصفيت فِيهَا سريرة قَلْبك والتزمت الْقيام بهَا مَا طَال عمرك وامتد أَجلك عهد الله إِن عهد الله كَانَ مسؤولا وَمَا اخذه على أنبيائه وَرُسُله وملائكتة وَحَملَة عَرْشه من أَيْمَان مُغَلّظَة وعهود مُؤَكدَة ومواثيق مُشَدّدَة على أَنَّك تسمع وتصغى وتطيع فَلَا تعصى وتعدل وَلَا تميد وتستقيم وَلَا تحيد وتفى وَلَا تغدر وَتثبت وَلَا تَتَغَيَّر فَمَتَى زلت عَن هَذِه المحجة خافرا لأمانتك ورافعا لديانتك فَجحدت الله تَعَالَى ربوبيته وأنكرته وحدانيته وَقطعت عصمَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْك وجذذتها ورميت طاعتة وَرَاء ظهرك ونبذتها وَلَقِيت الله يَوْم الْحَشْر إِلَيْهِ وَالْعرض عَلَيْهِ مُخَالفا لأَمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وخائنا لعهده وَمُقِيمًا على الْإِنْكَار لَهُ ومصرا على الْإِشْرَاك بِهِ وكل مَا حلله الله لَك محرم عَلَيْك وكل مَا تملكه يَوْم رجوعك عَن بذلك وارتجاعك مَا اعطيته من قَوْلك من مَال مَوْجُود ومذخور ومصوغ ومضروب وسارح ومربوط وسائم ومعقول وَأَرْض وضيعة وعقار وعقدة ومملوك وَأمة صَدَقَة على الْمَسَاكِين مُحرمَة على مر السنين وكل امْرَأَة لَك تملك شعرهَا وبشرها وَأُخْرَى تتزوجها من بعْدهَا طَالِق ثَلَاثًا بتاتا طَلَاق الْحَرج وَالسّنة لَا رَجْعَة فِيهَا وَلَا مثنوية وَعَلَيْك الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام الذى بِمَكَّة ثَلَاثِينَ مرّة حاسرا حافيا وراجلا مَاشِيا نذرا لَازِما ووعدا صَادِقا لايبرئك مِنْهَا إِلَّا الْقَضَاء لَهَا وَالْوَفَاء بهَا وَلَا قبل الله مِنْك تَوْبَة وَلَا رَجْعَة وَلَا إِقَالَة عَثْرَة وَلَا ضرعة وخذلك يَوْم الاستنصار بحوله وأسلمك عِنْد الاعتصمام بحبلة وَهَذِه الْيَمين قَوْلك قلتهَا قولا فصيحا وسردتها سردا صَحِيحا وأخلصت فِيهَا سرك إخلاصا متينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وصدقت بهَا عزمك صدقا يَقِينا وَالنِّيَّة فِيهَا نِيَّة فلَان أَمِير الْمُؤمنِينَ دون نيتك والطوية فِيهَا طويته دون طويتك وأشهدت الله على نَفسك بذلك وَكفى بِاللَّه شَهِيدا يَوْم تَجِد كل نفس عَلَيْهَا حَافِظًا ورقيبا قلت وعَلى هَذَا الأسلوب فِي الْمُبَايعَة رتب الْكتاب الْإِيمَان الَّتِى يحلف بهَا عَن السُّلْطَان فِي زَمَاننَا الْمَذْهَب الثانى فِي البيعات أَن تفتتح البعية بِلَفْظ من عبد الله أَبى فلَان فلَان أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام عَلَيْكُم فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْكُم الله الذى لَا أَله إِلَّا هُوَ ويسأله أَن يصلى على ابْن عَمه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُقَال أما بعد فَالْحَمْد لله وَيُؤْتى بِخطْبَة مُنَاسبَة الْمقَام ثمَّ يعزى بالخليفة الماضى إِن كَانَت الْبيعَة مرتبَة على موت خَليفَة وَيذكر قِيَامه بأعباء الْأمة إِلَى حِين ذَهَابه ثمَّ يُقَال إِنَّه لم يُوجد من ينْهض بأعباء الْخلَافَة بعده إِلَّا وَلَده فلَان أَو أَخُوهُ أَو ابْن عَمه أَو نَحْو ذَلِك وَيُؤْتى بتقريظة وَذكر اسْتِحْقَاقه للخلافة دون غَيره ثمَّ الْقَائِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 بالبيعة لَهُ بِحَضْرَتِهِ أَو فِي بعض الْأَطْرَاف بِأخذ الْبيعَة لَهُ على من قبله من الرّعية وعَلى ذَلِك كَانَت تكْتب بيعات الْخُلَفَاء الفاطميين بالديار المصرية بجملتها وَهَذِه نُسْخَة بيعَة من هَذَا النمط من عبد الله ووليه أَبى فلَان فلَان بن فلَان الإِمَام الفلانى بِأَمْر الله تَعَالَى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى من يضمه نطاق الدولة العباسية من أمرائها وأعيانها وكبرائها وأوليائها على اتساع شعوبهم وعساكرها على اخْتِلَاف ضروبهم وقبائل عربها القيسية واليمنية وكافة من تشمله أقطارها من أَصْنَاف الرّعية الْأَمِير مِنْهُم والمأمور وَالْمَشْهُور مِنْهُم والمغمور وَالْأسود والأحمر والأصغر والأكبر وفقهم الله وَبَارك فيهم سَلام عَلَيْكُم فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْكُم الله الذى لَا أَله الا هُوَ ويسأله أَن يصلى على ابْن عَمه مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 خَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله الطاهرين الآئمة المهديين وَسلم تَسْلِيمًا أما بعد فَالْحَمْد لله مولى الْمَنّ الجسيم ومبدى الطول العميم ومانح جزيل الْأجر بِالصبرِ الْعَظِيم منيل النعم المتسعة الْفُنُون ومدنى المهج المتعالية التَّنَاوُل للمنون ومبيد الْأَعْمَار ومفنيها وناشر الْأَمْوَات ومحييها والفاتح إِذا استغلقت الْأَبْوَاب وَالْقَائِل {لكل أجل كتاب} الذى لايغير ملكه مُرُور الْغَيْر وَلَا يصرف سُلْطَانه تصرف الْقدر وَلَا يدْرك قدمه وأزليته وَلَا ينْفد بَقَاؤُهُ وسرمديته مُسلم الْأَنَام للحمام ومصمى الْأَنْفس بسهام الاخترام ومورد الْبشر من الْمنية منهلا مَا برحوا فِي رنقة يكرعون ولمرة ييجعون ومفسر ذَلِك بقوله {كل نفس ذائقة الْمَوْت ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وإلينا ترجعون} وَالْحَمْد لله الذى نصب الْأَنْبِيَاء لمراشده أعلاما وَحفظ ببعثهم من الْحق وَالْهدى نظاما 2 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَجعل نبوة ابْن عمنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنبواتهم ختاما وَلم يحم نَبيا مَعَ مَا شرفه من تنَاول وحيه وتلقيه وَلَا عصم إِمَامًا مَعَ اخْتِصَاصه بِفُرُوع منصب الْإِمَامَة وترقية من لِقَاء الْمنية ووداع الأمنية بل أجل لكم مِنْهُم اجلا مَكْتُوبًا وفسح لَهُ أمدا محصورا محسوبا لَا يصرف عَن وُصُوله مقِيله وَلَا يصل إِلَى تجاوزه بِقُوَّة وَلَا حِيلَة سَبيله وَقَضِيَّة قدرَة محكمَة الْأَسْبَاب وعبرة وَاضِحَة لأولى الْأَلْبَاب أوضحها فرقانه الذى أقرّ بإعجازه الجاحد بهَا إِذْ يَقُول مُخَاطبا لنَبيه {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} وَالْحَمْد لله الذى منح أَمِير الْمُؤمنِينَ من خَصَائِص الْإِمَامَة وأنوارها وَحَازَ لَهُ من ذخائرها وأودعه من أسرارها وَحَوله فِي آخر تراثها وأصار لَهُ شرف مِيرَاثهَا وَجعله الْقَائِم بحقة والمرشد لخلقه والماحى بهداه لَيْلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 من الضلال بهيما والحاوى بخلافته مجدا وَلَا يزَال ثَنَاؤُهُ عَظِيما {ذَلِك الْفضل من الله وَكفى بِاللَّه عليما} يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على ان أوضح بآبائه الآئمة سبل الْحَقَائِق فَأَصْبحُوا خلفاء الْخَالِق وأئمة الْخَلَائق وخوله مَا اختصهم بِهِ من الْإِمَامَة وَرَفعه بهَا إِلَى أشمخ منَازِل الْعلَا وَأَرْفَع مَوَاطِن الْكَرَامَة ويستمده شكرا يوازى النعم الَّتِى أَثْبَتَت لَهُ على سَرِير الْخلَافَة ومنبرها قدما وصبرا يوازن الفجيعة الَّتِى قل لَهَا فيض المدامع دَمًا ويسأله أَن يصلى على ابْن عَمه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذى فض بجهاده جموع الْإِلْحَاد وَحصر بِاجْتِهَادِهِ من مَال عَن الْهدى وحاد وصدع بِمَا أَمر بِهِ حَتَّى عَم التَّوْحِيد ودانت لمعجزاته الْأُمَم وَقد دَعَاهَا وَهُوَ الْمُفْرد الوحيد وَلم يزل مبالغا فِي مرضاة ربه حريصاص على إِظْهَار دينه بِيَدِهِ وَلسَانه وَقَلبه حَتَّى اسْتَأْثر بِهِ وَقَبضه وبدله من الدُّنْيَا شرف جواره وعوضه وأصاره إِلَى افضل نبى نفر وَبشر وَأَحْيَا دين الله وأنشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَإِن الإِمَام الفلانى لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ وليا لله شرفه واستخلصه وأفرده بإمامة عصره وخصصه وفوض إِلَيْهِ أَمر خِلَافَته أحله محلا تقع مطارح الهمم دون علوه وإنافته فَقَامَ بِحَق الله ونهض وَعمل بامره فِيمَا سنّ وَفرض وقهر الاعداء بسطواته وعزائمه وَصرف الامور بازمه التَّدْبِير وخزائمه وَبَالغ فِي الذب عَن اشياع المله واجتهد فِي جِهَاد اعداء القبله ووقف على مصلحه الْبِلَاد امله ووفر على مَا يحظى عِنْد الله قَوْله وَعَمله وَلم يتْرك فِي مرضاة خالقه مشقه الا احتملها وَلَا رويه الا صرفهَا فِي ارشاد خلقه واعملها حَتَّى بلغ الغايه المحدوده واستكمل الانفاس المعدودة واحسن الله لَهُ الِاخْتِيَار واثر لَهُ النقله من هَذِه الدَّار والزلفى لسكنى دَار الْقَرار والفوز بمصاحبة الانبياء الابرار والحلول فِي حظائر قدسه مَعَ ابائه الائمه الاطهار فَصَارَ اليه طَاهِر السريرة جميل الْمَذْهَب والصوره مستوجبا بسعيه افضل رضوانه ممهدا بالتقوى لتدبيره اكناف جنانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وامير الْمُؤمنِينَ يحْتَسب عِنْد الله هَذِه الرزيه الَّتِي عظم بهَا الْمُصَاب وعذب عِنْد تجرعها الْمُصَاب واضرمت الْقُلُوب نَارا واجرت الاماق دَمًا ممارا واطاشت بهولها الاكباد بالحرق وكحلت الاجفان بالارق وكادت لهجومها الصُّدُور تقذف افئدتها وَالدُّنْيَا تنْزع نضرتها وبهجتها وقواعد المله تضعف وتهى والخطوب 168 الكارثه تسهر وَلَا تَنْتَهِي فانا لله وانا اليه رَاجِعُون تَسْلِيمًا لامره الَّذِي لايدفع واذعانا لقضائه الَّذِي لايصد ولايمنع وَكَانَ الامام الْفُلَانِيّ لدين الله امير الْمُؤمنِينَ عِنْد نقلته جعل لي عقد الحلافة وَنَصّ عَلَيْهِ بارتقاء منصبها الْمَخْصُوص بالانافة وافضى الى بسرها الْمكنون واودعني غامض علمهَا المصون وعهد الى ان اشملكم بِالْعَدْلِ والاحسان والعطف والحنان والرحمه والغفران والمن الرَّائِق الَّذِي لَا يكدره امتنان وان اكون لاعلام الْهدى ناشرا وَبِمَا ارضى الله مجاهرا ولاحزاب القبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 مُظَاهرا مظافرا ولاعداء المله مرغما قاهرا ولمنار التَّوْحِيد رَافعا وَعَن حوزه الاسلام بغاية الامكان دافعا مَعَ علمه بِمَا خصصت بِهِ امير الْمُؤمنِينَ من كرم الشيم وفطرت عَلَيْهِ من الْخلال القاضيه مصَالح الامم واوتيته من اسْتِحْقَاق الامامه واستيجابها ومنحته من الخصائص المبرمه لاسبابها فتعزوا جَمِيع الاولياء وكافة الامراء وَجَمِيع الاجناد والحاضر من الرعايا والباد عَن امامكم الْمَنْقُول الى دَار الْكَرَامَة بامامكم الْحَاضِر الْمَوْجُود الَّذِي اورثه الله مقَامه وادخلوا فِي بيعَته بصدور مشروحه نقيه وَقُلُوب على مَحْض الطاعه مطويه وثبات فِي الْوَلَاء والمشايعة مرضيه وبصائر لَا تزَال بِنور الْهدى والاستبصار مضيه وامير الْمُؤمنِينَ يسال الله ان يَجْعَل امامته محظوظه بالاقبال دائمه الْكَمَال صافيه من الاكدار معضوضه بمواتاه الاقدار ويوالى حَمده على مَا منحه من الاصطفاء الَّذِي جعله لامور الدّين وَالدُّنْيَا قواما واقامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 للبريه سيدا واماما فاعلموا هَذَا وَاعْمَلُوا بِهِ وَالسَّلَام عَلَيْكُم ورحمه الله وَبَرَكَاته وَكتب يَوْم كَذَا من شهر كَذَا من سنه كَذَا 168 ب الْمَذْهَب الثَّالِث ان يفتح البيعه بِلَفْظ هَذَا ويعزى بالخليفه الذَّاهِب ان كَانَت البيعه مرتبه على موت ثمَّ يهنى بالخليفه المستقر اَوْ يلوح بِذكر الْخلْع الْمُوجب لخلع المخلوع وَاسْتِحْقَاق المستقر فِي الخلافه بِحَيْثُ لَا يكون فِي التَّلْوِيح الى الْخلْع تنقيص لجَانب المخلوع وَلَا حط لقدره الا ان يكون الْخلْع قد وَقع لموجب شَرْعِي اقْتَضَاهُ الْحَال وَرُبمَا افتتحت البيعه بايه من كتاب الله تَعَالَى وَهَذِه نسخه بيعَة انشاها الْمقر الشهابي بن فضل الله عِنْد موت الامام المستكفى بِاللَّه ابي الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بامر الله ومبايعه ابْنه الْحَاكِم بامر الله بعده امتحانا لخاطره واختبارا لذهنه وَلم يكْتب بهَا وَهِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} هَذِه بَيْعه رضوَان وَبيعه احسان وَبيعه يشهدها الجماعه وَيشْهد عَلَيْهَا الرَّحْمَن بَيْعه يلْزم طائرها الْعُنُق وتحوم بشائرها على الافق وَتحمل انباءها البراري والبحار مشحونه الطّرق بَيْعه تصلح بِسَبَبِهَا الامه ويمنح بسيلها النعمه ويؤلف بهَا الْأَسْبَاب وَتجْعَل بَينهم مودرة وَرَحْمَة بيعَة يجْرِي بهَا الرفاق وتتزاحم زمر الْكَوَاكِب على حَوْض المجره للوفاق بَيْعه سعيده ميمونه بَيْعه شريفه بهَا السلامه فِي الدّين وَالدُّنْيَا مضمونه بَيْعه صَحِيحه شرعيه بَيْعه ملحوظه مرعيه بَيْعه تسابق اليها كل نيه وتطاوع 169 كل طويه وَتجمع عَلَيْهَا اشتات البريه بَيْعه يستهل بهَا الْغَمَام ويتهلل الْبَدْر التَّمام بَيْعه مُتَّفق على الاجماع عَلَيْهَا والاجتماع لبسط الايدى اليها انْعَقَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 عَلَيْهَا الاجماع وانعقدت صِحَّتهَا بِمن سمع ذَلِك واطاع وبذل فِي تَمامهَا كل امرىء مَا اسْتَطَاعَ وَحصل عَلَيْهَا اتِّفَاق الْأَبْصَار والأسماع وَوصل بهَا الْحق الى مُسْتَحقّه وَوَافَقَ الْخصم وَانْقطع النزاع ونظمها كتاب كريم يشهده المقربون ويتلقاه الْأَئِمَّة الأقربون {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} {ذَلِك من فضل الله علينا وعَلى النَّاس} وإلينا وَللَّه الْحَمد وَإِلَى بني الْعَبَّاس اجْمَعْ على هَذِه الْبيعَة ارباب العقد والحل واصحاب الْكَلَام فِيمَا قل وَجل وولاة الْأُمُور وَالْأَحْكَام وأرباب المناصب والحكام وَحَملَة الْعلم والأعلام وحماة السيوف والأقلام وكابر بني عبد منَاف وَمن انخفض قدره وأناف وسروات قُرَيْش ووجوه بني هَاشم والبقية الطاهرة من بني الْعَبَّاس وخاصة الْأَئِمَّة وَعَامة النَّاس بيعَة ترسى بالحرمين خيامها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وتخفق على المأزمين أعلامها وتتعرف عَرَفَات ببركاتها وتعرف بمنى أَيَّامهَا ويؤمن عَلَيْهَا يَوْم الْحَج الْأَكْبَر ويؤم مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام والمنبر وَلَا يتبقى الا وَجه الله الْكَرِيم وفضله العميم لم يبْق صَاحب علم وَلَا علم وَلَا ضَارب بِسيف وَلَا كَاتب بقلم وَلَا رب حكم وَلَا قَضَاء وَلَا من يرجع اليه فِي اتِّفَاق وَلَا إِمْضَاء وَلَا إِمَام مَسْجِد وَلَا خطيب وَلَا ذُو فتيا يسْأَل فيجيب وَلَا من بَين جنبتي الْمَسَاجِد وَلَا من تضمهم اجنحة المحاريب وَلَا من يجْتَهد فِي رَأْي فيخطئ أَو يُصِيب وَلَا متحدث بِحَدِيث وَلَا مُتَكَلم بقديم وَحَدِيث وَلَا مَعْرُوف بدين وَصَلَاح وَلَا فرسَان حَرْب وكفاح وَلَا راشق لسهام وَلَا طَاعن برماح وَلَا ضَارب بصفاح وَلَا ساع على قدم وَلَا طَائِر بجناح وَلَا مخالط للنَّاس وَلَا قَاعد فِي عزلة وَلَا جمع كَثْرَة وَلَا قلَّة وَلَا من يسْتَقلّ بالجوزاء لواؤة وَلَا يقل فَوق الفرقد ثواؤه وَلَا باد وَلَا حَاضر وَلَا مُقيم وَلَا سَائِر وَلَا أول وَلَا آخر وَلَا مسر فِي بَاطِن وَلَا معلن فِي ظَاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَلَا عرب وَلَا عجم وَلَا راعي إبل وَلَا غنم وَلَا صَاحب أَنَاة وَلَا إبدار وَلَا سَاكن فِي حضر وبادية بدار وَلَا صَاحب عمد وَلَا جِدَار وَلَا سابح فِي الْبحار الزاخرة والبراري القفار وَلَا من يتوقل صهوات الْخَيل وَلَا من يسبل على الْعَجَاجَة الذيل وَلَا من تطلع عَلَيْهِ شمس النَّهَار ونجوم اللَّيْل وَلَا من تظله السَّمَاء وتقله الأَرْض وَلَا من تدل عَلَيْهِ الْأَسْمَاء على اختلافها وترتفع دَرَجَات بَعضهم على بعض حَتَّى آمن بِهَذِهِ الْبيعَة وَأمن الله عَلَيْهِ وهداه إِلَيْهَا وَأقر بهَا وَصدق وغض لَهَا بَصَره خَاشِعًا وأطرق وَمد إِلَيْهَا يَده بالمبايعة ومعتقده بالمتابعة رضى بهَا وارتضاها وَأَجَازَ حكمهَا على نَفسه وأمضاها وَدخل تَحت طاعتها وَعمل بمقتضاها {وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين} وَالْحَمْد لله الَّذِي نصب الْحَاكِم ليحكم بَين عباده وَهُوَ أحكم الْحَاكِمين وَالْحَمْد لله الَّذِي أَخذ حق آل بَيت نبيه من أَيدي الظَّالِمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَإنَّهُ لما اسْتَأْثر الله بِعَبْدِهِ {سُلَيْمَان} أَبى الرّبيع الإِمَام المستكفى بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله مثواه وعوضه عَن دَار الْإِسْلَام بدار السَّلَام وَنَقله فزكى بدنه عَن شَهَادَة الْإِسْلَام بِشَهَادَة الْإِسْلَام حَيْثُ آثره ربه بِقُرْبِهِ ومهد لجنبه وأقدمه على مَا أقدمه من يرجوه لعمله وَكَسبه وخار لَهُ فِي جواره رَفِيقًا وَجعل لَهُ على صَالح نَفسه طَرِيقا وأنزله {مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} الله أكبر ليومه لَوْلَا مخلفه كَادَت تضيق الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وتجزى كل نفس بِمَا كسبت وتنبئ كل سريرة بِمَا ادخرت وَمَا خبت لقد أضرم سعير الا انه فِي الجوانح لقد اصر مِنْبَر وسرير لَوْلَا خَلفه الصَّالح لقد اضْطربَ مَأْمُور وأمير لَوْلَا الْفِكر بعده فِي عَاقِبَة الْمصَالح لقد غاضت الْبحار لقد غَابَتْ الْأَنْوَار لقد غَالب البدور وَمَا يلْحق الْأَهِلّة من المحاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وَيدْرك الْبَدْر من السرَار نسفت الْجبَال نسفا وخبت مصابيح النُّجُوم وكادت تطفى {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} لقد جمعت الدُّنْيَا أطرافها وعزمت على الْمسير وخضعت الْأمة لهول الْمصير وزاغت يَوْم مَوته الْأَبْصَار {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} وَبقيت الْأَلْبَاب حيارى ووقفت تَارَة تصدق وَتارَة تتمارى لَا تعرف قرارا وَلَا على الأَرْض استقرارا {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى} وَلم يكن فِي النّسَب العباسي وَلَا فِي جَمِيع من فِي الْوُجُود وَلَا فِي الْبَيْت المسترشدي وَلَا فِي غَيره من بيُوت الْخُلَفَاء من بقايا آبَاء لَهُم وجدود وَلَا من تلده إِحْدَى اللَّيَالِي وَهِي عَاقِر غير ولود من تسلم إِلَيْهِ أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقد نياتها إِلَّا وَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَأَيْنَ ذَلِك الْوَاحِد هُوَ وَالله من انحصر فِيهِ اسْتِحْقَاق مِيرَاث آبَائِهِ الْأَطْهَار وتراث أجداده وَلَا شئ هُوَ إِلَّا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ رِدَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ ابْن الْمُنْتَقل الى ربه وَولد الإِمَام الذَّاهِب لصلبه الْمجمع على أَنه فِي الْأَمَام فَرد هُوَ الْأَمَام وَوَاحِد وَهَكَذَا هُوَ فِي الْوُجُود الإِمَام وانه الْحَائِز لما زرت عَلَيْهِ جُيُوب الْمَشَارِق والمغارب والفائز بِملك مَا بَين الشارق وَالْغَارِب الراقي فِي صفح السَّمَاء هَذِه الدورة المنيفة الْبَاقِي بعد الْأَئِمَّة الماضين رَضِي الله عَنْهُم وَنعم الْخَلِيفَة الْمُجْتَمع فِيهِ شُرُوط الْإِمَامَة المتضع لله وَهُوَ من بَيت لَا يزَال الْملك فيهم الى يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي تصفح السَّحَاب نائله وَالَّذِي لَا يغره عاذره وَلَا يُغَيِّرهُ عاذله وَالَّذِي ... تعود بسط الْكَفّ حَتَّى لَو انه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله ... وَالَّذِي ... لَا هُوَ فِي الدُّنْيَا مضيع نصِيبه ... وَلَا ورق الدُّنْيَا عَن الدّين شاغله ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَالَّذِي مَا ارْتقى صهوة الْمِنْبَر بِحَضْرَة سُلْطَان زَمَانه إِلَّا مَال باصره وَقَامَ قائمه وَلَا قعد على سَرِير الْخلَافَة الا وَعرف انه مَا خَابَ مستكفيه وَلَا غَابَ حاكمه نَائِب الله فِي ارضه والناهض بسنته وفرضه والقائم بمقام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخليفته وَابْن عَمه وتابع عمله الصَّالح ووارث علمه سيدنَا ومولانا عبد الله ووليه احْمَد ابو الْعَبَّاس الْحَاكِم بامر الله امير الْمُؤمنِينَ ابْن الامام المستكفى بِاللَّه ابي الرّبيع سُلَيْمَان ايد الله تَعَالَى بِبَقَائِهِ الدّين وطوق بِسَيْفِهِ الْمُلْحِدِينَ وكبت تَحت لوائه الْمُعْتَدِينَ وَكتب لَهُ النَّصْر الى يَوْم الدّين وكف بجهاده المفسدين واعاذ بِهِ الارض مِمَّن لَا يدين بدين واعاد بعدله ايام آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهديين الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ وَعَلِيهِ كَانُوا يعْملُونَ وَنصر أنصاره وَقدر اقتداره واسكن فِي الْقُلُوب هيبته ووقاره وَمكن لَهُ فِي الْوُجُود وَجمع لَهُ اقطاره وَلما انْتقل الى الله {ذَلِك} السَّيِّد وَلحق بدار الْحق اسلافه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَنقل الى سرر الْجنَّة من سَرِير الْخلَافَة وخلا الْعَصْر من امام يمسك مَا بقى من نَهَاره وَخَلِيفَة يغالب مربد اللَّيْل بأنواره ووارث نَبِي بِمثلِهِ وَمثل ابيه اسْتغنى الْوُجُود بعد ابْن عَم نبيه خَاتم الْأَنْبِيَاء صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نَبِي مقتف على آثاره وَنسي وَلم يعْهَد فَلم يبْق اذ لم يُوجد النَّص الا الْإِجْمَاع وَعَلِيهِ كَانَت الْخلَافَة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا نزاع اقْتَضَت الْمصلحَة الجامعة عقد مجْلِس كل طرف بِهِ مَعْقُود وَعقد بيعَة عَلَيْهَا الله وَالْمَلَائِكَة شُهُود وَجمع النَّاس لَهُ {ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مشهود} فَحَضَرَ من لم يعبأ بعده بِمن تخلف وَلم يربأ مَعَه وَقد مد يَده طَائِعا لمن مدها وَقد تكلّف واجتمعوا على رأى وَاحِد واستخاروا الله تَعَالَى فِيهِ فخار وناهيك بذلك من مُخْتَار وَأخذت يَمِين تمد اليها الْأَيْمَان ويشد بهَا الْإِيمَان وتعطى عَلَيْهَا المواثيق وَتعرض امانتها على كل فريق حَتَّى تقلد كل من حضر فِي عُنُقه هَذِه الْأَمَانَة وَحط يَده على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الْمُصحف الْكَرِيم وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم وَأتم ايمانه وَلم يقطع وَلم يسْتَثْن وَلم يتَرَدَّد وَمن قطع من غير قصد اعاد وجدد وَقد نوى كل من حلف ان النِّيَّة فِي يَمِينه نِيَّة من عقدت هَذِه الْبيعَة لَهُ وَنِيَّة من حلف لَهُ وتذمم بِالْوَفَاءِ فِي ذمَّته وتكفله على عَادَة ايمان الْبيعَة بشروطها واحكامها المرددة واقسامها الْمُؤَكّدَة بِأَن يبْذل لهَذَا الإِمَام المفترضة طَاعَته الطَّاعَة وَلَا يُفَارق الْجُمْهُور وَلَا يظْهر عَن الْجَمَاعَة انجماعه وَغير ذَلِك مِمَّا تضمنته نسخ الْأَيْمَان المكتتب فِيهَا اسماءمن حلف عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَكْتُوب بخطوط من يكْتب مِنْهُم وخطوط الْعُدُول الثِّقَات عَمَّن لم يكْتب واذنوا لمن يكْتب عَنْهُم حسب مَا يشْهد بِهِ بَعضهم على بعض ويتصادق عَلَيْهِ اهل السَّمَاء والارض بيعَة تمّ بِمَشِيئَة الله تَمامهَا وَعم بالصوب الغدق غمامها {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} ووهب لنا الْحسن ثمَّ الْحَمد لله الْكَافِي عَبده الوافي وعده الموافي لمن يُضَاعف على كل موهبة حَمده ثمَّ الْحَمد لله على نعم يرغب أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ازديادها ويرهب الا أَن يُقَاتل أَعدَاء الله بأمدادها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 ويرأب بهَا مَا آثر فِيمَا آثر مماليكه مِمَّا بَان من مباينة أضدادها نحمده وَالْحَمْد لله ثمَّ الْحَمد لله كلمة لَا يمل من تردادها وَلَا نخل بِمَا يَنُوب السِّهَام من سدادها وَلَا نظل الا على مَا يُوجب بِكَثْرَة أعدادها وتيسير أقدار على أورادها ونشهد أَن لَا اله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتقايس دم الشُّهَدَاء وَمد مدادها وتتنافس طرر الشَّبَاب وغرر السَّحَاب على استمدادها وتتجانس رقومها المدبجة وَمَا تلبسه الدولة العباسية من شعارها والليالي من دثارها والأعداء من حدادها ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جمَاعَة آله من سفل من أبنائها وَمن سلف من أجدادها وَرَضي الله عَن الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين وَبعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لما اكسبه الله تَعَالَى من مِيرَاث النُّبُوَّة مَا كَانَ لجده ووهبه من الْملك السُّلَيْمَانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 عَن أَبِيه مَا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدة وَعلمه منطق الطير بِمَا تتحمله حمائم البطائق من بَدَائِع الْبَيَان وسخر لَهُ من الْبَرِيد على متون الْخَيل مَا سخر من الرّيح لِسُلَيْمَان واتاه من خَاتم الانبياء مَا امده بِهِ ابوه سُلَيْمَان وَتصرف واعطاه من الفخار مَا اطاعه بِهِ كل مَخْلُوق وَلم يتَخَلَّف وَجعل لَهُ من لِبَاس بنى الْعَبَّاس مَا يقْضى لَهُ سوَادَة بسؤدد الأجداد وينفض على كحل الهدب مَا فضل عَن سويداء الْقلب وَسَوَاد الْبَصَر من السوَاد ويمد ظلة على الأَرْض فَكل مَكَان حلَّة دَار ملك وكل مَدِينَة بَغْدَاد وَهُوَ فِي ليله السَّجَّاد وَفِي نَهَاره العسكرى وَفِي كرمه جَعْفَر الْجواد يديم الابتهال إِلَى الله تَعَالَى فِي توفيقه والابتهاج بِمَا يغص كل عَدو بريقه وَيبدأ يَوْم هَذِه الْمُبَايعَة بِمَا هُوَ الأهم من مصَالح الْإِسْلَام وَصَالح الْأَعْمَال مِمَّا يتحلى بِهِ الإِمَام وَيقدم التَّقْوَى أَمَامه ويقرن عَلَيْهَا أَحْكَامه وَيتبع الشَّرْع الشريف وَيقف عِنْده وَيُوقف النَّاس وَمن لايحمل أمره طَائِعا على الْعين حَملَة بِالسَّيْفِ غصبا على الراس ويعجل أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 يشفى بِهِ النُّفُوس ويزيل بِهِ كيد الشَّيْطَان إِنَّه يؤوس وياخذ بقلوب الرّعية وَهُوَ غنى عَن ذَا وَلكنه يسوس وأمير الْمُؤمنِينَ يشْهد الله وخليقته عَلَيْهِ أَنه أقرّ كل امْرِئ من وُلَاة الْأُمُور الإسلامية على حَاله وَاسْتمرّ فِي مقِيله تَحت كنف ظلاله على اخْتِلَاف طَبَقَات وُلَاة الْأُمُور وتفرقهم فِي الممالك والثغور برا وبحرا سهلا ووعرا وشرقا وغربا وبعدا وقربا وكل جليل وحقير وَقَلِيل وَكثير صَغِير وكبير وَملك ومملوك وأمير وجندى يَبْرق لَهُ سيف شهير ورمح طرير وَمن مَعَ هَؤُلَاءِ من وزراء وقضاة وَكتاب وَمن لَهُ يَد تبقى فِي إنْشَاء وَتَحْقِيق حِسَاب وَمن يتحدث فِي بريد وخراج وَمن يحْتَاج إِلَيْهِ وَمن لايحتاج وَمن فِي الدُّرُوس والمدارس والربط والزوايا والخوانق وَمن لَهُ أعظم التعلقات وَأدنى العلائق وَسَائِر أَرْبَاب الْمَرَاتِب وَأَصْحَاب الرَّوَاتِب وَمن لَهُ فِي مَال الله رزق مقسوم وَحقّ مَجْهُول أَو مَعْلُوم واستمرار كل امْرِئ على مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يستخير الله ويتبين لَهُ مَا بَين يَدَيْهِ فَمن زَاد تأهيله زَاد تفضيله والا فأمير المؤمين لَا يرى سوى وَجه الله وَلَا يحابى أحدا فِي دين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَلَا يحامى عَن أحد فِي حق فَإِن المحاماة فِي الْحق مداجاة على الْمُسلمين وَكلما هُوَ مُسْتَمر إِلَى الْآن مُسْتَمر على حكم الله مِمَّا فهمه الله وفهمه سُلَيْمَان لايغير أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك وَلَا فِي بعضه مَا يعْتَبر مستديما شكر الله على نعْمَة وَكَذَلِكَ يجازى من شكر وَلَا يكدر على أحد موردا نزه الله بِهِ نعْمَة الصافية عَن الكدر وَلَا يتَأَوَّل فِي ذَلِك متأول وَلَا من فجر نعْمَة أَو كفر وَلَا يتعلل متعلل فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعوذ بِاللَّه ويعيذ أَيَّامه من الْغَيْر وَأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَعلَى الله أمره أَن يعلن الخطباء بِذكرِهِ وَذكر سُلْطَان زَمَانه على المنابر فِي الْآفَاق وَأَن يضْرب باسمهما النُّقُود المتعامل بهَا على الْإِطْلَاق ويبتهل بِالدُّعَاءِ لَهما عطف اللَّيْل وَالنَّهَار وَيُصَرح مِنْهُ بِمَا يشرق بِهِ وَجه الدِّرْهَم وَالدِّينَار ويضاهى بِهِ المنابر ودور الضَّرْب هاتيك ترفع اسمهما على أسرة مهودها وهذى على أسارير نقودها وهذى تُقَام بِسَبَبِهَا الصَّلَاة وَتلك تدام بهَا الصلات وَكِلَاهُمَا تستمال بِهِ الْقُلُوب وَلَا يلام على مَا تعيه الآذان وتوعيه الْجُيُوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا من تحدق نَحوه الأحداق وتميل إِلَيْهِ الْأَعْنَاق وتبلغ بِهِ الْمَقَاصِد ويقوى بهما المعاضد وَكِلَاهُمَا أَمر مُطَاع من غير نزاع وَإِذا لمعت أزمة الْخطب طَار لِلذَّهَبِ شُعَاع ولولاهما مَا اجْتمع جمع وَلَا انْضَمَّ وَلَا عرف الْأَنَام بِمن تأتم فالخطب وَالذَّهَب مَعْنَاهُمَا وَاحِد وَبِهِمَا يذكر الله قيماء الْمَسَاجِد وَلَوْلَا الْأَعْمَال مَا بذلت الْأَمْوَال وَلَوْلَا الْأَمْوَال مَا وليت الْأَعْمَال وَلأَجل مَا بَينهمَا من هَذِه النِّسْبَة قيل إِن الْملك لَهُ السِّكَّة وَالْخطْبَة وَقد أسمع أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الْجمع الْمَشْهُود مَا يتناقله كل خطيب ويتداوله كل بعيد وَقَرِيب وَإِن الله أَمر بأوامر وَنهى عَن نَوَاه وَهُوَ رَقِيب ويستفرغ الْأَوْلِيَاء لَهُ السجايا وتفرع الخطباء فِيهَا بنعوت الْوَصَايَا وتكمل بهَا المزايا وتتكلم بهَا المواعظ وَتخرج من الْمَشَايِخ الخبايا من الزوايا وتستمر بهَا السمار وتتناقلها رُوَاة الْأَخْبَار ويترنم بهَا الحادى والملاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 ويرق سجوها فِي اللَّيْل المقمر ويرقم على جنب الصَّباح وتعطر بهَا مَكَّة بطحاءها وتحيا بحديثها قباه ويلقنها كل أَب فهم ابْنه وَيسْأل كل ابْن أَن يُجيب أَبَاهُ وَهُوَ لكم أَيهَا النَّاس من أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعَلَيْكُم بَيِّنَة وإليكم مَا دعَاكُمْ بِهِ إِلَى سَبِيل ربه من الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة ولأمير الْمُؤمنِينَ عَلَيْكُم الطَّاعَة وَلَوْلَا قيام الرعايا بهَا مَا قبل الله أَعمالهَا وَلَا أمسك بهَا الْبَحْر ودحا الأَرْض وأرسى جبالها وَلَا اتّفقت الآراء على من يسْتَحق وَجَاءَت إِلَيْهِ الْخلَافَة تجر أذيالها وَأَخذهَا دون بنى أَبِيه وَلم تكن تصلح إِلَّا لَهُ وَلم يكن يصلح إِلَّا لَهَا وَقد كفاكم أَمِير الْمُؤمنِينَ السُّؤَال بِمَا فتح لكم من أَبْوَاب الأرزاق وَأَسْبَاب الارتفاق وَأحسن لكم من وفاقكم وعلمكم مَكَارِم الْأَخْلَاق وأجراكم على عوائدكم وَلم يمسك خشيَة الإملاق وَلم يبْق على أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا أَن يسير فِيكُم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل بِمَا ينْتَفع بِهِ من يجِئ أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 من بعده وَيزِيد على كل من تقدم وَيُقِيم فروض الْحَج وَالْجهَاد وينيم الرعايا بعدله الشَّامِل فِي مهاد وأمير الْمُؤمنِينَ يُقيم عبَادَة موسم الْحَرَمَيْنِ الشريفين وسدنة بَيت الله الْحَرَام ويجهز السَّبِيل على عَادَته ويرجو أَن يعود إِلَى حَالَة الأول فِي سالف الْأَيَّام ويتدفق فِي هذَيْن المسجدين بحرة الزاخر وَيُرْسل إِلَى ثالثهما الْبَيْت الْمُقَدّس ساكب الْغَمَام وَيقوم بقومة قُبُور الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَيْن كَانُوا وَأَكْثَرهم فِي الشَّام وَالْجمع وَالْجَمَاعَات هِيَ فِيكُم على قديم سننها وقويم سننها وستزيد فِي أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمن أنضم إِلَيْهِ وَفِيمَا يتسلمه من بِلَاد الْكفَّار وَيسلم على يَدَيْهِ وَأما الْجِهَاد فيكفى بِاجْتِهَادِهِ الْقَائِم عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ بأموره الْمُقَلّد عَنهُ جَمِيع مَا وَرَاء سَرِيره فأمير الْمُؤمنِينَ قد وكل إِلَيْهِ خلد الله سُلْطَانه الْأَنَام وقلده سَيْفه الراعب بوارقه ليسله واجده على الْأَعْدَاء سل خياله عَلَيْهِم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 الأحلام ويؤكد أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ارتجاع مَا غلب عَلَيْهِ العدا وانتزاع أَيْديهم من بِلَاد الْإِسْلَام فَإِنَّهُ حق وَإِن طَال عَلَيْهِ المدى وَقد تقدّمت الْوَصِيَّة بَان يَغْزُو الْعَدو المخذول برا وبحرا وَلَا يكف عَمَّن يظفر بِهِ مِنْهُم قتلا وأسرا وَلَا يفك أغلالا وَلَا إصرا وَلَا يَنْفَكّ يُرْسل عَلَيْهِم فِي الْبَحْر غربانا وَفِي الْبر من الْخَيل عقبانا يحمل مِنْهَا كل فَارس صقرا ويحمى الممالك مِمَّن يجوز أطرافها بأقدام ويتخول أكنافها بالإقدام وَينظر فِي مصَالح القلاع والحصون والثغور وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الآت الْقِتَال وَمَا تجتاح بِهِ الْأَعْدَاء ويعجز عَنهُ الْمُحْتَال وَأُمَّهَات الممالك الَّتِى هِيَ مرابط البنود ومرابض الْأسود والأمراء والعساكر والجنود وترتيبهم فِي الميمنة والميسرة بالجناح الْمَمْدُود وليتفقد أَحْوَالهم بِالْعرضِ بِمَا لَهُم من خيل تعقد بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا لَهُم من زرد مصون وبيض مَسهَا ذائب ذهب فَكَانَت كَأَنَّهَا بيض مَكْنُون وسيوف قواضب ورماح لِكَثْرَة طَعنهَا من الدِّمَاء خواضب وسهام تواصل القسى وتفارقها فتحن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 حنين مفارق وتزمجر الْقوس زمجرة مغاضب وَهَذِه جملَة أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بهَا تطبيب قُلُوبكُمْ وإطالة ذيل التَّطْوِيل على مطلوبكم ودمائكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ فِي حماية إِلَّا مَا أَبَاحَ الشَّرْع المطهر ومزيد الْإِحْسَان إِلَيْكُم على مِقْدَار مَا يخفى مِنْكُم وَيظْهر وَأما جزئيات الْأُمُور فقد علمْتُم بِأَن فِيمَن تقلد عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ غنى عَن مثل هَذِه الذكرى وولاة حق لَا تشغل بِطَلَب شئ فكرا وفى وُلَاة الْأُمُور ورعاة الْجُمْهُور وَمن هُوَ سداد عمله ومداد أمله وَمُرَاد من هُوَ مِنْكُم معشر الرعايا من قبله وَأَنْتُم على تفَاوت مقاديركم وَدِيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن حَوْلكُمْ وَأَنْتُم وهم فَمَا مِنْكُم إِلَّا من سيعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ ويمضى فِي مراضى الله على سلفه وَينظر مَا هُوَ عَلَيْهِ ويسير بسيرته المثلى فِي طَاعَة الله فِي خَلفه وكلكم سَوَاء فِي الْحق عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَله عَلَيْكُم أَدَاء النَّصِيحَة وإبداء الطَّاعَة بسريرة صَحِيحَة وَقد دخل كل مِنْكُم فِي كنف أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتَحْت رأفته وَلَزِمَه حكم بيعَته وألزم طَائِره فِي عُنُقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَيسْتَعْمل كل مِنْكُم فِي الْوَفَاء مَا أصبح بِهِ عليما {وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} هَذَا قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ وعَلى هَذَا عهد إِلَيْهِ وَبِه يعْهَد وَمَا سوى هَذَا فَهُوَ فجور لَا يشْهد بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يشْهد وَهُوَ يعْمل فِي ذَلِك كُله مَا تحمد عاقبته من الْأَعْمَال وَيحمل مِنْهُ مَا يصلح لَهُ الْمَآل لَا المَال وأمير الْمُؤمنِينَ يسْتَغْفر الله على كل حَال ويستعيذ بِاللَّه من الإهمال وَيسْأل الله أَن يمده بِمَا يحب من الإبتهال وَلَا يمد لَهُ حَبل الْإِمْهَال وَيخْتم أَمِير الْمُؤمنِينَ قَوْله بِمَا أَمر الله بِهِ من الْعدْل وَالْإِحْسَان ويحمد الله وَهُوَ من الْخلق أَحْمد وَقد آتَاهُ الله ملك سُلَيْمَان وَالله تَعَالَى يمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا وهبه ويملكه أقطار الأَرْض ويورثه بعد الْعُمر الطَّوِيل عقبه وَلَا يزَال على أسرة العلياء قعوده ولباس الْخلَافَة بِهِ أبهة الْجَلالَة كَأَنَّهُ مَا مَاتَ منصورة وَلَا أودى مهدية وَلَا ذهب رشيده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 الْمَذْهَب الرَّابِع من البيعات الَّتِى تكْتب للخلفاء أَن تفتتح الْبيعَة بِالْحَمْد لله وَهُوَ الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل فِي زَمَاننَا جَريا على طَريقَة متأخرى كتاب الديار المصرية فِي كِتَابه عهود الْخُلَفَاء والملوك وَهَذِه نُسْخَة بيعَة أنشأتها مرتبَة على موت الْخَلِيفَة الذى قبله وهى الْحَمد لله الذى جعل الْأمة المحمدية أبذخ الْأُمَم شرفا وَأَكْرمهَا نجارا وأفضلها سلفا وَجعل رُتْبَة الْخلَافَة أَعلَى الرتب رُتْبَة وأعزها كنفا وَخص الشَّجَرَة الطّيبَة من قُرَيْش بِأَن جعل مِنْهُم الْأَئِمَّة الْخُلَفَاء وآثر الأسرة العباسية مِنْهَا بذلك دَعْوَة سبقت من ابْن عمهم الْمُصْطَفى وَحفظ بهم نظامها على الدَّوَام فَجعل مِمَّن سلف مِنْهُم خلفا نحمده على أَن هيأ من مُقَدمَات الرشد مَا طَابَ الزَّمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 بِهِ وَصفا وجدد من رسوم الْإِمَامَة بِخَير إِمَام مَا درس مِنْهَا وَعَفا وَأقَام للْمُسلمين إِمَامًا تأرج الجو بنشره فَأصْبح الْوُجُود بعرفه معترفا ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص تمسك بعهدها فوفى وَأَعْطَاهَا صَفْقَة يَده للمبايعة فَلَا يبغى عَنْهَا مصرفا وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى تدارك الله بِهِ الْعَالم بعد أَن أشفى فشفى وَنسخت آيَة دينه الْأَدْيَان وجلا بشرعته المنيرة من ظلمه الْجَهْل سدفا وَجعل مبايعة مبايعا لله يَأْخُذهُ بالنكث ويوفيه أجره على الوفا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله الْأَطْهَار وعترته الشرفا وَرَضي الله عَن أَصْحَابه الَّذين لَيْسَ مِنْهُم من عَاهَدَ الله فغدر وَلَا وَاد فِي الله فجفا خُصُوصا من جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ فَكَانَ لَهُ قرَابَة الْقرب وصفوة الصَّفَا والمرجوع اليه فِي الْبيعَة يَوْم السَّقِيفَة بَعْدَمَا اشرأبت نَحْوهَا نفوس كَادَت تذوب عَلَيْهَا اسفا والقائم فِي قتال اهل الرِّدَّة من بني حنيفَة حَتَّى استقاموا على الحنيفة السمحة حنفا وَمن اسْتَحَالَ دلو الْخلَافَة فِي يَده غربا فَكَانَ اشد عبقري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 قَائِم بأمرها فَكفى وعمت فتوحه الْأَمْصَار وحملت اليه اموالها فَلم يمْسِكهَا إقتارا وَلم يبذر فِيهَا سَرفًا وَمن كَانَ فَضله لسهم الِاخْتِيَار من بَين اصحاب الشورى هدفا وَجمع النَّاس فِي الْقُرْآن على صحيفَة وَاحِدَة وَكَانَت قبل ذَلِك صحفا وَمن سرى اليه سر أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فغدى يجر من ذيل الفخار سجفا وَاسْتولى على المكارم من كل جَانب فحاز اطرافها طرفا طرفا وعَلى سَائِر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعدهمْ مِمَّن سلك سَبِيل الْحق ولطريق الْهدى اقتفى صَلَاة ورضوانا يذهبان الدَّاء العضال من وخامة الْغدر ويجلبان الشفا ويرفعان قدر صَاحبهمَا فِي الدُّنْيَا ويبوئان منتحلهما من جنَّات النَّعيم غرفا أما بعد فَإِن عقد الْإِمَامَة لمن يقوم بِأَمْر الْأمة وَاجِب الْإِجْمَاع مُسْتَند لأقوى دَلِيل تَنْقَطِع دون نقضه الأطماع وتنبو عَن سَماع مَا يُخَالِفهُ الأسماع إِذْ الْعباد مجبولون على التباين والتغاير مطبوعون على التخالف والتنافر مضطرون الى التعاون والتجاور مفتقرون الى التعاضد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 والتناصر فَلَا بُد من زعيم يمنعهُم من التظالم ويحملهم على التناصف فِي التداعي والتحاكم وَيُقِيم الْحُدُود فتصان الْمَحَارِم عَن الانتهاك وَتحفظ الْأَنْسَاب عَن الِاخْتِلَاط والاشتراك ويحمى بَيْضَة الْإِسْلَام فَيمْنَع ان تطرق ويصون الثغور أَن يتَوَصَّل اليها أَو يتَطَرَّق ليعز الْإِسْلَام دَارا ويطمئن المستخفى لَيْلًا ويأمن السارب نَهَارا ويذب عَن الْحرم فتحترم ويذود عَن الْمُنْكَرَات فَلَا تغشى بل تصطلم ويجهز الجيوش فتنكأ الْعَدو ويغير على بِلَاد الْكفْر فيمنعهم الْقَرار والهدو ويرغم أنف الفئة الباغية ويقمعها ويزجر الطَّائِفَة المبتدعة ويردعها وَيَأْخُذ اموال بَيت المَال بِحَقِّهَا فيطاوع ويصرفها الى مستحقيها فَلَا يُنَازع لَا جرم اعْتبر للْقِيَام بهَا أكمل الشُّرُوط وَأتم الصِّفَات وَأكْرم الشيم وَأحسن السمات وَكَانَ السَّيِّد الْأَعْظَم الإِمَام النَّبَوِيّ سليل الْخلَافَة وَولي الْإِمَامَة أَبُو فلَان فلَان العباسي المتَوَكل على الله مثلا امير الْمُؤمنِينَ رضوَان الله عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ الرَّاشِدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 هُوَ الَّذِي جمع شُرُوطهَا فوفاها وأحاط مِنْهَا بِصِفَات الْكَمَال واستوفاها ورامت بِهِ ادنى مراتبها فبلغت بِهِ الى اغياها وتسور الى معاليها فرقى الى اعلاها واتحد بهَا فَكَانَ معنى صورتهَا ومغناها وَكَانَت الْإِمَامَة قد تأيمت مِمَّن يقوم بأعبائها وعزت خطابها لقلَّة أكفائها فَلم تلف لَهَا بعلا تطلبه يكون لَهَا قرينا وَلَا كفوا تخطبه يكون لَدَيْهَا مكينا إِلَّا الإِمَام الْفُلَانِيّ الْمشَار اليه فدعَتْ لخطبتها وَهِي بنت عرسه {وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه} فَأجَاب خطبتها ولبى دعوتها لتحققه رغبتها اليه وَعلمه بِوُجُوب إجابتها عَلَيْهِ إِذْ هُوَ شبلها النَّاشِئ بغابها وغيثها المستمطر من سحابها بل هُوَ اسدها الهصور وقطب فلكها الَّذِي عَلَيْهِ تَدور ومعقلها الأمنع الْحصين وعقدها الْأَنْفس الثمين وفارسها الأروع وليثها الشهير وَابْن بجدتها الساقطة مِنْهُ على الْخَبِير وتلادها الْعَلِيم بأحوالها والجدير بِمَعْرِِفَة أقوالها وأفعالها وترجمانها الْمُتَكَلّم بلسانها وعالمها المتفنن فِي افنانها وطبيبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 الْعَارِف بطبها ومنجدها الكاشف لكربها وَحين بلغت من الْقَصْد سولها ونالت بالإجابة مِنْهُ مأمولها وَحرم على غَيره أَن يسومها لذَلِك تَلْوِيحًا أَو يعرج على خطبتها تعريضا وَتَصْرِيحًا احْتَاجَت الى ولي يُوجب عقدهَا وشهود تحفظ عهدها فَعندهَا قَامَ السُّلْطَان الْأَعْظَم الْملك الْفُلَانِيّ بِالْأَلْقَابِ السُّلْطَانِيَّة الى آخرهَا خلد الله سُلْطَانه وَنصر جُنُوده وجيوشه واعوانه فانتصب لَهَا وليا وَأقَام يفكر فِي أمرهَا مَلِيًّا فَلم يجد احق بهَا مِنْهُ فتجنب عضلها فَلم تكن تصلح الا لَهُ وَلم يكن يصلح الا لَهَا فَجمع أهل الْحل وَالْعقد المعتزين للاعتبار والعارفين بِالنَّقْدِ من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء ووجوه النَّاس وأعيان الدولة والوزراء وَأهل الْخَيْر والصلحاء وأرباب الرَّأْي والنصحاء فاستشارهم فِي ذَلِك فصوبوه وَلم يرَوا الْعُدُول عَنهُ الى غَيره بِوَجْه من الْوُجُوه فاستخار الله تَعَالَى وَبَايَعَهُ فَتَبِعَهُ أهل الِاخْتِيَار فَبَايعُوا وانْتهى ذَلِك الى الكافة فتابعوا وانقادوا لحكمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وطاوعوا فقابل عقدهَا بِالْقبُولِ بِمحضر من الْقُضَاة وَالشُّهُود فلزمت وَمضى حكمهَا على الصِّحَّة وانبرمت وَلما تمّ عقدهَا وطلع بصبح الْيمن سعدها التمس الْمقَام الشريف السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ أَعلَى الله شرف سُلْطَانه وَرفع مَحَله وَقرن بالتوفيق فِي كل أَمر عقده وحله أَن يَنَالهُ عهدها الوفي وَيرد مِنْهَا موردها الصفي ليرْفَع بذلك عَن أهل الدّين حجبا ويزداد من الْبَيْت النَّبَوِيّ قربا فتعرض لنفحاتها من مقراتها وتطلب بركاتها من مظناتها وَرغب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين صلوَات الله عَلَيْهِم اجمعين أَن يجدد لَهُ بِعَهْد السلطنة الشَّرِيفَة عقدا وَيَأْخُذ لَهُ من أهل الْبيعَة بذلك عهدا ويستحلفهم على الْوَفَاء لهمابما عَاهَدُوا وَالْوُقُوف عِنْدَمَا بَايعُوا عَلَيْهِ وعاقدوا ليقترن السعدان فَيعم نوؤهما ويجتمع النيرَان فيبهر ضوؤهما فلباه تَلْبِيَة رَاغِب وأجابه إِجَابَة مَطْلُوب وَإِن كَانَ هُوَ الطَّالِب وعهد اليه فِي كل مَا تَقْتَضِيه احكام إِمَامَته فِي الْأمة عُمُوما وشيوعا وفوض لَهُ حكم الممالك الإسلامية جَمِيعًا وَجعل اليه أَمر السلطنة المعظمة بِكُل نطاق وَألقى اليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 مقاليدها وَصَرفه فِيهَا على الْإِطْلَاق وأقامه على الْأمة بِعَهْد الْخلَافَة وَصِيّا وَجعله للْإِمَامَة بتفويض الْأَمر اليه وليا وَنشر عَلَيْهِ لِوَاء الْملك وقلده سَيْفه العضب والبسه الخلعة السَّوْدَاء فابيض من سوادها وَجه الشرق والغرب وَكتب لَهُ بذلك عهدا كبت عدوه وَزَاد شرفه وضاعف سموهُ وطولب أهل الْبيعَة بالتوثيق على البيعتين بِالْإِيمَان فأذعنوا واستحلفوا على الْوَفَاء فبالغوا فِي الْأَيْمَان وأمعنوا وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم بعد أَن اشْهَدُوا الله عَلَيْهِم فِي إسرارهم وإعلانهم وأعطوا المواثيق الْمُغَلَّظَة الْمُشَدّدَة وحلفوا بالأيمان الْمُؤَكّدَة المعقدة على انهم ان اعرضوا عَن ذَلِك وأدبروا أَو بدلُوا فِيهِ أَو غيروا أَو عرجوا عَن سَبيله أَو حادوا أَو نَقَصُوا مِنْهُ أَو زادوا فَكل مِنْهُم برِئ من حول الله وقوته إِلَى حول نَفسه وقوته وخارج من ذمَّته الحصينة إِلَى ذمَّته وكل امْرَأَة فِي نِكَاحه أَو يَتَزَوَّجهَا فِي الْمُسْتَقْبل فهى طَالِق ثَلَاثًا بتاتا وَكلما رَاجعهَا فهى طَالِق طَلَاقا لَا يقتضى إِقَامَة وَلَا ثباتا وكل مَمْلُوك فِي ملكه أَو مَا يملكهُ فِي الْمُسْتَقْبل حر لَاحق بأحرار الْمُسلمين وكل مَا ملكه أَو يملكهُ من جماد وحيوان صَدَقَة على الْفُقَرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وَالْمَسَاكِين وَعَلِيهِ الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَسَائِر المشاعر الْعِظَام محرما من دويرة أَهله مَاشِيا حاسرا عَن رَأسه وَإِن كَانَ بِهِ أَذَى حافيا يأتى بذلك فِي ثَلَاثِينَ حجَّة متتابعة على التَّمام لايجزئه وَاحِدَة مِنْهَا عَن حجَّة الْإِسْلَام وإهداء مائَة بدنه للبيت الْعَتِيق كل سنة على الدَّوَام وَعَلِيهِ صَوْم جَمِيع الدَّهْر إِلَّا المنهى عَنهُ من الْأَيَّام وَأَن يفك ألف رَقَبَة مُؤمنَة من أسر الْكفْر فِي كل عَام يَمِين كل مِنْهُم فِي ذَلِك على نِيَّة أَمِير الْمُؤمنِينَ وسلطان الْمُسلمين فِي سره وجهره وأوله وَآخره لانية للْحَالِف فِي ذَلِك فِي بَاطِن الْأَمر وَلَا فِي ظَاهر لَا يورى فِي ذَلِك وَلَا يسْتَثْنى وَلَا يتَأَوَّل وَلَا يستفتى ولايسعى فِي نقضهَا وَلَا يُخَالف فِيهَا وَلَا فِي بَعْضهَا مَتى جنح إِلَى شئ من ذَلِك كَانَ آثِما وَمَا تقدم من تعقيد الْإِيمَان لَهُ لَازِما لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا وَلَا يُجزئهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة أصلا كل ذَلِك على أَشد الْمذَاهب بالتخصيص وأبعدها عَن التساهل والترخيص وأمضوها بيعَة مَيْمُونَة بِالْيمن مُبتَدأَة بالنجح مقرونة وَأشْهدُوا عَلَيْهِم بذلك من حضر مجْلِس هَذَا العقد من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وَالشُّهُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 والحكام وَجعلُوا الله على مايقولون وَكيلا فَاسْتحقَّ عَلَيْهِم الْوَفَاء بقوله تَعَالَى {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} وهم يرغبون إِلَى الله أَن يُضَاعف لَهُم بِحسن نيتهم الأجور ويلجؤون إِلَيْهِ أَن يَجْعَل أئمتهم مِمَّن أَشَارَ تَعَالَى إِلَيْهِ بقوله {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور} إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذِه نُسْخَة بيعَة أنشأتها على هَذِه الطَّرِيقَة مرتبَة على خلع وهى الْحَمد لله الذى جعل بَين الْخلَافَة مثابة للنَّاس وَأمنا وَأقَام سور الْإِمَامَة وقاية للأنام وحصنا وَشد مِنْهَا بِالْعِصَابَةِ القرشية أزرا وشاد مِنْهَا بالعصبة العباسية ركنا وأغاث الْخلق بِإِمَام هدى حسن سيرة وَصفا سريرة فِرَاق صُورَة ورق معنى وَجمع قُلُوبهم عَلَيْهِ فَلم يستنكف عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 الانقياد إِلَيْهِ إعلى وَلَا أدنى وَنزع جلبابها عَمَّن شغل قلبه بغَيْرهَا فَلم يعرها نظرا وَلم يصغ لَهَا أذنا وَصرف وَجههَا عَمَّن أَسَاءَ فِيهَا تَصرفا فَلم يرفع بهَا رَأْسا وَلم يعمر لَهَا مغنى نحمده على نعم حلت للنفوس حِين حلت ومنن جلت الخطوب حِين جلت ومسار سرت إِلَى الْقُلُوب فسرت ومبار أقرَّت الْعُيُون فقرت وعوارف أمت الْخَلِيفَة فتوالت وَمَا ولت وَقدم صدق ثبتَتْ إِن شَاءَ الله فِي الْخلَافَة فَمَا تزلزلت وَلَا زلت ونشهد أَن لَا أَله أَلا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تكون لنا من دَرك الشكوك كالئة ولمهاوى الشّبَه دارئة وللمقاصد الجميلة حاوية ولشقة الزيغ والارتياب طاوية وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى نصح للْأمة إِذْ بلغ فشفى عليلها وأوردها من مناهل الرشد مَا أطفأ وهجها وَبرد غليلها وأوضح لَهُم مناهج الْحق ودعاهم إِلَيْهَا وَأَبَان لَهُم سبل الْهِدَايَة فِي {من اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ وَمن ضل فَإِنَّمَا يضل عَلَيْهَا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله أَئِمَّة الْخَيْر وَخير الْأَئِمَّة ورضى عَن أَصْحَابه أَوْلِيَاء الْعدْل وعدول الْأمة صَلَاة ورضوانا يعمان سَائِرهمْ ويشملان أَوَّلهمْ وَآخرهمْ سِيمَا الصّديق الفائز بِأَعْلَى الرتبتين صدقا وَتَصْدِيقًا والحائز قصب السَّبق فِي الفضيلتين علما وتحقيقا وَمن عدل الْأَنْصَار إِلَيْهِ عَن سعد بن عبَادَة بعد مَا أَجمعُوا على تَقْدِيمه وبادر الْمُهَاجِرُونَ إِلَى بيعَته اعترافا بتفضليه وتكريمه والفاروق الشَّديد فِي الله بَأْسا واللين فِي الله جانبا والموفى للخلافة حَقًا والمؤدى للْإِمَامَة وَاجِبا والقائم فِي نصْرَة الدّين حق الْقيام حَتَّى عَمت فتوحه الْأَمْصَار مشارقا ومغاربا وأطاعته العناصر الْأَرْبَعَة إِذْ كَانَ لله طَائِعا وَمن الله خَائفًا وَإِلَى الله رَاغِبًا وذى النورين الْمعول عَلَيْهِ من بَين سَائِر أَصْحَاب الشورى تنويها بقدرة والمخصوص بِالِاخْتِيَارِ تفخيما لأَمره من حصر فِي بَيته فَلم يمنعهُ ذَلِك عَن تِلَاوَة كتاب الله وَذكره وَشَاهد سيوف قاتليه عيَانًا فقابل فتكاتها بجميل صبره وأبى الْحسن الذى أعرض عَن الْخلَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 حِين سئلها واستعفى مِنْهَا بَعْدَمَا اضْطر إِلَيْهَا وَقبلهَا وكشف لَهُ عَن حَقِيقَة الدُّنْيَا فَمَا أم قبلتها بِقَلْبِه وَلَا ولى وَجهه قبلهَا وَصرح بمقاطعتها بقوله يَا صفراء غرى غيرى يَا بَيْضَاء غرى غيرى لما وَصلهَا من وَصلهَا وَسَائِر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعدهمْ الناهجين نهجهم والواردين وردهم أما بعد فَإِن للْإِمَامَة شُرُوطًا يجب اعْتِبَارهَا فِي الإِمَام ولوازم لَا يغْتَفر فَوَاتهَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الدَّوَام وأوصافا يتَعَيَّن إعمالها وآداباء لَا يسع إهمالها من أهمها الْعَدَالَة الَّتِى ملاكها التَّقْوَى وأساسها مراقبة الله تَعَالَى فِي السِّرّ والنجوى وَبهَا تقع الهيبة لصَاحِبهَا فِي الْقُلُوب فيجل وتميل النُّفُوس إِلَيْهَا فَلَا تمل فهى الملكة الداعية إِلَى ترك الْكَبَائِر واجتنابها والزاجرة عَن الْإِصْرَار على الصَّغَائِر وارتكابها والباعثة على مُخَالفَة النَّفس ونهيبها عَن الشَّهَوَات والصارفة عَن انتهاك حرمات الله الَّتِى هى أعظم الحرمات والموجبة للتعفف عَن الْمَحَارِم والحاملة عَن تجنب الظلامات ورد الْمَظَالِم والشجاعة الَّتِى بهَا حماية الْبَيْضَة والذب عَنْهَا والاستظهار بالغزو على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 نكاية الطَّائِفَة الْكَافِرَة والغض مِنْهَا وَالْقُوَّة بِالشَّوْكَةِ على تَنْفِيذ الْأَوَامِر وإمضائها وَإِقَامَة الْحُدُود واستيفائها وَنشر كلمة الْحق وإعلائها ودحض كلمة الْبَاطِل وإخفائها وَقطع مَادَّة الْفساد وحسم أدوائها والرأى الْمُؤَدى إِلَى السياسة وَحسن التَّدْبِير والمغنى فِي كثير من الْأَمَاكِن عَن مزِيد الْجد والتشمير والمعين فِي خدع الْحَرْب ومكائده والمسعف فِي مصَادر كل أَمر وموارده 3 هَذَا وَقد جعلنَا الله تَعَالَى أمة وسطا ووعظنا بِمن سلف من الْأُمَم مِمَّن تمرد وعتا أَو تجبر وسطا وعصم امتنا أَن تَجْتَمِع على الضلال وصان جَمعنَا عَن الْخَطَأ فِي الْفِعْل والمقال وندبنا إِلَى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر وسوغ لأئمتنا الِاجْتِهَاد فِي النَّوَازِل وَالْأَحْكَام فاجتهادهم لَا يحظر وَلَا يُنكر خُصُوصا فِي شَأْن الْإِمَامَة الَّتِى هى آكِد أَسبَاب المعالم الدِّينِيَّة وأقواها وَأَرْفَع المناصب الدُّنْيَوِيَّة وأعلاها وأعز الرتب رُتْبَة وأغلاها وأحقها بِالنّظرِ فِي أمرهَا وأولاها وَكَانَ الْقَائِم بِأَمْر الْمُسلمين الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 فلَان بن فلَان الفلانى مِمَّن حاد عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وسلك غير النهج القويم وَمَال عَن سنَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فأدركه الزلل وقارف المآثم فَعَاد بالخلل فعاث فِي الأَرْض فَسَادًا وَخَالف الرشد عنادا وَمَال إِلَى الغى اعْتِمَاد وَأسلم إِلَى الْهوى قيادا قد انْتقل عَن طور الْخلَافَة وعزيز الإنافة إِلَى طور الْعَامَّة فاتصف بصفاتهم واتسم بسماتهم فمنكر يجب عَلَيْهِ إِنْكَاره قد بَاشرهُ وصديق سوء يتَعَيَّن عَلَيْهِ إبعاده قد وازره وَظَاهر إِن سلك فسبيل التُّهْمَة والارتياب أَو قصد أمرا نحا فِيهِ غير الصَّوَاب منهمك على شهواته منعكف على لذاته متشاغل عَن امْر الْأمة بِأَمْر بنيه وَبنَاته الْجُبْن رَأس مَاله وَعدم الراى قرينه فِي أَفعاله وأقواله قد قنع من الْخلَافَة باسمها ورضى من الْإِمَامَة بوسمها وَظن أَن السؤدد فِي لبس السوَاد فَمَال إِلَى الحيف وتوهم أَن الْقَاطِع الغمد فَقطع النّظر عَن السَّيْف وَلما أطلع النَّاس مِنْهُ على هَذِه الْمُنْكَرَات وعرفوه بِهَذِهِ السمات وتحققوا فِيهِ هَذِه الوصمات رَغِبُوا فِي استبداله وَأَجْمعُوا على خلعه وزواله فلجؤوا إِلَى السُّلْطَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الْأَعْظَم الْملك الفلانى بِالْأَلْقَابِ السُّلْطَانِيَّة إِلَى آخرهَا نصر الله جُنُوده وأسمى جدوده وأرهف على عداة الله حُدُوده ففوضوا أَمرهم فِي ذَلِك إِلَيْهِ وألقوا كلهم عَلَيْهِ فَجمع أهل الْحل وَالْعقد مِنْهُم وَمن تصدر إِلَيْهِم الْأُمُور وَترد عَنْهُم فاستخاروا الله تَعَالَى وخلعوه من ولَايَته وَخَرجُوا عَن بيعَته وانسلخوا عَن طَاعَته وجردوه عَن خِلَافَته تَجْرِيد السَّيْف من القراب وطووا حكم إِمَامَته كطى السّجل للْكتاب وعندما تمّ هَذَا الْخلْع وانطوى حكمه على الْبَتّ وَالْقطع التمس النَّاس إِمَامًا يقوم بِأُمُور الْإِمَامَة فيوفيها وَيجمع شُرُوطهَا ويستوفيها فَلم يَجدوا لَهَا أَهلا وَلَا بهَا أَحَق وَأولى وأوفى بهَا وأملى من السَّيِّد الْأَعْظَم الإِمَام النَّبَوِيّ سليل الخلافه ووليد الإمامه أبي فلَان فلَان العباسي الطالع الله مثلا أَمِير الوؤمنين (179 أ) لازال شرفه باذخا وعرينه الشريف شامخا وعهد ولَايَته لعهد كل ولَايَة نَاسِخا فساموه بيعتها فلبى وشاموا برق ولَايَته فَأجَاب وَمَا تأبى علما مِنْهُ بانها تعيّنت عَلَيْهِ وانحصرت فِيهِ فَلم تَجِد أَعلَى مِنْهُ فتعدل إِلَيْهِ إِذْ هُوَ ابْن بجدتها وَفَارِس نجدتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ومزيل غمتها وَكَاشف كربتها ومجلى غياهبها وَمُحَمّد عواقبها وموضح مذاهبها وحاكمها المكين بل رشيدها الْأمين فَنَهَضَ الْمقَام الشريف السلطانى الملكى الفلانى الْمشَار إِلَيْهِ قرن الله مقاصده الشَّرِيفَة بالنجاح وأعماله الصَّالِحَة بالفلاح وَبدر إِلَى بيعَته فَبَايع وائتم بِهِ من حضر من أهل الْحل وَالْعقد فتابع وقابل عقدهَا بِالْقبُولِ فَمضى وَلزِمَ حكمهَا فانقضى واتصل ذَلِك بِسَائِر الرّعية فانقادوا وَعَلمُوا صَوَابه فَمَشَوْا على سنَنه وماحادوا وشاع ذَلِك فِي الأوصار وطارت بِهِ مخلقات البشائر إِلَى سَائِر الأقطار فتعرفوا مِنْهُ الْيمن فسارعوا إِلَى امتثاله وتحققوا صِحَة الْأَمر وثباته بعد اضطرابه واعتلاله واستعاذوا من نقص يُصِيبهُ بعد تَمَامه بِهَذَا الْخَلِيفَة وكماله فَعندهَا أبانت الْخلَافَة العباسية عَن طيب عنصرها وَجَمِيل وفائها وكريم مظهرها وجادت بجزيل الامتنان وتلا لِسَان كرمها الوفى على وَليهَا الصَّادِق {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} فجدد لَهُ بالسلطنة الشَّرِيفَة عهدا وطوق جيده بتفويضها إِلَيْهِ عقدا وَجعله وَصِيَّة فِي الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وولية فِي أَمر الْمُسلمين وقلده أَمر الممالك الإسلامية وَألقى إِلَيْهِ مقاليدها وَملكه أزمتها وحقق لَهُ مواعيدها وَعقد لَهُ لواءها وَنشر عَلَيْهِ أعلامها وَصَرفه فِيهَا على الْإِطْلَاق وفوض إِلَيْهِ أَحْكَامهَا وَألبسهُ الخلعة السَّوْدَاء فَكَانَت لسؤدده شعارا وأسبغ عَلَيْهِ رداءها فَكَانَ لَهُ دثار وَكتب لَهُ الْعَهْد فسقى الْمعَاهد صوب العهاد ولهج الْأَنَام بِذكرِهِ فاطمأنت الْعباد والبلاد وعندما تمّ هَذَا الْفَصْل وتقرر هَذَا الأَصْل وأمست الرعايا بِمَا آتَاهُم الله من فَضله فرحين وبنعمته مستبشرين طُولِبَ أهل الْبيعَة بِمَا يحملهم على الْوَفَاء وَيمْنَع بيتعهم من التكدر بعد الصفاء من تَوْثِيق عقدهَا بمؤكد أيمانها وَالْإِقَامَة على الطَّاعَة لخليفتها وسلطانها فبادروا إِلَى ذَلِك مُسْرِعين وَإِلَى دَاعِيَة مهطعين وبالغوا فِي المواثيق وأكدوها وشددوا فِي الْإِيمَان وعقدوها وأقسموا بِاللَّه الذى لَا إِلَه إلاهو عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة عَالم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفى الصُّدُور فِي البدء والإعادة على الْوَفَاء لَهما والموالاة والنصح والمصافاة والموافقة والمشايعة وَالطَّاعَة والمتابعة يوالون من والاهما ويعادون من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 عاداهما لايقعدون عَن مناصرتهما عِنْد ملمة ولايرقبون فِي عدوهما إِلَّا وَلَا ذمَّة جارين فِي ذَلِك على الدَّوَام والاستمرار والثبوت واللزوم والاستقرار على أَن من بدل مِنْهُم من ذَلِك شرطا أَو أعفى لَهُ رسما أَو حاد عَن طَريقَة أَو غير لَهُ حكما أَو سلك فِي ذَلِك غير سَبِيل الْأَمَانَة أَو اسْتحلَّ الْغدر أَو أضمر الْخِيَانَة مُعْلنا أَو مسرا فِي كُله أَو بعضه متأولا أومحتالا لإبطاله أَو نقضه فقد برِئ من حول الله المتين وقوته الواقية وركنه الشَّديد وذمته الوافية إِلَى حول نَفسه وقوته وركنه وذمته وكل أمْرَأَة فِي عصمته الْآن أَو يَتَزَوَّجهَا مُدَّة حَيَاته طَالِق ثَلَاث بِصَرِيح لَفظه لَا يتَوَقَّف على نِيَّة لَا يفرق فِيهِ بَين زمن سنة وَلَا بِدعَة وَلَا رَجْعَة فِيهِ وَلَا مثنوية وكل مَمْلُوك فِي ملكه أَو يملكهُ فِي بَقِيَّة عمره من ذكر أَو أُنْثَى حر من أَحْرَار الْمُسلمين وكل مَا هُوَ على ملكه أَو يملكهُ فِي بَقِيَّة عمره إِلَى آخر أَيَّامه من عين أوعرض صَدَقَة للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَعَلِيهِ الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام ثَلَاثِينَ حجَّة بِثَلَاثِينَ عمْرَة رَاجِلا حافيا حاسرا لَا يقبل الله مِنْهُ غير الْوَفَاء بهَا بَاطِنا وَلَا ظَاهرا وإهداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 مائَة بَدَنَة فِي كل حجَّة مِنْهَا فِي عسرته ويسرته لَا تجزئة وَاحِدَة مِنْهَا عَن حجَّة الْإِسْلَام وعمرته وَصَوْم الدَّهْر خلا المنهى عَنهُ من أَيَّام السّنة وَصَلَاة ألف رَكْعَة فِي كل لَيْلَة لايباح لَهُ دون أَدَائِهَا غمض وَلَا سنة لايقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا وَلَا يُؤجر على شئ من ذَلِك قولا وَلَا فعلا مَتى ورى فِي ذَلِك أَو اسْتثْنى أَو تَأَول أَو استفتى كَانَ الْحِنْث عَلَيْهِ عَائِدًا وَله إِلَى دَار الْبَوَار قائدا مُعْتَمدًا فِي ذَلِك أَشد الْمذَاهب فِي سره وعلانيته على نِيَّة المستحلف لَهُ دون نِيَّته وأمضوها بيعَة محكمَة المباني ثَابِتَة الْقَوَاعِد كَرِيمَة المساعى جميلَة الْمَقَاصِد طيبَة الجنى جميلَة العوائد قَاطِعَة الْبَرَاهِين ظَاهِرَة الشواهد وَأشْهدُوا على أنفسهم بذلك من حضر مجْلِس هَذَا العقد من قَضَاء الْإِسْلَام وعلمائه وأئمة الدّين وفقهائه بعد أَن أشهدوا الله عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه شَهِيدا وَكفى بِهِ للخائنين خصيما {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} وَالله تَعَالَى يَجْعَل انتقالهم من ادنى إِلَى اعلى وَمن يسرى إِلَى يمنى ويحقق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 لَهُم بِمن اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِم وعده الصَّادِق بقوله تَعَالَى {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} إِن شَاءَ الله تَعَالَى قلت والذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِي كِتَابَة بيعات الْخُلَفَاء بالديار المصرية الْآن أَن يتعاطى كِتَابه الْبيعَة كتاب الحكم الَّذين هم موقعوقضاة الْقُضَاة وَلَا إِلْمَام لَهُم بصنعة الْإِنْشَاء فَإِن وَقعت الْعِنَايَة بِكِتَابَة تِلْكَ الْبيعَة أَمر كَاتب السِّرّ من لَهُ ملكه فِي صَنْعَة الْإِنْشَاء من رُؤُوس كتاب الدِّيوَان فَأَنْشَأَ لَهَا صَدرا على طَريقَة كتاب الْإِنْشَاء مفتتحا بِخطْبَة مُشْتَمِلَة على براعة استهلال تناسب الْمقَام وتدفع إِلَى من يتعاطى كِتَابَة تِلْكَ الْبيعَة من كتاب الحكم فيصدر بهَا مَا يَكْتُبهُ ثمَّ تأتى عقب ذَلِك بِصُورَة الْحَال الْوَاقِعَة فِي الْبيعَة سردا وَيشْهد فِي آخرهَا وَهَذِه نُسْخَة بيعَة الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه أَبى الْفَتْح خَليفَة الْعَصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْكتاب وصدرها من إنْشَاء عَلامَة الْعَصْر وَإِمَام أهل الْأَدَب الشَّيْخ تقى الدّين بن حجَّة مُشِيرا فِيهِ إِلَى سُلْطَانه الْقَائِم ببيعته الْملك الْمُؤَيد أَبى النَّصْر شيخ ملوحا بِذكر شيخ الْإِسْلَام قاضى الْقُضَاة جلال الدّين البلقينى وهى الْحَمد لله الذى شدّ عضد الْأمة بِمن أَمْسَى بِهِ معتضدا وأسعفنا من الْبَيْت النبوى بخليفة مَا برح شيخ الْمُلُوك فِي تَقْدِيم بَيته الشريف مُجْتَهدا وَأقَام الْعلم العباسي بعد أَبى مُسلم بأبى النَّصْر فَأكْرم حسن الختام وَحسن الِابْتِدَاء فَلهُ الْحَمد أَولا وآخرا وَبَاطنا وظاهرا ونكرر حَمده على سُلْطَان مؤيد تحف بِهِ الْعلمَاء والأعلام وَظهر لجلالهم فِي أَيَّامه الزاهرة بهجة فَقَالَ موريا هَذَا زمَان مَشَايِخ الْإِسْلَام نحمده على حكمته الَّتِى اقْتَضَت أَن تكون الْخلَافَة عُمْدَة لأحكام يَزُول بهَا الالتباس وَهُوَ الْقَائِل {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس} وَأشْهد أَن لَا أَله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْقَادِر الذى أطلع بدور الْخلَافَة كَامِلَة فِي الْمطَالع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 الهاشمية وبل ظمأ الْإِسْلَام لسقايتها العباسية ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى يجب تَقْدِيم آل بَيته فِي إِيضَاح كل أَمر وإشكاله فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله صَلَاة يصل بهَا الْحق إِلَى أربابه وينتظم شَمل أَبى الْفَتْح بأبى النَّصْر فِي ذهَاب كل مِنْهُمَا وإيابه مَا تراعت فِي مدائحه النَّظَائِر وملئت بالبديع بطُون الدفاتر تَنْبِيه قد ذكر مُحَمَّد بن عمر المدائنى فِي كتاب الْقَلَم والدواة أَنه كَانَ يكْتب للخلفاء فِي قرطاس من ثلثى طومار والطومار هُوَ الفرخة الْوَرق الْكَامِلَة وَالْمرَاد الْوَرق البغدادى فَإِن الْخلَافَة بِبَغْدَاد كَانَت وَحِينَئِذٍ فَكَانَت البيعات تكْتب فِي قطع الثُّلثَيْنِ الْمَذْكُور والذى يظْهر أَن ذَلِك كَانَ فِي أول أَمرهم وَأَنه بعد ذَلِك كَانَ يكْتب لَهُم فِي قطع البغدادى الْكَامِل أما الْآن فالذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب فِيهِ بيعات الْخُلَفَاء من بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب الثَّانِي فِيمَا يكْتب للخلفاء من العهود وهى مَا يكْتب لمن يقوم بالخلافة بِعَهْد من الْخَلِيفَة قبله بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك على مَا تقدم ذكره فِي الْكَلَام على الطّرق الَّتِى تَنْعَقِد بهَا الْإِمَامَة فِي الْبَاب الأول من الْكتاب وَقد تقدم هُنَاكَ أَن الصّديق رضى الله عَنهُ عهد بالخلافة إِلَى عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فَكتب لَهُ بهَا عهدا بِخَط بن عُثْمَان رضى الله عَنهُ وللكتاب فِي كِتَابه عهود الْخُلَفَاء للخلفاء مذهبان الْمَذْهَب الأول أَن يفْتَتح الْعَهْد بِلَفْظ هَذَا مَا عهد فلَان لفُلَان أَو هَذَا عهد فلَان لفُلَان أَو هَذَا كتاب كتبه فلَان لفُلَان وَمَا أشبه لَك ثمَّ يُؤْتى بِوَصْف الْخَلِيفَة والتنبيه على وَجه اسْتِحْقَاقه الْمُوجب لتقدمه على غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 ثمَّ يذكر تَفْوِيض الْخلَافَة إِلَيْهِ بعد العاهد وَيُؤْتى من وَصيته بِمَا يُنَاسب الْمقَام مُقْتَصرا فِي ذَلِك على الْإِشَارَة والتلويح غير مُصَرح فِيهِ بِلَفْظ الْأَمر كَمَا يُقَال فِي عهود الْمُلُوك أمرة بِكَذَا وَأمره بِكَذَا على مَا سيأتى فِي ذكر عهودهم للمملوك تَعْظِيمًا لشأن ولى الْعَهْد بالخلافة وتشريفا لمقامه عَن أَن يكون مَأْمُور وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة كَانَت عهود الْخُلَفَاء من السّلف رضوَان الله عَلَيْهِم وعَلى نهجها مَشى أفاضل الْكتاب المعتبرين بديوان الْخلَافَة فِي الْعرَاق وَاخْتَارَهُ أفاضل الْكتاب من الْمُتَأَخِّرين بالديار المصرية وصرحوا بِاخْتِيَارِهِ فِي مصنفاتهم وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا روى أَن الصّديق رضى الله عَنهُ كتب فِي عَهده بالخلافة لأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ بِخَط عُثْمَان بن عَفَّان ونسخته هَذَا مَا عهد أَبُو بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر عَهده بالدنيا وَأول عَهده بِالآخِرَة إنى اسْتخْلفت عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب فَإِن بر وَعدل فَذَلِك ظنى بِهِ وَإِن بدل أَو غير فَلَا علم لى بِالْغَيْبِ وَالْخَيْر أردْت بكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَلكُل امْرِئ مَا اكْتسب من الاثم {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} ثمَّ تصرفوا فِيهِ بعد ذَلِك بِالزِّيَادَةِ وَبسط القَوْل وعَلى هَذَا الأسلوب كتب سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان أحد خلفاء بنى أُميَّة عَهده لعمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بعده وَهَذِه نسخته فِيمَا ذكره ابْن قُتَيْبَة فِي تَارِيخه هَذَا مَا عهد عبد الله سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة الْمُسلمين عهد أَنه يشْهد لله عز وَجل بالربوبية والوحدانية وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ص = الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 بَعثه إِلَى محسنى عباده بشيرا وَإِلَى مذنبيهم نذيرا وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان حق خلق الْجنَّة رَحْمَة وَجَزَاء لمن أطاعه وَالنَّار نقمة وَجَزَاء لمن عَصَاهُ وَأوجب الْعَفو جودا وكرما لمن عفى عَنهُ وَأَن سُلَيْمَان مقرّ على نَفسه بِمَا يعلم الله من ذنُوبه وَبِمَا تعلمه نَفسه من مَعْصِيّة ربه مُوجبا على نَفسه اسْتِحْقَاق مَا خلق من النقمَة راجيا لنَفسِهِ مَا خلق خَيرهَا وشرها مقدورة بإرادته متكونة بتكوينه وَأَنه الهادى فَلَا مغوى وَلَا مضل لمن هداه وخلقه لِرَحْمَتِهِ وَأَنه الفاتن فَلَا هادى وَلَا مرشد لمن فتنه وخلقه لنقمته وَأَنه يفتن الْمُؤمن فِي قَبره بالسؤال عَن دينه وَنبيه الذى أرسل إِلَى أمته لَا منجى لمن خرج من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة من هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا لمن اسْتَثْنَاهُ عز وَجل فِي علمه وَسليمَان يسْأَل الله الْكَرِيم بواسع فَضله وعظيم مِنْهُ الثَّبَات على مَا اسر وأعلن من معرفَة حَقه وَحقّ نبيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 عِنْد مَسْأَلَة رسله والنجاة من هول فتْنَة فتانية وَيشْهد أَن الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة حق يَقِين يزن سيئات المسيئين وحسنات الْمُحْسِنِينَ ليرى عبَادَة من عَظِيم قدرته مَا أَرَادَهُ من تعبده لِعِبَادِهِ بِمَا لم يَكُونُوا يحتسبونه وَأَن من ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه يَوْمئِذٍ فَأُولَئِك هم الخاسرون وَأَن حَوْض مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحَشْر والموقف للعرض حق وَأَن عدد آنيته كنجوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ لم يظمأ أبدا وَسليمَان يسْأَل الله بواسع رَحمته أَن لَا يردهُ عَن حَوْض نبيه عطشان وَأَن أَبَا بكر وَعمر خير هَذِه الْأمة بعد نبيها وَالله يعلم بعدهمَا حَيْثُ الْخَيْر وفيمن الْخَيْر من هَذِه الْأمة وَأَن هَذِه الشَّهَادَة كلهَا الْمَذْكُورَة فِي عَهده هَذَا يعلمهَا الله من سره وإعلانه وَعقد ضَمِيره وَأَنه بهَا عبد ربه فِي سالف أَيَّامه وماضى عمره وَعَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أَتَاهُ يَقِين ربه وتوفاه اجله وَعَلَيْهَا يبْعَث بعد مَوته إِن شَاءَ الله وَأَن سُلَيْمَان كَانَ لَهُ بَين هَذِه الشَّهَادَة بلايا وسيئات لم يكن لَهُ عَنْهَا محيد وَلَا بُد جرى بهَا عَلَيْهِ الْمَقْدُور من الرب النَّافِذ إِلَى إتْمَام مَا حد فَإِن يعف ويصفح فَذَاك مَا عرف مِنْهُ قَدِيما وَنسب إِلَيْهِ حَدِيثا وَتلك صفته الَّتِى وصف بهَا نَفسه فِي كِتَابه الصَّادِق وَكَلَامه النَّاطِق وَإِن يُعَاقب وينتقم فبمَا قدمت يَدَاهُ وَمَا الله بظلام للعبيد وَأَن سُلَيْمَان يحرج على من قَرَأَ عَهده هَذَا وَسمع مَا فِيهِ من حكمه أَن ينتهى إِلَيْهِ فِي أمره وَنَهْيه بِاللَّه الْعَظِيم وَمُحَمّد رَسُوله الْكَرِيم وَأَن يدع الإحن المضغنة وَيَأْخُذ بالمكارم المدجنة وَيرْفَع يَدَيْهِ إِلَى الله بالضمير النصوح وَالدُّعَاء الصَّحِيح والصفح الصَّرِيح يسْأَله الْعَفو عَنى وَالْمَغْفِرَة لى والنجاة من فزعى وَالْمَسْأَلَة فِي قبرى لَعَلَّ الْوَدُود أَن يَجْعَل مِنْكُم مجاب الدعْوَة بِمَا من على من صفحة يعود إِن شَاءَ الله وَأَن ولى عهد سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَصَاحب أمره بعد مَوته فِي جنده ورعيته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وخاصته وعامته وكل من استولانى الله عَلَيْهِ واسترعانى فِي النّظر فِيهِ الرجل الصَّالح عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان ابْن عمى لما بلوت من بَاطِن أمره وَظَاهره ورجوت الله بذلك وَرضَاهُ وَرَحمته إِن شَاءَ الله ثمَّ من بعده يسلم إِلَى يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان إِن بقى بعده فإنى مَا رَأَيْت مِنْهُ إِلَّا خيرا وَلَا أطلعت لَهُ مَكْرُوها وصغار ولدى وكبارهم إِلَى عمر إِذْ رَجَوْت أَن لَا يألوهم رشدا وصلاحا وَالله خليفتى عَلَيْهِم وعَلى جمَاعَة الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ وأقروا لعهدى عَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَمن أَبى من أمرى هَذَا أَو خَالف عهدى هَذَا وأرجوا أَن لايخالفه أحد من أمة مُحَمَّد فَهُوَ ضال مضل مستعتب فَإِن اعتب وَإِلَّا فَإِنِّي لمن خَالف عهدى فيهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بِالسَّيْفِ السَّيْف وَالْقَتْل الْقَتْل فَإِنَّهُم مستوجبون لَهما وهم لهيبته ملقحون وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْقَدِيم الْإِحْسَان وعَلى هَذَا كتب الْمَأْمُون بِخَطِّهِ عهد على بن مُوسَى العلوى الْمَعْرُوف بالرضى بالخلافة بعده وَهَذِه نسخته هَذَا كتاب كتبه عبد الله بن هَارُون الرشيد أَمِير الْمُؤمنِينَ بِيَدِهِ لعلى بن مُوسَى بن جَعْفَر ولى عَهده أما بعد فَإِن الله عز وَجل اصْطفى الْإِسْلَام دينا وَاصْطفى لَهُ من عباده رسلًا دالين عَلَيْهِ وهادين إِلَيْهِ يبشر أَوَّلهمْ بآخرهم وَيصدق تاليهم ماضيهم حَتَّى انْتَهَت نبوة الله إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَتْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 من الرُّسُل ودروس من الْعلم وَانْقِطَاع من الوحى واقتراب من السَّاعَة فختم الله بِهِ النَّبِيين وَجعله شَاهدا لَهُم ومهيمنا عَلَيْهِم وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه الْعَزِيز الذى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} بِمَا أحل وَحرم ووعد وأوعد وحذر وأنذر وَأمر بِهِ وَنهى عَنهُ لتَكون لَهُ الْحجَّة الْبَالِغَة على خلقه و {ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة وَإِن الله لسميع عليم} فَبلغ عَن الله رسَالَته ودعا إِلَى سَبيله بِمَا امْرَهْ بِهِ من الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة والمجادلة بالتى هِيَ أحسن ثمَّ بِالْجِهَادِ والغلظة حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْقَضتْ النُّبُوَّة وَختم الله بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوحى والرسالة جعل لَهُ قوام الدّين ونظام أَمر الْمُسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها وَالْقِيَام بِحَق الله فِيهَا بِالطَّاعَةِ الَّتِى بهَا تُقَام فَرَائض الله وحدوده وَشَرَائِع الْإِسْلَام وسننه ويجاهد بهَا عدوه فعلى خلفاء الله طَاعَته فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده وعَلى الْمُسلمين طَاعَة خلفائهم ومعاونتهم على إِقَامَة حق الله وعدله وَأمن السبل وحقن الدِّمَاء وَصَلَاح ذَات الْبَين وَجمع الألفة وَفِي إخلال ذَلِك اضْطِرَاب حَبل الْمُسلمين واختلالهم وَاخْتِلَاف ملتهم وقهردينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الْكَلِمَة وحسرات الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَحق على من اسْتَخْلَفَهُ الله فِي أرضه وائتمنه على خلقه أَن يُؤثر مَا فِيهِ رضى الله وطاعته ويقر لما الله واقفة عَلَيْهِ وسائلة عَنهُ وَيحكم بِالْحَقِّ وَيعْمل بِالْعَدْلِ فِيمَا حمله الله وقلده فَإِن الله عز وَجل يَقُول لنَبيه دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} وَقَالَ عز وَجل {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} وبلغنا أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 عمر بن الْخطاب قَالَ لَو ضَاعَت سخلة بِجَانِب الْفُرَات لتخوفت أَن يسألنى الله عَنْهَا وأيم الله أَن المسؤول عَن خَاصَّة نَفسه الْمَوْقُوف على عمله فِيمَا بَين الله وَبَينه متعرض لأمر كَبِير وعَلى خطر عَظِيم فَكيف بالمسؤول عَن رِعَايَة الْأمة وَبِاللَّهِ الثِّقَة وَإِلَيْهِ المفزع وَالرَّغْبَة فِي التَّوْفِيق مَعَ الْعِصْمَة والتسديد وَالْهِدَايَة إِلَى مَا فِيهِ ثُبُوت الْحجَّة والفوز من الله بالرضوان وَالرَّحْمَة وَأنْظر الْأَئِمَّة لنَفسِهِ وأنصحهم لله فِي دينه وعباده وخلافته فِي أرضه من عمل بِطَاعَة الله وَكتابه وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام فِي مُدَّة أَيَّامه واجتهد وأجهد رَأْيه وَنَظره فِيمَن يوليه عَهده ويختاره لإمامة الْمُسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علما لَهُم ومفزعا فِي جَمِيع ألفتهم وَلم شعثهم وحقن دِمَائِهِمْ والأمن بِإِذن الله من فرقتهم وَفَسَاد ذَات بَينهم وَاخْتِلَافهمْ وَرفع نزع الشَّيْطَان وكيده عَنْهُم فَإِن الله عز وَجل جعل الْعَهْد بالخلافة من تَمام أَمر الْإِسْلَام وكماله وَعزة وَصَلَاح اهله وألهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 خلفاء من توكيده لمن يختارونه لَهُ من بعدهمْ مَا عظمت بِهِ النِّعْمَة وشملت فِيهِ الْعَافِيَة وَنقض الله بذلك مر أهل الشقاق والعداوة والسعى فِي الْفرْقَة والرفض للفتنة وَلم يزل أَمِير الْمُؤمنِينَ مُنْذُ أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة فاختبر بشاعة مذاقها وَثقل محملها وَشدَّة مؤنتها وَمَا يجب عَلَيْهِ من تقلدها من ارتباط طَاعَة الله ومراقبته فِيمَا حمله مِنْهَا فأنصب بدنه وأسهر عينه وَأطَال فكره فِيمَا فِيهِ عز الدّين وقمع الْمُشْركين وَصَلَاح الْأمة وَنشر الْعدْل وَإِقَامَة الْكتاب وَالسّنة وَمنعه ذَلِك من الْخَفْض والدعة مهنأ الْعَيْش علما بِمَا الله سائله عَنهُ وحرصا أَن يلقى الله مناصحة فِي دينه وَعبادَة ومختارا لولاية عَهده ورعاية الْأمة من بعده أفضل من يقدر عَلَيْهِ فِي دينه وورعه وَعلمه وأرجاهم للْقِيَام بِأَمْر الله وَحقه مناجيا الله بالاستخارة فِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 ومسألته إلهامه مَا فِيهِ رِضَاهُ وطاعته فِي ليله ونهاره ومعملا فِي طلبه والتماسه من اهل بَيته من ولد عبد الله بن الْعَبَّاس وعَلى بن ابي طَالب فكره وَنَظره مُقْتَصرا مِمَّن علم حَاله ومذهبه مِنْهُم على علمه وبالغا فِي المسأله عَمَّن خفى عَلَيْهِ امْرَهْ جهده وطاقته حَتَّى استقصى امورهم بمعرفته وابتلى اخبارهم مشاهده وكشف مَا عِنْدهم مساءلة فَكَانَت خيرته بعد استخارته لله واجهاده نَفسه فِي قَضَاء حَقه وبلاده من الْبَيْتَيْنِ جَمِيعًا على بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن على بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب لما راى فَضله البارع وَعَمله الناصع وورعه الظَّاهِر وزهده الْخَالِص وتخليه من الدُّنْيَا وتسلمه من النَّاس وَقد استبان لَهُ مَا لم تزل الْأَخْبَار عَلَيْهِ متواطئة والألسن عَلَيْهِ متفقة والكلمة فِيهِ جَامِعَة وَلما لم يزل يعرفهُ بِهِ من الْفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا فَقعدَ لَهُ بالعهد بالخلافة إيثارا لله وَالدّين ونظرا للْمُسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وطلبا للسلامة وثبات الْحجَّة والنجاة فِي الْيَوْم الذى يقوم فِيهِ النَّاس لرب الْعَالمين ودعا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَده وَأهل بَيته وخاصته وقواده وخدمه فَبَايعُوهُ مسارعين مسرورين عَالمين بإيثار أَمِير الْمُؤمنِينَ طَاعَة الله على الْهوى فِي وَلَده وَغَيرهم مِمَّن هُوَ أشبك بِهِ رحما وَأقرب قرَابَة وَسَماهُ الرضى إِذا كَانَ رضى عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَبَايعُوا معشر أهل بَيت أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن الْمَدِينَة المحروسة من قواده وجنده وَعَامة الْمُسلمين الرضى من بعده على اسْم الله وبركته وَحسن قَضَائِهِ لدينِهِ وعباده بيعَة مبسوطة إِلَيْهَا أَيْدِيكُم منشرحة لَهَا صدوركم عَالمين بِمَا أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بهَا وآثر طَاعَة الله وَالنَّظَر لنَفسِهِ وَلكم فِيهَا شاكرين لله على مَا ألهم أَمِير الْمُؤمنِينَ من قَضَاء حَقه فِي رعايتكم وحرصه على رشده وصلاحكم راجين عائدته فِي ذَلِك فِي جمع ألفتكم وحقن دمائكم وَلم شعثكم وسد ثغوركم وَقُوَّة دينكُمْ وَرَغمَ عَدوكُمْ واستقامة أُمُوركُم وسارعوا إِلَى طَاعَة الله وَطَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن الْأَمر إِن سارعتم إِلَيْهِ وحمدتم الله عَلَيْهِ عَرَفْتُمْ الْحَظ فِيهِ إِن شَاءَ الله وَكتب بِيَدِهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ ثمَّ إِنَّه تقدم إِلَى على بن مُوسَى وَقَالَ لَهُ اكْتُبْ خطك بِقبُول هَذَا الْعَهْد وَأشْهد الله والحاضرين عَلَيْك بِمَا تعده فِي حق الله ورعاية الْمُسلمين فَكتب على الرضى تَحْتَهُ الْحَمد لله الفعال لما يَشَاء لَا معقب لحكمه وَلَا راد لقضائه يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفى الصُّدُور وصلواته على نبيه مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَآله والطيبين الطاهرين أَقُول وَأَنا على بن مُوسَى بن جَعْفَر إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عضده الله بالسداد وَرَفعه بالرشاد عرف من حَقنا مَا جَهله غَيره فوصل أرحاما قطعت وَأمن أنفسا فزعت بل أَحْيَاهَا وَقد تلفت وأغناها إِذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 افْتَقَرت متتبعا رضى رب الْعَالمين لَا يُرِيد جَزَاء من غَيره وسيجزى الله الشَّاكِرِينَ وَلَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَإنَّهُ جعل إِلَى عَهده والإمرة الْكُبْرَى إِن بقيت بعده فَمن حل عقدَة أَمر الله بشدها أَو فَصم عُرْوَة احب الله إيثاقها فقد أَبَاحَ حريمة وَأحل مُحرمَة إِذْ كَانَ بذلك زاريا على الإِمَام منتهكا حُرْمَة الْإِسْلَام بذلك وَجرى السالف فَصَبر مِنْهُ على الفلتات وَلم يعْتَرض بعْدهَا على العزمات خوفًا على شتات الدّين واضطراب حَبل الْمُسلمين ولقرب أَمر الْجَاهِلِيَّة ورصد فرْصَة تنتهز وبائقة تبتدر وَقد جعلت الله تَعَالَى على نفسى إِن استرعانى على الْمُسلمين وقلدنى خِلَافَته الْعَمَل فيهم عَامَّة وَفِي بنى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب خَاصَّة بِطَاعَتِهِ وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لاأسفك دَمًا حَرَامًا وَلَا أُبِيح فرجا وَلَا مَالا إِلَّا مَا سفكه حُدُوده وأباحته فَرَائِضه وَأَن أتخير الكفاة جهدى وطاقتى جعلت بذلك على نفسى عهدا مؤكدا يسألنى عَنهُ فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 عز وَجل يَقُول {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا} فَإِن حدت أَو غيرت أَو بدلت كنت للْغَيْر مُسْتَحقّا وللنكال متعرضا وَأَعُوذ بِاللَّه من سخطه وَإِلَيْهِ أَرغب فِي التَّوْفِيق لطاعته والحول بينى وَبَين مَعْصِيَته فِي عَافِيَة والجامعة والحصر يدلان على ضد ذَلِك {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} {إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين} لكنى امتثلت أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ وآثرت رِضَاهُ وَالله يعصمنى وإياه وأشهدت الله على نفسى بذلك {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} وكتبت بخطى بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وَالْفضل بن سهل وَسَهل بن الْفضل وَيحيى بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 أَكْثَم والبشر بن الْمُعْتَمِر وَحَمَّاد بن النُّعْمَان فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ ثمَّ كتب فِيهِ من حضر من هَؤُلَاءِ وَهَذِه صُورَة كتابتهم فِيهِ فَكتب الْفضل بن سهل وَزِير الْمَأْمُون مَا صورته رسم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ قِرَاءَة مَضْمُون هَذَا الْمَكْتُوب ظَهره وبطنه بحرم سيدناا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الرَّوْضَة والمنبر على رُؤُوس الأشهاد ومرأى ومسمع من وُجُوه بنى هَاشم وَسَائِر الْأَوْلِيَاء والأجناد وَهُوَ يسْأَل الله أَن يعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ وكافة الْمُسلمين بركَة هَذَا الْعَهْد والميثاق بِمَا أوجب أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحجَّة بِهِ على جَمِيع الْمُسلمين وأبطل الشُّبْهَة الَّتِى كَانَت اعترضت آراء الْجَاهِلين {مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَكتب الْفضل بن سهل فِي التَّارِيخ الْمعِين فِيهِ وَكتب عبد الله بن طَاهِر مَا صورته أَثْبَتَت شَهَادَته فِيهِ بتاريخه عبد الله بن طَاهِر بن الْحُسَيْن وَكتب يحيى بن أَكْثَم القاضى مَا صورته شهد يحيى بن أَكْثَم على مَضْمُون هَذِه الصَّحِيفَة ظهرهَا وبطنها وَكتب بِخَطِّهِ بالتاريخ وَكتب حَمَّاد بن النُّعْمَان مَا صورته شهد حَمَّاد بن النُّعْمَان بمضمونه ظَهره وبطنه وَكتب بِيَدِهِ بتاريخه وَكتب بشر بن الْمُعْتَمِر وَكتب مَا صورته شهد بِمثل ذَلِك بشر بن الْمُعْتَمِر وَكتب بِخَطِّهِ بالتاريخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الْمَذْهَب الثَّانِي فِي العهود الَّتِى تكْتب للخلفاء أَن يفْتَتح الْعَهْد بِالْحَمْد لله قلت وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي زَمَاننَا مَعَ الِاقْتِصَار على تحميده وأحدة والاختصار فِي القَوْل وعَلى ذَلِك كتب عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ المستكفى بِاللَّه أَبى الرّبيع سُلَيْمَان لوَلَده المستوثق بِاللَّه بركَة وَهَذِه نسخته الْحَمد لله الذى أيد الْخلَافَة العباسية بِأَجل وَالِد وَأبر ولد وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة بالسند والسند فَالسَّنَد وآواها من إمرتهم إِلَى الْكَهْف فالكهف وَإِن تناهى الْعدَد وزان عطفهابسؤدد سَواد شعارهم المسجلة أنواره وَلَا شكّ أَن النُّور فِي السوَاد وعذق بصولتهم النبوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 معجزها كل منآد نحمده على مَا من بِهِ من تَمام النِّعْمَة فيهم ونزول الرَّحْمَة ببواقيهم ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مَحْضَة الْإِخْلَاص كافلا محضها بالفكاك من أسر الشّرك والخلاص ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بِمَا أوضح سبل الرشاد وقمع أهل العناد وَالشَّفِيع المشفع يَوْم التناد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة لاانقضاء لَهَا ولانفاذ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَبعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَيذكر اسْمه يعتصم بِاللَّه فِي كل مَا ياتى ويذر مِمَّا جعل لَهُ من التَّفْوِيض وَيُشِير إِلَى الصَّوَاب فِي كل تَصْرِيح مِنْهُ وتعريض وَإنَّهُ شدّ الله أزره وَعظم قدره استخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْوَصِيَّة بِمَا جعله لَهُ من الْخلَافَة المعظمة المفخمة الموروثة عَن الْآبَاء والجدود الملقاة إِلَيْهِ مقاليدها كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن عَمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوَالِد من قُرَيْش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 والمولود لوَلَده السَّيِّد الْأَجَل الْمُعظم المكرم فلَان سليل الْخلَافَة وشبل غابها ونخبة أحسابها وأنسابها اجله الله وشرفه وجمل بِهِ عطف الْإِمَامَة وفوفه لما تلمحة فِيهِ من النجابة اللائحة على شمائله وَظهر من مستوثق إبداء سره فِيهِ بدلائل برهانه وبرهان دلائله وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة صانها الله تَعَالَى سيدنَا ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ من حضر من حكام الْمُسلمين قُضَاة قضاتهم وعلمائهم وعدولهم مَجْلِسه الشريف أَنه رَضِي أَن يكون الْأَمر فِي الْخلَافَة المعظمة الذى جعله الله لَهُ الْآن لوَلَده السَّيِّد الْأَجَل فلَان بعد وَفَاته فسح الله فِي أَجله وعهد بذلك إِلَيْهِ وعول فِي أَمر الْخلَافَة عَلَيْهِ وَألقى إِلَيْهِ مقاليدها وَجعل بِيَدِهِ زِمَام مبدئها ومعيدها وصّى لَهُ بذلك كُله جزئيه وكليه وغمضه وجليه وَصِيَّة شَرْعِيَّة بشروطها اللَّازِمَة الْمُعْتَبرَة وقواعدها المحررة وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا قلت وَقد أنشأت على هَذِه الطَّرِيقَة عهدا على لِسَان الإِمَام الْأَعْظَم المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد لِابْنِهِ الإِمَام الْأَعْظَم المستعين بِاللَّه أَبى الْفضل الْعَبَّاس امتحانا للذهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 قبل وَفَاة المتَوَكل وانتقال الْخلَافَة بالبيعة لِابْنِهِ المستعين بِنَحْوِ ثَمَان سِنِين فاتفق أَن كَانَ هُوَ الذى ولى الْخلَافَة بعده من اولاده وَهَذِه نسخته هَذَا عهد سعيد الطالع مَيْمُون الطَّائِر مبارك الأول جميل الْأَوْسَط حميد الآخر تشهد بِهِ حضرات الْأَمْلَاك وترقمه كف الثريا باقلام الْقبُول فِي صَحَائِف الأفلاك وتباهى بِهِ مُلُوك الأَرْض مَلَائِكَة السما وتسرى بنشره الْقبُول فتنشر لَهُ بِكُل نَاحيَة علما وتطلع بِهِ سَعَادَة الْجد من مُلُوك الْعدْل فِي كل أفق نجما وترقص من فرحها الْأَنْهَار فتنقطها شمس النَّهَار بِذَهَب الْأَصِيل على صفحات الما عهد بِهِ عبد الله ووليه أَبُو عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل عدَّة الدّين وذخيرته وصفى أَمِير الْمُؤمنِينَ من وَلَده وَخيرته المستعين بِاللَّه أَبى الْفضل الْعَبَّاس بلغ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 فِيهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ غَايَة الأمل وَأقر بِهِ عين الْخلَافَة العباسية كَمَا أقرّ بِهِ عين أَبِيه وَقد فعل أما بعد فَالْحَمْد لله حَافظ نظام الاسلام وواصل سَببه وَرَافِع بَيت الْخلَافَة وماد طنبه وناظم عقد الْإِمَامَة المعظمة فِي سلك بنى الْعَبَّاس وجاعلها كلمة بَاقِيَة فِي عقبه وَالْحَمْد لله الذى عذق أَمر الْأمة مِنْهُم بأعظمهم خطرا وأرفعهم قدرا وأرجحهم عقلا وأوسعهم صَدرا وأجزلهم رَأيا وأسلمهم فكرا وَالْحَمْد لله الذى أقرّ عين أَمِير الْمُؤمنِينَ بِخَير ولى وَأفضل ولد وَشد ازره بأكرم سيد وأعز سَنَد وَصرف اخْتِيَار اخْتِيَاره إِلَى من إِذا قَامَ بِالْأَمر بعده قيل هَذَا الشبل من ذَاك الْأسد وَالْحَمْد لله الَّذِي جمع الآراء على اخْتِيَار العاهد فَمَا قلوه وَلَا رفضوه وجبل الْقُلُوب على حب الْمَعْهُود إِلَيْهِ فَلم يرَوا الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره بِوَجْه من الْوُجُوه وَالْحَمْد لله الذى جدد للرعية نعْمَة مَعَ بَقَاء النِّعْمَة الأولى وَأقَام لأمر الْأمة من بنى عَم نبيه الْمُصْطَفى الأولى بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فَالْأولى وَاخْتَارَ لعهد الْمُسلمين من سبقت إِلَيْهِ فِي الْأَزَل إِرَادَته فَأصْبح فِي النُّفُوس مُعظما وَفِي الْقُلُوب مَقْبُولًا وَالْحَمْد لله الذى أضْحك الْخلَافَة العباسية بِوُجُود عباسها وأطاب بِذكرِهِ رياها فتعطر الْوُجُود بِطيب أنفاسها وَرفع قدرَة بالعهد إِلَيْهِ إِلَى أَعلَى رُتْبَة منيفة وَخَصه بمشاركة جده الْعَبَّاس فِي الأسم والكنية ففاز بِمَا لم يفز بِهِ قبله مِنْهُم سِتّ وَأَرْبَعُونَ خَليفَة وَالْحَمْد لله الذى أوجب على الكافة طَاعَة إولى الْأَمر من الْأَئِمَّة وألزمهم الدُّخُول فِي بيعَة الإِمَام والانقياد إِلَيْهِ وَلَو كَانَ عبدا أسود فَكيف بِمن أجمع على سؤدده الْأمة وأوضح السَّبِيل فِي التَّعْرِيف بمقام الْآل والعزة النَّبَوِيَّة فَلَا {يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة} يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا منحه من طيب أرومة سمت أصلا وزكت فرعا وحباه من شرف محتد راق نظرا وشاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 سمعا وَوَصله بِهِ من نعم آثرت نَفَّاعًا وأثرت نفعا وَيشْهد أَن لَا إِلَه الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتوارثونها كالخلافة كَابِرًا عَن كَابر ويوصى بهَا أبدا الأول مِنْهُم الآخر وَيُؤذن قيامهم بنصرتها أَنهم مَعْدن جوهرها النفيس ونظام عقدهَا الفاخر وَيشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذى خص عَمه الْعَبَّاس بكريم الحباء وشريف الإنافة وَنبهَ على بَقَاء الْأَمر فِي بنيه بقول ضل من اظهر عناده أَو أضمر خلَافَة حَيْثُ أسر إِلَيْهِ أَلا أُبَشِّرك يَا عَم بى ختمت النُّبُوَّة وبولدك تختم الْخلَافَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة تعم بركتها الْوَلَد وَالْوَالِد ويشمل معروفها الْمَعْهُود إِلَيْهِ وَيعرف شرفها العاهد ويعترف بفضلها الْمقر وَلَا يسع إنكارها الجاحد مانوة بِذكر الْخلَافَة العباسية على أَعْوَاد المنابر وخفقت الرَّايَات السود على عَسَاكِر المواكب ومواكب العساكر وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا هَذَا وكل رَاع مسئول عَن رَعيته وكل امْرِئ مَحْمُول على نِيَّته مخبر بِظَاهِرِهِ عَن جميل مَا أكنه فِي صَدره وَمَا أسره فِي طويته وَالْإِمَام مَنْصُوب للْقِيَام بِأَمْر الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 تَعَالَى فِي عباده مَأْمُور بِالنَّصِيحَةِ لَهُم جهد طاقته وطاقة اجْتِهَاده مَطْلُوب بِالنّظرِ فِي مصالحهم فِي حَاضر وقتهم ومستقبله وبدء أَمرهم ومعاده وَمن ثمَّ اخْتلفت آراء الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فِي الْعَهْد بالخلافة وتباينت مقاصدهم وتنوعت اختياراتهم بِحَسب الِاجْتِهَاد وَاخْتلفت مواردهم فعهد الصّديق إِلَى عمر بن الْخطاب متثبتا وَتركهَا عمر شُورَى فِي سِتَّة وَقَالَ أتحمل أَمركُم حَيا وَمَيتًا وأتى رضى الله عَنهُ لكل من المذهبين بِمَا أذعن لَهُ الْخصم وَسلم فَقَالَ إِن أَعهد فقد عهد من هُوَ خير منى ابو بكر وَإِن أترك فقد ترك من هُوَ خير منى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ الْخُلَفَاء فِي ذَلِك بسنتهما وَمَشوا فِيهِ على طريقتهما فَمن رَاغِب عَن الْعَهْد وراغب فِيهِ وَعَاهد إِلَى بعيد مِنْهُ وَآخر إِلَى ابْنه اَوْ أَخِيه كل مِنْهُم بِحَسب مَا يُؤدى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وتقوى عَلَيْهِ عزيمته ويترجح لَدَيْهِ اعْتِمَاده وَلما كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أحسن الله مثابه قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 نور الله عين بصيرته وَخَصه بِطَهَارَة سره وصفاء سَرِيرَته وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة وَإِقَامَة لمصَالح الرّعية وَصَلَاح أَمر الْأمة وَعلمه مِمَّا يَشَاء فَكَانَ لَهُ من علم الفراسة أوفر قسم واصطفاه على أهل عصره وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم فَلَا يعزم أمرا إِلَّا كَانَ رشادا وَلَا يعْتَمد فعلا إِلَّا ظهر سدادا وَلَا يرتئى رَأيا إِلَّا ألفى صَوَابا وَلَا يُشِير بشئ إِلَّا حمدت آثاره بدايه وَنِهَايَة واستصحابا وَمَعَ ذَلِك فقد بِلَا النَّاس وَخَيرهمْ وَعلم بالتجربة حَالهم وخبرهم وأطلع بِحسن النّظر على خفايا أُمُورهم وَمَا بِهِ مصلحَة خاصتهم وجمهورهم وترجح عِنْده جَانب الْعَهْد على جَانب الإهمال وَرَأى الْمُبَادرَة إِلَيْهِ أولى من الْإِمْهَال وَلم يزل يرْوى فكرته وَيعْمل رويته فِيمَن يصلح لهَذَا الْأَمر بعده وينهض بأعبائه الثَّقِيلَة وَحده وَيتبع فِيهِ سبله ويسلك طرائقه ويقتضى فِي السِّيرَة الْحَسَنَة أَثَره ويشيم فِي الْعدْل بوارقه وَيقبل على الْأَمر بكليته وَيقطع النّظر عَمَّا سواهُ ويتفرغ لَهُ من كل شاغل فَلَا يخالطه بِمَا عداهُ وَقد علم أَن الأحق بِأَن يكون لَهَا حليفا من كَانَ بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 خليقا وَالْأولَى بَان يكون لَهَا قرينا من كَانَ بوصلها حَقِيقا والأجدر أَن يكون لَدَيْهَا مكينا من اتخذ مَعهَا يدا وَإِلَى مرضاتها طَرِيقا والأليق بمنصبها الشريف من كَانَ مطلوبها مَلِيًّا والأحرى بمكانها الرفيع من كَانَ بمقصودها وفيا والأوفق لمقامها العالى من كَانَ خيرا مقَاما وَأحسن نديا وَكَانَ وَالِده السَّيِّد الْأَجَل أَبُو الْفضل الْعَبَّاس الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الذى وجهت الْخلَافَة وَجههَا إِلَى قبلته وبالغت فِي طلبه وألحت فِي خطبَته على أَنه قد أرضع بلبانها وربى فِي حجرها وانتسب إِلَيْهَا بِالنُّبُوَّةِ فضمته إِلَى صدرها وَكَيف لَا تتشبث بجماله وتتعلق بأذياله وتطمع فِي قربه وتتغالى فِي حبه وتميل إِلَى أنسه وتراوده عَن نَفسه وَهُوَ كفؤها المستجمع لشرائطها المتصف بصفاتها ونسيبها السامى إِلَى أعاليها الراقى على شرفاتها إِذْ هُوَ شبلها النَّاشِئ فِي آجامها بل أسدها الحامى لحماها ومجيرها الوافى بذمامها وفارسها الْمُقدم فِي حلبه سباقها ووارثها الْحَائِز لجَمِيع سهامها وحاكمها الطائع لأمرها ورشيدها الْمَأْمُون على سرها وناصرها الْقَائِم بواجبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 ومهديها الهادى إِلَى أفضل مذاهبها فقد التحف من الْخلَافَة بردائها وَسكن من الْقُلُوب فِي سويدائها وتوسمت الْآفَاق تَفْوِيض الْأَمر إِلَيْهِ بعد أَبِيه فَظهر الخلوق فِي أرجائها وَاتبع سيرة ابيه فِي الْمَعْرُوف واقتفى أَثَره فِي الْكَرم وتشبه بِهِ فِي المفاخر وَمن يشابه أبه فَمَا ظلم وَتقبل الله دُعَاء أَبِيه فوهب لَهُ من لَدنه وليا وَأجَاب نداءه فِيهِ فمكن لَهُ فِي الأَرْض وآتاه الحكم صَبيا فاستوجب أَن يكون حِينَئِذٍ للْمُسلمين ولى عَهدهم واليا على أُمُورهم فِي حلهم وعقدهم متكفلا بِالْأَمر فِي قربَة وَبعده معينا لِأَبِيهِ فِي حَيَاته خَليفَة لَهُ من بعده وَأَن يُصَرح لَهُ بالاستخلاف ويوضح وَيَتْلُو عَلَيْهِ بِلِسَان التَّفْوِيض {اخلفني فِي قومِي وَأصْلح} واقتضت شَفَقَة أَمِير الْمُؤمنِينَ ورأفته ورفقه بالأمة وَرَحمته أَن ينصب لَهُم ولى عهد يكون بِهَذِهِ الصِّفَات متصفا وَمن بحره مغترفا وَمن ثمار مَعْرُوفَة الْمَعْرُوف مقتطفا ولمنهله العذب واردا وعَلى بَيته الشريف وَسَائِر الْأمة بِالْخَيرِ عَائِدًا فَلم يجد من هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 مُسْتَكْمل لجميعها مستوعب لأصولها وفروعها وَهُوَ بمطلوبها املى وعَلى قُلُوب الرّعية أحلى وللغليل أشفى وبالعهد الْجَمِيل أوفى من وَلَده الْمشَار إِلَيْهِ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِك أهل الْحل وَالْعقد من قُضَاته وعلمائه وأمرائه ووزارئه وَذَوِيهِ وأقاربه وبنيه وأعيان اهل الْعَصْر وعامته وجمهوره وكافته فرأوه صَوَابا فَلم تعرهم فِيهِ ظنة وَلَا مسترابا وَلَا وجد أحد مِنْهُم إِلَى بَاب غَيره طَرِيقا وَلَا إِلَى طَرِيق غَيره بَابا فاستخار الله تَعَالَى فِيهِ فَأقبل خاطره الشريف عَلَيْهِ وَكرر الاستخارة فَلم يجد عَنهُ محيدا إِلَّا إِلَيْهِ فَلَمَّا راى أَن ذَلِك أَمر قد انْعَقَد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع قولا وفعلا وَعدم فِيهِ الْمُخَالف بل لم يكن أصلا حمد الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ التَّوْفِيق وَرغب إِلَيْهِ وجدد الاستخارة وعهد إِلَيْهِ بِأَمْر الْأمة وقلده مَا هُوَ متقلده من الْخلَافَة المقدسة بعده على عَادَة من تقدمه من الْخُلَفَاء الماضين وَقَاعِدَة من سلف من الْأَئِمَّة المهديين وفوض إِلَيْهِ مَا هُوَ من احكامها ولوازمها وأصولها ومعالمها من عهد ووصاية وعزل وَولَايَة وتفويض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وتقليد وانتزاع وتخليد وتفريق وَجمع وَإِعْطَاء وَمنع وَوصل وَقطع وصلَة وإدرار وتقليل وإكثار جزئيها وكليها وخفيها وجليها ودانيها وقاصيها وطائعها وعاصيها تفويضا شَرْعِيًّا تَاما مرضيا جَامعا لأحكام الْولَايَة جمعا يعم كل نطاق وَيرى حكمه فِي جَمِيع الْآفَاق وَيدخل تَحْتَهُ سَائِر الأقاليم والأمصار على الْإِطْلَاق لَا يُغير حكمه وَلَا ينجلى رسمه وَلَا يطيش سَهْمه وَلَا يأفل نجمه قبل الْمَعْهُود إِلَيْهِ أَعلَى الله مقَامه ذَلِك بِمحضر من الْقُضَاة الْحُكَّام وَالْعُلَمَاء الْأَعْلَام وَلزِمَ حكمه وانبرم وَكتب فِي سجلات الأفلاك وارتسم وحملت رسائله مَعَ برد السَّحَاب وطافت بِهِ على سَائِر الْأُمَم وَهُوَ أبقاه الله مَعَ مَا طبعت عَلَيْهِ طباعة السليمة وجبلت عَلَيْهِ سجاياه الشَّرِيفَة وأخلاقه الْكَرِيمَة قد تلقى عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ من شرِيف الْآدَاب مَا غذى بِهِ فِي مهده وتلقف مِنْهُ من حسن الأدوات مَا يرويهِ بالسند عَن أَبِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وجده مِمَّا انطبع فِي صفاء ذهنه الصَّقِيل وانتقش فِي فهمه وَاخْتَلَطَ من حَال طفوليته بدمه ولحمه حَتَّى صَار طبعا ثَانِيًا وخلقا على ممر الزَّمَان بَاقِيا وَاجْتمعَ لَدَيْهِ الغريزى فَكَانَ أصلا ثَابتا وفرعا على ذَلِك الأَصْل القوى نابتا لَكِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يوصيه تبركا ويشرح لَهُ مَا يكون بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى متمسكا والمرء إِلَى الْأَمر بِالْخَيرِ مَنْدُوب وَوَصِيَّة الرجل لِبَنِيهِ مَطْلُوبَة فقد قَالَ تَعَالَى {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب} فَعَلَيْك بمراقبة الله تَعَالَى فَمن راقب الله نجا وَالتَّقوى رَأس مَا لَك {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} والجأ إِلَى الْحق فقد فَازَ من إِلَى الْحق لجا وَكتاب الله هُوَ الْحَبل المتين وَالْكتاب الْمُبين والمنهج القويم والسبيل الْوَاضِح والصراط الْمُسْتَقيم فتمسك مِنْهُ بالعروة الوثقى واسلك طَرِيقَته المثلى واهتد بهديه فَلَا تضل وَلَا تشقى وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك بالاقتداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 بأفعالها الْوَاضِحَة والإصغاء لآثار أقوالها الشارحة عَالما بَان الْكتاب وَالسّنة أَخَوان لايفترقان ومتلازمان بِحَبل التباين لايعتلقان والبلاد والرعايا فحطمها بنظرك مَا اسْتَطَعْت وَتثبت فِي كل قطع وَوصل فَأَنت مسؤول عَن كل مَا وصلت وَقطعت والآل والعزة النَّبَوِيَّة ففهما حق الْقَرَابَة مِنْك وَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذى شرفت بِهِ وَاعْلَم أَنَّك إِذا أكرمت أحداص مِنْهُم فَإِنَّمَا أكرمته بِسَبَبِهِ وَاتبع فِي السِّيرَة سيرة آبَائِك الْخُلَفَاء الرَّاشِدين لاتزغ عَنْهَا وَلَا تعْمل إِلَّا بهَا وَبِمَا هُوَ إِن اسْتَطَعْت خير مِنْهَا وَاقِف فِي الْمَعْرُوف آثَارهم المقدسة لتحوى من المآثر مَا حووا وأحذ حذوهم فِي طريقهم الْمُبَارَكَة وَابْن الْمجد كَمَا بنوا وأحى من الْعَمَل سنة سلفك المصطفين الأخيار واحرص أَن تكون من الْأَئِمَّة الَّذين يظلهم الله تَحت ظلّ عَرْشه {وَيَوْم يقوم الأشهاد يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم وَلَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وأسلف خَبرا تذكر بِهِ على مر الليالى وينتظم ذكره لَك فِي عُقُود الْأَيَّام كَمَا تنتظم فِي السلك اللآئى وَليكن قصدك وَجه الله ليَكُون فِي نصرتك فَإِن من كَانَ الله تَعَالَى ف نصرته لايبالى ولتعلم حق الْيَقِين أَن حسنه الإِمَام تضَاعف بِحَسب مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْمصَالح أَو يَتَجَدَّد بِسَبَبِهَا وسيئته كَذَلِك فَمن سنّ سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ إثمها وإثم من عمل بهَا ودر مَعَ الْحق كَيفَ دَار ومل مَعَه حَيْثُ مَال وَاعْلَم {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ وَمَا لَهُم من دونه} وَلَا يخْطر ببالك أَن هَذَا الْأَمر انْتهى إِلَيْك بِقُوَّة أَو يغرك مَا قدمْنَاهُ من الثَّنَاء عَلَيْك فالتأثر بالمدح مخل بالمروة ولاتتكل على نسبك فَمن اطاع الله أدخلهُ الْجنَّة وَلَو كَانَ عبدا حَبَشِيًّا وَمن عَصَاهُ أدخلهُ النَّار وَلَو كَانَ هاشميا قرشيا واستنصر الله واستعن بِهِ يكن لَك عونا وظهيرا واستهده يهدك {وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا} وَكن لله خَائفًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَمن مكره من المشفقين فَإِن {الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك ووصيته تملى عَلَيْك {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} وَالله تَعَالَى يبلغهُ مِنْك أملا ويحقق فِيك علما ويزكى بك عملا والاعتماد على الْخط الْمُقَدّس الإمامى المتوكلى أَعْلَاهُ الله تَعَالَى اعلاه حجَّة فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَنْبِيه قد تقدم فِي آخر البيعات نقلا عَن مُحَمَّد بن عمر المدائنى أَنه كَانَ يكْتب للخلفاء فِي قرطاس من ثلثى طومار وَهُوَ الثُّلُثَانِ من الْقطع البغدادى وَأَن الذى يظْهر أَن ذَلِك كَانَ فِي أَوَائِل أَمرهم وَأَنه كَانَ يكْتب لَهُم أخيرا فِي قطع البغدادى الْكَامِل أما الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب من العهود بالخلافة عَن خلفاء بنى الْعَبَّاس بالديار المصرية انه يكْتب لَهُم فِي قطع الشامى الْكَامِل بقلم الثُّلُث الْخَفِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَهَذِه هِيَ طَريقَة الأقدمين من السّلف فَمن بعدهمْ فِي صدر الْإِسْلَام وَمَا وليه وَعَلِيهِ جرى الْمُحَقِّقُونَ من متأخري الْكتاب بالدولة العباسية بالعراق وَإِلَى 192 ب حِين انقراضها إِلَّا فِي الْقَلِيل النَّادِر مِمَّا سَيَأْتِي ذكره مِمَّا شَذَّ عَن ذَلِك وعَلى هَذَا المنوال نسج أفاضل كتاب الديار المصرية فِي كتبُوا بِهِ لملوك الديار المصرية إِلَّا أَنهم عدلوا عَن لفظ أمره إِلَى مَا يتَضَمَّن معنى الْأَمر دون تَصْرِيح بِلَفْظِهِ وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين وَجه عَمْرو بن حزم إِلَى الْيمن كتب لَهُ كتاب عهد أمره فِيهِ أمره وَهَذِه نسخته فِيمَا ذكره ابْن هِشَام وَغَيره هَذَا بَيَان من الله وَرَسُوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} عهد من مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله لعَمْرو بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 حزم أمره بتقوى الله فِي أمره كُله فَإِن {الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} وَأمره أَن يَأْخُذ بِالْحَقِّ كَمَا أمره الله وَأَن يبشر النَّاس بِالْخَيرِ وَيَأْمُرهُمْ بِهِ وَيعلم النَّاس الْقُرْآن ويفقههم فِيهِ وَينْهى النَّاس فَلَا يمس الْقُرْآن إِنْسَان إِلَّا وَهُوَ طَاهِر ويخبر النَّاس بِالَّذِي لَهُم وَالَّذِي عَلَيْهِم ويلين للنَّاس فِي الْحق ويشتد عَلَيْهِم فِي الظُّلم فَإِن الله كره الظُّلم وَنهى عَنهُ فَقَالَ {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} ويبشر النَّاس بِالْجنَّةِ وبعملها وينذر النَّاس النَّار وعملها ويتألف النَّاس حَتَّى يفقهوا فِي الدّين وَيعلم النَّاس معالم الْحَج وسنته وفريضته وَمَا أَمر الله بِهِ وَالْحج الْأَكْبَر وَالْحج الْأَصْغَر وَهُوَ الْعمرَة وَينْهى النَّاس أَن يُصَلِّي أحد فِي ثوب وَاحِد صَغِير إِلَّا أَن يكون ثوبا يثني طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ وَينْهى أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 وعَلى هَذَا الأسلوب كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه عهد مَالك الأشتر النَّخعِيّ حِين ولاه مصر وَهُوَ من العهود البليغة جمع 193 ب فِيهِ بَين معالم التَّقْوَى وسياسة الْملك وَهَذِه نسخته هَذَا مَا أَمر عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالك بن الْحَارِث الأشتر فِي عَهده إِلَيْهِ حِين ولاه مصر جباية خراجها وَجِهَاد عدوها واستصلاح أَهلهَا وَعمارَة بلادها وَأمره بتقوى الله وإيثار طَاعَته وَاتِّبَاع مَا أَمر بِهِ فِي كِتَابه من فريضته وسنته الَّتِي لَا يسْعد أحد إِلَّا باتباعها وَلَا يشقى إِلَّا مَعَ جحودها وإضاعتها وَأَن ينصر الله تَعَالَى بِيَدِهِ وَقَلبه وَلسَانه فَإِنَّهُ جلّ اسْمه قد تكفل بنصر من نَصره وإعزاز من أعزه وَأمره أَن يكسر من نَفسه عِنْد الشَّهَوَات ويزعها عِنْد الجمحات فَإِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 ثمَّ اعْلَم يَا مَالك أَنِّي قد وجهتك إِلَى بِلَاد قد جرت عَلَيْهَا دوَل قبلك من عدل وجور وَأَن النَّاس يبصرون من أمورك مثل مَا كنت تنظر فِيهِ من أَمر الْوُلَاة قبلك وَيَقُولُونَ فِيك مَا كنت تَقول فيهم وَإِنَّمَا يسْتَدلّ على الصَّالِحين بِمَا يجْرِي الله لَهُم على ألسن عباده فَلْيَكُن أحب الذَّخَائِر إِلَيْك الْعَمَل الصَّالح فاملك هَوَاك وشح بِنَفْسِك عَمَّا لَا يحل لَك فَإِن الشُّح بِالنَّفسِ الانتصاف مِنْهَا فِيمَا أحبت وكرهت وأشعر قَلْبك بِالرَّحْمَةِ للرعية والمحبة لَهُم واللطف بهم وَلَا تكونن عَلَيْهِ سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فَإِنَّهُم صنفان إِمَّا أَخ لَك فِي الدّين وَإِمَّا نَظِير لَك فِي الْخلق يفرط مِنْهُم الزلل وَتعرض لَهُم الْعِلَل وَيُؤْتى على أَيْديهم فيالعمد وَالْخَطَأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الَّذِي تحب أَن يعطيك الله من عَفوه وصفحه فَإنَّك فَوْقهم ووالي الْأَمر عَلَيْهِم فَوْقك وَالله فَوق من ولاك وَقد استكفاك أَمرهم 194 اوابتلاك بهم وَلَا تنصبن نَفسك لِحَرْب الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 مَا اسْتَطَعْت يستر الله مَا تحب ستره من عيبك أطلق عَن النَّاس عقدَة كل حقد واقطع عَنْهُم سَبَب كل وتر وتجاف عَن كل مَا لَا يَصح لَك وَلَا تعجلن إِلَى تَصْدِيق ساع فَإِن السَّاعِي غاش وَإِن تشبه بالناصحين وَلَا تدخلن فِي مشورتك بَخِيلًا يعدل بك عَن الْفضل ويعدك الْفقر وَلَا جَبَانًا يضعفك عَن الْأُمُور وَلَا حَرِيصًا يزين لَك الشره بالجور فَإِن الْبُخْل والجبن والحرص غرائز شَتَّى يجمعها سوء الظَّن بِاللَّه شَرّ وزرائك من كَانَ للأشرار قبلك وزيرا وَمن شاركهم فِي الآثام فَلَا يكونن لَك بطانة فَإِنَّهُم أعوان الأثمة وإخوان الظلمَة وَأَنت وَاجِد مِنْهُم خير الْخلف من لَهُ مثل آرائهم ونفاذهم وَلَيْسَ عَلَيْهِ مثل آصارهم وأوزارهم مِمَّن لم يعاون ظَالِما على ظلمه وَلَا آثِما على إثمه أُولَئِكَ أخف عَلَيْك مئونة وَأحسن لَك مَعُونَة وأحنى عَلَيْك عطفا وَأَقل لغيك إلفا فَاتخذ أُولَئِكَ خَاصَّة لخلواتك وحفلاتك ثمَّ ليكن آثرهم عنْدك أقولهم لَك بمر الْحق وَأَقلهمْ مساعدة فِيمَا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 مِنْك مِمَّا كره الله لأوليائه وَاقعا ذَلِك من هَوَاك حَيْثُ وَقع والصق بِأَهْل الصدْق والورع ثمَّ رضهم على أَن لَا يضروك وَلَا يبجحوك بباطل لم تَفْعَلهُ فَإِن كَثْرَة الإصغاء تحدث الزهو وتدنى من الْغرَّة وَلَا يكونن المحسن عنْدك والمسيء بِمَنْزِلَة وَاحِدَة فَإِن فِي ذَلِك ترهيبا لأهل الْإِحْسَان وتريبا لأهل الْإِسَاءَة ... وَإنَّك لَا تَدْرِي إِذا جَاءَ سَائل أَأَنْت بِمَا تعطيه أم هُوَ أسعد عَسى سَائل ذُو حَاجَة إِن منعته من الْيَوْم سؤلا أَن يكون لَهُ غَد وَفِي كَثْرَة الْأَيْدِي عَن الْجَهْل زاجر وللحلم أبقى للرِّجَال وأعود ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 والمواصلة لكل 195 ب من حمى الْبَيْضَة وأخلص النِّيَّة والكون تَحت ظلّ أَمِير الْمُؤمنِينَ وذمته وَمَعَ عز دولته أبي مَنْصُور فِي حوزته وَالله جلّ اسْمه يعرف لأمير الْمُؤمنِينَ حسن العقبى فِيمَا أبرم وَنقض وسداد الرَّأْي فِيمَن رفع وخفض وَيجْعَل عَزَائِمه مقرونة بالسلامة محجوبة عَن موارد الندامة وَحسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الله وَنعم الْوَكِيل أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْعِصْمَة المتينة وَالْجنَّة الحصينة والطود الأرفع والمعاذ الأمنع والجانب الْأَعَز والمجأ الأحرز وَأَن يستشعرها سرا وجهرا ويستعملها قولا وفعلا ويتخذها ذخْرا نَافِعًا لنوائب الْقدر وكهفا حاميا من حوادث الْغَيْر فَإِنَّهَا أوجب الْوَسَائِل وَأقرب الذرائع وأعودها على العَبْد بمصالحه وأدعاها إِلَى كل مناجحه وأولاها بالاستمرار على هدايته والنجاة من غوايته والسلامة فِي دُنْيَاهُ حِين توبق موبقاتها وتردى مردياتها وَفِي آخرته حِين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 تروع رائعاتها وتخيف مخيفاتها وَأَن يتأدب بآداب الله فِي التَّوَاضُع والإخبات والسكينة وَالْوَقار وَصدق اللهجة إِذا رَمق وكظم الغيظ إِذا حنق وَحفظ اللِّسَان إِذا غضب وكف الْيَد عَن المآثم وصون النَّفس عَن الْمَحَارِم وَأَن يذكر الْمَوْت الَّذِي هُوَ نَازل بِهِ والموقف الَّذِي هُوَ صائر إِلَيْهِ وَيعلم أَنه مسئول عَمَّا اكْتسب مجزى عَمَّا تزمك واحتقب ويتزود من هَذَا الْمَمَر لذاك الْمقر ويستكثر من أَعمال الْخَيْر لتنفعه وَمن مساعي الْبر لتنقذه ويأتمر بالصالحات قبل أَن يَأْمر بهَا ويزدجر عَن السَّيِّئَات قبل أَن يزْجر عَنْهَا ويبتدئ بإصلاح نَفسه قبل إصْلَاح رَعيته فَلَا يَبْعَثهُم على مَا يَأْتِي ضِدّه وَلَا ينهاهم عَمَّا يقترف مثله وَيجْعَل ربه رقيبا عَلَيْهِ فِي خلواته ومروءته مَانِعَة من شهواته فَإِن أَحَق من غلب سُلْطَان الشَّهْوَة وَأولى من صرع أَعدَاء الحمية من 196 املك أزمة الْأُمُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 واقتدر على سياسة الْجُمْهُور وَكَانَ مُطَاعًا فِيمَا يرى مُتبعا فِيمَا يَشَاء يَلِي على النَّاس وَلَا يلون عَلَيْهِ ويقتص مِنْهُم وَلَا يقتصون مِنْهُ فَإِذا إطلع الله مِنْهُ على نقاء جيبه وطهارة ذيله وَصِحَّة سَرِيرَته واستقامة سيرته أَعَانَهُ على حفظ مَا استحفظه وأنهضه بثقل مَا حمله وَجعل لَهُ مخلصا من الشُّبْهَة ومخرجا من الْحيرَة فقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَقَالَ عز من قَائِل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} إِلَى آي كَثِيرَة حضنا بهَا على أكْرم الْخلق وَأسلم الطّرق فالسعيد من نصبها إزاء ناظرة والشقي من نبذها وَرَاء ظَهره وأشقى مِنْهُمَا من بعث عَلَيْهَا وَهُوَ صَادف عَنْهَا وأهاب إِلَيْهَا وَهُوَ بعيد مِنْهَا وَله ولأمثاله يَقُول الله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وَأمره أَن يتَّخذ كتاب الله إِمَامًا مُتبعا وطريقا متوقعا وَيكثر من تِلَاوَته إِذا خلا بفكره ويملأ بتأمله أرجاء صَدره فَيذْهب مَعَه فِيمَا أَبَاحَ وحظر ويقتدى بِهِ إِذا نهى وَأمر ويستبين ببيانه إِذا استغلقت دونه المعضلات ويستضيء بمصابيحه إِذا غم عَلَيْهِ فِي المشكلات فَإِنَّهُ عُرْوَة الْإِسْلَام الوثقى ومحجته الْوُسْطَى وَدَلِيله الْمقنع وبرهانه المرشد والكاشف لظلم الخطوب والشافي من مرض الْقُلُوب وَالْهَادِي لمن ضل والمتلافي لمن زل فَمن نجا بِهِ فقد فَازَ وَسلم وَمن لَهَا عَنهُ فقد خَابَ وَنَدم قَالَ الله تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} وَأمره أَن يحافظ على الصَّلَوَات وَيدخل فِيهَا فِي حقائق الْأَوْقَات قَائِما على حُدُودهَا 196 ب مُتبعا لرسومها جَامعا فِيمَا بَين نِيَّته وَلَفظه متوقيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 لمطامح سَهْوه ولحظه مُنْقَطِعًا إِلَيْهَا عَن كل قَاطع لَهَا مَشْغُولًا بهَا عَن كل شاغل عَنْهَا متثبتا فِي ركوعها وسجودها مُسْتَوْفيا عدد مفروضها ومسنونها موفرا عَلَيْهَا ذهنه صارفا إِلَيْهَا همه عَالما بِأَنَّهُ وَاقِف بَين يَدي خالقه ورازقه ومحييه ومميته ومعاقبه ومثيبه لَا يستر دونه خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور فَإِذا قَضَاهَا على هَذِه السَّبِيل مُنْذُ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَى خَاتِمَة التَّسْلِيم أتبعهَا بِدُعَاء يرْتَفع بارتفاعها ويستمع باستماعها وَلَا يتَعَدَّى فِيهِ مسَائِل الْأَبْرَار ورغائب الأخيار من إستصفاح وإستغفار وإستقالة وإسترحام وإستدعاء لصالح الدّين وَالدُّنْيَا وعوائد الْآخِرَة وَالْأولَى فقد قَالَ تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَقَالَ تَعَالَى {وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} وَأمره بالسعي فِي أَيَّام الْجمع فِي الْمَسَاجِد الجامعة وَفِي الأعياد إِلَى الْمُصَليَات الضاحية بعد التَّقَدُّم فِي فرشها وكسوتها وَجمع القوام المؤذنين والمكبرين فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 واستسعاء النَّاس إِلَيْهَا وحضهم عَلَيْهَا آخذين الأهبة متنظفين فِي البزة مؤدين لفرائض الطَّهَارَة وبالغين فِي ذَلِك أقْصَى الإستقصاء معتقدين خشيَة الله وخيفته مدرعين تقواه ومراقبته مكثرين من دُعَائِهِ عز وَجل وسؤاله مصلين على مُحَمَّد رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله بقلوب على الْيَقِين مَوْقُوفَة وهمم إِلَى الدّين مصروفة وألسن بالتسبيح وَالتَّقْدِيس فصيحة وآمال فِي الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة فسيحة فَإِن هَذِه الْمُصَليَات والمتعبدات بيُوت الله الَّتِي فَضلهَا ومناسكه الَّتِي شرفها وفيهَا يُتْلَى الْقُرْآن وَمِنْهَا ترْتَفع الْأَعْمَال وَبهَا يلوذ اللائذون ويعوذ العائذون ويتعبد المتعبدون ويتهجد المتهجدون وحقيق على الْمُسلمين أَجْمَعِينَ من وَال وَمولى عَلَيْهِ أَن يصونوها ويعمروها ويواصلوها وَلَا يهجروها 197 اوأن يقيموا الدعْوَة على منابرها لأمير الْمُؤمنِينَ ثمَّ لأَنْفُسِهِمْ على الرَّسْم الْجَارِي فِيهَا قَالَ الله تَعَالَى فِي هَذِه الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَقَالَ فِي عمَارَة الْمَسَاجِد {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين} وَأمره أَن يرْعَى أَحْوَال من يَلِيهِ من طَبَقَات جند أَمِير الْمُؤمنِينَ ومواليه وَيُطلق لَهُم الأرزاق فِي وَقت الْوُجُوب والإستحقاق وَأَن يحسن فِي معاملتهم ويجمل فِي إستخدامهم ويتصرف فِي سياستهم بَين رفق من غير ضعف وخشونة من غير عنف مثيبا لمحسنهم مَا زَاد بالإبانة فِي حسن الْأَثر وَسلم مَعهَا من دواعي الأشر ومتغمدا لمسيئهم مَا كَانَ التغمد لَهُ نَافِعًا وَفِيه ناجعا فَإِن تَكَرَّرت زلاته وَتَتَابَعَتْ عثراته تنَاوله من عُقُوبَته بِمَا يكون لَهُ مصلحا وَلغيره واعظا وَأَن يخْتَص أكابرهم وأماثلهم وَأهل الرَّأْي والخطر مِنْهُم بالمشاورة فِي الْعلم والإطلاع على بعض المهم مستخلصا نخائل قُلُوبهم بالبسط والإدناء ومستشحذا بصائرهم بالإكرام والإحتفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 فَإِن فِي مُشَاورَة هَذِه الطَّبَقَة إستدلالا على مواقع الصَّوَاب وتحرزا من غلط الإستبداد وأخذا لمجامع الحزامة وَأمنا من مُفَارقَة الإستقامة وَقد حض الله تَعَالَى على الشورى فِي قَوْله لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين} وَأمره أَن يعمد لما يتَّصل بنواحيه من ثغور الْمُسلمين ورباط المرابطين وَيقسم لَهَا قسما وافرا من عنايته وَيصرف إِلَيْهَا طرفا بل شطرا من رعايته ويختار لَهَا أهل الْجلد والشدة وَذَوي الْبَأْس والنجدة مِمَّن عجمته الخطوب 197 ب وعركته الحروب وإكتسب دربه بخدع المتنازلين وتجربة بمكائد المتقارعين وَأَن يستظهر بكشف عَددهمْ وإخيار عَددهمْ وإنتخاب خيلهم وإستجادة أسلحتهم غير مجمر بعثا إِذا بَعثه وَلَا مستكرهه إِذا وَجهه بل يناوب بَين رِجَاله مناوبة تريحهم وَلَا تملهم وترفههم وَلَا تؤودهم فَإِن ذَلِك من فَائِدَة الإجمام وَالْعدْل فِي الإستخدام وتنافس رجال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 النوب فِيمَا عَاد عَلَيْهِم بعد الظفر والنصر وَبعد الصيت وَالذكر وإحراز النَّفْع وَالْأَجْر مَا يحِق أَن يكون الْوُلَاة بِهِ عاملين وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ حاملين وَأَن يُكَرر فِي أسماعهم وَيثبت فِي قولبهم مواعيد الله لمن صابر ورابط وسمح بِالنَّفسِ وجاهد من حَيْثُ لَا يقدمُونَ على تورط غرَّة وَلَا يحجمون عَن إنتهاز فرْصَة وَلَا ينكصون عَن تورد معركة وَلَا يلقون بِأَيْدِيهِم إِلَى التَّهْلُكَة فقد أَخذ الله تَعَالَى ذَلِك على خلقه والمرامين عَن دينه وَأَن يزيح الْعلَّة فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من راتب نفقات هَذِه الثغور وحادثها وَبِنَاء حصونها ومعاقلها وإستطراق طرقها ومسالكها وإفاضة الأقوات والعلوفات للمتربين فِيهَا وللمترددين إِلَيْهَا والمحامين لَهَا وَأَن يبْذل أَمَانه لمن يَطْلُبهُ ويعرضه على من لم يَطْلُبهُ ويفي بالعهد إِذا عَاهَدَ وبالعقد إِذا عَاقد غير مخفر ذمَّة وَلَا جارح أَمَانَة فقد أَمر الله تَعَالَى فَقَالَ جلّ من قَائِل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَنهى عَن النكث فَقَالَ عز من قَائِل {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَأمره أَن يعرض من فِي حبوس عمله على مَرَاتِبهمْ وإنعام النّظر فِي جناياتهم وجرائمهم فَمن كَانَ إِقْرَاره وَاجِبا أقره وَمن كَانَ إِطْلَاقه سائغا أطلقهُ وَأَن ينظر فِي الشرطة والأحداث نظر عدل وإنصاف ويختار لَهَا من الْوُلَاة من يخَاف الله تَعَالَى ويتقيه وَلَا يحابي وَلَا يراقب الله فِيهِ ويتقدم إِلَيْهِم بقمع الْجُهَّال وردع الضلال وتتبع الأشرار 1198 وَطلب الدعار مستدلين على أماكنهم متوغلين إِلَى مكامنهم متولجين عَلَيْهِ فِي مظانهم متوثقين مِمَّن يجدونه مِنْهُم منفذين أَحْكَام الله تَعَالَى فيهم بِحَسب الَّذِي يتَبَيَّن من أُمُورهم ويتضح من فعلهم فِي كَبِيرَة إرتكبوها وعظيمة إحتقبوها ومهجة أفاضوها واستهلكوها وَحُرْمَة أباحوها وانتهكوها فَمن اسْتحق حدا من حُدُود الله الْمَعْلُومَة أقاموه عَلَيْهِ غير مخففين مِنْهُ وأحلوه بِهِ غير مقصرين عَنهُ بعد أَلا يكون عَلَيْهِم فِي الَّذِي يأْتونَ بِهِ حجَّة وَلَا تعترضهم فِي وُجُوبه شُبْهَة فَإِن الْمُسْتَحبّ فِي الْحُدُود أَن تُقَام بِالْبَيِّنَاتِ وَأَن تدرأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 بِالشُّبُهَاتِ فَأولى مَا توخاه رُعَاة الرعايا فِيهَا أَلا يقدموا عَلَيْهَا مَعَ نُقْصَان وَلَا يتوقفوا عَنْهَا مَعَ قيام دَلِيل وبرهان وَمن وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل احتاط عَلَيْهِ بِمثل مَا يحْتَاط بِهِ على مثل من الْحَبْس الْحصين والتوثق الشَّديد وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ بِخَبَرِهِ وَشرح جِنَايَته وثبوتها بِإِقْرَار يكون مِنْهُ أَو شَهَادَة تقع عَلَيْهِ ولينتظر من جَوَابه مَا يكون عمله بِحَسبِهِ فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يُطلق سفك دم مُسلم أَو معاهد إِلَّا مَا أحَاط بِهِ علما وأتقنه فهما وَكَانَ مَا يمضيه فِيهِ عَن بَصِيرَة لَا يخالطها شكّ وَلَا يشوبها ريب وَمن ألم بصغيرة من الصَّغَائِر ويسيرة من الجرائر من حَيْثُ لم يعرف لَهُ مثلهَا وَلم تتقدم لَهُ أُخْتهَا وعظه وزجره وَنَهَاهُ وحذره واستتابه وأقاله مَا لم يكن عَلَيْهِ خصم فِي 1 لَك يُطَالب بقصاص مَه وَجَزَاء لَهُ فَإِن عَاد تنَاوله من التَّقْوِيم والتهذيب والتغريب والتأديب بِمَا يرى انه قد كفى فِيمَا اجترم ووفى فِيمَا قدم فقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وَأمره أَن يعطل مَا فِي أَعماله من الحانات والمواخير ويظهرها من القبائح والمناكير وَيمْنَع من تجمع أهل الْخَنَا فِيهَا ويؤلف شملهم بهَا فَإِنَّهُ 198 ب شَمل يصلحه التشتيت وَجمع يحفظه التَّفْرِيق وَمَا زَالَت هَذِه المواطن الذميمة والمطارح الدنية دَاعِيَة لمن يأوي إِلَيْهَا ويعكف عَلَيْهَا إِلَى ترك الصَّلَوَات وركوب الْمُنْكَرَات واقتراف الْمَحْظُورَات وَهِي بيُوت الشَّيْطَان الَّتِي فِي عمارتها لله مغضبة وَفِي إخرابها للخير مجلبة وَالله تَعَالَى يَقُول لنا معشر الْمُؤمنِينَ {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} وَيَقُول عز من قَائِل لغيرنا من المذمومين {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا} وَأمره أَن يُولى الحماية فِي هَذِه الْأَعْمَال أهل الْكِفَايَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 والغناء من الرِّجَال وَأَن يضم إِلَيْهِم كل من خف ركابه فأسرع عِنْد الصَّرِيخ جَوَابه مُرَتبا لَهُم فِي المسالح وسادا بهم ثغر المسالك وَأَن يوصيهم بالتيقظ ويأخذهم بالتحفظ ويزيح عللهم فِي علوفة خيلهم والمقرر من أَزْوَادهم وميرهم حَتَّى لَا يثقل لَهُم على الْبِلَاد وَطْأَة ويدعوهم إِلَى تحيفهم وثلمهم حَاجَة أَن يحوطوا السابلة بادئة وعائدة ويتداركوا القوافل صادرة وواردة ويحرسوا الطّرق لَيْلًا وَنَهَارًا ويتقصوها رواحا وإبكارا وينصبوا لأهل الْعَبَث الأرصاد ويتمكنوا لَهُم بِكُل وَاد ويتفرقوا عَلَيْهِم حَيْثُ يكون التَّفَرُّق مضيقا لفضائهم ومؤديا إِلَى انفضاضهم ويجتمعوا حَيْثُ يكون الِاجْتِمَاع مطفئا لحجرتهم وصادعا لمروتهم وَلَا يخلوا هَذِه السبل من حماة لَهَا وسيارة فِيهَا يَتَرَدَّدُونَ فِي جواديها ويتعسفون فِي عواديها حَتَّى تكون الدِّمَاء محقونة وَالْأَمْوَال مصونة والفتن محسومة والغارات مَأْمُونَة وَمن حصل فِي أَيْديهم من لص خاتل وصعلوك خارب ومخيف لسبيل ومنتهك لحريم امتثل فِيهِ أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُوَافق لقَوْل الله عز وَجل {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وَأمره أَن يوضع الرصد على من يجتاز فِي أَعماله من أباق العبيد وَالِاحْتِيَاط عَلَيْهِم وعَلى من يكون مَعَهم والبحث عَن الْأَمَاكِن الَّتِي فارقوها والطرق الَّتِي استطرقوها ومواليهم الَّذين أَبقوا مِنْهُم ونشزوا عَنْهُم وَأَن يردوهم عَلَيْهِم قهرا ويعيدوهم إِلَيْهِم صغرا وَأَن ينشدوا الضَّالة بِمَا أمكن أَن تنشد ويحفظوها على رَبهَا بِمَا جَازَ أَن تحفظ ويتجنبوا الامتطاء لظوهرها وَالِانْتِفَاع بأوبارها وَأَلْبَانهَا مِمَّا يجز ويحلب وَأَن يعرفوا اللّقطَة ويتبعوا أَثَرهَا ويشيعوا خَبَرهَا فَإِذا حضر صَاحبهَا وَعلم أَنه مستوجبها سلمت إِلَيْهِ وَلم يعتر فِيهَا عَلَيْهِ فَإِن الله عز وَجل يَقُول {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَالَّة الْمُؤمن حرق النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَأمره أَن يُوصي عماله بالشد على أَيدي الْحُكَّام وتنفيذ مَا يصدر عَنْهُم من الْأَحْكَام وَأَن يحضروا مجَالِسهمْ حُضُور الموقرين لَهَا الذابين عَنْهَا المقيمين لرسوم الهيبة وحدود الطَّاعَة فِيهَا وَمن خرج عَن ذَلِك من ذِي عقل سخيف وحلم ضَعِيف نالوه بِمَا يردعه وَأَحلُّوا بِهِ مَا يزعه وَمَتى تقاعس متقاعس عَن حُضُور مَعَ خصم يستدعيه وَأمر يُوَجه الْحَاكِم إِلَيْهِ فِيهِ أَو التوى ملتو بِحَق يحصل عَلَيْهِ وَدين يسْتَقرّ فِي ذمَّته قادوه إِلَى ذَلِك بأزمة الصغار وخزائم الِاضْطِرَار وَأَن يحبسوا ويطلقوا بقَوْلهمْ ويثبتوا الْأَيْدِي فِي الْأَمْلَاك والفروج وينزعوها بقضاياهم فَإِنَّهُم أُمَنَاء الله فِي فصل مَا يفصلون وَبت مَا يبتون وَعَن كِتَابه وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوردون وَيَصْدُرُونَ وَقد قَالَ تَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} وَأَن يتوخى بِمثل هَذِه المعاونة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 عُمَّال الْخراج فِي اسْتِيفَاء حُقُوق مَا استعملوا عَلَيْهِ وَاسْتِيفَاء حُقُوق مَا بقائهم فِيهِ والرياضة لمن تسوء معامليهم وإحضارهم طائعين أَو كارهين بَين أَيْديهم فَم آدَاب الله تَعَالَى للْعَبد الَّذِي يحِق عَلَيْهِ أَن يتخذها أدبا ويجعلها إِلَى الرضى عَنهُ سَببا قَوْله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَأمره أَن يجلس للرعية جُلُوسًا عَاما وَينظر فِي مظالمها نظرا تَاما يُسَاوِي فِي الْحق بَين خاصها وعامها ويوازي فِي الْمجَالِس بَين عزيزها وذليلها وينصف الْمَظْلُوم من ظالمه وَالْمَغْصُوب من غاصبه بعد الفحص والتأمل والبحث والتبيين حَتَّى لَا يحكم إِلَّا بِعدْل وَلَا ينْطَلق إِلَّا بفصل وَلَا يثبت يدا إِلَّا فِيمَا وَجب تثبتها فِيهِ وَلَا يقبضهَا إِلَّا عَمَّا وَجب قبضهَا عَنهُ وَأَن يسهل الْإِذْن لجماعتهم وَيرْفَع الْحجاب بَينه وَبينهمْ ويوليهم من حصانة الكنف ولين المنعطف والاشتمال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 والعناية والصون وَالرِّعَايَة مَا يتعادل بِهِ أقسامهم وتتوازي مِنْهُ أقساطهم وَلَا يصل الْمِسْكِين مِنْهُم إِلَى استضامة من تَأَخّر عَنهُ وَلَا ذُو السُّلْطَان إِلَى هضيمة من حل دونه وَأَن يَدعُوهُم إِلَى أحسن الْعَادَات وَالْخَلَائِق ويحضهم على أَحْمد الْمذَاهب والطرائق وَيحمل عَنْهُم كُله ويمد عَلَيْهِم ظله وَلَا يسومهم عسفا وَلَا يلْحق بهم حيفا وَلَا يكلفهم شططا وَلَا يجشمهم مضلعا وَلَا يثلم لَهُم معيشة وَلَا يداخلهم فِي جريمة وَلَا يَأْخُذ بَرِيئًا مِنْهُم بسقيم وَلَا حَاضرا بعديم فَإِن الله عز وَجل نهى أَن تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَجعل كل نفس 200 أرهينة بمكسبها بريئة من مكاسب غَيرهَا وَيرْفَع عَن هَذِه الرّعية مَا عَسى أَن يكون سنّ عَلَيْهَا من سنة ظالمة وسلك بهَا من محجة جائرة ويستقري آثَار الْوُلَاة قبله عَلَيْهَا فِيمَا أزجوه من خير أَو شَرّ إِلَيْهَا فَيقر من ذَلِك مَا طَابَ وَحسن ويزيل مَا خبث وقبح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 فَإِن من يغْرس الْخَيْر يحظى بمعسول ثمره وَمن يزرع الشَّرّ يصلى بمرور ريعه وَالله تَعَالَى يَقُول {والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث لَا يخرج إِلَّا نكدا كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون} وَأمره أَن يصون أَمْوَال الْخراج وأثمان الغلات ووجوه الجبايات موفرا وَيزِيد ذَلِك مثمرا بِمَا يَسْتَعْمِلهُ من الْإِنْصَاف لأَهْلهَا وإجرائهم على صَحِيح الرسوم فِيهَا فَإِنَّهُ مَال الله الَّذِي بِهِ قُوَّة عبَادَة وحماية بِلَاده ودرور حلبه واتصال مدده وَبِه يحاط الْحَرِيم وَيدْفَع الْعَظِيم ويحمى الذمار وتذاد الأشرار وَأَن يَجْعَل افتتاحه إِيَّاه بِحَسب إِدْرَاك أصنافه وَعند حُضُور مواقيته وأحيانه غير مستسلف شَيْئا قبلهَا وَلَا مُؤخر لَهَا عَنْهَا وَأَن يخص أهل الطَّاعَة والسلامة بالترفيه لَهُم وَأهل الاستصعاب والامتناع بالشد عَلَيْهِ لِئَلَّا يَقع إرهاق لمذعن أَو إهمال لطامع وعَلى المتولى لذَلِك أَن يضع كلا من الْأَمر مَوْضِعه ويوقعه موقعه متجنبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 إحلال الغلظة من لَا يَسْتَحِقهَا وَإِعْطَاء الفسحة من لَيْسَ من أَهلهَا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} وَأمره أَن يتَخَيَّر عماله على الأعشار وَالْخَرَاج والضياع والجهبدة وَالصَّدقَات والجوالي من أهل الظلْف والنزاهة والضبط والصيانة والجزالة والشهامة وَأَن يستظهر مَعَ ذَلِك عَلَيْهِ بِوَصِيَّة تعيها أسماعهم وعهود تتقلدها أَعْنَاقهم بِأَن لَا يضيعوها حَقًا وَلَا يأكلوها سحتا 200 ب وَلَا يستعملوها ظلما وَلَا يقارفوا غشما وَأَن يقيموا العمارات ويحتاطوا على الغلات ويتحرزوا من ترك حق لَازم أَو تَعْطِيل رسم عَادل مؤدين فِي جَمِيع ذَلِك الْأَمَانَة متجنبين للخيانة وَأَن يَأْخُذُوا جهابذتهم بِاسْتِيفَاء وزن المَال على تَمَامه واستجادة نَقده على عياره وَاسْتِعْمَال الصِّحَّة فِي قبض مَا يقبضون وَإِطْلَاق مَا يطلقون وَأَن يوعزوا إِلَى سعاة الصَّدقَات بِأخذ الْفَرَائِض من سَائِمَة مواشي الْمُسلمين دون عاملتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وَكَذَلِكَ الْوَاجِب فِيهَا وَأَن لَا يجمعوا فِيهَا مُتَفَرقًا وَلَا يفرقُوا مجتمعا وَلَا يدخلُوا فِيهَا خَارِجا عَنْهَا وَلَا يضيفوا إِلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا من فَحل إبل أَو أكولة رَاع أَو عقيلة مَال فَإِذا اجتبوها على حَقّهَا واستوفوها على رسمها أخرجوها فِي سلها وقسموها على أَهلهَا الَّذين ذكرهم الله فِي كِتَابه إِلَّا الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم الَّذين ذكرهم الله عز وَجل فِي كِتَابه وَسقط سهمهم فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل فَرِيضَة من الله وَالله عليم حَكِيم} وَإِلَى جباة جماجم أهل الذِّمَّة أَن يَأْخُذُوا مِنْهُم الْجِزْيَة فِي الْمحرم من كل سنة بِحَسب مَنَازِلهمْ فِي الْأَحْوَال وَذَات أَيْديهم فِي الْأَمْوَال وعَلى الطَّبَقَات المطبقة فِيهَا وَالْحُدُود المحدودة الْمَعْهُودَة لَهَا وَأَن لَا يأخذوها من النِّسَاء وَلَا مِمَّن لم يبلغ الْحلم من الرِّجَال وَلَا من ذِي سنّ عالية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وَلَا ذِي عِلّة بادية وَلَا فَقير معدم وَلَا مترهب متبتل وَأَن يُرَاعِي جمَاعَة هَؤُلَاءِ الْعمَّال مُرَاعَاة يسرها ويظهرها ويلاحظهم مُلَاحظَة يخفيها ويبديها لِئَلَّا يزولوا عَن الْحق الْوَاجِب أَو يعدلُوا عَن السّنَن اللاحب فقد قَالَ تَعَالَى {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولا} وَأمره أَن ينْدب لعرض الرِّجَال وإعطائهم وَحفظ جراياتهم وأوقات إطعامهم من يعرفهُ بالثقة فِي متصرفه 201 أوالأمانة فِيمَا يجْرِي على يَده والبعد عَن الإسفاف إِلَى الدنية والاتباع للدناءة وَأَن يَبْعَثهُ على ضبط حلى الرِّجَال وسيات الْخَيل وتجديد الْعرض بعد الِاسْتِحْقَاق وإيقاع الِاحْتِيَاط فِي الْإِنْفَاق فَمن صَحَّ عرضه وَلم يبْق فِي نَفسه شَيْء مِنْهُ من شكّ يعرض لَهُ أَو رِيبَة يتوهمها أطلق أَمْوَالهم موفورة وَجعلهَا فِي أَيْديهم غير مثلومة وَأَن يرد على بَيت المَال أرزاق من سقط بالوفاة والإخلال ناسبا ذَلِك إِلَى جِهَته موردا لَهُ على حَقِيقَته وَأَن يُطَالب الرِّجَال بإحضار الْخَيل المختارة والآلات والسكك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 المستكملة على مَا يُوجب مَنَافِع أَرْزَاقهم وَحسب مَنَازِلهمْ ومراتبهم فَإِن أخمد أحدهم شَيْئا من ذَلِك قاصه بِهِ من رزقه وأغرمه مثل قِيمَته فَإِن المقصر فِيهِ خائن لأمير الْمُؤمنِينَ ومخالف لرب الْعَالمين إِذْ يَقُول سُبْحَانَهُ {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ} وَأمره أَن يعْتَمد فِي أسواق الرَّقِيق ودور الضَّرْب والطرز والحسبة على من يجْتَمع فِيهِ آلَات هَذِه الولايات من ثِقَة وَأَمَانَة وَعلم وكفاية وَمَعْرِفَة ودراية وتجربة وحنكة وحصافة ومسكة فَإِنَّهَا أَحْوَال تضارع الحكم وتناسبه وتدانيه وتقاربه وَأَن يتَقَدَّم إِلَى وُلَاة أسواق الرَّقِيق بالتحفظ فِيمَن يطلقون بَيْعه ويمضون أمره والتحرز من وُقُوع تخون فِيهِ وإهمال لَهُ إِذْ كَانَ ذَلِك عَائِدًا بتحصين الْفروج وتطهير الْأَنْسَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وَأَن يبعدوا من أهل الرِّيبَة ويقربوا من أهل الْعِفَّة وَلَا يمضوا بيعا على شُبْهَة وَلَا عقدا على تُهْمَة وَإِلَى وُلَاة الْعيار بتخليص عين الدِّرْهَم وَالدِّينَار ليكونا مضروبين على الْبَرَاءَة من الْغِشّ والنزاهة من الزيف وتخصيصه بِالْإِمَامِ الْمُقَرّر بِمَدِينَة السَّلَام وحراسة السكَك من أَن تتداولها الْأَيْدِي المدغلة وتتناقلها الْجِهَات المبطلة 201 ب وَإِثْبَات اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا يضْرب مِنْهَا ذَهَبا وَفِضة وإجراء ذَلِك على الرَّسْم وَالسّنة وَإِلَى وُلَاة الطرز بِأَن يجروا الِاسْتِعْمَال فِي جَمِيع المناسج على أتم النيقة وَأسلم الطَّرِيقَة وَأحكم الصَّنْعَة وَأفضل الصِّحَّة وَأَن يثبتوا اسْم أَمِير المؤم على طرز الكسا والفرش والأعلام والبنود وَإِلَى وُلَاة الْحِسْبَة أَن يتصفحوا أَحْوَال الْعَوام فِي حرفهم ومتاجرهم ومجتمع أسواقهم ومعاملاتهم وَأَن يعايروا الموازين والمكاييل ويفرزوها على التَّعْدِيل والتكميل وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 اطلعوا مِنْهُ على حِيلَة أَو تلبيس أَو غيلَة أَو تَدْلِيس أَو بخس فِيمَا يُوفيه أَو استفضال فِيمَا يَسْتَوْفِيه نالوه بغليظ الْعقُوبَة وعظيمها وخصوه بوجيعها وأليمها واقفين بِهِ فِي ذَلِك عِنْد الْحَد الَّذِي يرونه لذنبه مجازيا وَفِي تأديبه كَافِيا فقد قَالَ الله تَعَالَى {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون} هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عَلَيْك وَقد وقفك بِهِ على سَوَاء السَّبِيل وأرشدك فِيهِ إِلَى وَاضح الدَّلِيل وأوسعك تعلميا وتحكيما وأقنعك تعريفا وتفهيما وَلم يألك جهدا فِيمَا عصمك وعصم على يدك وَلم يدخرك مُمكنا فِيمَا أصلح بك وأصلحك وَلَا ترك لَك عذرا فِي غلط تغلطه وَلَا طَرِيقا إِلَى تورط تتورطه بَالغا بك فِي الْأَوَامِر والزواجر إِلَى حَيْثُ يلْزم الآئمة أَن يندبوا النَّاس إِلَيْهِ ويحثوهم عَلَيْهِ مُقيما لَك على منجيات المسالك صارفا بك عَن مرديات المهالك مرِيدا فِيك مَا يسلمك فِي دينك ودنياك وَيعود بالحظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 عَلَيْك فِي آخرتك وأدلاك فَإِن اعتدلت وَعدلت فقد فزت وغنمت وَإِن تجانفت واعوججت فقد خسرت وندمت وَالْأولَى بك عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ مغرسك الزاكي ومنبتك النامي وعودك الأنجب وعنصرك الأطيب أَن تكون لظَنّه فِيك محققا ولمخيلته فِيك مُصدقا وَأَن تستزيد بالأثر الْجَمِيل قربا من رب الْعَالمين وثوابا يَوْم الدّين وزلفى عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وثناء حسنا 202 أَمن الْمُسلمين فَخذ مَا نبذ إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ من معاذيره وَأمْسك بِيَدِك على مَا أعْطى من مواثيقه وَاجعَل عَهده مِثَالا تحتذيه وإماما تقتفيه واستعن بِاللَّه يعنك واستهده يهدك وأخلص إِلَيْهِ فِي طَاعَته يخلص لَك الْحَظ من معونته وَمهما أشكل عَلَيْك من خطب أَو أعضل عَلَيْك من صَعب أَو بهرك من باهر أَو بهظك من باهظ فأكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَنْهِيّا وَكن إِلَى مَا يرد عَلَيْك منتهيا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وَعلي هَذَا النهج جرى الشَّيْخ شهَاب الدّين مَحْمُود الْحلَبِي فِيمَا كتب بِهِ للعادل كتبغا المنصوري عَن الْحَاكِم الأول وَهُوَ الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن الْحُسَيْن وَهَذِه نسخته هَذَا عهد شرِيف فِي كتاب مرقوم يشهده المقربون ويفوضه آل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَئِمَّة الأقربون من عبد الله ووليه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ وسليل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهديين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِلَى السُّلْطَان الْملك الْعَادِل زين الدُّنْيَا وَالدّين كتبغا المنصوري أعز الله سُلْطَانه أما بعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْك الله الَّذِي جعل لَهُ مِنْك سُلْطَانا نَصِيرًا وَأقَام لَهُ بملكك على مَا ولاه من أُمُور خلقه عضدا وظهيرا وآتاك بِمَا نهضت بِهِ من طَاعَته نعيما وملكا كَبِيرا وخولك بِإِقَامَة مَا وَرَاء سَرِيره من مصَالح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 202 - ب الْإِسْلَام بِكُل أَرض منبرا وسريرا وَجَاء بك لإعانته على مَا اسْتَخْلَفَهُ الله فِيهِ من أُمُور عباده على قدر وَكَانَ رَبك قَدِيرًا وَجمع بك الْأمة بعد أَن كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم وعضدك لإِقَامَة إِمَامَته بأولياء دولتك الَّذِي رَضِي الله عَنْهُم وخصك بأنصار دينه الَّذين نهضوا بِمَا أمروا بِهِ من طَاعَتك وهم نازهون وَأَظْهَرَك على الَّذين {ابْتَغوا الْفِتْنَة من قبل وقلبوا لَك الْأُمُور حَتَّى جَاءَ الْحق وَظهر أَمر الله وهم كَارِهُون} واصطفاك لإِقَامَة الدّين وَقد اخْتلفت الْأَهْوَاء فِي تِلْكَ الْمدَّة وَلم بك شعث الْأمة بعد الِاضْطِرَاب فَكَانَ موقفك ثمَّ موقف الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة حَاكم بأَمْره مستنزل لَك بالإخلاص مَلَائِكَة تأييده وَأَعْوَان نَصره مسترهف بهَا سيف عزمك على من جاهره بشركه وحاربه بِكُفْرِهِ معتصم بتوفيقه فِي تفويضه إِلَيْك أَمر سره الَّذِي استودعه فِي الْأمة وجهره وَيُصلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي استخرجه الله من عنصره وَذَوِيهِ وَشرف بِهِ قدر جده بقوله فِيهِ عَم الرجل صنو ابيه وَأسر إِلَيْهِ بِأَن هَذَا الْأَمر فتح بِهِ وَيخْتم ببنيه وعَلى آله وَصَحبه وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعده الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ وَجَاهدُوا أَئِمَّة الْكفْر الَّذين لَا إِيمَان لَهُم وَالَّذين هم برَبهمْ يعدلُونَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لما آتَاهُ الله من سر النُّبُوَّة واستودعه من أَحْكَام الْإِمَامَة الموروثة عَن شرف الْأُبُوَّة واختصه من الطَّاعَة الْمَفْرُوضَة على الْأُمَم وَفرض عَلَيْهِ من النّظر فِي الْأَخَص من مصَالح الْمُسلمين والأعم وعصم آراءه ببركة آبَائِهِ من الْخلَل وَجعل سهم اجْتِهَاده هُوَ الْمُصِيب أبدا فِي القَوْل وَالْعَمَل وَكَانَ السُّلْطَان فلَان هُوَ الَّذِي جمع الله بِهِ كلمة الْإِسْلَام وَقد كَادَت 203 أوثبت بِهِ الأَرْض وَقد اضْطَرَبَتْ بالأهواء ومادت وَرفع بِهِ منار الدّين بعد أَن شمخ الْكفْر بِأَنْفِهِ وَألف بِهِ شَمل الْمُسلمين وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 طمح الْعَدو إِلَى افتراقه وطمع فِي خَلفه وَحفظ بِهِ فِي الْجِهَاد حكم الْكتاب الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} وَحمى بِهِ الممالك الإسلامية فَمَا شام الْكفْر مِنْهَا برق ثغر إِلَّا رمى من وباله بوابل وَلَا أطلق عنان طرفه إِلَى الْأَطْرَاف إِلَّا وَقع من سطوات جُنُوده فِي كَفه حابل وَلَا اطمأنوا فِي بِلَادهمْ إِلَّا أَتَتْهُم سراياه من حَيْثُ لم يرتقبوا وَلَا ظنُّوا أَنهم مانعتهم حصونهم من الله إِلَّا وأتاهم جُنُوده من حَيْثُ لم يحتسبوا وَألف جيوش الْإِسْلَام فَأَصْبَحت على الْأَعْدَاء بيمنه يدا وَاحِدَة وَقَامَ بِأُمُور الْأمة فأمست عُيُون الرعايا باستيقاظ سيوفه فِي مهاد الْأَمْن رَاقِدَة وَأقَام منار الشَّرِيعَة المطهرة فَهِيَ حاكمة لَهُ وَعَلِيهِ نَافِذ أمرهَا على أمره فِيمَا وضع الله مقاليده فِي يَدَيْهِ وَنَصره الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة وأعانه على من أضمر لَهُ الشقاق {بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة} وأظفره بِمن بغى عَلَيْهِ فِي يَوْمه بعد حلمه عَنهُ فِي أمسه وأيده على الَّذِي خانوا عَهده {يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَتعين لملك الْإِسْلَام فَلم يَك يصلح إِلَّا لَهُ وَاخْتَارَهُ الله لذَلِك فَبلغ بِهِ الدّين آماله وضعضع بِملكه عَمُود الشّرك وأماله وَأعَاد بسلطانه على الممالك بهجتها وعَلى الْملك رونقه وجلاله وأخدمه النَّصْر فَمَا أضمر لَهُ أحد سوءا إِلَّا وزلزل أقدامه وَعجل وباله ورده إِلَيْهِ وَقد جعل من الرعب قيوده وَمن الذعر أغلاله وأوطأ جَوَاده هام أعدائه وَإِن أنف أَن تكون نعاله عهد إِلَيْهِ حِينَئِذٍ مَوْلَانَا الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي كل مَا وَرَاء خِلَافَته المقدسة وَجَمِيع مَا اقتضته أَحْكَام إِمَامَته الَّتِي هِيَ على التَّقْوَى مؤسسة من إِقَامَة شعار الْملك الَّذِي جمع الله 203 ب الْإِسْلَام عَلَيْهِ وَظَهَرت أبهة السلطنة الَّتِي ألْقى الله وأمير الْمُؤمنِينَ مقاليدها إِلَيْهِ وَمن الحكم الْخَاص وَالْعَام فِي سَائِر ممالك الْإِسْلَام وَفِي كل مَا تَقْتَضِيه شَرِيعَة سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي خَزَائِن الْأَمْوَال وإنفاقها وَملك الرّقاب وإعتاقها واعتقال الجناة وإطلاقها وَفِي كل مَا هُوَ فِي يَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 الْملَّة الإسلامية أَو يَفْتَحهُ الله بِيَدِهِ عَلَيْهَا وَفِي جَمِيع مَا هُوَ من ضوال الممالك الإسلامية الَّتِي سيرجعها الله بجهاده إِلَيْهَا وَفِي تَقْلِيد الْمُلُوك والوزراء وتقدمه الجيوش وتأمير الْأُمَرَاء وَفِي الْأَمْصَار يقر بهَا من شَاءَ من الْجنُود وَيبْعَث إِلَيْهَا وَمِنْهَا مَا شَاءَ من الْبعُوث والحشود وَيحكم فِي أمرهَا بِمَا أرَاهُ الله من الذب عَن حريمها ويتحكم بِالْعَدْلِ الَّذِي وسم الله بِهِ لظاعنها ومقيمها وَفِي تَقْدِيم حَدِيثهَا واستحداث قديمها وتشييد ثغورها وإمضاء مَا عرفه الله بِهِ وجهله سواهُ من أمورها وَإِقْرَار من شَاءَ من حكامها وإمضاء مَا شَاءَ من إتقان الْقَوَاعِد بِالْعَدْلِ وإحكامها وَفِي إقطاع خواصها واقتلاع مَا اقتضته الْمصلحَة من عمائرها وَعمارَة مَا شَاءَ من قلاعها وَفِي إِقَامَة الْجِهَاد بِنَفسِهِ الشَّرِيفَة وكتائبه ولقاء الْأَعْدَاء كَيفَ شَاءَ من تسيير سراياه وَبعث مواكبه وَفِي مصافة الْعَدو وحصاره ومقارعة شيعته وأنصاره وغزوه كَيفَ أرَاهُ الله فِي أَطْرَاف بِلَاده وَفِي عقر دَاره وَفِي الْمَنّ وَالْفِدَاء والإرقاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وَضرب الهدن الَّتِي تسألها العدا وَهِي خاضعة الْأَعْنَاق وَأخذ مجاوري الْعَدو المخذول بِمَا رَآهُ الله من النكاية إِذا أمكن من نواصيهم وَحكم عَفوه فِي طائعهم وبأسه فِي عاصيهم وإنزال {الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم} وَفِي الجيوش الَّتِي ألف الْأَعْدَاء فتكات ألوفها وَعرفُوا أَن أَرْوَاحهم ودائع سيوفها وصبحتهم سَرَايَا رعبها المبثوثة إِلَيْهِم وتركهم خوفها {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم} وهم الَّذين ضَاقَتْ بمواكبهم إِلَى العدا سَعَة الفجاج وقاسمت رماحهم الْأَعْدَاء شَرّ قسْمَة فَفِي أَيْديهم كعوبها وَفِي صُدُور أُولَئِكَ الزّجاج وأذهبت عَن الثغور الإسلامية رِجْس الْكفْر وَظَهَرت من ذَلِك مَا جاور العذب الْفُرَات وَالْملح الأجاج وَعرفُوا فِي الحروب بتسرع الْإِقْدَام وثبات الْأَقْدَام وادخر الله لأيامه الشَّرِيفَة أَن يردفها بهم دَار السَّلَام إِلَى ملك الْإِسْلَام فيدر عَلَيْهِم مَا شَاءَ من إنعامه الَّذِي يُؤَكد طاعتهم ويجدد استطاعتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 ويضاعف أعدادهم وَيجْعَل بصفاء النيات مَلَائِكَة الله أمدادهم ويحملهم على الثَّبَات إِذا لقوا الَّذين كفرُوا زحفا ويجعلهم فِي التعاضد على اللِّقَاء كالبنيان المرصوص فَإِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا وَفِي أَمر الشَّرْع وتوليه قُضَاته وحكامه وإمضاء مَا فرض الله عَلَيْهِ وعَلى الْأمة من الْوُقُوف عِنْد حُدُوده وَالْمَشْي مَعَ أَحْكَامه فَإِنَّهُ لِوَاء الله الْمَمْدُود فِي أرضه وحبله المتين الَّذِي لَا نقض لإبرامه وَلَا إبرام لنقضه وَسنَن نبيه الَّذِي لَا حَظّ عِنْد الله فِي الْإِسْلَام لغير متمسك بسنته وفرضه وَهُوَ أعز الله سُلْطَانه سيف الله الْمَشْهُور على الَّذين غدوا وهم من أَحْكَام الله مارقون وَيَده المبسوطة فِي إِمْضَاء الحكم بِمَا أنزل الله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} وَفِي مصَالح الْحَرَمَيْنِ الشريفين وثالثهما الَّذِي تشد أَيْضا إِلَيْهِ الرّحال وَإِقَامَة سبل الحجيج الَّذين يفدون على الله بِمَا أصحبهم من بره وعنايته فِي الْإِقَامَة والارتحال وَفِي عمَارَة الْبيُوت الَّتِي {أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال} وَفِي إِقَامَة الْخطب على المنابر واقتران اسْمه الشريف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 مَعَ اسْمه بَين كل باد وحاضر والاقتصار على هَذِه التَّثْنِيَة فِي أقطار الأَرْض فَإِن الْقَائِل بالتثليث كَافِر وَفِي سَائِر مَا 204 ب تشمله الممالك الإسلامية وَمن تشْتَمل عَلَيْهِ شرقا وغربا وبعدا وقربا وَبرا وبحرا وشاما ومصرا وحجازا ويمنا وَمن يسْتَقرّ بذلك إِقَامَة وظعنا وفوض إِلَيْهِ ذَلِك جَمِيعه وكل مَا هُوَ من لَوَازِم خِلَافَته لله فِي أرضه مَا ذكر وَمَا لم يذكر تفويضا لَازِما وإمضاء جَازِمًا وعهدا محكما وعقدا فِي مصَالح ملك الْإِسْلَام محكما وتقليدا مُؤَبَّدًا وتقريرا على كرّ الجديدين مجددا وَأثبت ذَلِك وَهُوَ الْحَاكِم حَقِيقَة بِمَا علمه من اسْتِحْقَاقه وَالْحَاكِم بِعِلْمِهِ وَأشْهد الله وَمَلَائِكَته على نُفُوذ حكمه بذلك {وَالله يحكم لَا معقب لحكمه} وَذَلِكَ لما صَحَّ عِنْده من نهوض ملكه بإعباء مَا حمله الله من الْخلَافَة وَأدّى بِهِ الْأَمَانَة عَنهُ فِيمَا كتب الله عَلَيْهِ من الرَّحْمَة اللَّازِمَة والرأفة واستقلاله بِأُمُور الْجِهَاد الَّذِي أَقَامَ الله بِهِ الدّين واختصاصه وَجُنُوده بِعُمُوم مَا أَمر الله بِهِ الْأمة من قَوْله تَعَالَى {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ ويخزهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 وَأَنه فِي الْجِهَاد سَهْمه الْمُصِيب وَله بِهِ أجر الرَّامِي المسدد وسيفه الَّذِي جرده على أَعدَاء الدّين وَله من فتاكته حَظّ المرهف الْمُجَرّد وظل الله فِي الأَرْض الَّذِي مده بيمن يَمِينه وَآيَة لنصره الَّذِي اخْتَارَهُ الله لمصَالح دُنْيَاهُ وَصَلَاح دينه الناهض بِفَرْض الْجِهَاد وَهُوَ فِي مُسْتَقر خِلَافَته وادع والراكض عَنهُ بخيله وخياله إِلَى الْعَدو الَّذِي لَيْسَ لَهُ غير فتكات سيوفه رادع والمؤدي عَنهُ فرض النفير فِي سَبِيل الله كلما تعين والمنتقم لَهُ من أهل الشقاق الَّذين يجادلون فِي الْحق بعد مَا تبين والقائم بِأَمْر الْفتُوح الَّتِي ترد بيع الْكفْر مَسَاجِد يذكر فِيهَا اسْم الله واسْمه وَيرْفَع على منابرها شعاره الشريف ورسمه وتمثل لَهُ بِإِقَامَة دَعوته صُورَة الْفَتْح كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا والناظر عَنهُ فِي عُمُوم مصَالح 205 أالإسلام وخصوصها تَعْظِيمًا لقدره وترفيها لسره وتفخيما لشرفه وتكريما لجلالة بَيته النَّبَوِيّ وسلفه وقياما لَهُ بِمَا عهد إِلَيْهِ ووفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 من أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا بِمَا وضع مقاليده فِي يَده وليدل على عَظِيم سيرته المقدسة بكريم سيره وينبه على كَمَال سعادته إِذْ قد كفى بِهِ فِي أُمُور خلق الله تَعَالَى والسعيد من كفى بِغَيْرِهِ لم يَجْعَل أَمِير الْمُؤمنِينَ على يَده يدا فِي ذَلِك وَلَا فسح لأحد غَيره فِي أقطار الأَرْض أَن يدعى بِملك وَلَا مَالك بل بسط حكمه وتحكمه فِي شَرق الْبِلَاد وغبرها وَمَا بَين ذَلِك وَقد فرض طَاعَته على سَائِر الْأُمَم وَحكم بِوُجُوبِهَا على الْخَاص وَالْعَام وَمن ينْقض حكم الْحَاكِم إِذا حكم وَهُوَ يعلم أَن الله تَعَالَى قد أودع مَوْلَانَا السُّلْطَان سرا يستضاء بأنواره ويهتدى فِي مصَالح الْملك والممالك بمناره فَجعل لَهُ أَن الله تَعَالَى قد أودع مَوْلَانَا السُّلْطَان سرا يستضاء بأنواره ويهتدى فِي مصَالح الْملك والممالك بمناره فَجعل لَهُ أَن يفعل فِي ذَلِك كل مَا هدى الله قلبه إِلَيْهِ وَبَعثه بالتأييد الإلهي عَلَيْهِ وَاكْتفى عَن الْوَصَايَا بِأَن الله تَعَالَى تكفل لَهُ بالتأييد وَخَصه فِي كل خير بالمزيد وَجعل خلقه التَّقْوَى وكل خير فرع عَلَيْهَا وَنور بصيرته بِالْهدى فَمَا يدل على حسنه من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا وَهُوَ السَّابِق إِلَيْهَا وَالله تَعَالَى يَجْعَل أَيَّامه مؤرخة بالفتوح وَيُؤَيِّدهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 بِالْمَلَائِكَةِ وَالروح على من يَدعِي الْأَب والإبن وَالروح وَيجْعَل أَسبَاب النَّصْر معقودة بِسَبَبِهِ وَالْملك {كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} وَيشْهد بِهَذَا الْعَهْد الشريف من شهده مَعَ الْمَلَائِكَة المقربين كل من حضر تِلَاوَته من سَائِر النَّاس أَجْمَعِينَ لتَكون حجَّة الله على خلقه أسبق وعهد أَمِير الْمُؤمنِينَ بِثُبُوتِهِ أوثق وَطَاعَة سُلْطَان الأَرْض قد زَادهَا الله على خلقه بذلك توكيدا وَشهد الله وَمَلَائِكَته على الْخلق بذلك وَكفى بِاللَّه شَهِيدا والاعتماد على الْخط الحاكمي أَعْلَاهُ حجَّة بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى 205 - ب وعَلى ذَلِك جرى الشَّيْخ شهَاب الدّين مَحْمُود الْحلَبِي أَيْضا فِيمَا كتب بِهِ للْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين عَن الْحَاكِم الثَّانِي وَهُوَ الْحَاكِم بِأَمْر الله بن الْحُسَيْن الْمُقدم ذكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَهَذِه نسخته هَذَا عهد شرِيف تشهد بِهِ الْأَمْلَاك لأشرف الْمُلُوك وتسلك فِيهِ من قَوَاعِد العهود المقدسة أحسن السلوك من عبد الله ووليه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ للسُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدُّنْيَا وَالدّين أبي الْفَتْح لاجين المنصوري أعز الله سُلْطَانه أما بعد فَالْحَمْد لله مؤتى الْملك من يَشَاء من عباده ومعطي النَّصْر من يُجَاهد فِيهِ حق جهاده ومرهف حسام انتقامه على من جاهر بعناده ومفوض أَمر هَذَا الْخلق إِلَى من أودعهُ سر رأفته فِي محبته وَمُرَاد نقمته فِي مُرَاده وجامع كلمة الْإِيمَان بِمن اجتباه لإِقَامَة دينه وارتضاه ليرْفَع عماده ومقر الْحق فِي يَد من منع سَيْفه الْمُجَرّد فِي سَبِيل الله أَن يقر فِي أغماده وناصر من لم تزل كلمة الْفتُوح مستكنة فِي صُدُور سيوفه جَارِيَة على أَلْسِنَة صعاده وجاعل ملك الْإِسْلَام من حُقُوق من إِذا عد أهل الأَرْض على اجْتِمَاعهم كَانَ هُوَ الْمُتَعَيّن على انْفِرَاده الَّذِي شرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 أسرة ملك الْإِسْلَام بإستيلاء حسام دينه عَلَيْهَا وزلزل ممالك أعدائه بِمَا بعث من سَرَايَا رعبه إِلَيْهَا وَثَبت بِهِ أَرْكَان الأَرْض الَّتِي ستحتوي ملكه فِي طرفيها وضعضع بسلطانه قَوَاعِد مُلُوك الْكفْر فودعت مَا كَانَ مودعا لأيامه من ممالك الْإِسْلَام فِي يَديهَا وأقامه وليه بأَمْره فَلم يخْتَلف عَلَيْهِ وَاثْنَانِ من خلقه وقلده أَمر بريته لما أقدره عَلَيْهِ من 206 أالنهوض بحقهم وَحقه وأظهره على من نصب لَهُ الغوائل {وَالله غَالب على أمره} وَنَصره فِي مَوَاطِن كَثِيرَة لما قدره فِي الْقدَم من رفْعَة شَأْنه وإعلاء قدره وَجعل عدوه وَإِن أعرض عَن طلبه بجيوش الرعب محصورا وَكَفاهُ بنصره على الْأَعْدَاء التوغل فِي سفك الدِّمَاء فَلم {يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصورا} وَنقل إِلَيْهِ الْملك بِسَيْفِهِ والدماء مصونة وَحكمه فِيمَا كَانَ بيد غَيره من الأَرْض والبلاد آمِنَة والفتن مَأْمُونَة فَكَانَ أَمر من ذهب سَحَابَة صيف أَو خلسة طيف لم تحل لَهُ روعة فِي الْقلب وَلم يذعرها وَقد ألبسهُ الله مَا نزع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 عَن سواهُ سالب وَلَا مسلوب إِجْرَاء لهَذِهِ الْأمة على عوائد فَضله العميم واختصاصا بِمَا آتَاهُ من ملكه {وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم} يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا منح فِي أَيَّامه الدّين من اعتضاده بحسامه والاعتماد فِي ملك الْمُسلمين على من يَجْعَل جباه مُلُوك الشّرك تَحت أقدامه والاعتداد بمساعي من حصونه فِي الْجِهَاد ظُهُور جياده وقصوره أَطْرَاف حسامه وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة حَاكم بِمَا أرَاهُ حَامِد لَهُ فِي ملك الْإِسْلَام على مَا يسر مَا وطده وَدفع مَا عداهُ معتصم بِهِ فِي كل مَا أثْبته بِالْحَقِّ من قَوَاعِد الدّين وأوثقه بالتقوى من عراه مستمد مَلَائِكَة نَصره لمن أغنته عَزَائِمه فِي جِهَاد أَعدَاء الدّين عَن سيره فِي ذَلِك وسراه وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جعله من عصبته الشَّرِيفَة وعصبته وشرفه بوراثة خِلَافَته فِي أمته قدر رتبته وقصره على إِقَامَة من يرهب العدا بنشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 دَعوته فِي الْآفَاق مَعَ مواقع رغبته ويسأله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَاة تفتح لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْعِصْمَة طَرِيقا وتجعله فِي الْأُخْرَى مَعَه وَمَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من آبَائِهِ الشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا 206 ب وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لما اختصه الله بِهِ من السِّرّ الْمُودع فِي قلبه والنور الَّذِي أصبح فِيهِ على بَيِّنَة من ربه والتأييد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَمَّن شرف بِقُرْبِهِ وَالنَّص الَّذِي أسره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جده الْعَبَّاس من بَقَاء هَذَا الْأَمر فِي ورثته دون أَقَاربه وَصَحبه لم يزل يرغب إِلَى الله تَعَالَى ويستخيره فِي إِقَامَة من ينْهض فِي ملك الْإِسْلَام حق النهوض ويفوض أَمر الْأمة إِلَى من يرى أَدَاء الْأَمَانَة فيهم من آكِد الْفُرُوض وَمن إِذا قَالَ النفير يَا خيل الله ارْكَبِي سابقت خيله خياله وَجَازَت عَزَائِمه نصاله وَأخذ عَدو الدّين من مأمنه وغالب بِسَيْفِهِ الْأَجَل على انتزاع روحه من بدنه وَقَاتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وجاهد لإِقَامَة منار الْإِسْلَام لَا للتعرض إِلَى عرض الدُّنْيَا وقدمت لَهُ مُلُوك الدُّنْيَا حصونها وبذلت لَهُ مَعَ الطَّاعَة مصونها وأقيم لَهُ بِكُل قطر مِنْبَر وسرير وَجمع مُلُوك العدا فِي رق طَاعَته من هُوَ على جمعهم إِذا يَشَاء قدير وَمن يُقيم الْعدْل على مَا شرع وَالشَّرْع على مَا أَخذ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمع وَيُمِيت الْبدع بإحياء السّنَن وَيعلم أَن الله جعل لخلقه على لِسَان نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سننا وَلَا يعدل بهم عَن ذَلِك السّنَن وَلما كَانَ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدُّنْيَا وَالدّين أَبُو الْفَتْح لاجين المنصوري خلد الله سُلْطَانه هُوَ الَّذِي جعل الله صَلَاح الْأمة على يَدَيْهِ وَاخْتَارَهُ لإِقَامَة دينه فساق ملك الْإِسْلَام عنْوَة إِلَيْهِ وأنهضه بذلك وَقد أمده بِجُنُود نَصره وَأنزل سكينته عَلَيْهِ وَجمع قُلُوب أهل الْإِسْلَام على حبه وَفرق أَعدَاء الدّين خوف حربه وَجعل النَّصْر حَيْثُ توجه من أشياعه وَحزبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وعضده لنصرة الْإِسْلَام بملائكة سمائه وَأقَام بِهِ عَمُود الدّين الَّذِي بِالسَّيْفِ قَامَ وَلَا غرو فَإِن الحسام من أَسْمَائِهِ وَأَقْبَلت إِلَيْهِ طوائف 207 أجيوش الْإِسْلَام مذعنين وَأدّى فِي كرامتهم حُقُوق طَاعَة الله الَّذِي أيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وتلقاهم بشير كرامته ونعمه وَقَالَ ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله آمِنين وطارت مخلقات البشائر بِملكه فِي الْآفَاق وأغص العدا بسلطانه فَمَا توهموا فِي أَمر الْإِسْلَام وَالِاخْتِلَاف حَتَّى تحققوا بِحَمْد الله ويمن أَيَّامه الْوِفَاق واختالت المنابر الإسلامية بِذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذكره وأعلنت الْأمة المحمدية بِحَمْد الله الَّذِي أقرّ بِهِ الْحق فِي مركزه ورد بِهِ شارد الْملك إِلَى وَكره وَتحقّق أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه الْمكنون فِي طويته والمستكن فِي إضماره والقائم فِي عمَارَة بَيته النَّبَوِيّ وسلامته مقَام سلمانه وعماره فعهد إِلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي كل مَا تَقْتَضِيه أَحْكَام إِمَامَته فِي أمة نبيه وَجعله فِي التَّصَرُّف الْمُطلق عَنهُ قَائِما مقَام وَصِيَّة فِي الْملَّة ووليه وقلده أَمر ملك الْإِسْلَام تقليدا عَاما وفوض إِلَيْهِ حكم السلطنة الشَّرِيفَة تفويضا تَاما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَألبسهُ من ذَلِك مَا خلعه عَن سواهُ وَنشر عَلَيْهِ لِوَاء الْملك الَّذِي زوى ظله عَن غَيره وطواه وَحكمه فِي كل مَا تَقْتَضِيه خِلَافَته المقدسة وتمضية إِمَامَته الَّتِي هِيَ على التَّقْوَى مؤسسة من إِقَامَة منار الْإِسْلَام وَالْحكم الْعَام فِي أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي تَقْلِيد الْمُلُوك والوزراء وتقدمة الجيوش وتأمير الْأُمَرَاء وَفِي تجهيز العساكر والسرايا وإرسال الطَّلَائِع والروايا وَتَجْرِيد الْجنُود الَّذين مَا ندبهم إِلَى العدا إِلَّا أَتَوا بالنهاب وبالسبايا وَفِي غَزْو الْعَدو كَيفَ أرَاهُ الله إِن شَاءَ بِنَفسِهِ أَو جنده وَفِي استنزال النَّصْر بالثبات وَالصَّبْر فَإِن الله يَجْزِي الصابرين وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده وَفِي محاصرة الْعَدو ومصابرته وإنظاره ومناظرته وَإِنْزَالهمْ على مَا شرع الله فيهم من الْأَحْكَام والتوخي فِي ذَلِك مَا حكم بِهِ سعد بن معَاذ فِي زمن الرَّسُول عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام 207 ب وَفِي ضرب الهدن وإمضائها وَالْوَفَاء بِالْعُقُودِ الْمَشْرُوعَة إِلَى انْتِهَاء مددها وانقضائها وَفِي إرضاء السيوف مِمَّن نكث وَلم يتم عَهده إِلَى مدَّته فَإِن إسخاط الْكفْر فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 إرضائها وَفِي الْأَمْصَار يقر بهَا من شَاءَ من الْجنُود وَيبْعَث إِلَيْهَا مَا شَاءَ من الْبعُوث والحشود وَفِي سداد الثغور بِالرِّجَالِ الَّذين تفتر بهم عَن شنب النَّصْر وتأمن بهم أعدادها من غوائل الْحصْر وتوفر سهامها من سِهَام الْقُوَّة الَّتِي ترمي العدا بشرر كالقصر وإمداد بحرها بالشواني المجربة الْمُجَرَّدَة والسفن الَّتِي كَأَنَّهَا الْقُصُور الممهدة على الصروح الممردة فَلَا تزَال تدب إِلَيْهِم من ذَوَات الأرجل عقاربها وتخطف غربانهم الطائرة بأجنحة القلوع مخالبها وَفِي تقدمة الألوف وتنفيذ السَّرَايَا الَّتِي لَا تزَال أسنتها إِلَى نحور الْأَعْدَاء مقومة وإنفاق مَا يرَاهُ فِي مصَالح الْإِسْلَام من القناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة وَفِي إعلاء منار الشَّرْع الشريف والانقياد إِلَيْهِ والمسارعة إِلَى نُفُوذ حكمه فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ وتقوية يَد حكامه على كل أَمِير ومأمور أقرّ الشَّرْع فِي يَده شَيْئا أَو انتزعه من يَدَيْهِ وتفويض الحكم إِلَى كل من يتَعَيَّن لذَلِك من أَئِمَّة الْأمة وَإِقَامَة الشَّرْع الشريف على قَوَاعِده الْأَرْبَع فَإِن اتِّفَاق الْعلمَاء حجَّة وَاخْتِلَافهمْ رَحْمَة وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 مصَالح الْحَرَمَيْنِ الشريفين وثالثهما الَّذِي تشد الرّحال أَيْضا إِلَيْهِ وَفِي إِقَامَة سبل الحجيج الَّذِي دعاهم الله فلبوه واستدعاهم فقدموا عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ كل مَا هُوَ من لَوَازِم خِلَافَته لله فِي أرضه مَا ذكر وَمَا لم يذكر تفويضا لَازِما وتقليدا جَازِمًا وعقدا محكما وعهدا فِي مصَالح الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين محكما وَاكْتفى عَن الْوَصَايَا بِمَا جبل عَلَيْهِ خلقه الشريف من التَّقْوَى وَهدى نَفسه النفيسة إِلَيْهِ من التَّمَسُّك بالسبيل الأقوم وَالسَّبَب الْأَقْوَى فَمَا يُنَبه على حسنه إِلَّا وَهُوَ 208 أأسبق إِلَيْهَا وَلَا يدل على معدلة إِلَّا وفكره الشريف أسْرع من فكر الدَّال عَلَيْهَا وَقد وثق بِبَرَاءَة الذِّمَّة من حق قوم أضحوا لفضل مثله راجين وَتَحْقِيق حُلُول النِّعْمَة على أمة أبدا إِلَى لاجين وَقد استخار أَمِير الْمُؤمنِينَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك كثيرا ولجأ إِلَى الله فِي توفيقه وتوقيفه على الصَّوَاب مِمَّا يجده فِي الحكم بذلك هاديا ونصيرا وسارع إِلَى التَّسْلِيم لأمر الله تَعَالَى فِيمَا فوض إِلَيْهِ من أُمُور عباده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 إِنَّه كَانَ بعباده خَبِيرا بَصيرًا وَأشْهد الله وَمَلَائِكَته وَمن حَضَره من الْمُؤمنِينَ على نَفسه بِمَا تضمنه هَذَا الْعَهْد الْكَرِيم وَحكم بِمُقْتَضَاهُ على الْأمة {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه إِن الله سميع عليم} والخط الشريف الإمامي الحاكمي أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وعَلى مثل ذَلِك كتب الْمولى شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن القيسري عهد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون عَن الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمُقدم ذكره فِي سلطنته الثَّانِيَة عِنْد عوده من الْكَرم بعد خلع الْمَنْصُور لاجين وَهَذِه نسخته هَذَا عهد يعمر بك لِلْإِسْلَامِ الْمعَاهد وينصر مِنْك الاعتزام فتغنى عَن الموَالِي والمعاهد ويلقى إِلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 مقاليد الْأُمُور لتجتهد فِي مراضي الله وتجاهد وَيَبْعَثُك على الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة ليكونا شَاهِدين لَك عِنْد الله فِي أعظم الْمشَاهد فَخذ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِقُوَّة تبركا بِأخذ يحيى عَلَيْهِ السَّلَام الْكتاب وحاسب نَفسك محاسبة تَجِد نَفعهَا يَوْم يقوم الْحساب اعْمَلْ صَالحا 208 ب فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات طُوبَى لَهُم وَحسن مآب من عبد الله ووليه الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى السُّلْطَان الْأَجَل الْعَالم الْعَادِل الْمُجَاهِد المرابط المظفر الْملك النَّاصِر نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْمُلُوك والسلاطين فاتح الْأَمْصَار مبيد الأرمن والفرنج والتتار وَارِث الْملك سُلْطَان الْعَرَب والعجم وَالتّرْك خَادِم الْحَرَمَيْنِ صَاحب الْقبْلَتَيْنِ أبي الْفَتْح مُحَمَّد قسيم أَمِير الْمُؤمنِينَ أعز الله سُلْطَانه ولد السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون قدس الله روحه أما بعد فَالْحَمْد لله الَّذِي أَقَامَ نَاصِر الْإِسْلَام وَأَهله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 بِخَير نَاصِر وَأحل فِي السلطنة المعظمة من اسْتحقَّهَا بِذَاتِهِ الشَّرِيفَة وَشرف العناصر وَوضع الإصر بِمن كثرت مِنْهُ وَمن سلفه الْكَرِيم على الرعايا والأواصر وَعقد لِوَاء الْملك لمن هُوَ وَاحِد فِي الْجُود ألف فِي الوغى فَفِي حاليه تعقد عَلَيْهِ الخناصر وَجمع كلمة الْأمة بمتفرد فِي الْمَعَالِي متوحد فِي المفاخر متصف بمناقب أربى بهَا على أَرْبَابهَا من الْمُلُوك الْأَوَائِل والأواخر وَأقر النواظر والخواطر بِمن أشرق عَلَيْهِمَا نروه الباهر وَظهر آثَار وجود وجوده على البواطن والظواهر وَأعَاد شبيبة الْأَيَّام فِي اقتبال سر السرائر وسارت بشائر مقدمه فِي الْآفَاق سير الْمثل وَمَا ظَنك بِالْمثلِ السائر وَفعلت مهابته فِي التَّمْهِيد والتشييد فعل القنا المتشاجر وشفت الصُّدُور بِوُجُود الِاتِّفَاق وَعدم الشقاق بعد أَن بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وأورث الْبِلَاد والعباد صفة ذُرِّيَّة ورثوا السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر وسرى سره إِذا ولد الْمَوْلُود مِنْهُم تهللت الأَرْض واهتزت إِلَيْهِ المنابر وَالْحَمْد لله الَّذِي اجتبى سيدنَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أشرف بَيت وقبيلة ومنح الْأمة برسالته من خيري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 الدُّنْيَا 209 أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْآخِرَة الْوَسِيلَة وَأوجب الشَّفَاعَة لمن سَأَلَ الله لَهُ أَعلَى دَرَجَة لَا ينالها إِلَّا رجل وَاحِد وَهِي الْوَسِيلَة وَجعل شملهم بمبايعته فِي الْهِدَايَة نظيما وحض على ذَلِك بقوله تَعَالَى {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} وبلغهم بِهِ من السَّعَادَة غَايَة مطلوبهم وأيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَألف بَين قُلُوبهم وزان شَرِيعَته المطهرة بمحاسن أبهى منْظرًا ومخبرا من الْعُقُود وَفرض على الْمُؤمنِينَ أَن يوفوا بالعهود والعقود وأقدرهم على حمل الْأَمَانَة الَّتِي أشفقت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال من حملهَا وَأنزل فِي كِتَابه الْعَزِيز {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَالْحَمْد لله الَّذِي اخْتَار أَمِير الْمُؤمنِينَ من سلالة عَم نبيه الْعَبَّاس وَاصْطفى بَيته الْمُبَارك من خير أمة أخرجت للنَّاس وقوى بِهِ جأش الْمُسلمين وجيوش الْمُوَحِّدين على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 الْمُلْحِدِينَ وآتاه بسيادة جده وسعادة جده مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين وَحفظ بِهِ للْمُؤْمِنين ذماما وَجعله لِلْمُتقين إِمَامًا وَخَصه بمزيد من الشرفين نسبه ومنصبه وَجعل مزية الرتبتين كلمة بَاقِيَة فِي عقبه وصان بِهِ حوزة الدّين صِيَانة العرين بالأسود وصير الْأَيْدِي الْبيض مشكورة لحاملي راياته السود يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ حمد من اخْتَارَهُ من السَّمَاء فاستخلفه فِي الأَرْض وَجعل إمرته على الْمُؤمنِينَ فرضا لتقام بِهِ السّنة وَالْفَرْض وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ {الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَبلغ الْأمة بِهِ من النجَاة والنجاح الْغَرَض الْأَقْصَى وَيشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي كشف بمبعثه عَن الْقُلُوب حجب الغي 209 ب وأشرقت أنوار نبوته فأضاء بهَا يَوْم دُخُوله الْمَدِينَة كل شَيْء صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين مِنْهُم من أَقَامَهُ فِي الْإِمَامَة مقَامه وَأَشَارَ إِلَى الِاقْتِدَاء بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 من بعده وَمِنْهُم من أعز الله بِهِ الْإِسْلَام فِي كل قطر مَعَ قربه وَبعده وَمِنْهُم من كَانَت الْيَد الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة فِي بيعَة الرضْوَان خيرا لَهُ من يَده وَمِنْهُم من أَمر الله تَعَالَى بالمباهلة بالأبناء والنفوس فباهل خَاتم الْأَنْبِيَاء صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وبزوجه وَولده وعَلى بَقِيَّة الْعشْرَة الَّذين غَدَتْ بهم دَعْوَة الْحق مشتهرة منتشرة وعَلى عميه أَسد الله وَأسد رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام وجد الْأَئِمَّة المهديين أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ وخلفاء الْإِسْلَام وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَإِن الله تَعَالَى جعل سجية الْأَيَّام الشَّرِيفَة الإمامية الحاكمية أدام الله إشراقها وَقسم بهَا بَين الْأَوْلِيَاء والأعداء آجالها وأرزاقها رد الْحُقُوق إِلَى نصابها وإعادتها إِلَى مستحقيها وَلَو تمادت الْأَيَّام على اغتصابها وإقرارها عِنْد من هُوَ من دون الورى أولى بهَا ليحقق أَن نِسْبَة الشريف أظهر على أوامره دَلَائِل الإعجاز وحلى كلماتها بالإيجاز وهباتها بالإنجاز وَإِن الله جعل الِاسْم الشريف الحاكمي فِي الحكم بأَمْره على خير مُسَمّى وقوى مِنْهُ فِي تأييد كلمة الْحق جنَانًا وعزما وَلم يخرج من أَحْكَامه عَن اتِّبَاع أَمر الله قَضِيَّة وَلَا حكما وَكنت أَيهَا السَّيِّد الْعَالم الْعَادِل السُّلْطَان الْملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 النَّاصِر نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون قدس الله روحه أولى الْأَوْلِيَاء بِالْملكِ الشريف لما لسلفك من الْحُقُوق وَمَا أسلفوه من فضل لَا يحسن لَهُ التناسي وَلَا العقوق وَلما أوجب لَك على العساكر الإسلامية سَابق الْأَيْمَان وصادق الْإِيمَان ولأنك جمعت فِي الْمجد بَين طارف وتالد وفقت بزكي نفس وَأَخ ووالد وجلالة مَا ورثتها عَن كَلَالَة وخلال 210 أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَهَا بالسيادة إخلال ومفاخر تكاثر الْبَحْر الزاخر ومآثر أعجز وصفهَا النَّاظِم والناثر وَكَانَ ركابك العالي قد سَار إِلَى الكرك المحروس وَقَعَدت عَنْك الْأَجْسَام وسافرت مَعَك النُّفُوس ووثقت الخواطر بأنك إِلَى السلطنة تعود وَأَن الله يجدد لَك صعُودًا إِلَى مَرَاتِب السُّعُود وأقمت بهَا وذكرك فِي الْآفَاق سَائِر والآمال مبشرة بأنك إِلَى كرْسِي مملتك صائر فَلَمَّا احْتَاجَ الْملك الشريف فِي هَذِه الْمدَّة إِلَى ملك يسر سَرِيره وسلطان تَغْدُو بإستقراره عُيُون الْأَنَام وَالْأَيَّام قريرة لما للْمُسلمين فِي ذَلِك من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 تيسير أوطار وتعمير أوطان وَلِأَنَّهُم لَا ينفذون فِي الْمصَالح الإسلامية إِلَّا بسُلْطَان لم يدر فِي الأذهان وَلَا خطر لقاص وَلَا دَان إِلَّا أَنَّك أَحَق النَّاس بالسلطنة الشَّرِيفَة وأولاهم برتبتها المنيفة وَلَا ذكر أحد إِلَّا حُقُوق بَيْتك وفضلها وَلَا قَالَ عَنْك إِلَّا بقول الله تَعَالَى {وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} لِأَن الْبِلَاد فتوحات سُيُوفكُمْ ورعاياها فِيمَا هم فِيهِ من الْأَمْن وَالْخَيْر بِمَنْزِلَة ضيوفكم وَلِأَن العساكر الإسلامية استرقهم ولاؤك ووالوك لأَنهم أرقاؤك فَلم يقل أحد أَنى لَهُ الْملك علينا بل أقرّ كل مِنْهُم لَك بِالْيَدِ وقر بولايتك عينا وَأَخْلصُوا فِي موالاتك العقائد وَاسْتَبْشَرُوا مِنْك بمبارك الْوَجْه ماجد جائد وَلم يغب غَائِب خَلِيفَته جَيش أَبِيه وجده الصاعد وَرفعت الممالك يَد الضراعة سَائِلَة وراغبة وخطبتك لعقائلها ومعاقلها والخطباء على المنابر لَك خاطبة وبدعائك مُخَاطبَة وقصدت لذَلِك أبوابك الَّتِي لَا تزَال تقصد ودعيت للعود الْمُبَارك وعود مُحَمَّد للْأمة المحمدية أَحْمد وَفعلت الجيوش المنصورة من طَاعَتك كل مَا سر وأربت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 فِي صدق النيات وبرها على كل من بر 210 ب ... وَلَو أَن مشتاقا تكلّف فَوق مَا فِي وَسعه لسعى إِلَيْك الْمِنْبَر ... فَمَا ضرّ بِحَمْد الله بعد الدَّار والآمال لساكنها مطيفة بل كَانَ لَك الذكرى فِي قلب الْخَلِيفَة نعم الْخَلِيفَة وَكنت لَدَيْهِ وَإِن غبت حَاضرا بجميل الذّكر ونأيت دَارا فقربك إِلَيْهِ حسن التَّصْوِير فِي الْفِكر وَكَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قد شاهدك يافعا وَشهد خاطره أَن ستصير للْمُسلمين نَافِعًا وَتَأمل مِنْك أمائر أضحى لَهَا لترقيك آملا وهلاك دلته كرامته وَلَا تنكر لَهُ الْكَرَامَة على أَن سَيكون بَدْرًا كَامِلا وبلغه عَنْك من الْعدْل وَالْإِحْسَان مَا أعجز وَصفه بلاغتي الْقَلَم وَاللِّسَان فناداك نداه على بعد المزار وَلم يجد لَك نظيرا فَأطَال وأطاب لمقدمك السعيد الِانْتِظَار إِلَى أَن أقدمت إقدام اللَّيْث وقدمت إِلَى الْبِلَاد المتعطشة إِلَى نظرك الشريف قدوم الْغَيْث فلاح بك على الْوُجُود دَلِيل الْفَلاح وَحمد الرعايا سراك عَن الصَّباح والاستصباح وشاهدوا مِنْك أسدا فاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 بوثباته وثباته الأول وشخصا لَا يصلح إِلَّا لإدالة دوَل وَلَا تصلح إِلَّا لمثله الدول وَقَامَت بإختبارك على اختيارك الدَّلَائِل وعرفك سَرِير الْملك وَعرف فِيك من أَبِيك شمائل وَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ من نجابتك فَوق مَا أخْبرت بِهِ مساءلة الركْبَان وَمن مهابتك مَا دلّ على خفض الشانئ وَرفع الشَّأْن وَمن محامدك كل مَا صغر الْخَبَر عَنْهَا الْخَبَر وأعلنت أَلْسِنَة الأقدار بِأَنَّهُ لم يبْق عَن تقليدك الممالك الإسلامية بِحَمْد الله تَعَالَى عذر فاختارك على علم على الْعَالمين واجتباك للذب عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين واستختار الله تَعَالَى فِي ذَلِك فخار وأفاض عَلَيْك من بيعَته الْمُبَارَكَة مَعَ فخرك المشتهر حلل الفخار وعهد إِلَيْك فِي كل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ دَعْوَة إِمَامَته المعظمة وَأَحْكَام خِلَافَته الَّتِي لم تزل بهَا عُقُود الممالك فِي الطَّاعَة منظمة وفوض 211 أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك سلطنة الممالك الإسلامية برا وبحرا شاما ومصرا قربا وبعدا غورا ونجدا وَمَا سيفتح الله عَلَيْك من الْبِلَاد وتستقذه من أَيدي ذَوي الْإِلْحَاد وتقليد الْمُلُوك والوزراء وقضاة الحكم الْعَزِيز وتأمير الْأُمَرَاء وتجهيز العساكر والبعوث للْجِهَاد فِي سَبِيل الله ومحاربة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 ترى محاربته من الْأَعْدَاء ومهادنة من ترى مهادنته مِنْهُم وَجعل إِلَيْك فِي ذَلِك كُله العقد والحل والإبرام والنقض وَالْولَايَة والعزل وقلدك ذَلِك كُله تقليدا يقوم فِي تَسْلِيم الممالك إِلَيْك مقَام الإقليد وَيَقْضِي لقريبها وَيُعِيدهَا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى بمزيد التَّمْهِيد والتشييد لتعلم أَن الله قد جعل الْأَيَّام الشَّرِيفَة الحاكمية أدامها الله تَعَالَى فلكا أبدى سالفا من الْبَيْت الشريف المنصوري أقمارا وأطلع مِنْهُم آنِفا بَدْرًا مَلأ الْخَافِقين أنوارا فَكلما ظهر لسلفه بَدَت مآثر خَلفه أظهر وَمن شاهدهم وَشَاهد شمس سعادته المنزهة عَن الأفول قَالَ هَذَا أكبر وَكلما ذكر لأَحَدهم فضل علم أَنه فِي أَيَّامه متزيد وَأَنه إِن مضى مِنْهُم سيد فِي سَبيله فقد قَامَ بأطراف الأسنة مِنْهُم سيد وصير الدولة الشَّرِيفَة الخليفية غابا إِن غَابَ مِنْهُم أسود خَلفهم شبْل بشرت مخائله أَنه عَلَيْهَا يسود فليتقلد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مَا قَلّدهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَليكن لدعوته الهادية من الملبين وَعَلَيْهَا من الْمُؤمنِينَ وليترق إِلَى هَذِه الرُّتْبَة الَّتِي اسْتحقَّهَا بِحَسبِهِ واسترقها بِنِسْبَة وليباشرها مُسْتَبْشِرًا وَيظْهر من شكر الله عَلَيْهَا مَا يَغْدُو بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 مستظهرا فقد أَرَادَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقيام فِي نصْرَة الدّين الحنيف فأقامك أَنْت مقَامه وَصرف بك بَين أهل الطَّاعَة والعصيان إكرامه وانتقامه رِعَايَة لعهد سلفك الْكَرِيم لوما استوجبته نَفسك النفيسة من وفور التَّعْظِيم والتكريم وعناية بالعساكر 211 ب المؤيدة الَّذين وجهوا وُجُوه آمالهم إِلَيْك وأبت كلمتهم الَّتِي صانها الله عَن التَّفَرُّق أَن تَجْتَمِع فِي الطَّاعَة والخدمة إِلَّا عَلَيْك ولديك ومنة عَلَيْهِم بسُلْطَان مَا برحوا من الله تَعَالَى يطلبونه وَملك نشأوا بأبوابه الْعَالِيَة فَلهَذَا يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فاحمد الله الَّذِي جعل لَك فِي إِعَادَة الْملك أُسْوَة بِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ورده إِلَيْك ردا لَا انْفِصَال لعروته وَلَا انفصام فأضحيت لأمور عباده سدادا ولثغور بِلَاده سدادا وللخليفة عضدا فِي الخليقة وَفِي الدَّهْر سامي الْحَقِيقَة حامي الْحَقِيقَة وللملك وَارِثا ورقاك رقيا أَصبَحت بِهِ فِي السلطنة وَاحِدًا وللخلافة المعظمة ثَانِيًا وللمقمرين ثَالِثا وبشراك أَن الله أبرم سَبَب تأكيدك إبراما لَا تصل الْأَيْدِي إِلَى نقضه وَأَنَّك سُئِلت عَن أَمر طالما أتعب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 غَيْرك سُؤَاله فِي بعضه وَأَن الله يحسن لَك العون وَبِك الصون فقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة لَا تسْأَل الْإِمَارَة فَإنَّك إِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وبشراك أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ خصك بمزيد الاعتناء وأقامك مقَامه فِي حسن الْغناء وحقق أَن السَّعَادَة فِي أَيَّامه مَوْصُولَة مِنْكُم بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاء وبلغك بِهَذَا التَّقْلِيد الشريف الْأَمَانِي وَتوجه بِيَمِين قريبَة عهد باستلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ واصطفاك بقلب أظهر لَهُ الكشوف إشراق تِلْكَ الستور وَغدا مغمورا بالهداية ببركة الْبَيْت الْمَعْمُور وَنظر زادته مُشَاهدَة الْحرم الشريف النَّبَوِيّ نورا على نور وقابل ذَلِك بِالْقيامِ فِي مهمات الْإِسْلَام وتدقيق النّظر فِي مصَالح الْخَاص وَالْعَام واجتهد فِي صِيَانة الممالك اجْتِهَادًا يحرس مِنْهَا الأوساط والأطراف وتنتظم بِهِ أحوالها أجل انتظام وتأتلف أجمل ائتلاف والوصايا كَثِيرَة وأولاها 212 أَمِير الْمُؤمنِينَ تقوى الله فليجعلها حلية لأوقاته ويحافظ عَلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 مُحَافظَة من يتقيه حق تُقَاته ويتخذها نجى فكره وأنيس قلبه ويعظم حرمات الله {وَمن يعظم حرمات الله فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه} وَالشَّرْع الشريف فَهُوَ لعقد الْإِسْلَام نظام وللدين الْقيم قوام فتجتهد فِي اقتفاء سنَنه وَالْعَمَل بفروضه وسننه وتكريم أَهله وقضاته والتوسل بذلك إِلَى الله فِي ابْتِغَاء مرضاته وأمراء دولتك فهم أنصار سلفك الصَّالح وذوو النصائح فِيمَا آثروه من الْمصَالح وخلصاء طاعتهم فِي السِّرّ والنجوى وأعوانهم على الْبر وَالتَّقوى وهم الَّذين أحلّهُم والدك من الْعِنَايَة الْمحل الْأَسْنَى وَالَّذين سبقت لَهُم بِحسن الطَّاعَة من الله الْحسنى وَلَو لم يكن لَهُم إِلَّا حسن الْوَفَاء لكفاهم عنْدك فِي مزِيد الِاعْتِمَاد والاستكفاء فَإِنَّهُم جادلوا فِي إِقَامَة دولتك وجالدوا ووفوا بالعهد فهم الموفون بعهدهم إِذا عَاهَدُوا وهم للوصايا بخدمتك واعون وَفِيمَا ائتمنتهم عَلَيْهِ لأمانتهم وَعَهْدهمْ رَاعُونَ قد أصفوا لَك النيات بِظهْر الْغَيْب وَأَخْلصُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 الطويات إخلاصا لَا شكّ مَعَ وَلَا ريب وابوا عَنْك أحسن مناب وكفا كف الْعَدو فَمَا طَال لَهُ لافتراس وَلَا اختلاس ظفر وَلَا نَاب وَاتَّخذُوا لَهُم بذلك عِنْد الله وعندك يدا وأثلوا لَهُم بِهِ مجدا يبْقى حَدِيثه الْحسن الصَّحِيح عَنْهُم مُسْندًا واستوص بهم وبسائر عساكرك المنصورة خيرا وأجمل لَهُم سريرة وَفِيهِمْ سيرا وأحمدهم عُقبى هَذِه الْخدمَة وأوردهم منهل إِحْسَان يُضَاعف لَهُم النِّعْمَة وَالنعْمَة لتؤكد طَاعَتك على كل إِنْسَان ويثقوا بِحسن الْمُكَافَأَة {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} ولتزداد أوامرك ونواهيك امتثالا وَلَا يَجدوا عَن محبَّة أيامك الشَّرِيفَة انتقالا وليقال فِي حسن خدمهم وإحسانك هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا وَأما الْغَزْو 212 ب وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَمَا أوجبه فيهمَا قَوْله {انفروا خفافا وثقالا} فَأَقل مَا يُجزئ فرض الْكِفَايَة مِنْهُ مرّة فِي كل عَام وَأما فرض الْعين فوجوبه على ذَوي الِاسْتِطَاعَة من الْمُسلمين عَام وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 عرفت سنَن السلطانين الشهيدين والدك وأخيك قدس الله روحيهما فِي الاعتناء بجهاد الْكفَّار وغزوهم فِي عقر الدَّار وموقف أَحدهمَا فِي موطن زلت فِيهِ الْأَقْدَام عَن الْإِقْدَام وَاجْتمعَ فِيهِ الْكفْر على الْإِسْلَام وشاب من هوله الْوَلِيد ومصابرته تجاه سيف من سيوف الله تَعَالَى الإِمَام خَالِد بن الْوَلِيد واستنقاذا لآخر الْبِلَاد الساحلية الَّتِي أنقذها الله من أَيدي الْمُشْركين على يَد الصَّالِحين وَفتح لَهما أَبْوَاب الْجنَّة ببركة الافتتاحين وَأَن والدك وأخاك سدا على الْمُشْركين الفجاج وطهرا من أرجاسهم العذب الْفُرَات وَالْملح الأجاج فالكتائب المنصورة أبانت التتار بِالسُّيُوفِ المشرفية والممالك الإسلامية زهت نظاما بالفتوحات الأشرفية فاجتهد فِي إعلاء كلمة الدّين أتم اجْتِهَاد وعززهما مِنْك بثالث فِي الْغَزْو وَالْجهَاد والرعايا بعيدهم وقريبهم ومستوطنهم وغريبهم فيوفيهم من الرِّعَايَة حظهم ويجزل صيانتهم وحفظهم وكما يرى الْحق لَهُ فليرى الْحق عَلَيْهِ وَيحسن إِلَى رعاياه كَمَا أحسن الله إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وَأما الْعدْل فَإِنَّهُ للبلاد عمَارَة وللسعادة أَمارَة وللآخرة منجاة من النَّفس الأمارة فَلْيَكُن لَهُ شعارا ودثارا وَيظْهر لسجيته الزكية فِي آثارا وليؤكد مراسمه فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر والمحافظة من ذَلِك على مَا يذكر بِهِ عِنْد الله ويشكر وَالْحُدُود الشَّرْعِيَّة فليحل بإقامتها لِسَانه وطرسه وَلَا يتعدها بِنَقص وَلَا زِيَادَة {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه} وَالله يخلد لَهُ رُتْبَة الْملك الَّتِي أَعلَى بهَا مقَامه ويديمه ناصرا للدّين الحنيف 213 أَمِير الْمُؤمنِينَ فأنصاره لَا يزالون ظَاهِرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل سَبَب هَذَا الْعَهْد الشريف مدى الْأَيَّام متينا ويجدد لَهُ فِي كل وَقت نصرا قَرِيبا وفتحا مُبينًا والخط الشريف الحاكمي أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 الْمَذْهَب الثَّانِي فِي افْتِتَاح عهود الْمُلُوك عَن الْخُلَفَاء أَن يفْتَتح الْعَهْد بقوله من فلَان إِلَى فلَان كَمَا يبتدأ فِي المكاتبات ثمَّ يَأْتِي بعد ذَلِك بقوله أما بعد ثمَّ تَارَة يَأْتِي بعد البعدية بتحميد مثل أَن يَقُول أما بعد فَالْحَمْد لله ويخلص من ذَلِك إِلَى ذكر أَمر الْولَايَة وَمَا ينخرط فِي سلكها وَتارَة يَأْتِي بعد البعدية بخطاب الْمولى وَالدُّعَاء لَهُ ويتخلص مِنْهُ إِلَى مَقَاصِد الْعَهْد من الْوَصَايَا وَغَيرهَا وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة كتب بِهِ عَن الطائع لله للْملك الْأَشْرَف شيرز بن عضد الدولة وَهَذِه نسخته من عبد الله عبد الكريم الإِمَام الطائع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى شيرز بن عضد الدولة وتاج الْملَّة أبي شُجَاع مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام عَلَيْك فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ويسأله 213 ب أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد أَطَالَ الله بَقَاءَك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بك وبالموهبة فِيك وعندك فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يرى أَن يحفظ على كل ولي أَحْمد مذاهبه وأرضى ضرائبه وَانْصَرف عَن الدُّنْيَا متمسكا بِطَاعَتِهِ متدينا بمشايعته حُقُوقه المتوحدة وحرماته المتمهدة فِيمَن يخلفه بعده من ولد أمل فِيهِ أَن يَرث عَنهُ مَحَله وَيقوم فِيهِ مقَامه وَفَاء لأهل الْولَايَة وتصرفا على أَحْكَام الرِّعَايَة وسياقة للصنيعة من سالف إِلَى خَالف وإمضائها من تالد إِلَى طارف هَذَا على الْأَمر الْجَامِع والعموم الشَّامِل فَإِذا اتّفق أَن تَنْتَهِي وراثة الْقرب إِلَيْهِ والمنازل لَدَيْهِ إِلَى النجباء الأفاضل والحصفاء الأماثل الَّذين يستحبون اسْتِئْنَاف الاصطناع لَهُم واستقبال التَّفْوِيض إِلَيْهِم بالمناقب الْمَوْجُودَة فيهم لَو انْفَرَدت عَمَّا حازوه عَن آبَائِهِم وأوليائهم أجْرى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يفيضه عَلَيْهِم من الأيادي ويرقيهم إِلَيْهِ من هضبات الْمَعَالِي مجْرى الْأَمر الْوَاجِب الَّذِي كثرت الدَّوَاعِي إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وَاتفقَ الرَّأْي وَالْهدى عَلَيْهِ وتطابق الإيثار وَالِاخْتِيَار فِيهِ واقترن الصَّوَاب والسداد بِهِ واشترك الْمُسلمُونَ فِي استثمار فَائِدَته وعائدته وَالِانْتِفَاع بتأديته وعاقبته وَالله يُخَيّر لأمير الْمُؤمنِينَ فِيمَا يمضيه من العزائم ويبنيه من الدعائم ويعتمده من الْمصَالح ويتوخاه من المناجح إِنَّه على ذَلِك قدير وَبِه جدير وَهُوَ حسب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَنعم الْوَكِيل وَقد علمت أدام الله عزك وأمتع الْمُؤمنِينَ بك أَن شَجَرَة بَيْتك الَّتِي تمكنت من الْخدمَة أُصُولهَا ونشأت على الطَّاعَة فروعها شَجَرَة لم تزل النجابة صَاحِبَة لَهَا والفضيلة منوطة بهَا وَأَسْبَاب التَّمام والدوام مجتمعة فِيهَا فَلذَلِك 214 أَمِير الْمُؤمنِينَ سبغت النِّعْمَة عَلَيْكُم وامتد ظلها إِلَيْكُم وتقلب فِيهَا قداحكم وتوفرت مِنْهَا حظوظكم فتداولتموها بَيْنكُم كَابِرًا عَن كَابر بمساعيكم الصَّالِحَة ومناهجكم الْوَاضِحَة وتعاضدكم على مَا لم شعث الدولة الجامعة وطرف عَنْهَا الْأَعْين الحاسدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وَكَانَ شيخك عضد الدولة وتاج الْملَّة أَبُو شُجَاع رضوَان الله عَلَيْهِ صَاحب الرُّتْبَة الْعُظْمَى عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وهمامها والممتطي غاربها وسنامها فَعَاشَ مَا عَاشَ مشكورا مَحْمُودًا ثمَّ انْقَلب إِلَى لِقَاء ربه سعيدا رشيدا وَأوجب أَمِير الْمُؤمنِينَ لَك وَله فِيك الْحُلُول بمكانه وحيازة خطره وشأنه إِذْ كنت أظفر وَلَده وَأول الْمُسْتَحقّين لوراثته وَكَانَت فِيك مَعَ ذَلِك الأدوات المقتضيات لِأَن يُفَوض الْأُمُور إِلَيْك ويعتمد فِيهَا عَلَيْك من كِفَايَة وغناء واستقلال ووفاء وسياسة وتدبير وشهامة وتشمير وَتصرف على طَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وإشبال على إخْوَتك أَجْمَعِينَ وَحسن أثر فِيمَا أنفذ أَمرك فِيهِ وإفاضة أَمن فِيمَن مَضَت ولايتك عَلَيْهِ وإحاطة بدلائل الجزالة ومخايل الْأَصَالَة بِمِثْلِهَا تنَال الغايات الأقاصي وتفترع الذوائب والنواصي فنولك أَمِير الْمُؤمنِينَ تِلْكَ الأثرة وخولك تِلْكَ الفخرة وَجعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 أَخَاك صمصام الدولة وشمس الْملَّة أَبَا كاليجار أمتع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ بك ثانيك وتاليك والمتقدم بعْدك على ولد أَبِيك وأجراكما فِي التطبيق بَيْنكُمَا والتقرير لمنازلكما على مثل مَا جرى لأمر عَلَيْهِ بَين ركن الدولة أبي عَليّ ومعز الدولة أبي الْحُسَيْن سالفا ثمَّ بَين عضد الدولة وتاج الْملَّة أبي شُجَاع ومؤيد الدولة أبي مَنْصُور آنِفا تولاهم الله بِالرَّحْمَةِ ونفعهم بِمَا قبضهم عَلَيْهِ من وثائق الْعِصْمَة وخصك أَمِير الْمُؤمنِينَ بعد ذَلِك بِمَا يخص بِهِ ذَا الْقدر الشامخ وَالْفَخْر الباذخ والقدم السَّابِقَة 214 ب والمحلة السامية فذكرك بالتكنية ورفعك عَن التَّسْمِيَة ولقبك لقبين أَحدهمَا شرف الدولة لتشريفه بك أولياءه الَّذين أوطأهم عقبك وأعلقهم سَبِيلك وَالْآخر زين الْملَّة لزينة أَيَّامه بمعاليك وتضاعف جمَالهَا بمساعيك وَعقد لَك بِيَدِهِ لواءين يلويان إِلَيْك الْأَعْنَاق بالطوع مِمَّن سراه وأبهجاه والكره مِمَّن راعاه فأزعجاه وَأمر بِأَن تُقَام لَك الدعْوَة على مَنَابِر مَدِينَة السَّلَام وَمَا يجْرِي مَعهَا من الْأَعْمَال بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 الدعْوَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَبَين الدعْوَة لصمام الدولة وشمس الْملَّة أمتع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ بكما وَأحسن الدفاع لَهُ عنكما إِلْحَاقًا لَك وَله بعْدك بأبيكما فِيمَا كَانَ شرف بِهِ من هَذِه الْحَال الَّتِي لم ينلها غَيره وَلَا أهل لَهَا أحد قبله وَأَن يثبت ذكرك باللقب والكنية فِيمَا ينقش من سِكَك الْعين وَالْوَرق فِي دور الضَّرْب باديا وَذكر صمصام الدولة كلأكما الله تاليا وحباك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ ذَلِك بخلع تَامَّة تفاض عَلَيْك وفرسين من جِيَاد خيله يقادان إِلَيْك بمركبي ذهب من خَاص مراكبه وَسيف مَاض من خِيَار أسيافه يعز الله منكبيك بنجاديه ويذل مناكب أعدائك بغراريه وطوق وسوارين وَأَن تجْرِي فِي الْمُكَاتبَة عَنهُ إِلَى الْغَايَة الَّتِي أجْرى أَبوك رَحمَه الله إِلَيْهَا وَهَذَا الْكتاب نَاطِق بهَا ودال عَلَيْهَا وَندب لإيصال الْجَمِيع إِلَيْك عَليّ بن الْحُسَيْن الْهَاشِمِي الزَّيْنَبِي وَأحمد بن نصر العباسي حَاجِبه ودجى خادمه فتلق شرف الدولة وزين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 الْملَّة وَأَبا الفوارس أدام الله عزك بِمَا يحِق عَلَيْك من تقوى الله فِي سرك وجهرك ومراقبته فِي قَوْلك وعملك وابتغاء رِضَاهُ فِي مختلج خطراتك وفكرك وَاتِّبَاع طَاعَته فِي مخارج أَمرك ونهيك وقابل مَا أنعم بِهِ عَلَيْك وَأحسن فِيهِ إِلَيْك بالشكر الَّذِي موقعه من النِّعْمَة موقع الْقرى من 215 أَمِير الْمُؤمنِينَ الضَّيْف إِن وجده لم يذم وَإِن فَقده لم يقم وامدد على من وليت عَلَيْهِ من الْخَاصَّة والعامة ظلك ووطئ لَهُم كنفك واغمرهم بطولك وسسهم سياسة يكون بهَا صَلَاحهمْ مَضْمُونا وحريمهم مصونا وبلادهم معمورة ومنافعهم موفورة وحلبهم دَارا وعيشهم رغدا وثغورهم مسدودة وأعاديهم مذودة ومسالكهم محمية ومساكنهم مرعية ومرهم بِالْمَعْرُوفِ وانهم عَن الْمُنكر وابعثهم على الْحَسَنَات واكففهم عَن السَّيِّئَات وساو فِي الْحق بَين شريفهم ومشروفهم وقويهم وضعيفهم وقريبهم وغريبهم ومليهم وذميهم وَقوم سفهاءهم وجهالهم وانف دعارهم وخرابهم وَأكْرم صلحاءهم وحلماءهم وشاور فضلاءهم وعقلاءهم وجالس أدنياءهم وأعلياءهم ورتبهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 مَرَاتِبهمْ ونزلهم مَنَازِلهمْ وأرهم تمسكك بِالدّينِ ليقتدوا بك فِيهِ ورغبتك فِي الْخَيْر ليتقربوا إِلَيْك بِهِ وَخذ الْحق وأعطه وابسط الْعدْل وَقل بِهِ وادرأ الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ واقمعها وأمضها بِالْبَيِّنَاتِ لتَكون الرَّغْبَة إِلَيْك فِي رهب والرهبة مِنْك فِي رغب وَبِالْجُمْلَةِ فاحمل النَّاس على كتاب الله جلّ وَعز وآدابه وَسنة الرَّسُول وَمَا جا بِهِ وَاعْلَم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد جعل كِتَابه هَذَا عهدا إِلَيْك وَحجَّة لَك وَعَلَيْك وَأَن الْأَوَامِر والنواهي فِي العهود تكون كَثِيرَة وَإِنَّمَا قصر فِيهِ عَن استيفائها لارْتِفَاع طبقتك عَن الْحَاجة إِلَى استقصائها وللخروج إِلَى الله من الْحق فِي تَضْمِينه هَذِه الْجمل مِنْهَا فَإِذا وصل ذَلِك إِلَيْك مَعَ كرامات أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُقدم ذكرهَا لَك فالبس خلعه وتقلد سَيْفه وَتحل بحلاه وابرز لمن يليك على حملانه وَأظْهر لَهُم ضروب إحسانه وامتنانه وانصب أمامك اللواءين وتكن وتلقب اللقبين وَكَاتب من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 طَبَقَات النَّاس متلقبا بهما متكنيا إِلَّا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن 215 ب الْأَدَب أَن لَا تكاتبه متلقبا بل متسميا وَلَيْسَ ذَلِك نَاقِصا لَك فِيمَا أَعْطيته وَلَا مرتجعا شَيْئا مِمَّا حبيته وَلكنه الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والرسم المألوف وصل مَا بَيْنك وَبَين أَخِيك صمصام الدولة وشمس الْملَّة أدام الله الإمتاع بكما بالمودة كَمَا وَصله الله بالأخوة وكونا جَمِيعًا يدا فِي طَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ واستقيما على كلمة سَوَاء فِي رِعَايَة الْمُسلمين وافتقا على مسالمة المسالمين وتعاضدا فِي محاربة الْمُحَاربين فان ذَلِك أرأب للصدع وأضم للنشر وأنظم للشمل وأليق بالأهل وأقم الدعْوَة لنَفسك على مَنَابِر الممالك بعد إِقَامَتهَا لأمير الْمُؤمنِينَ وَكَاتب أَمِير الْمُؤمنِينَ بأخبارك وطالعه بآثارك واستدع أمره فَأمره فِيمَا استعجم من التَّدْبِير عَلَيْك ورأيه فِيمَا استبهم من الْأُمُور دُونك واسترشده إِلَى الْحَظ يرشدك واستهده فِي الخطوب يهدك واستمده من المعونة يمددك واشكر آلاءه يزدك إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 أَطَالَ الله بَقَاءَك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأمتع أَمِير الْمُؤمنِينَ بك وبالموهبة فِيك وعندك وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الْمَذْهَب الثَّالِث أَن يفْتَتح الْعَهْد بِلَفْظ إِن أولى أَو إِ أَحَق وَمَا أشبه ذَلِك وَهِي طَريقَة غَرِيبَة خَارِجَة عَن أصُول الْكِتَابَة من حَيْثُ إِن رُتْبَة الْمُلُوك فِيمَا يكْتب لَهُم التَّعْظِيم وَمثل هَذَا الِافْتِتَاح إِنَّمَا يكْتب لأَصْحَاب الرتب السافلة الَّتِي لَا تقَارب رُتْبَة الْملك وَلَا مَا دونهَا على أَنه قد كتب بذلك إِلَى ديوَان الْخلَافَة بِبَغْدَاد للسُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف على جلالة قدره بتقليد الديار المصرية والبلاد الشامية واليمنية فِي بعض الأحيان 216 أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ ذَلِك إِنَّمَا وَقع حِين كَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله متغيرا عَلَيْهِ حِين تلقب بِالْملكِ النَّاصِر لما فِي ذَلِك من مضاهاة لقب الْخَلِيفَة وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الْمَكْتُوب بِهِ على هَذِه الطَّرِيقَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 إِن أولى من جَادَتْ رباعه سحب الاصطناع وَخص من الاصطفاء والاحتباء بالصفايا والمرباع من توسم فِيهِ انتهاج الجدد القويم وَالطَّرِيق الْوَاضِح الْمُسْتَقيم واعتلق من الْأَوْلِيَاء بأوثق عصمه وحباله والفناء الَّذِي يَهْتَدِي بأنواره فِي متصرفاته وأعماله والتحلي بجميل الذّكر فِي سيرته وخلوص الاعتناء بِأُمُور عطيته وَكَانَ رَاغِبًا فِي اقتناء حميد الْخلال مُجْتَهدا فِي طَاعَة الله بِمَا يفيضه من الْعدْل الممتد الظلال عَاملا فِيمَا يناط بِهِ بِمَا يتضوع نشر مختبره ويجتني بِحسن صنعه يَانِع ثمره باذلا وَسعه فِي الصّلاح مؤذنة مساعيه بفوز القداح وَلما كَانَ الْملك الْأَجَل السَّيِّد صَلَاح الدّين نَاصِر الْإِسْلَام عماد الدولة جمال الْأمة فَخر الْملَّة صفي الْخلَافَة تَاج الْمُلُوك والسلاطين قامع الْكَفَرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وَالْمُشْرِكين قاهر الْخَوَارِج والمتمردين عز الْمُجَاهدين ألب غَازِي بك بن يُوسُف بن أَيُّوب أدام الله علوه على هَذِه السجايا مُقبلا وبصفاتها الْكَامِلَة مُشْتَمِلًا مؤثرا تضَاعف المأثرات مثابرا متأثرا على مَا تزكو بِهِ الْأَعْمَال الصَّالِحَات متحليا بالمحامد الرائقة مستبدا بالمناقب الَّتِي هِيَ لجميل أَفعاله مُوَافقَة مُطَابقَة محصلا من رضَا الله تَعَالَى مَا يؤثره ويرومه من طَاعَة الدَّار العزيزة لَا زَالَت مشيدة الْبناء سابغة النعماء دائمة الاستبشار عزيزة الْأَنْصَار من اسْتِمْرَار الظفر مَا يستديمه اقْتَضَت الآراء الشَّرِيفَة لَا زَالَ التَّوْفِيق قرينها والتأييد مظافرها ومعينها إِمْضَاء تصرفه وإنفاذ حكمه فِي بِلَاد 216 ب مصر وأعمالها والصعيد الْأَعْلَى والإسكندرية وَمَا يَفْتَحهُ من بِلَاد الغرب والساحل وبلاد الْيمن وَمَا افتتحه مِنْهَا واستخلصه بعد من ولايتها والتعويل فِي هَذِه الولايات عَلَيْهِ واستنقاذ مَا استولى عَلَيْهِ الْكفَّار من الْبِلَاد وإعزاز كل من أذلوه واضطهدوه من الْعباد لتعود الثغور بيمن نقيبته ضاحكة المباسم وبإصابة رَأْيه قَائِمَة المواسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 أمره بادئا بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْجنَّة الواقية والذخيرة الْبَاقِيَة والعصمة الكافية والزاد إِذا أنفض وَفد الْآخِرَة وأرملوا والعتاد النافع إِذا وجدوا شَاهدا لَهُم وَعَلَيْهِم مَا عمِلُوا فَإِنَّهَا الْعلم الْمَنْصُوب للرشد قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد} وَأمره أَن يتَّخذ كتاب الله لزواجره ومواعظه وَيعْتَبر بتخويفه وملاحظة ويصغى إِلَيْهِ بسمعه وَقَلبه وجوارحه ولبه وَيعْمل بأوامره المحكمة وَيقف عِنْد نواهيه المبرمة ويتدبر مَا حوته آيَاته من الْوَعْد والوعيد والزجر والتهديد قَالَ الله عز وَجل {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} وَأمره أَن يكون على صلَاته محافظا ولنفسه عَن الْإِخْلَال وَالتَّقْصِير فِي أَدَاء فَرضهَا واعظا فيغتنم الاستعداد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 أَمَام أَوْقَاتهَا للْأَدَاء ويحترز من فَوَاتهَا وَالْحَاجة إِلَى الْقَضَاء موفيا حَقّهَا من الرُّكُوع وَالسُّجُود على الْوَصْف الْوَاجِب الْمَحْدُود مخلصا سره عِنْد الدُّخُول فِيهَا وناهيا نَفسه عَمَّا يصدها بالأفكار ويلهيها مُجْتَهدا فِي نفي الْفِكر والوسواس عَن قلبه منتصبا فِي إخلاص الْعِبَادَة لرَبه ليغدو بِوَصْف الْأَبْرَار منعوتا قَالَ الله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَأمره بِقصد الْمَسَاجِد الجامعة فِي أَيَّام الْجمع امتثالا لأمر الله المتبع بعزيمة فِي الْخَيْر صَادِقَة وَنِيَّة لِلْعِبَادَةِ مُوَافقَة وَفِي الأعياد إِلَى الْمُصَليَات 217 أَمِير الْمُؤمنِينَ المصحرة المجملة بالمنابر الحالية الَّتِي هِيَ من الأدناس مطهرة نابية فَإِنَّهَا من مَوَاضِع الْعِبَادَة ومواطنها ومظان تِلَاوَة الْقُرْآن الْمَأْمُور بِحِفْظ آدابها وسننها فقد وصف الله تَعَالَى من وَفقه لتجميل بيوته بالعمارة بِمَا أوضح فِيهِ الْإِشَارَة وشرفه بِوَضْع سمة الْإِيمَان عَلَيْهِ بالإكرام الفاخر فَقَالَ {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 فيقيم الدعْوَة الهادية على المنابر على عَادَة من تقدمه ومنتهيا فِيهَا إِلَى أحسن مَا عَهده وَعلمه وَأمره بِلُزُوم نزاهة الحرمات وَاجْتنَاب الْمُحرمَات والتحلي من العفاف والورع بأجمل القلائد الرائقة والتقمص بملابس التَّقْوَى الَّتِي هِيَ بأمثاله لائقة وسلوك مناهج الصّلاح الَّذِي يجمل بِهِ فعله ويصفو لَهُ عله ونهله وَأَن يمْنَع نَفسه من الْغَضَب ويردها عَمَّا يَأْمر بِهِ من سوء الْمكتب ويأخذها بآداب الله سُبْحَانَهُ فِي نهيها عَن الْهوى وَحملهَا على التَّقْوَى وردعها عَن التورط فِي المهاوي والشبه وكل أَمر يلتبس فِيهِ الْحق وَيشْتَبه ويلزمها الْأَخْذ بِالْعَفو والصفح والتأمل لمَكَان الْأَعْمَال فِيهِ واللمح قَالَ الله تَعَالَى {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} وَأمره بِإِحْسَان السِّيرَة فِي الرعايا بِتِلْكَ الْبِلَاد واختصاصهم بالصون الرَّائِح والغاد وَنشر جنَاح الرِّعَايَة على الْبعيد مِنْهُم والقريب وإحلال كل مِنْهُم مَحَله على الْقَاعِدَة وَالتَّرْتِيب وإشاعة المعدلة فيهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وإسهام دانيهم من وافر ملاحظته وقاصيهم وَأَن يحمي سرحهم من كل داعر ويذود عَنْهُم كل موارب بِالْفَسَادِ وَمظَاهر حَتَّى تصفو لَهُم من الْأَمْن الشَّرَائِع وتضفو عَلَيْهِم من بركَة ولَايَته المدارع وتستنير بضوء الْعدْل مِنْهُم الْمطَالع ويحترم أكابرهم ويحنو على أصاغرهم ويشملهم بكنفه وَدِرْعه وَيَنْتَهِي فِي مصالحهم إِلَى غيه وَسعه وَلَا يألوهم 217 ب فِي النصح جهدا وَلَا يخلف لَهُم فِي الْخَيْر وَعدا ويشاورهم فِي أمره فَإِن المشورة دَاعِيَة إِلَى الْفَلاح ومفتاح بَاب الصّلاح قَالَ الله تَعَالَى {فَاعْفُ عَنْهُم واستغفر لَهُم وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين} وَأمره بِإِظْهَار الْعدْل فِي الرّعية الَّتِي تضمها جَمِيع الأكناف والأطراف والتحلي من النصفة بأكمل الْأَوْصَاف وَحمل كافتهم على أقوم جدد وعصيان الْهوى فِي تَقْوِيم كل أود والمساواة بَين الْفَاضِل والمفضول فِي الْحق إِذا ظهر صدق دَلِيله والاشتمال عَلَيْهِم بالأمن الَّذِي يعذب لَهُم برد مقِيله وكشف ظلامة من انبسطت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 إِلَى تحيفه الْأَيْدِي والأطماع وأعجزته النُّصْرَة لنَفسِهِ والدفاع وتصفح أَحْوَالهم بِعَين لَا ترنو إِلَى هوى يمِيل بهَا عَن الْوَاجِب وَسمع لَا يصغى إِلَى مقَالَة مائن وَلَا كَاذِب وَلَا يغْفل عَن مصلحَة تعود إِلَيْهِم وَيرجع نَفعهَا عَلَيْهِم وَلَا عَن كشف ظلامات بَعضهم من بعض وردهم إِلَى الْحق فِي كل رفع من أَحْوَالهم وخفض فَلَا يرى إِلَّا بِالْحَقِّ عَاملا وللأمور على سنَن الشَّرِيعَة حَامِلا مجتنبا إغفال مصالحهم وإهمالها وحارسا نظامها على تتَابع الْأَيَّام واتصالها ليَكُون ذَلِك إِلَى وفور الْأجر دَاعيا وَبِحسن الأحدوثة قَاضِيا مقتديا بِمَا نطق بِهِ الْقُرْآن {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَأمره أَن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَيُقِيم مناره وَيُنْهِي عَن الْمُنكر ويمحو آثاره فَلَا يتْرك مُمكنا من إِظْهَار الْحق وإعلانه وقمع الْبَاطِل وإخماد نيرانه ويعتمد مساعدة كل مرشد إِلَى الطَّرِيق الأقصد وناه عَن التظاهر بالمحظور فِي كل مشْهد فَإِنَّهُ تضحى معونته مُشَاركَة فِي إِحْرَاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 المثوبة ومساهمة ومساومة فِي اقتناء الْأجر ومقاسمة وَأَن يوعز بِإِزَالَة مظان الريب وَالْفساد فِي الداني من الْأَعْمَال والقاصي فَإِنَّهَا مَوَاطِن الشَّيْطَان وأماكن الْمعاصِي وَأَن يشد على أَيدي 218 الآمرين بِالْمَعْرُوفِ والناهين عَن الْمُنكر ويعينهم على ذَلِك بِمَا يطيب ذكره فِي كل مشْهد ومحضر ويجتهد فِي إِزَالَة كل مَحْظُور ومنكر مقدم فِي الْبَاطِل ومؤخر قَالَ الله تَعَالَى {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر} وَأمره أَن يقدم الِاحْتِيَاط فِي حفظ الثغور ومجاوريها من الْكفَّار وَيسْتَعْمل غَايَة التيقظ فِي ذَلِك والاستظهار ليأمن عَلَيْهَا غوائل المكائد ويفوز من التَّوْفِيق لذَلِك بأنواع المحامد ويتجرد لجهاد أَعدَاء الدّين والانتقام من الْكَفَرَة المارقين أخذا بقول رب الْعَالمين {انفروا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل الله ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} وَأَن يعْمل فِيمَا يحصل من الْغَنَائِم عِنْد فل جموعهم وافتتاح بِلَادهمْ وربوعهم بقول الله وَمَا أَمر بِهِ فِي قسمهَا وإيفاء كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 صَاحب حِصَّة مِنْهَا سالكا سَبِيل من غَدا لآثار الصّلاح مقتفيا وللفرض فِي ذَلِك مُؤديا وبهدى ذَوي الرشد مهتديا قَالَ الله تَعَالَى فِي مُحكم التَّنْزِيل {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} وَأمره أَن يُجيب إِلَى الْأمان لمن طلبه وَيكون وفاؤه مقترنا بِمَا تضمنه غير مُضْمر خلاف مَا يُعْطي بِهِ صَفْقَة أَمَانه وَلَا مُخَالف بَاطِنه مَا أظهره من مقارته إِلَى عقد الهدن وإتيانه ويجتنب الْغدر وَمَا فِيهِ من الْعَار وإسخاط الْملك الْجَبَّار قَالَ الله عز وَجل {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِن الله يعلم مَا تَفْعَلُونَ} وَأمره بِأَن يَأْمر أَصْحَاب المعاون بمساعدة الْقُضَاة والحكام ومعونتهم بِمَا يقْضِي بلم شَمل الصّلاح فِي تَنْفِيذ القضايا والانتظام وَأخذ الْخُصُوم بإجابة الدَّاعِي إِذا استحضروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 إِلَى أَبْوَابهم للإنصاف والمسارعة إِلَى الْحق الْوَاجِب عَلَيْهِم من غير خلاف قَالَ الله تَعَالَى {وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون} وَأمره بالعويل فِي الْمَظَالِم وأسواق الرَّقِيق ودور الضَّرْب والحسبة على من يأوى إِلَى عفاف وَدين وَعلم بِأَحْكَام الشَّرِيعَة وَصِحَّة يَقِين لَا يخفى عَلَيْهِ مَا حرمه الله تَعَالَى وأحله وَلَا يلتبس على علمه مَا أوضح إِلَى الْحق الْوَاضِح سبله وَإِلَى من يتَوَلَّى الْمَظَالِم بإيصال الْخُصُوم إِلَيْهِ وإنصافهم كَمَا أوجبه الله تَعَالَى عَلَيْهِ واستماع ظلاماتهم وإحسان النّظر فِي مشاجراتهم وَأمره أَن يتلَقَّى النِّعْمَة الَّتِي أفرغت عَلَيْهِ وانساقت إِلَيْهِ بشكر ينْطق بِهِ لِسَانه ويترجم عَنهُ بَيَانه ليستديم بذلك الْإِكْرَام ويقترن الْإِحْسَان عِنْده بالالتئام وَأَن يوفيها حَقّهَا من دوَام الْحَمد 218 ب وَالْقَصْد إِلَى شكرها والعمد قَالَ الله تَعَالَى {وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وليعلم أَنه قد بَين لَهُ من الصّلاح مَا اتضحت أَعْلَامه وأثبتت فِي المرامي سهامه وأرشد إِلَى مَا أودع هَذَا المنشور من جدد الْفَوْز بمرضاة الله تَعَالَى وشكر عباده عَاملا فِي ذَلِك بِمُقْتَضى جده واجتهاده ليحرز السَّبق فِي دُنْيَاهُ وعقباه ويتوفر عِنْده مَا منح بِهِ مِمَّا أرهف عزمه وحباه وَغدا بمكانه رافلا فِي ملابس الْفَخر والبهاء نائلا مِنْهُ مَا طَال بِهِ مناكب القرناء واختص بِمَا أَعلَى دَرَجَته فَتَقَاعَسَتْ عَنهُ آمال حاسديه وَتفرد بالمكانة عَن مقَام من يباريه ويناويه وَأولى من الإنعام مَا أَمن بِهِ سرب النِّعْمَة عِنْده وأصفى من مناهل الْإِحْسَان ورده وَأهْدى إِلَيْهِ من المواعظ مَا يجب أَن يودعه وَاعِيَة الأسماع وَيَأْخُذ بِالْعَمَلِ بِهِ كل رَاع فينهج أدام الله علوه محاج الْوَلَاء الَّذِي عهد من أَمْثَاله من الْأَوْلِيَاء متنزها عَن تَقْصِير مِنْهُ فِي عَامَّة الْأَوْقَات ومراعيا أَفعاله فِي جَمِيع التَّصَرُّفَات وَيعلم أَنه مسئول عَن كل مَا يلفظ بِهِ لِسَانه ناطقا وَنظر طرفه إِلَيْهِ رامقا قبل أَن يجانب هَوَاهُ وَيبقى رهينا بِمَا اكْتسبت يَدَاهُ وَلَا يغتر من الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وزخرفها بغرار لَيْسَ الْوَفَاء من طباعه ومعير مَا أقصر مُدَّة ارتجاعه وسبيل كَافَّة الْقُضَاة والأعيان ومقدمي العساكر والأجناد ورؤساء الْبِلَاد مُتَابَعَته وموافقته وَطلب مصالحهم من جَانِبه وَالتَّصَرُّف على استصوابه وَقد أكدت وصاته فِي الرِّفْق بهم والاشتمال عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وإجمال السِّيرَة فيهم وَكلما أشكل عَلَيْهِ أَمر من المتجددات يطالع بِهِ الدِّيوَان الْعَزِيز مجده الله تَعَالَى لينهج لَهُ السَّبِيل إِلَى فتح رتاجه وسلوك منهاجه وَالله ولي والتوفيق وَالْهِدَايَة وَجمع الْكَلِمَة فِي كل إِعَادَة وبداية والمعونة على الْعِصْمَة من الزلل والتأييد فِي القَوْل وَالْعَمَل وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل قلت وَقد عَابَ الْوَزير ضِيَاء الدّين بن الْأَثِير هَذَا التَّقْلِيد فِي كِتَابه الْمثل السائر وغض مِنْهُ وعارضه بتقليد أنشأه وَقد ذكرته فِي كتاب صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابَة الإنشا لاتساعه وَبسط القَوْل فِيهِ افتتحه بقول أما بعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يبْدَأ بِحَمْد الله الَّذِي يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 لكل خطْبَة قيادا وَلكُل أَمر مهادا أهملت ذكره فِي هَذَا الْكتاب لكَونه لم يكْتب بِهِ لأحد 219 - الْمَذْهَب الرَّابِع فِي عهود الْمُلُوك أَن يفْتَتح الْعَهْد بِالْحَمْد لله وَهُوَ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ عمل الْمُتَأَخِّرين من كتاب الديار المصرية على أَن الْمقر الشهابي بن فضل الله قد أنكر على الصاحب فَخر الدّين بن لُقْمَان حَيْثُ افْتتح الْعَهْد الَّذِي كتب بِهِ للظَّاهِر بيبرس بِالْحَمْد وَقَالَ لَيْسَ ابْن لُقْمَان بِحجَّة ثمَّ قَالَ على أَن القَاضِي مُحي الدّين قد تبعه فِيمَا كتب بِهِ للمنصور قلاوون وَلَا وَجه لإنكاره على ابْن لُقْمَان فقد كتب بِمثل ذَلِك من ديوَان الْخلَافَة بِبَغْدَاد عَن الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن الظَّاهِر بِأَمْر الله بن النَّاصِر لدين الله العباسي للسُّلْطَان الْملك الْكَامِل نصير الدّين مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر من إنْشَاء الْوَزير أبي الْأَزْهَر أَحْمد بن النَّاقِد بِخَط الْعدْل نَاصِر بن رشيد الخرنومي فِي شهر رَجَب الْفَرد سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة إِلَّا أَنه جرى فِيهِ على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 الأسلوب الْقَدِيم من قَوْلهم فِي أوَامِر الْخلَافَة أمره بِكَذَا وَأمره بِكَذَا وَهَذِه نسخته فِيمَا ذكره البوري فِي تَارِيخه الْحَمد لله الَّذِي اطمأنت الْقُلُوب بِذكرِهِ وَوَجَب على الْخَلَائق جزيل حَمده وشكره ووسعت كل شَيْء رَحمته وَظَهَرت فِي كل أَمر حكمته وَدلّ على وحدانيته بعجائب مَا أحكم صنعا وتدبيرا وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا ممد الشَّاكِرِينَ بنعمائه الَّتِي لَا تحصى عددا وعالم الْغَيْب الَّذِي لَا يظْهر على غيبه أحدا لَا معقب لحكمه فِي الإبرام والنقض وَلَا يؤوده حفظ السَّمَوَات وَالْأَرْض تَعَالَى أَن يُحِيط بِهِ الضَّمِير وَجل أَن يبلغ وَصفه الْبَيَان وَالتَّفْسِير {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَالْحَمْد لله الَّذِي أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا {وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وابتعثه هاديا لِلْخلقِ وأوضح بِهِ مناهج الرشد وسبل الْحق واصطفاه من أشرف الْأَنْسَاب وأعز الْقَبَائِل واجتباه لإيضاح الْبَرَاهِين والدلائل وَجعله لَدَيْهِ أعظم الشفعاء وَأقرب الْوَسَائِل فقذف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ على الْبَاطِل وَحمل النَّاس بِشَرِيعَتِهِ الهادية على المحجة الْبَيْضَاء وَالسّنَن الْعَادِل حَتَّى استقام اعوجاج كل زائغ وَرجع إِلَى الْحق كل جَاحد عَنهُ ومائل وَسجد لله كل شَيْء {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَام الأفاضل صَلَاة مستمرة بالغدوات والأصائل خُصُوصا على عَمه وصنو أَبِيه الْعَبَّاس ابْن عبد الملطب الَّذِي اشتهرت مناقبه فِي المجامع والمحافل وَدرت ببركة الاسْتِسْقَاء بِهِ أخلاف السحب الهواطل وفارقتتنصيص الرَّسُول على عقبَة فِي فِي الْخلَافَة المعظمة بِمَا لم يفز بِهِ أحد من الْأَوَائِل وَالْحَمْد لله الَّذِي حَاز مَوَارِيث النُّبُوَّة والإمامة ووفر جزيل الْأَقْسَام من الْفضل والكرامة لعَبْدِهِ وخليفته ووارث نبيه ومحي شَرِيعَته الَّذِي أحله الله عز وَجل من معارج الشّرف والجلال فِي أرفع ذرْوَة وأعلقه من حسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 التَّوْفِيق الإلهي بأمتن عصمَة وأوثق عُرْوَة واستخرجه من أشرف نجار وعنصر واختصه بأزكى منحه وَأعظم مفخر ونصبه للْمُؤْمِنين علما وَاخْتَارَهُ للْمُسلمين إِمَامًا وَحكما وناط بِهِ أَمر دينه الحنيف وَجعله قَائِما بِالْعَدْلِ والإنصاف بَين القوى والضعيف إِمَام الْمُسلمين وَخَلِيفَة رب الْعَالمين أبي جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ بن الإِمَام السعيد النقي أبي نصر مُحَمَّد الظَّاهِر بِأَمْر الله بن الإِمَام الوفي أبي الْعَبَّاس أَحْمد النَّاصِر لدين الله بن الإِمَام السعيد الزكي أبي مُحَمَّد الْحسن المستضيء بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ 220 صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وعَلى آبَائِهِ الطاهرين الْأَئِمَّة المهديين الَّذين قضوا بِالْحَقِّ وَبِه كَانُوا يعدلُونَ ولقوا الله تَعَالَى وَهُوَ عَنْهُم رَاض وهم عَنهُ راضون وَبعد فبحسب مَا أفاضه الله تَعَالَى على أَمِير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه من خِلَافَته فِي الأَرْض وفوضه إِلَى نظره الْمُقَدّس فِي الْأُمُور من الإبرام والنقض واستخلصه لَهُ من حياطة بِلَاده وعباده ووكله إِلَى شرِيف نظره ومقدس اجْتِهَاده لَا يزَال صلوَات الله عَلَيْهِ يكلأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الْعباد بِعَين الرِّعَايَة ويسلك بهم فِي الْمصَالح الْعَامَّة والخاصة مَذَاهِب الرشد وسبيل الْهِدَايَة وينشر عَلَيْهِم جناحي عدله وإحسانه وينعم لَهُم النّظر فِي إرشاد الْأُمَنَاء الصلحاء من خلصاء أكفائه وأعوانه متخيرا للاسترعاء من استحمد إِلَيْهِ بمشكور المساعي وتعرف إِلَيْهِ فِي سياسة الرعايا بجميل الْأَسْبَاب والدواعي وسلك فِي مَفْرُوض الطَّاعَة الْوَاجِبَة على الْخَلَائق قصد السَّبِيل وَعلم مِنْهُ حسن الاضطلاع فِي مصَالح الْمُسلمين بالعبء الثقيل وَالله عز وَجل يُؤَيّد أراء أَمِير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ بالتأييد والتسديد ويمده أبدا من أَقسَام التَّوْفِيق الإلهي بالموفور والمزيد ويقرن عَزَائِمه الشَّرِيفَة بِالْيمن والنجاح ويسنى لَهُ فِيمَا يَأْتِي ويذر أَسبَاب الْخَيْر وَالصَّلَاح وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب وَلما وفْق الله تَعَالَى نصير الدّين مُحَمَّد بن سيف الدّين أبي بكر بن أَيُّوب من الطَّاعَة الْمَشْهُورَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 والخدم المشكورة والحظوة فِي جِهَاد أَعدَاء الدّين بالمساعي الصَّالِحَة والفوز من المراضي الشَّرِيفَة الإمامية أجلهَا الله تَعَالَى بالمغانم الجزيلة والصفقة الرابحة لما وصل فِيهِ سالف شرِيف الِاخْتِصَاص بآنفه وشفع تالده فِي تَحْصِيل مأثور الاستخلاص بطارفة واستوجب بسلوكه من الطَّاعَة الْمَفْرُوضَة مزِيد الْإِكْرَام والتفضيل 220 ب وضرع فِي الإنعام عَلَيْهِ بمنشور شرِيف إمامي يسْلك فِي اتِّبَاعه هداه وَالْعَمَل بمراشده سَوَاء الصِّرَاط وَقصد السَّبِيل اقْتَضَت الآراء الشَّرِيفَة المقدسة زَادهَا الله تَعَالَى جلالا متألق الْأَنْوَار وقدسا يتساوى فِي تَعْظِيمه من هُوَ مستخف بِاللَّيْلِ وسارب بِالنَّهَارِ الإيعاز بإجابته إِلَى مَا وَجه أمله إِلَى الإنافة فِيهِ بِهِ إِلَيْهِ والجذب بضبعه إِلَى ذرْوَة الاجتباء الَّذِي تظهر أشعة أنواره الباهرة عَلَيْهِ فقلده على خيرة الله تَعَالَى الزعامة والغلات وأعمال الْحَرْب والمعاون والأحداث وَالْخَرَاج والضياع وَالصَّدقَات والجوالي وَسَائِر وُجُوه الجبايات وَالْعرض وَالعطَاء وَالنَّفقَة فِي الْأَوْلِيَاء والمظالم والحسبة فِي بِلَاده وَمَا يَفْتَحهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 ويستولي عَلَيْهِ من بِلَاد الفرنج الملاعين وبلاد من تبرز إِلَيْهِ الْأَوَامِر الشَّرِيفَة بِقَصْدِهِ من المارقين عَن الْإِجْمَاع المنعقد من الْمُسلمين وَيَتَعَدَّى حُدُود الله تَعَالَى بمخالفة من حصل من الْأَعْمَال الصَّالِحَات بولائه الْمَفْرُوض على الْخَلَائق مَقْبُولَة وطاعته ضاعف الله جَلَاله بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوْصُولَة حَيْثُ قَالَ الله عز من قَائِل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} وَاعْتمد صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه فِي ذَلِك على حسن نظره ومدد رعايته وَألقى مقاليد التَّفْوِيض إِلَى وفور اجْتِهَاده وَكَمَال سياسته وَخَصه من هَذَا الإنعام الجزيل بِمَا يبْقى لَهُ على تعاقب الدَّهْر واستمراره ويخلد على ممر الزَّمَان حسن ذكره وجزيل فخاره وحباه بتقليد يوطد لَهُ قَوَاعِد الممالك وَيفتح بإقليده رتاج الْأَبْوَاب والمسالك ويفيد قَاعِدَته فِي بِلَاده زِيَادَة تَقْرِير وتمهيد ويطير بِهِ صيته فِي كل قريب وبعيد ووسمه بِالْملكِ الْأَجَل السَّيِّد الْكَامِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 الْمُجَاهِد المرابط نصير الدّين 221 أركن الْإِسْلَام أثير الْأَنَام تَاج الْمُلُوك والسلاطين قامع الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين قاهر الْخَوَارِج والمتمردين ألب غَازِي بك مُحَمَّد بن أبي بكر ابْن أَيُّوب معِين أَمِير الْمُؤمنِينَ رِعَايَة لسوابق خدمه وخدم أسلافه وآبائه عَن وفور اجتبائه وَكَمَال ازدلافه وإنافة من ذرْوَة الْقرب إِلَى مَحل كريم واختصاصا لَهُ بِالْإِحْسَانِ الَّذِي لَا يلقاه إِلَّا من هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {ذُو حَظّ عَظِيم} وثوقا بِصِحَّة ديانته الَّتِي يسْلك فِيهَا سَوَاء سَبيله واستنامة إِلَى أَمَانَته فِي الْخدمَة الَّتِي ينصح فِيهَا لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وركونا إِلَى الإنعام عَلَيْهِ مَوْضُوعا بِحَمْد الله تَعَالَى فِي أحسن مَوضِع وَاقعا بِهِ لَدَيْهِ فِي خبر مُسْتَقر ومستودع وأمير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ لَا زَالَت الْخيرَة مَوْصُولَة بآرائه والتأييد الإلهي مَقْرُونا بإنفاذه وإمضائه يستمد من الله عز وَجل حسن الْإِعَانَة فِي اصطفائه الَّذِي اقْتَضَاهُ نظره الشريف واعتماده وَأدّى إِلَيْهِ ارتياده الْمُقَدّس الإمامي واجتهاده وَحسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الله وَنعم الْوَكِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وَأمره بتقوى الله تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْجنَّة الواقية وَالنعْمَة الْبَاقِيَة والملجأ المنيع والعماد الرفيع والذخيرة النافعة فِي السِّرّ والنجوى والجذوة المقتبسة من قَول تَعَالَى {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} وَأَن يدرع بشعارها فِي جَمِيع الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال ويهتدي بأنوارها فِي مشكلات الْأُمُور وَالْأَحْوَال وَأَن يعْمل بهَا سرا وجهرا ويشرح للْقِيَام بحدودها الْوَاجِبَة صَدرا قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا} وَأمره بِتِلَاوَة كتاب الله متدبرا غوامض عجائبه سالكا سبل الرشاد وَالْهِدَايَة فِي الْعَمَل بِهِ وَأَن يَجعله مِثَالا يتبعهُ ويقتفيه ودليلا يهتدى بمراشده الْوَاضِحَة فِي أوامره ونواهيه فَإِنَّهُ 221 ب الثّقل الْأَعْظَم وَسبب الله الْمُحكم وَالدّين الَّذِي يهدي بِهِ إِلَى الَّتِي هِيَ أقوم ضرب الله تَعَالَى فِيهِ لِعِبَادِهِ جَوَامِع الْأَمْثَال وَبَين لَهُ بهداه الرشد والضلال وَفرق بدلائله الْوَاضِحَة بَين الْحَرَام والحلال فَقَالَ عز من قَائِل {هَذَا بَيَان للنَّاس وَهدى وموعظة لِلْمُتقين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَقَالَ تَعَالَى {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك ليدبروا آيَاته وليتذكر أولُوا الْأَلْبَاب} وَأمره بالمحافظة على مَفْرُوض الصَّلَوَات وَالدُّخُول فِيهَا على أكمل هَيْئَة من قوانين الْخُشُوع والإخبات وَأَن يكون نظره فِي مَوضِع نَجوَاهُ من الأَرْض وَأَن يمثل لنَفسِهِ فِي ذَلِك موقفه بَين يَدي الله تَعَالَى يَوْم الْعرض قَالَ الله تَعَالَى {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} وَقَالَ تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَأَن لَا يشغل بشاغل عَن أَدَاء فروضها الْوَاجِبَة وَلَا يلهو بِسَبَب عَن إِقَامَة سننها الرَّاتِبَة فَإِنَّهَا عماد الدّين الَّذِي نمت أعاليه ومهاد الشَّرْع الَّذِي رست قَوَاعِده ومبانيه قَالَ الله تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَأمره أَن يسْعَى إِلَى صلوَات الْجمع والأعياد وَيقوم فِي ذَلِك بِمَا فَرْضه الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى الْعباد وَأَن يتَوَجَّه إِلَى الْجَوَامِع والمساجد متواضعا ويبرز إِلَى الْمُصَليَات الضاحية فِي الأعياد خَاشِعًا وَأَن يحافظ فِي تشييد قَوَاعِد الْإِسْلَام على الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب ويعظم باعتماد ذَلِك شَعَائِر الله الَّتِي هِيَ من تقوى الْقُلُوب وَأَن يَشْمَل بوافر اهتمامه واعتنائه وَكَمَال نظره وإرعائه بيُوت الله الَّتِي هِيَ محَال البركات ومواطن الْعِبَادَات والمساجد الَّتِي تَأَكد فِي تعظيمها وإجلالها حكمه والبيوت الَّتِي أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه وَأَن يرتب لَهَا من الخدم من يتبتل لإِزَالَة أدناسها ويتصدى لإذكاء مصابيحها فِي الظلام وإيناسها وَيقوم لَهَا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَسبَاب الصّلاح والعمارات ويحضر إِلَيْهَا مَا يَلِيق من الْفرش والكسوات وَأمره بِاتِّبَاع سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي أوضح جددها وثقف أودها وَأَن يعْتَمد فِيهَا على الْأَسَانِيد الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 نقلهَا الثِّقَات وَالْأَحَادِيث الَّتِي صحت بالطرق السليمة وَالرِّوَايَات وَأَن يَقْتَضِي بِمَا جَاءَت بِهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي ندب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى التَّمَسُّك بِسَبَبِهَا وَرغب أمته فِي الْأَخْذ بهَا وَالْعَمَل بآدابها قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله} وَأمره بمجالسة أهل الْعلم وَالدّين وأولي الاخلاص فِي طَاعَة الله والمتقين والاستشارة فِي عوارض الشَّك والالتباس وَالْعَمَل بآرائهم فِي التَّمْثِيل وَالْقِيَاس فَإِن الاستشارة لَهُم عين الْهِدَايَة وَأمن من الضلال والغواية وَبهَا تلقح عقم الأفهام والألباب ويقتدح زناد الرشد وَالصَّوَاب قَالَ الله تَعَالَى فِي الْإِرْشَاد إِلَى فَضلهَا وَالْأَمر فِي التَّمَسُّك بحبلها {وشاورهم فِي الْأَمر} وَأمره بمراعاة أَحْوَال الْجند والعسكر فِي ثغوره وَأَن يشملهم بِحسن نظره الْجَمِيل وَجَمِيل تَدْبيره مستصلحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 نياتهم بإدامة التلطف والتعهد مستوضحا أَحْوَالهم بمواصلة التفحص والتفقد وَأَن يسوسهم سياسة تبعثهم على سلوك الْمنْهَج السَّلِيم ويهديهم فِي انتظامها واتساقها إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم ويحملهم على الْقيام بشرائط الخدم والتلزم بهَا بأقوى الْأَسْبَاب وأمتن العصم ويدعوهم إِلَى مصلحَة التواصل والائتلاف ويصدهم عَن مُوجبَات التخاذل وَالِاخْتِلَاف وَأَن يعْتَمد فيهم شَرَائِط الحزم فِي الْإِعْطَاء وَالْمَنْع وَمَا تَقْتَضِيه مصلحَة أَحْوَالهم من أَسبَاب الْخَفْض وَالرَّفْع وَأَن يثيب المحسن على إحسانة ويسبل على الْمُسِيء مَا وَسعه الْعَفو واحتمله الْأَمر ذيل صفحه وامتنانه وَأَن يَأْخُذ بِرَأْي ذَوي التجارب مِنْهُم وَالْحكمَة ويجتني بمشاورتهم فِي الْأَمر ثَمَر الشّركَة إِذْ فِي ذَلِك أَمن من خطأ الِانْفِرَاد وتزحزح عَن مقَام الزيغ والاستبداد وَأمره بالتبتل بِمَا يَلِيهِ من الْبِلَاد ويتصل بنواحيه من ثغور أولي الشّرك والعناد وَأَن يصرف مجامع الالتفاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 إِلَيْهَا ويخصها بوفور الاهتمام بهَا والتطلع عَلَيْهَا وَأَن يَشْمَل مَا ببلاده من الْحُصُون والمعاقل بالاحكام والاتقان وَيَنْتَهِي فِي أَسبَاب مصالحها إِلَى غَايَة الوسع وَنِهَايَة الْإِمْكَان وَأَن يشحنها بالميرة الْكَثِيرَة والذخائر ويمدها من الأسلحة والآلات بِالْعدَدِ المستصلح الوافر وَأَن يتَخَيَّر حراسها من الْأُمَنَاء التقاة ويسدها بِمن ينتخبه من الشجعان الكماة وَأَن يتَأَكَّد عَلَيْهِم فِي اسْتِعْمَال النَّفَقَات الْحفظَة والاستظهار ويوقظهم للاحتراس من غوائل الْغَفْلَة والاغترار وَأَن يكون الْمشَار إِلَيْهِم مِمَّن ربوا فِي ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد وتدربوا فِي نصب الحبائل للْمُشْرِكين وَالْأَخْذ عَلَيْهِم بالمراصد وَأَن يعْتَمد هَذَا الْقَبِيل بمواصلة المدد وَكَثْرَة الْعدَد والتوسعة فِي النَّفَقَة وَالعطَاء وَالْعَمَل مَعَهم بِمَا يَقْتَضِيهِ حَالهم وتفاوتهم فِي التَّقْصِير والغناء إِذْ فِي ذَلِك حسم لمادة الأطماع فِي بِلَاد الْإِسْلَام ورد لكيد المعاندين من عَبدة الْأَصْنَام فمعلوم أَن هَذَا الْغَرَض أولى مَا وجهت إِلَيْهِ العنايات وصرفت وأحق مَا قصرت عَلَيْهِ الهمم ووقفت فَإِن الله تَعَالَى جعله من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 أهم الْفُرُوض الَّتِي كرم فِيهَا الْقيام بِحقِّهِ وأكبر الْوَاجِبَات الَّتِي كتب الْعَمَل بهَا على خلقه فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هاديا فِي ذَلِك إِلَى سَبِيل الرشاد ومحرضا لِعِبَادِهِ على قيامهم بفروض الْجِهَاد {ذَلِك بِأَنَّهُم لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل الله وَلَا يطؤون موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا ينالون من عَدو نيلا إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَلَا يقطعون وَاديا إِلَّا كتب لَهُم لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَقَالَ تَعَالَى (واقتلو حَيْثُ ثقفتموهم) وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نزل منزلا يخيف بِهِ الْمُشْركين ويخيفونه كَانَ لَهُ كَأَجر ساجد لَا يرفع رَأسه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأجر قَائِم لَا يقْعد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأجر صَائِم لَا يفْطر وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حق من سمع هَذِه الْمقَالة فَوقف لَدَيْهَا فَكيف بِمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 كَانَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس مُمْسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طَار إِلَيْهَا وَأمره باقتفاء أوَامِر الله تَعَالَى فِي رعاياه والاهتداء إِلَى رِعَايَة الْعدْل والانصاف والاحسان بمراشده الْوَاضِحَة ووصاياه وَأَن يسْلك فِي السياسة سبل الصّلاح ويشملهم بلين الكنف وخفض الْجنَاح ويمد ظلّ رعايته على مسلمهم ومعاهدهم ويزحزح الأقذاء والشوائب عَن مناهلهم فِي الْعدْل ومواردهم فَينْظر فِي مصالحهم نظرا يُسَاوِي فِيهِ بَين الضَّعِيف وَالْقَوِي وَيقوم بأودهم قيَاما يَهْتَدِي بِهِ ويهديهم فِيهِ إِلَى الصِّرَاط السوي قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} وَأمره بِاعْتِبَار أَسبَاب الِاسْتِظْهَار والأمنة واستقصاء الطَّاعَة المستطاعة وَالْقُدْرَة الممكنة فِي المساعدة على قَضَاء تفث حجاج بَيت الله الْحَرَام وزوار نبيه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن يمدهُمْ بالإعانة فِي ذَلِك على تَحْقِيق الرَّجَاء وبلوغ المرام ويحرسهم من التخطف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 والأذى فِي حالتي الظعن وَالْمقَام فَإِن الْحَج أحد أَرْكَان الدّين المشيدة وفروضه الْوَاجِبَة الْمُؤَكّدَة قَالَ الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} وَأمره بتقوية أَيدي العاملين بِحكم الشَّرْع فِي الرعايا وتنفيذ مَا يصدر عَنْهُم من الْأَحْكَام والقضايا وَالْعَمَل بأقوالهم فِي مَا يثبت لِذَوي الِاسْتِحْقَاق والشد على أَيْديهم فِيمَا يرونه من الْمَنْع وَالْإِطْلَاق وَأَنه مَتى تَأَخّر أحد الْخَصْمَيْنِ عَن إِجَابَة دَاعِي الحكم أَو تقاعس فِي ذَلِك لما يلْزم من الْأَدَاء والعدم جذبه بعنان القسر إِلَى مجْلِس الشَّرْع واضطره بِقُوَّة الْإِنْصَاف إِلَى الْأَدَاء بعد الْمَنْع وَأَن يتوخى عُمَّال الْوُقُوف الَّتِي تقرب المتقربون بهَا واستمسكوا فِي ثَوَاب الله بمتين حبلها وَأَن يمدهُمْ بجميل المعاونة والمساعدة وَحسن المؤازرة والمعاضدة فِي الْأَسْبَاب الَّتِي تؤذن بالعمارة والاستنماء وتعود عَلَيْهَا بِالْمَصْلَحَةِ والاستخلاص والاستيفاء قَالَ الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَأمره أَن يتَخَيَّر من أولي الْكِفَايَة والنزاهة من يستخلصه للخدم والأعمال وَالْقِيَام بِالْوَاجِبِ من أَدَاء الْأَمَانَة والحراسة والتمييز لبيت المَال وَأَن يَكُونُوا من ذَوي الاضطلاع بشرائط الخدم الْمعينَة وأمورها والمهتدين إِلَى مسالك صَلَاحهَا وتدبيرها وَأَن يتَقَدَّم إِلَيْهِم بِأخذ الْحُقُوق من وجوهها المتيقنة وجبايتها فِي أَوْقَاتهَا الْمعينَة إِذْ ذَاك من لَوَازِم مصَالح الْجند ووفور الِاسْتِظْهَار وموجبات قُوَّة الشَّوْكَة لَهُ بِكَثِير الأعوان وَالْأَنْصَار وَأَسْبَاب الحيطة الَّتِي تحمى بهَا الْبِلَاد والأمصار وَيَأْمُرهُمْ بالجري فِي الطسوق والشروط على النمط الْمُعْتَاد وَالْقِيَام فِي مصَالح الْأَعْمَال على أَقْدَام الْجد وَالِاجْتِهَاد وَإِلَى العاملين على الصَّدقَات بِأخذ الزكوات على مَشْرُوع السّنَن المهيع وَقصد الصِّرَاط المتبع من غير عدُول فِي ذَلِك عَن الْمِنْهَاج الشَّرْعِيّ أَو تساهل فِي تَبْدِيل حكمهَا الْمَفْرُوض وقانونها المرعي فَإِذا أخذت من أَرْبَابهَا الَّذين يطهرون ويزكون بهَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 الْعَمَل فِي صرفهَا إِلَى مستحقيها بِحكم الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة وموجبها وَإِلَى جباة الْجِزْيَة من أهل الذِّمَّة بالمطالبة بأدائها فِي أول السّنة واستيفائها مِنْهُم على حسب أَحْوَالهم بِحكم الْعَادة فِي الثروة المسكنة إِجْرَاء فِي ذَلِك على حكم الِاسْتِمْرَار والانتظام ومحافظة على عَظِيم شَعَائِر الاسلام وَأمره أَن يتطلع على أَحْوَال كل من يَسْتَعْمِلهُ فِي أَمر من الْأُمُور ويصرفه فِي مصلحَة من مصَالح الْجُمْهُور تطلعا يَقْتَضِي الْوُقُوف على حقائق أماناتهم وَيُوجب تهذيبهم فِي حركاتهم وسكناتهم ذَهَابًا مَعَ النصح لله تَعَالَى فِي بريته وَعَملا فِيهِ بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رَعيته وَأمره أَن يستصلح من ذَوي الاضطلاع والغناء من يرتب الْعرض وَالعطَاء وَالنَّفقَة فِي الْأَوْلِيَاء وَأَن يَكُونُوا من الْمَشْهُورين بالحزم والبصيرة والموسومين فِي المناصحة بإخلاص الطوية وإصفاء السريرة حَالين من الْأَمَانَة والصون بِمَا يزين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 ناكبين عَن مظان الشّبَه والطمع الَّذِي يصم ويشين وَأَن يَأْمُرهُم بِاتِّبَاع عادات أمثالهم فِي ضبط أَسمَاء الرِّجَال وتحلية الْأَشْخَاص والأشكال وَاعْتِبَار شيات الْخُيُول وَإِثْبَات أعدادها وتحريض الْجند على تخيرها واقتناء جيادها وبذل الْجهد فِي قيامهم من الكراع واليزك وَالسِّلَاح بِمَا يلْزمهُم وَالْعَمَل بقوله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ وَآخَرين من دونهم لَا تَعْلَمُونَهُم الله يعلمهُمْ} فَإِذا نطقت جرائد الْجند الْمَذْكُورين بِمَا أثبت لديهم وحقق الِاعْتِبَار والعيان قيامهم بِمَا أوجب عَلَيْهِم أطلقت لَهُم المعايش والأرزاق بِحَسب إقراراتهم وأوصلت إِلَيْهِم بِمُقْتَضى واجباتهم واستحقاقاتهم فَإِن هَذَا الْحَال أصل حراسة الْبِلَاد والعباد وَقيام الْأَمر فِيمَا أوجبه الله تَعَالَى من الاستعداد بِفَرْض الْجِهَاد قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَأمره بتفويض أَمر الْحِسْبَة إِلَى من يكون بأمرها مضطلعا وللسنة النَّبَوِيَّة فِي إِقَامَة حُدُودهَا مُتبعا فيعتمد فِي الْكَشْف عَن أَحْوَال الْعَامَّة فِي تصرفاتها الْوَاجِب ويسلك فِي التطلع إِلَى معاملاتهم السَّبِيل الْوَاضِح وَالسّنَن اللاحب وليهتم بالتطواف فِي الْأَسْوَاق لاختبار المكاييل والموازين ويقيمه فِي مُؤَاخذَة المطففين وتأديبهم بِمَا تَقْتَضِيه شَرِيعَة الدّين ويحذرهم من تعدِي حُدُود الْإِنْصَاف شدَّة نكاله ويقابل الْمُسْتَحق الْمُؤَاخَذَة بِمَا يرتدع بِهِ الْجمع الْكثير من أَمْثَاله قَالَ الله تَعَالَى {أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون أَلا يظنّ أُولَئِكَ أَنهم مبعوثون ليَوْم عَظِيم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 فليتول الْملك السَّيِّد الْكَامِل الْمُجَاهِد المرابط نصير الدّين ركن الْإِسْلَام أثير الإِمَام جمال الْأَنَام جلال الدولة فَخر الْملَّة عز الْأمة سَنَد الْخلَافَة تَاج المل والسلاطين قامع الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين قاهر الْخَوَارِج والمتمردين أَمِير الْمُجَاهدين غَازِي بك معِين أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا قَلّدهُ عبد الله وخليفته فِي أرضه الْقَائِم لَهُ بِحقِّهِ الْوَاجِب وفرضه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ تَقْلِيد مطمئن بِالْإِيمَان وَينْصَح لله وَلِرَسُولِهِ صلوَات الله عيه وخليفته فِي السِّرّ والإعلان وليشرح بِمَا فوض إِلَيْهِ من هَذِه الْأُمُور صَدرا وليقم بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ من شكر هَذَا الإنعام الجزيل سرا وجهرا وليعمل بِهَذِهِ الْوَصَايَا الشَّرِيفَة الإمامية وليقف آثَار مراشدها المقدسة النَّبَوِيَّة وليظهر من أثر الْجد فِي هَذَا الْأَمر وَالِاجْتِهَاد وَتَحْقِيق النّظر الْجَمِيل لله والإرشاد مَا يكون دَلِيلا على تأييد الرَّأْي الْأَشْرَف الْمُقَدّس أَجله الله تَعَالَى فِي اصطناعه واستكفائه وإصابة مواقع النجح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 والرشد فِي التَّفْوِيض إِلَى حسن قِيَامه وَكَمَال اعتنائه فليقدر النِّعْمَة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَال حق قدرهَا وليكثر بأَدَاء الْوَاجِب بِمَا غلب عَلَيْهِ من جزيل الشُّكْر بسرها وليطالع مَعَ الْأَوْقَات بِمَا يشكل عَلَيْهِ من الْأُمُور الغوامض وَلينه إِلَى الْعُلُوم الشَّرِيفَة المقدسة أجلهَا الله تَعَالَى مَا يلتبس عَلَيْهِ من الشكوك والعوارض ليرد عَلَيْهِ من الْأَمْثِلَة مَا يُوضح لَهُ وَجه الصَّوَاب فِي الْأُمُور ويستمد من المراشد الشَّرِيفَة الَّتِي هِيَ شِفَاء لما فِي الصُّدُور بِمَا يكون وُرُوده عَلَيْهِ وتتابعه إِلَيْهِ نورا على نور إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الَّذِي كتب بِهِ للْملك الظَّاهِر بيبرس عَن الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن ثَانِي الْخُلَفَاء بالديار المصرية من إنْشَاء الصاحب فَخر الدّين ابراهيم بن لُقْمَان وَهَذِه نسخته الْحَمد لله الَّذِي أضفى ملابس الشّرف وَأظْهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 درره وَكَانَت خافية بِمَا استحكم عَلَيْهَا من الصدف وشيد مَا وَهِي من علائه حَتَّى أنسى ذكر مَا سلف وقيض لنصره ملوكا اتّفق على طاعتهم من اخْتلف أَحْمَده على نعمه الَّتِي رتعت الْأَعْين مِنْهَا فِي الرَّوْض الْأنف والطاقة الَّتِي وقفت الشُّكْر عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ عَنْهَا منصرف وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة توجب من المخاوف أمنا وتسهل من الْأُمُور مَا كَانَ حزنا وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جبر من الدّين وَهنا وَصفيه الَّذِي أظهر من المكارم فنونا لَا فَنًّا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين أضحت مناقبهم بَاقِيَة لَا تفنى وَأَصْحَابه الَّذين أَحْسنُوا فِي الدّين فاستحقوا الزِّيَادَة من الْحسنى وَبعد فَإِن أولى الْأَوْلِيَاء بِتَقْدِيم ذكره وأحقهم أَن يصبح الْقَلَم سَاجِدا رَاكِعا فِي تسطير مناقبه وبره من سعى فأضحى بسعيه الْجَمِيل مُتَقَدما ودعا إِلَى طَاعَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 فَأجَاب من كَانَ منجدا ومتهما وَمَا بَدَت يَد من المكرمات إِلَّا كَانَ لَهَا زندا ومعصما وَلَا استباح بِسَيْفِهِ حمى وغى إِلَّا أضرمه نَارا وأجراه دَمًا وَلما كَانَت هَذِه المناقب الشَّرِيفَة مُخْتَصَّة بالْمقَام العالي المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ ذكره الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي المستنصري أعز الله تَعَالَى سُلْطَانه تنويها بشريف قدره واعترافا بصنعه الَّذِي تنفد الْعبارَة المسهبة وَلَا تقوم بشكره وَكَيف لَا وَقد أَقَامَ الدولة العباسية بعد أَن أقعدتها زمانة الزَّمَان وأذهبت مَا كَانَ لَهَا من محَاسِن وإحسان وعتب دهرها المسئ لَهَا فأعتب وأرضى عَنْهَا زمانها وَقد كَانَ صال عَلَيْهَا صولة مغضب فَأَعَادَ لَهَا سلما بعد أَن كَانَ عَلَيْهَا حَربًا وَصرف اهتمامه فَرجع كل متضايق من أمورها وَاسِعًا رحبا ومنح أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ حنوا وعطفا وَأظْهر لَهُ من الْوَلَاء رَغْبَة فِي ثَوَاب الله مَا لَا يحفى وَأبْدى من الاهتمام بالبيعة أمرا لَو رامه غَيره لامتنع عَلَيْهِ وَلَو تمسك بحبله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 متمسك لانقطع بِهِ قبل الْوُصُول إِلَيْهِ لَكِن الله ادخر هَذِه الْحَسَنَة ليثقل بهَا فِي الْمِيزَان ثَوَابه ويخفف بهَا يَوْم الْقِيَامَة حسابه فَهَذِهِ منقبة أَبى الله إِلَّا أَن يخلدها فِي صحيفَة صنعه وتكرمة قَضَت لهَذَا الْبَيْت الشريف بجمعه بعد أَن حصل الْإِيَاس من جمعه وأمير الْمُؤمنِينَ يشْكر لَك هَذِه الصَّنَائِع وَيعرف أَنه لَوْلَا اهتمامك لاتسع الْخرق على الراقع وَقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية وَمَا يَتَجَدَّد من الفتوحات غورا ونجدا وفوض أَمر جندها ورعاياها إِلَيْك حِين أَصبَحت فِي المكارم فَردا وَلَا جعل مِنْهَا بَلَدا من الْبِلَاد وَلَا حصنا من الْحُصُون مُسْتَثْنى وَلَا جِهَة من الْجِهَات تعد فِي الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى فلاحظ أُمُور الْأمة فقد أَصبَحت لَهَا حَامِلا وخلص نَفسك من التَّبعَات الْيَوْم فَفِي غَد تكون مسئولا لَا سَائِلًا ودع الاغترار بالدنيا فَمَا نَالَ أحد مِنْهَا طائلا وَمَا رَآهَا أحد بِعَين الْحق إِلَّا رَآهَا خيالا زائلا فالسعيد من قطع آماله الموصولة وَقدم لنَفسِهِ زَاد التَّقْوَى فتقدمه غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 التَّقْوَى مَرْدُودَة لَا مَقْبُولَة وابسط يدك بِالْإِحْسَانِ وَالْعدْل فقد أَمر الله تَعَالَى بِالْعَدْلِ والاحسان فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن وَكفر بِهِ عَن الْمَرْء ذنوبا وآثاما وَجعل يَوْمًا وَاحِدًا فِيهِ كعبادة العابد سِتِّينَ عَاما وَمَا سلك آحد سَبِيل الْعدْل والاحسان إِلَّا واجتنيت ثماره من أفنان وَرجع الْأَمر بِهِ بعد أَن تداعى أَرْكَانه وَهُوَ مشيد الْأَركان وتحصن بِهِ من حوادث زَمَانه والسعيد من تحصن من حوادث الزَّمَان وَكَانَت أَيَّامه فِي الْأَيَّام أبهى من الأعياد وَأحسن فِي الْعُيُون من الْغرَر فِي أوجه الْجِيَاد وَأحلى من الْعُقُود إِذا حلى بهَا عطل الأجياد وَهَذِه الأقاليم المنوطة بك تحْتَاج إِلَى نواب وحكام وَأَصْحَاب رَأْي من أَصْحَاب السيوف والأقلام فَإِذا استعنت بِأحد مِنْهُم فِي أمورك فَنقبَ عَلَيْهِ تنقيبا وَاجعَل عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاته رقيبا وسل عَن أَحْوَاله فَفِي الْقِيَامَة تكون عَنهُ مسئولا وَبِمَا أجرم مَطْلُوبا وَلَا تول مِنْهُم إِلَّا من تكون مساعيه حَسَنَات لَك لَا ذنوبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وَأمرهمْ بالأناة فِي الْأُمُور والرفق وَمُخَالفَة الْهوى إِذا ظَهرت أَدِلَّة الْحق وَأَن يقابلوا الضُّعَفَاء فِي حوائجهم بالثغر الباسم وَالْوَجْه الطلق وَأَن لَا يعاملوا أحدا على الْإِحْسَان والإساءة إِلَّا بِمَا يسْتَحق وَأَن يَكُونُوا لمن تَحت أَيْديهم من الرّعية إخْوَانًا وَأَن يوسعوهم برا وإحسانا وَأَن لَا يستحلوا حرماتهم إِذا اسْتحلَّ الزَّمَان لَهُم حرمانا فالمسلم أَخُو الْمُسلم وَلَو كَانَ عَلَيْهِ أَمِيرا وسلطانا والسعيد من نسج ولاته فِي الْخَيْر على منواله واستن بسنته فِي تَصَرُّفَاته وأحواله وَتحمل عَنهُ مَا تعجز قدرته عَن حمل أثقاله وَمِمَّا يؤمرون بِهِ أَن يمحى مَا أحدث من سيئ السّنَن وجدد من الْمَظَالِم الَّتِي هِيَ من أعظم المحن وَأَن يَشْتَرِي بإبطالها المحامد رخيصة بأغلى ثمن وَمهما جنى مِنْهَا من الْأَمْوَال فَإِنَّمَا هِيَ بَاقِيَة فِي الذَّم حَاصِلَة وأجياد الخزائن إِن أضحت بهَا حَالية فَإِنَّمَا هِيَ على الْحَقِيقَة مِنْهَا عاطلة وَهل أَشْقَى مِمَّن احتقب إِثْمًا واكتسب بالمساعي الذميمة ذما وَجعل السوَاد الْأَعْظَم يَوْم الْقِيَامَة خصما وَتحمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 ظلم النَّاس فِيمَا صدر عَنهُ من أَعمال {وَقد خَابَ من حمل ظلما} وحقيق بالْمقَام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني أَن لَا تكون ظلامات الْأَنَام مَرْدُودَة بعدله وطاعته تخفف ثقلا لَا طَاقَة لَهُم بِحمْلِهِ فقد أضحى على الْإِحْسَان قَادِرًا وصنعت لَهُ الْأَيَّام مَا لم تَصنعهُ لمن تقدم من الْمُلُوك وَإِن جَاءَ آخرا فاحمد الله على أَن وصل إِلَى جنابك إِمَام هدى يُوجب لَك مزية التَّقْدِيم وينبه الْخَلَائق على مَا خصك الله بِهِ من الْفضل الْعَظِيم وَهَذِه أُمُور يجب أَن تلاحظ وترعى ويوالى عَلَيْهَا حمد الله فَإِن الْحَمد يجب عَلَيْهَا عقلا وَشرعا وَقد تبين لَك أَنَّك صرت فِي الْأُمُور أصلا وَصَارَ غَيْرك فرعا وَمِمَّا يجب أَيْضا تَقْدِيم ذكره أَمر الْجِهَاد الَّذِي أضحى على الْأمة فرضا وَهُوَ الْعَمَل الَّذِي يرجع بِهِ مسود الصحائف مبيضا وَقد وعد الله الْمُجَاهدين بِالْأَجْرِ الْعَظِيم وَأعد لَهُم عِنْده الْمقَام الْكَرِيم وخصهم بِالْجنَّةِ الَّتِي لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم وَقد تقدّمت لَك فِي الْجِهَاد يَد بَيْضَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أسرعت فِي سَواد الحساد وَعرفت مِنْك عزمه وَهِي أمضى مِمَّا تجنه ضمائر الأغماد واشتهرت بك مَوَاقِف فِي الْقِتَال هِيَ أشهر وأشهى إِلَى الْقُلُوب من الأعياد وَبِك صان الله حمى الْإِسْلَام أَن يبتذل وبعزمك حفظ على الْمُسلمين نظام هَذِه الدول وسيفك أثر فِي قُلُوب الْكَافرين قروحا لَا تندمل وَبِك يُرْجَى أَن يرجع مقرّ الْخلَافَة إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأول فأيقظ لنصرة الْإِسْلَام جفنا مَا كَانَ غافيا وَلَا هاجعا وَكن فِي مجاهدة أَعدَاء الله إِمَامًا متبوعا لَا تَابعا وأيد كلمة التَّوْحِيد فَمَا تَجِد فِي تأييدها إِلَّا مُطيعًا سَامِعًا وَلَا تخل الثغور من اهتمام بأمرها تبتسم لَهُ الثغور واحتفال يُبدل مَا دجا من ظلماتها بِالنورِ وَاجعَل أمرهَا على الْأُمُور مقدما وشيد مِنْهَا كل مَا غَادَرَهُ الْعَدو متهدما فَهَذِهِ حصون بهَا يحصل الِانْتِفَاع الِانْتِفَاع وعَلى الْعَدو دَاعِيَة افْتِرَاق دَاعِيَة افْتِرَاق لَا اجْتِمَاع وأولاها بالاهتمام مَا كَانَ الْبَحْر لَهُ مجاورا والعدو إِلَيْهِ ملتفتا نَاظرا وَلَا سِيمَا ثغور الديار المصرية فَإِن الْعَدو وصل إِلَيْهَا رابحا وَرَاح خاسرا واستأصلهم الله فِيهَا حَتَّى مَا أقَال مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 عاثرا وَكَذَلِكَ الأسطول الَّذِي ترى خيله كالأهلة وركائبه سَابِقَة بِغَيْر سائق مُسْتَقلَّة وَهُوَ أَخُو الْجَيْش السُّلَيْمَانِي فَإِن ذَاك غَدَتْ الرّيح لَهُ حاملة وَهَذَا تكفلت بِحمْلِهِ الرِّيَاح السابلة وَإِذا لحظها الطّرف جَارِيَة فِي الْبَحْر كَانَت كالأعلام وَإِذا شبهها قَالَ هَذِه لَيَال تقلع بِالْأَيَّامِ وَقد سنى الله لَك من السَّعَادَة كل مطلب وآتاك من أَصَالَة الرَّأْي الَّذِي يُرِيك المغيب وَبسط بعد الْقَبْض مِنْك الأمل ونشط بالسعادة مَا كَانَ من كسل وهداك إِلَى مناهج الْحق وَمَا زلت مهتديا إِلَيْهَا وألزمك المراشد فَلَا تحْتَاج إِلَى تَنْبِيه عَلَيْهَا وَالله تَعَالَى يمدك بِأَسْبَاب نَصره ويوزعك شكر نعمه فَإِن النِّعْمَة تستتم بشكره وَهَذِه نُسْخَة الْعَهْد الَّذِي كتبه القَاضِي مُحي الدّين بن عبد الظَّاهِر للْملك الْمَنْصُور قلاوون عَن الْخَلِيفَة الإِمَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْحَاكِم الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 الْحَمد لله الَّذِي جعل آيَة السَّيْف ناسخة لكثير من الْآيَات وفاسخة لعقود أولى الشَّك والشبهات الَّذِي رفع بعض الْخلق على بعض دَرَجَات وَأهل لأمور الْبِلَاد والعباد من جَاءَت بخوارق تملكة بِالَّذِي إِن لم يكن من المعجزات فَمن المكرمات ثمَّ الْحَمد لله الَّذِي جعل الْخلَافَة العباسية بعد القطوب حَسَنَة الابتسام وَبعد الشحوب جميلَة الاتسام وَبعد التشريد كل دَار إِسْلَام لَهَا أعظم من دَار السَّلَام وَالْحَمْد لله على أَن أشهدها مصَارِع أعدائها وَأحمد لَهَا عواقب إِعَادَة نصرها وإبدائها ورد تشتيتها بعد أَن ظن كل أحد أَن شعارها الْأسود مَا بقى مِنْهُ إِلَّا مَا صانته الْعُيُون فِي جفونها والقلوب فِي سويدائها ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يتلذذ بذكرها اللِّسَان وتتعطر بنفحاتها الأفواه والأردان وتتلقاها مَلَائِكَة الْقبُول فترفعها إِلَى أَعلَى مَكَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ونصلى على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي أكرمنا الله بِهِ وَشرف لنا الْأَنْسَاب وأعزنا بِهِ حَتَّى نزل فِينَا مُحكم الْكتاب صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين انجاب الدّين مِنْهُم عَن أنجاب وَرَضي الله عَن صحابته الَّذين هم خير صِحَاب صَلَاة ورضوانا يُوفى قَائِلهَا أجره يَوْم الْحساب من الْكَثْرَة بِغَيْر حِسَاب يَوْم الْحساب وَبعد حمد الله على أَن أَحْمد عواقب الْأُمُور وَأظْهر لِلْإِسْلَامِ سُلْطَانا اشتدت بِهِ للْأمة الظُّهُور وشفيت الصُّدُور وَأقَام الْخلَافَة العباسية فِي هَذَا الزَّمن بالمنصور كَمَا أَقَامَهَا فِي مَا مضى بالمنصور وَاخْتَارَ لإعلان دعوتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدُّثُور وَجمع لَهَا الْآن مَا كَانَ جمع عَلَيْهَا فِيمَا قبل من خلاف كل ناجم ومنحها مَا كَانَت تبشرها بِهِ من الْمَلَاحِم وأنفذ كلمتها فِي ممالك الدولة العلوية بِخَير سيف مشحوذ ماضي العزائم ومازج بَين طاعتها فِي الْقُلُوب وَذكرهَا فِي الْأَلْسِنَة وَكَيف لَا والمنصور هُوَ الْحَاكِم وَأخرج لحياطه الْأمة المحمدية ملكا تقسم البركات عَن يَمِينه وتقسم السَّعَادَة بِنور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 جَبينه وتقهر الْأَعْدَاء بفتكاته وتمهر عقائل المعاقل بأصغر راياته ذُو السعد الَّذِي مَا زَالَ نوره يشف حَتَّى ظهر ومعجزه يرف إِلَى أَن بهر وجوهره ينْتَقل من جيد إِلَى جيد حَتَّى علا الجبين وسره يكمن فِي قلب بعد قلب حَتَّى علم وَالْحَمْد لله نبأ تَمْكِينه فِي الأَرْض بعد حِين فاختاره الله على علم واصطفاه من بَين عباده بِمَا جبله الله عَلَيْهِ من كرم وشجاعة وحلم وأتى الله بِهِ الْأمة المحمدية فِي وَقت الِاحْتِيَاج غوثا وَفِي إبان الاستمطار غيثا وَفِي حِين عيث الأشبال فِي غير الافتراس ليثا فَوَجَبَ على من لَهُ فِي أَعْنَاق الْأمة المحمدية مبايعة رضوَان وَعند أَيْمَانهم مصافحة أَيْمَان وَمن وَجَبت لَهُ الْبيعَة باستحقاقه لميراث منصب النُّبُوَّة وَمن تصح مِنْهُ كل ولَايَة شَرْعِيَّة يُؤْخَذ كتابها مِنْهُ بِقُوَّة وَمن هُوَ خَليفَة الزَّمَان وَالْعصر وَمن بدعواته ينزل الله عَلَيْكُم معاشر كماة الْإِسْلَام مَلَائِكَة النَّصْر وَمن نسبه بِنسَب نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متشج وحسبه بِحَسبِهِ ممتزج أَن يُفَوض مَا فوضه الله إِلَيْهِ من أَمر الْخلق إِلَى من يقوم عَنهُ بِفَرْض الْجِهَاد وَالْعَمَل بِالْحَقِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَأَن يوليه ولَايَة شَرْعِيَّة تصح بهَا الْأَحْكَام وتنضبط أُمُور الْإِسْلَام وَتَأْتِي هَذِه الْعصبَة الإسلامية يَوْم تَأتي كل أمة بإمامهم من طَاعَة خليفتهم هَذَا بِخَير إِمَام وَخرج أَمر مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شرفه الله أَن يكون للْمقر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري أَجله الله وَنَصره وأظفره وأقدره وأيده وأبده كل مَا فوضه الله لمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ من حكم فِي الْوُجُود وَفِي التهائم والنجود وَفِي الجيوش والجنود وَفِي الْمَدَائِن والخزائن وَفِي الظَّوَاهِر والبواطن وَفِيمَا فَتحه الله وَفِيمَا سيفتحه وَفِيمَا كَانَ فسد بالْكفْر والرجاء من الله أَنه سيصلحه وَفِي كل جود وَمن وَفِي كل عَطاء وَمن وَفِي كل هبة وتمليك وَفِي كل تفرد بِالنّظرِ فِي أُمُور الْمُسلمين بِغَيْر تشريك وَفِي كل تعاهد ونبذ وَفِي كل عَطاء وَأخذ وَفِي كل عزل وتولية وَفِي كل تَسْلِيم وتخلية وَفِي كل إرفاق وإنفاق وَفِي كل إنعام وَإِطْلَاق وَفِي كل استرقاق وإعتاق وَفِي كل تقليل وتكثير وَفِي كل اتساع وتقتير وَفِي كل تَجْدِيد وتعويض وَفِي كل حمد وتقريض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 ولَايَة عَامَّة تَامَّة محكمَة محكمَة منضدة منظمة لَا يتعقبها نسخ من خلفهَا وَلَا من بَين يَديهَا وَلَا يعتريها فسخ يطْرَأ عَلَيْهَا يزيدها مر الْأَيَّام جدة يُعَاقِبهَا حسن شباب وَلَا يَنْتَهِي على الأعوام والأحقاب نعم ينتهى إِلَى مانصب الله للإرشاد من سنة وَكتاب وَذَلِكَ من شرع الله أَقَامَهُ للهداية علما وَجعله إِلَى اخْتِيَار الثَّوَاب سلما فَالْجَوَاب أَن يعْمل بجزئيات أمره وكلياته وَأَن لَا يخرج أحد عَن مقدماته وَالْعدْل فَهُوَ الْغَرْس المثمر والسحاب الممطر وَالرَّوْض المزهر وَبِه تتنزل البركات وتخلف الهبات وتربى الصَّدقَات وَبِه عمَارَة الأَرْض وَبِه تُؤَدّى السّنة وَالْفَرْض فَمن زرع الْعدْل اجتنى الْخَيْر وَمن أحسن كفي الضَّرَر والضير وَالظُّلم فعاقبته وخيمة وَمَا يطول عمر الْملك إِلَّا بالمعدلة الرحيمة والرعية فهم الْوَدِيعَة عِنْد أولي الْأَمر فَلَا يخصص بِحسن النّظر مِنْهُم زيد وَلَا عَمْرو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَالْأَمْوَال فَهِيَ ذخائر الْعَاقِبَة والمآل وَالْوَاجِب أَن تُؤْخَذ بِحَقِّهَا وتنفق فِي مستحقها وَالْجهَاد برا وبحرا فَمن كنَانَة الله تفوق سهامه وتؤرخ أَيَّامه وينتضي حسامه وتجري منشآته فِي الْبَحْر كالأعلام وتنشر أَعْلَامه وَفِي عقر دَار الْحَرْب يحط ركابه ويخط كِتَابه وَترسل أرسانه وتجوس خلالها فرسانه فَيلْزم مِنْهُ ديدنا وليستصحب مِنْهُ فعلا حسنا وجيوش الْإِسْلَام وكماته وأمراؤه وحماته فهم من قد علمت قدم هجره وَعظم نَصره وَشدَّة بَأْس وَقُوَّة مراس وَمَا مِنْهُم إِلَّا من شهد الفتوحات والحروب وَأحسن فِي المحاماة عَن الدّين الدءوب وهم بقايا الدول ونجايا الْمُلُوك الأول لَا سِيمَا أولو السَّعْي الناجح وَمن لَهُم نِسْبَة صالحية إِذا فَخَروا بهَا قيل لَهُم نعم السّلف الصَّالح فأوسعهم برا وَكن بهم برا وهم بِمَا يجب من خدمتك أعلم وَأَنت بِمَا يجب من حرمتهم أدرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 والثغور والحصون فَهِيَ ذخائر الشدَّة وخزائن العديد وَالْعدة ومقاعد لِلْقِتَالِ وكنائن الرِّجَال والآمال فَأحْسن لَهَا التحصين وفوض أمرهَا إِلَى كل قوي أَمِين وَإِلَى كل ذِي دين متين وعقل رصين ونواب الممالك ونواب الْأَمْصَار فَأحْسن لَهُم الِاخْتِيَار وأجمل لَهُم الاختبار وتفقد لَهُم الْأَخْبَار وَأما مَا سوى ذَلِك فَهُوَ دَاخل فِي حُدُود هَذِه الْوَصَايَا النافعة وَلَوْلَا أَن الله أمرنَا بالتذكير لكَانَتْ سجايا الْمقر الْأَشْرَف السلطاني الملكي المنصوري مكتفية بأنوار ألمعيته الساطعة وزمام كل صَلَاح يجب أَن يشغل بِهِ جَمِيع أوقاته هُوَ تقوى الله قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته} فَلْيَكُن ذَلِك نصب الْعين وشغل الْقلب والشفتين وأعداء الدّين من أرمن وفرنج وتتار فاذقهم وبال أَمرهم فِي كل إِيرَاد للغزو وإصدار وثر لِأَن تَأْخُذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 للخلفاء العباسيين وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين مِنْهُم الثار وَاعْلَم أَن الله نصيرك على ظلمهم وَمَا للظالمين من أنصار وَأما غَيرهم من مجاوريهم من الْمُسلمين فَأحْسن باستنقاذك مِنْهُم العلاج وطبهم باستصلاحك فبالطب الملكي المنصوري مَا زَالَ ينصلح المزاج وَالله الْمُوفق بكرمه تَنْبِيه قد ذكر مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي أَنه كَانَ فِي الزَّمن الْمُتَقَدّم أَنه كَانَ يكْتب لِلْأُمَرَاءِ عَن الْخُلَفَاء فِي قرطاس من نصف طومار وَتقدم فِي آخر البيعات وعهود الْخُلَفَاء أَن المُرَاد قطع الْبَغْدَادِيّ وَكَانَت الْأُمَرَاء من متقلدي الممالك عَنْهُم قَائِمَة مقَام الْمُلُوك الْآن أما الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب عَن خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية لملوكها فَفِي قطع الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن تملك الْملك الْمُؤَيد شيخ سُلْطَان الْعَصْر فَكتب عَهده فِي ورق يزِيد عرضه عَن قطع الْبَغْدَادِيّ بِقدر نصفه بقلم مُخْتَصر الطومار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب الرَّابِع فِيمَا يكْتب عَن الْخُلَفَاء لمن دون الْمُلُوك من أَرْبَاب الْوَظَائِف والولايات وَهُوَ على خَمْسَة أساليب الأسلوب الأول أَن يفْتَتح مَا بكتب بِلَفْظ عهد من فلَان أَو هَذَا مَا عهد عبد الله أَبُو فلَان الإِمَام الْفُلَانِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فلَان بن فلَان ويصفه بِمَا يَلِيق بِهِ ثمَّ يُقَال فقلده كَذَا وَكَذَا وَيذكر الْوَظِيفَة المولاة ثمَّ يُقَال أمره بِكَذَا وَأمره بِكَذَا إِلَى آخر الوصابا ثمَّ يُقَال هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك على نَحْو مَا تقدم فِي عهود الْخُلَفَاء إِلَى الْمُلُوك وعَلى هَذَا جلّ مَا كَانَ يكْتب فِي الدولة العباسية بالعراق من وظائف أَرْبَاب السيوف والأقلام إِلَّا أَنه فِي آخر الدولة كَانَ يَقع الْوَصْف والإطراء فِي حق الْخَلِيفَة وَحقّ الْمولى أَكثر مِنْهُ مِمَّا قبل ذَلِك وَالْأَصْل فِي هَذَا الأسلوب مَا كتب بِهِ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لأمرائه الَّذين وجههم لقِتَال أهل الرِّدَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وَهَذِه نسخته هَذَا عهد من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفُلَان حِين بَعثه لقِتَال من رَجَعَ عَن الْإِسْلَام عهد إِلَيْهِ أَن يتقى الله تَعَالَى مَا اسْتَطَاعَ فِي أمره كُله وسره وجهره وَأمره بالجد فِي أَمر الله تَعَالَى ومجاهدة من تولى عَنهُ وَرجع من الْإِسْلَام إِلَى أماني الشَّيْطَان بعد أَن يعْذر إِلَيْهِم فيدعوهم بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَإِن أجابوه أمسك عَنْهُم وَإِن لم يُجِيبُوهُ شن غارته عَلَيْهِم ويعطيهم الَّذِي لَهُم وَلَا ينظرهم وَلَا يرد الْمُسلمين عَن قتال عدوهم فَمن أجَاب إِلَى أَمر الله عز وَجل وَأقر لَهُ قبل ذَلِك مِنْهُ وأعانه عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يُقَاتل من كفر بِاللَّه على الْإِقْرَار بِمَا جَاءَ من عِنْد الله فَإِذا أجَاب الدعْوَة لم يكن لَهُ عَلَيْهِ سَبِيل وَكَانَ الله حَسبه فِيمَا استسر بِهِ وَمن لم يجب إِلَى دَاعِيَة الله قوتل حَيْثُ كَانَ وَحَيْثُ بلغ مراغمه لَا يقبل الله من أحد شَيْئا أعطَاهُ إِلَّا الْإِسْلَام فَمن أَجَابَهُ وَأقر بِهِ قبل مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وَعلمه وَمن أَبى قَاتله فَإِن أظهره الله عز وَجل عَلَيْهِ قتل فيهم كل قتلة بِالسِّلَاحِ والنيران ثمَّ قسم مَا أَفَاء الله عَلَيْهِ إِلَّا الْخمس فَإِنَّهُ مبلغناه وَيمْنَع أَصْحَابه العجلة وَالْفساد وَأَن لَا يدْخل فيهم حَشْو حَتَّى يعرفهُمْ وَيعلم مَا هم لِئَلَّا يَكُونُوا عيُونا وَلِئَلَّا يُؤْتى الْمُسلمُونَ من قبلهم وَأَن يقْصد بِالْمُسْلِمين الرِّفْق ويرفق بهم فِي السّير والمنزل ويتفقدهم وَلَا يعجل بَعضهم عَن بعض ويستوصي بالمسليمن فِي حسن الصُّحْبَة وليت الْفِعْل وَهَذِه نُسْخَة عهد بِقَضَاء الْقُضَاة بحاضرة بَغْدَاد وَسَائِر الْأَعْمَال كتب بِهِ عَن الإِمَام النَّاصِر لدين الله للْقَاضِي محيي الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن فضلان من إنْشَاء عضد الدّين بن الضَّحَّاك هَذَا مَا عهد عبد الله وخليفته فِي الْعَالمين المفترض الطَّاعَة على الْخلق أَجْمَعِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن يحيى بن فضلان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 حِين سبر خلاله واستقراها وَاعْتبر طرائقه واستبراها فألفاه رشيدا فِي مذاهبه سديدا فِي أَفعاله وضرائبه موسوما بالرصانة حاليا بالورع والديانة مبرزا من الْعُلُوم فِي فنونها عَالما بمفروض الشَّرِيعَة المطهرة ومسنونها مدرعا ملابس العفاف قد أناف على أَمْثَاله فِي بوارع الْأَوْصَاف فقلده قَضَاء الْقُضَاة فِي مَدِينَة السَّلَام وَجَمِيع الْبِلَاد والأعمال والنواحي والأمصار شرقا وغربا وبعدا وقربا سكونا إِلَى مَا علم من حَاله واضطلاعه بالنهضة المنوطة بِهِ واستقلاله وركونا إِلَى قِيَامه بِالْوَاجِبِ فِيمَا أسْند إِلَيْهِ ونهوضه بعبء مَا عول فِي حفظ قوانينه عَلَيْهِ واستنامة إِلَى حُلُول الاصطناع عِنْده ومصادفته مِنْهُ مَكَانا تبوأه بِالِاسْتِحْقَاقِ وَحده وَالله تَعَالَى يعضد أَمِير الْمُؤمنِينَ بمزيد التَّوْفِيق فِي جَمِيع الْأُمُور وَيحسن لَهُ الْخيرَة فِيمَا يؤمه من مناظم الدّين وَصَلَاح الْجُمْهُور وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب أمره بتقوى الله تَعَالَى فِي إعلانه وإسراره وتقمص شعارها فِي إِظْهَار أمره وإظماره فَإِنَّهَا العروة الوثقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 والذخر الأبقى والسعادة الَّتِي مَا دونهَا فوز وَلَا فَوْقهَا مرقى وَهِي حِيلَة الْأَبْرَار وسيما الأخيار والمنهج الْوَاضِح والمتجر الرابح والسبيل الْمُؤَدِّي إِلَى النجَاة والخلاص يَوْم لَا وزر ولات حِين مناص وأنفع الْعدَد والذخائر وَخير العتاد يَوْم تنشر الصُّحُف وتبلى السرائر يَوْم تشخص الْأَبْصَار وتعدم الْأَنْصَار {وَترى الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ مُقرنين فِي الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وُجُوههم النَّار} وَلَا ينجو من عَذَاب الله يَوْمئِذٍ إِلَّا من كَانَ زَاده التَّقْوَى وَتمسك مِنْهَا بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى قَالَ الله تَعَالَى {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب} وَأمره أَن يَجْعَل كتاب الله تَعَالَى أماما يَهْتَدِي بمناره ويستصبح ببواهر أنواره ويستضئ فِي ظلم المشكلات بمنير مصباحه وَيقف عِنْد حُدُود محظوره ومباحه ويتخذه مِثَالا يحتذيه ودليلا يتبع أَثَره فيهديه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وَيعْمل بِهِ فِي قضاياه وَأَحْكَامه ويقتدي بأوامره فِي نقضه وإبرامه فَإِنَّهُ دَلِيل الْهدى ورائده وسائق النجح وقائده ومعدن الْعلم ومنبعه ومنجم الرشاد ومطلعه وَأحد الثقلَيْن اللَّذين جَعلهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأمة وَالذكر الَّذِي جعله الله تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة فَقَالَ عز من قَائِل {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة وبشرى للْمُسلمين} وَأمره بِاتِّبَاع الْآثَار النَّبَوِيَّة صلوَات الله على صَاحبهَا وَسَلَامه والاهتداء بشموسها الَّتِي تنجلي بِهِ دجنة كل مُشكل وظلامه والاقتداء بِسنة الشَّرِيعَة المتبوعة وتصفح الْأَخْبَار المسموعة وَالْعَمَل مِنْهَا بِمَا قَامَت أَدِلَّة صِحَّته من جَمِيع جهاته فاستحكمت الثِّقَة بنقلته عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَرُوَاته وسلمت أسانيده من قدح وَرِجَاله من ظنة وجرح فَإِنَّهَا التالية لِلْقُرْآنِ الْمجِيد فِي وجوب الْعَمَل بأوامره والانتهاء بروادعه وزواجره وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّادِق الْأمين الَّذِي مَا ضل وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 قرن الله سُبْحَانَهُ طَاعَته بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بكتابه وَالْأَخْذ بسنته فَقَالَ عز من قَائِل {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَأمره بمجالسة الْعلمَاء ومباحثة الْفُقَهَاء ومشاركتهم فِي الْأُمُور المشكلة وعوارض الحكومات المعضلة ليستبين سبل الصَّوَاب ويعري الحكم من ملابس الشّبَه والارتياب ويخلص من خطأ الِانْفِرَاد وغوائل الاستبداد فالمشورة بِالْيمن مقرونة والسلامة فِي مطاويها مَضْمُونَة وَقد أَمر الله تَعَالَى بهَا نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ شرف مَنْزِلَته وَكَمَال عصمته وتأييده بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَته فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين} وَأمره بِفَتْح بَابه وَرفع حجابه وَأَن يجلس للخصوم جُلُوسًا عَاما وَينظر فِي أُمُورهم نظرا حسنا تَاما مُسَاوِيا بَينهم فِي نظره ولحظه وإصغائه وَلَفظه محترزا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 ذِي اللسن وجرأة جنانه متأنيا بِذِي الْحصْر عِنْد إِقَامَة برهانه فَرُبمَا كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ أَلحن بحجته وَالْآخر ضَعِيفا عَن مقاومته هَذَا مقَام الفحص والاستفهام والتثبت فِي إِمْضَاء الْأَحْكَام ليسلم من خديعة محتال وَكيد مغتال مائلا فِي جَمِيع ذَلِك مَعَ الْوَاجِب سالكا طَرِيق الْعدْل اللاحب غير فَارق فِي إِمْضَاء الحكم بَين الْقوي والضعيف والمشروف والشريف وَالْمَالِك والمملوك والغني والصعلوك قَالَ الله تَعَالَى {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما فَلَا تتبعوا الْهوى أَن تعدلوا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَأمره بتصفح أَحْوَال الشُّهُود المسموعة أَقْوَالهم فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود المرجوع إِلَى أمانتهم الْمَعْمُول بِشَهَادَتِهِم الَّذين بهم تُقَام الْحجَج وتدحض وتبرم الْأَحْكَام وتنقض وَتثبت الدعاوي وَتبطل وتمضي القضايا وتسجل مُجْتَهدا فِي الْبَحْث عَن طرائقهم وأحوالهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وانتقاد تصاريفهم وأفعالهم واستشفاف سجاياهم وعرفان مزاياهم مُخَصّصا بالتمييز من كَانَ حميد الْخلال مرضِي الفعال رَاجعا إِلَى ورع وَدين متمسكا من الْأَمَانَة والنزاهة بِالسَّبَبِ المتين قَالَ الله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَأمره بِالنّظرِ فِي أُمُور الْيَتَامَى وَأَمْوَالهمْ ومراعاة شئونهم وأحوالهم وَأَن يرتب بِسَبَب اتساق مصالحهم الثِّقَات الأعفاء والأمناء الأتقياء مِمَّن ظَهرت ديانته وَحسنت سيرته واشتهر باللطف والعفاف والتنزه عَن الطمع والإسفاف وَيَأْمُرهُمْ بحفظها من خلل يتخللها وَيَد خَائِنَة تدْخلهَا وَليكن عَلَيْهِم حدبا وَفِي فرط الحنو أَبَا وخلفا من آبَائِهِم فِي الإشفاق عَلَيْهِم وَحسن الِالْتِفَات إِلَيْهِم فَإِنَّهُ عَنْهُم مسئول والعذر عِنْد الله تَعَالَى فِي إهمالهم غير مَقْبُول وَأَن يَأْذَن لَهُم فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير وَلَا تضييق وَلَا تبذير فَإِذا بلغ أحدهم النِّكَاح وآنس مِنْهُ أَمَارَات الرشد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَالصَّلَاح دفع مَاله إِلَيْهِ وَأشْهد بِقَبْضِهِ عَلَيْهِ على الْوَجْه الْمَنْصُوص غير مَنْقُوص وَلَا منغوص ممتثلا أَمر الله تَعَالَى فِي قَوْله سُبْحَانَهُ {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه حسيبا} وَأمره بتزويج الْأَيَامَى اللواتي لَا أَوْلِيَاء لَهُنَّ من أكفائهن بمهور أمثالهن وَأَن يَشْمَل ذَوَات الْغنى والفقر مِنْهُنَّ بعدله ويتحرى لَهُنَّ الْمصلحَة فِي عقده وحله وَأمره أَن يَسْتَنِيب فِيمَا بعد عَنهُ من الْبِلَاد ودنا وَقرب مِنْهُ ونأى كل ذِي علم واستبصار وتيقظ فِي الحكم واستظهار ونزاهة شائعة وأوصاف لأدوات الِاسْتِحْقَاق جَامِعَة مِمَّن يتَحَقَّق نهوضه بذلك واضطلاعه ويؤمن استنزاله وانخداعه وَأَن يعْهَد إِلَيْهِم فِي ذَلِك بِمثل مَا عهد إِلَيْهِ فَلَا يألوهم تَنْبِيها وتذكريرا وإرشادا وتبصيرا قَالَ الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وَأمره بإمضاء مَا أَمْضَاهُ من قبله من الْحُكَّام من القضايا وَالْأَحْكَام غير متعقب أحكامهم بِنَقْض وَلَا تَبْدِيل وَلَا تَغْيِير وَلَا تَأْوِيل إِذا كَانَت جَائِزَة فِي بعض الْأَقْوَال ممضاة على وَجه من وُجُوه الِاحْتِمَال غير خارقة للْإِجْمَاع عَارِية من ملابس الابتداع وَإِن كَانَ ذَلِك منافيا لمذهبه جَارِيا على خلاف معتقده قَالَ الله تَعَالَى {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} وَأمره أَن يتَّخذ كَاتبا قيمًا بِشُرُوط القضايا والسجلات عَارِفًا بِمَا يتَطَرَّق نَحْوهَا من الشّبَه والتأويلات ويتداخلها من النَّقْص والتلبيسات متحرزا فِي كل حَال متنزها عَن ذميم الْأَفْعَال وَأَن يتَخَيَّر حاجبا نقي الجيب مَأْمُون المشهد والغيب مستشعرا للتقوى فِي السِّرّ والنجوى سالكا للطريقة المثلى غير متجهم للنَّاس وَلَا مُعْتَمد مَا يُنَافِي بسط الْوَجْه والإيناس فَإِنَّهُ وصلتهم إِلَيْهِ ووجهة الْمَشْهُود قبل الدُّخُول عَلَيْهِ فلينتخبه من بَين أَصْحَابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وَمن يرتضيه من أَمْثَاله وَأَضْرَابه وَأمره بتسلم ديوَان الْقَضَاء وَالْحكم والاستظهار على مَا فِي خزائنه بالإثبات والخم وَالِاحْتِيَاط على مَا بِهِ من المَال والسجلات والحجج والمحاضر والولايات والقبوض والوثائق والأثبات والكفالات بِمحضر من الْعُدُول الْأُمَنَاء الثِّقَات وَأَن يرتب لذَلِك خَازِنًا يُؤَدِّي الْأَمَانَة فِيهِ ويتوخى مَا توجبه الدّيانَة وتقتضيه وَأمره بمراعاة أَمر الْحِسْبَة فَإِنَّهَا من أكبر الْمصَالح وأهمها وأجمعها لمنافع الْخلق وأعمها وأدعاها إِلَى تحصين أَمْوَالهم وانتظام أَحْوَالهم وَأَن يَأْمر المستناب فِيهَا بِاعْتِبَار سَائِر المبيعات وَمَا فِيهَا من الأقوات وَغَيرهَا فِي عَامَّة الْأَوْقَات وَتَحْقِيق أَسبَاب الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الأسعار والتصدي لذَلِك على الدَّوَام والاستمرار وَأَن يجْرِي الْأَمر فِيهَا بِحَسب مَا تَقْتَضِيه الْحَال الْحَاضِرَة وَالْمُوجِبَات الشائعة الظَّاهِرَة وَاعْتِبَار الموازين والمكاييل وإعادة الزَّائِد والناقص مِنْهَا إِلَى التَّسْوِيَة وَالتَّعْدِيل فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 اطلع لأحد من المتعاملين على خِيَانَة فِي ذَلِك وَفعل ذميم أَو تطفيف عدل فِيهِ عَن الْوَزْن بالقسطاس الْمُسْتَقيم ناله من التَّأْدِيب واسباب التَّهْذِيب بِمَا يكون لَهُ رادعا وَلغيره زاجرا وازعا قَالَ الله تَعَالَى {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون أَلا يظنّ أُولَئِكَ أَنهم مبعوثون ليَوْم عَظِيم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عِنْد الله تَعَالَى عَلَيْك قد أولاك من صنوف النعم والآلاء وجزيل النعم والحباء مَا يُوجب عَلَيْك الِاعْتِرَاف بِقَدرِهِ واستيزاع شكره ووقف بك على محجة الرشاد وهداك مَنْهَج الْحق وَسنَن السداد وَلم يألك تثقيفا وتبصيرا وتنبيها وتذكيرا فَتَأمل ذَلِك متدبرا وقف عِنْد حُدُود أوامره ونواهيه مستبصرا واعمل بِهِ فِي كل مَا تَأتيه وتذره وتورده وتصدره وَكن للمخيلة فِي ارتيادك محققا والمعتقد فِيك مُصدقا تفز من خير الدَّاريْنِ بمعلى القداح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وإحماد السرى عِنْد الصَّباح وَحسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الله وَنعم الْوَكِيل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذِه نُسْخَة عهد بتقليد الْمَظَالِم بِمَدِينَة السَّلَام كتب بِهِ أَبُو اسحاق الصابي عَن الْمُطِيع لله إِلَى الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي وَهُوَ هَذَا مَا عهد عبد الله الْفضل الإِمَام الْمُطِيع لله ذأمير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي حِين اجْتمع فِيهِ شرف الأعراق والأخلاق وتكامل فِيهِ يمن النقائب والضرائب وَعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهِ فضل الْكِفَايَة والغناء ورشاد الْمَقَاصِد والأنحاء فِي سالف مَا ولاه إِيَّاه من أَعماله الثَّقِيلَة الَّتِي لم يزل فِيهَا مَحْمُود الْمقَام مستمرا على النظام مُصِيب النَّقْض والإبرام سديد الإسداء والإلحام زَائِدا على الزائدين راجحا على الموازين فائتا المحاذين مبرزا على المبارين فقلده النّظر فِي الْمَظَالِم بِمَدِينَة السَّلَام وسوادها وأعمالها وَمَا يجْرِي مَعهَا ثِقَة بِعِلْمِهِ وَدينه واعتمادا على بصيرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 ويقينه وسكونا إِلَى أَن الْأَيَّام قد زادته تحليما وتهذيبا وَالسّن قد تناهت بِهِ تحكيما وتجريبا وَأَن صَنِيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مُسْتَقِرَّة مِنْهُ عِنْد أكْرم أكفائها وأشرف أوليائها برحمه الماسة الدانية وخدمته الشامخة الغالية ومعرفته الثاقبة الداعية إِلَى التَّفْوِيض إِلَيْهِ الباعثة على التعويل عَلَيْهِ وأمير الْمُؤمنِينَ يستمد الله فِي ذَلِك أحسن مَا عوده من هِدَايَة وتسديد ومعونة وتأييد وَمَا توفيقه إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ الْجنَّة الحصينة والعصمة المتينة وَالسَّبَب الْمُتَّصِل يَوْم انْقِطَاع الْأَسْبَاب والزاد الْمبلغ إِلَى دَار الثَّوَاب وَأَن يستشعرها فِيمَا يسر ويعلن ويعتمدها فِيمَا يظْهر ويبطن ويجعلها إِمَامه الَّذِي ينحوه ورائده الَّذِي يقفوه إِذْ هِيَ شِيمَة الْأَبْرَار والأخيار وَكَانَ أولى من تعلق بعلائقها وَتمسك بدقائقها لمفخرة الْكَرِيم ومنصبه الصميم واستظلاله مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بدوحة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 يكتنان فِي فنائها ويأويان إِلَى أفيائها وحقيق على من كَانَ مِنْهَا منزعه وإليها مرجعه أَن يكون طيبا زكيا طَاهِرا نقيا عفيفا فِي قَوْله وَفعله نظيفا فِي سره وجهره قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} وَأمره بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَتَأمل مَا فِيهِ من الْبُرْهَان وَأَن يَجعله نصبا لناظره ومألفا لخاطره فياخذ بِهِ وَيُعْطِي ويأتمر بِهِ وَيَنْتَهِي فَإِنَّهُ الْحجَّة الْوَاضِحَة والمحجة اللائحة والمعجزة الباهرة وَالْبَيِّنَة العادلة وَالدَّلِيل الَّذِي من اتبعهُ سلم وَنَجَا وَمن صدف عَنهُ هلك وَهوى قَالَ الله عَن من قَائِل تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} وَأمره أَن يجلس للخصوم جُلُوسًا عَاما وَيقبل عَلَيْهِم إقبالا تَاما ويتصفح مَا يرفع إِلَيْهِ من ظلأماتهم وينعم النّظر فِي أَسبَاب محادثاتهم فَمَا كَانَ طَرِيقه طَرِيق الْمُنَازعَة الْمُتَعَلّقَة بِنَظَر الْقُضَاة وشهادات الْعُدُول رده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 إِلَى المتولى للْحكم وَمَا كَانَ طَرِيقه طَرِيق العصوب الْمُحْتَاج فِيهَا إِلَى الْكَشْف والفحص والاستشفاف والبحث نظر فِيهِ نظر صَاحب الْمَظَالِم وانتزع الْحق مِمَّن غصب عَلَيْهِ واستخلصه مِمَّن امتدت لَهُ يَد التَّعَدِّي والتغرر إِلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى مُسْتَحقّه وَأقرهُ عِنْد مستوجبه غير مراقب كَبِيرا لكبره وَلَا خَاصّا لخصوصه وَلَا شريفا لشرفه وَلَا متسلطا لسلطانه بل يقدم أَمر الله جلّ ذكره فِي كل مَا يَأْتِي ويذر ويتوخى رِضَاهُ فِيمَا يُورد ويصدر وَيكون على الضَّعِيف المحق حدبا ورءوفا حَتَّى يتصبر وينتصف وعَلى الْقوي الْمُبْطل شَدِيدا غليظا حَتَّى ينقاد ويذعن قَالَ الله جلّ وَعز {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} وَأمره بِأَن يفتح بَابه ويسهل حجابه ويبسط وَجهه ويلين كنفه ويصبر على الْخُصُوم الناقصين فِي بيانهم حَتَّى تظهر حجتهم وينعم النّظر فِي أَقْوَال أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 اللسن وَالْبَيَان مِنْهُم حَتَّى يعلم مغبتهم فَرُبمَا استظهر العريض الْمُبْطل بِفضل بَيَانه على الْعَاجِز المحق لعي لِسَانه وهنالك يجب أَن يتبع التصفح على الْقَوْلَيْنِ والاستبطال للأمرين ليؤمن أَن يَزُول الْحق عَن سنَنه ويزور الحكم عَن طَرِيقه قَالَ الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين} وَأمره بِأَن لَا يرد للقضاة حكما يمضونه وَلَا سجلا ينفذونه وَلَا يعقب ذَلِك بِفَسْخ وَلَا يطْرق عَلَيْهِ بِنَقْض بل يكون لَهُم مُوَافقا مؤازرا ولأحكامهم عاضدا ناصرا إِذْ كَانَ الْحق وَاحِدًا وَإِن اخْتلفت الْمذَاهب إِلَيْهِ فَإِذا وجد الْقَضِيَّة قد سيقت والحكومة قد وَقعت فَلَيْسَ هُنَاكَ شكّ يُوقف عِنْده وَلَا ريب يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَنهُ وَإِذا وجد الْأَمر مشتبها وَالْحق ملتبسا والتغرر مُسْتَعْملا والتغلب مستجازا نظر فِيهِ نظر النَّاصِر لحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 المحقين الداحض لباطل المبطلين والمقوي لأيدي الْمُسْتَضْعَفِينَ الْآخِذ على أَيدي الْمُعْتَدِينَ قَالَ الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما فَلَا تتبعوا الْهوى أَن تعدلوا وَإِن تلووا أَو تعرضوا فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} وَأمره أَن يستظهر على مَعْرفَته بمشاورة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء ومباحثة الربانيين وَالْعُلَمَاء فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ أَمر استرشدهم وَإِن عزب عَنهُ صَوَاب اسْتدلَّ عَلَيْهِ بهم فَإِنَّهُم أزمة الْأَحْكَام وإليهم مرجع الْحُكَّام وَإِذا اقْتدى بهم فِي المشكلات وَعمل بأقوالهم فِي المعضلات أَمن من زلَّة العاثر وغلطة المستأثر وَكَانَ خليقا بِالْأَصَالَةِ فِي رَأْيه والإصابة فِي أبحاثه وَقد أَمر الله تقدست أسماؤه بالمشاورة فَعرف النَّاس فَضلهَا وأسلكهم سبلها بقوله لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 وَأمره أَن يكْتب لمن توجب لَهُ حق من الْحُقُوق إِلَى صَاحب الْكُوفَة بالشد على يَده والتمكن لَهُ مِنْهُ وَقبض الْأَيْدِي عَن منازعته وحسم الأطماع فِي معارضته إِذْ هُوَ مَنْدُوب لتنفيذ أَحْكَامه ومأمور بإمضاء قضاياه وَمَتى أَخذ أحد من الْخُصُوم إِلَى محاربة فِي حق قد حكم عَلَيْهِ بِهِ أَخذ على يَده وكفه عَن عدوانه ورده إِلَى حكم الله الَّذِي لَا يعدل عَنهُ قَالَ الله عز وَجل {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عَلَيْك قد أرشدك وذكرك وهداك وبصرك فَكُن إِلَيْهِ منتهيا وَبِه مقتديا واستعن بِاللَّه يعنك واستكفه يكفك وَكتب الناصح أَبُو الطَّاهِر فِي تَارِيخ كَذَا وَهَذِه نُسْخَة عهد بنقابة الطالبيين بِمَدِينَة السَّلَام وَسَائِر الْأَعْمَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 والأمصار كتب بِهِ أَبُو اسحاق الصابي عَن الطائع لله للشريف أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي الموسوي مُضَافا إِلَيْهَا النّظر فِي الْمَسَاجِد وعماراتها واستخلافه لوالده الشريف أبي أَحْمد الْحُسَيْن بن مُوسَى على النّظر فِي الْمَظَالِم وَالْحج بِالنَّاسِ فِي سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهِي هَذَا مَا عهد عبد الله عبد الْكَرِيم الإِمَام الطائع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي حِين وصلته بِهِ الْأَنْسَاب وقرنته لَدَيْهِ الْأَسْبَاب وَظَهَرت دلَالَة عقله وامانته ووضحت مخايل فَضله ونجابته ومهد لَهُ بهاء الدولة وضياء الْملَّة أَبُو نصر بن عضد الدولة مَا مهد عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْمحل المكين وَوَصفه بِهِ من الْحلم الرزين وَأَشَارَ بِهِ من رفع الْمنزلَة وَتَقْدِيم الرُّتْبَة والتأهيل لولاية الْأَعْمَال وَتحمل الأعباء والأثقال وَحَيْثُ رغبه فِيهِ سَابِقَة الْحُسَيْن أَبِيه فِي الْخدمَة والنصيحة والمشايعة الصَّحِيحَة والموقف المحمودة والمقامات المشهودة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 الَّتِي طابت بهَا أخباره وَحسنت فِيهَا آثاره وَكَانَ مُحَمَّد متخلقا بخلائقه ذَاهِبًا على طرائقه علما وديانة وورعا وصيانة وعفة وَأَمَانَة وشهامة وصرامة وتفردا بالحظ الجزيل من الْفضل وَالْأَدب الجزل والتوجه فِي الْأَهْل والإيفاء فِي الناتب على لداته وأترابه والإبرار على قرنائه وَأَضْرَابه فقلده مَا كَانَ دَاخِلا فِي أَعمال أَبِيه من نقابة نقباء الطالبيين بِمَدِينَة السَّلَام وَسَائِر الْأَعْمَال والأمصار شرقا وغربا وبعدا وقربا واختصه بذلك جذبا بضبعه وإنافة بِقَدرِهِ وَقَضَاء لحق رَحمَه وترفيها لِأَبِيهِ وإسعافا لَهُ بإيثاره فِيهِ إِلَى مَا أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ باسخلافه عَلَيْهِ من النّظر فِي الْمَظَالِم وتسيير الحجيج فِي أَوَان المواسم وَالله يعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ الْخيرَة فِيمَا أَمر ودبر وَحسن الْعَاقِبَة فِيمَا قضى وأمضى وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ شعار الْمُؤمنِينَ وسيما الصَّالِحين وعصمة عباد الله أَجْمَعِينَ وَأَن يعتقدها سرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وجهرا ويعتمدها قولا وفعلا فَيَأْخُذ بهَا وَيُعْطِي ويريش ويبرى وَيَأْتِي ويذر ويورد ويصدر فَإِنَّهَا السَّبَب المتين والمعقل الْحصين والزاد النافع يَوْم الْحساب والمسلك المفضي إِلَى دَار الثَّوَاب وَقد حض الله أولياءه عَلَيْهَا وهداهم فِي مُحكم كِتَابه إِلَيْهَا فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} وَأمره بِتِلَاوَة كتاب الله سُبْحَانَهُ مواظبا وتصفحه مداوما ملازما وَالرُّجُوع إِلَى أَحْكَامه فِيمَا أحل وَحرم وَنقض وأبرم وأثاب وعاقب وباعد وقارب فقد صحّح الله برهانه وحجته وأوضح منهاجه ومحجته فَجعله فجرا فِي الظُّلُمَات طالعا ونورا فِي المشكلات ساطعا فَمن أَخذ بِهِ سلم وَنَجَا وَمن عدل عَنهُ هلك وَهوى قَالَ الله عز وَجل {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَأمره بتنزيه نَفسه عَمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الشَّهَوَات وتتطلع إِلَيْهِ النزوات وَأَن يضبطها ضبط الْحَلِيم ويكفها كف الْحَكِيم وَيجْعَل عقله سُلْطَانا عَلَيْهَا وتمييزه آمرا ناهيا لَهَا فَلَا يَجْعَل لَهَا عذرا إِلَى صبوة وَلَا هفوة وَلَا يُطلق مِنْهَا عنانا عِنْد ثورة وَلَا فورة فَإِنَّهَا أَمارَة بالسوء منصبة إِلَى الغي فالحازم يتهمها عِنْد تحرّك وطره وأربه واهتياج غيظه وغضبه وَلَا يدع أَن يغضها بالشكيم ويعركها عَرك الْأَدِيم ويقودها إِلَى مصالحها بالخزائم ويعتقلها عَن مقارفة الْمَحَارِم والمآثم كَيْمَا يعز بتهذيبها وتأديبها ويجل برياضتها وتقويمها والمفرط فِي أمره تطمح بِهِ إِذا طمحت ويجمح مَعهَا أَنى جمحت وَلَا يلبث أَن تورده حَيْثُ لَا صدر وتلجئه إِلَى أَن يعْتَذر وتقيمه مقَام النادم الواجم وتتنكب بِهِ سبل الراشد المسالم وأحق من تحلى بالمحاسن وتصدى لِاكْتِسَابِ المحامد من ضرب بِمثل سَهْمه فِي نسب أَمِير الْمُؤمنِينَ الشريف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 ومنصبه المنيف وَاجْتمعَ مَعَه فِي ذؤابة العترة الطاهرة واستظل بأوراق الدوحة الفاخرة فَذَاك الَّذِي تتضاعف لَهُ المآثر إِن آثرها والمناقب إِن أَسف إِلَيْهَا وَلَا سِيمَا من كَانَ مَنْدُوبًا لسياسة غَيره ومرشحا للتقليد على أَهله إِذْ لَيْسَ يَفِي بإصلاح من ولى عَلَيْهِ من لَا يَفِي بإصلاح مَا بَين جَنْبَيْهِ وَكَانَ من أعظم الهجنة أَن يَأْمر وَلَا يأتمر ويزجر وَلَا يزدجر قَالَ الله عز وَجل {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون} وَأمره بتصفح أَحْوَال من ولي عَلَيْهِم واستقراء مذاهبهم والبحث عَن طرائقهم ودخائلهم وَأَن يعرف لمن تقدّمت قدمه مِنْهُم وتظاهر فَضله فيهم مَنْزِلَته ويوفيه حَقه ورتبته وَيَنْتَهِي فِي إكرام جَمَاعَتهمْ إِلَى الْحُدُود الَّتِي توجبها أسبابهم وأقدارهم وتقتضيها مواقفهم وأخطارهم فَإِن ذَلِك يلْزمه لسببين أَحدهمَا يَخُصُّهُ وَهُوَ النّسَب بَينه وَبينهمْ وَالْآخر يعمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وَالْمُسْلِمين جَمِيعًا وَهُوَ قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا} فالمودة لَهُم والإعظام لأكابرهم والإقبال على أصاغرهم متضاعف الْوُجُوب عَلَيْهِ ومتأكد اللُّزُوم لَهُ وَمن كَانَ مِنْهُم فِي دون تِلْكَ الطَّبَقَة من أَحْدَاث لم يحتنكوا أَو جذعان لم يقرحوا مجرين إِلَى مَا يزري بأنسابهم ويغض من أحسابهم عذلهم ونبههم ونهاهم ووعظهم فَإِن نزعوا وأقلعوا فَذَاك المُرَاد بهم وَالْمَقْصُود إِلَيْهِ فيهم وَإِن أصروا وتتابعوا أنالهم من الْعقُوبَة بِقدر مَا يكف ويردع فَإِن نفع وَإِلَّا تجاوزه إِلَى مَا يوجع ويلذع فِي غير تطرق لأعراضهم وَلَا انتهاك لأحسابهم فَإِن الْغَرَض فيهم الصيانة لَا الإهانة والإدالة لَا الإذالة وَإِذا وَجَبت عَلَيْهِم الْحُقُوق أَو تعلّقت بهم دواعي الْخُصُوم قادهم إِلَى الإغفاء بِمَا يَصح مِنْهَا وَيجب وَالْخُرُوج إِلَى سنَن الْحق فِيمَا يشْتَبه ويلتبس وَمَتى لزمتهم الْحُدُود أَقَامَهَا عَلَيْهِم بِحَسب مَا أَمر الله بِهِ فِيهَا بعد أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 تثبت الجرائم وَتَصِح وَتبين وتتضح وتتجرد عَن الشَّك والشبهة وتتجلى من الظَّن والتهمة فَإِن الَّذِي يسْتَحبّ فِي حُدُود الله ان تدرأ عَن عباده مَعَ نُقْصَان الْيَقِين وَالصِّحَّة وَأَن تمْضِي عَلَيْهِم مَعَ قيام الدَّلِيل وَالْبَيِّنَة قَالَ الله عز وَجل {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} وَأمره بحياطة هَذَا النّسَب الأطهر والشرف الأفخر عَن أَن يَدعِيهِ الأدعياء وَيدخل فِيهِ الدخلاء وَمن انْتَمَى إِلَيْهِ كَاذِبًا وانتحله بَاطِلا وَلم يُوجد لَهُ بَيت فِي الشَّجَرَة وَلَا مصداق عِنْد النسابين المهرة أوقع بِهِ من الْعقُوبَة مَا يسْتَحقّهُ ووسمه بِمَا يعلم بِهِ كذبه وفسقه وشهره شهرة ينْكَشف بهَا غشه ولبسه وَينْزع بهَا غَيره مِمَّن تسول لَهُ مثل ذَلِك نَفسه وَأَن يحصن الْفروج عَن مناكحة من لَيْسَ لَهَا كُفؤًا وَلَا مشاركها فِي شرفها وَفَخْرهَا حَتَّى لَا يطْمع فِي الْمَرْأَة الحسيبة النسيبة إِلَّا من كَانَ مثلا لَهَا مُسَاوِيا ونظيرا موازيا فقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وَأمره بمراعاة متبتلي أَهله ومتهجديهم وصلحائهم ومجاوريهم وأراملهم وأصاغرهم حَتَّى يسد الْخلَّة من أَحْوَالهم ويدر الْموَاد عَلَيْهِم وتتعادل أقساطهم فِيمَا يصل إِلَيْهِ من وُجُوه أَمْوَالهم وَأَن يُزَوّج الْأَيَامَى ويربي الْيَتَامَى ويلزمهم الْمكَاتب ليتلقنوا الْقُرْآن ويعرفوا فَرَائض الْإِسْلَام وَأمره الْإِيمَان ويتأدبوا بالآداب اللائقة بذوي الأحساب فَإِن شرف الأعراق مُحْتَاج إِلَى شرف الْأَخْلَاق وَلَا حمد لمن شرف نسبه وسخف أدبه إِذْ كَانَ لم يكْسب الْفَخر الْحَاصِل لَهُ بِفضل سعي وَلَا طلب وَلَا اجْتِهَاد وَلَا دأب بل بصنع من الله عز وَجل لَهُ ومزيد فِي الْمِنَّة عَلَيْهِ وبحسب ذَلِك لُزُوم مَا يلْزمه من شكره سُبْحَانَهُ على هَذِه الْعَطِيَّة والاعتداد بِمَا فِيهَا من المزية وإعمال النَّفس فِي حِيَازَة الْفَضَائِل والمناقب والترفع عَن الرذائل والمثالب وَأمره بإجمال النِّيَابَة عَن شَيْخه الْحُسَيْن بن مُوسَى فِيمَا أمره أَمِير الْمُؤمنِينَ باسخلافه عَلَيْهِ من النّظر فِي الْمَظَالِم وَالْأَخْذ للمظلوم من الظَّالِم وَأَن يجلس للمترافعين إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 جُلُوسًا عَاما ويتأمل ظلاماتهم تأملا تَاما فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَعَلقا بالحاكم رده إِلَيْهِ ليحمل الْخُصُوم عَلَيْهِ وَمَا كَانَ طَرِيقه الغشم وَالظُّلم والتغلب وَالْغَصْب قبض عَنهُ الْيَد المبطلة وَأثبت فِيهِ الْيَد الْمُسْتَحقَّة وتحرى فِي قضاياه أَن تكون مُوَافقَة للعدل ومجانية للخذل فَإِن غايتى الْحَاكِم وَصَاحب الْمَظَالِم وَاحِدَة وَهِي إِقَامَة الْحق ونصرته وإبانته وإنارته وَإِنَّمَا يخْتَلف سَبِيلهَا فِي النّظر إِذْ الْحَاكِم يعْمل على مَا ثَبت وَظهر وَصَاحب الْمَظَالِم يفحص عَمَّا غمض واستتر وَلَيْسَ لَهُ مَعَ ذَلِك أَن يرد لحَاكم حُكُومَة وَلَا يعل لَهُ قَضِيَّة وَلَا يتعقب مَا ينفذهُ ويمضيه وَلَا يتتبع مَا يحكم بِهِ ويقتضيه وَالله يهديه ويسدده ويوفقه ويرشده وَأمره أَن يسر حجيج بَيت الله إِلَى مقصدهم ويحميهم فِي بدأتهم وعودتهم ويرتبهم فِي مسيرتهم ومسلكهم ويرعاهم فِي آنَاء ليلهم ونهارهم حَتَّى لَا تنالهم شدَّة وَلَا تصل إِلَيْهِم مضرَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وَأَن يرعاهم فِي الْمنَازل ويرودهم المناهل ويناوب بَينهم فِي النهل والعلل ويمكنهم من الارتواء والاكتفاء مُجْتَهدا فِي الصيانة لَهُم ومعذرا فِي الذب عَنْهُم ومتلوما على متأخرهم ومتخلفهم ومنهضا لضعيفهم ومهيضهم فَإِنَّهُم حجاج بَيت الله الْحَرَام وزوار قبر الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام قد هجروا الأوطان وفارقوا الْأَهْل والإخوان وتجشموا المغارم الثقال وتعسفوا السهول وَالْجِبَال يلبون دُعَاء الله عز اسْمه ويطيعون أمره ويؤدون فَرْضه ويرجون ثَوَابه وحقيق على الْمُسلم الْمُؤمن أَن يحرسهم مُتَبَرعا ويحوطهم مُتَطَوعا فَكيف من تولى ذَلِك وَضَمنَهُ وتقلده واعتنقه قَالَ الله {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَأمره أَن يُرَاعِي أُمُور الْمَسَاجِد بِمَدِينَة السَّلَام وأطرافها وأقطارها وأكنافها وَأَن يجبي أَمْوَال وقوفها ويستقصي جَمِيع حُقُوقهَا وَأَن يلم شعثها ويسد خللها بِمَا يتَحَصَّل من هَذِه الْوُجُوه قبله حَتَّى لَا يتعطل رسم جرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 فِيهَا وَلَا تنقص عَادَة كَانَت لَهَا وَأَن يثبت اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا يعمره مِنْهَا وَيذكر اسْمه بعده بِأَن عمرانها جرى على يَده وصلاحها أَدَّاهُ قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فعله فقد فسح لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بذلك تنويها باسمه وإشادة بِذكرِهِ وَأَن يُولى ذَلِك من قبله من حسنت أَمَانَته وَظَهَرت عفته وصيانته فقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَلم يخْش إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا من المهتدين} وَأمره أَن يسْتَخْلف على مَا يرى الِاسْتِخْلَاف عَلَيْهِ من هَذِه الْأَعْمَال فِي الْأَمْصَار الدانية والنائية والبلاد الْقَرِيبَة والبعيدة من يَثِق بِهِ من صلحاء الرِّجَال ذَوي الْوَفَاء والاستقلال وَأَن يعْهَد إِلَيْهِم مثل الَّذِي عهد إِلَيْهِ ويعتمد عَلَيْهِم فِي مثل مَا اعْتمد عَلَيْهِ ويستقرى مَعَ ذَلِك آثَارهم ويتعرف أخبارهم فَمن وجده مَحْمُودًا أقره وَلم يزله وَمن وجده مذموما صرفه وَلم يمهله واعتاض مِنْهُ من ترتجي الْأَمَانَة عِنْده وَتَكون الثِّقَة معهودة مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَأَن يخْتَار لكتابته وحجبته وَالتَّصَرُّف فِيمَا قرب مِنْهُ وَبعد عَنهُ من يزينه وَلَا يشينه وَينْصَح لَهُ وَلَا يغشه ويجمله وَلَا يهجنه من الطَّبَقَة الْمَعْرُوفَة بالظلف المصونة عَن النطف وَيجْعَل لَهُم من الأرزاق الكافية وَالْأُجْرَة الوافية مَا يصدهم عَن المكاسب الذميمة والمآكل الوخيمة فَلَيْسَ تجب عَلَيْهِم الْحجَّة إِلَّا مَعَ إِعْطَاء الْحَاجة قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} وَأمره بِأَن يكْتب لمن يقوم بِبَيِّنَتِهِ عِنْده تنكشف حجَّته لَهُ إِلَى أَصْحَاب المعاقل بالشد على يَدَيْهِ وإيصال حَقه إِلَيْهِ وحسم الطمع الْكَاذِب فِيهِ وَقبض الْيَد الظالمة عَنهُ إِذْ هم مندوبون للتَّصَرُّف بَين أمره وَنَهْيه وَالْوُقُوف عِنْد رسمه وَحده هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته لَك وَعَلَيْك قد أنار فِيهِ سَبِيلك وأوضح دليلك وهداك وأرشدك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وجعلك على بَيِّنَة من أَمرك فاعمل بِهِ وَلَا تخَالفه وانته إِلَيْهِ وَلَا تتجاوزه وَإِن عرض لَك أَمر يعجزك الْوَفَاء بِهِ وَيشْتَبه عَلَيْك وَجه الْخُرُوج مِنْهُ أنهيته إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مبادرا وَكنت إِلَى مَا أَمرك بِهِ صائرا إِن شَاءَ الله تَعَالَى مستهل رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهَذِه نُسْخَة عهد بتقليد الصَّلَاة بحاضرة بَغْدَاد كتب بِهِ أَبُو اسحاق الصابي عَن الطائع لله لعَلي بن أَحْمد بن الْفضل الْهَاشِمِي فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهِي هَذَا مَا عهد عبد الله ووليه عبد الْكَرِيم الإِمَام الطائع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ لعَلي بن أَحْمد بن الْفضل بن عبد الْملك الْهَاشِمِي حِين قَلّدهُ جَمِيع مَا كَانَ يتقلده عبد الْوَاحِد بن الْفضل من الصَّلَاة بجانبي مَدِينَة السَّلَام وَمَا يتَّصل بهَا من الْأَعْمَال بسقى الْفُرَات والنهروانات وَسَائِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 مَا كَانَ دَاخِلا فِي تَقْلِيده من النواحي والأمصار الْقَرِيبَة والبعيدة وَطَرِيق خاراسان وَقرر أمره سكونا إِلَى دينه وأمانته وثقة بنزاهته وصيانته وصلَة لرحمه وَنسبه ورجاء لاستقلاله ووفائه وتقريرا لاضطلاعه وغنائه وأمير الْمُؤمنِينَ يسْأَل حسن تسديده فِي ذَلِك فِي جَمِيع آرائه الَّتِي يرتئيها وعزائمه الَّتِي يمضيها وَأَن يقرنها بالصلاح ويتولاها بالنجاح وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب أمره بتقوى الله فِي سره وجهره والمراقبة لَهُ فِي قَوْله وَفعله وَأَن يَجْعَل ذَلِك خلقا لَهُ وديدنا ويتخذه منهاجا وسببا ويتحلى لَهُ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار فَإِنَّهُمَا شعار الأخيار الْأَبْرَار الَّذين هم حقيق بِأَن يتَقَبَّل فعالهم ويحتذى مثالهم بِمَا أسْهم الله فِيهِ من النّسَب الشريف وَأَهله من المفخر المنيف الَّذِي اسْتحق بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا فوض إِلَيْهِ وَاعْتمد فِيهِ عَلَيْهِ فَإِن الله جلّ ذكره حض النَّاس على التَّقْوَى وَوَعدهمْ عَلَيْهَا الْقرْبَة والزلفى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وَإِنَّهَا لحرية بِالْمُؤْمِنِينَ خَلِيقَة بعباد الله الصَّالِحين وَلَا سِيمَا من رقى المنابر تمطيا لَهَا وافترعها خَطِيبًا عَلَيْهَا وَكَانَ إِلَى الله دَاعيا وَعَن عباده مناجيا وَإِذا اطلع الله جلّ وَعز مِنْهُ على نقاء الصَّدْر وسلامة السِّرّ واستقامة الدّين وَصِحَّة الْيَقِين قبل صلَاته واستجاب دعاءه وأنهضه بِمَا استكفيه وأعانه على أَدَاء الْأَمَانَة فِيهِ وَجمع بَينه وَبَين من صلى خَلفه وَقفا أَثَره فِي فائض رَحمته وسابغ مغفرته وأحله محلّة عباده الصديقين وأوليائه الصَّالِحين وَالله تَعَالَى يَقُول وَقَوله الْحق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَأمره أَن يسْعَى إِلَى ذكر الله عِنْد وجوب الصَّلَاة ويدخلها فِي حقائق الْأَوْقَات ويقيمها على حُدُودهَا وشروطها ويستوفيها على الْوَاجِب من مفروضها ومسنونها مرتلا لقرآنه مترسلا فِي تِلَاوَته جَامعا بَين نِيَّته وَلَفظه محترسا من مطامح فكره ولحظه متجنبا لجرائر غفلته وسهوه متحرزا من عوارض هجره ولعوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 مستظهرا على نَفسه فِي طَهَارَة جوارحه وتهذيب مَا بَين جوانحه فَإِن أفضل التأهب للصَّلَاة مَا اسْتَوَى بَاطِنه وعاليه وتوازن غائبه وَشَاهده وَلَيْسَ بالطاهر عِنْد الله من أَفَاضَ المَاء على أَطْرَافه وَجعل النَّجَاسَة حَشْو شغافه وَلكنه الْجَامِع بَين الْأَمريْنِ والفائز بكلتا الحسنيين وأحق من قصد ذَلِك ونحاه وَاعْتَمدهُ وتوخاه من اتَّخذهُ الْمُسلمُونَ إِمَامًا وقدموه أماما وَصَارَ بَينهم وَبَين الله وَسِيطًا وعَلى مَا فوضوه إِلَيْهِ من الصَّلَاة بهم أَمينا قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَقَالَ تَعَالَى {وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} وَأمره أَن يُقيم الدعْوَة على مَنَابِر حَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 خَاصَّة وَأَن يقيمها على مَنَابِر بَاقِي الْأَعْمَال النازحة عَن مقره لَهُ ثمَّ لحامل الأعباء عَنهُ والوسيط بَين جمَاعَة الْأَوْلِيَاء وَبَين عز الدولة أبي الْمَنْصُور أَحْمد بن معز الدولة أبي الْحُسَيْن مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ ولولاة الْأَعْمَال بعده الَّذين يدعى لَهُم على مَنَابِر مَا يتقلدونه مِنْهَا على الْعَادة الْجَارِيَة فِيهَا وَإِن هَذِه الدعْوَة لَازِمَة وَالسّنة فِيهَا مُؤَكدَة وَهِي فرع مطرد على أصل الطَّاعَة الْوَاجِبَة على الْمُسلمين جَمِيعًا إِذْ يَقُول جلّ اسْمه لَهُم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} والعائدة فيهم لِأَن الله تَعَالَى إِذا أصلح الْوُلَاة عَلَيْهِم أصلح المسرة فيهم وأنهضهم بِمَا استرعاهم من أُمُورهم وَكَذَلِكَ يفعل الله إِنَّه سميع الدُّعَاء لطيف لما يَشَاء هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عَلَيْك فاعمل بِهِ منتهيا إِلَى حُدُوده ومتبعا لرسومه ومتأدبا بآدابه وسالكا على منهاجه واستعن بِاللَّه يعنك ويسددك واستهده يهدك ويرشدك إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 وَهَذِه نُسْخَة عهد بِنَظَر الْأَوْقَاف بحاضرة بَغْدَاد وسوادها كتب بهَا أَبُو إِسْحَاق الصابي عَن الطائع للحسين بن مُوسَى الْعلوِي هَذَا مَا عهد عبد الله عبد الْكَرِيم الإِمَام الطائع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْحُسَيْن بن مُوسَى الْعلوِي حِين طابت مِنْهُ العناصر ووصلته بأمير الْمُؤمنِينَ الأواصر جمع إِلَى شرف الأعراق الَّذِي وَرثهُ شرف الْخلق الَّذِي اكْتَسبهُ ووضحت آثَار دينه وأمانته وَبَانَتْ أَدِلَّة فَضله وكفايته فِي جَمِيع مَا أسْندهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ من الْأَعْمَال وَحمله إِيَّاه من الأثقال فأضاف إِلَى مَا كَانَ ولاه من النّظر فِي الْوُقُوف الَّتِي كَانَت يَد فلَان فِيهَا الْوُقُوف بالحضرة وسوادها ثِقَة بسداده وسكونا إِلَى رشاده وعلما بِأَنَّهُ يعرف حق الصنيعة ويرعى مَا يستحفظه من الْوَدِيعَة وَيجْرِي فِي المنهل الَّذِي أَحْمَده أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْهُ فِي كل مَا فوض ووكل إِلَيْهِ وَالله يمد أَمِير الْمُؤمنِينَ بصواب الرَّأْي فِيمَا نحاه وتوخاه ويؤمنه من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 عَاقِبَة النَّدَم فِيمَا قَضَاهُ وأمضاه وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب أمره بتقوى الله الَّتِي هِيَ عماد الدّين وشعار الْمُؤمنِينَ وَأَن يعتقدها فِي سره ونجواه ويجعلها الذَّخِيرَة لأولاده وأخراه ويتجنب المواقع الموبية ويتوقى الْمَوَارِد المردية ويغض طرفه عَن المطامح المغوية وَيذْهب بِنَفسِهِ عَن المطارح المخزية فَإِنَّهُ أَحَق من فعل ذَاك وآثره وَأولى من اعْتَمدهُ واستشعره بنسبه الشريف ومفخرة المنيف وعادته الْمَشْهُورَة وشاكلته المأثورة وتلاوة كتاب الله الَّذِي هُوَ والعترة الثَّقَلَان المخلفان فِي الْأمة وَقد جمعته وَأَحَدهمَا الْأَنْسَاب وجمعنا وَالثَّانِي عصمَة أولي الْأَلْبَاب وتوجهت حجَّة الله عَلَيْهِ بِمَا يرجع من هَذِه الْفَضَائِل إِلَيْهِ وَأَنه غُصْن من دوحة أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّتِي تحداها الله بالإنذار قبل الْخَلَائق أَجْمَعِينَ إِذْ يَقُول لرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَقد حض تبَارك وَتَعَالَى على التَّقْوَى ووعد عباده عَلَيْهَا الزلفى فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} وَأمره بالاشتمال على مَا أسْندهُ إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ من هَذِه الْوُقُوف مستنفدا طوقه فِي عمارتها مستفرغا وَسعه فِي مصلحتها دائبا فِي استغلالها وتثميرها مُجْتَهدا فِي تدبيرها وتوفيرها وَأَن يصرف فَاضل كل وقف مِنْهَا بعد الَّذِي يخرج مِنْهُ للنَّفَقَة على حفظ أَصله واستدرار حلبه والمؤنة الرَّاتِبَة للقوام عَلَيْهِ والحفظة لَهُ إِلَى أربابه الَّذِي يعود ذَلِك عَلَيْهِم فِي وجوهها الَّتِي سبل لَهَا ووقف عَلَيْهَا وَاضِعا جَمِيع ذَلِك موَاضعه موقعا لَهُ مواقعه خَارِجا إِلَى الله من الْحق فِيهِ مُؤديا الْأَمَانَة إِلَيْهِ وَأَن يشْهد على القابضين بِمَا يقبضونه من وقوفهم وَيكْتب البراءات عَلَيْهِم بِمَا يستوفونه من أَمْوَالهم ويستظهر لنَفسِهِ بإعداد الشواهد والأدلة على مَا يُنْفِقهُ من أَمْوَال هَذِه الْوُقُوف على مَصَالِحه ويصرفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 مِنْهَا إِلَى أَهلهَا ويخرجه مِنْهَا فِي حُقُوقهَا وأبواب برهَا وَسَائِر سبلها ووجوهها سالكا فِي ذَلِك مذْهبه الْمَعْرُوف فِي أَدَاء الْأَمَانَة وَاسْتِعْمَال الظلْف والنزاهة معقبا على من كَانَ نَاظرا فِيهَا من الخونة الَّذين لم يرعوا عهدا وَلم يحفظوا حَقًا وَلم يتصونوا عَن سحت المطاعم وظلم المآثم وَأمره باستكتاب كَاتب مَعْرُوف بالسداد مَشْهُور بالرشاد مَعْلُوم مِنْهُ نصيحة الْأَصْحَاب والضبط لِلْحسابِ وتفويض ديوَان الْوُقُوف وتدبيره إِلَيْهِ وتوصبته بصيانة مَا يشْتَمل عَلَيْهِ من أصُول الْأَعْمَال وفروعها وَقَلِيل الْحجَج وكثيرها وَأَن يحْتَاط لأربابها فِي حفظ رسومها ومعاملاتها وحراسة طسوقها ومقاسماتها حَتَّى لَا يسْتَمر عَلَيْهَا حيف يبْقى أَثَره وَلَا يتَغَيَّر فِيهَا رسم يخَاف ضَرَره وَأَن ينصف الأكرة فِيهَا والمزارعين وَسَائِر المخالطين والمعاملين وَلَا يجشمهم حيفا وَلَا يسومهم خسفا وَلَا يغضي لَهُم عَن حق وَلَا يسمح لَهُم بِوَاجِب خلا مَا عَادَة السماحة بِهِ بِزِيَادَة عماراتهم وتآلف نياتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 واجتلاب الْفَائِدَة مِنْهُم والعائدة بهم فَإِنَّهُ مؤتمن فِي ذَلِك كُله أَمَانَة عَلَيْهِ وَأَن يُؤَدِّيهَا وَيخرج من الْحق فِيهَا وَأمره بِاخْتِيَار خَازِن حصيف قؤوم أَمِين يخزن حجج هَذِه الْوُقُوف وسجلاتها وَسَائِر دفاترها وحسباناتها فَإِنَّهَا ودائع أَرْبَابهَا عِنْده وواجب أَن يحْتَاط عَلَيْهَا جهده فَمَتَى شكّ فِي شَرط من الشُّرُوط أَو حَدثنِي من الْحُدُود أَو عَارض معَارض أَو شاغب مشاغب فِي أَيَّام نظره وَأَيَّام من عَسى أَن تنْتَقل ولَايَة هَذِه الْوُقُوف إِلَيْهِ ويناط تدبيرها بِهِ دفع مَا يحدث من ذَلِك بِهَذِهِ الْحجَج الَّتِي هِيَ معادن الْبُرْهَان وقواعد الْبُنيان وإليها الْمرجع فِي كل بَيِّنَة تبصر وتقام وشبهة تدحض وتضام هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك ووثيقته الْحَاصِلَة فِي يَديك فَاتبع آثَار أوامره وازدجر عَن نواهيه وزواجره واستمسك بِهِ تنج وتسلم واعمل بِهِ تفز وتغنم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 واسترشد الله يرشدك وستهده يهدك واستعن بِهِ ينصرك وفوض إِلَيْهِ يَعْصِمك إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الثَّانِي أَن يفْتَتح مَا يكْتب بِلَفْظ أما بعد ثمَّ الَّذِي كَانَ فِي الزَّمن الْقَدِيم أَن يكْتب أما بعد فَإِن كَذَا وَيُؤْتى على مقصد الْولَايَة إِلَى أَخّرهُ ثمَّ انْتهى الْحَال فِي الدولة العباسية بالعراق إِلَى أَن يُقَال أما بعد فَالْحَمْد لله وَيُؤْتى بِخطْبَة مُنَاسبَة للْحَال ثمَّ يُؤْتى على مقصد الْولَايَة وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حِين ولى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْقَضَاء كتب لَهُ كتابا افتتحه بأما بعد وَهَذِه نسخته على مَا أوردهُ صَاحب العقد أما بعد فَإِن الْقَضَاء فَرِيضَة محكمَة وَسنة متبعة فَافْهَم إِذا أدلي إِلَيْك وانفذ إِذا تبين لَك فَإِنَّهُ لَا ينفع تكلم بِحَق لَا نَفاذ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 آس بَين النَّاس فِي وَجهك وعدلك ومجلسك حَتَّى لَا يطْمع شرِيف فِي حيفك وَلَا ييأس ضَعِيف من عونك الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا لَا يمنعك قَضَاء قَضيته بالْأَمْس فراجعت فِيهِ الْيَوْم عقلك وهديت فِيهِ لرشدك أَن ترجع إِلَى الْحق فَإِن الْحق قديم ومراجعة الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل الْفَهم الْفَهم فِيمَا تلجلج فِي صدرك مِمَّا لَيْسَ فِي كتاب وَلَا سنة ثمَّ اعرف الْأَشْبَاه والأمثال وَقس الْأُمُور عِنْد ذَلِك بنظائرها واعمد إِلَى أقربها إِلَى الله وأشبهها بِالْحَقِّ وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أَو بَيِّنَة أمدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِن أحضر بَيِّنَة أخذت لَهُ بِحقِّهِ وَإِلَّا استحللت الْقَضِيَّة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أنفى للشَّكّ وَأجلى للعمى الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلودا حدا أَو مجربا عَلَيْهِ شَهَادَة زور ظنينا فِي وَلَاء أَو نسب فَإِن الله يتَوَلَّى السرائر ويدرأ بِالْبَيِّنَاتِ والأيمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 إياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عِنْد الْخُصُومَات فَإِن الْحق فِي مَوَاطِن الْحق يعظم الله بِهِ الْأجر وَيحسن عَلَيْهِ الذخر وَالْجَزَاء فَمن صحت نِيَّته وَأَقْبل على نَفسه كَفاهُ الله مَا بَينه وَبَين النَّاس وَمن تخلق للنَّاس بِمَا يعلم الله أَنه لَيْسَ من نَفسه شانه الله فَمَا ظَنك بِثَوَاب الله فِي عَاجل رزقه وخزائن رَحمته وَالسَّلَام قلت وَوَقع فِي بعض المصنفات ابْتِدَاء هَذَا الْعَهْد بقوله من عمر بن الْخطاب إِلَى عبد الله بن قيس سَلام عَلَيْك أما بعد وَهُوَ الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ من كتب من بعض الْمذَاهب السَّابِقَة فِي عهود الْمُلُوك عَن الْخُلَفَاء من عبد الله فلَان إِلَى فلَان وَوَقع فِي مُسْند الْبَزَّار أَن أَوله اعْلَم أَن الْقَضَاء فَرِيضَة محكمَة مَعَ تَغْيِير بعض الْأَلْفَاظ وَتَقْدِيم بعض وَتَأْخِير بعض وعَلى الِافْتِتَاح بأما بعد كتب عبد الحميد بن يحيى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 عَن مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة لبَعض أُمَرَاء السَّرَايَا أما بعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْدَمَا اعتزم عَلَيْهِ من توجيهك إِلَى عَدو الله الجلف الجافي الْأَعرَابِي المتكسع فِي حيرة الْجَهَالَة وظلم الْفِتْنَة ومهاوي الهلكة ورعاعه الَّذين عاثوا فِي الأَرْض فَسَادًا وانتهكوا حُرْمَة الْإِسْلَام اسْتِخْفَافًا وبدلوا نعْمَة الله كفرا وَاسْتَحَلُّوا سلمه جهلا أحب أَن يعْهَد إِلَيْك إِلَى آخر مَا أَتَى بِهِ مِنْهُ وَهُوَ عهد طَوِيل جدا ضربت عَن ذكره لإطالته وَقد ذكرته بجملته فِي كتابي صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابَة الإنشا وعَلى ذَلِك كَانَت عهود الوزراء من خلفاء بني الْعَبَّاس فِي الْعرَاق وَهَذِه نُسْخَة عهد بالوزارة كتب بِهِ الإِمَام المسترشد بِاللَّه لبَعض وزرائه وَهِي أما بعد فَالْحَمْد لله الْمُنْفَرد بكبريائه المتفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 على أوليائه مجزل النعماء وَكَاشف الغماء ومسبغ الْعَطاء ومسبل الغطاء ومسنى الحباء ومسدي الآلاء الَّذِي لَا تؤوده الأعباء وَلَا تكيده الْأَعْدَاء وَلَا تبلغه الأوهام وَلَا تحيط بِهِ الأفهام وَلَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَلَا تتخيله الأفكار وَلَا تهزمه الأعوام بتواليها وَلَا تعجزه الخطوب إِذا ادلهمت لياليها عَالم الهواجس الْفِكر وخالق كل شَيْء بِقدر مصرف الأقدار على مشيئه ومجريها ومانح مواهبه من أضحى بيد الشُّكْر يمتريها حمدا يصوب حَيَّاهُ ويعذب جناه وتتهلل أسرة الْإِخْلَاص من مطاويه ويستدعي الْمَزِيد من آلائه ويقتضيه وَالْحَمْد لله الَّذِي استخلص مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زكي الأصلاب وانتخبه من أشرف الْأَنْسَاب وَبَعثه إِلَى الخليقة رَسُولا وَجعله إِلَى مَنْهَج النجَاة دَلِيلا وَقد بوأ الشّرك بوار الذل وقضاه وَشهر عضب الْعِزّ وانتضاه والأمم عَن طَاعَة الرَّحْمَن عازفة وعَلى عبَادَة الْأَوْثَان عاكفة فَلم يزل بِأَمْر ربه صادعا وَعَن التَّمَسُّك بعرا الضلال الْوَاهِيَة وازعا وَإِلَى ركُوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 محجة الْهدى دَاعيا وعَلى قدم الِاجْتِهَاد فِي إبادة الغواية ساعيا حَتَّى أصبح نور الْحق منيرا مشرقا وَعوده بعد الذبول أَخْضَر مورقا وَمضى الْبَاطِل موليا أدباره ومستصحبا تتبيره وبواره وَقضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن مهد من الْإِيمَان قَوَاعِده وَأحكم أساسه ووطائده وأوضح سبل الْفَوْز لمن اقتفاها ولحب طريقها بعد مَا دثرت صواها فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطاهرين وَصَحبه الأكرمين صَلَاة مُتَّصِلا سح غمامها مُسْفِرًا صبح دوامها وَالْحَمْد لله على أَن صَار لأمير الْمُؤمنِينَ من أدب النُّبُوَّة مَا هُوَ أَجْدَر بحيازة فخره وَأولى بفيض غدره ووطأ لَهُ من الْخلَافَة المعظمة مهادا أحفزته نَحوه حوافز ارتياحه وجذبته إِلَيْهِ أزمة راعه واكتباحه إِلَى أَن أدْرك من ذَلِك مناه وَألقى الِاسْتِقْرَار الَّذِي لَا يريم عَصَاهُ وعضد دولته بالتاييد من سَائِر أنحائه ومراميه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وأغراضه ومغازيه حَتَّى فاقت الدول المتقادمة إشراقا وأعطتها الْحَوَادِث من التَّغَيُّر عهدا وفيا وميثاقا وأصبحت أَيَّامه أدامها الله حَالية بِالْعَدْلِ أجيادها جائلة فِي ميادين النضارة جيادها وَرَاح الظُّلم دارسة أطلاله مقلصا سرباله قد انجم سحابه وزمت للرحلة ركابه فَمَا يسْتَمر مِنْهَا أَمر إِلَّا كَانَ صنع الله سُبْحَانَهُ مؤيده والتوفيق مصاحبه أَنى يمم ومسدده وَهُوَ يستوزعه جلت عَظمته شكر هَذِه النِّعْمَة ويستزيده بالتحدث بهَا من آلائه الجمة ويستمد مِنْهُ المعونة فِي كل أرب قَصده وَأمه وشحذ لانتحائه عزمه وَمَا توفيقه إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب وَلما كَانَت الوزارة قطب الْأُمُور الَّذِي عَلَيْهِ مدارها وَإِلَيْهِ إيرادها وَعنهُ إصدارها وخلا منصبها مِمَّن كَانَ يكون لَهَا أَهلا وينظم من جماله لَهَا شملا أجال أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَن يخْتَار لذَلِك فكره وانعم لأهل الاصطفاء لهَذِهِ الْمنزلَة نظره حَتَّى صرح مَحْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 رَأْيه عَن زبدة اختيارك وهداه صائب تَدْبيره إِلَى اقتراحك وإيثارك فَألْقى إِلَيْك المقاليد وعول فِي دولته الْقَاهِرَة على تدبيرك السديد وناط بك من أَمر الوزارة مَا لم يلف لَهُ سواك مُسْتَحقّا وَلَا لمتسنم استيجابه مترقى علما بِمَا تبديه كفايتك الْمَشْهُورَة وإيالتك المخبورة من تَقْوِيم مَا أعجز مياده وَصَلَاح مَا استشرى فَسَاده واستقامة كل حَال وَهِي عمادها وأصلد على كَثْرَة الاقتداح زنادها وتثبيتا لما تبتسم عَنهُ الْأَيَّام من آثَار نظرك المعربة عَن احتوائك على دَلَائِل الجزالة واستيلائك على مخايل الْأَصَالَة اللَّذين تنَال بهما غايات الْمَعَالِي وتفرع الذرا والأعالي ثمَّ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمُقْتَضى هَذِه الدعاوي اللَّازِمَة وحرمات جدك وَأَبِيك السالفة المتقادمة الَّتِي استحصدت فِي الدَّار العزيزة قوى أمراسها وأدنت مِنْك الْآن ثَمَرَة غراسها رأى أَن يشيد هَذِه العارفة الَّتِي تأرج لديك نسيمها وبدت على أَعْنَاق نحرك رسومها وجادت رباعك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 شآبيبها وضفت عَلَيْك جلابيبها بِمَا يزِيد أزرك اشتدادا وَبَاعَ أملك طولا وامتدادا فأدناك من شرِيف حَضرته مناجيا ومنحك من مزايا الْأَيَّام مَا يكسبك ذكرا فِي الأعقاب ساريا وعَلى الأحقاب بَاقِيا وأفاض عَلَيْك من الملابس الفاخرة مَا حزت بِهِ أَوْصَاف الْجمال وَجمع لَك أباديد الآمال وقلدك من الْفَخر مَا يَدُوم على مر الزَّمَان وَيبقى وأمطاك صهوة سابح يشأى الرِّيَاح سبقا ووسمك بِكَذَا وَكَذَا فِي ضمن التأهيل للتكنية إبانة عَن جميل معتقده فِيك ورعاية لوسائلك المحكمة المرائر وأواخيك وأمرك بتقوى الله الَّتِي هِيَ أحصن المعاقل وأعذب المناهل وأنفع الذَّخَائِر يَوْم تبلى السرائر وَأَن تستشعرها فِيمَا تبديه وتخفيه وتذره وتأتيه فَإِنَّهَا أفضل الْأَعْمَال وأوجبها وأوضح المسالك إِلَى الْفَوْز بِرِضا الله تَعَالَى وألحبها وأجلب الْأَشْيَاء للسعادة الْبَاقِيَة وأجناها لقطوف الْخيرَات الدانية عَالما بِمَا فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 من نفع تتكامل أقسامه وتتفتح عَن نور الصّلاح الْجَامِع أكمامه قَالَ الله جلت آلاؤه وتقدست أسماؤه {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين} وَقَالَ تَعَالَى حاضا على تقواه ومخبرا عَمَّا خص بِهِ متقيه وحباه وَكفى بذلك رائدا إِلَيْهَا وباعثا عَلَيْهَا {إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ} وأمرك أَن تتوخى الْمَقَاصِد السليمة وتأتيها وتتوقى الْمَوَارِد الوخيمة وتجتويها وَأَن يشفع بالحزم أفعالك وَتجْعَل كتاب الله تَعَالَى إمامك الَّذِي تهتدي بِهِ ومثالك وَأَن تكف من نَفسك عِنْد جماحها وإبائها وتصدها عَن مُتَابعَة أهوائها وَتثني عِنْد احتدام سُورَة الْغَضَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 عنانها وتشعرها من حميد الْخَلَائق مَا يُوَافق إسرارها فِيهِ إعلانها فَإِنَّهَا لم نزل إِلَى منزلَة السوء المردية دَاعِيَة وَعَن سلوك مناهج الْخَيْر المنجية ناهية قَالَ الله تَعَالَى {إِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم رَبِّي إِن رَبِّي غَفُور رَحِيم} وأمرك أَن تنجز للْخدمَة بَين يَديك من بلوت أخباره واستشففت أسراره فعلمته جَامعا أدوات الْكِفَايَة موسوما بالأمانة والدراية وعركته رَحا التجارب عَرك الثفال وحلب الدَّهْر أشطره على تصاريف الْأَحْوَال ليَكُون أَمر مَا تولاه على مَنْهَج الاسْتقَامَة جَارِيا وَعَن ملابس الْخلَل ولارتياب عَارِيا فَلَا يضع فِي مزلقة قدما وَلَا يَأْتِي مَا يقرع سنه لأَجله ندما وَأَن تمنح رعايا أَمِير الْمُؤمنِينَ من بشرك مَا يعقل شوارد الْأَهْوَاء ويلوي إِلَيْهِ بأعناق نوافرها اللَّاتِي اعتصمن بالجماح والإباء مازجا ذَلِك بِشدَّة تستولى حميا رهبتها على الْقُلُوب وتفل مرهفات بأسها صرف الخطوب من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 غير إفراط فِي إستدامة ذَلِك يضيق بهَا على الطَّالِب وسيع مذْهبه ويغريها اتِّصَاله باستشعار وعر الْخَطَأ واستيطاء مركبه وأمرك أَن تعذب موارد الْإِحْسَان لمن أحمدت بلاءه وتحققت غناءه واستحسنت أَثَره وارتضيت عيانه وَخَبره وتسدل أسمال الهوان على من بلوت فعله ذَمِيمًا وألفيته بعراص الْإِسَاءَة مُقيما وَإِلَى رباعها الموحشة مستأنسا مستديما كَيْلا لكل امْرِئ بصاعه واتباعا لما أَمر الله تَعَالَى باتباعه وتجنبا للإهمال الْجَاعِل المحسن والمسئ سَوَاء والمعيدهما فِي موقف الْجَزَاء أكفاء فَإِن فِي ذَلِك تزهيدا لِذَوي الْحسنى فِي الْإِحْسَان وتتابعا لأهل الْإِسَاءَة فِي الْعدوان وَلَوْلَا مَا فَرْضه الله تَعَالَى على الْمُؤمنِينَ من إِيجَاب الْحجَّة والفكاك من ربقة الِاجْتِهَاد ببلاغ المعذرة لثنى عنان الإطالة مُقْتَصرا وَاكْتفى بِبَعْض القَوْل مُخْتَصرا ثِقَة بامتناع سدادك ونهاك أَن رآك صَوَاب الْفِعْل حَيْثُ نهاك واستنامة إِلَى مَا خولك الله من الرَّأْي الثاقب المطلع من خَصَائِص البديهة على محتجب العواقب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 فَارْتَبَطَ يَا فلَان هَذِه النعمى الَّتِي جَادَتْ ديمها مغانيك وحققت الْأَيَّام بمكانها أمانيك بشكر ينْطق بِهِ لِسَان الِاعْتِرَاف فَيُؤمن وَحشِي النعم من النفار والانحراف واسلك فِي جمال السِّيرَة والاقتداء بِهَذِهِ الْأَوَامِر المتينة الْمَذْكُورَة جددا يغري بحَمْدك الْأَلْسِنَة ويعرب عَن كونك من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه وَالله يصدق مخيلة أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيك ويوزعك شكر مَا أولاك ويوليك وَيجْعَل الصَّوَاب غَرضا لنبال عَزَائِمه ويذود عَن دولته الْقَاهِرَة كتائب الخطوب بصوارم السعد ولهاذمه ويصل أَيَّامه الزاهرة بالخلود ويبسط على أقاصي الأَرْض ظله الْمَمْدُود مَا اسْتهلّ جفن الْغَيْث المدرار وابتسمت ثغور النوار إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الثَّالِث أَن يفتح مَا يكْتب بِخطْبَة مُبتَدأَة بِالْحَمْد لله وَهُوَ أسلوب نَادِر الْوُقُوع فِيمَا كتب بِهِ عَن الْخُلَفَاء لم يعرف مِنْهُ إِلَّا مَا تقدم ذكره من عهد الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بمملكة الديار المصرية على مَا تقدم فِي عهود الْخُلَفَاء للملوك فِي الْفَصْل الأول من هَذَا الْبَاب إِلَّا أَنه كَانَ قد اسْتَقر عَلَيْهِ اصْطِلَاح الفاطميين بالديار المصرية وَعَلِيهِ أورد على بن خلف مثل مَا يكْتب عَنْهُم فِي الولايات وتبعهم مُلُوك الديار المصرية من بني أَيُّوب فَمن بعدهمْ على ذَلِك على مَا هُوَ مَعْرُوف فِي ذَلِك وَلما اسْتَقل الإِمَام المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بالخلافة والسلطنة جَمِيعًا عِنْد الْقَبْض على النَّاصِر فرج كتب عَنهُ كَمَا كَانَ يكْتب عَن الْمُلُوك قبله لم يخْتَلف الْحَال فِي ذَلِك إِلَّا فِي الألقاب السُّلْطَانِيَّة فَكَانَ يُقَال فَلذَلِك رسم بِالْأَمر الشريف العالي المولوي الإمامي النَّبَوِيّ المستعيني ثمَّ بَطل ذَلِك بانتقال السلطنة عَنهُ وَرجع الْأَمر فِي مَا يكْتب إِلَى السُّلْطَان إِلَّا فِي الْأُمُور الْخَاصَّة بالخلافة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وَهَذِه نُسْخَة تَفْوِيض شرِيف كتب بِهِ عَن الإِمَام المعتضد بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْكتاب بتفويض نظر الْجَامِع الْجَدِيد بِمصْر للْمقر الناصري مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ الشريف بالممالك الإسلامية من إنْشَاء الشَّيْخ الإِمَام عَلامَة الدَّهْر تَقِيّ الدّين بن حجَّة وَهِي الْحَمد لله الَّذِي جعل التَّفْوِيض العباسي مُتَّصِلا بِمُحَمد وَنفذ أَحْكَام الْخلَافَة الداوودية قَدِيما وحديثا إِلَى أَن تسلسل حَدِيثهَا الْمسند وعضد الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين بمعتضد مَا قَامَ فِي نصْرَة بَيته إِلَّا من هُوَ مؤيد نحمده على أَن أتحفنا من هَذَا الْبَيْت بِكُل أَمِين على الْأمة ورشيد ونشكره على أَن أَقَامَ لَهُ بعد أبي مُسلم أَبَا النَّصْر فأمسى وَهُوَ بأركان الشّرف مشيد ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تجمع بَين حسن النّظر وَالشَّهَادَة ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي هُوَ جَامع شَمل هَذِه الْأمة وقبلتها وسراجها الْمُنِير لِلْعِبَادَةِ صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الَّذين تمسكوا بِطيب أَثَره وتبصروا بِحسن نظره صَلَاة تعلى منار الشَّهَادَتَيْنِ فِي جَوَامِع الْكَلم بركتها وَتَعْلُو فِي جَوَامِع الْأَمْصَار بِمُحَمد كلمتها مَا سجع على أفنان المنابر ساجع وغرد وأعلن تَحت العلمين العباسية بِقرب المعتضد من مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا وَبعد فَإِن سجايا الْكَرم فِي آل بَيت النَّبِي مَا بَرحت لعقود المنائح خُلَاصَة وَكَيف لَا وَهُوَ الَّذِي أنزل بأكنافه {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} لَا سِيمَا بَنو الْعَبَّاس فَإِن شجرتهم الَّتِي أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء نعم الْخلف وَمَا مِنْهُم إِلَّا واثق بِاللَّه ومتوكل على الله ومعتضد بِهِ وَهَذَا غَايَة الشّرف فَمن أَخذ عَنْهُم حَدِيثا فِي أَمر بَيت من بيُوت الله فقد ظفر بِحسن نظر وَفضل جَامع فَإِن الْبَيْت والْحَدِيث لَهُم بِغَيْر مُنَازع فَلَا معبد إِلَّا وَله الطَّرب عِنْد جس عيدَان المنابر بأوصافهم الْمَشْهُورَة وَلَا خَائِف من عصاة الْأمة إِلَّا داس بِسَاط الطَّاعَة فِي جوامعهم وَدخل تَحت أعلامهم المنشورة فَمن قصد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 الْقرب إِلَيْهِ فقد فَازَ بأعظم قربَة لَا سِيمَا إِن نهل من سقايتهم نهلة فَإِنَّهُ لم يجد بعْدهَا فِي المناهل منهلا مستعذبا للمحبة وَكَانَ الجناب الْكَرِيم العالي القاضوي الكبيري السفيري الناصري مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ الجهمي الشَّافِعِي صَاحب دواوين الْإِنْشَاء الشريف بالممالك الشَّرِيفَة المحروسة الإسلامية ضاعف الله تَعَالَى نعْمَته هُوَ الرُّكْن السَّامِي فِي قَوَاعِد بيتنا الشريف والمنتصب لرفع علمه العباسي حَتَّى تفيأ كل قَائِل بظله الوريف والملاحظ بِعَين سره الَّذِي هُوَ فِي نسبنا أبدع من بديع النسيب والسر المحمدي مَا برح لبنى الْعَبَّاس فِيهِ حَظّ وَنصِيب والمساعد بعد عمَارَة بيتنا فِي عمَارَة بَيت الله الَّذِي صَار بِحسن نظره قرير الْعين وَلَقَد أبدع فِي إنْشَاء نظمها حَتَّى تحقق النَّاس أَنه أعظم من إنْشَاء نظم الْبَيْتَيْنِ فَلذَلِك رسم بِالْأَمر الشريف العالي المولوي الإمامي المعتضدي لَا زَالَت تفاويضه الشَّرِيفَة العباسية محروسة بالأسرار المحمدية أَن يُفَوض إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ نظر الْجَامِع الْجَدِيد بِمصْر المحروسة وَوَقفه الْمَنْسُوب إِلَى السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك النَّاصِر بقى الله تَعَالَى عَهده علما أَنه إِن شَمل نظره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 الْجَامِع الْمصْرِيّ فقد مد الله هَذَا النّظر فِي سَائِر الْأَمْصَار وَيعلم أَنه يصير بِحسن مهاجره لموقفه الناصري من أعظم الْأَنْصَار ويحق لهَذَا الْجَامِع أَن يَقُول مَا بَرحت بِمصْر متممسكا من مُحَمَّد بالآثار وَلَقَد هام الْبَيْت الْعَتِيق إِلَى رُؤْيَة هَذَا الْبَيْت الْجَدِيد الَّذِي هُوَ بِالْمَدِينَةِ الآهلة بالجناب المحمدي وَدَار الْخلَافَة وود الْأَقْصَى أَن يكون الْأَدْنَى إِلَيْهِ ليطالع تَفْسِيره الَّذِي يَجْعَل من الْبَحْر اغترافه وَتمنى الْأمَوِي أَن يطير بأجنحة النسْر ليزوجه بعروسه الْعَالِيَة الْمنَار واستصغر تنكز نَفسه عَن مُقَابلَة النَّاصِر وَأحكم الْحَاكِم وَقصر طولون عَن السَّبق فِي هَذَا الْمِضْمَار وَقَالَ الْأَزْهَر هَذَا بِنور النّظر المحمدي أَزْهَر وَقَالَ الْأَقْمَر هَذَا بالطلعة البارزية أقمر فليتلق حَدِيث هَذَا التَّفْوِيض عَن أبي الْفَتْح عَن أبي النَّصْر ويتبرك بِسَنَدِهِ العالي ويملي مَا أَخذه من شَوَاهِد الْمحبَّة عَن المعتضد عَن الْمُؤَيد لَا عَن القالي وليباشر ذَلِك على مَا عهد من أدواته الَّتِي مَا نسبت إِلَى غير الْكَمَال فَإِن الْخلَل لم ينظر إِلَيْهِ بِعَيْنِه من خلال والوصايا كَثِيرَة وَلكنه بِحَمْد الله أَبُو عذرتها وَابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 بجدتها وجهينة أَخْبَارهَا وَكَاتب أسرارها وَالله تَعَالَى يمد فروع أُصُوله حَتَّى تستظل الْأمة بِظِل هَذِه الشَّجَرَة وَيفتح لَهُ أَبْوَاب الْخَيْر بِأبي الْفَتْح فَإِن أَبْوَاب الْعلم لَدَيْهِ محررة ويديم على بيُوت الله بالممالك الإسلامية نظره والاعتماد على الْخط الشريف أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الرَّابِع أَن يفتح مَا يكْتب بِلَفْظ أَحَق أَو أولى أَو نَحْو ذَلِك وَبِذَلِك كَانَ يكْتب فِي تواقيع صغَار الولايات وَهَذِه نُسْخَة توقيع من ذَلِك كتب بِهِ عَن الإِمَام النَّاصِر لدين الله للْقَاضِي محيى الدّين بن فضلان بتدريس الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد فِي سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَهِي أَحَق من أفيضت عَلَيْهِ مجاسد النعم وجذب بضبعه إِلَى مقَام التنويه وَتقدم الْقدَم من أَسْفر فِي أقضية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 الْفَضَائِل صباحه وانتشر فِي الْعَالم علمه وأزهر مصباحه وَلما كَانَ الْأَجَل الْعَالم محيى الدّين حجَّة الْإِسْلَام رَئِيس الْأَصْحَاب مفتى الْفَرِيقَيْنِ مُفِيد الْعُلُوم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى بن فضلان أدام الله رفعته مِمَّن نظم فرائد المحامد عقده النضيد وَأَوَى من الْعلم وَالْعَمَل إِلَى ركن شَدِيد وَثبتت قدمه من الدّيانَة على مستثبت راسخ وقرار مهيد رئى التعويل فِي تَفْوِيض التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية إِلَيْهِ ثِقَة باضطلاعه واستقلاله وتبريزه فِي حلبات الاستباق على نظرائه وَأَمْثَاله وَأسْندَ إِلَيْهِ أدام الله رفعته النّظر فِي أوقاف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة بأجمعها واعتماد مَا شَرطه الْوَاقِف فِي مصارفها وسبلها سكونا إِلَى كِفَايَته وركونا إِلَى سداده وأمانته ورسم لَهُ تَقْدِيم تقوى الله تَعَالَى الَّتِي مَا زَالَ منتهجا لطرائقها مستمسكا بعصمها ووثائقها وَأَن يشْرَح صَدره للمتعلمين وَلَا يَأْخُذهُ ضجرة من المستفيدين وَلَا تعدو عَيناهُ عَن الطالبين وَلَا يتبرم بالمبالغة فِي تفهيم المبتدى وَلَا يغْفل عَن تذكير الْمُنْتَهى فَإِنَّهُ إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 احْتمل هَذِه الْمَشَقَّة وَأعْطى كل تلميذ حَقه كَانَ الله تَعَالَى كَفِيلا بمعونته بِحَسب مَا يُعلمهُ من حرصه عَلَيْهِم وإخلاص نِيَّته وَليكن بِسَائِر المتفقهة معتنيا رَفِيقًا وَعَلَيْهِم حدبا شفيقا يفرع لَهُم من الْفِقْه مَا وضح وتسهل وَيبين لَهُم مَا الْتبس من غوامضه وأشكل حَتَّى تستنير قُلُوبهم بأضواء عُلُوم الدّين وتنطلق ألسنتهم فِيهَا بِاللَّفْظِ الفصيح الْمُبين وَتظهر آثَار بركاته فِي مراشده وَتبين ولتتوفر همته فِي عمَارَة الْوَقْف واستنمائها والتوفر على كل مَا عَاد بتزايدها وزكائها بِحَيْثُ يَتَّضِح مَكَان نظره فِيهَا ويبلغ الْغَايَة الموفية على من تقدم ويوفيها وَلَا يَسْتَعِين إِلَّا بِمن يُؤَدِّي الْأَمَانَة ويوفيها وَيقوم بشرائط الاستحفاظ ويكفيها وَهُوَ أدام الله رفعته يجْرِي من عوائد المدرسين والمتولين على أوفى مَعْهُود ويرقى فِيهِ إِلَى أبعد مرتقى ومقام مَحْمُود وَأذن لَهُ فِي تنَاول إِيجَاب التدريس وَنظر الْوُقُوف الْمَذْكُورَة أُسْوَة من تقدمه فِي التدريس وَالنَّظَر فِي الْمَوْقُوف على كل مَا شَرطه الْوَاقِف فِي كل ورد وَصدر واعتماد كل مَا حد لَهُ فِي ذَلِك وَمثله من غير تجَاوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 الأسلوب الْخَامِس أَن يفتح مَا يكْتب بِلَفْظ هَذَا كتاب ثمَّ يُقَال أما بعد فَالْحَمْد لله وَيُؤْتى بِخطْبَة مُنَاسبَة للْحَال وَرُبمَا أَتَى فِيهَا بِثَلَاث تحميدات ثمَّ أَتَى على الْمَقْصُود إِلَى آخِره وعَلى ذَلِك كَانَ يكْتب لزعماء أهل الذِّمَّة من البطاركة وَنَحْوهم وَهَذِه نُسْخَة توقيع من ذَلِك كتب بِهِ أَمِين الدولتين ابْن موصلايا عَن الْقَائِم بِأَمْر الله لعبد يسوع الجاثليق الفطرك بِمَدِينَة السَّلَام وَسَائِر الْبلدَانِ فِي ربيع الأول سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَهِي هَذَا كتاب أَمر بكتبه عبد الله أَبُو جَعْفَر عبد الله الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ لعبد يسوع الجاثليق الفطرك أما بعد فَالْحَمْد لله الْوَاحِد بِغَيْر ثَان الْقَدِيم لَا عَن وجود زمَان الَّذِي قصرت صَنِيعَة الأوهام عَن إِدْرَاكه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وحارت وضلت صَنِيعَة الأفهام عَن بُلُوغ مدى صِفَاته وحالت المتنزه عَن الْوَلَد والصاحبة العاجزة عَن إحاطة الْعلم بِهِ دَلَائِل الْعُقُول الصافية الصائبة ذى الْمَشِيئَة الحالية بالمضاء وَالْقُدْرَة الْجَارِيَة عَلَيْهَا تصاريف الْقدر وَالْقَضَاء وَالْعَظَمَة الغنية عَن العون والظهير المتعالي بهَا عَن الْكُفْء والنظير والعزة المكتفية عَن الْعَضُد والنصير {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَالْحَمْد لله الَّذِي اخْتَار الْإِسْلَام دينا وارتضاه وشام بِهِ عضب الْحق على الْبَاطِل وانتضاه وَأرْسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منقذا من إشراك الضلة وكاشفا عَن الْإِيمَان مَا غمره من الْإِشْرَاك وأظله وَبَعثه ماحيا أثر الْكفْر عَن الْقُلُوب والأسماع وناحيا فِي اتِّبَاع مَا جد فِي البدار إِلَيْهِ والإسراع وأدلى مَا حمله أحسن الإدلاء وداوى بمعجزة النُّبُوَّة من النُّفُوس معضل الدَّاء وَلم يزل لأعلام الْهدى مُبينًا ولحبائل الغي حاسما مُبينًا إِلَى أَن خلص الْحق وَصفا وَغدا الدّين من أضداده منتصفا واتضح للحائر سنَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الرشدوانقاد الأبي باللين والأشد فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطاهرين واصحابه المتخبين وخلفائه الْأَئِمَّة الرَّاشِدين وَسلم تَسْلِيمًا وَالْحَمْد لله الَّذِي استخلص أَمِير الْمُؤمنِينَ من أزكى الدوحة والأرومة وأحله من عز الْإِمَامَة ذرْوَة للمجد غير مرومة وأصار إِلَيْهِ من تراث النُّبُوَّة مَا حواه بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْوُجُوب وَأصَاب بِهِ من مرامي الصَّلَاة مَا حميت شموسه من الافول وَالْوُجُوب وأولاه من شرف الْخلَافَة مَا استقدم بِهِ الْفَخر فلبى واستخدم مَعَه الدَّهْر فِيمَا تأبى ومنح أَيَّامه من ظُهُور الْعدْل فِيهَا وانتشاره ولقاح حوائل الْإِنْصَاف فِيهَا وَوضع عشاره مَا فضل بِهِ العصور الخالية وظلت السّير متضمنة من ذكرهَا مَا كَانَت من مثله عَارِية خَالِيَة ومو يستديمه سُبْحَانَهُ المعونة على مَا يقرب لَدَيْهِ ويزلف عِنْده ويستمده التَّوْفِيق الَّذِي يَغْدُو لعزائمه الميمونة أوفى الْعَضُد وَالْعدة وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب وأمير الْمُؤمنِينَ مَعَ مَا أوجب الله تَعَالَى عَلَيْهِ من اخْتِصَاص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 رعاياه بأكنافه الَّذِي يمد عَلَيْهِم رواقها وَيرد بهَا إِلَى أَغْصَان صَلَاحهمْ أوراقها ويلقي على أجيادهم عقودها ويقي ريَاح ائتلافهم ركودها يرى أَن يولي أولي الاسْتقَامَة من أهل ذمَّته ضروب الرأفة وصنوفها وأقسام العاطفة الدافعة عَنْهُم حوادث الْغَيْر وصروفها بِمُقْتَضى عهودهم القوية القوى وذمتهم الَّتِي يلْزم أَن يحافظ عَلَيْهَا أهل الْعدْل وَالتَّقوى ويغتمدهم من الصون الغامر والإجمام المضاهى الآنف مِنْهُ الغابر بِمَا قنص يَد الضيم وكفه وَيفِيض عَلَيْهِم من الملاحظة كل مَا حسم الضير دونهم وكفه وَأَن يحتويهم من الحياطة يما يحرس رسومهم المستمرة من أَسبَاب الاختلال ويجريهم فِيهَا على مَا سنه السّلف الصَّالح مَعَهم من مألوف السجايا والخلال وَلما أنهِي إِلَى حَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ تمييزك عَن نظرائك وتحليك من السداد بِمَا يسْتَوْجب مَعَه أمثالك الْمُبَالغَة فِي وصفك وإطرائك وتخصصك بالأنحاء الَّتِي فت فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 شأو أقرانك وأفدت بهَا مَا قصر مَعَه مساجلك من أَبنَاء جنسك أَن يعدلك فِي ميزانك وَمَا عَلَيْهِ أهل نحلتك من حَاجتهم إِلَى جاثليق كافل بأمورهم كَاف فِي سياسة جمهورهم مُسْتَقل بِمَا يلْزم الْقيام بِهِ غير مقل بِمَا يتَعَيَّن مثله فِي أدوات منصبه وَأَن كلا مِمَّن يرجع إِلَيْهِ مِنْهُم لما تصفح أَحْوَال مُتَقَدِّمي دينهم واستشف وأعمل الْفِكر فِي اخْتِيَار الْأَرْجَح مِنْهُم والأشف وَاتَّفَقُوا من بعد على إجالة الرَّأْي الَّذِي أفاضوا بَينهم قداحه وراضوا بِهِ زند الِاجْتِهَاد إِلَى أَن يورى حِين راموا اقتداحه فَلم يصادفوا من هُوَ بالرياسة عَلَيْهِم أَحَق وَأَحْرَى وللشروط الْمُوجبَة التَّقْدِيم فيهم أجمع وأحوى وَعَن أَمْوَال وقوفهم أعف وأروع وَمن نَفسه لداعي التَّحَرِّي فِيهَا أطوع وأتبع مِنْك اختاروك لَهُم رَاعيا وَلما يشد نظامهم ملاحظا مراعيا وسألوا إِمْضَاء نصهم عَلَيْك وَالْإِذْن فِيهِ وإجراء الْأَمر فِيمَا يخصك أَسد مجاريه وترتيبك فِيمَا أهلت لَهُ وحملت ثقله واختصاصك على من تقدمك من الأضراب بمزيد من الإرعاء والإيجاب وحملك وَأهل نحلتك على الشُّرُوط الْمُعْتَادَة والرسوم الَّتِي إِمْضَاء الشَّرِيعَة لَهَا أوفى الشَّهَادَة رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْإِجَابَة إِلَى مَا وجهت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 إِلَيْهِ فِيهِ الرَّغْبَة واستخارة الله تَعَالَى فِي كل عزم يُطلق شباه ويمضي غربه مقتديا فِيمَا أسداه إِلَيْك وأسناه من النِّعْمَة لديك بِأَفْعَال الْأَئِمَّة الماضين وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ مَعَ أمثالك من الجثالقة الَّذين سبقوا وَفِي مقامك اتسقوا وأوعز بترتيبك جاثليقا لنسطور النَّصَارَى بِمَدِينَة السَّلَام وَسَائِر الْبِلَاد والأصقاع زعيما لَهُم وللروم واليعاقبة طرا وَلكُل من تحويه ديار الْإِسْلَام من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ مِمَّن بهَا يسْتَقرّ وإليها يطرا وَجعل أَمرك فيهم ممتثلا وموضعك من الرياسة عَلَيْهِم متأثلا وَأَن تنفرد بالتقدم على هَذِه الطوائف أجمع ليَكُون قَوْلك فِيمَا يُجِيزهُ الشَّرْع الشريف فيهم يقبل وَإِلَيْك فِي أَحْوَالهم يرجع وَأَن تتَمَيَّز بأهبة الزعامة فِي مجامع النَّصَارَى ومصلياتهم عَامَّة من غير أَن يشركك فِيهَا أَو يشاكلك فِي النِّسْبَة الدَّالَّة عَلَيْهَا مطران أَو أَسْقُف للروم أَو اليعاقبة لتغدو شَوَاهِد ولايتك بالأوامر الإمامية بادية للسامع والناظر وآثار قصورهم عَن هَذِه الرُّتْبَة الَّتِي لم يبلغوها كَافَّة للمجادل مِنْهُم والمناظر وَمنعُوا بأسرهم عَن مساواتك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 فِي كل أَمر هُوَ من شُرُوط الزعامة ورسومها والتزيي بِمَا هُوَ من علاماتها ووسومها إِذْ لَا سَبِيل لأَحَدهم أَن يمد فِي مباراتك بَاعه وَلَا أَن يخرج عَن الْمُوجب عَلَيْهِ من الطَّاعَة لَك والتباعة وحملك فِي ذَلِك على مَا يدل عَلَيْهِ المنشور المنشأ لمن تقدمك الممضي لَك وَلكُل من يَأْتِي بعْدك المجدد بِمَا حواه ذكر مَا نطقت بِهِ المناشير المقررة فِي أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ لمن تقدمك فِي مقامك وأحرز سبق مغزاك ومرامك من كَون الْمَنْصُوب فِي الجثلقة إِلَيْهِ الزعامة على مَا تضمه ديار الْإِسْلَام من هَذِه الْفرق جمعا وَالْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي التَّقَدُّم الَّذِي لَيْسَ لغيره من رياضه مرعى وَتقدم أَمِير الْمُؤمنِينَ بحياطتك وَأهل نحلتك فِي نفوسكم وَأَمْوَالكُمْ وَبَيْعكُمْ ودياركم ومقار صلواتكم وحراسة أمواتكم واعتمادكم بأقسام الكلاءة على أجمل الرَّسْم مَعكُمْ وَأَن تحموا من نقض سنة رضية قررت لكم ودحض وتيرة حميدة اسْتعْملت فِي فرضكم وَأَن تقبض الْجِزْيَة من رجالكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 ذَوي الْقُدْرَة على أَدَائِهَا بِحَسب مَا جرت بِهِ عادتكم دون النِّسَاء وَمن لم يبلغ الْحلم دفْعَة وَاحِدَة فِي السّنة وتجروا فِي ذَلِك على السجية الَّتِي تناقلها الروَاة وتداولتها الْأَلْسِنَة من غير تَثْنِيَة وَلَا تَكْرِير وَلَا ترنيق لمنهل المعدلة عنْدكُمْ وَلَا تكدير وَأَن تحيى بالشد دَائِما وتقوية يدك على من نصبته فِي أُمُورهم نَاظرا ولشملهم ناظما ويفسح لَك فِي فصل مَا شجر بَينهم على سَبِيل الوساطة لتقصد فِي ذَلِك مَا يحسم دواعي الْخلف ويطوي بساطه وَأَن تمْضِي تثقيفك لَهُم وأمرك فيهم أُسْوَة مَا جرى عَلَيْهِ الْأَمر مَعَ من كَانَ قبلك يليهم لتحسن مَعَه السِّيرَة العادلة عَلَيْهِم بِحِفْظ السوام الْمُطَابقَة للشروط السائغة فِي دين الْإِسْلَام وَأمر بإنشاء هَذَا الْكتاب مُشْتَمِلًا على مَا خصك بِهِ وأمضى أَن تعامل بِمُوجبِه فقابل نعْمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عنْدك بِمَا تستوجبه من شكر تبلغ فِيهِ المدى الْأَقْصَى وَبشر لَا يُوجد التصفح لَهُ عنْدك قصورا وَلَا نقصا وواظب على الِاعْتِرَاف بِمَا أوليته من كل مَا جملك وَصدق ظَنك وأملك واستزد الإنعام بِطَاعَة تطوي عَلَيْهَا الجوانح وأدعية لأيامه تتبع الغادي مِنْهَا بالرائح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وتجنب التَّقْصِير فِيمَا بك عدق وَإِلَيْك وكل وَعَلَيْك علق واحتفظ بِهَذَا الْكتاب جنَّة تمنع عَنْك ريب الدَّهْر وَغَيره وَحجَّة تحمل فِيهَا على مَا يحمي مَا منحته من كل مَا شعثه وغبره وليعمل بِهَذَا الْمِثَال كَافَّة المطارنة والأساقفة والقسيسين وَالنَّصَارَى أَجْمَعِينَ وليعتمدوا من اتِّبَاعه كل مَا يسْتَحقّهُ تقديمك على الْجَمَاعَة وليثقوا بِمَا يغمرهم من المعاطف الحامية سربهم من التَّفْرِيق والإضاعة إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَنْبِيه قد ذكر مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي أَنه كَانَ يكْتب لِلْأُمَرَاءِ فِي قرطاس من نصف طومار وللعمال وَالْكتاب فِي قرطاس من ثلث طومار وللتجار وأشباههم فِي قرطاس من ربع طومار وللحساب والمساح فِي قرطاس من سدس طومار وَقد تقدم أَن المُرَاد بالطومار قطع الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل وَلَا يخفى أَن الْمُنَاسب لقطع النّصْف قلم الثُّلُث الْخَفِيف ولقطع الثُّلُث قلم الْكُوفَة وَلما دون ذَلِك قلم الرّقاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الْبَاب الْخَامِس فِيمَا كَانَ يكْتب عَن الْخُلَفَاء من الإقطاعات وتحويل السنين وإلزام أهل الذِّمَّة الشَّرَائِط اللَّازِمَة لَهُم وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَا كَانَ يكْتب عَنْهُم من الإقطاعات وَقد كَانَ عاداتهم فِيهِ أَن يكْتب هَذَا كتاب من عبد الله فلَان الإِمَام الْفُلَانِيّ وَيَأْتِي على الْمَقْصد إِلَى آخِره من إقطاع استغلال وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذ فِيهِ خراج الأَرْض ورقبتها بَاقِيَة لبيت المَال أَو إقطاع تمْلِيك وَهُوَ أَن يملك الأَرْض ويقرر عَلَيْهِ قطيعة تُؤْخَذ مِنْهَا لبيت المَال وَتسَمى هَذِه المقاطعة وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ الْحَافِظ بن عَسَاكِر فِي تَارِيخ الشَّام بِسَنَدِهِ إِلَى أبي قَائِد الدَّارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطَاهُ أَرضًا بفلسطين وَكتب لَهُ بهَا كتابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 فِي قِطْعَة أَدَم وَهُوَ بعد الْبَسْمَلَة هَذَا ذكر مَا وهب مُحَمَّد رَسُول الله للداريين إِذا أعطَاهُ الله الأَرْض وهب لَهُم بَيت عينون وحبرون وَبَيت ابراهيم بِمن فِيهِنَّ لَهُم أبدا شهد عَبَّاس بن عبد الْمطلب وجهيم بن قيس وشرحبيل بن حَسَنَة وَكتب فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة كتب لَهُم بذلك كتابا ونسخته هَذَا مَا أنطى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمِيم الدَّارِيّ وَأَصْحَابه إِن أنطيتكم عينون وحبرون والرطوم وَبَيت ابراهيم برمتهم وَجَمِيع مَا فيهم نطية بت ونفذت وسلمت ذَلِك لَهُم ولأعقابهم من بعدهمْ أَبَد الْأَبَد فَمن آذاهم فِيهَا آذاه الله شهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 وَفِي رِوَايَة إِنَّمَا كتب أَولا هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتميم بن أَوْس الدَّارِيّ إِن لَهُ قَرْيَة حبرًا وَبَيت عينون قريتها كلهَا سهلها وجبلها ماءها وحرثها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده لَا يحاقه فِيهَا أحد وَلَا يلجه عَلَيْهِم أحد بظُلْم فَمن طَلَبهمْ أَو أَخذ من أحدهم شَيْئا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَكتب عَليّ وروى الْحَافِظ بن مَنْدَه نَحوه فَصَارَ ذَلِك أسلوبا ينسج على منواله قلت وَيُقَال إِن الرقعة مَوْجُودَة عَن التميميين بِبَلَد الْخَلِيل إِلَى الْآن فِي رقْعَة أَدَم وَهَذِه نُسْخَة مقاطعة كتب بهَا أَبُو اسحاق الصابي عَن الْمُطِيع لله بإقطاع أَرض إقطاع تمْلِيك وَهِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 هَذَا كتاب من عبد الله الْفضل الإِمَام الْمُطِيع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ لفُلَان بن فلَان إِنَّك رفعت قصتك تذكر حَال ضيعتك الْمَعْرُوفَة بِكَذَا وَكَذَا من رستاق كَذَا وَكَذَا من طسوج كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهَا أَرض رقيقَة قد نزل عَلَيْهَا الخراب وانغلق أَكْثَرهَا بالسد والدغل وَأَن مثلهَا لَا تتسع يَد اللَّيَالِي للإنفاق عَلَيْهِ وعلب بالاسلة واستخراج سدوده وقفل أرضه وَلَا يرغب الأكرة فِي ازدراعه والمعامل فِيهِ وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مقاطعك عَن هَذِه الضَّيْعَة على كَذَا وَكَذَا من الْوَرق الْمُرْسل فِي كل سنة على اسْتِقْبَال سنة كَذَا وَكَذَا الخراجية مقاطعة مُؤَبّدَة مَاضِيَة مقررة نَافِذَة يسْتَخْرج مَالهَا فِي أول الْمحرم من كل سنة وَلَا تتبع بِنَقْض وَلَا يتَأَوَّل فِيهَا متأول وَلَا تعترض فِي مُسْتَأْنف الْأَيَّام مَا اجتهدت فِي عمارتها وتكلفت الْإِنْفَاق عَلَيْهَا واستخراج سدودها وتنقية أراضيها واحتفار سواقيها واجتلاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 الأكرة إِلَيْهَا وَإِطْلَاق البذور والتقاوي فِيهَا وإرغاب المزارعين بتَخْفِيف طسوقها بِحَق الرَّقَبَة ومقاسماتها وَكَانَ فِي ذَلِك توفير لحق بَيت المَال وَصَلَاح ظَاهر لَا يخْتل وَسَأَلت أَمِير الْمُؤمنِينَ الْأَمر بذلك والتقدم بِهِ والإسجال لَك بِهِ وإثباته فِي ديوَان السوَاد ودواوين الحضرة وديوان النَّاحِيَة وتصييره مَاضِيا لَك ولعقبك وَأَعْقَابهمْ وَمن لَعَلَّ هَذِه الضَّيْعَة أَو شَيْئا مِنْهَا ينْتَقل إِلَيْهِ بِبيع أَو مِيرَاث أَو صَدَقَة أَو غير ذَلِك من ضروب الِانْتِقَال فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ بإيثاره الْفَلاح واعتماده أَسبَابه ورغبته فِيمَا عَاد بالتوفير على بَيت المَال والعمارة والترفيه للرعية أمرنَا بِالنّظرِ فِيمَا ذكرته واستقصاء الْبَحْث عَنهُ وَمَعْرِفَة وَجه التَّدْبِير وسبيل الْحَظ فِيهِ وَالْعَمَل بِمَا يُوَافق الرشد فِي جَمِيعه فَرجع إِلَى الدِّيوَان فِي تعرف مَا حكيته من أَحْوَال هَذِه الضَّيْعَة فأنفذ مِنْهُ رجلا مُخْتَارًا ثِقَة مَأْمُونا من أهل الْخِبْرَة بِأُمُور السوَاد وأعمال الْخراج قد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمَانَته وديانته وَحكمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 ومعرفته وَأمره بالمصير إِلَى هَذِه النَّاحِيَة وَجمع أَهلهَا من الأدلاء والأكرة والمزارعين وثقات الْأُمَنَاء والمجاورين وَالْوُقُوف على هَذِه الأقرحة وإيقاع المساحة عَلَيْهَا وكشف أَحْوَال غامرها وعامرها والمسير على حُدُودهَا وَأخذ أَقْوَالهم وآرائهم فِي وَجه صَلَاح وَعمارَة قراح قراح مِنْهَا وَمَا يُوجِبهُ صَوَاب التَّدْبِير فِيمَا التمسته من المقاطعة بالمبلغ الَّذِي بذلته وَذكرت أَنه زَائِد على الِارْتفَاع وَالْكتاب بِجَمِيعِ ذَلِك إِلَى الدِّيوَان ليوقف عَلَيْهِ وَينْهى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ لينْظر فِيهِ فَمَا صَحَّ عِنْده مِنْهُ أَمْضَاهُ وَمَا رأى الِاسْتِظْهَار على نظر النَّاظر فِيهِ استظهر فِيمَا يرى مِنْهُ حَتَّى يقف على حَقِيقَته ويرسم بِمَا يعْمل عَلَيْهِ فَذكر ذَلِك النَّاظر أَنه وقف على هَذِه الضَّيْعَة وعَلى سَائِر أقرحتها وحدودها وطافها بمشهد من أهل الْخِبْرَة بأحوالها من ثِقَات الأدلاء والمجاورين والأكرة والمزارعين والأمناء الَّذين يرجع إِلَى أَقْوَالهم وَيعْمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 عَلَيْهَا فَوجدَ مساحة بطُون الأقرحة المزدرعة من جَمِيعهَا دون سواقيها وبرورها وتلالها ومستنقعاتها وَمَا لَا يعْتَمد من أرْضهَا بالجريب الْهَاشِمِي الَّذِي تمسح بِهِ الأَرْض فِي هَذِه النَّاحِيَة كَذَا وَكَذَا جريبا مِنْهَا قراح كَذَا وَكَذَا وقراح كَذَا وَكَذَا وَمِنْهَا الْحصن والبيوت والساحات والقراحات والخزانات وَوجد حَالهَا فِي الخراب والانسداد وتكدر الْعِمَارَة وَالْحَاجة إِلَى عَظِيم الْمعرفَة ومفرط النَّفَقَة على مَا حكيته وشكوته وَنظر فِي مِقْدَار أصل هَذِه الخزانات من هَذِه الضَّيْعَة وَمَا يجب عَلَيْهَا وَكَيْفِيَّة الْحَال فِي ذَلِك وَنظر أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا رَفعه هَذَا المؤتمن المنفذ من الدِّيوَان وَاسْتظْهر فِيهِ بِمَا يرَاهُ من الِاسْتِظْهَار وَوَجَب عِنْده من الِاحْتِيَاط فَوجدَ مَا رَفعه صَحِيحا صِحَة عرفهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعلمهَا وَقَامَت فِي نَفسه وَثبتت عِنْده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وَرَأى إِيقَاع المقاطعة الَّتِي التمستها على حق بَيت المَال فِي هَذِه الضَّيْعَة فقاطعك عَنهُ فِي كل سنة هلالية على اسْتِقْبَال سنة كَذَا وَكَذَا الخراجية على كَذَا وَكَذَا درهما صحاحا مُرْسلَة بِغَيْر كسر وَلَا حق حَرْب وَلَا جهبذة وَلَا محاسبة وَلَا زِيَادَة وَلَا شَيْء من جَمِيع الْمُؤَن وَسَائِر التوابع والرسوم تُؤَدّى فِي أول الْمحرم كل سنة حسب مَا تُؤَدّى المقاطعة مقاطعة مَاضِيَة مُؤَبّدَة نَافِذَة ثَابِتَة على مُضِيّ الْأَيَّام وكرور الأعوام لَا تنقض وَلَا تفسخ وَلَا تتبع وَلَا يتَأَوَّل فِيهَا وَلَا يعْتَبر على أَن يكون هَذَا المَال وَهُوَ من الْوَرق الْمُرْسل كَذَا وَكَذَا فِي كل سنة مؤدى فِي بَيت المَال ومصححا عِنْد من تورد عَلَيْهِ فِي هَذِه النَّاحِيَة أَمْوَال خراجهم ومقاطعاتهم وجباياتهم لَا يعتل فِيهَا بِآفَة تلْحق الغلات سَمَاوِيَّة وَلَا أرضية وَلَا يتعطل أَرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَلَا بقصور عمَارَة وَلَا نُقْصَان ريع وَلَا بانحطاط سعر وَلَا بتأخر قطر وَلَا تشرب عِلّة وَلَا حرق وَلَا سرق وَلَا بِغَيْر ذَلِك من الْآفَات بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَلَا يحْتَج فِي ذَلِك بِحجَّة يحْتَج بهَا التناء والمزارعون وأرباب الْخراج فِي الالتواء بِمَا عَلَيْهِم وعَلى أَن لَا يدْخل عَلَيْك فِي هَذِه المقاطعة يَد ماسح وَلَا مخمن وَلَا حازر وَلَا مقدم وَلَا أَمِين وَلَا حاظر وَلَا نَاظر وَلَا متتبع وَلَا متعرف لحَال زراعة وَعمارَة وَلَا كاشف لأمر زرع وغلة مَاضِيا ذَلِك لَك ولعقبك من بعْدك وَأَعْقَابهمْ وذريتك وذريتهم أبدا مَا تَنَاسَلُوا وَلمن عَسى أَن تنْتَقل هَذِه الأقرحة أَو شَيْء مِنْهَا إِلَيْهِ بِإِرْث أَو بيع أَو هبة أَو نحل أَو صَدَقَة أَو وقف أَو مناقلة أَو إِجَارَة أَو مُهَايَأَة أَو تمْلِيك أَو إِقْرَار أَو بِغَيْر ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي تنْتَقل بهَا الْأَمْلَاك من يَد إِلَى يَد وَلَا ينْقض ذَلِك وَلَا شَيْء مِنْهُ وَلَا يُغير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 وَلَا يفْسخ وَلَا يزَال وَلَا يُبدل وَلَا يعقب وَلَا يعْتَرض فِيهِ بِسَبَب زِيَادَة عمَارَة وَلَا ارْتِفَاع سعر وَلَا وفور غلَّة وَلَا زكاء ريع وَلَا إحْيَاء موَات وَلَا إِعْمَال معطل وَلَا عمَارَة خراب وَلَا اسْتِخْرَاج غامر وَلَا صَلَاح سرب وَلَا استحداث غلات لم يجر الرَّسْم باستحداثها وزراعتها وَلَا يعد وَلَا يمسح مَا عَسى أَن يغْرس بِهَذِهِ الأقرحة من النّخل وأصناف الشّجر الْمَعْدُود والكروم وَلَا يتَأَوَّل عَلَيْك فِيمَا لَعَلَّ اصل المساحة أَن تزيد بِهِ فِيمَا تعمره وتستخرجه من الجبابين والمستنقعات ومواضع المشارب المستغنى عَنْهَا إِذْ كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قد عرف جَمِيع ذَلِك وَجعل مَا يجب على كل شَيْء مِنْهُ عِنْد وُجُوبه دَاخِلا فِي هَذِه المقاطعة وجاريا مَعهَا وَأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ بِإِثْبَات هَذَا الْكتاب فِي الدَّوَاوِين وَإِقْرَاره فِي يدك حجَّة لَك ولعقبك من بعْدك وَأَعْقَابهمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وورثتك وورثتهم وَثِيقَة فِي أَيْدِيكُم وَفِي يَد من عَسى أَن تنْتَقل هَذِه الضَّيْعَة أَو الأقرحة أَو شَيْء مِنْهَا إِلَيْهِ بِضَرْب من ضروب الِانْتِقَال الَّتِي ذكرت فِي هَذَا الْكتاب وَالَّتِي لم تذكر فِيهِ وَأَن لَا يخلفوا إيرادا من بعده وَلَا يتَأَوَّل عَلَيْكُم متأول فِيهِ فَمن وقف على هَذَا الْكتاب أَو قَرَأَهُ أَو قرئَ عَلَيْهِ من جَمِيع الْأُمَرَاء وولاة العهود والوزراء وَالْكتاب والعمال والمشرفين والمتصرفين والمباشرين فِي أُمُور الْخراج وَأَصْحَاب السيوف على اخْتِلَاف طبقاتهم وتباين مَنَازِلهمْ وأعمالهم فليمتثل مَا أَمر بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ ولينفذ لفُلَان بن فلَان وورثته وورثتهم وعقبه وَأَعْقَابهمْ وَلمن تنْتَقل هَذِه الأقرحة أَو شَيْء مِنْهَا إِلَيْهِ هَذِه المقاطعة من غير مُرَاجعَة فِيهَا وَلَا استئمار عَلَيْهَا وَلَا تَكْلِيف أحد مِمَّن يقوم بأمرها إِيرَاد حجَّة بعد هَذَا الْكتاب بهَا وليعمل بِمثل ذَلِك من وقف على نُسْخَة من نسخ هَذَا الْكتاب فِي ديوَان من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 دواوين الحضرة وأعمالها أَو النَّاحِيَة وليقر فِي يَد فلَان بن فلَان وَيَد من يُورِدهُ ويحتج بِهِ مِمَّن يقوم مقَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَنْبِيه قد تقدم عَن مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي أَنه كَانَ يكْتب لِلْأُمَرَاءِ فِي قرطاس من نصف طومار وَأَن المُرَاد نصف قطع الْبَغْدَادِيّ وَمُقْتَضى ذَلِك أَن إقطاعاتهم كَانَت تكْتب فِي هَذَا الْقطع وَمن دونهم من الْجند كل مِنْهُم بِحَسب رتبته الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب الْخَامِس فِيمَا كَانَ يكْتب فِي تَحْويل السنين الخراجية عَن الْخُلَفَاء وَهُوَ أَن يكْتب بِنَقْل السّنة الشمسية إِلَى السّنة الْهِلَالِيَّة بِالِاسْمِ دون الْحَقِيقَة تَوْفِيقًا بَينهمَا وَإِزَالَة للشُّبْهَة فِي أَمرهمَا وَذَلِكَ أَن أَيَّام السّنة الشمسية فِي الْمدَّة الَّتِي تقطع الشَّمْس الْفلك فِيهَا مرّة وَاحِدَة حسب مَا توجبه حركتها فِي ميلها فِي الْجنُوب وَالشمَال ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وَسِتُّونَ يَوْمًا وَربع يَوْم بالتقريب وَأَيَّام السّنة الْهِلَالِيَّة فِي الْمدَّة الَّتِي يقطع الْقَمَر الْفلك فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة دفْعَة ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَسدس يَوْم فَيكون التَّفَاوُت بَينهمَا أحد عشر يَوْمًا وَسدس يَوْم وَتَكون زِيَادَة السنين الشمسية على السنين الْهِلَالِيَّة فِي كل ثَلَاث سِنِين شهرا وَاحِدًا وَثَلَاثَة أَيَّام وَنصف يَوْم تَقْرِيبًا وَفِي كل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة سنة وَاحِدَة بالتقريب فَإِذا تَمَادى الزَّمَان زَاد تفَاوت مَا بَين السنين حَتَّى يكون كل ثَلَاثمِائَة سنة شمسية ثَلَاثمِائَة وتسع سِنِين هلالية وَعَلِيهِ حمل بعض الْمُفَسّرين قَوْله تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} وَرُبمَا كَانَ اسْتِحْقَاق الْخراج فِي أول سنة من السنين الْعَرَبيَّة ثمَّ ترَاخى الْحَال فِيهَا إِلَى أَن صَار اسْتِحْقَاقه فِي أواخرها ثمَّ ترَاخى حَتَّى يصير فِي السّنة الثَّانِيَة فَيصير الْخراج مَنْسُوبا للسّنة السَّابِقَة واستحقاقه فِي السّنة اللاحقة فَيحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى تَحْويل السّنة الخراجية السَّابِقَة إِلَى الَّتِي بعْدهَا حَتَّى انْتَهَت الْحَال فِي جباية الْخراج سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المتَوَكل وخراج كل سنة يجبى فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا فَلَمَّا دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ كَانَ قد انْقَضى من السنين الَّتِي قبلهَا ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة أولهنَّ سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ من خلَافَة الْمَأْمُون فَاجْتمع من هَذَا الْمُتَأَخر فِيهَا أَيَّام سنة شمسية كَامِلَة وَهِي ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسِتُّونَ يَوْمًا وَربع يَوْم وَزِيَادَة الْكسر وتهيأ إِدْرَاك غلات سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فِي صدر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فَأمر المتَوَكل بإلغاء ذكر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ إِذْ كَانَت قد انْقَضتْ وَنسب الْخراج إِلَى سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَأمر ابراهيم بن الْعَبَّاس فَكتب كتابا عَنهُ بذلك وَهُوَ أول كتاب كتب فِي هَذَا الْمَعْنى وَلم أَقف على نسخته وَجرى الْعَمَل بعد المتَوَكل على ذَلِك سنة بعد سنة إِلَى أَن انْقَضتْ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة آخِرهنَّ اننقضاء سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فَجرى فِيهَا خبط بَين الْكتاب وبقى الْأَمر إِلَى سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المعتضد فَعرف مَا كَانَ من فعل المتَوَكل من نقل سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فَأمر بِنَقْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ هَذَا النَّقْل بعد مُضِيّ أَربع سِنِين من اسْتِحْقَاقه وَكتب بذلك كتاب عَن المعتضد وخلد فِي الدَّوَاوِين ونسخته أما بعد فَإِن أولى مَا صرف إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عنايته وأعمل فِيهِ فكره ورويته وشغل فِيهِ تفقده ورعايته أَمر الْفَيْء الَّذِي خصّه الله بِهِ وألزمه جمعه وتوفيره وحياطته وتكثيره وَجعله عماد الدّين وقوام أَمر الْمُسلمين وَفِيمَا يصرف مِنْهُ أعطيات الْأَوْلِيَاء والجنود وَمن يسْتَعْمل بِهِ فِيهِ لتحصين الْبَيْضَة والذب عَن الْحَرِيم وَحج الْبَيْت وَجِهَاد الْعَدو وسد الثغور وَأمن السَّبِيل وحقن الدِّمَاء وَصَلَاح ذَات الْبَين وأمير الْمُؤمنِينَ يسْأَل الله رَاغِبًا إِلَيْهِ ومتوكلا عَلَيْهِ أَن يحسن عونه على مَا حمله مِنْهُ ويديم توفيقه إِلَى مَا أرضاه وإرشاده إِلَى مَا يقْضِي بِالْخَيرِ عَنهُ وَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَقد نظر أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا كَانَ يجْرِي عَلَيْهِ أَمر جباية هَذَا الْفَيْء فِي خلَافَة آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين صلوَات الله عَلَيْهِم فَوَجَدَهُ على حسب مَا كَانَ يدْرك من الغلات وَالثِّمَار فِي كل سنة أَولا على مجاري شهور سني الشَّمْس فِي النُّجُوم الَّتِي يحل مَال كل صنف مِنْهَا فِيهَا وَوجد شهور السّنة الشمسية تتأخر عَن شهور السّنة الْهِلَالِيَّة أحد عشر يَوْمًا وربعا وَزِيَادَة عَلَيْهِ وَيكون إِدْرَاك الغلات وَالثِّمَار فِي كل سنة بِحَسب تأخرها فَلَا تزَال السنون تمْضِي على ذَاك سنة بعد سنة حَتَّى تَنْقَضِي مِنْهَا ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَيكون عدد الْأَيَّام الْمُتَأَخِّرَة مِنْهَا أَيَّام سنة شمسية كَامِلَة وَهِي ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَربع يَوْم وَزِيَادَة عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يتهيأ بِمَشِيئَة الله وَقدرته إِدْرَاك الغلات الَّتِي تجْرِي عَلَيْهَا الضرائب والطسوق فِي اسْتِقْبَال الْمحرم من سني الْأَهِلّة وَيجب مَعَ ذَلِك إِلْغَاء ذكر السّنة الْخَارِجَة إِذْ كَانَت قد انْقَضتْ ونسبتها إِلَى السّنة الَّتِي أدْركْت الغلات وَالثِّمَار فِيهَا وَإنَّهُ وجد ذَلِك قد كَانَ وَقع فِي أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله رَحمَه الله عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء ثَلَاث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَثَلَاثِينَ سنة آخرتهن سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فاستغنى عَن ذَلِك وَأمر بإلغائه وَنسبه إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فجرت المكاتبات والحسبانات وَسَائِر الْأَعْمَال بعد ذَلِك سنة بعد سنة إِلَى أَن مَضَت ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة آخرتهن انْقِضَاء سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَوَجَب إنْشَاء الْكتب بإلغاء ذكر سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ ونسبتها إِلَى سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فَذهب ذَلِك على كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُعْتَمد على الله وَتَأَخر الْأَمر فِيهِ أَربع سِنِين إِلَى أَن أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه رَحمَه الله فِي سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ بِنَقْل خراج سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فَجرى الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن انْقَضتْ فِي هَذَا الْوَقْت ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة أولَاهُنَّ السّنة الَّتِي كَانَ يجب نقلهَا فِيهَا وَهِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وآخرتهن انْقِضَاء شهور خراج سنة سبع وثلاثمائة وَوَجَب افْتِتَاح خراج مَا تجْرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 عَلَيْهِ الضرائب والطسوق فِي أَولهَا من صَوَاب التَّدْبِير واستقامة الْأَعْمَال وَاسْتِعْمَال مَا يخف على الرّعية معاملتها بِهِ نقل سنة الْخراج لسنة سبع وثلاثمائة إِلَى سنة ثَمَان وثلاثمائة فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ لما يلْزم بِهِ نَفسه ويأخذها بِهِ من الْعِنَايَة بِهَذَا الْفَيْء وحياطة أَسبَابه وإجرائها مجاريها وسلوك سَبِيل آبَائِهِ الرَّاشِدين رَحْمَة الله عَلَيْهِم فِيهَا أَن يكْتب إِلَيْك وَإِلَى سَائِر الْعمَّال بالنواحي بِالْعَمَلِ على ذَلِك وَيكون مَا يصدر إِلَيْكُم من الْكتب وتصدرونه عَنْكُم وتجري عَلَيْهِ أَعمالكُم ورفوعكم وحسباناتكم وَسَائِر مناظراتكم على هَذَا النَّقْل فَاعْلَم ذَلِك من رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ واعمل بِهِ مستشعرا فِيهِ وَفِي كل مَا تمضيه تقوى الله وطاعته ومستعملا ثِقَات الأعوان وكفاتهم مشرفا عَلَيْهِم ومقوما لَهُم واكتب بِمَا يكون مِنْك فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلم يزل الْأَمر جَارِيا على ذَلِك فِي كل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 سنة تنقل سنة إِلَى آخر الدولة العباسية بالعراق قلت أما الديار المصرية فقد ذكر صَاحب الْمِنْهَاج فِي صَنْعَة الْخراج أَن أول نقل السنين فِيهِ كَانَ فِي سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الْهِلَالِيَّة وَكتب فِيهَا كتاب من إنْشَاء القَاضِي الْفَاضِل وَهِي مستمرة على النَّقْل فِي كل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة إِلَى زَمَاننَا هَذَا يكْتب بهَا عَن السُّلْطَان الْفَصْل الثَّالِث من الْبَاب الْخَامِس فِيمَا كَانَ يكْتب عَن الْخُلَفَاء فِي إِلْزَام أهل الذِّمَّة مَا يلْزمهُم بشريطة عقد الذِّمَّة وَأَخذهم بذلك وَأول مَا كتب بذلك فِي خلَافَة المتَوَكل على الله بن المعتصم بن هَارُون الرشيد وَذَلِكَ أَنه حج فَسمع رجلا يَدْعُو عَلَيْهِ فهم بقتْله فَقَالَ لَهُ الرجل وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 مَا قلت مَا قلت إِلَّا وَقد ايقنت بِالْقَتْلِ فاسمع مقالي ثمَّ مر بقتلي فَقَالَ قل فَشَكا إِلَيْهِ استطالة كتاب أهل الذِّمَّة على الْمُسلمين فِي كَلَام طَوِيل فَخرج أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل بِأَن يلبس النَّصَارَى وَالْيَهُود ثِيَاب العسلي وَأَن لَا يمكنوا من لبس الْبيَاض كي لَا يتشبهوا بِالْمُسْلِمين وَأَن تكون ركبهمْ خشبا وَأَن تهدم بيعهم المستجدة وَأَن تطلق عَلَيْهِم الْجِزْيَة وَلَا يفسح لَهُم فِي دُخُول حمامات خدمها من الْمُسلمين وَأَن تفرد لَهُم حمامات خدمها من أهل الذِّمَّة وَأَن لَا يستخدموا مُسلما فِي حوائجهم وأفردهم بِمن يحْتَسب عَلَيْهِم وَأمر أَن يكْتب بذلك كُله كتابا فَكتب وَهَذِه نسخته أما بعد فَإِن الله تَعَالَى اصْطفى الْإِسْلَام دينا فشرفه وَكَرمه وأناره ونضره وأظهره وفضله وأكمله فَهُوَ الدّين الَّذِي لَا يقبل غَيره قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 بعث بِهِ صَفيه وَخيرته من خلقه مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعله خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَسيد الْمُرْسلين {لينذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين} وَأنزل كتابا عَزِيزًا {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} أسعد بِهِ أمته وجعلهم خير أمة أخرجت للنَّاس يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويؤمنون بِاللَّه {وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} وأهان الشّرك وَأَهله ووضعهم وصغرهم وقمعهم وخذلهم وتبرأ مِنْهُم وَضرب عَلَيْهِم الذلة والمسكنة وَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} واطلع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 على قُلُوبهم وخبث سرائرهم وضمائرهم فَنهى عَن ائتمانهم والثقة بهم لعداوتهم للْمُسلمين وغشهم وبغضائهم فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا ودوا مَا عنتم قد بَدَت الْبغضَاء من أَفْوَاههم وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر قد بَينا لكم الْآيَات إِن كُنْتُم تعقلون} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ أتريدون أَن تجْعَلُوا لله عَلَيْكُم سُلْطَانا مُبينًا} وَقَالَ تَعَالَى {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وَقد انْتهى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أُنَاسًا لَا رَأْي لَهُم وَلَا روية يستعينون بِأَهْل الذِّمَّة فِي أفعالهم ويتخذونهم بطانة من دون الْمُسلمين ويسلطونهم على الرّعية فيعسفونهم ويبسطون أَيْديهم إِلَى ظلمهم وغشهم والعدوان عَلَيْهِم فأعظم أَمِير الْمُؤمنِينَ ذَلِك وَأنْكرهُ وأكبره وتبرأ مِنْهُ وَأحب التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بحسمه وَالنَّهْي عَنهُ وَرَأى أَن يكْتب إِلَى عماله على الكور والأمصار وولاة الثغور والأجناد فِي ترك استعمالهم لأهل الذِّمَّة فِي شَيْء من أَعْمَالهم وأمورهم والإشراك لَهُم فِي أُمُورهم وأماناتهم وَمَا قلدهم أَمِير الْمُؤمنِينَ واستحفظهم إِيَّاه إِذْ جعل فِي الْمُسلمين الثِّقَة فِي الدّين وَالْأَمَانَة على إخْوَانهمْ الْمُؤمنِينَ وَحسن الرِّعَايَة لما استرعاهم والكفاية لما استكفوا وَالْقِيَام بِمَا حملُوا بِمَا أغْنى عَن الِاسْتِعَانَة من الْمُشْركين بِاللَّه المكذبين برسله الجاحدين لآياته الجاعلين مَعَه إِلَهًا آخر لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ وَرَجا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا ألهمه الله من ذَلِك وَقذف فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 قلبه جزيل الثَّوَاب وكريم المآب وَالله تَعَالَى يعين أَمِير الْمُؤمنِينَ على نِيَّته على تعزيز الْإِسْلَام وَأَهله وإذلال الشّرك وَحزبه فلتعلم هَذَا من رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا تستعن بِأحد من الْمُشْركين وَأنزل أهل الذِّمَّة مَنَازِلهمْ الَّتِي أنزلهم الله بهَا واقرأ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ على أهل أعمالك وأشعه فيهم وَلَا يعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّك استعنت وَلَا أحد من عمالك وأعوانك بِأحد من أهل الذِّمَّة فِي عمل الْإِسْلَام قلت ثمَّ لم يزل الْخُلَفَاء بعد المتَوَكل يتداولون كِتَابَة مثل ذَلِك فِي كل زمن ويشددون فِيهِ حَتَّى أَن المقتدر بِاللَّه فِي سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ عزل كتاب النَّصَارَى وعمالهم وَأمر بِأَن لَا يستعان بِأحد من أهل الذِّمَّة وَقتل بعض النَّصَارَى وَكتب إِلَى عماله بهَا نسخته عوائد الله عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ تومى على عَادَة رِضَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 وَنِهَايَة أمانيه وَلَيْسَ أحد يظْهر عصيانه إِلَّا جعله الله عظة للأنام وبادره بعاجل الاصطلام وَالله عَزِيز ذُو انتقام فَمن نكث وطغى وبغى وَخَالف أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَالف مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسعى فِي إِفْسَاد دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عاجله أَمِير الْمُؤمنِينَ بسطوته وطهر من رجسه دولته وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَقد أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ بترك الِاسْتِعَانَة بِأحد من أهل الذِّمَّة فليحذر الْعمَّال تجَاوز أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ ونواهيه وَكَذَلِكَ وَقع فِي زمن الْآمِر الفاطمي بالديار المصرية أَمر بِكِتَاب كتاب عَنهُ بإلباس أهل الذِّمَّة الغيار وَإِنْزَالهمْ بالمنزلة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن ينزلُوا بهَا من الذل وَالصغَار وَأمر أَن لَا يولوا شَيْئا من أَعمال الْإِسْلَام وَأَن ينشأ فِي ذَلِك كتاب يقف عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام فَكتب وأوله الْحَمد لله المعبود فِي أرضه وسمائه والمجيب دُعَاء من يَدعُوهُ بأسمائه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَهُوَ كتاب طَوِيل قصّ عَلَيْهِم فِيهِ كل نكال وعَلى ذَلِك جرى مُلُوك الديار المصرية إِلَى أَن كَانَ آخر مَا كتب بِمثل ذَلِك عَن الْملك الصَّالح صَالح بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة خمس وَخمسين وَسبع مائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 الْبَاب السَّادِس فِي الْكتب الصادرة عَن الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد بالخلافة والكتب الصادرة إِلَى الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد من الْمُلُوك وَنَحْوهم وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي الْكتب الصادرة عَن الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد أما الْكتب الصادرة عَن الْخُلَفَاء فللكتاب فِي المكاتبات الْعَامَّة فِيهَا أَرْبَعَة مَذَاهِب الْمَذْهَب الأول أَن يفْتَتح الْكتاب بِلَفْظ أما بعد وَرُبمَا أَتَى فِيهِ بعد البعدية بالتحميد إِذا كَانَ الْكتاب مِمَّا يدل على نعْمَة ظَاهِرَة من فتح أَو غَيره وَقد يَنْتَهِي التَّحْمِيد إِلَى ثلثه وَقد يقصر فِيهِ على تَحْمِيدَة وَاحِدَة وَرُبمَا أهمل التَّحْمِيد وَوَقع الِافْتِتَاح بأما بعد فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 يفْتَتح كتبه بأما بعد كَمَا كتب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نَصَارَى نَجْرَان بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِلَه ابراهيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى عبَادَة الله من عبَادَة الْعباد وأدعوكم إِلَى ولَايَة الله من ولَايَة الْعباد فَإِن أَبَيْتُم فالجزية فَإِن أَبَيْتُم فقد آذنتكم بِحَرب الْإِسْلَام وعَلى ذَلِك كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ حِين حصر فِي دَاره إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أما بعد فقد بلغ السَّيْل الزبى والحزام الطبيين وطمع فِي كل من كَانَ يضعف عَن نَفسه وَلم يَغْلِبك مثل مغلب فَأقبل إِلَى صديقا كنت أم عدوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 .. فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل وَإِلَّا فأدركني وَلما أمزق ... وعَلى مثل ذَلِك كتب يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى أهل الْمَدِينَة وَقد خَرجُوا عَن طَاعَته أما بعد فَإِن {الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ وَمَا لَهُم من دونه من وَال} وَإِنِّي وَالله قد لبستكم فأخلقتكم ورفعتكم على رَأْسِي ثمَّ على عَيْني ثمَّ على فمي ثمَّ على بَطْني وأيم الله لَئِن وضعتكم تَحت قدمي لأطأنكم وَطْأَة أقل بهَا عددكم وأترككم بهَا أَحَادِيث تنسخ مِنْهَا أخباركم كأخبار عَاد وَثَمُود وعَلى هَذَا الأسلوب كتب عَن المعتصم بِاللَّه إِلَى مُلُوك الْآفَاق من الْمُسلمين عِنْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 قبض الأفشين على بابك ملك الرّوم وَهُوَ من الْفتُوح الْعَظِيمَة فِي الْإِسْلَام وَهَذِه نسخته أما بعد فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل الْعَاقِبَة لدينِهِ والعصمة لأوليائه والعز لمن نَصره والفلج لمن أطاعه وَالْحق لمن عرف حَقه وَجعل دَائِرَة السوء على من عَصَاهُ وصدف عَنهُ وَرغب عَن ربوبيته وابتغى إِلَهًا غَيره لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ حمد من لَا يعبد غَيره وَلَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا يُفَوض أمره إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا يَرْجُو الْخَيْر إِلَّا من عِنْده والمزيد إِلَّا من سَعَة فَضله وَلَا يَسْتَعِين فِي أَحْوَاله كلهَا إِلَّا بِهِ ويسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وصفوته من عباده الَّذِي ارْتَضَاهُ لنبوته وابتعثه بوحيه واختصه بكرامته فَأرْسلهُ بِالْحَقِّ شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا وَالْحَمْد لله الَّذِي توجه لأمير الْمُؤمنِينَ بصنعه فيسر لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 أمره وَصدق لَهُ ظَنّه وأنجح لَهُ طلبته وأنفذ لَهُ حيلته وَبلغ لَهُ بغيته وَأدْركَ الْمُسلمُونَ بثأرهم على يَده وَقتل عدوهم وأسكن روعهم ورحم فاقتهم وآنس وحشتهم فَأَصْبحُوا آمِنين مُطْمَئِنين مقيمين فِي دِيَارهمْ متمكنين من أوطانهم بعد الْقَتْل والحرق والتشريد وَطول العناء وتتابع الْبلَاء منا من الله عز وَجل على أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا خصّه بِهِ وصنعا لَهُ فِيمَا وَفقه لطلبه وكرامة زَادهَا فِيمَا أجْرى على يَده فَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله ويرغب إِلَى الله فِي تَمام نعمه ودوام صنعه وسعة مَا عِنْده بمنه ولطفه وَلَا يعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ كَثْرَة أَعدَاء الْمُسلمين وتكنفهم إِيَّاه من أقطاره والضغائن الَّتِي فِي قُلُوبهم على أَهله وَمَا يترصدونه من الْعَدَاوَة وينطوون عَلَيْهِ من المكايدة إِذْ كَانَ هُوَ الظَّاهِر عَلَيْهِم والآخذ مِنْهُم عدوا كَانَ أعظم بلية وَلَا أجل خطبا وَلَا أَشد طلبا وَلَا أبلغ مكايدة وَلَا أرمى بمكروه من هَؤُلَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 الْكَفَرَة الَّذين يغزوهم الْمُسلمُونَ فيستعلون عَلَيْهِم ويضعون أَيْديهم حَيْثُ شَاءُوا مِنْهُم وَلَا يقبلُونَ لَهُم صلحا وَلَا يميلون مَعَهم إِلَى موادعة وَإِن كَانَت لَهُم على طول الْأَيَّام وَتصرف الْحَالَات وَبَعض مَا لَا يزَال يكون من فترات وُلَاة الثغور أدنى دولة من دولات الظفر وخلسة من خلس الْحَرْب كَانَ مَالهم من خوف الْعَاقِبَة فِي ذَلِك منغصا لما تعجلوا من سروره وَمَا يتوقعون من الدَّوَائِر بعد تكدرا لما وصل إِلَيْهِم من فرحة فَأَما اللعين بابك وكفرته فَإِنَّهُم كَانُوا يغزون أَكثر مِمَّا يغزون وينالون أَكثر مِمَّا ينَال مِنْهُم وهم المنحرفون عَن الْمُوَادَعَة المتوحشون عَن المراسلة وَمن أديلوا من تتَابع الدول وَلم يتجافوا عَاقِبَة تُدْرِكهُمْ وَلَا دَائِرَة تَدور عَلَيْهِم وَكَانَ مِمَّا وطأ ذَلِك ومكنه لَهُم أَنهم قوم ابتدءوا أَمرهم على حَال تشاغل من السُّلْطَان وتتابع من الْفِتَن واضطراب من الْحَبل فَاسْتَقْبلُوا أَمرهم بعزة من أنفسهم وَضعف واستشارة مِمَّن باراهم فأجلوا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 حَولهمْ لتخلص الْبِلَاد لَهُم ثمَّ أخربوا الْبِلَاد ليز مطلبهم وتشتد المؤونة وتعظم الكلفة ويقووا فِي ذَات أَيْديهم فَلم يتواف إِلَيْهِم قواد السُّلْطَان إِلَّا وَقد توافت إِلَيْهِم الْقُوَّة من كل جَانب فاستفحل أَمرهم وعظمت شوكتهم واشتدت ضراوتهم وَاسْتَجْمَعَ لَهُم كيدهم وَكثر عَددهمْ واعتدادهم وتمكنت الْمُصِيبَة فِي صُدُور النَّاس مِنْهُم وَتحقّق فِي نُفُوسهم أَن كل مَا يعدهم الْكَافِر ويمنيهم أَخذ بِالْيَدِ وَكَانَ الَّذِي بقى عِنْدهم مِنْهُ كَالَّذي مضى وَبِدُون هَذَا مَا يختدع الأريب ويستزل الْعَاقِل ويعتقل الفطن فَكيف من لَا فكرة لَهُ وَلَا روية عِنْده هَذَا مَعَ كل مَا يقوم فِي قُلُوبهم من حسد أهل النعم ومنافستهم على مَا فِي أَيْديهم وتقطعهم حسرات فِي إِثْر مَا خصوا بِهِ وَأَنَّهُمْ إِلَّا يَكُونُوا يرَوْنَ أنفسهم أَحَق بذلك فَإِنَّهُم يرَوْنَ أنفسهم فِيهِ سَوَاء وَلم يزل أَمِير الْمُؤمنِينَ قبل أَن تُفْضِي إِلَيْهِ الْخلَافَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 مَادًّا عُنُقه موجها همته إِلَى أَن يوليه الله أَمر هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة ويملكه حربهم ويجعله المقارع لَهُم عَن دينه والمناجز لَهُم عَن حَقه فَلم يكن يألو فِي ذَلِك حرصا وطلبا واحتفالا فَكَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ يَأْبَى ذَلِك لضنه بِهِ وصيانته بِقُرْبِهِ مَعَ الْأَمر الَّذِي أعده الله وآثره بِهِ وَرَأى أَن شَيْئا لَا يَفِي بقوام الدّين وَصَلَاح الْأَمر فَلَمَّا أفْضى الله إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ بخلافته وَأطلق الْأَمر فِي يَده لم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ وَلَا آخذ بِقَلْبِه من المعاجلة للْكَافِرِ وكفرته فأعزه الله وأعانه الله فَللَّه الْحَمد على ذَلِك وتيسره فأعد من أَمْوَاله أحصرها وَمن قواد جَيْشه أعلمهم بِالْحَرْبِ وأنهضهم بالمعضلات وَمن أوليائه وَأَبْنَاء دَعوته ودعوة آبَائِهِ صلوَات الله عَلَيْهِم أحْسنهم طَاعَة وأشدهم نكاية وَأَكْثَرهم عدَّة ثمَّ أتبع الْأَمْوَال بالأموال وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ من خَاصَّة موَالِيه وَعدد غلمانه وَقبل ذَلِك مَا اتكل عَلَيْهِ من صنع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الله جلّ وَعز وَوجه إِلَيْهِ من رغبته فَكيف رأى الْكَافِر اللعين وَأَصْحَابه الملاعين ألم يكذب الله ظنونهم ويشف صُدُور أوليائه مِنْهُم فَقَتَلُوهُمْ كَيفَ شَاءُوا فِي كل موطن ومعترك مَا دَامَت عِنْد أنفسهم مقاومة فَلَمَّا ونوا وقلوا وكرهوا الْمَوْت صَارُوا لَا يتراءون إِلَّا فِي رُؤُوس الْجبَال ومضايق الطّرق وَخلف الأودية وَمن وَرَاء الْأَنْهَار وَحَيْثُ لَا تنالهم الْخَيل حبا للمطاولة وانتظارا للدوائر فكادهم الله عِنْد ذَلِك وَهُوَ خير الكائدين واستدرجهم حَتَّى جمعهم إِلَى حصنهمْ معتصمين فِيهِ عِنْد أنفسهم فَجعلُوا اعتصامهم لحين لَهُم وصنع لأوليائه وإحاطة مِنْهُ بِهِ تبَارك وَتَعَالَى فَجَمعهُمْ وحصرهم كي لَا تبقى مِنْهُم بَقِيَّة وَلَا يترجى لَهُم عَاقِبَة وَلَا يكون الدّين إِلَّا لله وَلَا الْعَاقِبَة إِلَّا لأوليائه وَلَا التعس والنكس إِلَّا لمن خذله فَلَمَّا حصرهم الله تَعَالَى وحبسهم ودانتهم مصَارِعهمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 سلطهم الله عَلَيْهِم كيد وَاحِدَة يختطفونهم بسيوفهم وينتظمونهم برماحهم فَلَا يَجدونَ ملْجأ وَلَا مهربا ثمَّ أمكنهم من أَهَالِيهمْ وَأَوْلَادهمْ وَنِسَائِهِمْ وخدمهم وصير الدَّار دَارهم والمحلة محلتهم وَالْأَمْوَال قسما بَينهم والأهل إِمَاء وعبيدا لَهُم وَفَوق ذَلِك كُله مَا فعل بهؤلاء وَأَعْطَاهُمْ من الرَّحْمَة وَالثَّوَاب وَمَا أعد لأولئك من الخزي وَالْعِقَاب وَصَارَ الْكَافِر بابك لَا فِي من قتل فَيسلم من ذل الْغَلَبَة وَلَا فِيمَن نجا فعاين فِي الْحَيَاة بعض الْعِوَض وَلَا فِيمَن أُصِيب فيشتغل بِنَفسِهِ عَن الْمُصِيبَة بِمَا سواهُ وَلكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أطلقهُ وسد مذاهبه وَتَركه ملددا بَين الذل وَالْخَوْف والغصة وَالْحَسْرَة حَتَّى إِذا ذاق طعم ذَلِك كُله وفهمه وَعرف بموقع الْمُصِيبَة وَظن مَعَ ذَلِك كُله أَنه على طَرِيق من النجَاة فَأَضْرب الله وَجهه وأعمى بَصَره وسد سَبيله وَأخذ بسمعه وبصره وحازه إِلَى من لَا يرق لَهُ وَلَا يرثى لمصرعه فامتثل مَا أَمر بِهِ الأفشين حيدر بن طَاوُوس مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أمره فَبَثَّ لَهُ الحبائل وَوضع عَلَيْهِ الأرصاد وَنصب لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 الأشراك حَتَّى أظفره الله بِهِ أسيره ذليلا موثقًا فِي الْحَدِيد يرَاهُ فِي تِلْكَ الْحَالة من كَاد يرَاهُ رَبًّا وَيرى الدائرة عَلَيْهِ من كَانَ يظنّ أَنَّهَا سَتَكُون لَهُ فَالْحَمْد لله الَّذِي أعز دينه وَأظْهر حجَّته وَنصر أولياءه وَأهْلك أعداءه حمدا يقْضى بِهِ الْحق وتتم بِهِ النِّعْمَة وتتصل بِهِ الزِّيَادَة وَالْحَمْد لله الَّذِي فتح على أَمِير الْمُؤمنِينَ وحقق ظَنّه وأنجح سَعْيه وَحَازَ لَهُ هَذَا الْفَتْح وذخره وشرفه وَجعله خَالِصا لتمامه وكمله بأكمل الصنع وَأحسن الْكِفَايَة وَلم ير يَوْمًا فِيهِ يقذى عينه وَلَا خلا من سرُور يرَاهُ وَبشَارَة تتجدد لَهُ عَنهُ فَمَا يدْرِي أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا متع فِيهِ من الأمل أَو مَا ختم لَهُ من الظفر فَالْحَمْد لله أَولا وَالْحَمْد لله على عطاياه الَّتِي لَا تحصى ونعمه الَّتِي لَا تنسى الْمَذْهَب الثَّانِي فِيمَا يكْتب عَن الْخُلَفَاء من الْكتب أَن يفْتَتح الْكتاب بِلَفْظ من فلَان إِلَى فلَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن مُعظم كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصادرة عَنهُ كَانَت على هَذَا النمط كَمَا كتب عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرقل ملك الرّوم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين و {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته يكْتب عَنهُ من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله ثمَّ الْبَاقِي من نِسْبَة مَا يكْتب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ كتب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي أول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 خِلَافَته من عمر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن لقب بأمير الْمُؤمنِينَ فَكتب من عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ فلزمها من بعده من الْخُلَفَاء إِلَى أَن كَانَت خلَافَة الْمَأْمُون فَزَاد بعد التَّحْمِيد وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فَتَبِعَهُ من بعده من الْخُلَفَاء على ذَلِك ثمَّ يُؤْتى بالبعدية وَيَدعِي للخليفة مثل أَطَالَ الله بَقَاءَك وَنَحْوه ثمَّ يُؤْتى على الْمَقْصُود وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكْتب فِي كتبه إِلَى أَصْحَابه بعد من مُحَمَّد رَسُول الله سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ وَهَذِه نُسْخَة كتاب كتب بِهِ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِلَى أهل الرِّدَّة حِين ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من بلغه كتابي هَذَا من عَامَّة وخاصة أَقَامَ على الْإِسْلَام أَو رَجَعَ عَنهُ سَلام على من اتبع الْهدى وَلم يرجع بعد الْهدى إِلَى الضَّلَالَة والعمى فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 إِلَه إِلَّا هُوَ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأقر بِمَا جَاءَ بِهِ وأكفر من أَبى وأجاهده أما بعد فَإِن الله أرسل مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ من عِنْده إِلَى خلقه بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا {لينذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين} يهدي الله للحق من أجَاب إِلَيْهِ وَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِذْنِهِ من أدبر عَنهُ حَتَّى صَار الْإِسْلَام طَوْعًا وَكرها ثمَّ توفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد نفذ لأمر الله ونصح لأمته وَقضى الَّذِي عَلَيْهِ وَكَانَ الله قد بَين لَهُ ذَلِك وَلأَهل الْإِسْلَام فِي الْكتاب الَّذِي أنزل فَقَالَ {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} وَقَالَ {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} وَقَالَ للْمُؤْمِنين {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 فَمن كَانَ يعبدا مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله وَحده لَا شريك لَهُ فَإِن الله بالمرصاد حَيّ قيوم لَا يَمُوت وَلَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم حَافظ لأَمره منتقم من عدوه بحزبه وَإِنِّي أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيكُم وَأَن تهتدوا بهديه وَأَن تعتصموا بدين الله فَإِنَّهُ من لم يهده الله صل وَمن لم يعافه مبتلى وكل من لم ينصره مخذول فَمن هداه الله كَانَ مهديا وَمن أضلّهُ كَانَ ضَالًّا {من يهد الله فَهُوَ المهتد وَمن يضلل فَلَنْ تَجِد لَهُ وليا مرشدا} وَلم يقبل مِنْهُ فِي الدُّنْيَا عمل حَتَّى يقر بِهِ وَلم يقبل لَهُ فِي الْآخِرَة صرف وَلَا عدل وَقد بَلغنِي رُجُوع من رَجَعَ مِنْكُم عَن دينه بعد أَن أقرّ بِالْإِسْلَامِ وَعمل بِهِ اغْتِرَارًا بِاللَّه وجهالة بأَمْره وَإجَابَة للشَّيْطَان وَقَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ ففسق عَن أَمر ربه أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو بئس للظالمين بَدَلا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَقَالَ {إِن الشَّيْطَان لكم عَدو فاتخذوه عدوا إِنَّمَا يَدْعُو حزبه ليكونوا من أَصْحَاب السعير} وَإِنِّي أنفذت إِلَيْكُم فلَانا فِي جَيش من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَان وأمرته أَلا يعاجل أحدا وَلَا يقْتله حَتَّى يَدعُوهُ إِلَى مَا عِنْد الله فَمن اسْتَجَابَ لَهُ وَأقر وكف وَعمل صَالحا قبل مِنْهُ وأعانه عَلَيْهِ وَمن أَبى أَمرته أَن يقاتله على ذَلِك وَلَا يبقي على أحد مِنْهُم قدر عَلَيْهِ وَأَن يحرقهم بالنيران ويقتلهم كل قتلة وَيَسْبِي النِّسَاء والذراري وَلَا يقبل من أحد إِلَّا الْإِسْلَام فَمن آمن فَهُوَ خير لَهُ وَمن تَركه فَلَنْ يعجز الله وَقد أمرت رَسُولي أَن يقْرَأ كتابي فِي كل مجمع لكم والداعية الْأَذَان فَإِن أذن الْمُسلمُونَ فأذنوا كفوا عَنْهُم وَإِن لم يؤذنوا سلوهم عَمَّا عَلَيْهِم فَإِن أَبَوا عاجلوهم وَإِن أقرُّوا قبل مِنْهُم وَحَملهمْ على مَا يَنْبَغِي لَهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وَهَذِه نُسْخَة كتاب كتب بِهِ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَقد بلغه فَاشِية مَال فَشَتْ لَهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير مصر وَهِي من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ سَلام عَلَيْك أما بعد فَإِنَّهُ قد بَلغنِي أَنه فَشَتْ لَك فَاشِية من خيل وإبل وبقر وَعبيد وعهدي بك قبل ذَلِك وَلَا مَال لَك فَاكْتُبْ إِلَيّ من أَيْن أصل هَذَا المَال وَهَذِه نسخته كتاب من ذَلِك كتب بِهِ عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى الْحجَّاج بن يُوسُف وَقد بلغه أَنه تعرض لأنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ وَهِي من عبد الله عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى الْحجَّاج بن يُوسُف أما بعد فَإنَّك عبد قد علت بك الْأُمُور فطغيت وعلوت فِيهَا حَتَّى جزت حد قدرك وعدوت طورك وَايْم الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 لأغمزنك كبعض غمزات الليوث الثعالب ولأركضنك ركضة تدخل مِنْهَا فِي وجعاء أمك اذكر مكاسب آبَائِك فِي الطَّائِف إِذْ كَانُوا ينقلون الْحِجَارَة على أَعْنَاقهم ويحفرون الْآبَار والمناهر بِأَيْدِيهِم قد نسيت مَا كنت عَلَيْهِ أَنْت وآباؤك من الدناءة واللوم والضراعة وَقد بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ من استطاعتك على أنس بن مَالك جرْأَة مِنْك على أَمِير الْمُؤمنِينَ وغرة بِمَعْرِِفَة غَيره ونقماته وسطواته على من خَالف سَبيله وَعمد إِلَى غير محجته وَنزل عِنْد سخطه وأظنك أردْت أَن تروزه بهَا فتعلم مَا عِنْده من التَّغْيِير والتنكير فِيهَا فَإِن سوغتها نصبت قدما وَإِن غصصتها وليت دبرا أَيهَا العَبْد الْأَخْفَش الْعَينَيْنِ الأصك الرجلَيْن الْمَمْسُوح الْجَاعِرَتَيْنِ وَلنْ يخفى على أَمِير الْمُسلمين نبؤك و {لكل نبإ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَهَذِه نُسْخَة كتاب على هَذِه الطَّرِيقَة كتب بِهِ أَبُو إِسْحَاق الصابي عَن الطائع إِلَى صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه عِنْد قبض على كردويه الْكرْدِي شاكرا همته فِي ذَلِك فِي ربيع الأول سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة وَهِي من عبد الله عبد الْكَرِيم الإِمَام الطائع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى صمصام الدولة وشمس الْملَّة أبي كاليجار ابْن عضد الدولة وتاج الْملَّة مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام عَلَيْك فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يحمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ويسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد أَطَالَ الله بَقَاءَك فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ قد بوأك الْمنزلَة الْعليا وأنالك من أثرته الْغَايَة القصوى وَجعل لَك مَا كَانَ لأَبِيك عضد الدولة وتاج الْملَّة رَحْمَة الله عَلَيْهِ من الْقدر وَالْمحل والموضع الأرفع الْأَجَل فَإِنَّهُ يُوجب لَك عِنْد ذَلِك أثرا يكون لَك فِي الْخدمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 ومقاما حميدا تقومه فِي حماية الْبَيْضَة إنعاما بتظاهره وإكراما بتتابعه وتواتره وَالله يؤيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده وَيُخَير لأمير الْمُؤمنِينَ فِيمَا رَأْيه مُسْتَمر عَلَيْهِ من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وَمَا توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ يتوكل وَإِلَيْهِ ينيب وَقد عرفت أدام الله عزك مَا كَانَ من أَمر كردويه كَافِر نعْمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ ونعمتك وجاحد صنعه وصنيعك فِي الوثبة الَّتِي وثبها والكبيرة الَّتِي ارتكبها وَتَقْدِيره أَن ينتهز الفرصة الَّتِي لم يُمكنهُ الله مِنْهَا بل كَانَ من وَرَاء ذَلِك دَفعه ورده عَنْهَا ومعاجلتك إِيَّاه الْحَرْب الَّتِي أصلاه الله نارها وَأتبعهُ عارها وشنارها حَتَّى انهزم والأوغاد الَّذين شركوه فِي إثارة الْفِتْنَة على أقبح أَحْوَال الذلة والقلة بعد الْقَتْل الذريع والإثخان الوجيع فَالْحَمْد لله على هَذِه النِّعْمَة الَّتِي جلّ موقعها وَبَان على الْخَاصَّة والعامة أَثَرهَا وَلزِمَ أَمِير الْمُؤمنِينَ خُصُوصا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَالْمُسْلِمين عُمُوما نشرها والْحَدِيث بهَا وَهُوَ الْمَسْئُول عَن إِقَامَتهَا وإدامتها برحمته وَقد رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يجازيك عَن هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم وَالْمقَام الْمجِيد الْكَرِيم بخلع تَامَّة ودابتين ومركبين ذَهَبا من مراكبه وَسيف وطوق وسوار مرصع فتلق ذَلِك بالشكر عَلَيْهِ والاعتداد بنعمته فِيهِ والبس خلع أَمِير الْمُؤمنِينَ وتكرمته وسر من بَابه على حملاته وَأظْهر مَا حباك بِهِ لأهل حَضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وعَلى نَحْو من هَذِه الطَّرِيقَة كتب عَن الإِمَام المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بِأَمْر الله ثَانِي خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية إِلَى الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين دَاوُد بن الْملك المظفر يُوسُف صَاحب الْيمن من مُلُوك بني رَسُول فِي الدولة الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة سبع وَسَبْعمائة حِين منع صَاحب الْيمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 الْهَدِيَّة الَّتِي جرت الْعَادة بحملها من مُلُوك الْيمن إِلَى مُلُوك الديار المصرية يهدده فِيهِ ويطلبه بِالْقيامِ مَعَه فِي المساعدة لَهُ على التتار بِمَال يبْعَث بِهِ إِلَيْهِ مصدرا بِآيَة من الْقُرْآن مُتبعا للتصدير بِخطْبَة وَهِي {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} من عبد الله ووليه أبي الرّبيع سُلَيْمَان أما بعد حمد الله مانح الْقُلُوب السليمة هداها ومرشد الْعُقُول إِلَى أَمر معادها ومبداها وموفق من اخْتَارَهُ إِلَى محجة صَوَاب لَا يضل سالكها وَلَا تظلم عِنْد اخْتِلَاف الْأُمُور الْعِظَام مسالكها وملهم من اصطفاه لابتغاء آثَار السّنَن النَّبَوِيَّة وَالْعَمَل بموجبات الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة والانتظام فِي سلك من طوقته الْخلَافَة عقودها وأفاضت على سدته الجليلة برودها وملكته أقاصي الْبِلَاد وأناطته بأحكامه السديدة أُمُور الْعباد وسارت تَحت خوافق أَعْلَامه أَعْلَام الْمُلُوك والأكاسرة وشيدت بأحكامه مناجح الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 ومصالح الْآخِرَة وتبختر كل مِنْبَر من ذكره فِي ثوب من السِّيَادَة معلم وتهللت من ألقابه الشَّرِيفَة أسارير كل دِينَار وَدِرْهَم يحمده أَمِير الْمُؤمنِينَ على أَن جعل أُمُور الْخلَافَة ببنى الْعَبَّاس منوطة وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة محوطة وَيُصلي على ابْن عَمه مُحَمَّد الَّذِي أخمد الله بمبعثه مَا ثار من الْفِتَن وأطفأ برسالته مَا اضطرم من نَار الإحن صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين حموا حمى الْخلَافَة وذادوا عَن مواردها وعمدوا إِلَى تشييد المعالم الدِّينِيَّة فأقاموها على قواعدها صَلَاة دائمة الغدو والرواح مُتَّصِلا أَولهَا بطرة اللَّيْل وَآخِرهَا بجبين الصَّباح هَذَا وَإِن الدّين الَّذِي فرض الله على الكافة الانضمام إِلَى شعبه وأطلع فِيهِ شموس هِدَايَة تشرق من مشرقه وَلَا تغرب فِي غربه جعل الله حكمه بأمرنا مَنُوطًا وَفِي سلك أحكامنا مخروطا وقلدنا من أَمر الْخلَافَة المعظمة سَيْفا طَال نجاده وَكثر أعوانه وأنجاده وفوض إِلَيْنَا أَمر الممالك الإسلامية فَإلَى حرمنا تجبى ثمراتها وَيرجع إِلَى ديواننا الْعَزِيز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 نَفيهَا وإثباتها يخلف الْأسد فِي غابه إِن مضى شبله ويلفى فِي الْخَبَر وَالْخَبَر مثله وَلما أَفَاضَ الله تَعَالَى علينا حلَّة الْخلَافَة وَجعل محلنا الشريف مَحل الرَّحْمَة والرافة وأقعدنا على سدة خلَافَة طالما أشرقت بالخلائف من آبَائِنَا وابتهجت بالسادة الغطاريف من أسلافنا وألبسنا خلعة من سَواد السؤدد مصبوغة وَمن سَواد الْعُيُون وسويداء الْقُلُوب مصوغة أمضينا على سدتنا الشَّرِيفَة أَمر الْخَاص وَالْعَام وقلدنا كل إقليم من أَعمالنَا من يصلح لسياسته على الدَّوَام واستكفينا بالكفاة من عمالنا على أَعمالنَا واتخذنا مصر دَار مقامنا وَبهَا سدة مقامنا لما كَانَت فِي هَذَا الْعَصْر قبَّة الْإِسْلَام وفيئة الإِمَام وثانية دَار السَّلَام تعين علينا أَن نتصفح جرائد أَعمالنَا ونتأمل نظام عمالنا مَكَانا مَكَانا وزمانا زَمَانا فتصفحناها فَوَجَدنَا قطر الْيمن خَالِيا من ولايتنا فِي هَذَا الزَّمن عرفنَا هَذَا الْأَمر من اتخذناه للممالك الإسلامية عينا وَقَلْبًا وصدرا ولبا وفوضنا إِلَيْهِ أَمر الممالك الإسلامية فَقَامَ فِيهَا مقَاما أقعد الأضداد وَأحسن فِي تَرْتِيب ممالكها نِهَايَة الإصدار وَغَايَة الْإِيرَاد وَهُوَ السُّلْطَان الْأَجَل السَّيِّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 الْملك النَّاصِر المبجل لَا زَالَت أَسبَاب الْمصَالح على يَدَيْهِ جَارِيَة وسحابة الْإِحْسَان من أفق رَاحَته سَارِيَة فَلم يعد جَوَابا لما ذَكرْنَاهُ وَلَا عذرا عَمَّا أبديناه إِلَّا بتجهيز شرذمة من جحافلة الْمَشْهُورَة وَتَعْيِين أنَاس من فوارسه الْمَذْكُورَة يقتحمون الْأَهْوَال وَلَا يعبأون بتغييرات الْأَحْوَال يرَوْنَ الْمَوْت معنما إِن صادفوه وشبا المرهف مكتسبا إِن صافحوه لَا يشربون سوى الدِّمَاء مدامة وَلَا يلبسُونَ غير السرابيل عِمَامَة وَلَا يعْرفُونَ طَربا إِلَّا مَا أصدره صليل الحسام من غنا وَلَا ينزلون قفرا إِلَّا وَنبت سَاعَة نزولهم من قِنَا وَلما وثقنا مِنْهُ بإنفاذهم راجعنا رَأينَا الشريف فَاقْتضى أَن يُكَاتب من بسط يَده فِي ممالكها واحتاط على جَمِيع مسالكها وَاتخذ أَهلهَا خولا وَأبْدى فِي خلال ديارها من عدم سياسة خللا برز مرسومنا الشريف النَّبَوِيّ أَن يُكَاتب من قعد على تخت مملكتها وَتصرف فِي جَمِيع أُمُور دولتها فطولع بِأَنَّهُ ولد السُّلْطَان الْملك المظفر يُوسُف بن عمر الَّذِي لَهُ شُبْهَة تمسك بأذيال المواقف المستعصمية وَهُوَ مستصحب الْحَال على زَعمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 أَو مَا علم الْفرق بَين الْأَحْيَاء والأموات أَو مَا تحقق الْحَال الَّتِي بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات أصدرناها إِلَى الرحاب التَّعْزِيَة والمعالم اليمنية تشعر من تولى عَنْهَا فاستبد وَتَوَلَّى كبره فَلم يعرج على أحد أَن أَمر الْيمن مَا بَرحت نوابنا تحكم فِيهِ بِالْولَايَةِ الصَّحِيحَة والتفويضات الَّتِي هِيَ غير جريحة وَمَا زَالَت تحمل إِلَى بَيت المَال الْمَعْمُور مَا تمشى بِهِ الْجمال رويدا وتقذفه بطُون الْجَوَارِي إِلَى ظُهُور اليعملات وليدا ويطالعنا بِأَمْر مَصَالِحه ومفاسده وبحال دياره ومعاهده وَلَك أُسْوَة بوالدك فلَان هلا اقتفيت مَا سنه من آثاره ونقلت مَا دونته أَيدي الزَّمن من أخباره واتصل بمواقفنا الشَّرِيفَة أُمُور صدرت مِنْك مِنْهَا وَهِي الْعُظْمَى الَّتِي ترَتّب عَلَيْهَا مَا ترَتّب قطع الْميرَة عَن الْبَيْت الْحَرَام وَقد علمت أَنه وَاد غير ذِي زرع وَلَا يحل لأحد أَن يتَطَرَّق إِلَيْهِ بِمَنْع وَمِنْهَا انصبابك إِلَى تَفْرِيغ مَال بَيت المَال فِي شرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 لَهو الحَدِيث وَنقض العهود الْقَدِيمَة بِمَا تبديه من حَدِيث وَمِنْهَا تَعْطِيل أجياد المنابر من عُقُود اسمنا وخلو تِلْكَ الْأَمَاكِن من أُمُور عَقدنَا وحلنا وَلَو أوضحنا لَك مَا اتَّصل بِنَا من أَمرك لطال ولاتسعت فِيهِ دَائِرَة الْمقَال رسمنا بهَا وَالسيف يود لَو سبق الْقَلَم حَده وَالْعلم الْمَنْصُور يود لَو فَاتَ الْعلم واهتز بِتِلْكَ الروابي قده والكتائب المنصورة تخْتَار لَو بدرت عنوان الْكتاب وَأهل الْعَزْم والحزم يودون إِلَيْك إِعْمَال الركاب والجواري الْمُنْشَآت قد تكونت من ليل ونهار وبرزت كصور الأفيلة لَكِنَّهَا على وَجه المَاء كالأطيار وَمَا عمدنا إِلَى مُكَاتَبَتك إِلَّا للإنذار وَلَا احتجنا إِلَى مخاطبتك إِلَّا للإعذار فأقلع عَمَّا أَنْت بصدده من الْخُيَلَاء والإعجاب وانتظم فِي سلك من استخلفناه فَأخذ بِيَمِينِهِ مَا أعْطى من كتاب وصن بِالطَّاعَةِ من زعمت أَنهم مقيمون تَحت لِوَاء علمك ومنتظمون فِي سلك أوَامِر كلمك وداخلون تَحت طَاعَة قلمك فلسنا نشن الغارات على من نطق بِالشَّهَادَتَيْنِ لِسَانه وَقَلبه وامتثل أوَامِر الله المطاعة عقله ولبه ودان بِمَا يجب من الدّيانَة وتقلد عُقُود الصّلاح والتحف مطارف الْأَمَانَة ولسنا مِمَّن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 يَأْمر بتجريد سيف إِلَّا على من علمنَا أَنه خرج عَن طاعتنا ورفض كتاب الله وَنزع عَن مبايعتنا فأصدرنا مرسومنا هَذَا إِلَيْهِ يقص عَلَيْهِ من أنباء حلمنا مَا أَطَالَ مُدَّة دولته وشيد قَوَاعِد صولته ونستدعي مِنْهُ رَسُولا إِلَى مواقفنا الشَّرِيفَة ورحاب ممالكنا المنيفة لينوب عَنهُ فِي قبُول الْولَايَة مناب نَفسه وليجن بعد ذَلِك ثمار شفقاتنا إِن غرس شجر طاعتها وَمن سَعَادَة الْمَرْء أَن يجنى ثمار غرسه بعد أَن يَصْحَبهُ من ذخائر الْأَمْوَال مَا كثر قيمَة وخف حملا وَتَعَالَى رُتْبَة وَحسن مثلا واشرط على نَفسك فِي كل سنة قطيعة ترفعها إِلَى بَيت المَال وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن تكون عَن هَذَا الْأَمر مِمَّن مَال ورتب جَيْشًا مُقيما تَحت علم السُّلْطَان الْأَجَل الْملك النَّاصِر للقاء الْعَدو المخذول التتار ألحق الله أَوَّلهمْ بِالْهَلَاكِ وَآخرهمْ بالبوار وَقد علمت تفاصيل أَحْوَالهم الْمَشْهُورَة وتواريخ سيرهم الْمَذْكُورَة فاحرص على أَن يخصك من هَذَا المشرب السائغ أوفر نصيب وَأَن تكون مِمَّن جهز جَيْشًا فِي سَبِيل الله فَرمى بِسَهْم فَلهُ أجر مصيبا كَانَ أَو غير مُصِيب ليعود رَسُولك من دَار الْخلَافَة بتقاليدها وتشاريفها حَامِلا أعلامنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 المنصورة شاكرا بر مواقفنا المبرورة وَإِن آل حالك إِلَى أَن استمريت على غيك واستحريت مدعى بفيك فقد منعناك التَّصَرُّف فِي الْبِلَاد وَالنَّظَر فِي أَحْكَام الْعباد حَتَّى تطَأ خَيْلنَا الْعتاق مشمخرات حصونك وتعجل حِينَئِذٍ سَاعَة منونك وَمَا أعلمناك غير مَا علمه قَلْبك وَلَا فهمناك غير مَا حدسه لبك وَلَا تكن كالصغير يزِيدهُ كَثْرَة التحريك نوما وَلَا مِمَّن غره الْإِمْهَال يَوْمًا فيوما أعلمناك ذَلِك فاعمل بِمُقْتَضَاهُ موفقا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وعَلى نَحْو من هَذِه الطَّرِيقَة فِي الِابْتِدَاء كَانَ يكْتب عَن الإِمَام المستعين بِاللَّه أبي الْفضل الْعَبَّاس بن المتَوَكل على الله حِين اسْتَقل بالخلافة والسلطنة مَعَ زِيَادَة فِي ألقاب الْخَلِيفَة وَإِثْبَات ألقاب الْمَكْتُوب إِلَيْهِ الَّتِي يكْتب إِلَيْهِ بهَا فِي المكاتبات السُّلْطَانِيَّة فَكَانَ يكْتب عَنهُ لمن رتبته الْمقر الْكَرِيم من عبد الله ووليه الإِمَام المستعين بِاللَّه أبي الْفضل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِمَام الْمُسلمين وَخَلِيفَة رب الْعَالمين المفترض طَاعَته على سَائِر الْخَلَائق أَجْمَعِينَ أعز الله بِبَقَائِهِ الدّين وأمتع بِهِ الْإِسْلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 وَالْمُسْلِمين إِلَى الْمقر الْكَرِيم أَو إِلَى الجناب الْكَرِيم أَو الجناب العالي أَو الْمجْلس العالي أَو الْمجْلس السَّامِي أَو مجْلِس الْأَمِير بِالْأَلْقَابِ الَّتِي يكْتب بهَا عَن السُّلْطَان من ديوَان الْإِنْشَاء الْآن وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الرتب الْمَذْهَب الثَّالِث مِمَّا يكْتب عَن الْخُلَفَاء أَن يفتح الْكتاب بِخطْبَة ثمَّ يُؤْتى ببعدية وَمِنْهَا إِلَى مقصد الْكتاب وعَلى ذَلِك كتب عَن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَحْمد بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون مستدعى من الكرك إِلَى الديار المصرية لتقليده السلطنة بعد خلع أَخِيه الْأَشْرَف كجك بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وإمساك الْأَمِير قوصون وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء من إنْشَاء الْمقر الشهابي بن فضل الله تغمده الله برحمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وَهَذِه نسخته مصدرة بِآيَة من الْقُرْآن {ألم تروا أَن الله سخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير} فَالْحَمْد لله الَّذِي أَسْبغ نعمه الظَّاهِرَة والباطنة وَألف قُلُوب أوليائه المتفقة والمتباينة وَأخذ بنواصي أعدائه الكاذبة المائنة وَأَعْلَى جد هَذِه الدولة الْقَاهِرَة وأطلع فِي أسنة العوالي نجومها الزاهرة وحرك لَهَا العزائم فملكت والأمور بِحَمْد الله سَاكِنة والبلاد واطنة لله آمِنَة والرعايا فِي مظانها قاطنة وَالسُّيُوف فِي أغمادها مثل النيرَان فِي قُلُوب حسادها كامنة وَأقَام أهل الطَّاعَة بِالْفَرْضِ وَاسْتوْفى مِنْهُم الْقَرْض {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض} وأعز أنصار الْمقَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 العالي وأعز نَصره وَأعد لعَدوه حصره وأتى بدولته الغراء تسمو شموسها وتثمر غروسها وَتظهر فِي حلل الصَّباح الْمشرق عروسها وتجئ مِنْهُ بِخَير رَاع للرعية يسوسها وبشره بِالْملكِ والدوام وسره بِمَا اجْتمع لَهُ من طَاعَة الْأَنَام وأقدمه على كرْسِي ملكه تظله الْغَمَام وَأرَاهُ يَوْم أعدائه وَكَانَ لَا يظنّ أَن يرى فِي الْمَنَام وَلَا يزَال مؤيد الهمم مُؤَكد الذمم مُجَدد الْبيعَة على رِقَاب الْأُمَم وَلَا بَرحت أَيَّامه الْمُقبلَة مقبلة بِالنعَم خضر الأكناف على رغم من كَاد وغيظ من رغم وَلَا فتئت عهود سلفه الشَّرِيفَة تنشأ لَهُ كَمَا كَانَت ورعاياه تدين لَهُ بِمَا دَانَتْ وَجُنُوده تفديه من النُّفُوس بِأَعَز مَا ذخرت وَمَا صانت وسعادة سُلْطَانه تكشف الغمم وتنشر الرمم وتعيد إِلَى أنوف أهل الأنفة الشمم وَتحفظ على مَا بقى لأوليائه من بَيَاض الْوُجُوه وَسَوَاد اللمم سطرها وأصدرها وَقد حققت بعوائد الله الظنون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وصدقت الخواطر الْعُيُون وأنجز الله وعده وَأتم سعده وَجمع على مقَامه الْكَرِيم قُلُوب أوليائه وَفرق فرق عدوه بإجابة ندائه ووطد لرقيه المنابر وَرجل لتلقيه العساكر وهيأ لمقاتل أعدائه فِي أَيدي أوليائه السيوف البواتر وأخفق قوصون وَأمْسك وَنهب مَاله واستهلك وهدمت أبنيته وَخَربَتْ دياره وقلعت آثاره وأخليت خزائنه وأخرجت من بطُون الأَرْض دفائنه وَمَا منعت عَنهُ تِلْكَ الربائب الَّتِي ظَنّهَا قساور وَلَا ناضلت تِلْكَ القسى الَّتِي طبعها أساور وَلَا أغْنى عَنهُ ذَلِك المَال الَّذِي ذهب وَلَا ذَلِك الْجَوْهَر الَّذِي كَانَ عرضا لمن نهب وأعيد إِلَى المهد ذَلِك الطِّفْل الَّذِي أكل الدُّنْيَا باسمه وقهر أبناءها بِحكمِهِ وموه بِهِ على النَّاس وأخلى لَهُ الغاب وَمَا خرج من الكناس وغالب بِهِ الغلب حَتَّى وطئ الرّقاب وداس الأعقاب وخادع ودله الشَّيْطَان بغروره ودلس عَلَيْهِ عَاقِبَة أُمُوره فاعتد بعتاده واغتر بعناده واغتر بِأَن الأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 لَهُ وَمَا علم أَن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده فَأمْسك وَمَعَهُ رُؤُوس من أشياعه وحصرت بالخوف نفوس أَتْبَاعه وَمِنْهُم الطنبغا وَقد أحَاط بِهِ الْعلم الشريف بكيفية وُصُوله وَحَقِيقَة الْخَبَر وَمَا قاساه فِي طَرِيقه من العبر وداس عَلَيْهِ حَتَّى وصل من وخز الإبر وَكَذَلِكَ من جَاءَ مَعَه وَخلف وَرَاءه الْحق وَتَبعهُ بعد الْهَزِيمَة الَّتِي ألجأهم إِلَيْهَا خوف العساكر المنصورة الَّتِي قعدت لَهُم على الطَّرِيق وَأخذت عَلَيْهِم بمدارج أنفاسهم فِي فَم الْمضيق وعبئت لَهُم صُفُوف الرِّجَال وأعدت لَهُم حتوف الْآجَال وحيرتهم فِي سَعَة الفجاج وأرتهم بوارق الْمَوْت فِي سحب العجاج ثمَّ لم يصلوا إِلَّا وهم أشلاء ممزقة وأعضاء مفرقة قد فنى تَحْتهم الظّهْر وفنى بيومهم الدَّهْر وساقتهم سَعَادَة سُلْطَان الْمقَام العالي إِلَى شقاوتهم وهم رقود وعبئت لَهُم الْخَيل وَالْخلْع إِلَّا أَنَّهَا ملابس الذل وَهِي الْقُيُود فَأخذُوا جَمِيعًا هم وَمن كَانُوا على موالاته وفارقوا الْجَمَاعَة لمواتاته وحملوا إِلَى الْمجْلس النائي الْمَكَان وأودعوا أَحيَاء فِي ملحدة إِلَّا أَنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 كالأموات وَقد فاتوا الْمَقْصد إِلَّا أَنهم مَا أمنُوا الْفَوات ووكل بحفظهم إِلَى أَن يشرف سَرِير الْملك بقعود مقَامه وعقود أَيَّامه الحوالى وسعود زَمَانه الَّتِي أزهرت بطلوعها اللَّيَالِي وَهَذَا النَّصْر إِنَّمَا تهيأت وَللَّه الْحَمد أَسبَابه وَهَذَا الْفَتْح إِنَّمَا فتحت بِمَشِيئَة الله أبوابه بمنة الله تَعَالَى وَنِيَّة الْمقَام العالي لَا بمنة أحد وَلَا بِشدَّة بَأْس من أقرّ وَلَا يأس من جحد وَمَا قضى الله تَعَالَى بِهِ من سَعَادَة هَذِه الْأَيَّام وَمضى بِهِ الْقدر السَّابِق وعَلى الله التَّمام وبمظافرة الجناب الْكَرِيم السيفي قطلوبغا الفخري الساقي الناصري أدام الله نصرته بِهَذِهِ الْعِصَابَة المؤيدة وبمضاء عَزَائِمه الَّتِي مَا ونت وَقَضَاء قواضبه الَّتِي مَا انْثَنَتْ وبمؤازرة من التف عَلَيْهِ من أكَابِر الْأُمَرَاء وَبِمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ من مظافرة الآراء ونزولهم على التيه لَا يضر بهم من خذلهم وَلَا يهينهم من بذلهم وَلَا يبالون بعساكر دمشق المقيمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 على حلب وَمن مَال إِلَيْهِم وتمالأ مَعَهم عَلَيْهِم وَمن انضاف إِلَيْهِم من جنود الْبِلَاد وجيوش العناد وَلَا لواهم مَا كَانَ يبْعَث إِلَيْهِم ذَلِك الخائن من وعيده وَلَا ولاهم مَا كَاد يخطف أَبْصَارهم من تهديده وَلَا بالوا بِمَا تالب بِهِ عَلَيْهِم جند الشَّام من كل أَوب وصب عَلَيْهِم سيوله من كل صوب وخادعهم بالرسائل الَّتِي مَا تزيدهم عَلَيْهِ إِلَّا إباء وَلَا تشككهم أَن السَّيْف أصدق مِنْهُ إنباء حى ولى لَا تَنْفَعهُ الخدع وَلَا تنصره الْبدع فَمَا أسعدته تِلْكَ الجموع الَّتِي جمعهَا وَلَا أَجَابَتْهُ تِلْكَ الْخُيُول الَّتِي سَار عيها إِلَى مكمن أَجله وَلَا وقته تِلْكَ السيوف الَّتِي لم يظْهر لَهُ بوارقها إِلَّا حمرَة خجلة حَتَّى أَخذ مَعَ طاغيته بل طاغوته بِمصْر ذَلِك الْأَخْذ الوبيل وَقذف بِهِ إِلَى مهوى هلكه سيل ذَلِك السَّبِيل وَقَامَ من بالديار المصرية قيام رجل وَاحِد وتظافروا على إِزَالَة ذَلِك الْكَافِر النِّعْمَة الجاحد وَلم يبْق من الْأُمَرَاء إِلَّا من بذل الْجهد وَجمع قُلُوب الرّعية والجند وَفعل فِي الْخدمَة الشَّرِيفَة مالم يكن مِنْهُ بُد حَتَّى حمد الْأَمر وخمد الْجَمْر وتواترت الْكتب بِمَا عَمت بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 الْبُشْرَى من إِقَامَة الْبيعَة باسمه الْكَرِيم وَأَنه لم يبْق إِلَّا من أعْطى الْيَمين وَأعْطِي الثمين وَأتم الْحلف إتماما لَا يغدر مَعَه يَمِين وأقيمت لَهُ السِّكَّة وَالْخطْبَة وَرفع على المنابر اسْمه وتهلل بِهِ وَجه النُّقُود وَظهر على أسارير الْوُجُود وَضربت البشائر ونهبت المسرات السرائر وتشوقت أَوْلِيَاء هَذِه الدولة الْقَاهِرَة أدام الله سلطانها إِلَى حُضُور ملكهَا وسفور الصَّباح لإذهاب مَا أبقته عقائب تِلْكَ اللَّيْلَة من حلكها وَالْمقَام العالي مَا يزْدَاد علما وَلَا يُزَاد عزما وَهُوَ أدرى بِمَا فِي التَّأْخِير وَبِمَا فِي بعده من الضَّرَر الْكثير وَمثله لَا يعلم وَمِنْه يتَعَلَّم فَهُوَ أعلم بِمَا يجب من مسابقة قدومه للبشير وَمَا يتَعَيَّن من معاجلته لامتطاء جواديه ظهر الحصان وبطن السرير فَالله الله فِي تَعْجِيل حفظ هَذَا السوام المشرد وَضم هَذَا الشمل المشتت ونظم هَذَا العقد المبدد وَجمع كلمة الْإِسْلَام الَّتِي طالما افْتَرَقت وانتجاع عَارض هَذِه النِّعْمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 الَّتِي أبرقت وَسُرْعَة الْمسير فَإِن صَبِيحَة الْيَوْم الْمُبَارك الَّذِي يعرف من أَوله قد أشرقت فَمَا بقى مَا بِهِ يعْتَذر وَلَا سوى مقدمه السعيد ينْتَظر وَقد كتبناها ويدنا ممدودة لمبايعته وَقُلُوب الْخلق كلهَا مستعدة لمتابعته وكرسي الْملك قد أزلف إِلَيْهِ مَقْعَده ومؤمل الظفر قد أنْجز لَهُ موعده والدهر مطاوعه وَالزَّمَان مسعده وَطَوَائِف أوليائه ليَوْم لِقَائِه ترصده والعهد لَهُ قد كتب ولواء الْملك عَلَيْهِ قد نصب والمنبر باسمه عَلَيْهِ قد خطب وَالدِّينَار وَالدِّرْهَم هَذَا وَهَذَا لَهُ قد ضرب وَلم يبْق إِلَّا أَن يقترب وَترى الْعُيُون مِنْهُ مَا ترتقب وَيجْلس على السرير ويزمع المبشر ويعزم على الْمسير وتتزين الأقاليم ويتبين لتسيير شهابه مَا كَانَ يقْرَأ لَهُ فِي التقاديم لَا زَالَ جيب ملكه على الأقطار مزرورا وذيل فخاره على السَّمَاء مجرورا وجد وليه مُقبلا وَقَلبه مَسْرُورا ومقدمه يحوز لَهُ من إِرْث آبَائِهِ نعما جمة وملكا كَبِيرا إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 الْمَذْهَب الرَّابِع مِمَّا يكْتب بِهِ عَن الْخُلَفَاء أَن يفْتَتح الْكتاب بِالسَّلَامِ بِأَن يكْتب سَلام الله تَعَالَى وَرَحمته وَبَرَكَاته يخص الْمقر الْكَرِيم أَو الجناب الْكَرِيم أَو غير ذَلِك من الألقاب الَّتِي يكْتب بهَا عَن السُّلْطَان وَيُؤْتى على تِلْكَ الألقاب إِلَى آخرهَا ثمَّ يُقَال ويبدى لعلمه أَو يُوضح لعلمه على حسب مَا تَقْتَضِيه تِلْكَ الْمُكَاتبَة فِي السلطانيات وعَلى ذَلِك كَانَت كتب الإِمَام المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن الإِمَام المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان وَولده الإِمَام المستعين بِاللَّه فِي أول ولَايَته وَلم يكن فِيهِ من المكاتبات الجليلة مَا يدون فأذكره وَأما الْكتب الصادرة عَن وُلَاة الْعَهْد بالخلافة فقد قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي كِتَابه صناعَة الْكتاب بعد أَن ذكر أَن صُورَة مَا يكْتب بِهِ عَن الْخَلِيفَة من عبد الله أبي فلَان فلَان الإِمَام الْفُلَانِيّ إِلَى فلَان أتبع ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 بِأَن قَالَ وَلَيْسَ أحد من الرؤساء يُكَاتب عَنهُ بالتصدير إِلَّا الإِمَام وَولى الْعَهْد وَلم يزدْ على ذَلِك والتصدير على مَا فسره ابْن حَاجِب النُّعْمَان فِي كِتَابه ذخيرة الْكتاب هُوَ من عبد الله أبي فلَان فلَان إِلَى آخِره على مَا تقدم وَقد قَالَ النّحاس فِي الْكَلَام على العنوان إِنَّه يحذف من الْكتاب عَن ولى الْعَهْد لفظ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَيُقَال فِيهِ ولي الْعَهْد وَمُقْتَضى ذَلِك أَن الْمُكَاتبَة عَن ولي الْعَهْد كالمكاتبة عَن الْخَلِيفَة إِلَّا أَنه لَا يُقَال فِيهِ ولي الْعَهْد الإِمَام ويقام لفظ ولي الْعَهْد فِيهِ مقَام أَمِير الْمُؤمنِينَ فَيكْتب فِيهِ من عبد الله ابْن فلَان فلَان الواثق بِاللَّه مثلا ولي عهد الْمُسلمين سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله أما بعد فَإِن كَذَا وَيُؤْتى على الْمَقْصد إِلَى آخر الْكتاب على نَحْو مَا تقدم فِي الْكِتَابَة عَن الْخَلِيفَة تَنْبِيه قد تقدم عَن مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي أَنه كَانَ يكْتب عَن الْخُلَفَاء للإمراء فِي قرطاس نصف طومار وللعمال وَالْكتاب فِي قرطاس من ثلث طومار وللتجار وأشباههم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 فِي قرطاس من ربع طومار وللحساب والمساح فِي قرطاس من سدس طومار وَتقدم بَيَان أَن المُرَاد بالطومار قطع الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل أما الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال فِيمَا يكْتب بِهِ عَن خلفاء بني الْعَبَّاس بالديار المصرية إِلَى مُلُوكهَا فقد ذكر صَاحب الدّرّ الْمُلْتَقط عَن الْمقر الشهابي بن فضل الله أَنه كتب الْكتاب الصَّادِر عَن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان إِلَى الْملك النَّاصِر أَحْمد بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون عِنْد استدعائه للسلطنة من الكرك على مَا تقدم ذكره فِي هَذَا الْفَصْل كتب فِي قطع الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل فليجر الْأَمر على ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 الْفَصْل الثَّانِي من الْبَاب السَّادِس فِي الْكتب الصادرة عَن الْمُلُوك وَمن فِي معناهم إِلَى الْخُلَفَاء وولاة الْعَهْد بالخلافة أما الْكتب الصادرة إِلَى الْخُلَفَاء فللكاتب فِيهَا سِتَّة أساليب الأسلوب الأول وَهُوَ أقدمها اصْطِلَاحا أَن يفْتَتح الْكتاب بِلَفْظ لفُلَان من فلَان ثمَّ يصدر بِالسَّلَامِ والتحميد وسؤال الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يُقَال أما بعد فَإِن كَذَا وَيخْتم بِالسَّلَامِ وَنَحْوه على نَحْو مَا تقدم فِي المكاتبات عَن الْخُلَفَاء لَا يخْتَلف ذَلِك فِي شَيْء إِلَّا فِي تَقْدِيم اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ على الْمَكْتُوب عَنهُ وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي غَالب كتبهمْ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمُحَمد رَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 كَمَا كتب إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ بِإِسْلَام بني الْحَارِث بن كَعْب حِين وَجهه إِلَيْهِم لمُحَمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول الله من خَالِد بن الْوَلِيد السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَإنَّك بعثتني إِلَى بنى الْحَارِث بن كَعْب وأمرتني إِذا أتيتهم أَن لَا أقاتلهم ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أَسْلمُوا قبلت مِنْهُم وعلمتهم معالم الْإِسْلَام ثَلَاثَة أَيَّام وَكتاب الله وَسنة نبيه وَإِن لم يسلمُوا قاتلتهم وَإِنِّي قدمت إِلَيْهِم فدعوتهم إِلَى الْإِسْلَام ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعثت فيهم ركبانا يَا بنى الْحَارِث أَسْلمُوا تسلموا فأسلموا وَلم يقاتلوا وَأَنا مُقيم بَين أظهرهم آمُرهُم بِمَا أَمرهم الله بِهِ وأنهاهم عَمَّا نَهَاهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 الله عَنهُ وأعلمهم معالم الْإِسْلَام وَسنة النَّبِي حَتَّى يكْتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وعَلى نَحْو من ذَلِك كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة والمقوقس صَاحب مصر أَيْضا فِي رِوَايَة ذكرهَا ابْن عبد الحكم وَقد ذكرت كِتَابَيْهِمَا فِي صبح الْأَعْشَى فِي كِتَابَة الإنشا ثمَّ لما كَانَت خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ولقب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَزَاد فِي أول كتبه الصادرة عَنهُ لفظ عبد الله قبل اسْمه فَكَانَ يكْتب من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا تقدم ذكره فِي المكاتبات الصادرة عَن الْخُلَفَاء اعتمدوا مثل ذَلِك فِي الْمُكَاتبَة إِلَيْهِ أَيْضا كَمَا كتب عَمْرو بن الْعَاصِ لأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاب الْكتاب الْوَارِد من أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ يذكر فِيهِ بِأَنَّهُ بلغه فَاشِية مَال فَشَتْ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإِنَّهُ أَتَانِي كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ يذكر فِيهِ فَاشِية مَال فَشَتْ لي وَأَنه يعرفنِي قبل ذَلِك وَلَا مَال لي وَإِنِّي أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي بِبَلَد السّعر فِيهِ رخيص وَأَنِّي أعالج من الزِّرَاعَة مَا يعالجه النَّاس وَفِي رزق أَمِير الْمُؤمنِينَ سَعَة وَالله لَو رَأَيْت خِيَانَتك حَلَالا مَا خنتك فِي كَلَام آخر وَجرى النَّاس بعد ذَلِك على هَذَا الأسلوب فِي الدولة الأموية وَأول الدولة العباسية كَمَا كتب الْحجَّاج بن يُوسُف إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان فِي جَوَاب كِتَابه إِلَيْهِ بتوبيخه لَهُ بِسَبَب تعرضه لأنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ على مَا تقدم ذكره لعبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 أما بعد أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وأبقاه وشلا حَظه وحاطه وَلَا أعدمناه فقد وصلني كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بقاه وَجَعَلَنِي من كل مَكْرُوه فدَاه يذكر شتمي وتوبيخي بآبائي وتعييري بِمَا كَانَ قبل نزُول النِّعْمَة بِي من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ أتم الله نعْمَته عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَيذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ استطالة مني على أنس بن مَالك وأمير الْمُؤمنِينَ أَحَق من أقَال عثرتي وَعَفا عَن ذَنبي وأمهلني وَلم يعجلني عِنْد هفوتي للَّذي جبل عَلَيْهِ من كريم طباعه وَمَا قَلّدهُ الله من أُمُور عباده فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أصلحه الله فِي تسكين روعي وإفراج كربتي فقد ملئت رعْبًا وفرقا من سطواته وقحمات نقماته وأمير الْمُؤمنِينَ أقاله الله العثرات وَتجَاوز لَهُ عَن السَّيِّئَات وضاعف لَهُ الْحَسَنَات وَأَعْلَى لَهُ الدَّرَجَات أَحَق من صفح وَعَفا وتغمد وَأبقى وَلم يشمت بِي عدوا مكبا وَلَا حسودا مضبا وَلم يجرعني عصصا وَالَّذِي وصف أَمِير الْمُؤمنِينَ من صنيعته إِلَيّ وتقويمه بِمَا أسْند من عمله إِلَيّ وأوطأني رِقَاب رَعيته فصادق فِيهِ مَجْزِي عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 بالشكر والتوسل منى إِلَيْهِ بِالْولَايَةِ والتقرب لَهُ بالكفاية وَقد خضعت عِنْد كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن رأى طوقنى الله شكره وأعانني على تأدية حَقه وَبَلغنِي إِلَى مَا فِيهِ مُوَافقَة مرضاته وَمد فِي أَجله أَن يَأْمر بِالْكتاب إِلَى من رِضَاهُ وسلامة صَدره مَا يؤمنني بِهِ من سفك دمي وَيرد مَا شرد من نومي ويطمئن بِهِ قلبِي فعل فقد ورد عَليّ أَمر جليل خطبه عَظِيم أمره شَدِيد كربه أسأَل الله أَن لَا يسْخط أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَأَن ينيله فِي حزمه وعزمه وسياسته وفراسته ومواليه وحشمه وعماله وصنعائه مَا يحمد بِهِ حسن رَأْيه إِنَّه ولي أَمِير الْمُؤمنِينَ والذاب عَن سُلْطَانه والصانع لَهُ فِي أمره وَالسَّلَام وَلما زَاد الْمَأْمُون فِي الْكتب الصادرة عَنهُ بعد التَّحْمِيد وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله ألحقت فِي الْكتب الْمَكْتُوبَة إِلَى الْخَلِيفَة أَيْضا وَيُؤْتى بعد البعدية بِالدُّعَاءِ للخليفة بِمَا يُنَاسِبه من طول الْبَقَاء وَنَحْوه وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال بعد ذَلِك فِي الدولة العباسية فِي الْعرَاق على مَا ذكره قدامَة فِي كتاب الْخراج أَن يكْتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 لعبد الله فلَان أبي فلَان باسمه وكنيته ونعته ثمَّ يُقَال أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ وأدام عزه وتأييده وكرامته وحراسته وَأتم نعْمَته عَلَيْهِ وَزَاد فِي إحسانه إِلَيْهِ وفضله عِنْده وَجَمِيل بلائه لَدَيْهِ وجزيل عطائه لَهُ قَالَ فِي صناعَة الْكتاب ثمَّ يُقَال أما بعد فَإِن كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَأْتِي على الْمعَانِي الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا وَتَكون الْمُكَاتبَة وَقد فعل عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ كَذَا فَإِذا زَادَت حَاله لم يقل عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِذا بلغ إِلَى الدُّعَاء ترك فضاء وَكتب أتم الله على أَمِير الْمُؤمنِينَ نعْمَته وهنأه كرامته وَألبسهُ عَفوه وعافيته وأمنه وسلامته وَالسَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَاعْلَم أَنه إِن كَانَ الْكتاب فِي معنى حُدُوث نعْمَة من فتح أَو غَيره أَتَى بعد البعدية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 بِخطْبَة مفتتحة بِالْحَمْد وَرُبمَا زيد على ذَلِك إِلَى ثَلَاث تحميدات وَيكون خطاب الْخَلِيفَة بأمير الْمُؤمنِينَ وتعبير الْمَكْتُوب عَنهُ عَن نَفسه بِلَفْظ الْإِفْرَاد وَيخْتم الْكتاب بالإنهاء وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهَذِه نُسْخَة كتاب كتب بِهِ أَبُو إِسْحَاق الصابي عَن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه الديلمي إِلَى الْمُطِيع لله عِنْد وُصُوله الْموصل وانهزام أبي تغلب بن حمدَان عَنْهَا فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة يُوضح لَك هَذِه الطَّرِيقَة وَيبين سبلها وَهُوَ لعبد الله الْفضل الإِمَام الْمُطِيع لله أَمِير الْمُؤمنِينَ من عَبده وصنيعته عز الدولة بن معز الدولة مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله فَإِنِّي أَحْمد إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 أما بعد أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ وأدام لَهُ الْعِزّ والتأييد والتوفيق والتسديد والعلو وَالْقُدْرَة والظهور والنصرة وَالْحَمْد لله الْعلي الْعَظِيم الأزلي الْقَدِيم الْمُنْفَرد بالكبرياء والملكوت المتوحد بالعظمة والجبروت الَّذِي لَا تحده الصِّفَات وَلَا تحوزه الْجِهَات وَلَا تحصره قرارة مَكَان وَلَا يُغَيِّرهُ مُرُور زمَان وَلَا تتمثله الْعُيُون بنواظرها وَلَا تتخيله الْقُلُوب بخواطرها فاطر السَّمَوَات وَمَا تظل وخالق الأَرْض وَمَا تقل الَّذِي دلّ بلطيف صَنعته على جميل حكمته وَبَين بجلي برهانه على خَفِي وحدانيته وَاسْتغْنى بِالْقُدْرَةِ على الأعوان واستقلى بِالْعِزَّةِ على الأقران الْبعيد عَن كل معادل ومضارع الْمُمْتَنع عَن كل مطاول ومقارع الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول وَلَا يحول الْعَادِل الَّذِي لَا يظلم وَلَا يجور الْكَرِيم الَّذِي لَا يضن وَلَا يبخل الْحَلِيم الَّذِي لَا يعجل وَلَا يجهل ذَلِكُم الله ربكُم {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين} منزل الرَّحْمَة على كل ولي توكل عَلَيْهِ وفوض إِلَيْهِ وائتمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 بأوامره وازدجر بزواجره وَمحل النقمَة بِكُل عَدو صد عَن سَبيله وسننه وصدف عَن فَرَائِضه وسننه وحاد فِي مكسب يَده ومسعاه قدمه وخائنة عينه وخافية صَدره وَهُوَ راتع رتعة النعم السَّائِمَة فِي أكلاء النعم السابغة وجاهل جهلها بشكر آلائها ذاهل ذهولها عَن طرق استيفائها فَلَا يلبث أَن ينْزع سرابيلها صاغرا ويتعرى مِنْهَا حاسرا وَيجْعَل الله كَيده فِي تضليل ويورده شَرّ المورد الوبيل إِن الله لَا يصلح عمل المفسدين وَلَا يهدي كيد الخائنين وَالْحَمْد لله الَّذِي اصْطفى للنبوة أَحَق عباده بِحمْل أعبائها وارتداء ردائها مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم وَعظم خطره وكرم فصدع بالرسالة وَبَالغ فِي الدّلَالَة ودعى إِلَى الْهِدَايَة ونجى من الغواية وَنقل النَّاس عَن طَاعَة الشَّيْطَان الرَّجِيم إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن الرَّحِيم وأعلقهم بحبال خالقهم ورازقهم وعصمة محييهم ومميتهم بعد انتحال الأكاذيب والأباطيل واستشعار المحالات والأضاليل والتهوك فِي الاعتقادات الذابة عَن النَّعيم إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الْعَذَاب الْأَلِيم فصلى الله عَلَيْهِ من نَاطِق بِالْحَقِّ ومنقذ لِلْخلقِ وناصح للرب ومؤد للْفَرض صَلَاة زاكية نامية رَائِحَة غادية تزيد على اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وتعاقب الأعوام والأدوار وَالْحَمْد لله الَّذِي انتخب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ من ذَلِك السنح الشريف والعنصر المنيف والعترة الثَّابِت أَصْلهَا الممتد ظلها الطّيب جناها الْمَمْنُوع حماها وَحَازَ لَهُ مَوَارِيث آبَائِهِ الطاهرين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ واختصه من بَينهم بتطاول أمد الْخلَافَة واستحصاف حبلها فِي يَده ووفقه لإصابة الْغَرَض من كل مرمى يرميه ومقصد ينتحيه وَهُوَ جلّ ثَنَاؤُهُ الْحقيق بإتمام ذَلِك عَلَيْهِ وَالزِّيَادَة فِيهِ لَدَيْهِ وأحمده سُبْحَانَهُ حمدا أبتديه ثمَّ أُعِيدهُ وأكرره وأستزيده على أَن أهل ركن الدولة أَبَا عَليّ وعضد الدولة أَبَا شُجَاع موليا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأهلني للأثرة عِنْده الَّتِي نددنا فِيهَا الْأَكفاء وفتنا فِيهَا القرناء وتقطعت دونهَا أنفاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 المنافسين وتضرمت عَلَيْهَا أحشاء الحاسدين وَإِن أولاني فِي كل مغزى فِي خدمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أغزوه ومنحى أنحوه وثأئ أرأبه وشعث ألمه وعدو أرغمه وزائغ أقومه أفضل مَا أولاه عباده السليمة غيوبهم النقية جيوبهم اطأمونة ضمائرهم المشحوذة بصائرهم من تَمْكِين يَده وتثبيت قدمه ونصرة رَأْيه وإعلاء كَلمته وتقريب بغيته وإنالة أمْنِيته وَكَذَلِكَ يكون من إِلَى وَلَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ اعتزاؤه وبشعاره اعتزازه وَعَن زناده قدحه وَفِي طَاعَته كدحه وَالله ولي بإدامة مَا خولنيه من هَذِه المنقبة وسوغنيه من هَذِه الموهبة وَأَن يتوحد أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي جَمِيع خدمه الذابين عَن حوزته المنتمين إِلَى دَعوته بيمن الطَّائِر وسعادة الطالع ونجاح الْمطلب وَإِدْرَاك الأرب وَفِي أعدائه العامطين لنعمته الناقضين مواثيق بيعَته بإضراع الخد وإتعاس الْجد وإخفاق الأمل وإحباط الْعَمَل بقدرته وَلم يزل مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ يُنكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 قَدِيما من فضل الله بن نَاصِر الدولة أحوالا حَقِيقا مثلهَا بالإنكار ومستحقا من ارتكبها الْإِعْرَاض وَأَنا أذهب فِي حفظ غيبه وإجمال محضره وتمحل حجَّته وتلفيقها وتأليف معاذيره وتنميقها مذهبي الَّذِي أعمر بِهِ كل من جرى مجْرَاه من نَاشِئ فِي دولته ومغتذ بنعمته ومنتسب إِلَى ولَايَته ومشهور بصنيعته وأقدر أَن أستصلحه لأمير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ وَأَصْلحهُ لنَفسِهِ بالتوقيف على مسالك الرشاد ومناهج السداد وَهُوَ يرينى أَن قد قبل وارعوى وَأبْصر واهتدى حَتَّى رغبت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الله فِيمَا شفعني مت فِيهِ من تَقْلِيده أَعمال أَبِيه والقناعة مِنْهُ فِي الضَّمَان بميسور بذله وإيثاره بِهِ على من هُوَ فَوْقه من كبراء إخْوَته وَأَهله فَلَمَّا بلغ هَذِه الْحَال ألط بِالْمَالِ وخاس بالعهد وطرق لفسخ العقد وأجرى إِلَى أُمُور كرهتها ونفد الصَّبْر منى عَلَيْهَا وَخفت أَن أستمر على الإغضاء عَنْهَا والمسامحة فِيهَا فَيطلع الله مني على إِضَاعَة الِاحْتِيَاط فِي أَمر قلدني أَمِير الْمُؤمنِينَ زمامه وضمنني دركه وإرخاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 لبب رجل قبل فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ رَأْيِي وعول فِي أَخذه بِمَا يلْزمه على نَظَرِي واستيفائي فتناولته بأطراف الْعدْل ملوحا ثمَّ بأثباجه مفصحا مُصَرحًا ورسمت لعبد أَمِير الْمُؤمنِينَ الناصح أبي طَاهِر أَن يحل بِهِ وبوسطائه وسفرائه فِي حَال وَيدخل عَلَيْهِم من طَرِيق المشورة والرفق فِي أُخْرَى وينتقل مَعَه بَين الخشونة الَّتِي يقفو فِيهَا أثري واللين الَّذِي لَا يجوز أَن يحسه مني تَقْديرا لانثنائه وَزَوَال التوائه فَفعل ذَلِك على رسمه فِي التأني لكل فَاسد حَتَّى يصلح وَلكُل آب حَتَّى يسمح وَلم يدع التناهي فِي وعظه والتمادي فِي نصحه وتعريفه سوء عَاقِبَة اللجاج ومغبة الإحراج وَهُوَ يزِيد طَمَعا فِي الْأَمْوَال وشرها وعمى فِي الرَّأْي وعمها إِلَى أَن كَاد أمرنَا مَعَه يخرج عَن حد الِانْتِظَار إِلَى حد الرضى بالإصرار فاستألفت ادراع الحزم وامتطاء الْعَزْم ونهضت إِلَى أَعمال الْموصل وَعِنْدِي أَنه يغنيني عَن الْإِتْمَام ويتلقاني بالإعتاب وينقاد إِلَى المُرَاد ويتجنب طرق العناد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 فحين عرف خبر مسيري وجدي فِيهِ وتشميري برز بروز الْمُخَالف المكاشف وتجرد تجرد المواقع المواقف وَهُوَ مَعَ ذَاك إِذا ازددت مِنْهُ قربا ازْدَادَ مني رعْبًا وَإِذا دلفت إِلَيْهِ ذِرَاعا نكص عني باعا وتوافت إِلَى حضرتي وُجُوه الْقَبَائِل من عقيل وشيبان وَغَيرهمَا فِي الْجمع الكثيف من صعاليكهما وَالْعدَد الْكثير من صناديدهما داخلين فِي الطَّاعَة متصرفين فِي عوارض الْخدمَة فَلَمَّا شارفت الحديثة انتقضت عزائم صبره وتقوضت دعائم أمره وَبَطلَت أمانيه ووساوسه واضمحلت خواطره وهواجسه واضطرب عَلَيْهِ من ثقاته وغلمانه من كَانَ بهم يعتضد وَعَلَيْهِم يعْتَمد وبدأوا بخذلانه وَالْأَخْذ لنفوسهم ومفارقته والطلب لحظوظهم وَحصل مِنْهُم بحضرتي إِلَى هَذِه الْغَايَة زهاء خَمْسمِائَة رجل ذَوي خيل مختارة وأسلحة شاكية فصادفوا عِنْدِي مَا أملوا من فائض الْإِحْسَان وغامر الإمتنان وَذكروا عَمَّن وَرَاءَهُمْ من نظرائهم التنزي إِلَى الانجذاب والحرص على الاستئمان وَأَنَّهُمْ يردون وَلَا يتأخرون ويبادرون وَلَا يتلومون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وَلما رأى ذَلِك لم يملك نَفسه أَن مضى هَارِبا على طَرِيق سنجار منكشفا عَن هَذِه الديار قانعا من تِلْكَ الآمال الخائبة والظنون الكاذبة بسلامة حشاشة هِيَ رهينة غيها وصريعة بغيها وَكَانَ انهزامه بعد أَن فعل الْفِعْل السخيف وكاذ بالكيد الضَّعِيف بِأَن أغرق سفن الْموصل وعروبها وأحرق جسرها واستذم إِلَى أَهلهَا وتزود مِنْهُم اللَّعْن المطيف بِهِ أَيْن يمم الْكَائِن مَعَه حَيْثُ خيم ودخلتها يومي هَذَا أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ دُخُول الغانم الظافر المستعلي الظَّاهِر فسكنت من نفوس سكانها وشرحت صُدُور قطانها وأعلمتهم مَا أَمرنِي بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ أدام الله عزه وَأَعْلَى الله أمره من تأنيس وحشتهم ونظم ألفتهم وَضم نشرهم وَلم شعثهم وإجمال السِّيرَة فيهم فِي ضروب معاملاتهم وعلقهم وصنوف متصرفاتهم ومعايشهم وَكثر مِنْهُم الثَّنَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 وَالدُّعَاء وَالله سامع مَا رفعوا ومجيب مَا سَأَلُوا وأجلت حَال هَذَا الْجَاهِل أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن أقبح هزيمَة وأذل هضيمة وأسواء رَأْي وَأنكر إخساء لِأَنَّهُ لم يلقنى لِقَاء الباخع بِالطَّاعَةِ المعتذر من سالف التَّفْرِيط والإضاعة وَلَا لِقَاء الْمُصدق لدعواه فِي الِاسْتِقْلَال بالمقارعة الْمُحَقق لزعمه فِي الثباث للمدافعة وَلَا كَانَ فِي هذَيْن الْأَمريْنِ بِالْبرِّ التقى وَلَا الْفَاجِر الغوي بل جمع بَين نقيصة شقاشقه وغدره وفضيحة جبنه وخوره متنكبا للصلاح عادلا عَن الصَّوَاب قد ذهب عَنهُ الرشاد وَضربت بَينه بَينه الأسداد وأنزله الله منزلَة مثله مِمَّن أَسَاءَ حفظ الْوَدِيعَة وَجوَار الصنيعة واستوجب نزعهما مِنْهُ وتحويلهما عَنهُ وتأملت أيد الله مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أمره على التجريب وتصفحته بالتقليب فَإِذا هُوَ الرجل الَّذِي أطَاع أَبوهُ فِيهِ هوى أمه وَعصى دواعي رَأْيه وحزمه وَقدمه من وَلَده على من هُوَ آنس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 رشدا وأكبر سنا وَأثبت جأشا وأجرأ جنَانًا وَأَشْجَع قلبا وأوسع صَدرا وأجدر بمخايل النجابة وشمائل اللبابة فَلَمَّا اجْتمعت لَهُ أَسبَاب الْقُدْرَة والثروة وأمكنته مناهز الْغرَّة والفرصة وثب عَلَيْهِ وثبة السرحان فِي ثلة الضان وجزاه جَزَاء أم عَامر بمجيرها إِذْ فرته بأنيابها وأظافرها وَاجْتمعَ وَأَخُوهُ من الْأُم المرتضع مَعَه لبان الْإِثْم المكنى أَبَا البركات وَلَيْسَ بأب لَهَا وَلَا جرى لشَيْء مِنْهَا على أَن نشزا عَنهُ وعقاه وقبضا عَلَيْهِ وأوثقاه وَأَقَرَّاهُ من قلعتهما بِحَيْثُ تقر العتاة وتعاقب الجناة ثمَّ أتبعا ذَلِك باستحلال دَمه وإفاضة مهجته غير راعيين فِيهِ حق الْأُبُوَّة وَلَا حانيين عَلَيْهِ حنو النُّبُوَّة وَلَا متندمين من الْإِقْدَام على مثله مِمَّن تقدّمت عِنْد سُلْطَانه قدمه وتوكدت أواصره وَعَصَمَهُ وَلَا راحمين لَهُ من ضعف شيخوخته ووهل كبرته وَلَا مصغيين إِلَى وَصِيَّة الله إيَّاهُمَا بِهِ الَّتِي نَصهَا فِي مُحكم كِتَابه وكررها فِي آيه وبيناته إِذْ يَقُول {أَن اشكر لي ولوالديك إِلَيّ الْمصير} وَإِذ يَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وبالوالدين إحسانا إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما وَقل لَهما قولا كَرِيمًا واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَقل رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا} فَبِأَي وَجه يلقى الله قَاتل وَالِد حدب قد أَمر أَلا ينهره وَبِأَيِّ لِسَان ينْطق يَوْم يسْأَل عَمَّا استجازه فِيهِ وَفعله وتالله لَو أَن بمكانه عدوا لَهما قد قارضهما الذحول وقارعهما عَن النُّفُوس لقبح بهما أَن يلؤما ذَلِك اللؤم عِنْد الظفر بِهِ وَأَن يركبا تِلْكَ الخطة الشنعاء فِي الْأَخْذ بناصيته وَلم يرض فضل الله بِمَا أَتَاهُ إِلَيْهِ حَتَّى استوفى حُدُود قطع الرَّحِم بِأَن تتبع أكَابِر إخْوَته السالكين خلاف سَبيله المستبرئين إِلَى الله من عَظِيم مَا اكْتسب ووخيم مَا احتقب لما غضبوا لأبيهم وامتعضوا من المستحيل فِيهِ وَفِيهِمْ فَقبض على مُحَمَّد بن نَاصِر الدولة حِيلَة وغيلة وغدرا ومكيدة ونابذ حمدَان بن نَاصِر الدولة منابذة خار الله لَهُ فِيهَا بِأَن أصاره من فنَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْجَانِب الْعَزِيز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 والحرز الحريز وَأَن أجْرى الله على يَده الْحَرْب الْوَاقِعَة بَينه وَبَين الْمَعْرُوف بكنيته أبي البركات الَّتِي لقاه الله فِيهَا نحسه وأتلف نَفسه وصرعه بعقوقه وبغيه وقنعه بعاره وخزيه وَمَعَ ذَلِك لَا يتعظ وَلَا ينْزع وَلَا يقْلع وَلَا يزدجر إصرارا على الجرائر الَّتِي الله عَنْهَا حسيبه وَبهَا طليبه وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة مرصدتان لَهُ بالجزاء المحقوق عَلَيْهِ وَالْعِقَاب الْمَسْبُوق إِلَيْهِ وَأعظم من هَذَا كُله أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ خطبا وأوعر مسلكا ولحبا أَن من شَرَائِط الْعَهْد الَّذِي كَانَ عهد إِلَيْهِ وَالْعقد الَّذِي عقد لَهُ وَالضَّمان المخفف مبلغه عَنهُ الْمَأْخُوذ عَفوه مِنْهُ أَن يتناهى فِي ضبط الثغور وَجِهَاد الرّوم وَحفظ الْأَطْرَاف ورم الأكناف فَمَا وفى بِشَيْء من ذَلِك بل عدل عَنهُ إِلَى الاستئثار بالأموال واقتطافها وإحرازها فِي مكامنها وقلاعها والضن بهَا دون الْإِخْرَاج فِي وجوهها والوضع لَهَا فِي حُقُوقهَا وَأَن ترَاخى فِي أَمر عَظِيم الرّوم مهملا واطرح الْفِكر فِيهِ مغفلا حَتَّى هجم فِي الديار وَأثر الْآثَار وَنكى الْقُلُوب وأبكى الْعُيُون وصدع الأكباد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وأحر الصُّدُور فَمَا كَانَ عِنْده فِيهِ مَا يكون عِنْد الْمُسلم الْقَارئ لكتاب الله إِذْ يَقُول {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} بل صدف عَن ذكر الله لاهيا وَعدل عَن كِتَابه سَاهِيا واستفسخه ذَلِك البيع وَالْعقد وتنجزه الْوَعيد لَا الْوَعْد ولاطف طاغية الرّوم وهاداه وأماره وَأَعْطَاهُ وصانعه بِمَال الْمُسلمين الَّذين يلْزمه إِن سلم دينه وَصَحَّ يقينه أَن يُنْفِقهُ فِي مرابضهم ويذب بِهِ عَن حريمهم لَا أَن يعكسه عَن جِهَته ويلفته عَن وَجهه بِالنَّقْلِ إِلَى عدوهم وَإِدْخَال الوهن بذلك عَلَيْهِم وقاد إِلَيْهِ من الْخَيل الْعتاق مَا هُوَ الْآن عون للكفر على الْإِيمَان ونجدة للطاغية على السُّلْطَان وَكَانَ فِيمَا أتحفه بِهِ الْخمر الَّتِي حظر الله عَلَيْهِ أَن يشْربهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ويسقيها وتعبده بِأَن يجتنبها ويجتويها وصلبان ذهب صاغها لَهُ وتقرب بهَا إِلَيْهِ تقربا قد باعده الله فِيهِ عَن الْإِصَابَة والأصالة وَأَدْنَاهُ من الْجَهَالَة والضلالة حَتَّى كَأَنَّهُ عَامل من عماله أَو بطرِيق من بطارقته فَأَما فشله عَن مكافحته ولهجه بملاطفته فضد الَّذِي أمره الله بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} وَأما مَا نَقله من الْخَيل عَن ديار الْمُسلمين إِلَى ديار أعدائهم فنقيض قَوْله عز وَجل {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ} وَأما إهداؤه الْخمر والصلبان فخلاف عَلَيْهِ تبَارك اسْمه إِذْ يَقُول {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} كل ذَلِك عنادا لرب الْعَالمين وطمسا لأعلام الدّين وضنا بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 تحامى عَلَيْهِ من ذَلِك الحطام الْمَجْمُوع من الْحَرَام المثمر من الآثام المقتطع من فئ الْإِسْلَام وَقد فعل الْآن بِي وبالعسكر الَّتِي معي وَمن نضم من أَوْلِيَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذين هم إخْوَته وَصَحبه إِن كَانَ مُؤمنا وأنصاره وَحزبه إِن كَانَ موقنا من توعير المسالك وتفريق العروب وتضييق الأقوات واستهلاك الأزواد ليوصل إِلَيْنَا الضّر وَيلْحق بِنَا الْجهد فعل الْعَدو الْمُبين الْمُخَالف فِي الدّين فَهَل يجْتَمع فِي أحد المساوى أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا اجْتمع فِي هَذَا الناد الْعَائِد والشاذ الشارد وَهل يطْمع من مثله فِي حق يَقْضِيه أَو فرض يُؤَدِّيه أَو عهد يرعاه أَو ذمام يحفظه وَهُوَ لله عَاص ولإمامه مُخَالف ولوالده قَاتل ولرحمه قَاطع كلا وَالله بل هُوَ الْحقيق بِأَن تثنى إِلَيْهِ الأعنة وتشرع نَحوه الأسنة وتنصب لَهُ الأرصاد وتشحذ لَهُ السيوف الْحداد ليقطع الله بهَا دابره وَيجب غاربه ويصرعه مصرع الأثيم المليم الْمُسْتَحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 للعذاب الْأَلِيم أَو يفئ إِلَى الْحق إفاءة الدَّاخِل فِيهِ بعد خُرُوجه الْعَائِد إِلَيْهِ بعد مروقه التائب الْمُنِيب النَّازِل المستقيل فَيكون حكمه شَبِيها بِحكم الرَّاجِع عَن الرِّدَّة الْمَحْمُول على ظَاهر الشَّرِيعَة وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لمراشدنا ووقف بِنَا على السبل المنجية لنا والمقاصد المفضية إِلَى رِضَاهُ المعيذة من سطاه وَالْحَمْد لله الَّذِي أعز أَمِير الْمُؤمنِينَ بالنصر وَأَعْطَاهُ لِوَاء الْقَهْر وَجعل أولياءه العالين الطاهرين وأعداءه السافلين الهابطين وهنأه الله هَذَا الْفَتْح وَلَا أخلاه من أشكال لَهُ تقفوه وتتبعه وأمثال تتلوه وتشفعه واصلا فِيهَا إِلَيّ فأوصل فِيهِ إِلَيْهِ من حيازته مهنأ لم يسفك فِيهِ دم وَلم ينتهك فِيهِ محرم وَلم ينل جهد وَلم يمسس نصب أنهيت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ ذَلِك ليضيف صنع الله لَهُ فِيهِ إِلَى السالف من عوارفه عِنْده وأياديه وليجدد من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 شكره جلّ وَعلا مَا يكون دَاعيا إِلَى الإدامة والمزيد مقتضيا للعون والتأييد إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الثَّانِي مِمَّا يكْتب بِهِ إِلَى الْخُلَفَاء أَن يفْتَتح الْكتاب بِخطْبَة مفتتحة بِالْحَمْد لله وَرُبمَا كرر الْحَمد إِلَى ثَلَاث وَيَقَع ذَلِك فِي الْكتب الَّتِي تظهر فِيهَا النِّعْمَة كالفتوح وَنَحْوهَا وَهَذِه نُسْخَة من ذَلِك كتب بهَا الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي عَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب إِلَى الإِمَام النَّاصِر لدين الله بِفَتْح طبرية وعكا وَمَا مَعَهُمَا من سواحل الشَّام مصدرة بِآيَة من كتاب الله تَعَالَى وَهِي {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} الْحَمد لله على مَا أنْجز من هَذَا الْوَعْد على نصْرَة هَذَا الدّين الحنيف من قبل وَمن بعد وعَلى أَن أجْرى هَذِه الْحَسَنَة الَّتِي مَا اشْتَمَل على مثلهَا كرائم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 الصحائف وَلم يُجَادِل عَن مثلهَا فِي المواقف فِي الْأَيَّام الإمامية الناصرية زَادهَا الله غررا وأوضاحا ووالى البشائر إِلَيْهَا بالفتوح غدوا ورواحا وَمكن سيوفها فِي كل مازق من كل كَافِر ومارق وَلَا أخلاها من سيرة سَرِيَّة تجمع بَين مصلحَة مَخْلُوق وَطَاعَة خَالق وَأطَال أَيدي أوليائها لتحمي بِالْحَقِيقَةِ حمى الْحَقَائِق وأنجزها الْحق وَقذف بهَا على الْبَاطِل الزاهق وملكها هوادي المغارب ومرامي الْمَشَارِق وَلَا زَالَت آراؤها فِي الظُّلُمَات مصابح وسيوفها للبلاد مفاتح وأطراف أسنتها لدماء الْأَعْدَاء نوازح وَالْحَمْد لله الَّذِي نصر سُلْطَان الدِّيوَان الْعَزِيز وأيده وأظفر جنده الْغَالِب وأنجده وجلا بِهِ جلابيب الظلماء وجدد جدده وَجعل بعد عسر يسرا وَقد أحدث الله بعد ذَلِك أمرا وهون الْأَمر الَّذِي مَا كَانَ الْإِسْلَام يَسْتَطِيع عَلَيْهِ صبرا وخوطب الدّين بقوله {وَلَقَد مننا عَلَيْك مرّة أُخْرَى} فَالْأولى فِي عصر النَّبِي وَالصَّحَابَة وَالْأُخْرَى هَذِه الَّتِي عتق فِيهَا من رق الكآبة فَهُوَ قد أصبح حرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 فالزمان كَهَيْئَته اسْتَدَارَ الْحق ببهجته قد استنار وَالْكفْر رد مَا كَانَ عِنْده من الْمُسْتَعَار وَغسل ثوب اللَّيْل بِمَ فجر الْفجْر مِنْهَا أَنهَار النَّهَار وأتى الله بُنيان الْكفْر من الْقَوَاعِد وشفى غليل صُدُور الْمُؤمنِينَ برقراق الْمَوَارِد ذَات البوارد أنزل مَلَائِكَة لم تظهر للعيون اللاحظة وَلم تخف عَن الْقُلُوب الحافظة عزت غزَاة الْإِسْلَام بمسوميها وترادف نَصره بمردفيها وَأخذت الْقرى وَهِي ظالمة فترى مُتْرَفِيهَا كَأَن لم تَرَ فِيهَا فكم أقدم بهَا حيزوم وركض فَأتبعهُ سَحَاب عجاج مركوم وَضرب فَإِذا ضربه كتاب جراح مرقوم وَإِلَّا فَإِن الحروب إِنَّمَا عقدت سجالا وَإِنَّمَا جمعت رجَالًا وَإِنَّمَا دعت خفافا وثقالا فإمَّا سيوف تقَاتل سيوفا أَو زحوف تقَاتل زحوفا فَيكون حد الْحَدِيد بيد مذكرا وَيَد مؤنثا وَهُوَ أَن السَّيْف فِي الْيَد الْمُوَحدَة يُغني بالضربة الْمُوَحدَة وَفِي الْيَد الْمُثَلَّثَة لَا يغنى بِالضَّرْبِ مثلثا وَذَلِكَ أَنه فِي فئتين التقتا وعدوتين لغير مَوَدَّة اعتنقتا وَإِن هَذِه النُّصْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 إِن رويت عَن مَلَائِكَة الله فَمَا جحدت كراماتهم وَإِن رويت عَن الْبشر فقد عرفت قبلهَا مقاماتهم فَمَا كَانَ سيف يتقيظ من جفْنه قبل أَن يُنَبه الصَّرِيخ وَلَا كَانَ ضرب يطير الْهَام قبل ضرب يرَاهُ النَّاظر وَيسمع المصيخ فكم ضَرْبَة كَأَنَّهَا هجره الْمَوْت وَبهَا التَّارِيخ وَكم طعنة تَخِر لَهَا هضاب الْحَدِيد وَهِي شماريخ وَالْحَمْد لله الَّذِي أعَاد الْإِسْلَام جَدِيدا ثَوْبه حديدا حبله مبيضا نَصره مخضرا نصله متسعا فَضله مجتمعا شَمله وَالْخَادِم يشْرَح من نبأ هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم والنصر الْكَرِيم يَا مَا يشْرَح صُدُور الْمُؤمنِينَ ويمنح الحبور لكافة الْمُسلمين ويكرر الْبُشْرَى بِمَا أنعم الله بِهِ من يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر إِلَى يَوْم الْخَمِيس منسلخه وَتلك سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما سخرها الله على الْكفَّار {فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} ورايتها إِلَى الْإِسْلَام ضاحكة كَمَا كَانَت من الْكفْر باكية فَيوم الْخَمِيس الأول فتحت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 طبرية وفاض ري النَّصْر من بحيرتها ووقفت على جسرها الفرنج بقلقها وحيرتها وَفِي يَوْم الْجُمُعَة والسبت كسر الفرنج الكسرة الَّتِي مَا لَهُم بعْدهَا قَائِمَة وَأخذ الله أعداءه بأيدي أوليائه أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة وَفِي الْخَمِيس منسلخ الشَّهْر فتحت عكا بالأمان وأقيمت بهَا أَعْلَام الْإِيمَان وَهِي أم الْبِلَاد وَأُخْت إرم ذَات الْعِمَاد وأصبحت كَأَن لم تغن بالْكفْر وَلم تفْتَقر من الْإِسْلَام إِذْ بلغ الْمُسلمُونَ من أعدائهم المُرَاد وَقد أصدر هَذِه المطالعة وصليب الصلبوت مأسور وقلب ملك الْكفْر الْأَسير جَيْشه المكسور مكسور وَالْحَدِيد الْكَافِر الَّذِي كَانَ فِي يَد الْكفْر يضْرب وَجه الْإِسْلَام قد صَار حديدا مُسلما يفرق خطوَات الْكفْر عَن الْإِقْدَام وأنصار الصلبوت وكباره وكل من المعمودية عمدته والدير دَاره قد أحاطت بِهِ يَد القبضة وَأخذ رهنا فَلَا تقبل فِيهِ القناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وطبرية قد رفعت أَعْلَام الْإِسْلَام عَلَيْهَا وَنَكَصت من عكا مِلَّة الْكفْر على عقبيها وعمرت إِلَى أَن شهِدت يَوْم الْإِسْلَام وَهُوَ خير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 يوميها بل لَيْسَ من أَيَّام الْكفْر يَوْم فِيهِ خير وَقد عسل من بِلَاد الْإِسْلَام بدماء الشّرك مَا كَانَ يتخللها فَلَا ضَرَر وَلَا ضير وَقد صَارَت البيع مَسَاجِد بهَا من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَصَارَت المناحر مَوَاقِف لخطباء المنابر واهتزت أرْضهَا لوقوف الْمُسلمين فِيهَا وطالما ارتجت لموقف الْكَافِر والبأس الإمامي الناصري قد أمضى فتكاته على يَد الْخَادِم حَتَّى بالدمى فِي الْكَنَائِس وَإِن عز أول الْإِسْلَام بحط تَاج فَارس فكم حطت سيوفه فِي هَذَا الْيَوْم من تَاج فَارس فَأَما الْقَتْلَى وَالْأسَارَى فَإِنَّهَا تزيد على ثَلَاثِينَ الْفَا وَأما فرسَان الداوية والاستبارية فقد أمضى حكم الله فيهم وَقطع بهم سيوف نَار الْجَحِيم وَوصل الراحل مِنْهُم إِلَى الشَّقَاء الْمُقِيم وَقتل بابرنس كَافِر الْكفَّار ومشيد النَّار من يَده فِي الْإِسْلَام كَمَا كَانَت يَد الكليم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وَعجل بجسده إِلَى السَّيْف وبروحه الخبيثة إِلَى النَّار وافترت النُّصْرَة عَن ثغر عكا بِحَمْد الله الَّذِي يسر فتحهَا وتسلمتها الْملَّة الإسلامية بالأمان وَعرفت فِي هَذِه الصَّفْقَة ربحها وَأما طبرية فاقتسرتها يَد الْحَرْب فأنهرت الْحَرْب جرحها فَالْحَمْد لله حمدا لَا تضرب عَلَيْهِ الْحُدُود وَلَا تزكّى بأزكى مِنْهُ الْعُقُود وَكَأَنَّهُ بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس وَقد دنا الْأَقْصَى من أقصاه وَبلغ الله فِيهِ الأمل الَّذِي علم أَن لن يُحْصِيه وأحاط بأجله وأقصاه لكل أجل كتاب وَأجل الْعَدو هَذِه الْكَتَائِب الجامعة وَلكُل عمل ثَوَاب وثواب من جزي بِطَاعَتِهِ جنَّات نعيمه الواسعة وَالله المشكور على مَا وهب والمسئول فِي إدامة مَا اسْتَيْقَظَ من حد الْإِسْلَام وهب وَقد توجه من جَانب الْأَمِير رشيد الدّين دَامَ تأييده فِي إهداء هَذِه الْبُشْرَى نِيَابَة عَن الْخَادِم وَوصف مَا يسره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 الله لأوليائه من العزائم والبلاد والمعاقل الَّتِي فتحت هِيَ طبرية عكا الناصرة صفورية قيسارية نابلس حيفا معليا القزلة الطّور الشقيف وقلاع بَين هَذِه كَثِيرَة وَالْولد المظفر تَقِيّ الدّين بصور وحصن تبنين وَالْأَخ الْعَادِل سيف الدّين نَصره الله قد أركب بالوصول من عِنْده من العساكر فَنزل فِي طَرِيقه على غَزَّة وعسقلان ويجهز مراكب الأصطول الْمَنْصُور فيكثر عَددهَا ويسيرها إِلَى ثغر عكا المحروس ويشحنها بِالرِّجَالِ ويوفر سلاحها وعددها والنهوض إِلَى الْقُدس فَهَذَا أَوَان فَتحه وَلَقَد دَامَ عَلَيْهِ ليل الضلال وَقد آن أَن يسْتَقرّ فِيهِ الْهدى مشكور الْإِحْسَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الثَّالِث مِمَّا يكْتب للخلفاء أَن يفْتَتح الْكتاب بالتصلية على الْخَلِيفَة على مَذْهَب من يجوز من الْفُقَهَاء الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِلَّا بطرِيق التّبعِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك كتب بِهِ القَاضِي الْفَاضِل عبد الرَّحِيم البيساني عَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب أَيْضا فِي الْبُشْرَى بِفَتْح بلد من بِلَاد النّوبَة وانهزام ملكهَا بعساكره وَهِي صلوَات الله الَّتِي أعدهَا لأوليائه وَذُخْرهَا وتحياته الَّتِي قذف بشهبها شياطين أعدائه ودحرها وَبَرَكَاته الَّتِي دَعَا بهَا كل موحد فَأجَاب وانقشع بهَا غمام الْغم وظلام الظُّلم فانجاب عَن أنجاب وزكاته الَّتِي هِيَ للْمُؤْمِنين سكن وَسَلَامه الَّذِي لَا يعترى الموقنين فِي ترديده حصر وَلَا لَكِن على مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَاقد ألوية الْإِيمَان وَصَاحب دور الزَّمَان وساحب ذيل الْإِحْسَان وغالب حزب الشَّيْطَان الَّذِي زلزلت إِمَامَته قدم الْبَاطِل وحلت خِلَافَته ترائب الدَّهْر العاطل واقتضت سيوفه دُيُون الدّين من كل غَرِيم ماطل وأمضت غرب كل عزم للحق مفلول وأطلعت غارب كل نجم آفل وشفعت يقظات استغفاره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 إِلَى غَافِر ذَنْب كل غافل وعَلى آبَائِهِ الْغَايَة والمفزع والملاذ فِي وَقت الْفَزع والقائمين بِحُقُوق الله إِذْ قعد النَّاس والحاكمين بِعدْل الله إِذْ عدم القسطاس والمستضيئين بأنوار الإلهام المؤرثة من الْوَحْي إِذا عجز الاقتباس وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء وَالضَّرَّاء وَحين الْبَأْس خزان الحكم وحفاظها ومعاني النعم وألفاظها وأعلام الْعُلُوم المنشورة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وكالئي السروح المنتشرة من كلاءته بيد الْإِمَامَة وَمن لَا ينفذ سهم عمل إِلَّا إِذا شحن بِمُوَالَاتِهِمْ وَلَا بتألق صبح هِدَايَة إِلَّا إِذا استصبح الساري بدلالاتهم الْمَمْلُوك يقبل الأَرْض بمطالع الشّرف ومنازله ومرابع الْمجد ومعاقله ومحابس الْجُود ومحال السُّجُود ومختلف أنباء الرَّحْمَة الْمنزلَة ومرسى أطواد البسيطة المتزلزلة ومفتر مباسم الْإِمَامَة ومجر مساحب الْكَرَامَة وَمَكَان جنوح أَجْنِحَة الملائك ومشتجر مَنَاسِك الْمَنَاسِك حَيْثُ يدْخلُونَ من كل بَاب مُسلمين وتتبعهم مُلُوك الأَرْض مستسلمين ومشاهد الْإِسْلَام كَيَوْم أنزل فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَينْعَقد على الْولَايَة فَأَما غَيره فَلهُ قَوْله {قَاتلُوا الَّذين يلونكم} ويناجيها بِلِسَان جلي الْإِخْلَاص الصَّادِق عقيدته ونشط الْوَلَاء السَّابِق عقيلته وأرهف الْإِيمَان الناصح مضاربه وفسح المعتقد الناصح مذاهبه فأعرب عَن خاطر لم يخْطر فِيهِ لغير الْوَلَاء خطرة وقلب أَعَانَهُ عَليّ ورد الْوَلَاء صفاء المصفاة فِيهِ فطْرَة ويخبر أَنه مَا وَهن عَمَّا أوجبته آلاؤه وَلَا وَهِي وَلَا انثنى عزمه عَن أَن يقف حَيْثُ أظلت سِدْرَة الْمُنْتَهى ووضحت الأيات لأولي النهى وَالله سُبْحَانَهُ يزِيل عَنهُ فِي شرف المثول عوائق الْقدر وموانعه ويكشف لَهُ عَن قناع الْأَنْوَار الَّتِي لَيست همته بِمَا دون نظرها قانعة وَكَانَ توجه منصورا بِجَيْش دُعَائِهِ قبل جَيش لوائه وبعسكر إقباله قبل عَسْكَر قِتَاله وبنصال سُلْطَانه قبل نصال أجفانه لَا جرم أَن كتائب الرعب سَارَتْ أَمَام الْكَتَائِب وقواضب الحذر غمضت فِي جفونها عُيُون القواضب وَسَار أَوْلِيَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذين تجمعُوا من كل أمة وتداعوا بِلِسَان النِّعْمَة وتصرفوا بيد الْخدمَة وصالوا بِسيف العزمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 متواخية نياتهم فِي الْإِقْدَام متألفة طوياتهم فِي طَاعَة الإِمَام كالبنيان المرصوص انتظاما وكالغاب المشجر أعلاما وكالنهار الساطع حديدا وهاجا كالليل السابل عجاجا عجاجا وكالنهر المتدافع أصحابا وكالمشط المطرد اصطحابا وَالْأَرْض ترحل برحلهم لما ترفعه الحوافر من غيومها وَالسَّمَاء تنزل بنزولهم لما تضعه الذوابل من نجومها فَمَا انتشرت رياضها المزهرة وغياضها المشجرة إلات دلّت على أَن السَّحَاب الَّذِي سقاهم كريم والإنعام الَّذِي غمرهم عَظِيم وَالدُّنْيَا الَّتِي وسعتهم من عزمتهم تظعن وتقيم وَلما علم الْعَدو أَن الْخطب المظنون قد صرح خطابه والأمل المخدوع قد صفر وطابه راسل ورأي سل السيوف يغمده وماكر وَمَا كرّ لعلمه أَن الحتف يعمده واندفع هَارِبا هائبا وخضع كائبا كَاذِبًا فَمضى الْمَمْلُوك قدما وَحمله ظلمه {وَقد خَابَ من حمل ظلما} وأجابه بِأَنَّهُ إِن وطئ الْبسَاط بِرجلِهِ وَإِلَّا وَطئه بِرَأْسِهِ وَإِن قدم على الْمَمْلُوك بأمله وَإِلَّا أقدمه ببأسه وَإِن لم يظْهر أثر التَّوْبَة وَإِلَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد بسكرة الْمَوْت من كأسه فَلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 يخرج من مراوغة تحتهَا مغاورة ومكاسرة وَرَاءَهَا مكاشرة فاستخار الله فِي طلبه وانتهز فِيهِ فرْصَة شغل قبه بريبه وَلم يغره مَا أمْلى لَهُ فِي الْبِلَاد من تقلبه وَسَار وَلم يزل مُقْتَحِمًا وَتقدم أول الْعَسْكَر محتدما وَإِذا الدَّار قد ترحل مِنْهَا أَهلهَا فبانوا وظعنوا عَن ساحتها فكأنهم مَا كَانُوا وَلم يبْق إِلَّا مواقد نيران رحلت قُلُوبهم بضرامها وأثافي دهم أعجلت المهابة مَا رد سغبهم عَن طعامها وغربان بَين كَأَنَّهَا فِي الديار مَا قطع من رُؤُوس بنى حامها وعوافي طير كَانَت تنْتَظر من أشلائهم فطر صيامها وعادت الرُّسُل المنفذة لاقتفاء آثَارهم وَأَدَاء أخبارهم ذاكرة أَنهم لبسوا اللَّيْل حدادا على النِّعْمَة الَّتِي خلعت وغسلوا بِمَاء الصُّبْح أطماع نفس كَانَت قد تطلعت وَأَنَّهُمْ طلعوا الأوعار أوعالا وَالْعِقَاب عقبانا وَكَانُوا لمهابط الأودية سيولا ولأعالي الشّجر قضبانا فَرَأى الْمَمْلُوك أَن الْكتاب فيهم قد بلغ أَجله والعزم مِنْهُم قد نَالَ أمله والفتك بهم قد أعمل منصله وَأَن سيوف عَسَاكِر أَمِير الْمُؤمنِينَ منزهة عَن أَن تريق إِلَّا دِمَاء أكفائها من الْأَبْطَال وَأَن تلقى إِلَّا وُجُوه أنظارها من الرِّجَال وَأَن الْمَذْكُورين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 نمل حطمه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَجُنُوده وَرمل أطاره العاصف الَّذِي يستحفه ويقوده وأصدر هَذِه الْخدمَة والبلاد من بعوثهم عَارِية والكلمة بانخفاضهم غَالِيَة عالية وَيَد الله على أعدائه عَادِية وأنفس المخاذيل فِي وثاق مهابته الْعَالِيَة عانية ورأي الْمَمْلُوك أَن يرتب بعده الْأَمِير فلَانا ليبذل الْأَمَانَات لسوقة أهل الْبِلَاد ومزارعيها ويفصل المحاكمات بَين متابعي السلطنة ومطاوعيها ويفسح مجَال الْإِحْسَان لمعاودي المواطن ومراجعيها فيعمر من الْبِلَاد مَا قد شغر ويشعر بالأمنة من لَا شعر فَإِن مقَام الْمَمْلُوك وَمن مَعَه من عَسَاكِر تمنع الشَّمْس من مطْلعهَا وَترد جرية الْبَحْر عَن موقعها مِمَّا يضر بالغلال وينسفها ويجحف بالرعايا ويعسفها فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل النَّصْر لائذا بأعطاف اعتزامه وأنامل الرعب السائر إِلَى الْأَعْدَاء محركة عذبات أَعْلَامه والعساكر المناضلة بسلاح ولائه تغني بأسمائها عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 مرهفاتها والكتائب الْمُقَاتلَة بشعار علائه تقْرَأ كتب النَّصْر من حماتها إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الرَّابِع مِمَّا يكْتب بِهِ إِلَى الْخُلَفَاء أَن يفْتَتح الْكتاب بِالسَّلَامِ على الْخَلِيفَة قَالَ ابْن شيت فِي معالم الْكِتَابَة وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي زَمَاننَا وَكَانَ فِي أَوَاخِر الدولة الأيوبية وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك كتب بِهِ القَاضِي الْفَاضِل عَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد يعْتَذر فِيهِ عَن تَأْخِير الْكتب وَيذكر خبر صَاحب قسطنطينية وَصَاحب صقلية من مُلُوك النَّصْرَانِيَّة من الرّوم والفرنج وَهِي سَلام الله الأطيب وَبَرَكَاته الَّتِي يستدرها الْحَضَر والغيب وزكواته الَّتِي ترفع أولياءه إِلَى الدرج ونعمه الَّتِي لم تجْعَل على أهل الطَّاعَة فِي الدّين من حرج على مَوْلَانَا سيد الْخلق وساد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 الْخرق ومسدد أهل الْحق ولابس الشعار الأطهر سوادا ومستحق الطَّاعَة الَّتِي أسعد الله من خصّه بهَا بدءا ومعادا وَمولى الْأمة الَّذِي تشابه يَوْم نداه وباسه إِن ركض جودا أَو جوادا وَوَاحِد الدَّهْر الَّذِي لَا يثنى وَإِلَيْهِ الْقُلُوب تثنى وَلَا يقبل الله جمعا لَا يكون بولائه جمع سَلامَة لَا جمع تكسير وَلَا اسْتِقْبَال قبْلَة مِمَّن لَا تكون محبته فِي قلبه تقيم واسْمه فِي عمله إِلَى الله يسير مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وعَلى آبَائِهِ المالئي الأَرْض عدلا الملاء أَهلا فضلا والضاربين فيصلا والقائلين فصلا وَمن تَقول الْجنَّة لأَهْلهَا بهم أَهلا المخصوصين بالعناية الإلهية الْحَاكِمين فَكل أمة بطاعتهم مأمورة وَعَن معصيتهم منهية والمشرفى الأسارير على أسرة الشّرف فكم مَلَأت البهو مناظرهم البهية الْمَمْلُوك يخْدم الْحرم الشريف باحترامه والفناء الْكَرِيم بإعظامه والبساط الْمقبل بطول استلامه والستر الَّذِي أسبله الله على الْعباد بتحيته وَسَلَامه وَيُنْهِي أَنه آخر الخدم عَن أَن يَنْتَظِم الْأَوْقَات المتجددة ويقتضب الْحَالَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 المتجردة وَالرسل عَن أَن تتوارد دراكا وتتوالى وشاكا والإنهاءات عَن أَن تثبت بالمقامات الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة ومجالس الْعرض الْعلية مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الأقدار وَمَا أفْضى إِلَيْهِ من كثير المناجح وَقَلِيل الْأَعْذَار فَإِن أدب الأمساك عَن المطالعة كَالصَّوْمِ لَا يفض ختامه وَلَا يحل نظامه إِلَّا بعيد يطلع هلاله مبشرا ويبث خَبره فِي الْآفَاق معطرا فَلَو أَن متكلفا أفطر قبل موعده وَورد المَاء قبل مورده لَكَانَ مُفْسِدا لعقده نَاكِثًا لعهده كَذَلِك الْمَمْلُوك أمسك حِين كَانَت الْأَخْبَار بجانبه مشتبهة والحقائق لَدَيْهِ غير متوجهة فَإِن طاغيتى الْكفْر بقسطنطينية وصقلية كَانَا قد أوقدا للحرب نَارا ورفعا لَهَا أوزارا واتخذا لَهَا اسطولا جَارِيا وعسكرا جرارا وتباريا وَلم يزدْ الله الظَّالِمين إِلَّا تبارا وكتبا إِلَى الفرنج بعد انهزامهم بالنجدة والنصرة وتضمنا لَهُم الْخُرُوج والكرة ويصفان مَا استعدا بِهِ بِمَا لَا يعبر إِلَّا بِالْكَثْرَةِ واستطارت الشناعة وتداولتها الألسن وَخرجت من الأفواه حَتَّى لقد كَادَت تدخل فِيمَا رَأَتْهُ الْأَعْين وَورد إِلَى الْمَمْلُوك رَسُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 من طاغية الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَهُوَ أقدم مُلُوك النَّصْرَانِيَّة قدما وَأَكْثَرهم مَالا منتمى يعرض عَلَيْهِ موادعة يكون بهَا عسكره مودعا وَيكون لَهُ بهَا مفزعا وَلِصَاحِب صقلية الَّذِي زعم أَنه أصل للشر يكون الشَّرّ مِنْهُ مفرعا فَلم يهن وَلم يجب إِلَى السّلم وَلم يزعه أَن عسكره خذله الله مبار فِي الْبر وَفِي اليم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأسلوب الْخَامِس مِمَّا يكْتب بِهِ إِلَى الْخُلَفَاء أَن تفتتح الْمُكَاتبَة بِالدُّعَاءِ بِشَيْء من متعلقات الْخلَافَة فِي الْجُمْلَة وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك كتب بِهِ إِلَى ديوَان الْخلَافَة بِبَغْدَاد عَن بعض مُلُوك بني أَيُّوب اعتذارا عَن التَّقْصِير فِي وصف إنعام صدر لَهُ عَن الْخَلِيفَة وَهُوَ أسعد الله عُظَمَاء الْأَمْلَاك بالانتساب إِلَى الْخدمَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وأوزعهم مَا أَمرهم بِهِ من طاعتها وخلد ملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ مَا دَامَت الأفلاك قَائِمَة والنجوم ناجمة ونقع بغمائمها غلل الآمال الحائمة وَفسّر بمكارمها حلم الْأَمَانِي الحالمة ورتق بتدبيراتها المعصومة فتوق النوب المتعاظمة وَأظْهر على أَيدي أوليائها معجزات نصرها وَصرف الْأَيَّام والليالي بَين المرضيين لله نهيها وأمرها وأودع بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض بمودعها ومستقرها الْمَمْلُوك وَإِن كَانَ قد يسر الله لَهُ مذ أطلقت عذبة لِسَانه خدمَة الدولة العباسية فتفسح فِي وسيع مآثرها وتخير من بديع جواهرها وامتاح من نمير زواخرها فَإِنَّهُ لَا يعْتَذر عَن الْحصْر الَّذِي اعتراه فِي وصف الْمُنعم عَلَيْهِ بِهِ من الْخطاب الشريف الَّذِي لَوْلَا أَن عصمَة الْمُوَالَاة تثبت قلبه الخافق وتسدد لِسَانه النَّاطِق لما تعاطى وصف مَا أعطَاهُ من كِتَابه المرقوم وَسبق إِلَيْهِ من سحابه المركوم فَإِنَّهُ مِمَّا يشف عَنهُ الأمل ناكصا وَهُوَ كسير وينقلب دونه الْبَصَر خاسئا وَهُوَ حسير إِلَّا أَن الإنعام الشريف يبْدَأ الْأَوْلِيَاء بِمَا لَو وَكلهمْ إِلَى أمانيهم لتهيبت أَن تتعاطى خطبَته وَلَو فوضه إِلَى طلبتهم لنكلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 عَن أَن تترقى هضبته وَلَا غرو أَن للسحاب أَن يُصَافح قطره الثرى وللفجر أَن يشرق على غير الْكرَى والسرى فَالْحَمْد لله الَّذِي قرب على الْمَمْلُوك منال الآمال وَثَبت قوى فُؤَاده لما لَا تستقل بِحمْلِهِ صم الْجبَال ويستنيب عَن جهر الشُّكْر بسر الْأَدْعِيَة ويقتصر على مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى المحاريب وَإِن لم يقصر عَمَّا يفيضه فِي الأندية ويطالع بِأَن مَمْلُوك الْخدمَة وَابْن مملوكها أَخذ الْكتاب بِقُوَّة وشمر لخدمته تشمير خلَافَة لَا تشهير بنوة وتلقاه تلقي أَبِيه الأول الْكَلِمَات وَرَأى إطلاع الله لأمير الْمُؤمنِينَ على مَا فِي ضَمِيره من طَاعَته إِحْدَى المعجزات والكرامات وَسمع المشافهة خَاشِعًا متصدعا واشتمل عَلَيْهَا بفهمه ساميا طرفه متطلعا وَلَقَد أشبه هَذَا الْكتاب الْكَرِيم بيعَة أخذت عَلَيْهِ مد لَهَا يَده آخِذا بكلتا يَدَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 والمملوك يَرْجُو بل يتَحَقَّق أَن هَذَا العَبْد الْمشَار إِلَيْهِ سيوفى على سابقه من عبيد الدولة العباسية فِي الزَّمَان وَيكون بِمَشِيئَة الله أسبق مِنْهُم بِالْإِحْسَانِ وَقد صدرت خدمتان من جِهَته بعدهمَا تصدر الخدم وَلَا يألو جهدا فِي الخدمتين مباشرا بِيَدِهِ السَّيْف مستنبيا عَنْهَا للقلم وَله نصْرَة بَاقِيَة فِي الْوَلَاء وَهُوَ غَنِي عَن النظير وسريرة بادية فِي الطَّاعَة هُوَ إِلَيْهَا أسكن مِنْهُ إِلَى كل مشير يعود الْمَمْلُوك إِلَى مَا لَا يزَال يفْتَتح بِهِ الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة ويختتم بِهِ الختمات المعروضة من الدُّعَاء الصَّالح الَّذِي إِن أغْنى الله وليه عَنهُ فقد أحْوج ذوى العقائد السليمة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مزك لأعمالهم بل متمم لإسلامهم وَكَيف لَا يدعونَ لمن يدعونَ بِهِ يَوْم يدعى كل أنَاس بإمامهم فَيَقُول جمع الله لأمير الْمُؤمنِينَ طَاعَة خلقه وأذل رِقَاب الْبَاطِل بِسيف حَقه وَجعل الله مَا هُوَ قَبضته فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 الْأُخْرَى قَبْضَة أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الأولى من الأَرْض الَّتِي هِيَ مَوْطُوءَة كالسماء ذَات الْعلَا وأدام نعمه على هَذِه الْأمة بإمامته وَأظْهر كَرَامَة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا يظاهره من كرامته وَعجل لمن لَا يقوم بِفَرْض ولائه إِقَامَة قِيَامَته ورد بسيوفه الَّتِي لَا ترد مَا الْإِسْلَام ممطول بِهِ من ظلامته وَأقَام بِهِ مناهج الدّين لأَهله وأظهره بمظاهرته على الدّين كُله حَتَّى يلقى الله وَمَا خلف فِي الدُّنْيَا كَافِرًا وَلَا ضميرا إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ عَامِرًا وَلَا بَلَدا إِلَّا وَقد بَات بِالْإِسْلَامِ آهلا وَقد أصبح مِنْهُ الْكفْر داثرا الأسلوب السَّادِس أَن يفْتَتح الْكتاب بِالدُّعَاءِ لديوان الْخلَافَة وَعَلِيهِ الِاصْطِلَاح الْآن قَالَ فِي التَّعْرِيف وَكَانَ سَبَب مخاطبتهم الدِّيوَان الخضعان عَن مُخَاطبَة الْخَلِيفَة ورسمه على مَا ذكره الْمقر الشهابي بن فضل الله فِي كِتَابه التَّعْرِيف بالمصطلح الشريف أَن يُقَال أدام الله أَيَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 الدِّيوَان العزير المولوي السيدي الإمامي الْفُلَانِيّ ثمَّ يُؤْتى بِالدُّعَاءِ الْمَعْطُوف والصدر بالتعظيم المألوف وَقد يفْتَتح بِغَيْر هَذَا الدُّعَاء مثل أدام الله سُلْطَان الدِّيوَان الْعَزِيز وخلد الله سُلْطَان الدِّيوَان الْعَزِيز أَو أَيَّام الدِّيوَان الْعَزِيز وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِي الْعِزّ والدوام والصدر نَحْو العَبْد أَو الْمَمْلُوك أَو الْخَادِم يقبل الأَرْض أَو العتبات أَو مواطئ المواقف أَو غير ذَلِك وَيخْتم الْكتاب تَارَة بِالدُّعَاءِ وَتارَة ب طالع أَو أنهى أَو غَيرهمَا مِمَّا فِيهِ معنى الإنهاء ويخاطب الْخَلِيفَة فِي أثْنَاء الْكتاب بالديوان الْعَزِيز وبالمواقف المقدسة أَو المشرفة والأبواب الشَّرِيفَة وَالْبَاب الْعَزِيز وَالْمقَام الْأَشْرَف والجانب الْأَعْلَى أَو الشريف وبأمير الْمُؤمنِينَ مُجَرّدَة عَن سيدنَا ومولانا وَمرَّة غير مُجَرّدَة مَعَ مُرَاعَاة الْمُنَاسبَة والتسديد والمقاربة وَأما خطاب الْمَكْتُوب عَنهُ فَاخْتلف بِحَسب من كتب عَنهُ فَكتب بعض مُلُوك بنى أَيُّوب بالديار المصرية والممالك الشامية الْخَادِم وَبَعْضهمْ الْمَمْلُوك وَبَعْضهمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 العَبْد وَبَعْضهمْ أقل المماليك وَبَعْضهمْ أقل العبيد وَكَانَ عَلَاء الدّين خوارزم شاه صَاحب خوارزم وَمَا مَعهَا يكْتب الْخَادِم المطواع وَتَبعهُ ابْنه جلال الدّين على ذَلِك وَكَانَت أم جلال الدّين تكْتب الْأمة الداعية قَالَ فِي التَّعْرِيف والملوك والسوقة فِي ذَلِك لَا تخْتَلف وَهَذِه نُسْخَة كتاب من ذَلِك كتب بِهِ الْمقر الشهابي بن فضل الله إِلَى الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان أحد الْخُلَفَاء العباسية بالديار المصرية عَن رُمَاة البندق بِالشَّام جَوَابا عَمَّا ورد عَلَيْهِ من كِتَابهمْ وَهُوَ يَوْمئِذٍ الْحَاكِم فِي رماية البندق فِي أَمر نَاصِر الدّين بن الْحِمصِي أحد الرُّمَاة وَهِي أدام الله تَعَالَى أَيَّام الدِّيوَان الْعَزِيز المولوي السيدي النَّبَوِيّ الإمامي الحاكمي وَنصر بِهِ جمع الْإِيمَان وَبشر بأيامه الزَّمَان ومتعه بِالْملكِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده بِمَا وَرثهُ من سُلَيْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وَلَا زَالَ يخضع لمقامه كل جليل وَيعرف لأيامه كل وَجه جميل ويعترف لشرفه كل معترف بالتفضيل وَلَا كَانَ إِلَّا كرمه المأمول ودعاؤه المقبول وعدوه المصروع ووليه الْمَحْمُول وَلَا بَرحت طَاعَته يعْقد عَلَيْهَا كل جمع ومراسمه ينصت إِلَيْهَا كل سمع وَطَوَائِف الَّذين كذبُوا عَلَيْهِ لَا تتلى عَلَيْهِم آيَاته إِلَّا توَلّوا وأعينهم تفيض من الدمع المماليك يقبلُونَ الأَرْض بالأبواب الْعَالِيَة الَّتِي هِيَ خطة شرفهم وَمَكَان تعبد القدماء مِنْهُم وَمن سلفهم ويلوذون بذلك الْمقَام ويعوذون بذلك الْحرم الَّذِي لَا يبعد نسبه من الْبَيْت الْحَرَام ويؤملون ذَلِك الْكَرم الَّذِي مَا مِنْهُم إِلَّا من سعد بِهِ طَائِره وجاءته بِهِ فِي وَجه الصَّباح أشائره وَفِي وَجه الْعشَاء بشائره فنالوا بِهِ أقْصَى المرام وقضوا بِهِ من الْعُمر مَا إِذا قَالُوا يَا سعد لَا يعنون بِهِ إِلَّا ذَلِك الإِمَام وينتهون إِلَى مَا ورد بِهِ المرسوم الشريف الَّذِي مَا من المماليك إِلَّا من مت إِلَيْهِ بقديم عبوديته ورقه وسارع إِلَى طَائِره الميمون وحماه بسبقه وَفتح لَهُ عينه وَظن أَنه حالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وامتثلوا لأَمره وَكَيف لَا تمتثل الرُّمَاة أَمر الْحَاكِم وَلَا سِيمَا ابْن عَم سيدنَا رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإِمَام الْحَاكِم وأجلوه عَن رَفعه إِلَى الْعين إِذْ كَانَت تِلْكَ منزلَة الْحَاجِب وَقدمُوا إِلَيْهِ خفوق قُلُوبهم الطائرة وَمَا علمُوا أَن كَانُوا قَامُوا بِالْوَاجِبِ ووقفوا على أَحْكَام حاكمه فَمَا شكوا أَن زمَان هَذَا الْفَنّ بِزَمَان ناصره فِي بَغْدَاد قد عَاد وَأَن مِثَاله المتمثل فِي سَواد الحدق مِمَّا حكته أَيَّامه العباسية من شعار السوَاد وَعَلمُوا مَا رسم بِهِ فِي معنى مُحَمَّد بن الْحِمصِي الَّذِي مَا نورت اللَّيْلَة الظلماء أكاريخه وَلَا بَعدت فِي الإقعاد لَهُ تواريخه بل أخمدت دموع ندمه نيرانه المشتعلة وَأصْبح بِهِ لَا يحمل الْقوس فِي يَده إِلَّا أَنه مشغله وَمَا كَانَ أنهاه إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز مِمَّا لم تذكر الخواطر الشَّرِيفَة بِأَنَّهُ فِيهِ المفترى وَأَنه صَاحب الْقوس إِلَّا أَن مَاله سَعَادَة الْمُشْتَرى وَأَنه موه تمويه الجاحد وتلون مثل قَوس قزَح وَإِلَّا فقوس البندق لون وَاحِد ودلى بغروره وَعرض الْمحْضر الَّذِي حمله على تغريره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَذَلِكَ فِي غيبَة الْأَمِير بهاء الدّين البندقدار الحاكمي الَّذِي لَو كَانَ حَاضرا لنبأ بِخَبَرِهِ وَأحسن بالإعلام بِسوء محضره وتحيل لأخذ الْخط الشريف الَّذِي لَو عقل لَكَانَ حجَّة عَلَيْهِ ومؤكدا لإبطال رميه وقوسه وبندقه فِي يَدَيْهِ لما تضمنه الْخط الشريف الْمُقَيد اللَّفْظ المكتتب على المصطلح الساحب ذيل فخاره على المقترح الَّذِي هدى إِلَى الْخَيْر وَبَدَأَ بِهِ مَا وهب من الْملك السُّلَيْمَانِي الَّذِي أُوتِيَ من كل شَيْء وَعلم منطق الطير فَإِنَّهُ لم يكْتب لَهُ إِلَّا بِأَن يَرْمِي على الْوَجْه المرضي بساعده وَاسْتِيفَاء شُرُوط البندق وَالْخُرُوج من جَمِيع الأشكال عملا بقواعده وَيعلم أَنه إِنَّمَا رعى حق قَدمته وَلَا فعل فِي الْبَاب الْعَزِيز مَا يجب من التحلي بشعار الصدْق فِي خدمته وَأَنه خَالف عَادَة الْأَدَب وَأَخْطَأ فِي الْكل لكنه ندب وَذَلِكَ بعد أَن عمل لَهُ جيمع رُمَاة البندق وَسُئِلَ فَأجَاب بِأَنَّهُ سَالم من كل إِشْكَال يشكل وَأَنه بعد أَن أقعد رمى وَحمل وَحمل فَشهد عَلَيْهِ السَّادة الْأُمَرَاء وُلَاة الْعَهْد إخْوَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن حضر وَكَتَبُوا خطوطهم فِي الْمحْضر وَمَا حصل الْآن عِنْد عرض قصَّة المماليك بالمواقف المقدسة ووضوح قَضيته المدنسة من التَّعَجُّب من اعْتِرَاف المماليك لكَوْنهم رموا مَعَه بعد أَن رَأَوْا الْخط الشريف وَهُوَ لفظ مُقَيّد وَأمر أيد بِهِ رَأْي الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله المسترشد بِاللَّه والمؤيد وكل مَا أَمر بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا معدل عَن طرقه وَلَا جِدَال إِلَّا بِهِ إِذا ألزم كل أَمر طَائِره فِي عُنُقه وأمير الْمُؤمنِينَ بَحر لَا يُورد إِلَّا عَن علمه وَهُوَ الْحَاكِم وَلَا راد لحكمه وَإِنَّمَا ابْن الْحِمصِي الْمَذْكُور عدم السداد وَخَالف جارى الْعَادة فِي الحمص فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي سلق فِي الافتراء بألسنة حداد وَلم يُوقف المماليك من الْخط الشريف إِلَّا على بعضه وَلَا أَرَاهُم من برقه المتهلل غير ومضه وَالَّذِي أوقفهم عَلَيْهِ مِنْهُ أَن يَرْمِي مُحَمَّد بن الْحِمصِي ويرمى مَعَه وَكلمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مستمعة ومراسيمه متبعة وَإِذا تقدم كَانَ النَّاس تبعه غير أَن الْمَذْكُور بَدَت مِنْهُ أُمُور قطع بهَا الْأَمِير صارم الدّين صاروجا الْحَاكِم البندقدار فِي حَقه وَأَقْعَدَهُ عَن قَدمته الَّتِي كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 يمت فِيهَا بسبقه وانتقل عَنهُ غلمانه وَثقل عَلَيْهِ زَمَانه وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي جمع كَبِير يزِيد على تسعين قوسا وجرح لخطأ بندقه جرحا لَا يؤسى ثمَّ بعد مُدَّة سِنِين توسل بِولد الْأَمِير المرحوم سيف الدّين تنكز إِلَى أَبِيه وتوصل بِهِ إِلَى مراميه فَأمر أَن يرْمى مَعَه وهدد الْمُخَالف بِالضَّرْبِ وَلم يرم مَعَه أحد بِرِضَاهُ إِلَّا خوف أَن توقد نَار الْحَرْب فَلَمَّا مَضَت تِلْكَ الْأَيَّام وَانْقَضَت تِلْكَ الأحلام جمع مَمْلُوك الْأَبْوَاب الْعَالِيَة الْأَمِير عَلَاء الدّين بن الأبو بكري الْحَاكِم فِي البندق الْآن من رُمَاة البندق جمعا كثيرا واهتم بِهِ اهتماما كَبِيرا وَذكر أَمر الْمَذْكُور وأحضر محضره المسطور وَلم يكن عَلَيْهِ تعويل وَلَا فِي حكم الْحَاكِم الْمُقدم تَعْلِيل وَلَا عِنْد هَذَا الْحَاكِم الَّذِي ادّعى لَهُ وَادّعى عِنْده تجوز الأباطيل وَتحقّق أَن الْحق فِيمَا حكم عَلَيْهِ فتبع وَترجع أَن لَا يُقَام مِنْهُ من أقعد وَلَا يُوصل مِنْهُ مَا قطع فنفذ حكم الْحَاكِم الْمُتَقَدّم وَاسْتمرّ بقعوده المتحتم وَوَافَقَهُ على هَذَا سَائِر الرُّمَاة بالبلاد الشامية وحكامها وَمن يرجع إِلَيْهِ فِي الرماية وأحكامها وَبَطلَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 قدمة الْمَذْكُور الَّتِي ذهب فِيهَا عمره ضائعا وزمانه الَّذِي إِذا اشْتريت مِنْهُ سَاعَة بالعمر لم يكن نَافِعًا وَلما ورد الْآن هَذَا المرسوم الشريف زَاده الله شرفا قبلوا الأَرْض لَدَيْهِ وأوقفوا عَلَيْهِ حاكمهم الْمُسَمّى فَوقف لَهُ وَعَلِيهِ وَجمع لَهُ جمعا لم يدع من الرُّمَاة مُعْتَبرا وَلَا من يلقم الْقوس وترا وَلَا من إِذا قعد كَالْعَيْنِ جرى مَا جرى ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِم مَا تضمن ودعوا لأمير الْمُؤمنِينَ وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا من دَعَا وَأمن وتضاعف سرورهم بِحكمِهِ الَّذِي رفع الْخلَل وَقطع الجدل وَقَالُوا لَا عدمنا أَيَّام هَذَا الْحَاكِم الَّذِي أنصف وَالْإِمَام الَّذِي عدل وبقى ابْن الْحِمصِي مثلَة وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِنَّه من رمى مَعَه كَانَ مخطئا مثله ووقرت هَذِه المناداة فِي كل مسمع وقرت استقرارا انْفَصل عَلَيْهِ الْمجمع وَذَلِكَ بِمَا فهم من أَمِير الْمُؤمنِينَ وبنص كِتَابه الْمُبين وَبِمَا قضى الله بِهِ على لِسَان خَلِيفَته الْحَاكِم وَالله أحكم الْحَاكِمين وطالعوا بهَا وأنهوا صُورَة الْحَال وجمعوا فِي إمضائه الآمال لَا زَالَت سَعَادَة أَمِير الْمُؤمنِينَ منزهة عَن الشّبَه بعيدَة عَن الشّبَه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 آخذة من خير الدَّاريْنِ كل اثْنَيْنِ فِي وَجه حَتَّى تحصل كل رمية من كثب وَلَا يرْمى فِي كل لعبة إِلَّا كل مصطحب مَا غب فِي السَّمَاء المرزم وَوَقع الْعقَاب على ثنيته يقرع سنه ويتندم وَعلا النسْر الطَّائِر وَالْوَاقِع على آثاره وَسَائِر طيور النُّجُوم والحوم إِن شَاءَ الله تَعَالَى قلت وَهَذَا الْكتاب أنشأه الْمقر الشهابي بن فضل الله الْمُقدم ذكره بِنَاء على مذْهبه فِي أَن الْمُكَاتبَة إِلَى الْخَلِيفَة تكون بِالدُّعَاءِ للديوان الْعَزِيز من الْملك والسوقة لَا يخْتَلف وَفِيه نظر بل الَّذِي يَنْبَغِي أَن يفْتَتح الْكِتَابَة إِلَيْهِ بتقبيل الأَرْض على مَا يكْتب بِهِ للملوك إِذْ الْمُلُوك نوابه وَأَتْبَاعه وَلَا أَعلَى مِنْهُ رُتْبَة وَأما الْكتب إِلَى وُلَاة الْعَهْد بالخلافة فَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي صناعَة الْكتاب وَيكون التصدير فِي الْمُكَاتبَة إِلَى ولي الْعَهْد على مَا تقدم فِي الْمُكَاتبَة إِلَى الْخُلَفَاء مَعَ تَغْيِير الْأَسْمَاء يعْنى أَنه لَا يُقَال فِيهِ الإِمَام وَلَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بل ولي عهد الْمُسلمين وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 التصدير مَعَ السَّلَام وَبَرَكَاته فِي أول الْكتاب وَآخره وَفِي ولي الْعَهْد يحذف وَبَرَكَاته من التصدير فَكَانُوا يَكْتُبُونَ لوَلِيّ الْعَهْد لعبد الله أبي فلَان فلَان ولي عهد الْمُسلمين سَلام على ولي عهد الْمُسلمين وَرَحْمَة الله فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد أَطَالَ الله بَقَاء ولي عهد الْمُسلمين وَيَأْتِي على الْمَقْصد على مَا تقدم فِي الْكتب إِلَى الْخَلِيفَة ثمَّ يختمه بقوله وَالسَّلَام على ولي عهد الْمُسلمين وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما على المصطلح المستقر عَلَيْهِ الْحَال فقد ذكر الْمقر الشهابي بن فضل الله فِي كِتَابه التَّعْرِيف أَنه يكْتب إِلَى ولي الْعَهْد بالخلافة مَا صورته ضاعف الله تَعَالَى جلال الْجَانِب الشريف المولوي السيدي النَّبَوِيّ الْفُلَانِيّ ثمَّ يدعى لَهُ قَالَ صَاحب التثقيف وَالْخطاب لَهُ بمولانا ولي الْعَهْد وَنَحْو ذَلِك وَالتَّعْبِير عَن الْمَكْتُوب عَنهُ بالخادم يقبل العتبات الشَّرِيفَة أَو الْيَد الشَّرِيفَة وَنَحْو ذَلِك والعلامة إِلَيْهِ الْخَادِم على نِسْبَة مَا فِي الصَّدْر والعنوان عَن نَظِير الألقاب الَّتِي فِي الصَّدْر قَالَ فِي التثقيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 وَهَذَا على عَادَة من تقدم من الْمُلُوك أما فِي زَمَاننَا وَقَبله بِمدَّة مديدة فَإِنَّهُ لم يكْتب إِلَى ولي عهد قلت وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ قطع الْوَرق الَّذِي يكْتب فِيهِ إِلَى الْخَلِيفَة لَا شكّ فِي أَنه كَانَ يكْتب للخليفة وَولي الْعَهْد حِين كَانَت الْخلَافَة بالعراق فِي قطع الْبَغْدَادِيّ بقلم مُخْتَصر الطومار على مَا يظْهر أَو فِي ثُلثي الْقطع الْبَغْدَادِيّ على مَا ذكره مُحَمَّد بن عمر الْمَدَائِنِي حَيْثُ كَانَت بيعاتهم وعهودهم تكْتب فِي ذَلِك أما الْآن حَيْثُ صَارَت عهودهم وبيعاتهم تكْتب فِي قطع الشَّامي الْكَامِل بقلم الثُّلُث الْخَفِيف فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون الْكتب إِلَيْهِم على هَذَا النمط تأسيا بِمَا اعتمدوه فِي ذَلِك وَإِلَّا فَالْوَاجِب الْكِتَابَة فِي الْبَغْدَادِيّ الْكَامِل على مَا كَانَ الْأَمر عَلَيْهِ فِي الزَّمن الْقَدِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 الْبَاب السَّابِع فِي ذكر أَوَائِل منسوبة إِلَى الْخُلَفَاء وغرائب وملح وأعاجيب تتَعَلَّق بهم وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي ذكر نبذة من الْأَوَائِل المنسوبة إِلَيْهِم أول من بُويِعَ بالخلافة أَبُو بكر الصّديق بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد مر ذكر ذَلِك فِي الْبَاب الأول فِي الْكَلَام على الطّرق الَّتِي تَنْعَقِد بهَا الْخلَافَة وَهُوَ أول خَليفَة ولى وَأَبوهُ حَيّ فَقيل لِأَبِيهِ أبي قُحَافَة اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ أقرَّت بذلك بَنو قصي قيل نعم قَالَ يفعل الله مَا يَشَاء وبقى أَبُو قُحَافَة بعد وَفَاة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ سِتَّة أشهر وَأَيَّام ثمَّ توفى فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة وَهُوَ أول من عهد بالخلافة عهد بهَا لعمر بن الْخطاب وَقد مر ذكره فِي الْبَاب الأول أَيْضا وَهُوَ أول من جمع الْقُرْآن حِين قتل الْقُرَّاء بِالْيَمَامَةِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 حَرْب مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَسَماهُ مُصحفا وَكَانَ قبل ذَلِك مَكْتُوبًا فِي عسب النّخل أَو أكتاف الْإِبِل وَنَحْوهَا أول خَليفَة سمى بأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَهُوَ أول من فتح الْفتُوح وَأول من مصر الْأَمْصَار وَهُوَ أول من دون الدَّوَاوِين فِي الْإِسْلَام قَالَ الْقُضَاعِي دونهَا فِي سنة تسع عشرَة وَقيل سنة عشْرين قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف فِي سَبَب وَضعه فَقيل إِن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قدم عَلَيْهِ بِمَال من الْبَحْرين فَقَالَ مَاذَا جِئْت بِهِ قَالَ خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم فاستكثره عمر وَقَالَ أَتَدْرِي مَا تَقول قَالَ نعم مائَة ألف خمس مَرَّات فَصَعدَ عمر الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس قد جَاءَ مَال كثير فَإِن شِئْتُم كلنا لكم كَيْلا وَإِن شِئْتُم عددنا لكم عدا فَقَالَ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد رَأَيْت الْأَعَاجِم يدونون ديوانا لَهُم قدون لنا أَنْت ديوانا فَأمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 بِوَضْع الدَّوَاوِين وَقيل بل بعث عمر رَضِي الله عَنهُ بعثا وَعِنْده الهرمزان فَقَالَ لعمر قد أَعْطَيْت أهل هَذَا الْبَعْث الْأَمْوَال فَإِن تخلف مِنْهُم رجل أخل بمكانه من أَيْن يعلم صَاحبه فَأثْبت لَهُم ديوانا فَسَأَلَهُ عَن الدِّيوَان ففسره لَهُ فَأمر بِوَضْع الدِّيوَان وَقيل إِن عمر اسْتَشَارَ الْمُسلمين فِي أَمر المَال فَقَالَ عَليّ نقسم كل سنة مَا اجْتمع إِلَيْك من المَال وَلَا تمسك مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ عُثْمَان أرى مَالا كثيرا وَإِن لم تحص النَّاس حَتَّى تعلم من أَخذ مِمَّن لم يَأْخُذ انْتَشَر الْأَمر فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد قد كنت بِالشَّام فَرَأَيْت مُلُوكهَا دونوا ديوانا وجندوا جُنُودا فدون ديوانا وجند جُنُودا فَأخذ بقوله وَهُوَ أول من أرخ بعام الْهِجْرَة قَالَ فِي ذخيرة الْكتاب لما أَرَادَ وضع التَّارِيخ جمع النَّاس للمشورة فَقَالَ بَعضهم نؤرخ بمبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم بل بوفاته وَقَالَ بَعضهم بل بهجرته من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة لِأَنَّهَا أول ظُهُور الْإِسْلَام فصوبه عمر وَأجْمع رَأْيهمْ عَلَيْهِ وَكَانَت الْهِجْرَة فِي شهر ربيع الأول بعد عشر من النُّبُوَّة وَقدم الْمَدِينَة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ فَاخْتَلَفُوا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 الشَّهْر الَّذِي يبدؤون بِهِ فَأَشَارَ بَعضهم بالبداءة برمضان لشرفه فَقَالَ عمر بل بالمحرم لِأَنَّهُ منصرف النَّاس من حجهم فَرجع الْقَهْقَرَى ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَهِي الْقدر الَّذِي مضى من أول الْمحرم إِلَى اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة من ربيع الأول وَابْتِدَاء التَّارِيخ من أول الْمحرم لتِلْك السّنة قَالَ أَبُو هِلَال العسكري أَرَادَ بذلك اجْتِمَاع الْأَشْهر الْحرم فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ أول من اتخذ بَيت مَال فِيمَا ذكره العسكري عَن قَتَادَة وَهُوَ أول من سنّ قيام شهر رَمَضَان وَجمع النَّاس على إِمَام وَاحِد فِي التَّرَاوِيح وَذَلِكَ فِي سنة أَربع عشرَة وَهُوَ أول من عس بِاللَّيْلِ وَهُوَ أول من عاقب شَاعِرًا على الهجاء عاقب الحطيئة حِين هجا الزبْرِقَان بن بدر بِأَن حَبسه فِي بِئْر ثمَّ أخرجه وَطلب شفرة يُوهِمهُ أَنه يُرِيد قطع لِسَانه تخويفا لَهُ ليكف عَن الهجاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وَهُوَ أول من ضرب فِي الْخمر ثَمَانِينَ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قبل ذَلِك يجلد فِيهِ أَرْبَعِينَ وَهُوَ أول من حرم الْمُتْعَة بِالنسَاء وَهِي أَن تنْكح الْمَرْأَة على شَيْء إِلَى أجل وَكَانَت مُبَاحَة قبل ذَلِك وَهُوَ أول من نهى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وهبتهن وجعلهن مِيرَاثا وَهُوَ أول من مسح سَواد الْعرَاق على يَد عُثْمَان بن حنيف وَهُوَ من أَرض الْموصل إِلَى عبادان طولا وَذَلِكَ مائَة وَخمْس وَعِشْرُونَ فرسخا وَمن عقبَة حلوان إِلَى الْقَادِسِيَّة عرضا وَذَلِكَ ثَمَانُون فرسخا وَبَلغت جربانه سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف ألف جريب وَهُوَ أول من صَالح الْعمَّال على مَال يَأْخُذهُ مِنْهُم وَكَانَ من ذَلِك أَنه شاطر عَمْرو بن الْعَاصِ مَاله وَهُوَ أَمِير مصر يَوْمئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَهُوَ أول من حمل الطَّعَام من مصر فِي بَحر أَيْلَة إِلَى الْمَدِينَة حِين أقحطوا فِي عَام الرَّمَادَة والأمير على مصر يَوْمئِذٍ عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ الْقُضَاعِي حفر خليج الْقَاهِرَة من الْفسْطَاط إِلَى السويس فِي ثَمَانِيَة أشهر وَجَرت فِيهِ السفن بِالطَّعَامِ من عَامه فَكَانَ ينْقل مِنْهَا إِلَى السفن ببحر القلزم فَيحمل مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ أول من أعال الْفَرَائِض فِيمَا ذكره العسكري عَن ابْن عَبَّاس وَكَانَ ابْن عَبَّاس يُنكر القَوْل وَلم يظْهر ذَلِك إِلَّا بعد موت عمر فَقيل لَهُ هلا قلت ذَلِك فِي زمن عمر قَالَ كَانَ رجلا مهيبا فهبته وَهُوَ أول من اتخذ الدرة وَحملهَا ليعذب بهَا الجناة وَكَانَت من الهيبة بِحَيْثُ قَالَ الشّعبِيّ إِن درة عمر لأهيب من سيف الْحجَّاج أول خَليفَة ولى وَأمه فِي قيد الْحَيَاة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ ثمَّ مُوسَى وَهَارُون ابْنا الْمهْدي ثمَّ المعتضد ثمَّ الْمُطِيع وَهُوَ أول من أقطع القطائع بالأرضين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 من الْخُلَفَاء قَالَ العسكري فعل ذَلِك اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أول من حمى الْحمى لإبل الصَّدَقَة وَنَحْوهَا وَهُوَ أول من خفض صَوته بِالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاة فِيمَا ذكره العسكري عَن عَاصِم بن أبي محكن وَهُوَ أول من خلق الْمَسْجِد وَهُوَ أول من ارْتقى إِلَى مقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر إِذْ كَانَ أَبُو بكر قد نزل عَنهُ دَرَجَة ثمَّ جَاءَ عمر فَنزل عَنهُ أُخْرَى فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَان رقي إِلَى حَيْثُ كَانَ يرقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سلمَان الْيَوْم ولد الشَّرّ وَقد ذكر ذَلِك بعض الْخُلَفَاء فَأنكرهُ فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين اشكره يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فلولا ذَلِك لَكُنْت الْيَوْم تخْطب فِي بِئْر وَهُوَ أول من أرتج عَلَيْهِ فِي الْخطْبَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن اللَّذين تقدماني كَانَا يعدَّانِ لهَذَا الْموقف كلَاما وَأَنْتُم إِلَى إِمَام عَادل أحْوج مِنْكُم إِلَى إِمَام قَائِل وَسَتَأْتِيكُمْ الْخطْبَة على وَجههَا ثمَّ نزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَهُوَ أول من قدم الْخطْبَة قبل الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ حِين رأى كثيرا من النَّاس يذهبون قبل سَماع الْخطْبَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فِي أول خِلَافَته يصلونَ ثمَّ يخطبون كَمَا هُوَ الْآن وَهُوَ أول من فوض إِلَى النَّاس إِخْرَاج زكواتهم بِأَنْفسِهِم من غير دَفعهَا إِلَى الإِمَام وَهُوَ أول من اتخذ صَاحب شرطة قَالَ الثعالبي فِي لطائف المعارف وَهُوَ أول من قيل تَنَح عَن الطَّرِيق عِنْد سير الْخَلِيفَة أول من بَايع عليا رَضِي الله عَنهُ بالخلافة طَلْحَة وَكَانَت يَده شلاء فَقَالَ حبيب بن ذُؤَيْب أول من بَايعه أشل فَمَا أَظن أَن هَذَا الْأَمر يتم وَقيل أول من بَايعه الأشتر النَّخعِيّ وَهُوَ أول خَليفَة وَقع فِي زَمَنه قتال بَين أهل الْقبْلَة وَذَلِكَ فِي وقْعَة الْجمل وَهُوَ أول من اتخذ بَيْتا يطْرَح فِيهِ الْقَصَص حَتَّى كتبُوا شَتمه وألقوه فِيهِ فَتَركه ثمَّ اتَّخذهُ الْمهْدي أَيَّام خِلَافَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وَهُوَ أول من فرق بن الْبَيِّنَة فِي شَهَادَة الْخُصُوم أول من اتخذ ديوَان الْخَاتم مُعَاوِيَة جعل ديوانا لختم كتبه الَّتِي تكْتب عَنهُ وَكَانَ سَبَب ذَلِك فِيمَا ذكره الثعالبي أَن عَمْرو بن الزبير قدم عَلَيْهِ فَأمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَكتب لَهُ بذلك كتابا إِلَى زِيَاد بالعراق ففض عَمْرو الْكتاب وَجعل الْمِائَة مِائَتَيْنِ فَلَمَّا أطلع مُعَاوِيَة على ذَلِك اتخذ ديوَان الْخَاتم أول من بَايع لوَلَده مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بَايع لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة بعده وَهُوَ أول من وضع الْبَرِيد فِي الْإِسْلَام نَقله عَن مُلُوك الْفرس وأحكمه بعد ذَلِك عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ أول من سمى الغالية غَالِيَة شمها من عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب فَسَأَلَهُ عَنْهَا فوصفها لَهُ فَقَالَ إِنَّهَا غَالِيَة وَيُقَال إِنَّه شمها من مَالك بن أَسمَاء بن خَارِجَة وَكَانَت أُخْته هِنْد أول من صنعتها وَأنكر الجاحظ ذَلِك كُله وَقَالَ إِنَّا نجد فِي أشعار الْجَاهِلِيَّة ذكر الغالية وَرُبمَا قيل إِنَّهَا أَتَت الْعَرَب من جِهَة الْحَبَشَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وَهُوَ أول من عمل الْمَقْصُورَة فِي الْجَامِع ليُصَلِّي فِيهَا قيل إِنَّه رأى على منبره كَلْبا فاتخذها وَقيل أول من اتخذها مَرْوَان بن الحكم اتخذها من حِجَارَة منقوشة وَجعل لَهَا كوى خوفًا على نَفسه وَقيل أول من اتخذها عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ خوفًا أَن يُصِيبهُ مَا أصَاب عمر وَهُوَ أول من خطب جَالِسا حِين كثر شحمه وَعظم بَطْنه وَهُوَ أول خَليفَة عبثت بِهِ رَعيته واجترأت عَلَيْهِ حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ ليخبرنا أَمِير الْمُؤمنِينَ من كَانَ زوج أمه قبل أبي سُفْيَان فَقَالَ حَفْص بن الْمُغيرَة ثمَّ كلم ذَلِك الرجل عَمْرو بن الزبير فَأَغْلَظ عَلَيْهِ فِي كَلَامه فَأمر بِهِ فَضرب حَتَّى مَاتَ فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فلامه فَقيل إِنَّه الْقَائِل لَك كَذَا فَقَالَ إِذن قتلته وَأَنا أَحَق من وداه وَهُوَ أول من أَمر بإقراء السَّلَام على الْخُلَفَاء وَأقرهُ عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ أول من استلحق فِي الْإِسْلَام استلحق زيادا عملا بقول أَبِيه أبي سُفْيَان لَوْلَا أَن يشبرق عمر إهابي لعرفت أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 زيادا قريب النّسَب مني أَنا غرسته فِي رحم أمه وَهُوَ أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته أول من أخرج الْمِنْبَر إِلَى الصَّحرَاء فِي الْعِيد مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ أول من أَخذ الْجَار بالجار فِيمَا ذكره العسكري أَخذ فَتى بِأَبِيهِ فجلده وتمثل بقول الشَّاعِر ... جانيك من يجنى عَلَيْك وَقد تعدِي الصِّحَاح مبارك الجرب ... فَقَالَ الْفَتى مَا هَكَذَا قَالَ الله تَعَالَى بل قَالَ {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} فرق لَهُ وخلاه ويحكى مثل ذَلِك عَن الْحجَّاج بن يُوسُف أول من نهى عَن الْكَلَام بِحَضْرَة الْخَلِيفَة عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ النَّاس قبل ذَلِك يراجعون الْخَلِيفَة فِيمَا يَقُول ويعترضون عَلَيْهِ فِيمَا يفعل وَأكْثر مَا كَانَ ذَلِك على عُثْمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وَهُوَ أول من ضرب الدَّرَاهِم فِي الْإِسْلَام وَكتب فِي أَولهَا {قل هُوَ الله أحد} سنة خمس وَسبعين وَجعل كل عشرَة مِنْهَا وزن سبع مَثَاقِيل فاستمر هَذَا الْوَزْن إِلَى الْآن وَإِنَّمَا كَانَ قبل ذَلِك الدَّرَاهِم المشخصة ثمَّ ضربهَا الْحجَّاج وَنقش عَلَيْهَا {الله أحد الله الصَّمد} وَنهى أَن يطبع أحد غَيره فطبع سهير الْيَهُودِيّ دَرَاهِمه السهيرية من فضَّة خَالِصَة وَجعل فِيهَا ذَهَبا فَأمر الْحجَّاج بقتْله فَقَالَ انْظُر فَإِن لم تكن أَجود من دراهمك فاقتلني فَوَجَدَهَا أَجود مِنْهَا فَأمر بقتْله لجرأته على ضربهَا قَالَ فَإِنِّي أعرض عَلَيْك أمرا فَإِن رَأَيْته أصلح للْمُسلمين من قَتْلِي فأعفني قَالَ هاته فَوضع الأوزان وزن ألف وَخمْس مائَة وثلاثمائة إِلَى وزن ربع قِيرَاط فَجَعلهَا حديدا ونقشها وَجَاء بهَا إِلَى الْحجَّاج فأعجبه وَعَفا عَنهُ وَكَانَ النَّاس قبل ذَلِك يَأْخُذُونَ الدِّرْهَم الوازن فيزنون بِهِ غَيره وَأكْثر ذَلِك يُؤْخَذ عددا وَهُوَ أول من نقل الدِّيوَان من الفارسية بالعراق وَمن الرومية بِالشَّام إِلَى الْعَرَبيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وَهُوَ أول من رفع يَده على الْمِنْبَر وَهُوَ أول خَليفَة بخل حَتَّى كَانَ يُقَال لَهُ رشح الْحجر لبخله كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته يُقَال إِن بعض أخصائه لامه يَوْمًا على ذَلِك فَقَالَ أما سَمِعت قَول الْقَائِل أجع كلبك يتبعك فَقَالَ أما تخشى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يلوح لَهُ غَيْرك بكسرة فيتركك ويتبعه أول من اتخذ البيمارستان للمرضى فِي الْإِسْلَام الْوَلِيد بن عبد الْملك بنى بيمارستانا بِدِمَشْق وسبله على المرضى أما مصر فَأول من اتَّخذهُ بهَا أَحْمد بن طولون بناه بالفسطاط وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن ثمَّ اتخذ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بيمارستانا بِالْقَاهِرَةِ فِي قاعة من قاعات الْقصر أخبر أَنه لَا يدخلهَا النَّمْل وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن ثمَّ اتخذ الْمَنْصُور قلاوون البيمارستان الْكَبِير بَين القصرين فأنسى ذكر مَا كَانَ قبله وَهُوَ أول من أجْرى الرَّوَاتِب على الْقُرَّاء والعميان وَأَصْحَاب العاهات وَهُوَ أول خَليفَة أَقَامَ ناموس الْملك وَمنع من دُعَاء الْخَلِيفَة باسمه ومراجعته فِي الْكَلَام وَقَامَ بذلك خَطِيبًا فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 أَيهَا النَّاس إِنَّكُم كُنْتُم تكَلمُون من قبلي من الْخُلَفَاء بِكَلَام الْأَكفاء تَقولُونَ يَا مُعَاوِيَة يَا يزِيد وَإِنِّي أعطي الله عهدا يأخذني بِالْوَفَاءِ بِهِ لَا يكلمني أحد بِمثل ذَلِك إِلَّا أتلفت نَفسه ثمَّ إِن رجلا قَالَ لَهُ بعد ذَلِك اتَّقِ الله يَا وليد فَإِن الْكِبْرِيَاء لله فَأمر بِهِ فوطئ بالأقدام فأيقظ النَّاس ذَلِك أول خَليفَة اتخذ الأتراك أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور اتخذ حمادا التركي ثمَّ اتخذ الْمهْدي بعده مُبَارَكًا التركي وَغَيره وَهُوَ أول خَليفَة جمع لعامل بَين الْحَرْث وَالْخَرَاج جمع بَينهمَا لخَالِد بن برمك بِفَارِس أول خَليفَة زَاد فِي الْكتب وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد وَآله هَارُون الرشيد كَمَا تقدم فِي المكاتبات قَالُوا وَكَانَ ذَلِك من أفضل مناقبه وَهُوَ أول خَليفَة جلس فِي المصائب على الْبسَاط دون أنماط تَحْتَهُ حِين نعي إِلَيْهِ ابراهيم بن صَالح بن عَليّ وَصَارَ إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 دَاره وَقَالَ لَا يحسن بِأحد أَن يجلس فِي دَار حبيب من أَهله على نمط وَلَا نمرقة فاستن بَنو الْعَبَّاس ذَلِك فِي المصائب أول من دعِي بنعته على الْمِنْبَر مُحَمَّد الْأمين فَقيل اللَّهُمَّ وَأصْلح عَبدك وخليفتك عبد الله مُحَمَّدًا الْأمين وَلم يذكر قبله نعت أحد من الْخُلَفَاء على مِنْبَر أول من أخر النيروز المتَوَكل وَقد مر القَوْل عَلَيْهِ فِي الْكَلَام على نقل السّنة وَهُوَ أول من أَمر بتغيير زِيّ أهل الذِّمَّة وَقد مر القَوْل على ذَلِك فِي بَابه أَيْضا الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر غرائب وملح وأعاجيب تتَعَلَّق بالخلفاء غرائب تتَعَلَّق بِولَايَة الْخلَافَة من ولى الْخلَافَة فِي حَيَاة أَبِيه أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَليهَا وَأَبوهُ حَيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 الطائع لله انخلع لَهُ أَبوهُ الْمُطِيع مِنْهَا حِين ضعف وَعجز عَن الْقيام بهَا وَولى مَكَانَهُ وعاش أَبوهُ بعد ذَلِك أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ مَاتَ من ولى الْخلَافَة وَله أَخ أسن مِنْهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَليهَا وَأَخُوهُ عقيل أسن مِنْهُ بِعشْرين سنة يزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَليهَا وَأَخُوهُ عبد الله أسن مِنْهُ هِشَام بن عبد الْملك وَليهَا وَأَخُوهُ مسلمة أسن مِنْهُ يزِيد بن الْوَلِيد وَأَخُوهُ ابراهيم ولياها وأخوهما الْعَبَّاس وَغَيره من إخوتهما أسن مِنْهُمَا أَبُو الْعَبَّاس السفاح وَليهَا وَأَخُوهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أسن مِنْهُ بسنين وأعقل مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 هَارُون الرشيد وَليهَا وَأَخُوهُ مُحَمَّد بن الْمهْدي أسن مِنْهُ مُحَمَّد الْأمين وَليهَا وَأَخُوهُ الْمَأْمُون أسن مِنْهُ بِسِتَّة أشهر وأعقل مِنْهُ الواثق بِاللَّه وَليهَا وَأَخُوهُ مُحَمَّد وَالِد المستعين أسن مِنْهُ المتَوَكل على الله وَليهَا وَأَخُوهُ أَحْمد اسن مِنْهُ المعتز بِاللَّه وَليهَا وَأكْثر إخوانه أسن مِنْهُ القاهر بِاللَّه وَليهَا وَأَخُوهُ هَارُون أسن مِنْهُ الْمُطِيع لله وَليهَا وَأَخُوهُ الْعَبَّاس وَغَيره من إخْوَته أسن مِنْهُ الطائع لله وَليهَا وَأَخُوهُ عبد الْعَزِيز أسن مِنْهُ من ولى الْخلَافَة من الْإِخْوَة أَرْبَعَة إخْوَة ولوا الْخلَافَة هم الْوَلِيد وَسليمَان وَيزِيد وَهِشَام بَنو عبد الْملك بن مَرْوَان لَا يعرف ذَلِك لسواهم ثَلَاثَة إخْوَة ولوا الْخلَافَة هم الْأمين والمأمون والمعتصم بَنو هَارُون الرشيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 والمنتصر والمعتز وَالْمُعْتَمد بَنو المتَوَكل والمكتفي والمقتدر والقاهر بَنو المعتضد والراضي والمقتفي والمطيع بَنو المقتدر وَأما أَخَوان وليا الْخلَافَة فكثير مِنْهُم يزِيد وابراهيم ابْنا الْوَلِيد والسفاح والمنصور ابْنا مُحَمَّد وَالْهَادِي والرشيد ابْنا الْمهْدي والواثق والمتوكل ابْنا المعتصم وَغَيرهم من ولي صَبيا جَعْفَر بن المقتدر ولى وَلم يستكمل إِحْدَى عشرَة سنة مُعَاوِيَة بن يزِيد ولي وَله تسع عشرَة سنة من ولي مسنا قد جَاوز السِّتين أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ولى وَله إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة عبد الله بن الزبير ولى وَله أَربع وَسِتُّونَ سنة مَرْوَان بن الحكم ولى وَله إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 اتفاقية عَجِيبَة فِي خلع الْخُلَفَاء قَالَ الصولي النَّاس يرَوْنَ أَن كل سادس يقوم بِأَمْر الدّين مُنْذُ أول الْإِسْلَام لَا بُد أَن يخلع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَالْحسن خلع ثمَّ مُعَاوِيَة وَيزِيد وَمُعَاوِيَة ومروان وَعبد الْملك وَعبد الله بن الزبير فَخلع ثمَّ لم يكن فِي الدولة الأموية من يكمل السِّتَّة فَكَانَ مِنْهُم يزِيد بن الْوَلِيد ثمَّ ابراهيم بن الْوَلِيد ثمَّ مَرْوَان بن مُحَمَّد وَهُوَ آخِرهم ثمَّ أَتَى الله تَعَالَى بالدولة العباسية فَكَانَ مِنْهُم السفاح والمنصور وَالْمهْدِي وَالْهَادِي والرشيد والأمين فَخلع ثمَّ الْمَأْمُون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فَخلع ثمَّ المعتز والمهتدي وَالْمُعْتَمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر فَخلع فِي فتْنَة ابْن المعتز ثمَّ رد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 قَالَ صَاحب رَأس مَال النديم ثمَّ الْقَائِم ثمَّ الراضي ثمَّ المقتفي ثمَّ المكتفي ثمَّ الْمُطِيع ثمَّ الطائع فَخلع قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي ثمَّ الْقَادِر ثمَّ الْقَائِم ثمَّ الْمُقْتَدِي ثمَّ المستظهر ثمَّ المسترشد ثمَّ الراشد فَخلع ثمَّ المقتفي ثمَّ المستنجد ثمَّ المستضىء ثمَّ النَّاصِر ثمَّ الظَّاهِر ثمَّ المستعصم فَخلع وَقتل أَيَّام هولاكو ملك التتار قلت ثمَّ بُويِعَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَحْمد بن الظَّاهِر بالديار المصرية فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة بيبرس وجهزه الْملك الظَّاهِر إِلَى بَغْدَاد ليقتلعها من التتر فَقتله التتر قبل وُصُوله إِلَيْهَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة من خلفاء الْعرَاق وَإِن بُويِعَ لَهُ بِمصْر ثمَّ بُويِعَ بعده بالديار المصرية الْحَاكِم بِأَمْر الله أَحْمد بن الْحُسَيْن وَاسْتقر بهَا قدمه فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أول خلفائها ثمَّ كَانَ بعده بهَا ابْنه المستكفي سُلَيْمَان ثمَّ الْحَاكِم الثَّانِي أَحْمد بن المستكفي ثمَّ ابْنه الثَّانِي الواثق ابراهيم ثمَّ ابْنه الثَّالِث المعتضد أَبُو بكر ثمَّ المتَوَكل مُحَمَّد بن المعتضد أبي بكر فَخلع ثمَّ أُعِيد ثمَّ خلع ثمَّ أُعِيد ثمَّ كَانَ بعده ابْنه الإِمَام المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 ابْن المتَوَكل ثمَّ ابْنه الثَّانِي الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد خَليفَة الْعَصْر خلد الله أَيَّامه وَالله أعلم بِمن يكون السَّادِس فيخلع ملح ونوادر تتَعَلَّق بالخلفاء ثَمَانِيَة كَانُوا موجودين فِي زمن وَاحِد ولى كل مِنْهُم الْخلَافَة وهم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَالْحسن وَمُعَاوِيَة وَعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم كلهم كَانُوا موجودين عِنْد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ولى كل مِنْهُم الْخلَافَة أحد عشر كَانُوا فِي زمن وَاحِد ولى كل مِنْهُم الْخلَافَة وهم الْوَلِيد بن عبد الْملك وَسليمَان بن عبد الْملك وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَيزِيد بن عبد الْملك وَهِشَام بن عبد الْملك والوليد بن يزِيد وَيزِيد بن الْوَلِيد وابراهيم بن الْوَلِيد ومروان بن مُحَمَّد وَأَبُو الْعَبَّاس السفاح وَأَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور كَانُوا موجودين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 فِي آخر أَيَّام الْوَلِيد بن عبد الْملك وَقد ولوا الْخلَافَة خَليفَة أَبُو عشرَة وأخو عشرَة وَعم عشرَة هُوَ مَرْوَان بن الحكم وَأَوْلَاده الْعشْرَة عبد الْملك وَمُعَاوِيَة وَعبد الْعَزِيز وَبشر وَعمر وَمُحَمّد وَعبيد الله وَعبد الله وَأَيوب وَدَاوُد وَإِخْوَته الْعشْرَة عُثْمَان الْأَكْبَر وَعُثْمَان الْأَصْغَر والْحَارث وَعبد الرَّحْمَن وَصَالح وَأَبَان وَيحيى وحبِيب وَعَمْرو وَأَوْلَاد إخْوَته الْعشْرَة عبد الْوَاحِد وَعبد الْملك وَعبد الْعَزِيز وَسَعِيد أَوْلَاد الحكم وَحرب وَعُثْمَان وَعمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 أَوْلَاد الْحَارِث بن الحكم ويوسف وَسليمَان وَيحيى أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن بن الحكم خَليفَة جرت أَحْوَاله على شهر رَمَضَان هُوَ عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ يَقُول ولدت فِي شهر رَمَضَان وفطمت فِي شهر رَمَضَان وأعذرت فِي شهر رَمَضَان وختمت الْقُرْآن فِي شهر رَمَضَان وَبَلغت الْحلم فِي شهر رَمَضَان وأتتني الْخلَافَة فِي شهر رَمَضَان وأخشى أَن أَمُوت فِي شهر رَمَضَان فَمَا دخل شَوَّال وَأمن مَاتَ أَرْبَعَة خلفاء تزوجوا إِلَى رجل وَاحِد هم الْوَلِيد بن عبد الْملك وَسليمَان بن عبد الْملك وَيزِيد بن عبد الْملك وَهِشَام بن عبد الْملك تزوج الْأَرْبَعَة بَنَات عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان فَتزَوج الْوَلِيد بنته عَبدة وَسليمَان بنته عَائِشَة وَيزِيد بنته أم سعيد وَهِشَام بنته رقية وَلَا يعرف مثل ذَلِك خَليفَة ركب الْبَرِيد لَا يعرف ذَلِك إِلَّا لمُوسَى الْهَادِي كَانَ غَائِبا بجرجان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ الْمهْدي كتب إِلَيْهِ أَخُوهُ الرشيد بالْخبر وَأخذ الْبيعَة لَهُ بالخلافة وَوجه مَعَ الرَّسُول الْخَاتم والبردة والقضيب فَبلغ جرجان فِي ثَمَانِيَة أَيَّام ووافى مُوسَى بَغْدَاد على الْبَرِيد بعد ثَلَاثَة عشر يَوْمًا من موت الْمهْدي خَليفَة سلم عَلَيْهِ بالخلافة عَمه وَعم أَبِيه وَعم جده هُوَ الرشيد سلم عَلَيْهِ عَمه سُلَيْمَان بن الْمَنْصُور ثمَّ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد عَم أَبِيه الْمهْدي ثمَّ عبد الصَّمد بن عَليّ عَم جده أبي جَعْفَر خَليفَة سلم عَلَيْهِ سَبْعَة من أهل بَيته كلهم ابْن خَليفَة هُوَ المتَوَكل سلم عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الواثق وَأحمد بن المعتصم ومُوسَى بن الْمَأْمُون وَعبد الله بن الْأمين وَأَبُو أَحْمد بن الرشيد وَالْعَبَّاس بن الْهَادِي وَمَنْصُور بن الْمهْدي خَليفَة قبل يَد خَليفَة ثمَّ قبل ذَلِك الْخَلِيفَة يَده هُوَ المعتصم وقف لابراهيم بن الْمهْدي أَيَّام خِلَافَته ثمَّ نزل فَقبل يَده ثمَّ أدنى مِنْهُ ابْنه هَارُون فَقبل يَده وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَبدك هَارُون ابنى فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا اسْتخْلف المعتصم وَكَانَ ابراهيم قد خلع فَقبل يَده وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَبدك هبة الله ابنى فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ حكى المعتصم هَذِه الْحِكَايَة لعَلي بن الْجُنَيْد فلامه على عدم إنصافه لإِبْرَاهِيم بن الْمهْدي وَقَالَ إِبْرَاهِيم إِنَّمَا أَمر لابنك هَارُون بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَفِي يَده بَغْدَاد فَقَط وَأَنت فِي يدك الدُّنْيَا فَقَالَ صدقت وَأمر لهبة الله بن ابراهيم بِعشْرَة آلَاف دِينَار قَالَ الصولي وَلَا يعرف خَليفَة قبل يَد خَليفَة ثمَّ قبل ذَلِك الْخَلِيفَة يَده إِلَّا فِي هذَيْن خَليفَة جرت أُمُوره كلهَا على ثَمَانِيَة هُوَ المعتصم لِأَنَّهُ الثَّامِن من ولد الْعَبَّاس وَالثَّامِن من خلفاء بني الْعَبَّاس وَالثَّامِن من أَوْلَاد الرشيد وَولد سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة وَمَات وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة وَملك ثَمَان سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَخلف ثَمَانِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 بَنِينَ وثمان بَنَات وَخلف الْعين ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِينَار وَثَمَانِية وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وثماني عشر ألف دَابَّة وفتوحه ثَمَانِيَة وَتُوفِّي لثمان بَقينَ من ربيع الأول إِلَى غير ذَلِك من عدد الثَّمَانِية أُمُور قدرهَا الله تَعَالَى لَهُ خَليفَة تنقل فِي خمس طَبَقَات هُوَ ابراهيم بن الْمهْدي كَانَ فِي طبقَة أَبنَاء الْخُلَفَاء ثمَّ صَار خَليفَة ثمَّ صَار فِي طبقَة الندماء ثمَّ صَار فِي طبقَة المغنين ثمَّ صَار فِي مشيخة بني هَاشم خَليفَة كَانَت خِلَافَته يَوْمًا أَو بعض يَوْم هُوَ عبد الله بن المعتز وَقد تقدم ذكره خَليفَة قتل ابْنه هُوَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك قتل ابْنه أَيُّوب صبرا خَليفَة قتل أَبَاهُ هُوَ الْمُنْتَصر قتل أَبَاهُ المتَوَكل بِأَن قيض لَهُ غلمانه من التّرْك فَقَتَلُوهُ خَليفَة قتل أَخَاهُ هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 المعتز قتل أَخَاهُ الْمُؤَيد بعد أَن خلعه من الْعَهْد خَليفَة قتل عَمه هُوَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور قتل عَمه عبد الله بن عَليّ أما من قتل ابْن أَخِيه فكثير كالمعتصم قتل الْعَبَّاس ابْن أَخِيه الْمَأْمُون بالمرزاب خَليفَة لَيْسَ لَهُ عقب هُوَ مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة خَليفَة انْقَطع عقبه هُوَ أَبُو الْعَبَّاس السفاح خَليفَة جَاوز سنه التسعين هُوَ الْقَادِر بِاللَّه بلغ ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة خَليفَة لم يبلغ عمره عشْرين سنة هُوَ د مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة امْرَأَة تزَوجهَا خَليفَة وَابْنهَا خَليفَة وَزوج ابْنَتهَا خَليفَة هِيَ فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَابْنهَا الْحسن السبط وَزوج ابْنَتهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ زوج بنتهَا أم كُلْثُوم بنت عَليّ ثَلَاث نسْوَة لَا رَابِعَة لَهُنَّ ولدت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ خليفتين وَهن ولادَة بنت الْعَبَّاس العبسية زَوْجَة عبد الْملك بن مَرْوَان ولدت الْوَلِيد وَسليمَان كل مِنْهُمَا ولي الخلاقة وشاهريد بنت فَيْرُوز بن يزدجرد زَوْجَة الْوَلِيد بن عبد الْملك ولدت لَهُ يزِيد وابراهيم كل مِنْهُمَا ولى الْخلَافَة والخيزران زَوْجَة الْمهْدي ولدت لَهُ مُوسَى الْهَادِي وَهَارُون الرشيد ولى كل مِنْهُمَا الْخلَافَة امْرَأَة لَهَا اثْنَا عشر محرما كل مِنْهُم خَليفَة هِيَ عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة يزِيد أَبوهَا مُعَاوِيَة جدها مُعَاوِيَة بن يزِيد أَخُوهَا عبد الْملك بن مَرْوَان زَوجهَا مَرْوَان بن الحكم حموها يزِيد بن عبد الْملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 ابْنهَا الْوَلِيد وَسليمَان وَهِشَام بَنو زَوجهَا ابراهيم وَيزِيد ابْنا الْوَلِيد ابْنا ابْن زَوجهَا وَنَحْوهَا فَاطِمَة بنت عبد الْملك أَبوهَا عبد الْملك وجدهَا لأَبِيهَا مَرْوَان وإخوتها الْوَلِيد وَسليمَان وَيزِيد وَهِشَام أَوْلَاد عبد الْملك وَبَنُو عَمها الْوَلِيد بن يزِيد وَيزِيد وابراهيم ابْنا الْوَلِيد وَزوجهَا عمر بن عبد الْعَزِيز وجدهَا لأَبِيهَا يزِيد بن مُعَاوِيَة وَأَبُو جدها مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وعمها مُعَاوِيَة بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَقَرِيب مِنْهَا فِي بني الْعَبَّاس زبيدة بنت جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور جدها الْمَنْصُور وأخو جدها السفاح وَزوجهَا الرشيد وعمها الْمهْدي وَابْنهَا الْأمين وابنا زَوجهَا الْمَأْمُون والمعتصم وابنا ابْن زَوجهَا الواثق والمتوكل أم خَليفَة تزوجت بعد خلَافَة ابْنهَا هِيَ أم خَالِد بنت أبي هِشَام أم معاوي بن يزِيد تزوجت بعد موت زَوجهَا مَرْوَان بن الحكم امْرَأَة تزَوجهَا ثَلَاثَة خلفاء هِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 عَبدة بنت عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة تزَوجهَا الْوَلِيد وَهِشَام بن عبد الْملك ومروان بن مُحَمَّد لَيْلَة ولد فِيهَا خَليفَة وَمَات خَليفَة وَولى خَليفَة هِيَ لَيْلَة السبت لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ ولد بهَا الْمَأْمُون وَمَات الْهَادِي واستخلف الرشيد أَعَاجِيب فِي سَعَة أَمْوَال الْخُلَفَاء رَأَيْت فِي بعض التواريخ أَن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ قماشه يحمل على سِتّمائَة جمل وَأَنه خلف عشرَة آلَاف قَمِيص لنَفسِهِ وليقس على ذَلِك بَاقِي أَمْوَاله هَذَا والخلافة بعد لم تبلغ حد العظمة وَحكى الثعالبي أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور مَاتَ عَن تسع مائَة ألف ألف دِرْهَم وَخمسين ألف ألف دِرْهَم وَحكى الصولي أَن الرشيد خلف مائَة ألف ألف دِينَار وَحكى غَيره أَن الرشيد خلف من الْأَمْوَال مَا لم يخلف أحد مثله مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنه خلف من الأثاث وَالْعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 والجوهر وَالْوَرق وَالدَّوَاب مَا قِيمَته مائَة ألف ألف وَخَمْسَة وَعشْرين ألفا خَارِجا عَن الضّيَاع وَالْعَقار وَحكى ابراهيم بن نوح أَن الَّذِي خَلفه المكتفي مِمَّا جمعه المعتضد وَمن بعده مائَة ألف ألف دِينَار والجوهر وَالطّيب وَمَا يجرى مجْرَاه عشرُون ألف ألف دِينَار وَالْكِسْوَة والفرش عشرُون ألف ألف دِينَار والكراع وَالسِّلَاح والغلمان عشرُون ألف ألف دِينَار والضياع وَالْعَقار والأملاك عشرُون ألف ألف دِينَار وَكَانَ فِيمَا أحصى من الْمَتَاع المخلف عَن المكتفي من الثِّيَاب المروزية والخراسانية ثَلَاثَة وَسِتُّونَ ألف ثوب وَمن الملاء ألف ملاءة وَمن العمائم المروزية ثَلَاثَة عشر ألف عِمَامَة وَمن الثِّيَاب المروزية الْمَقْصُورَة أَرْبَعَة آلَاف ثوب خَارِجا عَن الخام وَمن الْحلَل الوشى الْيَمَانِيّ الْمعدة والمنسوجة بِالذَّهَب ألف ألف وثمان مائَة حلَّة وَمن البطائن الَّتِي تحمل من كرمان فِي أنابيب قصب فَارس مِمَّا لم يعْهَد مثله ثَمَانِيَة عشر ألف أنبوبة بِيعَتْ كل أنبوبة مِنْهَا بدينارين وَمَا أحصي فِي خَزَائِن الْفرش من الْبسط الأرمينية وَغَيرهَا ثَمَانِيَة عشر ألف بِسَاط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وَعقد الْمَأْمُون فِي يَوْم وَاحِد لِأَخِيهِ المعتصم على الْمغرب وَأمر لَهُ بِخَمْسِمِائَة ألف دِينَار ولابنه الْعَبَّاس على الثغور والعواصم وَأمر لَهُ بِخَمْسِمِائَة ألف دِينَار ولعَبْد الله بن طَاهِر على الْجَبَل ومحاربة بابك وَأمر لَهُ بثلاثمائة ألف دِينَار ثمَّ أَمر لسَائِر القواد بسبعمائة ألف دِينَار فَكَانَ جملَة مَا فرقه فِي ذَلِك الْيَوْم ألفي ألف دِينَار فَقَالَ عَمْرو بن الْفرج الرخجي هَذَا يَوْم فرق فِيهِ من المَال مَا لم يفرق مثله مذ كَانَت الْحَيَاة وَقد مر أَن المعتصم خلف ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِينَار وَثَمَانِية وَعشْرين ألف دِينَار وَثَمَانِية عشر ألف دَابَّة خَارِجا عَمَّا عدا ذَلِك من الْأَمْوَال وَيُقَال إِن المقتدر خلف نيفا وَسِتِّينَ ألف ألف دِينَار بتكرير الْألف مرَّتَيْنِ وَذَلِكَ مِمَّا جمعه الرشيد وَمن بعده وَلما عملت دَعْوَة الْمَأْمُون حِين تزوج بوران بنت الْحسن بن سهل أَقَامَ أَبوهَا لِلْمَأْمُونِ وَلِجَمِيعِ قواده وَأَصْحَابه بِفَم الصُّلْح أنزالهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا واحتفل بِمَا لم ير مثله نفاسة وَكَثْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 قَالَ الْمبرد سَمِعت الْحسن بن بغا يَقُول كُنَّا نجري أَيَّام مقَام الْمَأْمُون عِنْد الْحسن على سِتَّة وَعشْرين ألف ملاح وَلما كَانَت لَيْلَة الْبناء وجليت بوران على الْمَأْمُون فرش حَصِير من ذهب وجئ بمكتل مرصع فِيهِ در كبار فَنثرَتْ على من حضر من النِّسَاء وفيهن أم جَعْفَر وحمدونة بنت الرشيد فَمَا مس من حصر من الدّرّ شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون شرفن أَبَا مُحَمَّد وأكرمنها فمدت كل وَاحِدَة يَدهَا فَأخذت درة وَبقيت سَائِر الدُّرَر تلوح على حَصِير الذَّهَب فَقَالَ الْمَأْمُون قَاتل الله الْحسن بن هَانِئ كَأَنَّهُ قد رأى هَذَا حَيْثُ يَقُول ... كَأَن صغرى وكبرى من فواقعها حَصْبَاء در على أَرض من الذَّهَب ... وَكَانَ فِي الْمجْلس شمعة عنبر فِيهَا مِائَتَا رَطْل فَضَجَّ الْمَأْمُون من دخانها فَعمِلت لَهُ مثل من الشمع فَكَانَ اللَّيْل مُدَّة مقَامه مثل النَّهَار وَلما كَانَت دَعْوَة القواد نثرت عَلَيْهِم رقاع فِيهَا أَسمَاء ضيَاع فَمن وَقعت فِي يَده رقْعَة بضيعة أشهد لَهُ الْحسن بهَا وَيُقَال إِنَّه أنْفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 فِي هَذِه الدعْوَة أَرْبَعَة آلَاف ألف دِينَار فَلَمَّا أَرَادَ الْمَأْمُون أَن يصعد أَمر لَهُ بِأَلف ألف دِينَار وأقطعه الصُّلْح وعتبه على احتفاله ذَلِك الاحتفال وَحمله على نَفسه فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أيظن ذَلِك من مَال سهل وَالله مَا هُوَ إِلَّا مَالك رد إِلَيْك وَأَرَدْت أَن يفضل الله أيامك ونكاحك كَمَا فضلك على جَمِيع خلقه فَانْظُر إِلَى هَذِه الدعْوَة وَمَا كَانَ فِيهَا وَهِي نغبة فِي بَحر الْخلَافَة وَلما أعذر المتَوَكل ابْنه المعتز جلس بعد فرَاغ القواد والأكابر من الْأكل فَقدمت بَين يَدَيْهِ مرافع ذهب مرصعة بالجوهر وَعَلَيْهَا أَمْثِلَة من العنبر والمسك والند المعجون على جَمِيع الصُّور وَجعلت بساطا ممدودا وأحضر القواد والجلساء وَأَصْحَاب الْمَرَاتِب فَوضعت بَين أَيْديهم صوان من ذهب مرصعة بأصناف الْجَوْهَر من الْجَانِبَيْنِ وَبَين السماطين فُرْجَة وَجَاء الفراشون بزنابيل قد غشيت بِالْأدمِ مَمْلُوءَة دَرَاهِم ودنانير نِصْفَيْنِ نصت فِي الفرجة الَّتِي بَين السماطين حَتَّى ارْتَفَعت على الصواني وَأمر الْحَاضِرُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 أَن يشْربُوا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِمَّن يَأْكُل وَيشْرب من تِلْكَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بِثَلَاث حفنات مَا حملت يَدَيْهِ وَكلما خف مَوضِع صب عَلَيْهِ من تِلْكَ الزنابيل حَتَّى يرد إِلَى حَالَته ووقف غلْمَان فِي آخر الْمجْلس وَقَالُوا إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لكم ليَأْخُذ من شَاءَ مَا شَاءَ فَمد النَّاس أَيْديهم إِلَى المَال فَأَخَذُوهُ وَكَانَ الرجل يثقله مَا مَعَه فَيخرج بِهِ ويسلمه إِلَى غلمانه وَيرجع إِلَى مَكَانَهُ وَلما انْقَضى الْمجْلس خلع على النَّاس ألف خلعة وحملوا على ألف مركب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَأعْتق ألف نسمَة وَحكى العسكري فِي كِتَابه الْأَوَائِل عَن أَحْمد بن حمدون قَالَ عملت أم المستعين قلاية لم يبْق شَيْء حسن إِلَّا جعلته فِيهَا وأنفقت عَلَيْهَا مائَة ألف دِينَار وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَسَأَلت ابْنهَا المستعين أَن يقف عَلَيْهَا قَالَ أَحْمد فَقَالَ لي ولأترجة الْهَاشِمِي اذْهَبَا وانظرا إِلَيْهَا وصفاها لي فمضينا فرأيناها فَمَا رَأينَا فِي الدُّنْيَا شَيْئا حسنا إِلَّا وَقد عمل فِيهَا ومددت أَنا يَدي إِلَى غزال من ذهب ملئ عنبرا عَيناهُ حبتا جَوْهَر وَعَلِيهِ سرج ولجام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وركاب من ذهب فَأَخَذته وَوَضَعته فِي كمي وَجِئْنَا فوصفنا لَهُ حسنها فَقَالَ لَهُ أترجة إِنَّه سرق مِنْهَا وغمز بِهِ عَليّ فَقلت يَا سَيِّدي ألام على مثل هَذَا فَقَالَ ارْجع فَخذ مَا أطقت حمله مِمَّا تريده فَقَالَ أترجة وَأَنا مَعَه قَالَ وَأَنت مَعَه فمضينا فملأنا أكمامنا وخفافنا وفتحنا أقبيتنا وَجَعَلنَا تحتهَا مَا قَدرنَا عَلَيْهِ وعقدنا أَطْرَاف الشفاشح فَوق ذَلِك وأقبلنا نمشي مشي الحبالى فَلَمَّا رآنا ضحك فَقَالَ لَهُ الجلساء فَنحْن مَا ذنبنا قَالَ قومُوا أَنْتُم أَيْضا وَقَالَ المغنون مثل ذَلِك فَأذن لَهُم وَجَاء فَوقف على الطَّرِيق ينظر كَيفَ يحملون مَا مَعَهم ويضحك فَنظر يزِيد المهلبي إِلَى سطل من ذهب مَمْلُوء مسكا فَأَخذه وَخرج فَقَالَ إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى الْحمام فَضَحِك وَأمر الْأَطِبَّاء والخدم والفراشين فانتبهوا الْبَاقِي فوجهت إِلَيْهِ أمه تَقول سر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي جَمِيع أَفعاله كنت أحب أَن ترَاهَا قبل أَن تفرقها فَقَالَ يُعَاد مثلهَا فأعيد مثلهَا فِي مُدَّة شَهْرَيْن إِلَى غير ذَلِك من حكايات أَمْوَالهم الَّتِي لَا يَأْخُذهَا حصر وَلَا تدخل تَحت حد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وَللَّه خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ الثعالبي وَكَانَ يُقَال لبني الْعَبَّاس فِي المَال فَاتِحَة وواسطة وخاتمة فالفاتحة الْمَنْصُور والواسطة الْمَأْمُون والخاتمة المعتضد المعتضد يُقَال إِن مَا جمعه إِلَى الرشيد فرقه الْأمين اعْتِبَار وعظة فِي موت عُظَمَاء الْخُلَفَاء الَّذين ملكوا الأَرْض ودوخوا الْبِلَاد وَأَحَاطُوا بالأقاليم والأقطار وَحمل إِلَيْهِم أموالها قَالَ أَحْمد بن أبي دَاوُد لقد شددت لحيي الْمَأْمُون والمعتصم والواثق بيَدي فَمَا تهَيَّأ لي فِي الْقيام على وَاحِد مِنْهُم عِنْد تِلْكَ الْحَالة وجود خرقَة أَشد بهَا لحييْهِ وَإِنَّمَا كَانَ معولي على الدراريع الَّتِي تكون معي أخرق مِنْهَا وَلما مَاتَ المكتفي شغل النَّاس عَن مواراته بِأَمْر المقتدر الْمُسْتَخْلف بعده فاجتاز بِهِ صَاحب خزانَة الْكسْوَة فَوجدَ على وَجهه رِدَاء قصب فَأَخذه وَقَالَ هَذَا أطالب بِهِ فاجتاز بِهِ بعض خدمه فَبكى لما رَآهُ مكشوفا فَأخذ منديلا كَانَ على رَأسه فنشره على وَجهه وَلما نقل إِلَى دَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 الْغسْل والتكفين لم تُوجد مجمرة يبخر فِيهَا فَأخذت غضارة من غضائر الخزف الْأَحْمَر فبخر فِيهَا الْموضع وَكَانَ مِمَّا خَلفه أُلُوف من مجامر الذَّهَب وَالْفِضَّة وَقد مر ذكر مَا خَلفه فِي الْكَلَام عَن سَعَة أَمْوَال الْخُلَفَاء قبل هَذَا وَللَّه أَبُو نواس حَيْثُ يَقُول ... إِذا اختبر الدُّنْيَا لَبِيب تكشفت لَهُ عَن عَدو فِي ثِيَاب صديق ... عِبْرَة قَالَ الصولي حَدثنِي الْحُسَيْن بن يحيى الْكَاتِب قَالَ لما ولى المعتز لم يمض إِلَّا مُدَّة حَتَّى أحضر النَّاس وَأخرج الْمُؤَيد فَقيل اشْهَدُوا أَنه دعِي فَأجَاب وَلَيْسَ بِهِ أثر ثمَّ مَضَت أشهر فأحضر النَّاس وَأخرج المستعين فَقَالَ إِن منيته أَتَت عَلَيْهِ وَهَا هُوَ لَا أثر فِيهِ فَاشْهَدُوا ثمَّ مَضَت مديدة واستخلف الْمُهْتَدي فَأخْرج المعتز مَيتا وَقيل اشْهَدُوا أَنه قد مَاتَ حتف أَنفه وَلَا أثر بِهِ ثمَّ لم تكمل السّنة حَتَّى اسْتخْلف الْمُعْتَمد فَأخْرج الْمُهْتَدي مَيتا وَقيل اشْهَدُوا أَنه قد مَاتَ حتف أَنفه من جراحته فتعجب النَّاس من تلاحقهم فِي مُدَّة يسيرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 مثلهَا لما اشتدت عِلّة الواثق دخل أيتاخ لينْظر إِلَيْهِ هَل مَاتَ أم لَا فَلَمَّا دنا مِنْهُ نظر إِلَيْهِ الواثق بمؤخر عَيْنَيْهِ فَفَزعَ أيتاخ وجزع وَخرج الْقَهْقَرِي فَسقط على وَجهه هَيْبَة مِنْهُ فاندقت يَده وانكسر سَيْفه فَلم يمض إِلَّا سَاعَة حَتَّى مَاتَ الواثق فَعدل بِهِ إِلَى بَيت ليغسل فِيهِ فَجَاءَت فَأْرَة فَأكلت عينا فزع من لحظها أيتاخ حَتَّى تراجع وَسقط على سَيْفه فانكسر وَذَلِكَ فِي بعض يَوْم نظيرها لما جىء بِرَأْس مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر خلفاء بني أُميَّة إِلَى عبد الله بن عَليّ أَمر بعزله فَجَاءَت هرة فَقطعت لِسَانه وَجعلت تمضغه فَقَالَ عبد الله بن عَليّ أَو غَيره لَو لم يرنا الدَّهْر من عجائبه إِلَّا لِسَان مَرْوَان فِي فَم هَذِه لَكَفَانَا وَكَانَ مَرْوَان قبل ذَلِك قد عرض فِي ظهر الْحيرَة سبعين ألف عَرَبِيّ على سبعين ألف فرس ثمَّ قَالَ إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لم تَنْفَع الْعدة تعقيب قد تقدم فِي الْكَلَام على تراجم خلفاء بني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الْعَبَّاس بالديار المصرية أَنه مذ نقلت الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية رادف خلفاؤها الْخُلَفَاء الماضين فِي القاب الْخلَافَة فتلقب أَحْمد بن الظَّاهِر أول من بُويِعَ بهَا بالمستنصر وتلقب أَحْمد بن الْحُسَيْن بعده بالحاكم وتلقب ابْنه بعده بالمستكفي ثمَّ تلقب بَنو المستكفي بالحاكم والواثق والمعتضد على مَا تقدم بَيَانه فِي تراجمهم وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي إِذا لم يتأت الْإِتْيَان بألقاب جَدِيدَة متقضبة وَذَلِكَ أَمر غير مُمْتَنع فَكَانَ من حَقهم أَن يقتضبوا لكل وَاحِد لقبا غير مَا تقدم وَقد ذكر فِي نقط الْعَرُوس ألقابا تصلح للخلافة لم يتلقب بهَا أحد فعد مِنْهَا الْمعول على الله والمؤمل لله الرَّاغِب إِلَى الله السَّاعِي لله المحي لدين الله المستجيش بِاللَّه الْمُؤثر للحق فِي الله المرتقب فِي الله المراقب لله المتعزز بِاللَّه المستعد بِاللَّه المسدد بِاللَّه السديد بِاللَّه الشَّديد بِاللَّه المستهدي بِاللَّه المستعصم بِاللَّه العاضد لحق الله المعان بِاللَّه الْكَافِي فِي الله الْمظهر لدين الله الحامي فِي الله المحتمي فِي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 الراجي لله المرتجي لله المكتفي بِاللَّه المرضي لأمر الله الْمُسلم لله المستسلم لله المحامي فِي الله المرشد إِلَى الله المحافظ فِي الله الْمَحْفُوظ بِاللَّه العائذ بِاللَّه اللائذ بِاللَّه الصادع عَن الله الْمُسْتَند إِلَى الله الذاب عَن دين الله وَهَذِه لم يتسم بهَا أحد من الْخُلَفَاء إِلَى الْآن وعد مِنْهَا المستكفي بِاللَّه الْحَافِظ لدين الله والمستعلي بِاللَّه وَهَذِه قد تلقب بهَا بعد زَمَانه فالمستكفي تلقب بهَا بعض خلفاء بني الْعَبَّاس والحافظ لدين الله والمستعلي بِاللَّه تلقب بهما بعض الْخُلَفَاء الفاطميين بِمصْر على أَن المتتبع لَو تتبع ذَلِك لأتى مِنْهُ بِالْقدرِ الْكَبِير وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الخاتمة فِيمَا يخْتَص بِالْإِمَامِ الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر الْمَوْضُوع لَهُ هَذَا الْكتاب وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي نسبه هُوَ الإِمَام الْأَعْظَم المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن الإِمَام المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر ابْن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير الْحُسَيْن بن الْأَمِير أبي بكر بن الْأَمِير عَليّ الْمَعْرُوف بالقبي بن الْأَمِير حسن بن الراشد بِاللَّه أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بن المسترشد بِاللَّه أبي مَنْصُور الْفضل بن المستظهر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله أبي مُحَمَّد عبد الله بن ذخيرة الدّين ولي عهد الْمُسلمين مُحَمَّد بن الْقَائِم بِأَمْر الله أبي جَعْفَر عبد الله بن الْقَادِر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 إِسْحَاق بن المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير الْمُوفق طَلْحَة بن المتَوَكل على الله أبي الْفضل جَعْفَر بن المعتصم بِاللَّه أبي اسحاق مُحَمَّد بن الرشيد أبي مُحَمَّد هَارُون بن الْمهْدي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْمَنْصُور أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد الْكَامِل بن عَليّ السَّجَّاد بن عبد الله حبر الْأمة بن الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب ابْن مرّة بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن اسماعيل بن ابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بن تارح وَهُوَ آزر بن ناحور بن شاروح بن راغو بن فالغ بن عَابِر بن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام بن لامك بن متوشلح بن خنوخ وَهُوَ ادريس عَلَيْهِ السَّلَام بن برد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا مَا ذكره ابْن إِسْحَاق فِي سيرته وَفِي كثير من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 التواريخ مَا يُخَالف فِي بعض هَذِه الْأَسْمَاء فَيُقَال فِي نابت نبت وَفِي لامك لمك وَفِي خنوخ أَخْنُوخ بِأَلف فِي أَوله وَفِي مهليل مهلاييل وَفِي قينن قينان وَفِي يانش أنوش والمتفق عَلَيْهِ إِلَى عدنان وَفِيمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى آدم اخْتِلَاف كثير قلت وعَلى هَذَا النّسَب يكون من أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام خَمْسَة وَسَبْعُونَ أَبَا مِنْهُ إِلَى الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة وَعِشْرُونَ أَبَا وَمن الْعَبَّاس إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام سِتَّة واربعون أَبَا وَيكون نسبه الشريف قد اشْتَمَل على ثَمَانِيَة عشر خَليفَة مِنْهُم أَرْبَعَة خلفاء بِمصْر وهم المتَوَكل والمعتضد والمستكفي وَالْحَاكِم وَثَلَاثَة عشر خَليفَة بالعراق وَهُوَ الراشد والمسترشد والمستظهر والمقتدي والقائم والقادر والمقتدر والمعتضد والمتوكل والمعتصم والرشيد وَالْمهْدِي والمنصور وصحابيان وهما الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْنه حبر الْأمة عبد الله وَسِتَّة أَنْبيَاء وهم اسماعيل وابراهيم ونوح وادريس وشيث وآدَم عَلَيْهِم السَّلَام ويلتقي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَاشم وَكَذَلِكَ مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 ويلتقي مَعَ أبي بكر الصّديق فِي مرّة بن كَعْب وَمَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب فِي كَعْب بن مرّة وَمَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَسَائِر خلفاء بني أُميَّة فِي عبد منَاف وَمَعَ عبد الله بن الزبير فِي قصي بن كلاب وَأكْرم بِهِ من نسب طَابَ أَصله وزكت فروعه الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر طرف من مناقبه وأوصافه هُوَ أجل من نطقت بمفاخره الأقلام وَحبر فِي وَصفه الْكَلَام وأجمل اللِّسَان فِي محاسنه البث وأعمل الْبَيَان نجب الأقلام فِي رقم محامده الْحَث وأتى بشيمه الَّتِي كم عطف هزته وَكم جواد فخار لزته وَكم عز أسمعته وسامع أعزته ومهارق عَادَتْ بتسطير مناقبه حبرًا وجم فَضَائِل كَانَت لذَلِك مُبْتَدأ وخبرا ... فَهِيَ الشيم الَّتِي لَو تجسدت لكَانَتْ لوجه الدَّهْر عينا وحاجبا ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 من بخلافته فَخر الْعَصْر وَمن لَا تدْرك معاليه بإحصاء وَلَا حصر وَمن أَتَت صِفَاته من كل فضل بِالْجمعِ إِذا أَتَى غَيرهَا بِالْقصرِ وَمن غَدا بَابه الشريف محط رحال الآمال وملقى عَصا الترحال وسبيل غيث الجدا ومطلع نجم الْهدى وَمحل مَحل الحبا وموطن الْجُود والحبا لَا تعن لَهُ فرْصَة خير إِلَّا انتهزها وَلَا شاردة مثوبة إِلَّا أحرزها وَلَا مساءة إِلَّا حجبها وَلَا مبرة إِلَّا أبرزها فَلَا لِسَان عَن ذكر محاسنه عشا وَلَا ملك إِلَّا وَمن بَابه أَو بَاب آبَائِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين انتشى فَهُوَ على الْحَقِيقَة إِمَام الدّين وَخَلِيفَة الْإِسْلَام وَالْإِمَام الَّذِي اتَّصل نسبه بالأئمة فَهُوَ الإِمَام بن الإِمَام بن الإِمَام مَا تكلم إِلَّا أَتَى بِكُل معجب معجز وَلَا تحدث فأوجز إِلَّا ود الْمُحدث أَنه لم يوجز فَلَو كَانَ الْفَصْل راية لَكَانَ عرابتها أَو وُجُوهًا لَكَانَ وسامتها كم حلى من جيد وَأعَاد بمسرة الْإِحْسَان إِلَى الْخلق من عيد وأجرى من صدقَات وَنحل أبكار الْمَعَالِي من صدقَات وأضحى لأولي الرتب بِبَابِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 الشريف ازدحام ولثغر الرَّجَاء برحابه ابتسام فَالْمَال فِي وُجُوه الْمَعْرُوف يصرفهُ وَفِي المبرات يفنيه وَفِي القربات يتلفه ... فصير الشّطْر إنعاما وموهبة وصير الشّطْر أحباسا وأوقافا ... فساحته الَّتِي يأوي إِلَيْهَا الظاعن وَلَا يظعن عَنْهَا الْمُقِيم وبره الَّذِي غَدا للسَّائِل المنيل وَفِي دَعَتْهُ المنيم فمنهل بَابه العذب كثير الزحام ومسلكه العال للطلاب سهل الاقتحام وأفضاله متسقة الفرائد وبره يَانِع الرَّوْض للرائد فلجبهة الْخلَافَة مِنْهُ غرر ولأفقها من طلعته الميمونة نجم يربى على الْقَمَر فَكل رِدَاء يرتديه جميل وكل أَوْصَافه لَهَا إِلَى حسن الثَّنَاء سَبِيل حاجات الْمُضْطَرين توافيه فيقضيها وساعات يَوْمه فِي اصطناع الْمَعْرُوف يَقْضِيهَا ورحابه الفسيحة مستجمع الرَّائِح من النَّاس والغادي وملجأ الْحَاضِر والبادي ... لملتمسي الْحَاجَات جمع بِبَابِهِ فَهَذَا لَهُ شَأْن وَهَذَا لَهُ شَأْن فللبائس النعمى وللمعدم الْغنى وللضاعن المأوى وللخائف الْأَمْن ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 فَلَا رَاحَة تَخْلُو من رَاحَة جوده وَلَا ساحة أمل تقفر من وفوده وَلَا مُنْقَطع إِلَّا وَله مِنْهُ صلَة وعائد وَلَا سَائل إِلَّا أجري من عطائه على أجمل العوائد قطوف الأجور لَدَيْهِ دانية ومعروفة الْمَعْرُوف يسري إِلَى كَافَّة الآنام سرا وَعَلَانِيَة فَلم يَأْتِ أحد يمثل إيثاره وَلم يسْتَطع فِي الْخَيْر سلوك آثاره فالرواة تَتَحَدَّث بأخباره والحداة تترنم بأسماره وَالْأمة تلقى عَصا تسيارها لَدَيْهِ وتهرع من كل فج إِلَيْهِ فتجد مآثره لَا تحصى عجائبها وَلَا تعد فرائدها وغرائبها وأنى تحصر مآثره وَهل تحصر الْبحار بمقال أَو يُحْصى وافر كرمه وَهل تحصى الرمال ... وَقد وجدت مَكَان القَوْل ذَا سَعَة وَإِن وجدت لِسَانا قَائِلا فَقل ... والمسئول من الله تَعَالَى أَن يديم أَيَّامه دواما لَا ينقصهُ اختزال ويمد رواق دولته مدا لَا يَعْتَرِيه زَوَال وَيجْعَل مدحه الظاعن وشخصه الْمُقِيم ويمنحه فِي هَذِه الدَّار النِّعْمَة وَفِي الدَّار الْآخِرَة النَّعيم إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381